بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 3

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.

عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 3: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.

عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].

مظهر: ج - عينة.

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].

ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).

ملاحظة: فهرس.

محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-

عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق

ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح

تصنيف ديوي: 297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946

ص: 1

كتاب التوحید

اشارة

و هو المجلد الثانی من كتاب بحار الأنوار تألیف المذنب الخاطی الخاسر محمد المدعو بباقر ابن مروج أخبار الأئمة الطاهرین و محیی آثار أهل بیت سید المرسلین صلی اللّٰه علیه و آله أجمعین محمد الملقب بالتقی حشره اللّٰه تعالی مع موالیه شفعاء یوم الدین

باب 1 ثواب الموحدین و العارفین و بیان وجوب المعرفة و علته و بیان ما هو حق معرفته تعالی

«1»-ید، التوحید لی، الأمالی للصدوق حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِیُّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ یَحْیَی بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ (1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْحَقِّ بَشِیراً لَا یُعَذِّبُ اللَّهُ بِالنَّارِ مُوَحِّداً أَبَداً وَ إِنَّ أَهْلَ التَّوْحِیدِ لَیَشْفَعُونَ فَیُشَفَّعُونَ ثُمَّ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِقَوْمٍ سَاءَتْ أَعْمَالُهُمْ فِی دَارِ الدُّنْیَا إِلَی النَّارِ فَیَقُولُونَ یَا رَبَّنَا كَیْفَ تُدْخِلُنَا النَّارَ وَ قَدْ كُنَّا نُوَحِّدُكَ فِی دَارِ الدُّنْیَا وَ كَیْفَ تُحْرِقُ بِالنَّارِ أَلْسِنَتَنَا وَ قَدْ نَطَقَتْ بِتَوْحِیدِكَ فِی


1- بكسر العین المهملة و سكون الكاف و كسر الراء المهملة هو مولی ابن عبّاس یكنی أبا عبد اللّٰه كان من علماء العامّة، سمع من ابن عبّاس، مات سنة 105 و 107 علی اختلاف و لم یرد من الاخبار أو علماء الرجال ما یدلّ علی توثیقه

دَارِ الدُّنْیَا وَ كَیْفَ تُحْرِقُ قُلُوبَنَا وَ قَدْ عَقَدَتْ عَلَی أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَمْ كَیْفَ تُحْرِقُ وُجُوهَنَا وَ قَدْ عَفَّرْنَاهَا لَكَ فِی التُّرَابِ (1) أَمْ كَیْفَ تُحْرِقُ أَیْدِیَنَا وَ قَدْ رَفَعْنَاهَا بِالدُّعَاءِ إِلَیْكَ فَیَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عِبَادِی سَاءَتْ أَعْمَالُكُمْ فِی دَارِ الدُّنْیَا فَجَزَاؤُكُمْ نَارُ جَهَنَّمَ فَیَقُولُونَ یَا رَبَّنَا عَفْوُكَ أَعْظَمُ أَمْ خَطِیئَتُنَا فَیَقُولُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بَلْ عَفْوِی فَیَقُولُونَ رَحْمَتُكَ أَوْسَعُ أَمْ ذُنُوبُنَا فَیَقُولُ عَزَّ وَ جَلَّ بَلْ رَحْمَتِی فَیَقُولُونَ إِقْرَارُنَا بِتَوْحِیدِكَ أَعْظَمُ أَمْ ذُنُوبُنَا فَیَقُولُ تَعَالَی بَلْ إِقْرَارُكُمْ بِتَوْحِیدِی أَعْظَمُ فَیَقُولُونَ یَا رَبَّنَا فَلْیَسَعْنَا عَفْوُكَ وَ رَحْمَتُكَ الَّتِی وَسِعَتْ كُلَّ شَیْ ءٍ فَیَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ مَلَائِكَتِی وَ عِزَّتِی وَ جَلَالِی مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحَبَّ إِلَیَّ مِنَ الْمُقِرِّینَ بِتَوْحِیدِی وَ أَنْ لَا إِلَهَ غَیْرِی وَ حَقٌّ عَلَیَّ أَنْ لَا أُصْلِیَ أَهْلَ تَوْحِیدِی أَدْخِلُوا عِبَادِیَ الْجَنَّةَ.

بیان: قوله و حق علی الظاهر أنه اسم أی واجب و لازم علی و یمكن أن یقرأ علی صیغة الماضی المعلوم و المجهول قال الجوهری قال الكسائی یقال حق لك أن تفعل هذا و حققت أن تفعل هذا بمعنی و حق له أن یفعل كذا و هو حقیق به و محقوق به أی خلیق له و حق الشی ء یحق بالكسر أی وجب و قال یقال صلیت الرجل نارا إذا أدخلته النار و جعلته یصلاها فإن ألقیته فیها إلقاء كأنك ترید الإحراق قلت أصلیته بالألف و صلیته تصلیة و قال صلی فلان النار یصلی صلیا احترق.

«2»-ید، التوحید لی، الأمالی للصدوق الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ الْقُشَیْرِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی الْكِلَابِیِّ عَنْ مُوسَی بْنِ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ (2) عَنْ أَبِیهِ

ص: 2


1- عفّر وجهه بالتراب أی مرغه و دسه فیه.
2- هو صاحب كتاب الجعفریات، المترجم فی ص 19 من رجال النجاشیّ بأنّه سكن مصر و ولده بها، و له كتب یرویها عن أبیه، عن آبائه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الدعاء، كتاب السنن و الآداب، كتاب الرؤیا. أخبرنا الحسین بن عبید اللّٰه قال: حدّثنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل، قال: حدّثنا أبو علیّ محمّد بن محمّد الاشعث بن محمّد الكوفیّ بمصر قراءة علیه، قال حدّثنا موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر قال: حدّثنا أبی بكتبه انتهی. أقول: و یسمی الجعفریات الاشعثیات أیضا لروایة محمّد بن محمّد الاشعث ذلك، و للعلامة النوریّ حول الكتاب و صاحبه كلام فی ج 3 من المستدرك ص 290.

عَنْ أَبِیهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ مَا جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَیْهِ بِالتَّوْحِیدِ إِلَّا الْجَنَّةُ.

ما، الأمالی للشیخ الطوسی شیخ الطائفة عن الحسین بن عبید اللّٰه الغضائری عن الصدوق بالإسناد مثله- ما، الأمالی للشیخ الطوسی جماعة عن أبی المفضل عن أحمد بن إسحاق بن عباس بن إسحاق بن موسی بن جعفر عن أبیه عن جده عن أبیه موسی بن جعفر عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السلام مثله.

«3»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَیْدٍ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله التَّوْحِیدُ ثَمَنُ الْجَنَّةِ الْخَبَرَ.

«4»-ع، علل الشرائع ل، الخصال فِی خَبَرِ أَسْمَاءِ النَّبِیِّ وَ أَوْصَافِهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ جَعَلَ اسْمِی فِی التَّوْرَاةِ أُحَیْدَ فَبِالتَّوْحِیدِ حَرَّمَ أَجْسَادَ أُمَّتِی عَلَی النَّارِ.

«5»-ثو، ثواب الأعمال ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ مَا مِنْ شَیْ ءٍ أَعْظَمَ ثَوَاباً مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یَعْدِلُهُ شَیْ ءٌ وَ لَا یَشْرَكُهُ فِی الْأَمْرِ أَحَدٌ.

بیان: لعل التعلیل مبنی علی أنه إذا لم یعدله تعالی شی ء لا یعدل ما یتعلق بألوهیته و كماله و وحدانیته شی ء إذ هذه الكلمة الطیبة أدل الأذكار علی وجوده و وحدانیته و اتصافه بالكمالات و تنزهه عن النقائص و یحتمل أن یكون المراد أنها لما كانت أصدق الأقوال فكانت أعظمها ثوابا.

«6»-ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی ضَمِنَ لِلْمُؤْمِنِ ضَمَاناً قَالَ قُلْتُ وَ مَا هُوَ قَالَ ضَمِنَ لَهُ إِنْ هُوَ أَقَرَّ لَهُ بِالرُّبُوبِیَّةِ وَ لِمُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله بِالنُّبُوَّةِ وَ لِعَلِیٍّ علیه السلام بِالْإِمَامَةِ وَ أَدَّی مَا افْتَرَضَهُ عَلَیْهِ أَنْ یُسْكِنَهُ فِی جِوَارِهِ قَالَ قُلْتُ فَهَذِهِ

ص: 3

وَ اللَّهِ هِیَ الْكَرَامَةُ الَّتِی لَا یُشْبِهُهَا كَرَامَةُ الْآدَمِیِّینَ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام اعْمَلُوا قَلِیلًا تَتَنَعَّمُوا كَثِیراً.

«7»-ید، التوحید الْهَمَدَانِیُّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ زِیَادٍ الْكَرْخِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ مَاتَ وَ لَا یُشْرِكُ بِاللَّهِ شَیْئاً أَحْسَنَ أَوْ أَسَاءَ دَخَلَ الْجَنَّةَ.

ید، التوحید القطان عن السكری عن الجوهری عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبیه عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله مثله.

«8»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنِ ابْنِ أَسْبَاطٍ عَنِ الْبَطَائِنِیِّ (1) عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ أَهْلُ التَّقْوی وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَی وَ لَا یُشْرِكَ بِی عَبْدِی شَیْئاً وَ أَنَا أَهْلٌ إِنْ لَمْ یُشْرِكْ بِی عَبْدِی شَیْئاً أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَ قَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ وَ جَلَالِهِ أَنْ لَا یُعَذِّبَ أَهْلَ تَوْحِیدِهِ بِالنَّارِ أَبَداً.

«9»-ید، التوحید السِّنَانِیُّ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَالِمٍ (2) عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی حَرَّمَ أَجْسَادَ الْمُوَحِّدِینَ عَلَی النَّارِ.

«10»-ثو، ثواب الأعمال ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَیْفٍ عَنْ أَخِیهِ

ص: 4


1- بالباء المفتوحة و الطاء المهملة المفتوحة و الالف ثمّ الهمزة المكسورة، هو علیّ بن أبی حمزة سالم المترجم فی ص 175 من رجال النجاشیّ بقوله: علی بن أبی حمزة، و اسم أبی حمزة سالم البطائنی أبو الحسن، مولی الأنصار، كوفیّ. و كان قائد أبی بصیر یحیی بن القاسم، و له أخ یسمی جعفر بن أبی حمزة، روی عن أبی الحسن موسی و روی عن أبی عبد اللّٰه علیهما السلام، ثمّ وقف؛ و هو أحد عمد الواقفة، و صنف كتبا عدة، منها: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب التفسیر و أكثره عن أبی بصیر، كتاب جامع فی أبواب الفقه- ثم ذكر طرقه إلی كتبه- و روی الكشّیّ فی ص 225 من كتابه روایات تدل علی ذمه جدا-.
2- هو البطائنی المتقدم.

عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ (1) عَنْ أَبِی الزُّبَیْرِ (2) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: الْمُوجِبَتَانِ مَنْ مَاتَ یَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ مَنْ مَاتَ یُشْرِكُ بِاللَّهِ شَیْئاً یَدْخُلُ النَّارَ.

«11»-ثو، ثواب الأعمال لی، الأمالی للصدوق ید، التوحید بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ سَیْفٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: كُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ مَنْ أَبَی أَنْ یَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

بیان: إشارة إلی قوله تعالی وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ

«12»-ید، التوحید أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَبِی بَكْرٍ الْخُوزِیُّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ الْخُوزِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَیْبَارِیِّ وَ یُقَالُ لَهُ الْهَرَوِیُّ وَ النَّهْرَوَانِیُّ وَ الشَّیْبَانِیُّ عَنِ الرِّضَا عَلِیِّ بْنِ مُوسَی عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِ بِالتَّوْحِیدِ إِلَّا الْجَنَّةُ (3).

«13»-ید، التوحید وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةٌ عَظِیمَةٌ كَرِیمَةٌ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَنْ قَالَهَا مُخْلِصاً اسْتَوْجَبَ الْجَنَّةَ وَ مَنْ قَالَهَا كَاذِباً عَصَمَتْ مَالَهُ وَ دَمَهُ وَ كَانَ مَصِیرُهُ إِلَی النَّارِ.

بیان: قوله علیه السلام: و من قالها كاذبا أی فی الإخبار عن الإذعان لها و التصدیق بها.

«14»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام ید، التوحید مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الشَّاهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّیْسَابُورِیِّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبَّاسٍ الطَّائِیُّ بِالْبَصْرَةِ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی فِی سَنَةِ سِتِّینَ وَ مِائَتَیْنِ قَالَ حَدَّثَنِی عَلِیُّ بْنُ مُوسَی الرِّضَا علیه السلام سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ سِتِّینَ وَ مِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی

ص: 5


1- حكی عن رجال الشیخ انه عده من أصحاب الباقر و الصادق علیهما السلام، و عن تقریب أن حجاج بن ارطاة الكوفیّ القاضی أحد الفقهاء، صدوق كثیر الخطاء و التدلیس، من السابعة، مات سنة خمس و أربعین أی بعد المائة. انتهی. أقول: لم نقف فی رجال الخاصّة علی ما یدلّ علی توثیقه.
2- لم نقف علی اسمه و علی ما یدلّ علی توثیقه، نعم ربما یستفاد ممّا ورد فی ص 27 و 29 من رجال الكشّیّ فی ترجمة جابر بن عبد اللّٰه كون الرجل إمامیا حیث روی عن جابر حدیث «علی خیر البشر، فمن أبی فقد كفر» و یأتی الحدیث فی محله.
3- تقدم مثله مع صدر تحت الرقم 2.

مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیٍّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِی فَمَنْ دَخَلَهُ أَمِنَ مِنْ عَذَابِی.

«15»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام ید، التوحید مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ النَّیْسَابُورِیُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْخَزْرَجِیِّ عَنْ أَبِی الصَّلْتِ الْهَرَوِیِّ (1) قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا علیه السلام حِینَ رَحَلَ مِنْ نَیْسَابُورَ وَ هُوَ رَاكِبٌ بَغْلَةً شَهْبَاءَ فَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ وَ یَحْیَی بْنُ یَحْیَی وَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَیْهِ وَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ تَعَلَّقُوا بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ فِی الْمُرَبَّعَةِ فَقَالُوا بِحَقِّ آبَائِكَ الطَّاهِرِینَ حَدِّثْنَا بِحَدِیثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِیكَ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْعَمَّارِیَّةِ وَ عَلَیْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ ذُو وَجْهَیْنِ وَ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی الْعَبْدُ الصَّالِحُ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ بَاقِرُ عِلْمِ الْأَنْبِیَاءِ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ سَیِّدُ الْعَابِدِینَ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی سَیِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْحُسَیْنُ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ سَمِعْتُ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ إِنِّی أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِی وَ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِالْإِخْلَاصِ دَخَلَ فِی حِصْنِی وَ مَنْ دَخَلَ فِی حِصْنِی أَمِنَ مِنْ عَذَابِی.

بیان: قال الجوهری الشهبة فی الألوان البیاض الذی غلب علی السواد و قال المربع موضع القوم فی الربیع خاصة أقول یحتمل أن یكون المراد بالمربعة الموضع المتسع الذی كانوا یخرجون إلیه فی الربیع للتنزه أو الموضع الذی كانوا یجتمعون فیه للعب من قولهم ربع الحجر إذا أشاله و رفعه لإظهار القوة و سمعت جماعة من أفاضل نیسابور أن المربعة اسم للموضع الذی علیه الآن نیسابور إذ كانت البلدة فی زمانه علیه السلام فی مكان آخر قریب من هذا الموضع و آثارها الآن معلومة و كان هذا الموضع من أعمالها و قراها و إنما كان یسمی بالمربعة لأنهم كانوا یقسمونه بالرباع

ص: 6


1- اسمه عبد السلام بن صالح و هو ثقة عند الخاصّة و العامّة، و من عدا الشیخ و العلامة فی القسم الثانی من الخلاصة صرحوا بكون الرجل إمامیا، و لكن الشیخ فی رجاله و العلامة فی القسم الثانی قالا: إنّه عامی

الأربعة فكانوا یقولون ربع كذا و ربع كذا و قالوا هذا الاصطلاح الآن أیضا دائر بیننا معروف فی دفاتر السلطان و غیرها و قال الجوهری المطرف و المطرف واحد المطارف و هی أردیة من خز مربعة لها أعلام قال الفراء و أصله الضم لأنه فی المعنی مأخوذ من أطرف أی جعل فی طرفیه العلمان و لكنهم استثقلوا الضمة فكسروه.

«16»-ثو، ثواب الأعمال مع، معانی الأخبار ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ الصُّوفِیِّ عَنْ یُوسُفَ بْنِ عَقِیلٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَیْهِ قَالَ: لَمَّا وَافَی أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام نَیْسَابُورَ وَ أَرَادَ أَنْ یَخْرُجَ مِنْهَا إِلَی الْمَأْمُونِ اجْتَمَعَ عَلَیْهِ أَصْحَابُ الْحَدِیثِ فَقَالُوا لَهُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ تَرْحَلُ عَنَّا وَ لَا تُحَدِّثُنَا بِحَدِیثٍ فَنَسْتَفِیدَهُ مِنْكَ وَ كَانَ قَدْ قَعَدَ فِی الْعَمَّارِیَّةِ فَأَطْلَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِی مُوسَی بْنَ جَعْفَرٍ یَقُولُ سَمِعْتُ أَبِی جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ یَقُولُ سَمِعْتُ أَبِی مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ یَقُولُ سَمِعْتُ أَبِی عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ یَقُولُ سَمِعْتُ أَبِی الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ یَقُولُ سَمِعْتُ أَبِی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام یَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ سَمِعْتُ جَبْرَئِیلَ یَقُولُ سَمِعْتُ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ یَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِی فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِی أَمِنَ عَذَابِی قَالَ فَلَمَّا مَرَّتِ الرَّاحِلَةُ نَادَانَا بِشُرُوطِهَا وَ أَنَا مِنْ شُرُوطِهَا.

قال الصدوق رحمه اللّٰه من شروطها الإقرار للرضا علیه السلام بأنه إمام من قبل اللّٰه عز و جل علی العباد مفترض الطاعة علیهم.

«17»-ید، التوحید أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِیمٍ السَّرَخْسِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِیسَ الشَّامِیِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْرَائِیلَ عَنْ جَرِیرٍ (1) عَنْ عَبْدِ الْعَزِیزِ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِی ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ لَیْلَةً مِنَ اللَّیَالِی فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَمْشِی وَحْدَهُ لَیْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ یَكْرَهُ أَنْ یَمْشِیَ مَعَهُ أَحَدٌ قَالَ فَجَعَلْتُ أَمْشِی فِی ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِی فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَبُو ذَرٍّ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ یَا أَبَا ذَرٍّ تَعَالَ فَمَشَیْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ إِنَّ الْمُكْثِرِینَ هُمُ الْأَقَلُّونَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَیْراً فَنَفَخَ فِیهِ بِیَمِینِهِ وَ شِمَالِهِ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ وَرَاءَهُ وَ عَمِلَ فِیهِ خَیْراً قَالَ فَمَشَیْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ اجْلِسْ هَاهُنَا

ص: 7


1- و فی نسخة: عن حریز.

وَ أَجْلَسَنِی فِی قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ فَقَالَ لِی اجْلِسْ حَتَّی أَرْجِعَ إِلَیْكَ قَالَ وَ انْطَلَقَ فِی الْحَرَّةِ حَتَّی لَمْ أَرَهُ وَ تَوَارَی عَنِّی فَأَطَالَ اللَّبْثَ ثُمَّ إِنِّی سَمِعْتُهُ علیه السلام وَ هُوَ مُقْبِلٌ وَ هُوَ یَقُولُ وَ إِنْ زَنَی وَ إِنْ سَرَقَ قَالَ فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّی قُلْتُ یَا نَبِیَّ اللَّهِ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ مَنْ تُكَلِّمُهُ فِی جَانِبِ الْحَرَّةِ فَإِنِّی مَا سَمِعْتُ أَحَداً یَرُدُّ عَلَیْكَ شَیْئاً قَالَ ذَاكَ جَبْرَئِیلُ عَرَضَ لِی فِی جَانِبِ الْحَرَّةِ فَقَالَ بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا یُشْرِكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ شَیْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ قُلْتُ یَا جَبْرَئِیلُ وَ إِنْ زَنَی وَ إِنْ سَرَقَ قَالَ نَعَمْ وَ إِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ-.

قال الصدوق رحمه اللّٰه یعنی بذلك أنه یوفق للتوبة حتی یدخل الجنة بیان قال الجزری فیه المكثرون هم المقلون إلا من نفخ فیه یمینه و شماله أی ضرب یدیه فیه بالعطاء النفخ الضرب و الرمی.

أقول: یظهر من الأخبار أن الإخلال بكل ما یجب الاعتقاد به و إنكاره یوجب الخروج عن الإسلام داخل فی الشرك و التوحید الموجب لدخول الجنة مشروط بعدمه (1) فلا یلزم من ذلك دخول المخالفین الجنة (2) و أما أصحاب الكبائر من الشیعة فلا استبعاد فی عدم دخولهم النار و إن عذبوا فی البرزخ و فی القیامة مع أنه لیس فی الخبر أنهم لا یدخلون النار و قد ورد فی بعض الأخبار أن ارتكاب بعض الكبائر و ترك بعض الفرائض أیضا داخلان فی الشرك فلا ینبغی الاغترار بتلك الأخبار و الاجتراء بها علی المعاصی و علی ما عرفت لا حاجة إلی ما تكلفه الصدوق قدس سره.

«18»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ بِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِیرٍ الدَّهَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الصَّادِقَ علیه السلام فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنِی أَیُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ تَوْحِیدُكَ لِرَبِّكَ قَالَ فَمَا أَعْظَمُ الذُّنُوبِ قَالَ تَشْبِیهُكَ لِخَالِقِكَ.

«19»-ید، التوحید أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ غَالِبٍ الْأَنْمَاطِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ غَزْوَانَ

ص: 8


1- و فی نسخة: و التوحید مشروط بعدمه.
2- سیأتی فی أخبار البرزخ ما یدلّ علی دخول المخالفین الجنة إذا لم یكونوا ناصبین كروایة زید الكناسی عن الصادق علیه السلام و غیرها. ط.

عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ یَسَارٍ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَمَا رَجُلٌ مُسْتَلْقٍ عَلَی ظَهْرِهِ یَنْظُرُ إِلَی السَّمَاءِ وَ إِلَی النُّجُومِ وَ یَقُولُ وَ اللَّهِ إِنَّ لَكَ لَرَبّاً هُوَ خَالِقُكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی قَالَ فَنَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ فَغَفَرَ لَهُ.

قال الصدوق رحمه اللّٰه و قد قال اللّٰه عز و جل أَ وَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ ءٍ یعنی بذلك أ و لم یتفكروا فی ملكوت السماوات و الأرض و فی عجائب صنعها و لم ینظروا فی ذلك نظر مستدل معتبر فیعرفوا بما یرون ما أقامه اللّٰه عز و جل من السماوات و الأرض (1) مع عظم أجسامها و ثقلها علی غیر عمد و تسكینه إیاها بغیر آلة فیستدلوا بذلك علی خالقها و مالكها و مقیمها أنه لا یشبه الأجسام و لا ما یتخذه الكافرون إلها من دون اللّٰه عز و جل إذ كانت الأجسام لا تقدر علی إقامة الصغیر من الأجسام فی الهواء بغیر عمد و بغیر آلة فیعرفوا بذلك خالق السماوات و الأرض و سائر الأجسام و یعرفوا أنه لا یشبهها و لا تشبهه فی قدرة اللّٰه و ملكه و أما ملكوت السماوات و الأرض فهو ملك اللّٰه لها و اقتداره علیها و أراد بذلك أ لم ینظروا و یتفكروا فی السماوات (2) و الأرض فی خلق اللّٰه عز و جل إیاهما علی ما یشاهدونهما علیه فیعلموا أن اللّٰه عز و جل هو مالكها و المقتدر علیها لأنهما مملوكة مخلوقة و هی فی قدرته و سلطانه و ملكه فجعل نظرهم فی السماوات و الأرض و فی خلق اللّٰه لها نظرا فی ملكوتها و فی ملك اللّٰه لها لأن اللّٰه عز و جل لا یخلق إلا ما یملكه و یقدر علیه و عنی بقوله وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ ءٍ یعنی من أصناف خلقه فیستدلوا به علی أن اللّٰه خالقها و أنه أولی بالإلهیة من الأجسام المحدثة المخلوقة.

«20»-ید، التوحید عَبْدُ الْحَمِیدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِی یَزِیدَ بْنِ مَحْبُوبٍ الْمُزَنِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عِیسَی الْبِسْطَامِیِّ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ

ص: 9


1- و فی نسخة: و الأرضین.
2- و فی نسخة: فی ملكوت السماوات.

أَبِی بَشِیرٍ الْعَنْبَرِیِّ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ مَاتَ وَ هُوَ یَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ دَخَلَ الْجَنَّةَ.

«21»-ید، التوحید الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ حُصَیْنٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ(1) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِفَ (2) النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ یَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِی مَا حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی الْعِبَادِ یَقُولُهَا ثَلَاثاً قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی الْعِبَادِ أَنْ لَا یُشْرِكُوا بِهِ شَیْئاً ثُمَّ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله هَلْ تَدْرِی مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ لَا یُعَذِّبَهُمْ أَوْ قَالَ أَنْ لَا یُدْخِلَهُمُ النَّارَ.

«22»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَیْنِ عَنْ أَبِی الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّقِیِّ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ جَبْرَئِیلَ سَیِّدِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: قَالَ اللَّهُ سَیِّدُ السَّادَاتِ جَلَّ وَ عَزَّ إِنِّی أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا مَنْ أَقَرَّ لِی بِالتَّوْحِیدِ دَخَلَ حِصْنِی وَ مَنْ دَخَلَ حِصْنِی أَمِنَ عَذَابِی.

«23»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام ع، علل الشرائع فِی عِلَلِ الْفَضْلِ عَنِ الرِّضَا علیه السلام فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ أَمَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَ بِرُسُلِهِ وَ حُجَجِهِ وَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قِیلَ لِعِلَلٍ كَثِیرَةٍ مِنْهَا أَنَّ مَنْ لَمْ یُقِرَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یَجْتَنِبْ مَعَاصِیَهُ وَ لَمْ یَنْتَهِ عَنِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ وَ لَمْ یُرَاقِبْ أَحَداً فِیمَا یَشْتَهِی وَ یَسْتَلِذُّ مِنَ الْفَسَادِ وَ الظُّلْمِ فَإِذَا فَعَلَ النَّاسُ هَذِهِ الْأَشْیَاءَ وَ ارْتَكَبَ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا یَشْتَهِی وَ یَهْوَاهُ مِنْ غَیْرِ مُرَاقَبَةٍ لِأَحَدٍ كَانَ فِی ذَلِكَ فَسَادُ الْخَلْقِ أَجْمَعِینَ وَ وُثُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَی بَعْضٍ فَغَصَبُوا الْفُرُوجَ وَ الْأَمْوَالَ وَ أَبَاحُوا الدِّمَاءَ وَ النِّسَاءَ وَ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً مِنْ غَیْرِ حَقٍّ وَ لَا جُرْمٍ فَیَكُونُ فِی ذَلِكَ خَرَابُ الدُّنْیَا وَ هَلَاكُ الْخَلْقِ وَ فَسَادُ الْحَرْثِ وَ النَّسْلِ وَ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَكِیمٌ وَ لَا یَكُونُ الْحَكِیمُ وَ لَا یُوصَفُ بِالْحِكْمَةِ إِلَّا الَّذِی یَحْظُرُ الْفَسَادَ وَ یَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ وَ یَزْجُرُ عَنِ الظُّلْمِ وَ یَنْهَی عَنِ الْفَوَاحِشِ وَ لَا یَكُونُ

ص: 10


1- و فی نسخة: عن الأسود بن بلال.
2- الردف بالكسر: الراكب خلف الراكب كالردیف و المرتدف.

حَظْرُ الْفَسَادِ وَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاحِ وَ النَّهْیُ عَنِ الْفَوَاحِشِ إِلَّا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَ النَّاهِی فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ بِغَیْرِ إِقْرَارٍ بِاللَّهِ وَ لَا مَعْرِفَتِهِ لَمْ یَثْبُتْ أَمْرٌ بِصَلَاحٍ وَ لَا نَهْیٌ عَنْ فَسَادٍ إِذْ لَا آمِرَ وَ لَا نَاهِیَ وَ مِنْهَا أَنَّا وَجَدْنَا الْخَلْقَ قَدْ یُفْسِدُونَ بِأُمُورٍ بَاطِنِیَّةٍ (1)مَسْتُورَةٍ عَنِ الْخَلْقِ فَلَوْ لَا الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خَشْیَتُهُ بِالْغَیْبِ لَمْ یَكُنْ أَحَدٌ إِذَا خَلَا بِشَهْوَتِهِ وَ إِرَادَتِهِ یُرَاقِبُ أَحَداً فِی تَرْكِ مَعْصِیَةٍ وَ انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ وَ ارْتِكَابِ كَبِیرَةٍ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ مَسْتُوراً عَنِ الْخَلْقِ غَیْرَ مُرَاقَبٍ لِأَحَدٍ وَ كَانَ یَكُونُ فِی ذَلِكَ هَلَاكُ الْخَلْقِ أَجْمَعِینَ فَلَمْ یَكُنْ قِوَامُ الْخَلْقِ وَ صَلَاحُهُمْ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ مِنْهُمْ بِعَلِیمٍ خَبِیرٍ یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفی آمِرٍ بِالصَّلَاحِ نَاهٍ عَنِ الْفَسَادِ وَ لَا تَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَةٌ لِیَكُونَ فِی ذَلِكَ انْزِجَارٌ لَهُمْ عَمَّا یَخْلُونَ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ وَجَبَ عَلَیْهِمُ الْإِقْرَارُ وَ الْمَعْرِفَةُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَی وَاحِدٌ أَحَدٌ قِیلَ لِعِلَلٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ یَجِبْ عَلَیْهِمُ الْإِقْرَارُ وَ الْمَعْرِفَةُ لَجَازَ أَنْ یَتَوَهَّمُوا مُدَبِّرَیْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَ إِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ یَهْتَدُوا إِلَی الصَّانِعِ لَهُمْ مِنْ غَیْرِهِ لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَانَ لَا یَدْرِی لَعَلَّهُ إِنَّمَا یَعْبُدُ غَیْرَ الَّذِی خَلَقَهُ وَ یُطِیعُ غَیْرَ الَّذِی أَمَرَهُ فَلَا یَكُونُونَ عَلَی حَقِیقَةٍ مِنْ صَانِعِهِمْ وَ خَالِقِهِمْ وَ لَا یَثْبُتُ عِنْدَهُمْ أَمْرُ آمِرٍ وَ لَا نَهْیُ نَاهٍ إِذْ لَا یَعْرِفُ الْآمِرَ بِعَیْنِهِ وَ لَا النَّاهِیَ مِنْ غَیْرِهِ وَ مِنْهَا أَنْ لَوْ جَازَ أَنْ یَكُونَ اثْنَیْنِ لَمْ یَكُنْ أَحَدُ الشَّرِیكَیْنِ أَوْلَی بِأَنْ یُعْبَدَ وَ یُطَاعَ مِنَ الْآخَرِ وَ فِی إِجَازَةِ أَنْ یُطَاعَ ذَلِكَ الشَّرِیكُ إِجَازَةُ أَنْ لَا یُطَاعَ اللَّهُ وَ فِی أَنْ لَا یُطَاعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَ بِجَمِیعِ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِثْبَاتُ كُلِّ بَاطِلٍ وَ تَرْكُ كُلِّ حَقٍّ وَ تَحْلِیلُ كُلِّ حَرَامٍ وَ تَحْرِیمُ كُلِّ حَلَالٍ وَ الدُّخُولُ فِی كُلِّ مَعْصِیَةٍ وَ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ طَاعَةٍ وَ إِبَاحَةُ كُلِّ فَسَادٍ وَ إِبْطَالُ كُلِّ حَقٍّ وَ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ یَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لَجَازَ لِإِبْلِیسَ أَنْ یَدَّعِیَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْآخَرُ حَتَّی یُضَادَّ اللَّهَ تَعَالَی فِی جَمِیعِ حُكْمِهِ وَ یَصْرِفَ الْعِبَادَ إِلَی نَفْسِهِ فَیَكُونُ فِی ذَلِكَ أَعْظَمُ الْكُفْرِ وَ أَشَدُّ النِّفَاقِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ وَجَبَ عَلَیْهِمُ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ بِأَنَّهُ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ قِیلَ لِعِلَلٍ مِنْهَا أَنْ یَكُونُوا قَاصِدِینَ نَحْوَهُ بِالْعِبَادَةِ وَ الطَّاعَةِ دُونَ غَیْرِهِ غَیْرَ مُشْتَبِهٍ عَلَیْهِمْ أَمْرُ رَبِّهِمْ وَ

ص: 11


1- و فی نسخة: قد یفسدون بأمور باطنة.

صَانِعِهِمْ وَ رَازِقِهِمْ وَ مِنْهَا أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّهُ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ لَمْ یَدْرُوا لَعَلَّ رَبَّهُمْ وَ صَانِعَهُمْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِی نَصَبَتْهَا لَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النِّیرَانُ إِذَا كَانَ جَائِزاً أَنْ یَكُونَ عَلَیْهِمْ مُشْتَبِهَةٌ (1) وَ كَانَ یَكُونُ فِی ذَلِكَ الْفَسَادُ وَ تَرْكُ طَاعَاتِهِ كُلِّهَا وَ ارْتِكَابُ مَعَاصِیهِ كُلِّهَا عَلَی قَدْرِ مَا یَتَنَاهَی إِلَیْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ هَذِهِ الْأَرْبَابِ وَ أَمْرِهَا وَ نَهْیِهَا وَ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ یَجِبْ عَلَیْهِمْ أَنْ یَعْرِفُوا أَنْ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ لَجَازَ عِنْدَهُمْ أَنْ یَجْرِیَ عَلَیْهِ مَا یَجْرِی عَلَی الْمَخْلُوقِینَ مِنَ الْعَجْزِ وَ الْجَهْلِ وَ التَّغَیُّرِ وَ الزَّوَالِ وَ الْفَنَاءِ وَ الْكَذِبِ وَ الِاعْتِدَاءِ وَ مَنْ جَازَتْ عَلَیْهِ هَذِهِ الْأَشْیَاءُ لَمْ یُؤْمَنْ فَنَاؤُهُ وَ لَمْ یُوثَقْ بِعَدْلِهِ وَ لَمْ یُحَقَّقْ قَوْلُهُ وَ أَمْرُهُ وَ نَهْیُهُ وَ وَعْدُهُ وَ وَعِیدُهُ وَ ثَوَابُهُ وَ عِقَابُهُ وَ فِی ذَلِكَ فَسَادُ الْخَلْقِ وَ إِبْطَالُ الرُّبُوبِیَّةِ.

«24»-ثو، ثواب الأعمال أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی وَ ابْنِ هَاشِمٍ وَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْكُوفِیِّ جَمِیعاً عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَیْفٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی حَازِمٍ الْمَدِینِیِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَیْنا قَالَ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ كِتَاباً قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ بِأَلْفَیْ عَامٍ فِی وَرَقِ آسٍ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَی الْعَرْشِ ثُمَّ نَادَی یَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنَّ رَحْمَتِی سَبَقَتْ غَضَبِی أَعْطَیْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِی وَ غَفَرْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَغْفِرُونِی فَمَنْ لَقِیَنِی مِنْكُمْ یَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدِی وَ رَسُولِی أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِی.

«25»-سن، المحاسن الْوَشَّاءُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ السَّوَّاقِ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: یَا أَبَانُ إِذَا قَدِمْتَ الْكُوفَةَ فَارْوِ هَذَا الْحَدِیثَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصاً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّهُ یَأْتِینِی كُلُّ صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ فَأَرْوِی لَهُمْ هَذَا الْحَدِیثَ قَالَ نَعَمْ یَا أَبَانُ إِنَّهُ إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ وَ جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِینَ فَیُسْلَبُ مِنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ.

سن، المحاسن ابن محبوب عن عمرو بن أبی المقدام عن أبان بن تغلب مثله.

«26»-سن، المحاسن صَالِحُ بْنُ السِّنْدِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِیرٍ عَنِ الصَّبَّاحِ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ نَادَی مُنَادٍ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ

ص: 12


1- فی نسخة: مشبها.

إِلَّا اللَّهُ فَیَدْخُلَ الْجَنَّةَ قَالَ قُلْتُ فَعَلَامَ تَخَاصُمُ النَّاسِ إِذَا كَانَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ إِنَّهُ إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ نَسُوهَا.

«27»-صح، صحیفة الرضا علیه السلام عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِی فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِی أَمِنَ مِنْ عَذَابِی.

«28»-ضا، فقه الرضا علیه السلام نَرْوِی أَنَّ رَجُلًا أَتَی أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَدِیثِ الَّذِی رُوِیَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام الْخَبَرُ حَقٌّ فَوَلَّی الرَّجُلُ مُدْبِراً فَلَمَّا خَرَجَ أَمَرَ بِرَدِّهِ ثُمَّ قَالَ یَا هَذَا إِنَّ لِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شُرُوطاً أَلَا وَ إِنِّی مِنْ شُرُوطِهَا.

«29»-غو، غوالی اللئالی قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ إِنْ زَنَی وَ إِنْ سَرَقَ (1).

«30»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ عَنْ مُعَتِّبٍ مَوْلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْهُ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام (2) قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِیٌّ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِلْجَنَّةِ مِنْ ثَمَنٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا ثَمَنُهَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ یَقُولُهَا الْعَبْدُ مُخْلِصاً بِهَا قَالَ وَ مَا إِخْلَاصُهَا قَالَ الْعَمَلُ بِمَا بُعِثْتُ بِهِ فِی حَقِّهِ وَ حُبُّ أَهْلِ بَیْتِی قَالَ فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی وَ إِنَّ حُبَّ أَهْلِ الْبَیْتِ لَمِنْ حَقِّهَا قَالَ إِنَّ حُبَّهُمْ لَأَعْظَمُ حَقِّهَا.

«31»-كَنْزُ الْكَرَاجُكِیِّ، رُوِیَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ دَرَجَةَ اللِّسَانِ فَأَنْطَقَهُ بِتَوْحِیدِهِ مِنْ بَیْنِ الْجَوَارِحِ.

«32»-ضا، فقه الرضا علیه السلام إِنَّ أَوَّلَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَی عِبَادِهِ وَ أَوْجَبَ عَلَی خَلْقِهِ مَعْرِفَةُ الْوَحْدَانِیَّةِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ یَقُولُ مَا عَرَفُوا اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ.

«33»-وَ نَرْوِی عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ علیهم السلام أَنَّهُ قَالَ: فِی تَفْسِیرِ هَذِهِ الْآیَةِ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ مَا جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِ بِالْمَعْرِفَةِ إِلَّا الْجَنَّةُ (3).

ص: 13


1- تقدم الحدیث مسندا عن التوحید تحت الرقم 17.
2- فی الأمالی المطبوع: عن جابر بن عبد اللّٰه الأنصاریّ.
3- تقدم الحدیث مسندا عن التوحید و الأمالی تحت الرقم 2.

«34»-وَ أَرْوِی أَنَّ الْمَعْرِفَةَ التَّصْدِیقُ وَ التَّسْلِیمُ وَ الْإِخْلَاصُ فِی السِّرِّ وَ الْعَلَانِیَةِ.

وَ أَرْوِی أَنَّ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ أَنْ تُطِیعَ وَ لَا تَعْصِیَ وَ تَشْكُرَ وَ لَا تَكْفُرَ.

«35»-مص، مصباح الشریعة قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام الْعَارِفُ شَخْصُهُ مَعَ الْخَلْقِ وَ قَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ لَوْ سَهَا قَلْبُهُ عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَیْنٍ لَمَاتَ شَوْقاً إِلَیْهِ وَ الْعَارِفُ أَمِینُ وَدَائِعِ اللَّهِ وَ كَنْزُ أَسْرَارِهِ وَ مَعْدِنُ نُورِهِ وَ دَلِیلُ رَحْمَتِهِ عَلَی خَلْقِهِ وَ مَطِیَّةُ عُلُومِهِ وَ مِیزَانُ فَضْلِهِ وَ عَدْلِهِ قَدْ غَنِیَ عَنِ الْخَلْقِ وَ الْمُرَادِ وَ الدُّنْیَا فَلَا مُونِسَ لَهُ سِوَی اللَّهِ وَ لَا نُطْقَ وَ لَا إِشَارَةَ وَ لَا نَفَسَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لِلَّهِ وَ مِنَ اللَّهِ وَ مَعَ اللَّهِ فَهُوَ فِی رِیَاضِ قُدْسِهِ مُتَرَدِّدٌ وَ مِنْ لَطَائِفِ فَضْلِهِ إِلَیْهِ مُتَزَوِّدٌ وَ الْمَعْرِفَةُ أَصْلٌ فَرْعُهُ الْإِیمَانُ.

«36»-جع، جامع الأخبار جَاءَ رَجُلٌ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ مَا رَأْسُ الْعِلْمِ قَالَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ قَالَ وَ مَا حَقُّ مَعْرِفَتِهِ قَالَ أَنْ تَعْرِفَهُ بِلَا مِثَالٍ وَ لَا شَبَهٍ وَ تَعْرِفَهُ إِلَهاً وَاحِداً خَالِقاً قَادِراً أَوَّلًا وَ آخِراً وَ ظَاهِراً وَ بَاطِناً لَا كُفْوَ لَهُ وَ لَا مِثْلَ لَهُ فَذَاكَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ.

«37»-جع، جامع الأخبار قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَفْضَلُكُمْ إِیمَاناً أَفْضَلُكُمْ مَعْرِفَةً.

«38»-أَقُولُ، رَوَی الصَّدُوقُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی كِتَابِ صِفَاتِ الشِّیعَةِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ رَفَعَهُ إِلَی أَحَدِهِمْ علیهم السلام أَنَّهُ قَالَ: بَعْضُكُمْ أَكْثَرُ صَلَاةً مِنْ بَعْضٍ وَ بَعْضُكُمْ أَكْثَرُ حَجّاً مِنْ بَعْضٍ وَ بَعْضُكُمْ أَكْثَرُ صَدَقَةً مِنْ بَعْضٍ وَ بَعْضُكُمْ أَكْثَرُ صِیَاماً مِنْ بَعْضٍ وَ أَفْضَلُكُمْ أَفْضَلُكُمْ مَعْرِفَةً.

«39»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنِ اللَّیْثِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ خَالِهِ أَبِی الصَّلْتِ الْهَرَوِیِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ الرِّضَا علیه السلام لَمَّا دَخَلَ نَیْسَابُورَ وَ هُوَ رَاكِبٌ بَغْلَةً شَهْبَاءَ وَ قَدْ خَرَجَ عُلَمَاءُ نَیْسَابُورَ فِی اسْتِقْبَالِهِ فَلَمَّا صَارَ إِلَی الْمُرَبَّعَةِ تَعَلَّقُوا بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ وَ قَالُوا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ حَدِّثْنَا بِحَقِّ آبَائِكَ الطَّاهِرِینَ حَدِیثاً عَنْ آبَائِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ أَجْمَعِینَ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْهَوْدَجِ وَ عَلَیْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ فَقَالَ حَدَّثَنِی أَبِی مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ- عَنْ أَبِیهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ أَبِیهِ الْحُسَیْنِ سَیِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ أَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ الرُّوحُ الْأَمِینُ عَنِ اللَّهِ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَ جَلَّ وَجْهُهُ قَالَ إِنِّی

ص: 14

أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِی عِبَادِی فَاعْبُدُونِی وَ لْیَعْلَمْ مَنْ لَقِیَنِی مِنْكُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصاً بِهَا أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ حِصْنِی وَ مَنْ دَخَلَ حِصْنِی أَمِنَ عَذَابِی قَالُوا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَا إِخْلَاصُ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ قَالَ طَاعَةُ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ وَلَایَةُ أَهْلِ بَیْتِهِ علیهم السلام.

باب 2 علة احتجاب اللّٰه عز و جل عن خلقه

«1»-ع، علل الشرائع الْحُسَیْنُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِیِّ خَادِمِ الرِّضَا علیه السلام (1) قَالَ: قَالَ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ لِأَبِی الْحَسَنِ علیه السلام لِمَ احْتَجَبَ اللَّهُ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام إِنَّ الْحِجَابَ عَنِ الْخَلْقِ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ (2) فَأَمَّا هُوَ فَلَا یَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَةٌ فِی آنَاءِ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ قَالَ فَلِمَ لَا تُدْرِكُهُ حَاسَّةُ الْبَصَرِ قَالَ لِلْفَرْقِ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ الَّذِینَ تُدْرِكُهُمْ حَاسَّةُ الْأَبْصَارِ ثُمَّ هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ أَوْ یُحِیطَ بِهِ وَهْمٌ أَوْ یَضْبِطَهُ عَقْلٌ قَالَ فَحُدَّهُ لِی قَالَ إِنَّهُ لَا یُحَدُّ قَالَ لِمَ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ مَحْدُودٍ مُتَنَاهٍ إِلَی حَدٍّ فَإِذَا احْتَمَلَ التَّحْدِیدُ احْتَمَلَ الزِّیَادَةُ وَ إِذَا احْتَمَلَ الزِّیَادَةُ احْتَمَلَ النُّقْصَانُ فَهُوَ غَیْرُ مَحْدُودٍ وَ لَا مُتَزَایِدٍ وَ لَا مُتَجَزٍّ وَ لَا مُتَوَهَّمٍ.

«2»-ع، علل الشرائع عَلِیُّ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمْدَانَ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام لِأَیِّ عِلَّةٍ حَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْخَلْقَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بَنَاهُمْ بُنْیَةً عَلَی الْجَهْلِ فَلَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا یَنْظُرُونَ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَا كَانُوا بِالَّذِینَ یَهَابُونَهُ وَ لَا یُعَظِّمُونَهُ نَظِیرُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ إِذَا نَظَرَ إِلَی بَیْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَظَّمَهُ فَإِذَا أَتَتْ عَلَیْهِ أَیَّامٌ وَ هُوَ یَرَاهُ لَا یَكَادُ أَنْ یَنْظُرَ إِلَیْهِ إِذَا مَرَّ بِهِ وَ لَا یُعَظِّمُهُ ذَلِكَ التَّعْظِیمَ.

بیان: لعل المراد بالنظر الألطاف الخاصة التی تستلزم غایة العرفان و الوصول

ص: 15


1- لم نجد له ذكرا فی كتب الرجال
2- لعل السؤال كان عن احتجابه تعالی عن القلوب، أو حمل علیه السلام السؤال علی ذلك، و ربما یؤید الأول سؤاله ثانیا بقوله: فلم لا تدركه حاسة البصر؟

أی لو كانت مبذولة لعامة الناس لكانت لعدم استحقاقهم ذلك مورثا لتهاونهم بربهم أو النظر إلی آثار عظمته التی لا تظهر إلا للأنبیاء و الأوصیاء علیهم السلام كنزول الملائكة و عروجهم و مواقفهم و منازلهم و العرش و الكرسی و اللوح و القلم و غیرها علی أنه یحتمل أن یكون دلیلا آخر مع التنزل عن استحالة إدراكه بالبصر علی وفق الأفهام العامیة.

باب 3 إثبات الصانع و الاستدلال بعجائب صنعه علی وجوده و علمه و قدرته و سائر صفاته

الآیات؛

البقرة: «الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(22) (و قال تعالی): «إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِما یَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِیها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ»(164)

یونس: «إِنَّ فِی اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَّقُونَ»(6) (و قال): «قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما تُغْنِی الْآیاتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ»(101)

الرعد: «اللَّهُ الَّذِی رَفَعَ السَّماواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی یُدَبِّرُ الْأَمْرَ یُفَصِّلُ الْآیاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ*وَ هُوَ الَّذِی مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِیها زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَكَّرُونَ* وَ فِی الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِیلٌ صِنْوانٌ وَ غَیْرُ صِنْوانٍ یُسْقی بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلی بَعْضٍ فِی الْأُكُلِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ»(2-4)

إبراهیم: «اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِیَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ*

ص: 16

وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَیْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ* وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ»(32-34)

الحجر: «وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِی السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَیَّنَّاها لِلنَّاظِرِینَ* وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَیْطانٍ رَجِیمٍ* إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِینٌ* وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَیْنا فِیها رَواسِیَ وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ مَوْزُونٍ* وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِیها مَعایِشَ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِینَ* وَ إِنْ مِنْ شَیْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ* وَ أَرْسَلْنَا الرِّیاحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَیْناكُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِینَ* وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْیِی وَ نُمِیتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ»(16-23)

النحل: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ* وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِیها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ لَكُمْ فِیها جَمالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَ حِینَ تَسْرَحُونَ* وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلی بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ* وَ الْخَیْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِیرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِینَةً وَ یَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ»(4-8) (و قال تعالی): «هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِیهِ تُسِیمُونَ* یُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّیْتُونَ وَ النَّخِیلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَتَفَكَّرُونَ* وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ* وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِی الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَذَّكَّرُونَ* وَ هُوَ الَّذِی سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْیَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَی الْفُلْكَ مَواخِرَ فِیهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَ أَلْقی فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ»(10-16) (و قال تعالی): «وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ* وَ إِنَّ لَكُمْ فِی الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِیكُمْ مِمَّا فِی بُطُونِهِ مِنْ بَیْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِینَ وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ* وَ أَوْحی رَبُّكَ إِلَی النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِی مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا یَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِی مِنْ كُلِّ

ص: 17

الثَّمَراتِ فَاسْلُكِی سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِیهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَتَفَكَّرُونَ* وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ یَتَوَفَّاكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ یُرَدُّ إِلی أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَیْ لا یَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَیْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ قَدِیرٌ»(65-70) (و قال تعالی): «وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِینَ وَ حَفَدَةً وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ یَكْفُرُونَ»(72) (و قال تعالی): «وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* أَ لَمْ یَرَوْا إِلَی الطَّیْرِ مُسَخَّراتٍ فِی جَوِّ السَّماءِ ما یُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ* وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُیُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُیُوتاً تَسْتَخِفُّونَها یَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ یَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ* وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِیلَ تَقِیكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِیلَ تَقِیكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ»(78-81)

الإسراء: «وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنا آیَةَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنا آیَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَیْ ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِیلًا»(12) (و قال تعالی): «رَبُّكُمُ الَّذِی یُزْجِی لَكُمُ الْفُلْكَ فِی الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِیماً* وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَی الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً»(66-67)

طه: «الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِیها سُبُلًا وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّی* كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِأُولِی النُّهی* مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِیها نُعِیدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْری»(53-55)

الأنبیاء: «أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍّ أَ فَلا یُؤْمِنُونَ* وَ جَعَلْنا فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فِیها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ* وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آیاتِها مُعْرِضُونَ* وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِی فَلَكٍ یَسْبَحُونَ»(30-33)

ص: 18

المؤمنون: «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلی ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ* فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ لَكُمْ فِیها فَواكِهُ كَثِیرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَیْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِینَ* وَ إِنَّ لَكُمْ فِی الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِیكُمْ مِمَّا فِی بُطُونِها وَ لَكُمْ فِیها مَنافِعُ كَثِیرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ عَلَیْها وَ عَلَی الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ»(18-22) (و قال تعالی): «وَ هُوَ الَّذِی ذَرَأَكُمْ فِی الْأَرْضِ وَ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ* وَ هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ»(79-80) (و قال تعالی): «قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ* سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِیَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ هُوَ یُجِیرُ وَ لا یُجارُ عَلَیْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّی تُسْحَرُونَ»(84-89)

النور: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّیْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِیحَهُ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِما یَفْعَلُونَ* وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَی اللَّهِ الْمَصِیرُ* أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُزْجِی سَحاباً ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیْنَهُ ثُمَّ یَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِیها مِنْ بَرَدٍ فَیُصِیبُ بِهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ یَشاءُ یَكادُ سَنا بَرْقِهِ یَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ* یُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ إِنَّ فِی ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِی الْأَبْصارِ* وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی رِجْلَیْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللَّهُ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ»(41-45)

الفرقان: «أَ لَمْ تَرَ إِلی رَبِّكَ كَیْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَیْهِ دَلِیلًا* ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَیْنا قَبْضاً یَسِیراً* وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ اللَّیْلَ لِباساً وَ النَّوْمَ سُباتاً وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً* وَ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً* لِنُحْیِیَ بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً وَ نُسْقِیَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِیَّ كَثِیراً»(45-49) (و قال تعالی): «وَ هُوَ الَّذِی مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَیْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً* وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِیراً»(53-54) (و قال تعالی): «تَبارَكَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ

ص: 19

فِیها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِیراً* وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً»(61-62)

الشعراء: «أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلَی الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِیمٍ* إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ»(7-8)

القصص: «قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَیْكُمُ اللَّیْلَ سَرْمَداً إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ مَنْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ یَأْتِیكُمْ بِضِیاءٍ أَ فَلا تَسْمَعُونَ* قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَیْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ مَنْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ یَأْتِیكُمْ بِلَیْلٍ تَسْكُنُونَ فِیهِ أَ فَلا تُبْصِرُونَ* وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِیهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(71-73)

العنكبوت: «خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ»(44) (و قال تعالی): «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ»(63) (و قال تعالی): «فَإِذا رَكِبُوا فِی الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَی الْبَرِّ إِذا هُمْ یُشْرِكُونَ»(65)

الروم: «وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ* وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَكَّرُونَ* وَ مِنْ آیاتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْعالِمِینَ* وَ مِنْ آیاتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ* وَ مِنْ آیاتِهِ یُرِیكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَیُحْیِی بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ* وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ* وَ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ»(20-26) (و قال عز و جل): «وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ یُرْسِلَ الرِّیاحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِیُذِیقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لِتَجْرِیَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(46) (و قال تعالی): «اللَّهُ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَیَبْسُطُهُ فِی السَّماءِ كَیْفَ یَشاءُ وَ یَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ* وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ یُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِینَ*

ص: 20

فَانْظُرْ إِلی آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَیْفَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْیِ الْمَوْتی وَ هُوَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ»(48-50) (و قال تعالی): «اللَّهُ الَّذِی خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَیْبَةً یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ هُوَ الْعَلِیمُ الْقَدِیرُ»(54)

لقمان: «خَلَقَ السَّماواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَ أَلْقی فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِكُمْ وَ بَثَّ فِیها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِیها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِیمٍ* هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِی ما ذا خَلَقَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ»(10-11) (و قال تعالی): «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ یَجْرِی إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ* ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْكَبِیرُ* أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِیُرِیَكُمْ مِنْ آیاتِهِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ* وَ إِذا غَشِیَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَی الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ»(29-32)

التنزیل: «أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَی الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا یُبْصِرُونَ»(27)

فاطر: «الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ* ما یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما یُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ»(1-2) (و قال تعالی): «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً»(11) (و قال تعالی): «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِیضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِیبُ سُودٌ* وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»(27-28)

یس: «وَ آیَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَیْتَةُ أَحْیَیْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ یَأْكُلُونَ* وَ جَعَلْنا فِیها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِیها مِنَ الْعُیُونِ* لِیَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما

ص: 21

عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ أَ فَلا یَشْكُرُونَ* سُبْحانَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ* وَ آیَةٌ لَهُمُ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ* وَ الشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ* وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّی عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِیمِ* لَا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِی فَلَكٍ یَسْبَحُونَ* وَ آیَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّیَّتَهُمْ فِی الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما یَرْكَبُونَ* وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِیخَ لَهُمْ وَ لا هُمْ یُنْقَذُونَ* إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ»(33-44) (و قال تعالی): «أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَیْدِینا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ* وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها یَأْكُلُونَ* وَ لَهُمْ فِیها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا یَشْكُرُونَ»(71-73) (و قال سبحانه): «أَ وَ لَمْ یَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ»(77)

الصافات: «فَاسْتَفْتِهِمْ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِینٍ لازِبٍ»(11)

الزمر: «خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ یُكَوِّرُ اللَّیْلَ عَلَی النَّهارِ وَ یُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی أَلا هُوَ الْعَزِیزُ الْغَفَّارُ* خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِیَةَ أَزْواجٍ یَخْلُقُكُمْ فِی بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِی ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُصْرَفُونَ»(5-6) (و قال تعالی): «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ یَنابِیعَ فِی الْأَرْضِ ثُمَّ یُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ یَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِی ذلِكَ لَذِكْری لِأُولِی الْأَلْبابِ»(21)

المؤمن: «هُوَ الَّذِی یُرِیكُمْ آیاتِهِ وَ یُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَ ما یَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ یُنِیبُ»(13) (و قال تعالی): «اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ اللَّیْلَ لِتَسْكُنُوا فِیهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَشْكُرُونَ* ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَكُونَ* كَذلِكَ یُؤْفَكُ الَّذِینَ كانُوا بِآیاتِ اللَّهِ یَجْحَدُونَ* اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ* هُوَ الْحَیُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ

ص: 22

لَهُ الدِّینَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ* قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِی الْبَیِّناتُ مِنْ رَبِّی وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِینَ* هُوَ الَّذِی خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ یُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُیُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ یُتَوَفَّی مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّی وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَ یُمِیتُ فَإِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ»(61-68) (و قال عز و جل): «اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ لَكُمْ فِیها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَیْها حاجَةً فِی صُدُورِكُمْ وَ عَلَیْها وَ عَلَی الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ* وَ یُرِیكُمْ آیاتِهِ فَأَیَّ آیاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ»(79-81)

السجدة: «قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِینَ* وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِیها وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِینَ* ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ* فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ وَ أَوْحی فِی كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَ حِفْظاً ذلِكَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ»(9-12) (و قال تعالی): «سَنُرِیهِمْ آیاتِنا فِی الْآفاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ یَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ شَهِیدٌ* أَلا إِنَّهُمْ فِی مِرْیَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ مُحِیطٌ»(53-54)

حمعسق: «فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً یَذْرَؤُكُمْ فِیهِ»(11) (و قال تعالی): «وَ مِنْ آیاتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِیهِما مِنْ دابَّةٍ وَ هُوَ عَلی جَمْعِهِمْ إِذا یَشاءُ قَدِیرٌ»(29) (و قال سبحانه): «وَ مِنْ آیاتِهِ الْجَوارِ فِی الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ* إِنْ یَشَأْ یُسْكِنِ الرِّیحَ فَیَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلی ظَهْرِهِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ*أَوْ یُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَ یَعْفُ عَنْ كَثِیرٍ*وَ یَعْلَمَ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ»(32-35)

الزخرف: «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِیزُ الْعَلِیمُ *الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَكُمْ فِیها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَ الَّذِی نَزَّلَ

ص: 23

مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ* وَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلی ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَیْتُمْ عَلَیْهِ وَ تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِینَ* وَ إِنَّا إِلی رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ»(9-14)

الجاثیة: «إِنَّ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِلْمُؤْمِنِینَ* وَ فِی خَلْقِكُمْ وَ ما یَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آیاتٌ لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ* وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ آیاتٌ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ»(3-5) (و قال تعالی): «اللَّهُ الَّذِی سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِیَ الْفُلْكُ فِیهِ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَكَّرُونَ»(12-13) (و قال سبحانه): «وَ قالُوا ما هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما یُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا یَظُنُّونَ»(24)

الذاریات: «وَ فِی الْأَرْضِ آیاتٌ لِلْمُوقِنِینَ*وَ فِی أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ»(20-21) (و قال جل و علا): «وَ السَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ* وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ* وَ مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ خَلَقْنا زَوْجَیْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(47-49)

الطور: «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَیْ ءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بَلْ لا یُوقِنُونَ»(35-36)

الرحمن: «الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ (إلی آخر الآیات)

الواقعة: «نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ* أَ فَرَأَیْتُمْ ما تُمْنُونَ* أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ* نَحْنُ قَدَّرْنا بَیْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِینَ* عَلی أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ فِی ما لا تَعْلَمُونَ* وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولی فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ* أَ فَرَأَیْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَ فَرَأَیْتُمُ الْماءَ الَّذِی تَشْرَبُونَ* أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ* أَ فَرَأَیْتُمُ النَّارَ الَّتِی تُورُونَ* أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ* نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً

ص: 24

وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِینَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِیمِ»(57-74)

الطلاق: «اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ یَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَیْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عِلْماً»(12)

الملك: «الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَری فِی خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَری مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَیْنِ یَنْقَلِبْ إِلَیْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِیرٌ* وَ لَقَدْ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّیاطِینِ»(3-5) (و قال تعالی): «أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلَی الطَّیْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَ یَقْبِضْنَ ما یُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ بَصِیرٌ»(19) (و قال سبحانه): «أَمَّنْ هذَا الَّذِی یَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِی عُتُوٍّ وَ نُفُورٍ»(21) (و قال تعالی): «قُلْ هُوَ الَّذِی أَنْشَأَكُمْ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِیلًا ما تَشْكُرُونَ* قُلْ هُوَ الَّذِی ذَرَأَكُمْ فِی الْأَرْضِ وَ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ»(23-24) (و قال سبحانه): «قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَیْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ* قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ یَأْتِیكُمْ بِماءٍ مَعِینٍ»(29-30)

المرسلات: «أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِینٍ* فَجَعَلْناهُ فِی قَرارٍ مَكِینٍ* إِلی قَدَرٍ مَعْلُومٍ* فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ *وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِینَ* أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْیاءً وَ أَمْواتاً* وَ جَعَلْنا فِیها رَواسِیَ شامِخاتٍ وَ أَسْقَیْناكُمْ ماءً فُراتاً *وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِینَ»(20-28)

النبأ: «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَ الْجِبالَ أَوْتاداً* وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً* وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً* وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ لِباساً*وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً *وَ بَنَیْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً *وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً* وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً* لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً* وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً»(6-16)

النازعات: «أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها* رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها* وَ أَغْطَشَ لَیْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها* وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها* أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها* وَ الْجِبالَ أَرْساها* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ »(27-34)

عبس: «فَلْیَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلی طَعامِهِ *أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا *ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ

ص: 25

شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً *وَ زَیْتُوناً وَ نَخْلًا* وَ حَدائِقَ غُلْباً *وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ»(25-32)

الغاشیة: «أَ فَلا یَنْظُرُونَ إِلَی الْإِبِلِ كَیْفَ خُلِقَتْ *وَ إِلَی السَّماءِ كَیْفَ رُفِعَتْ *وَ إِلَی الْجِبالِ كَیْفَ نُصِبَتْ *وَ إِلَی الْأَرْضِ كَیْفَ سُطِحَتْ»(17-20)

«1»-ج، الإحتجاج عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ لَوْ فَكَّرُوا فِی عَظِیمِ الْقُدْرَةِ وَ جَسِیمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَی الطَّرِیقِ وَ خَافُوا عَذَابَ الْحَرِیقِ وَ لَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِیلَةٌ وَ الْأَبْصَارُ مَدْخُولَةٌ (1)أ فَلَا یَنْظُرُونَ إِلَی صَغِیرِ مَا خَلَقَ كَیْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَ أَتْقَنَ تَرْكِیبَهُ وَ فَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ سَوَّی لَهُ الْعَظْمَ وَ الْبَشَرَ انْظُرُوا إِلَی النَّمْلَةِ فِی صِغَرِ جُثَّتِهَا وَ لِطَافَةِ هَیْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَ لَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَیْفَ دَبَّتْ عَلَی أَرْضِهَا وَ ضَنَّتْ عَلَی رِزْقِهَا(2) تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَی جُحْرِهَا وَ تُعِدُّهَا فِی مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِی حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَ فِی وُرُودِهَا لِصُدُورِهَا (3) مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوَفْقِهَا لَا یُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَ لَا یَحْرِمُهَا الدَّیَّانُ وَ لَوْ فِی الصَّفَا الْیَابِسِ وَ الْحَجَرِ الْجَامِسِ لَوْ فَكَّرْتَ فِی مَجَارِی أَكْلِهَا وَ فِی عُلْوِهَا وَ سُفْلِهَا وَ مَا فِی الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِیفِ بَطْنِهَا وَ مَا فِی الرَّأْسِ مِنْ عَیْنِهَا وَ أُذُنِهَا لَقَضَیْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَ لَقِیتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَی الَّذِی أَقَامَهَا عَلَی قَوَائِمِهَا وَ بَنَاهَا عَلَی دَعَائِمِهَا لَمْ یَشْرَكْهُ فِی فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَ لَمْ یُعِنْهُ عَلَی خَلْقِهَا قَادِرٌ وَ لَوْ ضَرَبْتَ فِی مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَایَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَی أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّحْلَةِ لِدَقِیقِ تَفْصِیلِ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ غَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَیٍّ وَ مَا الْجَلِیلُ وَ اللَّطِیفُ وَ الثَّقِیلُ وَ الْخَفِیفُ وَ الْقَوِیُّ وَ الضَّعِیفُ فِی خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ كَذَلِكَ السَّمَاءُ وَ الْهَوَاءُ وَ الرِّیحُ وَ الْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَی الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ وَ الْمَاءِ وَ الْحَجَرِ وَ اخْتِلَافِ هَذَا اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ تَفَجُّرِ هَذِهِ الْبِحَارِ وَ كَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَ طُولِ هَذِهِ الْقِلَالِ وَ تَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَ الْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَیْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ وَ جَحَدَ الْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَ لَا لِاخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ لَمْ یَلْجَئُوا إِلَی حُجَّةٍ فِیمَا ادَّعَوْا وَ لَا تَحْقِیقٍ لِمَا وَعَوْا وَ هَلْ یَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَیْرِ بَانٍ

ص: 26


1- و فی نسخة: و البصائر مدخولة
2- و فی نسخة من الكتاب و الاحتجاج المطبوع: كیف صبت علی رزقها.
3- و فی نسخة: لصدرها.

أَوْ جِنَایَةٌ مِنْ غَیْرِ جَانٍ وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِی الْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَیْنَیْنِ حَمْرَاوَیْنِ وَ أَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَیْنِ قَمْرَاوَیْنِ وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِیَّ وَ فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِیَّ وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِیَّ وَ نَابَیْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَ مِنْجَلَیْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ تَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِی زَرْعِهِمْ وَ لَا یَسْتَطِیعُونَ ذَبَّهَا وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّی تَرِدَ الْحَرْثَ فِی نَزَوَاتِهَا وَ تَقْضِیَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَ خَلْقُهَا كُلُّهُ لَا یَكُونُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَكَ الَّذِی یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ یُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَ وَجْهاً وَ یُلْقِی بِالطَّاعَةِ إِلَیْهِ سِلْماً وَ ضَعْفاً وَ یُعْطِی لَهُ الْقِیَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً فَالطَّیْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَی عَدَدَ الرِّیشِ مِنْهَا وَ النَّفَسِ وَ أَرْسَی قَوَائِمَهَا عَلَی النَّدَی وَ الْیَبَسِ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَ أَحْصَی أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَ هَذَا عُقَابٌ وَ هَذَا حَمَامٌ وَ هَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَ كَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَ أَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِیَمَهَا وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا.

إیضاح: مدخولة أی معیوبة من الدخل بالتحریك و هو العیب و الغش و الفساد و فلق أی شق و البشر ظاهر جلد الإنسان و لا بمستدرك الفكر إما مصدر میمی أی بإدراك الفكر أو اسم مفعول من قبیل إضافة الصفة إلی الموصوف (1) أی بإدراك الفكر الذی یدركه الإنسان بغایة سعیه أو اسم مكان و الباء بمعنی فی أی فی محل إدراكه و الغرض المبالغة فی صغرها بحیث لا یمكن إدراك تفاصیل أعضائه لا بالنظر و لا بالفكر كیف دبت أی نشت و ضنت بالضاد المعجمة و النون أی بخلت و فی بعض النسخ صبت بالصاد المهملة و الباء الموحدة علی بناء المجهول إما علی القلب أی صب علیها الرزق أو كنایة عن هجومها و اجتماعها علی رزقها بإلهامه تعالی فكأنها صبت علی الرزق و یمكن أن یقرأ علی بناء المعلوم من الصبابة و هی حرارة الشوق لصدرها الصدر بالتحریك رجوع المسافر من مقصده و الشاربة من الورد أی تجمع فی أیام التمكن من الحركة لأیام العجز عنها فإنها تخفی فی شدة الشتاء لعجزها عن البرد و المنان هو كثیر المن و العطاء و الدیان القهار و القاضی و الحاكم و السائس و

ص: 27


1- فی بعض النسخ: إلی الموصوف الخاص، و المراد بالفكر الذی یدركه الإنسان بغایة سعیه.

المجازی و الصفا مقصورا جمع الصفاة و هی الحجر الصلد الضخم الذی لا ینبت و الجامس الیابس الجامد قال الخلیل فی كتاب العین جمس الماء جمد و صخرة جامسة لزمت مكانا انتهی و الضمیر فی علوها و سفلها إما راجع إلی المجاری أو إلی النملة أی ارتفاع أجزاء بدنها و انخفاضها علی وجه تقتضیه الحكمة و قال الجوهری الشراسیف مقاط الأضلاع و هی أطرافها التی تشرف علی البطن و یقال الشرسوف غضروف معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف لقضیت من خلقها عجبا القضاء بمعنی الأداء أی لأدیت عجبا و یحتمل أن یكون بمعنی الموت أی لقضیت نحبك من شدة تعجبك و یكون عجبا مفعولا لأجله و لو ضربت أی سرت كما قال تعالی إِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ غایاته أی غایات فكرك إلا سواء أی فی دقة الصنعة و غموض الخلقة أو فی الدلالة علی الفاطر و كمال قدرته و علمه و القلال بالكسر جمع قلة بالضم و هی أعلی الجبل زعموا أنهم كالنبات أی كما زعموا فی النبات أو كنبات لا زارع له حیث لا ینسب إلی الزارع و إن نسب إلی ربه تعالی لما وعوا أی جمعوا و حفظوا و أسرج لها حدقتین أی جعلهما مضیئتین كالسراج و یقال حدقة قمراء أی منیرة كما یقال لیلة قمراء أی نیرة بضوء القمر بهما تقرض بكسر الراء أی تقطع و المنجل كمنبر حدیدة یقضب بها الزرع شبهت بها یداها و الذب الدفع و المنع فی نزواتها أی و ثباتها و خلقها كله الواو حالیة سلما بالكسر و بالتحریك أی استسلاما و انقیادا و أرسی أی أثبت أی جعل لها رجلین یمكنها الاستقرار بهما علی الأراضی الیابسة و الندیة و الهطل تتابع المطر و الدیم بكسر الدال و فتح الیاء جمع الدیمة بالكسر و هی المطر الذی لیس فیه رعد و لا برق و الجذوب قلة النبات و الزرع.

«2»-ج، الإحتجاج عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام فِی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ مَنْ كانَ فِی هذِهِ أَعْمی فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمی قَالَ فَمَنْ لَمْ یَدُلَّهُ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَافُ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ دَوَرَانُ الْفَلَكِ بِالشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ الْآیَاتُ الْعَجِیبَاتُ عَلَی أَنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ أَمْراً هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمَی قَالَ فَهُوَ عَمَّا لَمْ یُعَایِنْ أَعْمَی وَ أَضَلُّ سَبِیلًا.

بیان: لعل المراد علی هذا التفسیر فهو فی أمر الآخرة التی لم یر آثارها أشد عمی و ضلالة.

ص: 28

«3»-ج، الإحتجاج رُوِیَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِیقِ الَّذِی أَتَی أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ مَا الدَّلِیلُ عَلَی صَانِعِ الْعَالَمِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وُجُودُ الْأَفَاعِیلِ الَّتِی دَلَّتْ عَلَی أَنَّ صَانِعَهَا صَنَعَهَا أَ لَا تَرَی أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَی بِنَاءٍ مُشَیَّدٍ مَبْنِیٍّ عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ بَانِیاً وَ إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرَ الْبَانِیَ وَ لَمْ تُشَاهِدْهُ قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ هُوَ شَیْ ءٌ بِخِلَافِ الْأَشْیَاءِ ارْجِعْ بِقَوْلِی شَیْ ءٌ إِلَی إِثْبَاتِهِ وَ أَنَّهُ شَیْ ءٌ بِحَقِیقَةِ الشَّیْئِیَّةِ غَیْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا یُحَسُّ وَ لَا یُجَسُّ وَ لَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَ لَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ وَ لَا یُغَیِّرُهُ الزَّمَانُ قَالَ السَّائِلُ فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ مَوْهُوماً إِلَّا مَخْلُوقاً قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ التَّوْحِیدُ مِنَّا مُرْتَفِعاً (1) فَإِنَّا لَمْ نُكَلَّفْ أَنْ نَعْتَقِدَ غَیْرَ مَوْهُومٍ لَكِنَّا نَقُولُ كُلُّ مَوْهُومٍ بِالْحَوَاسِّ مُدْرَكٌ بِهَا تَحُدُّهُ الْحَوَاسُّ مُمَثَّلًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَ لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ صَانِعِ الْأَشْیَاءِ خَارِجاً مِنَ الْجِهَتَیْنِ الْمَذْمُومَتَیْنِ إِحْدَاهُمَا النَّفْیُ إِذْ كَانَ النَّفْیُ هُوَ الْإِبْطَالَ وَ الْعَدَمَ وَ الْجِهَةُ الثَّانِیَةُ التَّشْبِیهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ الظَّاهِرِ التَّرْكِیبِ وَ التَّأْلِیفِ فَلَمْ یَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ لِوُجُودِ الْمَصْنُوعِینَ وَ الِاضْطِرَارِ مِنْهُمْ إِلَیْهِ أَنَّهُمْ مَصْنُوعُونَ وَ أَنَّ صَانِعَهُمْ غَیْرُهُمْ وَ لَیْسَ مِثْلَهُمْ إِذْ كَانَ مِثْلُهُمْ شَبِیهاً بِهِمْ (2) فِی ظَاهِرِ التَّرْكِیبِ وَ التَّأْلِیفِ وَ فِیمَا یَجْرِی عَلَیْهِمْ مِنْ حُدُوثِهِمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ یَكُونُوا وَ تَنَقُّلِهِمْ مِنْ صِغَرٍ إِلَی كِبَرٍ وَ سَوَادٍ إِلَی بَیَاضٍ وَ قُوَّةٍ إِلَی ضَعْفٍ وَ أَحْوَالٍ مَوْجُودَةٍ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَی تَفْسِیرِهَا لِثَبَاتِهَا وَ وُجُودِهَا قَالَ السَّائِلُ فَأَنْتَ قَدْ حَدَدْتَهُ إِذْ أَثْبَتَّ وُجُودَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لَمْ أَحْدُدْهُ وَ لَكِنْ أَثْبَتُّهُ إِذْ لَمْ یَكُنْ بَیْنَ الْإِثْبَاتِ وَ النَّفْیِ مَنْزِلَةٌ قَالَ السَّائِلُ فَقَوْلُهُ الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام بِذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ وَ كَذَلِكَ هُوَ مُسْتَوْلٍ عَلَی الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَكُونَ الْعَرْشُ حَامِلًا لَهُ وَ لَا أَنَّ الْعَرْشَ مَحَلٌّ لَهُ لَكِنَّا نَقُولُ هُوَ حَامِلٌ لِلْعَرْشِ وَ مُمْسِكٌ لِلْعَرْشِ وَ نَقُولُ فِی ذَلِكَ مَا قَالَ وَسِعَ كُرْسِیُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فَثَبَّتْنَا مِنَ الْعَرْشِ وَ الْكُرْسِیِّ مَا ثَبَّتَهُ وَ نَفَیْنَا أَنْ یَكُونَ الْعَرْشُ وَ الْكُرْسِیُ

ص: 29


1- و فی نسخة: لكان التوحید عنّا مرتفعا.
2- و فی نسخة: إذ كان مثلهم شبیها لهم.

حَاوِیاً لَهُ وَ أَنْ یَكُونَ عَزَّ وَ جَلَّ مُحْتَاجاً إِلَی مَكَانٍ أَوْ إِلَی شَیْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ بَلْ خَلْقُهُ مُحْتَاجُونَ إِلَیْهِ قَالَ السَّائِلُ فَمَا الْفَرْقُ بَیْنَ أَنْ تَرْفَعُوا أَیْدِیَكُمْ إِلَی السَّمَاءِ وَ بَیْنَ أَنْ تَخْفِضُوهَا نَحْوَ الْأَرْضِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام ذَلِكَ فِی عِلْمِهِ وَ إِحَاطَتِهِ وَ قُدْرَتِهِ سَوَاءٌ وَ لَكِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ أَوْلِیَاءَهُ وَ عِبَادَهُ بِرَفْعِ أَیْدِیهِمْ إِلَی السَّمَاءِ نَحْوَ الْعَرْشِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَعْدِنَ الرِّزْقِ فَثَبَّتْنَا مَا ثَبَّتَهُ الْقُرْآنُ وَ الْأَخْبَارُ عَنِ الرَّسُولِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ قَالَ ارْفَعُوا أَیْدِیَكُمْ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ هَذَا تُجْمِعُ عَلَیْهِ فِرَقُ الْأُمَّةِ كُلُّهَا.

ید، التوحید الدقاق عن أبی القاسم العلوی عن البرمكی عن الحسین بن الحسن عن إبراهیم بن هاشم القمی عن العباس بن عمرو الفقیمی عن هشام بن الحكم مثله مع زیادة أثبتناها فی باب احتجاج الصادق علیه السلام علی الزنادقة بیان قوله علیه السلام: و أنه شی ء بحقیة الشیئیة المراد بالشیئیة إما الوجود أو معنی مساوق له و علی التقدیرین فالمراد إما بیان عینیة الوجود أو قطع طمع السائل عن تعقل كنهه تعالی بل بأنه شی ء و أنه بخلاف الأشیاء و الجس بالجیم المس قوله فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا أی یلزم مما ذكرت أنه لا تدركه الأوهام أن كل ما یحصل فی الوهم یكون مخلوقا فأجاب علیه السلام بما حاصله أن مرادنا أنه تعالی لا یدرك كنه حقیقته العقول و الأوهام و لا یتمثل أیضا فی الحواس إذ هو مستلزم للتشبیه بالمخلوقین و لو كان كما توهمت من أنه لا یمكن تصوره تعالی بوجه من الوجوه لكان تكلیفنا بالتصدیق بوجوده و توحیده و سائر صفاته تكلیفا بالمحال إذ لا یمكن التصدیق بثبوت شی ء لشی ء بدون تصور ذلك الشی ء فهذا القول مستلزم لنفی وجوده و سائر صفاته عنه تعالی بل لا بد فی التوحید من إخراجه عن حد النفی و التعطیل و عن حد التشبیه بالمخلوقین ثم استدل علیه السلام بتركیبهم و حدوثهم و تغیر أحوالهم و تبدل أوضاعهم علی احتیاجهم إلی صانع منزه عن جمیع ذلك غیر مشابه لهم فی الصفات الإمكانیة و إلا لكان هو أیضا مفتقرا إلی صانع لاشتراك علة الافتقار.

قوله فقد حددته إذا ثبتت وجوده أی إثبات الوجود له یوجب التحدید إما

ص: 30

بناء علی توهم أن كل موجود لا بد أن یكون محدودا بحدود جسمانیة أو بحدود عقلانیة أو باعتبار التحدد بصفة هو الوجود أو باعتبار كونه محكوما علیه فیكون موجودا فی الذهن محاطا به فأجاب علیه السلام بأنه لا یلزم أن یكون كل موجود جسما أو جسمانیا حتی یكون محدودا بحدود جسمانیة و لا أن یكون مركبا حتی یكون محدودا بحدود عقلانیة أو لا یلزم كون حقیقته حاصلة فی الذهن أو محدودة بصفة فإن الحكم لا یستدعی حصول الحقیقة فی الذهن و الوجود لیس من الصفات الموجودة المغایرة التی تحد بها الأشیاء.

«4»-ج، الإحتجاج عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ عَلَی الصَّادِقِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ یَا ابْنَ أَبِی الْعَوْجَاءِ أَ مَصْنُوعٌ أَنْتَ أَمْ غَیْرُ مَصْنُوعٍ قَالَ لَسْتُ بِمَصْنُوعٍ فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ علیه السلام فَلَوْ كُنْتَ مَصْنُوعاً كَیْفَ كُنْتَ تَكُونُ فَلَمْ یُحِرِ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ جَوَاباً وَ قَامَ وَ خَرَجَ.

ید، التوحید الهمدانی عن علی عن أبیه عن العباس بن عمرو الفقیمی عن هشام مثله بیان لما كان التصدیق بوجود الصانع تعالی ضروریا نبهه علیه السلام بأن العقل یحكم بدیهة بالفرق بین المصنوع و غیره و فیك جمیع صفات المصنوعین فكیف لم تكن مصنوعا (1)

«5»-ج، الإحتجاج دَخَلَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّیَصَانِیُّ وَ هُوَ زِنْدِیقٌ(2)عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ دُلَّنِی عَلَی مَعْبُودِی فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اجْلِسْ فَإِذَا غُلَامٌ صَغِیرٌ فِی كَفِّهِ بَیْضَةٌ یَلْعَبُ بِهَا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام نَاوِلْنِی یَا غُلَامُ الْبَیْضَةَ فَنَاوَلَهُ إِیَّاهَا فَقَالَ

ص: 31


1- لا یخفی أن الروایة غیر مسوقة للتنبیه علی ما ذكره، بل إلزام له بالترجیح بلا مرجّح فان اختیاره عدم المصنوعیّة مع جواز مصنوعیّته قول بلا دلیل. ط.
2- الزندیق بالكسر من الثنویّة أو القائل بالنور و الظلمة، أو من لا یؤمن بالآخرة و الربوبیّة أو من یبطن الكفر و یظهر الایمان، أو هو معرّب زن دین أی دین المرأة. قاله فی القاموس. و فی المصباح: المشهور علی ألسنة الناس أن الزندیق هو الذی لا یتمسك بشریعة و یقول بدوام الدهر و العرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد، أی طاعن فی الأدیان. انتهی. و نقل عن مفاتیح العلوم: أن الزنادقة هم المانویّة و كانت المزدكیّة یسمّون بذلك. أقول: و الظاهر أن الزندیق معرب لزنددین، و الزند اسم لكتاب المجوس جاء زردشت الذی یزعم المجوس أنّه نبی، أو معرّب زندیّ أی المنسوب إلی زند فاخذ كلمة واحدة و زید علیه القاف و له نظائر.

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَا دَیَصَانِیُّ هَذَا حِصْنٌ مَكْنُونٌ لَهُ جِلْدٌ غَلِیظٌ وَ تَحْتَ الْجِلْدِ الْغَلِیظِ جِلْدٌ رَقِیقٌ وَ تَحْتَ الْجِلْدِ الرَّقِیقِ ذَهَبَةٌ مَائِعَةٌ وَ فِضَّةٌ ذَائِبَةٌ فَلَا الذَّهَبَةُ الْمَائِعَةُ تَخْتَلِطُ بِالْفِضَّةِ الذَّائِبَةِ وَ لَا الْفِضَّةُ الذَّائِبَةُ تَخْتَلِطُ بِالذَّهَبَةِ الْمَائِعَةِ فَهِیَ عَلَی حَالِهَا لَمْ یَخْرُجْ (1) مِنْهَا خَارِجٌ مُصْلِحٌ فَیُخْبِرَ عَنْ إِصْلَاحِهَا وَ لَمْ یَدْخُلْ (2) فِیهَا دَاخِلٌ مُفْسِدٌ فَیُخْبِرَ عَنْ إِفْسَادِهَا لَا یُدْرَی لِلذَّكَرِ خُلِقَتْ أَمْ لِلْأُنْثَی تَنْفَلِقُ عَنْ مِثْلِ أَلْوَانِ الطَّوَاوِیسِ أَ تَرَی لَهَا مُدَبِّراً قَالَ فَأَطْرَقَ مَلِیّاً ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَنَّكَ إِمَامٌ وَ حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَی خَلْقِهِ وَ أَنَا تَائِبٌ مِمَّا كُنْتُ فِیهِ.

«6»-ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی إِسْحَاقَ الْخَفَّافِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الدَّیَصَانِیَّ أَتَی بَابَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ لَهُ یَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ دُلَّنِی عَلَی مَعْبُودِی فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَا اسْمُكَ فَخَرَجَ عَنْهُ وَ لَمْ یُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ كَیْفَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِاسْمِكَ قَالَ لَوْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ یَقُولُ مَنْ هَذَا الَّذِی أَنْتَ لَهُ عَبْدٌ فَقَالُوا لَهُ عُدْ إِلَیْهِ فَقُلْ یَدُلُّكَ عَلَی مَعْبُودِكَ وَ لَا یَسْأَلُكَ عَنِ اسْمِكَ فَرَجَعَ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ یَا جَعْفَرُ دُلَّنِی عَلَی مَعْبُودِی وَ لَا تَسْأَلْنِی عَنِ اسْمِی فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام اجْلِسْ وَ إِذَا غُلَامٌ صَغِیرٌ إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ.

بیان: قد أوردنا الخبر بتمامه فی باب القدرة و تقریر استدلاله علیه السلام أن ما فی البیضة من الإحكام و الإتقان و الاشتمال علی ما به صلاحها و عدم اختلاط ما فیها من الجسمین السیالین و الحال أنه لیس فیها حافظ لها من الأجسام فیخرج مخبرا عن صلاحها و لا یدخلها جسمانی من خارج فیفسدها و هی تنفلق عن مثل ألوان الطواویس یدل علی أن له مبدأ غیر جسم و لا جسمانی و لا یخفی لطف نسبة الإصلاح إلی ما یخرج منها و الإفساد إلی ما یدخل فیها لأن هذا شأن أهل الحصن الحافظین له و حال الداخل فیه بالقهر و الغلبة.

ص: 32


1- فی الاحتجاج المطبوع: لا یخرج.
2- فی الاحتجاج المطبوع: و لا تدخل.

«7»-ج، الإحتجاج عَنْ عِیسَی بْنِ یُونُسَ قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ (1)مِنْ تَلَامِذَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ فَانْحَرَفَ عَنِ التَّوْحِیدِ فَقِیلَ لَهُ تَرَكْتَ مَذْهَبَ صَاحِبِكَ وَ دَخَلْتَ فِیمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَ لَا حَقِیقَةَ قَالَ إِنَّ صَاحِبِی كَانَ مِخْلَطاً یَقُولُ طَوْراً بِالْقَدَرِ وَ طَوْراً بِالْجَبْرِ فَمَا أَعْلَمُهُ اعْتَقَدَ مَذْهَباً دَامَ عَلَیْهِ فَقَدِمَ مَكَّةَ تَمَرُّداً وَ إِنْكَاراً عَلَی مَنْ یَحُجُّ وَ كَانَ یَكْرَهُ الْعُلَمَاءُ مُجَالَسَتَهُ وَ مُسَاءَلَتَهُ لِخُبْثِ لِسَانِهِ وَ فَسَادِ ضَمِیرِهِ فَأَتَی أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَجَلَسَ إِلَیْهِ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ نُظَرَائِهِ فَقَالَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ الْمَجَالِسَ بِالْأَمَانَاتِ وَ لَا بُدَّ لِكُلِّ مَنْ بِهِ سُعَالٌ أَنْ یَسْعُلَ أَ فَتَأْذَنُ لِی فِی الْكَلَامِ فَقَالَ الصَّادِقُ علیه السلام تَكَلَّمْ بِمَا شِئْتَ فَقَالَ إِلَی كَمْ تَدُوسُونَ هَذَا الْبَیْدَرَ (2) وَ تَلُوذُونَ بِهَذَا الْحَجَرِ وَ تَعْبُدُونَ هَذَا الْبَیْتَ الْمَرْفُوعَ بِالطُّوبِ وَ الْمَدَرِ وَ تُهَرْوِلُونَ حَوْلَهُ كَهَرْوَلَةِ الْبَعِیرِ إِذَا نَفَرَ إِنَّ مَنْ فَكَّرَ فِی هَذَا وَ قَدَّرَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ أَسَّسَهُ غَیْرُ حَكِیمٍ وَ لَا ذِی نَظَرٍ فَقُلْ فَإِنَّكَ رَأْسُ هَذَا الْأَمْرِ وَ سَنَامُهُ وَ أَبُوكَ أُسُّهُ وَ نِظَامُهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَ أَعْمَی قَلْبَهُ اسْتَوْخَمَ الْحَقَّ وَ لَمْ یَسْتَعْذِبْهُ وَ صَارَ الشَّیْطَانُ وَلِیَّهُ یُورِدُهُ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ ثُمَّ لَا یُصْدِرُهُ وَ هَذَا بَیْتٌ اسْتَعْبَدَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِیَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ فِی إِتْیَانِهِ فَحَثَّهُمْ عَلَی تَعْظِیمِهِ وَ زِیَارَتِهِ وَ جَعَلَهُ مَحَلَّ أَنْبِیَائِهِ وَ قِبْلَةً لِلْمُصَلِّینَ لَهُ فَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ رِضْوَانِهِ وَ طَرِیقٌ یُؤَدِّی إِلَی غُفْرَانِهِ مَنْصُوبٌ عَلَی اسْتِوَاءِ الْكَمَالِ وَ مُجْتَمَعِ الْعَظَمَةِ وَ الْجَلَالِ خَلَقَهُ اللَّهُ قَبْلَ دَحْوِ الْأَرْضِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَأَحَقُّ مَنْ أُطِیعَ فِیمَا أَمَرَ وَ انْتُهِیَ عَمَّا نَهَی عَنْهُ وَ زَجَرَ اللَّهُ الْمُنْشِئُ لِلْأَرْوَاحِ وَ الصُّوَرِ فَقَالَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ ذَكَرْتَ اللَّهَ (3) فَأَحَلْتَ عَلَی غَائِبٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَیْلَكَ كَیْفَ یَكُونُ غَائِباً مَنْ هُوَ مَعَ خَلْقِهِ شَاهِدٌ وَ إِلَیْهِمْ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ یَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَ یَرَی أَشْخَاصَهُمْ وَ یَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ

ص: 33


1- عده السیّد المرتضی رحمه اللّٰه فی كتابه الأمالی ممن كان یتستر باظهار الإسلام و یحقن باظهار شعائره و الدخول فی جملة أهله دمه و ماله، و كان فی الباطن زندیقا ملحدا، و كافرا مشركا، و قال: حكی ان عبد الكریم بن أبی العوجاء قال- لما قبض علیه محمّد بن سلیمان و هو والی الكوفة من قبل المنصور، و أحضره للقتل، و أیقن بمفارقة الحیاة-: لان قتلتمونی لقد وضعت فی أحادیثكم أربعة آلاف حدیث مكذوبة مصنوعة.
2- البیدر: الموضع الذی یجمع فیه الحصید و یداس و یدق
3- فی الأمالی: ذكرت یا أبا عبد اللّٰه.

فَقَالَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ فَهُوَ فِی كُلِّ مَكَانٍ أَ لَیْسَ إِذَا كَانَ فِی السَّمَاءِ كَیْفَ یَكُونُ فِی الْأَرْضِ وَ إِذَا كَانَ فِی الْأَرْضِ كَیْفَ یَكُونُ فِی السَّمَاءِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّمَا وَصَفْتَ الْمَخْلُوقَ الَّذِی إِذَا انْتَقَلَ مِنْ مَكَانٍ اشْتَغَلَ بِهِ مَكَانٌ وَ خَلَا مِنْهُ مَكَانٌ فَلَا یَدْرِی فِی الْمَكَانِ الَّذِی صَارَ إِلَیْهِ مَا حَدَثَ فِی الْمَكَانِ الَّذِی كَانَ فِیهِ فَأَمَّا اللَّهُ الْعَظِیمُ الشَّأْنِ الْمَلِكُ الدَّیَّانُ فَلَا یَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَ لَا یَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ وَ لَا یَكُونُ إِلَی مَكَانٍ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَی مَكَانٍ.

لی، الأمالی للصدوق ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن أبی أحمد محمد بن زیاد الأزدی عن الفضل بن یونس مثله- ع، علل الشرائع الهمدانی و المكتب و الوراق جمیعا عن علی عن أبیه عن الفضل مثله.

«8»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْقَاسِمِ الْعَلَوِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِیسَی بْنِ یُونُسَ مِثْلَهُ وَ زَادَ فِی آخِرِهِ وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْآیَاتِ الْمُحْكَمَةِ وَ الْبَرَاهِینِ الْوَاضِحَةِ وَ أَیَّدَهُ بِنَصْرِهِ وَ اخْتَارَهُ لِتَبْلِیغِ رِسَالَتِهِ صَدَّقْنَا قَوْلَهُ بِأَنَّ رَبَّهُ بَعَثَهُ وَ كَلَّمَهُ فَقَامَ عَنْهُ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ أَلْقَانِی فِی بَحْرِ هَذَا وَ فِی رِوَایَةِ ابْنِ الْوَلِیدِ مَنْ أَلْقَانِی فِی بَحْرِ هَذَا سَأَلْتُكُمْ أَنْ تَلْتَمِسُوا لِی خُمْرَةً فَأَلْقَیْتُمُونِی عَلَی جَمْرَةٍ قَالُوا مَا كُنْتَ فِی مَجْلِسِهِ إِلَّا حَقِیراً قَالَ إِنَّهُ ابْنُ مَنْ حَلَقَ رُءُوسَ مَنْ تَرَوْنَ.

بیان: الطوب بالضم الآجر و طعام وخیم غیر موافق و استوخمه أی لم یستمرئه و لم یستعذبه أی لم یدرك عذوبته و حاصل ما ذكره علیه السلام أنه تعالی إنما استعبدهم بذلك لیختبرهم فی إطاعتهم له و الاختبار فیما خفی وجه الحكمة فیه علی أكثر العقول مع أن لخصوص هذا المكان الشریف مزایا و شرائف لكونه محل الأنبیاء و قبلة المصلین و سابقا فی الخلق علی جمیع الأرض و قد أشار علیه السلام بقوله فهو شعبة مع الفقرات التی بعدها إلی ما جعل اللّٰه فیه من الكمالات المعنویة و الأسرار الخفیة حیث جعله محلا لقربه و رضوانه و مهبطا لرحماته و غفرانه و ما أفاض علیه من أنوار جبروته و أخفی فیه من أسرار ملكوته و الاستواء الاعتدال و الورید هو العرق الذی فی صفحة العنق و بقطعه تزول الحیاة ففی التشبیه به دون سائر الأعضاء إشعار بكیفیة قربه بأن قربه قرب بالعلیة و التأثیر و فیما بعدها من الفقر إشارة إلی جهة أخری من قربه و هی

ص: 34

الإحاطة العلمیة و الخمرة بالضم حصیرة صغیرة من السعف أی طلبت منكم أن تطلبوا لی خصما ألعب به كالخمرة فألقیتمونی علی جمرة ملتهبة.

«9»-ج، الإحتجاج وَ رُوِیَ أَنَّ الصَّادِقَ علیه السلام قَالَ لِابْنِ أَبِی الْعَوْجَاءِ إِنْ یَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ وَ لَیْسَ كَمَا تَقُولُ نَجَوْنَا وَ نَجَوْتَ وَ إِنْ یَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَقُولُ نَجَوْنَا وَ هَلَكْتَ.

«10»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام م، تفسیر الإمام علیه السلام ج، الإحتجاج وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً الْآیَةَ جَعَلَهَا مُلَائِمَةً لِطَبَائِعِكُمْ مُوَافِقَةً لِأَجْسَادِكُمْ لَمْ یَجْعَلْهَا شَدِیدَةَ الْحَمْیِ وَ الْحَرَارَةِ فَتُحْرِقَكُمْ وَ لَا شَدِیدَةَ الْبُرُودَةِ فَتُجْمِدَكُمْ وَ لَا شَدِیدَةَ طِیبِ الرِّیحِ فَتُصَدَّعَ هَامَاتُكُمْ (1) وَ لَا شَدِیدَةَ النَّتْنِ فَتُعْطِبَكُمْ (2) وَ لَا شَدِیدَةَ اللِّینِ كَالْمَاءِ فَتُغْرِقَكُمْ وَ لَا شَدِیدَةَ الصَّلَابَةِ فَتَمْتَنِعَ عَلَیْكُمْ فِی حَرْثِكُمْ (3) وَ أَبْنِیَتِكُمْ وَ دَفْنِ مَوْتَاكُمْ وَ لَكِنَّهُ جَعَلَ فِیهَا مِنَ الْمَتَانَةِ مَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ تَتَمَاسَكُونَ وَ تَتَمَاسَكُ عَلَیْهَا أَبْدَانُكُمْ (4)وَ جَعَلَ فِیهَا مِنَ اللِّینِ مَا تَنْقَادُ بِهِ لِحَرْثِكُمْ (5) وَ قُبُورِكُمْ وَ كَثِیرٍ مِنْ مَنَافِعِكُمْ فَلِذَلِكَ جَعَلَ الْأَرْضَ فِرَاشاً لَكُمْ ثُمَّ قَالَ وَ السَّماءَ بِناءً یَعْنِی سَقْفاً مِنْ فَوْقِكُمْ مَحْفُوظاً یُدَبِّرُ فِیهَا شَمْسَهَا وَ قَمَرَهَا وَ نُجُومَهَا لِمَنَافِعِكُمْ ثُمَّ قَالَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً یَعْنِی الْمَطَرَ یُنْزِلُهُ مِنْ عَلًا لِیَبْلُغَ قُلَلَ جِبَالِكُمْ وَ تِلَالَكُمْ وَ هِضَابَكُمْ وَ أَوْهَادَكُمْ (6)ثُمَّ فَرَّقَهُ رَذَاذاً وَ وَابِلًا وَ هَطْلًا وَ طَلًّا لِتَنْشَفَهُ أَرْضُكُمْ (7)وَ لَمْ یَجْعَلْ ذَلِكَ الْمَطَرَ نَازِلًا عَلَیْكُمْ قِطْعَةً وَاحِدَةً فَتَفْسُدَ أَرْضُكُمْ وَ أَشْجَارُكُمْ وَ زُرُوعُكُمْ وَ ثِمَارُكُمْ ثُمَّ قَالَ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ یَعْنِی مِمَّا یُخْرِجُهُ مِنَ الْأَرْضِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً أَیْ أَشْبَاهاً وَ أَمْثَالًا مِنَ الْأَصْنَامِ الَّتِی لَا تَعْقِلُ وَ لَا تَسْمَعُ وَ لَا تُبْصِرُ وَ لَا تَقْدِرُ عَلَی شَیْ ءٍ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَی شَیْ ءٍ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الْجَلِیلَةِ الَّتِی أَنْعَمَهَا عَلَیْكُمْ رَبُّكُمْ.

ص: 35


1- جمع الهامة و هی الرأس.
2- أی فتهلككم.
3- فی العیون: دوركم.
4- فی العیون: و بنیانكم.
5- فی العیون: لدوركم.
6- جمع الوهدة و هی الأرض المنخفضة. و الهوة فی الأرض.
7- نشف الماء فی الأرض: ذهب و جری و سال.

بیان: الهضاب جمع الهضبة و هی الجبل المنبسط علی الأرض أو جبل خلق من صخرة واحدة و الرذاذ كسحاب المطر الضعیف أو الساكن الدائم الصغار القطر و الوابل المطر الشدید الضخم القطر و الهطل المطر الضعیف الدائم و تتابع المطر المتفرق العظیم القطر و الطل المطر الضعیف أو أخف المطر و أضعفه أو الندی أو فوقه و دون المطر كل ذلك ذكرها الفیروزآبادی.

«11»-ید، التوحید لی، الأمالی للصدوق ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام الْعَطَّارُ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا علیهما السلام أَنَّهُ دَخَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا الدَّلِیلُ عَلَی حُدُوثِ الْعَالَمِ فَقَالَ أَنْتَ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ كُنْتَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُكَوِّنْ نَفْسَكَ وَ لَا كَوَّنَكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ.

ج، الإحتجاج مرسلا مثله.

«12»- ید، التوحید ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ أَبِی سَمِینَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْكُوفِیِّ الصَّیْرَفِیِّ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِیِّ خَادِمِ الرِّضَا علیه السلام (2)قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ عَلَی الرِّضَا علیه السلام وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام أَ رَأَیْتَ إِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَكُمْ وَ لَیْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُونَ أَ لَسْنَا وَ إِیَّاكُمْ شَرَعاً سَوَاءً وَ لَا یَضُرُّنَا مَا صَلَّیْنَا وَ صُمْنَا وَ زَكَّیْنَا وَ أَقْرَرْنَا فَسَكَتَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام إِنْ یَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَنَا وَ هُوَ كَمَا نَقُولُ (3) أَ لَسْتُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ وَ نَجَوْنَا قَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ فَأَوْجِدْنِی كَیْفَ هُوَ وَ أَیْنَ هُوَ قَالَ وَیْلَكَ إِنَّ الَّذِی ذَهَبْتَ إِلَیْهِ غَلَطٌ هُوَ أَیَّنَ الْأَیْنَ وَ كَانَ وَ لَا أَیْنَ وَ هُوَ كَیَّفَ الْكَیْفَ وَ كَانَ وَ لَا كَیْفَ فَلَا یُعْرَفُ بِكَیْفُوفِیَّةٍ وَ لَا بِأَیْنُونِیَّةٍ وَ لَا بِحَاسَّةٍ وَ لَا یُقَاسُ بِشَیْ ءٍ قَالَ الرَّجُلُ فَإِذَنْ

ص: 36


1- هو محمّد بن علیّ بن إبراهیم بن موسی أبو جعفر القرشیّ مولاهم الصیرفی، هكذا عنونه النجاشیّ فی ص 234 من رجاله و قال: ابن اخت خلّاد المقری، و هو خلّاد بن عیسی، و كان یلقب محمّد بن علی أبا سمینة، ضعیف جدا، فاسد الاعتقاد، لا یعتمد فی شی ء، و كان ورد قم و قد اشتهر بالكذب بالكوفة و نزل علی أحمد بن محمّد بن عیسی مدة، ثمّ تشهّر بالغلو فخفی، و أخرجه أحمد بن محمّد بن عیسی عن قم و له قصة إلخ.
2- غیر معلوم حاله.
3- و فی نسخة: و هو قولنا و كما نقول.

إِنَّهُ لَا شَیْ ءَ إِذَا لَمْ یُدْرَكْ بِحَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِّ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام وَیْلَكَ لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسُّكَ عَنْ إِدْرَاكِهِ أَنْكَرْتَ رُبُوبِیَّتَهُ وَ نَحْنُ إِذَا عَجَزَتْ حَوَاسُّنَا عَنْ إِدْرَاكِهِ أَیْقَنَّا أَنَّهُ رَبُّنَا وَ أَنَّهُ شَیْ ءٌ بِخِلَافِ الْأَشْیَاءِ قَالَ الرَّجُلُ فَأَخْبِرْنِی مَتَی كَانَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام أَخْبِرْنِی مَتَی لَمْ یَكُنْ فَأُخْبِرَكَ مَتَی كَانَ قَالَ الرَّجُلُ فَمَا الدَّلِیلُ عَلَیْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام إِنِّی لَمَّا نَظَرْتُ إِلَی جَسَدِی فَلَمْ یُمْكِنِّی فِیهِ زِیَادَةٌ وَ لَا نُقْصَانٌ فِی الْعَرْضِ وَ الطُّولِ وَ دَفْعُ الْمَكَارِهِ عَنْهُ وَ جَرُّ الْمَنْفَعَةِ إِلَیْهِ عَلِمْتُ أَنَّ لِهَذَا الْبُنْیَانِ بَانِیاً فَأَقْرَرْتُ بِهِ مَعَ مَا أَرَی مِنْ دَوَرَانِ الْفَلَكِ بِقُدْرَتِهِ وَ إِنْشَاءِ السَّحَابِ وَ تَصْرِیفِ الرِّیَاحِ وَ مَجْرَی الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآیَاتِ الْعَجِیبَاتِ الْمُتْقَنَاتِ عَلِمْتُ أَنَّ لِهَذَا مُقَدِّراً وَ مُنْشِئاً قَالَ الرَّجُلُ فَلِمَ احْتَجَبَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام إِنَّ الْحِجَابَ عَلَی الْخَلْقِ (1)لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ فَأَمَّا هُوَ فَلَا تَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَةٌ فِی آنَاءِ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ قَالَ فَلِمَ لَا تُدْرِكُهُ حَاسَّةُ الْبَصَرِ قَالَ لِلْفَرْقِ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ الَّذِینَ تُدْرِكُهُمْ حَاسَّةُ الْأَبْصَارِ مِنْهُمْ وَ مِنْ غَیْرِهِمْ ثُمَّ هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ یُدْرِكَهُ بَصَرٌ أَوْ یُحِیطَ بِهِ وَهْمٌ أَوْ یَضْبِطَهُ عَقْلٌ قَالَ فَحُدَّهُ لِی فَقَالَ لَا حَدَّ لَهُ قَالَ وَ لِمَ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ مَحْدُودٍ مُتَنَاهٍ إِلَی حَدٍّ وَ إِذَا احْتَمَلَ التَّحْدِیدَ احْتَمَلَ الزِّیَادَةَ وَ إِذَا احْتَمَلَ الزِّیَادَةَ احْتَمَلَ النُّقْصَانَ فَهُوَ غَیْرُ مَحْدُودٍ وَ لَا مُتَزَایِدٍ وَ لَا مُتَنَاقِصٍ وَ لَا مُتَجَزِّئٍ وَ لَا مُتَوَهَّمٍ قَالَ الرَّجُلُ فَأَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِكُمْ إِنَّهُ لَطِیفٌ وَ سَمِیعٌ وَ بَصِیرٌ وَ عَلِیمٌ وَ حَكِیمٌ


1- فی نسخة من التوحید: ان الاحتجاب عن الخلق.

ذَلِكَ إِنَّ خَالِقَنَا لَطِیفٌ لَا كَلُطْفِ خَلْقِهِ فِی صَنْعَتِهِمْ وَ قُلْنَا إِنَّهُ سَمِیعٌ لِأَنَّهُ لَا یَخْفَی عَلَیْهِ أَصْوَاتُ خَلْقِهِ مَا بَیْنَ الْعَرْشِ إِلَی الثَّرَی مِنَ الذَّرَّةِ إِلَی أَكْبَرَ مِنْهَا فِی بَرِّهَا وَ بَحْرِهَا وَ لَا تَشْتَبِهُ عَلَیْهِ لُغَاتُهَا فَقُلْنَا عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّهُ سَمِیعٌ لَا بِأُذُنٍ وَ قُلْنَا إِنَّهُ بَصِیرٌ لَا بِبَصَرٍ لِأَنَّهُ یَرَی أَثَرَ الذَّرَّةِ السَّحْمَاءِ فِی اللَّیْلَةِ الظَّلْمَاءِ عَلَی الصَّخْرَةِ السَّوْدَاءِ وَ یَرَی دَبِیبَ النَّمْلِ فِی اللَّیْلَةِ الدُّجُنَّةِ وَ یَرَی مَضَارَّهَا وَ مَنَافِعَهَا وَ أَثَرَ سِفَادِهَا (1) وَ فِرَاخَهَا وَ نَسْلَهَا فَقُلْنَا عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّهُ بَصِیرٌ لَا كَبَصَرِ خَلْقِهِ قَالَ فَمَا بَرِحَ حَتَّی أَسْلَمَ وَ فِیهِ كَلَامٌ غَیْرُ هَذَا.

ج، الإحتجاج رواه مرسلا عن محمد بن عبد اللّٰه الخراسانی إلی آخر الخبر بیان أوجدنی أی أفدنی كیفیته و مكانه و أظفرنی بمطلبی الذی هو العلم بهما هو أین الأین أی جعل الأین أینا بناء علی مجعولیة الماهیات أو أوجد حقیقة الأین و كذا الكیف و الكیفوفیة و الأینونیة الاتصاف بالكیف و الأین قوله فإذن إنه لا شی ء هذا السائل لما كان وهمه غالبا علی عقله زعم أن الموجود ما یمكن إحساسه فنفی الوجود عنه تعالی بناء علی أنه علیه السلام نفی عنه أن یحس فأجاب علیه السلام بأنك جعلت تعالیه عن أن یدرك بالحواس دلیلا علی عدمه و نحن إذا عرفناه بتعالیه عن أن یدرك بالحواس أیقنا أنه ربنا بخلاف شی ء من الأشیاء إذا المحسوسیة تستلزم أمورا كل منها مناف للربوبیة علی ما برهن علیه فی محله قوله فأخبرنی متی كان الظاهر أنه سأل عن ابتداء كونه و وجوده و یحتمل أن یكون السؤال عن أصل زمان وجوده تعالی فعلی الأول حاصل جوابه علیه السلام أن ابتداء الزمان إنما یكون لحادث كان معدوما ثم صار موجودا و هو تعالی یستحیل علیه العدم و علی الثانی فالمراد أن الكائن فی الزمان إنما یكون فیه بتغیر و تبدل فی ذاته و صفاته لأن الزمان نسبة المتغیر إلی المتغیر فیكون بحال فی زمان لا یكون كذلك فی زمان آخر و هو متعال عن التغیر فی الذات و الصفات قوله فلم احتجب توهم السائل أن احتجابه تعالی عبارة عن كونه وراء حجاب فأجاب علیه السلام بأنا غیر محجوبین عنه لإحاطة علمه بنا و كنه ذاته و صفاته محجوبة عنا لعجزنا و قصورنا عن إدراكه بأن یكون المراد بالذنوب الحجب الظلمانیة الإمكانیة و یحتمل أن یكون

ص: 38


1- السفاد: الجماع.

المراد أن عدم ظهوره تعالی علی عامة الخلق كظهوره علی أولیائه لغایة المعرفة إنما هو لذنوبهم التی حالت بینهم و بین تلك المعرفة و إلا فهو تعالی قد تجلی لأولیائه فظهر لهم ظهورا فوق الإحساس و الجواب عن الإحساس ظاهر إذ الفرق بینه و بین خلقه و هو كونه غیر جسم و لا جسمانی و لا حاصلا فی جهة و مكان هو الذی صار سببا لعدم إمكان رؤیته قوله فحده یحتمل أن یكون المراد التحدید بالحدود الجسمانیة فحاصل جوابه علیه السلام أن الحد نهایة لشی ء ذی مقدار یمكن أن ینتهی إلی نهایة أخری بعد تلك النهایة فیزید مقداره و مثل هذا یمكن نقصانه لكون المقادیر قابلة للانقسام فیكون ذا أجزاء فیكون محتاجا إلی أجزائه فیكون ممكنا فلا یكون صانعا بل یكون مصنوعا أو احتمال النقص ینافی الكمال الذی یحكم الوجدان باتصاف الصانع به و السحماء السوداء و الدجنة بكسر الجیم أی المتغیمة المظلمة و سیأتی تفسیر آخر الخبر فی باب معانی الأسماء قوله و فیه كلام غیر هذا أی قیل إنه لم یسلم أو فی الخبر تتمة تركناها.

«13»-لی، الأمالی للصدوق أَحْمَدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّیَصَانِیُّ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ أَحَدُ النُّجُومِ الزَّوَاهِرِ وَ كَانَ آبَاؤُكَ بُدُوراً بَوَاهِرَ وَ أُمَّهَاتُكَ عَقِیلَاتٍ عَبَاهِرَ وَ عُنْصُرُكَ مِنْ أَكْرَمِ الْعَنَاصِرِ وَ إِذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَبِكَ تُثْنَی الْخَنَاصِرُ فَخَبِّرْنِی أَیُّهَا الْبَحْرُ الْخِضَمُّ الزَّاخِرُ مَا الدَّلِیلُ عَلَی حُدُوثِ الْعَالَمِ فَقَالَ الصَّادِقُ علیه السلام یُسْتَدَلُّ عَلَیْهِ بِأَقْرَبِ الْأَشْیَاءِ قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ فَدَعَا الصَّادِقُ علیه السلام بِبَیْضَةٍ فَوَضَعَهَا عَلَی رَاحَتِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا حِصْنٌ مَلْمُومٌ دَاخِلُهُ غِرْقِئٌ رَقِیقٌ تُطِیفُ بِهِ فِضَّةٌ سَائِلَةٌ وَ ذَهَبَةٌ مَائِعَةٌ ثُمَّ تَنْفَلِقُ عَنْ مِثْلِ الطَّاوُسِ أَ دَخَلَهَا شَیْ ءٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَذَا الدَّلِیلُ عَلَی حُدُوثِ الْعَالَمِ قَالَ أَخْبَرْتَ فَأَوْجَزْتَ وَ قُلْتَ فَأَحْسَنْتَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَقْبَلُ إِلَّا مَا أَدْرَكْنَاهُ بِأَبْصَارِنَا أَوْ سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا أَوْ لَمَسْنَاهُ بِأَكُفِّنَا أَوْ شَمِمْنَاهُ بِمَنَاخِرِنَا أَوْ ذُقْنَاهُ بِأَفْوَاهِنَا أَوْ تُصُوِّرَ فِی الْقُلُوبِ بَیَاناً وَ اسْتَنْبَطَتْهُ الرِّوَایَاتُ إِیقَاناً فَقَالَ الصَّادِقُ علیه السلام ذَكَرْتَ الْحَوَاسَّ الْخَمْسَ وَ هِیَ لَا تَنْفَعُ شَیْئاً بِغَیْرِ دَلِیلٍ كَمَا لَا تُقْطَعُ الظُّلْمَةُ بِغَیْرِ مِصْبَاحٍ.

ص: 39

ید، التوحید ابن الولید عن الصفار عن ابن عیسی عن الحسین بن سعید عن علی بن منصور عن هشام بن الحكم مثله بیان قال الجوهری العقیلة كریمة الحی و الدرة عقیلة البحر و قال الفیروزآبادی العبهر الممتلی الجسیم و العظیم الناعم الطویل من كل شی ء كالعباهر فیهما و بهاء الجامعة للحسن و الجسم و الخلق انتهی و العنصر الأصل قوله فبك تثنی الخناصر أی أنت تعد أولا قبلهم لكونك أفضل و أشهر منهم و إنما یبدأ فی العد بالخنصر و الثنی العطف و الخضم بكسر الخاء و فتح الضاد المشددة (1) الكثیر العطاء و قال الجوهری زخر الوادی إذا امتد جدا و ارتفع یقال بحر زاخر و قال كتیبة ملمومة مضمومة بعضها إلی بعض و قال الغرقئ قشر البیض التی تحت القیض و القیض ما تفلق من قشور البیض قوله علیه السلام: و هی لا تنفع شیئا بغیر دلیل أی هی عاجزة تتوقف إدراكها علی شرائط فكیف تنفی ما لم تدركه بحسك (2) كما أن البصر لا یبصر الأشیاء بغیر مصباح و یحتمل أن یكون المراد بالدلیل العقل أی لا تنفع الحواس بدون دلالة العقل فهو كالسراج لإحساس الحواس و أنت قد عزلت العقل و حكمه و اقتصرت علی حكم الحواس.

«14»-م، تفسیر الإمام علیه السلام ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُفَسِّرُ عَنْ یُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِیَادٍ وَ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَیَّارٍ عَنْ أَبَوَیْهِمَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ الرِّضَا عَلِیِّ بْنِ مُوسَی عَنْ أَبِیهِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ أَبِیهِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَكُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ قَالَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَكُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً لِتَعْتَبِرُوا بِهِ وَ تَتَوَصَّلُوا بِهِ إِلَی رِضْوَانِهِ وَ تَتَوَقَّوْا بِهِ مِنْ عَذَابِ نِیرَانِهِ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ أَخَذَ فِی خَلْقِهَا وَ إِتْقَانِهَا فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ

ص: 40


1- فی الصحاح: الخضم بوزن الهجف.
2- بل المراد أن الحواس إنّما لها الإدراك التصوری و أمّا التصدیق و الحكم فللعقل. ط.

عَلِیمٌ وَ لِعِلْمِهِ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِمَ الْمَصَالِحَ فَخَلَقَ لَكُمْ كُلَّ مَا فِی الْأَرْضِ لِمَصَالِحِكُمْ یَا بَنِی آدَمَ.

«15»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام الطَّالَقَانِیُّ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ (1) عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ لِمَ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْخَلْقَ عَلَی أَنْوَاعٍ شَتَّی وَ لَمْ یَخْلُقْهُمْ نَوْعاً وَاحِداً فَقَالَ لِئَلَّا یَقَعَ فِی الْأَوْهَامِ أَنَّهُ عَاجِزٌ فَلَا تَقَعُ صُورَةٌ فِی وَهْمِ مُلْحِدٍ إِلَّا وَ قَدْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهَا خَلْقاً وَ لَا یَقُولَ قَائِلٌ هَلْ یَقْدِرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی أَنْ یَخْلُقَ عَلَی صُورَةِ كَذَا وَ كَذَا إِلَّا وَجَدَ ذَلِكَ فِی خَلْقِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی فَیَعْلَمُ بِالنَّظَرِ إِلَی أَنْوَاعِ خَلْقِهِ أَنَّهُ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ.

«16»-م، تفسیر الإمام علیه السلام مع، معانی الأخبار مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُفَسِّرُ عَنْ یُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِیَادٍ وَ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَیَّارٍ وَ كَانَا مِنَ الشِّیعَةِ الْإِمَامِیَّةِ عَنْ أَبَوَیْهِمَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ فَقَالَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی یَتَأَلَّهُ إِلَیْهِ عِنْدَ الْحَوَائِجِ وَ الشَّدَائِدِ كُلُّ مَخْلُوقٍ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِنْ كُلِّ مَنْ دُونَهُ وَ تَقَطُّعِ الْأَسْبَابِ مِنْ جَمِیعِ مَنْ سِوَاهُ تَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ أَیْ أَسْتَعِینُ عَلَی أُمُورِی كُلِّهَا بِاللَّهِ الَّذِی لَا تَحِقُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ الْمُغِیثُ إِذَا اسْتُغِیثَ وَ الْمُجِیبُ إِذَا دُعِیَ وَ هُوَ مَا قَالَ رَجُلٌ لِلصَّادِقِ علیه السلام یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ دُلَّنِی عَلَی اللَّهِ مَا هُوَ فَقَدْ أَكْثَرَ عَلَیَّ الْمُجَادِلُونَ وَ حَیَّرُونِی فَقَالَ لَهُ یَا عَبْدَ اللَّهِ هَلْ رَكِبْتَ سَفِینَةً قَطُّ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ كُسِرَ بِكَ حَیْثُ لَا سَفِینَةَ تُنْجِیكَ وَ لَا سِبَاحَةَ تُغْنِیكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَعَلَّقَ قَلْبُكَ هُنَالِكَ أَنَّ شَیْئاً مِنَ الْأَشْیَاءِ قَادِرٌ عَلَی أَنْ یُخَلِّصَكَ مِنْ وَرْطَتِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام فَذَلِكَ الشَّیْ ءُ هُوَ اللَّهُ الْقَادِرُ عَلَی الْإِنْجَاءِ حَیْثُ لَا مُنْجِیَ وَ عَلَی الْإِغَاثَةِ حَیْثُ لَا مُغِیثَ.

بیان: قال الفیروزآبادی أله إلیه كفرح فزع و لاذ و ألهه أجاره و آمنه.

ص: 41


1- بضم العین المهملة و سكون القاف و فتح الدال، هو أحمد بن محمّد بن سعید السبیعی الهمدانیّ الحافظ، المكنی بأبی العباس، ترجمه العامّة و الخاصّة فی كتب تراجمهم، و بالغوا فی إكباره و الثناء علیه، قال النجاشیّ فی ص 68 من رجاله: أحمد بن محمّد بن سعید بن عبد الرحمن بن زیاد بن عبد اللّٰه بن زیاد بن عجلان، مولی عبد الرحمن بن سعید بن قیس السبیعی الهمدانیّ، هذا رجل جلیل فی أصحاب الحدیث، مشهور بالحفظ، و الحكایات تختلف عنه فی الحفظ و عظمه، و كان كوفیا زیدیا جارودیا علی ذلك مات. الخ.

«17»-ل، الخصال الْفَامِیُّ وَ ابْنُ مَسْرُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ بُطَّةَ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُ أَبِی یُحَدِّثُ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام أَنَّ رَجُلًا قَامَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِمَا عَرَفْتَ رَبَّكَ قَالَ بِفَسْخِ الْعَزْمِ (1)» وَ نَقْضِ الْهِمَمِ لَمَّا أَنْ هَمَمْتُ حَالَ بَیْنِی وَ بَیْنَ هَمِّی وَ عَزَمْتُ فَخَالَفَ الْقَضَاءُ عَزْمِی فَعَلِمْتُ أَنَّ الْمُدَبِّرَ غَیْرِی قَالَ فَبِمَا ذَا شَكَرْتَ نَعْمَاءَهُ قَالَ نَظَرْتُ إِلَی بَلَاءٍ قَدْ صَرَفَهُ عَنِّی وَ أَبْلَی بِهِ غَیْرِی فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أَنْعَمَ عَلَیَّ فَشَكَرْتُهُ قَالَ فَبِمَا ذَا أَحْبَبْتَ لِقَاءَهُ قَالَ لَمَّا رَأَیْتُهُ قَدِ اخْتَارَ لِی دِینَ مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ أَنْبِیَائِهِ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِی أَكْرَمَنِی بِهَذَا لَیْسَ یَنْسَانِی فَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ.

ید، التوحید الهمدانی عن علی عن أبیه عن محمد بن سنان عن أبی الجارود عن أبی جعفر عن أبیه عن جده علیه السلام مثله.

«18»-ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْكُوفِیِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی هَاشِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَسِّنٍ الْمِیثَمِیِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی مَنْصُورٍ الْمُتَطَبِّبِ فَقَالَ أَخْبَرَنِی رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِی قَالَ كُنْتُ أَنَا وَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُقَفَّعِ (2) فِی الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ تَرَوْنَ هَذَا الْخَلْقَ وَ أَوْمَی بِیَدِهِ إِلَی مَوْضِعِ الطَّوَافِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الْإِنْسَانِیَّةِ (3) إِلَّا ذَلِكَ الشَّیْخُ الْجَالِسُ یَعْنِی جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام فَأَمَّا الْبَاقُونَ فَرَعَاعٌ وَ بَهَائِمُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ وَ كَیْفَ أَوْجَبْتَ هَذَا الِاسْمَ لِهَذَا الشَّیْخِ دُونَ هَؤُلَاءِ قَالَ لِأَنِّی رَأَیْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ مَا بُدٌّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِیهِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ لَا تَفْعَلْ فَإِنِّی أَخَافُ أَنْ

ص: 42


1- و فی نسخة: بفسخ العزائم.
2- قیل: إن اسمه «روزبه» قبل الإسلام و عبد اللّٰه بعد الإسلام، و المقفع اسمه المبارك، و لقب بالمقفع لان الحجاج بن یوسف ضربه ضربا فتقفعت یده- و رجل متقفع الیدین أی متشنجهما- و قیل: هو المقفع بكسر العین، لعمله القفعة- بفتح القاف و سكون الفاء- و القفعة: شی ء یشبه الزنبیل بلا عروة و تعمل من خوص لیست بالكبیرة. ذكر السیّد المرتضی فی ج 1 ص 89 من أمالیه ابن المقفع من جملة الزنادقة و الملاحدة الذین یبطنون الكفر و یظهرون الإسلام.
3- فی نسخة: وجب له اسم الإنسانیّة.

یُفْسِدَ عَلَیْكَ مَا فِی یَدِكَ فَقَالَ لَیْسَ ذَا رَأْیَكَ وَ لَكِنَّكَ تَخَافُ أَنْ یَضْعُفَ رَأْیُكَ عِنْدِی فِی إِحْلَالِكَ إِیَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِی وَصَفْتَ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ أَمَّا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَیَّ هَذَا فَقُمْ إِلَیْهِ وَ تَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ وَ لَا تَثْنِ عِنَانَكَ إِلَی اسْتِرْسَالٍ یُسَلِّمْكَ إِلَی عِقَالٍ وَ سِمْهُ مَا لَكَ أَوْ عَلَیْكَ قَالَ فَقَامَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ وَ بَقِیتُ وَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ فَرَجَعَ إِلَیْنَا وَ قَالَ یَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ مَا هَذَا بِبَشَرٍ وَ إِنْ كَانَ فِی الدُّنْیَا رُوحَانِیٌّ یَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِراً وَ یَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِناً فَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَهُ وَ كَیْفَ ذَاكَ قَالَ جَلَسْتُ إِلَیْهِ فَلَمَّا لَمْ یَبْقَ عِنْدَهُ غَیْرِی ابْتَدَأَنِی فَقَالَ إِنْ یَكُنِ الْأَمْرُ عَلَی مَا یَقُولُ هَؤُلَاءِ وَ هُوَ عَلَی مَا یَقُولُونَ یَعْنِی أَهْلَ الطَّوَافِ فَقَدْ سَلِمُوا وَ عَطِبْتُمْ وَ إِنْ یَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ وَ لَیْسَ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدِ اسْتَوَیْتُمْ وَ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ یَرْحَمُكَ اللَّهُ وَ أَیَّ شَیْ ءٍ نَقُولُ وَ أَیَّ شَیْ ءٍ یَقُولُونَ مَا قَوْلِی وَ قَوْلُهُمْ إِلَّا وَاحِدٌ فَقَالَ كَیْفَ یَكُونُ قَوْلُكَ وَ قَوْلُهُمْ وَاحِداً وَ هُمْ یَقُولُونَ إِنَّ لَهُمْ مَعَاداً وَ ثَوَاباً وَ عِقَاباً وَ یَدِینُونَ بِأَنَّ لِلسَّمَاءِ إِلَهاً وَ أَنَّهَا عُمْرَانٌ وَ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَیْسَ فِیهَا أَحَدٌ قَالَ فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا مَنَعَهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ أَنْ یَظْهَرَ لِخَلْقِهِ وَ یَدْعُوهُمْ إِلَی عِبَادَتِهِ حَتَّی لَا یَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَ لِمَا احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَ أَرْسَلَ إِلَیْهِمُ الرُّسُلَ وَ لَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَی الْإِیمَانِ بِهِ فَقَالَ لِی وَیْلَكَ وَ كَیْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِی نَفْسِكَ نُشُوءَكَ وَ لَمْ تَكُنْ وَ كِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ وَ قُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ وَ ضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ وَ سُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ وَ صِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ وَ رِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ وَ غَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ وَ حُزْنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ وَ فَرَحَكَ بَعْدَ حُزْنِكَ وَ حُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ وَ بُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ وَ عَزْمَكَ بَعْدَ إِبَائِكَ وَ إِبَاءَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ وَ شَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ وَ كَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ وَ رَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ وَ رَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ وَ رَجَاءَكَ بَعْدَ یَأْسِكَ وَ یَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ وَ خَاطِرَكَ بِمَا لَمْ یَكُنْ فِی وَهْمِكَ وَ عُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ مِنْ ذِهْنِكَ وَ مَا زَالَ یَعُدُّ عَلَیَّ قُدْرَتَهُ الَّتِی فِی نَفْسِی الَّتِی لَا أَدْفَعُهَا حَتَّی ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَیَظْهَرُ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَهُ.

بیان: قال الجزری رعاع الناس أی غوغاؤهم و سقاطهم و أخلاطهم الواحد رعاعة قوله و لا تثن من الثنی و هو العطف و المیل أی لا ترخ عنانك إلیه بأن تمیل إلی الرفق و الاسترسال و التساهل فتقبل منه بعض ما یلقی إلیك فیسلمك من التسلیم أو

ص: 43

الإسلام إلی عقال أی یعقلك بتلك المقدمات التی تسلمت منه بحیث لا یبقی لك مفر كالبعیر المعقول قوله و سمه ما لك أو علیك نقل عن الشیخ البهائی قدس اللّٰه روحه أنه من السوم من سام البائع السلعة یسوم سوما إذا عرضها علی المشتری و سامها المشتری بمعنی استامها و الضمیر راجع إلی الشیخ علی طریق الحذف و الإیصال و الموصول مفعوله و یروی عن الفاضل التستری نور ضریحه أنه كان یقرأ سمه بضم السین و فتح المیم المشددة أمرا من سم الأمر یسمه إذا سبره و نظر إلی غوره و الضمیر راجع إلی ما یجری بینهما و الموصول بدل عنه و قیل هو من سممت سمك أی قصدت قصدك و الهاء للسكت أی أقصد ما لك و ما علیك و الأظهر أنه من وسم یسم سمة بمعنی الكی (1) و الضمیر راجع إلی ما یرید أن یتكلم به أی اجعل علی ما ترید أن تتكلم به علامة لتعلم أی شی ء لك و أی شی ء علیك فالموصول بدل من الضمیر قوله علیه السلام: و هو علی ما یقولون اعترض علیه السلام الجملة الحالیة بین الشرط و الجزاء للإشارة إلی ما هو الحق و لئلا یتوهم أنه علیه السلام فی شك من ذلك و العطب الهلاك قوله علیه السلام: لیس فیها أحد أی لها أو علیها أو بالظرفیة المجازیة لجریان حكمه و حصول تقدیره تعالی فیها و حاصل استدلاله علیه السلام أنك لما وجدت فی نفسك آثار القدرة التی لیست من مقدوراتك ضرورة علمت أن لها بارئا قادرا و كیف یكون غائبا عن الشخص من لا یخلو الشخص ساعة عن آثار كثیرة یصل منه إلیه.

«19»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعِیدِ بْنِ جَنَاحٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَصْغَرَ مِنَ الْبَعُوضِ وَ الْجِرْجِسُ أَصْغَرُ مِنَ الْبَعُوضِ وَ الَّذِی یُسَمُّونَهُ الْوَلَغَ أَصْغَرَ مِنَ الْجِرْجِسِ وَ مَا فِی الْفِیلِ شَیْ ءٌ إِلَّا وَ فِیهِ مِثْلُهُ وَ فُضِّلَ عَلَی الْفِیلِ بِالْجَنَاحَیْنِ (2).

ص: 44


1- بل الأظهر أنّه أمر من التسمیة كنایة عن تعیین ما هو مقبول عنده من المقدمات و ما لیس بمقبول.
2- و بالرجلین، و خرطوم الفیل المصمت، و خرطومه مجوف نافذ للجوف، فإذا طعن به جسد الإنسان استقی الدم و قذف به إلی جوفه فهو كالبلعوم و الحلقوم و لذلك اشتد عضها، و قویت علی خرق الجلود الغلاظ، و ممّا ألهمه اللّٰه تعالی أنّه إذا جلس علی عضو من أعضاء الإنسان لا یزال یتوخی. بخرطومه المسام التی یخرج منها العرق، لانها أرق بشرة من جلد الإنسان فإذا وجدها وضع خرطومه فیها، و فیه من الشره أن یمص الدم إلی أن ینشق و یموت، او إلی أن یعجز عن الطیران فیكون ذلك سبب هلاكه، و من عجیب أمره أنّه ربما قتل البعیر و غیره من ذوات الاربع فیبقی طریحا فی الصحراء فتجتمع السباع حوله، و الطیر التی تاكل الجیف، فمن أكل منها شیئا مات لوقته. قال وهب بن منبه لما أرسل اللّٰه تعالی البعوض علی النمرود اجتمع منه فی عسكره ما لا یحصی عددا فلما عاین النمرود ذلك انفرد عن جیشه و دخل بیته، و أغلق الأبواب و أرخی الستور و نام علی قفاه مفكرا، فدخلت بعوضة فی أنفه و صعدت إلی دماغه فعذب بها أربعین یوما، حتی أنّه كان یضرب برأسه الأرض و كان أعز الناس عنده من یضرب رأسه ثمّ سقطت منه كالفرخ و هی تقول: كذلك یسلط اللّٰه رسله علی من یشاء من عباده، ثمّ هلك حینئذ. و قد أودع اللّٰه فی مقدم دماغها قوة الحفظ، و فی وسطه قوة الفكر و فی مؤخره قوة الذكر، و خلق لها حاسة البصر، و حاسة اللمس، و حاسة الشم، و خلق لها منفذا للغذاء، و مخرجا للفضلة، و خلق لها جوفا و أمعاء و عظاما، فسبحان من قدر فهدی، و لم یخلق شیئا من المخلوقات سدی. قاله الدمیری فی كتابه حیاة الحیوان.

بیان: قال الفیروزآبادی الجرجس بالكسر البعوض الصغار انتهی فالمراد أن الجرجس أصغر من سائر أصناف البعوض لیوافق أول الكلام و كلام أهل اللغة علی أنه یحتمل أن یكون الحصر فی الأول إضافیا كما أن الظاهر أنه لا بد من تخصیصه بالطیور إذ قد یحس من الحیوانات ما هو أصغر من البعوض إلا أن یقال یمكن أن یكون للبعوض أنواع صغار لا یكون شی ء من الحیوانات أصغر منها و الولغ هنا بالغین المعجمة و فی الكافی بالمهملة و هما غیر مذكورین فیما عندنا من كتب اللغة و الظاهر أنه أیضا صنف من البعوض و الغرض بیان كمال قدرته تعالی فإن القدرة فی خلق الأشیاء الصغار أكثر و أظهر منها فی الكبار كما هو المعروف بین الصناع من المخلوقین (1) فتبارك اللّٰه أحسن الخالقین.

«20»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَ الْحَدِیثَ أَنَّ ابْنَ أَبِی الْعَوْجَاءِ حِینَ كَلَّمَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَادَ إِلَیْهِ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی فَجَلَسَ وَ هُوَ سَاكِتٌ لَا یَنْطِقُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام كَأَنَّكَ جِئْتَ تُعِیدُ بَعْضَ مَا كُنَّا فِیهِ فَقَالَ أَرَدْتُ ذَاكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَا أَعْجَبَ هَذَا تُنْكِرُ اللَّهَ وَ تَشْهَدُ أَنِّی ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ الْعَادَةُ

ص: 45


1- هذا بحسب الدقة و اللطف و كانه علیه السلام فی هذا المقام، و أمّا بحسب القدرة فالامر بالعكس من جهة توفیق الذرات و تودیع القوی العظیمة الهائلة، قال تعالی: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ المؤمن: 57. ط.

تَحْمِلُنِی عَلَی ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ علیه السلام فَمَا یَمْنَعُكَ مِنَ الْكَلَامِ قَالَ إِجْلَالًا لَكَ(1) وَ مَهَابَةً مَا یَنْطِقُ لِسَانِی بَیْنَ یَدَیْكَ فَإِنِّی شَاهَدْتُ الْعُلَمَاءَ وَ نَاظَرْتُ الْمُتَكَلِّمِینَ فَمَا تَدَاخَلَنِی هَیْبَةٌ قَطُّ مِثْلُ مَا تَدَاخَلَنِی مِنْ هَیْبَتِكَ قَالَ یَكُونُ ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَفْتَحُ عَلَیْكَ بِسُؤَالٍ وَ أَقْبَلَ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ أَ مَصْنُوعٌ أَنْتَ أَوْ غَیْرُ مَصْنُوعٍ فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِیمِ بْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ بَلْ أَنَا غَیْرُ مَصْنُوعٍ فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ علیه السلام فَصِفْ لِی لَوْ كُنْتَ مَصْنُوعاً كَیْفَ كُنْتَ تَكُونُ فَبَقِیَ عَبْدُ الْكَرِیمِ مَلِیّاً لَا یُحِیرُ جَوَاباً وَ وَلِعَ بِخَشَبَةٍ كَانَتْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ هُوَ یَقُولُ طَوِیلٌ عَرِیضٌ عَمِیقٌ قَصِیرٌ مُتَحَرِّكٌ سَاكِنٌ كُلُّ ذَلِكَ صِفَةُ خَلْقِهِ (2) فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ علیه السلام فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَعْلَمْ صِفَةَ الصَّنْعَةِ غَیْرَهَا فَاجْعَلْ نَفْسَكَ مَصْنُوعاً لِمَا تَجِدُ فِی نَفْسِكَ مِمَّا یَحْدُثُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْكَرِیمِ سَأَلْتَنِی عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ یَسْأَلْنِی عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ وَ لَا یَسْأَلُنِی أَحَدٌ بَعْدَكَ عَنْ مِثْلِهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام هَبْكَ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُسْأَلْ فِیمَا مَضَی فَمَا عِلْمُكَ أَنَّكَ لَا تُسْأَلُ فِیمَا بَعْدُ عَلَی أَنَّكَ یَا عَبْدَ الْكَرِیمِ نَقَضْتَ قَوْلَكَ لِأَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الْأَشْیَاءَ مِنَ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ فَكَیْفَ قَدَّمْتَ وَ أَخَّرْتَ ثُمَّ قَالَ یَا عَبْدَ الْكَرِیمِ أَزِیدُكَ وُضُوحاً أَ رَأَیْتَ لَوْ كَانَ مَعَكَ كِیسٌ فِیهِ جَوَاهِرُ فَقَالَ لَكَ قَائِلٌ هَلْ فِی الْكِیسِ دِینَارٌ فَنَفَیْتَ كَوْنَ الدِّینَارِ فِی الْكِیسِ فَقَالَ لَكَ قَائِلٌ صِفْ لِیَ الدِّینَارَ وَ كُنْتَ غَیْرَ عَالِمٍ بِصِفَتِهِ هَلْ كَانَ لَكَ أَنْ تَنْفِیَ كَوْنَ الدِّینَارِ عَنِ الْكِیسِ وَ أَنْتَ لَا تَعْلَمُ قَالَ لَا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَالْعَالَمُ أَكْبَرُ وَ أَطْوَلُ وَ أَعْرَضُ مِنَ الْكِیسِ فَلَعَلَّ فِی الْعَالَمِ صَنْعَةً مِنْ حَیْثُ لَا تَعْلَمُ صِفَةَ الصَّنْعَةِ مِنْ غَیْرِ الصَّنْعَةِ فَانْقَطَعَ عَبْدُ الْكَرِیمِ وَ أَجَابَ إِلَی الْإِسْلَامِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَ بَقِیَ مَعَهُ بَعْضٌ فَعَادَ فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ أَقْلِبُ السُّؤَالَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام اسْأَلْ عَمَّا شِئْتَ فَقَالَ مَا الدَّلِیلُ عَلَی حُدُوثِ الْأَجْسَامِ فَقَالَ إِنِّی مَا وَجَدْتُ شَیْئاً صَغِیراً وَ لَا كَبِیراً إِلَّا وَ إِذَا ضُمَّ إِلَیْهِ مِثْلُهُ صَارَ أَكْبَرَ وَ فِی ذَلِكَ زَوَالٌ وَ انْتِقَالٌ عَنِ الْحَالَةِ الْأُولَی وَ لَوْ كَانَ قَدِیماً مَا زَالَ وَ لَا حَالَ لِأَنَّ الَّذِی یَزُولُ وَ یَحُولُ یَجُوزُ أَنْ یُوجَدَ وَ یُبْطَلَ فَیَكُونُ بِوُجُودِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ دُخُولٌ فِی الْحُدُوثِ وَ فِی كَوْنِهِ فِی الْأَزَلِ دُخُولُهُ فِی الْقِدَمِ وَ لَنْ تَجْتَمِعَ صِفَةُ الْأَزَلِ وَ الْحُدُوثِ وَ الْقِدَمِ وَ الْعَدَمِ

ص: 46


1- فی نسخة: إجلال لك.
2- و فی نسخة: كل ذلك صنعة خلقه.

فِی شَیْ ءٍ وَاحِدٍ (1) فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِیمِ هَبْكَ عَلِمْتَ فِی جَرْیِ الْحَالَتَیْنِ وَ الزَّمَانَیْنِ عَلَی مَا ذَكَرْتَ وَ اسْتَدْلَلْتَ عَلَی حُدُوثِهِا فَلَوْ بَقِیَتِ الْأَشْیَاءُ عَلَی صِغَرِهَا مِنْ أَیْنَ كَانَ لَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلَی حُدُوثِهِا فَقَالَ الْعَالِمُ علیه السلام إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَی هَذَا الْعَالَمِ الْمَوْضُوعِ فَلَوْ رَفَعْنَاهُ وَ وَضَعْنَا عَالَماً آخَرَ كَانَ لَا شَیْ ءَ أَدَلَّ عَلَی الْحُدُوثِ مِنْ رَفْعِنَا إِیَّاهُ وَ وَضْعِنَا غَیْرَهُ وَ لَكِنْ أَجَبْتُكَ (2) مِنْ حَیْثُ قَدَّرْتَ أَنْ تُلْزِمَنَا وَ نَقُولَ(3) إِنَّ الْأَشْیَاءَ لَوْ دَامَتْ عَلَی صِغَرِهَا لَكَانَ فِی الْوَهْمِ أَنَّهُ مَتَی مَا ضُمَّ شَیْ ءٌ (4) إِلَی مِثْلِهِ كَانَ أَكْبَرَ وَ فِی جَوَازِ التَّغْیِیرِ عَلَیْهِ خُرُوجُهُ مِنَ الْقِدَمِ كَمَا بَانَ فِی تَغْیِیرِهِ دُخُولُهُ فِی الْحَدَثِ (5) لَیْسَ لَكَ وَرَاءَهُ شَیْ ءٌ یَا عَبْدَ الْكَرِیمِ فَانْقَطَعَ وَ خَزِیَ فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ الْتَقَی مَعَهُ فِی الْحَرَمِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ شِیعَتِهِ إِنَّ ابْنَ أَبِی الْعَوْجَاءِ قَدْ أَسْلَمَ فَقَالَ الْعَالِمُ علیه السلام هُوَ أَعْمَی مِنْ ذَلِكَ لَا یُسْلِمُ فَلَمَّا بَصُرَ بِالْعَالِمِ قَالَ سَیِّدِی وَ مَوْلَایَ فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ علیه السلام مَا جَاءَ بِكَ عَلَی هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ عَادَةُ الْجَسَدِ وَ سُنَّةُ الْبَلَدِ وَ لِنُبْصِرَ مَا النَّاسُ فِیهِ مِنَ الْجُنُونِ وَ الْحَلْقِ وَ رَمْیِ الْحِجَارَةِ فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ أَنْتَ بَعْدُ عَلَی عُتُوِّكَ وَ ضَلَالِكَ یَا عَبْدَ الْكَرِیمِ فَذَهَبَ یَتَكَلَّمُ فَقَالَ لَهُ لَا جِدَالَ فِی الْحَجِّ وَ نَفَضَ رِدَاءَهُ مِنْ یَدِهِ وَ قَالَ إِنْ یَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ وَ لَیْسَ كَمَا تَقُولُ نَجَوْنَا وَ نَجَوْتَ وَ إِنْ یَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَقُولُ وَ هُوَ كَمَا نَقُولُ نَجَوْنَا وَ هَلَكْتَ فَأَقْبَلَ عَبْدُ الْكَرِیمِ عَلَی مَنْ مَعَهُ فَقَالَ وَجَدْتُ فِی قَلْبِی حَرَارَةً فَرُدُّونِی فَرَدُّوهُ وَ مَاتَ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ.

ج، الإحتجاج روی مرسلا بعض الخبر .

تنویر: لا یحیر جوابا بالمهملة أی لا یقدر علیه و الولوع بالشی ء الحرص علیه و المبالغة فی تناوله.

قوله: كل ذلك صفة خلقه أی خلق الخالق و الصانع و یمكن أن یقرأ بالتاء أی صفة المخلوقیة و الحاصل أنه لما سأل الإمام علیه السلام عنه أنك لو كنت مصنوعا هل كنت علی غیر تلك الأحوال و الصفات التی أنت علیها الآن أم لا أقبل یتفكر

ص: 47


1- فی التوحید المطبوع: و لن یجتمع صفة الازل و العدم فی شی ء واحد.
2- و فی نسخة: اجیبك.
3- و فی نسخة: فنقول.
4- و فی نسخة: ما ضم شی ء منه إلی شی ء منه.
5- و فی نسخة: كما أن فی تغییره دخوله فی الحدث.

فی ذلك فتنبه أن صفاته كلها صفات المخلوقین و كانت معاندته مانعة عن الإذعان بالصانع تعالی فبقی متحیرا فقال علیه السلام إذا رجعت إلی نفسك و وجدت فی نفسك صفة المخلوقین فلم لا تذعن بالصانع فاعترف بالعجز عن الجواب و قال سألتنی عن مسألة لم یسألنی عنها أحد قبلك و لا یسألنی أحد بعدك قوله علیه السلام: هبك أی افرض نفسك أنك علمت ما مضی و سلمنا ذلك لك قال الفیروزآبادی هبنی فعلت أی احسبنی فعلت و اعددنی كلمة للأمر فقط و حاصل جوابه علیه السلام أولا أنك بنیت أمورك كلها علی الظن و الوهم لأنك تقطع بأنك لا تسأل بعد ذلك عن مثلها مع أنه لا سبیل لك إلی القطع به. و أما قوله علیه السلام: علی أنك یا عبد الكریم نقضت قولك یحتمل وجوها الأول أن یكون المراد أن نفیك للصانع مبنی علی أنك تزعم أن لا علیه بین الأشیاء و لا نسبة الوجود و العدم إلیها علی السواء و الاستدلال علی الأشیاء الغیر المحسوسة إنما یكون بالعلیة و المعلولیة فكیف حكمت بعدم حصول الشی ء فی المستقبل فیكون المراد بالتقدم و التأخر العلیة و المعلولیة أو ما یساوقهما.

الثانی أن یكون مبنیا علی ما لعلهم كانوا قائلین به و ربما أمكن إلزامهم بذلك بناء علی نفی الصانع من أن الأشیاء متساویة غیر متفاوتة فی الكمال و النقص فالمراد أنك كیف حكمت بتفضیلی علی غیری و هو مناف للمقدمة المذكورة فالمراد بالتقدم و التأخر ما هو بحسب الشرف.

الثالث أن یكون مبنیا علی ما ینسب إلی أكثر الملاحدة من القول بالكمون و البروز أی مع قولك بكون كل حقیقة حاصلة فی كل شی ء كیف یمكنك الحكم بتقدم بعض الأشیاء علی بعض فی الفضل و الشرف.

قوله علیه السلام: و فی ذلك زوال و انتقال حاصل استدلاله علیه السلام إما راجع إلی دلیل المتكلمین من أن عدم الانفكاك عن الحوادث یستلزم الحدوث أو إلی أنه لا یخلو إما أن یكون بعض تلك الأحوال الزائلة المتغیرة قدیما أم لا بل یكون كلها حوادث و كل منهما محال أما الأول فلما تقرر عند الحكماء من أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه و أما الثانی فللزوم التسلسل بناء علی جریان دلائل إبطاله فی الأمور المتعاقبة و یمكن

ص: 48

أن یكون مبنیا علی ما یظهر من الأخبار الكثیرة من أن كل قدیم یكون واجبا بالذات و لا یكون المعلول إلا حادثا و وجوب الوجود ینافی التغیر و لا یكون الواجب محلا للحوادث كما برهن علیه ثم قال ابن أبی العوجاء لو فرضنا بقاء الأشیاء علی صغرها لم یمكنك الاستدلال علی حدوثها بالتغیر فأجاب علیه السلام أولا علی سبیل الجدل بأن كلامنا كان فی هذا العالم الذی نشاهد فیه التغیرات فلو فرضت رفع هذا العالم و وضع عالم آخر مكانه لا یعتریه التغیر فزوال هذا العالم دل علی كونه حادثا و إلا لما زال و حدوث العالم الثانی أظهر ثم قال و لكن أجیبك من حیث قدرت بتشدید الدال أی فرضت لأن تلزمنا أو بالتخفیف أی زعمت أنك تقدر أن تلزمنا و هو بأن تفرض فی الأول مكان هذا العالم عالما لا یكون فیه التغیر فنقول یحكم العقل بأن الأجسام یجوز علیها ضم شی ء إلیها و قطع شی ء منها و جواز التغیر علیه یكفی لحدوثها بنحو ما مر من التقریر.

«21»-ید، التوحید ابْنُ إِدْرِیسَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ هِشَامِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقِیلَ لَهُ بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ قَالَ بِفَسْخِ الْعَزْمِ وَ نَقْضِ الْهَمِّ عَزَمْتُ فَفُسِخَ عَزْمِی وَ هَمَمْتُ فَنُقِضَ هَمِّی.

«22»-ید، التوحید المكتب عن الأسَدیِّ عَن البَرمَكیِّ عَن مُحَمَّدِ بنِ عَبدُ الرَّحمَنِ الخَزَّازِ عَن سُلَیمَانِ بنِ جَعفَر عَن عَلیِّ بنِ الحَكَم عَن هِشَامِ بنِ سَالِم قَالَ: حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ الْأَحْوَلَ فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ بِتَوْفِیقِهِ وَ إِرْشَادِهِ وَ تَعْرِیفِهِ وَ هِدَایَتِهِ ،قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِیتُ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَقُولُ لِمَنْ یَسْأَلُنِی فَیَقُولُ لِی بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: إِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قُلْتُ عَرَفْتُ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ بِنَفْسِی لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَشْیَاءِ إِلَیَّ وَ ذَلِكَ أَنِّی أَجِدُهَا أَبْعَاضاً مُجْتَمِعَةً، وَ أَجْزَاءً مُؤْتَلِفَةً، ظَاهِرَةُ التَّرْكِیبِ، مَتینَةَ الصُّنْعَهِ، مَبْنِیَّةً عَلَی ضُرُوبٍ مِنَ التَّخْطِیطِ وَ التَّصْوِیرِ ،زَائِدَةً مِنْ بَعْدِ نُقْصَانٍ وَ نَاقِصَةً مِنْ بَعْدِ زِیَادَةٍ، قَدْ أُنْشِئَ لَهَا حَوَاسُّ مُخْتَلِفَةٌ وَ جَوَارِحُ مُتَبَایِنَةٌ مِنْ بَصَرٍ وَ سَمْعٍ وَ شَامٍّ وَ ذَائِقٍ وَ لَامِسٍ، مَجْبُولَةً عَلَی الضَّعْفِ وَ النَّقْصِ وَ الْمَهَانَهِ، لَا تُدْرِكُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا مُدْرَكَ صَاحِبَتِهَا وَ لَا تَقْوَی عَلَی ذَلِكَ عَاجِزَةٌ عَنِ اجْتِلَابِ

ص: 49

الْمَنَافِعِ إِلَیْهَا وَ دَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهَا وَ اسْتَحَالَ فِی الْعُقُولِ وُجُودُ تَأْلِیفٍ لَا مُؤَلِّفَ لَهُ وَ ثَبَاتِ صُورَهٍ لَا مُصَوِّرَ لَهَا فَعَلِمْتُ أَنَّ لَهَا خَالِقاً خَلَقَهَا وَ مُصَوِّراً صَوَّرَهَا مُخَالِفاً لَهَا فِی جَمِیعِ جِهَاتِهَا(1) قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلالُه: وَ فِی أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ.

«23»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْمَأْمُونِ الْقُرَشِیِّ (2) عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ (3) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو شَاكِرٍ الدَّیَصَانِیُّ إِنَّ لِی مَسْأَلَةً تَسْتَأْذِنُ لِی عَلَی صَاحِبِكَ فَإِنِّی قَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ فَمَا أَجَابُونِی بِجَوَابٍ مُشْبِعٍ فَقُلْتُ هَلْ لَكَ أَنْ تُخْبِرَنِی بِهَا فَلَعَلَّ عِنْدِی جَوَاباً تَرْتَضِیهِ فَقَالَ إِنِّی أُحِبُّ أَنْ أَلْقَی بِهَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ لَهُ أَ تَأْذَنُ لِی فِی السُّؤَالِ فَقَالَ لَهُ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ لَهُ مَا الدَّلِیلُ عَلَی أَنَّ لَكَ صَانِعاً فَقَالَ وَجَدْتُ نَفْسِی لَا تَخْلُو مِنْ إِحْدَی جِهَتَیْنِ إِمَّا أَنْ أَكُونَ صَنَعْتُهَا أَنَا فَلَا أَخْلُو مِنْ أَحَدِ مَعْنَیَیْنِ إِمَّا أَنْ أَكُونَ صَنَعْتُهَا وَ كَانَتْ مَوْجُودَةً أَوْ صَنَعْتُهَا وَ كَانَتْ مَعْدُومَةً فَإِنْ كُنْتُ صَنَعْتُهَا وَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَقَدِ اسْتَغْنَیْتُ بِوُجُودِهَا عَنْ صَنْعَتِهَا وَ إِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَا یُحْدِثُ شَیْئاً فَقَدْ ثَبَتَ الْمَعْنَی الثَّالِثُ أَنَّ لِی صَانِعاً وَ هُوَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ فَقَامَ وَ مَا أَجَابَ جَوَاباً.

بیان: هذا برهان متین مبنی علی توقف التأثیر و الإیجاد علی وجود الموجد و المؤثر و الضرورة الوجدانیة حاكمة بحقیتها و لا مجال للعقل فی إنكارها.

«24»-ید، التوحید أَبِی وَ ابْنُ الْوَلِیدِ مَعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ وَ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ یَعْقُوبَ الْهَاشِمِیِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ أَ لَیْسَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام بَلَی فَقَالَ لَهُ أَنَا أَخْلُقُ فَقَالَ لَهُ كَیْفَ تَخْلُقُ قَالَ أُحْدِثُ فِی الْمَوْضِعِ ثُمَّ أَلْبَثُ عَنْهُ فَیَصِیرُ دوابا [دَوَابَ فَأَكُونُ أَنَا الَّذِی خَلَقْتُهَا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ

ص: 50


1- و فی نسخة: مخالفا لها فی جمیع صفاتها.
2- لم نقف علی ترجمته.
3- لعله هو أبو حفص الملقب بزحل الذی ترجمه النجاشیّ فی رجاله ص 202 قال: عربی بصری مخلط، له كتاب.

علیه السلام: أَ لَیْسَ خَالِقُ الشَّیْ ءِ یَعْرِفُ كَمْ خَلَقَهُ قَالَ لَهُ بَلَی قَالَ فَتَعْرِفُ الذَّكَرَ مِنْهَا مِنَ الْأُنْثَی وَ تَعْرِفُ كَمْ عُمُرُهَا فَسَكَتَ.

«25»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ یُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ قَالَ: قَالَ لِی عَلِیُّ بْنُ مَنْصُورٍ (1) قَالَ لِی هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ كَانَ زِنْدِیقٌ بِمِصْرَ یَبْلُغُهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَخَرَجَ إِلَی الْمَدِینَةِ لِیُنَاظِرَهُ فَلَمْ یُصَادِفْهُ بِهَا فَقِیلَ لَهُ هُوَ بِمَكَّةَ فَخَرَجَ الزِّنْدِیقُ إِلَی مَكَّةَ وَ نَحْنُ مَعَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَارَبَنَا الزِّنْدِیقُ وَ نَحْنُ مَعَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی الطَّوَافِ فَضَرَبَ كَتِفَهُ كَتِفَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ علیه السلام مَا اسْمُكَ قَالَ اسْمِی عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ فَمَا كُنْیَتُكَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فَمَنِ الْمَلِكُ الَّذِی أَنْتَ لَهُ عَبْدٌ أَ مِنْ مُلُوكِ السَّمَاءِ أَمْ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَ أَخْبِرْنِی عَنِ ابْنِكَ أَ عَبْدُ إِلَهِ السَّمَاءِ أَمْ عَبْدُ إِلَهِ الْأَرْضِ فَسَكَتَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قُلْ مَا شِئْتَ تُخْصَمْ قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ قُلْتُ لِلزِّنْدِیقِ أَ مَا تَرُدُّ عَلَیْهِ فَقَبَّحَ قَوْلِی فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الطَّوَافِ فَأْتِنَا فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَتَاهُ الزِّنْدِیقُ فَقَعَدَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ فَقَالَ لِلزِّنْدِیقِ أَ تَعْلَمُ أَنَّ لِلْأَرْضِ تَحْتاً وَ فَوْقاً قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَخَلْتَ تَحْتَهَا قَالَ لَا قَالَ فَمَا یُدْرِیكَ بِمَا تَحْتَهَا قَالَ لَا أَدْرِی إِلَّا أَنِّی أَظُنُّ أَنْ لَیْسَ تَحْتَهَا شَیْ ءٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَالظَّنُّ عَجْزٌ مَا لَمْ تَسْتَیْقِنْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَصَعِدْتَ إِلَی السَّمَاءِ قَالَ لَا قَالَ فَتَدْرِی مَا فِیهَا قَالَ لَا قَالَ فَعَجَباً لَكَ لَمْ تَبْلُغِ الْمَشْرِقَ وَ لَمْ تَبْلُغِ الْمَغْرِبَ وَ لَمْ تَنْزِلْ تَحْتَ الْأَرْضِ وَ لَمْ تَصْعَدْ إِلَی السَّمَاءِ وَ لَمْ تَجُزْ هُنَالِكَ فَتَعْرِفَ مَا خَلَقَهُنَّ وَ أَنْتَ جَاحِدٌ مَا فِیهِنَّ وَ هَلْ یَجْحَدُ الْعَاقِلُ مَا لَا یَعْرِفُ فَقَالَ الزِّنْدِیقُ مَا كَلَّمَنِی بِهَذَا أَحَدٌ غَیْرُكَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَأَنْتَ فِی شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ هُوَ أَوْ لَعَلَّ لَیْسَ هُوَ قَالَ الزِّنْدِیقُ وَ لَعَلَّ ذَاكَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَیُّهَا الرَّجُلُ لَیْسَ لِمَنْ لَا یَعْلَمُ حُجَّةٌ عَلَی مَنْ یَعْلَمُ فَلَا حُجَّةَ لِلْجَاهِلِ یَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ تَفَهَّمْ عَنِّی فَإِنَّا لَا نَشُكُّ فِی اللَّهِ أَبَداً أَ مَا تَرَی الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ یَلِجَانِ

ص: 51


1- أورده النجاشیّ فی ص 176 من رجاله، قال: علی بن منصور أبو الحسن كوفیّ، سكن بغداد، متكلم، من أصحاب هشام، له كتب: منها كتاب التدبیر فی التوحید و الإمامة.

لَیْسَ لَهُمَا مَكَانٌ إِلَّا مَكَانُهُمَا فَإِنْ كَانَا یَقْدِرَانِ عَلَی أَنْ یَذْهَبَا وَ لَا یَرْجِعَانِ فَلِمَ یَرْجِعَانِ وَ إِنْ لَمْ یَكُونَا مُضْطَرَّیْنِ فَلِمَ لَا یَصِیرُ اللَّیْلُ نَهَاراً وَ النَّهَارُ لَیْلًا اضْطُرَّا وَ اللَّهِ یَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ إِلَی دَوَامِهِمَا وَ الَّذِی اضْطَرَّهُمَا أَحْكَمُ مِنْهُمَا وَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا قَالَ الزِّنْدِیقُ صَدَقْتَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ الَّذِی تَذْهَبُونَ إِلَیْهِ وَ تَظُنُّونَهُ بِالْوَهْمِ فَإِنْ كَانَ الدَّهْرُ یَذْهَبُ بِهِمْ لِمَ لَا یَرُدُّهُمْ وَ إِنْ كَانَ یَرُدُّهُمْ لِمَ لَا یَذْهَبُ بِهِمُ الْقَوْمُ مُضْطَرُّونَ یَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ السَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ وَ الْأَرْضُ مَوْضُوعَةٌ لِمَ لَا تَسْقُطُ السَّمَاءُ عَلَی الْأَرْضِ وَ لِمَ لَا تَنْحَدِرُ الْأَرْضُ فَوْقَ طِبَاقِهَا فَلَا یَتَمَاسَكَانِ وَ لَا یَتَمَاسَكُ مَنْ عَلَیْهِمَا فَقَالَ الزِّنْدِیقُ أَمْسَكَهُمَا وَ اللَّهِ رَبُّهُمَا وَ سَیِّدُهُمَا فَآمَنَ الزِّنْدِیقُ عَلَی یَدَیْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ بْنُ أَعْیَنَ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنْ آمَنَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلَی یَدَیْكَ فَقَدْ آمَنَتِ الْكُفَّارُ عَلَی یَدَیْ أَبِیكَ فَقَالَ الْمُؤْمِنُ الَّذِی آمَنَ عَلَی یَدَیْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام اجْعَلْنِی مِنْ تَلَامِذَتِكَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ خُذْهُ إِلَیْكَ فَعَلِّمْهُ فَعَلَّمَهُ هِشَامٌ فَكَانَ مُعَلِّمَ أَهْلِ مِصْرَ وَ أَهْلِ الشَّامِ وَ حَسُنَتْ طَهَارَتُهُ حَتَّی رَضِیَ بِهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام.

ج، الإحتجاج عن هشام بن الحكم مثله

إیضاح: قوله علیه السلام: فمن الملك لعله علیه السلام سلك أولا فی الاحتجاج علیه مسلك الجدل لبنائه علی الأمر المشهور عند الناس أن الاسم مطابق لمعناه و یحتمل أن یكون علی سبیل المطایبة و المزاح لبیان عجزه عن فهم الواضحات و رد الجواب عن أمثال تلك المطایبات أو یكون منبها علی ما ارتكز فی العقول من الإذعان بوجود الصانع و إن أنكروه ظاهرا لكفرهم و عنادهم ثم ابتدأ علیه السلام بإزالة إنكار الخصم و إخراجه منه إلی الشك لتستعد نفسه لقبول الحق فأزال إنكاره بأنه غیر عالم بما تحت الأرض و لیس له سبیل إلی الجزم بأن لیس تحتها شی ء ثم زاده بیانا بأن السماء التی لم یصعدها كیف یكون له الجزم و المعرفة بما فیها و ما لیس فیها و كذا المشرق و المغرب فلما عرف قبح إنكاره و تنزل عنه و أقر بالشك بقوله و لعل ذاك أخذ علیه السلام فی هدایته و قال لیس للشاك دلیل و للجاهل حجة فلیس لك إلا طلب الدلیل فاستمع و تفهم فإنا لا نشك فیه أبدا و المراد بولوج الشمس و القمر غروبهما أو دخولهما بالحركات

ص: 52

الخاصة فی بروجهما و بولوج اللیل و النهار دخول تمام كل منهما فی الآخر أو دخول بعض من كل منهما فی الآخر بحسب الفصول.

و حاصل الاستدلال أن لهذه الحركات انضباطا و اتساقا و اختلافا و تركبا فالانضباط یدل علی عدم كونها إرادیة كما هو المشاهد من أحوال ذوی الإرادات من الممكنات و الاختلاف یدل علی عدم كونها طبیعیة فإن الطبیعة العادمة للشعور لا تختلف مقتضیاتها كما نشاهد من حركات العناصر كما قالوا إن الطبیعة الواحدة لا تقتضی التوجه إلی جهة و الانصراف عنه و یمكن أن یقال حاصل الدلیل راجع إلی ما یحكم به الوجدان من أن مثل تلك الأفعال المحكمة المتقنة الجاریة علی قانون الحكمة لا یصدر عن الدهر و الطبائع العادمة للشعور و الإرادة و إلی هذا یرجع قوله علیه السلام: إن كان الدهر یذهب بهم أی الدهر العدیم الشعور كیف یصدر عنه الذهاب الموافق للحكمة و لا یصدر عنه بدله الرجوع أو المراد أنه لم یقتضی طبعه ذهاب شی ء و لا یقتضی رده و بالعكس بناء علی أن مقتضیات الطبائع تابعة لتأثیر الفاعل القادر القاهر و یمكن أن یكون المراد بالذهاب بهم إعدامهم و بردهم إیجادهم و المراد بالدهر الطبیعة كما هو ظاهر كلام أكثر الدهریة أی نسبة الوجود و العدم إلی الطبائع الإمكانیة علی السواء فإن كان الشی ء یوجد بطبعه فلم لا یعدم فترجح أحدهما ترجح بلا مرجح یحكم العقل باستحالته و یجری جمیع تلك الاحتمالات فی قوله علیه السلام: السماء مرفوعة إلی آخر كلامه و قوله علیه السلام: لم لا تسقط السماء علی الأرض أی لا تتحرك بالحركة المستقیمة حتی تقع علی الأرض و قوله و لم لا تنحدر الأرض أی تتحرك إلی جهة التحت حتی تقع علی أطباق السماء أو المراد الحركة الدوریة فیغرق الناس فی الماء فیكون ضمیر طباقها راجعا إلی الأرض و طباق الأرض أعلاها أی تنحدر الأرض بحیث تصیر فوق ما علا منها الآن قوله علیه السلام: فلا یتماسكان أی فی صورة السقوط و الانحدار أو المراد فظهر أنه لا یمكنهما التمسك بأنفسهما بل لا بد من ماسك یمسكهما.

أقول: تفصیل القول فی شرح تلك الأخبار الغامضة یقتضی مقاما آخر و إنما نشیر فی هذا الكتاب إلی ما لعله یتبصر به أولو الأذهان الثاقبة من أولی الألباب

ص: 53

و سنبسط الكلام فیها فی كتاب مرآة العقول إن شاء اللّٰه تعالی.

«26»-م، تفسیر الإمام علیه السلام قَالَ الْإِمَامُ علیه السلام لَمَّا تَوَعَّدَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْیَهُودَ وَ النَّوَاصِبَ فِی جَحْدِ النُّبُوَّةِ وَ الْخِلَافَةِ قَالَ مَرَدَةُ الْیَهُودِ وَ عُتَاةُ النَّوَاصِبِ (2)مَنْ هَذَا الَّذِی یَنْصُرُ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً عَلَی أَعْدَائِهِمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بِلَا عَمَدٍ مِنْ تَحْتِهَا وَ لَا عِلَاقَةٍ مِنْ فَوْقِهَا تَحْبِسُهَا مِنَ الْوُقُوعِ عَلَیْكُمْ وَ أَنْتُمْ یَا أَیُّهَا الْعِبَادُ وَ الْإِمَاءُ أُسَرَائِی وَ فِی قَبْضِی الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِكُمْ لَا مَنْجَی لَكُمْ مِنْهَا إِنْ هَرَبْتُمْ وَ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ لَا مَحِیصَ لَكُمْ عَنْهَا إِنْ ذَهَبْتُمْ فَإِنْ شِئْتُ أَهْلَكْتُكُمْ بِهَذِهِ وَ إِنْ شِئْتُ أَهْلَكْتُكُمْ بِتِلْكَ ثُمَّ مَا فِی السَّمَاوَاتِ مِنَ الشَّمْسِ الْمُنِیرَةِ فِی نَهَارِكُمْ لِتَنْتَشِرُوا فِی مَعَایِشِكُمْ وَ مِنَ الْقَمَرِ الْمُضِی ءِ لَكُمْ فِی لَیْلِكُمْ لِتُبْصِرُوا فِی ظُلُمَاتِهِ وَ إِلْجَائِكُمْ بِالاسْتِرَاحَةِ بِالظُّلْمَةِ إِلَی تَرْكِ مُوَاصَلَةِ الْكَدِّ الَّذِی یَنْهَكُ (3) أَبْدَانَكُمْ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ الْمُتَتَابِعَیْنِ الْكَادَّیْنِ عَلَیْكُمْ بِالْعَجَائِبِ الَّتِی یُحْدِثُهَا رَبُّكُمْ فِی عَالَمِهِ مِنْ إِسْعَادٍ وَ إِشْقَاءٍ وَ إِعْزَازٍ وَ إِذْلَالٍ وَ إِغْنَاءٍ وَ إِفْقَارٍ وَ صَیْفٍ وَ شِتَاءٍ وَ خَرِیفٍ وَ رَبِیعٍ وَ خِصْبٍ وَ قَحْطٍ وَ خَوْفٍ وَ أَمْنٍ وَ الْفُلْكِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِما یَنْفَعُ النَّاسَ الَّتِی جَعَلَهَا اللَّهُ مَطَایَاكُمْ لَا تَهْدَأُ (4) لَیْلًا وَ لَا نَهَاراً وَ لَا تَقْتَضِیكُمْ عَلَفاً وَ لَا مَاءً وَ كَفَاكُمْ بِالرِّیَاحِ مَئُونَةً تُسَیِّرُهَا بِقُوَاكُمْ الَّتِی كَانَتْ لَا تَقُومُ بِهَا لَوْ رَكَدَتْ عَنْهَا الرِّیَاحُ لِتَمَامِ مَصَالِحِكُمْ وَ مَنَافِعِكُمْ وَ بُلُوغِ الْحَوَائِجِ لِأَنْفُسِكُمْ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ وَابِلًا وَ هَطْلًا وَ رَذَاذاً (5) لَا یُنْزِلُ عَلَیْكُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَیُغْرِقَكُم وَ یُهْلِكَ مَعَایِشَكُمْ لَكِنَّهُ یُنْزِلُ مُتَفَرِّقاً مِنْ عَلًا حَتَّی یَعُمَّ الْأَوْهَادَ وَ التِّلَالَ وَ التِّلَاعَ (6)فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فَیُخْرِجُ نَبَاتَهَا وَ ثِمَارَهَا وَ حُبُوبَهَا وَ بَثَّ فِیها

ص: 54


1- أی هدّد.
2- العتاة. جمع للعاتی و هو المستكبر و من جاوز الحد.
3- أی یدنف و یضنی.
4- المطایا جمع للمطیة و هی الدابّة التی تركب. و لا تهدأ أی لا تسكن.
5- الوابل: المطر الشدید. الهطل- بفتح الهاء-: المطر الضعیف الدائم. و تتابع المطر المتفرق العظیم القطر. الرذاذ كسحاب: المطر الضعیف، أو الساكن الدائم الصغار القطر كالغبار، أو هو بعد الطل.
6- جمع للتلعة: ما ارتفع من الأرض و ما انهبط منها، من الاضداد. و لعلّ المراد فی الخبر المعنی الثانی.

مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ مِنْهَا مَا هُوَ لِأَكْلِكُمْ وَ مَعَایِشِكُمْ وَ مِنْهَا سِبَاعٌ ضَارِیَةٌ حَافِظَةٌ عَلَیْكُمْ لِأَنْعَامِكُمْ لِئَلَّا تَشُذَّ عَلَیْكُمْ خَوْفاً مِنِ افْتِرَاسِهَا لَهَا وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ الْمُرَبِّیَةِ لِحُبُوبِكُمْ الْمُبَلِّغَةِ لِثِمَارِكُمْ النَّافِیَةِ لركد [لِرُكُودِ] الْهَوَاءِ وَ الْأَقْتَارِ عَنْكُمْ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ یَحْمِلُ أَمْطَارَهَا وَ یَجْرِی بِإِذْنِ اللَّهِ وَ یَصُبُّهَا مِنْ حَیْثُ یُؤْمَرُ لَآیاتٍ دَلَائِلَ وَاضِحَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ یَتَفَكَّرُونَ بِعُقُولِهِمْ أَنَّ مَنْ هَذِهِ الْعَجَائِبُ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ قَادِرٌ عَلَی نُصْرَةِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ وَ آلِهِمَا علیهم السلام عَلَی مَنْ یَشَاءُ.

بیان: الكادین من الكد بمعنی الشدة و الإلحاح فی الطلب كنایة عن عدم تخلفهما و الباء فی قوله علیه السلام: بالعجائب بمعنی مع و قوله و الأقتار كأنه جمع القترة بمعنی الغبرة أی یذهب الأغبرة و الأبخرة المجتمعة فی الهواء الموجبة لكثافتها و تعفنها و الضمیر فی قوله أمطارها إما راجع إلی الأرض أو إلی السحاب للجمعیة.

«27»-جع، جامع الأخبار سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَنْ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ فَقَالَ الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَی الْبَعِیرِ وَ الرَّوْثَةُ تَدُلُّ عَلَی الْحَمِیرِ وَ آثَارُ الْقَدَمِ تَدُلُّ عَلَی الْمَسِیرِ فَهَیْكَلٌ عُلْوِیٌّ بِهَذِهِ اللَّطَافَةِ وَ مَرْكَزٌ سُفْلِیٌّ بِهَذِهِ الْكَثَافَةِ كَیْفَ لَا یَدُلَّانِ عَلَی اللَّطِیفِ الْخَبِیرِ.

«28»-وَ قَالَ علیه السلام بِصُنْعِ اللَّهِ یُسْتَدَلُّ عَلَیْهِ وَ بِالْعُقُولِ تُعْتَقَدُ مَعْرِفَتُهُ وَ بِالتَّفَكُّرِ تَثْبُتُ حُجَّتُهُ مَعْرُوفٌ بِالدَّلَالاتِ مَشْهُورٌ بِالْبَیِّنَاتِ.

«29»-جع، جامع الأخبار سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ مَا الدَّلِیلُ عَلَی إِثْبَاتِ الصَّانِعِ قَالَ ثَلَاثَةُ أَشْیَاءَ تَحْوِیلُ الْحَالِ وَ ضَعْفُ الْأَرْكَانِ وَ نَقْضُ الْهِمَّةِ.

أقول: سیأتی ما یناسب هذا الباب فی أبواب الاحتجاجات و أبواب المواعظ و الخطب و الحكم إن شاء اللّٰه تعالی و لنذكر بعد ذلك توحید المفضل بن عمر و رسالة الإهلیلجة المرویتین عن الصادق علیه السلام لاشتمالهما علی دلائل و براهین علی إثبات الصانع تعالی و لا یضر إرسالهما لاشتهار انتسابهما إلی المفضل و قد شهد بذلك السید بن طاوس و غیره (1) و لا ضعف محمد بن سنان و المفضل لأنه فی محل المنع بل یظهر من الأخبار

ص: 55


1- قال ابن طاوس فی ص 9 من كتابه كشف المحجة: و انظر كتاب المفضل بن عمر الذی أملاه علیه مولانا الصادق علیه السلام فیما خلق اللّٰه جلّ جلاله من الآثار، و انظر كتاب الإهلیلجة و ما فیه من الاعتبار، فان الاعتناء بقول سابق الأنبیاء و الأوصیاء و الأولیاء علیهم أفضل السلام موافق لفطرة العقول و الاحلام. و قال فی ص 78 من كتابه الأمان من أخطار الأسفار و الازمان: و یصحب معه كتاب الإهلیلجة و هو كتاب مناظرة مولانا الصادق علیه السلام الهندی فی معرفة اللّٰه جلّ جلاله بطریق غریبة عجیبة ضروریة، حتی أقر الهندی بالالهیة و الوحدانیة، و یصحب معه كتاب المفضل بن عمر الذی رواه عن الصادق علیه السلام فی معرفة وجوه الحكمة فی إنشاء العالم السفلی و أسراره، فانه عجیب فی معناه. أقول: و عدّ النجاشیّ من كتبه كتاب الفكر كتاب فی بدء الخلق و الحث علی الاعتبار وصیة المفضل، و ذكر طریقه إلیه هكذا: أخبرنی أبو عبد اللّٰه بن شاذان، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن یحیی عن أبیه، عن عمران بن موسی، عن إبراهیم بن هاشم، عن محمّد بن سنان، عن المفضل. انتهی. و لعل المراد منه هو كتاب توحیده هذا.

الكثیرة علو قدرهما و جلالتهما مع أن متن الخبرین شاهدا صدق علی صحتهما و أیضا هما یشتملان علی براهین لا تتوقف إفادتها العلم علی صحة الخبر.

ص: 56

باب 4 الخبر المشتهر بتوحید المفضل بن عمر

«1»-رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ ذَاتَ یَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ جَالِساً فِی الرَّوْضَةِ بَیْنَ الْقَبْرِ وَ الْمِنْبَرِ وَ أَنَا مُفَكِّرٌ فِیمَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ سَیِّدَنَا مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الشَّرَفِ وَ الْفَضَائِلِ وَ مَا مَنَحَهُ وَ أَعْطَاهُ وَ شَرَّفَهُ بِهِ وَ حَبَاهُ (1) مِمَّا لَا یَعْرِفُهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأُمَّةِ وَ مَا جَهِلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ عَظِیمِ مَنْزِلَتِهِ وَ خَطَرِ مَرْتَبَتِهِ (2) فَإِنِّی لَكَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ فَجَلَسَ بِحَیْثُ أَسْمَعُ كَلَامَهُ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِهِ الْمَجْلِسُ إِذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَیْهِ فَتَكَلَّمَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ الْعِزَّ بِكَمَالِهِ وَ حَازَ الشَّرَفَ بِجَمِیعِ خِصَالِهِ وَ نَالَ الْحُظْوَةَ فِی كُلِّ أَحْوَالِهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنَّهُ كَانَ فَیْلَسُوفاً ادَّعَی الْمَرْتَبَةَ الْعُظْمَی وَ الْمَنْزِلَةَ الْكُبْرَی وَ أَتَی عَلَی ذَلِكَ بِمُعْجِزَاتٍ بَهَرَتِ الْعُقُولَ وَ ضَلَّتْ فِیهَا الْأَحْلَامُ وَ غَاصَتِ الْأَلْبَابُ عَلَی طَلَبِ عِلْمِهَا فِی بِحَارِ الْفِكْرِ فَرَجَعَتْ خَاسِئَاتٌ وَ هِیَ حَسِیرٌ فَلَمَّا اسْتَجَابَ لِدَعْوَتِهِ الْعُقَلَاءُ وَ الْفُصَحَاءُ وَ الْخُطَبَاءُ دَخَلَ النَّاسُ فِی دِینِهِ أَفْوَاجاً فَقَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِ نَامُوسِهِ فَصَارَ یَهْتِفُ بِهِ عَلَی رُءُوسِ الصَوَامِعِ فِی جَمِیعِ الْبُلْدَانِ وَ الْمَوَاضِعِ الَّتِی انْتَهَتْ إِلَیْهَا دَعْوَتُهُ وَ عَلَتْ بِهَا كَلِمَتُهُ وَ ظَهَرَتْ فِیهَا حُجَّتُهُ بَرّاً وَ بَحْراً وَ سَهْلًا وَ جَبَلًا فِی كُلِّ یَوْمٍ وَ لَیْلَةٍ خَمْسُ مَرَّاتٍ مُرَدَّداً فِی الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ لِیَتَجَدَّدَ فِی كُلِّ سَاعَةٍ ذِكْرُهُ لِئَلَّا یُخْمَلَ أَمْرُهُ فَقَالَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ دَعْ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَدْ تَحَیَّرَ فِیهِ عَقْلِی وَ ضَلَّ فِی أَمْرِهِ فِكْرِی وَ حَدِّثْنَا فِی ذِكْرِ الْأَصْلِ الَّذِی یَمْشِی بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ ابْتِدَاءً الْأَشْیَاءَ وَ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِإِهْمَالٍ لَا صَنْعَةَ فِیهِ وَ لَا تَقْدِیرَ وَ لَا صَانِعَ لَهُ وَ لَا مُدَبِّرَ بَلِ الْأَشْیَاءُ تَتَكَوَّنُ مِنْ ذَاتِهَا بِلَا مُدَبِّرٍ وَ عَلَی هَذَا كَانَتِ الدُّنْیَا لَمْ تَزَلْ وَ لَا تَزَالُ.

بیان: الحوز الجمع و كل من ضمّ إلی نفسه شیئا فقد حازه و الحظوة بالضم و الكسر و الحاء المهملة و الظاء المعجمة المكانة و المنزلة و الفیلسوف العالم و خساء

ص: 57


1- أی أعطاه.
2- الخطر: الشرف و ارتفاع القدر و المرتبة.

البصر أی كل و الناموس صاحب السر المطلع علی أمرك أو صاحب سر الخیر و جبرئیل علیه السلام و الحاذق و من یلطف مدخله ذكرها الفیروزآبادی و مراده هنا الرب تعالی شأنه و خمل ذكره خفی و الخامل الساقط الذی لا نباهة له و قوله الذی یمشی به أی یذهب إلی دین محمد صلی اللّٰه علیه و آله و غیره بسببه أو یهتدی به كقوله تعالی نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ(1)و فی بعض النسخ یسمی إما بالتشدید أی یذكر اسمه أو بالتخفیف أی یرتفع الناس به و یدعون الانتساب إلیه.

قَالَ الْمُفَضَّلُ فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِی غَضَباً وَ غَیْظاً وَ حَنَقاً (2) فَقُلْتُ یَا عَدُوَّ اللَّهِ أَلْحَدْتَ فِی دِینِ اللَّهِ وَ أَنْكَرْتَ الْبَارِئَ جَلَّ قُدْسُهُ الَّذِی خَلَقَكَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ وَ صَوَّرَكَ فِی أَتَمِّ صُورَةٍ وَ نَقَلَكَ فِی أَحْوَالِكَ حَتَّی بَلَغَ بِكَ إِلَی حَیْثُ انْتَهَیْتَ فَلَوْ تَفَكَّرْتَ فِی نَفْسِكَ وَ صَدَقَكَ لَطِیفُ حِسِّكَ لَوَجَدْتَ دَلَائِلَ الرُّبُوبِیَّةِ وَ آثَارَ الصَّنْعَةِ فِیكَ قَائِمَةً وَ شَوَاهِدَهُ جَلَّ وَ تَقَدَّسَ فِی خَلْقِكَ وَاضِحَةً وَ بَرَاهِینَهُ لَكَ لَائِحَةً فَقَالَ یَا هَذَا إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَلَّمْنَاكَ فَإِنْ ثَبَتَ لَكَ حُجَّةٌ تَبِعْنَاكَ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ فَلَا كَلَامَ لَكَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ فَمَا هَكَذَا یُخَاطِبُنَا وَ لَا بِمِثْلِ دَلِیلِكَ یُجَادِلُنَا وَ لَقَدْ سَمِعَ مِنْ كَلَامِنَا أَكْثَرَ مِمَّا سَمِعْتَ فَمَا أَفْحَشَ فِی خِطَابِنَا وَ لَا تَعَدَّی فِی جَوَابِنَا وَ إِنَّهُ لَلْحَلِیمُ الرَّزِینُ الْعَاقِلُ الرَّصِینُ لَا یَعْتَرِیهِ (3) خُرْقٌ وَ لَا طَیْشٌ وَ لَا نَزَقٌ وَ یَسْمَعُ كَلَامَنَا وَ یُصْغِی إِلَیْنَا وَ یَسْتَعْرِفُ حُجَّتَنَا حَتَّی اسْتَفْرَغْنَا مَا عِنْدَنَا وَ ظَنَنَّا أَنَّا قَدْ قَطَعْنَاهُ أَدْحَضَ حُجَّتَنَا بِكَلَامٍ یَسِیرٍ وَ خِطَابٍ قَصِیرٍ یُلْزِمُنَا بِهِ الْحُجَّةَ وَ یَقْطَعُ الْعُذْرَ وَ لَا نَسْتَطِیعُ لِجَوَابِهِ رَدّاً فَإِنْ كُنْتَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَخَاطِبْنَا بِمِثْلِ خِطَابِهِ.

بیان: و صدقك بالتخفیف أی قال لك صدقا لطیف حسك أی حسك اللطیف أی لم یلتبس علی حسك غرائب صنع اللّٰه فیك لمعاندتك للحق و فی بعض النسخ حسنك فالمراد بصدق الحسن ظهور ما أخفی اللّٰه فیه منه علی الناظر و علی الوجهین یمكن أن یقرأ صدقك بالتشدید بتكلف لا یخفی علی المتأمل و الرزین الوقور و الرصین بالصاد

ص: 58


1- الأنعام: 122.
2- الحنق: شدة الاغتیاظ.
3- أی لا یصیبه.

المهملة الحكم الثابت و الخرق بالضم ضد الرفق و النزق الطیش و الخفة عند الغضب و قوله استفرغنا لعله من الإفراغ بمعنی الصب قال الفیروزآبادی استفرغ مجهوده بذل طاقته و الإدحاض الإبطال.

قَالَ الْمُفَضَّلُ فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ مَحْزُوناً مُفَكِّراً فِیمَا بُلِیَ بِهِ الْإِسْلَامُ وَ أَهْلُهُ مِنْ كُفْرِ هَذِهِ الْعِصَابَةِ وَ تَعْطِیلِهَا (1) فَدَخَلْتُ عَلَی مَوْلَایَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَرَآنِی مُنْكَسِراً فَقَالَ مَا لَكَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ مِنَ الدَّهْرِیِّینَ (2) وَ بِمَا رَدَدْتُ عَلَیْهِمَا فَقَالَ لَأُلْقِیَنَّ إِلَیْكَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَارِئِ جَلَّ وَ عَلَا وَ تَقَدَّسَ اسْمُهُ فِی خَلْقِ الْعَالَمِ وَ السِّبَاعِ وَ الْبَهَائِمِ وَ الطَّیْرِ وَ الْهَوَامِّ وَ كُلِّ ذِی رُوحٍ مِنَ الْأَنْعَامِ وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ وَ غَیْرِ ذَاتِ الثَّمَرِ وَ الْحُبُوبِ وَ الْبُقُولِ الْمَأْكُولِ مِنْ ذَلِكَ وَ غَیْرِ الْمَأْكُولِ مَا یَعْتَبِرُ بِهِ الْمُعْتَبِرُونَ وَ یَسْكُنُ إِلَی مَعْرِفَتِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَ یَتَحَیَّرُ فِیهِ الْمُلْحِدُونَ فَبَكِّرْ عَلَیَّ غَداً قَالَ الْمُفَضَّلُ فَانْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَرِحاً مَسْرُوراً وَ طَالَتْ عَلَیَّ تِلْكَ اللَّیْلَةُ انْتِظَاراً لِمَا وَعَدَنِی بِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ فَاسْتُوذِنَ لِی فَدَخَلْتُ وَ قُمْتُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَأَمَرَنِی بِالْجُلُوسِ فَجَلَسْتُ ثُمَّ نَهَضَ إِلَی حُجْرَةٍ كَانَ یَخْلُو فِیهَا فَنَهَضْتُ بِنُهُوضِهِ فَقَالَ اتْبَعْنِی فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ وَ دَخَلْتُ خَلْفَهُ فَجَلَسَ وَ جَلَسْتُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ یَا مُفَضَّلُ كَأَنِّی بِكَ وَ قَدْ طَالَتْ عَلَیْكَ هَذِهِ اللَّیْلَةُ انْتِظَاراً لِمَا وَعَدْتُكَ فَقُلْتُ أَجَلْ یَا مَوْلَایَ فَقَالَ یَا مُفَضَّلُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ قَبْلَهُ وَ هُوَ بَاقٍ وَ لَا نِهَایَةَ لَهُ فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَی مَا أَلْهَمَنَا وَ لَهُ الشُّكْرُ عَلَی مَا مَنَحَنَا وَ قَدْ خَصَّنَا مِنَ الْعُلُومِ بِأَعْلَاهَا وَ مِنَ الْمَعَالِی بِأَسْنَاهَا وَ اصْطَفَانَا عَلَی جَمِیعِ الْخَلْقِ بِعِلْمِهِ وَ جَعَلَنَا مُهَیْمِنِینَ عَلَیْهِمْ بِحِكَمِهِ فَقُلْتُ یَا مَوْلَایَ أَ تَأْذَنُ لِی أَنْ أَكْتُبَ مَا تَشْرَحُهُ وَ كُنْتُ أَعْدَدْتُ مَعِی مَا أَكْتُبُ فِیهِ فَقَالَ لِی افْعَلْ.

بیان: أسناها أی أرفعها أو أضوؤها و المهیمن الأمین و المؤتمن و الشاهد.

یَا مُفَضَّلُ إِنَّ الشُّكَّاكَ جَهِلُوا الْأَسْبَابَ وَ الْمَعَانِیَ فِی الْخِلْقَةِ وَ قَصُرَتْ أَفْهَامُهُمْ عَنْ تَأَمُّلِ الصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ فِیمَا ذَرَأَ (3)الْبَارِئُ جَلَّ قُدْسُهُ وَ بَرَأَ (4) مِنْ صُنُوفِ خَلْقِهِ فِی

ص: 59


1- العصابة: الجماعة من الرجال.
2- الدهری: الملحد القائل: بأن العالم موجود أزلا و أبدا، لا صانع له.
3- أی خلق.
4- أی خلقه من العدم.

الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ السَّهْلِ وَ الْوَعْرِ (1) فَخَرَجُوا بِقِصَرِ عُلُومِهِمْ إِلَی الْجُحُودِ وَ بِضَعْفِ بَصَائِرِهِمْ إِلَی التَّكْذِیبِ وَ الْعُنُودِ حَتَّی أَنْكَرُوا خَلْقَ الْأَشْیَاءِ وَ ادَّعَوْا أَنَّ كَوْنَهَا بِالْإِهْمَالِ لَا صَنْعَةَ فِیهَا وَ لَا تَقْدِیرَ وَ لَا حِكْمَةَ مِنْ مُدَبِّرٍ وَ لَا صَانِعٍ تَعَالَی اللَّهُ عَمَّا یَصِفُونَ وَ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَكُونَ فَهُمْ فِی ضَلَالِهِمْ وَ عَمَاهُمْ وَ تَحَیُّرِهِمْ بِمَنْزِلَةِ عُمْیَانٍ دَخَلُوا دَاراً قَدْ بُنِیَتْ أَتْقَنَ بِنَاءٍ وَ أَحْسَنَهُ وَ فُرِشَتْ بِأَحْسَنِ الْفُرُشِ وَ أَفْخَرِهِ وَ أُعِدَّ فِیهَا ضُرُوبُ الْأَطْعِمَةِ وَ الْأَشْرِبَةِ وَ الْمَلَابِسِ وَ الْمَآرِبِ (2)الَّتِی یُحْتَاجُ إِلَیْهَا لَا یُسْتَغْنَی عَنْهَا وَ وُضِعَ كُلُّ شَیْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ عَلَی صَوَابٍ مِنَ التَّقْدِیرِ وَ حِكْمَةٍ مِنَ التَّدْبِیرِ فَجَعَلُوا یَتَرَدَّدُونَ فِیهَا یَمِیناً وَ شِمَالًا وَ یَطُوفُونَ بُیُوتَهَا إِدْبَاراً وَ إِقْبَالًا مَحْجُوبَةً أَبْصَارُهُمْ عَنْهَا لَا یُبْصِرُونَ بُنْیَةَ الدَّارِ (3)وَ مَا أُعِدَّ فِیهَا وَ رُبَّمَا عَثَرَ بَعْضُهُمْ بِالشَّیْ ءِ الَّذِی قَدْ وُضِعَ مَوْضِعَهُ وَ أُعِدَّ لِلْحَاجَةِ إِلَیْهِ وَ هُوَ جَاهِلٌ بِالْمَعْنَی فِیهِ وَ لِمَا أُعِدَّ وَ لِمَا ذَا جُعِلَ كَذَلِكَ فَتَذَمَّرَ وَ تَسَخَّطَ وَ ذَمَّ الدَّارَ وَ بَانِیَهَا فَهَذِهِ حَالُ هَذَا الصِّنْفِ فِی إِنْكَارِهِمْ مَا أَنْكَرُوا مِنْ أَمْرِ الْخِلْقَةِ وَ ثَبَاتِ الصَّنْعَةِ (4)فَإِنَّهُمْ لَمَّا غَرَبَتْ (5) أَذْهَانُهُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ وَ الْعِلَلِ فِی الْأَشْیَاءِ صَارُوا یَجُولُونَ فِی هَذَا الْعَالَمِ حَیَارَی وَ لَا یَفْهَمُونَ مَا هُوَ عَلَیْهِ مِنْ إِتْقَانِ خِلْقَتِهِ وَ حُسْنِ صَنْعَتِهِ وَ صَوَابِ تَهْیِئَتِهِ وَ رُبَّمَا وَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَی الشَّیْ ءِ لِجَهْلِ سَبَبِهِ وَ الْإِرْبِ فِیهِ فَیُسْرِعُ إِلَی ذَمِّهِ وَ وَصْفِهِ بِالْإِحَالَةِ وَ الْخَطَإِ كَالَّذِی أَقْدَمَتْ عَلَیْهِ الْمَانَوِیَّةُ الْكَفَرَةُ وَ جَاهَرَتْ بِهِ الْمُلْحِدَةُ الْمَارِقَةُ الْفَجَرَةُ وَ أَشْبَاهُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ الْمُعَلِّلِینَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمُحَالِ فَیَحِقُّ عَلَی مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِ بِمَعْرِفَتِهِ وَ هَدَاهُ لِدِینِهِ وَ وَفَّقَهُ لِتَأَمُّلِ التَّدْبِیرِ فِی صَنْعَةِ الْخَلَائِقِ وَ الْوُقُوفِ عَلَی مَا خُلِقُوا لَهُ مِنْ لَطِیفِ التَّدْبِیرِ وَ صَوَابِ التَّعْبِیرِ بِالدَّلَالَةِ الْقَائِمَةِ الدَّالَّةِ عَلَی صَانِعِهَا أَنْ یُكْثِرَ حَمْدَ اللَّهِ مَوْلَاهُ عَلَی ذَلِكَ وَ یَرْغَبَ إِلَیْهِ فِی الثَّبَاتِ عَلَیْهِ وَ الزِّیَادَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ یَقُولُ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ.

ص: 60


1- وعر الأرض: صلب و صعب السیر فیه، ضد السهل.
2- المآرب: الحوائج.
3- و فی نسخة: هیئة الدار.
4- و فی نسخة: إثبات الصنعة.
5- فی نسخة عزبت، و فی نسخة اخری: غبت، و فی ثالثة: وعرت.

بیان: قاتلهم اللّٰه أی قتلهم أو لعنهم أَنَّی یُؤْفَكُونَ كیف یصرفون عن الحق و قال الجوهری ظل یتذمر علی فلان إذا تنكر له و أوعده انتهی و غربت بمعنی غابت و الإرب بالفتح و الكسر الحاجة و وصفه بالإحالة أی بأنه یستحیل أن یكون له خالق مدبر أو یستحیل أن یكون من فعله تعالی و المانویة فرقة من الثنویة أصحاب مانی الذی ظهر فی زمان سابور بن أردشیر و أحدث دینا بین المجوسیة و النصرانیة و كان یقول بنبوة المسیح علی نبینا و آله و علیه السلام و لا یقول بنبوة موسی علی نبینا و آله و علیه السلام و زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلین قدیمین أحدهما نور و الآخر ظلمة و هؤلاء ینسبون الخیرات إلی النور و الشرور إلی الظلمة و ینسبون خلق السباع و الموذیات و العقارب و الحیات إلی الظلمة فأشار علیه السلام إلی فساد وهمهم بأن هذا لجهلهم بمصالح هذه السباع و العقارب و الحیات التی یزعمون أنها من الشرور التی لا یلیق بالحكیم خلقها قوله علیه السلام: المعللین أی الشاغلین أنفسهم عن طاعة ربهم بأمور یحكم العقل السلیم باستحالته قال الفیروزآبادی علله بطعام و غیره تعلیلا شغله به.

یَا مُفَضَّلُ أَوَّلُ الْعِبَرِ وَ الْأَدِلَّةِ عَلَی الْبَارِئِ جَلَّ قُدْسُهُ تَهْیِئَةُ هَذَا الْعَالَمِ وَ تَأْلِیفُ أَجْزَائِهِ وَ نَظْمُهَا عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ فَإِنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْعَالَمَ بِفِكْرِكَ وَ مَیَّزْتَهُ بِعَقْلِكَ وَجَدْتَهُ كَالْبَیْتِ الْمَبْنِیِّ الْمُعَدِّ فِیهِ جَمِیعُ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ عِبَادُهُ فَالسَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ كَالسَّقْفِ وَ الْأَرْضُ مَمْدُودَةٌ كَالْبِسَاطِ وَ النُّجُومُ مَنْضُودَةٌ كَالْمَصَابِیحِ وَ الْجَوَاهِرُ مَخْزُونَةٌ كَالذَّخَائِرِ وَ كُلُّ شَیْ ءٍ فِیهَا لِشَأْنِهِ مُعَدٌّ وَ الْإِنْسَانُ كَالْمُمَلَّكِ ذَلِكَ الْبَیْتَ وَ الْمُخَوَّلِ جَمِیعَ مَا فِیهِ وَ ضُرُوبُ النَّبَاتِ مُهَیَّأَةٌ لِمَآرِبِهِ وَ صُنُوفُ الْحَیَوَانِ مَصْرُوفَةٌ فِی مَصَالِحِهِ وَ مَنَافِعِهِ فَفِی هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَی أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ بِتَقْدِیرٍ وَ حِكْمَةٍ وَ نِظَامٍ وَ مُلَائَمَةٍ وَ أَنَّ الْخَالِقَ لَهُ وَاحِدٌ وَ هُوَ الَّذِی أَلَّفَهُ وَ نَظَّمَهُ بَعْضاً إِلَی بَعْضٍ جَلَّ قُدْسُهُ وَ تَعَالَی جَدُّهُ وَ كَرُمَ وَجْهُهُ وَ لَا إِلَهَ غَیْرُهُ تَعَالَی عَمَّا یَقُولُ الْجَاحِدُونَ وَ جَلَّ وَ عَظُمَ عَمَّا یَنْتَحِلُهُ الْمُلْحِدُونَ.

بیان: قال الفیروزآبادی نضد متاعه ینضده جعل بعضه فوق بعض فهو منضود انتهی و التخویل الإعطاء و التملیك قوله علیه السلام: و أن الخالق له واحد

ص: 61

أقول: أشار علیه السلام بذلك إلی أقوی براهین التوحید (1) و هو أن ائتلاف أجزاء العالم و احتیاج بعضها إلی بعض و انتظام بعضها ببعض یدل علی وحدة مدبرها كما أن ارتباط أجزاء الشخص بعضها ببعض و انتظام بعض أعضائه مع بعض یدل علی وحدة مدبره و قد قیل فی تطبیق العالم الكبیر علی العالم الصغیر لطائف لا یسع المقام ذكرها و ربما یستدل علیه أیضا بما قد تقرر من أن المتلازمین إما أن یكون أحدهما علة للآخر أو هما معلولا علة ثالثة و سیأتی الكلام فیه فی باب التوحید.

نَبْتَدِئُ یَا مُفَضَّلُ بِذِكْرِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَاعْتَبِرْ بِهِ فَأَوَّلُ ذَلِكَ مَا یُدَبَّرُ بِهِ الْجَنِینُ فِی الرَّحِمِ وَ هُوَ مَحْجُوبٌ فِی ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ظُلْمَةِ الْبَطْنِ وَ ظُلْمَةِ الرَّحِمِ وَ ظُلْمَةِ الْمَشِیمَةِ حَیْثُ لَا حِیلَةَ عِنْدَهُ فِی طَلَبِ غِذَاءٍ وَ لَا دَفْعِ أَذًی وَ لَا اسْتِجْلَابِ مَنْفَعَةٍ وَ لَا دَفْعِ مَضَرَّةٍ فَإِنَّهُ یَجْرِی إِلَیْهِ مِنْ دَمِ الْحَیْضِ مَا یَغْذُوهُ كَمَا یَغْذُو الْمَاءُ النَّبَاتَ فَلَا یَزَالُ ذَلِكَ غِذَاؤَهُ حَتَّی إِذَا كَمَلَ خَلْقُهُ وَ اسْتَحْكَمَ بَدَنُهُ وَ قَوِیَ أَدِیمُهُ عَلَی مُبَاشَرَةِ الْهَوَاءِ وَ بَصَرُهُ عَلَی مُلَاقَاةِ الضِّیَاءِ هَاجَ الطَّلْقُ بِأُمِّهِ فَأَزْعَجَهُ أَشَدَّ إِزْعَاجٍ وَ أَعْنَفَهُ حَتَّی یُولَدَ وَ إِذَا وُلِدَ صَرَفَ ذَلِكَ الدَّمَ الَّذِی كَانَ یَغْذُوهُ مِنْ دَمِ أُمِّهِ إِلَی ثَدْیَیْهَا فَانْقَلَبَ الطَّعْمُ وَ اللَّوْنُ إِلَی ضَرْبٍ آخَرَ مِنَ الْغِذَاءِ وَ هُوَ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِلْمَوْلُودِ مِنَ الدَّمِ فَیُوَافِیهِ فِی وَقْتِ حَاجَتِهِ إِلَیْهِ فَحِینَ یُولَدُ قَدْ تَلَمَّظَ وَ حَرَّكَ شَفَتَیْهِ طَلَباً لِلرَّضَاعِ فَهُوَ یَجِدُ ثَدْیَیْ أُمِّهِ كَالْإِدَاوَتَیْنِ الْمُعَلَّقَتَیْنِ لِحَاجَتِهِ إِلَیْهِ فَلَا یَزَالُ یَغْتَذِی بِاللَّبَنِ مَا دَامَ رَطْبَ الْبَدَنِ رَقِیقَ الْأَمْعَاءِ لَیِّنَ الْأَعْضَاءِ حَتَّی إِذَا تَحَرَّكَ وَ احْتَاجَ إِلَی غِذَاءٍ فِیهِ صَلَابَةٌ لِیَشْتَدَّ وَ یَقْوَی بَدَنُهُ طَلَعَتْ لَهُ الطَّوَاحِنُ مِنَ الْأَسْنَانِ وَ الْأَضْرَاسِ لِیَمْضَغَ بِهِ الطَّعَامَ فَیَلِینَ عَلَیْهِ وَ یَسْهُلَ لَهُ إِسَاغَتُهُ فَلَا یَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّی یُدْرِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ وَ كَانَ ذَكَراً طَلَعَ الشَّعْرُ فِی وَجْهِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ الذَّكَرِ وَ عِزَّ الرَّجُلِ الَّذِی یَخْرُجُ بِهِ مِنْ حَدِّ الصَّبَا وَ شِبْهِ النِّسَاءِ وَ إِنْ كَانَتْ أُنْثَی یَبْقَی وَجْهُهَا نَقِیّاً مِنَ الشَّعْرِ لِتَبْقَی لَهَا الْبَهْجَةُ وَ النَّضَارَةُ الَّتِی تُحَرِّكُ الرِّجَالَ لِمَا فِیهِ دَوَامُ النَّسْلِ وَ بَقَاؤُهُ.

ص: 62


1- الذی وصف علیه السلام به هذا الدلیل هو أنّه أول الأدلة أی أقرب الأدلة منا إذا أردنا التفهم بالاستدلال، و أمّا كونه أقواها كما ذكره رحمه اللّٰه فلعل هناك ما هو أقوی منه و إن كان أبعد من أفهامنا كما بین فی محله. ط.

بیان: الأدیم الجلد و الطلق وجع الولادة و یقال أزعجه أی قلعه عن مكانه و یقال تلمظ إذا أخرج لسانه فمسح به شفتیه و تلمظت الحیة إذا أخرجت لسانها كتلمظت الأكل و الإداوة بالكسر إناء صغیر من جلد یتخذ للماء و الطواحن الأضراس و یطلق الأضراس غالبا علی المآخیر و الأسنان علی المقادیم كما هو الظاهر هنا و إن لم یفرق اللغویون بینهما و المراد بالطواحن هنا جمیع الأسنان و الإساغة الأكل و الشرب بسهولة.

اعْتَبِرْ یَا مُفَضَّلُ فِیمَا یُدَبَّرُ بِهِ الْإِنْسَانُ فِی هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ هَلْ تَرَی یُمْكِنُ أَنْ یَكُونَ بِالْإِهْمَالِ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ لَمْ یَجْرِ إِلَیْهِ ذَلِكَ الدَّمُ وَ هُوَ فِی الرَّحِمِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَذْوِی وَ یَجِفُّ كَمَا یَجِفُّ النَّبَاتُ إِذَا فَقَدَ الْمَاءَ وَ لَوْ لَمْ یُزْعِجْهُ الْمَخَاضُ (1) عِنْدَ اسْتِحْكَامِهِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَبْقَی فِی الرَّحِمِ كَالْمَوْءُودِ فِی الْأَرْضِ وَ لَوْ لَمْ یُوَافِقْهُ اللَّبَنُ مَعَ وِلَادَتِهِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَمُوتُ جُوعاً أَوْ یَغْتَذِی بِغِذَاءٍ لَا یُلَائِمُهُ وَ لَا یَصْلُحُ عَلَیْهِ بَدَنُهُ وَ لَوْ لَمْ تَطْلُعْ عَلَیْهِ الْأَسْنَانُ فِی وَقْتِهَا أَ لَمْ یَكُنْ سَیَمْتَنِعُ عَلَیْهِ مَضْغُ الطَّعَامِ وَ إِسَاغَتُهُ أَوْ یُقِیمُهُ عَلَی الرَّضَاعِ فَلَا یَشُدُّ بَدَنُهُ وَ لَا یَصْلُحُ لِعَمَلٍ ثُمَّ كَانَ تَشْتَغِلُ أُمُّهُ بِنَفْسِهِ عَنْ تَرْبِیَةِ غَیْرِهِ مِنَ الْأَوْلَادِ وَ لَوْ لَمْ یَخْرُجِ الشَّعْرُ فِی وَجْهِهِ فِی وَقْتِهِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَبْقَی فِی هَیْئَةِ الصِّبْیَانِ وَ النِّسَاءِ فَلَا تَرَی لَهُ جَلَالَةً وَ لَا وَقَاراً فَقَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ یَا مَوْلَایَ فَقَدْ رَأَیْتُ مَنْ یَبْقَی عَلَی حَالَتِهِ وَ لَا یَنْبُتُ الشَّعْرُ فِی وَجْهِهِ وَ إِنْ بَلَغَ حَالَ الْكِبَرِ فَقَالَ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ فَمَنْ هَذَا الَّذِی یَرْصُدُهُ حَتَّی یُوَافِیَهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَآرِبِ إِلَّا الَّذِی أَنْشَأَهُ خَلْقاً بَعْدَ أَنْ لَمْ یَكُنْ ثُمَّ تَوَكَّلَ لَهُ بِمَصْلَحَتِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فَإِنْ كَانَ الْإِهْمَالُ یَأْتِی بِمِثْلِ هَذَا التَّدْبِیرِ فَقَدْ یَجِبُ أَنْ یَكُونَ الْعَمْدُ وَ التَّقْدِیرُ یَأْتِیَانِ بِالْخَطَإِ وَ الْمُحَالِ لِأَنَّهُمَا ضِدُّ الْإِهْمَالِ وَ هَذَا فَظِیعٌ (2) مِنَ الْقَوْلِ وَ جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ لِأَنَّ الْإِهْمَالَ لَا یَأْتِی بِالصَّوَابِ وَ التَّضَادَّ لَا یَأْتِی بِالنِّظَامِ تَعَالَی اللَّهُ عَمَّا یَقُولُ الْمُلْحِدُونَ عُلُوّاً كَبِیراً وَ لَوْ كَانَ الْمَوْلُودُ یُولَدُ فَهِماً عَاقِلًا لَأَنْكَرَ الْعَالَمَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَ لَبَقِیَ حَیْرَانَ تَائِهَ الْعَقْلِ (3) إِذَا رَأَی مَا لَمْ یَعْرِفْ وَ وَرَدَ عَلَیْهِ

ص: 63


1- المخاض: وجع الولادة و هو الطلق.
2- فظع الامر: اشتدت شناعته و جاوز المقدار فی ذلك.
3- أی ضائع العقل.

مَا لَمْ یَرَ مِثْلَهُ مِنِ اخْتِلَافِ صُوَرِ الْعَالَمِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَ الطَّیْرِ إِلَی غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا یُشَاهِدُهُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ وَ یَوْماً بَعْدَ یَوْمٍ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ سُبِیَ مِنْ بَلَدٍ إِلَی بَلَدٍ وَ هُوَ عَاقِلٌ یَكُونُ كَالْوَالِهِ الْحَیْرَانِ فَلَا یُسْرِعُ فِی تَعَلُّمِ الْكَلَامِ وَ قَبُولِ الْأَدَبِ كَمَا یُسْرِعُ الَّذِی یُسْبَی صَغِیراً غَیْرَ عَاقِلٍ ثُمَّ لَوْ وُلِدَ عَاقِلًا كَانَ یَجِدُ غَضَاضَةً إِذَا رَأَی نَفْسَهُ مَحْمُولًا مُرْضَعاً مُعَصَّباً بِالْخِرَقِ مُسَجًّی فِی الْمَهْدِ لِأَنَّهُ لَا یَسْتَغْنِی عَنْ هَذَا كُلِّهِ لِرِقَّةِ بَدَنِهِ وَ رُطُوبَتِهِ حِینَ یُولَدُ ثُمَّ كَانَ لَا یُوجَدُ لَهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ وَ الْوَقْعِ مِنَ الْقُلُوبِ مَا یُوجَدُ لِلطِّفْلِ فَصَارَ یَخْرُجُ إِلَی الدُّنْیَا غَبِیّاً غَافِلًا عَمَّا فِیهِ أَهْلُهُ فَیَلْقَی الْأَشْیَاءَ بِذِهْنٍ ضَعِیفٍ وَ مَعْرِفَةٍ نَاقِصَةٍ ثُمَّ لَا یَزَالُ یَتَزَایَدُ فِی الْمَعْرِفَةِ قَلِیلًا قَلِیلًا وَ شَیْئاً بَعْدَ شَیْ ءٍ وَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ حَتَّی یَأْلَفَ الْأَشْیَاءَ وَ یَتَمَرَّنَ (1)وَ یَسْتَمِرَّ عَلَیْهَا فَیَخْرُجَ مِنْ حَدِّ التَّأَمُّلِ لَهَا وَ الْحَیْرَةِ فِیهَا إِلَی التَّصَرُّفِ وَ الِاضْطِرَابِ إِلَی الْمَعَاشِ بِعَقْلِهِ وَ حِیلَتِهِ وَ إِلَی الِاعْتِبَارِ وَ الطَّاعَةِ وَ السَّهْوِ وَ الْغَفْلَةِ وَ الْمَعْصِیَةِ وَ فِی هَذَا أَیْضاً وُجُوهٌ أُخَرُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ یُولَدُ تَامَّ الْعَقْلِ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَذَهَبَ مَوْضِعُ حَلَاوَةِ تَرْبِیَةِ الْأَوْلَادِ وَ مَا قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ لِلْوَالِدَیْنِ فِی الِاشْتِغَالِ بِالْوَلَدِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَ مَا یُوجِبُ تَرْبِیَةً لِلْآبَاءِ عَلَی الْأَبْنَاءِ مِنَ الْمُكَلَّفَاتِ (2) بِالْبِرِّ وَ الْعَطْفِ عَلَیْهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَی ذَلِكَ مِنْهُمْ ثُمَّ كَانَ الْأَوْلَادُ لَا یَأْلَفُونَ آبَاءَهُمْ وَ لَا یَأْلَفُ الْآبَاءُ أَبْنَاءَهُمْ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ كَانُوا یَسْتَغْنُونَ عَنْ تَرْبِیَةِ الْآبَاءِ وَ حِیَاطَتِهِمْ (3) فَیَتَفَرَّقُونَ عَنْهُمْ حِینَ یُولَدُونَ فَلَا یَعْرِفُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَ أُمَّهُ وَ لَا یَمْتَنِعُ مِنْ نِكَاحِ أُمِّهِ وَ أُخْتِهِ وَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْهُ إِذَا كَانَ لَا یَعْرِفُهُنَّ وَ أَقَلُّ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ الْقَبَاحَةِ بَلْ هُوَ أَشْنَعُ وَ أَعْظَمُ وَ أَفْظَعُ وَ أَقْبَحُ وَ أَبْشَعُ لَوْ خَرَجَ الْمَوْلُودُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَ هُوَ یَعْقِلُ أَنْ یَرَی مِنْهَا مَا لَا یَحِلُّ لَهُ وَ لَا یُحْسِنُ بِهِ أَنْ یَرَاهُ أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ أُقِیمَ كُلُّ شَیْ ءٍ مِنَ الْخِلْقَةِ عَلَی غَایَةِ الصَّوَابِ وَ خَلَا مِنَ الْخَطَإِ دَقِیقُهُ وَ جَلِیلُهُ.

بیان: أ فرأیت أی أخبرنی قال الزمخشری لما كانت مشاهدة الأشیاء و رؤیتها طریقا إلی الإحاطة بها علما و صحة الخبر عنها استعملوا أ رأیت بمعنی أخبر انتهی و یقال ذوی العود أی یبس و الموءود الذی دفن فی الأرض حیا كما كان المشركون

ص: 64


1- أی یتعود و یتدرّب.
2- و فی نسخة: من المكافاة.
3- أی حفظهم و تعهّدهم.

یفعلون فی الجاهلیة ببناتهم قوله علیه السلام: أو یقیمه أی عدم طلوع الأسنان قوله علیه السلام: ذلك بما قدمت أیدیهم یحتمل أن یكون هذا لتعذیب الآباء و إن كان الأولاد یؤجرون لقباحة منظرهم أو للأولاد لما كان فی علمه تعالی صدوره عنهم باختیارهم و یرصده أی یرقبه قوله علیه السلام: فإن كان الإهمال أی إذا لم یكن الأشیاء منوطة بأسبابها و لم ترتبط الأمور بعللها فكما جاز أن یحصل هذا الترتیب و النظام التام بلا سبب فجاز أن یصیر التدبیر فی الأمور سببا لاختلالها و هذا خلاف ما یحكم به عقول كافة الخلق لما نری من سعیهم فی تدبیر الأمور و ذمهم من یأتی بها علی غیر تأمل و رویة و یحتمل أن یكون المراد أن الوجدان یحكم بتضاد آثار الأمور المتضادة و ربما أمكن إقامة البرهان علیه أیضا فإذا أتی الإهمال بالصواب یجب أن یأتی ضده و هو التدبیر بالخطإ و هذا أفظع و أشنع و المراد بالمحال الأمر الباطل الذی لم یأت علی وجهه الذی ینبغی أن یكون علیه قال الفیروزآبادی المحال من الكلام بالضم ما عدل عن وجهه انتهی و التیه الضلال و الحیرة و الغضاضة بالفتح الذلة و المنقصة و قوله علیه السلام: معصبا أی مشدودا و التسجیة التغطیة بثوب یمد علیه و الغبی علی فعیل قلیل الفطنة و الاعتبار من العبرة و ذكر فی مقابله السهو و الغفلة و قوله ما قدر و ما یوجب كلاهما معطوفان علی موضع و قوله من المكلفات بیان لما یوجب أی لذهب التكالیف المتعلقة بالأولاد بأن یبروا آباءهم و یعطفوا علیهم عند حاجة الآباء إلی تربیتهم و إعانتهم لكبرهم و ضعفهم جزاء لما قاسوا من الشدائد فی تربیتهم قوله أن یری خبر لقوله أقل ما فی ذلك.

اعْرِفْ یَا مُفَضَّلُ مَا لِلْأَطْفَالِ فِی الْبُكَاءِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَ اعْلَمْ أَنَّ فِی أَدْمِغَةِ الْأَطْفَالِ رُطُوبَةً إِنْ بَقِیَتْ فِیهَا أَحْدَثَتْ عَلَیْهِمْ أَحْدَاثاً جَلِیلَةً وَ عِلَلًا عَظِیمَةً مِنْ ذَهَابِ الْبَصَرِ وَ غَیْرِهِ فَالْبُكَاءُ یُسِیلُ تِلْكَ الرُّطُوبَةَ مِنْ رُءُوسِهِمْ فَیُعْقِبُهُمْ ذَلِكَ الصِّحَّةَ فِی أَبْدَانِهِمْ وَ السَّلَامَةَ فِی أَبْصَارِهِمْ أَ فَلَیْسَ قَدْ جَازَ أَنْ یَكُونَ الطِّفْلُ یَنْتَفِعُ بِالْبُكَاءِ وَ وَالِدَاهُ لَا یَعْرِفَانِ ذَلِكَ فَهُمَا دَائِبَانِ لِیُسْكِتَاهُ وَ یَتَوَخَّیَانِ فِی الْأُمُورِ مَرْضَاتَهُ لِئَلَّا یَبْكِیَ وَ هُمَا لَا یَعْلَمَانِ أَنَّ الْبُكَاءَ أَصْلَحُ لَهُ وَ أَجْمَلُ عَاقِبَةً فَهَكَذَا یَجُوزُ أَنْ یَكُونَ فِی كَثِیرٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ مَنَافِعُ لَا یَعْرِفُهَا الْقَائِلُونَ

ص: 65

بِالْإِهْمَالِ وَ لَوْ عَرَفُوا ذَلِكَ لَمْ یَقْضُوا عَلَی الشَّیْ ءِ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِیهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَا یَعْرِفُونَهُ وَ لَا یَعْلَمُونَ السَّبَبَ فِیهِ فَإِنَّ كُلَّ مَا لَا یَعْرِفُهُ الْمُنْكِرُونَ یَعْلَمُهُ الْعَارِفُونَ (1)وَ كَثِیرٌ مِمَّا یَقْصُرُ عَنْهُ عِلْمُ الْمَخْلُوقِینَ مُحِیطٌ بِهِ عِلْمُ الْخَالِقِ جَلَّ قُدْسُهُ وَ عَلَتْ كَلِمَتُهُ فَأَمَّا مَا یَسِیلُ مِنْ أَفْوَاهِ الْأَطْفَالِ مِنَ الرِّیقِ فَفِی ذَلِكَ خُرُوجُ الرُّطُوبَةِ الَّتِی لَوْ بَقِیَتْ فِی أَبْدَانِهِمْ لَأَحْدَثَتْ عَلَیْهِمُ الْأُمُورَ الْعَظِیمَةَ كَمَنْ تَرَاهُ قَدْ غَلَبَتْ عَلَیْهِ الرُّطُوبَةُ فَأَخْرَجَتْهُ إِلَی حَدِّ الْبَلَهِ (2) وَ الْجُنُونِ وَ التَّخْلِیطِ (3)لَی غَیْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْفَالِجِ وَ اللَّقْوَةِ (4) وَ مَا أَشْبَهَهُمَا فَجَعَلَ اللَّهُ تِلْكَ الرُّطُوبَةَ تَسِیلُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فِی صِغَرِهِمْ لِمَا لَهُمْ فِی ذَلِكَ مِنَ الصِّحَّةِ فِی كِبَرِهِمْ فَتَفَضَّلَ عَلَی خَلْقِهِ بِمَا جَهِلُوهُ وَ نَظَرَ لَهُمْ بِمَا لَمْ یَعْرِفُوهُ وَ لَوْ عَرَفُوا نِعَمَهُ عَلَیْهِمْ لَشَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنِ التَّمَادِی فِی مَعْصِیَتِهِ فَسُبْحَانَهُ مَا أَجَلَّ نِعْمَتَهُ وَ أَسْبَغَهَا عَلَی الْمُسْتَحِقِّینَ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ خَلْقِهِ وَ تَعَالَی عَمَّا یَقُولُ الْمُبْطِلُونَ عُلُوّاً كَبِیراً.

بیان: الدءوب: الجدّ و التعب. و التوخّی: التحری و القصد. و قوله علیه السلام: كل ما لا یعرفه أی مما لا یقصر عنه علم المخلوقین و یقال أبطل أی جاء بالباطل.

انْظُرِ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ كَیْفَ جُعِلَتْ آلَاتُ الْجِمَاعِ فِی الذَّكَرِ وَ الْأُنْثَی جَمِیعاً عَلَی مَا یُشَاكِلُ ذَلِكَ فَجُعِلَ لِلذَّكَرِ آلَةٌ نَاشِزَةٌ (5)تَمْتَدُّ حَتَّی تَصِلَ النُّطْفَةُ إِلَی الرَّحِمِ إِذْ كَانَ مُحْتَاجاً إِلَی أَنْ یَقْذِفَ مَاءَهُ فِی غَیْرِهِ وَ خُلِقَ لِلْأُنْثَی وِعَاءٌ قَعِرٌ لِیَشْتَمِلَ عَلَی الْمَاءَیْنِ جَمِیعاً وَ یَحْتَمِلَ الْوَلَدَ وَ یَتَّسِعَ لَهُ وَ یَصُونَهُ حَتَّی یَسْتَحْكِمَ أَ لَیْسَ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِیرِ حَكِیمٍ لَطِیفٍ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی عَمَّا یُشْرِكُونَ.

بیان: المشاكلة: المشابهة و المناسبة، و اسم الإشارة راجع إلی ما مضی من التدبیر فی الخلق و یحتمل إرجاعه إلی الجماع.

ص: 66


1- و فی نسخة: یعرفه العارفون.
2- أی ضعف العقل و عجز الرأی.
3- أی اضطراب العقل و اختلاله.
4- اللقوة: علة ینجذب لها شقّ الوجه إلی جهة غیر طبیعیة، فیخرج النفخة و البزقة من جانب واحد، و لا یحسن التقاء الشفتین، و لا ینطبق احدی العینین.
5- أی رافعة. و فی نسخة ناشرة.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی أَعْضَاءِ الْبَدَنِ أَجْمَعَ وَ تَدْبِیرِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْإِرْبِ فَالْیَدَانِ لِلْعِلَاجِ وَ الرِّجْلَانِ لِلسَّعْیِ وَ الْعَیْنَانِ لِلِاهْتِدَاءِ وَ الْفَمُ لِلِاغْتِذَاءِ وَ الْمَعِدَةُ لِلْهَضْمِ وَ الْكَبِدُ لِلتَّخْلِیصِ (1) وَ الْمَنَافِذُ لِتَنْفِیذِ الْفُضُولِ (2) وَ الْأَوْعِیَةُ لِحَمْلِهَا وَ الْفَرْجُ لِإِقَامَةِ النَّسْلِ وَ كَذَلِكَ جَمِیعُ الْأَعْضَاءِ إِذَا تَأَمَّلْتَهَا وَ أَعْمَلْتَ فِكْرَكَ فِیهَا وَ نَظَرَكَ وَجَدْتَ كُلَّ شَیْ ءٍ مِنْهَا قَدْ قُدِّرَ لِشَیْ ءٍ عَلَی صَوَابٍ وَ حِكْمَةٍ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ یَا مَوْلَایَ إِنَّ قَوْماً یَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الطَّبِیعَةِ فَقَالَ سَلْهُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّبِیعَةِ أَ هِیَ شَیْ ءٌ لَهُ عِلْمٌ وَ قُدْرَةٌ عَلَی مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ أَمْ لَیْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنْ أَوْجَبُوا لَهَا الْعِلْمَ وَ الْقُدْرَةَ فَمَا یَمْنَعُهُمْ مِنْ إِثْبَاتِ الْخَالِقِ فَإِنَّ هَذِهِ صَنْعَتُهُ وَ إِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا تَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ لَا عَمْدٍ وَ كَانَ فِی أَفْعَالِهَا مَا قَدْ تَرَاهُ مِنَ الصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لِلْخَالِقِ الْحَكِیمِ وَ أَنَّ الَّذِی سَمَّوْهُ طَبِیعَةً هُوَ سُنَّةٌ فِی خَلْقِهِ الْجَارِیَةُ عَلَی مَا أَجْرَاهَا عَلَیْهِ.

إیضاح: قوله علیه السلام: فما یمنعهم لعل المراد أنهم إذا قالوا بذلك فقد أثبتوا الصانع فلم یسمونه بالطبیعة و هی لیست بذات علم و إرادة و قدرة قوله علیه السلام: علم أن هذا الفعل أی ظاهر بطلان هذا الزعم و الذی صار سببا لذهولهم أن اللّٰه تعالی أجری عادته بأن یخلق الأشیاء بأسبابها فذهبوا إلی استقلال تلك الأسباب فی ذلك و بعبارة أخری إن سنة اللّٰه و عادته قد جرت لحكم كثیرة أن تكون الأشیاء بحسب بادئ النظر مستندة إلی غیره تعالی ثم یعلم بعد الاعتبار و التفكر أن الكل مستند إلی قدرته و تأثیره تعالی و إنما هذه الأشیاء وسائل و شرائط لذلك فلذا تحیروا فی الصانع تعالی فالضمیر المنصوب فی قوله أجراها راجع إلی السنة و ضمیر علیه راجع إلی الموصول.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی وُصُولِ الْغِذَاءِ إِلَی الْبَدَنِ وَ مَا فِیهِ مِنَ التَّدْبِیرِ فَإِنَّ الطَّعَامَ یَصِیرُ

ص: 67


1- التخلیص: التصفیة و التمییز عن غیره، و ذلك لان الكبد یحیل الكیلوس الی الخلط، و یصفی الاخلاط كل واحد عن الآخر، و ینفذها الی البدن، كلها فی مجاری مهیأة له.
2- أی لاخراج الفضول.

إِلَی الْمَعِدَةِ فَتَطْبُخُهُ وَ تَبْعَثُ بِصَفْوِهِ إِلَی الْكَبِدِ فِی عُرُوقٍ رِقَاقٍ وَاشِجَةٍ بَیْنَهَا قَدْ جُعِلَتْ كَالْمُصَفِّی لِلْغِذَاءِ لِكَیْلَا یَصِلَ إِلَی الْكَبِدِ مِنْهُ شَیْ ءٌ فَیَنْكَأَهَا وَ ذَلِكَ أَنَّ الْكَبِدَ رَقِیقَةٌ لَا تَحْتَمِلُ الْعُنْفَ ثُمَّ إِنَّ الْكَبِدَ تَقْبَلُهُ فَیَسْتَحِیلُ بِلُطْفِ التَّدْبِیرِ دَماً وَ یَنْفُذُ إِلَی الْبَدَنِ كُلِّهِ فِی مَجَارِیَ مُهَیَّأَةٍ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَارِی الَّتِی تُهَیَّأُ لِلْمَاءِ حَتَّی یَطَّرِدَ فِی الْأَرْضِ كُلِّهَا وَ یَنْفُذُ مَا یَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الْخَبَثِ وَ الْفُضُولِ إِلَی مَفَایِضَ قَدْ أُعِدَّتْ لِذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ جَرَی إِلَی الْمَرَارَةِ وَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ السَّوْدَاءِ جَرَی إِلَی الطِّحَالِ وَ مَا كَانَ مِنَ الْبِلَّةِ وَ الرُّطُوبَةِ جَرَی إِلَی الْمَثَانَةِ فَتَأَمَّلْ حِكْمَةَ التَّدْبِیرِ فِی تَرْكِیبِ الْبَدَنِ وَ وَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْهُ مَوَاضِعَهَا وَ إِعْدَادِ هَذِهِ الْأَوْعِیَةِ فِیهِ لِتَحْمِلَ تِلْكَ الْفُضُولَ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ فِی الْبَدَنِ فَتُسْقِمَهُ وَ تَنْهَكَهُ فَتَبَارَكَ مَنْ أَحْسَنَ التَّقْدِیرَ وَ أَحْكَمَ التَّدْبِیرَ وَ لَهُ الْحَمْدُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَ مُسْتَحِقُّهُ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ صِفْ نُشُوءَ (1)الْأَبْدَانِ وَ نُمُوَّهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ حَتَّی تَبْلُغَ التَّمَامَ وَ الْكَمَالَ فَقَالَ علیه السلام أَوَّلُ ذَلِكَ تَصْوِیرُ الْجَنِینِ فِی الرَّحِمِ حَیْثُ لَا تَرَاهُ عَیْنٌ وَ لَا تَنَالُهُ یَدٌ وَ یُدَبِّرُهُ حَتَّی یَخْرُجَ سَوِیّاً مُسْتَوْفِیاً جَمِیعَ مَا فِیهِ قِوَامُهُ وَ صَلَاحُهُ مِنَ الْأَحْشَاءِ وَ الْجَوَارِحِ وَ الْعَوَامِلِ إِلَی مَا فِی تَرْكِیبِ أَعْضَائِهِ مِنَ الْعِظَامِ وَ اللَّحْمِ وَ الشَّحْمِ وَ الْمُخِّ وَ الْعَصَبِ وَ الْعُرُوقِ وَ الْغَضَارِیفِ فَإِذَا خَرَجَ إِلَی الْعَالَمِ تَرَاهُ كَیْفَ یَنْمِی بِجَمِیعِ أَعْضَائِهِ وَ هُوَ ثَابِتٌ عَلَی شَكْلٍ وَ هَیْئَةٍ لَا تَتَزَایَدُ وَ لَا تَنْقُصُ إِلَی أَنْ یَبْلُغَ أَشُدَّهُ إِنْ مُدَّ فِی عُمُرِهِ أَوْ یَسْتَوْفِیَ مُدَّتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ هَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ لَطِیفِ التَّدْبِیرِ وَ الْحِكْمَةِ یَا مُفَضَّلُ انْظُرْ إِلَی مَا خُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ فِی خَلْقِهِ تَشْرِیفاً وَ تَفْضِیلًا عَلَی الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ خُلِقَ یَنْتَصِبُ قَائِماً وَ یَسْتَوِی جَالِساً لِیَسْتَقْبِلَ الْأَشْیَاءَ بِیَدَیْهِ وَ جَوَارِحِهِ وَ یُمْكِنَهُ الْعِلَاجُ وَ الْعَمَلُ بِهِمَا فَلَوْ كَانَ مَكْبُوباً عَلَی وَجْهِهِ كَذَاتِ الْأَرْبَعِ لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ یَعْمَلَ شَیْئاً مِنَ الْأَعْمَالِ.

ص: 68


1- بالنون المفتوحة و الشین الساكنة ثمّ الهمزة. أو بالنون و الشین المضمومتین و الواو الساكنة ثمّ الهمزة.

بیان: قال الفیروزآبادی و شجت العروق و الأغصان اشتبكت و قال نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فندیت انتهی و المفایض فی بعض النسخ بالفاء أی مجاری من فاض الماء و فی بعضها بالغین من غاض الماء غیضا أی نضب (1) و ذهب فی الأرض و المغیض المكان الذی یغیض فیه و إلی فی قوله إلی ما فی تركیب بمعنی مع و قال الفیروزآبادی الغضروف كل عظم رخو یؤكل و هو مارن الأنف(2)و بعض الكتف و رءوس الأضلاع و رهابة الصدر و داخل فوق الأذن انتهی و قوله تتزاید و لا تنقص أی النسبة بین الأعضاء و بلوغ الأشد و هو القوة أن یكتهل و یستوفی السنّ الذی یستحكم فیها قوَّته و عقله و تمیزه.

انْظُرِ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ إِلَی هَذِهِ الْحَوَاسِّ الَّتِی خُصَّ بِهَا الْإِنْسَانُ فِی خَلْقِهِ وَ شُرِّفَ بِهَا عَلَی غَیْرِهِ كَیْفَ جُعِلَتِ الْعَیْنَانِ فِی الرَّأْسِ كَالْمَصَابِیحِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ لِیَتَمَكَّنَ مِنَ مُطَالَعَةِ الْأَشْیَاءِ وَ لَمْ تُجْعَلْ فِی الْأَعْضَاءِ الَّتِی تَحْتَهُنَّ كَالْیَدَیْنِ وَ الرِّجْلَیْنِ فَتَعْرِضَهَا الْآفَاتُ وَ تُصِیبَهَا مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ وَ الْحَرَكَةِ مَا یُعَلِّلُهَا وَ یُؤَثِّرُ فِیهَا وَ یَنْقُصُ مِنْهَا وَ لَا فِی الْأَعْضَاءِ الَّتِی وَسَطَ الْبَدَنِ كَالْبَطْنِ وَ الظَّهْرِ فَیَعْسُرَ تَقَلُّبُهَا وَ اطِّلَاعُهَا نَحْوَ الْأَشْیَاءِ فَلَمَّا لَمْ یَكُنْ لَهَا فِی شَیْ ءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَوْضِعٌ كَانَ الرَّأْسُ أَسْنَی الْمَوَاضِعِ لِلْحَوَاسِّ وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمَعَةِ لَهَا فَجُعِلَ الْحَوَاسُّ خَمْساً تَلْقَی خَمْساً لِكَیْ لَا یَفُوتَهَا شَیْ ءٌ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ فَخُلِقَ الْبَصَرُ لِیُدْرِكَ الْأَلْوَانَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَلْوَانُ وَ لَمْ یَكُنْ بَصَرٌ یُدْرِكُهَا لَمْ یَكُنْ مَنْفَعَةٌ فِیهَا وَ خُلِقَ السَّمْعُ لِیُدْرِكَ الْأَصْوَاتَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَصْوَاتُ وَ لَمْ یَكُنْ سَمْعٌ یُدْرِكُهَا لَمْ یَكُنْ فِیهَا إِرْبٌ (3) وَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْحَوَاسِّ ثُمَّ هَذَا یَرْجِعُ مُتَكَافِئاً فَلَوْ كَانَ بَصَرٌ وَ لَمْ یَكُنْ أَلْوَانٌ لَمَا كَانَ لِلْبَصَرِ مَعْنًی وَ لَوْ كَانَ سَمْعٌ وَ لَمْ یَكُنْ أَصْوَاتٌ لَمْ یَكُنْ لِلسَّمْعِ مَوْضِعٌ فَانْظُرْ كَیْفَ قَدَّرَ بَعْضَهَا یَلْقَی بَعْضاً فَجَعَلَ لِكُلِّ حَاسَّةٍ مَحْسُوساً یَعْمَلُ فِیهِ وَ لِكُلِّ مَحْسُوسٍ حَاسَّةً تُدْرِكُهُ وَ مَعَ هَذَا فَقَدْ جُعِلَتْ أَشْیَاءُ مُتَوَسِّطَةً بَیْنَ الْحَوَاسِّ وَ الْمَحْسُوسَاتِ لَا یَتِمُّ الْحَوَاسُّ إِلَّا بِهَا كَمَثَلِ الضِّیَاءِ وَ الْهَوَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ یَكُنْ ضِیَاءٌ یُظْهِرُ اللَّوْنَ لِلْبَصَرِ لَمْ یَكُنِ الْبَصَرُ یُدْرِكُ اللَّوْنَ

ص: 69


1- أی جری و سال. غار فی الأرض.
2- أی طرف الانف، أو ما لان من طرفه.
3- الارب: الحاجة.

وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ هَوَاءٌ یُؤَدِّی الصَّوْتَ إِلَی السَّمْعِ لَمْ یَكُنِ السَّمْعُ یُدْرِكُ الصَّوْتَ فَهَلْ یَخْفَی عَلَی مَنْ صَحَّ نَظَرُهُ وَ أَعْمَلَ فِكْرَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الَّذِی وَصَفْتُ مِنْ تَهْیِئَةِ الْحَوَاسِّ وَ الْمَحْسُوسَاتِ بَعْضُهَا یَلْقَی بَعْضاً وَ تَهْیِئَةِ أَشْیَاءَ أُخَرَ بِهَا تَتِمُّ الْحَوَاسُّ لَا یَكُونُ إِلَّا بِعَمْدٍ وَ تَقْدِیرٍ مِنْ لَطِیفٍ خَبِیرٍ.

بیان: قوله علیه السلام: بعضها یلقی بعضا حال أو صفة بتأویل أو تقدیر.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِیمَنْ عَدِمَ الْبَصَرَ مِنَ النَّاسِ وَ مَا یَنَالُهُ مِنَ الْخَلَلِ فِی أُمُورِهِ فَإِنَّهُ لَا یَعْرِفُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ وَ لَا یُبْصِرُ مَا بَیْنَ یَدَیْهِ فَلَا یَفْرُقُ بَیْنَ الْأَلْوَانِ وَ بَیْنَ الْمَنْظَرِ الْحَسَنِ وَ الْقَبِیحِ وَ لَا یَرَی حُفْرَةً إِنْ هَجَمَ عَلَیْهَا(1) وَ لَا عَدُوّاً إِنْ أَهْوَی إِلَیْهِ بِسَیْفٍ وَ لَا یَكُونُ لَهُ سَبِیلٌ إِلَی أَنْ یَعْمَلَ شَیْئاً مِنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ مِثْلِ الْكِتَابَةِ وَ التِّجَارَةِ وَ الصِّیَاغَةِ حَتَّی إِنَّهُ لَوْ لَا نَفَاذُ ذِهْنِهِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ الْمُلْقَی وَ كَذَلِكَ مَنْ عَدِمَ السَّمْعَ یَخْتَلُّ فِی أُمُورٍ كَثِیرَةٍ فَإِنَّهُ یَفْقِدُ رَوْحَ الْمُخَاطَبَةِ وَ الْمُحَاوَرَةِ وَ یَعْدَمُ لَذَّةَ الْأَصْوَاتِ وَ اللُّحُونِ الشَّجِیَّةِ [وَ] الْمُطْرِبَةِ وَ یُعْظِمُ الْمَئُونَةَ عَلَی النَّاسِ فِی مُحَاوَرَتِهِ حَتَّی یَتَبَرَّمُوا بِهِ (2) وَ لَا یَسْمَعُ شَیْئاً مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ وَ أَحَادِیثِهِمْ حَتَّی یَكُونُ كَالْغَائِبِ وَ هُوَ شَاهِدٌ أَوْ كَالْمَیِّتِ وَ هُوَ حَیٌّ فَأَمَّا مَنْ عَدِمَ الْعَقْلَ فَإِنَّهُ یُلْحَقُ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ بَلْ یَجْهَلُ كَثِیراً مِمَّا یَهْتَدِی إِلَیْهِ الْبَهَائِمُ أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ صَارَتِ الْجَوَارِحُ وَ الْعَقْلُ وَ سَائِرُ الْخِلَالِ (3) الَّتِی بِهَا صَلَاحُ الْإِنْسَانِ وَ الَّتِی لَوْ فَقَدَ مِنْهَا شَیْئاً لَعَظُمَ مَا یَنَالُهُ فِی ذَلِكَ مِنَ الْخَلَلِ یُوَافِی خِلْقَةً عَلَی التَّمَامِ حَتَّی لَا یَفْقِدَ شَیْئاً مِنْهَا فَلِمَ كَانَ كَذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُ خُلِقَ بِعِلْمٍ وَ تَقْدِیرٍ (4).

بیان: روح المخاطبة بالفتح أی راحتها و لذتها و الشجو الحزن و لا یتوهم جواز الاستدلال به علی عدم حرمة الغناء مطلقا لاحتمال أن یكون المراد الأفراد المحللة منها كما ذكرها الأصحاب و سیأتی ذكرها فی بابه أو یكون فائدة إدراك تلك اللذة عظم الثواب فی تركها لوجهه تعالی و قوله علیه السلام: یوافی خلقة خبر صارت.

قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ فَلِمَ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ یَفْقِدُ شَیْئاً مِنْ هَذِهِ الْجَوَارِحِ فَیَنَالُهُ فِی

ص: 70


1- أی انتهی إلیها بغتة علی غفلة منه.
2- أی حتّی یملوا و یضجروا به.
3- جمع الخلة و هی الخصلة.
4- و فی نسخة: إلّا لانه خلق بعلم و بقدر.

ذَلِكَ مِثْلُ مَا وَصَفْتَهُ یَا مَوْلَایَ قَالَ علیه السلام ذَلِكَ لِلتَّأْدِیبِ وَ الْمَوْعِظَةِ لِمَنْ یَحِلُّ ذَلِكَ بِهِ وَ لِغَیْرِهِ بِسَبَبِهِ كَمَا قَدْ یُؤَدِّبُ الْمُلُوكُ النَّاسَ لِلتَّنْكِیلِ (1) وَ الْمَوْعِظَةِ فَلَا یُنْكَرُ ذَلِكَ عَلَیْهِمْ بَلْ یُحْمَدُ مِنْ رَأْیِهِمْ وَ یُصَوَّبُ مِنْ تَدْبِیرِهِمْ ثُمَّ لِلَّذِینَ یَنْزِلُ بِهِمْ هَذِهِ الْبَلَایَا مِنَ الثَّوَابِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِنْ شَكَرُوا وَ أَنَابُوا مَا یَسْتَصْغِرُونَ مَعَهُ مَا یَنَالُهُمْ مِنْهَا حَتَّی إِنَّهُمْ لَوْ خُیِّرُوا بَعْدَ الْمَوْتِ لَاخْتَارُوا أَنْ یُرَدُّوا إِلَی الْبَلَایَا لِیَزْدَادُوا مِنَ الثَّوَابِ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الْأَعْضَاءِ الَّتِی خُلِقَتْ أَفْرَاداً وَ أَزْوَاجاً وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ التَّقْدِیرِ وَ الصَّوَابِ فِی التَّدْبِیرِ فَالرَّأْسُ مِمَّا خُلِقَ فَرْداً وَ لَمْ یَكُنْ لِلْإِنْسَانِ صَلَاحٌ فِی أَنْ یَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَ لَا تَرَی أَنَّهُ لَوْ أُضِیفَ إِلَی رَأْسِ الْإِنْسَانِ رَأْسٌ آخَرُ لَكَانَ ثِقْلًا عَلَیْهِ مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ إِلَیْهِ لِأَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِی یَحْتَاجُ إِلَیْهَا مُجْتَمِعَةٌ فِی رَأْسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ كَانَ الْإِنْسَانُ یَنْقَسِمُ قِسْمَیْنِ لَوْ كَانَ لَهُ رَأْسَانِ فَإِنْ تَكَلَّمَ مِنْ أَحَدِهِمَا كَانَ الْآخَرُ مُعَطَّلًا لَا إِرْبَ فِیهِ وَ لَا حَاجَةَ إِلَیْهِ وَ إِنْ تَكَلَّمَ مِنْهُمَا جَمِیعاً بِكَلَامٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَدُهُمَا فَضْلًا لَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ وَ إِنْ تَكَلَّمَ بِأَحَدِهِمَا بِغَیْرِ الَّذِی تَكَلَّمَ بِهِ مِنَ الْآخَرِ لَمْ یَدْرِ السَّامِعُ بِأَیِّ ذَلِكَ یَأْخُذُ وَ أَشْبَاهُ هَذَا مِنَ الْأَخْلَاطِ وَ الْیَدَانِ مِمَّا خُلِقَ أَزْوَاجاً وَ لَمْ یَكُنْ لِلْإِنْسَانِ خَیْرٌ فِی أَنْ یَكُونَ لَهُ یَدٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ یُخِلُّ بِهِ فِیمَا یَحْتَاجُ إِلَی مُعَالَجَتِهِ مِنَ الْأَشْیَاءِ أَ لَا تَرَی أَنَّ النَّجَّارَ وَ الْبَنَّاءَ لَوْ شَلَّتْ إِحْدَی یَدَیْهِ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یُعَالِجَ صِنَاعَتَهُ وَ إِنْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ لَمْ یُحْكِمْهُ وَ لَمْ یَبْلُغْ مِنْهُ مَا یَبْلُغُهُ إِذَا كَانَتْ لَهُ یَدَانِ یَتَعَاوَنَانِ عَلَی الْعَمَلِ أَطِلِ الْفِكْرَ یَا مُفَضَّلُ فِی الصَّوْتِ وَ الْكَلَامِ وَ تَهْیِئَةِ آلَاتِهِ فِی الْإِنْسَانِ فَالْحَنْجَرَةُ كَالْأُنْبُوبَةِ (2) لِخُرُوجِ الصَّوْتِ وَ اللِّسَانُ وَ الشَّفَتَانِ وَ الْأَسْنَانُ لِصِیَاغَةِ الْحُرُوفِ وَ النَّغْمِ أَ لَا تَرَی أَنَّ مَنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ لَمْ یُقِمِ السِّینَ وَ مَنْ سَقَطَتْ شَفَتُهُ لَمْ یُصَحِّحِ الْفَاءَ وَ مَنْ ثَقُلَ لِسَانُهُ لَمْ یُفْصِحِ الرَّاءَ وَ أَشْبَهُ شَیْ ءٍ بِذَلِكَ الْمِزْمَارُ الْأَعْظَمُ فَالْحَنْجَرَةُ یُشْبِهُ قَصَبَةَ الْمِزْمَارِ وَ الرِّئَةُ یُشْبِهُ الزِّقَّ الَّذِی یُنْفَخُ فِیهِ لِتَدْخُلَ الرِّیحُ وَ الْعَضَلَاتُ الَّتِی تَقْبِضُ عَلَی الرِّئَةِ لِیَخْرُجَ الصَّوْتُ كَالْأَصَابِعِ الَّتِی تَقْبِضُ عَلَی الزِّقِّ حَتَّی تَجْرِیَ الرِّیحُ فِی الْمِزْمَارِ وَ الشَّفَتَانِ

ص: 71


1- نكّل به: صنع به صنیعا یحذّر غیره و یجعله عبرة له.
2- وزان أرجوزة: ما بین العقدتین من القصب.

وَ الْأَسْنَانُ الَّتِی تَصُوغُ الصَّوْتَ حُرُوفاً وَ نَغْماً كَالْأَصَابِعِ الَّتِی یَخْتَلِفُ فِی فَمِ الْمِزْمَارِ فَتَصُوغُ صَفِیرَهُ أَلْحَاناً غَیْرُ أَنَّهُ وَ إِنْ كَانَ مَخْرَجُ الصَّوْتِ یُشْبِهُ الْمِزْمَارَ بِالدَّلَالَةِ وَ التَّعْرِیفِ فَإِنَّ الْمِزْمَارَ بِالْحَقِیقَةِ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِمَخْرَجِ الصَّوْتِ قَدْ أَنْبَأْتُكَ بِمَا فِی الْأَعْضَاءِ مِنَ الْغِنَاءِ فِی صَنْعَةِ الْكَلَامِ وَ إِقَامَةِ الْحُرُوفِ وَ فِیهَا مَعَ الَّذِی ذَكَرْتُ لَكَ مَآرِبُ أُخْرَی فَالْحَنْجَرَةُ لِیُسْلَكَ فِیهَا هَذَا النَّسِیمُ إِلَی الرِّئَةِ فَتَرَوَّحَ عَلَی الْفُؤَادِ بِالنَّفَسِ الدَّائِمِ الْمُتَتَابِعِ الَّذِی لَوِ احْتَبَسَ (1) شَیْئاً یَسِیراً لَهَلَكَ الْإِنْسَانُ وَ بِاللِّسَانِ تُذَاقُ الطُّعُومُ فَیُمَیِّزُ بَیْنَهَا وَ یَعْرِفُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا حُلْوَهَا مِنْ مُرِّهَا وَ حَامِضَهَا مِنْ مُزِّهَا وَ مَالِحَهَا مِنْ عَذْبِهَا وَ طَیِّبَهَا مِنْ خَبِیثِهَا وَ فِیهِ مَعَ ذَلِكَ مَعُونَةٌ عَلَی إِسَاغَةِ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ الْأَسْنَانُ تَمْضَغُ الطَّعَامَ حَتَّی تُلِینَ وَ یَسْهُلَ إِسَاغَتُهُ وَ هِیَ مَعَ ذَلِكَ كَالسَّنَدِ لِلشَّفَتَیْنِ تُمْسِكُهُمَا وَ تَدْعَمُهُمَا مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ (2)وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّكَ تَرَی مَنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ مُسْتَرْخِیَ الشَّفَةِ وَ مُضْطَرِبَهَا وَ بِالشَّفَتَیْنِ یَتَرَشَّفُ الشَّرَابَ (3) حَتَّی یَكُونَ الَّذِی یَصِلُ إِلَی الْجَوْفِ مِنْهُ بِقَصْدٍ وَ قَدْرٍ لَا یَثُجُّ ثَجّاً فَیَغَصَّ بِهِ الشَّارِبُ أَوْ یَنْكَأَ فِی الْجَوْفِ ثُمَّ هُمَا بَعْدَ ذَلِكَ كَالْبَابِ الْمُطْبَقِ عَلَی الْفَمِ یَفْتَحُهُمَا الْإِنْسَانُ إِذَا شَاءَ وَ یُطْبِقُهُمَا إِذَا شَاءَ فَفِیمَا وَصَفْنَا مِنْ هَذَا بَیَانُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ یَتَصَرَّفُ وَ یَنْقَسِمُ إِلَی وُجُوهٍ مِنَ الْمَنَافِعِ كَمَا تَتَصَرَّفُ الْأَدَاةُ الْوَاحِدَةُ فِی أَعْمَالٍ شَتَّی وَ ذَلِكَ كَالْفَأْسِ (4) یُسْتَعْمَلُ فِی النِّجَارَةِ (5)وَ الْحَفْرِ وَ غَیْرِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ وَ لَوْ رَأَیْتَ الدِّمَاغَ إِذَا كُشِفَ عَنْهُ لَرَأَیْتَهُ قَدْ لُفَّ بِحُجُبٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ لِتَصُونَهُ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَ تُمْسِكَهُ فَلَا یَضْطَرِبَ وَ لَرَأَیْتَ عَلَیْهِ الْجُمْجُمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَیْضَةِ كَیْمَا یَفُتَّهُ هَدُّ الصَّدْمَةِ وَ الصَّكَّةِ (6)الَّتِی رُبَّمَا وَقَعَتْ فِی الرَّأْسِ ثُمَّ قَدْ جُلِّلَتِ الْجُمْجُمَةُ بِالشَّعْرِ حَتَّی صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْوِ لِلرَّأْسِ (7) یَسْتُرُهُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ

ص: 72


1- و فی نسخة: لو حبس.
2- دعم الشی ء: أسنده لئلا یمیل.
3- رشّف الماء أی بالغ فی مصّه.
4- الفاس: آلة لقطع الخشب و غیره.
5- وزان الكتابة: حرفة النجار.
6- الصكة: الضرب الشدید أو اللطم.
7- الفرو: شی ء كالجبة یبطّن من جلود بعض الحیوانات كالارانب و السمور.

وَ الْبَرْدِ فَمَنْ حَصَّنَ الدِّمَاغَ هَذَا التَّحْصِینَ إِلَّا الَّذِی خَلَقَهُ وَ جَعَلَهُ یَنْبُوعَ الْحِسِّ وَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْحِیطَةِ وَ الصِّیَانَةِ بِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ مِنَ الْبَدَنِ وَ ارْتِفَاعِ دَرَجَتِهِ وَ خَطَرِ مَرْتَبَتِهِ.

بیان: المز: بین الحلو و الحامض. و الثج: السیلان. و الغصص: أن یقف الشی ء فی الحلق فلم یكد یسیغه و الجمجمة: عظم الرأس المشتمل علی الدماغ. و البیضة: هی التی توضع علی الرأس فی الحرب. و الفت: الكسر و هد البناء: كسره و ضعضعه و هدته المصیبة أی أوهنت ركنه و الحیطة بالكسر الحیاطة و الرعایة.

تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ الْجَفْنَ عَلَی الْعَیْنِ كَیْفَ جُعِلَ كَالْغِشَاءِ وَ الْأَشْفَارَ كَالْأَشْرَاجِ وَ أَوْلَجَهَا فِی هَذَا الْغَارِ وَ أَظَلَّهَا بِالْحِجَابِ وَ مَا عَلَیْهِ مِنَ الشَّعْرِ.

بیان: الجفن: غطاء العین من أعلی و أسفل. و الأشفار: هی حروف الأجفان التی علیها الشعر. و الأشراج: العری. و كأنه علیه السلام شبه الأشفار بالعری و الخیط المشدود بها فإن بهما ترفع الأستار و تسدل عند الحاجة إلیهما أو بالعری التی تكون فی العیبة من الأدم (1) و غیره یكون فیها خیط إذا شدت به یكون ما فی العیبة محفوظا مستورا و كلاهما مناسب و الأول أنسب بالغشاء قال الجزری فی حدیث الأحنف فأدخلت ثیاب صونی العیبة فأشرجتها یقال أشرجت العیبة و شرجتها إذا شددتها بالشرج و هی العری انتهی و أولجها یعنی أدخلها.

یَا مُفَضَّلُ مَنْ غَیَّبَ الْفُؤَادَ فِی جَوْفِ الصَّدْرِ وَ كَسَاهُ الْمِدْرَعَةَ الَّتِی هِیَ غِشَاؤُهُ وَ حَصَّنَهُ بِالْجَوَانِحِ وَ مَا عَلَیْهَا مِنَ اللَّحْمِ وَ الْعَصَبِ لِئَلَّا یَصِلَ إِلَیْهِ مَا یَنْكَؤُهُ مَنْ جَعَلَ فِی الْحَلْقِ مَنْفَذَیْنِ أَحَدُهُمَا لِمَخْرَجِ الصَّوْتِ وَ هُوَ الْحُلْقُومُ الْمُتَّصِلُ بِالرِّئَةِ وَ الْآخَرُ مَنْفَذُ الْغِذَاءِ وَ هُوَ الْمَرِی ءُ الْمُتَّصِلُ بِالْمَعِدَةِ الْمُوصِلُ الْغِذَاءِ إِلَیْهَا وَ جَعَلَ عَلَی الْحُلْقُومِ طَبَقاً یَمْنَعُ الطَّعَامَ أَنْ یَصِلَ إِلَی الرِّئَةِ فَیَقْتُلَ مَنْ جَعَلَ الرِّئَةَ مِرْوَحَةَ الْفُؤَادِ لَا تَفْتُرُ وَ لَا تُخِلُّ لِكَیْلَا تَتَحَیَّزَ الْحَرَارَةُ فِی الْفُؤَادِ فَتُؤَدِّیَ إِلَی التَّلَفِ مَنْ جَعَلَ لِمَنَافِذِ الْبَوْلِ وَ الْغَائِطِ أَشْرَاجاً تَضْبِطُهُمَا لِئَلَّا یَجْرِیَا جَرَیَاناً دَائِماً فَیَفْسُدَ عَلَی الْإِنْسَانِ عَیْشُهُ فَكَمْ عَسَی أَنْ یُحْصِیَ الْمُحْصِی مِنْ هَذَا بَلِ الَّذِی لَا یُحْصَی مِنْهُ وَ لَا یَعْلَمُهُ النَّاسُ أَكْثَرُ مَنْ جَعَلَ الْمَعِدَةَ عَصَبَانِیَّةً شَدِیدَةً وَ قَدَّرَهَا

ص: 73


1- العیبة الزنبیل من أدم. ما تجعل فیه الثیاب كالصندوق. الادم: الجلود المدبوغة.

لِهَضْمِ الطَّعَامِ الْغَلِیظِ وَ مَنْ جَعَلَ الْكَبِدَ رَقِیقَةً نَاعِمَةً لِقَبُولِ الصَّفْوِ اللَّطِیفِ مِنَ الْغِذَاءِ وَ لِتَهْضِمَ وَ تَعْمَلَ مَا هُوَ أَلْطَفُ مِنْ عَمَلِ الْمَعِدَةِ إِلَّا اللَّهُ الْقَادِرُ أَ تَرَی الْإِهْمَالَ یَأْتِی بِشَیْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ (1) كَلَّا بَلْ هُوَ تَدْبِیرٌ مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِیمٍ قَادِرٍ عَلِیمٍ بِالْأَشْیَاءِ قَبْلَ خَلْقِهِ إِیَّاهَا لَا یُعْجِزُهُ شَیْ ءٌ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ

تبیان: الجوانح: الأضلاع التی مما یلی الصدر و قوله علیه السلام: لا تخل من الإخلال بالشی ء بمعنی تركه و قوله تتحیّز إما من الحیز أی تسكن أو من قولهم تحیزت الحیة أی تلوت.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ لِمَ صَارَتِ الْمُخُّ الرَّقِیقُ مُحَصَّناً فِی أَنَابِیبِ الْعِظَامِ هَلْ ذَلِكَ إِلَّا لِیَحْفَظَهُ وَ یَصُونَهُ لِمَ صَارَ الدَّمُ السَّائِلُ مَحْصُوراً فِی الْعُرُوقِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ فِی الظُّرُوفِ إِلَّا لِتَضْبِطَهُ فَلَا یَفِیضَ لِمَ صَارَتِ الْأَظْفَارُ عَلَی أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إِلَّا وِقَایَةً لَهَا وَ مَعُونَةً عَلَی الْعَمَلِ لِمَ صَارَ دَاخِلُ الْأُذُنِ مُلْتَوِیاً كَهَیْئَةِ الْكَوْكَبِ (2) إِلَّا لِیَطَّرِدَ فِیهِ الصَّوْتُ حَتَّی یَنْتَهِیَ إِلَی السَّمْعِ وَ لِیَتَكَسَّرَ حُمَّةُ الرِّیحِ فَلَا یَنْكَأَ فِی السَّمْعِ لِمَ حَمَلَ الْإِنْسَانُ عَلَی فَخِذَیْهِ وَ أَلْیَتَیْهِ هَذَا اللَّحْمَ إِلَّا لِیَقِیَهُ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا یَتَأَلَّمُ مِنَ الْجُلُوسِ عَلَیْهِمَا كَمَا یَأْلَمُ مَنْ نَحَلَ جِسْمُهُ وَ قَلَّ لَحْمُهُ إِذَا لَمْ یَكُنْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْأَرْضِ حَائِلٌ یَقِیهِ صَلَابَتُهَا مَنْ جَعَلَ الْإِنْسَانَ ذَكَراً وَ أُنْثَی إِلَّا مَنْ خَلَقَهُ مُتَنَاسِلًا وَ مَنْ خَلَقَهُ مُتَنَاسِلًا إِلَّا مَنْ خَلَقَهُ مُؤَمِّلًا وَ مَنْ خَلَقَهُ مُؤَمِّلًا وَ مَنْ أَعْطَاهُ آلَاتِ الْعَمَلِ إِلَّا مَنْ خَلَقَهُ عَامِلًا وَ مَنْ خَلَقَهُ عَامِلًا إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ مُحْتَاجاً وَ مَنْ جَعَلَهُ مُحْتَاجاً إِلَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِالْحَاجَةِ وَ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْحَاجَةِ إِلَّا مَنْ تَوَكَّلَ بِتَقْوِیمِهِ مَنْ خَصَّهُ بِالْفَهْمِ إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ لَهُ الْجَزَاءَ وَ مَنْ وَهَبَ لَهُ الْحِیلَةَ إِلَّا مَنْ مَلَّكَهُ الْحَوْلَ وَ مَنْ مَلَّكَهُ الْحَوْلَ إِلَّا مَنْ أَلْزَمَهُ الْحُجَّةَ مَنْ یَكْفِیهِ مَا لَا تَبْلُغُهُ حِیلَتُهُ إِلَّا مَنْ لَمْ یَبْلُغْ مَدَی شُكْرِهِ فَكِّرْ وَ تَدَبَّرْ مَا وَصَفْتُهُ هَلْ تَجِدُ الْإِهْمَالَ عَلَی هَذَا النِّظَامِ وَ التَّرْتِیبِ تَبَارَكَ اللَّهُ عَمَّا یَصِفُونَ.

ص: 74


1- فی نسخة: أ تری من الاهمال یأتی بشی ء من ذلك.
2- أقول: فی بعض النسخ «اللولب» مكان الكوكب و هو آلة من خشب أو حدید ذات محور، ذی دوائر ناتئة، و هو الذكر، أو داخلة و هو الأنثی.

بیان: الكوكب: المحبس. و اطّرد الشی ء تبع بعضه بعضا و جری و قال الجوهری حمّة الحرّ معظمه و قوله علیه السلام: إلا من خلقه مؤمّلا إشارة إلی أن الأمل و الرجاء فی البقاء هو السبب لتحصیل النسل و لذا جعل الإنسان ذا أمل لبقاء نوعه قوله علیه السلام: إلا من ضربه بالحاجة أی سبّب له أسباب الاحتیاج و خلقه بحیث یحتاج قوله علیه السلام: إلا من توكّل بتقویمه أی تكفّل برفع حاجته و تقویم أوده و الحول القوّة.

أَصِفُ لَكَ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ الْفُؤَادَ اعْلَمْ أَنَّ فِیهِ ثُقَباً مُوَجَّهَةً نَحْوَ الثُّقَبِ الَّتِی فِی الرِّئَةِ تُرَوِّحُ عَنِ الْفُؤَادِ حَتَّی لَوِ اخْتَلَفَتْ تِلْكَ الثُّقَبُ وَ تَزَایَلَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ لَمَا وَصَلَ الرَّوْحُ إِلَی الْفُؤَادِ وَ لَهَلَكَ الْإِنْسَانُ أَ فَیَسْتَجِیزُ ذُو فِكْرٍ وَ رَوِیَّةٍ أَنْ یَزْعُمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا یَكُونُ بِالْإِهْمَالِ وَ لَا یَجِدُ شَاهِداً مِنْ نَفْسِهِ یَنْزِعُهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لَوْ رَأَیْتَ فَرْداً مِنْ مِصْرَاعَیْنِ فِیهِ كَلُّوبٌ أَ كُنْتَ تَتَوَهَّمُ أَنَّهُ جُعِلَ كَذَلِكَ بِلَا مَعْنًی بَلْ كُنْتَ تَعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّهُ مَصْنُوعٌ یَلْقَی فَرْداً آخَرَ فَتُبْرِزُهُ لِیَكُونَ فِی اجْتِمَاعِهِمَا ضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَ هَكَذَا تَجِدُ الذَّكَرَ مِنَ الْحَیَوَانِ كَأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ زَوْجٍ مُهَیَّأٌ (1)مِنْ فَرْدٍ أُنْثَی فَیَلْتَقِیَانِ لِمَا فِیهِ مِنْ دَوَامِ النَّسْلِ وَ بَقَائِهِ فَتَبّاً وَ خَیْبَةً وَ تَعْساً لِمُنْتَحِلِی الْفَلْسَفَةِ كَیْفَ عَمِیَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْخِلْقَةِ الْعَجِیبَةِ حَتَّی أَنْكَرُوا التَّدْبِیرَ وَ الْعَمْدَ فِیهَا لَوْ كَانَ فَرْجُ الرَّجُلِ مُسْتَرْخِیاً كَیْفَ كَانَ یَصِلُ إِلَی قَعْرِ الرَّحِمِ حَتَّی یُفْرِغَ النُّطْفَةَ فِیهِ وَ لَوْ كَانَ مُنْعَظاً أَبَداً كَیْفَ كَانَ الرَّجُلُ یَتَقَلَّبُ فِی الْفِرَاشِ أَوْ یَمْشِی بَیْنَ النَّاسِ وَ شَیْ ءٌ شَاخِصٌ أَمَامَهُ ثُمَّ یَكُونُ فِی ذَلِكَ مَعَ قُبْحِ الْمَنْظَرِ تَحْرِیكُ الشَّهْوَةِ فِی كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ جَمِیعاً فَقَدَّرَ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ أَنْ یَكُونَ أَكْثَرَ ذَلِكَ لَا یَبْدُو لِلْبَصَرِ فِی كُلِّ وَقْتٍ وَ لَا یَكُونُ عَلَی الرِّجَالِ مِنْهُ مَئُونَةٌ بَلْ جَعَلَ فِیهِ الْقُوَّةَ عَلَی الِانْتِصَابِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَی ذَلِكَ لِمَا قَدَّرَ أَنْ یَكُونَ فِیهِ دَوَامُ النَّسْلِ وَ بَقَاؤُهُ.

توضیح: قال الجوهری: وزعته أزعه وزعا: كففته (2) انتهی و الكلوب بالتشدید: حدیدة معوجة الرأس و فی بعض النسخ كلون و هو فارسی قوله علیه السلام: مهیأة فی بعض النسخ بالیاء فلفظة من تعلیلیة و فی بعضها بالنون فمن تعلیلیة أو

ص: 75


1- و فی نسخة: كأنّه فرد من زوج مهنأ.
2- لم نجد فی كلامه علیه السلام لفظة و زعته.

ابتدائیة أی إنما یتم عیشه بأنثی و علی التقدیرین یحتمل أن یكون بمعنی مع أن جوز استعماله فیه و قال الجوهری تبا لفلان تنصبه علی المصدر بإضمار فعل أی ألزمه اللّٰه هلاكا و خسرانا و قال التعس الهلاك یقال تعسا لفلان أی ألزمه اللّٰه هلاكا.

اعْتَبِرِ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ بِعَظِیمِ النِّعْمَةِ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی مَطْعَمِهِ وَ مَشْرَبِهِ وَ تَسْهِیلِ خُرُوجِ الْأَذَی أَ لَیْسَ مِنْ حُسْنِ التَّقْدِیرِ فِی بِنَاءِ الدَّارِ أَنْ یَكُونَ الْخَلَاءُ فِی أَسْتَرِ مَوْضِعٍ فِیهَا (1) فَكَذَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَنْفَذَ الْمُهَیَّأَ لِلْخَلَاءِ مِنَ الْإِنْسَانِ فِی أَسْتَرِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَلَمْ یَجْعَلْهُ بَارِزاً مِنْ خَلْفِهِ وَ لَا نَاشِراً مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ بَلْ هُوَ مُغَیَّبٌ فِی مَوْضِعٍ غَامِضٍ مِنَ الْبَدَنِ مَسْتُورٌ مَحْجُوبٌ یَلْتَقِی عَلَیْهِ الْفَخِذَانِ وَ تَحْجُبُهُ الْأَلْیَتَانِ بِمَا عَلَیْهِمَا مِنَ اللَّحْمِ فَیُوَارِیَانِهِ فَإِذَا احْتَاجَ الْإِنْسَانُ إِلَی الْخَلَاءِ وَ جَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ أَلْفَی ذَلِكَ الْمَنْفَذَ مِنْهُ مُنْصَبّاً مُهَیَّئاً لِانْحِدَارِ الثُّفْلِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ مَنْ تَظَاهَرَتْ آلَاؤُهُ وَ لَا تُحْصَی نَعْمَاؤُهُ.

بیان: ألفی أی وجد و قوله علیه السلام: منصبا إما من الانصباب كنایة عن التدلی أو من باب التفعیل من النصب قال الفیروزآبادی نصب الشی ء وضعه و رفعه ضد كنصبه فانتصب و تنصب.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی هَذِهِ الْطَوَاحِنِ الَّتِی جُعِلَتْ لِلْإِنْسَانِ فَبَعْضُهَا حُدَادٌ لِقَطْعِ الطَّعَامِ وَ قَرْضِهِ وَ بَعْضُهَا عُرَاضٌ لِمَضْغِهِ وَ رَضِّهِ (2) فَلَمْ یَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنَ الصِّفَتَیْنِ إِذْ كَانَ مُحْتَاجاً إِلَیْهِمَا جَمِیعاً تَأَمَّلْ وَ اعْتَبِرْ بِحُسْنِ التَّدْبِیرِ فِی خَلْقِ الشَّعْرِ وَ الْأَظْفَارِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مِمَّا یَطُولُ وَ یَكْثُرُ حَتَّی یُحْتَاجَ إِلَی تَخْفِیفِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا جُعِلَا عَدِیمَیِ الْحِسِّ لِئَلَّا یُؤْلِمَ الْإِنْسَانَ الْأَخْذُ مِنْهُمَا وَ لَوْ كَانَ قَصُّ الشَّعْرِ وَ تَقْلِیمُ الْأَظْفَارِ مِمَّا یُوجَدُ لَهُ مَسٌّ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ بَیْنَ مَكْرُوهَیْنِ إِمَّا أَنْ یَدَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّی یَطُولَ فَیَثْقُلَ عَلَیْهِ وَ إِمَّا أَنْ یُخَفِّفَهُ بِوَجَعٍ وَ أَلَمٍ یَتَأَلَّمُ مِنْهُ

ص: 76


1- و فی نسخة: فی أستر موضع منها.
2- رضّه: دقّه و جرشه.

قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ فَلِمَ لَمْ یَجْعَلْ ذَلِكَ خِلْقَةً لَا تَزِیدُ فَیَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إِلَی النُّقْصَانِ مِنْهُ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ فِی ذَلِكَ عَلَی الْعَبْدِ نِعَماً لَا یَعْرِفُهَا فَیَحْمَدَ عَلَیْهَا اعْلَمْ أَنَّ آلَامَ الْبَدَنِ وَ أَدْوَاءَهُ تَخْرُجُ بِخُرُوجِ الشَّعْرِ فِی مَسَامِّهِ (1) وَ بِخُرُوجِ الْأَظْفَارِ مِنْ أَنَامِلِهَا وَ لِذَلِكَ أُمِرَ الْإِنْسَانُ بِالنُّورَةِ وَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَ قَصِّ الْأَظْفَارِ فِی كُلِّ أُسْبُوعٍ لِیُسْرِعَ الشَّعْرُ وَ الْأَظْفَارُ فِی النَّبَاتِ فَتَخْرُجَ الْآلَامُ وَ الْأَدْوَاءُ بِخُرُوجِهَا وَ إِذَا طَالا تَحَیَّرَا وَ قَلَّ خُرُوجُهُمَا فَاحْتُبِسَتِ الْآلَامُ وَ الْأَدْوَاءُ فِی الْبَدَنِ فَأَحْدَثَتْ عِلَلًا وَ أَوْجَاعاً وَ مَنَعَ مَعَ ذَلِكَ الشَّعْرَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِی یُضِرُّ بِالْإِنْسَانِ وَ یُحْدِثُ عَلَیْهِ الْفَسَادَ وَ الضَّرَرَ لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ فِی الْعَیْنِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَعْمَی الْبَصَرُ وَ لَوْ نَبَتَ فِی الْفَمِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَغَصُّ عَلَی الْإِنْسَانِ طَعَامَهُ وَ شَرَابَهُ وَ لَوْ نَبَتَ فِی بَاطِنِ الْكَفِّ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَعُوقُهُ عَنْ صِحَّةِ اللَّمْسِ وَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ فَلَوْ نَبَتَ فِی فَرْجِ الْمَرْأَةِ أَوْ عَلَی ذَكَرِ الرَّجُلِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیُفْسِدُ عَلَیْهِمَا لَذَّةَ الْجِمَاعِ فَانْظُرْ كَیْفَ تَنَكَّبَ الشَّعْرُ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لِمَا فِی ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ ثُمَّ لَیْسَ هَذَا فِی الْإِنْسَانِ فَقَطْ بَلْ تَجِدُهُ فِی الْبَهَائِمِ وَ السِّبَاعِ وَ سَائِرِ الْمُتَنَاسِلاتِ فَإِنَّكَ تَرَی أَجْسَامَهُنَّ مُجَلَّلَةً بِالشَّعْرِ وَ تَرَی هَذِهِ الْمَوَاضِعَ خَالِیَةً مِنْهُ لِهَذَا السَّبَبِ بِعَیْنِهِ فَتَأَمَّلِ الْخِلْقَةَ كَیْفَ تَتَحَرَّزُ وُجُوهَ الْخَطَإِ وَ الْمَضَرَّةِ وَ تَأْتِی بِالصَّوَابِ وَ الْمَنْفَعَةِ إِنَّ الْمَنَّانِیَّةَ (2)وَ أَشْبَاهَهُمْ حِینَ اجْتَهَدُوا فِی عَیْبِ الْخِلْقَةِ وَ الْعَمْدِ عَابُوا الشَّعْرَ النَّابِتَ عَلَی الرَّكَبِ وَ الْإِبْطَیْنِ (3) وَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ رُطُوبَةٍ تَنْصَبُّ إِلَی هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَیَنْبُتُ فِیهَا الشَّعْرُ كَمَا یَنْبُتُ الْعُشْبُ فِی مُسْتَنْقَعِ الْمِیَاهِ أَ فَلَا تَرَی إِلَی هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَسْتَرَ وَ أَهْیَأَ لِقَبُولِ تِلْكَ الْفَضْلَةِ مِنْ غَیْرِهَا ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ تُعَدُّ 9(4)مِمَّا یَحْمِلُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَئُونَةِ هَذَا الْبَدَنِ وَ تَكَالِیفِهِ لِمَا لَهُ فِی ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنَّ اهْتِمَامَهُ بِتَنْظِیفِ بَدَنِهِ وَ أَخْذِ مَا یَعْلُوهُ مِنَ الشَّعْرِ مِمَّا یَكْسِرُ بِهِ شِرَّتَهُ وَ یَكُفُّ عَادِیَتَهُ وَ یَشْغَلُهُ عَنْ بَعْضِ مَا یُخْرِجُهُ إِلَیْهِ الْفَرَاغُ مِنَ الْأَشَرِ وَ الْبِطَالَةِ تَأَمَّلِ الرِّیقَ وَ مَا فِیهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ جُعِلَ یَجْرِی جَرَیَاناً دَائِماً إِلَی الْفَمِ لِیَبُلَّ الْحَلْقَ وَ اللَّهَوَاتِ فَلَا یَجِفَ

ص: 77


1- المسامة: ثقبة و منافذ كمنابت الشعر.
2- و فی نسخة: المانویة.
3- الابطین: باطن الكتفین.
4- و فی نسخة بعد.

فَإِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَوْ جُعِلَتْ كَذَلِكَ كَانَ فِیهِ هَلَاكُ الْإِنْسَانِ ثُمَّ كَانَ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یُسِیغَ طَعَاماً إِذَا لَمْ یَكُنْ فِی الْفَمِ بِلَّةٌ تُنْفِذُهُ تَشْهَدُ بِذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ وَ اعْلَمْ أَنَّ الرُّطُوبَةَ مَطِیَّةُ الْغِذَاءِ وَ قَدْ تَجْرِی مِنْ هَذِهِ الْبِلَّةِ إِلَی مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْمِرَّةِ فَیَكُونُ فِی ذَلِكَ صَلَاحٌ تَامٌّ لِلْإِنْسَانِ وَ لَوْ یَبِسَتِ الْمِرَّةُ لَهَلَكَ الْإِنْسَانُ وَ لَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ جَهَلَةِ الْمُتَكَلِّمِینَ وَ ضَعَفَةِ الْمُتَفَلْسِفِینَ بِقِلَّةِ التَّمَیُّزِ وَ قُصُورِ الْعِلْمِ لَوْ كَانَ بَطْنُ الْإِنْسَانِ كَهَیْئَةِ الْقَبَاءِ یَفْتَحُهُ الطَّبِیبُ إِذَا شَاءَ فَیُعَایِنُ مَا فِیهِ وَ یُدْخِلُ یَدَهُ فَیُعَالِجُ مَا أَرَادَ عِلَاجَهُ أَ لَمْ یَكُنْ أَصْلَحَ مِنْ أَنْ یَكُونَ مُصْمَتاً مَحْجُوباً عَنِ الْبَصَرِ وَ الْیَدِ لَا یُعْرَفُ مَا فِیهِ إِلَّا بِدَلَالاتٍ غَامِضَةٍ كَمِثْلِ النَّظَرِ إِلَی الْبَوْلِ وَ حِسِّ الْعِرْقِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا یَكْثُرُ فِیهِ الْغَلَطُ وَ الشُّبْهَةُ حَتَّی رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَباً لِلْمَوْتِ فَلَوْ عَلِمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ هَكَذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فِیهِ أَنَّهُ كَانَ یَسْقُطُ عَنِ الْإِنْسَانِ الْوَجَلُ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَ الْمَوْتِ وَ كَانَ یَسْتَشْعِرُ الْبَقَاءَ وَ یَغْتَرُّ بِالسَّلَامَةِ فَیُخْرِجُهُ ذَلِكَ إِلَی الْعُتُوِّ وَ الْأَشَرِ ثُمَّ كَانَتِ الرُّطُوبَاتُ الَّتِی فِی الْبَطْنِ تَتَرَشَّحُ وَ تَتَحَلَّبُ فَیُفْسِدُ عَلَی الْإِنْسَانِ مَقْعَدَهُ وَ مَرْقَدَهُ وَ ثِیَابَ بِذْلَتِهِ وَ زِینَتِهِ بَلْ كَانَ یُفْسِدُ عَلَیْهِ عَیْشَهُ ثُمَّ إِنَّ الْمَعِدَةَ وَ الْكَبِدَ وَ الْفُؤَادَ إِنَّمَا تَفْعَلُ أَفْعَالَهَا بِالْحَرَارَةِ الْغَرِیزِیَّةِ الَّتِی جَعَلَهَا اللَّهُ مُحْتَبِسَةً فِی الْجَوْفِ فَلَوْ كَانَ فِی الْبَطْنِ فَرْجٌ یَنْفَتِحُ حَتَّی یَصِلَ الْبَصَرُ إِلَی رُؤْیَتِهِ وَ الْیَدُ إِلَی عِلَاجِهِ لَوَصَلَ بَرْدُ الْهَوَاءِ إِلَی الْجَوْفِ فَمَازَجَ الْحَرَارَةَ الْغَرِیزِیَّةَ وَ بَطَلَ عَمَلُ الْأَحْشَاءِ فَكَانَ فِی ذَلِكَ هَلَاكُ الْإِنْسَانِ أَ فَلَا تَرَی أَنَّ كُلَّ مَا تَذْهَبُ إِلَیْهِ الْأَوْهَامُ سِوَی مَا جَاءَتْ بِهِ الْخِلْقَةُ خَطَأٌ وَ خَطَلٌ.

إیضاح: الركب بالتحریك منبت العانة و مستنقع الماء بالفتح: مجتمعه. و شرة الشباب بالكسر: حرصه و نشاطه. و العادیة: الظلم و الشرّ. و الأشر بالتحریك: البطر و شدة الفرح. و اللّٰهوات جمع لهات و هی اللحمة فی سقف أقصی الفم و قوله علیه السلام: من المرة بیان لموضع آخر. و عتا عتوا: استكبر و جاوز الحد. و یقال تحلب العرق أی سال. و الخطل: المنطق الفاسد المضطرب.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الْأَفْعَالِ الَّتِی جُعِلَتْ فِی الْإِنْسَانِ مِنَ الطَّعْمِ وَ النَّوْمِ وَ الْجِمَاعِ وَ مَا دُبِّرَ فِیهَا فَإِنَّهُ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِی الطِّبَاعِ نَفْسِهِ مُحَرِّكٌ یَقْتَضِیهِ وَ یَسْتَحِثُّ بِهِ

ص: 78

فَالْجُوعُ یَقْتَضِی الطَّعْمَ الَّذِی بِهِ حَیَاةُ الْبَدَنِ وَ قِوَامُهُ وَ الْكَرَی تَقْتَضِی النَّوْمَ الَّذِی فِیهِ رَاحَةُ الْبَدَنِ وَ إِجْمَامُ قُوَاهُ وَ الشَّبَقُ یَقْتَضِی الْجِمَاعَ الَّذِی فِیهِ دَوَامُ النَّسْلِ وَ بَقَاؤُهُ وَ لَوْ كَانَ الْإِنْسَانُ إِنَّمَا یَصِیرُ إِلَی أَكْلِ الطَّعَامِ لِمَعْرِفَتِهِ بِحَاجَةِ بَدَنِهِ إِلَیْهِ وَ لَمْ یَجِدْ مِنْ طِبَاعِهِ شَیْئاً یَضْطَرُّهُ إِلَی ذَلِكَ كَانَ خَلِیقاً أَنْ یَتَوَانَی عَنْهُ أَحْیَاناً بِالتَّثَقُّلِ وَ الْكَسَلِ حَتَّی یَنْحَلَ بَدَنُهُ فَیَهْلِكَ كَمَا یَحْتَاجُ الْوَاحِدُ إِلَی الدَّوَاءِ بِشَیْ ءٍ مِمَّا یَصْلُحُ بِبَدَنِهِ فَیُدَافِعُ بِهِ حَتَّی یُؤَدِّیَهُ ذَلِكَ إِلَی الْمَرَضِ وَ الْمَوْتِ وَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ إِنَّمَا یَصِیرُ إِلَی النَّوْمِ بِالتَّفَكُّرِ فِی حَاجَتِهِ إِلَی رَاحَةِ الْبَدَنِ وَ إِجْمَامِ قُوَاهُ كَانَ عَسَی أَنْ یَتَثَاقَلَ عَنْ ذَلِكَ فَیَدْمَغُهُ حَتَّی یَنْهَكَ بَدَنَهُ وَ لَوْ كَانَ إِنَّمَا یَتَحَرَّكُ لِلْجِمَاعِ بِالرَّغْبَةِ فِی الْوَلَدِ كَانَ غَیْرَ بَعِیدٍ أَنْ یَفْتُرَ عَنْهُ حَتَّی یَقِلَّ النَّسْلُ أَوْ یَنْقَطِعَ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا یَرْغَبُ فِی الْوَلَدِ وَ لَا یَحْفِلُ بِهِ فَانْظُرْ كَیْفَ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الَّتِی بِهَا قِوَامُ الْإِنْسَانِ وَ صَلَاحُهُ مُحَرِّكٌ مِنْ نَفْسِ الطَّبْعِ یُحَرِّكُهُ لِذَلِكَ وَ یَحْدُوهُ عَلَیْهِ (1)وَ اعْلَمْ أَنَّ فِی الْإِنْسَانِ قُوًی أَرْبَعاً قُوَّةٌ جَاذِبَةٌ تَقْبَلُ الْغِذَاءَ وَ تُورِدُهُ عَلَی الْمَعِدَةِ وَ قُوَّةٌ مُمْسِكَةٌ تَحْبِسُ الطَّعَامَ حَتَّی تَفْعَلَ فِیهِ الطَّبِیعَةُ فِعْلَهَا وَ قُوَّةٌ هَاضِمَةٌ وَ هِیَ الَّتِی تَطْبُخُهُ (2) وَ تَسْتَخْرِجُ صَفْوَهُ وَ تَبُثُّهُ فِی الْبَدَنِ وَ قُوَّةٌ دَافِعَةٌ تَدْفَعُهُ وَ تَحْدُرُ الثُّفْلَ الْفَاضِلَ بَعْدَ أَخْذِ الْهَاضِمَةِ حَاجَتَهَا تَفَكَّرْ فِی تَقْدِیرِ هَذِهِ الْقُوَی الْأَرْبَعَةِ الَّتِی فِی الْبَدَنِ وَ أَفْعَالِهَا وَ تَقْدِیرِهَا لِلْحَاجَةِ إِلَیْهَا وَ الْإِرْبِ فِیهَا وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ الْحِكْمَةِ وَ لَوْ لَا الْجَاذِبَةُ كَیْفَ یَتَحَرَّكُ الْإِنْسَانُ لِطَلَبِ الْغِذَاءِ الَّتِی بِهَا قِوَامُ الْبَدَنِ وَ لَوْ لَا الْمَاسِكَةُ كَیْفَ كَانَ یَلْبَثُ الطَّعَامُ فِی الْجَوْفِ حَتَّی تَهْضِمَهُ الْمَعِدَةُ وَ لَوْ لَا الْهَاضِمَةُ كَیْفَ كَانَ یَنْطَبِخُ حَتَّی یَخْلُصَ مِنْهُ الصَّفْوُ الَّذِی یَغْذُو الْبَدَنَ وَ یَسُدُّ خُلَلَهُ وَ لَوْ لَا الدَّافِعَةُ كَیْفَ كَانَ الثُّفْلُ الَّذِی تُخَلِّفُهُ الْهَاضِمَةُ یَنْدَفِعُ وَ یَخْرُجُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ وَكَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِلَطِیفِ صُنْعِهِ وَ حُسْنِ تَقْدِیرِهِ هَذِهِ الْقُوَی بِالْبَدَنِ وَ الْقِیَامِ بِمَا فِیهِ صَلَاحُهُ وَ سَأُمَثِّلُ لَكَ فِی ذَلِكَ مِثَالًا إِنَّ الْبَدَنَ بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْمَلِكِ وَ لَهُ فِیهَا حَشَمٌ وَ صِبْیَةٌ وَ قُوَّامٌ مُوَكَّلُونَ بِالدَّارِ فَوَاحِدٌ لِإِقْضَاءِ حَوَائِجِ الْحَشَمِ وَ إِیرَادِهَا عَلَیْهِمْ وَ آخَرُ لِقَبْضِ مَا یَرِدُ وَ خَزْنِهِ إِلَی أَنْ یُعَالَجَ

ص: 79


1- أی یبعثه و یسوقه إلیه.
2- و فی نسخة: و هی التی تطحنه.

وَ یُهَیَّأَ وَ آخَرُ لِعِلَاجِ ذَلِكَ وَ تَهْیِئَتِهِ وَ تَفْرِیقِهِ وَ آخَرُ لِتَنْظِیفِ مَا فِی الدَّارِ مِنَ الْأَقْذَارِ وَ إِخْرَاجِهِ مِنْهَا فَالْمَلِكُ فِی هَذَا هُوَ الْخَلَّاقُ الْحَكِیمُ مَلِكُ الْعَالَمِینَ وَ الدَّارُ هِیَ الْبَدَنُ وَ الْحَشَمُ هِیَ الْأَعْضَاءِ وَ الْقُوَّامُ هِیَ هَذِهِ الْقُوَی الْأَرْبَعُ وَ لَعَلَّكَ تَرَی ذِكْرَنَا هَذِهِ الْقُوَی الْأَرْبَعَ وَ أَفْعَالَهَا بَعْدَ الَّذِی وُصِفَتْ فَضْلًا وَ تَزْدَاداً وَ لَیْسَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْقُوَی عَلَی الْجِهَةِ الَّتِی ذُكِرَتْ فِی كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ وَ لَا قَوْلُنَا فِیهِ كَقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوهَا عَلَی مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ فِی صِنَاعَةِ الطِّبِّ وَ تَصْحِیحِ الْأَبْدَانِ وَ ذَكَرْنَاهَا عَلَی مَا یَحْتَاجُ فِی صَلَاحِ الدِّینِ وَ شِفَاءِ النُّفُوسِ مِنَ الْغَیِّ كَالَّذِی أَوْضَحْتُهُ بِالْوَصْفِ الشَّافِی وَ الْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ الْحِكْمَةِ فِیهَا.

تبیان: الطعم بالضم الأكل و الكرا: السهر. و الجمام بالفتح: الراحة. یقال جمّ الفرس جمّا و جماما إذا ذهب إعیاؤه. و الشبق بالتحریك: شدّة شهوة الجماع. و توانی فی حاجته أی قصّر و لا یحفل به أی لا یبالی به و تحدر الثفل كتنصر أی ترسل و قوله علیه السلام: و لو لا الجاذبة یدلّ علی أن لها مدخلا فی شهوة الطعام و قوله علیه السلام: خلله كأنه بالضم جمع الخلة و هی الحاجة أو بالكسر أی الخلال و الفرج التی حصلت فی البدن بتحلّل الرطوبات قوله علیه السلام: و لعلك تری یحتمل أن یكون الغرض دفع توهّم السائل كون ذكر التمثیل بعد ذكر القوی و منافعها علی الوجه الذی ذكره الأطباء و اكتفوا به إطنابا و تكرارا و حاصله أن الأطباء إنما ذكروها علی ما یحتاجون إلیه فی صناعتهم من ذكر أفعال تلك القوی و سبب تعطلها و لذا لم یحتاجوا إلی ذكر ما أوردنا من التمثیل و نحن إنما ذكرنا هذا التمثیل لتتضح دلالتها علی صانعها و مدبرها إذ هذه مقصودنا من ذكرها و یحتمل أن یكون الغرض رفع توهم أن ذكره هذه القوی بعد كونها مذكورة فی كتب الأطباء فضل لا حاجة إلیه بأن الغرض مختلف فی بیاننا و بیانهم و بذلك یختلف التقریر أیضا فلذا ذكرنا هاهنا بهذا التقریر الشافی فالضمیر فی قوله وصفت علی بناء المجهول راجع إلی القوی و العائد محذوف أی وصفت به لكنه بعید.

تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ هَذِهِ الْقُوَی الَّتِی فِی النَّفْسِ وَ مَوْقِعَهَا مِنَ الْإِنْسَانِ أَعْنِی الْفِكْرَ وَ الْوَهْمَ وَ الْعَقْلَ وَ الْحِفْظَ وَ غَیْرَ ذَلِكَ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ نُقِصَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَذِهِ الْخِلَالِ الْحِفْظَ

ص: 80

وَحْدَهُ كَیْفَ كَانَتْ تَكُونُ حَالُهُ وَ كَمْ مِنْ خَلَلٍ كَانَ یَدْخُلُ عَلَیْهِ فِی أُمُورِهِ وَ مَعَاشِهِ وَ تَجَارِبِهِ إِذَا لَمْ یَحْفَظْ مَا لَهُ وَ عَلَیْهِ وَ مَا أَخَذَهُ وَ مَا أَعْطَی وَ مَا رَأَی وَ مَا سَمِعَ وَ مَا قَالَ وَ مَا قِیلَ لَهُ وَ لَمْ یَذْكُرْ مَنْ أَحْسَنَ إِلَیْهِ مِمَّنْ أَسَاءَ بِهِ وَ مَا نَفَعَهُ مِمَّا ضَرَّهُ ثُمَّ كَانَ لَا یَهْتَدِی لِطَرِیقٍ لَوْ سَلَكَهُ مَا لَا یُحْصَی وَ لَا یَحْفَظُ عِلْماً وَ لَوْ دَرَسَهُ عُمُرَهُ وَ لَا یَعْتَقِدُ دِیناً وَ لَا یَنْتَفِعُ بِتَجْرِبَةٍ وَ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یَعْتَبِرَ شَیْئاً عَلَی مَا مَضَی بَلْ كَانَ حَقِیقاً أَنْ یَنْسَلِخَ مِنَ الْإِنْسَانِیَّةِ أَصْلًا فَانْظُرْ إِلَی النِّعْمَةِ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی هَذِهِ الْخِلَالِ وَ كَیْفَ مَوْقِعُ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا دُونَ الْجَمِیعِ وَ أَعْظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی الْحِفْظِ النِّعْمَةُ فِی النِّسْیَانِ فَإِنَّهُ لَوْ لَا النِّسْیَانُ لَمَا سَلَا أَحَدٌ عَنْ مُصِیبَةٍ وَ لَا انْقَضَتْ لَهُ حَسْرَةٌ وَ لَا مَاتَ لَهُ حِقْدٌ وَ لَا اسْتَمْتَعَ بِشَیْ ءٍ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْیَا مَعَ تَذَكُّرِ الْآفَاتِ وَ لَا رَجَا غَفْلَةً مِنْ سُلْطَانٍ وَ لَا فَتْرَةً مِنْ حَاسِدٍ أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ جُعِلَ فِی الْإِنْسَانِ الْحِفْظُ وَ النِّسْیَانُ وَ هُمَا مُخْتَلِفَانِ مُتَضَادَّانِ وَ جُعِلَ لَهُ فِی كُلٍّ مِنْهُمَا ضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَ مَا عَسَی أَنْ یَقُولَ الَّذِینَ قَسَّمُوا الْأَشْیَاءَ بَیْنَ خَالِقَیْنِ مُتَضَادَّیْنِ فِی هَذِهِ الْأَشْیَاءِ الْمُتَضَادَّةِ الْمُتَبَایَنَةِ وَ قَدْ تَرَاهَا تَجْتَمِعُ عَلَی مَا فِیهِ الصَّلَاحُ وَ الْمَنْفَعَةُ.

بیان: دون الجمیع أی فضلا عن الجمیع و یقال سلا عنه أی نسیه و قد مضی منا ما یمكن أن یستعمل فی فهم آخر الكلام فی موضعین فتذكر.

انْظُرْ یَا مُفَضَّلُ إِلَی مَا خُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ دُونَ جَمِیعِ الْحَیَوَانِ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ الْجَلِیلُ قَدْرُهُ الْعَظِیمُ غَنَاؤُهُ أَعْنِی الْحَیَاءَ فَلَوْلَاهُ لَمْ یُقْرَ ضَیْفٌ وَ لَمْ یُوَفَّ بِالْعِدَاتِ وَ لَمْ تُقْضَ الْحَوَائِجُ وَ لَمْ یُتَحَرَّ الْجَمِیلُ (1) وَ لَمْ یَتَنَكَّبِ الْقَبِیحُ فِی شَیْ ءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ حَتَّی إِنَّ كَثِیراً مِنَ الْأُمُورِ الْمُفْتَرَضَةِ أَیْضاً إِنَّمَا یُفْعَلُ لِلْحَیَاءِ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَوْ لَا الْحَیَاءُ لَمْ یَرْعَ حَقَّ وَالِدَیْهِ وَ لَمْ یَصِلْ ذَا رَحِمٍ وَ لَمْ یُؤَدِّ أَمَانَةً وَ لَمْ یَعِفَّ عَنْ فَاحِشَةٍ (2) فَلَا تَرَی كَیْفَ وُفِّیَ لِلْإِنْسَانِ جَمِیعُ الْخِلَالِ الَّتِی فِیهَا صَلَاحُهُ وَ تَمَامُ أَمْرِهِ.

بیان: إقراء الضیف: ضیافتهم و إكرامهم. و التنكّب: التجنّب. و وفی علی بناء المجهول من التوفیة و هی إعطاء الشی ء وافیا.

ص: 81


1- تحرّی: طلب ما هو أحری بالاستعمال فی غالب الظنّ: أو طلب أحری الامرین أی أولاهما.
2- أی لم یكف و لم یمتنع عن فاحشة.

تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ بِهِ عَلَی الْإِنْسَانِ مِنْ هَذَا النُّطْقِ الَّذِی یُعَبِّرُ بِهِ عَمَّا فِی ضَمِیرِهِ وَ مَا یَخْطُرُ بِقَلْبِهِ وَ نَتِیجَةِ فِكْرِهِ وَ بِهِ یَفْهَمُ عَنْ غَیْرِهِ مَا فِی نَفْسِهِ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِی لَا تُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهَا بِشَیْ ءٍ وَ لَا تَفْهَمُ عَنْ مُخْبِرٍ شَیْئاً وَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ الَّتِی بِهَا تُقَیَّدُ أَخْبَارُ الْمَاضِینَ لِلْبَاقِینَ وَ أَخْبَارُ الْبَاقِینَ لِلْآتِینَ وَ بِهَا تُخَلَّدُ الْكُتُبُ فِی الْعُلُومِ وَ الْآدَابِ وَ غَیْرِهَا وَ بِهَا یَحْفَظُ الْإِنْسَانُ ذِكْرَ مَا یَجْرِی بَیْنَهُ وَ بَیْنَ غَیْرِهِ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ وَ الْحِسَابِ وَ لَوْلَاهُ لَانْقَطَعَ أَخْبَارُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَنْ بَعْضٍ وَ أَخْبَارُ الْغَائِبِینَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَ دَرَسَتِ الْعُلُومُ (1)وَ ضَاعَتِ الْآدَابُ وَ عَظُمَ مَا یَدْخُلُ عَلَی النَّاسِ مِنَ الْخَلَلِ فِی أُمُورِهِمْ وَ مُعَامَلَاتِهِمْ وَ مَا یَحْتَاجُونَ إِلَی النَّظَرِ فِیهِ مِنْ أَمْرِ دِینِهِمْ وَ مَا رُوِیَ لَهُمْ مِمَّا لَا یَسَعُهُمْ جَهْلُهُ وَ لَعَلَّكَ تَظُنُّ أَنَّهَا مِمَّا یُخْلَصُ إِلَیْهِ بِالْحِیلَةِ وَ الْفِطْنَةِ وَ لَیْسَتْ مِمَّا أُعْطِیَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ خَلْقِهِ وَ طِبَاعِهِ وَ كَذَلِكَ الْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ شَیْ ءٌ یَصْطَلِحُ عَلَیْهِ النَّاسُ فَیَجْرِی بَیْنَهُمْ وَ لِهَذَا صَارَ یَخْتَلِفُ فِی الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَلْسُنٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ كَكِتَابَةِ الْعَرَبِیِّ وَ السِّرْیَانِیِّ وَ الْعِبْرَانِیِّ وَ الرُّومِیِّ وَ غَیْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْكِتَابَةِ الَّتِی هِیَ مُتَفَرِّقَةٌ فِی الْأُمَمِ إِنَّمَا اصْطَلَحُوا عَلَیْهَا كَمَا اصْطَلَحُوا عَلَی الْكَلَامِ فَیُقَالُ لِمَنْ ادَّعَی ذَلِكَ إِنَّ الْإِنْسَانَ وَ إِنْ كَانَ لَهُ فِی الْأَمْرَیْنِ جَمِیعاً فِعْلٌ أَوْ حِیلَةٌ فَإِنَّ الشَّیْ ءَ الَّذِی یَبْلُغُ بِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَ الْحِیلَةَ عَطِیَّةٌ وَ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی خَلْقِهِ(2) فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ یَكُنْ لِسَانٌ مُهَیَّأٌ لِلْكَلَامِ وَ ذِهْنٌ یَهْتَدِی بِهِ لِلْأُمُورِ لَمْ یَكُنْ لِیَتَكَلَّمَ أَبَداً وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ لَهُ كَفٌّ مُهَیَّأَةٌ وَ أَصَابِعُ لِلْكِتَابَةِ لَمْ یَكُنْ لِیَكْتُبَ أَبَداً وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِی لَا كَلَامَ لَهَا وَ لَا كِتَابَةَ فَأَصْلُ ذَلِكَ فِطْرَةُ الْبَارِئِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَی خَلْقِهِ فَمَنْ شَكَرَ أُثِیبَ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ

بیان: كلامه هاهنا مشعر بأن واضع اللغات البشر فتدبّر (3).

ذَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ (4) فِیمَا أُعْطِیَ الْإِنْسَانُ عِلْمَهُ وَ مَا مُنِعَ فَإِنَّهُ أُعْطِیَ عِلْمَ جَمِیعِ مَا فِیهِ

ص: 82


1- أی ذهب أثرها و انمحی.
2- و فی نسخة: فی خلقته.
3- و فی نسخة: فی خلقته.
4- و فی نسخة فكر یا مفضل.

صَلَاحُ دِینِهِ وَ دُنْیَاهُ فَمِمَّا فِیهِ صَلَاحُ دِینِهِ مَعْرِفَةُ الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِالدَّلَائِلِ وَ الشَّوَاهِدِ الْقَائِمَةِ فِی الْخَلْقِ وَ مَعْرِفَةُ الْوَاجِبِ عَلَیْهِ مِنَ الْعَدْلِ عَلَی النَّاسِ كَافَّةً وَ بِرِّ الْوَالِدَیْنِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ مُوَاسَاةِ أَهْلِ الْخُلَّةِ وَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تُوجَدُ مَعْرِفَتُهُ وَ الْإِقْرَارُ وَ الِاعْتِرَافُ بِهِ فِی الطَّبْعِ وَ الْفِطْرَةِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ مُوَافِقَةً أَوْ مُخَالِفَةً وَ كَذَلِكَ أُعْطِیَ عِلْمَ مَا فِیهِ صَلَاحُ دُنْیَاهُ كَالزِّرَاعَةِ وَ الْغِرَاسِ (1) وَ اسْتِخْرَاجِ الْأَرَضِینَ وَ اقْتِنَاءِ الْأَغْنَامِ وَ الْأَنْعَامِ وَ اسْتِنْبَاطِ الْمِیَاهِ(2) وَ مَعْرِفَةِ الْعَقَاقِیرِ(3) الَّتِی یُسْتَشْفَی بِهَا مِنْ ضُرُوبِ الْأَسْقَامِ وَ الْمَعَادِنِ الَّتِی یُسْتَخْرَجُ مِنْهَا أَنْوَاعُ الْجَوَاهِرِ وَ رُكُوبِ السُّفُنِ وَ الْغَوْصِ فِی الْبَحْرِ وَ ضُرُوبِ الْحِیَلِ فِی صَیْدِ الْوَحْشِ وَ الطَّیْرِ وَ الْحِیتَانِ وَ التَّصَرُّفِ فِی الصِّنَاعَاتِ وَ وُجُوهِ الْمَتَاجِرِ وَ الْمَكَاسِبِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا یَطُولُ شَرْحُهُ وَ یَكْثُرُ تَعْدَادُهُ مِمَّا فِیهِ صَلَاحُ أَمْرِهِ فِی هَذِهِ الدَّارِ فَأُعْطِیَ عِلْمَ مَا یُصْلِحُ بِهِ دِینَهُ وَ دُنْیَاهُ وَ مُنِعَ مَا سِوَی ذَلِكَ مِمَّا لَیْسَ فِی شَأْنِهِ وَ لَا طَاقَتِهِ أَنْ یَعْلَمَ كَعِلْمِ الْغَیْبِ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ وَ بَعْضُ مَا قَدْ كَانَ أَیْضاً كَعِلْمِ مَا فَوْقَ السَّمَاءِ وَ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَ مَا فِی لُجَجِ الْبِحَارِ (4)وَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ وَ مَا فِی قُلُوبِ النَّاسِ وَ مَا فِی الْأَرْحَامِ وَ أَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا حُجِبَ عَلَی النَّاسِ عِلْمُهُ وَ قَدِ ادَّعَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ هَذِهِ الْأُمُورَ فَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمْ مَا بُیِّنَ مِنْ خَطَائِهِمْ (5)فِیمَا یَقْضُونَ عَلَیْهِ وَ یَحْكُمُونَ بِهِ فِیمَا ادَّعَوْا عِلْمَهُ فَانْظُرْ كَیْفَ أُعْطِیَ الْإِنْسَانُ عِلْمَ جَمِیعِ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ لِدِینِهِ وَ دُنْیَاهُ وَ حُجِبَ عَنْهُ مَا سِوَی ذَلِكَ لِیَعْرِفَ قَدْرَهُ وَ نَقْصَهُ وَ كِلَا الْأَمْرَیْنِ فِیهِمَا صَلَاحُهُ تَأَمَّلِ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ مَا سُتِرَ عَنِ الْإِنْسَانِ عِلْمُهُ مِنْ مُدَّةِ حَیَاتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ عَرَفَ مِقْدَارَ عُمُرِهِ وَ كَانَ قَصِیرَ الْعُمُرِ لَمْ یَتَهَنَّأْ بِالْعَیْشِ مَعَ تَرَقُّبِ الْمَوْتِ وَ تَوَقُّعِهِ لِوَقْتٍ قَدْ عَرَفَهُ

ص: 83


1- الغراس جمع المغروس: ما یغرس من الشجر.
2- أی استخرجها.
3- جمع للعقار: ما یتداوی به من النبات، الدواء مطلقا.
4- اللجج جمع اللجّة: معظم الماء.
5- و فی نسخة: ما یبین من خطائهم.

بَلْ كَانَ یَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ فَنِیَ مَالُهُ أَوْ قَارَبَ الْفَنَاءَ فَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْفَقْرَ وَ الْوَجَلَ مِنْ فَنَاءِ مَالِهِ وَ خَوْفِ الْفَقْرِ عَلَی أَنَّ الَّذِی یَدْخُلُ عَلَی الْإِنْسَانِ مِنْ فَنَاءِ الْعُمُرِ أَعْظَمُ مِمَّا یَدْخُلُ عَلَیْهِ مِنْ فَنَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْ یَقِلُّ مَالُهُ یَأْمُلُ أَنْ یَسْتَخْلِفَ مِنْهُ فَیَسْكُنَ إِلَی ذَلِكَ وَ مَنْ أَیْقَنَ بِفَنَاءِ الْعُمُرِ اسْتَحْكَمَ عَلَیْهِ الْیَأْسُ وَ إِنْ كَانَ طَوِیلَ الْعُمُرِ ثُمَّ عَرَفَ ذَلِكَ وَثِقَ بِالْبَقَاءِ (1) وَ انْهَمَكَ فِی اللَّذَّاتِ وَ الْمَعَاصِی وَ عَمِلَ عَلَی أَنَّهُ یَبْلُغُ مِنْ ذَلِكَ شَهْوَتَهُ ثُمَّ یَتُوبُ فِی آخِرِ عُمُرِهِ وَ هَذَا مَذْهَبٌ لَا یَرْضَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ وَ لَا یَقْبَلُهُ أَ لَا تَرَی لَوْ أَنَّ عَبْداً لَكَ عَمِلَ عَلَی أَنَّهُ یُسْخِطُكَ سَنَةً وَ یُرْضِیكَ یَوْماً أَوْ شَهْراً لَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَ لَمْ یَحِلَّ عِنْدَكَ مَحَلَّ الْعَبْدِ الصَّالِحِ دُونَ أَنْ یُضْمِرَ طَاعَتَكَ وَ نُصْحَكَ فِی كُلِّ الْأُمُورِ وَ فِی كُلِّ الْأَوْقَاتِ عَلَی تَصَرُّفِ الْحَالاتِ (2)فَإِنْ قُلْتَ أَ وَ لَیْسَ قَدْ یُقِیمُ الْإِنْسَانُ عَلَی الْمَعْصِیَةِ حِیناً ثُمَّ یَتُوبُ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ شَیْ ءٌ یَكُونُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِغَلَبَةِ الشَّهَوَاتِ وَ تَرْكِهِ مُخَالَفَتَهَا مِنْ غَیْرِ أَنْ یُقَدِّرَهَا فِی نَفْسِهِ وَ یَبْنِیَ عَلَیْهِ أَمْرَهُ فَیَصْفَحُ اللَّهُ عَنْهُ وَ یَتَفَضَّلُ عَلَیْهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَأَمَّا مَنْ قَدَّرَ أَمْرَهُ عَلَی أَنْ یَعْصِیَ مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ یَتُوبَ آخِرَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا یُحَاوِلُ خَدِیعَةَ مَنْ لَا یُخَادَعُ بِأَنْ یَتَسَلَّفَ التَّلَذُّذَ فِی الْعَاجِلِ وَ یَعِدَ وَ یُمَنِّیَ نَفْسَهُ التَّوْبَةَ فِی الْآجِلِ وَ لِأَنَّهُ لَا یَفِی بِمَا یَعِدُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ النُزُوعَ مِنَ التَّرَفُّهِ وَ التَّلَذُّذِ (3) وَ مُعَانَاةَ التَّوْبَةِ وَ لَا سِیَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ وَ ضَعْفِ الْبَدَنِ أَمْرٌ صَعْبٌ وَ لَا یُؤْمَنُ عَلَی الْإِنْسَانِ مَعَ مُدَافَعَتِهِ بِالتَّوْبَةِ أَنْ یُرْهِقَهُ الْمَوْتُ فَیَخْرُجَ مِنَ الدُّنْیَا غَیْرَ تَائِبٍ كَمَا قَدْ یَكُونُ عَلَی الْوَاحِدِ دَیْنٌ إِلَی أَجَلٍ وَ قَدْ یَقْدِرُ عَلَی قَضَائِهِ فَلَا یَزَالُ یُدَافِعُ بِذَلِكَ حَتَّی یَحِلَّ الْأَجَلُ وَ قَدْ نَفِدَ الْمَالُ فَیَبْقَی الدَّیْنُ قَائِماً عَلَیْهِ فَكَانَ خَیْرَ الْأَشْیَاءِ لِلْإِنْسَانِ أَنْ یُسْتَرَ عَنْهُ مَبْلَغُ عُمُرِهِ فَیَكُونَ طُولَ عُمُرِهِ یَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فَیَتْرُكَ الْمَعَاصِیَ وَ یُؤْثِرَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَإِنْ قُلْتَ وَ هَا هُوَ الْآنَ قَدْ سُتِرَ عَنْهُ مِقْدَارُ حَیَاتِهِ وَ صَارَ یَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فِی كُلِّ سَاعَةٍ یُقَارِفُ (4)الْفَوَاحِشَ وَ یَنْتَهِكُ الْمَحَارِمَ قُلْنَا إِنَّ وَجْهَ التَّدْبِیرِ فِی هَذَا الْبَابِ هُوَ الَّذِی جَرَی

ص: 84


1- كذا فی النسخ و الظاهر: ثم لو عرف ذلك وثق بالبقاء.
2- و فی نسخة: علی تصرف الآیات.
3- أی الكف من التنعّم و التلذّذ.
4- أی یكتسب.

عَلَیْهِ الْأَمْرُ فِیهِ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ مَعَ ذَلِكَ لَا یَرْعَوِی(1) وَ لَا یَنْصَرِفُ عَنِ الْمَسَاوِی فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مَرَحِهِ (2) وَ مِنْ قَسَاوَةِ قَلْبِهِ لَا مِنْ خَطَإٍ فِی التَّدْبِیرِ كَمَا أَنَّ الطَّبِیبَ قَدْ یَصِفُ لِلْمَرِیضِ مَا یَنْتَفِعُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَرِیضُ مُخَالِفاً لِقَوْلِ الطَّبِیبِ لَا یَعْمَلُ بِمَا یَأْمُرُهُ وَ لَا یَنْتَهِی عَمَّا یَنْهَاهُ عَنْهُ لَمْ یَنْتَفِعْ بِصِفَتِهِ وَ لَمْ یَكُنِ الْإِسَاءَةُ فِی ذَلِكَ لِلطَّبِیبِ بَلْ لِلْمَرِیضِ حَیْثُ لَمْ یَقْبَلْ مِنْهُ وَ لَئِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ مَعَ تَرَقُّبِهِ لِلْمَوْتِ كُلَّ سَاعَةٍ لَا یَمْتَنِعُ عَنِ الْمَعَاصِی فَإِنَّهُ لَوْ وَثِقَ بِطُولِ الْبَقَاءِ كَانَ أَحْرَی بِأَنْ یَخْرُجَ إِلَی الْكَبَائِرِ الْفَظِیعَةِ فَتَرَقُّبُ الْمَوْتِ عَلَی كُلِّ حَالٍ خَیْرٌ لَهُ مِنَ الثِّقَةِ بِالْبَقَاءِ ثُمَّ إِنَّ تَرَقُّبَ الْمَوْتِ وَ إِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ یَلْهَوْنَ عَنْهُ وَ لَا یَتَّعِظُونَ بِهِ فَقَدْ یَتَّعِظُ بِهِ صِنْفٌ آخَرُ مِنْهُمْ وَ یَنْزِعُونَ عَنِ الْمَعَاصِی وَ یُؤْثِرُونَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَ یَجُودُونَ بِالْأَمْوَالِ وَ الْعَقَائِلِ النَّفِیسَةِ فِی الصَّدَقَةِ عَلَی الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِینِ فَلَمْ یَكُنْ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ یُحْرَمَ هَؤُلَاءِ الِانْتِفَاعَ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ لِتَضْیِیعِ أُولَئِكَ حَظَّهُمْ مِنْهَا.

بیان: انهمك الرجل فی الأمر أی جدّ و لجّ .و التسلّف: الاقتراض كأنه یجری معاملة مع ربه بأن یتصرّف فی اللذات عاجلا و یعد ربه فی عوضها التوبة لیؤدّی إلیه آجلا و فی بعض النسخ یستسلف و هو طلب بیع الشی ء سلفا. و المعاناة: مقاساة العناء و المشقّة و یرهقه أی یغشاه و یلحقه. و انتهاك المحارم: المبالغة فی خرقها و إتیانها. و الارعواء: الكفّ عن الشی ء و قیل الندم علی الشی ء و الانصراف عنه و تركه. و المرح: شدّة الفرح و قال الفیروزآبادی: العقیلة من كل شی ء أكرمه و كریمة الإبل و قال العقال ككتاب زكاة عام من الإبل.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الْأَحْلَامِ كَیْفَ دَبَّرَ الْأَمْرَ فِیهَا فَمَزَجَ صَادِقَهَا بِكَاذِبِهَا فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا تَصْدُقُ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَنْبِیَاءَ وَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا تَكْذِبُ لَمْ یَكُنْ فِیهَا مَنْفَعَةٌ بَلْ كَانَتْ فَضْلًا لَا مَعْنَی لَهُ فَصَارَتْ تَصْدُقُ أَحْیَاناً فَیَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ فِی مَصْلَحَةٍ یَهْتَدِی لَهَا أَوْ مَضَرَّةٍ یَتَحَذَّرُ مِنْهَا(3) وَ تَكْذِبُ كَثِیراً لِئَلَّا یَعْتَمِدَ عَلَیْهَا كُلَّ الِاعْتِمَادِ

ص: 85


1- أی لا یكف.
2- مرح الرجل: اشتد فرحه و نشاطه حتّی جاوز القدر، و تبختر و اختال.
3- و فی نسخة: یتحرز منها.

فَكِّرْ فِی هَذِهِ الْأَشْیَاءِ الَّتِی تَرَاهَا مَوْجُودَةً مُعَدَّةً فِی الْعَالَمِ مِنْ مَآرِبِهِمْ فَالتُّرَابُ لِلْبِنَاءِ وَ الْحَدِیدُ لِلصِّنَاعَاتِ وَ الْخَشَبُ لِلسُّفُنِ وَ غَیْرِهَا وَ الْحِجَارَةُ لِلْأَرْحَاءِ (1) وَ غَیْرِهَا وَ النُّحَاسُ لِلْأَوَانِی وَ الذَّهَبُ وَ الْفِضَّةُ لِلْمُعَامَلَةِ وَ الْجَوْهَرُ لِلذَّخِیرَةِ وَ الْحُبُوبُ لِلْغِذَاءِ وَ الثِّمَارُ لِلتَّفَكُّهِ وَ اللَّحْمُ لِلْمَأْكَلِ وَ الطِّیبُ لِلتَّلَذُّذِ وَ الْأَدْوِیَةُ لِلتَّصْحِیحِ وَ الدَّوَابُّ لِلْحُمُولَةِ وَ الْحَطَبُ لِلتَّوَقُّدِ وَ الرَّمَادُ لِلْكِلْسِ وَ الرَّمْلُ لِلْأَرْضِ وَ كَمْ عَسَی أَنْ یُحْصِیَ الْمُحْصِی مِنْ هَذَا وَ شِبْهِهِ أَ رَأَیْتَ لَوْ أَنَّ دَاخِلًا دَخَلَ دَاراً فَنَظَرَ إِلَی خَزَائِنَ مَمْلُوَّةٍ مِنْ كُلِّ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ النَّاسُ وَ رَأَی كُلَّ مَا فِیهَا مَجْمُوعاً مُعَدّاً لِأَسْبَابٍ مَعْرُوفَةٍ لَكَانَ یَتَوَهَّمُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا یَكُونُ بِالْإِهْمَالِ وَ مِنْ غَیْرِ عَمْدٍ فَكَیْفَ یَسْتَجِیزُ قَائِلٌ أَنْ یَقُولَ هَذَا فِی الْعَالَمِ وَ مَا أُعِدَّ فِیهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ.

بیان: التفكّه: التنعّم. الكلس بالكسر: الصاروج. قوله علیه السلام: للأرض أی لفرشها.

اعْتَبِرْ یَا مُفَضَّلُ بِأَشْیَاءَ خُلِقَتْ لِمَآرِبِ الْإِنْسَانِ وَ مَا فِیهَا مِنَ التَّدْبِیرِ فَإِنَّهُ خُلِقَ لَهُ الْحَبُّ لِطَعَامِهِ وَ كُلِّفَ طَحْنَهُ وَ عَجْنَهُ وَ خَبْزَهُ وَ خُلِقَ لَهُ الْوَبَرُ (2) لِكِسْوَتِهِ فَكُلِّفَ نَدْفَهُ وَ غَزْلَهُ وَ نَسْجَهُ وَ خُلِقَ لَهُ الشَّجَرُ فَكُلِّفَ غَرْسَهَا وَ سَقْیَهَا وَ الْقِیَامَ عَلَیْهَا وَ خُلِقَتْ لَهُ الْعَقَاقِیرُ لِأَدْوِیَتِهِ فَكُلِّفَ لَقْطَهَا وَ خَلْطَهَا وَ صُنْعَهَا وَ كَذَلِكَ تَجِدُ سَائِرَ الْأَشْیَاءِ عَلَی هَذَا الْمِثَالِ فَانْظُرْ كَیْفَ كُفِیَ الْخِلْقَةَ الَّتِی لَمْ یَكُنْ عِنْدَهُ فِیهَا حِیلَةٌ وَ تُرِكَ عَلَیْهِ فِی كُلِّ شَیْ ءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ مَوْضِعُ عَمَلٍ وَ حَرَكَةٍ لِمَا لَهُ فِی ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ لَوْ كُفِیَ هَذَا كُلُّهُ حَتَّی لَا یَكُونَ لَهُ فِی الْأَشْیَاءِ مَوْضِعُ شُغُلٍ وَ عَمَلٍ لَمَا حَمَلَتْهُ الْأَرْضُ أَشَراً وَ بَطَراً وَ لَبَلَغَ بِهِ كَذَلِكَ إِلَی أَنْ یَتَعَاطَی أُمُوراً فِیهَا تَلَفُ نَفْسِهِ وَ لَوْ كُفِیَ النَّاسَ كُلُّ مَا یَحْتَاجُونَ إِلَیْهِ لَمَا تَهَنَّئُوا بِالعَیْشِ وَ لَا وَجَدُوا لَهُ لَذَّةً أَ لَا تَرَی لَوْ أَنَّ امْرَأً نَزَلَ بِقَوْمٍ فَأَقَامَ حِیناً بَلَغَ جَمِیعَ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ مِنْ مَطْعَمٍ وَ مَشْرَبٍ وَ خِدْمَةٍ لَتَبَرَّمَ (3)بِالْفَرَاغِ وَ نَازَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَی التَّشَاغُلِ بِشَیْ ءٍ فَكَیْفَ لَوْ كَانَ طُولُ

ص: 86


1- جمع للرحی و هی الطاحون.
2- الوبر للابل و الارانب و نحوها كالصوف للغنم.
3- أی لتضجّر.

عُمُرِهِ مَكْفِیّاً لَا یَحْتَاجُ إِلَی شَیْ ءٍ وَ كَانَ مِنْ صَوَابِ التَّدْبِیرِ فِی هَذِهِ الْأَشْیَاءِ الَّتِی خُلِقَتْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ جُعِلَ لَهُ فِیهَا مَوْضِعُ شُغُلٍ لِكَیْلَا تَبَرَّمَهُ الْبِطَالَةُ وَ لِتَكُفَّهُ عَنْ تَعَاطِی مَا لَا یَنَالُهُ وَ لَا خَیْرَ فِیهِ إِنْ نَالَهُ وَ اعْلَمْ یَا مُفَضَّلُ أَنَّ رَأْسَ مَعَاشِ الْإِنْسَانِ وَ حَیَاتِهِ الْخُبْزُ وَ الْمَاءُ فَانْظُرْ كَیْفَ دُبِّرَ الْأَمْرُ فِیهِمَا فَإِنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ إِلَی الْمَاءِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَی الْخُبْزِ وَ ذَلِكَ أَنَّ صَبْرَهُ عَلَی الْجُوعِ أَكْثَرُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَی الْعَطَشِ وَ الَّذِی یَحْتَاجُ إِلَیْهِ مِنَ الْمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ مِنَ الْخُبْزِ لِأَنَّهُ یَحْتَاجُ إِلَیْهِ لِشُرْبِهِ وَ وُضُوئِهِ وَ غُسْلِهِ وَ غَسْلِ ثِیَابِهِ وَ سَقْیِ أَنْعَامِهِ وَ زَرْعِهِ فَجُعِلَ الْمَاءُ مَبْذُولًا لَا یُشْتَرَی لِتَسْقُطَ عَنِ الْإِنْسَانِ الْمَئُونَةُ فِی طَلَبِهِ وَ تَكَلُّفِهِ وَ جُعِلَ الْخُبْزُ مُتَعَذِّراً لَا یُنَالُ إِلَّا بِالْحِیلَةِ وَ الْحَرَكَةِ لِیَكُونَ لِلْإِنْسَانِ فِی ذَلِكَ شُغُلٌ یَكُفُّهُ عَمَّا یُخْرِجُهُ إِلَیْهِ الْفَرَاغُ مِنَ الْأَشَرِ وَ الْعَبَثِ أَ لَا تَرَی أَنَّ الصَّبِیَّ یُدْفَعُ إِلَی الْمُؤَدِّبِ وَ هُوَ طِفْلٌ لَمْ یَكْمُلْ ذَاتُهُ لِلتَّعْلِیمِ كُلُّ ذَلِكَ لِیَشْتَغِلَ عَنِ اللَّعِبِ وَ الْعَبَثِ اللَّذَیْنِ رُبَّمَا جَنَیَا عَلَیْهِ وَ عَلَی أَهْلِهِ الْمَكْرُوهَ الْعَظِیمَ وَ هَكَذَا الْإِنْسَانُ لَوْ خَلَا مِنَ الشُّغُلِ لَخَرَجَ مِنَ الْأَشَرِ وَ الْعَبَثِ وَ الْبَطَرِ إِلَی مَا یَعْظُمُ ضَرَرُهُ عَلَیْهِ وَ عَلَی مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِمَنْ نَشَأَ فِی الْجِدَةِ وَ رَفَاهِیَةِ الْعَیْشِ وَ التَّرَفُّهِ وَ الْكِفَایَةِ وَ مَا یُخْرِجُهُ ذَلِكَ إِلَیْهِ.

اعْتَبِرْ لِمَ لَا یَتَشَابَهُ النَّاسُ وَاحِدٌ بِآخَرَ كَمَا یَتَشَابَهُ الْوُحُوشُ وَ الطَّیْرُ وَ غَیْرُ ذَلِكَ (1)فَإِنَّكَ تَرَی السِّرْبَ مِنَ الظِّبَاءِ وَ الْقَطَا (2) تَتَشَابَهُ حَتَّی لَا یُفَرَّقُ بَیْنَ وَاحِدٍ مِنْهَا وَ بَیْنَ الْأُخْرَی وَ تَرَی النَّاسَ مُخْتَلِفَةً صُوَرُهُمْ وَ خَلْقُهُمْ حَتَّی لَا یَكَادَ اثْنَانِ مِنْهُمْ یَجْتَمِعَانِ فِی صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَ الْعِلَّةُ فِی ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إِلَی أَنْ یَتَعَارَفُوا بِأَعْیَانِهِمْ وَ حُلَاهُمْ لِمَا یَجْرِی بَیْنَهُمْ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ وَ لَیْسَ یَجْرِی بَیْنَ الْبَهَائِمِ مِثْلُ ذَلِكَ فَیَحْتَاجُ إِلَی مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِعَیْنِهِ وَ حِلْیَتِهِ أَ لَا تَرَی أَنَّ التَّشَابُهَ فِی الطَّیْرِ وَ الْوَحْشِ لَا یَضُرُّهُمَا شَیْئاً وَ لَیْسَ كَذَلِكَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ رُبَّمَا تَشَابَهَ التَوْأَمَانِ تَشَابُهاً شَدِیداً فَتَعْظُمُ الْمَئُونَةُ عَلَی النَّاسِ فِی مُعَامَلَتِهِمَا

ص: 87


1- المراد بالتشابه التشابه العرفی كما یدلّ علیه بیانه الآتی، و أمّا التشابه الحقیقی فلیس منه أثر لا فی الإنسان و لا فی غیره و قد قام علیه البرهان و ساعده التجارب العلمی. ط.
2- السرب- بكسر السین و سكون الراء-: القطیع من الظباء و الطیر و غیرها. و القطا جمع للقطاة: طائر فی حجم الحمام.

حَتَّی یُعْطَی أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَ یُؤْخَذُ أَحَدُهُمَا بِذَنْبِ الْآخَرِ وَ قَدْ یُحْدَثُ مِثْلُ هَذَا فِی تَشَابُهِ الْأَشْیَاءِ فَضْلاً عَنْ تَشَابُهِ الصُّورَةِ فَمَنْ لَطُفَ لِعِبَادِهِ بِهَذِهِ الدَّقَائِقِ الَّتِی لاَ تَكَادُ تَخْطُرُ بِالْبَالِ حَتَّی وَقَفَ بِهَا عَلَی الصَّوَابِ إِلاَّ مَنْ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَیْءٍ لَوْ رَأَیْتَ تِمْثَالَ الْإِنْسَانِ مُصَوَّراً عَلَی حَائِطٍ فَقَالَ لَكَ قَائِلٌ إِنَّ هَذَا ظَهَرَ هَاهُنَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ لَمْ یَصْنَعْهُ صَانِعٌ أَ كُنْتَ تَقْبَلُ ذَلِكَ بَلْ كُنْتَ تَسْتَهْزِئُ بِهِ فَكَیْفَ تُنْكِرُ هَذَا فِی تِمْثَالٍ مُصَوَّرٍ جَمَادٍ وَ لاَ تُنْكِرُ فِی الْإِنْسَانِ الْحَیِّ النَّاطِقِ لِمَ صَارَتْ أَبْدَانُ الْحَیَوَانِ وَ هِیَ تَغْتَذِی أَبَداً لاَ تَنْمِی بَلْ تَنْتَهِی إِلَی غَایَةٍ مِنَ النُّمُوِّ ثُمَّ تَقِفُ وَ لاَ تَتَجَاوَزُهَا لَوْ لاَ التَّدْبِیرُ فِی ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ تَدْبِیرِ الْحَكِیمِ فِیهَا أَنْ یَكُونَ أَبْدَانُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَی مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ غَیْرَ مُتَفَاوِتٍ فِی الْكَبِیرِ وَ الصَّغِیرِ (1)وَ صَارَتْ تَنْمِی حَتَّی تَصِلَ إِلَی غَایَتِهَا ثُمَّ یَقِفُ ثُمَّ لاَ یَزِیدُ وَ الْغِذَاءُ مَعَ ذَلِكَ دَائِمٌ لاَ یَنْقَطِعُ وَ لَوْ كَانَتْ تَنْمِی نُمُوّاً دَائِماً لَعَظُمَتْ أَبْدَانُهَا وَ اشْتَبَهَتْ مَقَادِیرُهَا حَتَّی لاَ یَكُونَ لِشَیْءٍ مِنْهَا حَدٌّ یُعْرَفُ لِمَ صَارَتْ أَجْسَامُ الْإِنْسِ خَاصَّةً تُثْقِلُ عَنِ الْحَرَكَةِ وَ الْمَشْیِ وَ یَجْفُو عَنِ الصِّنَاعَاتِ اللَّطِیفَةِ إِلاَّ لِتَعْظِیمِ الْمَئُونَةِ فِیمَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ النَّاسُ لِلْمَلْبَسِ وَ الْمَضْجَعِ وَ التَّكْفِینِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْإِنْسَانُ لاَ یُصِیبُهُ أَلَمٌ وَ لاَ وَجَعٌ بِمَ كَانَ یَرْتَدِعُ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَ یَتَوَاضَعُ لِلَّهِ وَ یَتَعَطَّفُ عَلَی النَّاسِ أَ مَا تَرَی الْإِنْسَانَ إِذَا عَرَضَ لَهُ وَجَعٌ خَضَعَ وَ اسْتَكَانَ وَ رَغِبَ إِلَی رَبِّهِ فِی الْعَافِیَةِ وَ بَسَطَ یَدَیْهِ بِالصَّدَقَةِ وَ لَوْ كَانَ لاَ یَأْلَمُ مِنَ الضَّرْبِ بِمَ كَانَ السُّلْطَانُ یُعَاقِبُ الدُّعَّارَ (2)وَ یُذِلُّ الْعُصَاةَ الْمَرَدَةَ وَ بِمَ كَانَ الصِّبْیَانُ یَتَعَلَّمُونَ الْعُلُومَ وَ الصِّنَاعَاتِ وَ بِمَ كَانَ الْعَبِیدُ یَذِلُّونَ لِأَرْبَابِهِمْ وَ یُذْعِنُونَ لِطَاعَتِهِمْ أَ فَلَیْسَ هَذَا تَوْبِیخٌ لاِبْنِ أَبِی الْعَوْجَاءِ وَ ذَوِیِّهِ الَّذِینَ جَحَدُوا التَّدْبِیرَ وَ اَلْمَانَوِیَّةِ الَّذِینَ أَنْكَرُوا الْأَلَمَ وَ الْوَجَعَ لَوْ لَمْ یُولَدْ مِنَ الْحَیَوَانِ إِلاَّ ذَكَرٌ (3)فَقَطْ أَوْ إِنَاثٌ فَقَطْ أَ لَمْ یَكُنِ النَّسْلُ مُنْقَطِعاً وَ بَادَ مَعَ ذَلِكَ أَجْنَاسُ الْحَیَوَانِ فَصَارَ بَعْضُ الْأَوْلاَدِ یَأْتِی ذُكُوراً وَ بَعْضُهَا یَأْتِی إِنَاثاً لِیَدُومَ التَّنَاسُلُ وَ لاَ یَنْقَطِعُ لِمَ صَارَ الرَّجُلُ وَ الْمَرْأَةُ إِذَا أَدْرَكَا نَبَتَتْ لَهُمَا الْعَانَةُ ثُمَّ نَبَتَتِ اللِّحْیَةُ لِلرَّجُلِ وَ تَخَلَّفَتْ عَنِ الْمَرْأَةِ لَوْ لاَ التَّدْبِیرُ فِی ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ

ص:88


1- و فی نسخة:فی الكبر و الصغر.
2- و فی نسخة:الدغار.
3- و فی نسخة:ذكورا.

تَعَالَی الرَّجُلَ قَیِّماً وَ رَقِیباً عَلَی الْمَرْأَةِ وَ جَعَلَ الْمَرْأَةَ عِرْساً وَ خَوَلاً لِلرَّجُلِ أَعْطَی الرَّجُلَ اللِّحْیَةَ لِمَا لَهُ مِنَ الْعِزَّةِ وَ الْجَلاَلَةِ وَ الْهَیْبَةِ وَ مَنَعَهَا الْمَرْأَةَ لِتَبْقَی لَهَا نِظَارَةُ الْوَجْهِ وَ الْبَهْجَةُ الَّتِی تُشَاكِلُ الْمُفَاكَهَةَ وَ الْمُضَاجَعَةَ أَ فَلاَ تَرَی الْخِلْقَةَ كَیْفَ یَأْتِی بِالصَّوَابِ فِی الْأَشْیَاءِ وَ تَتَخَلَّلُ مَوَاضِعَ الْخَطَإِ فَتُعْطَی وَ تَمْنَعُ عَلَی قَدْرِ الْإِرْبِ وَ الْمَصْلَحَةِ بِتَدْبِیرِ الْحَكِیمِ عَزَّ وَ جَلَّ.

بیان: جنی الذنب علیه یجنیه جنایة جرّه إلیه و الجدة بالتخفیف الغناء قوله علیه السلام: فی تشابه الأشیاء أی قد یشبه مال شخص بمال شخص آخر كثوب أو نعل أو دینار أو درهم فیصیر سببا للاشتباه و التشاجر و التنازع فضلا عن تشابه الصورة فإنه أعظم فسادا و المراد أن الناس كثیرا ما یشتبه علیهم أمر رجلین لتشابه لباسهما و مركوبهما و غیر ذلك فیؤخذ أحدهما بالآخر فكیف مع تشابه الصورة قوله علیه السلام: و اشتبهت مقادیرها أی لم یعرف غایة ما ینتهی إلیه مقداره فیشتبه الأمر علیه فیما یرید أن یهیئه لنفسه من دار و دابة و ثیاب و زوجة قوله علیه السلام: و یجفو أی یبعد و یجتنب و لا یداوم علی الصناعات اللطیفة أی التی فیها دقة و لطافة قال الجزری و فی الحدیث اقرءوا القرآن و لا تجفوا عنه أی تعاهدوه و تبعدوا عن تلاوته انتهی.

و الحاصل أن اللّٰه تعالی جعل الإنسان بحیث تثقل عن الحركة و المشی قبل سائر الحیوانات و تكل عن الأعمال الدقیقة لتعظم علیه مئونة تحصیل ما یحتاج إلیه فلا یبطر و لا یطغی أو لیكون لهذه الأعمال أجر فیصیر سببا لمعایش أقوام یزاولونها و الدعار فی بعض النسخ بالمهملة من الدعر محركة الفساد و الفسق و الخبث و فی بعضها بالمعجمة من الدغرة و هی أخذ الشیء اختلاسا و العرس بالكسر امرأة الرجل و الخول محركة ما أعطاك اللّٰه من النعم و العبید و الإماء و المفاكهة الممازحة و المضاحكة قوله علیه السلام: و تخلل مواضع الخطإ یحتمل أن تكون الجملة حالیة أی تأتی بالصواب مع أنها تدخل مواضع هی مظنة الخطإ من قولهم تخللت القوم أی دخلت خلالهم و یحتمل أن یكون المراد بالتخلل التخلف أو الخروج من خلالها لكن تطبیقهما علی المعانی اللغویة یحتاج إلی تكلف.

قَالَ اَلْمُفَضَّلُ ثُمَّ حَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ فَقَامَ مَوْلاَیَ إِلَی الصَّلاَةِ وَ قَالَ بَكِّرْ إِلَیَّ غَداً

ص:89

إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَانْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهِ مَسْرُوراً بِمَا عَرَفْتُهُ مُبْتَهِجاً بِمَا أُوتِیتُهُ حَامِداً لِلَّهِ عَلَی مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَیَّ شَاكِراً لِأَنْعُمِهِ عَلَی مَا مَنَحَنِی بِمَا عَرَّفَنِیهِ مَوْلاَیَ وَ تَفَضَّلَ بِهِ عَلَیَّ فَبِتُّ فِی لَیْلَتِی مَسْرُوراً بِمَا مَنَحَنِیهِ مَحْبُوراً بِمَا عَلَّمَنِیهِ.

تم المجلس الأول و یتلوه المجلس الثانی من كتاب الأدلة علی الخلق و التدبیر و الرد علی القائلین بالإهمال و منكری العمد بروایة المفضل عن الصادق صلوات اللّٰه علیه و علی آبائه.

قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَلَمَّا كَانَ الْیَوْمُ الثَّانِی بَكَّرْتُ إِلَی مَوْلاَیَ فَاسْتُوذِنَ لِی فَدَخَلْتُ فَأَمَرَنِی بِالْجُلُوسِ فَجَلَسْتُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُدِیرِ الْأَدْوَارِ (1)وَ مُعِیدِ الْأَكْوَارِ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ وَ عَالَماً بَعْدَ عَالَمٍ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ یَجْزِیَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَی عَدْلاً مِنْهُ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَ جَلَّتْ آلاَؤُهُ لا یَظْلِمُ النّاسَ شَیْئاً وَ لكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ یَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ قُدْسُهُ فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ فِی نَظَائِرَ لَهَا فِی كِتَابِهِ الَّذِی فِیهِ تِبْیَانُ كُلِّ شَیْءٍ وَ لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَكِیمٍ حَمِیدٍ وَ لِذَلِكَ قَالَ سَیِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِنَّمَا هِیَ أَعْمَالُكُمْ تُرَدُّ إِلَیْكُمْ ثُمَّ أَطْرَقَ هُنَیَّةً ثُمَّ قَالَ یَا مُفَضَّلُ الْخَلْقُ حَیَارَی عَمِهُونَ سُكَارَی فِی طُغْیَانِهِمْ یَتَرَدَّدُونَ وَ بِشَیَاطِینِهِمْ وَ طَوَاغِیتِهِمْ یَقْتَدُونَ بُصَرَاءُ عُمْیٌ لاَ یُبْصِرُونَ نُطَقَاءُ بُكْمٌ لاَ یَعْقِلُونَ سُمَعَاءُ صُمٌّ لاَ یَسْمَعُونَ رَضُوا بِالدُّونِ وَ حَسِبُوا أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَادُوا عَنْ مَدْرَجَةِ الْأَكْیَاسِ وَ رَتَعُوا فِی مَرْعَی الْأَرْجَاسِ الْأَنْجَاسِ كَأَنَّهُمْ مِنْ مُفَاجَأَةِ الْمَوْتِ آمِنُونَ وَ عَنِ الْمُجَازَاتِ مُزَحْزَحُونَ یَا وَیْلَهُمْ مَا أَشْقَاهُمْ وَ أَطْوَلَ عَنَاءَهُمْ وَ أَشَدَّ بَلاَءَهُمْ یَوْمَ لا یُغْنِی مَوْلًی عَنْ مَوْلًی شَیْئاً وَ لا هُمْ یُنْصَرُونَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّٰهُ قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَبَكَیْتُ لِمَا سَمِعْتُ مِنْهُ فَقَالَ لاَ تَبْكِ تَخَلَّصْتَ إِذْ قَبِلْتَ وَ نَجَوْتَ إِذْ عَرَفْتَ ثُمَّ قَالَ أَبْتَدِئُ لَكَ بِذِكْرِ الْحَیَوَانِ لِیَتَّضِحَ لَكَ مِنْ أَمْرِهِ مَا وَضَحَ لَكَ مِنْ غَیْرِهِ فَكِّرْ فِی أَبْنِیَةِ أَبْدَانِ الْحَیَوَانِ وَ تَهْیِئَتِهَا عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ فَلاَ هِیَ صِلاَبٌ كَالْحِجَارَةِ وَ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لاَ تَنْثَنِی وَ لاَ تَتَصَرَّفُ فِی الْأَعْمَالِ وَ لاَ هِیَ عَلَی غَایَةِ اللِّینِ وَ الرَّخَاوَةِ فَكَانَتْ

ص:90


1- و فی نسخة:الحمد للّٰه مدبر الادوار.

لاَ تَتَحَامَلُ وَ لاَ تَسْتَقِلُّ بِأَنْفُسِهَا فَجُعِلَتْ مِنْ لَحْمٍ رَخْوٍ تَنْثَنِی تَتَدَاخَلُهُ عِظَامٌ صِلاَبٌ یُمْسِكُهُ عَصَبٌ وَ عُرُوقٌ تَشُدُّهُ وَ یُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَی بَعْضٍ وَ غُلِفَتْ (1)فَوْقَ ذَلِكَ بِجِلْدٍ یَشْتَمِلُ عَلَی الْبَدَنِ كُلِّهِ وَ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ هَذِهِ التَّمَاثِیلُ الَّتِی تُعْمَلُ مِنَ الْعِیدَانِ (2)وَ تُلَفُّ بِالْخِرَقِ وَ تُشَدُّ بِالْخُیُوطِ وَ یُطَّلَی فَوْقَ ذَلِكَ بِالصَّمْغِ (3)فَیَكُونُ الْعِیدَانُ بِمَنْزِلَةِ الْعِظَامِ وَ الْخِرَقُ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ وَ الْخُیُوطُ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبِ وَ الْعُرُوقِ وَ الطَّلاَ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فَإِنْ جَازَ أَنْ یَكُونَ الْحَیَوَانُ الْمُتَحَرِّكُ حَدَثَ بِالْإِهْمَالِ مِنْ غَیْرِ صَانِعٍ جَازَ أَنْ یَكُونَ ذَلِكَ فِی هَذِهِ التَّمَاثِیلِ الْمَیِّتَةِ فَإِنْ كَانَ هَذَا غَیْرَ جَائِزٍ فِی التَّمَاثِیلِ فَبِالْحَرِیِّ أَنْ لاَ یَجُوزَ فِی الْحَیَوَانِ وَ فَكِّرْ بَعْدَ هَذَا فِی أَجْسَادِ الْأَنْعَامِ فَإِنَّهَا حِینَ خُلِقَتْ عَلَی أَبْدَانِ الْإِنْسِ مِنَ اللَّحْمِ وَ الْعَظْمِ وَ الْعَصَبِ أُعْطِیَتْ أَیْضاً السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ لِیَبْلُغَ الْإِنْسَانُ حَاجَتَهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عُمْیاً صُمّاً (4)لَمَا انْتَفَعَ بِهَا الْإِنْسَانُ وَ لاَ تَصَرَّفَتْ فِی شَیْءٍ مِنْ مَآرِبِهِ ثُمَّ مُنِعَتِ الذِّهْنَ وَ الْعَقْلَ لِتَذِلَّ لِلْإِنْسَانِ فَلاَ تَمْتَنِعَ عَلَیْهِ إِذَا كَدَّهَا الْكَدَّ الشَّدِیدَ وَ حَمَلَهَا الْحِمْلَ الثَّقِیلَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَدْ یَكُونُ لِلْإِنْسَانِ عَبِیدٌ مِنَ الْإِنْسِ یَذِلُّونَ وَ یُذْعِنُونَ بِالْكَدِّ الشَّدِیدِ وَ هُمْ مَعَ ذَلِكَ غَیْرُ عَدِیمِی الْعَقْلِ وَ الذِّهْنِ فَیُقَالُ فِی جَوَابِ ذَلِكَ إِنَّ هَذَا الصِّنْفَ مِنَ النَّاسِ قَلِیلٌ فَأَمَّا أَكْثَرُ النَّاسِ فَلاَ یُذْعِنُونَ بِمَا تُذْعِنُ بِهِ الدَّوَابُّ مِنَ الْحَمْلِ وَ الطَّحْنِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَ لاَ یُغْرَوْنَ بِمَا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ مِنْهُ (5)ثُمَّ لَوْ كَانَ النَّاسُ یُزَاوِلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بِأَبْدَانِهِمْ لَشُغِلُوا بِذَلِكَ عَنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ كَانَ یُحْتَاجُ مَكَانَ الْجَمَلِ الْوَاحِدِ وَ الْبَغْلِ الْوَاحِدِ إِلَی عِدَّةِ أَنَاسِیَّ فَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ یَسْتَفْرِغُ النَّاسَ حَتَّی لاَ یَكُونَ فِیهِمْ عَنْهُ فَضْلٌ لِشَیْءٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ مَعَ مَا یَلْحَقُهُمْ مِنَ التَّعَبِ الْفَادِحِ فِی أَبْدَانِهِمْ وَ الضِّیقِ وَ الْكَدِّ فِی مَعَاشِهِمْ .

إیضاح: مدیر الأدوار لعل فیه مضافا محذوفا أی ذوی الأدوار أو الإسناد مجازی

ص:91


1- و فی نسخة:و علیت فوق ذلك.
2- جمع العود و هی الخشب.
3- أی یلطخ فوق ذلك بالصمغ.
4- و فی نسخة:فانها لو كانت عما صما.
5- و فی نسخة:و لا یعزون بما یحتاج إلیه منه.

و فی بعض النسخ بالباء الموحدة و هو أظهر و الأكوار جمع كور بالفتح و هو الجماعة الكثیرة من الإبل و القطیع من الغنم و یقال كل دور كور و المراد إما استئناف قرن بعد قرن و زمان بعد زمان أو إعادة أهل الأكوار و الأدوار جمیعا فی القیامة و الأول أظهر و قال الجزری قیل للقرن طبق لأنهم طبق للأرض ثم ینقرضون فیأتی طبق آخر قوله علیه السلام: فی نظائر أی قالها فی ضمن نظائر لها أو مع نظائرها قوله صلی اللّٰه علیه و آله إنما هی أی المثوبات و العقوبات أعمالكم أی جزاؤها و العمه التحیر و التردد و الحید المیل و المدرجة المذهب و المسلك و زحزحه أبعده و الانثناء الانعطاف و المیل قوله علیه السلام: و لا یغرون فی بعض النسخ بالغین المعجمة و الراء المهملة علی بناء المفعول من قولهم أغریت الكلب بالصید أی لا یؤثر فیهم الإغراء و التحریص علی جمیع الأعمال التی یحتاج إلیها الخلق من ذلك العمل الذی تأتی به الدواب و فی بعضها بالعین المهملة و الزای المعجمة من عزی من باب تعب أی صبر علی ما نابه و الأول أظهر و الفادح من قولهم فدحه الدین أثقله ثم اعلم أنه ینبغی حمل السؤال علی أنه كان یمكن أن یكتفی بخلق الحیوانات لأن بعضهم ینقادون و یطیعون بعضا فالجواب منطبق من غیر تكلف.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلاَثَةِ مِنَ الْحَیَوَانِ وَ فِی خَلْقِهَا عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ بِمَا فِیهِ صَلاَحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَالْإِنْسُ لَمَّا قُدِّرُوا أَنْ یَكُونُوا ذَوِی ذِهْنٍ وَ فِطْنَةٍ وَ عِلاَجٍ لِمِثْلِ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ مِنَ الْبِنَاءِ وَ التِّجَارَةِ وَ الصِّیَاغَةِ (1)وَ غَیْرِ ذَلِكَ خُلِقَتْ لَهُمْ أَكُفٌّ كِبَارٌ ذَوَاتُ أَصَابِعَ غِلاَظٍ لِیَتَمَكَّنُوا مِنَ الْقَبْضِ عَلَی الْأَشْیَاءِ وَ أَوْكَدُهَا هَذِهِ الصِّنَاعَاتُ وَ آكِلاَتُ اللَّحْمِ لَمَّا قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ مَعَایِشُهَا مِنَ الصَّیْدِ خُلِقَتْ لَهُمْ أَكُفٌّ لِطَافٌ مُدَّمِجَةٌ (2)ذَوَاتُ بَرَاثِنَ وَ مَخَالِیبَ تَصْلُحُ لِأَخْذِ الصَّیْدِ وَ لاَ تَصْلُحُ لِلصِّنَاعَاتِ وَ آكِلاَتُ النَّبَاتِ لَمَّا قُدِّرَ أَنْ یَكُونُوا لاَ ذَاتَ صَنْعَةٍ وَ لاَ ذَاتَ صَیْدٍ خُلِقَتْ لِبَعْضِهَا أَظْلاَفٌ (3)تَقِیهَا خُشُونَةَ الْأَرْضِ

ص:92


1- و فی نسخة:و الخیاطة.
2- و فی نسخة:اكف لطاف مذبحة.
3- جمع الظلف-بكسر الظاء و سكون اللام-و هو لما اجترّ من الحیوانات كالبقرة و الظبی بمنزلة الحافر للفرس.

إِذَا حَاوَلَ طَلَبَ الرَّعْیِ وَ لِبَعْضِهَا حَوَافِرُ مُلَمْلَمَةٌ ذَوَاتُ قَعْرٍ كَأَخْمَصِ الْقَدَمِ تَنْطَبِقُ عَلَی الْأَرْضِ لِیَتَهَیَّأَ لِلرُّكُوبِ وَ الْحَمُولَةِ تَأَمَّلِ التَّدْبِیرَ فِی خَلْقِ آكِلاَتِ اللَّحْمِ مِنَ الْحَیَوَانِ حِینَ خُلِقَتْ ذَوَاتُ أَسْنَانٍ حِدَادٍ (1)وَ بَرَاثِنَ شِدَادٍ وَ أَشْدَاقٍ وَ أَفْوَاهٍ وَاسِعَةٍ فَإِنَّهُ لَمَّا قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ طُعْمُهَا اللَّحْمَ خُلِقَتْ خِلْقَةً تُشَاكِلُ ذَلِكَ وَ أُعِینَتْ بِسِلاَحٍ وَ أَدَوَاتٍ تَصْلُحُ لِلصَّیْدِ وَ كَذَلِكَ تَجِدُ سِبَاعَ الطَّیْرِ ذَوَاتَ مَنَاقِیرَ وَ مَخَالِیبَ مُهَیَّأَةٍ لِفِعْلِهَا وَ لَوْ كَانَتِ الْوُحُوشُ ذَوَاتَ مَخَالِبَ كَانَتْ قَدْ أُعْطِیَتْ مَا لاَ یُحْتَاجُ إِلَیْهِ لِأَنَّهَا لاَ تَصِیدُ وَ لاَ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَ لَوْ كَانَتِ السِّبَاعُ ذَوَاتَ أَظْلاَفٍ كَانَتْ قَدْ مُنِعَتْ مَا تَحْتَاجُ إِلَیْهِ أَعْنِی السِّلاَحَ الَّذِی بِهِ تَصِیدُ وَ تَتَعَیَّشُ أَ فَلاَ تَرَی كَیْفَ أُعْطِیَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصِّنْفَیْنِ مَا یُشَاكِلُ صِنْفَهُ وَ طَبَقَتَهُ بَلْ مَا فِیهِ بَقَاؤُهُ وَ صَلاَحُهُ انْظُرِ الْآنَ إِلَی ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَیْفَ تَرَاهَا تَتْبَعُ أُمَّاتِهَا مُسْتَقِلَّةً بِأَنْفُسِهَا لاَ تَحْتَاجُ إِلَی الْحَمْلِ وَ التَّرْبِیَةِ كَمَا تَحْتَاجُ أَوْلاَدُ الْإِنْسِ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَیْسَ عِنْدَ أُمَّهَاتِهَا مَا عِنْدَ أُمَّهَاتِ الْبَشَرِ مِنَ الرِّفْقِ وَ الْعِلْمِ بِالتَّرْبِیَةِ وَ الْقُوَّةِ عَلَیْهَا بِالْأَكُفِّ وَ الْأَصَابِعِ الْمُهَیَّأَةِ لِذَلِكَ أُعْطِیَتِ النُّهُوضَ وَ الاِسْتِقْلاَلَ بِأَنْفُسِهَا وَ كَذَلِكَ تَرَی كَثِیراً مِنَ الطَّیْرِ كَمِثْلِ الدَّجَاجِ وَ الدُّرَّاجِ وَ الْقَبْجِ (2)تَدْرُجُ وَ تَلْقُطُ حِینَ یَنْقَابُ عَنْهَا الْبَیْضُ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا ضَعِیفاً لاَ نُهُوضَ فِیهِ كَمِثْلِ فِرَاخِ الْحَمَامِ وَ الْیَمَامِ وَ الْحُمَّرِ فَقَدْ جُعِلَ فِی الْأُمَّهَاتِ فَضْلُ عَطْفٍ عَلَیْهَا فَصَارَتْ تَمُجُّ الطَّعَامَ فِی أَفْوَاهِهَا بَعْدَ مَا تُوعِیهِ حَوَاصِلُهَا فَلاَ تَزَالُ تَغْذُوهَا حَتَّی تَسْتَقِلَّ بِأَنْفُسِهَا وَ لِذَلِكَ لَمْ تُرْزَقِ الْحَمَامُ فِرَاخاً كَثِیرَةً مِثْلَ مَا تُرْزَقُ الدَّجَاجُ لِتَقْوَی الْأُمُّ عَلَی تَرْبِیَةِ فِرَاخِهَا فَلاَ تَفْسُدَ وَ لاَ تَمُوتَ فَكُلٌّ أُعْطِیَ بِقِسْطٍ مِنْ تَدْبِیرِ الْحَكِیمِ اللَّطِیفِ الْخَبِیرِ انْظُرْ إِلَی قَوَائِمِ الْحَیَوَانِ كَیْفَ تَأْتِی أَزْوَاجاً لِتَتَهَیَّأَ لِلْمَشْیِ وَ لَوْ كَانَتْ أَفْرَاداً لَمْ تَصْلُحْ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاشِیَ یَنْقُلُ قَوَائِمَهُ (3)وَ یَعْتَمِدُ عَلَی بَعْضٍ فَذُو الْقَائِمَتَیْنِ یَنْقُلُ وَاحِدَةً وَ یَعْتَمِدُ عَلَی وَاحِدَةٍ وَ ذُو الْأَرْبَعِ یَنْقُلُ اثْنَیْنِ وَ یَعْتَمِدُ عَلَی اثْنَیْنِ وَ ذَلِكَ مِنْ خِلاَفٍ لِأَنَّ ذَا الْأَرْبَعِ لَوْ كَانَ یَنْقُلُ قَائِمَیْنِ مِنْ أَحَدِ جَانِبَیْهِ وَ یَعْتَمِدُ عَلَی قَائِمَیْنِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ

ص:93


1- و فی نسخة:حیث جعلت ذوات أسنان.
2- بالقاف و الباء المفتوحتین:طائر یشبه الحجل.
3- كذا فی النسخ و الظاهر أن الصحیح:ینقل بعض قوائمه.

لَمَا یَثْبُتُ عَلَی الْأَرْضِ كَمَا لاَ یَثْبُتُ السَّرِیرُ وَ مَا أَشْبَهَهُ فَصَارَ یَنْقُلُ الْیُمْنَی مِنْ مَقَادِیمِهِ مَعَ الْیُسْرَی مِنْ مَآخِیرِهِ وَ یَنْقُلُ الْأُخْرَیَیْنِ أَیْضاً مِنْ خِلاَفٍ فَیَثْبُتُ عَلَی الْأَرْضِ وَ لاَ یَسْقُطُ إِذَا مَشَی أَ مَا تَرَی الْحِمَارَ كَیْفَ یَذِلُّ لِلطَّحْنِ وَ الْحَمُولَةِ وَ هُوَ یَرَی الْفَرَسَ مُودَعاً مُنَعَّماً وَ الْبَعِیرَ لاَ یُطِیقُهُ عِدَّةُ رِجَالٍ لَوِ اسْتَعْصَی كَیْفَ كَانَ یَنْقَادُ لِلصَّبِیِّ وَ الثَّوْرَ الشَّدِیدَ كَیْفَ كَانَ یُذْعِنُ لِصَاحِبِهِ حَتَّی یَضَعَ النِّیرَ عَلَی عُنُقِهِ وَ یَحْرِثَ بِهِ وَ الْفَرَسَ الْكَرِیمَ یَرْكَبُ السُّیُوفَ وَ الْأَسِنَّةَ بِالْمُؤَاتَاةِ لِفَارِسِهِ وَ الْقَطِیعَ مِنَ الْغَنَمِ یَرْعَاهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَ لَوْ تَفَرَّقَتِ الْغَنَمُ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِی نَاحِیَةٍ لَمْ یَلْحَقْهَا وَ كَذَلِكَ جَمِیعُ الْأَصْنَافِ مُسَخَّرَةٌ لِلْإِنْسَانِ فَبِمَ كَانَتْ كَذَلِكَ إِلاَّ بِأَنَّهَا عُدِمَتِ الْعَقْلَ وَ الرَّوِیَّةَ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَعْقِلُ وَ تُرَوِّی فِی الْأُمُورِ كَانَتْ خَلِیقَةً أَنْ تَلْتَوِیَ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی كَثِیرٍ مِنْ مَآرِبِهِ حَتَّی یَمْتَنِعَ الْجَمَلُ عَلَی قَائِدِهِ وَ الثَّوْرُ عَلَی صَاحِبِهِ وَ تَتَفَرَّقُ الْغَنَمُ عَنْ رَاعِیهَا وَ أَشْبَاهُ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ (1)وَ كَذَلِكَ هَذِهِ السِّبَاعُ لَوْ كَانَتْ ذَاتَ عَقْلٍ وَ رَوِیَّةٍ فَتَوَازَرَتْ عَلَی النَّاسِ كَانَتْ خَلِیقَةً أَنْ تَجْتَاحَهُمْ (2)فَمَنْ كَانَ یَقُومُ لِلْأُسْدِ وَ الذِّئَابِ وَ النُّمُورَةِ وَ الدِّبَبَةِ لَوْ تَعَاوَنَتْ وَ تَظَاهَرَتْ عَلَی النَّاسِ أَ فَلاَ تَرَی كَیْفَ حُجِرَ ذَلِكَ عَلَیْهَا وَ صَارَتْ مَكَانَ مَا كَانَ یُخَافُ مِنْ إِقْدَامِهَا وَ نِكَایَتِهَا تَهَابُ مَسَاكِنَ النَّاسِ وَ تُحْجِمُ عَنْهَا ثُمَّ لاَ تَظْهُرُ وَ لاَ تَنْشُرُ لِطَلَبِ قُوتِهَا إِلاَّ بِاللَّیْلِ فَهِیَ مَعَ صَوْلَتِهَا كَالْخَائِفِ لِلْإِنْسِ بَلْ مَقْمُوعَةٍ مَمْنُوعَةٍ مِنْهُمْ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَسَاوَرَتْهُمْ فِی مَسَاكِنِهِمْ وَ ضَیَّعَتْ عَلَیْهِمْ (3)ثُمَّ جُعِلَ فِی الْكَلْبِ مِنْ بَیْنِ هَذِهِ السِّبَاعِ عَطْفٌ عَلَی مَالِكِهِ وَ مُحَامَاةٌ عَنْهُ وَ حِفَاظٌ لَهُ فَهُوَ یَنْتَقِلُ عَلَی الْحِیطَانِ وَ السُّطُوحِ فِی ظُلْمَةِ اللَّیْلِ لِحِرَاسَةِ مَنْزِلِ صَاحِبِهِ وَ ذَبِّ الدَّغَّارِ عَنْهُ (4)وَ یَبْلُغُ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِصَاحِبِهِ أَنْ یَبْذُلَ نَفْسَهُ لِلْمَوْتِ دُونَهُ وَ دُونَ مَاشِیَتِهِ وَ مَالِهِ وَ یَأْلَفُهُ غَایَةَ الْإِلْفِ حَتَّی یَصْبِرَ مَعَهُ عَلَی الْجُوعِ وَ الْجَفْوَةِ فَلِمَ طُبِعَ الْكَلْبُ عَلَی هَذَا

ص:94


1- أی نظر فی الأمور و تفكر فیها.
2- أی تستأصلهم و تهلكهم.
3- و فی نسخة:و ضیقت علیهم.
4- و فی نسخة:و ذب الذعار عنه.

الْإِلْفِ إِلاَّ لِیَكُونَ حَارِساً لِلْإِنْسَانِ لَهُ عَیْنٌ بِأَنْیَابٍ وَ مَخَالِبَ وَ نُبَاحٌ هَائِلٌ لِیُذْعَرَ مِنْهُ السَّارِقُ وَ یَتَجَنَّبَ الْمَوَاضِعَ الَّتِی یَحْمِیهَا وَ یَخْفِرُهَا.

بیان: و أوكدها أی أوكد الأشیاء و أحوجها إلی هذا النوع من الخلق هذه الصناعات و یحتمل إرجاع الضمیر إلی جنس البشر فیكون فعلا أی ألزمها أو ألهمها هذه الصناعات و لا یبعد إرجاعه إلی الأكف أیضا قوله علیه السلام: مدمجة أی انضم بعضها إلی بعض قال الجوهری دمج الشیء دموجا إذا دخل فی الشیء و استحكم فیه و أدمجت الشیء إذا لففته فی ثوب و فی بعض النسخ مدبحة بالباء و الحاء المهملة و لعل المراد معوجة من قولهم دبح تدبیحا أی بسط ظهره و طأطأ رأسه و هو تصحیف و البراثن من السباع و الطیر بمنزلة الأصابع من الإنسان و المخلب ظفر البرثن و الململم بفتح اللامین المجتمع المدور المصموم و الأخمص من باطن القدم ما لا یصیب الأرض و الشدق جانب الفم و الطعم بالضم الطعام و الأمات جمع الأم و قیل إنما تستعمل فی البهائم و أما فی الناس فیقال أمهات و یقال قاب الطیر بیضته فلقها فانقابت و الیمام حمام الوحش و الحمر بضم الحاء و فتح المیم طائر و قد یشدد المیم و یقال مج الرجل الطعام من فیه إذا رمی به و المودع من الخیل بفتح الدال المستریح و نیر الفدان بالكسر الخشبة المعترضة فی عنق الثورین قوله علیه السلام: یركب السیوف أی یستقبلها بجرأة كأنه یركبها أو بمعنی یرتكب مواجهتها و المواتاة الموافقة و الدببة كعنبة جمع الدب و یقال أحجم القوم عنه أی نكصوا و تأخروا و تهیبوا أخذه و ساوره واثبه و یقال حامیت عنه أی منعت منه و العین بالفتح الغلظ فی الجسم و الخشونة و الخفر المنع.

یَا مُفَضَّلُ تَأَمَّلْ وَجْهَ الدَّابَّةِ كَیْفَ هُوَ فَإِنَّكَ تَرَی الْعَیْنَیْنِ شَاخِصَتَیْنِ أَمَامَهَا لِتُبْصِرَ مَا بَیْنَ یَدَیْهَا لِئَلاَّ تَصْدِمَ حَائِطاً أَوْ تَتَرَدَّی فِی حُفْرَةٍ وَ تَرَی الْفَمَ مَشْقُوقاً شَقّاً فِی أَسْفَلِ الْخَطْمِ وَ لَوْ شُقَّ كَمَكَانِ الْفَمِ مِنَ الْإِنْسَانِ فِی مُقَدَّمِ الذَّقَنِ لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ یَتَنَاوَلَ بِهِ شَیْئاً مِنَ الْأَرْضِ أَ لاَ تَرَی أَنَّ الْإِنْسَانَ لاَ یَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ بِفِیهِ وَ لَكِنْ بِیَدِهِ تَكْرِمَةً لَهُ عَلَی سَائِرِ الْآكِلاَتِ فَلَمَّا لَمْ یَكُنْ لِلدَّابَّةِ یَدٌ تَتَنَاوَلُ بِهَا الْعَلَفَ جُعِلَ خَطْمُهَا مَشْقُوقاً مِنْ أَسْفَلِهِ

ص:95

لِتَقْبِضَ بِهِ عَلَی الْعَلَفِ ثُمَّ تَقْضَمُهُ وَ أُعِینَتْ بِالْجَحْفَلَةِ تَتَنَاوَلُ بِهَا مَا قَرُبَ وَ مَا بَعُدَ اعْتَبِرْ بِذَنَبِهَا وَ الْمَنْفَعَةِ لَهَا فِیهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطَّبَقِ عَلَی الدُّبُرِ وَ الْحَیَاءِ جَمِیعاً یُوَارِیهِمَا وَ یَسْتُرُهُمَا وَ مِنْ مَنَافِعِهَا فِیهِ أَنَّ مَا بَیْنَ الدُّبُرِ وَ مَرَاقَّیِ الْبَطْنِ مِنْهَا وَضَرٌ یَجْتَمِعُ عَلَیْهِ الذُّبَابُ وَ الْبَعُوضُ فَجُعِلَ لَهَا الذَّنَبُ كَالْمَذَبَّةِ تَذُبُّ بِهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَ مِنْهَا أَنَّ الدَّابَّةَ تَسْتَرِیحُ إِلَی تَحْرِیكِهِ وَ تَصْرِیفِهِ یَمْنَةً وَ یَسْرَةً فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ قِیَامُهَا عَلَی الْأَرْبَعِ بِأَسْرِهَا وَ شُغِلَتِ الْمُقَدِّمَتَانِ بِحَمْلِ الْبَدَنِ عَنِ التَّصَرُّفِ وَ التَّقَلُّبِ كَانَ لَهَا فِی تَحْرِیكِ الذَّنَبِ رَاحَةٌ وَ فِیهِ مَنَافِعُ أُخْرَی یَقْصُرُ عَنْهَا الْوَهْمُ یُعْرَفُ مَوَاقِعُهَا فِی وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَیْهَا فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الدَّابَّةَ تَرْتَطِمُ فِی الْوَحَلِ (1)فَلاَ یَكُونُ شَیْءٌ أَعْوَنَ عَلَی نُهُوضِهَا مِنَ الْأَخْذِ بِذَنَبِهَا وَ فِی شَعْرِ الذَّنَبِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ كَثِیرَةٌ یَسْتَعْمِلُونَهَا فِی مَآرِبِهِمْ ثُمَّ جُعِلَ ظَهْرُهَا مُسَطَّحاً مَبْطُوحاً عَلَی قَوَائِمَ أَرْبَعٍ لِیَتَمَكَّنَ مِنْ رُكُوبِهَا وَ جُعِلَ حَیَاهَا بَارِزاً مِنْ وَرَائِهَا لِیَتَمَكَّنَ الْفَحْلُ مِنْ ضَرْبِهَا وَ لَوْ كَانَ أَسْفَلَ الْبَطْنِ كَمَكَانِ الْفَرْجِ مِنَ الْمَرْأَةِ لَمْ یَتَمَكَّنِ الْفَحْلُ مِنْهَا أَ لاَ تَرَی أَنَّهُ لاَ یَسْتَطِیعُ أَنْ یَأْتِیَهَا كِفَاحاً كَمَا یَأْتِی الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ تَأَمَّلْ مِشْفَرَ الْفِیلِ وَ مَا فِیهِ مِنْ لَطِیفِ التَّدْبِیرِ فَإِنَّهُ یَقُومُ مَقَامَ الْیَدِ فِی تَنَاوُلِ الْعَلَفِ وَ الْمَاءِ وَ ازْدِرَادِهِمَا (2)إِلَی جَوْفِهِ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ یَتَنَاوَلَ شَیْئاً مِنَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَیْسَتْ لَهُ رَقَبَةٌ یَمُدُّهَا كَسَائِرِ الْأَنْعَامِ فَلَمَّا عَدِمَ الْعُنُقَ أُعِینَ مَكَانَ ذَلِكَ بِالْخُرْطُومِ الطَّوِیلِ لِیَسْدُلَهُ (3)فَیَتَنَاوَلَ بِهِ حَاجَتَهُ فَمَنْ ذَا الَّذِی عَوَّضَهُ مَكَانَ الْعُضْوِ الَّذِی عَدِمَهُ مَا یَقُومُ مَقَامَهُ إِلاَّ الرَّءُوفُ بِخَلْقِهِ وَ كَیْفَ یَكُونُ هَذَا بِالْإِهْمَالِ كَمَا قَالَتِ الظَّلَمَةُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا بَالُهُ لَمْ یَخْلُقْ ذَا عُنُقٍ كَسَائِرِ الْأَنْعَامِ قِیلَ لَهُ إِنَّ رَأْسَ الْفِیلِ وَ أُذُنَیْهِ أَمْرٌ عَظِیمٌ وَ ثِقْلٌ ثَقِیلٌ وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَی عُنُقٍ عَظِیمَةٍ لَهَدَّهَا وَ أَوْهَنَهَا فَجَعَلَ رَأْسَهُ مُلْصَقاً بِجِسْمِهِ لِكَیْلاَ یَنَالَ مِنْهُ مَا وَصَفْنَا وَ خَلَقَ لَهُ مَكَانَ الْعُنُقِ هَذَا الْمِشْفَرَ لِیَتَنَاوَلَ بِهِ غِذَاءَهُ فَصَارَ مَعَ عَدَمِهِ الْعُنُقَ مُسْتَوْفِیاً مَا فِیهِ بُلُوغُ حَاجَتِهِ انْظُرِ الْآنَ كَیْفَ جُعِلَ حَیَاءُ الْأُنْثَی مِنَ الْفِیَلَةِ فِی أَسْفَلِ بَطْنِهَا فَإِذَا هَاجَتْ لِلضِّرَابِ

ص:96


1- أی تسقط فی الوحل.
2- الازدراد:البلع.
3- أی لیرسله و یرخیه.

ارْتَفَعَ وَ بَرَزَ حَتَّی یَتَمَكَّنَ الْفَحْلُ مِنْ ضَرْبِهَا فَاعْتَبِرْ كَیْفَ جُعِلَ حَیَاءُ الْأُنْثَی مِنَ الْفِیَلَةِ عَلَی خِلاَفِ مَا عَلَیْهِ فِی غَیْرِهَا مِنَ الْأَنْعَامِ ثُمَّ جُعِلَتْ فِیهِ هَذِهِ الْخَلَّةُ لِیَتَهَیَّأَ لِلْأَمْرِ الَّذِی فِیهِ قِوَامُ النَّسْلِ وَ دَوَامُهُ فَكِّرْ فِی خَلْقِ الزَّرَافَةِ وَ اخْتِلاَفِ أَعْضَائِهَا وَ شِبْهِهَا بِأَعْضَاءِ أَصْنَافٍ مِنَ الْحَیَوَانِ فَرَأْسُهَا رَأْسُ فَرَسٍ وَ عُنُقُهَا عُنُقُ جَمَلٍ وَ أَظْلاَفُهَا أَظْلاَفُ بَقَرَةٍ وَ جِلْدُهَا جِلْدُ نَمِرٍ وَ زَعَمَ نَاسٌ مِنَ الْجُهَّالِ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّ نِتَاجَهَا مِنْ فُحُولٍ شَتَّی قَالُوا وَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَصْنَافاً مِنْ حَیَوَانِ الْبَرِّ إِذَا وَرَدَتِ الْمَاءَ تَنْزُو عَلَی بَعْضِ السَّائِمَةِ وَ یُنْتَجُ مِثْلُ هَذَا الشَّخْصِ الَّذِی هُوَ كَالْمُلْتَقَطِ مِنْ أَصْنَافٍ شَتَّی وَ هَذَا جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ وَ قِلَّةُ مَعْرِفَتِهِ بِالْبَارِئِ جَلَّ قُدْسُهُ وَ لَیْسَ كُلُّ صِنْفٍ مِنَ الْحَیَوَانِ یُلْقِحُ كُلَّ صِنْفٍ فَلاَ الْفَرَسُ یُلْقِحُ الْجَمَلَ وَ لاَ الْجَمَلُ یُلْقِحُ الْبَقَرَ وَ إِنَّمَا یَكُونُ التَّلْقِیحُ مِنْ بَعْضِ الْحَیَوَانِ فِیمَا یُشَاكِلُهُ وَ یَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا یُلْقِحُ الْفَرَسَ الحمارة [اَلْحِمَارُ] فَیَخْرُجُ بَیْنَهُمَا الْبَغْلُ وَ یُلْقِحُ الذِّئْبُ الضَّبُعَ فَیَخْرُجُ بَیْنَهُمَا السِّمْعُ عَلَی أَنَّهُ لَیْسَ یَكُونُ فِی الَّذِی یَخْرُجُ مِنْ بَیْنِهِمَا عُضْوٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِی الزَّرَافَةِ عُضْوٌ مِنَ الْفَرَسِ وَ عُضْوٌ مِنَ الْجَمَلِ وَ أَظْلاَفٌ مِنَ الْبَقَرَةِ بَلْ یَكُونُ كَالْمُتَوَسِّطِ بَیْنَهُمَا الْمُمْتَزِجِ مِنْهُمَا كَالَّذِی تَرَاهُ فِی الْبَغْلِ فَإِنَّكَ تَرَی رَأْسَهُ وَ أُذُنَیْهِ وَ كَفَلَهُ وَ ذَنَبَهُ وَ حَوَافِرَهُ وَسَطاً بَیْنَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنَ الْفَرَسِ وَ الْحِمَارِ وَ شَحِیجَهُ كَالْمُمْتَزِجِ مِنْ صَهِیلِ الْفَرَسِ وَ نَهِیقِ الْحِمَارِ فَهَذَا دَلِیلٌ عَلَی أَنَّهُ لَیْسَتِ الزَّرَافَةُ مِنْ لِقَاحِ أَصْنَافٍ شَتَّی مِنَ الْحَیَوَانِ كَمَا زَعَمَ الْجَاهِلُونَ بَلْ هِیَ خَلْقٌ عَجِیبٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لِلدَّلاَلَةِ عَلَی قُدْرَتِهِ الَّتِی لاَ یُعْجِزُهَا شَیْءٌ وَ لِیُعْلِمَ أَنَّهُ خَالِقُ أَصْنَافِ الْحَیَوَانِ كُلِّهَا یَجْمَعُ بَیْنَ مَا یَشَاءُ مِنْ أَعْضَائِهَا فِی أَیِّهَا شَاءَ وَ یُفَرِّقُ مَا شَاءَ مِنْهَا فِی أَیِّهَا شَاءَ وَ یَزِیدُ فِی الْخِلْقَةِ مَا شَاءَ وَ یَنْقُصُ مِنْهَا مَا شَاءَ دَلاَلَةً عَلَی قُدْرَتِهِ عَلَی الْأَشْیَاءِ وَ أَنَّهُ لاَ یُعْجِزُهُ شَیْءٌ أَرَادَهُ جَلَّ وَ تَعَالَی فَأَمَّا طُولُ عُنُقِهَا وَ الْمَنْفَعَةُ لَهَا فِی ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْشَأَهَا وَ مَرْعَاهَا فِی غَیَاطِلَ ذَوَاتِ أَشْجَارٍ شَاهِقَةٍ ذَاهِبَةٍ طُولاً فِی الْهَوَاءِ فَهِیَ تَحْتَاجُ إِلَی طُولِ الْعُنُقِ لِتَنَاوَلَ بِفِیهَا أَطْرَافَ تِلْكَ الْأَشْجَارِ فَتَتَقَوَّتَ مِنْ ثِمَارِهَا تَأَمَّلْ خَلْقَ الْقِرْدِ وَ شِبْهَهُ بِالْإِنْسَانِ فِی كَثِیرٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَعْنِی الرَّأْسَ وَ الْوَجْهَ وَ الْمَنْكِبَیْنِ وَ الصَّدْرَ وَ كَذَلِكَ أَحْشَاؤُهُ شَبِیهَةٌ أَیْضاً بِأَحْشَاءِ الْإِنْسَانِ وَ خُصَّ مِنْ ذَلِكَ بِالذِّهْنِ

ص:97

وَ الْفِطْنَةِ الَّتِی بِهَا یَفْهَمُ عَنْ سَائِسِهِ مَا یُومِئُ إِلَیْهِ وَ یَحْكِی كَثِیراً مِمَّا یَرَی الْإِنْسَانَ یَفْعَلُهُ حَتَّی إِنَّهُ یَقْرُبُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَ شَمَائِلِهِ فِی التَّدْبِیرِ فِی خِلْقَتِهِ عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ أَنْ یَكُونَ عِبْرَةً لِلْإِنْسَانِ فِی نَفْسِهِ فَیَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ طِینَةِ الْبَهَائِمِ وَ سِنْخِهَا إِذْ كَانَ یَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهَا هَذَا الْقُرْبَ وَ أَنَّهُ لَوْ لاَ فَضِیلَةٌ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهَا فِی الذِّهْنِ وَ الْعَقْلِ وَ النُّطْقِ كَانَ كَبَعْضِ الْبَهَائِمِ عَلَی أَنَّ فِی جِسْمِ الْقِرْدِ فُضُولاً أُخْرَی یُفَرَّقُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْإِنْسَانِ كَالْخَطْمِ وَ الذَّنَبِ الْمُسَدَّلِ وَ الشَّعْرِ الْمُجَلِّلِ لِلْجِسْمِ كُلِّهِ وَ هَذَا لَمْ یَكُنْ مَانِعاً لِلْقِرْدِ أَنْ یُلْحَقَ بِالْإِنْسَانِ لَوْ أُعْطِیَ مِثْلَ ذِهْنِ الْإِنْسَانِ وَ عَقْلِهِ وَ نُطْقِهِ وَ الْفَصْلُ الْفَاصِلُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْإِنْسَانِ بِالصِّحَّةِ هُوَ النَّقْصُ فِی الْعَقْلِ وَ الذِّهْنِ وَ النُّطْقِ.

بیان: شخص البصر ارتفع و شخص الرجل بصره إذا فتح عینیه و الخطم بالفتح من كل طائر منقاره و من كل دابة مقدم أنفه و فمه و قضم كسمع أكل بأطراف أسنانه و الجحفلة بمنزلة الشفة للبغال و الحمیر و الخیل و هی بتقدیم الجیم علی الحاء المهملة و الطبق محرّكة غطاء كلّ شیء و الحیاء الفرج و المراد بمراقی البطن ما ارتفع منه من وسط أو قرب منه و الوضر الدرن و المذبّة بكسر المیم ما یذبّ به الذباب و بطحه ألقاه علی وجهه و كفحته كفحا و كفاحا إذا استقبلته و المشفر من البعیر كالجحفلة من الفرس و قال الجوهری الزرافة و الزرافة بفتح الزای و ضمها مخففة الفاء دابّة یقال لها بالفارسیة أشتر گاو پلنگ و قال الفیروزآبادی :السمع بكسر السین و سكون المیم ولد الذئب من الضبع لا یموت حتف أنفه كالحیة و عدوه أسرع من الطیر و وثبته تزید علی ثلاثین ذراعا و قال شحیج البغل و الحمار صوته و الغیاطل جمع الغیطل و هو الشجر الكثیر الملتفّ قوله علیه السلام: أن یكون أی خلق كذلك لأن یكون عبرة للإنسان و السنخ بالكسر الأصل قوله بالصحة هو النقص فی العقل أی الفصل الصحیح الذی یصلح واقعا أن یكون فاصلا و فی أكثر النسخ و هو و علی هذا لا یبعد أن تكون تصحیف القحة أی قلة الحیاء.

انْظُرْ یَا مُفَضَّلُ إِلَی لُطْفِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ بِالْبَهَائِمِ كَیْفَ كُسِیَتْ أَجْسَامُهُمْ هَذِهِ الْكِسْوَةَ مِنَ الشَّعْرِ وَ الْوَبَرِ وَ الصُّوفِ لِیَقِیَهَا مِنَ الْبَرْدِ وَ كَثْرَةِ الْآفَاتِ وَ أُلْبِسَتْ قَوَائِمُهَا الْأَظْلاَفَ وَ

ص:98

الْحَوَافِرَ وَ الْأَخْفَافَ لِیَقِیَهَا مِنَ الْحَفَا إِذْ كَانَتْ لاَ أَیْدِیَ لَهَا وَ لاَ أَكُفَّ وَ لاَ أَصَابِعَ مُهَیَّأَةً لِلْغَزْلِ وَ النَّسْجِ فَكُفُوا بِأَنْ جُعِلَ كِسْوَتُهُمْ فِی خِلْقَتِهِمْ بَاقِیَةً عَلَیْهِمْ مَا بَقُوا لاَ یَحْتَاجُونَ إِلَی تَجْدِیدِهَا وَ الاِسْتِبْدَالِ بِهَا فَأَمَّا الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ ذُو حِیلَةٍ وَ كَفٍّ مُهَیَّأَةٍ لِلْعَمَلِ فَهُوَ یَنْسِجُ وَ یَغْزِلُ وَ یَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ الْكِسْوَةَ وَ یَسْتَبْدِلُ بِهَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ وَ لَهُ فِی ذَلِكَ صَلاَحٌ مِنْ جِهَاتٍ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ یَشْتَغِلُ بِصَنْعَةِ اللِّبَاسِ عَنِ الْعَبَثِ وَ مَا یُخْرِجُهُ إِلَیْهِ الْكِفَایَةُ وَ مِنْهَا أَنَّهُ یَسْتَرِیحُ إِلَی خَلْعِ كِسْوَتِهِ إِذَا شَاءَ وَ لُبْسِهَا إِذَا شَاءَ وَ مِنْهَا أَنْ یَتَّخِذَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْكِسْوَةِ ضُرُوباً لَهَا جَمَالٌ وَ رَوْعَةٌ فَیَتَلَذَّذُ بِلُبْسِهَا وَ تَبْدِیلِهَا وَ كَذَلِكَ یَتَّخِذُ بِالرِّفْقِ مِنَ الصَّنْعَةِ ضُرُوباً مِنَ الْخِفَافِ وَ النِّعَالِ یَقِی بِهَا قَدَمَیْهِ وَ فِی ذَلِكَ مَعَایِشُ لِمَنْ یَعْمَلُهُ مِنَ النَّاسِ وَ مَكَاسِبُ یَكُونُ فِیهَا مَعَاشُهُمْ وَ مِنْهَا أَقْوَاتُهُمْ وَ أَقْوَاتُ عِیَالِهِمْ فَصَارَ الشَّعْرُ وَ الْوَبَرُ وَ الصُّوفُ یَقُومُ لِلْبَهَائِمِ مَقَامَ الْكِسْوَةِ وَ الْأَظْلاَفُ وَ الْحَوَافِرُ وَ الْأَخْفَافُ مَقَامَ الْحِذَاءِ.

بیان: قال الجوهری :قال الكسائی رجل حاف بیّن الحفوة و الحفاء بالمد و هو الذی یمشی بلا خفّ و لا نعل و قال و أما الذی حفی من كثرة المشی أی رقّت قدمه أو حافره فإنه حفّ بیّن الحفا مقصورا و أحفاه غیره انتهی قوله علیه السلام: و روعه من قولهم راعنی الشیء أعجبنی.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی خِلْقَةٍ عَجِیبَةٍ جُعِلَتْ فِی الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُمْ یُوَارُونَ أَنْفُسَهُمْ إِذَا مَاتُوا كَمَا یُوَارِی النَّاسُ مَوْتَاهُمْ وَ إِلاَّ فَأَیْنَ جِیَفُ هَذِهِ الْوُحُوشِ وَ السِّبَاعِ وَ غَیْرِهَا لاَ یُرَی مِنْهَا شَیْءٌ وَ لَیْسَتْ قَلِیلَةً فَتَخْفَی لِقِلَّتِهَا بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهَا أَكْثَرُ مِنَ النَّاسِ لَصَدَقَ فَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِمَا تَرَاهُ فِی الصَّحَارِی وَ الْجِبَالِ مِنْ أَسْرَابِ الظِّبَاءِ وَ الْمَهَا وَ الْحَمِیرِ وَ الْوُعُولِ وَ الْأَیَائِلِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوُحُوشِ وَ أَصْنَافِ السِّبَاعِ مِنَ الْأُسْدِ وَ الضِّبَاعِ وَ الذِّئَابِ وَ النُّمُورِ وَ غَیْرِهَا وَ ضُرُوبِ الْهَوَامِّ وَ الْحَشَرَاتِ وَ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَ كَذَلِكَ أَسْرَابُ الطَّیْرِ مِنَ الْغِرْبَانِ (1)وَ الْقَطَا (2)وَ الْإِوَزِّ (3)وَ الْكَرَاكِی (4)وَ الْحَمَامِ وَ سِبَاعِ الطَّیْرِ جَمِیعاً وَ كُلُّهَا لاَ یُرَی مِنْهَا شَیْءٌ إِذَا

ص:99


1- جمع الغراب.
2- جمع القطاة:طائر فی حجم الحمام.
3- جمع الاوزّة:طائر مائیّ یقال له:الوزّة أیضا.
4- جمع الكركی:طائر كبیر أغبر اللون،طویل العنق و الرجلین،أبتر الذنب،قلیل اللحم، یأوی إلی الماء أحیانا.

مَاتَتْ إِلاَّ الْوَاحِدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ یَصِیدُهُ قَانِصٌ أَوْ یَفْتَرِسُهُ سَبُعٌ فَإِذَا أَحَسُّوا بِالْمَوْتِ كَمَنُوا (1)فِی مَوَاضِعَ خَفِیَّةٍ فَیَمُوتُونَ فِیهَا وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لاَمْتَلَأَتِ الصَّحَارِی مِنْهَا حَتَّی تَفْسُدَ رَائِحَةُ الْهَوَاءِ وَ یُحْدَثُ الْأَمْرَاضُ وَ الْوَبَاءُ فَانْظُرْ إِلَی هَذَا الَّذِی یَخْلُصُ إِلَیْهِ النَّاسُ وَ عَمِلُوهُ بِالتَّمْثِیلِ الْأَوَّلِ الَّذِی مُثِّلَ لَهُمْ كَیْفَ جُعِلَ طَبْعاً وَ ادِّكَاراً فِی الْبَهَائِمِ وَ غَیْرِهَا لِیَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ مَعَرَّةِ مَا یُحْدَثُ عَلَیْهِمْ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَ الْفَسَادِ.

توضیح: السرب بالكسر و السربة القطیع من الظباء و القطا و الخیل و نحوها و الجمع أسراب و المهاة البقرة الوحشیة و الجمع مها و الوعل بالفتح و ككتف تیس الجبل و الجمع وعال و وعول و الأیل بضم الهمزة و كسرها و فتح الیاء المشددة و كسید الذكر من الأوعال و یقال هو الذی یسمی بالفارسیة گوزن و الجمع أیاییل و القانص الصائد و خلص إلیه وصل و المراد بالتمثیل ما ذكره اللّٰه تعالی فی قصة قابیل و المعرة الأذی.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الْفَطَنِ الَّتِی جُعِلَتْ فِی الْبَهَائِمِ لِمَصْلَحَتِهَا بِالطَّبْعِ وَ الْخِلْقَةِ لُطْفاً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُمْ لِئَلاَّ یَخْلُوَ مِنْ نِعَمِهِ جَلَّ وَ عَزَّ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ لاَ بِعَقْلٍ وَ رَوِیَّةٍ فَإِنَّ الْأُیَّلَ یَأْكُلُ الْحَیَّاتِ فَیَعْطَشُ عَطَشاً شَدِیداً فَیَمْتَنِعُ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ خَوْفاً مِنْ أَنْ یَدِبَّ السَّمُّ فِی جِسْمِهِ فَیَقْتُلَهُ وَ یَقِفُ عَلَی الْغَدِیرِ وَ هُوَ مَجْهُودٌ عَطَشاً فَیَعِجُّ عَجِیجاً عَالِیاً وَ لاَ یَشْرَبُ مِنْهُ وَ لَوْ شَرِبَ لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ فَانْظُرْ إِلَی مَا جُعِلَ مِنْ طِبَاعِ هَذِهِ الْبَهِیمَةِ مِنْ تَحَمُّلِ الظَّمَاءِ الْغَالِبِ خَوْفاً مِنَ الْمَضَرَّةِ فِی الشُّرْبِ وَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ یَكَادُ الْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ الْمُمَیِّزُ یَضْبِطُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَ الثَّعْلَبَ إِذَا أَعْوَزَهُ الطُّعْمُ تَمَاوَتَ وَ نَفَخَ بَطْنَهُ حَتَّی یَحْسَبَهُ الطَّیْرُ مَیِّتاً فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَیْهِ لِتَنْهَشَهُ وَثَبَ عَلَیْهَا فَأَخَذَهَا فَمَنْ أَعَانَ الثَّعْلَبَ الْعَدِیمَ النُّطْقِ وَ الرَّوِیَّةِ بِهَذِهِ الْحِیلَةِ إِلاَّ مَنْ تَوَكَّلَ بِتَوْجِیهِ الرِّزْقِ لَهُ مِنْ هَذَا وَ شِبْهِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الثَّعْلَبُ یَضْعُفُ عَنْ كَثِیرٍ مِمَّا یَقْوَی عَلَیْهِ السِّبَاعُ مِنْ مُسَاوَرَةِ الصَّیْدِ أُعِینَ بِالدَّهَاءِ (2)وَ الْفِطْنَةِ وَ الاِحْتِیَالِ لِمَعَاشِهِ وَ الدُّلْفِینَ یَلْتَمِسُ صَیْدَ الطَّیْرِ فَیَكُونُ حِیلَتُهُ فِی ذَلِكَ أَنْ یَأْخُذَ السَّمَكَ فَیَقْتُلَهُ وَ

ص:100


1- أی تواروا و اختفوا.
2- الدهاء جودة الرأی و الحذق،المكر و الاحتیال.

یَشْرَحَهُ (1)حَتَّی یَطْفُوَ عَلَی الْمَاءِ یَكْمُنُ تَحْتَهُ وَ یُثَوِّرُ الْمَاءَ الَّذِی عَلَیْهِ حَتَّی لاَ یَتَبَیَّنَ شَخْصُهُ فَإِذَا وَقَعَ الطَّیْرُ عَلَی السَّمَكِ الطَّافِی وَثَبَ إِلَیْهَا فَاصْطَادَهَا فَانْظُرْ إِلَی هَذِهِ الْحِیلَةِ كَیْفَ جُعِلَتْ طَبْعاً فِی هَذِهِ الْبَهِیمَةِ لِبَعْضِ الْمَصْلَحَةِ قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ خَبِّرْنِی یَا مَوْلاَیَ عَنِ التِّنِّینِ وَ السَّحَابِ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ السَّحَابَ كَالْمُوَكَّلِ بِهِ یَخْتَطِفُهُ حَیْثُمَا ثَقِفَهُ كَمَا یَخْتَطِفُ حَجَرُ الْمِغْنَاطِیسِ الْحَدِیدَ فَهُوَ لاَ یَطْلُعُ رَأْسَهُ فِی الْأَرْضِ خَوْفاً مِنَ السَّحَابِ وَ لاَ یَخْرُجُ إِلاَّ فِی الْقَیْظِ مَرَّةً إِذَا صَحَتِ السَّمَاءُ فَلَمْ یَكُنْ فِیهَا نُكْتَةٌ مِنْ غَیْمَةٍ قُلْتُ فَلِمَ وَكَّلَ السَّحَابَ بِالتِّنِّینِ یَرْصُدُهُ وَ یَخْتَطِفُهُ إِذَا وَجَدَهُ قَالَ لِیَدْفَعَ عَنِ النَّاسِ مَضَرَّتَهُ .

بیان: قوله لا بعقل و رویة لعل المراد أن هذه الأمور من محض لطفه تعالی حیث یلهمهم ذلك لا بعقل و رویة و فی أكثر النسخ لا یعقل و مروته و هو تصحیف و المراد معلوم و الجهد الطاقة و المشقة أی أصابته مشقة عظیمة من العطش و العجیج الصیاح و رفع الصوت و أعوزه الشیء أی احتاج إلیه و التماوت إظهار الموت حیلة و المساورة هی الوثوب علی وجه الصید و قال الفیروزآبادی :الدلفین بالضم دابّة بحریّة تنجی الغریق (2)و قوله علیه السلام: یثور الماء أی یهیجه و یحركه و التنین حیّة عظیمة معروفة و ثقفه أی وجده و القیظ صمیم الصیف من طلوع الثریا إلی طلوع سهیل و الصحو ذهاب الغیم.

قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ قَدْ وَصَفْتَ لِی مَوْلاَیَ مِنْ أَمْرِ الْبَهَائِمِ مَا فِیهِ مُعْتَبَرٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ فَصِفْ لِیَ الذَّرَّةَ (3)وَ النَّمْلَ وَ الطَّیْرَ فَقَالَ علیه السلام یَا مُفَضَّلُ تَأَمَّلْ وَجْهَ الذَّرَّةِ الْحَقِیرَةِ الصَّغِیرَةِ هَلْ تَجِدُ فِیهَا نَقْصاً عَمَّا فِیهِ صَلاَحُهَا

ص:101


1- أی یقطعه.
2- و قیل:هو خنزیر البحر،و هو دابة تنجی الغریق،و هو كثیر بأواخر نیل مصر من جهة البحر الملح،لانه یقذف به البحر إلی النیل،و صفته كصفة الزقّ المنفوخ،و له رأس صغیر جدا،و لیس فی دواب البحر ما له رئة سواه،فلذلك یسمع منه النفخ و النفس،و هو إذا ظفر بالغریق كان أقوی الأسباب فی نجاته،لانه لا یزال یدفعه إلی البر حتّی ینجیه،و لا یؤذی أحدا،و من طبعه الانس بالانسان و خاصّة بالصبیان.
3- الذرة:النحلة الصغیرة الحمراء.

فَمِنْ أَیْنَ هَذَا التَّقْدِیرُ وَ الصَّوَابُ فِی خَلْقِ الذَّرَّةِ إِلاَّ مِنَ التَّدْبِیرِ الْقَائِمِ فِی صَغِیرِ الْخَلْقِ وَ كَبِیرِهِ انْظُرْ إِلَی النَّمْلِ وَ احْتِشَادِهَا فِی جَمْعِ الْقُوتِ وَ إِعْدَادِهِ فَإِنَّكَ تَرَی الْجَمَاعَةَ مِنْهَا إِذَا نَقَلَتِ الْحَبَّ إِلَی زُبْیَتِهَا بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ یَنْقُلُونَ الطَّعَامَ أَوْ غَیْرَهُ بَلْ لِلنَّمْلِ فِی ذَلِكَ مِنَ الْجِدِّ وَ التَّشْمِیرِ مَا لَیْسَ لِلنَّاسِ مِثْلُهُ أَ مَا تَرَاهُمْ یَتَعَاوَنُونَ عَلَی النَّقْلِ كَمَا یَتَعَاوَنُ النَّاسُ عَلَی الْعَمَلِ ثُمَّ یَعْمِدُونَ إِلَی الْحَبِّ فَیُقَطِّعُونَهُ قِطَعاً لِكَیْلاَ یَنْبُتَ فَیَفْسُدَ عَلَیْهِمْ (1)فَإِنْ أَصَابَهُ نَدًی أَخْرَجُوهُ فَنَشَرُوهُ حَتَّی یَجِفَّ ثُمَّ لاَ یَتَّخِذُ النَّمْلُ الزُّبْیَةَ إِلاَّ فِی نشر [نَشَزٍ] مِنَ الْأَرْضِ كَیْ لاَ یُفِیضَ السَّیْلُ فَیُغْرِقَهَا (2)فَكُلُّ هَذَا مِنْهُ بِلاَ عَقْلٍ وَ لاَ رَوِیَّةٍ بَلْ خِلْقَةٌ خُلِقَ عَلَیْهَا لِمَصْلَحَةٍ لُطْفاً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ انْظُرْ إِلَی هَذَا الَّذِی یُقَالُ لَهُ اللَّیْثُ وَ تُسَمِّیهِ الْعَامَّةُ أَسَدَ الذُّبَابِ وَ مَا أُعْطِیَ مِنَ الْحِیلَةِ وَ الرِّفْقِ فِی مَعَاشِهِ فَإِنَّكَ تَرَاهُ حِینَ یُحِسُّ بِالذُّبَابِ قَدْ وَقَعَ قَرِیباً مِنْهُ تَرَكَهُ مَلِیّاً حَتَّی كَأَنَّهُ مَوَاتٌ لاَ حَرَاكَ بِهِ فَإِذَا رَأَی الذُّبَابَ قَدِ اطْمَأَنَّ وَ غَفَلَ عَنْهُ دَبَّ دَبِیباً دَقِیقاً (3)حَتَّی یَكُونَ مِنْهُ بِحَیْثُ یَنَالُهُ وَثْبُهُ ثُمَّ یَثِبُ عَلَیْهِ فَیَأْخُذُهُ فَإِذَا أَخَذَهُ اشْتَمَلَ عَلَیْهِ بِجِسْمِهِ كُلِّهِ مَخَافَةَ أَنْ یَنْجُوَ مِنْهُ فَلاَ یَزَالُ قَابِضاً عَلَیْهِ حَتَّی یُحِسَّ بِأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ وَ اسْتَرْخَی ثُمَّ یُقْبِلُ عَلَیْهِ فَیَفْتَرِسُهُ وَ یَحْیَا بِذَلِكَ مِنْهُ فَأَمَّا الْعَنْكَبُوتُ فَإِنَّهُ یَنْسِجُ ذَلِكَ النَّسْجَ فَیَتَّخِذُهُ شَرَكاً وَ مَصْیَدَةً لِلذُّبَابِ ثُمَّ یَكْمُنُ فِی جَوْفِهِ فَإِذَا نَشِبَ فِیهِ الذُّبَابُ (4)أَجَالَ عَلَیْهِ یَلْدَغُهُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَیَعِیشُ بِذَلِكَ مِنْهُ فَكَذَلِكَ یُحْكَی صَیْدُ الْكِلاَبِ وَ الْفُهُودِ وَ هَكَذَا یُحْكَی صَیْدُ الْأَشْرَاكِ وَ الْحَبَائِلِ

ص:102


1- و یقطع الكفرة و یقسمها أرباعا،لما الهم من أن كل نصف منها ینبت.
2- قال الدمیری:یحفر قریته بقوائمه و هی ست،فإذا حفرها جعل فیها تعاریج،لئلا یجری إلیها ماء المطر،و ربما اتخذ قریة فوق قریة بسبب ذلك،و انما یفعل ذلك خوفا علی ما یدخره من البلل،و من عجائبه اتخاذ القریة تحت الأرض،و فیها منازل و دهالیز و غرف و طبقات معلقة، یملؤها حبوبا و ذخائر للشتاء.
3- و فی نسخة:دب دبیبا رقیقا.
4- أی وقع فیه.

فَانْظُرْ إِلَی هَذِهِ الدُّوَیْبَّةِ الضَّعِیفَةِ كَیْفَ جُعِلَ فِی طَبْعِهَا مَا لاَ یَبْلُغُهُ الْإِنْسَانُ إِلاَّ بِالْحِیلَةِ وَ اسْتِعْمَالِ آلاَتٍ فِیهَا فَلاَ تَزْدَرِ بِالشَّیْءِ إِذَا كَانَتِ الْعِبْرَةُ فِیهِ وَاضِحَةً كَالذَّرَّةِ وَ النَّمْلَةِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْنَی النَّفِیسَ قَدْ یُمَثَّلُ بِالشَّیْءِ الْحَقِیرِ فَلاَ یَضَعُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا لاَ یَضَعُ مِنَ الدِّینَارِ وَ هُوَ مِنْ ذَهَبٍ أَنْ یُوزَنَ بِمِثْقَالٍ مِنْ حَدِیدٍ .

بیان: الاحتشاد الاجتماع و الزبیة بالضم الحفرة و النشر بالفتح و بالتحریك المكان المرتفع و قال الجوهری :اللیث الأسد و ضرب من العناكب یصطاد الذباب بالوثب انتهی و الموات بالفتح ما لا روح فیه و یقال ما به حراك كسحاب أی حركه و الشرك بالتحریك حبالة الصائد و یقال أحال علیه بالسوط یضربه أی أقبل قوله علیه السلام: فكذلك أی كفعل اللیث و قوله هكذا أی كالعنكبوت و الازدراء الاحتقار قوله علیه السلام: فلا یضع منه أی لا ینقص من قدر المعنی النفیس تمثیله بالشیء الحقیر قال الفیروزآبادی وضع عنه حط من قدره.

تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ جِسْمَ الطَّائِرِ وَ خِلْقَتَهُ فَإِنَّهُ حِینَ قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ طَائِراً فِی الْجَوِّ خُفِّفَ جِسْمُهُ وَ أُدْمِجَ خَلْقُهُ فَاقْتَصَرَ بِهِ مِنَ الْقَوَائِمِ الْأَرْبَعِ عَلَی اثْنَتَیْنِ وَ مِنَ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ عَلَی أَرْبَعٍ وَ مِنْ مَنْفَذَیْنِ لِلزِّبْلِ وَ الْبَوْلِ عَلَی وَاحِدٍ یَجْمَعُهُمَا ثُمَّ خُلِقَ ذَا جُؤْجُؤٍ مُحَدَّدٍ لِیَسْهُلَ عَلَیْهِ أَنْ یَخْرِقَ الْهَوَاءَ كَیْفَ مَا أَخَذَ فِیهِ كَمَا جُعِلَ السَّفِینَةُ بِهَذِهِ الْهَیْئَةِ لِتَشُقَّ الْمَاءَ وَ تَنْفُذَ فِیهِ وَ جُعِلَ فِی جَنَاحَیْهِ وَ ذَنَبِهِ رِیشَاتٌ طِوَالٌ مِتَانٌ لِیَنْهَضَ بِهَا لِلطَّیَرَانِ وَ كُسِیَ كُلُّهُ الرِّیشَ لِیُدَاخِلَهُ الْهَوَاءُ فَیُقِلَّهُ وَ لَمَّا قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ طُعْمُهُ الْحَبَّ وَ اللَّحْمَ یَبْلَعُهُ بَلْعاً بِلاَ مَضْغٍ نُقِصَ مِنْ خَلْقِهِ الْأَسْنَانُ وَ خُلِقَ لَهُ مِنْقَارٌ صُلْبٌ جَاسٍ یَتَنَاوَلُ بِهِ طُعْمَهُ فَلاَ ینسجح (یَنْسَحِجُ) مِنْ لَقْطِ الْحَبِّ وَ لاَ یَتَقَصَّفُ مِنْ نَهْشِ اللَّحْمِ وَ لَمَّا عَدِمَ الْأَسْنَانَ وَ صَارَ یَزْدَرِدُ الْحَبَّ (1)صَحِیحاً وَ اللَّحْمَ غَرِیضاً أُعِینَ بِفَضْلِ حَرَارَةٍ فِی الْجَوْفِ تَطْحَنُ لَهُ الطُّعْمَ طَحْناً یَسْتَغْنِی بِهِ عَنِ الْمَضْغِ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَجَمَ الْعِنَبِ وَ غَیْرِهِ یَخْرُجُ مِنْ أَجْوَافِ الْإِنْسِ صَحِیحاً وَ یُطْحَنُ فِی أَجْوَافِ الطَّیْرِ لاَ یُرَی لَهُ أَثَرٌ ثُمَّ جُعِلَ مِمَّا یَبِیضُ بَیْضاً وَ لاَ یَلِدُ وِلاَدَةً لِكَیْلاَ یَثْقُلَ عَنِ الطَّیَرَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْفِرَاخُ فِی جَوْفِهِ تَمْكُثُ حَتَّی تَسْتَحْكِمَ لَأَثْقَلَتْهُ وَ عَاقَتْهُ عَنِ النُّهُوضِ

ص:103


1- أی یبتلعه و یسرع.

وَ الطَّیَرَانِ فَجُعِلَ كُلُّ شَیْءٍ مِنْ خَلْقِهِ مُشَاكِلاً لِلْأَمْرِ الَّذِی قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ عَلَیْهِ ثُمَّ صَارَ الطَّائِرُ السَّائِحُ فِی هَذَا الْجَوِّ یَقْعُدُ عَلَی بَیْضِهِ فَیَحْضُنُهُ أُسْبُوعاً وَ بَعْضُهَا أُسْبُوعَیْنِ وَ بَعْضُهَا ثَلاَثَةَ أَسَابِیعَ حَتَّی یَخْرُجَ الْفَرْخُ مِنَ الْبَیْضَةِ ثُمَّ یُقْبِلُ عَلَیْهِ فَیَزُقُّهُ الرِّیحَ لِتَتَّسِعَ حَوْصَلَتُهُ لِلْغِذَاءِ ثُمَّ یُرَبِّیهِ وَ یُغَذِّیهِ بِمَا یَعِیشُ بِهِ فَمَنْ كَلَّفَهُ أَنْ یَلْقُطَ الطُّعْمَ وَ یَسْتَخْرِجَهُ بَعْدَ أَنْ یَسْتَقِرَّ فِی حَوْصَلَتِهِ وَ یَغْذُو بِهِ فِرَاخَهُ وَ لِأَیِّ مَعْنًی یَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَشَقَّةَ وَ لَیْسَ بِذِی رَوِیَّةٍ وَ لاَ تَفَكُّرٍ وَ لاَ یَأْمُلُ فِی فِرَاخِهِ مَا یَأْمُلُ الْإِنْسَانُ فِی وَلَدِهِ مِنَ الْعِزِّ وَ الرَّفْدِ (1)وَ بَقَاءِ الذِّكْرِ فَهَذَا هُوَ فِعْلٌ (2)یَشْهَدُ بِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَی فِرَاخِهِ لِعِلَّةٍ لاَ یَعْرِفُهَا وَ لاَ یُفَكِّرُ فِیهَا وَ هِیَ دَوَامُ النَّسْلِ وَ بَقَاؤُهُ لُطْفاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَی ذِكْرُهُ انْظُرْ إِلَی الدَّجَاجَةِ كَیْفَ تُهَیَّجُ لِحِضْنِ الْبَیْضِ وَ التَّفْرِیخِ وَ لَیْسَ لَهَا بَیْضٌ مُجْتَمَعٌ وَ لاَ وَكْرٌ (3)مُوَطَّأٌ بَلْ تَنْبَعِثُ وَ تَنْتَفِخُ وَ تُقَوْقِی وَ تَمْتَنِعُ مِنَ الطُّعْمِ حَتَّی یُجْمَعَ لَهَا الْبَیْضُ فَتَحْضُنُهُ وَ تُفْرِخُ فَلِمَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا إِلاَّ لِإِقَامَةِ النَّسْلِ وَ مَنْ أَخَذَهَا بِإِقَامَةِ النَّسْلِ وَ لاَ رَوِیَّةَ وَ لاَ تَفَكُّرَ لَوْ لاَ أَنَّهَا مَجْبُولَةٌ عَلَی ذَلِكَ اعْتَبِرْ بِخَلْقِ الْبَیْضَةِ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْمُحِّ الْأَصْفَرِ الْخَاثِرِ وَ الْمَاءِ الْأَبْیَضِ الرَّقِیقِ فَبَعْضُهُ لِیَنْتَشِرَ مِنْهُ الْفَرْخُ وَ بَعْضُهُ لِیُغَذَّی بِهِ (4)إِلَی أَنْ تَنْقَابَ عَنْهُ الْبَیْضَةُ وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِیرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ نُشُوءُ الْفَرْخِ فِی تِلْكَ الْقِشْرَةِ الْمُسْتَحْصَنَةِ الَّتِی لاَ مَسَاغَ لِشَیْءٍ إِلَیْهَا لَجُعِلَ مَعَهُ فِی جَوْفِهَا مِنَ الْغِذَاءِ مَا یَكْتَفِی بِهِ إِلَی وَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهَا كَمَنْ یُحْبَسُ فِی حَبْسٍ حَصِینٍ لاَ یُوصَلُ إِلَی مَنْ فِیهِ فَیُجْعَلُ مَعَهُ مِنَ الْقُوتِ مَا یَكْتَفِی بِهِ إِلَی وَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهُ فَكِّرْ فِی حَوْصَلَةِ الطَّائِرِ وَ مَا قُدِّرَ لَهُ فَإِنَّ مَسْلَكَ الطُّعْمِ إِلَی الْقَانِصَةِ (5)ضَیِّقٌ لاَ یَنْفُذُ فِیهِ الطَّعَامُ إِلاَّ قَلِیلاً قَلِیلاً فَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ لاَ یَلْقُطُ حَبَّةً ثَانِیَةً حَتَّی تَصِلَ الْأُولَی إِلَی الْقَانِصَةِ لَطَالَ عَلَیْهِ وَ مَتَی كَانَ یَسْتَوْفِی طُعْمَهُ فَإِنَّمَا یَخْتَلِسُهُ اخْتِلاَساً لِشِدَّةِ الْحَذَرِ

ص:104


1- الرفد:النصیب،المعاونة.
2- و فی نسخة:فهذا من فعله یشهد بأنّه معطوف علی فراخه.
3- الوكر-بفتح الواو و سكون الكاف-:عش الطائر.
4- و فی نسخة:لیغتذی به.
5- القانصة للطیر:كالمعدة للإنسان.

فَجُعِلَتِ الْحَوْصَلَةُ كَالْمِخْلاَةِ الْمُعَلَّقَةِ أَمَامَهُ لِیُوعِیَ فِیهَا مَا أَدْرَكَ مِنَ الطُّعْمِ بِسُرْعَةٍ ثُمَّ تُنْفِذُهُ إِلَی الْقَانِصَةِ عَلَی مَهْلٍ وَ فِی الْحَوْصَلَةِ أَیْضاً خَلَّةٌ أُخْرَی فَإِنَّ مِنَ الطَّائِرِ مَا یَحْتَاجُ إِلَی أَنْ یَزُقَّ فِرَاخَهُ فَیَكُونُ رَدُّهُ لِلطُّعْمِ مِنْ قُرْبٍ أَسْهَلَ عَلَیْهِ.

توضیح: أقلّه أی حمله و رفعه و جسا كدعا صلب و یبس و یقال سحجت جلده فانسحج أی قشرته فانقشر و التقصّف التكسّر و الغریض الطریّ أی غیر مطبوخ و العجم بالتحریك النوی و حضن الطائر بیضته یحضنه إذا ضمّه إلی نفسه تحت جناحه و زقّ الطائر فرخه یزقّه أی أطعمه بفیه و تقوقی أی تصیح و المحّ بضم المیم و الحاء المهملة صفرة البیض و فی بعض النسخ بالخاء المعجمة و قال الأصمعی أخثرت الزبد تركته خاثرا و ذلك إذا لم تذبه و تنقاب أی تنفلق.

قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ یَا مَوْلاَیَ إِنَّ قَوْماً مِنَ الْمُعَطِّلَةِ یَزْعُمُونَ أَنَّ اخْتِلاَفَ الْأَلْوَانِ وَ الْأَشْكَالِ فِی الطَّیْرِ إِنَّمَا یَكُونُ مِنْ قِبَلِ امْتِزَاجِ الْأَخْلاَطِ وَ اخْتِلاَفِ مَقَادِیرِهَا بِالْمَرَجِ وَ الْإِهْمَالِ فَقَالَ یَا مُفَضَّلُ هَذَا الْوَشْیُ الَّذِی تَرَاهُ فِی الطَّوَاوِیسِ وَ الدُّرَّاجِ وَ التَّدَارِجِ (1)عَلَی اسْتِوَاءٍ وَ مُقَابَلَةٍ كَنَحْوِ مَا یَخُطُّ بِالْأَقْلاَمِ كَیْفَ یَأْتِی بِهِ الاِمْتِزَاجُ الْمُهْمَلُ عَلَی شَكْلٍ وَاحِدٍ لاَ یَخْتَلِفُ وَ لَوْ كَانَ بِالْإِهْمَالِ لَعَدِمَ الاِسْتِوَاءَ وَ لَكَانَ مُخْتَلِفاً تَأَمَّلْ رِیشَ الطَّیْرِ كَیْفَ هُوَ فَإِنَّكَ تَرَاهُ مَنْسُوجاً كَنَسْجِ الثَّوْبِ مِنْ سُلُوكٍ دِقَاقٍ قَدْ أُلِّفَ بَعْضُهُ إِلَی بَعْضٍ كَتَأْلِیفِ الْخَیْطِ إِلَی الْخَیْطِ وَ الشَّعْرَةِ إِلَی الشَّعْرَةِ ثُمَّ تَرَی ذَلِكَ النَّسْجَ إِذَا مَدَدْتَهُ یَنْفَتِحُ قَلِیلاً وَ لاَ یَنْشَقُّ لِتُدَاخِلَهُ الرِّیحُ فَیَقِلَّ الطَّائِرُ إِذَا طَارَ وَ تَرَی فِی وَسَطِ الرِّیشَةِ عَمُوداً غَلِیظاً مَتِیناً قَدْ نُسِجَ عَلَیْهِ الَّذِی هُوَ مِثْلُ الشَّعْرِ لِیُمْسِكَهُ بِصَلاَبَتِهِ وَ هُوَ الْقَصَبَةُ الَّتِی هُوَ فِی وَسَطِ الرِّیشَةِ وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ أَجْوَفُ لِیَخِفَّ عَلَی الطَّائِرِ وَ لاَ یَعُوقَهُ عَنِ الطَّیَرَانِ .

ص:105


1- قال الدمیری:التدرج كحبرج:طائر كالدرّاج یغرد فی البساتین بأصوات طیبة،یسمن عند صفاء الهواء و هبوب الشمال،و یهزل عند كدورته و هبوب الجنوب،یتخذ داره فی التراب اللین، و یضع البیض فیها لئلا یتعرض للآفات.و قال ابن زهر:هو طائر ملیح یكون بأرض خراسان و غیرها من بلاد فارس.

بیان: المرج بالتحریك الفساد و الاضطراب و الاختلاط و فی بعض النسخ بالزای المعجمة و الأول أظهر و الوشی نقش الثوب و یكون من كل لون و السلوك جمع السلك و هو جمع السلكة بالكسر الخیط یخاط بها.

هَلْ رَأَیْتَ یَا مُفَضَّلُ هَذَا الطَّائِرَ الطَّوِیلَ السَّاقَیْنِ وَ عَرَفْتَ مَا لَهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ فِی طُولِ سَاقَیْهِ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ ذَلِكَ فِی ضَحْضَاحٍ مِنَ الْمَاءِ فَتَرَاهُ بِسَاقَیْنِ طَوِیلَیْنِ كَأَنَّهُ رَبِیئَةٌ فَوْقَ مَرْقَبٍ وَ هُوَ یَتَأَمَّلُ مَا یَدِبُّ فِی الْمَاءِ فَإِذَا رَأَی شَیْئاً مِمَّا یَتَقَوَّتُ بِهِ خَطَا خُطُوَاتٍ رَقِیقاً (1)حَتَّی یَتَنَاوَلَهُ وَ لَوْ كَانَ قَصِیرَ السَّاقَیْنِ وَ كَانَ یَخْطُو نَحْوَ الصَّیْدِ لِیَأْخُذَهُ یُصِیبُ بَطْنُهُ الْمَاءَ فَیَثُورُ وَ یُذْعَرُ مِنْهُ فَیَتَفَرَّقُ عَنْهُ فَخُلِقَ لَهُ ذَلِكَ الْعَمُودَانِ لِیُدْرِكَ بِهِمَا حَاجَتَهُ وَ لاَ یَفْسُدَ عَلَیْهِ مَطْلَبُهُ تَأَمَّلْ ضُرُوبَ التَّدْبِیرِ فِی خَلْقِ الطَّائِرِ فَإِنَّكَ تَجِدُ كُلَّ طَائِرٍ طَوِیلِ السَّاقَیْنِ طَوِیلَ الْعُنُقِ وَ ذَلِكَ لِیَتَمَكَّنَ مِنْ تَنَاوُلِ طُعْمِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَ لَوْ كَانَ طَوِیلَ السَّاقَیْنِ قَصِیرَ الْعُنُقِ لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ یَتَنَاوَلَ شَیْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَ رُبَّمَا أُعِینَ مَعَ طُولِ الْعُنُقِ (2)بِطُولِ الْمَنَاقِیرِ لِیَزْدَادَ الْأَمْرُ عَلَیْهِ سُهُولَةً لَهُ وَ إِمْكَاناً أَ فَلاَ تَرَی أَنَّكَ لاَ تُفَتِّشُ شَیْئاً مِنَ الْخِلْقَةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ عَلَی غَایَةِ الصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ.

توضیح: ماء ضحضاح أی قریب القعر و الربیئة بالهمز العین و الطلیعة الذی ینظر للقوم لئلا یدهمهم عدو و لا یكون إلا علی جبل أو شرف و المرقب الموضع المشرف یرتفع علیه الرقیب و الذعر الخوف.

اُنْظُرْ إِلَی الْعَصَافِیرِ كَیْفَ تَطْلُبُ أُكُلَهَا بِالنَّهَارِ فَهِیَ لاَ تَفْقِدُهُ وَ لاَ هِیَ تَجِدُهُ مَجْمُوعاً مُعَدّاً بَلْ تَنَالُهُ بِالْحَرَكَةِ وَ الطَّلَبِ وَ كَذَلِكَ الْخَلْقُ كُلُّهُ فَسُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ الرِّزْقَ كَیْفَ قَوَّتَهُ (3)فَلَمْ یَجْعَلْ مِمَّا لاَ یُقْدَرُ عَلَیْهِ إِذْ جَعَلَ لِلْخَلْقِ حَاجَةً إِلَیْهِ وَ لَمْ یَجْعَلْهُ مَبْذُولاً وَ یُنَالُ بِالْهُوَیْنَا إِذْ كَانَ لاَ صَلاَحَ فِی ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ یُوجَدُ مَجْمُوعاً مُعَدّاً كَانَتِ الْبَهَائِمُ تَتَقَلَّبُ عَلَیْهِ وَ لاَ تَنْقَلِعُ حَتَّی تَبْشَمَ فَتَهْلِكَ وَ كَانَ النَّاسُ أَیْضاً یَصِیرُونَ بِالْفَرَاغِ إِلَی غَایَةِ الْأَشَرِ وَ الْبَطَرِ حَتَّی یَكْثُرَ الْفَسَادُ وَ یَظْهَرَ الْفَوَاحِشُ

ص:106


1- و فی نسخة:خطوات رقیقات.
2- و فی نسخة:اعین علی طول العنق.
3- و فی نسخة:كیف قدّره.

أَ عَلِمْتَ مَا طُعْمُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنَ الطَّیْرِ الَّتِی لاَ تَخْرُجُ إِلاَّ بِاللَّیْلِ كَمِثْلِ الْبُومِ وَ الْهَامِ (1)وَ الْخُفَّاشِ قُلْتُ لاَ یَا مَوْلاَیَ قَالَ إِنَّ مَعَاشَهَا مِنْ ضُرُوبٍ تَنْتَشِرُ فِی هَذَا الْجَوِّ مِنَ الْبَعُوضِ وَ الْفَرَاشِ وَ أَشْبَاهِ الْجَرَادِ وَ الْیَعَاسِیبِ وَ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الضُّرُوبَ مَبْثُوثَةٌ فِی الْجَوِّ لاَ یَخْلُو مِنْهَا مَوْضِعٌ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّكَ إِذَا وَضَعْتَ سِرَاجاً بِاللَّیْلِ فِی سَطْحٍ أَوْ عَرْصَةِ دَارٍ اجْتَمَعَ عَلَیْهِ مِنْ هَذَا شَیْءٌ كَثِیرٌ فَمِنْ أَیْنَ یَأْتِی ذَلِكَ كُلُّهُ إِلاَّ مِنَ الْقُرْبِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ یَأْتِی مِنَ الصَّحَارِی وَ الْبَرَارِی قِیلَ لَهُ كَیْفَ یُوَافِی تِلْكَ السَّاعَةَ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِیدٍ وَ كَیْفَ یُبْصِرُ مِنْ ذَلِكَ الْبُعْدِ سِرَاجاً فِی دَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِالدُّورِ فَیَقْصِدُ إِلَیْهِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ عِیَاناً تَتَهَافَتُ عَلَی السِّرَاجِ (2)مِنْ قُرْبٍ فَیَدُلُّ ذَلِكَ عَلَی أَنَّهَا مُنْتَشِرَةٌ فِی كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْجَوِّ فَهَذِهِ الْأَصْنَافُ مِنَ الطَّیْرِ تَلْتَمِسُهَا إِذَا خَرَجَتْ فَتَتَقَوَّتُ بِهَا فَانْظُرْ كَیْفَ وُجِّهَ الرِّزْقُ لِهَذِهِ الطُّیُورِ الَّتِی لاَ تَخْرُجُ إِلاَّ بِاللَّیْلِ مِنْ هَذِهِ الضُّرُوبِ الْمُنْتَشِرَةِ فِی الْجَوِّ وَ اعْرِفْ مَعَ ذَلِكَ الْمَعْنَی فِی خَلْقِ هَذِهِ الضُّرُوبِ الْمُنْتَشِرَةِ الَّتِی عَسَی أَنْ یَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهَا فَضْلٌ لاَ مَعْنَی لَهُ خُلِقَ الْخُفَّاشُ خِلْقَةً عَجِیبَةً بَیْنَ خِلْقَةِ الطَّیْرِ وَ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ [بَلْ هُوَ إِلَی ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ] أَقْرَبُ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ ذُو أُذُنَیْنِ نَاشِزَتَیْنِ وَ أَسْنَانٍ وَ وَبَرٍ (3)وَ هُوَ یَلِدُ وِلاَداً وَ یَرْضِعُ وَ یَبُولُ وَ یَمْشِی إِذَا مَشَی عَلَی أَرْبَعٍ وَ كُلُّ هَذَا خِلاَفُ صِفَةِ الطَّیْرِ ثُمَّ هُوَ أَیْضاً مِمَّا یَخْرُجُ بِاللَّیْلِ وَ یَتَقَوَّتُ مِمَّا یَسْرِی فِی الْجَوِّ مِنَ الْفَرَاشِ وَ مَا أَشْبَهَهُ وَ قَدْ قَالَ قَائِلُونَ إِنَّهُ لاَ طُعْمَ لِلْخُفَّاشِ وَ إِنَّ غِذَاءَهُ مِنَ النَّسِیمِ وَحْدَهُ وَ ذَلِكَ یَفْسُدُ وَ یَبْطُلُ مِنْ جِهَتَیْنِ إِحْدَاهُمَا خُرُوجُ مَا یَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الثُّفْلِ وَ الْبَوْلِ فَإِنَّ هَذَا لاَ یَكُونُ مِنْ غَیْرِ طُعْمٍ وَ الْأُخْرَی أَنَّهُ ذُو أَسْنَانٍ وَ لَوْ كَانَ لاَ یَطْعَمُ شَیْئاً لَمْ یَكُنْ لِلْأَسْنَانِ فِیهِ مَعْنًی وَ لَیْسَ فِی الْخِلْقَةِ شَیْءٌ لاَ مَعْنَی لَهُ وَ أَمَّا الْمَآرِبُ فِیهِ فَمَعْرُوفَةٌ

ص:107


1- جمع الهامة:نوع من البوم الصغیر،تألف القبور و الاماكن الخربة،و تنظر من كل مكان أینما درت أدارت رأسها.و تسمی أیضا الصدی.
2- أی تساقط علیه و تتابع.
3- أضاف الدمیری له خصیصتین،و قال:یحیض و یطهر،و یضحك كما یضحك الإنسان.

حَتَّی إِنَّ زِبْلَهُ یَدْخُلُ فِی بَعْضِ الْأَعْمَالِ (1)وَ مِنْ أَعْظَمِ الْإِرْبِ فِیهِ خِلْقَتُهُ الْعَجِیبَةُ الدَّالَّةُ عَلَی قُدْرَةِ الْخَالِقِ جَلَّ شَأْنُهُ وَ تَصَرُّفِهَا فِیمَا شَاءَ كَیْفَ شَاءَ لِضَرْبٍ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَأَمَّا الطَّائِرُ الصَّغِیرُ الَّذِی یُقَالُ لَهُ ابْنُ تُمَّرَةَ فَقَدْ عَشَّشَ فِی بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فِی بَعْضِ الشَّجَرِ فَنَظَرَ إِلَی حَیَّةٍ عَظِیمَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَ عُشِّهِ فَاغِرَةً فَاهَا لِتَبْلَعَهُ فَبَیْنَمَا هُوَ یَتَقَلَّبُ وَ یَضْطَرِبُ فِی طَلَبِ حِیلَةٍ مِنْهَا إِذَا وَجَدَ حَسَكَةً فَحَمَلَهَا فَأَلْقَاهَا فِی فَمِ الْحَیَّةِ فَلَمْ تَزَلِ الْحَیَّةُ تَلْتَوِی وَ تَتَقَلَّبُ حَتَّی مَاتَتْ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ لَمْ أُخْبِرْكَ بِذَلِكَ كَانَ یَخْطُرُ بِبَالِكَ أَوْ بِبَالِ غَیْرِكَ أَنَّهُ یَكُونُ مِنْ حَسَكَةٍ مِثْلُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ الْعَظِیمَةِ أَوْ یَكُونُ مِنْ طَائِرٍ صَغِیرٍ أَوْ كَبِیرٍ مِثْلُ هَذِهِ الْحِیلَةِ اعْتَبِرْ بِهَذَا وَ كَثِیرٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ تَكُونُ فِیهَا مَنَافِعُ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ بِحَادِثٍ یُحْدَثُ بِهِ أَوْ خَبَرٍ یُسْمَعُ بِهِ انْظُرْ إِلَی النَّحْلِ وَ احْتِشَادِهِ فِی صَنْعَةِ الْعَسَلِ وَ تَهْیِئَةِ الْبُیُوتِ الْمُسَدَّسَةِ وَ مَا تَرَی فِی ذَلِكَ اجْتِمَاعَهُ مِنْ دَقَائِقِ الْفِطْنَةِ (2)فَإِنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْعَمَلَ رَأَیْتَهُ عَجِیباً لَطِیفاً وَ إِذَا رَأَیْتَ الْمَعْمُولَ وَجَدْتَهُ عَظِیماً شَرِیفاً مَوْقِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَی الْفَاعِلِ أَلْفَیْتَهُ غَبِیّاً جَاهِلاً بِنَفْسِهِ فَضْلاً عَمَّا سِوَی ذَلِكَ فَفِی هَذَا أَوْضَحُ الدَّلاَلَةِ عَلَی أَنَّ الصَّوَابَ وَ الْحِكْمَةَ فِی هَذِهِ الصَّنْعَةِ لَیْسَ لِلنَّحْلِ بَلْ هِیَ لِلَّذِی طَبَعَهُ عَلَیْهَا وَ سَخَّرَهُ فِیهَا لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ انْظُرْ إِلَی هَذَا الْجَرَادِ مَا أَضْعَفَهُ وَ أَقْوَاهُ فَإِنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ خَلْقَهُ رَأَیْتَهُ كَأَضْعَفِ الْأَشْیَاءِ وَ إِنْ دَلَفَتْ عَسَاكِرُهُ نَحْوَ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ لَمْ یَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ یَحْمِیَهُ مِنْهُ أَ لاَ تَرَی أَنَّ مَلِكاً مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ لَوْ جَمَعَ خَیْلَهُ وَ رَجِلَهُ لِیَحْمِیَ بِلاَدَهُ مِنَ الْجَرَادِ لَمْ یَقْدِرْ عَلَی ذَلِكَ أَ فَلَیْسَ مِنَ الدَّلاَئِلِ عَلَی قُدْرَةِ الْخَالِقِ أَنْ یَبْعَثَ أَضْعَفَ خَلْقِهِ إِلَی أَقْوَی خَلْقِهِ فَلاَ یَسْتَطِیعُ دَفْعَهُ انْظُرْ إِلَیْهِ كَیْفَ یَنْسَابُ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ مِثْلَ السَّیْلِ فَیُغْشِی السَّهْلَ وَ الْجَبَلَ وَ الْبَدْوَ وَ الْحَضَرَ حَتَّی یَسْتُرَ نُورَ الشَّمْسِ بِكَثْرَتِهِ فَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا یُصْنَعُ بِالْأَیْدِی

ص:108


1- قد ذكر الدمیری لاجزائه خواصا كثیرة:منها ان طبخ رأسه فی إناء نحاس أو حدید بدهن زنبق و یغمر فیه مرارا حتّی یتهرّی و یصفی ذلك الدهن عنه،و یدهن به صاحب النقرس و الفالج القدیم و الارتعاش،و التورّم فی الجسد فانه ینفعه ذلك و یبرئه،و منها ان زبله إذا طلی به علی القوابی قلعها.و غیر ذلك من الفوائد.
2- و فی نسخة:و ما تری فی اجتماعه من دقائق الفطنة.

مَتَی كَانَ یَجْتَمِعُ مِنْهُ هَذِهِ الْكَثْرَةُ وَ فِی كَمْ مِنْ سَنَةٍ كَانَ یَرْتَفِعُ فَاسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَی الْقُدْرَةِ الَّتِی لاَ یَئُودُهَا شَیْءٌ وَ یُكْثِرُ عَلَیْهَا تَأَمَّلْ خَلْقَ السَّمَكِ وَ مُشَاكَلَتَهُ لِلْأَمْرِ الَّذِی قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ عَلَیْهِ فَإِنَّهُ خُلِقَ غَیْرَ ذِی قَوَائِمَ لِأَنَّهُ لاَ یَحْتَاجُ إِلَی الْمَشْیِ إِذَا كَانَ مَسْكَنُهُ الْمَاءَ وَ خُلِقَ غَیْرَ ذِی رِیَةٍ لِأَنَّهُ لاَ یَسْتَطِیعُ أَنْ یَتَنَفَّسَ وَ هُوَ مُنْغَمِسٌ فِی اللُّجَّةِ وَ جُعِلَتْ لَهُ مَكَانَ الْقَوَائِمَ أَجْنِحَةٌ شِدَادٌ یَضْرِبُ بِهَا فِی جَانِبَیْهِ كَمَا یَضْرِبُ الْمَلاَّحُ بِالْمَجَاذِیفِ مِنْ جَانِبَیِ السَّفِینَةِ وَ كُسِیَ جِسْمُهُ قُشُوراً مِتَاناً مُتَدَاخِلَةً كَتَدَاخُلِ الدُّرُوعِ وَ الْجَوَاشِنِ لِتَقِیَهُ مِنَ الْآفَاتِ فَأُعِینَ بِفَضْلِ حِسٍّ فِی الشَّمِّ لِأَنَّ بَصَرَهُ ضَعِیفٌ وَ الْمَاءُ یَحْجُبُهُ فَصَارَ یَشَمُّ الطُّعْمَ مِنَ الْبُعْدِ الْبَعِیدِ فَیَنْتَجِعُهُ وَ إِلاَّ فَكَیْفَ یَعْلَمُ بِهِ وَ بِمَوْضِعِهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ فِیهِ إِلَی صِمَاخَیْهِ مَنَافِذَ فَهُوَ یَعُبُّ الْمَاءَ بِفِیهِ (1)وَ یُرْسِلُهُ مِنْ صِمَاخَیْهِ (2)فَتَرَوَّحَ إِلَی ذَلِكَ كَمَا یَتَرَوَّحُ غَیْرُهُ مِنَ الْحَیَوَانِ إِلَی تَنَسُّمِ هَذَا النَّسِیمِ فَكِّرِ الْآنَ فِی كَثْرَةِ نَسْلِهِ وَ مَا خُصَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّكَ تَرَی فِی جَوْفِ السَّمَكَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْبَیْضِ مَا لاَ یُحْصَی كَثْرَةً وَ الْعِلَّةُ فِی ذَلِكَ أَنْ یَتَّسِعَ لِمَا یَغْتَذِی بِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْحَیَوَانِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا یَأْكُلُ السَّمَكَ حَتَّی إِنَّ السِّبَاعَ أَیْضاً فِی حَافَاتِ الْآجَامِ عَاكِفَةٌ عَلَی الْمَاءِ أَیْضاً كَیْ تُرْصِدَ السَّمَكَ فَإِذَا مَرَّ بِهَا خَطِفَتْهُ فَلَمَّا كَانَتِ السِّبَاعُ تَأْكُلُ السَّمَكَ وَ الطَّیْرُ یَأْكُلُ السَّمَكَ وَ النَّاسُ یَأْكُلُونَ السَّمَكَ وَ السَّمَكُ یَأْكُلُ السَّمَكَ كَانَ مِنَ التَّدْبِیرِ فِیهِ أَنْ یَكُونَ عَلَی مَا هُوَ عَلَیْهِ مِنَ الْكَثْرَةِ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ سَعَةَ حِكْمَةِ الْخَالِقِ وَ قِصَرَ عِلْمِ الْمَخْلُوقِینَ فَانْظُرْ إِلَی مَا فِی الْبِحَارِ مِنْ ضُرُوبِ السَّمَكِ وَ دَوَابِّ الْمَاءِ وَ الْأَصْدَافِ وَ الْأَصْنَافِ الَّتِی لاَ تُحْصَی وَ لاَ تُعْرَفُ مَنَافِعُهَا إِلاَّ الشَّیْءُ بَعْدَ الشَّیْءِ یُدْرِكُهُ النَّاسُ بِأَسْبَابٍ تُحْدَثُ مِثْلُ الْقِرْمِزِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَرَفَ النَّاسُ صِبْغَهُ بِأَنَّ كَلْبَةً تَجُولُ عَلَی شَاطِئِ الْبَحْرِ فَوَجَدَتْ شَیْئاً مِنَ الصِّنْفِ الَّذِی یُسَمَّی الْحَلَزُونَ فَأَكَلَتْهُ فَاخْتَضَبَ خَطْمُهَا بِدَمِهِ فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَی حُسْنِهِ فَاتَّخَذُوهُ صِبْغاً وَ أَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا یَقِفُ النَّاسُ عَلَیْهِ حَالاً بَعْدَ حَالٍ وَ زَمَاناً بَعْدَ زَمَانٍ

ص:109


1- أی شربه أو كرعه بلا تنفس.
2- الصمخ:خرق الاذن الباطن الماضی إلی الرأس.

قَالَ اَلْمُفَضَّلُ حَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ فَقَامَ مَوْلاَیَ علیه السلام إِلَی الصَّلاَةِ وَ قَالَ بَكِّرْ إِلَیَّ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی فَانْصَرَفْتُ وَ قَدْ تُضَاعَفُ سُرُورِی بِمَا عَرَّفَنِیهِ مُبْتَهِجاً بِمَا مَنَحَنِیهِ حَامِداً لِلَّهِ عَلَی مَا آتَانِیهِ فَبِتُّ لَیْلَتِی مَسْرُوراً مُبْتَهِجاً .

بیان: البشم محركة التخمة و السأمة بشم كفرح و أبشمه الطعام و الفراش هی التی تقع فی السراج و الیعسوب أمیر النحل و طائر أصغر من الجرادة أو أعظم و قوله علیه السلام: ناشزتین بالمعجمة أی مرتفعین و فی بعض النسخ بالمهملة أی مبسوطتین و السری السیر باللیل و قال الفیروزآبادی :و التمرة كقبرة و ابن تمرة طائر أصغر من العصفور انتهی (1)و فغر فاه أی فتحه و الحسك محركة نبات تعلق ثمرته بصوف الغنم قوله علیه السلام: غبیا جاهلا أی لیس له عقل یتصرف فی سائر الأشیاء علی نحو تصرفه فی ذلك الأمر المخصوص فظهر أن خصوص هذا الأمر إلهام من مدبر حكیم أو خلقة و طبیعة جبله علیها لیصدر عنه خصوص هذا الأمر لما فیه من المصلحة مع كونه غافلا عن المصلحة أیضا و لعل هذا یؤید ما یقال إن الحیوانات العجم غیر مدركة للكلیات (2)و یقال دلفت الكتیبة فی الحرب أی تقدمت و یقال دلفناهم فالعساكر تحتمل الرفع و النصب و الرجل بالفتح جمع راجل خلاف الفارس و انساب جری و مشی مسرعا و لا یئودها أی لا یثقلها و لجة الماء معظمه و المجذاف ما تجری به السفینة و انتجع طلب الكلاء فی موضعه و حافات الآجام جوانبها و عكف علی الشیء أقبل علیه مواظبا و قال الفیروزآبادی :القرمز صبغ أرمنی یكون من عصارة دود فی آجامهم و قال الحلزون محركة دابة تكون فی الرمث أی بعض مراعی الإبل و یظهر من كلامه علیه السلام اتحادهما و یحتمل أن یكون المراد أن من صبغ الحلزون تفطنوا بإعمال القرمز للصبغ لتشابههما تم المجلس الثانی.

ص:110


1- قال الدمیری:التمّر:طائر نحو الاوزّ فی منقاره طول،و عنقه أطول من عنق الاوزّ.و فی المنجد:التم:طائر مائی شبیه بالاوزّ أطول منه عنقا.أقول:الظاهر أنّه غلط و صحیحه كما فی القاموس و غیره:التمّر بالراء.
2- فیه ما لا یخفی فان إدراك الكلیات غیر الفكر الذی بمعنی الانتقال من النتیجة إلی المقدمات و منها إلی النتیجة،و كذا هو غیر قوة الفكر؛و الذی یلوح منه نفی قوة الفكر كالانسان و أمّا أصل الفكر و ادراك الكلیات فلا.ط.

اَلْمَجْلِسُ الثَّالِثُ قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَلَمَّا كَانَ الْیَوْمُ الثَّالِثُ بَكَّرْتُ إِلَی مَوْلاَیَ فَاسْتُوذِنَ لِی فَدَخَلْتُ فَأَذِنَ لِی بِالْجُلُوسِ فَجَلَسْتُ فَقَالَ علیه السلام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی اصْطَفَانَا وَ لَمْ یَصْطَفِ عَلَیْنَا اصْطَفَانَا بِعِلْمِهِ وَ أَیَّدَنَا بِحِلْمِهِ مَنْ شَذَّ عَنَّا (1)فَالنَّارُ مَأْوَاهُ وَ مَنْ تَفَیَّأَ بِظِلِّ دَوْحَتِنَا فَالْجَنَّةُ مَثْوَاهُ قَدْ شَرَحْتُ لَكَ یَا مُفَضَّلُ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَ مَا دُبِّرَ بِهِ وَ تَنَقُّلَهُ فِی أَحْوَالِهِ وَ مَا فِیهِ مِنَ الاِعْتِبَارِ وَ شَرَحْتُ لَكَ أَمْرَ الْحَیَوَانِ وَ أَنَا أَبْتَدِئُ الْآنَ بِذِكْرِ السَّمَاءِ وَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ الْفَلَكِ وَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ وَ الرِّیَاحِ وَ الْجَوَاهِرِ الْأَرْبَعَةِ الْأَرْضِ وَ الْمَاءِ وَ الْهَوَاءِ وَ النَّارِ وَ الْمَطَرِ وَ الصَّخْرِ وَ الْجِبَالِ وَ الطِّینِ وَ الْحِجَارَةِ وَ الْمَعَادِنِ وَ النَّبَاتِ وَ النَّخْلِ وَ الشَّجَرِ وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَ الْعِبَرِ فَكِّرْ فِی لَوْنِ السَّمَاءِ وَ مَا فِیهِ مِنْ صَوَابِ التَّدْبِیرِ فَإِنَّ هَذَا اللَّوْنَ أَشَدُّ الْأَلْوَانِ مُوَافَقَةً لِلْبَصَرِ وَ تَقْوِیَةً حَتَّی إِنَّ مِنْ صِفَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِمَنْ أَصَابَهُ شَیْءٌ أَضَرَّ بِبَصَرِهِ إِدْمَانَ النَّظَرِ إِلَی الْخُضْرَةِ وَ مَا قَرُبَ مِنْهَا إِلَی السَّوَادِ (2)وَ قَدْ وَصَفَ الْحُذَّاقُ مِنْهُمْ لِمَنْ كَلَّ بَصَرُهُ الْإِطْلاَعَ فِی إِجَّانَةٍ (3)خَضْرَاءَ مَمْلُوَّةٍ مَاءً فَانْظُرْ كَیْفَ جَعَلَ اللَّهُ جَلَّ وَ تَعَالَی أَدِیمَ السَّمَاءِ بِهَذَا اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ إِلَی السَّوَادِ لِیُمْسِكَ الْأَبْصَارَ الْمُنْقَلِبَةَ عَلَیْهِ فَلاَ یَنْكِیَ فِیهَا بِطُولِ مُبَاشَرَتِهَا لَهُ فَصَارَ هَذَا الَّذِی أَدْرَكَهُ النَّاسُ بِالْفِكْرِ وَ الرَّوِیَّةِ وَ التَّجَارِبِ یُوجَدُ مَفْرُوغاً مِنْهُ فِی الْخِلْقَةِ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ لِیَعْتَبِرَ بِهَا الْمُعْتَبِرُونَ وَ یُفَكِّرَ فِیهَا الْمُلْحِدُونَ قاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّی یُؤْفَكُونَ .

بیان: اصطفانا بعلمه أی اختارنا و فضلنا علی الخلق بأن أعطانا من علمه ما لم یعط أحدا و أیدنا بحلمه أی قوانا علی تبلیغ الرسالة بما حلانا به من حلمه لنصبر علی ما یلقانا من أذی الناس و تكذیبهم و الدوحة الشجرة العظیمة و الصخر الحجر العظام و أدیم السماء وجهها كما یطلق أدیم الأرض علی وجهها و یمكن أن یكون علیه السلام شبهها بالأدیم و قوله علیه السلام: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ بالرفع خبر مبتدإ محذوف أو بالنصب بالحالیة أو بكونه مفعولا لأجله.

ص:111


1- أی تحزّب و انفرد عنا.
2- إدمان النظر:إدامته.
3- الاجانة:إناء تغسل فیه الثیاب.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ غُرُوبِهَا لِإِقَامَةِ دَوْلَتَیِ النَّهَارِ وَ اللَّیْلِ فَلَوْ لاَ طُلُوعُهَا لَبَطَلَ أَمْرُ الْعَالَمِ كُلِّهِ فَلَمْ یَكُنِ النَّاسُ یَسْعَوْنَ فِی مَعَایِشِهِمْ وَ یَتَصَرَّفُونَ فِی أُمُورِهِمْ وَ الدُّنْیَا مُظْلِمَةٌ عَلَیْهِمْ وَ لَمْ یَكُونُوا یَتَهَنَّئُونَ بِالْعَیْشِ مَعَ فَقْدِهِمْ لَذَّةَ النُّورِ وَ رَوْحَهُ وَ الْإِرْبُ فِی طُلُوعِهَا ظَاهِرٌ مُسْتَغْنٍ بِظُهُورِهِ عَنِ الْإِطْنَابِ فِی ذِكْرِهِ وَ الزِّیَادَةِ فِی شَرْحِهِ بَلْ تَأَمَّلِ الْمَنْفَعَةَ فِی غُرُوبِهَا فَلَوْ لاَ غَرْبُهَا لَمْ یَكُنْ لِلنَّاسِ هَدْءٌ وَ لاَ قَرَارٌ مَعَ عِظَمِ حَاجَتِهِمْ إِلَی الْهَدْءِ وَ الرَّاحَةِ لِسُكُونِ أَبْدَانِهِمْ وَ جُمُومِ حَوَاسِّهِمْ وَ انْبِعَاثِ الْقُوَّةِ الْهَاضِمَةِ لِهَضْمِ الطَّعَامِ وَ تَنْفِیذِ الْغِذَاءِ إِلَی الْأَعْضَاءِ ثُمَّ كَانَ الْحِرْصُ یَسْتَحْمِلُهُمْ مِنْ مُدَاوَمَةِ الْعَمَلِ وَ مُطَاوَلَتِهِ عَلَی مَا یَعْظُمُ نِكَایَتُهُ فِی أَبْدَانِهِمْ فَإِنَّ كَثِیراً مِنَ النَّاسِ لَوْ لاَ جُثُومُ هَذَا اللَّیْلِ لِظُلْمَتِهِ عَلَیْهِمْ لَمْ یَكُنْ لَهُمْ هَدْءٌ وَ لاَ قَرَارٌ حِرْصاً عَلَی الْكَسْبِ وَ الْجَمْعِ وَ الاِدِّخَارِ ثُمَّ كَانَتِ الْأَرْضُ تَسْتَحْمِی بِدَوَامِ الشَّمْسِ بِضِیَائِهَا وَ تُحْمِی كُلَّ مَا عَلَیْهَا مِنْ حَیَوَانٍ وَ نَبَاتٍ فَقَدَّرَهَا اللَّهُ بِحِكْمَتِهِ وَ تَدْبِیرِهِ تَطْلُعُ وَقْتاً وَ تَغْرُبُ وَقْتاً بِمَنْزِلَةِ سِرَاجٍ یُرْفَعُ لِأَهْلِ الْبَیْتِ تَارَةً لِیَقْضُوا حَوَائِجَهُمْ ثُمَّ یَغِیبُ عَنْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ لِیَهْدَءُوا وَ یَقِرُّوا فَصَارَ النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ مَعَ تَضَادِّهِمَا مُنْقَادَیْنِ مُتَظَاهِرَیْنِ عَلَی مَا فِیهِ صَلاَحُ الْعَالَمِ وَ قِوَامُهُ ثُمَّ فَكِّرْ بَعْدَ هَذَا فِی ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَ انْحِطَاطِهَا لِإِقَامَةِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ السَّنَةِ وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ الْمَصْلَحَةِ فَفِی الشِّتَاءِ تَعُودُ الْحَرَارَةُ فِی الشَّجَرِ وَ النَّبَاتِ فَیَتَوَلَّدُ فِیهِمَا مَوَادُّ الثِّمَارِ وَ یَسْتَكْثِفُ الْهَوَاءُ فَیَنْشَأُ مِنْهُ السَّحَابُ وَ الْمَطَرُ وَ تَشُدُّ أَبْدَانُ الْحَیَوَانِ وَ تَقْوَی وَ فِی الرَّبِیعِ تَتَحَرَّكُ وَ تَظْهَرُ الْمَوَادُّ الْمُتَوَلِّدَةُ فِی الشِّتَاءِ فَیَطْلُعُ النَّبَاتُ وَ تَنَوَّرُ الْأَشْجَارُ وَ یَهِیجُ الْحَیَوَانُ لِلسِّفَادِ وَ فِی الصَّیْفِ یَحْتَدِمُ الْهَوَاءُ فَتَنْضَجُ الثِّمَارُ وَ تَتَحَلَّلُ فُضُولُ الْأَبْدَانِ وَ یَجِفُّ وَجْهُ الْأَرْضِ فَتَهَیَّأُ لِلْبِنَاءِ وَ الْأَعْمَالِ وَ فِی الْخَرِیفِ یَصْفُو الْهَوَاءُ وَ یَرْتَفِعُ الْأَمْرَاضُ وَ یَصِحُّ الْأَبْدَانُ وَ یَمْتَدُّ اللَّیْلُ فَیُمْكِنُ فِیهِ بَعْضُ الْأَعْمَالِ لِطُولِهِ وَ یَطِیبُ الْهَوَاءُ فِیهِ إِلَی مَصَالِحَ أُخْرَی لَوْ تَقَصَّیْتُ لِذِكْرِهَا لَطَالَ فِیهَا الْكَلاَمُ فَكِّرِ الْآنَ فِی تَنَقُّلِ الشَّمْسِ فِی الْبُرُوجِ الاِثْنَیْ عَشَرَ لِإِقَامَةِ دَوْرِ السَّنَةِ وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِیرِ فَهُوَ الدَّوْرُ الَّذِی تَصِحُّ بِهِ الْأَزْمِنَةُ الْأَرْبَعَةُ مِنَ السَّنَةِ الشِّتَاءُ وَ الرَّبِیعُ وَ الصَّیْفُ وَ الْخَرِیفُ وَ یَسْتَوْفِیهَا عَلَی التَّمَامِ وَ فِی هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ دَوَرَانِ الشَّمْسِ تُدْرِكُ

ص:112

الْغَلاَّتُ وَ الثِّمَارُ وَ تَنْتَهِی إِلَی غَایَاتِهَا ثُمَّ تَعُودُ فَیَسْتَأْنِفُ النُّشُوءُ وَ النُّمُوُّ أَ لاَ تَرَی أَنَّ السَّنَةَ مِقْدَارُ مَسِیرِ الشَّمْسِ مِنَ الْحَمَلِ إِلَی الْحَمَلِ فَبِالسَّنَةِ وَ أَخَوَاتِهَا یُكَالُ الزَّمَانُ مِنْ لَدُنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی الْعَالَمَ إِلَی كُلِّ وَقْتٍ وَ عَصْرٍ مِنْ غَابِرِ الْأَیَّامِ وَ بِهَا یَحْسُبُ النَّاسُ الْأَعْمَالَ (1)وَ الْأَوْقَاتَ الْمُوَقَّتَةَ لِلدُّیُونِ وَ الْإِجَارَاتِ وَ الْمُعَامَلاَتِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ وَ بِمَسِیرِ الشَّمْسِ یَكْمُلُ السَّنَةُ وَ یَقُومُ حِسَابُ الزَّمَانِ عَلَی الصِّحَّةِ انْظُرْ إِلَی شُرُوقِهَا عَلَی الْعَالَمِ كَیْفَ دُبِّرَ أَنْ یَكُونَ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَبْزُغُ فِی مَوْضِعٍ مِنَ السَّمَاءِ فَتَقِفُ لاَ تَعْدُوهُ لَمَا وَصَلَ شُعَاعُهَا وَ مَنْفَعَتُهَا إِلَی كَثِیرٍ مِنَ الْجِهَاتِ لِأَنَّ الْجِبَالَ وَ الْجُدْرَانَ كَانَتْ تَحْجُبُهَا عَنْهَا فَجُعِلَتْ تَطْلُعُ فِی أَوَّلِ النَّهَارِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَتَشْرُقُ عَلَی مَا قَابَلَهَا مِنْ وَجْهِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ لاَ تَزَالُ تَدُورُ وَ تَمْشِی جِهَةً بَعْدَ جِهَةٍ حَتَّی تَنْتَهِیَ إِلَی الْمَغْرِبِ فَتَشْرُقَ عَلَی مَا اسْتَتَرَ عَنْهَا فِی أَوَّلِ النَّهَارِ فَلاَ یَبْقَی مَوْضِعٌ مِنَ الْمَوَاضِعِ إِلاَّ أَخَذَ بِقِسْطِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ (2)مِنْهَا وَ الْإِرْبِ الَّتِی قُدِّرَتْ لَهُ وَ لَوْ تَخَلَّفَتْ مِقْدَارَ عَامٍ أَوْ بَعْضَ عَامٍ كَیْفَ كَانَ یَكُونُ حَالُهُمْ بَلْ كَیْفَ كَانَ یَكُونُ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ بَقَاءٌ أَ فَلاَ یَرَی النَّاسُ كَیْفَ هَذِهِ الْأُمُورُ الْجَلِیلَةُ (3)الَّتِی لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ فِیهَا حِیلَةٌ فَصَارَ تَجْرِی عَلَی مَجَارِیهَا لاَ تَعْتَلُّ وَ لاَ تَتَخَلَّفُ عَنْ مَوَاقِیتِهَا لِصَلاَحِ الْعَالَمِ وَ مَا فِیهِ بَقَاؤُهُ اسْتَدِلَّ بِالْقَمَرِ فَفِیهِ دَلاَلَةٌ جَلِیلَةٌ تَسْتَعْمِلُهَا الْعَامَّةُ فِی مَعْرِفَةِ الشُّهُورِ وَ لاَ یَقُومُ عَلَیْهِ حِسَابُ السَّنَةِ لِأَنَّ دَوْرَهُ لاَ یَسْتَوْفِی الْأَزْمِنَةَ الْأَرْبَعَةَ وَ نُشُوءَ الثِّمَارِ وَ تَصَرُّمَهَا وَ لِذَلِكَ صَارَتْ شُهُورُ الْقَمَرِ وَ سِنُوهُ تَتَخَلَّفُ عَنْ شُهُورِ الشَّمْسِ وَ سِنِیهَا وَ صَارَ الشَّهْرُ مِنْ شُهُورِ الْقَمَرِ یَنْتَقِلُ فَیَكُونُ مَرَّةً بِالشِّتَاءِ وَ مَرَّةً بِالصَّیْفِ فَكِّرْ فِی إِنَارَتِهِ فِی ظُلْمَةِ اللَّیْلِ وَ الْإِرْبِ فِی ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَی الظُّلْمَةِ لِهَدْءِ الْحَیَوَانِ وَ بَرْدِ الْهَوَاءِ عَلَی النَّبَاتِ لَمْ یَكُنْ صَلاَحٌ فِی أَنْ یَكُونَ اللَّیْلُ ظُلْمَةً دَاجِیَةً لاَ ضِیَاءَ فِیهَا فَلاَ یُمْكِنُ فِیهِ شَیْءٌ مِنَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَی الْعَمَلِ بِاللَّیْلِ لِضِیقِ الْوَقْتِ عَلَیْهِمْ فِی تَقَصِّی الْأَعْمَالِ بِالنَّهَارِ (4)أَوْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَ إِفْرَاطِهِ فَیَعْمَلُ فِی ضَوْءِ الْقَمَرِ أَعْمَالاً

ص:113


1- و فی نسخة:و بها یحسب الناس الاعمار.
2- أی بحصته و نصیبه من المنفعة.
3- و فی نسخة:كیف كان یكون للناس هذه الأمور الجلیلة.
4- و فی نسخة:فی تقضی بعض الاعمال بالنهار.

شَتَّی كَحَرْثِ الْأَرْضِ وَ ضَرْبِ اللَّبَنِ وَ قَطْعِ الْخَشَبِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَجُعِلَ ضَوْءُ الْقَمَرِ مَعُونَةً لِلنَّاسِ عَلَی مَعَایِشِهِمْ إِذَا احْتَاجُوا إِلَی ذَلِكَ وَ أُنْساً لِلسَّائِرِینَ وَ جُعِلَ طُلُوعُهُ فِی بَعْضِ اللَّیْلِ دُونَ بَعْضٍ وَ نُقِصَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَ ضِیَائِهَا لِكَیْلاَ تَنْبَسِطَ النَّاسُ فِی الْعَمَلِ انْبِسَاطَهُمْ بِالنَّهَارِ وَ یَمْتَنِعُوا مِنَ الْهَدْءِ وَ الْقَرَارِ فَیُهْلِكَهُمْ ذَلِكَ وَ فِی تَصَرُّفِ الْقَمَرِ خَاصَّةً فِی مُهَلِّهِ (1)وَ مُحَاقِهِ وَ زِیَادَتِهِ وَ نُقْصَانِهِ وَ كُسُوفِهِ مِنَ التَّنْبِیهِ عَلَی قُدْرَةِ اللَّهِ خَالِقِهِ الْمُصَرِّفِ لَهُ هَذَا التَّصْرِیفَ لِصَلاَحِ الْعَالَمِ مَا یَعْتَبِرُ بِهِ الْمُعْتَبِرُونَ.

إیضاح: الدولة بالفتح و الضم انقلاب الزمان و دالت الأیام دارت و اللّٰه یداولها بین الناس و هدأ كمنع هدءا و هدوءا سكن و یقال نكیت فی العدو نكایة إذا قتلت فیهم و جرحت و جثم الإنسان و الطائر و النعام یجثم جثما و جثوما لزم مكانه لم یبرح و المراد جثومهم فی اللیل و التظاهر التعاون و نور الشجر أی أخرج نوره و حدم النار شدة احتراقها و التقصی بلوغ أقصی الشیء و نهایته و الغابر الباقی و الماضی و المراد هنا الثانی و بزغت الشمس بزوغا شرقت أو البزوغ ابتداء الطلوع و قال الجوهری :اعتل علیه و اعتله إذا اعتاقه عن أمر انتهی و لیلة داجیة أی مظلمة.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی النُّجُومِ وَ اخْتِلاَفِ مَسِیرِهَا فَبَعْضُهَا لاَ تُفَارِقُ مَرَاكِزَهَا مِنَ الْفَلَكِ وَ لاَ تَسِیرُ إِلاَّ مُجْتَمِعَةً وَ بَعْضُهَا مُطْلَقَةٌ تَنْتَقِلُ فِی الْبُرُوجِ وَ تَفْتَرِقُ فِی مَسِیرِهَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا یَسِیرُ سَیْرَیْنِ مُخْتَلِفَیْنِ أَحَدُهُمَا عَامٌّ مَعَ الْفَلَكِ نَحْوَ الْمَغْرِبِ وَ الْآخَرُ خَاصٌّ لِنَفْسِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ كَالنَّمْلَةِ الَّتِی تَدُورُ عَلَی الرَّحَی فَالرَّحَی تَدُورُ ذَاتَ الْیَمِینِ وَ النَّمْلَةُ تَدُورُ ذَاتَ الشِّمَالِ وَ النَّمْلَةُ فِی تِلْكَ تَتَحَرَّكُ حَرَكَتَیْنِ مُخْتَلِفَتَیْنِ إِحْدَاهُمَا بِنَفْسِهَا فَتَتَوَجَّهُ أَمَامَهَا وَ الْأُخْرَی مُسْتَكْرَهَةٌ مَعَ الرَّحَی تَجْذِبُهَا إِلَی خَلْفِهَا فَاسْأَلِ الزَّاعِمِینَ أَنَّ النُّجُومَ صَارَتْ عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ بِالْإِهْمَالِ مِنْ غَیْرِ عَمْدٍ وَ لاَ صَانِعٍ لَهَا مَا مَنَعَهَا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا رَاتِبَةً أَوْ تَكُونَ كُلُّهَا مُنْتَقِلَةً فَإِنَّ الْإِهْمَالَ مَعْنًی وَاحِدٌ فَكَیْفَ صَارَ یَأْتِی بِحَرَكَتَیْنِ مُخْتَلِفَتَیْنِ عَلَی وَزْنٍ وَ تَقْدِیرٍ فَفِی هَذَا بَیَانُ أَنَّ مَسِیرَ الْفَرِیقَیْنِ عَلَی مَا یَسِیرَانِ عَلَیْهِ بِعَمْدٍ وَ تَدْبِیرٍ وَ حِكْمَةٍ وَ تَقْدِیرٍ وَ لَیْسَ بِإِهْمَالٍ كَمَا تَزْعُمُ الْمُعَطِّلَةُ

ص:114


1- و فی نسخة:خاصّة فی تهلله.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَ لِمَ صَارَ بَعْضُ النُّجُومِ رَاتِباً وَ بَعْضُهَا مُنْتَقِلاً قُلْنَا إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا رَاتِبَةً لَبَطَلَتِ الدَّلاَلاَتُ الَّتِی یُسْتَدَلُّ بِهَا مِنْ تَنَقُّلِ الْمُنْتَقِلَةِ وَ مَسِیرِهَا فِی كُلِّ بُرْجٍ مِنَ الْبُرُوجِ كَمَا قَدْ یُسْتَدَلُّ عَلَی أَشْیَاءَ مِمَّا یُحْدَثُ فِی الْعَالَمِ بِتَنَقُّلِ الشَّمْسِ وَ النُّجُومِ فِی مَنَازِلِهَا وَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنْتَقِلَةً لَمْ یَكُنْ لِمَسِیرِهَا مَنَازِلُ تُعْرَفُ وَ لاَ رَسْمٌ یُوقَفُ عَلَیْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا یُوقَفُ بِمَسِیرِ الْمُنْتَقِلَةِ مِنْهَا بِتَنَقُّلِهَا فِی الْبُرُوجِ الرَّاتِبَةِ كَمَا یُسْتَدَلُّ عَلَی سَیْرِ السَّائِرِ عَلَی الْأَرْضِ بِالْمَنَازِلِ الَّتِی یَجْتَازُ عَلَیْهَا وَ لَوْ كَانَ تَنَقُّلُهَا بِحَالٍ وَاحِدَةٍ لاَخْتَلَطَ نِظَامُهَا وَ بَطَلَتِ الْمَآرِبُ فِیهَا وَ لَسَاغَ لِقَائِلٍ أَنْ یَقُولَ إِنَّ كَیْنُونَتَهَا (1)عَلَی حَالٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ عَلَیْهَا الْإِهْمَالَ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِی وَصَفْنَا فَفِی اخْتِلاَفِ سَیْرِهَا وَ تَصَرُّفِهَا وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ الْمَآرِبِ وَ الْمَصْلَحَةِ أَبْیَنُ دَلِیلٍ عَلَی الْعَمْدِ وَ التَّدْبِیرِ فِیهَا فَكِّرْ فِی هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِی تَظْهَرُ فِی بَعْضِ السَّنَةِ وَ تَحْتَجِبُ فِی بَعْضِهَا كَمِثْلِ الثُّرَیَّا وَ الْجَوْزَاءِ وَ الشِّعْرَیَیْنِ وَ سُهَیْلٍ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِأَسْرِهَا تَظْهَرُ فِی وَقْتٍ وَاحِدٍ لَمْ تَكُنْ لِوَاحِدٍ فِیهَا عَلَی حِیَالِهِ دَلاَلاَتٌ یَعْرِفُهَا النَّاسُ وَ یَهْتَدُونَ بِهَا لِبَعْضِ أُمُورِهِمْ كَمَعْرِفَتِهِمُ الْآنَ بِمَا یَكُونُ مِنْ طُلُوعِ الثَّوْرِ وَ الْجَوْزَاءِ إِذَا طَلَعَتْ وَ احْتِجَابِهَا إِذَا احْتَجَبَتْ فَصَارَ ظُهُورُ كُلِّ وَاحِدٍ وَ احْتِجَابُهُ فِی وَقْتٍ غَیْرِ وَقْتِ الْآخَرِ لِیَنْتَفِعَ النَّاسُ بِمَا یَدُلُّ عَلَیْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَی حِدَتِهِ وَ كَمَا جُعِلَتِ الثُّرَیَّا وَ أَشْبَاهُهَا تَظْهَرُ حِیناً وَ تَحْجُبُ حِیناً لِضَرْبٍ مِنَ الْمَصْلَحَةِ كَذَلِكَ جُعِلَتْ بَنَاتُ النَّعْشِ ظَاهِرَةً لاَ تَغِیبُ لِضَرْبٍ آخَرَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَعْلاَمِ الَّتِی یَهْتَدِی بِهَا النَّاسُ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ لِلطُّرُقِ الْمَجْهُولَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّهَا لاَ تَغِیبُ وَ لاَ تَتَوَارَی فَهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْهَا مَتَی أَرَادُوا أَنْ یَهْتَدُوا بِهَا إِلَی حَیْثُ شَاءُوا وَ صَارَ الْأَمْرَانِ جَمِیعاً عَلَی اخْتِلاَفِهِمَا مُوَجَّهَیْنِ نَحْوَ الْإِرْبِ وَ الْمَصْلَحَةِ وَ فِیهِمَا مَآرِبُ أُخْرَی عَلاَمَاتٌ وَ دَلاَلاَتٌ عَلَی أَوْقَاتٍ كَثِیرَةٍ مِنَ الْأَعْمَالِ كَالزِّرَاعَةِ وَ الْغِرَاسِ وَ السَّفَرِ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ أَشْیَاءَ مِمَّا یَحْدُثُ فِی الْأَزْمِنَةِ مِنَ الْأَمْطَارِ وَ الرِّیَاحِ وَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ وَ بِهَا یَهْتَدِی السَّائِرُونَ فِی ظُلْمَةِ اللَّیْلِ لِقَطْعِ الْقِفَارِ (2)

ص:115


1- فی نسخة:ان كینونیتها.
2- جمع القفر:الخلاء من الأرض،لا ماء فیه و لا ناس و لا كلاء.

الْمُوحِشَةِ وَ اللُّجَجِ الْهَائِلَةِ مَعَ مَا فِی تَرَدُّدِهَا فِی كَبِدِ السَّمَاءِ (1)مُقْبِلَةً وَ مُدْبِرَةً وَ مُشْرِقَةً وَ مُغْرِبَةً مِنَ الْعِبَرِ فَإِنَّهَا تَسِیرُ أَسْرَعَ السَّیْرِ وَ أَحَثَّهُ أَ رَأَیْتَ لَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ بِالْقُرْبِ مِنَّا حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَنَا سُرْعَةُ سَیْرِهَا بِكُنْهِ مَا هِیَ عَلَیْهِ أَ لَمْ تَكُنْ سَتَخْطَفُ الْأَبْصَارَ بِوَهْجِهَا وَ شُعَاعِهَا (2)كَالَّذِی یَحْدُثُ أَحْیَاناً مِنَ الْبُرُوقِ إِذَا تَوَالَتْ وَ اضْطَرَمَتْ فِی الْجَوِّ وَ كَذَلِكَ أَیْضاً لَوْ أَنَّ أُنَاساً كَانُوا فِی قُبَّةٍ مُكَلَّلَةٍ بِمَصَابِیحَ تَدُورُ حَوْلَهُمْ دَوَرَاناً حَثِیثاً لَحَارَتْ أَبْصَارُهُمْ (3)حَتَّی یَخِرُّوا لِوُجُوهِهِمْ فَانْظُرْ كَیْفَ قُدِّرَ أَنْ یَكُونَ مَسِیرُهَا فِی الْبُعْدِ الْبَعِیدِ لِكَیْلاَ تَضُرَّ فِی الْأَبْصَارِ وَ تُنْكَأَ فِیهَا وَ بِأَسْرَعِ السُّرْعَةِ لِكَیْلاَ تَتَخَلَّفَ عَنْ مِقْدَارِ الْحَاجَةِ فِی مَسِیرِهَا وَ جُعِلَ فِیهَا جُزْءٌ یَسِیرٌ مِنَ الضَّوْءِ لِیَسُدَّ مَسَدَّ الْأَضْوَاءِ إِذَا لَمْ یَكُنْ قَمَرٌ وَ یُمْكِنُ فِیهِ الْحَرَكَةُ إِذَا حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ كَمَا قَدْ یَحْدُثُ الْحَادِثُ عَلَی الْمَرْءِ فَیَحْتَاجُ إِلَی التَّجَافِی فِی جَوْفِ اللَّیْلِ وَ إِنْ لَمْ یَكُنْ شَیْءٌ مِنَ الضَّوْءِ یَهْتَدِی بِهِ لَمْ یَسْتَطِعْ أَنْ یَبْرَحَ مَكَانَهُ فَتَأَمَّلْ اللُّطْفَ وَ الْحِكْمَةَ فِی هَذَا التَّقْدِیرِ حِینَ جُعِلَ لِلظُّلْمَةِ دَوْلَةٌ وَ مُدَّةٌ لِحَاجَةٍ إِلَیْهَا وَ جُعِلَ خِلاَلَهَا شَیْءٌ مِنَ الضَّوْءِ لِلْمَآرِبِ الَّتِی وَصَفْنَا فَكِّرْ فِی هَذَا الْفَلَكِ بِشَمْسِهِ وَ قَمَرِهِ وَ نُجُومِهِ وَ بُرُوجِهِ تَدُورُ عَلَی الْعَالَمِ فِی هَذَا الدَّوَرَانِ الدَّائِمِ بِهَذَا التَّقْدِیرِ وَ الْوَزْنِ لِمَا فِی اخْتِلاَفِ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ هَذِهِ الْأَزْمَانِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَوَالِیَةِ عَلَی الْأَرْضِ وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ أَصْنَافِ الْحَیَوَانِ وَ النَّبَاتِ مِنْ ضُرُوبِ الْمَصْلَحَةِ كَالَّذِی بَیَّنْتُ وَ شَخَّصْتُ (4)لَكَ آنِفاً وَ هَلْ یَخْفَی عَلَی ذِی لُبٍّ أَنَّ هَذَا تَقْدِیرٌ مُقَدَّرٌ وَ صَوَابٌ وَ حِكْمَةٌ مِنْ مُقَدِّرٍ حَكِیمٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ هَذَا شَیْءٌ اتَّفَقَ أَنْ یَكُونَ هَكَذَا فَمَا مَنَعَهُ أَنْ یَقُولَ مِثْلَ هَذَا فِی دُولاَبٍ تَرَاهُ یَدُورُ وَ یَسْقِی حَدِیقَةً فِیهَا شَجَرٌ وَ نَبَاتٌ فَتَرَی كُلَّ شَیْءٍ مِنْ آلَتِهِ مُقَدَّراً بَعْضُهُ یَلْقَی بَعْضاً عَلَی مَا فِیهِ صَلاَحُ تِلْكَ الْحَدِیقَةِ وَ مَا فِیهَا وَ بِمَ كَانَ یُثْبِتُ هَذَا الْقَوْلَ لَوْ قَالَهُ وَ مَا تَرَی النَّاسَ كَانُوا قَائِلِینَ لَهُ لَوْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَ فَیُنْكِرُ أَنْ یَقُولَ فِی دُولاَبِ خَشَبٍ (5)

ص:116


1- أی وسط السماء.
2- أی ستذهب بها بتوقدها.
3- حارت العین:اشتد بیاض بیاضها و سواد سوادها.
4- و فی نسخة:كالذی بینت و لخصت لك آنفا.
5- و فی نسخة:فی دولاب خسیس.

مَصْنُوعٍ بِحِیلَةٍ قَصِیرَةٍ لِمَصْلَحَةِ قِطْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ أَنَّهُ كَانَ بِلاَ صَانِعٍ وَ مُقَدِّرٍ وَ یَقْدِرُ أَنْ یَقُولَ فِی هَذَا الدُّولاَبِ الْأَعْظَمِ الْمَخْلُوقِ بِحِكْمَةٍ یَقْصُرُ عَنْهَا أَذْهَانُ الْبَشَرِ لِصَلاَحِ جَمِیعِ الْأَرْضِ وَ مَا عَلَیْهَا أَنَّهُ شَیْءٌ اتَّفَقَ أَنْ یَكُونَ بِلاَ صَنْعَةٍ وَ لاَ تَدْبِیرٍ لَوِ اعْتَلَّ هَذَا الْفَلَكُ كَمَا تَعْتَلُّ الْآلاَتُ الَّتِی تُتَّخَذُ لِلصِّنَاعَاتِ وَ غَیْرِهَا أَیُّ شَیْءٍ كَانَ عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الْحِیلَةِ فِی إِصْلاَحِهِ.

بیان: قوله علیه السلام: لا تفارق مراكزها لعل المراد أنه لیس لها حركة بیّنة ظاهرة كما فی السیارات أو لا تختلف نسب بعضها إلی بعض بالقرب و البعد بأن تكون الجملة التالیة مفسّرة لها و یحتمل أن یكون المراد بمراكزها البروج التی تنسب إلیها علی ما هو المصطلح بین العرب من اعتبار محاذاة تلك الأشكال فی الانتقال إلی البروج و إن انتقلت عن مواضعها و علیه ینبغی أن یحمل قوله علیه السلام: و بعضها مطلقة تنتقل فی البروج أو علی ما ذكرنا سابقا من كون انتقالها فی البروج ظاهرة بینة یعرفه كل أحد و الأول أظهر كما سیظهر من كلامه علیه السلام قوله فإن الإهمال معنی واحد یحتمل أن یكون المراد أن الطبیعة أو الدهر اللذین یجعلونهما أصحاب الإهمال مؤثّرین كل منهما أمر واحد غیر ذی شعور و إرادة و لا یمكن صدور الأمرین المختلفین عن مثل ذلك كما مرّ أو المراد أن العقل یحكم بأن هذین الأمرین المتّسقین الجاریین علی قانون الحكمة لا یكون إلا من حكیم راعی فیهما دقائق الحكم أو المراد أن الإهمال أی عدم الحاجة إلی العلة و ترجیح الأمر الممكن من غیر مرجح كما تزعمون أمر واحد حاصل فیهما فلم صارت إحداهما راتبة و الأخری منتقلة و لم لم یعكس الأمر و الأول أظهر (1)كما لا یخفی قوله علیه السلام: لبطلت الدلالات ظاهره كون الأوضاع النجومیة علامات للحوادث قوله علیه السلام: فی البروج الراتبة یدل ظاهرا علی ما أشرنا إلیه من أنه علیه السلام راعی فی انتقال البروج محاذاة نفس الأشكال و إن أمكن أن یكون المراد

بیان: حكمة بطء الحركة لیصلح كون تلك الأشكال علامات للبروج و لو بقربها منها لكنه بعید قوله علیه السلام: و الشعریین قال الجوهری :الشعری الكوكب الذی یطلع

ص:117


1- و ظاهر الخبر المعنی الأخیر.

بعد الجوزاء و طلوعه فی شدة الحر و هما الشعریان و الشعری العبور التی فی الجوزاء و الشعری القمیصاء التی فی الذراع تزعم العرب أنهما أختا سهیل انتهی و القفار جمع قفر و هو الخلأ من الأرض و خطف البرق البصر ذهب به و وهج النار بالتسكین توقدها و قوله حثیثا أی مسرعا و تجافی أی لم یلزم مكانه و برح مكانه زال عنه.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی مَقَادِیرِ النَّهَارِ وَ اللَّیْلِ كَیْفَ وَقَعَتْ عَلَی مَا فِیهِ صَلاَحُ هَذَا الْخَلْقِ فَصَارَ مُنْتَهَی كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا امْتَدَّ إِلَی خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً لاَ یُجَاوِزُ ذَلِكَ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ كَانَ النَّهَارُ یَكُونُ مِقْدَارُهُ مِائَةَ سَاعَةٍ أَوْ مِائَتَیْ سَاعَةٍ أَ لَمْ یَكُنْ فِی ذَلِكَ بَوَارُ (1)كُلِّ مَا فِی الْأَرْضِ مِنْ حَیَوَانٍ وَ نَبَاتٍ أَمَّا الْحَیَوَانُ فَكَانَ لاَ یَهْدَأُ وَ لاَ یَقِرُّ طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَ لاَ الْبَهَائِمُ كَانَتْ تُمْسِكُ عَنِ الرَّعْیِ لَوْ دَامَ لَهَا ضَوْءُ النَّهَارِ وَ لاَ الْإِنْسَانُ كَانَ یَفْتُرُ عَنِ الْعَمَلِ وَ الْحَرَكَةِ وَ كَانَ ذَلِكَ سَیُهْلِكُهَا أَجْمَعَ وَ یُؤَدِّیهَا إِلَی التَّلَفِ وَ أَمَّا النَّبَاتُ فَكَانَ یَطُولُ عَلَیْهِ حَرُّ النَّهَارِ وَ وَهْجُ الشَّمْسِ حَتَّی یَجِفَّ وَ یَحْتَرِقَ وَ كَذَلِكَ اللَّیْلُ لَوِ امْتَدَّ مِقْدَارُ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَانَ یَعُوقُ أَصْنَافَ الْحَیَوَانِ عَنِ الْحَرَكَةِ وَ التَّصَرُّفِ فِی طَلَبِ الْمَعَاشِ حَتَّی تَمُوتَ جُوعاً وَ تَخْمُدُ الْحَرَارَةُ الطَّبِیعِیَّةُ مِنَ النَّبَاتِ حَتَّی یَعْفَنَ وَ یَفْسُدَ كَالَّذِی تَرَاهُ یَحْدُثُ عَلَی النَّبَاتِ إِذَا كَانَ فِی مَوْضِعٍ لاَ تَطْلُعُ عَلَیْهِ الشَّمْسُ اعْتَبِرْ بِهَذِهِ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ كَیْفَ یَتَعَاوَرَانِ الْعَالَمَ وَ یَتَصَرَّفَانِ هَذَا التَّصَرُّفَ مِنَ الزِّیَادَةِ وَ النُّقْصَانِ وَ الاِعْتِدَالِ لِإِقَامَةِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ السَّنَةِ وَ مَا فِیهِمَا مِنَ الْمَصَالِحِ ثُمَّ هُمَا بَعْدَ دِبَاغِ الْأَبْدَانِ الَّتِی عَلَیْهَا بَقَاؤُهُا وَ فِیهَا صَلاَحُهَا فَإِنَّهُ لَوْ لاَ الْحَرُّ وَ الْبَرْدُ وَ تَدَاوُلُهُمَا الْأَبْدَانَ لَفَسَدَتْ وَ أَخْوَتْ وَ انْتَكَثَتْ فَكِّرْ فِی دُخُولِ أَحَدِهِمَا عَلَی الْآخَرِ بِهَذَا التَّدْرِیجِ وَ التَّرَسُّلِ فَإِنَّكَ تَرَی أَحَدَهُمَا یَنْقُصُ شَیْئاً بَعْدَ شَیْءٍ وَ الْآخَرَ یَزِیدُ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّی یَنْتَهِیَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَهَاهُ فِی الزِّیَادَةِ وَ النُّقْصَانِ وَ لَوْ كَانَ دُخُولُ إِحْدَاهُمَا عَلَی الْأُخْرَی مُفَاجَأَةً لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالْأَبْدَانِ وَ أَسْقَمَهَا كَمَا أَنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ خَرَجَ مِنْ حَمَّامٍ حَارٍّ إِلَی مَوْضِعِ الْبُرُودَةِ لَضَرَّهُ ذَلِكَ وَ أَسْقَمَ

ص:118


1- البوار:الهلاك و الكساد.

بَدَنَهُ فَلِمَ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذَا التَّرَسُّلَ فِی الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ إِلاَّ لِلسَّلاَمَةِ مِنْ ضَرَرِ الْمُفَاجَأَةِ وَ لِمَ جَرَی الْأَمْرُ عَلَی مَا فِیهِ السَّلاَمَةُ مِنْ ضَرِّ الْمُفَاجَأَةِ لَوْ لاَ التَّدْبِیرُ فِی ذَلِكَ فَإِنْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ هَذَا التَّرَسُّلَ فِی دُخُولِ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ إِنَّمَا یَكُونُ لِإِبْطَاءِ مَسِیرِ الشَّمْسِ فِی الاِرْتِفَاعِ وَ الاِنْحِطَاطِ سُئِلَ عَنِ الْعِلَّةِ فِی إِبْطَاءِ مَسِیرِ الشَّمْسِ فِی ارْتِفَاعِهَا وَ انْحِطَاطِهَا فَإِنِ اعْتَلَّ فِی الْإِبْطَاءِ بِبُعْدِ مَا بَیْنَ الْمَشْرِقَیْنِ سُئِلَ عَنِ الْعِلَّةِ فِی ذَلِكَ فَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَرْقَی مَعَهُ إِلَی حَیْثُ رَقِیَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ حَتَّی اسْتَقَرَّ عَلَی الْعَمْدِ وَ التَّدْبِیرِ لَوْ لاَ الْحَرُّ لَمَا كَانَتِ الثِّمَارُ الْجَاسِیَةُ الْمُرَّةُ تَنْضَجُ فَتَلِینُ وَ تَعْذُبُ حَتَّی یُتَفَكَّهَ بِهَا رَطْبَةً وَ یَابِسَةً وَ لَوْ لاَ الْبَرْدُ لَمَا كَانَ الزَّرْعُ یُفْرِخُ هَكَذَا وَ یَرِیعُ الرَّیْعَ الْكَثِیرَ الَّذِی یَتَّسِعُ لِلْقُوتِ وَ مَا یُرَدُّ فِی الْأَرْضِ لِلْبَذْرِ أَ فَلاَ تَرَی مَا فِی الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ مِنْ عَظِیمِ الْغِنَاءِ وَ الْمَنْفَعَةِ وَ كِلاَهُمَا مَعَ غِنَائِهِ وَ الْمَنْفَعَةِ فِیهِ یُؤْلِمُ الْأَبْدَانَ وَ یَمَضُّهَا وَ فِی ذَلِكَ عِبْرَةٌ لِمَنْ فَكَّرَ وَ دَلاَلَةٌ عَلَی أَنَّهُ مِنْ تَدْبِیرِ الْحَكِیمِ فِی مَصْلَحَةِ الْعَالَمِ وَ مَا فِیهِ.

بیان: قوله علیه السلام: لا یجاوز ذلك أی فی معظم المعمورة و قال الفیروزآبادی :

خوت الدار تهدمت و النجوم خیّا أمحلت فلم تمطر كأخوت و قال المنتكث المهزول و قال الترسل الرفق و التؤدة انتهی قوله علیه السلام: ببعد ما بین المشرقین أی المشرق و المغرب كنایة عن عظم الدائرة التی یقطع علیها البروج أو مشرق الصیف و الشتاء و الأول أظهر قوله علیه السلام: الجاسیة أی الصلبة و یتفكه بها أی یتمتع بها و الریع النماء و الزیادة و قال الجوهری :أمضنی الجرح إمضاضا إذا أوجعك و فیه لغة أخری مضنی الجرح و لم یعرفها الأصمعی.

وَ أُنَبِّهُكَ یَا مُفَضَّلُ عَلَی الرِّیحِ وَ مَا فِیهَا أَ لَسْتَ تَرَی رُكُودَهَا إِذَا رَكَدَتْ كَیْفَ یُحْدِثُ الْكَرْبَ الَّذِی یَكَادُ أَنْ یَأْتِیَ عَلَی النُّفُوسِ وَ یُحْرِضُ الْأَصِحَّاءَ وَ یَنْهَكُ الْمَرْضَی وَ یُفْسِدُ الثِّمَارَ وَ یُعَفِّنُ الْبُقُولَ وَ یُعْقِبُ الْوَبَاءَ فِی الْأَبْدَانِ وَ الْآفَةَ فِی الْغَلاَّتِ فَفِی هَذَا بَیَانُ أَنَّ هُبُوبَ الرِّیحِ مِنْ تَدْبِیرِ الْحَكِیمِ فِی صَلاَحِ الْخَلْقِ وَ أُنَبِّئُكَ عَنِ الْهَوَاءِ بِخَلَّةٍ أُخْرَی فَإِنَّ الصَّوْتَ أَثَرٌ یُؤَثِّرُهُ اصْطِكَاكُ الْأَجْسَامِ فِی الْهَوَاءِ وَ الْهَوَاءُ یُؤَدِّیهِ إِلَی الْمَسَامِعِ وَ النَّاسُ یَتَكَلَّمُونَ فِی حَوَائِجِهِمْ وَ مُعَامَلاَتِهِمْ طُولَ

ص:119

نَهَارِهِمْ وَ بَعْضَ لَیْلِهِمْ فَلَوْ كَانَ أَثَرُ هَذَا الْكَلاَمِ یَبْقَی فِی الْهَوَاءِ كَمَا یَبْقَی الْكِتَابُ فِی الْقِرْطَاسِ لاَمْتَلَأَ الْعَالَمُ مِنْهُ فَكَانَ یَكْرُبُهُمْ وَ یَفْدَحُهُمْ وَ كَانُوا یَحْتَاجُونَ فِی تَجْدِیدِهِ وَ الاِسْتِبْدَالِ بِهِ إِلَی أَكْثَرَ مِمَّا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ فِی تَجْدِیدِ الْقَرَاطِیسِ لِأَنَّ مَا یُلْقَی مِنَ الْكَلاَمِ أَكْثَرُ مِمَّا یُكْتَبُ فَجَعَلَ الْخَلاَّقُ الْحَكِیمُ جَلَّ قُدْسُهُ هَذَا الْهَوَاءَ قِرْطَاساً خَفِیّاً یَحْمِلُ الْكَلاَمَ رَیْثَمَا یَبْلُغُ الْعَالَمُ حَاجَتَهُمْ ثُمَّ یُمْحَی فَیَعُودُ جَدِیداً نَقِیّاً وَ یَحْمِلُ مَا حَمَلَ أَبَداً بِلاَ انْقِطَاعٍ وَ حَسْبُكَ بِهَذَا النَّسِیمِ الْمُسَمَّی هَوَاءً عِبْرَةً وَ مَا فِیهِ مِنَ الْمَصَالِحِ فَإِنَّهُ حَیَاةُ هَذِهِ الْأَبْدَانِ وَ الْمُمْسِكُ لَهَا مِنْ دَاخِلٍ بِمَا تَسْتَنْشِقُ مِنْهُ وَ مِنْ خَارِجٍ بِمَا تُبَاشِرُ مِنْ رَوْحِهِ وَ فِیهِ تَطَّرِدُ هَذِهِ الْأَصْوَاتُ فَیُؤَدِّی بِهَا مِنَ الْبُعْدِ الْبَعِیدِ وَ هُوَ الْحَامِلُ لِهَذِهِ الأَرَایِیحِ یَنْقُلُهَا مِنْ مَوْضِعٍ إِلَی مَوْضِعٍ أَ لاَ تَرَی كَیْفَ تَأْتِیكَ الرَّائِحَةُ مِنْ حَیْثُ تَهُبُّ الرِّیحُ فَكَذَلِكَ الصَّوْتُ وَ هُوَ الْقَابِلُ لِهَذَا الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ اللَّذَیْنِ یَتَعَاقَبَانِ عَلَی الْعَالَمِ لِصَلاَحِهِ (1)وَ مِنْهُ هَذِهِ الرِّیحُ الْهَابَّةُ فَالرِّیحُ تَرُوحُ عَنِ الْأَجْسَامِ وَ تُزْجِی السَّحَابَ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَی مَوْضِعٍ لِیَعُمَّ نَفْعُهُ حَتَّی یَسْتَكْثِفَ فَیَمْطُرَ وَ تَفُضُّهُ حَتَّی یَسْتَخِفَّ فَیَتَفَشَّی وَ تُلْقِحُ الشَّجَرَ وَ تُسِیرُ السُّفُنَ وَ تُرْخِی الْأَطْعِمَةَ (2)وَ تُبَرِّدُ الْمَاءَ وَ تَشُبُّ النَّارَ وَ تُجَفِّفُ الْأَشْیَاءَ النَّدِیَّةَ وَ بِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تُحْیِی كُلَّمَا فِی الْأَرْضِ فَلَوْ لاَ الرِّیحُ لَذَوَی النَّبَاتُ (3)وَ مَاتَ الْحَیَوَانُ وَ حُمَّتِ الْأَشْیَاءُ وَ فَسَدَتْ.

توضیح: ركود الریح سكونها و الحرض فساد البدن و یقال نهكته الحمّی أی أضنّته و هزلته و قوله علیه السلام: و الهواء یؤدّیه یدل علی ما هو المنصور من تكیّف الهواء بكیفیة الصوت علی ما فصّل فی محله و یقال كربه الأمر أی شقّ علیه و فدحه الدین أی أثقله و ریثما فعل كذا أی قدر ما فعله و یبلغ إما علی بناء المجرد فالعالم فاعله أو علی التفعیل فالهواء فاعله و الروح بالفتح الراحة و نسیم الریح و اطرد الشیء تبع بعضه بعضا و جری و الأراییح جمع للریح و تزجی السحاب علی بناء الإفعال

ص:120


1- و فی نسخة اللذین:یعقبان علی العالم لصلاحه.
2- أی صیرها رخوا أی متسعا.
3- ذوی النبات:ذبل و نشف ماؤه.

أی تسوقه و تفضّه أی تفرّقه و التفشّی الانتشار و ترخی الأطعمة علی التفعیل أو الإفعال أی تصیرها رخوة لطیفة و تشبّ النار أی توقدها.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِیمَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ الْأَرْبَعَةَ لِیَتَّسِعَ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ مِنْهَا فَمِنْ ذَلِكَ سَعَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَ امْتِدَادُهَا فَلَوْ لاَ ذَلِكَ كَیْفَ كَانَتْ تَتَّسِعُ لِمَسَاكِنِ النَّاسِ وَ مَزَارِعِهِمْ وَ مَرَاعِیهِمْ وَ مَنَابِتِ أَخْشَابِهِمْ وَ أَحْطَابِهِمْ وَ الْعَقَاقِیرِ الْعَظِیمَةِ وَ الْمَعَادِنِ الْجَسِیمَةِ غَنَاؤُهَا وَ لَعَلَّ مَنْ یُنْكِرُ هَذِهِ الْفَلَوَاتِ الْخَاوِیَةَ وَ الْقِفَارَ الْمُوحِشَةَ فَیَقُولُ مَا الْمَنْفَعَةُ فِیهَا فَهِیَ مَأْوَی هَذِهِ الْوُحُوشِ وَ مَحَالُّهَا وَ مَرْعَاهَا ثُمَّ فِیهَا بَعْدُ مُتَنَفَّسٌ وَ مُضْطَرَبٌ لِلنَّاسِ إِذَا احْتَاجُوا إِلَی الاِسْتِبْدَالِ بِأَوْطَانِهِمْ فَكَمْ بَیْدَاءَ وَ كَمْ فَدْفَدٍ حَالَتْ قُصُوراً وَ جِنَاناً بِانْتِقَالِ النَّاسِ إِلَیْهَا وَ حُلُولِهِمْ فِیهَا وَ لَوْ لاَ سَعَةُ الْأَرْضِ وَ فُسْحَتُهَا لَكَانَ النَّاسُ كَمَنْ هُوَ فِی حِصَارٍ ضَیِّقٍ لاَ یَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنْ وَطَنِهِ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ یَضْطَرُّهُ إِلَی الاِنْتِقَالِ عَنْهُ ثُمَّ فَكِّرْ فِی خَلْقِ هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ حِینَ خُلِقَتْ رَاتِبَةً رَاكِنَةً فَتَكُونُ مَوْطِناً مُسْتَقَرّاً لِلْأَشْیَاءِ فَیَتَمَكَّنُ النَّاسُ مِنَ السَّعْیِ عَلَیْهَا فِی مَآرِبِهِمْ وَ الْجُلُوسِ عَلَیْهَا لِرَاحَتِهِمْ وَ النَّوْمِ لِهَدْئِهِمْ وَ الْإِتْقَانِ لِأَعْمَالِهِمْ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَجْرَاجَةً مُتَكَفِّئَةً لَمْ یَكُونُوا یَسْتَطِیعُونَ أَنْ یُتْقِنُوا الْبِنَاءَ وَ التِّجَارَةَ وَ الصِّنَاعَةَ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بَلْ كَانُوا لاَ یَتَهَنَّئُونَ بِالْعَیْشِ وَ الْأَرْضُ تَرْتَجُّ مِنْ تَحْتِهِمْ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِمَا یُصِیبُ النَّاسَ حِینَ الزَّلاَزِلِ عَلَی قِلَّةِ مَكْثِهَا حَتَّی یَصِیرُوا إِلَی تَرْكِ مَنَازِلِهِمْ وَ الْهَرَبِ عَنْهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ صَارَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ تُزَلْزَلُ قِیلَ لَهُ إِنَّ الزَّلْزَلَةَ وَ مَا أَشْبَهَهَا مَوْعِظَةٌ وَ تَرْهِیبٌ یُرَهَّبُ بِهَا النَّاسُ لِیَرْعَوُوا وَ یَنْزِعُوا عَنِ الْمَعَاصِی وَ كَذَلِكَ مَا یَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْبَلاَءِ فِی أَبْدَانِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ یَجْرِی فِی التَّدْبِیرِ عَلَی مَا فِیهِ صَلاَحُهُمْ وَ اسْتِقَامَتُهُمْ وَ یُدَّخَرُ لَهُمْ إِنْ صَلَحُوا مِنَ الثَّوَابِ وَ الْعِوَضِ فِی الْآخِرَةِ مَا لاَ یَعْدِلُهُ شَیْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْیَا وَ رُبَّمَا عُجِّلَ ذَلِكَ فِی الدُّنْیَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِی الدُّنْیَا صَلاَحاً لِلْخَاصَّةِ وَ الْعَامَّةِ ثُمَّ إِنَّ الْأَرْضَ فِی طِبَاعِهَا الَّذِی طَبَعَهَا اللَّهُ عَلَیْهِ بَارِدَةٌ یَابِسَةٌ وَ كَذَلِكَ الْحِجَارَةُ وَ إِنَّمَا الْفَرْقُ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ الْحِجَارَةِ فَضْلُ یُبْسٍ فِی الْحِجَارَةِ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ أَنَّ الْیُبْسَ أَفْرَطَ عَلَی الْأَرْضِ قَلِیلاً حَتَّی تَكُونَ حَجَراً صَلْداً أَ كَانَتْ تُنْبِتُ هَذَا النَّبَاتَ الَّذِی بِهِ حَیَاةُ الْحَیَوَانِ

ص:121

وَ كَانَ یُمْكِنُ بِهَا حَرْثٌ أَوْ بِنَاءٌ أَ فَلاَ تَرَی كَیْفَ تُنْصَبُ (1)مِنْ یُبْسِ الْحِجَارَةِ وَ جُعِلَتْ عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ مِنَ اللِّینِ وَ الرَّخَاوَةِ وَ لِتَهَیَّأَ لِلاِعْتِمَادِ وَ مِنْ تَدْبِیرِ الْحَكِیمِ جَلَّ وَ عَلاَ فِی خِلْقَةِ الْأَرْضِ أَنَّ مَهَبَّ الشَّمَالِ أَرْفَعُ مِنْ مَهَبِّ الْجَنُوبِ فَلِمَ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ كَذَلِكَ إِلاَّ لِیَنْحَدِرَ الْمِیَاهُ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ فَتَسْقِیَهَا وَ تَرْوِیَهَا ثُمَّ تُفِیضَ آخِرَ ذَلِكَ إِلَی الْبَحْرِ فَكَأَنَّمَا یَرْفَعُ أَحَدُ جَانِبَیِ السَّطْحِ (2)وَ یَخْفِضُ الْآخَرُ لِیَنْحَدِرَ الْمَاءُ عَنْهُ وَ لاَ یَقُومَ عَلَیْهِ كَذَلِكَ جُعِلَ مَهَبُّ الشَّمَالِ أَرْفَعَ مِنْ مَهَبِّ الْجَنُوبِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِعَیْنِهَا وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَبَقِیَ الْمَاءُ مُتَحَیِّراً عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ فَكَانَ یَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ أَعْمَالِهَا (3)وَ یَقْطَعُ الطُّرُقَ وَ الْمَسَالِكَ ثُمَّ الْمَاءُ لَوْ لاَ كَثْرَتُهُ وَ تَدَفُّقُهُ فِی الْعُیُونِ وَ الْأَدْوِیَةِ وَ الْأَنْهَارِ لَضَاقَ عَمَّا یَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَیْهِ لِشُرْبِهِمْ وَ شُرْبِ أَنْعَامِهِمْ وَ مَوَاشِیهِمْ وَ سَقْیِ زُرُوعِهِمْ وَ أَشْجَارِهِمْ وَ أَصْنَافِ غَلاَّتِهِمْ وَ شُرْبِ مَا یَرِدُهُ مِنَ الْوُحُوشِ وَ الطَّیْرِ وَ السِّبَاعِ وَ تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْحِیتَانُ وَ دَوَابُّ الْمَاءِ وَ فِیهِ مَنَافِعُ أُخَرُ أَنْتَ بِهَا عَارِفٌ وَ عَنْ عِظَمِ مَوْقِعِهَا غَافِلٌ فَإِنَّهُ سِوَی الْأَمْرِ الْجَلِیلِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَنَائِهِ فِی إِحْیَاءِ جَمِیعِ مَا عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْحَیَوَانِ وَ النَّبَاتِ یَمْزُجُ بِالْأَشْرِبَةِ فَتَلِینُ وَ تَطَیَّبُ لِشَارِبِهَا وَ بِهِ تُنَظَّفُ الْأَبْدَانُ وَ الْأَمْتِعَةُ مِنَ الدَّرَنِ الَّذِی یَغْشَاهَا وَ بِهِ یُبَلُّ التُّرَابُ فَیَصْلُحُ لِلاِعْتِمَالِ (4)وَ بِهِ یُكَفُّ عَادِیَةُ النَّارِ إِذَا اضْطَرَمَتْ وَ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَی الْمَكْرُوهِ وَ بِهِ یُسِیغُ الْغَصَّانُ مَا غَصَّ بِهِ وَ بِهِ یَسْتَحِمُّ الْمُتْعِبُ الْكَالُّ فَیَجِدُ الرَّاحَةَ مِنْ أَوْصَابِهِ إِلَی أَشْبَاهِ هَذَا مِنَ الْمَآرِبِ الَّتِی تَعْرِفُ عِظَمَ مَوْقِعِهَا فِی وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَیْهَا فَإِنْ شَكَكْتَ فِی مَنْفَعَةِ هَذَا الْمَاءِ الْكَثِیرِ الْمُتَرَاكِمِ فِی الْبِحَارِ وَ قُلْتَ مَا الْإِرْبُ فِیهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُكْتَنَفٌ وَ مُضْطَرَبٌ مَا لاَ یُحْصَی مِنْ أَصْنَافِ السَّمَكِ وَ دَوَابِّ الْبَحْرِ وَ مَعْدِنِ اللُّؤْلُؤِ وَ الْیَاقُوتِ وَ الْعَنْبَرِ وَ أَصْنَافٍ شَتَّی تُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ وَ فِی سَوَاحِلِهِ مَنَابِتُ الْعُودِ وَ الْیَلَنْجُوجِ وَ ضُرُوبٍ مِنَ الطِّیبِ وَ الْعَقَاقِیرِ ثُمَّ هُوَ بَعْدُ مَرْكَبُ النَّاسِ وَ مَحْمِلٌ لِهَذِهِ التِّجَارَاتِ الَّتِی تُجْلَبُ مِنَ الْبُلْدَانِ الْبَعِیدَةِ كَمَثَلِ مَا یُجْلَبُ مِنَ اَلصِّینِ إِلَی اَلْعِرَاقِ وَ مِنَ اَلْعِرَاقِ

ص:122


1- و فی نسخة:نقصت.
2- كذا فی النسخ و الظاهر:فكما یرفع أحد جانبی السطح.
3- و فی نسخة:فكان یمنع الناس من اعتمالها.
4- و فی نسخة:فیصلح للاعمال.

إِلَی اَلْعِرَاقِ (1)فَإِنَّ هَذِهِ التِّجَارَاتِ لَوْ لَمْ یَكُنْ لَهَا مَحْمِلٌ إِلاَّ عَلَی الظَّهْرِ لَبَارَتْ (2)وَ بَقِیَتْ فِی بُلْدَانِهَا وَ أَیْدِی أَهْلِهَا لِأَنَّ أَجْرَ حَمْلِهَا كَانَ یُجَاوِزُ أَثْمَانَهَا فَلاَ یَتَعَرَّضُ أَحَدٌ لِحَمْلِهَا وَ كَانَ یَجْتَمِعُ فِی ذَلِكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا فَقْدُ أَشْیَاءَ كَثِیرَةٍ تَعْظُمُ الْحَاجَةُ إِلَیْهَا وَ الْآخَرُ انْقِطَاعُ مَعَاشِ مَنْ یَحْمِلُهَا وَ یَتَعَیَّشُ بِفَضْلِهَا وَ هَكَذَا الْهَوَاءُ لَوْ لاَ كَثْرَتُهُ وَ سَعَتُهُ لاَخْتَنَقَ (3)هَذَا الْأَنَامُ مِنَ الدُّخَانِ وَ الْبُخَارِ الَّتِی یَتَحَیَّرُ فِیهِ وَ یَعْجِزُ عَمَّا یُحَوَّلُ إِلَی السَّحَابِ وَ الضَّبَابِ أَوَّلاً أَوَّلاً وَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ صِفَتِهِ مَا فِیهِ كِفَایَةٌ وَ النَّارُ أَیْضاً كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَبْثُوثَةً كَالنَّسِیمِ وَ الْمَاءِ كَانَتْ تُحْرِقُ الْعَالَمَ وَ مَا فِیهِ وَ لَمْ یَكُنْ بُدٌّ مِنْ ظُهُورِهَا فِی الْأَحَایِینِ لِغَنَائِهَا فِی كَثِیرٍ مِنَ الْمَصَالِحِ فَجُعِلَتْ كَالْمَخْزُونَةِ فِی الْأَخْشَابِ (4)تُلْتَمَسُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَیْهَا وَ تُمْسَكُ بِالْمَادَّةِ وَ الْحَطَبِ مَا احْتِیجَ إِلَی بَقَائِهَا لِئَلاَّ تَخْبُوَ (5)فَلاَ هِیَ تُمْسَكُ بِالْمَادَّةِ وَ الْحَطَبِ فَتَعْظُمَ الْمَئُونَةُ فِی ذَلِكَ وَ لاَ هِیَ تَظْهَرُ مَبْثُوثَةً فَتُحْرِقَ كُلَّ مَا هِیَ فِیهِ بَلْ هِیَ عَلَی تَهْیِئَةٍ وَ تَقْدِیرٍ اجْتَمَعَ فِیهَا الاِسْتِمْتَاعُ بِمَنَافِعِهَا وَ السَّلاَمَةُ مِنْ ضَرَرِهَا ثُمَّ فِیهِ خَلَّةٌ أُخْرَی وَ هِیَ أَنَّهَا مِمَّا خُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ دُونَ جَمِیعِ الْحَیَوَانِ لِمَا لَهُ فِیهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنَّهُ لَوْ فَقَدَ النَّارَ لَعَظُمَ مَا یَدْخُلُ عَلَیْهِ مِنَ الضَّرَرِ فِی مَعَاشِهِ فَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَلاَ تَسْتَعْمِلُ النَّارَ وَ لاَ تَسْتَمْتِعُ بِهَا وَ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یَكُونَ هَذَا هَكَذَا خَلَقَ لِلْإِنْسَانِ كَفّاً وَ أَصَابِعَ مُهَیَّأَةً لِقَدْحِ النَّارِ وَ اسْتِعْمَالِهَا وَ لَمْ یُعْطِ الْبَهَائِمَ مِثْلَ ذَلِكَ لَكِنَّهَا أُعِینَتْ بِالصَّبْرِ عَلَی الْجَفَاءِ وَ الْخَلَلِ فِی الْمَعَاشِ لِكَیْلاَ یَنَالَهَا فِی فَقْدِ النَّارِ مَا یَنَالُ الْإِنْسَانَ وَ أُنَبِّئُكَ مِنْ مَنَافِعِ النَّارِ عَلَی خِلْقَةٍ صَغِیرَةٍ عَظِیمَ مَوْقِعِهَا وَ هِیَ هَذَا الْمِصْبَاحُ الَّذِی یَتَّخِذُهُ النَّاسُ فَیَقْضُونَ بِهِ حَوَائِجَهُمْ مَا شَاءُوا مِنْ لَیْلِهِمْ وَ لَوْ لاَ هَذِهِ الْخَلَّةُ لَكَانَ النَّاسُ تُصْرَفُ أَعْمَارُهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فِی الْقُبُورِ فَمَنْ كَانَ یَسْتَطِیعُ أَنْ یَكْتُبَ أَوْ یَحْفَظَ أَوْ یَنْسِجَ

ص:123


1- و فی نسخة:الی الصین.
2- بارت أی كسدت.
3- خنق:شدّ علی حلقه حتّی یموت.و اختنق مطاوع خنق.
4- و فی نسخة:فی الاجسام.
5- أی لئلا تخمد و تطفا.

فِی ظُلْمَةِ اللَّیْلِ وَ كَیْفَ كَانَتْ حَالُ مَنْ عَرَضَ لَهُ وَجَعٌ فِی وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ اللَّیْلِ فَاحْتَاجَ أَنْ یُعَالِجَ ضِمَاداً أَوْ سَفُوفاً أَوْ شَیْئاً یَسْتَشْفِی بِهِ (1)فَأَمَّا مَنَافِعُهَا فِی نَضْجِ الْأَطْعِمَةِ وَ دَفَاءِ الْأَبْدَانِ وَ تَجْفِیفِ أَشْیَاءَ وَ تَحْلِیلِ أَشْیَاءَ وَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَی وَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَی.

تبیان: العقاقیر أصول الأدویة و الغناء بالفتح المنفعة و الخاویة الخالیة و الفدفد الفلاة و المكان الصلب الغلیظ و المرتفع و الأرض المستویة و الفسحة بالضم السعة و یقال لی عن هذا الأمر مندوحة و منتدح أی سعة و حزبه أمر أی أصابه و الراتبة الثابتة و الراكنة الساكنة و هدأ هدءا و هدوءا سكن و قوله علیه السلام: رجراجة أی متزلزلة متحرّكة و التكفّئ الانقلاب و التمایل و التحرك و الارتجاج الاضطراب و الارعواء الرجوع عن الجهل و الكف عن القبیح و الصلد و یكسر الصلب الأملس قوله علیه السلام: كیف تنصب كذا فی أكثر النسخ و النصب یكون بمعنی الرفع و الوضع و لعل المراد هنا الثانی و الظاهر أنه تصحیف نقصت أو نحوه قوله علیه السلام: إن مهبّ الشمال أرفع أی بعد ما خرجت الأرض من الكرویة الحقیقیة صار ما یلی الشمال منها فی أكثر المعمورة أرفع مما یلی الجنوب و لذا تری أكثر الأنهار كدجلة و الفرات و غیرهما تجری من الشمال إلی الجنوب و لما كان الماء الساكن فی جوف الأرض تابعا للأرض فی ارتفاعه و انخفاضه فلذا صارت العیون المتفجرة تجری هكذا من الشمال إلی الجنوب حتی تجری علی وجه الأرض و لذا حكموا بفوقیّة الشمال علی الجنوب فی حكم اجتماع البئر و البالوعة و إذا تأملت فیما ذكرنا یظهر لك ما بینه علیه السلام من الحكم فی ذلك و أنه لا ینافی كرویّة الأرض و التدفّق التصبّب قوله علیه السلام: فإنه سوی الأمر الجلیل الضمیر راجع إلی الماء و هو اسم إن و یمزج خبره أی للماء سوی النفع الجلیل المعروف و هو كونه سببا لحیاة كل شیء منافع أخری منها أنه یمزج مع الأشربة و قال الجوهری الحمیم الماء الحار و قد استحممت إذا اغتسلت به ثم صار كل اغتسال

ص:124


1- الضماد بالكسر أن یخلط الأدویة بمائع و یلین و یوضع علی العضو،و أصل الضمد الشد من باب ضرب،یقال:ضمد رأسه و جرحه:إذا شده بالضماد،و هی خرقة یشد بها العضو المئوف ثمّ قیل لوضع الدواء علی الجرح و غیره و ان لم یشد.و السفوف بفتح السین:الأدویة المسحوقة الیابسة التی تطرح فی الضماد.

استحماما بأی ماء كان انتهی و الوصب محركة المرض و المكتنف بفتح النون من الكنف بمعنی الحفظ و الإحاطة و اكتنفه أی أحاط به و یظهر منه أن نوعا من الیاقوت یتكون فی البحر و قیل أطلق علی المرجان مجازا و یحتمل أن یكون المراد ما یستخرج منه بالغوص و إن لم یتكون فیه و الیلنجوج عود البخور و من العراق أی البصرة و إلی العراق أی الكوفة أو بالعكس قوله علیه السلام: و یعجز أی لو لا كثرة الهواء لعجز الهواء عما یستحیل الهواء إلیه من السحاب و الضباب التی تتكون من الهواء أولا أولا أی تدریجا أی كان الهواء لا یفی بذلك أو لا یتسع لذلك الضباب بالفتح ندی كالغیم أو سحاب رقیق كالدخان و الأحایین جمع أحیان و هو جمع حین بمعنی الدهر و الزمان قوله علیه السلام: فلا هی تمسك بالمادة و الحطب أی دائما بحیث إذا انطفأت لم یمكن إعادتها و المادة الزیادة المتصلة و المراد هنا الدهن و مثله و دفاء الأبدان بالكسر دفع البرد عنها.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الصَّحْوِ (1)وَ الْمَطَرِ كَیْفَ یَعْتَقِبَانِ عَلَی هَذَا الْعَالَمِ لِمَا فِیهِ صَلاَحُهُ وَ لَوْ دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَیْهِ كَانَ فِی ذَلِكَ فَسَادُهُ أَ لاَ تَرَی أَنَّ الْأَمْطَارَ إِذَا تَوَالَتْ عَفِنَتِ الْبُقُولُ وَ الْخُضَرُ وَ اسْتَرْخَتْ أَبْدَانُ الْحَیَوَانِ وَ خَصِرَ الْهَوَاءُ فَأَحْدَثَ ضُرُوباً مِنَ الْأَمْرَاضِ وَ فَسَدَتِ الطُّرُقُ وَ الْمَسَالِكُ وَ أَنَّ الصَّحْوَ إِذَا دَامَ جَفَّتِ الْأَرْضُ وَ احْتَرَقَ النَّبَاتُ وَ غِیضَ مَاءُ الْعُیُونِ وَ الْأَوْدِیَةِ فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَ غَلَبَ الْیُبْسُ عَلَی الْهَوَاءِ فَأَحْدَثَ ضُرُوباً أُخْرَی مِنَ الْأَمْرَاضِ فَإِذَا تَعَاقَبَا عَلَی الْعَالَمِ هَذَا التَّعَاقُبَ اعْتَدَلَ الْهَوَاءُ وَ دَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَادِیَةَ الْآخَرِ (2)فَصَلَحَتِ الْأَشْیَاءُ وَ اسْتَقَامَتْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَ لِمَ لاَ یَكُونُ فِی شَیْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَضَرَّةٌ الْبَتَّةَ قِیلَ لَهُ لِیَمُضَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ (3)وَ یُؤْلِمَهُ بَعْضَ الْأَلَمِ فَیَرْعَوِیَ عَنِ الْمَعَاصِی فَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا سَقُمَ بَدَنُهُ احْتَاجَ إِلَی الْأَدْوِیَةِ الْمُرَّةِ الْبَشِعَةِ لِیَقُومَ طِبَاعُهُ وَ یَصْلُحَ مَا فَسَدَ مِنْهُ كَذَلِكَ إِذَا طَغَی وَ أَشِرَ

ص:125


1- صحا یصحو صحوا و صحی یصحی صحا الیوم:صفا و لم یكن فیه غیم.
2- أی ضرر الآخر.
3- و فی نسخة:یمضّ ذلك الإنسان.

احْتَاجَ إِلَی مَا یَعَضُّهُ وَ یُؤْلِمُهُ لِیَرْعَوِیَ وَ یَقْصُرَ عَنْ مَسَاوِیهِ وَ یُثْبِتَهُ عَلَی مَا فِیهِ حَظُّهُ وَ رُشْدُهُ وَ لَوْ أَنَّ مَلِكاً مِنَ الْمُلُوكِ قَسَمَ فِی أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ قَنَاطِیرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ فِضَّةٍ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَعْظُمُ عِنْدَهُمْ وَ یَذْهَبُ لَهُ بِهِ الصَّوْتُ فَأَیْنَ هَذَا مِنْ مَطْرَةٍ رَوَاءٍ (1)إِذْ یُعْمَرُ بِهِ الْبِلاَدُ وَ یَزِیدُ فِی الْغَلاَّتِ أَكْثَرَ مِنْ قَنَاطِیرِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ فِی أَقَالِیمِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَ فَلاَ تَرَی الْمَطْرَةَ الْوَاحِدَةَ مَا أَكْبَرَ قَدْرَهَا وَ أَعْظَمَ النِّعْمَةَ عَلَی النَّاسِ فِیهَا وَ هُمْ عَنْهَا سَاهُونَ وَ رُبَّمَا عَاقَتْ عَنْ أَحَدِهِمْ حَاجَةٌ لاَ قَدْرَ لَهَا فَیَذْمُرُ (2)وَ یَسْخَطُ إِیثَاراً لِلْخَسِیسِ قَدْرُهُ عَلَی الْعَظِیمِ نَفْعُهُ جَهْلاً بِمَحْمُودِ الْعَاقِبَةِ وَ قِلَّةَ مَعْرِفَةٍ لِعَظِیمِ الْغَنَاءِ وَ الْمَنْفَعَةِ فِیهَا تَأَمَّلْ نُزُولَهُ عَلَی الْأَرْضِ وَ التَّدْبِیرَ فِی ذَلِكَ فَإِنَّهُ جُعِلَ یَنْحَدِرُ عَلَیْهَا مِنْ عُلْوٍ لِیَتَفَشَّی مَا غَلُظَ وَ ارْتَفَعَ مِنْهَا فَیُرْوِیَهُ وَ لَوْ كَانَ إِنَّمَا یَأْتِیهَا مِنْ بَعْضِ نَوَاحِیهَا لَمَا عَلاَ عَلَی الْمَوَاضِعِ الْمُشْرِفَةِ مِنْهَا وَ یَقِلُّ مَا یُزْرَعُ فِی الْأَرْضِ أَ لاَ تَرَی أَنَّ الَّذِی یُزْرَعُ سَیْحاً (3)أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَمْطَارُ هِیَ الَّتِی تُطْبِقُ الْأَرْضَ وَ رُبَّمَا تَزْرَعُ هَذِهِ الْبَرَارِیَ الْوَاسِعَةَ وَ سُفُوحَ الْجِبَالِ وَ ذُرَاهَا (4)فَتُغِلُّ الْغَلَّةَ الْكَثِیرَةَ (5)وَ بِهَا یَسْقُطُ عَنِ النَّاسِ فِی كَثِیرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ مَئُونَةُ سِیَاقِ الْمَاءِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَی مَوْضِعٍ وَ مَا یَجْرِی فِی ذَلِكَ بَیْنَهُمْ مِنَ التَّشَاجُرِ وَ التَّظَالُمِ حَتَّی یَسْتَأْثِرَ بِالْمَاءِ ذَوُو الْعِزَّةِ وَ الْقُوَّةِ وَ یُحْرَمَهُ الضُّعَفَاءُ ثُمَّ إِنَّهُ حِینَ قُدِّرَ أَنْ یَنْحَدِرَ عَلَی الْأَرْضِ انْحِدَاراً جُعِلَ ذَلِكَ قَطْراً شَبِیهاً بِالرَّشِّ لِیَغُورَ فِی قُطْرِ الْأَرْضِ فَیُرْوِیَهَا وَ لَوْ كَانَ یَسْكُبُهُ انْسِكَاباً كَانَ یَنْزِلُ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ فَلاَ یَغُورُ فِیهَا ثُمَّ كَانَ یَحْطِمُ الزَّرْعَ الْقَائِمَةَ إِذَا انْدَفَقَ عَلَیْهَا فَصَارَ یَنْزِلُ نُزُولاً رَقِیقاً (6)فَیُنْبِتُ الْحَبَّ الْمَزْرُوعَ وَ یُحْیِی الْأَرْضَ وَ الزَّرْعَ الْقَائِمَ وَ فِی نُزُولِهِ أَیْضاً مَصَالِحُ أُخْرَی فَإِنَّهُ یُلَیِّنُ الْأَبْدَانَ وَ یَجْلُو كَدَرَ الْهَوَاءِ فَیَرْتَفِعُ الْوَبَاءُ الْحَادِثُ مِنْ ذَلِكَ وَ یَغْسِلُ مَا یَسْقُطُ عَلَی

ص:126


1- علی زنة«حیاء»:الماء الكثیر المشبع.
2- فی بعض النسخ«یتذمر و یسخط إیثارا للخسیس قدره علی العظیم نفعه جمیلا محمود العاقبة و قلة معرفته لعظیم الغناء و المنفعة فیها.».
3- السیح:الماء الجاری علی وجه الأرض.
4- سفح الجبل:أصله و أسفله.عرضه و مضطجعه الذی ینصب الماء.و ذرو الجبل:أعلاه.
5- و فی نسخة:فتقل الغلة الكثیرة.
6- و فی نسخة:فصار ینزل نزولا رفیقا.

الشَّجَرِ وَ الزَّرْعِ مِنَ الدَّاءِ الْمُسَمَّی بِالْیَرَقَانِ (1)إِلَی أَشْبَاهِ هَذَا مِنَ الْمَنَافِعِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَ وَ لَیْسَ قَدْ یَكُونُ مِنْهُ فِی بَعْضِ السِّنِینَ الضَّرَرُ الْعَظِیمُ الْكَثِیرُ لِشِدَّةِ مَا یَقَعُ مِنْهُ أَوْ بَرَدٍ یَكُونُ فِیهِ تَحَطُّمُ الْغَلاَّتِ وَ بَخُورَةٍ یُحْدِثُهَا فِی الْهَوَاءِ فَیُوَلِّدُ كَثِیراً مِنَ الْأَمْرَاضِ فِی الْأَبْدَانِ وَ الْآفَاتِ فِی الْغَلاَّتِ قِیلَ بَلَی قَدْ یَكُونُ ذَلِكَ الْفَرْطُ لِمَا فِیهِ مِنْ صَلاَحِ الْإِنْسَانِ وَ كَفِّهِ عَنْ رُكُوبِ الْمَعَاصِی وَ التَّمَادِی فِیهَا فَیَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِیمَا یَصْلُحُ لَهُ مِنْ دِینِهِ أَرْجَحَ مِمَّا عَسَی أَنْ یُرْزَأَ فِی مَالِهِ.

بیان: یعتقبان أی یأتی كل منهما عقیب صاحبه و خصر الهواء بكسر الصاد المهملة یقال خصر یومنا أی اشتد برده و ماء خاصر بارد و فی أكثر النسخ بالحاء المهملة و السین من حسر أی كل و هو لا یستقیم إلا بتكلف و تجوز و فی بعضها بالخاء المعجمة و الثاء المثلثة من قولهم خثر اللبن خثرا إذا غلظ و البشع الكریه الطعم الذی یأخذ بالحلق و القنطار معیار و یروی أنه ألف و مائتا أوقیة و یقال هو مائة و عشرون رطلا و یقال هو ملء مسك الثور ذهبا قوله علیه السلام: و یذهب له به الصوت أی یملأ صیت كرمه و جوده الآفاق و الذمر الملامة و التهدد قوله لیتفشی التفشی الاتساع و الأظهر لیغشی بالغین المعجمة كما فی بعض النسخ و الحطم الكسر و الاندفاق الانصباب و الیرقان آفة للزرع و قوله مما عسی أن یرزأ من الرزء المصیبة.

انْظُرْ یَا مُفَضَّلُ إِلَی هَذِهِ الْجِبَالِ الْمَرْكُومَةِ (2)مِنَ الطِّینِ وَ الْحِجَارَةِ الَّتِی یَحْسَبُهَا الْغَافِلُونَ فَضْلاً لاَ حَاجَةَ إِلَیْهَا وَ الْمَنَافِعُ فِیهَا كَثِیرَةٌ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ یَسْقُطَ عَلَیْهَا الثُّلُوجُ فَیَبْقَی فِی قِلاَلِهَا لِمَنْ یَحْتَاجُ إِلَیْهِ وَ یَذُوبَ مَا ذَابَ مِنْهُ فَتَجْرِیَ مِنْهُ الْعُیُونُ الْغَزِیرَةُ الَّتِی تَجْتَمِعُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ وَ یَنْبُتَ فِیهَا ضُرُوبٌ مِنَ النَّبَاتِ وَ الْعَقَاقِیرِ الَّتِی لاَ یَنْبُتُ مِثْلُهَا فِی السَّهْلِ وَ یَكُونَ فِیهَا كُهُوفٌ وَ مَقَایِلُ لِلْوُحُوشِ مِنَ السِّبَاعِ الْعَادِیَةِ وَ یُتَّخَذَ مِنْهَا الْحُصُونُ

ص:127


1- الیرقان:آفة للزرع أو دود یسطو علی الزرع.
2- المركومة:المجتمعة من الطین و الحجارة بعضها فوق بعض.

وَ الْقِلاَعُ الْمَنِیعَةُ لِلتَّحَرُّزِ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ یُنْحَتَ مِنْهَا الْحِجَارَةُ لِلْبِنَاءِ وَ الْأَرْحَاءِ (1)وَ یُوجَدَ فِیهَا مَعَادِنُ لِضُرُوبٍ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَ فِیهَا خِلاَلٌ أُخْرَی لاَ یَعْرِفُهَا إِلاَّ الْمُقَدِّرُ لَهَا فِی سَابِقِ عِلْمِهِ.

تفسیر المقایل فی بعض النسخ بالقاف و كأنه من القیلولة و فی بعضها بالغین و لعله من الغیل الشجر الملتف و فی بعض كتب اللغة المغالة العش و فی بعض النسخ معاقل جمع المعقل و هو الملجأ.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی هَذِهِ الْمَعَادِنِ وَ مَا یُخْرَجُ مِنْهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُخْتَلِفَةِ مِثْلِ الْجِصِّ وَ الْكِلْسِ وَ الْجِبْسِ (2)وَ الزَّرَانِیخِ وَ الْمَرْتَكِ وَ القونیا (3)[اَلتُّوتِیَاءِ] وَ الزِّئْبَقِ وَ النُّحَاسِ وَ الرَّصَاصِ وَ الْفِضَّةِ وَ الذَّهَبِ وَ الزَّبَرْجَدِ وَ الْیَاقُوتِ وَ الزُّمُرُّدِ وَ ضُرُوبِ الْحِجَارَةِ وَ كَذَلِكَ مَا یُخْرَجُ مِنْهَا مِنَ الْقَارِ وَ الْمُومِیَا وَ الْكِبْرِیتِ وَ النِّفْطِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا یَسْتَعْمِلُهُ النَّاسُ فِی مَآرِبِهِمْ فَهَلْ یَخْفَی عَلَی ذِی عَقْلٍ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا ذَخَائِرُ ذُخِرَتْ لِلْإِنْسَانِ فِی هَذِهِ الْأَرْضِ لِیَسْتَخْرِجَهَا فَیَسْتَعْمِلَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَیْهَا ثُمَّ قَصُرَتْ حِیلَةُ النَّاسِ عَمَّا حَاوَلُوا مِنْ صَنْعَتِهَا عَلَی حِرْصِهِمْ وَ اجْتِهَادِهِمْ فِی ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَوْ ظَفِرُوا بِمَا حَاوَلُوا مِنْ هَذَا الْعِلْمِ كَانَ لاَ مَحَالَةَ سَیَظْهَرُ وَ یَسْتَفِیضُ فِی الْعَالَمِ حَتَّی تَكْثُرَ الذَّهَبُ وَ الْفِضَّةُ وَ یَسْقُطَا عِنْدَ النَّاسِ فَلاَ یَكُونَ لَهُمَا قِیمَةٌ وَ یَبْطُلَ الاِنْتِفَاعُ بِهِمَا فِی الشِّرَاءِ وَ الْبَیْعِ وَ الْمُعَامَلاَتِ وَ لاَ كَانَ یَجْبِی السُّلْطَانُ الْأَمْوَالَ وَ لاَ یَدَّخِرُهُمَا أَحَدٌ لِلْأَعْقَابِ وَ قَدْ أُعْطِیَ النَّاسُ مَعَ هَذَا صَنْعَةَ الشَّبَهِ مِنَ النُّحَاسِ وَ الزُّجَاجِ مِنَ الرَّمْلِ وَ الْفِضَّةِ مِنَ الرَّصَاصِ وَ الذَّهَبِ مِنَ الْفِضَّةِ وَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ مَضَرَّةَ فِیهِ فَانْظُرْ كَیْفَ أُعْطُوا إِرَادَتَهُمْ فِیمَا لاَ ضَرَرَ فِیهِ وَ مُنِعُوا ذَلِكَ فِیمَا كَانَ ضَارّاً لَهُمْ لَوْ نَالُوهُ وَ مَنْ أَوْغَلَ فِی الْمَعَادِنِ انْتَهَی إِلَی وَادٍ عَظِیمٍ یَجْرِی مُنْصَلِتاً بِمَاءٍ غَزِیرٍ لاَ یُدْرَكُ غَوْرُهُ وَ لاَ حِیلَةَ فِی عُبُورِهِ وَ مِنْ وَرَائِهِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنَ الْفِضَّةِ تَفَكَّرِ الْآنَ فِی هَذَا مِنْ تَدْبِیرِ الْخَالِقِ الْحَكِیمِ فَإِنَّهُ أَرَادَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ یُرِیَ الْعِبَادَ

ص:128


1- أی الطواحین.
2- أی حجر الجصّ.
3- فی نسخة:القونبا.و فی أخری:التوتیا.

قُدْرَتَهُ وَ سَعَةَ خَزَائِنِهِ لِیَعْلَمُوا أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ یَمْنَحَهُمْ كَالْجِبَالِ مِنَ الْفِضَّةِ لَفَعَلَ لَكِنْ لاَ صَلاَحَ لَهُمْ فِی ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَیَكُونُ فِیهَا كَمَا ذَكَرْنَا سُقُوطُ هَذَا الْجَوْهَرِ عِنْدَ النَّاسِ وَ قِلَّةُ انْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ یَظْهَرُ الشَّیْءُ الطَّرِیفُ مِمَّا یُحْدِثُهُ النَّاسُ مِنَ الْأَوَانِی وَ الْأَمْتِعَةِ فَمَا دَامَ عَزِیزاً قَلِیلاً فَهُوَ نَفِیسٌ جَلِیلٌ آخِذُ الثَّمَنِ فَإِذَا فَشَا وَ كَثُرَ فِی أَیْدِی النَّاسِ سَقَطَ عِنْدَهُمْ وَ خَسَتْ قِیمَتُهُ وَ نَفَاسَةُ الْأَشْیَاءِ مِنْ عِزَّتِهَا.

بیان: الكلس بالكسر الصاروج و الجبس بالكسر الجص و فی أكثر النسخ الجبسین و لم أجده فیما عندنا من كتب اللغة لكن فی كتب الطب كما فی أكثر النسخ و المرتك كمقعد المرداسنج و القونیا بالباء الموحدة أو الیاء المثناة من تحت و لم أجدهما فی كتب اللغة لكن فی القاموس القونة القطعة من الحدید أو الصفر یرفع بها الإناء و فی بعض النسخ و التوتیاء و فی كتب اللغة أنه حجر یكتحل به (1)و القار القیر و جبی الخراج جبایة جمعه و الإیغال المبالغة فی الدخول و الذهاب و انصلت مضی و سبق.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی هَذَا النَّبَاتِ وَ مَا فِیهِ مِنْ ضُرُوبِ الْمَآرِبِ فَالثِّمَارُ لِلْغِذَاءِ وَ الْأَتْبَانُ لِلْعَلَفِ وَ الْحَطَبُ لِلْوُقُودِ وَ الْخَشَبُ لِكُلِّ شَیْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ النِّجَارَةِ وَ غَیْرِهَا وَ اللِّحَاءُ وَ الْوَرَقُ وَ الْأُصُولُ وَ الْعُرُوقُ وَ الصُّمُوغُ لِضُرُوبٍ مِنَ الْمَنَافِعِ أَ رَأَیْتَ لَوْ كُنَّا نَجِدُ الثِّمَارَ الَّتِی نَغْتَذِی بِهَا مَجْمُوعَةً عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ وَ لَمْ تَكُنْ تَنْبُتُ عَلَی هَذِهِ الْأَغْصَانِ الْحَامِلَةِ لَهَا كَمْ كَانَ یَدْخُلُ عَلَیْنَا مِنَ الْخَلَلِ فِی مَعَاشِنَا وَ إِنْ كَانَ الْغِذَاءُ مَوْجُوداً فَإِنَّ الْمَنَافِعَ بِالْخَشَبِ وَ الْحَطَبِ وَ الْأَتْبَانِ وَ سَائِرِ مَا عَدَدْنَاهُ كَثِیرَةٌ عَظِیمٌ قَدْرُهَا جَلِیلٌ مَوْقِعُهَا هَذَا مَعَ مَا فِی النَّبَاتِ مِنَ التَّلَذُّذِ بِحُسْنِ مَنْظَرِهِ وَ نَضَارَتِهِ الَّتِی لاَ یَعْدِلُهَا شَیْءٌ مِنْ مَنَاظِرِ الْعَالَمِ وَ مَلاَهِیهِ.

بیان: لحاء الشجرة بالكسر قشرها.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی هَذَا الرَّیْعِ الَّذِی جُعِلَ فِی الزَّرْعِ فَصَارَتِ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ تُخَلِّفُ

ص:129


1- نقل فی كتب الطبّ عن الشیخ أنّه قال:أصل التوتیا دخان یرتفع حیث یخلص النحاس من الحجارة التی تخالطه و الآنك الذی یخالطه،و ربما صعد الاقلیمیا فكان مصعده توتیا جیدا و رسوبه قلیمیا.

مِائَةَ حَبَّةٍ وَ أَكْثَرَ وَ أَقَلَّ وَ كَانَ یَجُوزُ أَنْ یَكُونَ الْحَبَّةُ تَأْتِی بِمِثْلِهَا فَلِمَ صَارَتْ تَرِیعُ هَذَا الرَّیْعَ إِلاَّ لِیَكُونَ فِی الْغَلَّةِ مُتَّسَعٌ لِمَا یُرَدُّ فِی الْأَرْضِ مِنَ الْبَذْرِ وَ مَا یَتَقَوَّتُ الزُّرَّاعُ إِلَی إِدْرَاكِ زَرْعِهَا الْمُسْتَقْبَلِ أَ لاَ تَرَی أَنَّ الْمَلِكَ لَوْ أَرَادَ عِمَارَةَ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ كَانَ السَّبِیلُ فِی ذَلِكَ أَنْ یُعْطِیَ أَهْلَهُ مَا یَبْذُرُونَهُ فِی أَرْضِهِمْ وَ مَا یَقُوتُهُمْ إِلَی إِدْرَاكِ زَرْعِهِمْ فَانْظُرْ كَیْفَ تَجِدُ هَذَا الْمِثَالَ قَدْ تَقَدَّمَ فِی تَدْبِیرِ الْحَكِیمِ فَصَارَ الزَّرْعُ یَرِیعُ هَذَا الرَّیْعَ لِیَفِیَ بِمَا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ لِلْقُوتِ وَ الزِّرَاعَةِ وَ كَذَلِكَ الشَّجَرُ وَ النَّبْتُ وَ النَّخْلُ یَرِیعُ الرَّیْعَ الْكَثِیرَ فَإِنَّكَ تَرَی الْأَصْلَ الْوَاحِدَ حَوْلَهُ مِنْ فِرَاخِهِ أَمْراً عَظِیماً فَلِمَ كَانَ كَذَلِكَ إِلاَّ لِیَكُونَ فِیهِ مَا یَقْطَعُهُ النَّاسُ وَ یَسْتَعْمِلُونَهُ فِی مَآرِبِهِمْ وَ مَا یُرَدُّ فَیُغْرَسُ فِی الْأَرْضِ وَ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ مِنْهُ یَبْقَی مُنْفَرِداً لاَ یُفْرِخُ وَ لاَ یَرِیعُ لَمَا أَمْكَنَ أَنْ یُقْطَعَ مِنْهُ شَیْءٌ لِعَمَلٍ وَ لاَ لِغَرْسٍ ثُمَّ كَانَ إِنْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ انْقَطَعَ أَصْلُهُ فَلَمْ یَكُنْ مِنْهُ خَلَفٌ تَأَمَّلْ نَبَاتَ هَذِهِ الْحُبُوبِ مِنَ الْعَدَسِ وَ الْمَاشِ وَ الْبَاقِلاَءِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ فِی أَوْعِیَةٍ مِثْلِ الْخَرَائِطِ لِتَصُونَهَا وَ تَحْجُبَهَا مِنَ الْآفَاتِ إِلَی أَنْ تَشُدَّ وَ تَسْتَحْكِمَ كَمَا قَدْ تَكُونُ الْمَشِیمَةُ عَلَی الْجَنِینِ لِهَذَا الْمَعْنَی بِعَیْنِهِ فَأَمَّا الْبُرُّ وَ مَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّهُ یَخْرُجُ مَدْرَجاً فِی قُشُورٍ صِلاَبٍ عَلَی رُءُوسِهَا مِثَالُ الْأَسِنَّةِ مِنَ السُّنْبُلِ لِیَمْنَعَ الطَّیْرَ مِنْهُ لِیَتَوَفَّرَ عَلَی الزُّرَّاعِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَ وَ لَیْسَ قَدْ یَنَالُ الطَّیْرُ مِنَ الْبُرِّ وَ الْحُبُوبِ قِیلَ لَهُ بَلَی عَلَی هَذَا قُدِّرَ الْأَمْرُ فِیهَا لِأَنَّ الطَّیْرَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَهُ فِیمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ حَظّاً وَ لَكِنْ حُضِنَتِ الْحُبُوبُ بِهَذِهِ الْحُجُبِ لِئَلاَّ یَتَمَكَّنَ الطَّیْرُ مِنْهَا كُلَّ التَّمَكُّنِ فَیَعْبَثَ فِیهَا وَ یُفْسِدَ الْفَسَادَ الْفَاحِشَ فَإِنَّ الطَّیْرَ لَوْ صَادَفَ الْحَبَّ بَارِزاً لَیْسَ عَلَیْهِ شَیْءٌ یَحُولُ دُونَهُ لَأَكَبَّ عَلَیْهِ حَتَّی یَنْسِفَهُ أَصْلاً فَكَانَ یَعْرِضُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ یَبْشَمَ الطَّیْرُ فَیَمُوتَ وَ یَخْرُجَ الزَّرَّاعُ مِنْ زَرْعِهِ صِفْراً فَجُعِلَتْ عَلَیْهِ هَذِهِ الْوَقَایَاتُ لِتَصُونَهُ فَیَنَالَ الطَّائِرُ مِنْهُ شَیْئاً یَسِیراً یَتَقَوَّتُ بِهِ وَ یَبْقَی أَكْثَرُهُ لِلْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ أَوْلَی بِهِ إِذْ كَانَ هُوَ الَّذِی كَدَحَ فِیهِ وَ شَقِیَ بِهِ وَ كَانَ الَّذِی یَحْتَاجُ إِلَیْهِ أَكْثَرَ مِمَّا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ الطَّیْرُ تَأَمَّلِ الْحِكْمَةَ فِی خَلْقِ الشَّجَرِ وَ أَصْنَافِ النَّبَاتِ فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَحْتَاجُ إِلَی الْغِذَاءِ

ص:130

الدَّائِمِ كَحَاجَةِ الْحَیَوَانِ وَ لَمْ یَكُنْ لَهَا أَفْوَاهٌ كَأَفْوَاهِ الْحَیَوَانِ وَ لاَ حَرَكَةٌ تَنْبَعِثُ بِهَا لِتَنَاوُلِ الْغِذَاءِ جُعِلَتْ أُصُولُهَا مَرْكُوزَةً فِی الْأَرْضِ لِتَنْزِعَ مِنْهَا الْغِذَاءَ فَتُؤَدِّیَهُ إِلَی الْأَغْصَانِ وَ مَا عَلَیْهَا مِنَ الْوَرَقِ وَ الثَّمَرِ فَصَارَتِ الْأَرْضُ كَالْأُمِّ الْمُرَبِّیَةِ لَهَا وَ صَارَتْ أُصُولُهَا الَّتِی هِیَ كَالْأَفْوَاهِ مُلْتَقِمَةً لِلْأَرْضِ (1)لِتَنْزِعَ مِنْهَا الْغِذَاءَ كَمَا یُرْضِعُ أَصْنَافَ الْحَیَوَانِ أُمَّهَاتُهَا أَ لاَ تَرَی إِلَی عَمَدِ الْفَسَاطِیطِ وَ الْخِیَمِ كَیْفَ تَمُدُّ بِالْأَطْنَابِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِتَثْبُتَ مُنْتَصِبَةً فَلاَ تَسْقُطَ وَ لاَ تَمِیلَ فَهَكَذَا تَجِدُ النَّبَاتَ كُلَّهُ لَهُ عُرُوقٌ مُنْتَشِرَةٌ فِی الْأَرْضِ مُمْتَدَّةٌ إِلَی كُلِّ جَانِبٍ لِتُمْسِكَهُ وَ تُقِیمَهُ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ كَیْفَ كَانَ یَثْبُتُ هَذَا النَّخْلُ الطِّوَالُ وَ الدَّوْحُ الْعِظَامُ فِی الرِّیحِ الْعَاصِفِ فَانْظُرْ إِلَی حِكْمَةِ الْخِلْقَةِ كَیْفَ سَبَقَتْ حِكْمَةَ الصِّنَاعَةِ فَصَارَتِ الْحِیلَةُ الَّتِی تَسْتَعْمِلُهَا الصُّنَّاعُ فِی ثَبَاتِ الْفَسَاطِیطِ وَ الْخِیَمِ مُتَقَدِّمَةً فِی خَلْقِ الشَّجَرِ لِأَنَّ خَلْقَ الشَّجَرِ قَبْلَ صَنْعَةِ الْفَسَاطِیطِ وَ الْخِیَمِ أَ لاَ تَرَی عَمَدَهَا وَ عِیدَانَهَا مِنَ الشَّجَرِ فَالصِّنَاعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْخِلْقَةِ.

بیان: ینسفه بالكسر أی یقلعه و بشم الحیوان بشما من باب تعب اتخم من كثرة الأكل و الكدح العمل و السعی و الشقا الشدة و العسر شقی كرضی و الدوح بفتح الدال و سكون الواو جمع الدوحة و هی الشجرة العظیمة.

تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ خَلْقَ الْوَرَقِ فَإِنَّكَ تَرَی فِی الْوَرَقَةِ شِبْهَ الْعُرُوقِ مَبْثُوثَةً فِیهَا أَجْمَعَ فَمِنْهَا غِلاَظٌ مُمْتَدَّةٌ فِی طُولِهَا وَ عَرْضِهَا وَ مِنْهَا دِقَاقٌ تَتَخَلَّلُ الْغِلاَظَ مَنْسُوجَةٌ نَسْجاً دَقِیقاً مُعْجَماً لَوْ كَانَ مِمَّا یُصْنَعُ بِالْأَیْدِی كَصَنْعَةِ الْبَشَرِ لَمَا فُرِغَ مِنْ وَرَقِ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ فِی عَامٍ كَامِلٍ وَ لاَحتِیجَ إِلَی آلاَتٍ وَ حَرَكَةٍ وَ عِلاَجٍ وَ كَلاَمٍ فَصَارَ یَأْتِی مِنْهُ فِی أَیَّامٍ قَلاَئِلَ مِنَ الرَّبِیعِ مَا یَمْلَأُ الْجِبَالَ وَ السَّهْلَ وَ بِقَاعَ الْأَرْضِ كُلَّهَا بِلاَ حَرَكَةٍ وَ لاَ كَلاَمٍ إِلاَّ بِالْإِرَادَةِ النَّافِذَةِ فِی كُلِّ شَیْءٍ وَ الْأَمْرِ الْمُطَاعِ وَ اعْرِفْ مَعَ ذَلِكَ الْعِلَّةَ فِی تِلْكَ الْعُرُوقِ الدِّقَاقِ فَإِنَّهَا جُعِلَتْ تَتَخَلَّلُ الْوَرَقَةَ بِأَسْرِهَا لِتَسْقِیَهَا وَ تُوصِلَ الْمَاءَ إِلَیْهَا بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوقِ الْمَبْثُوثَةِ فِی الْبَدَنِ لِتُوصِلَ الْغِذَاءَ إِلَی كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا وَ فِی الْغِلاَظِ مِنْهَا مَعْنًی آخَرُ فَإِنَّهَا تُمْسِكُ الْوَرَقَةَ بِصَلاَبَتِهَا وَ مِتَانَتِهَا لِئَلاَّ

ص:131


1- التقم الطعام:ابتلعه أو فی مهلة.

تَنْهَتِكَ وَ تَتَمَزَّقَ فَتَرَی الْوَرَقَةَ شَبِیهَةً بِوَرَقَةٍ مَعْمُولَةٍ بِالصَّنْعَةِ مِنْ خِرَقٍ قَدْ جُعِلَتْ فِیهَا عِیدَانٌ مَمْدُودَةٌ فِی طُولِهَا وَ عَرْضِهَا لِتَتَمَاسَكَ فَلاَ تَضْطَرِبَ فَالصِّنَاعَةُ تَحْكِی الْخِلْقَةَ وَ إِنْ كَانَتْ لاَ تُدْرِكُهَا عَلَی الْحَقِیقَةِ فَكِّرْ فِی هَذَا الْعَجَمِ وَ النَّوَی وَ الْعِلَّةِ فِیهِ فَإِنَّهُ جُعِلَ فِی جَوْفِ الثَّمَرَةِ لِیَقُومَ مَقَامَ الْغَرْسِ إِنْ عَاقَ دُونَ الْغَرْسِ عَائِقٌ كَمَا یُحْرَزُ الشَّیْءُ النَّفِیسُ الَّذِی تَعْظُمُ الْحَاجَةُ إِلَیْهِ فِی مَوَاضِعَ أُخَرَ فَإِنْ حَدَثَ عَلَی الَّذِی فِی بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ حَادِثٌ وُجِدَ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ بَعْدُ یُمْسِكُ بِصَلاَبَتِهِ رَخَاوَةَ الثِّمَارِ وَ رِقَّتَهَا وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَتَشَدَّخَتْ وَ تَفَسَّخَتْ وَ أَسْرَعَ إِلَیْهِ الْفَسَادُ وَ بَعْضُهُ یُؤْكَلُ وَ یُسْتَخْرَجُ دُهْنُهُ فَیُسْتَعْمَلُ مِنْهُ ضُرُوبٌ مِنَ الْمَصَالِحِ وَ قَدْ تَبَیَّنَ لَكَ مَوْضِعُ الْإِرْبِ فِی الْعَجَمِ وَ النَّوَی فَكِّرِ الْآنَ فِی هَذَا الَّذِی تَجِدُهُ فَوْقَ النَّوَاةِ مِنَ الرَّطْبَةِ وَ فَوْقَ الْعَجَمِ مِنَ الْعِنَبَةِ فَمَا الْعِلَّةُ فِیهِ وَ لِمَا ذَا یَخْرُجُ فِی هَذِهِ الْهَیْئَةِ وَ قَدْ كَانَ یُمْكِنُ أَنْ یَكُونَ مَكَانَ ذَلِكَ مَا لَیْسَ فِیهِ مَأْكَلٌ كَمِثْلِ مَا یَكُونُ فِی السَّرْوِ وَ الدُّلْبِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلِمَ صَارَ یَخْرُجُ فَوْقَهُ هَذِهِ الْمَطَاعِمُ اللَّذِیذَةُ إِلاَّ لِیَسْتَمْتِعَ بِهَا الْإِنْسَانُ فَكِّرْ فِی ضُرُوبٍ مِنَ التَّدْبِیرِ فِی الشَّجَرِ فَإِنَّكَ تَرَاهُ یَمُوتُ فِی كُلِّ سَنَةٍ مَوْتَةً فَیَحْتَبِسُ الْحَرَارَةَ الْغَرِیزِیَّةَ فِی عُودِهِ وَ یَتَوَلَّدُ فِیهِ مَوَادُّ الثِّمَارِ ثُمَّ تَحْیَا وَ تَنْتَشِرُ فَتَأْتِیكَ بِهَذِهِ الْفَوَاكِهِ نَوْعاً بَعْدَ نَوْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ إِلَیْكَ أَنْوَاعُ الْأَطْبِخَةِ (1)الَّتِی تُعَالَجُ بِالْأَیْدِی وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَتَرَی الْأَغْصَانَ فِی الشَّجَرِ تَتَلَقَّاكَ بِثِمَارِهَا حَتَّی كَأَنَّهَا تُنَاوِلُكَهَا عَنْ یَدٍ وَ تَرَی الرَّیَاحِینَ تَلَقَّاكَ فِی أَفْنَانِهَا كَأَنَّهَا تَجِیئُكَ بِأَنْفُسِهَا فَلِمَنْ هَذَا التَّقْدِیرُ إِلاَّ لِمُقَدِّرٍ حَكِیمٍ وَ مَا الْعِلَّةُ فِیهِ إِلاَّ تَفْكِیهُ الْإِنْسَانِ بِهَذِهِ الثِّمَارِ وَ الْأَنْوَارِ (2)وَ الْعَجَبُ مِنْ أُنَاسٍ جَعَلُوا مَكَانَ الشُّكْرِ عَلَی النِّعْمَةِ جُحُودَ الْمُنْعِمِ بِهَا اعْتَبِرْ بِخَلْقِ الرُّمَّانَةِ وَ مَا تَرَی فِیهَا مِنْ أَثَرِ الْعَمْدِ وَ التَّدْبِیرِ فَإِنَّكَ تَرَی فِیهَا كَأَمْثَالِ التِّلاَلِ مِنْ شَحْمٍ مَرْكُومٍ فِی نَوَاحِیهَا وَ حَبّاً مَرْصُوفاً رَصْفاً كَنَحْوِ مَا یُنْضَدُ بِالْأَیْدِی (3)

ص:132


1- و فی نسخة:كما تقدم إلیك أنواع الاخبصة.
2- و فی نسخة:تفكه الإنسان بهذه الثمار و الأنوار.
3- أی كنحو ما یضم بعضه إلی بعض متسقا بالایدی.

وَ تَرَی الْحَبَّ مَقْسُوماً أَقْسَاماً وَ كُلَّ قِسْمٍ مِنْهَا مَلْفُوفاً بِلَفَائِفَ مِنْ حُجُبٍ مَنْسُوجَةٍ أَعْجَبَ النَّسْجِ وَ أَلْطَفَهُ وَ قِشْرَهُ یَضُمُّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَمِنَ التَّدْبِیرِ فِی هَذِهِ الصَّنْعَةِ أَنَّهُ لَمْ یَكُنْ یَجُوزُ أَنْ یَكُونَ حَشْوُ الرُّمَّانَةِ مِنَ الْحَبِّ وَحْدَهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ الْحَبَّ لاَ یَمُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً فَجُعِلَ ذَلِكَ الشَّحْمُ خِلاَلَ الْحَبِّ لِیَمُدَّهُ بِالْغِذَاءِ أَ لاَ تَرَی أَنَّ أُصُولَ الْحَبِّ مَرْكُوزَةٌ فِی ذَلِكَ الشَّحْمِ ثُمَّ لُفَّ بِتِلْكَ اللَّفَائِفِ لِتَضُمَّهُ وَ تُمْسِكَهُ فَلاَ یَضْطَرِبَ وَ غُشِیَ فَوْقَ ذَلِكَ بِالْقِشْرَةِ الْمُسْتَحْصِنَةِ لِیَصُونَهُ وَ یُحْصِنَهُ مِنَ الْآفَاتِ فَهَذَا قَلِیلٌ مِنْ كَثِیرٍ وَ هِیَ وَصْفُ الرُّمَّانِ وَ فِیهِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا لِمَنْ أَرَادَ الْإِطْنَابَ وَ التَّذَرُّعَ فِی الْكَلاَمِ وَ لَكِنْ فِیمَا ذَكَرْتُ لَكَ كِفَایَةٌ فِی الدَّلاَلَةِ وَ الاِعْتِبَارِ.

بیان: قوله علیه السلام: معجما لعل المراد شدّة ارتباطها قال الفیروزآبادی :باب معجم كمكرم مقفل انتهی و یحتمل أن یكون كنایة عن خفائها كقوله صلی اللّٰه علیه و آله صلاة النهار عجماء و قوله علیه السلام: إن عاق دون الغرس أی غرس الأغصان عائق تغرس النوی بدلها و الشدخ الكسر و الغمز و المشدخ هو بسر یغمز و ییبس للشتاء و الدلب بالضم الصنار (1)قوله علیه السلام: فیحتبس الحرارة الغریزیة یدل علی أن الحرارة الغریزیة لا یختصّ بالحیوان بل یوجد فی النبات أیضا كما صرح به جماعة من المحققین و یقال رصفت الحجارة فی البناء رصفا أی ضممت بعضها إلی بعض و استحصف استحكم و التذرّع كثرة الكلام و الإفراط فیه.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی حَمْلِ الْیَقْطِینِ الضَّعِیفِ مِثْلَ هَذِهِ الثِّمَارِ الثَّقِیلَةِ مِنَ الدُّبَّاءِ وَ الْقِثَّاءِ وَ الْبِطِّیخِ وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ الْحِكْمَةِ فَإِنَّهُ حِینَ قُدِّرَ أَنْ یَحْتَمِلَ مِثْلَ هَذِهِ الثِّمَارَ جُعِلَ نَبَاتُهُ مُنْبَسِطاً عَلَی الْأَرْضِ وَ لَوْ كَانَ یَنْتَصِبُ قَائِماً كَمَا یَنْتَصِبُ الزَّرْعُ وَ الشَّجَرُ لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ یَحْمِلَ مِثْلَ هَذِهِ الثِّمَارِ الثَّقِیلَةِ وَ لَیَنْقَصِفُ قَبْلَ إِدْرَاكِهَا وَ انْتِهَائِهَا إِلَی غَایَتِهَا فَانْظُرْ كَیْفَ صَارَ یَمْتَدُّ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ لِیُلْقِیَ عَلَیْهَا ثِمَارَهَا فَتَحْمِلَهَا عَنْهُ فَتَرَی الْأَصْلَ مِنَ الْقَرْعِ وَ الْبِطِّیخِ مُفْتَرِشاً لِلْأَرْضِ ثِمَارَهُ مَبْثُوثَةً عَلَیْهَا وَ حَوَالَیْهِ كَأَنَّهُ هِرَّةٌ مُمْتَدَّةٌ وَ قَدِ اكْتَنَفَتْهَا أَجْرَاؤُهَا لِتَرْضِعَ مِنْهَا

ص:133


1- الصنار معرّب چنار.

وَ انْظُرْ كَیْفَ صَارَتِ الْأَصْنَافُ تُوَافِی فِی وَقْتِ الْمُشَاكِلِ لَهَا مِنْ حَمَارَّةِ الصَّیْفِ وَ وَقْدَةِ الْحَرِّ فَتَلَقَّاهَا النُّفُوسُ بِانْشِرَاحٍ وَ تَشَوُّقٍ إِلَیْهَا وَ لَوْ كَانَتْ تُوَافِی فِی الشِّتَاءِ لَوَافَقَتْ مِنَ النَّاسِ كَرَاهَةً لَهَا وَ اقْشِعْرَاراً مِنْهَا مَعَ مَا یَكُونُ فِیهَا مِنَ الْمَضَرَّةِ لِلْأَبْدَانِ أَ لاَ تَرَی أَنَّهُ رُبَّمَا أَدْرَكَ شَیْءٌ مِنَ الْخِیَارِ فِی الشِّتَاءِ فَیَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ أَكْلِهِ إِلاَّ الشَّرِهَ الَّذِی لاَ یَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ مَا یَضُرُّهُ وَ لْیَسْتَوْخِمْ مَغَبَّتَهُ.

توضیح: قال الفیروزآبادی :الیقطین ما لا ساق له من النبات و نحوه و القصف الكسر و قال الجوهری :الجِرو و الجُرو و الجَرو ولد الكلب و السباع و الجمع أجرٍ و أصله أجرو علی أفعل و جراء و جمع الجراء أجریة و الجرو و الجروة الصغیر من القثاء انتهی و الحمارّة بتخفیف المیم و تشدید الراء و قد یخفّف فی الشعر شدّة الحرّ و فی الأساس ما لی أراك تشرح إلی كلّ رتبة و هو إظهار الرغبة إلیها و فیه هو شره العین یطمع فی كل ما یراه یرمی نفسه علیه و یتمنّاه انتهی و استوخمه لم یجده مریئا موافقا و المغبّة العاقبة.

فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی النَّخْلِ فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ فِیهِ إِنَاثٌ یَحْتَاجُ إِلَی التَّلْقِیحِ (1)جُعِلَتْ فِیهِ ذُكُورَةٌ لِلِّقَاحِ مِنْ غَیْرِ غِرَاسٍ فَصَارَ الذَّكَرُ مِنَ النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الذَّكَرِ مِنَ الْحَیَوَانِ الَّذِی یُلْقِحُ الْإِنَاثَ لِتَحْمِلَ وَ هُوَ لاَ یَحْمِلُ تَأَمَّلْ خِلْقَةَ الْجِذْعِ (2)كَیْفَ هُوَ فَإِنَّكَ تَرَاهُ كَالْمَنْسُوجِ نَسْجاً مِنْ غَیْرِ خُیُوطٍ مَمْدُودَةٍ كَالسَّدَی وَ أُخْرَی مَعَهُ مُعْتَرِضَةٌ كَاللُّحْمَةِ (3)كَنَحْوِ مَا یُنْسَجُ بِالْأَیْدِی وَ ذَلِكَ لِیَشْتَدَّ وَ یَصْلُبَ وَ لاَ یَنْقَصِفَ مِنْ حَمْلِ الْقِنْوَانِ (4)الثَّقِیلَةِ وَ هَزِّ الرِّیَاحِ الْعَوَاصِبِ إِذَا صَارَ نَخْلَةً وَ لِیَتَهَیَّأَ لِلسُّقُوفِ وَ الْجُسُورِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا یُتَّخَذُ مِنْهُ إِذَا صَارَ جِذْعاً وَ كَذَلِكَ تَرَی الْخَشَبَ مِثْلَ النَّسْجِ فَإِنَّكَ تَرَی بَعْضَهُ مُدَاخِلاً بَعْضاً طُولاً وَ عَرْضاً كَتَدَاخُلِ أَجْزَاءِ اللُّحَمِ وَ فِیهِ

ص:134


1- التلقیح فی النخل:وضع طلع الذكور فی الاناث.
2- الجذع:ساق النخلة.
3- السدی من الثوب:ما مد من خیوطه و هو خلاف اللحمة.و اللحمة ما نسج عرضا و هو خلاف سداه.
4- القنوان جمع القنا و القنی و القنو-بكسر القاف و ضمها-:العذق و هو من النخل كالعنقود من العنب.

مَعَ ذَلِكَ مَتَانَةٌ لِیَصْلُحَ لِمَا یُتَّخَذُ مِنْهُ مِنَ الْآلاَتِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَحْصَفاً (1)كَالْحِجَارَةِ لَمْ یُمْكِنْ أَنْ یُسْتَعْمَلَ فِی السُّقُوفِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا یُسْتَعْمَلُ فِیهِ الْخَشَبَةُ كَالْأَبْوَابِ وَ الْأَسِرَّةِ وَ التَّوَابِیتِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَ مِنْ جَسِیمِ الْمَصَالِحِ فِی الْخَشَبِ أَنَّهُ یَطْفُو عَلَی الْمَاءِ فَكُلُّ النَّاسِ یَعْرِفُ هَذَا مِنْهُ وَ لَیْسَ كُلُّهُمْ یَعْرِفُ جَلاَلَةَ الْأَمْرِ فِیهِ فَلَوْ لاَ هَذِهِ الْخَلَّةُ كَیْفَ كَانَتْ هَذِهِ السُّفُنُ وَ الْأَظْرَافُ تَحْمِلُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ مِنَ الْحَمُولَةِ وَ أَنَّی كَانَ یَنَالُ النَّاسُ هَذَا الْوَفْقَ (2)وَ خِفَّةَ الْمَئُونَةِ فِی حَمْلِ التِّجَارَاتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَی بَلَدٍ وَ كَانَتْ تَعْظُمُ الْمَئُونَةُ عَلَیْهِمْ فِی حَمْلِهَا حَتَّی یُلْقَی كَثِیرٌ مِمَّا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ فِی بَعْضِ الْبُلْدَانِ مَفْقُوداً أَصْلاً أَوْ عُسْراً وُجُودُهُ فَكِّرْ فِی هَذِهِ الْعَقَاقِیرِ وَ مَا خُصَّ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنَ الْعَمَلِ فِی بَعْضِ الْأَدْوَاءِ فَهَذَا یَغُورُ فِی الْمَفَاصِلِ فَیَسْتَخْرِجُ الْفُضُولَ الْغَلِیظَةَ مِثْلَ الشَّیْطَرَجِ (3)وَ هَذَا یَنْزِفُ الْمِرَّةَ السَّوْدَاءَ مِثْلَ الْأَفْتِیمُونِ (4)وَ هَذَا یَنْفِی الرِّیَاحَ مِثْلَ السَّكْبِینَجِ وَ هَذَا یُحَلِّلُ الْأَوْرَامَ وَ أَشْبَاهِ هَذَا مِنْ أَفْعَالِهَا فَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْقُوَی فِیهَا إِلاَّ مَنْ خَلَقَهَا لِلْمَنْفَعَةِ وَ مَنْ فَطَّنَ النَّاسَ بِهَا إِلاَّ مَنْ جَعَلَ هَذَا فِیهَا وَ مَتَی كَانَ یُوقَفُ عَلَی هَذَا مِنْهَا بِالْعَرَضِ وَ الاِتِّفَاقِ كَمَا قَالَ قَائِلُونَ وَ هَبِ الْإِنْسَانُ فَطَنَ لِهَذِهِ الْأَشْیَاءِ بِذِهْنِهِ وَ لَطِیفِ رَوِیَّتِهِ وَ تَجَارِبِهِ فَالْبَهَائِمُ كَیْفَ فَطَنَتْ لَهَا حَتَّی صَارَ بَعْضُ السِّبَاعِ یَتَدَاوَی مِنْ جِرَاحَةٍ إِنْ أَصَابَتْهُ بِبَعْضِ الْعَقَاقِیرِ فَیَبْرَأُ وَ بَعْضُ الطَّیْرِ یَحْتَقِنُ مِنَ الْحُصْرِ یُصِیبُهُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَیَسْلَمُ وَ أَشْبَاهُ هَذَا كَثِیرٌ وَ لَعَلَّكَ تُشَكِّكُ فِی هَذَا النَّبَاتِ النَّابِتِ فِی الصَّحَارِی وَ الْبَرَارِی حَیْثُ لاَ أُنْسَ وَ لاَ أَنِیسَ فَتَظُنُّ أَنَّهُ فَضْلٌ لاَ حَاجَةَ إِلَیْهِ وَ لَیْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ طُعْمٌ لِهَذِهِ الْوُحُوشِ وَ حَبُّهُ عَلَفٌ لِلطَّیْرِ وَ عُودُهُ وَ أَفْنَانُهُ حَطَبٌ فَیَسْتَعْمِلُهُ النَّاسُ وَ فِیهِ بَعْدُ أَشْیَاءُ تُعَالَجُ بِهِ الْأَبْدَانُ وَ أُخْرَی تُدْبَغُ بِهِ الْجُلُودُ وَ أُخْرَی تُصْبَغُ بِهِ الْأَمْتِعَةُ وَ أَشْبَاهُ هَذَا مِنَ الْمَصَالِحِ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ أَخَسَّ النَّبَاتِ وَ أَحْقَرَهُ

ص:135


1- أی مستحكما،و الحصیف:كل محكم لا خلل فیه.
2- فی نسخة:هذا الرفق.
3- و فی كتب الطبّ أنّه یزیل الطحال أكلا و ضمادا أیضا،و تعلیقه علی الاذن الوجعة یسكن وجعها.
4- و له منافع اخری معدودة فی كتب الطبّ كإسهاله البلغم و الصفراء،و نفعه من الصرع و التشنج الامتلائی،و النفخ و أصحاب السرطان و الجرب و غیر ذلك،كما أن للسكبینج منافع اخری مبینة فی محله.

هَذَا الْبَرْدِیُّ (1)وَ مَا أَشْبَهَهَا فَفِیهَا مَعَ هَذَا مِنْ ضُرُوبِ الْمَنَافِعِ فَقَدْ یُتَّخَذُ مِنَ الْبَرْدِیِّ الْقَرَاطِیسُ الَّتِی یَحْتَاجُ إِلَیْهَا الْمُلُوكُ وَ السُّوقَةُ وَ الْحُصُرُ الَّتِی یَسْتَعْمِلُهَا كُلُّ صِنْفٍ مِنَ النَّاسِ وَ لَیُعْمَلُ مِنْهُ الْغُلُفُ الَّتِی یُوقَی بِهَا الْأَوَانِی وَ یُجْعَلُ حَشْواً بَیْنَ الظُّرُوفِ فِی الْأَسْفَاطِ (2)لِكَیْلاَ تَعِیبَ وَ تَنْكَسِرَ وَ أَشْبَاهُ هَذَا مِنَ الْمَنَافِعِ فَاعْتَبِرْ بِمَا تَرَی مِنْ ضُرُوبِ الْمَآرِبِ فِی صَغِیرِ الْخَلْقِ وَ كَبِیرِهِ وَ بِمَا لَهُ قِیمَةٌ وَ مَا لاَ قِیمَةَ لَهُ وَ أَخَسُّ مِنْ هَذَا وَ أَحْقَرُهُ الزِّبْلُ وَ الْعَذِرَةُ الَّتِی اجْتَمَعَتْ فِیهَا الخَسَاسَةُ وَ النَّجَاسَةُ مَعاً وَ مَوْقِعُهَا مِنَ الزُّرُوعِ وَ الْبُقُولِ وَ الْخُضَرِ أَجْمَعُ الْمَوْقِعِ الَّذِی لاَ یَعْدِلُهُ شَیْءٌ حَتَّی إِنَّ كُلَّ شَیْءٍ مِنَ الْخُضَرِ لاَ یَصْلُحُ وَ لاَ یَزْكُو إِلاَّ بِالزِّبْلِ وَ السَّمَادِ الَّذِی یَسْتَقْذِرُهُ النَّاسُ وَ یَكْرَهُونَ الدُّنُوَّ مِنْهُ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَیْسَ مَنْزِلَةُ الشَّیْءِ عَلَی حَسَبِ قِیمَتِهِ بَلْ هُمَا قِیمَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ بِسُوقَیْنِ وَ رُبَّمَا كَانَ الْخَسِیسُ فِی سُوقِ الْمُكْتَسَبِ نَفِیساً فِی سُوقِ الْعِلْمِ فَلاَ تَسْتَصْغِرِ الْعِبْرَةَ فِی الشَّیْءِ لِصِغَرِ قِیمَتِهِ فَلَوْ فَطَنُوا طَالِبُوا الْكِیمِیَاءِ لِمَا فِی الْعَذِرَةِ لاَشْتَرَوْهَا بِأَنْفَسِ الْأَثْمَانِ وَ غَالَوْا بِهَا قَالَ اَلْمُفَضَّلُ وَ حَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ فَقَامَ مَوْلاَیَ إِلَی الصَّلاَةِ وَ قَالَ بَكِّرْ إِلَیَّ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَانْصَرَفْتُ وَ قَدْ تَضَاعَفَ سُرُورِی بِمَا عَرَّفَنِیهِ مُبْتَهِجاً بِمَا آتَانِیهِ حَامِداً لِلَّهِ عَلَی مَا مَنَحَنِیهِ فَبِتُّ لَیْلَتِی مَسْرُوراً.

بیان: قوله علیه السلام: لیصلح بیان لما یتحصل مما مر لا للمتانة فقط و النزف النزح قوله علیه السلام: هب الإنسان أی سلمنا أنه كذلك و الحصر بالضم اعتقال البطن و السوقة بالضم الرعیة للواحد و الجمع و المذكر و المؤنث و الغلف بضمة و بضمتین و كركع جمع غلاف و الزبل بالكسر السرقین و قال الفیروزآبادی :السماد السرقین برماد و قال الجزری هو ما یطرح فی أصول الزرع و الخضر من العذرة و الزبل لیجود نباته أقول یدل ظاهرا علی جواز استعمال العذرات النجسة فی ذلك و ربما یستدل به علی تطهیر الاستحالة.

ص:136


1- البردی:نبت رخو ینبت فی دیار المصر كثیرا،یمضغ أصله كقصب السكر و یتخذ منه القرطاس و قیل:له ورق كخوص النخل،فارسیه نوخ.
2- جمع السفط:وعاء كالقفة أو الجوالق.

اَلْمَجْلِسُ الرَّابِعُ قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَلَمَّا كَانَ الْیَوْمُ الرَّابِعُ بَكَّرْتُ إِلَی مَوْلاَیَ فَاسْتُوذِنَ لِی فَأَمَرَنِی بِالْجُلُوسِ فَجَلَسْتُ فَقَالَ علیه السلام مِنَّا التَّحْمِیدُ وَ التَّسْبِیحُ وَ التَّعْظِیمُ وَ التَّقْدِیسُ لِلاِسْمِ الْأَقْدَمِ وَ النُّورِ الْأَعْظَمِ الْعَلِیِّ الْعَلاَّمِ ذِی الْجَلاَلِ وَ الْإِكْرَامِ وَ مُنْشِئِ الْأَنَامِ وَ مُفْتِی الْعَوَالِمِ وَ الدُّهُورِ وَ صَاحِبِ السِّرِّ الْمَسْتُورِ وَ الْغَیْبِ الْمَحْظُورِ وَ الاِسْمِ الْمَخْزُونِ وَ الْعِلْمِ الْمَكْنُونِ وَ صَلَوَاتُهُ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَی مُبَلِّغِ وَحْیِهِ وَ مُؤَدِّی رِسَالَتِهِ الَّذِی ابْتَعَثَهُ بَشِیراً وَ نَذِیراً وَ داعِیاً إِلَی اللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِیراً لِیَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ یَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ فَعَلَیْهِ وَ عَلَی آلِهِ مِنْ بَارِئِهِ الصَّلَوَاتُ الطَّیِّبَاتُ وَ التَّحِیَّاتُ الزَّاكِیَاتُ النَّامِیَاتُ وَ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمُ السَّلاَمُ وَ الرَّحْمَةُ وَ الْبَرَكَاتُ فِی الْمَاضِینَ وَ الْغَابِرِینَ أَبَدَ الْآبِدِینَ وَ دَهْرَ الدَّاهِرِینَ وَ هُمْ أَهْلُهُ وَ مُسْتَحِقُّهُ قَدْ شَرَحْتُ لَكَ یَا مُفَضَّلُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَی الْخَلْقِ وَ الشَّوَاهِدِ عَلَی صَوَابِ التَّدْبِیرِ وَ الْعَمْدِ فِی الْإِنْسَانِ وَ الْحَیَوَانِ وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِیهِ عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ وَ أَنَا أَشْرَحُ لَكَ الْآنَ الْآفَاتِ الْحَادِثَةَ فِی بَعْضِ الْأَزْمَانِ الَّتِی اتَّخَذَهَا أُنَاسٌ مِنَ الْجُهَّالِ ذَرِیعَةً إِلَی جُحُودِ الْخَالِقِ وَ الْخَلْقِ وَ الْعَمْدِ وَ التَّدْبِیرِ وَ مَا أَنْكَرَتِ الْمُعَطِّلَةُ وَ الْمَنَانِیَّةُ (1)مِنَ الْمَكَارِهِ وَ الْمَصَائِبِ وَ مَا أَنْكَرُوهُ مِنَ الْمَوْتِ وَ الْفَنَاءِ وَ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ الطَّبَائِعِ وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَوْنَ الْأَشْیَاءِ بِالْعَرَضِ وَ الاِتِّفَاقِ لَیَتَّسِعُ ذَلِكَ الْقَوْلُ فِی الرَّدِّ عَلَیْهِمْ قاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّی یُؤْفَكُونَ اتَّخَذَ أُنَاسٌ مِنَ الْجُهَّالِ هَذِهِ الْآفَاتِ الْحَادِثَةَ فِی بَعْضِ الْأَزْمَانِ كَمِثْلِ الْوَبَاءِ وَ الْیَرَقَانِ (2)وَ الْبَرْدِ وَ الْجَرَادِ ذَرِیعَةً إِلَی جُحُودِ الْخَلْقِ وَ التَّدْبِیرِ وَ الْخَالِقِ فَیُقَالُ فِی جَوَابِ ذَلِكَ إِنَّهُ إِنْ لَمْ یَكُنْ خَالِقٌ وَ مُدَبِّرٌ فَلِمَ لاَ یَكُونُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَ أَفْظَعُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ یَسْقُطَ السَّمَاءُ عَلَی الْأَرْضِ وَ تَهْوِیَ الْأَرْضُ فَتَذْهَبَ سُفْلاً وَ تَتَخَلَّفَ الشَّمْسُ عَنِ الطُّلُوعِ أَصْلاً وَ تَجِفَّ الْأَنْهَارُ وَ الْعُیُونُ حَتَّی لاَ یُوجَدَ مَاءٌ لِلشَّفَةِ وَ تَرْكُدَ الرِّیحُ حَتَّی

ص:137


1- الظاهر:المانویة.
2- الیرقان:مرض معروف یصیب الناس و یسبب اصفرار الجلد،و آفة للزرع،أو دود یسطو علی الزرع.و لعلّ المراد المعنی الثانی لذكره قبل ذلك.

تُحَمَّ الْأَشْیَاءُ وَ تَفْسُدَ وَ یَفِیضَ مَاءُ الْبَحْرِ عَلَی الْأَرْضِ فَیَغْرِقَهَا ثُمَّ هَذِهِ الْآفَاتُ الَّتِی ذَكَرْنَاهَا مِنَ الْوَبَاءِ وَ الْجَرَادِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَا بَالُهَا لاَ تَدُومُ وَ تَمْتَدُّ حَتَّی تَجْتَاحَ كُلَّ مَا فِی الْعَالَمِ بَلْ تَحْدُثُ فِی الْأَحَایِینِ ثُمَّ لاَ تَلْبَثُ أَنْ تُرْفَعَ أَ فَلاَ تَرَی أَنَّ الْعَالَمَ یُصَانُ وَ یُحْفَظُ مِنْ تِلْكَ الْأَحْدَاثِ الْجَلِیلَةِ الَّتِی لَوْ حَدَثَ عَلَیْهِ شَیْءٌ مِنْهَا كَانَ فِیهِ بَوَارُهُ وَ یُلْذَعُ (1)أَحْیَاناً بِهَذِهِ الْآفَاتِ الْیَسِیرَةِ لِتَأْدِیبِ النَّاسِ وَ تَقْوِیمِهِمْ ثُمَّ لاَ تَدُومُ هَذِهِ الْآفَاتُ بَلْ تَكْشِفُ عَنْهُمْ عِنْدَ الْقُنُوطِ مِنْهُمْ فَتَكُونُ وُقُوعُهَا بِهِمْ مَوْعِظَةً وَ كَشْفُهَا عَنْهُمْ رَحْمَةً وَ قَدْ أَنْكَرَتِ الْمُعَطِّلَةُ مَا أَنْكَرَتِ الْمَنَانِیَّةُ (2)مِنَ الْمَكَارِهِ وَ الْمَصَائِبِ الَّتِی تُصِیبُ النَّاسَ فَكِلاَهُمَا یَقُولُ إِنْ كَانَ لِلْعَالَمِ خَالِقٌ رَءُوفٌ رَحِیمٌ فَلِمَ یُحْدِثُ فِیهِ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَكْرُوهَةَ وَ الْقَائِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ یَذْهَبُ بِهِ إِلَی أَنَّهُ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ عَیْشُ الْإِنْسَانِ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا صَافِیاً مِنْ كُلِّ كَدَرٍ وَ لَوْ كَانَ هَكَذَا كَانَ الْإِنْسَانُ سَیَخْرُجُ مِنَ الْأَشَرِ وَ الْعُتُوِّ إِلَی مَا لاَ یَصْلُحُ فِی دِینٍ وَ دُنْیَا كَالَّذِی تَرَی كَثِیراً مِنَ الْمُتْرَفِینَ وَ مَنْ نَشَأَ فِی الْجِدَةِ وَ الْأَمْنِ یَخْرُجُونَ إِلَیْهِ حَتَّی أَنَّ أَحَدَهُمْ یَنْسَی أَنَّهُ بَشَرٌ أَوْ أَنَّهُ مَرْبُوبٌ أَوْ أَنَّ ضَرَراً یَمَسُّهُ أَوْ أَنَّ مَكْرُوهاً یَنْزِلُ بِهِ أَوْ أَنَّهُ یَجِبُ عَلَیْهِ أَنْ یَرْحَمَ ضَعِیفاً أَوْ یُوَاسِیَ فَقِیراً أَوْ یَرْثِیَ لِمُبْتَلًی (3)أَوْ یَتَحَنَّنَ عَلَی ضَعِیفٍ أَوْ یَتَعَطَّفَ عَلَی مَكْرُوبٍ فَإِذَا عَضَّتْهُ الْمَكَارِهُ وَ وَجَدَ مَضَضَهَا اتَّعَظَ وَ أَبْصَرَ كَثِیراً مِمَّا كَانَ جَهِلَهُ وَ غَفَلَ عَنْهُ وَ رَجَعَ إِلَی كَثِیرٍ مِمَّا كَانَ یَجِبُ عَلَیْهِ وَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمُوذِیَةِ بِمَنْزِلَةِ الصِّبْیَانِ الَّذِینَ یَذُمُّونَ الْأَدْوِیَةَ الْمُرَّةَ الْبَشِعَةَ وَ یَتَسَخَّطُونَ مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ الضَّارَّةِ وَ یَتَكَرَّهُونَ الْأَدَبَ وَ الْعَمَلَ وَ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَفَرَّغُوا لِلَّهْوِ وَ الْبِطَالَةِ وَ یَنَالُوا كُلَّ مَطْعَمٍ وَ مَشْرَبٍ وَ لاَ یَعْرِفُونَ مَا تُؤَدِّیهِمْ إِلَیْهِ الْبِطَالَةُ مِنْ سُوءِ النُّشُوءِ وَ الْعَادَةِ وَ مَا تُعْقِبُهُمُ الْأَطْعِمَةُ اللَّذِیذَةُ الضَّارَّةُ مِنَ الْأَدْوَاءِ وَ الْأَسْقَامِ وَ مَا لَهُمْ فِی الْأَدَبِ مِنَ الصَّلاَحِ وَ فِی الْأَدْوِیَةِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَ إِنْ شَابَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكَرَاهَةِ فَإِنْ قَالُوا وَ لِمَ لَمْ یَكُنِ الْإِنْسَانُ مَعْصُوماً مِنَ الْمَسَاوِی حَتَّی لاَ یَحْتَاجَ إِلَی أَنْ

ص:138


1- یلذع بالذال المعجمة و العین المهملة:یوجع و یولم.و فی بعض النسخ یلدغ بالدال المهملة و الغین المعجمة أی یلسع.
2- كذا فی النسخ و الظاهر:المانویة.
3- أی یرق و یرحم له.

یَلْذَعَهُ بِهَذِهِ الْمَكَارِهِ قِیلَ إِذًا كَانَ یَكُونُ غَیْرَ مَحْمُودٍ عَلَی حَسَنَةٍ یَأْتِیهَا وَ لاَ مُسْتَحِقٍّ لِلثَّوَابِ عَلَیْهَا فَإِنْ قَالُوا وَ مَا كَانَ یَضُرُّهُ أَنْ لاَ یَكُونَ مَحْمُوداً عَلَی الْحَسَنَاتِ مُسْتَحِقّاً لِلثَّوَابِ بَعْدَ أَنْ یَصِیرَ إِلَی غَایَةِ النَّعِیمِ وَ اللَّذَّةِ قِیلَ لَهُمُ اعْرِضُوا عَلَی امْرِئٍ صَحِیحِ الْجِسْمِ وَ الْعَقْلِ أَنْ یَجْلِسَ مُنْعَماً وَ یُكْفَی كُلَّ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ بِلاَ سَعْیٍ وَ لاَ اسْتِحْقَاقٍ فَانْظُرُوا هَلْ تَقْبَلُ نَفْسُهُ ذَلِكَ بَلْ سَتَجِدُونَهُ بِالْقَلِیلِ مِمَّا یَنَالُهُ بِالسَّعْیِ وَ الْحَرَكَةِ أَشَدَّ اغْتِبَاطاً وَ سُرُوراً مِنْهُ بِالْكَثِیرِ مِمَّا یَنَالُهُ بِغَیْرِ الاِسْتِحْقَاقِ وَ كَذَلِكَ نَعِیمُ الْآخِرَةِ أَیْضاً یَكْمُلُ لِأَهْلِهِ بِأَنْ یَنَالُوهُ بِالسَّعْیِ فِیهِ وَ الاِسْتِحْقَاقِ لَهُ فَالنِّعْمَةُ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی هَذَا الْبَابِ مُضَاعَفَةٌ بِأَنْ أُعِدَّ لَهُ الثَّوَابُ الْجَزِیلُ عَلَی سَعْیِهِ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا وَ جُعِلَ لَهُ السَّبِیلُ إِلَی أَنْ یَنَالَ بِسَعْیٍ وَ اسْتِحْقَاقٍ فَیَكْمُلَ لَهُ السُّرُورُ وَ الاِغْتِبَاطُ بِمَا یَنَالُهُ مِنْهُ فَإِنْ قَالُوا أَ وَ لَیْسَ قَدْ یَكُونُ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَرْكَنُ إِلَی مَا نَالَ مِنْ خَیْرٍ وَ إِنْ كَانَ لاَ یَسْتَحِقُّهُ فَمَا الْحُجَّةُ فِی مَنْعِ مَنْ رَضِیَ أَنْ یَنَالَ نَعِیمَ الْآخِرَةِ عَلَی هَذِهِ الْجُمْلَةِ (1)قِیلَ لَهُمْ إِنَّ هَذَا بَابٌ لَوْ صَحَّ لِلنَّاسِ لَخَرَجُوا إِلَی غَایَةِ الْكَلْبِ وَ الضَّرَاوَةِ عَلَی الْفَوَاحِشِ وَ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فَمَنْ كَانَ یَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ فَاحِشَةٍ أَوْ یَتَحَمَّلُ الْمَشَقَّةَ فِی بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ لَوْ وَثِقَ بِأَنَّهُ صَائِرٌ إِلَی النَّعِیمِ لاَ مَحَالَةَ أَوْ مَنْ كَانَ یَأْمَنُ عَلَی نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ مِنَ النَّاسِ لَوْ لَمْ یَخَافُوا الْحِسَابَ وَ الْعِقَابَ فَكَانَ ضَرَرُ هَذَا الْبَابِ سَیَنَالُ النَّاسَ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا قَبْلَ الْآخِرَةِ فَیَكُونُ فِی ذَلِكَ تَعْطِیلُ الْعَدْلِ وَ الْحِكْمَةِ مَعاً وَ مَوْضِعٌ لِلطَّعْنِ عَلَی التَّدْبِیرِ بِخِلاَفِ الصَّوَابِ وَ وَضْعُ الْأُمُورِ غَیْرَ مَوَاضِعِهَا وَ قَدْ یَتَعَلَّقُ هَؤُلاَءِ بِالْآفَاتِ الَّتِی تُصِیبُ النَّاسَ فَتَعُمُّ الْبَرَّ وَ الْفَاجِرَ أَوْ یُبْتَلَی بِهَا الْبَرُّ وَ یَسْلَمُ الْفَاجِرُ مِنْهَا فَقَالُوا كَیْفَ یَجُوزُ هَذَا فِی تَدْبِیرِ الْحَكِیمِ وَ مَا الْحُجَّةُ فِیهِ فَیُقَالُ لَهُمْ إِنَّ هَذِهِ الْآفَاتِ وَ إِنْ كَانَتْ تَنَالُ الصَّالِحَ وَ الطَّالِحَ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذَلِكَ صَلاَحاً لِلصِّنْفَیْنِ كِلَیْهِمَا أَمَّا الصَّالِحُونَ فَإِنَّ الَّذِی یُصِیبُهُمْ مِنْ هَذَا یَرُدُّهُمْ (2)نِعَمَ رَبِّهِمْ عِنْدَهُمْ فِی سَالِفِ

ص:139


1- و فی نسخة:علی هذه الخلة.
2- كذا فی النسخ و الظاهر:یذكرهم.

أَیَّامِهِمْ فَیَحْدُوهُمْ ذَلِكَ عَلَی الشُّكْرِ وَ الصَّبْرِ وَ أَمَّا الطَّالِحُونَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا إِذَا نَالَهُمْ كَسَرَ شِرَّتَهُمْ وَ رَدَعَهُمْ عَنِ الْمَعَاصِی وَ الْفَوَاحِشِ وَ كَذَلِكَ یَجْعَلُ لِمَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ مِنَ الصِّنْفَیْنِ صَلاَحاً فِی ذَلِكَ أَمَّا الْأَبْرَارُ فَإِنَّهُمْ یَغْتَبِطُونَ بِمَا هُمْ عَلَیْهِ مِنَ الْبِرِّ وَ الصَّلاَحِ وَ یَزْدَادُونَ فِیهِ رَغْبَةً وَ بَصِیرَةً وَ أَمَّا الْفُجَّارُ فَإِنَّهُمْ یَعْرِفُونَ رَأْفَةَ رَبِّهِمْ (1)وَ تَطَوُّلَهُ عَلَیْهِمْ بِالسَّلاَمَةِ مِنْ غَیْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ (2)فَیَحُضُّهُمْ ذَلِكَ عَلَی الرَّأْفَةِ بِالنَّاسِ وَ الصَّفْحِ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَیْهِمْ وَ لَعَلَّ قَائِلاً یَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْآفَاتِ الَّتِی تُصِیبُ النَّاسَ فِی أَمْوَالِهِمْ فَمَا قَوْلُكَ فِیمَا یُبْتَلَوْنَ بِهِ فِی أَبْدَانِهِمْ فَیَكُونُ فِیهِ تَلَفُهُمْ كَمِثْلِ الْحَرَقِ وَ الْغَرَقِ وَ السَّیْلِ وَ الْخَسْفِ فَیُقَالُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِی هَذَا أَیْضاً صَلاَحاً لِلصِّنْفَیْنِ جَمِیعاً أَمَّا الْأَبْرَارُ فَلِمَا لَهُمْ فِی مُفَارَقَةِ هَذِهِ الدُّنْیَا مِنَ الرَّاحَةِ مِنْ تَكَالِیفِهَا وَ النَّجَاةِ مِنْ مَكَارِهِهَا وَ أَمَّا الْفُجَّارُ فَلِمَا لَهُمْ فِی ذَلِكَ مِنْ تَمْحِیصِ أَوْزَارِهِمْ وَ حَبْسِهِمْ عَنِ الاِزْدِیَادِ مِنْهَا وَ جُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الْخَالِقَ تَعَالَی ذِكْرُهُ بِحِكْمَتِهِ وَ قُدْرَتِهِ قَدْ یَصْرِفُ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا إِلَی الْخِیَرَةِ وَ الْمَنْفَعَةِ فَكَمَا أَنَّهُ إِذَا قَطَعَتِ الرِّیحُ شَجَرَةً أَوْ قَطَعَتْ نَخْلَةً أَخَذَهَا الصَّانِعُ الرَّفِیقُ وَ اسْتَعْمَلَهَا فِی ضُرُوبٍ مِنَ الْمَنَافِعِ فَكَذَلِكَ یَفْعَلُ الْمُدَبِّرُ الْحَكِیمُ فِی الْآفَاتِ الَّتِی تَنْزِلُ بِالنَّاسِ فِی أَبْدَانِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ فَیُصَیِّرُهَا جَمِیعاً إِلَی الْخِیَرَةِ وَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ قَالَ وَ لِمَ یَحْدُثُ عَلَی النَّاسِ قِیلَ لَهُ لِكَیْلاَ یَرْكَنُوا إِلَی الْمَعَاصِی مِنْ طُولِ السَّلاَمَةِ فَیُبَالِغَ الْفَاجِرُ فِی رُكُوبِ الْمَعَاصِی وَ یَفْتُرَ الصَّالِحُ عَنِ الاِجْتِهَادِ فِی الْبِرِّ فَإِنَّ هَذَیْنِ الْأَمْرَیْنِ جَمِیعاً یَغْلِبَانِ عَلَی النَّاسِ فِی حَالِ الْخَفْضِ (3)وَ الدَّعَةِ (4)وَ هَذِهِ الْحَوَادِثُ الَّتِی تَحْدُثُ عَلَیْهِمْ تَرْدَعُهُمْ (5)وَ تُنَبِّهُهُمْ عَلَی مَا فِیهِ رُشْدُهُمْ فَلَوْ أُخْلُوا مِنْهُمَا لَغَلَوْا فِی الطُّغْیَانِ وَ الْمَعْصِیَةِ كَمَا عَلَی النَّاسِ فِی أَوَّلِ الزَّمَانِ حَتَّی وَجَبَ عَلَیْهِمُ الْبَوَارُ بِالطُّوفَانِ وَ تَطْهِیرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ

ص:140


1- و فی نسخة:فانهم یعرفون رحمة ربهم.
2- و فی نسخة:من غیر استحقاق.
3- خفض العیش:سهل و كان هنیئا.
4- الراحة و خفض العیش.
5- و فی نسخة:و هذه الحوادث التی تحدث علیهم تروعهم.

وَ مِمَّا یَنْتَقِدُهُ الْجَاحِدُونَ لِلْعَمْدِ وَ التَّقْدِیرِ الْمَوْتُ وَ الْفَنَاءُ فَإِنَّهُمْ یَذْهَبُونَ إِلَی أَنَّهُ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ النَّاسُ مُخَلَّدِینَ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا مُبَرَّءِینَ مِنَ الْآفَاتِ فَیَنْبَغِی أَنْ یُسَاقَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَی غَایَتِهِ فَیُنْظَرَ مَا مَحْصُولُهُ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ الْعَالَمَ وَ یَدْخُلُهُ یَبْقَوْنَ وَ لاَ یَمُوتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَ لَمْ تَكُنِ الْأَرْضُ تَضِیقُ بِهِمْ حَتَّی تُعْوِزَهُمُ الْمَسَاكِنُ وَ الْمَزَارِعُ وَ الْمَعَاشُ فَإِنَّهُمْ وَ الْمَوْتُ یَفْنِیهِمْ أَوَّلاً أَوَّلاً یَتَنَافَسُونَ فِی الْمَسَاكِنِ وَ الْمَزَارِعِ حَتَّی یَنْشَبَ بَیْنَهُمْ فِی ذَلِكَ الْحُرُوبُ وَ یُسْفَكَ فِیهِمُ الدِّمَاءُ فَكَیْفَ كَانَتْ تَكُونُ حَالُهُمْ لَوْ كَانُوا یُولَدُونَ وَ لاَ یَمُوتُونَ وَ كَانَ یَغْلِبُ عَلَیْهِمُ الْحِرْصُ وَ الشَّرَهُ وَ قَسَاوَةُ الْقُلُوبِ فَلَوْ وَثِقُوا بِأَنَّهُمْ لاَ یَمُوتُونَ لَمَا قَنِعَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بِشَیْءٍ یَنَالُ وَ لاَ أَفْرَجَ لِأَحَدٍ عَنْ شَیْءٍ یَسْأَلُهُ وَ لاَ سَلاَ عَنْ شَیْءٍ مِمَّا یَحْدُثُ عَلَیْهِ ثُمَّ كَانُوا یَمَلُّونَ الْحَیَاةَ وَ كُلَّ شَیْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْیَا كَمَا قَدْ یَمَلُّ الْحَیَاةَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ حَتَّی یَتَمَنَّی الْمَوْتَ وَ الرَّاحَةَ مِنَ الدُّنْیَا فَإِنْ قَالُوا إِنَّهُ كَانَ یَنْبَغِی أَنْ یُرْفَعَ عَنْهُمُ الْمَكَارِهُ وَ الْأَوْصَابُ حَتَّی لاَ یَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ وَ لاَ یَشْتَاقُوا إِلَیْهِ فَقَدْ وَصَفْنَا مَا كَانَ یُخْرِجُهُمْ إِلَیْهِ مِنَ الْعُتُوِّ وَ الْأَشَرِ الْحَامِلِ لَهُمْ عَلَی مَا فِیهِ فَسَادُ الدِّینِ وَ الدُّنْیَا وَ إِنْ قَالُوا إِنَّهُ كَانَ یَنْبَغِی أَنْ لاَ یَتَوَالَدُوا كَیْلاَ تَضِیقَ عَنْهُمُ الْمَسَاكِنُ وَ الْمَعَاشُ قِیلَ لَهُمْ إِذاً كَانَ یَحْرُمُ أَكْثَرُ هَذَا الْخَلْقِ دُخُولَ الْعَالَمِ وَ الاِسْتِمْتَاعَ بِنِعَمِ اللَّهِ وَ مَوَاهِبِهِ فِی الدَّارَیْنِ جَمِیعاً إِذَا لَمْ یَدْخُلِ الْعَالَمَ إِلاَّ قَرْنٌ وَاحِدٌ لاَ یَتَوَالَدُونَ وَ لاَ یَتَنَاسَلُونَ فَإِنْ قَالُوا كَانَ یَنْبَغِی أَنْ یَخْلُقَ فِی ذَلِكَ الْقَرْنِ الْوَاحِدِ مِنَ النَّاسِ مِثْلَ مَا خَلَقَ وَ یَخْلُقُ إِلَی انْقِضَاءِ الْعَالَمِ یُقَالُ لَهُمْ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَی مَا ذَكَرْنَا مِنْ ضِیقِ الْمَسَاكِنِ وَ الْمَعَاشِ عَنْهُمْ ثُمَّ لَوْ كَانُوا لاَ یَتَوَالَدُونَ وَ لاَ یَتَنَاسَلُونَ لَذَهَبَ مَوْضِعُ الْأُنْسِ بِالْقَرَابَاتِ وَ ذَوِی الْأَرْحَامِ وَ الاِنْتِصَارِ بِهِمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَ مَوْضِعُ تَرْبِیَةِ الْأَوْلاَدِ وَ السُّرُورِ بِهِمْ فَفِی هَذَا دَلِیلٌ عَلَی أَنَّ كُلَّ مَا تَذْهَبُ إِلَیْهِ الْأَوْهَامُ سِوَی مَا جَرَی بِهِ التَّدْبِیرُ خَطَأٌ وَ سَفَاهٌ مِنَ الرَّأْیِ وَ الْقَوْلِ وَ لَعَلَّ طَاعِناً یَطْعُنُ عَلَی التَّدْبِیرِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَی فَیَقُولُ كَیْفَ یَكُونُ هَاهُنَا تَدْبِیرٌ وَ نَحْنُ نَرَی النَّاسَ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا مَنْ عَزَّ بَزَّ فَالْقَوِیُّ یَظْلِمُ وَ یَغْصِبُ وَ الضَّعِیفُ یُظْلَمُ وَ یَسْأَمُ الْخَسْفَ وَ الصَّالِحُ فَقِیرٌ مُبْتَلًی وَ الْفَاسِقُ مُعَافًی مُوَسَّعٌ عَلَیْهِ وَ مَنْ رَكِبَ فَاحِشَةً أَوِ انْتَهَكَ مُحَرَّماً لَمْ یُعَاجَلْ بِالْعُقُوبَةِ فَلَوْ كَانَ فِی الْعَالَمِ تَدْبِیرٌ لَجَرَتِ الْأُمُورُ عَلَی

ص:141

الْقِیَاسِ الْقَائِمِ فَكَانَ الصَّالِحُ هُوَ الْمَرْزُوقَ وَ الطَّالِحُ هُوَ الْمَحْرُومَ وَ كَانَ الْقَوِیُّ یُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِ الضَّعِیفِ وَ الْمُتَهَتِّكُ لِلْمَحَارِمِ یُعَاجَلُ بِالْعُقُوبَةِ فَیُقَالُ فِی جَوَابِ ذَلِكَ إِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ هَكَذَا لَذَهَبَ مَوْضِعُ الْإِحْسَانِ الَّذِی فُضِّلَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَی غَیْرِهِ مِنَ الْخَلْقِ وَ حَمْلِ النَّفْسِ عَلَی الْبِرِّ وَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ احْتِسَاباً لِلثَّوَابِ وَ ثِقَةً بِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنْهُ وَ لَصَارَ النَّاسُ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَابِّ الَّتِی تُسَاسُ (1)بِالْعَصَا وَ الْعَلَفِ وَ یُلْمَعُ لَهَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَاعَةً فَسَاعَةً فَتَسْتَقِیمُ عَلَی ذَلِكَ وَ لَمْ یَكُنْ أَحَدٌ یَعْمَلُ عَلَی یَقِینٍ بِثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ حَتَّی كَانَ هَذَا یُخْرِجُهُمْ عَنْ حَدِّ الْإِنْسِیَّةِ إِلَی حَدِّ الْبَهَائِمِ ثُمَّ لاَ یَعْرِفُ مَا غَابَ وَ لاَ یَعْمَلُ إِلاَّ عَلَی الْحَاضِرِ وَ كَانَ یَحْدُثُ مِنْ هَذَا أَیْضاً أَنْ یَكُونَ الصَّالِحُ إِنَّمَا یَعْمَلُ الصَّالِحَاتِ لِلرِّزْقِ وَ السَّعَةِ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا وَ یَكُونَ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الظُّلْمِ وَ الْفَوَاحِشِ إِنَّمَا یَعِفُّ عَنْ ذَلِكَ لِتَرَقُّبِ عُقُوبَةٍ تَنْزِلُ بِهِ مِنْ سَاعَتِهِ حَتَّی یَكُونَ أَفْعَالُ النَّاسِ كُلُّهَا تَجْرِی عَلَی الْحَاضِرِ لاَ یَشُوبُهَا شَیْءٌ مِنَ الْیَقِینِ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ وَ لاَ یَسْتَحِقُّونَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَ النَّعِیمَ الدَّائِمَ فِیهَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِی ذَكَرَهَا الطَّاعِنُ مِنَ الْغِنَی وَ الْفَقْرِ وَ الْعَافِیَةِ وَ الْبَلاَءِ لَیْسَتْ بِجَارِیَةٍ عَلَی خِلاَفِ قِیَاسِهِ بَلْ قَدْ تَجْرِی عَلَی ذَلِكَ أَحْیَاناً وَ الْأَمْرُ الْمَفْهُومُ فَقَدْ تَرَی كَثِیراً مِنَ الصَّالِحِینَ یُرْزَقُونَ الْمَالَ لِضُرُوبٍ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ كَیْلاَ یَسْبِقَ إِلَی قُلُوبِ النَّاسِ أَنَّ الْكُفَّارَ هُمُ الْمَرْزُوقُونَ وَ الْأَبْرَارَ هُمُ الْمَحْرُومُونَ فیؤثرون [فَیُؤْثِرُوا] الْفِسْقَ عَلَی الصَّلاَحِ وَ تَرَی كَثِیراً مِنَ الْفُسَّاقِ یُعَاجَلُونَ بِالْعُقُوبَةِ إِذَا تَفَاقَمَ طُغْیَانُهُمْ وَ عَظُمَ ضَرَرُهُمْ عَلَی النَّاسِ وَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ كَمَا عُوجِلَ فِرْعَوْنُ بِالْغَرَقِ وَ بُخْتَنَصَّرُ بِالتِّیهِ وَ بُلْبَیْسُ بِالْقَتْلِ وَ إِنْ أُمْهِلَ بَعْضُ الْأَشْرَارِ بِالْعُقُوبَةِ وَ أُخِّرَ بَعْضُ الْأَخْیَارِ بِالثَّوَابِ إِلَی الدَّارِ الْآخِرَةِ لِأَسْبَابٍ تَخْفَی عَلَی الْعِبَادِ لَمْ یَكُنْ هَذَا مِمَّا یُبْطِلُ التَّدْبِیرَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا قَدْ یَكُونُ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَ لاَ یُبْطِلُ تَدْبِیرَهُمْ بَلْ یَكُونُ تَأْخِیرُهُمْ مَا أَخَّرُوهُ أَوْ تَعْجِیلُهُمْ مَا عَجَّلُوهُ دَاخِلاً فِی صَوَابِ الرَّأْیِ وَ التَّدْبِیرِ وَ إِذَا كَانَتِ الشَّوَاهِدُ تَشْهَدُ وَ قِیَاسُهُمْ یُوجِبُ أَنَّ لِلْأَشْیَاءِ خَالِقاً حَكِیماً قَادِراً فَمَا یَمْنَعُهُ أَنْ یُدَبِّرَ خَلْقَهُ فَإِنَّهُ لاَ یَصِحُّ فِی قِیَاسِهِمْ أَنْ یَكُونَ الصَّانِعُ یُهْمِلُ صَنَعْتَهُ إِلاَّ بِإِحْدَی ثَلاَثِ خِلاَلٍ إِمَّا عَجْزٍ وَ إِمَّا جَهْلٍ وَ إِمَّا شَرَارَةٍ وَ كُلُّ هَذِهِ مُحَالٌ فِی صَنَعْتِهِ عَزَّ وَ جَلَّ

ص:142


1- ساس الدواب أی قام علیها و راضها.

وَ تَعَالَی ذِكْرُهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ الْعَاجِزَ لاَ یَسْتَطِیعُ أَنْ یَأْتِیَ بِهَذِهِ الْخَلاَئِقِ الْجَلِیلَةِ الْعَجِیبَةِ وَ الْجَاهِلَ لاَ یَهْتَدِی لِمَا فِیهَا مِنَ الصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ وَ الشَّرِیرَ لاَ یَتَطَاوَلُ لِخَلْقِهَا وَ إِنْشَائِهَا وَ إِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا وَجَبَ أَنْ یَكُونَ الْخَالِقُ لِهَذِهِ الْخَلاَئِقِ یُدَبِّرُهَا لاَ مَحَالَةَ وَ إِنْ كَانَ لاَ تُدْرَكُ كُنْهُ ذَلِكَ التَّدْبِیرِ وَ مَخَارِجُهُ فَإِنَّ كَثِیراً مِنْ تَدْبِیرِ الْمُلُوكِ لاَ تَفْهَمُهُ الْعَامَّةُ وَ لاَ تَعْرِفُ أَسْبَابَهُ لِأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ دَخْلَةَ أَمْرِ الْمُلُوكِ وَ أَسْرَارَهُمْ فَإِذَا عُرِفَ سَبَبَهُ وُجِدَ قَائِماً عَلَی الصَّوَابِ وَ الشَّاهِدُ الْمِحْنَةُ وَ لَوْ شَكَكْتَ فِی بَعْضِ الْأَدْوِیَةِ وَ الْأَطْعِمَةِ فَیَتَبَیَّنُ لَكَ مِنْ جِهَتَیْنِ أَوْ ثَلاَثٍ أَنَّهُ حَارٌّ أَوْ بَارِدٌ أَ لَمْ تَكُنْ سَتَقْضِی عَلَیْهِ بِذَلِكَ وَ تَنْفِی الشَّكَّ فِیهِ عَنْ نَفْسِكَ فَمَا بَالُ هَؤُلاَءِ الْجَهَلَةِ لاَ یَقْضُونَ عَلَی الْعَالَمِ بِالْخَالِقِ وَ التَّدْبِیرِ مَعَ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ الْكَثِیرَةِ وَ أَكْثَرُ مِنْهَا مَا لاَ یُحْصَی كَثْرَةً لَوْ كَانَ نِصْفُ الْعَالَمِ وَ مَا فِیهِ مُشْكِلاً صَوَابُهُ لَمَا كَانَ مِنْ حَزْمِ الرَّأْیِ وَ سَمْتِ الْأَدَبِ أَنْ یُقْضَی عَلَی الْعَالَمِ بِالْإِهْمَالِ لِأَنَّهُ كَانَ فِی النِّصْفِ الْآخَرِ وَ مَا یَظْهَرُ فِیهِ مِنَ الصَّوَابِ وَ الْإِتْقَانِ مَا یَرْدَعُ الْوَهْمَ عَنِ التَّسَرُّعِ إِلَی هَذِهِ الْقَضِیَّةِ فَكَیْفَ وَ كُلُّ مَا كَانَ فِیهِ إِذَا فُتِّشَ وُجِدَ عَلَی غَایَةِ الصَّوَابِ حَتَّی لاَ یَخْطُرُ بِالْبَالِ شَیْءٌ إِلاَّ وُجِدَ مَا عَلَیْهِ الْخِلْقَةُ أَصَحَّ وَ أَصْوَبَ مِنْهُ .

بیان: قوله علیه السلام: للاسم الأقدم لعل المراد بالاسم المسمّی (1)أو المراد الاسم الذی أظهره و أثبته فی اللوح قبل سائر الأسماء أو المراد الاسم الذی یخص الذات فهو أسبق الأسماء فی الاعتبار و أشرفها كما یظهر من الآثار قوله و الغیب المحظور أی الممنوع عن غیره تعالی إلا من ارتضاه لذلك قوله بالعرض قال الفیروزآبادی :

عرض الشیء ظهر و العرض أن یموت الإنسان من غیر علة و الاجتیاح الاستیصال قوله علیه السلام: و یلذع یقال لذعته النار أی أحرقته و لذعه بلسانه أی أوجعه بكلام

ص:143


1- المراد بالاسم هو المسمی لكن لا كما ذكره رحمه اللّٰه و أراد بالمسمی الذات بل كما تدلّ علیه الاخبار الآتیة فی أبواب الأسماء الحسنی تحكی عن المصداق المناسب لها و نفس المصداق اسم للذات عزت أسماؤه و أن الأسماء الملفوظة فی الحقیقة أسماء الأسماء،لكنه رحمه اللّٰه عد هذه الأخبار من المتشابهات و لذلك تكلف فی أمثال هذه الموارد بما تكلف؛و أمّا المعنیان الآخران فواضح الفساد كیف و الامام علیه السلام یوصف هذا الاسم بقوله:ذی الجلال و الإكرام...بعد عطف قوله:و النور الأعظم علیه؛فتأمل فیه.ط.

و فی بعض النسخ بإهمال الأول و إعجام الثانی من لدغ العقرب و یقال رثیت لفلان أی رققت له و المضض محركة وجع المصیبة قوله علیه السلام: إذا كان یكون غیر محمود یمكن أن یقرأ إذا بالتنوین و بدونها و علی الثانی یكون خبر كان محذوفا أی إذا كان الإنسان كذلك.

ثم اعلم أنه ینبغی أن تحمل العصمة المأخوذة فی السؤال علی غیر المعنی المشهور الذی سیأتی تحقیقه فی باب عصمة الأئمة علیهم السلام بل المراد العصمة بمعنی الإلجاء الذی لم یبق معه اختیار و لذا فرع علیه السلام علیه عدم استحقاق الثواب و إلا فالعصمة التی اتصفت بها الأنبیاء و الأئمة علیهم السلام لا ینافی ذلك كما سنحققه فی مقامه إن شاء اللّٰه تعالی و یمكن أن یقال علی تقدیر أن یكون المراد هذا المعنی أیضا بأنه إذا صار هذا عاما فی جمیع البشر لا یتأتی فی بعض المواد التی لا تستحق ذلك من نفوس الأشرار و الفجار إلا بالإلجاء الرافع للاستحقاق قوله علیه السلام: إلی غایة الكلب و الضراوة قال الجوهری :

دفعت عنك كلب فلان أی شره و أذاه و الكلب أیضا شبیه بالجنون و قال ضری الكلب بالصید ضراوة أی تعود أقول لما كان السؤال مبنیا علی فرض العصمة ظاهرا فتصحیح هذا الجواب فی غایة الإشكال و خطر بالبال وجوه الأول أن لا یكون السؤال مبنیا علی فرض العصمة بل یكون المراد أنه لما ذكرت أن العصمة تنافی الاستحقاق فنقول لم لم یبذل لهم الثواب علی أی حال بأن یكلفهم العمل لیستحقوا الثواب إن أرادوا استحقاقه و إلا أعطاهم من غیر استحقاق إذ كثیر من الناس یطلبون النعیم بغیر استحقاق فلا یكون علیهم فی الدنیا و الآخرة سخط علی المخالفة و علی هذا الجواب ظاهر الانطباق علی السؤال كما لا یخفی.

الثانی أن یكون السؤال مبنیا علی فرض العصمة فی بعضهم و هم الذین یطلبون الثواب و لا یریدون استحقاقه كما هو ظاهر السیاق و یكون حاصل الجواب أنه لو كان المجبور علی الخیرات مثابا فمقتضی العدل أن یكون غیر المجبور الطالب للخیر و الاستحقاق غیر معاقب علی حال و إلا لكان له الحجة علی ربه بأنك لم تعصمنی كما عصمت غیری و منعت عنی اللطف بالبلایا و الصوارف عن المعاصی فی الدنیا ثم تعذبنی علی المعاصی

ص:144

فعلی هذا فلو علم غیر المعصومین ذلك لدعتهم الدواعی النفسانیة إلی غایة الفساد و هذا وجه وجیه لكن یحتاج إلی طی بعض المقدمات.

الثالث أن یكون السؤال مبنیا علی ذلك الفرض أیضا لكن یكون الجواب مبنیا علی أنه قد یستلزم المحال نقیضه إذ الكلام فی هذا النوع من الخلق المسمی بالإنسان الذی اقتضت الحكمة أن یكون قد ركبت فیه أنواع الشهوات و الدواعی فلو فرضته علی غیر تلك الحالة لكان من قبیل فرض الشیء إنسانا و ملكا و هما لا یجتمعان فعلی هذا یلزمه أیضا لفرض كونه إنسانا أن یدعوه عدم خوف العقاب و الفراغ إلی الأشر و البطر و أنواع المعاصی و حاصله یرجع إلی تغییر الجواب الأول إلی جواب آخر لا یرد علیه السؤال علی غایة اللطف و الدقة.

و الردع الكف و المنع و قوله یغتبطون علی البناء للفاعل من الاغتباط و هو حسن الحال بحیث یتمنی غیره حاله و الحض الحث و التحریص و تمحیص الأوزار تنقیصها أو إزالتها قوله علیه السلام: فإن قال و لم یحدث علی الناس أقول لما كان آخر الكلام موهما لأن هذه الأمور بعد حدوثها یصیرها اللّٰه تعالی إلی الحكمة و الصلاح سأل ثانیا ما السبب فی أصل الحدوث حتی یحتاج إلی أن یجعله اللّٰه صلاحا و یحتمل أن یكون مراده أنا علمنا أن فی وجودها صلاحا فهل فی عدمها فساد و الجواب علی التقدیرین ظاهر و قال الفیروزآبادی :عوز الشیء كفرح لم یوجد و أعوزه الشیء احتاج إلیه و الدهر أحوجه و قال تناشبوا تضاموا و تعلق بعضهم ببعض و نشبه الأمر كلزم زنة و معنی و قال أفرجوا عن الطریق و القتیل انكشفوا و عن المكان تركوه انتهی و المراد هنا عدم التخلیة بین أحد و بین ما یریده قوله علیه السلام: و لا سلا عن شیء أی لا ینسی و یتسلی عن شیء من المصائب إذ بتذكر الموت تزول شدة المحن من قولهم سلا عن الشیء أی نسیه و قال الجوهری :بزه یبزه بزا سلبه و فی المثل من عز بز أی من غلب أخذ السلب و قال سامه خسفا و خسفا بالضم أی أولاه ذلا و قال الفیروزآبادی :

لمع بیده أشار و قال تفاقم الأمر عظم قوله علیه السلام: و بخت نصر بالتیه أقول لعله إشارة إلی ما ذكره جماعة من المؤرخین أن ملكا من الملائكة لطم بخت نصر لطمة

ص:145

و مسخه و صار فی الوحش فی صورة أسد و هو مع ذلك یعقل ما یفعله الإنسان ثم رده اللّٰه تعالی إلی صورة الإنس و أعاد إلیه ملكه فلما عاد إلی ملكه أراد قتل دانیال فقتله اللّٰه علی ید واحد من غلمانه (1)و قیل فی سبب قتله أن اللّٰه أرسل علیه بعوضة فدخلت فی منخره و صعدت إلی رأسه فكان لا یقر و لا یسكن حتی یدق رأسه فمات من ذلك و بلبیس غیر معروف عند المؤرخین و التطاول هنا مبالغة فی الطول بمعنی الفضل و الإحسان و دخلة الرجل مثلثة نیته و مذهبه و جمع أمره و بطانته قوله علیه السلام: و الشاهد المحنة أی بالشاهد یمكن امتحان الغائب.

وَ اعْلَمْ یَا مُفَضَّلُ أَنَّ اسْمَ هَذَا الْعَالَمِ بِلِسَانِ الْیُونَانِیَّةِ الْجَارِی الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ قوسموس (2)وَ تَفْسِیرُهُ الزِّینَةُ وَ كَذَلِكَ سَمَّتْهُ الْفَلاَسِفَةُ وَ مَنِ ادَّعَی الْحِكْمَةَ أَ فَكَانُوا یُسَمُّونَهُ بِهَذَا الاِسْمِ إِلاَّ لِمَا رَأَوْا فِیهِ مِنَ التَّقْدِیرِ وَ النِّظَامِ فَلَمْ یَرْضَوْا أَنْ یُسَمُّوهُ تَقْدِیراً وَ نِظَاماً حَتَّی سَمَّوْهُ زِینَةً لِیُخْبِرُوا أَنَّهُ مَعَ مَا هُوَ عَلَیْهِ مِنَ الصَّوَابِ وَ الْإِتْقَانِ عَلَی غَایَةِ الْحُسْنِ وَ الْبَهَاءِ أَعْجَبُ یَا مُفَضَّلُ مِنْ قَوْمٍ لاَ یَقْضُونَ صِنَاعَةَ اَلطِّبِّ بِالْخَطَإِ وَ هُمْ یَرَوْنَ الطَّبِیبَ یُخْطِئُ وَ یَقْضُونَ عَلَی الْعَالَمِ بِالْإِهْمَالِ وَ لاَ یَرَوْنَ شَیْئاً مِنْهُ مُهْمَلاً بَلْ أَعْجَبُ مِنْ أَخْلاَقِ مَنِ ادَّعَی اَلْحِكْمَةَ حَتَّی جَهِلُوا مَوَاضِعَهَا فِی الْخَلْقِ فَأَرْسَلُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِالذَّمِّ لِلْخَالِقِ جَلَّ وَ عَلاَ بَلِ الْعَجَبُ مِنَ الْمَخْذُولِ مَانِی حِینَ ادَّعَی عِلْمَ الْأَسْرَارِ وَ عَمِیَ عَنْ دَلاَئِلِ اَلْحِكْمَةِ فِی الْخَلْقِ حَتَّی نَسَبَهُ إِلَی الْخَطَإِ وَ نَسَبَ خَالِقَهُ إِلَی الْجَهْلِ تَبَارَكَ الْحَلِیمُ الْكَرِیمُ وَ أَعْجَبُ مِنْهُمْ جَمِیعاً الْمُعَطِّلَةُ الَّذِینَ رَامُوا أَنْ یُدْرَكَ بِالْحِسِّ مَا لاَ یُدْرَكُ بِالْعَقْلِ فَلَمَّا أَعْوَزَهُمْ (3)ذَلِكَ خَرَجُوا إِلَی الْجُحُودِ وَ التَّكْذِیبِ فَقَالُوا وَ لِمَ لاَ یُدْرَكُ بِالْعَقْلِ قِیلَ لِأَنَّهُ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْعَقْلِ كَمَا لاَ یُدْرِكُ الْبَصَرُ مَا هُوَ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ فَإِنَّكَ لَوْ رَأَیْتَ حَجَراً یَرْتَفِعُ فِی الْهَوَاءِ عَلِمْتَ أَنَّ رَامِیاً رَمَی بِهِ فَلَیْسَ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الَّذِی یُمَیِّزُهُ فَیَعْلَمُ أَنَّ الْحَجَرَ لاَ یَذْهَبُ عُلُوّاً مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَ فَلاَ تَرَی كَیْفَ وَقَفَ الْبَصَرُ

ص:146


1- سنشیر ان شاء اللّٰه إلی ما فی هذا النقل من الاختلاط و الوهن.
2- و فی نسخة:فرسموس.
3- أعوزه أی أعجزه و صعب علیه نیله.

عَلَی حَدِّهِ فَلَمْ یَتَجَاوَزْهُ فَكَذَلِكَ یَقِفُ الْعَقْلُ عَلَی حَدِّهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ فَلاَ یَعْدُوهُ وَ لَكِنْ یَعْقِلُهُ بِعَقْلٍ أَقَرَّ أَنَّ فِیهِ نَفْساً وَ لَمْ یُعَایِنْهَا وَ لَمْ یُدْرِكْهَا بِحَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِّ وَ عَلَی حَسَبِ هَذَا أَیْضاً نَقُولُ إِنَّ الْعَقْلَ یَعْرِفُ الْخَالِقَ مِنْ جِهَةٍ تُوجِبُ عَلَیْهِ الْإِقْرَارَ وَ لاَ یَعْرِفُهُ بِمَا یُوجِبُ لَهُ الْإِحَاطَةَ بِصِفَتِهِ فَإِنْ قَالُوا فَكَیْفَ یُكَلَّفُ الْعَبْدُ الضَّعِیفُ مَعْرِفَتَهُ بِالْعَقْلِ اللَّطِیفِ وَ لاَ یُحِیطُ بِهِ قِیلَ لَهُمْ إِنَّمَا كُلِّفَ الْعِبَادُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِی طَاقَتِهِمْ أَنْ یَبْلُغُوهُ وَ هُوَ أَنْ یُوقِنُوا بِهِ وَ یَقِفُوا عِنْدَ أَمْرِهِ وَ نَهْیِهِ وَ لَمْ یُكَلَّفُوا الْإِحَاطَةَ بِصِفَتِهِ كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ لاَ یُكَلِّفُ رَعِیَّتَهُ أَنْ یَعْلَمُوا أَ طَوِیلٌ هُوَ أَمْ قَصِیرٌ أَبْیَضُ هُوَ أَمْ أَسْمَرُ (1)وَ إِنَّمَا یُكَلِّفُهُمُ الْإِذْعَانَ بِسُلْطَانِهِ وَ الاِنْتِهَاءَ إِلَی أَمْرِهِ أَ لاَ تَرَی أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَتَی بَابَ الْمَلِكِ فَقَالَ اعْرِضْ عَلَیَّ نَفْسَكَ حَتَّی أَتَقَصَّی مَعْرِفَتَكَ (2)وَ إِلاَّ لَمْ أَسْمَعْ لَكَ كَانَ قَدْ أَحَلَّ نَفْسَهُ الْعُقُوبَةَ فَكَذَا الْقَائِلُ إِنَّهُ لاَ یُقِرُّ بِالْخَالِقِ سُبْحَانَهُ حَتَّی یُحِیطَ بِكُنْهِهِ مُتَعَرِّضٌ لِسَخَطِهِ فَإِنْ قَالُوا أَ وَ لَیْسَ قَدْ نَصِفُهُ فَنَقُولُ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ الْجَوَادُ الْكَرِیمُ قِیلَ لَهُمْ كُلُّ هَذِهِ صِفَاتُ إِقْرَارٍ وَ لَیْسَتْ صِفَاتِ إِحَاطَةٍ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ حَكِیمٌ وَ لاَ نَعْلَمُ بِكُنْهِ ذَلِكَ مِنْهُ (3)وَ كَذَلِكَ قَدِیرٌ وَ جَوَادٌ وَ سَائِرُ صِفَاتِهِ كَمَا قَدْ نَرَی السَّمَاءَ وَ لاَ نَدْرِی مَا جَوْهَرُهَا وَ نَرَی الْبَحْرَ وَ لاَ نَدْرِی أَیْنَ مُنْتَهَاهُ بَلْ فَوْقَ هَذَا الْمِثَالِ بِمَا لاَ نِهَایَةَ لَهُ لِأَنَّ الْأَمْثَالَ كُلَّهَا تَقْصُرُ عَنْهُ وَ لَكِنَّهَا تَقُودُ الْعَقْلَ إِلَی مَعْرِفَتِهِ فَإِنْ قَالُوا وَ لِمَ یُخْتَلَفُ فِیهِ قِیلَ لَهُمْ لِقِصَرِ الْأَوْهَامِ عَنْ مَدَی عَظَمَتِهِ (4)وَ تَعَدِّیهَا أَقْدَارَهَا فِی طَلَبِ مَعْرِفَتِهِ وَ أَنَّهَا تَرُومُ الْإِحَاطَةَ بِهِ وَ هِیَ تَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ وَ مَا دُونَهُ فَمِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الشَّمْسُ الَّتِی تَرَاهَا تَطْلُعُ عَلَی الْعَالَمِ وَ لاَ یُوقَفُ عَلَی حَقِیقَةِ أَمْرِهَا وَ لِذَلِكَ كَثُرَتِ الْأَقَاوِیلُ فِیهَا وَ اخْتَلَفَتِ الْفَلاَسِفَةُ الْمَذْكُورُونَ فِی وَصْفِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ فَلَكٌ أَجْوَفُ مَمْلُوٌّ نَاراً لَهُ فَمٌ یَجِیشُ بِهَذَا الْوَهَجِ وَ الشُّعَاعِ وَ قَالَ آخَرُونَ هُوَ سَحَابَةٌ وَ قَالَ آخَرُونَ هُوَ جِسْمٌ زُجَاجِیٌّ یُقْبِلُ نَارِیَّةً فِی الْعَالَمِ وَ یُرْسِلُ عَلَیْهِ شُعَاعَهَا وَ قَالَ آخَرُونَ هُوَ صَفْوٌ

ص:147


1- السمرة:لون بین السواد و البیاض.
2- تقصی و استقصی المسألة:بلغ النهایة فی البحث عنها.
3- و فی نسخة:و لا نحیط بكنه ذلك منه.
4- المدی:الغایة و المنتهی.

لَطِیفٌ یَنْعَقِدُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ وَ قَالَ آخَرُونَ هُوَ أَجْزَاءٌ كَثِیرَةٌ مُجْتَمِعَةٌ مِنَ النَّارِ وَ قَالَ آخَرُونَ هُوَ مِنْ جَوْهَرٍ خَامِسٍ سِوَی الْجَوَاهِرِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِی شَكْلِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِیَ بِمَنْزِلَةِ صَفِیحَةٍ عَرِیضَةٍ وَ قَالَ آخَرُونَ هِیَ كَالْكُرَةِ الْمُدَحْرَجَةِ وَ كَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِی مِقْدَارِهَا فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مِثْلُ الْأَرْضِ سَوَاءً وَ قَالَ آخَرُونَ بَلْ هِیَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالَ آخَرُونَ هِیَ أَعْظَمُ مِنَ الْجَزِیرَةِ الْعَظِیمَةِ وَ قَالَ أَصْحَابُ اَلْهَنْدَسَةِ هِیَ أَضْعَافُ الْأَرْضِ مِائَةٌ وَ سَبْعُونَ مَرَّةً فَفِی اخْتِلاَفِ هَذِهِ الْأَقَاوِیلِ مِنْهُمْ فِی الشَّمْسِ دَلِیلٌ عَلَی أَنَّهُمْ لَمْ یَقِفُوا عَلَی الْحَقِیقَةِ مِنْ أَمْرِهَا وَ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّمْسُ الَّتِی یَقَعُ عَلَیْهَا الْبَصَرُ وَ یُدْرِكُهَا الْحِسُّ قَدْ عَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنِ الْوُقُوفِ عَلَی حَقِیقَتِهَا فَكَیْفَ مَا لَطُفَ عَنِ الْحِسِّ وَ اسْتَتَرَ عَنِ الْوَهْمِ فَإِنْ قَالُوا وَ لِمَ اسْتَتَرَ قِیلَ لَهُمْ لَمْ یَسْتَتِرْ بِحِیلَةٍ یَخْلُصُ إِلَیْهَا كَمَنْ یَحْتَجِبُ عَنِ النَّاسِ بِالْأَبْوَابِ وَ السُّتُورِ وَ إِنَّمَا مَعْنَی قَوْلِنَا اسْتَتَرَ أَنَّهُ لَطُفَ عَنْ مَدَی مَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ كَمَا لَطُفَتِ النَّفْسُ وَ هِیَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ ارْتَفَعَتْ عَنْ إِدْرَاكِهَا بِالنَّظَرِ فَإِنْ قَالُوا وَ لِمَ لَطُفَ وَ تَعَالَی عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِیراً كَانَ ذَلِكَ خَطَأً مِنَ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لاَ یَلِیقُ بِالَّذِی هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَیْءٍ إِلاَّ أَنْ یَكُونَ مُبَایِناً لِكُلِّ شَیْءٍ مُتَعَالِیاً عَنْ كُلِّ شَیْءٍ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی فَإِنْ قَالُوا كَیْفَ یُعْقَلُ أَنْ یَكُونَ مُبَایِناً لِكُلِّ شَیْءٍ مُتَعَالِیاً قِیلَ لَهُمُ الْحَقُّ الَّذِی تُطْلَبُ مَعْرِفَتُهُ مِنَ الْأَشْیَاءِ هُوَ الْأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فَأَوَّلُهَا أَنْ یُنْظَرَ أَ مَوْجُودٌ هُوَ أَمْ لَیْسَ بِمَوْجُودٍ وَ الثَّانِی أَنْ یُعْرَفَ مَا هُوَ فِی ذَاتِهِ وَ جَوْهَرِهِ وَ الثَّالِثُ أَنْ یُعْرَفَ كَیْفَ هُوَ وَ مَا صِفَتُهُ وَ الرَّابِعُ أَنْ یُعْلَمَ لِمَا ذَا هُوَ وَ لِأَیَّةِ عِلَّةٍ فَلَیْسَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ شَیْءٌ یُمْكِنُ الْمَخْلُوقَ أَنْ یَعْرِفَهُ مِنَ الْخَالِقِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ غَیْرُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فَقَطْ فَإِذَا قُلْنَا كَیْفَ وَ مَا هُوَ فَمُمْتَنِعٌ عِلْمُ كُنْهِهِ وَ كَمَالُ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَ أَمَّا لِمَا ذَا هُوَ فَسَاقِطٌ فِی صِفَةِ الْخَالِقِ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِلَّةُ كُلِّ شَیْءٍ وَ لَیْسَ شَیْءٌ بِعِلَّةٍ لَهُ ثُمَّ لَیْسَ عِلْمُ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ یُوجِبُ لَهُ أَنْ یَعْلَمَ مَا هُوَ كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ بِوُجُودِ النَّفْسِ لاَ یُوجِبُ أَنْ یَعْلَمَ مَا هِیَ وَ كَیْفَ هِیَ وَ كَذَلِكَ الْأُمُورُ الرُّوحَانِیَّةُ اللَّطِیفَةُ

ص:148

فَإِنْ قَالُوا فَأَنْتُمُ الْآنَ تَصِفُونَ مِنْ قُصُورِ الْعِلْمِ عَنْهُ وَصْفاً حَتَّی كَأَنَّهُ غَیْرُ مَعْلُومٍ قِیلَ لَهُمْ هُوَ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ إِذَا رَامَ الْعَقْلُ مَعْرِفَةَ كُنْهِهِ وَ الْإِحَاطَةَ بِهِ وَ هُوَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَی أَقْرَبُ مِنْ كُلِّ قَرِیبٍ إِذَا اسْتَدَلَّ عَلَیْهِ بِالدَّلاَئِلِ الشَّافِیَةِ فَهُوَ مِنْ جِهَةٍ كَالْوَاضِحِ لاَ یَخْفَی عَلَی أَحَدٍ وَ هُوَ مِنْ جِهَةٍ كَالْغَامِضِ لاَ یُدْرِكُهُ أَحَدٌ وَ كَذَلِكَ الْعَقْلُ أَیْضاً ظَاهِرٌ بِشَوَاهِدَ وَ مَسْتُورٌ بِذَاتِهِ فَأَمَّا أَصْحَابُ الطَّبَائِعِ فَقَالُوا إِنَّ الطَّبِیعَةَ لاَ تَفْعَلُ شَیْئاً لِغَیْرِ مَعْنًی وَ لاَ تَتَجَاوَزُ عَمَّا فِیهِ تَمَامُ الشَّیْءِ فِی طَبِیعَتِهِ وَ زَعَمُوا أَنَّ الْحِكْمَةَ تَشْهَدُ بِذَلِكَ (1)فَقِیلَ لَهُمْ فَمَنْ أَعْطَی الطَّبِیعَةَ هَذِهِ الْحِكْمَةَ وَ الْوُقُوفَ عَلَی حُدُودِ الْأَشْیَاءِ بِلاَ مُجَاوَزَةٍ لَهَا وَ هَذَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهُ الْعُقُولُ بَعْدَ طُولِ التَّجَارِبِ فَإِنْ أَوْجَبُوا لِلطَّبِیعَةِ الْحِكْمَةَ وَ الْقُدْرَةَ عَلَی مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَقَدْ أَقَرُّوا بِمَا أَنْكَرُوا لِأَنَّ هَذِهِ هِیَ صِفَاتُ الْخَالِقِ وَ إِنْ أَنْكَرُوا أَنْ یَكُونَ هَذَا لِلطَّبِیعَةِ فَهَذَا وَجْهُ الْخَلْقِ یَهْتِفُ بِأَنَّ الْفِعْلَ لخالق [لِلْخَالِقِ] الْحَكِیمِ وَ قَدْ كَانَ مِنَ الْقُدَمَاءِ طَائِفَةٌ أَنْكَرُوا الْعَمْدَ وَ التَّدْبِیرَ فِی الْأَشْیَاءِ وَ زَعَمُوا أَنَّ كَوْنَهَا بِالْعَرَضِ وَ الاِتِّفَاقِ وَ كَانَ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ هَذِهِ الْآفَاتُ الَّتِی تلد [تَكُونُ عَلَی] غَیْرِ مَجْرَی الْعُرْفِ وَ الْعَادَةِ كَالْإِنْسَانِ یُولَدُ نَاقِصاً أَوْ زَائِداً إِصْبَعاً أَوْ یَكُونُ الْمَوْلُودُ مُشَوَّهاً (2)مُبَدَّلَ الْخَلْقِ فَجَعَلُوا هَذَا دَلِیلاً عَلَی أَنَّ كَوْنَ الْأَشْیَاءِ لَیْسَ بِعَمْدٍ وَ تَقْدِیرٍ بَلْ بِالْعَرَضِ كَیْفَ مَا اتَّفَقَ أَنْ یَكُونَ وَ قَدْ كَانَ أَرَسْطَاطَالِیسُ رَدَّ عَلَیْهِمْ فَقَالَ إِنَّ الَّذِی یَكُونُ بِالْعَرَضِ وَ الاِتِّفَاقِ إِنَّمَا هُوَ شَیْءٌ یَأْتِی فِی الْفَرْطِ مَرَّةً لِأَعْرَاضٍ تَعْرِضُ لِلطَّبِیعَةِ فَتُزِیلُهَا عَنْ سَبِیلِهَا وَ لَیْسَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمُورِ الطَّبِیعِیَّةِ الْجَارِیَةِ عَلَی شَكْلٍ وَاحِدٍ جَرْیاً دَائِماً مُتَتَابِعاً وَ أَنْتَ یَا مُفَضَّلُ تَرَی أَصْنَافَ الْحَیَوَانِ أَنْ یَجْرِیَ أَكْثَرَ ذَلِكَ عَلَی مِثَالٍ وَ مِنْهَاجٍ وَاحِدٍ كَالْإِنْسَانِ یُولَدُ وَ لَهُ یَدَانِ وَ رِجْلاَنِ وَ خَمْسُ أَصَابِعَ كَمَا عَلَیْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ النَّاسِ فَأَمَّا مَا یُولَدُ عَلَی خِلاَفِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لِعِلَّةٍ تَكُونُ فِی الرَّحِمِ أَوْ فِی الْمَادَّةِ الَّتِی یَنْشَأُ مِنْهَا الْجَنِینُ كَمَا یَعْرِضُ فِی الصِّنَاعَاتِ حِینَ یَتَعَمَّدُ الصَّانِعُ الصَّوَابَ فِی صَنْعَتِهِ فَیَعُوقُ دُونَ ذَلِكَ (3)

ص:149


1- و فی نسخة:و زعموا أن المحنة تشهد بذلك.
2- أی مقبحا.
3- عاقه یعوقه عن كذا:صرفه و ثبطه و أخره عنه.و العائق:كل ما عاقك و شغلك.

عَائِقٌ فِی الْأَدَاةِ أَوْ فِی الْآلَةِ الَّتِی یَعْمَلُ فِیهَا الشَّیْءَ فَقَدْ یَحْدُثُ مِثْلُ ذَلِكَ فِی أَوْلاَدِ الْحَیَوَانِ لِلْأَسْبَابِ الَّتِی وَصَفْنَا فَیَأْتِی الْوَلَدُ زَائِداً أَوْ نَاقِصاً أَوْ مُشَوَّهاً وَ یَسْلَمُ أَكْثَرُهَا فَیَأْتِی سَوِیّاً لاَ عِلَّةَ فِیهِ فَكَمَا أَنَّ الَّذِی یُحْدِثُ فِی بَعْضِ الْأَعْمَالِ الْأَعْرَاضَ (1)لِعِلَّةٍ فِیهِ لاَ تُوجِبُ عَلَیْهَا جَمِیعاً الْإِهْمَالَ وَ عَدَمَ الصَّانِعِ كَذَلِكَ مَا یَحْدُثُ عَلَی بَعْضِ الْأَفْعَالِ الطَّبِیعِیَّةِ لِعَائِقٍ یَدْخُلُ عَلَیْهَا لاَ یُوجِبُ أَنْ یَكُونَ جَمِیعُهَا بِالْعَرَضِ وَ الاِتِّفَاقِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ فِی الْأَشْیَاءِ إِنَّ كَوْنَهَا بِالْعَرَضِ وَ الاِتِّفَاقِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ شَیْئاً مِنْهَا یَأْتِی عَلَی خِلاَفِ الطَّبِیعَةِ [بِعَرَضٍ] یَعْرِضُ لَهُ خَطَأٌ وَ خَطَلٌ فَإِنْ قَالُوا وَ لِمَ صَارَ مِثْلُ هَذَا یَحْدُثُ فِی الْأَشْیَاءِ قِیلَ لَهُمْ لِیُعْلَمَ أَنَّهُ لَیْسَ كَوْنُ الْأَشْیَاءِ بِاضْطِرَارٍ مِنَ الطَّبِیعَةِ وَ لاَ یُمْكِنُ أَنْ یَكُونَ سِوَاهُ كَمَا قَالَ قائلون [اَلْقَائِلُونَ] بَلْ هُوَ تَقْدِیرٌ وَ عَمْدٌ مِنْ خَالِقٍ حَكِیمٍ إِذْ جَعَلَ الطَّبِیعَةَ تَجْرِی أَكْثَرَ ذَلِكَ عَلَی مَجْرًی وَ مِنْهَاجٍ مَعْرُوفٍ وَ یَزُولُ أَحْیَاناً عَنْ ذَلِكَ لِأَعْرَاضٍ تَعْرِضُ لَهَا فَیُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَی أَنَّهَا مُصَرَّفَةٌ مُدَبَّرَةٌ فَقِیرَةٌ إِلَی إِبْدَاءِ الْخَالِقِ وَ قُدْرَتِهِ فِی بُلُوغِ غَایَتِهَا وَ إِتْمَامِ عَمَلِهَا فَتَبارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ یَا مُفَضَّلُ خُذْ مَا آتَیْتُكَ وَ احْفَظْ مَا مَنَحْتُكَ وَ كُنْ لِرَبِّكَ مِنَ الشَّاكِرِینَ وَ لِآلاَئِهِ مِنَ الْحَامِدِینَ وَ لِأَوْلِیَائِهِ مِنَ الْمُطِیعِینَ فَقَدْ شَرَحْتُ لَكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَی الْخَلْقِ وَ الشَّوَاهِدِ عَلَی صَوَابِ التَّدْبِیرِ وَ الْعَمْدِ قَلِیلاً مِنْ كَثِیرٍ وَ جُزْءاً مِنْ كُلٍّ فَتَدَبَّرْهُ وَ فَكِّرْ فِیهِ وَ اعْتَبِرْ بِهِ فَقُلْتُ بِمَعُونَتِكَ یَا مَوْلاَیَ أَقْوَی عَلَی ذَلِكَ وَ أُبَلِّغُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَضَعَ یَدَهُ عَلَی صَدْرِی فَقَالَ احْفَظْ بِمَشِیَّةِ اللَّهِ وَ لاَ تَنْسَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَخَرَرْتُ مَغْشِیّاً عَلَیَّ فَلَمَّا أَفَقْتُ قَالَ كَیْفَ تَرَی نَفْسَكَ یَا مُفَضَّلُ فَقُلْتُ قَدْ اسْتَغْنَیْتُ بِمَعُونَةِ مَوْلاَیَ وَ تَأْیِیدِهِ عَنِ الْكِتَابِ الَّذِی كَتَبْتُهُ وَ صَارَ ذَلِكَ بَیْنَ یَدَیَّ كَأَنَّمَا أَقْرَؤُهُ مِنْ كَفِّی وَ لِمَوْلاَیَ الْحَمْدُ وَ الشُّكْرُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَ مُسْتَحِقُّهُ فَقَالَ یَا مُفَضَّلُ فَرِّغْ قَلْبَكَ وَ اجْمَعْ إِلَیْكَ ذِهْنَكَ وَ عَقْلَكَ وَ طُمَأْنِینَتَكَ فَسَأُلْقِی إِلَیْكَ مِنْ عِلْمِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ بَیْنَهُمَا وَ فِیهِمَا مِنْ عَجَائِبِ خَلْقِهِ وَ أَصْنَافِ الْمَلاَئِكَةِ وَ صُفُوفِهِمْ وَ مَقَامَاتِهِمْ وَ مَرَاتِبِهِمْ إِلَی سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی وَ سَائِرِ الْخَلْقِ مِنَ

ص:150


1- و فی نسخة:فكما ان الذی یحدث فی بعض الاعمال للاعراض.

الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِلَی الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَی وَ مَا تَحْتَ الثَّرَی حَتَّی یَكُونَ مَا وَعَیْتَهُ جُزْءاً مِنْ أَجْزَاءٍ انْصَرِفْ إِذَا شِئْتُ مُصَاحَباً مَكْلُوءاً (1)فَأَنْتَ مِنَّا بِالْمَكَانِ الرَّفِیعِ وَ مَوْضِعُكَ مِنْ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ مَوْضِعُ الْمَاءِ مِنَ الصَّدَی وَ لاَ تَسْأَلَنَّ عَمَّا وَعَدْتُكَ حَتَّی أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً قَالَ اَلْمُفَضَّلُ فَانْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِ مَوْلاَیَ بِمَا لَمْ یَنْصَرِفْ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ.

بیان: جاش البحر و القدر و غیرهما یجیش جیشا غلا قوله علیه السلام: قال أصحاب الهندسة أقول المشهور بین متأخّریهم أن جرم الشمس مائة و ستة و ستون مثلا و ربع و ثمن لجرم الأرض و ما ذكره علیه السلام لعله كان مذهب قدمائهم مع أنه قریب من المشهور و الاختلاف بین قدمائهم و متأخّریهم فی أمثال ذلك كثیر قوله علیه السلام: الحقّ الذی أی الأمور الحقّة الثابتة التی تطلب معرفتها من بین الأشیاء و فی بعض النسخ لحقّ أی ما یحقّ و ینبغی أن تطلب معرفته من أحوال الأشیاء هو أربعة أوجه و قال الجوهری قولهم لقیته فی الفرط بعد الفرط إی الحین بعد الحین و الصدی بالفتح العطش.

ثم اعلم أن بعض تلك الفقرات تومئ إلی تجرّد النفس و اللّٰه یعلم و حججه صلوات اللّٰه علیهم أجمعین (2).

ص:151


1- أی محفوظا.
2- بل الی وجود أمور اخری غیر النفس مجردة كما یشعر به قوله:و كذلك الأمور الروحانیة اللطیفة و منه یظهر أن وصف شیء بأنّه روحانی أو لطیف فی الاخبار یشعر بتجرده.ط.

باب 5 الخبر المروی عن المفضل بن عمر فی التوحید المشتهر بالإهلیلجة

حَدَّثَنِی مُحْرِزُ بْنُ سَعِیدٍ النَّحْوِیُّ بِدِمَشْقَ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی مُسْهِرٍ (1)بِالرَّمْلَةِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَتَبَ اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الْجُعْفِیُّ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ علیهما السلام یُعْلِمُهُ أَنَّ أَقْوَاماً ظَهَرُوا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمِلَّةِ یَجْحَدُونَ الرُّبُوبِیَّةَ وَ یُجَادِلُونَ عَلَی ذَلِكَ وَ یَسْأَلُهُ أَنْ یَرُدَّ عَلَیْهِمْ قَوْلَهُمْ وَ یَحْتَجَّ عَلَیْهِمْ فِیمَا ادَّعَوْا بِحَسَبِ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَی غَیْرِهِمْ فَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ أَمَّا بَعْدُ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاكَ لِطَاعَتِهِ وَ أَوْجَبَ لَنَا بِذَلِكَ رِضْوَانَهُ بِرَحْمَتِهِ وَصَلَ كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِیهِ مَا ظَهَرَ فِی مِلَّتِنَا وَ ذَلِكَ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ بِالرُّبُوبِیَّةِ قَدْ كَثُرَتْ عِدَّتُهُمْ وَ اشْتَدَّتْ خُصُومَتُهُمْ وَ تَسْأَلُ أَنْ أَصْنَعَ لِلرَّدِّ عَلَیْهِمْ وَ النَّقْضِ لِمَا فِی أَیْدِیهِمْ كِتَاباً عَلَی نَحْوِ مَا رَدَدْتُ عَلَی غَیْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَ الاِخْتِلاَفِ وَ نَحْنُ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَی النِّعَمِ السَّابِغَةِ وَ الْحُجَجِ الْبَالِغَةِ وَ الْبَلاَءِ الْمَحْمُودِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَ الْعَامَّةِ فَكَانَ مِنْ نِعَمِهِ الْعِظَامِ وَ آلاَئِهِ الْجِسَامِ الَّتِی أَنْعَمَ بِهَا تَقْرِیرُهُ قُلُوبَهُمْ بِرُبُوبِیَّتِهِ وَ أَخْذُهُ مِیثَاقَهُمْ بِمَعْرِفَتِهِ وَ إِنْزَالُهُ عَلَیْهِمْ كِتَاباً فِیهِ شِفَاءٌ لِمَا فِی الصُّدُورِ مِنْ أَمْرَاضِ الْخَوَاطِرِ وَ مُشْتَبِهَاتِ الْأُمُورِ وَ لَمْ یَدَعْ لَهُمْ وَ لاَ لِشَیْءٍ مِنْ خَلْقِهِ حَاجَةً إِلَی مَنْ سِوَاهُ وَ اسْتَغْنَی عَنْهُمْ وَ كانَ اللّٰهُ غَنِیًّا حَمِیداً وَ لَعَمْرِی مَا أُتِیَ الْجُهَّالُ مِنْ قِبَلِ رَبِّهِمْ وَ إِنَّهُمْ لَیَرَوْنَ الدَّلاَلاَتِ الْوَاضِحَاتِ وَ الْعَلاَمَاتِ الْبَیِّنَاتِ فِی خَلْقِهِمْ وَ مَا یُعَایِنُونَ فِی مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الصُّنْعَ الْعَجِیبَ الْمُتْقَنَ الدَّالَّ عَلَی الصَّانِعِ وَ لَكِنَّهُمْ قَوْمٌ فَتَحُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَبْوَابَ الْمَعَاصِی وَ سَهَّلُوا لَهَا سَبِیلَ الشَّهَوَاتِ فَغَلَبَتِ الْأَهْوَاءُ عَلَی قُلُوبِهِمْ وَ اسْتَحْوَذَ الشَّیْطَانُ بِظُلْمِهِمْ عَلَیْهِمْ وَ كَذَلِكَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قُلُوبِ الْمُعْتَدِینَ وَ الْعَجَبُ مِنْ مَخْلُوقٍ یَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ یَخْفَی عَلَی عِبَادِهِ وَ هُوَ یَرَی أَثَرَ الصُّنْعِ فِی نَفْسِهِ بِتَرْكِیبٍ یَبْهَرُ عَقْلَهُ وَ تَأْلِیفٍ یُبْطِلُ حُجَّتَهُ (2)

ص:152


1- و فی نسخة:محمّد بن أبی مشتهر.
2- و فی نسخة:و تالیف یبطل جحوده.

وَ لَعَمْرِی لَوْ تَفَكَّرُوا فِی هَذِهِ الْأُمُورِ الْعِظَامِ لَعَایَنُوا مِنْ أَمْرِ التَّرْكِیبِ الْبَیِّنِ وَ لُطْفِ التَّدْبِیرِ الظَّاهِرِ وَ وُجُودِ الْأَشْیَاءِ مَخْلُوقَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ تَحَوُّلِهَا مِنْ طَبِیعَةٍ إِلَی طَبِیعَةٍ وَ صَنِیعَةٍ بَعْدَ صَنِیعَةٍ مَا یَدُلُّهُمْ ذَلِكَ عَلَی الصَّانِعِ فَإِنَّهُ لاَ یَخْلُو شَیْءٌ مِنْهَا مِنْ أَنْ یَكُونَ فِیهِ أَثَرُ تَدْبِیرٍ وَ تَرْكِیبٍ یَدُلُّ عَلَی أَنَّ لَهُ خَالِقاً مُدَبِّراً وَ تَأْلِیفٌ بِتَدْبِیرٍ یَهْدِی إِلَی وَاحِدٍ حَكِیمٍ وَ قَدْ وَافَانِی كِتَابُكَ وَ رَسَمْتُ لَكَ كِتَاباً كُنْتُ نَازَعْتُ فِیهِ بَعْضَ أَهْلِ الْأَدْیَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِنْكَارِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ یَحْضُرُنِی طَبِیبٌ مِنْ بِلاَدِ الْهِنْدِ وَ كَانَ لاَ یَزَالُ یُنَازِعُنِی فِی رَأْیِهِ وَ یُجَادِلُنِی عَلَی ضَلاَلَتِهِ فَبَیْنَا هُوَ یَوْماً یَدُقُّ إِهْلِیلَجَةً لِیَخْلِطَهَا دَوَاءً احْتَجْتُ (1)إِلَیْهِ مِنْ أَدْوِیَتِهِ إِذْ عَرَضَ لَهُ شَیْءٌ مِنْ كَلاَمِهِ الَّذِی لَمْ یَزَلْ یُنَازِعُنِی فِیهِ مِنِ ادِّعَائِهِ أَنَّ الدُّنْیَا لَمْ تَزَلْ وَ لاَ تَزَالُ شَجَرَةٌ تَنْبُتُ وَ أُخْرَی تَسْقُطُ نَفْسٌ تُولَدُ وَ أُخْرَی تَتْلَفُ وَ زَعَمَ أَنَّ انْتِحَالِی الْمَعْرِفَةَ لِلَّهِ تَعَالَی دَعْوَی لاَ بَیِّنَةَ لِی عَلَیْهَا وَ لاَ حُجَّةَ لِی فِیهَا وَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ أَخَذَهُ الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ وَ الْأَصْغَرُ عَنِ الْأَكْبَرِ وَ أَنَّ الْأَشْیَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ وَ الْمُؤْتَلِفَةَ وَ الْبَاطِنَةَ وَ الظَّاهِرَةَ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ نَظَرِ الْعَیْنِ وَ سَمْعِ الْأُذُنِ وَ شَمِّ الْأَنْفِ وَ ذَوْقِ الْفَمِ وَ لَمْسِ الْجَوَارِحِ ثُمَّ قَادَ (2)مَنْطِقُهُ عَلَی الْأَصْلِ الَّذِی وَضَعَهُ فَقَالَ لَمْ یَقَعْ شَیْءٌ مِنْ حَوَاسِّی عَلَی خَالِقٍ یُؤَدِّی إِلَی قَلْبِی إِنْكَاراً لِلَّهِ تَعَالَی ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِی بِمَ تَحْتَجُّ فِی مَعْرِفَةِ رَبِّكَ الَّذِی تَصِفُ قُدْرَتَهُ وَ رُبُوبِیَّتَهُ وَ إِنَّمَا یَعْرِفُ الْقَلْبُ الْأَشْیَاءَ كُلَّهَا بِالدَّلاَلاَتِ الْخَمْسِ الَّتِی وَصَفْتُ لَكَ قُلْتُ بِالْعَقْلِ الَّذِی فِی قَلْبِی وَ الدَّلِیلِ الَّذِی أَحْتَجُّ بِهِ فِی مَعْرِفَتِهِ قَالَ فَأَنَّی یَكُونُ مَا تَقُولُ وَ أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ الْقَلْبَ لاَ یَعْرِفُ شَیْئاً بِغَیْرِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ فَهَلْ عَایَنْتَ رَبَّكَ بِبَصَرٍ أَوْ سَمِعْتَ صَوْتَهُ بِأُذُنٍ أَوْ شَمِمْتَهُ بِنَسِیمٍ أَوْ ذُقْتَهُ بِفَمٍ أَوْ مَسِسْتَهُ بِیَدٍ فَأَدَّی ذَلِكَ الْمَعْرِفَةَ إِلَی قَلْبِكَ قُلْتُ أَ رَأَیْتَ إِذْ أَنْكَرْتَ اللَّهَ وَ جَحَدْتَهُ (3)

ص:153


1- و فی نسخة:احتاج.
2- قاد الدابّة:مشی أمامها آخذا بقیادها.
3- و فی نسخة:إذا أنكرت اللّٰه و جحدته.

لِأَنَّكَ زَعَمْتَ أَنَّكَ لاَ تُحِسُّهُ بِحَوَاسِّكَ الَّتِی تَعْرِفُ بِهَا الْأَشْیَاءَ وَ أَقْرَرْتُ أَنَا بِهِ هَلْ بُدٌّ مِنْ أَنْ یَكُونَ أَحَدُنَا صَادِقاً وَ الْآخَرُ كَاذِباً قَالَ لاَ قُلْتُ أَ رَأَیْتَ إِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَكَ فَهَلْ یُخَافُ عَلَیَّ شَیْءٌ مِمَّا أُخَوِّفُكَ بِهِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ قَالَ لاَ قُلْتُ أَ فَرَأَیْتَ إِنْ كَانَ كَمَا أَقُولُ وَ الْحَقُّ فِی یَدِی أَ لَسْتُ قَدْ أَخَذْتُ فِیمَا كُنْتُ أُحَاذِرُ مِنْ عِقَابِ الْخَالِقِ بِالثِّقَةِ وَ أَنَّكَ قَدْ وَقَعْتَ بِجُحُودِكَ وَ إِنْكَارِكَ فِی الْهَلَكَةِ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَأَیُّنَا أَوْلَی بِالْحَزْمِ وَ أَقْرَبُ مِنَ النَّجَاةِ قَالَ أَنْتَ إِلاَّ أَنَّكَ مِنْ أَمْرِكَ عَلَی ادِّعَاءٍ وَ شُبْهَةٍ وَ أَنَا عَلَی یَقِینٍ وَ ثِقَةٍ لِأَنِّی لاَ أَرَی حَوَاسِّیَ الْخَمْسَ أَدْرَكَتْهُ وَ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ حَوَاسِّی فَلَیْسَ عِنْدِی بِمَوْجُودٍ قُلْتُ إِنَّهُ لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسُّكَ عَنْ إِدْرَاكِ اللَّهِ أَنْكَرْتَهُ وَ أَنَا لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسِّی عَنْ إِدْرَاكِ اللَّهِ تَعَالَی صَدَّقْتُ بِهِ قَالَ وَ كَیْفَ ذَلِكَ قُلْتُ لِأَنَّ كُلَّ شَیْءٍ جَرَی فِیهِ أَثَرُ تَرْكِیبٍ لَجِسْمٌ أَوْ وَقَعَ عَلَیْهِ بَصَرٌ لَلَوْنٌ فَمَا أَدْرَكَتْهُ الْأَبْصَارُ وَ نَالَتْهُ الْحَوَاسُّ فَهُوَ غَیْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ لاَ یُشْبِهُ الْخَلْقَ وَ أَنَّ هَذَا الْخَلْقَ یَنْتَقِلُ بِتَغْیِیرٍ وَ زَوَالٍ وَ كُلُّ شَیْءٍ أَشْبَهَ التَّغْیِیرَ وَ الزَّوَالَ فَهُوَ مِثْلُهُ وَ لَیْسَ الْمَخْلُوقُ كَالْخَالِقِ وَ لاَ الْمُحْدَثُ كَالْمُحْدِثِ .

شرح: قوله علیه السلام: و البلاء المحمود عند الخاصّة و العامّة أی النعمة التی یحمدها و یقر بها الخاصّ و العامّ لنا و هو العلم أو النعم التی شملت الخاصّ و العامّ كما سیفصّله علیه السلام بعد ذلك قوله علیه السلام: ما أُتِیَ الجهّال أی ما أتاهم الضرر و الهلاك إلا من قبلهم قال الفیروزآبادی :أُتِیَ كعنی أشرف علیه العدو و قال الجزری فی حدیث أبی هریرة فی العَدْوَی أنّی قلت أُتِیتَ أی دهیت و تغیر علیك حسك فتوهمت ما لیس بصحیح صحیحا قوله علیه السلام: استحوذ الشیطان أی غلب و استولی قوله علیه السلام: و صنیعة أی إحسان و یحتمل أن یراد بها هنا الخلقة المصنوعة قوله علیه السلام: لجسم بفتح اللام أی البتة هو جسم و كذا قوله للون و یدل علی أن التركیب الخارجی إنما یكون فی الجسم و أن المبصر بالذات هو اللون قوله علیه السلام: أشبه التغییر أی المتغیر أو ذا التغییر بتقدیر مضاف.

ص:154

متن: قَالَ إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ وَ لَكِنِّی لَمُنْكِرٌ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ حَوَاسِّی فَتُؤَدِّیَهُ إِلَی قَلْبِی فَلَمَّا اعْتَصَمَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ وَ لَزِمَ هَذِهِ الْحُجَّةَ قُلْتُ أَمَّا إِذَا أَبَیْتَ إِلاَّ أَنْ تَعْتَصِمَ بِالْجَهَالَةِ وَ تَجْعَلَ الْمُحَاجَزَةَ حُجَّةً فَقَدْ دَخَلْتَ فِی مِثْلِ مَا عِبْتَ وَ امْتَثَلْتَ مَا كَرِهْتَ حَیْثُ قُلْتَ إِنِّی اخْتَرْتُ الدَّعْوَی لِنَفْسِی لِأَنَّ كُلَّ شَیْءٍ لَمْ تُدْرِكْهُ حَوَاسِّی عِنْدِی بِلاَ شَیْءٍ قَالَ وَ كَیْفَ ذَلِكَ قُلْتُ لِأَنَّكَ نَقَمْتَ عَلَیَّ الاِدِّعَاءَ وَ دَخَلْتَ فِیهِ فَادَّعَیْتَ أَمْراً لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً وَ لَمْ تَقُلْهُ عِلْماً فَكَیْفَ اسْتَجَزْتَ لِنَفْسِكَ الدَّعْوَی فِی إِنْكَارِكَ اللَّهَ وَ دَفْعِكَ أَعْلاَمَ النُّبُوَّةِ وَ الْحُجَّةَ الْوَاضِحَةَ وَ عِبْتَهَا عَلَیَّ أَخْبِرْنِی هَلْ أَحَطْتَ بِالْجِهَاتِ كُلِّهَا وَ بَلَغْتَ مُنْتَهَاهَا قَالَ لاَ قُلْتُ فَهَلْ رَقِیتَ إِلَی السَّمَاءِ الَّتِی تَرَی أَوِ انْحَدَرْتَ إِلَی الْأَرْضِ السُّفْلَی فَجُلْتَ فِی أَقْطَارِهَا (1)أَوْ هَلْ خُضْتَ فِی غَمَرَاتِ الْبُحُورِ (2)وَ اخْتَرَقْتَ نَوَاحِیَ الْهَوَاءِ فِیمَا فَوْقَ السَّمَاءِ وَ تَحْتَهَا إِلَی الْأَرْضِ وَ مَا أَسْفَلَ مِنْهَا فَوَجَدْتَ ذَلِكَ خَلاَءً مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِیمٍ عَالِمٍ بَصِیرٍ قَالَ لاَ قُلْتُ فَمَا یُدْرِیكَ لَعَلَّ الَّذِی أَنْكَرَهُ قَلْبُكَ هُوَ فِی بَعْضِ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ حَوَاسُّكَ وَ لَمْ یُحِطْ بِهِ عِلْمُكَ قَالَ لاَ أَدْرِی لَعَلَّ فِی بَعْضِ مَا ذَكَرْتَ مُدَبِّراً وَ مَا أَدْرِی لَعَلَّهُ لَیْسَ فِی شَیْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَیْءٌ قُلْتُ أَمَّا إِذْ خَرَجْتَ مِنْ حَدِّ الْإِنْكَارِ إِلَی مَنْزِلَةِ الشَّكِّ فَإِنِّی أَرْجُو أَنْ تَخْرُجَ إِلَی الْمَعْرِفَةِ قَالَ فَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَیَّ الشَّكُّ لِسُؤَالِكَ إِیَّایَ عَمَّا لَمْ یُحِطْ بِهِ عِلْمِی وَ لَكِنْ مِنْ أَیْنَ یَدْخُلُ عَلَیَّ الْیَقِینُ بِمَا لَمْ تُدْرِكْهُ حَوَاسِّی قُلْتُ مِنْ قِبَلِ إِهْلِیلَجَتِكَ هَذِهِ قَالَ ذَاكَ إِذاً أَثْبَتُ لِلْحُجَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ آدَابِ اَلطِّبِّ الَّذِی أُذْعِنُ بِمَعْرِفَتِهِ (3)قُلْتُ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آتِیَكَ بِهِ مِنْ قِبَلِهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَشْیَاءِ إِلَیْكَ وَ لَوْ كَانَ شَیْءٌ أَقْرَبَ إِلَیْكَ مِنْهَا لَأَتَیْتُكَ مِنْ قِبَلِهِ (4)لِأَنَّ فِی كُلِّ شَیْءٍ أَثَرَ تَرْكِیبٍ وَ حِكْمَةٍ وَ شَاهِداً یَدُلُّ عَلَی

ص:155


1- و فی نسخة:فدرت فی أقطارها.
2- و فی نسخة:هل غصت فی غمرات البحور.
3- و فی نسخة:لانها من أداة الطبّ الذی أدعی معرفته.
4- و فی نسخة:لا نبأتك من قبله.

الصَّنْعَةِ الدَّالَّةِ عَلَی مَنْ صَنَعَهَا وَ لَمْ تَكُنْ شَیْئاً وَ یُهْلِكُهُا حَتَّی لاَ تَكُونَ شَیْئاً قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی هَلْ تَرَی هَذِهِ إِهْلِیلَجَةً قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَ فَتَرَی غَیْبَ مَا فِی جَوْفِهَا قَالَ لاَ قُلْتُ أَ فَتَشْهَدُ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَی نَوَاةٍ وَ لاَ تَرَاهَا قَالَ مَا یُدْرِینِی لَعَلَّ لَیْسَ فِیهَا شَیْءٌ قُلْتُ أَ فَتَرَی أَنَّ خَلْفَ هَذَا الْقِشْرِ مِنْ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ غَائِبٌ لَمْ تَرَهُ مِنْ لَحْمٍ أَوْ ذِی لَوْنٍ قَالَ مَا أَدْرِی لَعَلَّ مَا ثَمَّ غَیْرُ ذِی لَوْنٍ وَ لاَ لَحْمٍ قُلْتُ أَ فَتُقِرُّ أَنَّ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةَ الَّتِی تُسَمِّیهَا النَّاسُ بِالْهِنْدِ مَوْجُودَةٌ لاِجْتِمَاعِ أَهْلِ الاِخْتِلاَفِ مِنَ الْأُمَمِ عَلَی ذِكْرِهَا قَالَ مَا أَدْرِی لَعَلَّ مَا اجْتَمَعُوا عَلَیْهِ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ قُلْتُ أَ فَتُقِرُّ أَنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ فِی أَرْضٍ تَنْبُتُ قَالَ تِلْكَ الْأَرْضُ وَ هَذِهِ وَاحِدَةٌ وَ قَدْ رَأَیْتُهَا قُلْتُ أَ فَمَا تَشْهَدُ بِحُضُورِ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ عَلَی وُجُودِ مَا غَابَ مِنْ أَشْبَاهِهَا قَالَ مَا أَدْرِی لَعَلَّهُ لَیْسَ فِی الدُّنْیَا إِهْلِیلَجَةٌ غَیْرُهَا فَلَمَّا اعْتَصَمَ بِالْجَهَالَةِ قُلْتُ أَخْبِرْنِی عَنْ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ أَ تُقِرُّ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ تَقُولُ إِنَّهَا هَكَذَا وُجِدَتْ قَالَ لاَ بَلْ مِنْ شَجَرَةٍ خَرَجَتْ قُلْتُ فَهَلْ أَدْرَكَتْ حَوَاسُّكَ الْخَمْسُ مَا غَابَ عَنْكَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ قَالَ لاَ قُلْتُ فَمَا أَرَاكَ إِلاَّ قَدْ أَقْرَرْتَ بِوُجُودِ شَجَرَةٍ لَمْ تُدْرِكْهَا حَوَاسُّكَ قَالَ أَجَلْ وَ لَكِنِّی أَقُولُ إِنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ وَ الْأَشْیَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ (1)شَیْءٌ لَمْ تَزَلْ تُدْرَكُ فَهَلْ عِنْدَكَ فِی هَذَا شَیْءٌ تَرُدُّ بِهِ قَوْلِی قُلْتُ نَعَمْ أَخْبِرْنِی عَنْ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ هَلْ كُنْتَ عَایَنْتَ شَجَرَتَهَا وَ عَرَفْتَهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةُ فِیهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ كُنْتَ تُعَایِنُ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةَ قَالَ لاَ قُلْتُ أَ فَمَا تَعْلَمُ أَنَّكَ كُنْتَ عَایَنْتَ الشَّجَرَةَ وَ لَیْسَ فِیهَا الْإِهْلِیلَجَةُ ثُمَّ عُدْتَ إِلَیْهَا فَوَجَدْتَ فِیهَا الْإِهْلِیلَجَةَ أَ فَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِیهَا مَا لَمْ تَكُنْ قَالَ مَا أَسْتَطِیعُ أَنْ أُنْكِرَ ذَلِكَ وَ لَكِنِّی أَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ فِیهَا مُتَفَرِّقَةً قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی هَلْ رَأَیْتَ تِلْكَ الْإِهْلِیلَجَةَ الَّتِی تَنْبُتُ مِنْهَا شَجَرَةُ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ قَبْلَ أَنْ تُغْرَسَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ یَحْتَمِلُ عَقْلُكَ أَنَّ الشَّجَرَةَ الَّتِی تَبْلُغُ أَصْلُهَا وَ عُرُوقُهَا وَ فُرُوعُهَا وَ لِحَاؤُهَا وَ كُلُّ ثَمَرَةٍ جُنِیَتْ (2)وَ وَرَقَةٍ سَقَطَتْ أَلْفَ أَلْفِ رِطْلٍ كَانَتْ كَامِنَةً فِی هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ قَالَ مَا

ص:156


1- و فی نسخة:و الأشیاء المؤتلفة.
2- جنی الثمر:تناوله من شجرته.

یَحْتَمِلُ هَذَا الْعَقْلُ وَ لاَ یَقْبَلُهُ الْقَلْبُ قُلْتُ أَقْرَرْتَ أَنَّهَا حَدَثَتْ فِی الشَّجَرَةِ قَالَ نَعَمْ وَ لَكِنِّی لاَ أَعْرِفُ أَنَّهَا مَصْنُوعَةٌ فَهَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُقَرِّرَنِی بِذَلِكَ قُلْتُ نَعَمْ أَ رَأَیْتَ أَنِّی إِنْ أَرَیْتُكَ تَدْبِیراً أَ تُقِرُّ أَنَّ لَهُ مُدَبِّراً وَ تَصْوِیراً أَنَّ لَهُ مُصَوِّراً قَالَ لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةَ لَحْمٌ رَكِبَ عَلَی عَظْمٍ فَوُضِعَ فِی جَوْفٍ مُتَّصِلٍ (1)بِغُصْنٍ مُرَكَّبٍ عَلَی سَاقٍ یَقُومُ عَلَی أَصْلٍ فَیَقْوَی بِعُرُوقٍ مِنْ تَحْتِهَا عَلَی جِرْمٍ مُتَّصِلٍ بَعْضٌ بِبَعْضٍ قَالَ بَلَی قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةَ مُصَوَّرَةٌ بِتَقْدِیرٍ وَ تَخْطِیطٍ وَ تَأْلِیفٍ وَ تَرْكِیبٍ وَ تَفْصِیلٍ مُتَدَاخِلٍ بِتَأْلِیفِ شَیْءٍ فِی بَعْضِ شَیْءٍ بِهِ طَبَقٌ بَعْدَ طَبَقٍ وَ جِسْمٌ عَلَی جِسْمٍ وَ لَوْنٌ مَعَ لَوْنٍ أَبْیَضُ فِی صُفْرَةٍ وَ لَیِّنٌ عَلَی شَدِیدٍ (2)فِی طَبَائِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَ طَرَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ وَ أَجْزَاءٍ مُؤْتَلِفَةٍ مَعَ لِحَاءٍ تَسْقِیهَا وَ عُرُوقٍ یَجْرِی فِیهَا الْمَاءُ وَ وَرَقٍ یَسْتُرُهَا وَ تَقِیهَا مِنَ الشَّمْسِ أَنْ تُحْرِقَهَا وَ مِنَ الْبَرْدِ أَنْ یُهْلِكَهُا وَ الرِّیحِ أَنْ تَذْبِلَهَا (3)قَالَ أَ فَلَیْسَ لَوْ كَانَ الْوَرَقُ مُطَبِّقاً عَلَیْهَا كَانَ خَیْراً لَهَا قُلْتُ اللَّهُ أَحْسَنُ تَقْدِیراً لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَمْ یَصِلْ إِلَیْهَا رِیحٌ یَرُوحُهَا وَ لاَ بَرْدٌ یُشَدِّدُهَا وَ لَعَفِنَتْ عِنْدَ ذَلِكَ وَ لَوْ لَمْ یَصِلْ إِلَیْهَا حَرُّ الشَّمْسِ لَمَا نَضِجَتْ وَ لَكِنْ شَمْسٌ مَرَّةً وَ رِیحٌ مَرَّةً وَ بَرْدٌ مَرَّةً قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقُوَّةٍ لَطِیفَةٍ وَ دَبَّرَهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ قَالَ حَسْبِی مِنَ التَّصْوِیرِ فَسِّرْ لِیَ التَّدْبِیرَ الَّذِی زَعَمْتَ أَنَّكَ تَرَیَنَّهُ قُلْتُ أَ رَأَیْتَ الْإِهْلِیلَجَةَ قَبْلَ أَنْ تَعْقِدَ إِذْ هِیَ فِی قِمَعِهَا مَاءً بِغَیْرِ نَوَاةٍ وَ لاَ لَحْمٍ وَ لاَ قِشْرٍ وَ لاَ لَوْنٍ وَ لاَ طَعْمٍ وَ لاَ شِدَّةٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَ رَأَیْتَ لَوْ لَمْ یَرْفُقِ الْخَالِقُ ذَلِكَ الْمَاءَ الضَّعِیفَ الَّذِی هُوَ مِثْلُ الْخَرْدَلَةِ فِی الْقِلَّةِ وَ الذِّلَّةِ وَ لَمْ یُقَوِّهِ بِقُوَّتِهِ وَ یُصَوِّرْهُ بِحِكْمَتِهِ وَ یُقَدِّرْهُ بِقُدْرَتِهِ هَلْ كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ یَزِیدُ عَلَی أَنْ یَكُونَ فِی قِمَعِهِ غَیْرَ مَجْمُوعٍ بِجِسْمٍ وَ قِمَعٍ وَ تَفْصِیلٍ فَإِنْ زَادَ زَادَ مَاءً مُتَرَاكِباً غَیْرَ مُصَوَّرٍ وَ لاَ مُخَطَّطٍ وَ لاَ مُدَبَّرٍ بِزِیَادَةِ أَجْزَاءٍ وَ لاَ تَأْلِیفِ أَطْبَاقٍ قَالَ قَدْ أَرَیْتَنِی مِنْ تَصْوِیرِ شَجَرَتِهَا وَ تَأْلِیفِ خِلْقَتِهَا وَ حَمْلِ ثَمَرَتِهَا وَ زِیَادَةِ أَجْزَائِهَا وَ تَفْصِیلِ تَرْكِیبِهَا أَوْضَحَ

ص:157


1- و فی نسخة:موضوع علی جرم متصل.
2- فی نسخة:و لین مع لین و لین علی شدة.
3- ذیل النبات.قل ماؤه و ذهبت نضارته.

الدَّلاَلاَتِ وَ أَظْهَرَ الْبَیِّنَةِ عَلَی مَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وَ لَقَدْ صَدَقْتَ بِأَنَّ الْأَشْیَاءَ مَصْنُوعَةٌ وَ لَكِنِّی لاَ أَدْرِی لَعَلَّ الْإِهْلِیلَجَةَ وَ الْأَشْیَاءَ صَنَعَتْ أَنْفُسَهَا قُلْتُ أَ وَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ خَالِقَ الْأَشْیَاءِ وَ الْإِهْلِیلَجَةِ حَكِیمٌ عَالِمٌ بِمَا عَایَنْتَ مِنْ قُوَّةِ تَدْبِیرِهِ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَهَلْ یَنْبَغِی لِلَّذِی هُوَ كَذَلِكَ أَنْ یَكُونَ حَدَثاً قَالَ لاَ قُلْتُ أَ فَلَسْتَ قَدْ رَأَیْتَ الْإِهْلِیلَجَةَ حِینَ حَدَثَتْ وَ عَایَنْتَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ شَیْئاً ثُمَّ هَلَكَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ شَیْئاً قَالَ بَلَی وَ إِنَّمَا أَعْطَیْتُكَ أَنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ حَدَثَتْ وَ لَمْ أُعْطِكَ أَنَّ الصَّانِعَ لاَ یَكُونُ حَادِثاً لاَ یَخْلُقُ نَفْسَهُ قُلْتُ أَ لَمْ تُعْطِنِی أَنَّ الْحَكِیمَ الْخَالِقَ لاَ یَكُونُ حَدَثاً وَ زَعَمْتَ أَنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ حَدَثَتْ فَقَدْ أَعْطَیْتَنِی أَنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ مَصْنُوعَةٌ فَهُوَ عَزَّ وَ جَلَّ صَانِعُ الْإِهْلِیلَجَةِ وَ إِنْ رَجَعْتَ إِلَی أَنْ تَقُولَ إِنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ صَنَعَتْ نَفْسَهَا وَ دَبَّرَتْ خَلْقَهَا فَمَا زِدْتَ أَنْ أَقْرَرْتَ بِمَا أَنْكَرْتَ وَ وَصَفْتَ صَانِعاً مُدَبِّراً أَصَبْتَ صِفَتَهُ وَ لَكِنَّكَ لَمْ تَعْرِفْهُ فَسَمَّیْتَهُ بِغَیْرِ اسْمِهِ قَالَ كَیْفَ ذَلِكَ قُلْتُ لِأَنَّكَ أَقْرَرْتَ بِوُجُودِ حَكِیمٍ لَطِیفٍ مُدَبِّرٍ فَلَمَّا سَأَلْتُكَ مَنْ هُوَ قُلْتَ الْإِهْلِیلَجَةُ قَدْ أَقْرَرْتَ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ لَكِنَّكَ سَمَّیْتَهُ بِغَیْرِ اسْمِهِ وَ لَوْ عَقَلْتَ وَ فَكَّرْتَ لَعَلِمْتَ أَنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ أَنْقَصُ قُوَّةً مِنْ أَنْ تَخْلُقَ نَفْسَهَا وَ أَضْعَفُ حِیلَةً مِنْ أَنْ تُدَبِّرَ خَلْقَهَا قَالَ هَلْ عِنْدَكَ غَیْرُ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ أَخْبِرْنِی عَنْ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ الَّتِی زَعَمْتَ أَنَّهَا صَنَعَتْ نَفْسَهَا وَ دَبَّرَتْ أَمْرَهَا كَیْفَ صَنَعَتْ نَفْسَهَا صَغِیرَةَ الْخِلْقَةِ صَغِیرَةَ الْقُدْرَةِ نَاقِصَةَ الْقُوَّةِ لاَ تَمْتَنِعُ أَنْ تُكْسَرَ وَ تُعْصَرَ وَ تُؤْكَلَ وَ كَیْفَ صَنَعَتْ نَفْسَهَا مَفْضُولَةً مَأْكُولَةً مُرَّةً قَبِیحَةَ الْمَنْظَرِ لاَ بَهَاءَ لَهَا وَ لاَ مَاءَ قَالَ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْوَ إِلاَّ عَلَی مَا صَنَعَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَمْ تَصْنَعْ إِلاَّ مَا هَوِیَتْ قُلْتُ أَمَّا إِذْ أَبَیْتَ إِلاَّ التَّمَادِیَ فِی الْبَاطِلِ فَأَعْلِمْنِی مَتَی خَلَقَتْ نَفْسَهَا وَ دَبَّرَتْ خَلْقَهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أَوْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ خَلَقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ مَا كَانَتْ فَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَبْیَنِ الْمُحَالِ كَیْفَ تَكُونُ مَوْجُودَةً مَصْنُوعَةً ثُمَّ تَصْنَعُ نَفْسَهَا مَرَّةً أُخْرَی فَیَصِیرُ كَلاَمُكَ إِلَی أَنَّهَا مَصْنُوعَةٌ مَرَّتَیْنِ وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّهَا خَلَقَتْ نَفْسَهَا وَ دَبَّرَتْ خَلْقَهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ إِنَّ هَذَا مِنْ أَوْضَحِ الْبَاطِلِ وَ أَبْیَنِ الْكَذِبِ لِأَنَّهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ لَیْسَ بِشَیْءٍ فَكَیْفَ یَخْلُقُ لاَ شَیْءَ شَیْئاً وَ كَیْفَ تَعِیبُ قَوْلِی إِنَّ شَیْئاً یَصْنَعُ لاَ شَیْئاً وَ لاَ تَعِیبُ قَوْلَكَ إِنَّ لاَ شَیْءَ یَصْنَعُ لاَ شَیْئاً فَانْظُرْ أَیُّ الْقَوْلَیْنِ أَوْلَی بِالْحَقِّ قَالَ

ص:158

قَوْلُكَ قُلْتُ فَمَا یَمْنَعُكَ مِنْهُ قَالَ قَدْ قَبِلْتُهُ وَ اسْتَبَانَ لِی حَقُّهُ وَ صِدْقُهُ بِأَنَّ الْأَشْیَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ وَ الْإِهْلِیلَجَةَ لَمْ یَصْنَعْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَ لَمْ یُدَبِّرْنَ خَلْقَهُنَّ وَ لَكِنَّهُ تَعْرِضُ لِی أَنَّ الشَّجَرَةَ هِیَ الَّتِی صَنَعَتِ الْإِهْلِیلَجَةَ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْهَا قُلْتُ فَمَنْ صَنَعَ الشَّجَرَةَ قَالَ الْإِهْلِیلَجَةُ الْأُخْرَی قُلْتُ اجْعَلْ لِكَلاَمِكَ غَایَةً أَنْتَهِی إِلَیْهَا فَإِمَّا أَنْ تَقُولَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَیُقْبَلُ مِنْكَ وَ إِمَّا أَنْ تَقُولَ الْإِهْلِیلَجَةُ فَنَسْأَلُكَ قَالَ سَلْ قُلْتُ أَخْبِرْنِی عَنِ الْإِهْلِیلَجَةِ هَلْ تَنْبُتُ مِنْهَا الشَّجَرَةُ إِلاَّ بَعْدَ مَا مَاتَتْ وَ بَلِیَتْ وَ بَادَتْ قَالَ لاَ قُلْتُ إِنَّ الشَّجَرَةَ بَقِیَتْ بَعْدَ هَلاَكِ الْإِهْلِیلَجَةِ مِائَةَ سَنَةٍ فَمَنْ كَانَ یَحْمِیهَا وَ یَزِیدُ فِیهَا وَ یُدَبِّرُ خَلْقَهَا وَ یُرَبِّیهَا وَ یُنْبِتُ وَرَقَهَا مَا لَكَ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَقُولَ هُوَ الَّذِی خَلَقَهَا وَ لَئِنْ قُلْتَ الْإِهْلِیلَجَةُ وَ هِیَ حَیَّةٌ قَبْلَ أَنْ تَهْلِكَ وَ تُبْلَی وَ تَصِیرَ تُرَاباً وَ قَدْ رَبَّتِ الشَّجَرَةَ وَ هِیَ مَیْتَةٌ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخْتَلِفٌ قَالَ لاَ أَقُولُ ذَلِكَ قُلْتُ أَ فَتُقِرُّ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ أَمْ قَدْ بَقِیَ فِی نَفْسِكَ شَیْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ إِنِّی مِنْ ذَلِكَ عَلَی حَدِّ وُقُوفٍ مَا أَتَخَلَّصُ إِلَی أَمْرٍ یَنْفُذُ لِی فِیهِ الْأَمْرُ قُلْتُ أَمَّا إِذْ أَبَیْتَ إِلاَّ الْجَهَالَةَ وَ زَعَمْتَ أَنَّ الْأَشْیَاءَ لاَ یُدْرَكُ إِلاَّ بِالْحَوَاسِّ فَإِنِّی أُخْبِرُكَ أَنَّهُ لَیْسَ لِلْحَوَاسِّ دَلاَلَةٌ عَلَی الْأَشْیَاءِ وَ لاَ فِیهَا مَعْرِفَةٌ إِلاَّ بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ دَلِیلُهَا وَ مُعَرِّفُهَا الْأَشْیَاءَ الَّتِی تَدَّعِی أَنَّ الْقَلْبَ لاَ یَعْرِفُهَا إِلاَّ بِهَا .

شرح: قوله علیه السلام: و امتثلت قال الفیروزآبادی :امتثل طریقته تبعها فلم یعدها قوله نقمت علی أی عبت و كرهت قوله من لحم قال الفیروزآبادی :لحم كل شیء لبّه قوله تلك الأرض أی أشار إلی الأرض و قال أقرّ بوجود هذه الأرض التی أری و الإهلیلجة الواحدة التی فی یدی قوله كانت فیها متفرّقة لعله اختار مذهب أنكساغورس و من تبعه من الدهریة القائلین بالكمون و البروز و أن كل شیء كامن و یومئ إلیه جوابه قوله علیه السلام: فی قمعها قال الفیروزآبادی :القمع محركة بثرة تخرج فی أصول الأشفار و قال القمع بالفتح و الكسر و كعنب ما التزق بأسفل التمرة و البسرة و نحوهما انتهی و علی التقدیرین استعیر لما یبدو من الإهلیلجة ابتداء فی شجرها من القشرة الرقیقة الصغیرة التی فیها ماء و الأول أبلغ قوله علیه السلام: غیر مجموع بجسم أی هل كان یزید بغیر أن یضم إلیه جسم آخر من خارج أو قمع آخر مثله أو بغیر قمعه

ص:159

أی قلعه و تفصیله أی تفریقه لیدخل فیه شیء أو یضم إلی شیء قوله علیه السلام: فإن زاد أی فإن سلم أنه كان یمكن أن یزید بطبیعته بغیر ما ذكر كانت زیادته ماء متراكبا بعضه فوق بعض فقط كما كان أولا لا بتخطیط و تصویر و تدبیر و تألیف إذ یحكم العقل بدیهة أن مثل تلك الأفاعیل المختلفة المنطبقة علی قانون الحكمة لا تصدر عن طبیعة عادمة للشعور و الإرادة قوله علیه السلام: فهل ینبغی إشارة إلی ما یحكم به الوجدان من أن من كان علی هذا المبلغ من العلم و الحكمة و التدبیر لا یكون ممكنا محدثا محتاجا فی العلم و سائر الأمور إلی غیره إلا أن یفیض علیه من العالم بالذات و هو إقرار بالصانع قوله و لم أعطك غفل الهندی عما كان یلزم من اعترافیه قوله علیه السلام: و إن رجعت أی إن قلت إن الصانع القدیم الحكیم هو طبیعة الإهلیلجة صنعت هذا الشخص منها فقد أقررت بالصانع و سمیته الطبیعة إذ هی غیر حكیم و لا ذات إرادة فقد أقررت بالصانع و أخطأت فی التسمیة أو المراد أنك بعد الاعتراف بالخالق الحكیم القدیم لو قلت إنه هذه الإهلیلجة فقد أقررت بما أنكرت أی نقضت قولك الأول و قلت بالنقیضین و لا محمل لتصحیحه إلا أن تقول سمیت ما أقررت به بهذا الاسم و هذا لا یضرنا بعد ما تیسر لنا من إقرارك و یحتمل أن یكون هذا كلاما علی سبیل الاستظهار فی المجادلة أی إن تنزلنا عما أقررت به من قدم الحكیم و حدوث الإهلیلجة یكفینا إقرارك بكون الخالق حكیما إذ معلوم أنها لیست كذلك فقد سمیت الصانع الحكیم بهذا الاسم قوله علیه السلام: مفضولة إذ ظاهر أن كثیرا من المخلوقات أفضل و أشرف منها قوله علیه السلام: هو الذی خلقها أی لا بد أن یكون مربیها هو خالقها فإن قلت إن الخالق و المربی واحد و هی الإهلیلجة خلقت عند كونها حیة و ربت بعد موتها فالقول مختلف إذ خلقها تدریجی و عند خلق أی مقدار من الشجرة لا بد من انقلاب بعضها شجرة فلم تكن الإهلیلجة باقیة بعد تمام خلق ذلك المقدار و الخلق و التربیة ممزوجان لا یصلح القول بكونها حیة عند أحدهما میتة عند الآخر و یحتمل أن یكون المراد أن القول بأن الخالق و المربی واحد و القول بأن الإهلیلجة بعد موتها ربت متنافیان لأن موتها عبارة عن استحالتها بشیء آخر فالمربی شیء آخر سوی الإهلیلجة و فی بعض النسخ و قد رأیت الشجرة قوله

ص:160

ما أتخلص أی ما أصل إلی أمر یجری فیه أمری أی حكمی و یمكننی أن أحكم بصحته ثم لما علم علیه السلام أن سبب توقفه اقتصاره علی حكم الحواس بین علیه السلام أن الحواس داخلة تحت حكم العقل و لا بد من الرجوع إلی العقل فی معرفة الأشیاء.

متن: فَقَالَ أَمَّا إِذْ نَطَقْتَ بِهَذَا فَمَا أَقْبَلُ مِنْكَ إِلاَّ بِالتَّخْلِیصِ وَ التَّفَحُّصِ مِنْهُ بِإِیضَاحٍ وَ بَیَانٍ وَ حُجَّةٍ وَ بُرْهَانٍ قُلْتُ فَأَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ رُبَّمَا ذَهَبَ الْحَوَاسُّ أَوْ بَعْضُهَا وَ دَبَّرَ الْقَلْبُ الْأَشْیَاءَ الَّتِی فِیهَا الْمَضَرَّةُ وَ الْمَنْفَعَةُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَلاَنِیَةِ وَ الْخَفِیَّةِ فَأَمَرَ بِهَا وَ نَهَی فَنَفَذَ فِیهَا أَمْرُهُ وَ صَحَّ فِیهَا قَضَاؤُهُ قَالَ إِنَّكَ تَقُولُ فِی هَذَا قَوْلاً یُشْبِهُ الْحُجَّةَ وَ لَكِنِّی أُحِبُّ أَنْ تُوضِحَهُ لِی غَیْرَ هَذَا الْإِیضَاحِ قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ یَبْقَی بَعْدَ ذَهَابِ الْحَوَاسِّ قَالَ نَعَمْ وَ لَكِنْ یَبْقَی بِغَیْرِ دَلِیلٍ عَلَی الْأَشْیَاءِ الَّتِی تَدُلُّ عَلَیْهَا الْحَوَاسُّ قُلْتُ أَ فَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الطِّفْلَ تَضَعُهُ أُمُّهُ مُضْغَةً لَیْسَ تَدُلُّهُ الْحَوَاسُّ عَلَی شَیْءٍ یُسْمَعُ وَ لاَ یُبْصَرُ وَ لاَ یُذَاقُ وَ لاَ یُلْمَسُ وَ لاَ یُشَمُّ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَأَیَّةُ الْحَوَاسِّ دَلَّتْهُ عَلَی طَلَبِ اللَّبَنِ إِذَا جَاعَ وَ الضَّحِكِ بَعْدَ الْبُكَاءِ إِذَا رَوِیَ مِنَ اللَّبَنِ وَ أَیُّ حَوَاسِّ سِبَاعِ الطَّیْرِ وَ لاَقِطِ الْحَبِّ مِنْهَا دَلَّهَا عَلَی أَنْ تُلْقِیَ بَیْنَ أَفْرَاخِهَا اللَّحْمَ وَ الْحَبَّ فَتَهْوَی سِبَاعُهَا إِلَی اللَّحْمِ وَ الْآخَرُونَ إِلَی الْحَبِّ وَ أَخْبِرْنِی عَنْ فِرَاخِ طَیْرِ الْمَاءِ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فِرَاخَ طَیْرِ الْمَاءِ إِذَا طُرِحَتْ فِیهِ سَبَحَتْ وَ إِذَا طُرِحَتْ فِیهِ فِرَاخُ طَیْرِ الْبَرِّ غَرِقَتْ وَ الْحَوَاسُّ وَاحِدَةٌ فَكَیْفَ انْتَفَعَ بِالْحَوَاسِّ طَیْرُ الْمَاءِ وَ أَعَانَتْهُ عَلَی السِّبَاحَةِ وَ لَمْ تَنْتَفِعْ طَیْرُ الْبَرِّ فِی الْمَاءِ بِحَوَاسِّهَا وَ مَا بَالُ طَیْرِ الْبَرِّ إِذَا غَمَسْتَهَا فِی الْمَاءِ سَاعَةً مَاتَتْ وَ إِذَا أَمْسَكْتَ طَیْرَ الْمَاءِ عَنِ الْمَاءِ سَاعَةً مَاتَتْ فَلاَ أَرَی الْحَوَاسَّ فِی هَذَا إِلاَّ مُنْكَسِراً عَلَیْكَ وَ لاَ یَنْبَغِی ذَلِكَ أَنْ یَكُونَ إِلاَّ مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِیمٍ جَعَلَ لِلْمَاءِ خَلْقاً وَ لِلْبَرِّ خَلْقاً أَمْ أَخْبِرْنِی مَا بَالُ الذَّرَّةِ الَّتِی لاَ تُعَایِنُ الْمَاءَ قَطُّ تُطْرَحُ فِی الْمَاءِ فَتَسْبَحُ وَ تَلْقَی الْإِنْسَانَ ابْنَ خَمْسِینَ سَنَةً مِنْ أَقْوَی الرِّجَالِ وَ أَعْقَلِهِمْ لَمْ یَتَعَلَّمِ السِّبَاحَةَ فَیَغْرَقُ كَیْفَ لَمْ یَدُلَّهُ عَقْلُهُ وَ لُبُّهُ وَ تَجَارِبُهُ وَ بَصَرُهُ بِالْأَشْیَاءِ مَعَ اجْتِمَاعِ حَوَاسِّهِ وَ صِحَّتِهَا أَنْ یُدْرِكَ ذَلِكَ بِحَوَاسِّهِ كَمَا أَدْرَكَتْهُ الذَّرَّةُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِنَّمَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْقَلْبَ الَّذِی هُوَ مَعْدِنُ الْعَقْلِ فِی الصَّبِیِّ الَّذِی وَصَفْتُ وَ غَیْرِهِ مِمَّا سَمِعْتَ مِنَ الْحَیَوَانِ

ص:161

هُوَ الَّذِی یُهَیِّجُ الصَّبِیَّ إِلَی طَلَبِ الرَّضَاعِ وَ الطَّیْرَ اللاَّقِطَ عَلَی لَقْطِ الْحَبِّ وَ السِّبَاعَ عَلَی ابْتِلاَعِ اللَّحْمِ قَالَ لَسْتُ أَجِدُ الْقَلْبَ یَعْلَمُ شَیْئاً إِلاَّ بِالْحَوَاسِّ قُلْتُ أَمَّا إِذْ أَبَیْتَ إِلاَّ النُّزُوعَ إِلَی الْحَوَاسِّ فَإِنَّا لَنَقْبَلُ نُزُوعَكَ إِلَیْهَا بَعْدَ رَفْضِكَ لَهَا وَ نُجِیبُكَ فِی الْحَوَاسِّ حَتَّی یَتَقَرَّرَ عِنْدَكَ أَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْیَاءِ إِلاَّ الظَّاهِرَ مِمَّا هُوَ دُونَ الرَّبِّ الْأَعْلَی سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی فَأَمَّا مَا یَخْفَی وَ لاَ یَظْهَرُ فَلَیْسَتْ تَعْرِفُهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ خَالِقَ الْحَوَاسِّ جَعَلَ لَهَا قَلْباً احْتَجَّ بِهِ عَلَی الْعِبَادِ وَ جَعَلَ لِلْحَوَاسِّ الدَّلاَلاَتِ عَلَی الظَّاهِرِ الَّذِی یُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَی الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فَنَظَرَتِ الْعَیْنُ إِلَی خَلْقٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَدَلَّتِ الْقَلْبَ عَلَی مَا عَایَنَتْ وَ تَفَكَّرَ الْقَلْبُ حِینَ دَلَّتْهُ الْعَیْنُ عَلَی مَا عَایَنَتْ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ وَ ارْتِفَاعِهَا فِی الْهَوَاءِ بِغَیْرِ عَمَدٍ یُرَی وَ لاَ دَعَائِمَ تُمْسِكُهَا لاَ تُؤَخَّرُ مَرَّةً فَتَنْكَشِطَ وَ لاَ تُقَدَّمُ أُخْرَی فَتَزُولَ وَ لاَ تَهْبِطُ مَرَّةً فَتَدْنُوَ وَ لاَ تَرْتَفِعُ أُخْرَی فَتَنْأَی (1)لاَ تَتَغَیَّرُ لِطُولِ الْأَمَدِ وَ لاَ تَخْلُقُ (2)لاِخْتِلاَفِ اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامِ وَ لاَ تَتَدَاعَی مِنْهَا نَاحِیَةٌ وَ لاَ یَنْهَارُ مِنْهَا طَرَفٌ مَعَ مَا عَایَنَتْ مِنَ النُّجُومِ الْجَارِیَةِ السَّبْعَةِ الْمُخْتَلِفَةِ بِمَسِیرِهَا لِدَوَرَانِ الْفَلَكِ وَ تَنَقُّلِهَا فِی الْبُرُوجِ یَوْماً بَعْدَ یَوْمٍ وَ شَهْراً بَعْدَ شَهْرٍ وَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ مِنْهَا السَّرِیعُ وَ مِنْهَا الْبَطِیءُ وَ مِنْهَا الْمُعْتَدِلُ السَّیْرِ ثُمَّ رُجُوعُهَا وَ اسْتِقَامَتُهَا وَ أَخْذُهَا عَرْضاً وَ طُولاً وَ خُنُوسُهَا عِنْدَ الشَّمْسِ وَ هِیَ مُشْرِقَةٌ وَ ظُهُورُهَا إِذَا غَرَبَتْ وَ جَرَی الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ فِی الْبُرُوجِ دَائِبَیْنِ لاَ یَتَغَیَّرَانِ فِی أَزْمِنَتِهِمَا وَ أَوْقَاتِهِمَا یَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ یَعْرِفُ بِحِسَابٍ مَوْضُوعٍ وَ أَمْرٍ مَعْلُومٍ بِحِكْمَةٍ یَعْرِفُ ذَوُو الْأَلْبَابِ أَنَّهَا لَیْسَتْ مِنْ حِكْمَةِ الْإِنْسِ وَ لاَ تَفْتِیشِ الْأَوْهَامِ وَ لاَ تَقْلِیبِ التَّفَكُّرِ فَعَرَفَ الْقَلْبُ حِینَ دَلَّتْهُ الْعَیْنُ عَلَی مَا عَایَنَتْ أَنَّ لِذَلِكَ الْخَلْقِ وَ التَّدْبِیرِ وَ الْأَمْرِ الْعَجِیبِ صَانِعاً یُمْسِكُ السَّمَاءَ الْمُنْطَبِقَةَ أَنْ تَهْوِیَ إِلَی الْأَرْضِ وَ أَنَّ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ وَ النُّجُومَ فِیهَا خَالِقُ السَّمَاءِ ثُمَّ نَظَرَتِ الْعَیْنُ إِلَی مَا اسْتَقَلَّهَا مِنَ الْأَرْضِ فَدَلَّتِ الْقَلْبَ عَلَی مَا عَایَنَتْ فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِعَقْلِهِ أَنَّ مُمْسِكَ الْأَرْضِ الْمُمْتَدَّةِ (3)أَنْ تَزُولَ أَوْ تَهْوِیَ فِی الْهَوَاءِ وَ هُوَ یَرَی الرِّیشَةَ یُرْمَی بِهَا فَتَسْقُطُ مَكَانَهَا وَ هِیَ فِی الْخِفَّةِ عَلَی

ص:162


1- أی فتبعد.و فی نسخة:فتنأی فلا تری.
2- أی لا تبلی و لا ترث.
3- و فی نسخة:أن ممسك الأرض الممهدة.

مَا هِیَ عَلَیْهِ هُوَ الَّذِی یُمْسِكُ السَّمَاءَ الَّتِی فَوْقَهَا وَ أَنَّهُ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَخَسَفَتْ بِمَا عَلَیْهَا مِنْ ثِقْلِهَا وَ ثِقْلِ الْجِبَالِ وَ الْأَنَامِ وَ الْأَشْجَارِ وَ الْبُحُورِ وَ الرِّمَالِ فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِدَلاَلَةِ الْعَیْنِ أَنَّ مُدَبِّرَ الْأَرْضِ هُوَ مُدَبِّرُ السَّمَاءِ ثُمَّ سَمِعَتِ الْأُذُنُ صَوْتَ الرِّیَاحِ الشَّدِیدَةِ الْعَاصِفَةِ وَ اللَّیِّنَةِ الطَّیِّبَةِ وَ عَایَنَتِ الْعَیْنُ مَا یُقْلَعُ مِنْ عِظَامِ الشَّجَرِ وَ یُهْدَمُ مِنْ وَثِیقِ الْبُنْیَانِ وَ تُسْفِی (1)مِنْ ثِقَالِ الرِّمَالِ تُخَلِّی مِنْهَا نَاحِیَةً وَ تَصُبُّهَا فِی أُخْرَی بِلاَ سَائِقٍ تُبْصِرُهُ الْعَیْنُ وَ لاَ تَسْمَعُهُ الْأُذُنُ وَ لاَ یُدْرَكُ بِشَیْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ وَ لَیْسَتْ مُجَسَّدَةً تُلْمَسُ وَ لاَ مَحْدُودَةً تُعَایَنُ فَلَمْ تَزِدِ الْعَیْنُ وَ الْأُذُنُ وَ سَائِرُ الْحَوَاسِّ عَلَی أَنْ دَلَّتِ الْقَلْبَ أَنَّ لَهَا صَانِعاً وَ ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ یُفَكِّرُ بِالْعَقْلِ الَّذِی فِیهِ فَیَعْرِفُ أَنَّ الرِّیحَ لَمْ تَتَحَرَّكْ مِنْ تِلْقَائِهَا وَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هِیَ الْمُتَحَرِّكَةَ لَمْ تَكْفُفْ عَنِ التَّحَرُّكِ وَ لَمْ تَهْدِمْ طَائِفَةً وَ تُعْفِی أُخْرَی (2)وَ لَمْ تَقْلَعْ شَجَرَةً وَ تَدَعُ أُخْرَی إِلَی جَنْبِهَا وَ لَمْ تَصُبَّ أَرْضاً وَ تَنْصَرِفُ عَنْ أُخْرَی فَلَمَّا تَفَكَّرَ الْقَلْبُ فِی أَمْرِ الرِّیحِ عَلِمَ أَنَّ لَهَا مُحَرِّكاً هُوَ الَّذِی یَسُوقُهَا حَیْثُ یَشَاءُ وَ یُسَكِّنُهَا إِذَا شَاءَ وَ یُصِیبُ بِهَا مَنْ یَشَاءُ وَ یَصْرِفُهَا عَمَّنْ یَشَاءُ فَلَمَّا نَظَرَ الْقَلْبُ إِلَی ذَلِكَ وَجَدَهَا مُتَّصِلَةً بِالسَّمَاءِ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْآیَاتِ فَعَرَفَ أَنَّ الْمُدَبِّرَ الْقَادِرَ عَلَی أَنْ یُمْسِكَ الْأَرْضَ وَ السَّمَاءَ هُوَ خَالِقُ الرِّیحِ وَ مُحَرِّكُهَا إِذَا شَاءَ وَ مُمْسِكُهَا كَیْفَ شَاءَ وَ مُسَلِّطُهَا عَلَی مَنْ یَشَاءُ وَ كَذَلِكَ دَلَّتِ الْعَیْنُ وَ الْأُذُنُ الْقَلْبَ عَلَی هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ وَ عَرَفَ ذَلِكَ بِغَیْرِهِمَا مِنْ حَوَاسِّهِ حِینَ حَرَّكَتْهُ فَلَمَّا دَلَّ الْحَوَاسُّ عَلَی تَحْرِیكِ هَذَا الْخَلْقِ الْعَظِیمِ مِنَ الْأَرْضِ فِی غِلَظِهَا وَ ثِقْلِهَا وَ طُولِهَا وَ عَرْضِهَا وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ ثِقْلِ الْجِبَالِ وَ الْمِیَاهِ وَ الْأَنَامِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ وَ إِنَّمَا تَتَحَرَّكُ فِی نَاحِیَةٍ وَ لَمْ تَتَحَرَّكْ فِی نَاحِیَةٍ أُخْرَی (3)وَ هِیَ مُلْتَحِمَةٌ جَسَداً وَاحِداً وَ خَلْقاً مُتَّصِلاً بِلاَ فَصْلٍ وَ لاَ وَصْلٍ تَهْدِمُ نَاحِیَةً وَ تَخْسِفُ بِهَا وَ تُسَلِّمُ أُخْرَی فَعِنْدَهَا عَرَفَ الْقَلْبُ أَنَّ مُحَرِّكَ مَا حُرِّكَ مِنْهَا هُوَ مُمْسِكُ مَا أُمْسِكَ مِنْهَا وَ هُوَ مُحَرِّكُ الرِّیحِ وَ مُمْسِكُهَا وَ هُوَ مُدَبِّرُ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَیْنَهُمَا وَ أَنَّ الْأَرْضَ لَوْ كَانَتْ هِیَ الْمُزَلْزِلَةَ لِنَفْسِهَا لَمَا تَزَلْزَلَتْ وَ لَمَا تَحَرَّكَتْ وَ لَكِنَّهُ الَّذِی دَبَّرَهَا وَ خَلَقَهَا حَرَّكَ مِنْهَا مَا شَاءَ ثُمَّ نَظَرَتِ الْعَیْنُ إِلَی الْعَظِیمِ مِنَ الْآیَاتِ مِنَ السَّحَابِ

ص:163


1- سفت و أسفت الریح التراب:ذرته أو حملته.
2- عفت الریح المنزل:درسته و محته.و یمكن أن یكون من أعفی إعفاء أی تركه.
3- و فی نسخة:و إنها تحرك ناحیة و تمسك عن اخری.

الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الدُّخَانِ لاَ جَسَدَ لَهُ یُلْمَسُ بِشَیْءٍ مِنَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ یَتَخَلَّلُ الشَّجَرَةَ فَلاَ یُحَرِّكُ مِنْهَا شَیْئاً وَ لاَ یَهْصِرُ مِنْهَا غُصْناً وَ لاَ یَعْلَقُ مِنْهَا بِشَیْءٍ یَعْتَرِضُ الرُّكْبَانُ فَیَحُولُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ ظُلْمَتِهِ وَ كَثَافَتِهِ وَ یَحْتَمِلُ مِنْ ثِقْلِ الْمَاءِ وَ كَثْرَتِهِ مَا لاَ یُقْدَرُ عَلَی صِفَتِهِ مَعَ مَا فِیهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ الصَّادِعَةِ وَ الْبُرُوقِ اللاَّمِعَةِ وَ الرَّعْدِ وَ الثَّلْجِ وَ الْبَرَدِ وَ الْجَلِیدِ مَا لاَ تَبْلُغُ الْأَوْهَامُ صِفَتَهُ وَ لاَ تَهْتَدِی الْقُلُوبُ إِلَی كُنْهِ عَجَائِبِهِ فَیَخْرُجُ مُسْتَقِلاًّ فِی الْهَوَاءِ یَجْتَمِعُ بَعْدَ تَفَرُّقِهِ (1)وَ یَلْتَحِمُ بَعْدَ تَزَایُلِهِ تُفَرِّقُهُ الرِّیَاحُ (2)مِنَ الْجِهَاتِ كُلِّهَا إِلَی حَیْثُ تَسُوقُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ رَبِّهَا یَسْفُلُ مَرَّةً وَ یَعْلُو أُخْرَی مُتَمَسِّكٌ بِمَا فِیهِ مِنَ الْمَاءِ الْكَثِیرِ الَّذِی إِذَا أَزْجَاهُ (3)صَارَتْ مِنْهُ الْبُحُورُ یَمُرُّ عَلَی الْأَرَاضِی الْكَثِیرَةِ وَ الْبُلْدَانِ الْمُتَنَائِیَةِ لاَ تَنْقُصُ مِنْهُ نُقْطَةٌ (4)حَتَّی یَنْتَهِیَ إِلَی مَا لاَ یُحْصَی مِنَ الْفَرَاسِخِ فَیُرْسِلَ مَا فِیهِ قَطْرَةً بَعْدَ قَطْرَةٍ وَ سَیْلاً بَعْدَ سَیْلٍ مُتَتَابِعٌ عَلَی رِسْلِهِ حَتَّی یَنْقَعَ الْبِرَكُ (5)وَ تَمْتَلِئَ الْفِجَاجُ وَ تَعْتَلِیَ الْأَوْدِیَةُ بِالسُّیُولِ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ غَاصَّةً بِسُیُولِهَا مُصَمَّخَةَ الْآذَانِ لِدَوِیِّهَا وَ هَدِیرِهَا (6)فَتُحْیَا بِهَا الْأَرْضُ الْمَیْتَةُ فَتُصْبِحُ مُخْضَرَّةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُغْبَرَّةً وَ مُعْشِبَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُجْدِبَةً قَدْ كُسِیَتْ أَلْوَاناً مِنْ نَبَاتٍ عُشْبٍ نَاضِرَةٍ زَاهِرَةٍ مُزَیَّنَةٍ مَعَاشاً لِلنَّاسِ وَ الْأَنْعَامِ فَإِذَا أَفْرَغَ الْغَمَامُ مَاءَهُ أَقْلَعَ وَ تَفَرَّقَ وَ ذَهَبَ حَیْثُ لاَ یُعَایَنُ وَ لاَ یُدْرَی أَیْنَ تَوَارَی فَأَدَّتِ الْعَیْنُ ذَلِكَ إِلَی الْقَلْبِ فَعَرَفَ الْقَلْبُ أَنَّ ذَلِكَ السَّحَابَ لَوْ كَانَ بِغَیْرِ مُدَبِّرٍ وَ كَانَ مَا وَصَفْتُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مَا احْتَمَلَ نِصْفَ ذَلِكَ مِنَ الثِّقْلِ مِنَ الْمَاءِ وَ إِنْ كَانَ هُوَ الَّذِی یُرْسِلُهُ لِمَا احْتَمَلَهُ أَلْفَیْ فَرْسَخٍ أَوْ أَكْثَرَ وَ لَأَرْسَلَهُ فِیمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ وَ لَمَا أَرْسَلَهُ قَطْرَةً بَعْدَ قَطْرَةٍ بَلْ كَانَ یُرْسِلُهُ إِرْسَالاً فَكَانَ یَهْدِمُ الْبُنْیَانَ وَ یُفْسِدُ النَّبَاتَ وَ لَمَا جَازَ إِلَی بَلَدٍ وَ

ص:164


1- و فی نسخة:ینفجر بعد تمسكه.
2- و فی نسخة:تصفقه الریاح.
3- ازجاه أی دفعه برفق.
4- و فی نسخة:لا تقطر منه قطرة.
5- بكسر الباء و فتح الراء جمع بركة:مستنقع الماء،الحوض.
6- و فی نسخة:و مصممة الاذان لدویها و هدیرها.

تَرَكَ آخَرَ دُونَهُ فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِأَعْلاَمِ الْمُنِیرَةِ الْوَاضِحَةِ أَنَّ مُدَبِّرَ الْأُمُورِ وَاحِدٌ وَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَیْنِ أَوْ ثَلاَثَةً لَكَانَ فِی طُولِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَ الْأَبَدِ وَ الدَّهْرِ اخْتِلاَفٌ فِی التَّدْبِیرِ وَ تَنَاقُضٌ فِی الْأُمُورِ وَ لَتَأَخَّرَ بَعْضٌ وَ تَقَدَّمَ بَعْضٌ وَ لَكَانَ تَسَفَّلَ بَعْضُ مَا قَدْ عَلاَ وَ لَعَلاَ بَعْضُ مَا قَدْ سَفَلَ وَ لَطَلَعَ شَیْءٌ وَ غَابَ فَتَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ أَوْ تَقَدَّمَ مَا قَبْلَهُ فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِذَلِكَ أَنَّ مُدَبِّرَ الْأَشْیَاءِ مَا غَابَ مِنْهَا وَ مَا ظَهَرَ هُوَ اللَّهُ الْأَوَّلُ خَالِقُ السَّمَاءِ وَ مُمْسِكُهَا وَ فَارِشُ الْأَرْضِ وَ دَاحِیهَا وَ صَانِعُ مَا بَیْنَ ذَلِكَ مِمَّا عَدَدْنَا وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ یُحْصَ وَ كَذَلِكَ عَایَنَتِ الْعَیْنُ اخْتِلاَفَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ دَائِبَیْنِ جَدِیدَیْنِ لاَ یَبْلَیَانِ فِی طُولِ كَرِّهِمَا وَ لاَ یَتَغَیَّرَانِ لِكَثْرَةِ اخْتِلاَفِهِمَا وَ لاَ یَنْقُصَانِ عَنْ حَالِهِمَا النَّهَارُ فِی نُورِهِ وَ ضِیَائِهِ وَ اللَّیْلُ فِی سَوَادِهِ وَ ظُلْمَتِهِ یَلِجُ أَحَدُهَمَا فِی الْآخَرِ حَتَّی یَنْتَهِیَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَی غَایَةٍ مَحْدُودَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِی الطُّولِ وَ الْقِصَرِ عَلَی مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَ مَجْرًی وَاحِدٍ مَعَ سُكُونِ مَنْ یَسْكُنُ فِی اللَّیْلِ وَ انْتِشَارِ مَنْ یَنْتَشِرُ فِی اللَّیْلِ وَ انْتِشَارِ مَنْ یَنْتَشِرُ فِی النَّهَارِ وَ سُكُونِ مَنْ یَسْكُنُ فِی النَّهَارِ ثُمَّ الْحَرُّ وَ الْبَرْدُ وَ حُلُولُ أَحَدِهِمَا بِعَقِبِ الْآخَرِ حَتَّی یَكُونَ الْحَرُّ بَرْداً وَ الْبَرُّ حَرّاً فِی وَقْتِهِ وَ إِبَّانِهِ فَكُلُّ هَذَا مِمَّا یَسْتَدِلُّ بِهِ الْقَلْبُ عَلَی الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِعَقْلِهِ أَنَّ مُدَبِّرَ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ هُوَ الْوَاحِدُ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ الَّذِی لَمْ یَزَلْ وَ لاَ یَزَالُ وَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبْحَانَهُ لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ لَفَسَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَی صَاحِبِهِ وَ كَذَلِكَ سَمِعَتِ الْأُذُنُ مَا أَنْزَلَ الْمُدَبِّرُ مِنَ الْكُتُبِ تَصْدِیقاً لِمَا أَدْرَكَتْهُ الْقُلُوبُ بِعُقُولِهَا وَ تَوْفِیقِ اللَّهِ إِیَّاهَا وَ مَا قَالَهُ مَنْ عَرَفَهُ كُنْهَ مَعْرِفَتِهِ بِلاَ وَلَدٍ وَ لاَ صَاحِبَةٍ وَ لاَ شَرِیكٍ فَأَدَّتِ الْأُذُنُ مَا سَمِعَتْ مِنَ اللِّسَانِ بِمَقَالَةِ الْأَنْبِیَاءِ إِلَی الْقَلْبِ .

شرح: قوله علیه السلام: ربما ذهب الحواسّ إما بالنوم كما سیأتی أو بآفة فإن العقل لا محالة یدلّه علی أن یشیر إلی بعض ما یصلحه و یطلب ما یقیمه بأی وجه كان علی أن ذهاب الحواسّ الخمس لا ینافی بقاء النطق قوله علیه السلام: إلا النزوع إلی الحواسّ أی الاشتیاق إلیها و الحاصل أنا نوافقك و نستدلّ لك بما تدلّ علیه الحواسّ و إن كنت رفضتها و تركتها و سلمت فیما مضی كونها معزولة عن بعض الأشیاء فنقول إن حكم

ص:165

العقل بوجود الصانع إنما هو من جهة ما دلته الحواس علیه مما نشاهده من آثار صنعه تعالی قوله علیه السلام: فتنكشط الانكشاط الانكشاف و قوله تعالی: وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (1)أی قلعت كما یقلع السقف و لعل المراد بالتأخر تأخر ما یحاذی رءوسنا بحیث یری ما وراءه و بالتقدم أن یتحرك جمیعها حركة أینیة حتی یخرج من بینها و یحتمل أن یكون المراد فیهما معا أما الأول أو الثانی و یكون التعبیر عن أحدهما بالانكشاط و عن الآخر بالزوال لمحض تفنن العبارة و علی التقادیر المراد بالزوال الزوال عنا و عن محاذاتنا قوله علیه السلام: و لا یتداعی قال الجوهری تداعت الحیطان للخراب أی تهادمت و قال انهار أی انهدم قوله علیه السلام: ثم رجوعها إشارة إلی ما یعرض للمتحیرة من الرجعة و الاستقامة و الإقامة و قوله علیه السلام: و أخذها عرضا و طولا إشارة إلی كونها تارة عن جنوب المعدل و تارة عن شمالها و كون بعضها تارة عن جنوب منطقة البروج و تارة عن شمالها و إلی حركة المائل فی السفلیین و عرض الوراب و الانحراف و الاستواء فیهما (2)و إلی میل الذروة و الحضیض فی المتحیرة و خنوسها غیبتها و استتارها تحت شعاع الشمس قوله علیه السلام: المنطبقة أی المحیطة بجمیع الخلق و فی بعض النسخ المظلة و استقلها أی حملها و رفعها قوله علیه السلام: متصلة بالسماء أی داخلة فی ذلك النظام شبیهة بها فیه قوله علیه السلام: یلمس بشیء لعل المراد الاصطكاك الذی یحصل منه صوت و فی بعض النسخ كشیء و یحتمل أن یكون تصحیف یشبه بشیء و قال الفیروزآبادی الهصر الجذب و الإمالة و الكسر و الدفع و الإدناء و عطف شیء رطب كغصن و نحوه و كسره من غیر بینونة و قال الجلید ما یسقط علی الأرض من الندی فیجمد انتهی و قوله علیه السلام: أزجاه أی دفعه و الرسل بالكسر التأنی و الرفق و ینقع بالیاء علی المعلوم أو بالتاء علی المجهول و البرك كعنب جمع بركة و هی معروفة و الفجاج بالضم الطریق الواسع بین جبلین و بالكسر جمع الفج بمعناه و الاعتلاء الارتفاع و قوله علیه السلام: غاصة أی ممتلئة و المصمخة لعلها مشتقة من الصماخ أی

ص:166


1- التكویر:11.
2- فی نسخة:و عرض الوراب و الانحراف و الالتواء فیهما.

تؤدی الصماخ و الأظهر مصممة قوله علیه السلام: من نبات بالإضافة علی أن یكون مصدرا أو بالتنوین لیكون عشب بدل بعض له و الإقلاع عن الأمر الكف عنه و الكر الرجوع قوله علیه السلام: مع سكون من یسكن فی اللیل أی جعل فی معظم المعمورة طول كل منهما و قصره علی حد محدود لا یتجاوزه لئلا تفوت مصلحة كل منهما من السكون فی اللیل و الانتشار فی النهار و یحتمل أن یكون إشارة إلی أصل الحكمة فی حصول اللیل و النهار قوله علیه السلام: و انتشار من ینتشر فی اللیل كالخفاش و البعوضة و سائر ما ینتشر فی اللیل من الهوام و كالخائف و المسافر الذی تصلحه حركة اللیل قوله: إِذاً لَذَهَبَ أی لو كان معه آلهة كما یقولون لذهب كل إله منهم بما خلقه و استبد به و امتاز ملكه عن ملك الآخرین و وقع بینهم التجاذب و التغالب كما هو حال ملوك الدنیا إذ یستحیل كونهما واجبین كاملین و هذا شأن الناقص و یحتمل أن یكون الغرض نفی الآلهة الناقصة الممكنة التی جعلوها شریكا للواجب تعالی شأنه و سیأتی الكلام فیه فی باب التوحید و فی بعض النسخ هكذا و لعلا بعضهم علی بعض و لأفسد كل واحد منهم علی صاحبه و كذلك سمعت الأذن ما أنزل اللّٰه من كتبه علی ألسن أنبیائه تصدیقا لما أدركته العقول بتوفیق اللّٰه إیاها و عونه لها إذا أرادت ما عنده أنه الأول لا شبیه له و لا مثل له و لا ضد له و لا تحیط به العیون و لا تدركه الأوهام كیف هو لأنه لا كیف له و إنما الكیف للمكیف المخلوق المحدود المحدث غیر أنا نوقن أنه معروف بخلقه موجود بصنعه فتبارك اللّٰه و تعالی اسمه لا شریك له فعرف القلب بعقله أنه لو كان معه شریك كان ضعیفا ناقصا و لو كان ناقصا ما خلق الإنسان و لاختلفت التدابیر و انتقضت الأمور مع النقص الذی یوصف به الأرباب المتفردون و الشركاء المتعانتون قال قد أتیتنی.

متن: فَقَالَ قَدْ أَتَیْتَنِی مِنْ أَبْوَابٍ لَطِیفَةٍ بِمَا لَمْ یَأْتِنِی بِهِ أَحَدٌ غَیْرُكَ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ یَمْنَعُنِی مِنْ تَرْكِ مَا فِی یَدِی إِلاَّ الْإِیضَاحُ وَ الْحُجَّةُ الْقَوِیَّةُ بِمَا وَصَفْتَ لِی وَ فَسَّرْتَ قُلْتُ أَمَّا إِذَا حَجَبْتَ عَنِ الْجَوَابِ (1)وَ اخْتَلَفَ مِنْكَ الْمَقَالُ فَسَیَأْتِیكَ مِنَ الدَّلاَلَةِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ خَاصَّةً مَا یَسْتَبِینُ لَكَ أَنَّ الْحَوَاسَّ لاَ تَعْرِفُ شَیْئاً إِلاَّ بِالْقَلْبِ فَهَلْ رَأَیْتَ فِی الْمَنَامِ أَنَّكَ تَأْكُلُ

ص:167


1- فی نسخة:أما إذ حجبت عن الجواب.

وَ تَشْرَبُ حَتَّی وَصَلَتْ لَذَّةُ ذَلِكَ إِلَی قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ رَأَیْتَ أَنَّكَ تَضْحَكُ وَ تَبْكِی وَ تَجُولُ فِی الْبُلْدَانِ الَّتِی لَمْ تَرَهَا وَ الَّتِی قَدْ رَأَیْتَهَا حَتَّی تَعْلَمَ مَعَالِمَ مَا رَأَیْتَ مِنْهَا قَالَ نَعَمْ مَا لاَ أُحْصِی قُلْتُ هَلْ رَأَیْتَ أَحَداً مِنْ أَقَارِبِكَ مِنْ أَخٍ أَوْ أَبٍ أَوْ ذِی رَحِمٍ قَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّی تَعْلَمَهُ وَ تَعْرِفَهُ كَمَعْرِفَتِكَ إِیَّاهُ قَبْلَ أَنْ یَمُوتَ قَالَ أَكْثَرَ مِنَ الْكَثِیرِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی أَیُّ حَوَاسِّكَ أَدْرَكَ هَذِهِ الْأَشْیَاءَ فِی مَنَامِكَ حَتَّی دَلَّتْ قَلْبَكَ عَلَی مُعَایَنَةِ الْمَوْتَی وَ كَلاَمِهِمْ وَ أَكْلِ طَعَامِهِمْ وَ الْجَوَلاَنِ فِی الْبُلْدَانِ وَ الضَّحِكِ وَ الْبُكَاءِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ قَالَ مَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ لَكَ أَیُّ حَوَاسِّی أَدْرَكَ ذَلِكَ أَوْ شَیْئاً مِنْهُ وَ كَیْفَ تُدْرِكُ وَ هِیَ بِمَنْزِلَةِ الْمَیِّتِ لاَ تَسْمَعُ وَ لاَ تُبْصِرُ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی حَیْثُ اسْتَیْقَظْتَ أَ لَسْتَ قَدْ ذَكَرْتَ الَّذِی رَأَیْتَ فِی مَنَامِكَ تَحْفَظُهُ وَ تَقُصُّهُ بَعْدَ یَقَظَتِكَ عَلَی إِخْوَانِكَ لاَ تَنْسَی مِنْهُ حَرْفاً قَالَ إِنَّهُ كَمَا تَقُولُ وَ رُبَّمَا رَأَیْتُ الشَّیْءَ فِی مَنَامِی ثُمَّ لاَ أُمْسِی حَتَّی أَرَاهُ فِی یَقَظَتِی كَمَا رَأَیْتُهُ فِی مَنَامِی قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی أَیُّ حَوَاسِّكَ قَرَّرَتْ عِلْمَ ذَلِكَ فِی قَلْبِكَ حَتَّی ذَكَرْتَهُ بَعْدَ مَا اسْتَیْقَظْتَ قَالَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا دَخَلَتْ فِیهِ الْحَوَاسُّ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ تَعْلَمَ حَیْثُ بَطَلَتِ الْحَوَاسُّ فِی هَذَا أَنَّ الَّذِی عَایَنَ تِلْكَ الْأَشْیَاءَ وَ حَفِظَهَا فِی مَنَامِكَ قَلْبُكَ الَّذِی جَعَلَ اللَّهُ فِیهِ الْعَقْلَ الَّذِی احْتَجَّ بِهِ عَلَی الْعِبَادِ قَالَ إِنَّ الَّذِی رَأَیْتُ فِی مَنَامِی لَیْسَ بِشَیْءٍ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّرَابِ الَّذِی یُعَایِنُهُ صَاحِبُهُ وَ یَنْظُرُ إِلَیْهِ لاَ یَشُكُّ فِیهِ أَنَّهُ مَاءٌ فَإِذَا انْتَهَی إِلَی مَكَانِهِ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً فَمَا رَأَیْتُ فِی مَنَامِی فَبِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ قُلْتُ كَیْفَ شَبَّهْتَ السَّرَابَ بِمَا رَأَیْتَ فِی مَنَامِكَ مِنْ أَكْلِكَ الطَّعَامَ الْحُلْوَ وَ الْحَامِضَ وَ مَا رَأَیْتَ مِنَ الْفَرَحِ وَ الْحَزَنِ قَالَ لِأَنَّ السَّرَابَ حَیْثُ انْتَهَیْتُ إِلَی مَوْضِعِهِ صَارَ لاَ شَیْءَ وَ كَذَلِكَ صَارَ مَا رَأَیْتُ فِی مَنَامِی حِینَ انْتَبَهْتُ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی إِنْ أَتَیْتُكَ بِأَمْرٍ وَجَدْتَ لَذَّتَهُ فِی مَنَامِكَ وَ خَفَقَ لِذَلِكَ قَلْبُكَ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَی مَا وَصَفْتُ لَكَ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی هَلْ احْتَلَمْتَ قَطُّ حَتَّی قَضَیْتَ فِی امْرَأَةٍ نَهْمَتَكَ (1)عَرَفْتَهَا أَمْ لَمْ تَعْرِفْهَا قَالَ بَلَی مَا لاَ أُحْصِیهِ قُلْتُ أَ لَسْتَ وَجَدْتَ لِذَلِكَ لَذَّةً عَلَی قَدْرِ لَذَّتِكَ فِی یَقَظَتِكَ فَتَنْتَبِهَ وَ قَدْ أَنْزَلْتَ الشَّهْوَةَ حَتَّی تَخْرُجَ مِنْكَ بِقَدْرِ مَا تَخْرُجُ مِنْكَ فِی الْیَقَظَةِ هَذَا كَسْرٌ لِحُجَّتِكَ فِی السَّرَابِ قَالَ مَا یَرَی الْمُحْتَلِمُ فِی مَنَامِهِ شَیْئاً إِلاَّ مَا كَانَتْ

ص:168


1- قضی منه نهمته أی شهوته.

حَوَاسُّهُ دَلَّتْ عَلَیْهِ فِی الْیَقَظَةِ قُلْتُ مَا زِدْتَ عَلَی أَنْ قَوَّیْتَ مَقَالَتِی وَ زَعَمْتَ أَنَّ الْقَلْبَ یَعْقِلُ الْأَشْیَاءَ وَ یَعْرِفُهَا بَعْدَ ذَهَابِ الْحَوَاسِّ وَ مَوْتِهَا فَكَیْفَ أَنْكَرْتَ أَنَّ الْقَلْبَ یَعْرِفُ الْأَشْیَاءَ وَ هُوَ یَقْظَانُ مُجْتَمِعَةً لَهُ حَوَاسُّهُ وَ مَا الَّذِی عَرَّفَهُ إِیَّاهَا بَعْدَ مَوْتِ الْحَوَاسِّ وَ هُوَ لاَ یَسْمَعُ وَ لاَ یُبْصِرُ وَ لَكُنْتَ حَقِیقاً أَنْ لاَ تُنْكِرَ لَهُ الْمَعْرِفَةَ وَ حَوَاسُّهُ حَیَّةٌ مُجْتَمِعَةٌ إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّهُ یَنْظُرُ إِلَی الاِمْرَأَةِ بَعْدَ ذَهَابِ حَوَاسِّهِ حَتَّی نَكَحَهَا وَ أَصَابَ لَذَّتَهُ مِنْهَا فَیَنْبَغِی لِمَنْ یَعْقِلُ حَیْثُ وَصَفَ الْقَلْبَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَشْیَاءِ وَ الْحَوَاسُّ ذَاهِبَةٌ أَنْ یَعْرِفَ أَنَّ الْقَلْبَ مُدَبِّرُ الْحَوَاسِّ وَ مَالِكُهَا وَ رَائِسُهَا (1)وَ الْقَاضِی عَلَیْهَا فَإِنَّهُ مَا جَهِلَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَیْءٍ فَمَا یَجْهَلُ أَنَّ الْیَدَ لاَ تَقْدِرُ عَلَی الْعَیْنِ أَنْ تَقْلَعَهَا وَ لاَ عَلَی اللِّسَانِ أَنْ تَقْطَعَهُ وَ أَنَّهُ لَیْسَ یَقْدِرُ شَیْءٌ مِنَ الْحَوَاسِّ أَنْ یَفْعَلَ بِشَیْءٍ مِنَ الْجَسَدِ شَیْئاً بِغَیْرِ إِذْنِ الْقَلْبِ وَ دَلاَلَتِهِ وَ تَدْبِیرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی جَعَلَ الْقَلْبَ مُدَبِّراً لِلْجَسَدِ بِهِ یَسْمَعُ وَ بِهِ یُبْصِرُ وَ هُوَ الْقَاضِی وَ الْأَمِیرُ عَلَیْهِ وَ لاَ یَتَقَدَّمُ الْجَسَدُ إِنْ هُوَ تَأَخَّرَ وَ لاَ یَتَأَخَّرُ إِنْ هُوَ تَقَدَّمَ وَ بِهِ سَمِعَتِ الْحَوَاسُّ وَ أَبْصَرَتْ إِنْ أَمَرَهَا ائْتَمَرَتْ وَ إِنْ نَهَاهَا انْتَهَتْ وَ بِهِ یَنْزِلُ الْفَرَحُ وَ الْحَزَنُ وَ بِهِ یَنْزِلُ الْأَلَمُ إِنْ فَسَدَ شَیْءٌ مِنَ الْحَوَاسِّ بَقِیَ عَلَی حَالِهِ وَ إِنْ فَسَدَ الْقَلْبُ ذَهَبَ جَمِیعاً حَتَّی لاَ یَسْمَعُ وَ لاَ یُبْصِرُ قَالَ لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّكَ لاَ تَتَخَلَّصُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَ قَدْ جِئْتَ بِشَیْءٍ لاَ أَقْدِرُ عَلَی رَدِّهِ قُلْتُ وَ أَنَا أُعْطِیكَ تَصَادِیقَ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ وَ مَا رَأَیْتَ فِی مَنَامِكَ فِی مَجْلِسِكَ السَّاعَةَ قَالَ افْعَلْ فَإِنِّی قَدْ تَحَیَّرْتُ فِی هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ أَخْبِرْنِی هَلْ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ تَقْدِیرِ شَیْءٍ وَ تَأْمُرُ بِهِ إِذَا أَحْكَمْتَ تَقْدِیرَهُ فِی ظَنِّكَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ أَشْرَكْتَ قَلْبَكَ فِی ذَلِكَ الْفِكْرِ شَیْئاً مِنْ حَوَاسِّكَ قَالَ لاَ قُلْتُ أَ فَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ الَّذِی أَخْبَرَكَ بِهِ قَلْبُكَ حَقٌّ قَالَ الْیَقِینُ هُوَ فَزِدْنِی مَا یُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّی وَ یُزِیلُ الشُّبَهَ مِنْ قَلْبِی .

شرح: خفق القلب اضطرابه و النهمة بلوغ الهمّة فی الشیء و النهم بالتحریك إفراط الشهوة فی الطعام أقول قد عرفت أن القلب یطلق فی مصطلح الأخبار علی النفس الناطقة و لما كان السائل منكرا لإدراك ما سوی الحواسّ الظاهرة نبّهه علیه السلام علی خطائه بمدركات الحواسّ الباطنة التی هی آلات النفس.

ص:169


1- الرائس:الوالی،فی مقابلة المرءوس للمستولی علیه.

أَقُولُ: ذَكَرَ اَلسَّیِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِی كِتَابِ النُّجُومِ مِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ جُمْلَةً لَیْسَتْ فِیمَا عِنْدَنَا مِنَ النُّسَخِ فَلْنَذْكُرْهَا:

قُلْتُ أَخْبِرْنِی هَلْ یَعْرِفُ أَهْلُ بِلاَدِكَ عِلْمَ النُّجُومِ قَالَ إِنَّكَ لَغَافِلٌ عَنْ عِلْمِ أَهْلِ بِلاَدِی بِالنُّجُومِ قُلْتُ وَ مَا بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِمْ بِهَا فَقَالَ إِنَّا نُخْبِرُكَ عَنْ عِلْمِهِمْ بِخَصْلَتَیْنِ تَكْتَفِی بِهِمَا عَمَّا سِوَاهُمَا قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی وَ لاَ تُخْبِرْنِی إِلاَّ بِحَقٍّ قَالَ بِدِینِی لاَ أُخْبِرُكَ إِلاَّ بِحَقٍّ وَ بِمَا عَایَنْتُ قُلْتُ هَاتِ قَالَ أَمَّا إِحْدَی الْخَصْلَتَیْنِ فَإِنَّ مُلُوكَ الْهِنْدِ لاَ یَتَّخِذُونَ إِلاَّ الْخِصْیَانَ قُلْتُ وَ لِمَ ذَاكَ قَالَ لِأَنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مُنَجِّماً حَاسِباً فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَی بَابَ الْمَلِكِ فَقَاسَ الشَّمْسَ وَ حَسَبَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا یَحْدُثُ فِی یَوْمِهِ ذَلِكَ وَ مَا حَدَثَ فِی لَیْلَتِهِ الَّتِی كَانَ فِیهَا فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ قَارَفَتْ شَیْئاً یَكْرَهُهُ أَخْبَرَهُ فَقَالَ فُلاَنٌ قَارَفَ كَذَا وَ كَذَا مَعَ فُلاَنَةَ وَ یَحْدُثُ فِی هَذَا الْیَوْمِ كَذَا وَ كَذَا قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی عَنِ الْخَصْلَةِ الْأُخْرَی قَالَ قَوْمٌ بِالْهِنْدِ بِمَنْزِلَةِ الْخَنَّاقِینَ عِنْدَكُمْ یَقْتُلُونَ النَّاسَ بِلاَ سِلاَحٍ وَ لاَ خَنْقٍ وَ یَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ قُلْتُ وَ كَیْفَ یَكُونُ هَذَا قَالَ یَخْرُجُونَ مَعَ الرِّفْقَةِ وَ التُّجَّارِ بِقَدْرِ مَا فِیهَا مِنَ الرَّجَّالَةِ فَیَمْشُونَ مَعَهُمْ أَیَّاماً لَیْسَ مَعَهُمْ سِلاَحٌ وَ یُحَدِّثُونَ الرِّجَالَ وَ یَحْسُبُونَ حِسَابَ كُلِّ رَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ فَإِذَا عَرَفَ أَجْمَعُهُمْ مَوْضِعَ النَّفْسِ مِنْ صَاحِبِهِ وَكَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ الَّذِی حَسَبَ بِهِ فِی ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَیَقَعُ جَمِیعُ التُّجَّارِ مَوْتَی قُلْتُ إِنَّ هَذَا أَرْفَعُ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقّاً قَالَ أَحْلِفُ لَكَ بِدِینِی أَنَّهُ حَقٌّ وَ لَرُبَّمَا رَأَیْتُ بِبِلاَدِ اَلْهِنْدِ قَدْ أُخِذَ بَعْضُهُمْ وَ أُمِرَ بِقَتْلِهِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی كَیْفَ كَانَ هَذَا حَتَّی اطَّلَعُوا عَلَیْهِ قَالَ بِحِسَابِ النُّجُومِ قُلْتُ فَمَا سَمِعْتُ كَهَذَا عِلْماً قَطُّ وَ مَا أَشُكُّ أَنَّ وَاضِعَهُ الْحَكِیمُ الْعَلِیمُ فَأَخْبِرْنِی مَنْ وَضَعَ هَذَا الْعِلْمَ الدَّقِیقَ الَّذِی لاَ یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَ لاَ بِالْعُقُولِ وَ لاَ بِالْفِكْرِ قَالَ حِسَابُ النُّجُومِ وَضَعَتْهُ الْحُكَمَاءُ وَ تَوَارَثَهُ النَّاسُ (1).

ص:170


1- إلی هنا انتهی ما یختص به كتاب النجوم،و یشترك سائر النسخ من قوله:فاذا سألت الرجل منهم....

متن: قُلْتُ أَخْبِرْنِی هَلْ یَعْلَمُ أَهْلُ بِلاَدِكَ عِلْمَ النُّجُومِ قَالَ إِنَّكَ لَغَافِلٌ عَنْ عِلْمِ أَهْلِ بِلاَدِی بِالنُّجُومِ فَلَیْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ قُلْتُ أَخْبِرْنِی كَیْفَ وَقَعَ عِلْمُهُمْ بِالنُّجُومِ وَ هِیَ مِمَّا لاَ یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَ لاَ بِالْفِكْرِ قَالَ حِسَابٌ وَضَعَتْهُ الْحُكَمَاءُ وَ تَوَارَثَتْهُ النَّاسُ فَإِذَا سَأَلْتَ الرَّجُلَ مِنْهُمْ عَنْ شَیْءٍ قَاسَ الشَّمْسَ وَ نَظَرَ فِی مَنَازِلِ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ مَا لِلطَّالِعِ مِنَ النُّحُوسِ وَ مَا لِلْبَاطِنِ مِنَ السُّعُودِ ثُمَّ یَحْسُبُ وَ لاَ یُخْطِئُ وَ یُحْمَلُ إِلَیْهِ الْمَوْلُودُ فَیَحْسُبُ لَهُ وَ یُخْبِرُ بِكُلِّ عَلاَمَةٍ فِیهِ بِغَیْرِ مُعَایَنَةٍ وَ مَا هُوَ مُصِیبُهُ إِلَی یَوْمِ یَمُوتُ قُلْتُ كَیْفَ دَخَلَ الْحِسَابُ فِی مَوَالِیدِ النَّاسِ قَالَ لِأَنَّ جَمِیعَ النَّاسِ إِنَّمَا یُولَدُونَ بِهَذِهِ النُّجُومِ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ یَسْتَقِمْ هَذَا الْحِسَابُ فَمِنْ ثَمَّ لاَ یُخْطِئُ إِذَا عَلِمَ السَّاعَةَ وَ الْیَوْمَ وَ الشَّهْرَ وَ السَّنَةَ الَّتِی یُولَدُ فِیهَا الْمَوْلُودُ قُلْتُ لَقَدْ تَوَصَّفْتَ عِلْماً عَجِیباً (1)لَیْسَ فِی عِلْمِ الدُّنْیَا أَدَقُّ مِنْهُ وَ لاَ أَعْظَمُ إِنْ كَانَ حَقّاً كَمَا ذَكَرْتَ یُعْرَفُ بِهِ الْمَوْلُودُ الصَّبِیُّ وَ مَا فِیهِ مِنَ الْعَلاَمَاتِ وَ مُنْتَهَی أَجَلِهِ وَ مَا یُصِیبُهُ فِی حَیَاتِهِ أَ وَ لَیْسَ هَذَا حِسَاباً تُولَدُ بِهِ جَمِیعُ أَهْلِ الدُّنْیَا مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ قَالَ لاَ أَشُكُّ فِیهِ قُلْتُ فَتَعَالَ نَنْظُرْ بِعُقُولِنَا كَیْفَ عَلِمَ النَّاسُ هَذَا الْعِلْمَ وَ هَلْ یَسْتَقِیمُ أَنْ یَكُونَ لِبَعْضِ النَّاسِ إِذَا كَانَ جَمِیعُ النَّاسِ یُولَدُونَ بِهَذِهِ النُّجُومِ وَ كَیْفَ عَرَفَهَا بِسُعُودِهَا وَ نُحُوسِهَا وَ سَاعَاتِهَا وَ أَوْقَاتِهَا وَ دَقَائِقِهَا وَ دَرَجَاتِهَا وَ بَطِیئِهَا وَ سَرِیعِهَا وَ مَوَاضِعِهَا مِنَ السَّمَاءِ وَ مَوَاضِعِهَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَ دَلاَلَتِهَا عَلَی غَامِضِ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ الَّتِی وَصَفْتَ فِی السَّمَاءِ وَ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْبُرُوجِ فِی السَّمَاءِ وَ بَعْضَهَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَ كَذَلِكَ النُّجُومُ السَّبْعَةُ مِنْهَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَ مِنْهَا فِی السَّمَاءِ فَمَا یَقْبَلُ عَقْلِی أَنَّ مَخْلُوقاً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ قَدَرَ عَلَی هَذَا قَالَ وَ مَا أَنْكَرْتَ مِنْ هَذَا قُلْتُ إِنَّكَ زَعَمْتَ أَنَّ جَمِیعَ أَهْلِ الْأَرْضِ إِنَّمَا یَتَوَالَدُونَ بِهَذِهِ النُّجُومِ فَأَرَی الْحَكِیمَ الَّذِی وَضَعَ هَذَا الْحِسَابَ بِزَعْمِكَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الدُّنْیَا وَ لاَ شَكَّ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَنَّهُ وُلِدَ بِبَعْضِ هَذِهِ النُّجُومِ وَ السَّاعَاتِ وَ الْحِسَابِ الَّذِی كَانَ قَبْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَكِیمَ لَمْ یُولَدْ بِهَذِهِ النُّجُومِ كَمَا وُلِدَ سَائِرُ النَّاسِ قَالَ وَ هَلْ هَذَا الْحَكِیمُ إِلاَّ كَسَائِرِ النَّاسِ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی أَنْ یَدُلَّكَ عَقْلُكَ عَلَی أَنَّهَا قَدْ خُلِقْتَ قَبْلَ هَذَا الْحَكِیمِ الَّذِی زَعَمْتَ أَنَّهُ وَضَعَ هَذَا الْحِسَابَ وَ قَدْ زَعَمْتَ أَنَّهُ وُلِدَ بِبَعْضِ هَذِهِ النُّجُومِ قَالَ بَلَی

ص:171


1- و فی نسخة:لقد وصفت علما عجیبا.

قُلْتُ فَكَیْفَ اهْتَدَی لِوَضْعِ هَذِهِ النُّجُومِ وَ هَلْ هَذَا الْعِلْمُ إِلاَّ مِنْ مُعَلِّمٍ كَانَ قَبْلَهُمَا وَ هُوَ الَّذِی أَسَّسَ هَذَا الْحِسَابَ الَّذِی زَعَمْتَ أَنَّهُ أَسَاسُ الْمَوْلُودِ وَ الْأَسَاسُ أَقْدَمُ مِنَ الْمَوْلُودِ وَ الْحَكِیمُ الَّذِی زَعَمْتَ أَنَّهُ وَضَعَ هَذَا إِنَّمَا یَتْبَعُ أَمْرَ مُعَلِّمٍ هُوَ أَقْدَمُ مِنْهُ وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَهُ مَوْلُوداً بِبَعْضِ هَذَا النُّجُومِ وَ هُوَ الَّذِی أَسَّسَ هَذِهِ الْبُرُوجَ الَّتِی وُلِدَ بِهَا غَیْرُهُ مِنَ النَّاسِ فَوَاضِعُ الْأَسَاسِ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ أَقْدَمَ مِنْهَا هَبْ أَنَّ هَذَا الْحَكِیمَ عُمِّرَ مُذْ كَانَتِ الدُّنْیَا عَشَرَةَ أَضْعَافٍ هَلْ كَانَ نَظَرُهُ فِی هَذِهِ النُّجُومِ إِلاَّ كَنَظَرِكَ إِلَیْهَا مُعَلَّقَةً فِی السَّمَاءِ أَ وَ تَرَاهُ كَانَ قَادِراً عَلَی الدُّنُوِّ مِنْهَا وَ هِیَ فِی السَّمَاءِ حَتَّی یَعْرِفَ مَنَازِلَهَا وَ مَجَارِیَهَا نُحُوسَهَا وَ سُعُودَهَا وَ دَقَائِقَهَا وَ بِأَیَّتِهَا تَكْسِفُ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ بِأَیَّتِهَا یُولَدُ كُلُّ مَوْلُودٍ وَ أَیُّهَا السَّعْدُ وَ أَیُّهَا النَّحْسُ وَ أَیُّهَا الْبَطِیءُ وَ أَیُّهَا السَّرِیعُ ثُمَّ یَعْرِفَ بَعْدَ ذَلِكَ سُعُودَ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَ نُحُوسَهَا وَ أَیُّهَا السَّعْدُ وَ أَیُّهَا النَّحْسُ وَ كَمْ سَاعَةٍ یَمْكُثُ كُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَ فِی أَیِّ سَاعَةٍ تَغِیبُ وَ أَیِّ سَاعَةٍ تَطْلُعُ وَ كَمْ سَاعَةً یَمْكُثُ طَالِعاً وَ فِی أَیِّ سَاعَةٍ تَغِیبُ وَ كَمِ اسْتَقَامَ لِرَجُلٍ حَكِیمٍ كَمَا زَعَمْتَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْیَا أَنْ یَعْلَمَ عِلْمَ السَّمَاءِ مِمَّا لاَ یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَ لاَ یَقَعُ عَلَیْهِ الْفِكْرُ وَ لاَ یَخْطُرُ عَلَی الْأَوْهَامِ وَ كَیْفَ اهْتَدَی أَنْ یَقِیسَ الشَّمْسَ حَتَّی یَعْرِفَ فِی أَیِّ بُرْجٍ وَ فِی أَیِّ بُرْجٍ الْقَمَرُ وَ فِی أَیِّ بُرْجٍ مِنَ السَّمَاءِ هَذِهِ السَّبْعَةُ السُّعُودُ وَ النُّحُوسُ وَ مَا الطَّالِعُ مِنْهَا وَ مَا الْبَاطِنُ وَ هِیَ مُعَلَّقَةٌ فِی السَّمَاءِ وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لاَ یَرَاهَا إِذَا تَوَارَتْ بِضَوْءِ الشَّمْسِ إِلاَّ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ هَذَا الْحَكِیمَ الَّذِی وَضَعَ هَذَا الْعِلْمَ قَدْ رَقِیَ إِلَی السَّمَاءِ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الْعَالِمَ لَمْ یَقْدِرْ عَلَی هَذَا الْعِلْمِ إِلاَّ بِمَنْ فِی السَّمَاءِ لِأَنَّ هَذَا لَیْسَ مِنْ عِلْمِ أَهْلِ الْأَرْضِ قَالَ مَا بَلَغَنِی أَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ رَقِیَ إِلَی السَّمَاءِ قُلْتُ فَلَعَلَّ هَذَا الْحَكِیمَ فَعَلَ ذَلِكَ وَ لَمْ یَبْلُغْكَ قَالَ وَ لَوْ بَلَغَنِی مَا كُنْتُ مُصَدِّقاً قُلْتُ فَأَنَا أَقُولُ قَوْلَكَ هَبْهُ رَقِیَ إِلَی السَّمَاءِ هَلْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ یَجْرِیَ مَعَ كُلِّ بُرْجٍ مِنْ هَذِهِ الْبُرُوجِ وَ نَجْمٍ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ مِنْ حَیْثُ یَطْلُعُ إِلَی حَیْثُ یَغِیبُ ثُمَّ یَعُودَ إِلَی الْآخَرِ حَتَّی یَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّی یَأْتِیَ عَلَی آخِرِهَا فَإِنَّ مِنْهَا مَا یَقْطَعُ السَّمَاءَ فِی ثَلاَثِینَ سَنَةً وَ مِنْهَا مَا یَقْطَعُ دُونَ ذَلِكَ وَ هَلْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ یَجُولَ فِی أَقْطَارِ السَّمَاءِ حَتَّی یَعْرِفَ مَطَالِعَ السُّعُودِ مِنْهَا وَ النُّحُوسِ

ص:172

وَ الْبَطِیءَ وَ السَّرِیعَ حَتَّی یُحْصِیَ ذَلِكَ أَوْ هَبْهُ قَدَرَ عَلَی ذَلِكَ حَتَّی فَرَغَ مِمَّا فِی السَّمَاءِ هَلْ كَانَ یَسْتَقِیمُ لَهُ حِسَابُ مَا فِی السَّمَاءِ حَتَّی یُحْكِمَ حِسَابَ مَا فِی الْأَرْضِ وَ مَا تَحْتَهَا وَ أَنْ یَعْرِفَ ذَلِكَ مِثْلَ مَا قَدْ عَایَنَ فِی السَّمَاءِ لِأَنَّ مَجَارِیَهَا تَحْتَ الْأَرْضِ عَلَی غَیْرِ مَجَارِیهَا فِی السَّمَاءِ فَلَمْ یَكُنْ یَقْدِرُ عَلَی إِحْكَامِ حِسَابِهَا وَ دَقَائِقِهَا وَ سَاعَاتِهَا إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ مَا غَابَ عَنْهُ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْهَا لِأَنَّهُ یَنْبَغِی أَنْ یَعْرِفَ أَیَّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّیْلِ یَطْلُعُ طَالِعُهَا وَ كَمْ یَمْكُثُ تَحْتَ الْأَرْضِ وَ أَیَّةَ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ یَغِیبُ غَائِبُهَا لِأَنَّهُ لاَ یُعَایِنُهَا وَ لاَ مَا طَلَعَ مِنْهَا وَ لاَ مَا غَابَ وَ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ یَكُونَ الْعَالِمُ بِهَا وَاحِداً وَ إِلاَّ لَمْ یَنْتَفِعْ بِالْحِسَابِ أَ لاَ تَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَكِیمَ قَدْ دَخَلَ فِی ظُلُمَاتِ الْأَرَضِینَ وَ الْبِحَارِ فَسَارَ مَعَ النُّجُومِ وَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ فِی مَجَارِیهَا عَلَی قَدْرِ مَا سَارَ فِی السَّمَاءِ حَتَّی عَلِمَ الْغَیْبَ مِنْهَا وَ عَلِمَ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ عَلَی قَدْرِ مَا عَایَنَ مِنْهَا فِی السَّمَاءِ قَالَ وَ هَلْ أَرَیْتَنِی أَجَبْتُكَ إِلَی أَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ رَقِیَ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَدَرَ عَلَی ذَلِكَ حَتَّی أَقُولَ إِنَّهُ دَخَلَ فِی ظُلُمَاتِ الْأَرَضِینَ وَ الْبُحُورِ قُلْتُ فَكَیْفَ وَقَعَ هَذَا الْعِلْمُ الَّذِی زَعَمْتَ أَنَّ الْحُكَمَاءَ مِنَ النَّاسِ وَضَعُوهُ وَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَوْلُودُونَ بِهِ وَ كَیْفَ عَرَفُوا ذَلِكَ الْحِسَابَ وَ هُوَ أَقْدَمُ مِنْهُمْ .

أقول: فی نسخة السید ابن طاوس هاهنا زیادة.

قَالَ أَ رَأَیْتَ إِنْ قُلْتُ لَكَ إِنَّ الْبُرُوجَ لَمْ تَزَلْ وَ هِیَ الَّتِی خَلَقَتْ أَنْفُسَهَا عَلَی هَذَا الْحِسَابِ مَا الَّذِی تَرُدُّ عَلَیَّ (1)قُلْتُ أَسْأَلُكَ كَیْفَ یَكُونُ بَعْضُهَا سَعْداً وَ بَعْضُهَا نَحْساً وَ بَعْضُهَا مُضِیئاً وَ بَعْضُهَا مُظْلِماً وَ بَعْضُهَا صَغِیراً وَ بَعْضُهَا كَبِیراً قَالَ كَذَلِكَ أَرَادَتْ أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ جَمِیلٌ وَ بَعْضَهُمْ قَبِیحٌ وَ بَعْضَهُمْ قَصِیرٌ وَ بَعْضَهُمْ طَوِیلٌ وَ بَعْضَهُمْ أَبْیَضُ وَ بَعْضَهُمْ أَسْوَدُ وَ بَعْضَهُمْ صَالِحٌ وَ بَعْضَهُمْ طَالِحٌ قُلْتُ فَالْعَجَبُ مِنْكَ إِنِّی أُرَاوِدُكَ مُنْذُ الْیَوْمِ عَلَی أَنْ تُقِرَّ بِصَانِعٍ فَلَمْ تُجِبْنِی إِلَی ذَلِكَ حَتَّی كَانَ الْآنَ أَقْرَرْتَ بِأَنَّ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازِیرَ خَلَقْنَ أَنْفُسَهُنَّ قَالَ لَقَدْ بَهَتَّنِی بِمَا لَمْ یَسْمَعِ النَّاسُ مِنِّی قُلْتُ أَ فَمُنْكِرٌ أَنْتَ لِذَلِكَ قَالَ

ص:173


1- فی نسخة:ما الذی یرد علی.

أَشَدَّ إِنْكَارٍ قُلْتُ فَمَنْ خَلَقَ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازِیرَ إِنْ كَانَ النَّاسُ وَ النُّجُومُ خَلَقْنَ أَنْفُسَهُنَّ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ تَقُولَ إِنَّهُنَّ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ أَوْ خَلَقْنَ أَنْفُسَهُنَّ أَ فَتَقُولُ إِنَّهَا مِنْ خَلْقِ النَّاسِ قَالَ لاَ قُلْتُ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ یَكُونَ لَهَا خَالِقٌ أَوْ هِیَ خَلَقَتْ أَنْفُسَهَا فَإِنْ قُلْتَ إِنَّهَا مِنْ خَلْقِ النَّاسِ أَقْرَرْتَ أَنَّ لَهَا خَالِقاً فَإِنْ قُلْتَ لاَ بُدَّ أَنْ یَكُونَ لَهَا خَالِقٌ فَقَدْ صَدَقْتَ وَ مَا أَعْرَفَنَا بِهِ وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّهُنَّ خَلَقْنَ أَنْفُسَهُنَّ فَقَدْ أَعْطَیْتَنِی فَوْقَ مَا طَلَبْتُ مِنْكَ مِنَ الْإِقْرَارِ بِصَانِعٍ ثُمَّ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی بَعْضُهُنَّ قَبْلَ بَعْضٍ خَلَقْنَ أَنْفُسَهُنَّ أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِی یَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنْ قُلْتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ بَعْضٍ فَأَخْبِرْنِی السَّمَاوَاتُ وَ مَا فِیهِنَّ وَ النُّجُومُ قَبْلَ الْأَرْضِ وَ الْإِنْسِ وَ الذَّرِّ خُلِقْنَ أَمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ الْأَرْضَ قَبْلُ أَ فَلاَ تَرَی قَوْلَكَ إِنَّ الْأَشْیَاءَ لَمْ تَزَلْ قَدْ بَطَلَ حَیْثُ كَانَتِ السَّمَاءُ بَعْدَ الْأَرْضِ قَالَ بَلَی وَ لَكِنْ أَقُولُ مَعاً جَمِیعاً خُلِقْنَ قُلْتُ أَ فَلاَ تَرَی أَنَّكَ قَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ شَیْئاً قَبْلَ أَنْ خُلِقْنَ وَ قَدْ أَذْهَبْتَ حُجَّتَكَ فِی الْأَزَلِیَّةِ قَالَ إِنِّی لَعَلَی حَدِّ وُقُوفٍ مَا أَدْرِی مَا أُجِیبُكَ فِیهِ لِأَنِّی أَعْلَمُ أَنَّ الصَّانِعَ إِنَّمَا سُمِّیَ صَانِعاً لِصِنَاعَتِهِ وَ الصِّنَاعَةُ غَیْرُ الصَّانِعِ وَ الصَّانِعُ غَیْرُ الصِّنَاعَةِ لِأَنَّهُ یُقَالُ لِلرَّجُلِ الْبَانِی لِصِنَاعَتِهِ الْبَنَّاءُ وَ الْبِنَاءُ غَیْرُ الْبَانِی وَ الْبَانِی غَیْرُ الْبِنَاءِ وَ كَذَلِكَ الْحَارِثُ غَیْرُ الْحَرْثِ وَ الْحَرْثُ غَیْرُ الْحَارِثِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِكَ إِنَّ النَّاسَ خَلَقُوا أَنْفُسَهُمْ فَبِكَمَالِهِمْ خَلَقُوهَا أَرْوَاحَهُمْ وَ أَجْسَادَهُمْ وَ صُوَرَهُمْ وَ أَنْفَاسَهُمْ أَمْ خَلَقَ بَعْضَ ذَلِكَ غَیْرُهُمْ قَالَ بِكَمَالِهِمْ لَمْ یَخْلُقْ ذَلِكَ وَ لاَ شَیْئاً مِنْهُمْ غَیْرُهُمْ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی الْحَیَاةُ أَحَبُّ إِلَیْهِمْ أَمِ الْمَوْتُ قَالَ أَ وَ تَشُكُّ أَنَّهُ لاَ شَیْءَ أَحَبُّ إِلَیْهِمْ مِنَ الْحَیَاةِ وَ لاَ أَبْغَضُ إِلَیْهِمْ مِنَ الْمَوْتِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی مَنْ خَلَقَ الْمَوْتَ الَّذِی یُخْرِجُ أَنْفُسَهُمُ الَّتِی زَعَمْتَ أَنَّهُمْ خَلَقُوهَا فَإِنَّكَ لاَ تُنْكِرُ أَنَّ الْمَوْتَ غَیْرُ الْحَیَاةِ وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِی یَذْهَبُ بِالْحَیَاةِ فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ غَیْرُهُمْ فَإِنَّ الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ الْحَیَاةَ وَ لَئِنْ قُلْتَ هُمُ الَّذِینَ خَلَقُوا الْمَوْتَ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّ هَذَا لَمُحَالٌ مِنَ الْقَوْلِ وَ كَیْفَ خَلَقُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَا یَكْرَهُونَ إِنْ كَانُوا كَمَا زَعَمْتَ خَلَقُوا أَنْفُسَهُمْ هَذَا مَا یُسْتَنْكَرُ مِنْ ضَلاَلِكَ إِنْ تَزْعُمْ أَنَّ النَّاسَ قَدَرُوا عَلَی خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ بِكَمَالِهِمْ وَ أَنَّ الْحَیَاةَ أَحَبُّ إِلَیْهِمْ مِنَ الْمَوْتِ وَ خَلَقُوا مَا یَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِهِمْ

ص:174

قَالَ مَا أَجِدُ وَاحِداً مِنَ الْقَوْلَیْنِ یَنْقَادُ لِی وَ لَقَدْ قَطَعْتَهُ عَلَیَّ قَبْلَ الْغَایَةِ الَّتِی كُنْتُ أُرِیدُهَا قُلْتُ دَعْنِی فَإِنَّ مِنَ الدُّخُولِ فِی أَبْوَابِ الْجَهَالاَتِ مَا لاَ یَنْقَادُ مِنَ الْكَلاَمِ وَ إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنْ مُعَلِّمِ هَذَا الْحِسَابِ الَّذِی عَلَّمَ أَهْلَ الْأَرْضِ عِلْمَ هَذِهِ النُّجُومِ الْمُعَلَّقَةِ فِی السَّمَاءِ .

أقول: رجعنا إلی ما فی النسخ المشهورة.

قَالَ مَا أَجِدُ یَسْتَقِیمُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَضَعَ عِلْمَ هَذِهِ النُّجُومِ الْمُعَلَّقَةِ فِی السَّمَاءِ قُلْتُ فَلاَ بُدَّ لَكَ أَنْ تَقُولَ إِنَّمَا عَلَّمَهُ حَكِیمٌ عَلِیمٌ بِأَمْرِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ مُدَبِّرُهُمَا قَالَ إِنْ قُلْتُ هَذَا فَقَدْ أَقْرَرْتُ لَكَ بِإِلَهِكَ الَّذِی تَزْعُمُ أَنَّهُ فِی السَّمَاءِ قُلْتُ أَمَّا أَنَّكَ فَقَدْ أَعْطَیْتَنِی أَنَّ حِسَابَ هَذِهِ النُّجُومِ حَقٌّ وَ أَنَّ جَمِیعَ النَّاسِ وُلِدُوا بِهَا قَالَ الشَّكُّ فِی غَیْرِ هَذَا قُلْتُ وَ كَذَلِكَ أَعْطَیْتَنِی أَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لَمْ یَقْدِرْ عَلَی أَنْ یَغِیبَ مَعَ هَذِهِ النُّجُومِ وَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ فِی الْمَغْرِبِ حَتَّی یَعْرِفَ مَجَارِیَهَا وَ یَطْلُعَ مَعَهَا إِلَی الْمَشْرِقِ قَالَ الطُّلُوعُ إِلَی السَّمَاءِ دُونَ هَذَا قُلْتُ فَلاَ أَرَاكَ تَجِدُ بُدّاً مِنْ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ الْمُعَلِّمَ لِهَذَا مِنَ السَّمَاءِ قَالَ لَئِنْ قُلْتُ أَنْ لَیْسَ لِهَذَا الْحِسَابِ مُعَلِّمٌ لَقَدْ قُلْتُ إِذاً غَیْرَ الْحَقِّ وَ لَئِنْ زَعَمْتُ أَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَّمَ مَا فِی السَّمَاءِ وَ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ لَقَدْ أَبْطَلْتُ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ لاَ یَقْدِرُونَ عَلَی عِلْمِ مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ حَالِ هَذِهِ النُّجُومِ وَ الْبُرُوجِ بِالْمُعَایَنَةِ وَ الدُّنُوِّ مِنْهَا (1)فَلاَ یَقْدِرُونَ عَلَیْهِ لِأَنَّ عِلْمَ أَهْلِ الدُّنْیَا لاَ یَكُونُ عِنْدَنَا إِلاَّ بِالْحَوَاسِّ وَ مَا یُدْرَكُ عِلْمُ هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِی وَصَفْتُ بِالْحَوَاسِّ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ فِی السَّمَاءِ وَ مَا زَادَتِ الْحَوَاسُّ عَلَی النَّظَرِ إِلَیْهَا حَیْثُ تَطْلُعُ وَ حَیْثُ تَغِیبُ فَأَمَّا حِسَابُهَا وَ دَقَائِقُهَا وَ نُحُوسُهَا وَ سُعُودُهَا وَ بَطِیئُهَا وَ سَرِیعُهَا وَ خُنُوسُهَا وَ رُجُوعُهَا فَأَنَّی تُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ أَوْ یُهْتَدَی إِلَیْهَا بِالْقِیَاسِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی لَوْ كُنْتَ مُتَعَلِّماً مُسْتَوْصِفاً لِهَذَا الْحِسَابِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَیْكَ أَنْ تَسْتَوْصِفَهُ وَ تَتَعَلَّمَهُ أَمْ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ قَالَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ إِذْ كَانَتِ النُّجُومُ مُعَلَّقَةً فِیهَا حَیْثُ لاَ یَعْلَمُهَا أَهْلُ الْأَرْضِ

ص:175


1- و فی نسخة:فاما الدنو.

قُلْتُ فَافْهَمْ وَ أَدِقَّ النَّظَرَ وَ نَاصِحْ نَفْسَكَ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ حَیْثُ كَانَ جَمِیعُ أَهْلِ الدُّنْیَا إِنَّمَا یُولَدُونَ بِهَذِهِ النُّجُومِ عَلَی مَا وَصَفْتَ فِی النُّحُوسِ وَ السُّعُودِ أَنَّهُنَّ كُنَّ قَبْلَ النَّاسِ قَالَ مَا أَمْتَنِعُ أَنْ أَقُولَ هَذَا قُلْتُ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَكَ إِنَّ النَّاسَ لَمْ یَزَالُوا وَ لاَ یَزَالُونَ قَدِ انْكَسَرَ عَلَیْكَ (1)حَیْثُ كَانَتِ النُّجُومُ قَبْلَ النَّاسِ فَالنَّاسُ حَدَثٌ بَعْدَهَا وَ لَئِنْ كَانَتِ النُّجُومُ خُلِقَتْ قَبْلَ النَّاسِ مَا تَجِدُ بُدّاً مِنْ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَهُمْ قَالَ وَ لِمَ تَزْعُمُ أَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَهُمْ قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنِ الْأَرْضُ جَعَلَ اللَّهُ لِخَلْقِهِ فِرَاشاً وَ مِهَاداً مَا اسْتَقَامَ النَّاسُ وَ لاَ غَیْرُهُمْ مِنَ الْأَنَامِ وَ لاَ قَدَرُوا أَنْ یَكُونُوا فِی الْهَوَاءِ إِلاَّ أَنْ یَكُونَ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ قَالَ وَ مَا ذَا یُغْنِی عَنْهُمُ الْأَجْنِحَةُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ مَعِیشَةٌ قُلْتُ فَفِی شَكٍّ أَنْتَ مِنْ أَنَّ النَّاسَ حَدَثٌ بَعْدَ الْأَرْضِ وَ الْبُرُوجِ قَالَ لاَ وَ لَكِنْ عَلَی الْیَقِینِ مِنْ ذَلِكَ قُلْتُ آتِیكَ أَیْضاً بِمَا تُبْصِرُهُ قَالَ ذَلِكَ أَنْفَی (2)لِلشَّكِّ عَنِّی قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الَّذِی تَدُورُ عَلَیْهِ هَذِهِ النُّجُومُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ هَذَا الْفَلَكُ قَالَ بَلَی قُلْتُ أَ فَلَیْسَ قَدْ كَانَ أَسَاساً لِهَذِهِ النُّجُومِ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَمَا أَرَی هَذِهِ النُّجُومَ الَّتِی زَعَمْتَ أَنَّهَا مَوَالِیدُ النَّاسِ إِلاَّ وَ قَدْ وُضِعَتْ بَعْدَ هَذَا الْفَلَكِ لِأَنَّهُ بِهِ تَدُورُ الْبُرُوجُ وَ تَسْفُلُ مَرَّةً وَ تَصْعَدُ أُخْرَی قَالَ قَدْ جِئْتَ بِأَمْرٍ وَاضِحٍ لاَ یُشْكِلُ عَلَی ذِی عَقْلٍ أَنَّ الْفَلَكَ الَّذِی تَدُورُ بِهِ النُّجُومُ هُوَ أَسَاسُهَا الَّذِی وُضِعَ لَهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا جَرَتْ بِهِ قُلْتُ أَقْرَرْتَ أَنَّ خَالِقَ النُّجُومِ الَّتِی یُولَدُ بِهَا النَّاسُ سُعُودُهُمْ وَ نُحُوسُهُمْ هُوَ خَالِقُ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ یَكُنْ خَلَقَهَا لَمْ یَكُنْ ذَرْءٌ قَالَ مَا أَجِدُ بُدّاً مِنْ إِجَابَتِكَ إِلَی ذَلِكَ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ یَدُلَّكَ عَقْلُكَ عَلَی أَنَّهُ لاَ یَقْدِرُ عَلَی خَلْقِ السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ وَ الذَّرْءَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ وَ أَنَّهُ لَوْ لاَ السَّمَاءُ وَ مَا فِیهَا لَهَلَكَ ذَرْءُ الْأَرْضِ .

شرح: أن یكون لبعض الناس أی هذا العلم اعلم أن كلامه و احتجاجه ع

ص:176


1- و فی نسخة:قد أنكر علیك.
2- و فی نسخة:قال:ذلك أنقی للشك عنی.

مبنیّ علی أحد أمرین الأول ما یحكم به الوجدان من أن العلم بدقائق حركات هذه الكواكب و خواص آثارها و المناسبة بینها و بین ما هی علامة لحدوثها لا یتأتّی إلا لخالقها الذی جعلها كذلك أو من ینتهی علمه إلیه و معلوم أن ما هو الحق من هذه العلوم إنما وصل إلی الخلق من الأنبیاء كما اعترفوا به و لما لم یحیطوا بجمیع ذلك و ضاع عنهم بعض ما استفادوا من الأنبیاء علیهم السلام أیضا فلذا تری الریاضیین یتحیرون فی بعض الحركات التی لا تستقیم علی أصولهم و یسمونها ما لا ینحل و تری المنجمین یخطئون فی كثیر من أحكامهم لذلك ثم ذكر علیه السلام علی سبیل التنزل أنه لو سلمنا أنه یمكن أن یتیسر ذلك لمخلوق من البشر فلا یتأتّی ذلك إلا لمن كان معها فی حركاتها و یعاشرها مدة طویلة لیعلم كیفیة حركاتها و جرب بكثرة المعاشرة خواصها و آثارها.

و الثانی أن یكون المراد أنك إذا اعترفت أن كل الخلق یولدون بهذه النجوم فلا یكون أحد منهم علة لها و لآثارها لتقدمها علیهم و لا شك فی أنه لا بد من حكیم عالم بجمیع الأمور قادر علیها أسّس ذلك الأساس و بنی علیها تلك الآثار و الأحكام التی أمكن للخلق بها استعلام ما لم یأت من الأمور فقد أقررت بالصانع فهو أول عالم بهذا العلم لا الحكیم الذی تزعم أنه یولد بتلك النجوم (1)و یحتمل أن یكون المقصود من الكلام الإشارة إلی كلا الدلیلین كما لا یخفی بعد التأمّل قوله علیه السلام: مواضعها من السماء أی عند كونها فوق الأرض و مواضعها تحت الأرض أی بعد غروبها و استتارها عنا بالأرض قوله علیه السلام: إلا بمن فی السماء أی بمن أحاط علمه و قدرته و حكمه بالسماء و ما فیها قوله علیه السلام: فأنا أقول قولك أی أنا أعتقد ما قلت من أن الحكماء الذین تزعمهم عالمین به لم یرقوا إلی السماء أو أعتقد أنه لا یمكنهم أن یرقوا إلی السماء بأنفسهم بدون تعلق إرادة الرب تعالی به و مع ذلك فإن سلمناه فلا یكفی محض الصعود للإحاطة بذلك قوله علیه السلام: مع كل برج أی فیه أو بالحركة السریعة قوله علیه السلام: فی ثلاثین سنة و هو زحل و هو أبطأ السیارات و إنما لم یتعرض علیه السلام للثوابت مع

ص:177


1- و بعبارة اخری إنك بعد ما اعترفت بأن جمیع الناس یولدون بهذه النجوم و لم یمكن أن یولد أحد من أهل الأرض الا بهذه النجوم لأنّها علته،فقد اعترفت بأن واضع هذه النجوم غیر أهل الدنیا لانهم معلولون لها،و هذا تسلیم و اذعان منك بالصانع تعالی.

كونها أبطأ لأن مبنی أحكامهم علی السیارات قوله علیه السلام: لأن مجاریها تحت الأرض لما ذكر علیه السلام سابقا سیره مع الكواكب من الطلوع إلی الغروب أشار علیه السلام هاهنا إلی أنه لا یكفی ذلك للعلم بجمیع الحركات حتی یسیر معها بعد الغروب فیحاذی ما تحت الأرض من البحار و المواضع المظلمة بالبخارات أو یسیر مع سائر الكواكب عند كون الشمس فوق الأرض حتی یحاذی ما تحتها الظلمة ثم بیّن علیه السلام الحاجة إلی ذلك بأنه لا تكفی الإحاطة ببعض مسیرها للعلم بحركاتها لأن حركاتها الخاصة عندهم مختلفة بالنسبة إلی مركز العالم بسبب التداویر و الأفلاك الخارجة المراكز و غیرها فتارة تسرع و تارة تبطئ فلا تتأتی مقایسة بعض حركاتها ببعض.

قوله علیه السلام: كیف یكون بعضها سعدا أی یرجع قولك إلی أنها مع صفاتها وجدت من غیر صانع فكیف صار بعضها هكذا و بعضها هكذا فترجح هذه الأحوال الممكنة و حصولها من غیر علة مما یحكم العقل باستحالته أو المراد أنها لو كانت خالقة لأنفسها لكان كل منها یختار لنفسه أفضل الأحوال و أشرفها فكان جمیعها علی حالة واحدة هی أفضل الأحوال و هذا أظهر ثم لما لم یفهم السائل ذلك غیر الكلام و صرفه إلی ما هو أوضح و قوله علیه السلام: قد أقررت أنها لم تكن شیئا إما مبنی علی أن الصنع و الخلق لا یتعلقان إلا بالحادث أو علی ما كان ظاهر كلام السائل أن لوجودها مبدأ ثم إن السائل لما تفطن بفساد كون الشیء صانعا لنفسه رجع و أقر بأن العقل یحكم بدیهة بأن المصنوع غیر الصانع و البانی غیر البناء و ما ذكره علیه السلام من أن خالق الحیاة و الموت لا بد أن یكون واحدا مما یحكم به الوجدان مع أن الظاهر من خالق الحیاة من یكون مستقلا فیه و الموت لیس إلا رفع الحیاة فلو كان مستندا إلی غیره لم یكن خالق الحیاة مستقلا فیه.

قوله علیه السلام: دون هذا أی أنا أنكر الصعود إلی السماء الذی هو أسهل مما ذكرت فكیف أقر به أو المراد أن الصعود إلی السماء أسهل علی من الإقرار بما ذكرت قوله علیه السلام: إنهن كن قبل الناس أی بالعلیة و السببیة كما ظن السائل أو بالزمان أی تقدمها علی كل شخص أو علی الجمیع بناء علی لزوم التقدم علی كل

ص:178

من الأشخاص التقدم علی الجمیع كما قیل أو علی أنه علیه السلام كان یعلم أن السائل كان قائلا بذلك فذكره علیه السلام إلزاما علیه كما اعترف به و علی الأول یكون المراد بقوله لم یزالوا و لا یزالون عدم استنادهم إلی علة و علی الثانی فالمراد إما قدم مادتهم أو صورهم أیضا بناء علی القول بالكمون و علی الثالث فالمراد قدم نوعهم قوله علیه السلام: بعد هذا الفلك أی هی محتاجة إلی الفلك و الفلك متقدمة علیها بالعلیة فلا یصح كون النجوم علة لها للزوم الدور قوله علیه السلام: لم یكن ذرء أی مذروء و مخلوق من الإنس.

ثم اعلم أن حاصل استدلاله علی ما ظهر لهذا القاصر هو أنه علیه السلام لما قرر السائل سالفا علی أن النجوم لیست خالقة لأنفسها و آنفا علی أنها لیست مخلوقة للناس و غیرها مما یحدث بزعمه بتأثیرها لتأخرها عنها و علی أن الأرض أیضا متقدمة علی ما علیها من الخلق فلا تكون مخلوقة لما علیها و علی أن الفلك لتقدمه علی النجوم المتقدمة علی الناس لا یجوز كونه مخلوقا لشیء منها استدل علیه السلام هاهنا علی أنه لا بد أن یكون خالق السماء و الأرض و ما فی السماء من الشمس و القمر و النجوم و ما علی الأرض من الخلق واحدا.

أما اتحاد خالق الأرض و النجوم فیمكن تقریره بوجهین الأول أن الناس محتاجون إلی الأرض كما عرفت و ظاهر أنها من أعظم مصالحهم فالوجدان الصحیح یحكم بأن من خلق شیئا یعد له ما یصلحه و یهیئ له ما سیحتاج إلیه فظهر أنه لا بد أن یكون خالق الناس و خالق الأرض واحدا و الناس بزعمك مخلوقون للنجوم و لزمك القول بوجود خالق للنجوم فلا بد من القول بكون الأرض منسوبة إلی خالق النجوم إما بلا واسطة أو بواسطة النجوم أو غیرها فثبت المطلوب.

الثانی أنا نری التلازم بین الناس و الأرض لحكم العقل بأن كلا منهما یرتفع عند ارتفاع الآخر إذ الظاهر أن غایة خلق الأرض هو الإنسان و نحوه و هم محتاجون فی أمورهم إلیها و قد تقرر أن المتلازمین إما أن یكون أحدهما علة للآخر أو كل منهما معلول علة ثالثة و لا یجوز أن یكون الناس عللا للأرض لما عرفت و لا معلولة

ص:179

لها لانتسابها عندك إلی النجوم فلا بد من أن یكونا معلولی علة واحدة و بأحد هذین التقریرین یثبت اتحاد خالق السماء و خالق هذه الأمور السابقة لاحتیاج ما علی الأرض من الخلق إلی السماء و ما فیها من النجوم و إلیه أشار علیه السلام بقوله و إنه لو لا السماء و ما فیها لهلك ذرء الأرض هذا ما أحاط به نظری العاثر و سیأتی فی تضاعیف كلامه علیه السلام توضیح ما قلناه و التصریح ببعض ما قررناه و اللّٰه یعلم و حججه علیه السلام حقائق كلامهم و دقائق مرامهم ثم لا یتوهم متوهم من كلامه علیه السلام أن للنجوم تأثیرا فإنه ظاهر أنه علیه السلام إنما ذكرها إلزاما علیه و مماشاة معه لإتمام الحجة علیه (1)بل لا یمكن الاستدلال علی سعودها و نحوسها و كونها علامات للكائنات أیضا بهذا الوجه لكن ظاهره أن لها سعادة و نحوسة و أنها علامات و سیأتی القول فی ذلك مفصلا فی كتاب السماء و العالم.

متن: قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ الْخَالِقَ وَاحِدٌ مِنْ غَیْرِ شَكٍّ لِأَنَّكَ قَدْ أَتَیْتَنِی بِحُجَّةٍ ظَهَرَتْ لِعَقْلِی وَ انْقَطَعَتْ بِهَا حُجَّتِی وَ مَا أَرَی یَسْتَقِیمُ أَنْ یَكُونَ وَاضِعُ هَذَا الْحِسَابِ وَ مُعَلِّمُ هَذِهِ النُّجُومِ وَاحِداً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا فِی السَّمَاءِ وَ لاَ مَعَ ذَلِكَ یَعْرِفُ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْهَا إِلاَّ مُعَلِّمُ مَا فِی السَّمَاءِ مِنْهَا وَ لَكِنْ لَسْتُ أَدْرِی كَیْفَ سَقَطَ أَهْلُ الْأَرْضِ عَلَی هَذَا الْعِلْمِ الَّذِی هُوَ فِی السَّمَاءِ حَتَّی اتَّفَقَ حِسَابُهُمْ عَلَی مَا رَأَیْتَ مِنَ الدِّقَّةِ وَ الصَّوَابِ فَإِنِّی لَوْ لَمْ أَعْرِفْ مِنْ هَذَا الْحِسَابِ مَا أَعْرِفُهُ لَأَنْكَرْتُهُ وَ لَأَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِی بَدْءِ الْأَمْرِ فَكَانَ أَهْوَنَ عَلَیَّ قُلْتُ فَأَعْطِنِی مَوْثِقاً إِنْ أَنَا أَعْطَیْتُكَ مِنْ قِبَلِ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ الَّتِی فِی یَدِكَ وَ مَا تَدَّعِی مِنَ اَلطِّبِّ الَّذِی هُوَ صِنَاعَتُكَ وَ صِنَاعَةُ آبَائِكَ حَتَّی یَتَّصِلَ الْإِهْلِیلَجَةُ وَ مَا یُشْبِهُهَا مِنَ الْأَدْوِیَةِ بِالسَّمَاءِ لَتُذْعِنَنَّ بِالْحَقِّ وَ لَتُنْصِفَنَّ مِنْ نَفْسِكَ قَالَ ذَلِكَ لَكَ قُلْتُ هَلْ كَانَ النَّاسُ عَلَی حَالٍ وَ هُمْ لاَ یَعْرِفُونَ اَلطِّبَّ وَ مَنَافِعَهُ مِنْ هَذِهِ الْإِهْلِیلَجَةِ وَ أَشْبَاهِهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمِنْ أَیْنَ اهْتَدَوْا لَهُ قَالَ بِالتَّجْرِبَةِ وَ طُولِ الْمُقَایَسَةِ قُلْتُ فَكَیْفَ خَطَرَ

ص:180


1- ما ذكره رحمه اللّٰه بمعنی التأثیر بنحو الاستقلال حق،و أمّا أصل التأثیر بمعنی وجود رابطة السببیة و المسببیة بین هذه الأشیاء فهو ممّا بنی علیه كلامه علیه السلام من أوله إلی آخره كما هو ظاهر.ط.

عَلَی أَوْهَامِهِمْ حَتَّی هَمُّوا بِتَجْرِبَتِهِ وَ كَیْفَ ظَنُّوا أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْأَجْسَادِ وَ هُمْ لاَ یَرَوْنَ فِیهِ إِلاَّ الْمَضَرَّةَ أَوْ كَیْفَ عَزَمُوا عَلَی طَلَبِ مَا لاَ یَعْرِفُونَ مِمَّا لاَ تَدُلُّهُمْ عَلَیْهِ الْحَوَاسُّ قَالَ بِالتَّجَارِبِ قُلْتُ أَخْبِرْنِی عَنْ وَاضِعِ هَذَا اَلطِّبِّ وَ وَاصِفِ هَذِهِ الْعَقَاقِیرِ الْمُتَفَرِّقَةِ بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ هَلْ كَانَ بُدٌّ مِنْ أَنْ یَكُونَ الَّذِی وَضَعَ ذَلِكَ وَ دَلَّ عَلَی هَذِهِ الْعَقَاقِیرِ رجل حكیم [رَجُلاً حَكِیماً] مِنْ بَعْضِ أَهْلِ هَذِهِ الْبُلْدَانِ قَالَ لاَ بُدَّ أَنْ یَكُونَ كَذَلِكَ وَ أَنْ یَكُونَ رَجُلاً حَكِیماً وَضَعَ ذَلِكَ وَ جَمَعَ عَلَیْهِ الْحُكَمَاءُ فَنَظَرُوا فِی ذَلِكَ وَ فَكَّرُوا فِیهِ بِعُقُولِهِمْ قُلْتُ كَأَنَّكَ تُرِیدُ الْإِنْصَافَ مِنْ نَفْسِكَ وَ الْوَفَاءَ بِمَا أُعْطِیتَ مِنْ مِیثَاقِكَ فَأَعْلِمْنِی كَیْفَ عَرَفَ الْحَكِیمُ ذَلِكَ وَ هَبْهُ قَدْ عَرَفَ بِمَا فِی بِلاَدِهِ مِنَ الدَّوَاءِ وَ الزَّعْفَرَانِ الَّذِی بِأَرْضِ فَارِسَ أَ تَرَاهُ اتَّبَعَ جَمِیعَ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَذَاقَهُ شَجَرَةً شَجَرَةً حَتَّی ظَهَرَ عَلَی جَمِیعِ ذَلِكَ وَ هَلْ یَدُلُّكَ عَقْلُكَ عَلَی أَنَّ رِجَالاً حُكَمَاءَ قَدَرُوا عَلَی أَنْ یَتَّبِعُوا جَمِیعَ بِلاَدِ فَارِسَ وَ نَبَاتِهَا شَجَرَةً شَجَرَةً حَتَّی عَرَفُوا ذَلِكَ بِحَوَاسِّهِمْ وَ ظَهَرُوا عَلَی تِلْكَ الشَّجَرَةِ الَّتِی یَكُونُ فِیهَا خِلْطُ بَعْضِ هَذِهِ الْأَدْوِیَةِ الَّتِی لَمْ تُدْرِكْ حَوَاسُّهُمْ شَیْئاً مِنْهَا وَ هَبْهُ أَصَابَ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بَعْدَ بَحْثِهِ عَنْهَا وَ تَتَبُّعِهِ جَمِیعَ شَجَرِ فَارِسَ وَ نَبَاتِهَا كَیْفَ عَرَفَ أَنَّهُ لاَ یَكُونُ دَوَاءٌ حَتَّی یَضُمَّ إِلَیْهِ الْإِهْلِیلَجَ مِنَ اَلْهِنْدِ وَ الْمَصْطَكَی مِنَ اَلرُّومِ وَ الْمِسْكَ مِنَ اَلتُّبَّتِ وَ الدَّارْصِینِیَّ مِنَ اَلصِّینِ وَ خُصَی بِیدَسْتَرَ مِنَ اَلتُّرْكِ وَ الْأَفْیُونَ مِنْ مِصْرَ وَ الصَّبِرَ مِنَ اَلْیَمَنِ (1)وَ الْبُورَقَ مِنْ إرمنیة (2)[إِرْمِینِیَّةَ] وَ غَیْرَ ذَلِكَ مِنْ أَخْلاَطِ الْأَدْوِیَةِ الَّتِی تَكُونُ فِی أَطْرَافِ الْأَرْضِ وَ كَیْفَ عَرَفَ أَنَّ بَعْضَ تِلْكَ الْأَدْوِیَةِ وَ هِیَ عَقَاقِیرُ مُخْتَلِفَةٌ یَكُونُ الْمَنْفَعَةُ بِاجْتِمَاعِهَا وَ لاَ یَكُونُ مَنْفَعَتُهَا فِی الْحَالاَتِ بِغَیْرِ اجْتِمَاعٍ أَمْ كَیْفَ اهْتَدَی لِمَنَابِتِ هَذِهِ الْأَدْوِیَةِ وَ هِیَ أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ وَ عَقَاقِیرُ مُتَبَایِنَةٌ فِی بُلْدَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَمِنْهَا عُرُوقٌ وَ مِنْهَا لِحَاءٌ (3)وَ مِنْهَا وَرَقٌ وَ مِنْهَا ثَمَرٌ وَ مِنْهَا عَصِیرٌ وَ مِنْهَا مَائِعٌ وَ مِنْهَا صَمْغٌ وَ مِنْهَا دُهْنٌ وَ مِنْهَا

ص:181


1- الصبر وزان كتف:عصارة شجر مر.
2- البورق بالفتح معرب بوره:شیء یتكون مثل الملح فی شطوط الأنهار و المیاه.
3- اللحاء:قشر العود أو الشجر.

مَا یُعْصَرُ وَ یُطْبَخُ وَ مِنْهَا مَا یُعْصَرُ وَ لاَ یُطْبَخُ مِمَّا سُمِّیَ بِلُغَاتٍ شَتَّی لاَ یُصْلَحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ وَ لاَ یَصِیرُ دَوَاءً إِلاَّ بِاجْتِمَاعِهَا وَ مِنْهَا مَرَائِرُ السِّبَاعِ وَ الدَّوَابِّ الْبَرِّیَّةِ وَ الْبَحْرِیَّةِ وَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُلْدَانِ مَعَ ذَلِكَ مُتَعَادُونَ مُخْتَلِفُونَ مُتَفَرِّقُونَ بِاللُّغَاتِ مُتَغَالِبُونَ بِالْمُنَاصَبَةِ (1)وَ مُتَحَارِبُونَ بِالْقَتْلِ وَ السَّبْیِ أَ فَتَرَی ذَلِكَ الْحَكِیمَ تَتَبَّعَ هَذِهِ الْبُلْدَانَ حَتَّی عَرَفَ كُلَّ لُغَةٍ وَ طَافَ كُلَّ وَجْهٍ وَ تَتَبَّعَ هَذِهِ الْعَقَاقِیرَ مَشْرِقاً وَ مَغْرِباً آمِناً صَحِیحاً لاَ یَخَافُ وَ لاَ یَمْرَضُ سَلِیماً لاَ یَعْطَبُ حَیّاً لاَ یَمُوتُ هَادِیاً لاَ یَضِلُّ قَاصِداً لاَ یَجُورُ (2)حَافِظاً لاَ یَنْسَی نَشِیطاً لاَ یَمَلُّ حَتَّی عَرَفَ وَقْتَ أَزْمِنَتِهَا وَ مَوَاضِعَ مَنَابِتِهَا مَعَ اخْتِلاَطِهَا وَ اخْتِلاَفِ صِفَاتِهَا وَ تَبَایُنِ أَلْوَانِهَا وَ تَفَرُّقِ أَسْمَائِهَا ثُمَّ وَضَعَ مِثَالَهَا عَلَی شِبْهِهَا وَ صِفَتِهَا ثُمَّ وَصَفَ كُلَّ شَجَرَةٍ بِنَبَاتِهَا وَ وَرَقِهَا وَ ثَمَرِهَا وَ رِیحِهَا وَ طَعْمِهَا أَمْ هَلْ كَانَ لِهَذَا الْحَكِیمِ بُدٌّ مِنْ أَنْ یَتَّبِعَ جَمِیعَ أَشْجَارِ الدُّنْیَا وَ بُقُولِهَا وَ عُرُوقِهَا شَجَرَةً شَجَرَةً وَ وَرَقَةً وَرَقَةً شَیْئاً شَیْئاً فَهَبْهُ وَقَعَ عَلَی الشَّجَرَةِ الَّتِی أَرَادَ فَكَیْفَ دَلَّتْهُ حَوَاسُّهُ عَلَی أَنَّهَا تُصْلِحُ لِدَوَاءٍ وَ الشَّجَرُ مُخْتَلِفٌ مِنْهُ الْحُلْوُ وَ الْحَامِضُ وَ الْمُرُّ وَ الْمَالِحُ وَ إِنْ قُلْتَ یَسْتَوْصِفُ فِی هَذِهِ الْبُلْدَانِ وَ یَعْمَلُ بِالسُّؤَالِ فَأَنَّی یَسْأَلُ عَمَّا لَمْ یُعَایِنْ وَ لَمْ یُدْرِكْهُ بِحَوَاسِّهِ أَمْ كَیْفَ یَهْتَدِی إِلَی مَنْ یَسْأَلُهُ عَنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَ هُوَ یُكَلِّمُهُ بِغَیْرِ لِسَانِهِ وَ بِغَیْرِ لُغَتِهِ وَ الْأَشْیَاءُ كَثِیرَةٌ فَهَبْهُ فَعَلَ كَیْفَ عَرَفَ مَنَافِعَهَا وَ مَضَارَّهَا وَ تَسْكِینَهَا وَ تَهْیِیجَهَا وَ بَارِدَهَا وَ حَارَّهَا وَ حُلْوَهَا وَ مَرَارَتَهَا وَ حَرَافَتَهَا (3)وَ لَیِّنَهَا وَ شَدِیدَهَا (4)فَلَئِنْ قُلْتَ بِالظَّنِّ إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لاَ یُدْرَكُ وَ لاَ یُعْرَفُ بِالطَّبَائِعِ وَ الْحَوَاسِّ وَ لَئِنْ قُلْتَ بِالتَّجْرِبَةِ وَ الشُّرْبِ لَقَدْ كَانَ یَنْبَغِی لَهُ أَنْ یَمُوتَ فِی أَوَّلِ مَا شَرِبَ وَ جَرَّبَ تِلْكَ الْأَدْوِیَةَ بِجَهَالَتِهِ بِهَا وَ قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَنَافِعِهَا وَ مَضَارِّهَا وَ أَكْثَرُهَا السَّمُّ الْقَاتِلُ وَ لَئِنْ قُلْتَ بَلْ طَافَ فِی كُلِّ بَلَدٍ وَ أَقَامَ فِی كُلِّ أُمَّةٍ یَتَعَلَّمُ لُغَاتِهِمْ وَ یُجَرِّبُ بِهِمْ أَدْوِیَتَهُمْ تُقْتَلُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ مِنْهُمْ مَا كَانَ لِتَبْلُغَ مَعْرِفَتُهُ الدَّوَاءَ الْوَاحِدَ إِلاَّ بَعْدَ قَتْلِ قَوْمٍ كَثِیرٍ فَمَا كَانَ أَهْلُ تِلْكَ الْبُلْدَانِ

ص:182


1- فی نسخة:متقلبون بالمناصبة.
2- فی نسخة:قاصدا لا یجوز.
3- الحرافة:طعم یلذع اللسان بحرارته.
4- فی نسخة:و لینها و یابسها.

الَّذِینَ قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ بِتَجْرِبَتِهِ بِالَّذِینَ یَنْقَادُونَهُ بِالْقَتْلِ وَ لاَ یَدْعُونَهُ أَنْ یُجَاوِرَهُمْ وَ هَبْهُ تَرَكُوهُ وَ سَلَّمُوا لِأَمْرِهِ وَ لَمْ یَنْهَوْهُ كَیْفَ قَوِیَ عَلَی خَلْطِهَا وَ عَرَفَ قَدْرَهَا وَ وَزْنَهَا وَ أَخَذَ مَثَاقِیلَهَا وَ قَرَطَ قَرَارِیطَهَا وَ هَبْهُ تَتَبَّعَ هَذَا كُلَّهُ وَ أَكْثَرُهُ سَمٌّ قَاتِلٌ إِنْ زِیدَ عَلَی قَدْرِهَا قَتَلَ وَ إِنْ نَقَصَ عَنْ قَدْرِهَا بَطَلَ وَ هَبْهُ تَتَبَّعَ هَذَا كُلَّهُ وَ جَالَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ طَالَ عُمُرُهُ فِیهَا تَتَّبَعَهُ شَجَرَةً شَجَرَةً وَ بُقْعَةً بُقْعَةً كَیْفَ كَانَ لَهُ تَتَبُّعُ مَا لَمْ یَدْخُلْ فِی ذَلِكَ مِنْ مَرَارَةِ الطَّیْرِ وَ السِّبَاعِ وَ دَوَابِّ الْبَحْرِ هَلْ كَانَ بُدٌّ حَیْثُ زَعَمْتَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَكِیمَ تَتَبَّعَ عَقَاقِیرَ الدُّنْیَا شَجَرَةً شَجَرَةً وَ ثَمَرَةً ثَمَرَةً حَتَّی جَمَعَهَا كُلَّهَا فَمِنْهَا مَا لاَ یُصْلَحُ وَ لاَ یَكُونُ دَوَاءً إِلاَّ بِالْمَرَارِ هَلْ كَانَ بُدٌّ مِنْ أَنْ یَتَّبِعَ جَمِیعَ طَیْرِ الدُّنْیَا وَ سِبَاعِهَا وَ دَوَابِّهَا دَابَّةً دَابَّةً وَ طَائِراً طَائِراً یَقْتُلُهَا وَ یُجَرِّبُ مَرَارَتَهَا كَمَا بَحَثَ عَنْ تِلْكَ الْعَقَاقِیرِ عَلَی مَا زَعَمْتَ بِالتَّجَارِبِ وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فَكَیْفَ بَقِیَتِ الدَّوَابُّ وَ تَنَاسَلَتْ وَ لَیْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرَةِ إِذَا قُطِعَتْ شَجَرَةٌ نَبَتَتْ أُخْرَی وَ هَبْهُ أَتَی عَلَی طَیْرِ الدُّنْیَا كَیْفَ یَصْنَعُ بِمَا فِی الْبَحْرِ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِی كَانَ یَنْبَغِی أَنْ یَتَّبِعَهَا بَحْراً بَحْراً وَ دَابَّةً دَابَّةً حَتَّی أَحَاطَ بِهِ كَمَا أَحَاطَ بِجَمِیعِ عَقَاقِیرِ الدُّنْیَا الَّتِی بَحَثَ عَنْهَا حَتَّی عَرَفَهَا وَ طَلَبَ ذَلِكَ فِی غَمَرَاتِ الْمَاءِ فَإِنَّكَ مَهْمَا جَهِلْتَ شَیْئاً مِنْ هَذَا فَإِنَّكَ لاَ تَجْهَلُ أَنَّ دَوَابَّ الْبَحْرِ كُلَّهَا تَحْتَ الْمَاءِ فَهَلْ یَدُلُّ الْعَقْلُ وَ الْحَوَاسُّ عَلَی أَنَّ هَذَا یُدْرَكُ بِالْبَحْثِ وَ التَّجَارِبِ قَالَ لَقَدْ ضَیَّقْتَ عَلَیَّ الْمَذَاهِبَ فَمَا أَدْرِی مَا أُجِیبُكَ بِهِ قُلْتُ فَإِنِّی آتِیكَ بِغَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَوْضَحُ وَ أَبْیَنُ مِمَّا اقْتَصَصْتُ عَلَیْكَ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْعَقَاقِیرَ الَّتِی مِنْهَا الْأَدْوِیَةُ وَ الْمَرَارَ مِنَ الطَّیْرِ وَ السِّبَاعِ لاَ یَكُونُ دَوَاءً إِلاَّ بَعْدَ الاِجْتِمَاعِ قَالَ هُوَ كَذَلِكَ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی كَیْفَ حَوَاسُّ هَذَا الْحَكِیمِ وَضَعَتْ هَذِهِ الْأَدْوِیَةَ مَثَاقِیلَهَا وَ قَرَارِیطَهَا فَإِنَّكَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِذَلِكَ لِأَنَّ صِنَاعَتَكَ اَلطِّبُّ وَ أَنْتَ تُدْخِلُ فِی الدَّوَاءِ الْوَاحِدِ مِنَ اللَّوْنِ الْوَاحِدِ زِنَةَ أَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ وَ مِنَ الْآخَرِ مَثَاقِیلَ وَ قَرَارِیطَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَ دُونَهُ حَتَّی یَجِیءَ بِقَدْرِ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ إِذَا سَقَیْتَ مِنْهُ صَاحِبَ الْبِطْنَةِ بِمِقْدَارٍ عَقَدَ بَطْنَهُ وَ إِنْ سَقَیْتَ صَاحِبَ الْقُولَنْجِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ وَ أَلاَنَ (1)فَكَیْفَ أَدْرَكَتْ حَوَاسُّهُ عَلَی هَذَا

ص:183


1- استطلق البطن:مشی.و ألان ای جعله لینا.

أَمْ كَیْفَ عَرَفَتْ حَوَاسُّهُ أَنَّ الَّذِی یُسْقَی لِوَجَعِ الرَّأْسِ لاَ یَنْحَدِرُ إِلَی الرِّجْلَیْنِ وَ الاِنْحِدَارُ أَهْوَنُ عَلَیْهِ مِنَ الصُّعُودِ وَ الَّذِی یُسْقَی لِوَجَعِ الْقَدَمَیْنِ لاَ یَصْعَدُ إِلَی الرَّأْسِ وَ هُوَ إِلَی الرَّأْسِ عِنْدَ السُّلُوكِ أَقْرَبُ مِنْهُ وَ كَذَلِكَ كُلُّ دَوَاءٍ یُسْقَی صَاحِبَهُ لِكُلِّ عُضْوٍ لاَ یَأْخُذُ إِلاَّ طَرِیقَهُ فِی الْعُرُوقِ الَّتِی تُسْقَی لَهُ وَ كُلُّ ذَلِكَ یَصِیرُ إِلَی الْمَعِدَةِ وَ مِنْهَا یَتَفَرَّقُ أَمْ كَیْفَ لاَ یَسْفُلُ مِنْهُ مَا صَعِدَ وَ لاَ یَصْعَدُ مِنْهُ مَا انْحَدَرَ أَمْ كَیْفَ عَرَفَتِ الْحَوَاسُّ هَذَا حَتَّی عَلِمَ أَنَّ الَّذِی یَنْبَغِی لِلْأُذُنِ لاَ یَنْفَعُ الْعَیْنَ وَ مَا یَنْتَفِعُ بِهِ الْعَیْنُ لاَ یُغْنِی مِنْ وَجَعِ الْأُذُنِ وَ كَذَلِكَ جَمِیعُ الْأَعْضَاءِ یَصِیرُ كُلُّ دَاءٍ مِنْهَا إِلَی ذَلِكَ الدَّوَاءِ (1)الَّذِی یَنْبَغِی لَهُ بِعَیْنِهِ فَكَیْفَ أَدْرَكَتِ الْعُقُولُ وَ الْحِكْمَةُ وَ الْحَوَاسُّ هَذَا وَ هُوَ غَائِبٌ فِی الْجَوْفِ وَ الْعُرُوقُ فِی اللَّحْمِ وَ فَوْقَهُ الْجِلْدُ لاَ یُدْرَكُ بِسَمْعٍ وَ لاَ بِبَصَرٍ وَ لاَ بِشَمٍّ وَ لاَ بِلَمْسٍ وَ لاَ بِذَوْقٍ قَالَ لَقَدْ جِئْتَ بِمَا أَعْرِفُهُ (2)إِلاَّ أَنَّنَا نَقُولُ إِنَّ الْحَكِیمَ الَّذِی وَضَعَ هَذِهِ الْأَدْوِیَةَ وَ أَخْلاَطَهَا كَانَ إِذَا سَقَی أَحَداً شَیْئاً مِنْ هَذِهِ الْأَدْوِیَةِ فَمَاتَ شَقَّ بَطْنَهُ وَ تَتَبَّعَ عُرُوقَهُ وَ نَظَرَ مَجَارِیَ تِلْكَ الْأَدْوِیَةِ وَ أَتَی الْمَوَاضِعَ الَّتِی تِلْكَ الْأَدْوِیَةُ فِیهَا قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الدَّوَاءَ كُلَّهُ إِذَا وَقَعَ فِی الْعُرُوقِ اخْتَلَطَ بِالدَّمِ فَصَارَ شَیْئاً وَاحِداً قَالَ بَلَی قُلْتُ أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا خَرَجَتْ نَفْسُهُ بَرَدَ دَمُهُ وَ جَمَدَ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَكَیْفَ عَرَفَ ذَلِكَ الْحَكِیمُ دَوَاءَهُ الَّذِی سَقَاهُ لِلْمَرِیضِ بَعْدَ مَا صَارَ غَلِیظاً عَبِیطاً لَیْسَ بِأَمْشَاجٍ یُسْتَدَلُّ عَلَیْهِ بِلَوْنٍ فِیهِ غَیْرِ لَوْنِ الدَّمِ قَالَ لَقَدْ حَمَلْتَنِی عَلَی مَطِیَّةٍ صَعْبَةٍ مَا حُمِلْتُ عَلَی مِثْلِهَا قَطُّ وَ لَقَدْ جِئْتَ بِأَشْیَاءَ لاَ أَقْدِرُ عَلَی رَدِّهَا .

شرح: قوله علیه السلام: خلط بعض هذه الأدویة الخلط بالكسر ما یخلط بالشیء أی ما یدخل فی بعض هذه الأدویة المركّبة قوله علیه السلام: ثم وضع مثالها علی شبهها أی ضمّ كلما وجد من كل نوع إلی مثله لأنه یشبهه و یوافقه فی الصفة أو ترك الأشیاء التی تشبه ما یریده و إن كانت موافقة له فی الصفات فإن كثیرا من العقاقیر تشتبه بغیرها لاتفاقهما فی كثیر من الصفات قوله علیه السلام: فكیف بقیت لعل المفروض أن ذلك كان

ص:184


1- فی نسخة:یصیر كل دواء منها إلی ذلك الداء.
2- فی نسخة:لقد جئت بما أعرف.

فی مبادی خلق العالم لقدم ذلك العلم فیلزم من التجارب الكثیرة فناء الحیوانات لقلّتها فی تلك الأزمنة قوله علیه السلام: لیس بأمشاج أی أشیاء مختلطة متمایزة.

أقول: كلامه علیه السلام یدلّ علی أن خواصّ الأدویة و أجناسها و منافعها و مناسبتها للأمراض إنما وصل إلی الخلق بإخبار الرسل علیهم الصلاة و السلام و لم یصل الخلق إلیها بعقولهم و تجاربهم.

متن: قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِی مِنْ أَیْنَ عَلِمَ الْعِبَادُ مَا وَصَفْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوِیَةِ الَّتِی فِیهَا الْمَنَافِعُ لَهُمْ حَتَّی خَلَطُوهَا وَ تَتَبَّعُوا عَقَاقِیرَهَا فِی هَذِهِ الْبُلْدَانِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَ عَرَفُوا مَوَاضِعَهَا وَ مَعَادِنَهَا فِی الْأَمَاكِنِ الْمُتَبَایِنَةِ وَ مَا یَصْلُحُ مِنْ عُرُوقِهَا وَ زِنَتَهَا مِنْ مَثَاقِیلِهَا وَ قَرَارِیطِهَا وَ مَا یَدْخُلُهَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَ مِرَارِ السِّبَاعِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ قَالَ قَدْ أَعْیَیْتُ عَنْ إِجَابَتِكَ (1)لِغُمُوضِ مَسَائِلِكَ وَ إِلْجَائِكَ إِیَّایَ إِلَی أَمْرٍ لاَ یُدْرَكُ عِلْمُهُ بِالْحَوَاسِّ وَ لاَ بِالتَّشْبِیهِ وَ الْقِیَاسِ وَ لاَ بُدَّ أَنْ یَكُونَ وَضَعَ هَذِهِ الْأَدْوِیَةَ وَاضِعٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ هِیَ أَنْفُسَهَا وَ لاَ اجْتَمَعَتْ حَتَّی جَمَعَهَا غَیْرُهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ إِیَّاهَا فَأَخْبِرْنِی كَیْفَ عَلِمَ الْعِبَادُ هَذِهِ الْأَدْوِیَةَ الَّتِی فِیهَا الْمَنَافِعُ حَتَّی خَلَطُوهَا وَ طَلَبُوا عَقَاقِیرَهَا فِی هَذِهِ الْبُلْدَانِ الْمُتَفَرِّقَةِ قُلْتُ إِنِّی ضَارِبٌ لَكَ مَثَلاً وَ نَاصِبٌ لَكَ دَلِیلاً تَعْرِفُ بِهِ وَاضِعَ هَذِهِ الْأَدْوِیَةِ وَ الدَّالَّ عَلَی هَذِهِ الْعَقَاقِیرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَ بَانِیَ الْجَسَدِ وَ وَاضِعَ الْعُرُوقِ الَّتِی یَأْخُذُ فِیهَا الدَّوَاءُ إِلَی الدَّاءِ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنَ الاِنْقِیَادِ إِلَی ذَلِكَ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی عَنْ رَجُلٍ أَنْشَأَ حَدِیقَةً عَظِیمَةً وَ بَنَی عَلَیْهَا حَائِطاً وَثِیقاً ثُمَّ غَرَسَ فِیهَا الْأَشْجَارَ وَ الْأَثْمَارَ وَ الرَّیَاحِینَ وَ الْبُقُولَ وَ تَعَاهَدَ سَقْیَهَا وَ تَرْبِیَتَهَا وَ وَقَاهَا مَا یَضُرُّهَا حَتَّی لاَ یَخْفَی عَلَیْهِ مَوْضِعُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا فَإِذَا أَدْرَكَتْ أَشْجَارُهَا وَ أَیْنَعَتْ أَثْمَارُهَا (2)وَ اهْتَزَّتْ بُقُولُهَا دَفَعْتَ إِلَیْهِ (3)فَسَأَلْتَهُ أَنْ یُطْعِمَكَ لَوْناً مِنَ الثِّمَارِ وَ الْبُقُولِ سَمَّیْتَهُ لَهُ أَ تَرَاهُ كَانَ قَادِراً عَلَی

ص:185


1- أی قد اعجزت عن إجابتك.
2- اینع الثمر:أدرك و طاب و حان قطافه.و فی بعض النسخ:ایفع أثمارها.فهو من أیفع الغلام:ترعرع و ناهز البلوغ.
3- فی نسخة:ذهبت إلیه.

أَنْ یَنْطَلِقَ قَاصِداً مُسْتَمِرّاً لاَ یَرْجِعُ وَ لاَ یَهْوِی إِلَی شَیْءٍ یَمُرُّ بِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَ الْبُقُولِ حَتَّی یَأْتِیَ الشَّجَرَةَ الَّتِی سَأَلْتَهُ أَنْ یَأْتِیَكَ بِثَمَرِهَا وَ الْبَقْلَةَ الَّتِی طَلَبْتَهَا حَیْثُ كَانَتْ مِنْ أَدْنَی الْحَدِیقَةِ أَوْ أَقْصَاهَا فَیَأْتِیَكَ بِهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ قَالَ لَكَ صَاحِبُ الْحَدِیقَةِ حَیْثُ سَأَلْتَهُ الثَّمَرَةَ ادْخُلِ الْحَدِیقَةَ فَخُذْ حَاجَتَكَ فَإِنِّی لاَ أَقْدِرُ عَلَی ذَلِكَ هَلْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَنْطَلِقَ قَاصِداً لاَ تَأْخُذُ یَمِیناً وَ لاَ شِمَالاً حَتَّی تَنْتَهِیَ إِلَی الشَّجَرَةِ فَتَجْتَنِیَ مِنْهَا قَالَ وَ كَیْفَ أَقْدِرُ عَلَی ذَلِكَ وَ لاَ عِلْمَ لِی فِی أَیِّ مَوَاضِعِ الْحَدِیقَةِ هِیَ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ لِتُصِیبَهَا دُونَ أَنْ تَهْجُمَ عَلَیْهَا بِتَعَسُّفٍ وَ جَوَلاَنٍ فِی جَمِیعِ الْحَدِیقَةِ حَتَّی تَسْتَدِلَّ عَلَیْهَا بِبَعْضِ حَوَاسِّكَ بَعْدَ مَا تَتَصَفَّحُ فِیهَا مِنَ الشَّجَرَةِ شَجَرَةً شَجَرَةً وَ ثَمَرَةً ثَمَرَةً حَتَّی تَسْقُطَ عَلَی الشَّجَرَةِ الَّتِی تَطْلُبُ بِبَعْضِ حَوَاسِّكَ أَنْ تَأْتِیَهَا وَ إِنْ لَمْ تَرَهَا انْصَرَفْتَ قَالَ وَ كَیْفَ أَقْدِرُ عَلَی ذَلِكَ وَ لَمْ أُعَایِنْ مَغْرِسَهَا حَیْثُ غُرِسَتْ وَ لاَ مَنْبِتَهَا حَیْثُ نَبَتَتْ وَ لاَ ثَمَرَتَهَا حَیْثُ طَلَعَتْ قُلْتُ فَإِنَّهُ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ یَدُلَّكَ عَقْلُكَ حَیْثُ عَجَزَتْ حَوَاسُّكَ عَنْ إِدْرَاكِ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِی غَرَسَ هَذَا الْبُسْتَانَ الْعَظِیمَ فِیمَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ غَرَسَ فِیهِ هَذِهِ الْأَشْجَارَ وَ الْبُقُولَ هُوَ الَّذِی دَلَّ الْحَكِیمَ الَّذِی زَعَمْتَ أَنَّهُ وَضَعَ اَلطِّبَّ عَلَی تِلْكَ الْعَقَاقِیرِ وَ مَوَاضِعِهَا فِی الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ كَذَلِكَ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ بِعَقْلِكَ عَلَی أَنَّهُ هُوَ الَّذِی سَمَّاهَا وَ سَمَّی بَلْدَتَهَا وَ عَرَفَ مَوَاضِعَهَا كَمَعْرِفَةِ صَاحِبِ الْحَدِیقَةِ الَّذِی سَأَلْتَهُ الثَّمَرَةَ وَ كَذَلِكَ لاَ یَسْتَقِیمُ وَ لاَ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ الْغَارِسُ وَ الدَّالُّ عَلَیْهَا إِلاَّ الدَّالَّ عَلَی مَنَافِعِهَا وَ مَضَارِّهَا وَ قَرَارِیطِهَا وَ مَثَاقِیلِهَا قَالَ إِنَّ هَذَا لَكَمَا تَقُولُ قُلْتُ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ كَانَ خَالِقُ الْجَسَدِ وَ مَا فِیهِ مِنَ الْعَصَبِ وَ اللَّحْمِ وَ الْأَمْعَاءِ وَ الْعُرُوقِ الَّتِی یَأْخُذُ فِیهَا الْأَدْوِیَةُ إِلَی الرَّأْسِ وَ إِلَی الْقَدَمَیْنِ وَ إِلَی مَا سِوَی ذَلِكَ غَیْرَ خَالِقِ الْحَدِیقَةِ وَ غَارِسِ الْعَقَاقِیرِ هَلْ كَانَ یَعْرِفُ زِنَتَهَا وَ مَثَاقِیلَهَا وَ قَرَارِیطَهَا وَ مَا یَصْلُحُ لِكُلِّ دَاءٍ مِنْهَا وَ مَا كَانَ یَأْخُذُ فِی كُلِّ عِرْقٍ قَالَ وَ كَیْفَ یَعْرِفُ ذَلِكَ أَوْ یَقْدِرُ عَلَیْهِ وَ هَذَا لاَ یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ مَا یَنْبَغِی أَنْ یَعْرِفَ هَذَا إِلاَّ الَّذِی غَرَسَ الْحَدِیقَةَ وَ عَرَفَ كُلَّ شَجَرَةٍ وَ بَقْلَةٍ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَ الْمَضَارِّ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ كَذَلِكَ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ الْخَالِقُ وَاحِداً لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَیْنِ أَحَدُهُمَا خَالِقُ

ص:186

الدَّوَاءِ وَ الْآخَرُ خَالِقُ الْجَسَدِ وَ الدَّاءِ لَمْ یَهْتَدِ غَارِسُ الْعَقَاقِیرِ لِإِیصَالِ دَوَائِهِ إِلَی الدَّاءِ الَّذِی بِالْجَسَدِ مِمَّا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَ لاَ اهْتَدَی خَالِقُ الْجَسَدِ إِلَی عِلْمِ مَا یُصْلِحُ ذَلِكَ الدَّاءَ مِنْ تِلْكَ الْعَقَاقِیرِ فَلَمَّا كَانَ خَالِقُ الدَّاءِ وَ الدَّوَاءِ وَاحِداً أَمْضَی الدَّوَاءَ فِی الْعُرُوقِ الَّتِی بَرَأَ وَ صَوَّرَ إِلَی الدَّاءِ الَّذِی عَرَفَ وَ وَضَعَ فَعَلِمَ مِزَاجَهَا مِنْ حَرِّهَا وَ بَرْدِهَا وَ لَیِّنِهَا وَ شَدِیدِهَا وَ مَا یَدْخُلُ فِی كُلِّ دَوَاءٍ مِنْهُ مِنَ الْقَرَارِیطِ وَ الْمَثَاقِیلِ وَ مَا یَصْعَدُ إِلَی الرَّأْسِ مِنْهَا وَ مَا یَهْبِطُ إِلَی الْقَدَمَیْنِ مِنْهَا وَ مَا یَتَفَرَّقُ مِنْهُ فِیمَا سِوَی ذَلِكَ قَالَ لاَ أَشُكُّ فِی هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَالِقُ الْجَسَدِ غَیْرَ خَالِقِ الْعَقَاقِیرِ لَمْ یَهْتَدِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَی مَا وَصَفْتَ قُلْتُ فَإِنَّ الَّذِی دَلَّ الْحَكِیمَ الَّذِی وَصَفْتَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَلَطَ هَذِهِ الْأَدْوِیَةَ وَ دَلَّ عَلَی عَقَاقِیرِهَا الْمُتَفَرِّقَةِ فِیمَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ وَضَعَ هَذَا اَلطِّبَّ عَلَی مَا وَصَفْتُ لَكَ هُوَ صَاحِبُ الْحَدِیقَةِ فِیمَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ هُوَ بَانِی الْجَسَدِ وَ هُوَ دَلَّ الْحَكِیمَ بِوَحْیٍ مِنْهُ عَلَی صِفَةِ كُلِّ شَجَرَةٍ وَ بَلَدِهَا وَ مَا یَصْلُحُ مِنْهَا مِنَ الْعُرُوقِ وَ الثِّمَارِ وَ الدُّهْنِ وَ الْوَرَقِ وَ الْخَشَبِ وَ اللِّحَاءِ وَ كَذَلِكَ دَلَّهُ عَلَی أَوْزَانِهَا مِنْ مَثَاقِیلِهَا وَ قَرَارِیطِهَا وَ مَا یَصْلُحُ لِكُلِّ دَاءٍ مِنْهَا وَ كَذَلِكَ هُوَ خَالِقُ السِّبَاعِ وَ الطَّیْرِ وَ الدَّوَابِّ الَّتِی فِی مِرَارِهَا الْمَنَافِعُ مِمَّا یَدْخُلُ فِی تِلْكَ الْأَدْوِیَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ غَیْرَ خَالِقِهَا لَمْ یَدْرِ مَا یُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ مِرَارِهَا وَ مَا یَضُرُّ وَ مَا یَدْخُلُ مِنْهَا فِی الْعَقَاقِیرِ فَلَمَّا كَانَ الْخَالِقُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی وَاحِداً دَلَّ عَلَی مَا فِیهِ مِنَ الْمَنَافِعِ مِنْهَا فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ حَتَّی عُرِفَ وَ تُرِكَ مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِیهِ مِنْهَا فَمِنْ ثَمَّ عَلِمَ الْحَكِیمُ أَیُّ السِّبَاعِ وَ الدَّوَابِّ وَ الطَّیْرِ فِیهِ الْمَنَافِعُ وَ أَیُّهَا لاَ مَنْفَعَةَ فِیهِ وَ لَوْ لاَ أَنَّ خَالِقَ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ دَلَّهُ عَلَیْهَا مَا اهْتَدَی بِهَا قَالَ إِنَّ هَذَا لَكَمَا تَقُولُ وَ قَدْ بَطَلَتِ الْحَوَاسُّ وَ التَّجَارِبُ عِنْدَ هَذِهِ الصِّفَاتِ قُلْتُ أَمَّا إِذَا صَحَّتْ نَفْسُكَ فَتَعَالَ نَنْظُرْ بِعُقُولِنَا وَ نَسْتَدِلَّ بِحَوَاسِّنَا هَلْ كَانَ یَسْتَقِیمُ لِخَالِقِ هَذِهِ الْحَدِیقَةِ وَ غَارِسِ هَذِهِ الْأَشْجَارِ وَ خَالِقِ هَذِهِ الدَّوَابِّ وَ الطَّیْرِ وَ النَّاسِ الَّذِی خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْیَاءَ لِمَنَافِعِهِمْ أَنْ یَخْلُقَ هَذَا الْخَلْقَ وَ یَغْرِسَ هَذَا الْغَرْسَ فِی أَرْضِ غَیْرِهِ مِمَّا إِذَا شَاءَ مَنَعَهُ ذَلِكَ قَالَ مَا یَنْبَغِی أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ الَّتِی خُلِقَتْ فِیهَا الْحَدِیقَةُ الْعَظِیمَةُ وَ غُرِسَتْ فِیهِ

ص:187

الْأَشْجَارُ إِلاَّ لِخَالِقِ هَذَا الْخَلْقِ وَ مِلْكَ یَدِهِ قُلْتُ فَقَدْ أَرَی الْأَرْضَ أَیْضاً لِصَاحِبِ الْحَدِیقَةِ لاِتِّصَالِ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَ مَا فِی هَذَا شَكٌّ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی وَ نَاصِحْ نَفْسَكَ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْحَدِیقَةَ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْخِلْقَةِ الْعَظِیمَةِ مِنَ الْإِنْسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الطَّیْرِ وَ الشَّجَرِ وَ الْعَقَاقِیرِ وَ الثِّمَارِ وَ غَیْرِهَا لاَ یُصْلِحُهَا إِلاَّ شُرْبُهَا وَ رَیُّهَا مِنَ الْمَاءِ الَّذِی لاَ حَیَاةَ لِشَیْءٍ إِلاَّ بِهِ قَالَ بَلَی قُلْتُ أَ فَتَرَی الْحَدِیقَةَ وَ مَا فِیهَا مِنَ الذَّرْءِ خَالِقُهَا وَاحِدٌ وَ خَالِقَ الْمَاءِ غَیْرَهُ یَحْبِسُهُ عَنْ هَذِهِ الْحَدِیقَةِ إِذَا شَاءَ وَ یُرْسِلُهُ إِذَا شَاءَ فَیُفْسِدُ عَلَی خَالِقِ الْحَدِیقَةِ قَالَ مَا یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ خَالِقُ هَذِهِ الْحَدِیقَةِ وَ ذَارِئُ هَذَا الذَّرْءِ الْكَثِیرِ وَ غَارِسُ هَذِهِ الْأَشْجَارِ إِلاَّ الْمُدَبِّرَ الْأَوَّلَ وَ مَا یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ لِغَیْرِهِ وَ إِنَّ الْیَقِینَ عِنْدِی لَهُوَ إِنَّ الَّذِی یُجْرِی هَذِهِ الْمِیَاهَ مِنْ أَرْضِهِ وَ جِبَالِهِ لَغَارِسُ هَذِهِ الْحَدِیقَةِ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْخَلِیقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَاءُ لِغَیْرِ صَاحِبِ الْحَدِیقَةِ لَهَلَكَ الْحَدِیقَةُ وَ مَا فِیهَا وَ لَكِنَّهُ خَالِقُ الْمَاءِ قَبْلَ الْغَرْسِ وَ الذَّرْءِ وَ بِهِ اسْتَقَامَتِ الْأَشْیَاءُ وَ صَلَحَتْ قُلْتُ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ لَمْ یَكُنْ لِهَذِهِ الْمِیَاهِ الْمُنْفَجِرَةِ فِی الْحَدِیقَةِ مَغِیضٌ (1)لِمَا یَفْضُلُ مِنْ شُرْبِهَا یَحْبِسُهُ عَنِ الْحَدِیقَةِ أَنْ یَفِیضَ عَلَیْهَا أَ لَیْسَ كَانَ یَهْلِكُ مَا فِیهَا مِنَ الْخَلْقِ عَلَی حَسَبِ مَا كَانُوا یَهْلِكُونَ لَوْ لَمْ یَكُنْ لَهَا مَاءٌ قَالَ بَلَی وَ لَكِنِّی لاَ أَدْرِی لَعَلَّ هَذَا الْبَحْرَ لَیْسَ لَهُ حَابِسٌ وَ أَنَّهُ شَیْءٌ لَمْ یَزَلْ قُلْتُ أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَعْطَیْتَنِی أَنَّهُ لَوْ لاَ الْبَحْرُ وَ مَغِیضُ الْمِیَاهِ إِلَیْهِ لَهَلَكَتِ الْحَدِیقَةُ قَالَ أَجَلْ قُلْتُ فَإِنِّی أُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا تَسْتَیْقِنُ بِأَنَّ خَالِقَ الْبَحْرِ هُوَ خَالِقُ الْحَدِیقَةِ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْخَلِیقَةِ وَ أَنَّهُ جَعَلَهُ مَغِیضاً لِمِیَاهِ الْحَدِیقَةِ مَعَ مَا جَعَلَ فِیهِ مِنَ الْمَنَافِعِ لِلنَّاسِ قَالَ فَاجْعَلْنِی مِنْ ذَلِكَ عَلَی یَقِینٍ كَمَا جَعَلْتَنِی مِنْ غَیْرِهِ قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فُضُولَ مَاءِ الدُّنْیَا یَصِیرُ فِی الْبَحْرِ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَهَلْ رَأَیْتَهُ زَائِداً قَطُّ فِی كَثْرَةِ الْمَاءِ وَ تَتَابُعِ الْأَمْطَارِ عَلَی الْحَدِّ الَّذِی لَمْ یَزَلْ عَلَیْهِ أَوْ هَلْ رَأَیْتَهُ نَاقِصاً فِی قِلَّةِ الْمِیَاهِ وَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَ شِدَّةِ الْقَحْطِ قَالَ لاَ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی أَنْ یَدُلَّكَ عَقْلُكَ عَلَی أَنَّ خَالِقَهُ وَ خَالِقَ الْحَدِیقَةِ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْخَلِیقَةِ وَاحِدٌ وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِی وَضَعَ لَهُ حَدّاً لاَ یُجَاوِزُهُ لِكَثْرَةِ الْمَاءِ وَ لاَ لِقِلَّتِهِ وَ أَنَّ مِمَّا یُسْتَدَلُّ عَلَی مَا أَقُولُ أَنَّهُ یَقْبَلُ بِالْأَمْوَاجِ أَمْثَالَ الْجِبَالِ یُشْرِفُ عَلَی

ص:188


1- المغیض:مجتمع الماء و مدخله فی الأرض و فی نسخة:المفیض بالفاء و كذا فیما یأتی بعده.

السَّهْلِ وَ الْجَبَلِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَضْ أَمْوَاجُهُ وَ لَمْ تُحْبَسْ فِی الْمَوَاضِعِ الَّتِی أُمِرَتْ بِالاِحْتِبَاسِ فِیهَا لَأَطْبَقَتْ عَلَی الدُّنْیَا حَتَّی إِذَا انْتَهَتْ عَلَی تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِی لَمْ تَزَلْ تَنْتَهِی إِلَیْهَا ذَلَّتْ أَمْوَاجُهُ وَ خَضَعَ إِشْرَافُهُ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَكَمَا وَصَفْتَ وَ لَقَدْ عَایَنْتُ مِنْهُ كُلَّ الَّذِی ذَكَرْتَ وَ لَقَدْ أَتَیْتَنِی بِبُرْهَانٍ وَ دَلاَلاَتٍ وَ مَا أَقْدِرُ عَلَی إِنْكَارِهَا وَ لاَ جُحُودِهَا لِبَیَانِهَا قُلْتُ وَ غَیْرَ ذَلِكَ سَآتِیكَ بِهِ مِمَّا تَعْرِفُ اتِّصَالَ الْخَلْقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِیمٍ عَالِمٍ قَدِیرٍ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَامَّةَ الْحَدِیقَةِ لَیْسَ شُرْبُهَا مِنَ الْأَنْهَارِ وَ الْعُیُونِ وَ أَنَّ أَعْظَمَ مَا یَنْبُتُ فِیهَا مِنَ الْعَقَاقِیرِ وَ الْبُقُولِ الَّتِی فِی الْحَدِیقَةِ وَ مَعَاشِ مَا فِیهَا مِنَ الدَّوَابِّ وَ الْوَحْشِ وَ الطَّیْرِ مِنَ الْبَرَارِی الَّتِی لاَ عُیُونَ لَهَا وَ لاَ أَنْهَارَ إِنَّمَا یَسْقِیهِ السَّحَابُ قَالَ بَلَی قُلْتُ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی أَنْ یَدُلَّكَ عَقْلُكَ وَ مَا أَدْرَكْتَ بِالْحَوَاسِّ الَّتِی زَعَمْتَ أَنَّ الْأَشْیَاءَ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ بِهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّحَابُ الَّذِی یَحْتَمِلُ مِنَ الْمِیَاهِ إِلَی الْبُلْدَانِ وَ الْمَوَاضِعِ الَّتِی لاَ تَنَالُهَا مَاءُ الْعُیُونِ وَ الْأَنْهَارِ وَ فِیهَا الْعَقَاقِیرُ وَ الْبُقُولُ وَ الشَّجَرُ وَ الْأَنْعَامُ لِغَیْرِ صَاحِبِ الْحَدِیقَةِ لَأَمْسَكَهُ عَنِ الْحَدِیقَةِ إِذَا شَاءَ وَ لَكَانَ خَالِقُ الْحَدِیقَةِ مِنْ بَقَاءِ خَلِیقَتِهِ الَّتِی ذَرَأَ وَ بَرَأَ عَلَی غَرُورٍ وَ وَجَلٍ خَائِفاً عَلَی خَلِیقَتِهِ أَنْ یَحْبِسَ صَاحِبُ الْمَطَرِ الْمَاءَ الَّذِی لاَ حَیَاةَ لِلْخَلِیقَةِ إِلاَّ بِهِ قَالَ إِنَّ الَّذِی جِئْتَ بِهِ لَوَاضِحٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَ مَا یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ الَّذِی خَلَقَ هَذِهِ الْحَدِیقَةَ وَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِیهَا الْخَلِیقَةَ وَ خَلَقَ لَهَا هَذَا الْمَغِیضَ وَ أَنْبَتَ فِیهَا هَذِهِ الثِّمَارَ الْمُخْتَلِفَةَ إِلاَّ خَالِقَ السَّمَاءِ وَ السَّحَابِ یُرْسِلُ مِنْهَا مَا شَاءَ مِنَ الْمَاءِ إِذَا شَاءَ أَنْ یَسْقِیَ الْحَدِیقَةَ وَ یُحْیِیَ مَا فِی الْحَدِیقَةِ مِنَ الْخَلِیقَةِ وَ الْأَشْجَارِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْبُقُولِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ إِلاَّ أَنِّی أُحِبُّ أَنْ تَأْتِیَنِی بِحُجَّةٍ أَزْدَادُ بِهَا یَقِیناً وَ أَخْرُجُ بِهَا مِنَ الشَّكِّ قُلْتُ فَإِنِّی آتِیكَ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ قِبَلِ إِهْلِیلَجَتِكَ وَ اتِّصَالِهَا بِالْحَدِیقَةِ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْأَشْیَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِأَسْبَابِ السَّمَاءِ لِتَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِتَدْبِیرِ عَلِیمٍ حَكِیمٍ قَالَ وَ كَیْفَ تَأْتِینِی بِمَا یُذْهِبُ عَنِّی الشَّكَّ مِنْ قِبَلِ الْإِهْلِیلَجَةِ قُلْتُ فِیمَا أُرِیكَ فِیهَا مِنْ إِتْقَانِ الصُّنْعِ وَ أَثَرِ التَّرْكِیبِ الْمُؤَلَّفِ وَ اتِّصَالِ مَا بَیْنَ عُرُوقِهَا إِلَی فُرُوعِهَا وَ احْتِیَاجِ بَعْضِ ذَلِكَ إِلَی بَعْضٍ حَتَّی یَتَّصِلَ بِالسَّمَاءِ قَالَ إِنْ أَرَیْتَنِی ذَلِكَ لَمْ أَشُكَّ قُلْتُ أَ لَسْتَ

ص:189

تَعْلَمُ أَنَّ الْإِهْلِیلَجَةَ نَابِتَةٌ فِی الْأَرْضِ وَ أَنَّ عُرُوقَهَا مُؤَلَّفَةٌ إِلَی أَصْلٍ وَ أَنَّ الْأَصْلَ مُتَعَلِّقٌ بِسَاقٍ مُتَّصِلٍ بِالْغُصُونِ وَ الْغُصُونُ مُتَّصِلَةٌ بِالْفُرُوعِ وَ الْفُرُوعُ مَنْظُومَةٌ بِالْأَكْمَامِ وَ الْوَرَقِ وَ مَلْبَسُ ذَلِكَ كُلِّهِ الْوَرَقُ وَ یَتَّصِلُ جَمِیعُهُ بِظِلٍّ یَقِیهِ حَرَّ الزَّمَانِ وَ بَرْدَهُ قَالَ أَمَّا الْإِهْلِیلَجَةُ فَقَدْ تَبَیَّنَ لِیَ اتِّصَالُ لِحَائِهَا وَ مَا بَیْنَ عُرُوقِهَا وَ بَیْنَ وَرَقِهَا وَ مَنْبِتِهَا مِنَ الْأَرْضِ فَأَشْهَدُ أَنَّ خَالِقَهَا وَاحِدٌ لاَ یَشْرَكُهُ فِی خَلْقِهَا غَیْرُهُ لِإِتْقَانِ الصُّنْعِ وَ اتِّصَالِ الْخَلْقِ وَ ائْتِلاَفِ التَّدْبِیرِ وَ إِحْكَامِ التَّقْدِیرِ قُلْتُ إِنْ أَرَیْتُكَ التَّدْبِیرَ مُؤْتَلِفاً بِالْحِكْمَةِ وَ الْإِتْقَانَ مُعْتَدِلاً بِالصَّنْعَةِ مُحْتَاجاً بَعْضُهُ إِلَی بَعْضٍ مُتَّصِلاً بِالْأَرْضِ الَّتِی خَرَجَتْ مِنْهُ الْإِهْلِیلَجَةُ فِی الْحَالاَتِ كُلِّهَا أَ تُقِرُّ بِخَالِقِ ذَلِكَ قَالَ إِذَنْ لاَ أَشُكَّ فِی الْوَحْدَانِیَّةِ قُلْتُ فَافْهَمْ وَ افْقَهْ مَا أَصِفُ لَكَ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ مُتَّصِلَةٌ بِإِهْلِیلَجَتِكَ وَ إِهْلِیلَجَتَكَ مُتَّصِلَةٌ بِالتُّرَابِ وَ التُّرَابَ مُتَّصِلٌ بِالْحَرِّ وَ الْبَرْدِ وَ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ مُتَّصِلاَنِ بِالْهَوَاءِ وَ الْهَوَاءَ مُتَّصِلٌ بِالرِّیحِ وَ الرِّیحَ مُتَّصِلَةٌ بِالسَّحَابِ وَ السَّحَابَ مُتَّصِلٌ بِالْمَطَرِ وَ الْمَطَرَ مُتَّصِلٌ بِالْأَزْمِنَةِ وَ الْأَزْمِنَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ مُتَّصِلَتَانِ بِدَوَرَانِ الْفَلَكِ وَ الْفَلَكَ مُتَّصِلٌ بِمَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ صَنْعَةً ظَاهِرَةً وَ حِكْمَةً بَالِغَةً وَ تَأْلِیفَ مُتْقِنٍ وَ تَدْبِیرَ مُحْكِمٍ مُتَّصِلٌ كُلُّ هَذَا مَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لاَ یَقُومُ بَعْضُهُ إِلاَّ بِبَعْضٍ وَ لاَ یَتَأَخَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ وَقْتِهِ وَ لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ لَهَلَكَ جَمِیعُ مَنْ فِی الْأَرْضِ مِنَ الْأَنَامِ وَ النَّبَاتَاتِ قَالَ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْعَلاَمَاتُ الْبَیِّنَاتُ وَ الدَّلاَلاَتُ الْوَاضِحَاتُ الَّتِی یَجْرِی مَعَهَا أَثَرُ التَّدْبِیرِ بِإِتْقَانِ الْخَلْقِ وَ التَّأْلِیفِ مَعَ إِتْقَانِ الصُّنْعِ لَكِنِّی لَسْتُ أَدْرِی لَعَلَّ مَا تَرَكْتَ غَیْرُ مُتَّصِلٍ بِمَا ذَكَرْتَ قُلْتُ وَ مَا تَرَكْتُ قَالَ النَّاسَ قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُتَّصِلٌ بِالنَّاسِ سَخَّرَهُ لَهَا الْمُدَبِّرُ الَّذِی أَعْلَمْتُكَ أَنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ شَیْءٌ مِمَّا عَدَّدْتُ عَلَیْكَ هَلَكَتِ الْخَلِیقَةُ وَ بَادَ جَمِیعُ مَا فِی الْحَدِیقَةِ وَ ذَهَبَتِ الْإِهْلِیلَجَةُ الَّتِی تَزْعُمُ أَنَّ فِیهَا مَنَافِعَ النَّاسِ قَالَ فَهَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُفَسِّرَ لِی هَذَا الْبَابَ عَلَی مَا لَخَّصْتَ لِی غَیْرَهُ قُلْتُ نَعَمْ أُبَیِّنُ لَكَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ إِهْلِیلَجَتِكَ حَتَّی تَشْهَدَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسَخَّرٌ لِبَنِی آدَمَ قَالَ وَ كَیْفَ ذَلِكَ قُلْتُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاءَ سَقْفاً مَرْفُوعاً وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ اغْتَمَّ خَلْقُهُ لِقُرْبِهَا وَ أَحْرَقَتْهُمُ

ص:190

الشَّمْسُ لِدُنُوِّهَا وَ خَلَقَ لَهُمْ شُهُباً وَ نُجُوماً یُهْتَدَی بِهَا فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ لِمَنَافِعِ النَّاسِ وَ نُجُوماً یُعْرَفُ بِهَا أَصْلُ الْحِسَابِ فِیهَا الدَّلَالاتُ عَلَی إِبْطَالِ الْحَوَاسِّ وَ وُجُودِ مُعَلِّمِهَا الَّذِی عَلَّمَهَا عِبَادَهُ مِمَّا لَا یُدْرَكُ عِلْمُهَا بِالْعُقُولِ فَضْلًا عَنِ الْحَوَاسِّ وَ لَا یَقَعُ عَلَیْهَا الْأَوْهَامُ وَ لَا یَبْلُغُهَا الْعُقُولُ إِلَّا بِهِ لِأَنَّهُ الْعَزِیزُ الْجَبَّارُ الَّذِی دَبَّرَهَا وَ جَعَلَ فِیهَا سِرَاجاً وَ قَمَراً مُنِیراً یَسْبَحَانِ (1) فِی فَلَكٍ یَدُورُ بِهِمَا دَائِبَیْنِ (2) یُطْلِعُهُمَا تَارَةً وَ یُؤْفِلُهُمَا أُخْرَی فَبَنَی عَلَیْهِ الْأَیَّامَ وَ الشُّهُورَ وَ السِّنِینَ الَّتِی هِیَ مِنْ سَبَبِ الشِّتَاءِ وَ الصَّیْفِ وَ الرَّبِیعِ وَ الْخَرِیفِ أَزْمِنَةً مُخْتَلِفَةَ الْأَعْمَالِ أَصْلُهَا اخْتِلَافُ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ اللَّذَیْنِ لَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَرْمَداً عَلَی الْعِبَادِ لَمَا قَامَتْ لَهُمْ مَعَایِشُ أَبَداً فَجَعَلَ مُدَبِّرُ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ وَ خَالِقُهَا النَّهَارَ مُبْصِراً وَ اللَّیْلَ سَكَناً وَ أَهْبَطَ فِیهِمَا الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ مُتَبَایِنَیْنِ لَوْ دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِغَیْرِ صَاحِبِهِ مَا نَبَتَتْ شَجَرَةٌ وَ لَا طَلَعَتْ ثَمَرَةٌ وَ لَهَلَكَتِ الْخَلِیقَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِالرِّیحِ الْمُصَرَّفَةِ فِی الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بَارِدَةً تُبَرِّدُ أَنْفَاسَهُمْ وَ حَارَّةً تَلْقَحُ أَجْسَادَهُمْ وَ تَدْفَعُ الْأَذَی عَنْ أَبْدَانِهِمْ وَ مَعَایِشِهِمْ وَ رُطُوبَةً تُرَطِّبُ طَبَائِعَهُمْ وَ یُبُوسَةً تُنَشِّفُ رُطُوبَاتِهِمْ وَ بِهَا یَأْتَلِفُ الْمُفْتَرِقُ وَ بِهَا یَتَفَرَّقُ الْغَمَامُ الْمُطَبِّقُ حَتَّی یَنْبَسِطَ فِی السَّمَاءِ كَیْفَ یَشَاءُ مُدَبِّرُهُ فَ یَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ لِمَعَاشٍ مَفْهُومٍ وَ أَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ وَ آجَالٍ مَكْتُوبَةٍ وَ لَوِ احْتُبِسَ عَنْ أَزْمِنَتِهِ وَ وَقْتِهِ هَلَكَتِ الْخَلِیقَةُ وَ یَبِسَتِ الْحَدِیقَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ فِی أَیَّامِهِ وَ وَقْتِهِ إِلَی الْأَرْضِ الَّتِی خَلَقَهَا لِبَنِی آدَمَ وَ جَعَلَهَا فَرْشاً وَ مِهَاداً وَ حَبَسَهَا أَنْ تَزُولَ بِهِمْ وَ جَعَلَ الْجِبَالَ لَهَا أَوْتَاداً وَ جَعَلَ فِیهَا یَنَابِیعَ تَجْرِی فِی الْأَرْضِ بِمَا تَنْبُتُ فِیهَا لَا تَقُومُ الْحَدِیقَةُ وَ الْخَلِیقَةُ إِلَّا بِهَا وَ لَا یُصْلِحُونَ إِلَّا عَلَیْهَا مَعَ الْبِحَارِ الَّتِی یَرْكَبُونَهَا وَ یَسْتَخْرِجُونَ مِنْهَا حِلْیَةً یَلْبَسُونَهَا وَ لَحْماً طَرِیّاً وَ غَیْرَهُ یَأْكُلُونَهُ فَعُلِمَ أَنَّ إِلَهَ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَیْنَهُمَا وَاحِدٌ حَیٌّ قَیُّومٌ مُدَبِّرٌ حَكِیمٌ وَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَیْرَهُ لَاخْتَلَفَتِ الْأَشْیَاءُ وَ كَذَلِكَ السَّمَاءُ نَظِیرُ الْأَرْضِ الَّتِی أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا حَبًّا وَ عِنَباً وَ قَضْباً وَ زَیْتُوناً

ص: 191


1- سبح فی الماء و بالماء: عام و انبسط فیه. و یستعار لمر النجوم و جری الفرس و ما شاكل.
2- أی مستمرین.

وَ نَخْلًا وَ حَدائِقَ غُلْباً وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا بِتَدْبِیرٍ مُؤَلَّفٍ مُبَیَّنٍ بِتَصْوِیرِ الزَّهْرَةِ وَ الثَّمَرَةِ حَیَاةً لِبَنِی آدَمَ وَ مَعَاشاً یَقُومُ بِهِ أَجْسَادُهُمْ وَ تَعِیشُ بِهَا أَنْعَامُهُمُ الَّتِی جَعَلَ اللَّهُ فِی أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ وَ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَ الْبَلَاغِ عَلَی ظُهُورِهَا مَعَاشاً لَهُمْ لَا یَحْیَوْنَ إِلَّا بِهِ وَ صَلَاحاً لَا یَقُومُونَ إِلَّا عَلَیْهِ وَ كَذَلِكَ مَا جَهِلْتَ مِنَ الْأَشْیَاءِ فَلَا تَجْهَلْ أَنَّ جَمِیعَ مَا فِی الْأَرْضِ شَیْئَانِ شَیْ ءٌ یُولَدُ وَ شَیْ ءٌ یَنْبُتُ أَحَدُهُمَا آكِلٌ وَ الْآخَرُ مَأْكُولٌ وَ مِمَّا یَدُلُّكَ عَقْلُكَ أَنَّهُ خَالِقُهُمْ مَا تَرَی مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَ تَهْیِئَةِ جَسَدِهِ لِشَهْوَةِ الطَّعَامِ وَ الْمَعِدَةِ لِتَطْحَنَ الْمَأْكُولَ وَ مَجَارِی الْعُرُوقِ لِصَفْوَةِ الطَّعَامِ وَ هَیَّأَ لَهَا الْأَمْعَاءَ وَ لَوْ كَانَ خَالِقُ الْمَأْكُولِ غَیْرَهُ لَمَا خَلَقَ الْأَجْسَادَ مُشْتَهِیَةً لِلْمَأْكُولِ وَ لَیْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَیْهِ قَالَ لَقَدْ وَصَفْتَ صِفَةً أَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِیمٍ لَطِیفٍ قَدِیرٍ عَلِیمٍ قَدْ آمَنْتُ وَ صَدَّقْتُ أَنَّ الْخَالِقَ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ وَ بِحَمْدِهِ غَیْرَ أَنِّی أَشُكُّ فِی هَذِهِ السَّمَائِمِ الْقَاتِلَةِ أَنْ یَكُونَ هُوَ الَّذِی خَلَقَهَا لِأَنَّهَا ضَارَّةٌ غَیْرُ نَافِعَةٍ قُلْتُ أَ لَیْسَ قَدْ صَارَ عِنْدَكَ أَنَّهَا مِنْ غَیْرِ خَلْقِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ لِأَنَّ الْخَلْقَ عَبِیدُهُ وَ لَمْ یَكُنْ لِیَخْلُقَ مَا یَضُرُّهُمْ قُلْتُ سَأُبَصِّرُكَ مِنْ هَذَا شَیْئاً تَعْرِفُهُ وَ لَا أُنَبِّئُكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِ إِهْلِیلَجَتِكَ هَذِهِ وَ عِلْمِكَ بِالطِّبِّ قَالَ هَاتِ قُلْتُ هَلْ تَعْرِفُ شَیْئاً مِنَ النَّبْتِ لَیْسَ فِیهِ مَضَرَّةٌ لِلْخَلْقِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ هَذِهِ الْأَطْعِمَةُ قُلْتُ أَ لَیْسَ هَذَا الطَّعَامُ الَّذِی وَصَفْتَ یُغَیِّرُ أَلْوَانَهُمْ وَ یُهَیِّجُ أَوْجَاعَهُمْ حَتَّی یَكُونَ مِنْهَا الْجُذَامُ وَ الْبَرَصُ وَ السِّلَالُ (1) وَ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ وَ غَیْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْجَاعِ قَالَ هُوَ كَذَلِكَ قُلْتُ أَمَّا هَذَا الْبَابُ فَقَدِ انْكَسَرَ عَلَیْكَ قَالَ أَجَلْ قُلْتُ هَلْ تَعْرِفُ شَیْئاً مِنَ النَّبْتِ لَیْسَ فِیهِ مَنْفَعَةٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَ لَیْسَ یُدْخَلُ فِی الْأَدْوِیَةِ الَّتِی یُدْفَعُ بِهَا الْأَوْجَاعُ مِنَ الْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ وَ السِّلَالِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ وَ یَدْفَعُ الدَّاءَ وَ یُذْهِبُ السُّقْمَ مِمَّا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ لِطُولِ مُعَالَجَتِكَ قَالَ إِنَّهُ كَذَلِكَ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی أَیُّ الْأَدْوِیَةِ عِنْدَكُمْ أَعْظَمُ فِی السَّمَائِمِ الْقَاتِلَةِ أَ لَیْسَ التِّرْیَاقُ

ص: 192


1- السل بالكسر فی اللغة الهزال، و فی الطبّ القدیم قرحة فی الریة، و انما سمی المرض به لان من لوازمه هزال البدن، و لان الحمی الدقیة لازمة لهذه القرحة.

قَالَ نَعَمْ هُوَ رَأْسُهَا وَ أَوَّلُ مَا یُفْرَغُ إِلَیْهِ عِنْدَ نَهْشِ الْحَیَّاتِ (1) وَ لَسْعِ الْهَوَامِّ وَ شُرْبِ السَّمَائِمِ قُلْتُ أَ لَیْسَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْأَدْوِیَةِ الْمُرْتَفِعَةِ وَ الْأَدْوِیَةِ الْمُحْرِقَةِ فِی أَخْلَاطِ التِّرْیَاقِ إِلَّا أَنْ تُطْبَخَ بِالْأَفَاعِی الْقَاتِلَةِ قَالَ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ وَ لَا یَكُونُ التِّرْیَاقُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ الدَّافِعَ لِلسَّمَائِمِ الْقَاتِلَةِ إِلَّا بِذَلِكَ وَ لَقَدِ انْكَسَرَ عَلَیَّ هَذَا الْبَابُ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ أَنَّهُ خَالِقُ السَّمَائِمِ الْقَاتِلَةِ وَ الْهَوَامِّ الْعَادِیَةِ وَ جَمِیعِ النَّبْتِ وَ الْأَشْجَارِ وَ غَارِسُهَا وَ مُنْبِتُهَا وَ بَارِئُ الْأَجْسَادِ وَ سَائِقُ الرِّیَاحِ وَ مُسَخِّرُ السَّحَابِ وَ أَنَّهُ خَالِقُ الْأَدْوَاءِ الَّتِی تُهَیِّجُ بِالْإِنْسَانِ كَالسَّمَائِمِ الْقَاتِلَةِ الَّتِی تَجْرِی فِی أَعْضَائِهِ وَ عِظَامِهِ وَ مُسْتَقَرِّ الْأَدْوَاءِ وَ مَا یُصْلِحُهَا مِنَ الدَّوَاءِ الْعَارِفُ بِالرُّوحِ وَ مَجْرَی الدَّمِ وَ أَقْسَامِهِ فِی الْعُرُوقِ وَ اتِّصَالِهِ بِالْعَصَبِ وَ الْأَعْضَاءِ وَ الْعَصَبِ وَ الْجَسَدِ وَ أَنَّهُ عَارِفٌ بِمَا یُصْلِحُهُ مِنَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ عَالِمٌ بِكُلِّ عُضْوٍ بِمَا فِیهِ وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِی وَضَعَ هَذِهِ النُّجُومَ وَ حِسَابَهَا وَ الْعَالِمُ بِهَا وَ الدَّالُّ عَلَی نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا وَ مَا یَكُونُ مِنَ الْمَوَالِیدِ وَ أَنَّ التَّدْبِیرَ وَاحِدٌ لَمْ یَخْتَلِفْ مُتَّصِلٌ فِیمَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا فِیهَا فَبَیِّنْ لِی كَیْفَ قُلْتَ هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ وَ أَشْبَاهَ ذَلِكَ قُلْتُ هُوَ الْأَوَّلُ بِلَا كَیْفٍ وَ هُوَ الْآخِرُ بِلَا نِهَایَةٍ لَیْسَ لَهُ مِثْلٌ خَلَقَ الْخَلْقَ وَ الْأَشْیَاءَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ وَ لَا كَیْفٍ بِلَا عِلَاجٍ وَ لَا مُعَانَاةٍ وَ لَا فِكْرٍ وَ لَا كَیْفٍ كَمَا أَنَّهُ لَا كَیْفَ لَهُ وَ إِنَّمَا الْكَیْفُ بِكَیْفِیَّةِ الْمَخْلُوقِ لِأَنَّهُ الْأَوَّلُ لَا بَدْءَ لَهُ وَ لَا شِبْهَ وَ لَا مِثْلَ وَ لَا ضِدَّ وَ لَا نِدَّ لَا یُدْرَكُ بِبَصَرٍ وَ لَا یُحَسُّ بِلَمْسٍ وَ لَا یُعْرَفُ إِلَّا بِخَلْقِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی قَالَ فَصِفْ لِی قُوَّتَهُ قُلْتُ إِنَّمَا سُمِّیَ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ قَوِیّاً لِلْخَلْقِ الْعَظِیمِ الْقَوِیِّ الَّذِی خَلَقَ مِثْلَ الْأَرْضِ وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ جِبَالِهَا وَ بِحَارِهَا وَ رِمَالِهَا وَ أَشْجَارِهَا وَ مَا عَلَیْهَا مِنَ الْخَلْقِ الْمُتَحَرِّكِ مِنَ الْإِنْسِ وَ مِنَ الْحَیَوَانِ وَ تَصْرِیفِ الرِّیَاحِ وَ السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ الْمُثَقَّلِ بِالْمَاءِ الْكَثِیرِ وَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ عِظَمِهِمَا وَ عِظَمِ نُورِهِمَا الَّذِی لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ بُلُوغاً وَ لَا مُنْتَهًی وَ النُّجُومِ الْجَارِیَةِ وَ دَوَرَانِ الْفَلَكِ وَ غِلَظِ السَّمَاءِ وَ عِظَمِ الْخَلْقِ الْعَظِیمِ

ص: 193


1- نهش الحیة: تناوله بفمه لیعضّه فیؤثر فیه و لا یجرحه.

وَ السَّمَاءِ الْمُسَقَّفَةِ فَوْقَنَا رَاكِدَةً فِی الْهَوَاءِ وَ مَا دُونَهَا مِنَ الْأَرْضِ الْمَبْسُوطَةِ وَ مَا عَلَیْهَا مِنَ الْخَلْقِ الثَّقِیلِ وَ هِیَ رَاكِدَةٌ لَا تَتَحَرَّكُ غَیْرَ أَنَّهُ رُبَّمَا حُرِّكَ فِیهَا نَاحِیَةٌ وَ النَّاحِیَةُ الْأُخْرَی ثَابِتَةٌ وَ رُبَّمَا خَسَفَ مِنْهَا نَاحِیَةٌ وَ النَّاحِیَةُ الْأُخْرَی قَائِمَةٌ یُرِینَا قُدْرَتَهُ وَ یَدُلُّنَا بِفِعْلِهِ عَلَی مَعْرِفَتِهِ فَلِهَذَا سُمِّیَ قَوِیّاً لَا لِقُوَّةِ الْبَطْشِ الْمَعْرُوفَةِ مِنَ الْخَلْقِ وَ لَوْ كَانَتْ قُوَّتُهُ تُشْبِهُ قُوَّةَ الْخَلْقِ لَوَقَعَ عَلَیْهِ التَّشْبِیهُ وَ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلزِّیَادَةِ وَ مَا احْتَمَلَ الزِّیَادَةَ كَانَ نَاقِصاً وَ مَا كَانَ نَاقِصاً لَمْ یَكُنْ تَامّاً وَ مَا لَمْ یَكُنْ تَامّاً كَانَ عَاجِزاً ضَعِیفاً وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یُشَبَّهُ بِشَیْ ءٍ وَ إِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ قَوِیٌّ لِلْخَلْقِ الْقَوِیِّ وَ كَذَلِكَ قَوْلُنَا الْعَظِیمُ وَ الْكَبِیرُ وَ لَا یُشَبَّهُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی قَالَ أَ فَرَأَیْتَ قَوْلَهُ سَمِیعٌ بَصِیرٌ عَالِمٌ قُلْتُ إِنَّمَا یُسَمَّی تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لِأَنَّهُ لَا یَخْفَی عَلَیْهِ شَیْ ءٌ مِمَّا لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ مِنْ شَخْصٍ صَغِیرٍ أَوْ كَبِیرٍ أَوْ دَقِیقٍ أَوْ جَلِیلٍ وَ لَا نَصِفُهُ بَصِیراً بِلَحْظِ عَیْنٍ كَالْمَخْلُوقِ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ سَمِیعاً لِأَنَّهُ ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا یَسْمَعُ النَّجْوَی وَ دَبِیبَ النَّمْلِ عَلَی الصَّفَا (1) وَ خَفَقَانَ الطَّیْرِ فِی الْهَوَاءِ (2)لَا تَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَةٌ وَ لَا شَیْ ءٌ مِمَّا أَدْرَكَتْهُ الْأَسْمَاعُ وَ الْأَبْصَارُ وَ مَا لَا تُدْرِكُهُ الْأَسْمَاعُ وَ الْأَبْصَارُ مَا جَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَ مَا دَقَّ وَ مَا صَغُرَ وَ مَا كَبُرَ وَ لَمْ نَقُلْ سَمِیعاً بَصِیراً كَالسَّمْعِ الْمَعْقُولِ مِنَ الْخَلْقِ وَ كَذَلِكَ إِنَّمَا سُمِّیَ عَلِیماً لِأَنَّهُ لَا یَجْهَلُ شَیْئاً مِنَ الْأَشْیَاءِ لَا تَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَةٌ فِی الْأَرْضِ وَ لَا فِی السَّمَاءِ عَلِمَ مَا یَكُونُ وَ مَا لَا یَكُونُ وَ مَا لَوْ كَانَ كَیْفَ یَكُونُ وَ لَمْ نَصِفْ عَلِیماً بِمَعْنَی غَرِیزَةٍ یَعْلَمُ بِهَا كَمَا أَنَّ لِلْخَلْقِ غَرِیزَةً یَعْلَمُونَ بِهَا فَهَذَا مَا أَرَادَ مِنْ قَوْلِهِ عَلِیمٌ فَعَزَّ مَنْ جَلَّ عَنِ الصِّفَاتِ وَ مَنْ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ أَفْعَالِ خَلْقِهِ فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَی وَ لَوْ لَا ذَلِكَ مَا فَصَّلَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ فَسُبْحَانَهُ وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ قَالَ إِنَّ هَذَا لَكَمَا تَقُولُ وَ لَقَدْ عَلِمْتُ إِنَّمَا غَرَضِی أَنْ أَسْأَلَ عَنْ رَدِّ الْجَوَابِ فِیهِ عِنْدَ مُصَرِّفٍ یَسْنَحُ عَنِّی فَأَخْبِرْنِی لَعَلِّی أُحْكِمُهُ فَیَكُونَ الْحُجَّةُ قَدِ انْشَرَحَتْ لِلْمُتَعَنِّتِ الْمُخَالِفِ أَوِ السَّائِلِ الْمُرْتَابِ أَوِ الطَّالِبِ الْمُرْتَادِ مَعَ مَا فِیهِ لِأَهْلِ الْمُوَافَقَةِ مِنَ الِازْدِیَادِ فَأَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِهِ لَطِیفٌ وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لِلْفِعْلِ وَ لَكِنْ قَدْ رَجَوْتُ أَنْ تَشْرَحَ لِی ذَلِكَ بِوَصْفِكَ قُلْتُ إِنَّمَا

ص: 194


1- الصفا: الحجر الصلد الضخم.
2- خفق الطیر: ضرب بجناحیه.

سَمَّیْنَاهُ لَطِیفاً لِلْخَلْقِ اللَّطِیفِ وَ لِعِلْمِهِ بِالشَّیْ ءِ اللَّطِیفِ مِمَّا خَلَقَ مِنَ الْبَعُوضِ وَ الذَّرَّةِ (1) وَ مِمَّا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمَا لَا یَكَادُ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَ الْعُقُولُ لِصِغَرِ خَلْقِهِ مِنْ عَیْنِهِ وَ سَمْعِهِ وَ صُورَتِهِ لَا یُعْرَفُ مِنْ ذَلِكَ لِصِغَرِهِ الذَّكَرُ مِنَ الْأُنْثَی وَ لَا الْحَدِیثُ الْمَوْلُودُ مِنَ الْقَدِیمِ الْوَالِدِ (2) فَلَمَّا رَأَیْنَا لُطْفَ ذَلِكَ فِی صِغَرِهِ وَ مَوْضِعَ الْعَقْلِ فِیهِ وَ الشَّهْوَةَ لِلسِّفَادِ(3) وَ الْهَرَبَ مِنَ الْمَوْتِ وَ الْحَدَبَ عَلَی نَسْلِهِ مِنْ وُلْدِهِ وَ مَعْرِفَةَ بَعْضِهَا بَعْضاً وَ مَا كَانَ مِنْهَا فِی لُجَجِ الْبِحَارِ وَ أَعْنَانِ السَّمَاءِ وَ الْمَفَاوِزِ وَ الْقِفَارِ وَ مَا هُوَ مَعَنَا فِی مَنْزِلِنَا وَ یَفْهَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً مِنْ مَنْطِقِهِمْ وَ مَا یَفْهَمُ مِنْ أَوْلَادِهَا وَ نَقْلَهَا الطَّعَامَ إِلَیْهَا وَ الْمَاءَ عَلِمْنَا أَنَّ خَالِقَهَا لَطِیفٌ وَ أَنَّهُ لَطِیفٌ بِخَلْقِ اللَّطِیفِ (4)كَمَا سَمَّیْنَاهُ قَوِیّاً بِخَلْقِ الْقَوِیِّ قَالَ إِنَّ الَّذِی جِئْتَ بِهِ لَوَاضِحٌ فَكَیْفَ جَازَ لِلْخَلْقِ أَنْ یَتَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَی قُلْتُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ أَبَاحَ لِلنَّاسِ الْأَسْمَاءَ وَ وَهَبَهَا لَهُمْ وَ قَدْ قَالَ الْقَائِلُ مِنَ النَّاسِ لِلْوَاحِدِ وَاحِدٌ وَ یَقُولُ لِلَّهِ وَاحِدٌ وَ یَقُولُ قَوِیٌّ وَ اللَّهُ تَعَالَی قَوِیٌّ وَ یَقُولُ صَانِعٌ وَ اللَّهُ صَانِعٌ وَ یَقُولُ رَازِقٌ وَ اللَّهُ رَازِقٌ وَ یَقُولُ سَمِیعٌ بَصِیرٌ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ بَصِیرٌ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ وَاحِدٌ فَهَذَا لَهُ اسْمٌ وَ لَهُ شَبِیهٌ وَ اللَّهُ وَاحِدٌ وَ هُوَ لَهُ اسْمٌ وَ لَا شَیْ ءَ لَهُ شَبِیهٌ وَ لَیْسَ الْمَعْنَی وَاحِداً وَ أَمَّا الْأَسْمَاءُ فَهِیَ دَلَالَتُنَا عَلَی الْمُسَمَّی لِأَنَّا قَدْ نَرَی الْإِنْسَانَ وَاحِداً وَ إِنَّمَا نُخْبِرُ وَاحِداً إِذَا كَانَ مُفْرَداً فَعُلِمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِی نَفْسِهِ لَیْسَ بِوَاحِدٍ فِی الْمَعْنَی لِأَنَّ أَعْضَاءَهُ مُخْتَلِفَةٌ وَ أَجْزَاءَهُ لَیْسَتْ سَوَاءً وَ لَحْمَهُ غَیْرُ دَمِهِ وَ عَظْمَهُ غَیْرُ عَصَبِهِ وَ شَعْرَهُ غَیْرُ ظُفُرِهِ وَ سَوَادَهُ غَیْرُ بَیَاضِهِ وَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْخَلْقِ وَ الْإِنْسَانُ وَاحِدٌ فِی

ص: 195


1- الذر: صغار النمل.
2- هذا تنبیه منه علیه السلام علی وجود الحیوانات الحیة و المیكروبات المخفیة عن الانظار و العقول، قبل وجود المكبّرات و اختراع المیكروسكوب و المنظار بقرون، و غیر خفی أن العلم بذلك فی أحد عشر قرنا قبل زماننا لم یك یحصل إلّا لذوی النفوس الكاملة و الانظار الثاقبة، الذین خصهم اللّٰه من بریته بفضله، و أیدهم بحكمته، و انتجبهم لولایته من بین خلقه، و علمهم ما لا یعلم غیرهم من عبیده.
3- و فی نسخة: و الشهوة للبقاء.
4- و فی نسخة: لطیف یخلق اللطیف.

الِاسْمِ وَ لَیْسَ بِوَاحِدٍ فِی الِاسْمِ وَ الْمَعْنَی وَ الْخَلْقِ فَإِذَا قِیلَ لِلَّهِ فَهُوَ الْوَاحِدُ الَّذِی لَا وَاحِدَ غَیْرُهُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِیهِ وَ هُوَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی سَمِیعٌ وَ بَصِیرٌ وَ قَوِیٌّ وَ عَزِیزٌ وَ حَكِیمٌ وَ عَلِیمٌ فَتَعَالَی اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ قَالَ فَأَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِهِ رَءُوفٌ رَحِیمٌ وَ عَنْ رِضَاهُ وَ مَحَبَّتِهِ وَ غَضَبِهِ وَ سَخَطِهِ قُلْتُ إِنَّ الرَّحْمَةَ وَ مَا یَحْدُثُ لَنَا مِنْهَا شَفَقَةٌ وَ مِنْهَا جُودٌ وَ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ ثَوَابُهُ لِخَلْقِهِ وَ الرَّحْمَةَ مِنَ الْعِبَادِ شَیْئَانِ أَحَدُهُمَا یَحْدُثُ فِی الْقَلْبِ الرَّأْفَةُ وَ الرِّقَّةُ لِمَا یُرَی بِالْمَرْحُومِ مِنَ الضُّرِّ وَ الْحَاجَةِ وَ ضُرُوبِ الْبَلَاءِ وَ الْآخَرُ مَا یَحْدُثُ مِنَّا مِنْ بَعْدِ الرَّأْفَةِ وَ اللُّطْفِ عَلَی الْمَرْحُومِ وَ الرَّحْمَةُ مِنَّا مَا نَزَلَ بِهِ وَ قَدْ یَقُولُ الْقَائِلُ انْظُرْ إِلَی رَحْمَةِ فُلَانٍ وَ إِنَّمَا یُرِیدُ الْفِعْلَ الَّذِی حَدَثَ عَنِ الرِّقَّةِ الَّتِی فِی قَلْبِ فُلَانٍ وَ إِنَّمَا یُضَافُ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ فَعْلِ مَا حَدَثَ عَنَّا مِنْ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ وَ أَمَّا الْمَعْنَی الَّذِی هُوَ فِی الْقَلْبِ فَهُوَ مَنْفِیٌّ عَنِ اللَّهِ كَمَا وَصَفَ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ رَحِیمٌ لَا رَحْمَةَ رِقَّةٍ وَ أَمَّا الْغَضَبُ فَهُوَ مِنَّا إِذَا غَضِبْنَا تَغَیَّرَتْ طَبَائِعُنَا وَ تَرْتَعِدُ أَحْیَاناً مَفَاصِلُنَا وَ حَالَتْ أَلْوَانُنَا ثُمَّ نَجِی ءُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ بِالْعُقُوبَاتِ فَسُمِّیَ غَضَباً فَهَذَا كَلَامُ النَّاسِ الْمَعْرُوفُ وَ الْغَضَبُ شَیْئَانِ أَحَدُهُمَا فِی الْقَلْبِ وَ أَمَّا الْمَعْنَی الَّذِی هُوَ فِی الْقَلْبِ فَهُوَ مَنْفِیٌّ عَنِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَ كَذَلِكَ رِضَاهُ وَ سَخَطُهُ وَ رَحْمَتُهُ عَلَی هَذِهِ الصِّفَةِ جَلَّ وَ عَزَّ لَا شَبِیهَ لَهُ وَ لَا مِثْلَ فِی شَیْ ءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ قَالَ فَأَخْبِرْنِی عَنْ إِرَادَتِهِ قُلْتُ إِنَّ الْإِرَادَةَ مِنَ الْعِبَادِ الضَّمِیرُ وَ مَا یَبْدُو بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفِعْلِ وَ أَمَّا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَالْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ إِحْدَاثُهُ إِنَّمَا یَقُولُ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ بِلَا تَعَبٍ وَ لَا كَیْفٍ قَالَ قَدْ بَلَّغْتَ حَسْبُكَ فَهَذِهِ كَافِیَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ الَّذِی هَدَانَا مِنَ الضَّلَالِ وَ عَصَمَنَا مِنْ أَنْ نُشَبِّهَهُ بِشَیْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ أَنْ نَشُكَّ فِی عَظَمَتِهِ وَ قُدْرَتِهِ وَ لَطِیفِ صُنْعِهِ وَ جَبَرُوتِهِ جَلَّ عَنِ الْأَشْبَاهِ وَ الْأَضْدَادِ وَ تَكَبَّرَ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَ الْأَنْدَادِ.

شرح: قوله علیه السلام: دفعت إلیه علی بناء المجهول أی دفعتك الحاجة و الضرورة إلیه و فی الأساس دفع فلان إلی فلان انتهی إلیه قوله علیه السلام: مغیض هو بفتح المیم و كسر الغین المعجمة موضع یجری إلیه الماء و یغیب أو یجتمع فیه و فی الثانی مصدر میمی

ص: 196

قوله علیه السلام: فی الجهات الأربع أی الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور و یحتمل أن یكون المراد المتغیرة بسبب الصفات الأربعة التی فسرها علیه السلام قوله علیه السلام: تلقح أجسادهم أی تنمیها مستعارا من لقاح الشجر كما قال تعالی وَ أَرْسَلْنَا الرِّیاحَ لَواقِحَ و فی أكثر النسخ بالفاء و هو بمعنی الإحراق فیكون كنایة عن نضجها و الودق المطر قوله وَ قَضْباً یعنی الرطبة سمیت بمصدر قضبه إذا قطعه لأنها تقضب مرة بعد أخری وَ حَدائِقَ غُلْباً أی عظاما وصفت به الحدائق لتكاثفها و كثرة أشجارها أو لأنها ذات أشجار غلاظ مستعار من وصف الرقاب وَ أَبًّا مرعی من أب إذا أم لأنه یؤم و ینتجع أو من أب لكذا إذا تهیأ له لأنه متهیأ للرعی و فاكهة یابسة تؤب للشتاء و قال الجوهری الأثاث متاع البیت قال الفراء لا واحد له و قال أبو زید الأثاث المال أجمع الإبل و الغنم و العبید و المتاع الواحدة أثاثة انتهی وَ مَتاعاً أی شیئا ینتفع به إِلی حِینٍ إلی أن تقضوا منه أوطاركم أو إلی أن یبلی و یفنی أو إلی أن تموتوا قوله علیه السلام: و الانتفاع عطف علی أصوافها أو فی أصوافها قوله علیه السلام: و مستقر اسم مكان معطوف علی الأدواء قوله علیه السلام: هو الأول بلا كیف أی كان أزلیا من غیر اتصاف بكیفیة أو من غیر أن تعرف كیفیة أولیته بمقارنة زمان قدیم بل بلا زمان قوله علیه السلام: لا من شی ء و لا كیف أی لا من مادة و لا من شبه و مثال و تصور و خیال تمثل فیه كیفیة الخلق ثم خلق علی مثال ذلك كما فی المخلوقین قوله علیه السلام: ثانیا و لا كیف أی لیس لخلقه و إیجاده كیفیة كما فی المخلوقین من حركة و مزاولة عمل فكما أنه لا كیف لذاته لا كیف لإیجاده و إذا وصف خلقه و إیجاده بالكیف فهو یرجع إلی كیفیة مخلوقه فإذا قیل كیف خلق الأشیاء فالمعنی الصحیح له كیف مخلوقاته لا أنه كیف كان فعله و إیجاده و إلیه أشار علیه السلام بقوله و إنما الكیف بكیفیة المخلوق ثم علل ذلك بأن هذه صفات المحدثین و هو الأول لا بدء له و لا شبه فكیف یتصف بها قوله علیه السلام: الذی خلق خبر مبتدإ محذوف أی هو الذی و قوله علیه السلام: و تصریف الریاح عطف علی الخلق العظیم و یحتمل العطف علی قوله مثل الأرض قوله علیه السلام: بلوغا و لا منتهی لعل المراد أنه لا یبلغ الأبصار إلیهما و لا إلی منتهی نورهما أو منتهی جسمهما

ص: 197

قوله علیه السلام: و عظم الخلق العظیم أی السماء أو ما علیها من الملائكة قوله و لا یشبه بهذه الأسماء علی بناء المجهول من باب التفعیل أی لا یصیر إطلاق هذه الأسماء علیه سببا لأن یظن أنه شبیه بخلقه قوله إنما غرضی أی غرضی من السؤال أن تجیب عما یعرض لی من إشكال یصرّفنی عن الحق یسنح و یظهر عنی و فی بعض النسخ عن رد الجواب فیه عند متعرف غبی أی إنی قد آمنت و أیقنت و إنما المقصود من السؤال أن أقدر علی أن أجیب عن سؤال متعرف غبی جاهل أحمق لأهدیه إلی الحق و هو أظهر و الحدب العطف و الشفقة و لعل المراد بما فی أعنان السماء ما یطیر فی الهواء و قد مر تفسیر بعض الفقرات و سیأتی تفسیر بعضها. ت و سیأتی تفسیر بعضها.

باب 6 التوحید و نفی الشریك و معنی الواحد و الأحد و الصمد و تفسیر سورة التوحید

اشارة

الآیات؛

البقرة: «وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِیمُ»(163) (و قال تعالی): «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً (1) یُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ»(165) (و قال سبحانه): «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ»(255) (و قال تعالی): «لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ»(284)

آل عمران: «وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ»(62) (و قال تعالی): «قُلْ یا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلی كَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمْ(2) أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَیْئاً وَ لا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(65) (3)

ص: 198


1- أی من الأصنام أو الرؤساء أو الأعمّ. یحبونهم أو یعظمونهم و یصفونهم كتعظیمه تعالی و المیل إلی طاعته. قوله: أشدّ حبا للّٰه أی لا تنقطع محبتهم للّٰه، بخلاف محبة الانداد فانها لاغراض فاسدة تزول بأدنی سبب. منه رحمه اللّٰه.
2- أی لا یختلف فیها الرسل و الكتب. منه رحمه اللّٰه.
3- أی الزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم، و اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب و تطابقت علیه الرسل. منه رحمه اللّٰه.

النساء: «إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَكَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ یَشاءُ وَ مَنْ یُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَری إِثْماً عَظِیماً»(48) (و قال تعالی): «وَ مَنْ یُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِیداً* إِنْ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَ إِنْ یَدْعُونَ إِلَّا شَیْطاناً مَرِیداً»(117) (و قال): «وَ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ كَفی بِاللَّهِ وَكِیلًا»(132)

أنعام: «قُلْ أَ رَأَیْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَیْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ* بَلْ إِیَّاهُ تَدْعُونَ فَیَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَیْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ»(40-41) (و قال تعالی): «قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»(56)

الأعراف: «ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ» (فی مواضع) (59 ،65 ،73)

یونس: «وَ ما یَتَّبِعُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ»(66) (و قال تعالی): «قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِی شَكٍّ مِنْ دِینِی فَلا أَعْبُدُ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِی یَتَوَفَّاكُمْ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ* وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِینَ* وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَنْفَعُكَ وَ لا یَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِینَ»(104-106)

هود: «أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِی لَكُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ»(2)

یوسف: «ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَیْ ءٍ»(38) (و قال): «یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ* ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ ذلِكَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ»(39-40) (و قال): «وَ ما یُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ»(106)

الرعد: «لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَیْ ءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّیْهِ إِلَی الْماءِ لِیَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِینَ إِلَّا فِی ضَلالٍ* وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ لا یَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَ النُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ

ص: 199

فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ»(14-16) (و قال): «قُلْ هُوَ رَبِّی لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَیْهِ مَتابِ»(30) (و قال): «أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلی كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا یَعْلَمُ فِی الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِیلِ»(33) (و قال): «قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ إِلَیْهِ أَدْعُوا وَ إِلَیْهِ مَآبِ»(36)

إبراهیم: «وَ لِیَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ»(52)

النحل: «یُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ* خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالی عَمَّا یُشْرِكُونَ»(2-3) (و قال تعالی): «وَ قالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَیْنِ اثْنَیْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ* وَ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَهُ الدِّینُ واصِباً أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ* وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَیْهِ تَجْئَرُونَ* ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِیقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِكُونَ *لِیَكْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* وَ یَجْعَلُونَ لِما لا یَعْلَمُونَ نَصِیباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ *وَ یَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ»(51-57)

الإسراء: «لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا* وَ قَضی رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ»(22 ، 32) (و قال تعالی): «وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقی فِی جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً»(39) (و قال تعالی): «قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما یَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلی ذِی الْعَرْشِ سَبِیلًا* سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِیراً»(42-43) (و قال تعالی): «قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِیلًا *أُولئِكَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ وَ یَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ یَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً»(56-57)

الكهف: «فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً* هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا یَأْتُونَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطانٍ بَیِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ كَذِباً»(14-15) (و قال اللّٰه تعالی): «لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّی وَ لا أُشْرِكُ

ص: 200

بِرَبِّی أَحَداً»(38) (و قال تعالی): «وَ یَقُولُ یا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّی أَحَداً»(42) (و قال تعالی): «أَ فَحَسِبَ (1) الَّذِینَ كَفَرُوا أَنْ یَتَّخِذُوا عِبادِی مِنْ دُونِی أَوْلِیاءَ»(102) (و قال تعالی): «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ (2) فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً»(110)

مریم: «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِیَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا *كَلَّا سَیَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ یَكُونُونَ عَلَیْهِمْ ضِدًّا»(81-82)

الأنبیاء: «وَ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ لا یَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا یَسْتَحْسِرُونَ* یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ یُنْشِرُونَ(3)* لَوْ كانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ* لا یُسْئَلُ عَمَّا یَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ* أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِیَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِی بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ* وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِی إِلَیْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ»(19-25) (و قال تعالی): «وَ إِذا رَآكَ الَّذِینَ كَفَرُوا إِنْ یَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَ هذَا الَّذِی یَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ»(36) (و قال تعالی): «قُلْ مَنْ یَكْلَؤُكُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ *أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَ لا هُمْ مِنَّا یُصْحَبُونَ»(42-43)(4) (و قال تعالی): «إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ* لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ كُلٌّ فِیها خالِدُونَ* لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ وَ هُمْ فِیها لا یَسْمَعُونَ* إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ»(98-101) (و قال تعالی): «قُلْ إِنَّما یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(108)

ص: 201


1- مفعول الثانی «لحسب» مقدر أی نافعهم أو لا اعذبهم، أو سد «أن یتخذوا» مسد المفعولین. منه رحمه اللّٰه
2- أی یأمل حسن لقائه یخاف سوء لقائه. منه رحمه اللّٰه
3- قوله: هم ینشرون أی الموتی، و هم و إن لم یقروا بذلك لكن یلزم ذلك من ادعائهم كونها آلهة. منه رحمه اللّٰه.
4- أی من عذابه ، وقوله : لا یستطیعون استینافی لابطال ما اعتقدوه. ولا هم منا یصحبون أی لا یجأرون من عذابنا ولا یصحبهم منا نصر. منه رحمه اللّٰه.

الحج: «حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِكِینَ بِهِ وَ مَنْ یُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّیْرُ أَوْ تَهْوِی بِهِ الرِّیحُ فِی مَكانٍ سَحِیقٍ»(31) (و قال): «وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ ما لَیْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ ما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ»(71)

المؤمنون: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ* عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَتَعالی عَمَّا یُشْرِكُونَ»(91-92) (و قال عز و جل): «فَتَعالَی اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِیمِ* وَ مَنْ یَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْكافِرُونَ»(116-117)

الفرقان: «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ وَ لا یَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا یَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَیاةً وَ لا نُشُوراً»(3)

الشعراء: «فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ»(213)

النمل: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ»(26) (و قال تعالی): «قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سَلامٌ عَلی عِبادِهِ الَّذِینَ اصْطَفی آللَّهُ خَیْرٌ أَمَّا یُشْرِكُونَ* أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدِلُونَ* (1) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِیَ(2) وَ جَعَلَ بَیْنَ الْبَحْرَیْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ* أَمَّنْ یُجِیبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ یَكْشِفُ السُّوءَ وَ یَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِیلًا ما تَذَكَّرُونَ* أَمَّنْ یَهْدِیكُمْ (3) فِی ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَنْ یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَی اللَّهُ عَمَّا یُشْرِكُونَ* أَمَّنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَ مَنْ یَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ»(59-64)

القصص: «وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ فَیَقُولُ أَیْنَ شُرَكائِیَ الَّذِینَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ* قالَ الَّذِینَ

ص: 202


1- أی یعدلون عن الحق. منه رحمه اللّٰه.
2- أی جبالا ثابتة. و البحران: العذب و المالح و بحرا فارس و الروم. منه رحمه اللّٰه.
3- أی بالنجوم و علامات الأرض. بین یدی رحمته أی المطر من السماء و الأرض أی باسبابها.منه رحمه اللّٰه.

حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ (1) رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِینَ أَغْوَیْنا أَغْوَیْناهُمْ كَما غَوَیْنا تَبَرَّأْنا إِلَیْكَ ما كانُوا إِیَّانا یَعْبُدُونَ* (2)وَ قِیلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُمْ وَ رَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا یَهْتَدُونَ»(62-64) (و قال تعالی): «وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِینَ* وَ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَیْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ»(87-88)

العنكبوت: «وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِی ما لَیْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَیَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(8) (و قال عز و جل): «مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِیاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُیُوتِ لَبَیْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا یَعْلَمُونَ* إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْ ءٍ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ* وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ»(41-43)

الروم: «وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِینَ *مِنَ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ(3) وَ كانُوا شِیَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ* وَ إِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِیبِینَ إِلَیْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِكُونَ* لِیَكْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* أَمْ أَنْزَلْنا عَلَیْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ یَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ یُشْرِكُونَ»(31-35) (و قال تعالی): «اللَّهُ الَّذِی خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ یُمِیتُكُمْ ثُمَّ یُحْیِیكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ یَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَیْ ءٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِكُونَ»(40)

لقمان: «یا بُنَیَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ»(13) (و قال): «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلی أَنْ تُشْرِكَ بِی ما لَیْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما»(15)

سبأ: «قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا

ص: 203


1- أی حقّ علیهم الوعید بالعذاب من الجن و الشیاطین و الذین أغووا الخلق من الانس. ربنا هؤلاء الذین أغوینا یعنون اتباعهم. ما كانوا إیانا یعبدون أی لم یكونوا یعبدوننا، بل كانوا یعبدون الشیاطین الذین زیفوا عبادتنا، أو لم یعبدونا باستحقاق. منه رحمه اللّٰه.
2- أی بحیلة لدفع العذاب أو إلی الحق، و قیل: «لو» للتمنی أی تمنوا أنهم كانوا مهتدین. منه رحمه اللّٰه.
3- أی الشیاطین حیث أطاعوهم، و قیل: كانوا یتمثلون و یتخیلون أنهم الملائكة فیعبدونهم. منه رحمه اللّٰه.

فِی الْأَرْضِ وَ ما لَهُمْ فِیهِما مِنْ شِرْكٍ وَ ما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِیرٍ»(22) (و قال تعالی): «قُلْ أَرُونِیَ الَّذِینَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ»(27) (و قال سبحانه): «وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً ثُمَّ یَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِیَّاكُمْ كانُوا یَعْبُدُونَ* قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِیُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا یَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ»(40-41)

فاطر: «یا أَیُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ یَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَكُونَ»(3) (و قال سبحانه): «وَ ما یَسْتَوِی الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ (1) سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَی الْفُلْكَ فِیهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی (2) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما یَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِیرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ(3)وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَ لا یُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِیرٍ»(12-14) (و قال تعالی): «قُلْ أَ رَأَیْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِی السَّماواتِ أَمْ آتَیْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ یَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً»(40)

یس: «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنْصَرُونَ* لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ»(74-75)

الصافات: «وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِراتِ زَجْراً *فَالتَّالِیاتِ ذِكْراً* (4)

ص: 204


1- قیل: الفرات هو الذی ینكسر به العطش، و السائغ: الذی یسهل انحداره، و الاجاج: الذی یحرق بملوحته. و المراد بالحلیة اللئالی. مواخر أی تشق الماء بجریها. منه رحمه اللّٰه.
2- الأجل المسمی مدة دوره أی منتهاه، أو یوم القیامة. القطمیر لفافة النواة. منه رحمه اللّٰه.
3- أی علی فرض المحال ما استجابوا لكم لعدم قدرتهم علی الانفاع، أو لتبریهم منكم مما تدعون لهم. منه رحمه اللّٰه.
4- اقسم بالملائكة الصافین فی مقام العبودیة، الزاجرین لاجرام العلویة و السفلیة بالتدبیر المأمور فیها، أو الناس عن المعاصی و الشیاطین عن التعرض لهم، التالین آیات اللّٰه تعالی و أسراره علی أنبیائه و أصفیائه. أو بطوائف العلماء الصافین فی العبادات، الزاجرین عن الكفر و المعاصی، التالین آیات اللّٰه و شرائعه. او بنفوس الغزاة الصافین فی الجهاد، الزاجرین الخیل او العدو، و التالین ذكر اللّٰه لا یشغلهم عنه مجاهدة الاعداء. منه قدّس سرّه.

إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ* رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ»(1-5)

ص: «وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ * رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا الْعَزِیزُ الْغَفَّارُ»(65-66)

الزمر: «ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُصْرَفُونَ»(6) (و قال تعالی): «وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِیباً إِلَیْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِیَ ما كانَ یَدْعُوا إِلَیْهِ مِنْ قَبْلُ وَ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِیلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ»(8) (و قال تعالی): «قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِینِی* فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ»(14-15) (و قال سبحانه): «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِیهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ»(29) (و قال تعالی): «قُلْ أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّی أَعْبُدُ أَیُّهَا الْجاهِلُونَ* وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْكَ وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِینَ»(64-66)

المؤمن: «ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِیَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَ إِنْ یُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا»(12) (و قال): «وَ اللَّهُ یَقْضِی بِالْحَقِّ وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَقْضُونَ بِشَیْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ»(20) (و قال تعالی): «وَ یا قَوْمِ ما لِی أَدْعُوكُمْ إِلَی النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِی إِلَی النَّارِ *تَدْعُونَنِی لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَی الْعَزِیزِ الْغَفَّارِ»(41-42) (و قال تعالی): «ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَكُونَ»(62) (إلی قوله تعالی): «هُوَ الْحَیُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ»(65) (إلی قوله تعالی): «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِینَ»(84)

السجدة: «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِیمُوا إِلَیْهِ وَ اسْتَغْفِرُوهُ وَ وَیْلٌ لِلْمُشْرِكِینَ»(6) (إلی قوله تعالی): «قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِینَ»(9) (و قال تعالی): «إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ»(14) (و قال تعالی): «وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ أَیْنَ شُرَكائِی قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِیدٍ* وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا یَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَ ظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ»(47-48) (و قال تعالی): «وَ مِنْ آیاتِهِ اللَّیْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا

ص: 205

تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ* فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِینَ عِنْدَ رَبِّكَ یُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا یَسْأَمُونَ»(37-38)

حمعسق: «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُّ وَ هُوَ یُحْیِ الْمَوْتی وَ هُوَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ»(9) (و قال تعالی): «كَبُرَ عَلَی الْمُشْرِكِینَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ»(13)

الزخرف: «وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِی بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ *إِلَّا الَّذِی فَطَرَنِی فَإِنَّهُ سَیَهْدِینِ»(26-27) (و قال تعالی): «وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ»(45) (و قال تعالی): «وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ یَصِدُّونَ* وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَیْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ»(57-58)

الجاثیة: «وَ لا یُغْنِی عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَیْئاً وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِیاءَ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ»(10)

محمد: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ»(19)

ق: «الَّذِی جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِیاهُ فِی الْعَذابِ الشَّدِیدِ»(2)

الذاریات: «وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّی لَكُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ مُبِینٌ»(51)

الطور: «أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یُشْرِكُونَ»(43)

الممتحنة: «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إِبْراهِیمَ وَ الَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»(4)

الجن: «قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّی وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً»(20)

المزمل: «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِیلًا»(9)

التوحید: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ *لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ* وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ»(1-4)

«1»-ید، التوحید ل، الخصال الطَّالَقَانِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ الْهَیْثَمِ الْبَلَدِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْمُعَافَی بْنِ عِمْرَانَ عَنْ إِسْرَائِیلَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَیْحِ بْنِ هَانِی عَنْ أَبِیهِ قَالَ: إِنَّ أَعْرَابِیّاً قَامَ یَوْمَ الْجَمَلِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ قَالَ فَحَمَلَ النَّاسُ عَلَیْهِ وَ قَالُوا یَا أَعْرَابِیُّ أَ مَا تَرَی مَا فِیهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ

ص: 206

مِنْ تَقَسُّمِ الْقَلْبِ (1) فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام دَعُوهُ فَإِنَّ الَّذِی یُرِیدُهُ الْأَعْرَابِیُّ هُوَ الَّذِی نُرِیدُهُ مِنَ الْقَوْمِ ثُمَّ قَالَ یَا أَعْرَابِیُّ إِنَّ الْقَوْلَ فِی أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ عَلَی أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَوَجْهَانِ مِنْهَا لَا یَجُوزُ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَجْهَانِ یَثْبُتَانِ فِیهِ فَأَمَّا اللَّذَانِ لَا یَجُوزَانِ عَلَیْهِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ وَاحِدٌ یَقْصِدُ بِهِ بَابَ الْأَعْدَادِ فَهَذَا مَا لَا یَجُوزُ لِأَنَّ مَا لَا ثَانِیَ لَهُ لَا یَدْخُلُ فِی بَابِ الْأَعْدَادِ أَ مَا تَرَی أَنَّهُ كَفَرَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَ قَوْلُ الْقَائِلِ هُوَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ یُرِیدُ بِهِ النَّوْعَ مِنَ الْجِنْسِ فَهَذَا مَا لَا یَجُوزُ لِأَنَّهُ تَشْبِیهٌ وَ جَلَّ رَبُّنَا وَ تَعَالَی عَنْ ذَلِكَ وَ أَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ یَثْبُتَانِ فِیهِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ هُوَ وَاحِدٌ لَیْسَ لَهُ فِی الْأَشْیَاءِ شِبْهٌ كَذَلِكَ رَبُّنَا وَ قَوْلُ الْقَائِلِ إِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَحَدِیُّ الْمَعْنَی یَعْنِی بِهِ أَنَّهُ لَا یَنْقَسِمُ فِی وُجُودٍ وَ لَا عَقْلٍ وَ لَا وَهْمٍ كَذَلِكَ رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ.

مع، معانی الأخبار، عبد اللّٰه بن محمد بن عبد الوهاب بن نصر بن عبد الوهاب بن عطاء بن واصل السنجری عن أبی الحسن أحمد بن محمد بن عبد اللّٰه بن حمزة الشعرانی العماری من ولد عمار بن یاسر عن أبی محمد عبید اللّٰه بن یحیی بن عبد الباقی الآذنی عن أبی المقدام بن شریح بن هانی عن أبیه مثله.

بیان: التقسم التفرق و المعنی الأول المنفی هو الوحدة العددیة بمعنی أن یكون له ثان من نوعه و الثانی أن یكون المراد به صنفا من نوع فإن النوع یطلق فی اللغة علی الصنف و كذا الجنس علی النوع فإذا قیل لرومی مثلا هذا واحد من الناس بهذا المعنی یكون المعنی أن صنف هذا صنف من أصناف الناس أو هذا من صنف من أصنافهم و یحتمل أن یكون المراد بالأول الذی له ثان فی الإلهیة و بالثانی الواحد من نوع داخل تحت جنس فالمراد أنه یرید به أی بالناس أنه نوع لهذا الشخص و یكون ذكر الجنس لبیان أن النوع یستلزم الجنس غالبا فیلزم التركیب من الأجزاء العقلیة و المعنیان المثبتان الأول منهما إشارة إلی نفی الشریك و الثانی منهما إلی نفی التركیب و قوله فی وجود أی فی الخارج.

ص: 207


1- تقسم الشی ء: فرقه. تقسمته الهموم أی وزعت خواطره.

«2»-ید، التوحید مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الْجَعْفَرِیِّ (1)قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِیَ علیه السلام مَا مَعْنَی الْوَاحِدِ قَالَ الْمُجْتَمَعُ عَلَیْهِ بِجَمِیعِ الْأَلْسُنِ بِالْوَحْدَانِیَّةِ.

سن، المحاسن أبی عن داود بن القاسم مثله.

«3»- ج، الإحتجاج عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مَا مَعْنَی الْأَحَدِ قَالَ الْمُجْمَعُ عَلَیْهِ بِالْوَحْدَانِیَّةِ أَ مَا سَمِعْتَهُ یَقُولُ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ شَرِیكٌ وَ صَاحِبَةٌ.

بیان: قوله علیه السلام: بعد ذلك استفهام علی الإنكار أی كیف یكون له شریك و صاحبة بعد إجماع القول علی خلافه.

«4»-ید، التوحید ابْنُ عِصَامٍ وَ الدَّقَّاقُ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ جَمِیعاً عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِیَ علیه السلام مَا مَعْنَی الْوَاحِدِ قَالَ الَّذِی اجْتِمَاعُ الْأَلْسُنِ عَلَیْهِ بِالتَّوْحِیدِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ (2).

ص: 208


1- هو داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد اللّٰه بن جعفر بن أبی طالب رحمه اللّٰه، كان جلیل القدر عظیم المنزلة عند الأئمّة علیهم السلام، وثقه النجاشیّ، و قد شاهد جماعة من الأئمّة، منهم الرضا، و الجواد، و الهادی و العسكریّ، و صاحب الامر علیهم السلام، و روی عنهم، و له أخبار و مسائل، و له شعر جید فیهم، و كان مقدما عند السلطان، و له كتاب روی عنه أحمد بن أبی عبد اللّٰه. و عده ابن طاوس «علی ما حكی» فی ربیع الشیعة من سفراء الصاحب علیه السلام و الأبواب المعروفین الذین لا تختلف الاثنا عشریة فیهم.
2- الظاهر من مضامین الأحادیث الثلاثة أنّها متحدة، و أن أبا هاشم الجعفری سئل مرة واحدة عن موضوع واحد، و الاختلاف الذی یتراءی فیها جاء من قبل الرواة بعد النقل بالمعنی و نقلها بالتفصیل و الاجمال. كما أن الظاهر من الحدیث الثانی الذی نقل فیها ألفاظ السائل بتمامها أن المسئول عنه هو معنی الاحد الواقع فی سورة الإخلاص- بل هو صریح فی ذلك- لا المعنی الواحد كما فی الحدیث الأول و الثالث المنقولین بالمعنی؟ و حاصل السؤال استفهام معنی الاحد، و كانه أراد فهم الفرق بینه و بین معنی الواحد، فأجابه علیه السلام بأن الاحد هو الذی لا یری ذوی الألسن و العقول له شریك فی وحدته، و اجتمعوا باتصافه بالوحدانیة دون غیره، ثمّ استشهد علیه السلام لكونه تعالی كذلك بالآیة و أن طوائف الناس بأجمعها مذعنة باتصافه بأنّه خالق السماوات و الأرض و أنّه إلههما دون غیره. و الحاصل كل ما یراه الناس بطوائفه و أصنافه أنّه واحد فی ذاته أو فی صفاته و لم یروا فی ذلك له شبیه و نظیر فهو المسمی بالاحد، بخلاف الواحد فانه یحتمله و غیره و الأول یسمی بالفارسیة «یكتا» و الثانی «یك» و الأول لا یقع فی مراتب الاعداد بخلاف الثانی.

بیان: یحتمل تلك الأخبار وجوها الأول أن یكون علیه السلام أحال معنی الواحد علی ما هو المعروف بین الناس و أعرض عنه و استدل علیه بما جبل علیه جمیع العقول من الإذعان بتوحیده.

الثانی أن یكون المراد به أن معنی الواحد هو الذی أقر به كل ذی عقل إذا صرف عنه الأغراض النفسانیة.

الثالث أن یكون هذا اللفظ بحسب الشرع موضوعا لهذا المعنی مأخوذا فیه إجماع الألسن.(1)ثم الظاهر أن یكون الآیة احتجاجا علی مشركی قریش حیث كانوا یقرون بأن الخالق لجمیع المخلوقات هو اللّٰه تعالی و مع ذلك كانوا یعبدون الأصنام وَ یَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ و یحتمل أن یكون المراد أن غرائز الخلق كلها مجبولة علی الإذعان بتوحیده فإذا رجعوا إلی أنفسهم و تركوا العصبیة و العناد یرون أنفسهم مذعنة بذلك و ینبه علی ذلك أنهم عند اضطرارهم فی المهالك و المخاوف لا یلجئون إلا إلیه كما نبه تعالی علیه فی مواضع من القرآن المجید و الأول أظهر فإن للتوحید ثلاثة معان الأول توحید واجب الوجود و الثانی توحید صانع العالم و مدبر النظام و الثالث توحید الإله و هو المستحق للعبادة و كان مشركو القریش مخالفین فی المعنی الثالث.

«5»-ج، الإحتجاج عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ الزِّنْدِیقُ الصَّادِقَ علیه السلام عَنْ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَزَلْ مَعَهُ طِینَةٌ مُوذِیَةٌ فَلَمْ یَسْتَطِعِ التَّفَصِّیَ (2)مِنْهَا إِلَّا بِامْتِزَاجِهِ بِهَا وَ دُخُولِهِ فِیهَا فَمِنْ تِلْكَ الطِّینَةِ خَلَقَ الْأَشْیَاءَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ تَعَالَی مَا أَعْجَزَ إِلَهاً یُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ لَا یَسْتَطِیعُ التَّفَصِّیَ مِنَ الطِّینَةِ إِنْ كَانَتِ الطِّینَةُ حَیَّةً أَزَلِیَّةً فَكَانَا إِلَهَیْنِ قَدِیمَیْنِ فَامْتَزَجَا

ص: 209


1- اما المعنیان الاولان فهما بحسب الدقة واحد و هو الذی جبل علیه العقول و لا تأثیر للشهرة العرفیة فی هذه المعانی؛ و اما الثالث فاحتمال فاسد من اصله لا یحمل علیه الاخبار اذ لا معنی لدعوة القرآن الی الحقیقة الشرعیة من غیر بیان و لا إشارة إلغازا و تعمیة. ط.
2- التفصی: التخلص.

وَ دَبَّرَا الْعَالَمَ مِنْ أَنْفُسِهِمَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمِنْ أَیْنَ جَاءَ الْمَوْتُ وَ الْفَنَاءُ وَ إِنْ كَانَتِ الطِّینَةُ مَیِّتَةً فَلَا بَقَاءَ لِلْمَیِّتِ مَعَ الْأَزَلِیِّ الْقَدِیمِ وَ الْمَیِّتُ لَا یَجِی ءُ مِنْهُ حَیٌّ (1) هَذِهِ مَقَالَةُ الدَّیَصَانِیَّةِ أَشَدِّ الزَّنَادِقَةِ قَوْلًا وَ أَهْمَلِهِمْ مَثَلًا نَظَرُوا فِی كُتُبٍ قَدْ صَنَّفَتْهَا أَوَائِلُهُمْ وَ حَبَّرُوهَا (2) لَهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُزَخْرَفَةٍ مِنْ غَیْرِ أَصْلٍ ثَابِتٍ وَ لَا حُجَّةٍ تُوجِبُ إِثْبَاتَ مَا ادَّعَوْا كُلُّ ذَلِكَ خِلَافاً عَلَی اللَّهِ وَ عَلَی رُسُلِهِ وَ تَكْذِیباً بِمَا جَاءُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ فَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَبْدَانَ ظُلْمَةٌ وَ الْأَرْوَاحَ نُورٌ وَ أَنَّ النُّورَ لَا یَعْمَلُ الشَّرَّ وَ الظُّلْمَةَ لَا تَعْمَلُ الْخَیْرَ فَلَا یَجِبُ عَلَیْهِمْ أَنْ یَلُومُوا أَحَداً عَلَی مَعْصِیَةٍ وَ لَا رُكُوبِ حُرْمَةٍ وَ لَا إِتْیَانِ فَاحِشَةٍ وَ إِنَّ ذَلِكَ عَلَی الظُّلْمَةِ غَیْرُ مُسْتَنْكَرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلُهَا وَ لَا لَهُ أَنْ یَدْعُوَ رَبّاً وَ لَا یَتَضَرَّعَ إِلَیْهِ لِأَنَّ النُّورَ رَبٌّ وَ الرَّبُّ لَا یَتَضَرَّعُ إِلَی نَفْسِهِ وَ لَا یَسْتَعِیذُ بِغَیْرِهِ وَ لَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ یَقُولَ أَحْسَنْتُ وَ أَسَأْتُ لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ وَ ذَلِكَ فِعْلُهَا وَ الْإِحْسَانُ مِنَ النُّورِ وَ لَا یَقُولُ النُّورُ لِنَفْسِهِ أَحْسَنْتَ یَا مُحْسِنُ وَ لَیْسَ هُنَاكَ ثَالِثٌ فَكَانَتِ الظُّلْمَةُ عَلَی قِیَاسِ قَوْلِهِمْ أَحْكَمَ فِعْلًا وَ أَتْقَنَ تَدْبِیراً وَ أَعَزَّ أَرْكَاناً مِنَ النُّورِ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ مُحْكَمَةٌ فَمَنْ صَوَّرَ هَذَا الْخَلْقَ صُورَةً وَاحِدَةً عَلَی نُعُوتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ كُلَّ شَیْ ءٍ یُرَی ظَاهِراً مِنَ الظَّهْرِ وَ الْأَشْجَارِ وَ الثِّمَارِ وَ الطَّیْرِ وَ الدَّوَابِّ یَجِبُ أَنْ یَكُونَ إِلَهاً ثُمَّ حَبَسَتِ النُّورَ فِی حَبْسِهَا وَ الدَّوْلَةُ لَهَا وَ مَا ادَّعَوْا بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ سَوْفَ تَكُونُ لِلنُّورِ فَدَعْوَی وَ یَنْبَغِی عَلَی قِیَاسِ قَوْلِهِمْ أَنْ لَا یَكُونَ لِلنُّورِ فِعْلٌ لِأَنَّهُ أَسِیرٌ وَ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ فَلَا فِعْلَ لَهُ وَ لَا تَدْبِیرَ وَ إِنْ كَانَ لَهُ مَعَ الظُّلْمَةِ تَدْبِیرٌ فَمَا هُوَ بِأَسِیرٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ عَزِیزٌ فَإِنْ لَمْ یَكُنْ كَذَلِكَ وَ كَانَ أَسِیرَ الظُّلْمَةِ فَإِنَّهُ یَظْهَرُ فِی هَذَا الْعَالَمِ إِحْسَانٌ وَ خَیْرٌ مَعَ فَسَادٍ وَ شَرٍّ فَهَذَا یَدُلُّ عَلَی أَنَّ الظُّلْمَةَ تُحْسِنُ الْخَیْرَ وَ تَفْعَلُهُ كَمَا تُحْسِنُ الشَّرَّ وَ تَفْعَلُهُ فَإِنْ قَالُوا مُحَالٌ ذَلِكَ فَلَا نُورَ یُثْبَتُ وَ لَا ظُلْمَةَ وَ بَطَلَتْ دَعْوَاهُمْ وَ یَرْجِعُ الْأَمْرُ إِلَی أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَ مَا سِوَاهُ بَاطِلٌ فَهَذِهِ مَقَالَةُ مَانِی الزِّنْدِیقِ وَ أَصْحَابِهِ وَ أَمَّا مَنْ قَالَ النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ بَیْنَهُمَا حَكَمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ یَكُونَ أَكْبَرَ الثَّلَاثَةِ

ص: 210


1- و فی نسخة: و المیت لا یحیی منه حی.
2- أی زینوها و حسنوها بألفاظ أباطیل مموهة.

الْحَكَمُ لِأَنَّهُ لَا یَحْتَاجُ إِلَی الْحَاكِمِ إِلَّا مَغْلُوبٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مَظْلُومٌ وَ هَذِهِ مَقَالَةُ الْمَدْقُونِیَّةِ (1) وَ الْحِكَایَةُ عَنْهُمْ تَطُولُ قَالَ فَمَا قِصَّةُ مَانِی قَالَ مُتَفَحِّصٌ أَخَذَ بَعْضَ الْمَجُوسِیَّةِ فَشَابَهَا بِبَعْضِ النَّصْرَانِیَّةِ (2) فَأَخْطَأَ الْمِلَّتَیْنِ وَ لَمْ یُصِبْ مَذْهَباً وَاحِداً مِنْهُمَا وَ زَعَمَ أَنَّ الْعَالَمَ دُبِّرَ مِنْ إِلَهَیْنِ نُورٍ وَ ظُلْمَةٍ وَ أَنَّ النُّورَ فِی حِصَارٍ مِنَ الظُّلْمَةِ عَلَی مَا حَكَیْنَا مِنْهُ فَكَذَّبَتْهُ النَّصَارَی وَ قَبِلَتْهُ الْمَجُوسُ الْخَبَرَ (3).

توضیح: و تحقیق اعلم أنه علیه السلام أشار فی هذا الخبر إلی إبطال مذاهب ثلاث فرق من الثنویة و لنحقق أصل مذاهبهم لیتضح ما أفاده علیه السلام فی الرد علیهم.

الأول مذهب الدیصانیة و هم أصحاب دیصان و هم أثبتوا أصلین نورا و ظلاما فالنور یفعل الخیر قصدا و اختیارا و الظلام یفعل الشر طبعا و اضطرارا فما كان من خیر و نفع و طیب و حسن فمن النور و ما كان من شر و ضر و نتن و قبح فمن الظلام و زعموا أن النور حی عالم قادر حساس دراك و منه تكون الحركة و الحیاة و الظلام میت جاهل عاجز جماد موات لا فعل لها و لا تمییز و زعموا أن الشر یقع منه طباعا و زعموا أن النور جنس واحد و كذلك الظلام جنس واحد و أن إدراك النور إدراك متفق و أن سمعه و بصره هو حواسه و إنما قیل سمیع بصیر لاختلاف التركیب لا لأنهما فی نفسهما شیئان مختلفان.

و زعموا أن اللون هو الطعم و هو الرائحة و هو المجسّة (4) و إنما وجده لونا لأن الظلمة خالطته ضربا من المخالطة و وجده طعما لأنها خالطته بخلاف ذلك الضرب و كذلك یقول فی لون الظلمة و طعمها و رائحتها و مجستها و زعموا أن النور بیاض كله و أن الظلمة سواد كلها و زعموا أن النور لم یزل یلقی الظلمة بأسفل صفیحة منه و أن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلی صفیحة منها.

ص: 211


1- و فی نسخة: و هذه مقالة المرقوبیة.
2- أی زادها ببعض النصرانیة.
3- قال الفیروزآبادی: مجوس كصبور رجل صغیر الأذنین وضع دینا و دعا إلیه؛ معرب «میج كوش».
4- المجس و المجسة: موضع اللمس.

و اختلفوا فی المزاج و الخلاص فزعم بعضهم أن النور دخل الظلمة و الظلمة تلقاه بخشونة و غلظ فتأذی بها و أحب أن یرققها و یلینها ثم یتخلص منها و لیس ذلك لاختلاف جسمها و لكن كما أن المنشار جنسه حدید و صفیحته لینة و أسنانه خشنة فاللین فی النور و الخشونة فی الظلمة و هما جنس واحد فیلطف النور بلینه حتی یدخل فیما بین تلك الفرج فما أمكنه إلا بتلك الخشونة فلا یتصور الوصول إلی كمال و وجود إلا بلین و خشونة.

و قال بعضهم بل الظلام لما احتال حتی تشبث بالنور من أسفل صفیحته و درجه فاجتهد النور حتی یتخلص منه و یدفعها عن نفسه اعتمد علیه فلجج فیه و ذلك بمنزلة الإنسان الذی یرید الخروج من وحل وقع فیه فیعتمد علی رجله لیخرج فیزداد لجوجا فیه فاحتاج النور إلی زمان لیعالج التخلص منه و التفرد بعالمه.

و قال بعضهم إن النور إنما دخل الظلام اختیارا لیصلحها و یستخرج منه أجزاء صالحة لعالمه فلما دخل تشبث به زمانا فصار یفعل الجور و القبیح اضطرارا لا اختیارا و لو انفرد فی عالمه ما كان یحصل منه إلا الخیر المحض و الحسن البحت (1) و فرق بین الفعل الضروری و بین الفعل الاختیاری.

الثانی مذهب المانویة أصحاب مانی الحكیم الذی ظهر فی زمان سابور بن أردشیر و ذلك بعد عیسی علیه السلام أخذ دینا بین المجوسیة و النصرانیة و كان یقول بنبوة المسیح علیه السلام و لا یقول بنبوة موسی علیه السلام حكی محمد بن هارون المعروف بأبی عیسی الوراق أن الحكیم مانی زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلین قدیمین أحدهما نور و الآخر ظلمة و أنهما أزلیان لم یزالا و لن یزالا و أنكر وجود شی ء لا من الأصل قدیما و زعم أنهما لم یزالا قویین حساسین سمیعین بصیرین و هما مع ذلك فی النفس و الصورة و الفعل و التدبیر متضادان و الخیر و الشر متحاذیان تحاذی الشخص و الظل و النور جوهره حسن فاضل كریم صاف نقی طیب الریح حسن المنظر و نفسه خیرة كریمة حلیمة نافعة عالمة و فعله الخیر و الصلاح و النفع و السرور و الترتیب

ص: 212


1- البحت: الصرف الخالص.

و النظام و الاتفاق و جهته فوق و أكثرهم علی أنه مرتفع من ناحیة الشمال.

و زعم بعضهم أنه بجنب الظلمة و أجناسه خمسة أربعة منها أبدان و الخامسة روحها فالأبدان النار و الریح و النور و الماء و روحها النسیم و هی تتحرك فی هذه الأبدان و صفاته حسنة خیرة طاهرة زكیة.

و قال بعضهم كون النور لم یزل علی مثال هذا العالم له أرض و جو و أرض النور لم تزل لطیفة علی غیر صورة هذه الأرض بل علی صورة جرم الشمس و شعاعها كشعاع الشمس و رائحتها طیبة أطیب رائحة و ألوانها ألوان قوس قزح.

و قال بعضهم و لا شی ء إلا الجسم و الأجسام علی ثلاثة أنواع أرض النور و هی خمسة و هناك جسم آخر ألطف منه و هو الجو و هو نفس النور و جسم آخر ألطف منه و هو النسیم و هو روح النور قال و لم یزل یولد ملائكة و آلهة أولیاء لیس علی سبیل المناكحة بل كما یتولد الحكمة من الحكیم و النطق الطیب من الناطق و ملك ذلك العالم هو روحه و یجمع عالمه الخیر و الحمد و النور.

و أما الظلمة فجوهرها قبیح ناقص لئیم كدر خبیث منتن الریح قبیح المنظر و نفسها شریرة لئیمة سفیهة ضارة جاهلة و فعلها الشر و الفساد و الضرر و الغم و التشویش و الاختلاف و جهتها تحت و أكثرهم علی أنها منحطة من جانب الجنوب.

و زعم بعضهم أنها بجنب النور و أجناسها خمسة أربعة منها أبدان و الخامسة روحها فالأبدان هی الحریق و الظلمة و السموم و الضباب و روحها الدخان و هو یتحرك فی هذه الأبدان و أما صفاتها فهی خبیثة شریرة نجسة دنسة.

و قال بعضهم كون الظلمة لم یزل علی مثال هذا العالم له أرض و جو فأرض الظلمة لم تزل كثیفة علی غیر صورة هذه الأرض بل هی أكثف و أصلب و رائحتها كریهة أنتن الروائح و ألوانها السواد.

و قال بعضهم و لا شی ء إلا الجسم و الأجسام علی ثلاثة أنواع أرض الظلمة و جسم آخر أظلم منه و هو الدخان و جسم آخر أظلم منه و هو السموم و قال و لم یزل تولد الظلمة شیاطین و عفاریت لا علی سبیل المناكحة بل كما یتولد الحشرات من

ص: 213

العفونات القذرة قال و ملك ذلك العالم هو روحه و یجمع عالمه الشر و الذمیمة و الظلمة.

ثم اختلفت المانویة فی المزاج و سببه و الخلاص و سببه قال بعضهم إن النور و الظلام امتزجا بالخبط و الاتفاق لا بالقصد و الاختیار و قال أكثرهم إن سبب الامتزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل فنظرت الروح فرأت الأبدان علی ممازجة النور فأجابتها لإسراعها إلی الشر فلما رأی ذلك ملك النور وجه إلیها ملكا من ملائكته فی خمسة أجزاء من أجناسها الخمسة فاختلطت الخمسة النوریة بالخمس الظلامیة فخالط الدخان النسیم و إنما الحیاة و الروح فی هذا العالم من النسیم و الهلاك و الآفات من الدخان و خالط الحریق النار و النور الظلمة و السموم الریح و الضباب الماء فما فی العالم من منفعة و خیر و بركة فمن أجناس النور و ما فیه من مضرة و شر و فساد فمن أجناس الظلمة فلما رأی ملك النور هذه الامتزاج أمر ملكا من ملائكته فخلق هذا العالم علی هذه الهیئة لیخلص أجناس النور من أجناس الظلمة و إنما سارت الشمس و النجوم و القمر لاستصفاء أجزاء النور من أجزاء الظلمة هذا ما ذكر الشهرستانی من تحقیق مذهبهم مع خرافات آخر نقلها عنهم.

و قال ابن أبی الحدید قالت المانویة إن النور لا نهایة له من جهة فوق و أما من جهة تحت فله نهایة و الظلمة لا نهایة لها من جهة أسفل و أما من جهة فوق فلها نهایة و كان النور و الظلمة هكذا قبل خلق العالم و بینهما فرجة و إن بعض أجزاء النور اقتحم تلك الفرجة لینظر إلی الظلمة فأشرقت الظلمة فأقبل عالم كثیر من النور فجاءت الظلمة لیستخلص المأمورین [المأسورین من تلك الأجزاء (1)و طالت الحرب و اختلط كثیر من أجزاء النور بكثیر من أجزاء الظلمة فاقتضی حكمة نور الأنوار و هو البارئ سبحانه عندهم أن عمل الأرض من لحوم القتلی و الجبال من عظامهم و البحار من صدیدهم(2) و دمائهم و السماء من جلودهم و خلق الشمس و القمر و سیرهما لاستصفاء ما فی العالم

ص: 214


1- و فی نسخة: لیتخلص المأمورین من تلك الاجزاء.
2- الصدید: القیح المختلط بالدم.

من أجزاء النور المختلطة بأجزاء الظلمة و جعل حول العالم خندقا خارج الفلك الأعلی یطرح فیه الظلام المستصفی فهو لا یزال یزید و یتضاعف و یكثر فی ذلك الخندق و هو ظلام صرف قد استصفی نوره.

و أما النور المستخلص فیلحق بعد الاستصفاء بعالم الأنوار فلا تزال الأفلاك متحركة و العالم مستمرا إلی أن یتم استصفاء النور الممتزج و حینئذ یبقی من النور الممتزج شی ء منعقد باطل لا تقدر النیران علی استصفائه فعند ذلك تسقط الأجسام العالیة و هی الأفلاك علی الأجسام السافلة و هی الأرضون و تفور نار تضطرم فی تلك الأسافل و هی المسماة بجهنم و یكون الاضطرام مقدار ألف و أربعمائة سنة فتحلل بتلك النار تلك الأجزاء المنعقدة من النور الممتزجة بأجزاء الظلمة التی عجز الشمس و القمر عن استصفائها فیرتفع إلی عالم الأنوار و یبطل حینئذ و یعود النور كله إلی حالة الأولی قبل الامتزاج و كذلك الظلمة الثالث المرقوبیّة أثبتوا أصلین متضادین أحدهما النور و الثانی الظلمة و أثبتوا أصلا ثالثا هو المعدل الجامع و هو سبب المزاج فإن المتنافرین المتضادین لا یمتزجان إلا بجامع و قالوا الجامع دون النور فی الرتبة و فوق الظلمة و حصل من الاجتماع و الامتزاج هذا العالم.

و منهم من یقول الامتزاج إنما یحصل بین الظلمة و المعدل إذ هو قریب منها فامتزج به لیتطیب به و یلتذ ملاذه فبعث النور إلی العالم الممتزج روحا مسیحیة و هو روح اللّٰه و ابنه تحننا علی المعدل السلیم الواقع فی شبكة الظلام الرجیم حتی یخلصه من حبائل الشیاطین فمن اتبعه فلم یلامس النساء و لم یقرب الزهومات أفلت و نجا و من خالفه خسر و هلك قالوا و إنما أثبتنا المعدل لأن النور الذی هو اللّٰه تعالی لا تجوز علیه مخالطة الشیطان فإن الضدین یتنافران طبعا و یتمانعان ذاتا و نفسا فكیف یجوز اجتماعهما و امتزاجهما فلا بد من معدل تكون منزلته دون النور و فوق الظلام فیقع المزاج معه كذا ذكره الشهرستانی.

و قال ابن أبی الحدید قول المجوس هو أن الغرض من خلق العالم أن یتحصن

ص: 215

الخالق جل اسمه من العدو(1)و أن یجعل العالم شبكة له لیوقع العدو فیه و یجعله فی ربط و وثاق و العدو عندهم هو الشیطان و بعضهم یعتقد قدمه و بعضهم حدوثه.

قال قوم منهم إن البارئ عز و جل استوحش ففكر فكرة ردیة فتولد منها الشیطان و قال آخرون بل شك شكا ردیا فتولد الشیطان من شكه و قال آخرون بل تولد من عفونة ردیة قدیمة.

و زعموا أن الشیطان حارب البارئ سبحانه و كان فی الظلمة لم یزل بعیدا عن سلطان البارئ سبحانه فلم یزل یزحف حتی رأی النور فوثب وثبة عظیمة فصار فی سلطان اللّٰه تعالی فی النور و أدخل معه البلایا و الشرور فبنی اللّٰه سبحانه هذه الأفلاك و الأرض و العناصر شبكة له و هو فیها محبوس لا یمكنه الرجوع إلی سلطانه الأول و الظلمة فهو أبدا یضطرب و یرمی الآفات علی خلق اللّٰه سبحانه فمن أحیاه اللّٰه رماه الشیطان بالموت و من أصحه رماه الشیطان بالسقم و من سره رماه الشیطان بالحزن و الكأبة فلا یزال كذلك و كل یوم ینتقص سلطانه و قوته لأن اللّٰه تعالی یحتال له كل یوم و یضعفه إلی أن تذهب قوته كلها و یخمد و یصیر جمادا جامدا هوائیا و یجمع اللّٰه تعالی أهل الأدیان فیعذبهم بقدر ما یطهرهم و یصفیهم من طاعة الشیطان و یغسلهم من الأدناس ثم یدخلهم الجنة و هی لا أكل فیها و لا شرب و لا تمتع و لكنها موضع لذة و سرور.

أقول: لما عرفت هذه المذاهب السخیفة المزخرفة التی یغنی تقریرها عن التعرض لإبطالها و تزییفها فلنرجع إلی توضیح الخبر.

فنقول یظهر من كلامه علیه السلام أن الدیصانیة قالوا بقدم الطینة أی الظلمة و بحدوث الامتزاج و یحتمل أن یكون إشارة إلی ما نسبه الشهرستانی إلی الزروانیة حیث قال زعم بعضهم أنه كان لم یزل مع اللّٰه شی ء ردی إما فكرة ردیة و إما عفونة ردیة و ذلك هو مصدر الشیطان و زعموا أن الدنیا كانت سلیمة من الشرور و الآفات و كان أهلها فی خیر محض و نعیم خالص فلما حدث أهرمن حدثت الشرور و الآفات و الفتن (2) و كان بمعزل من السماء فاحتال حتی خرق السماء و صعد.

ص: 216


1- و فی نسخة: أن ینحصر الخالق جل اسمه من العدو.
2- و فی نسخة: و الآفات و المحن.

ثم إنه استدل علیه السلام علی إبطال مذهبهم بوجهین الأول أن قولكم إنه تعالی كان لم یزل متأذیا من تلك الطینة و لم یستطع التفصی منها یستلزم عجزه تعالی و العجز نقص یحكم العقل ببراءة صانع مثل هذا النظام عنه و أیضا یوجب الاحتیاج إلی من یرفع و یدفع ذلك عنه و هو ینافی وجوب الوجود الذی قام البرهان علی اتصاف الصانع تعالی به.

و الثانی أنه لا یخلو إما أن تكون تلك الطینة الأزلیة حیة عالمة قادرة فیكون كل منهما إلها واجبا بالذات لما قد ثبت بالعقل و النقل أن الممكن لا یكون قدیما فإذا حصل العالم من امتزاجها فلا یجوز علی شی ء من أجزاء العالم الموت و الفناء إذ انتفاء المركب إنما یكون بانتفاء أحد أجزائه و الجزءان هنا قدیمان و یحتمل أن یكون هذا إلزاما علیهم حیث أثبتوا الظلمة و جعلوها میتة جاهلة عاجزة جمادا لینسبوا إلیها الموت و الفناء زعما منهم أن مثل هذه الأمور لا یصدر عن النور الحی العالم القادر و إما أن تكون میتة أی عادمة للقدرة و العلم و الإرادة و هذا محال إذ القدم یستلزم وجوب الوجود و هو یستلزم الاتصاف بالعلم و القدرة و سائر الكمالات و إلیه أشار علیه السلام بقوله فلا بقاء للمیت مع الأزلی القدیم ثم أبطل علیه السلام ذلك بوجه آخر و هو أنهم ینسبون خلق الموذیات كالحیات و العقارب و السباع إلی الظلمة و لو كانت میتة لا یجوز نسبة خلقها إلیها إذ العقل یحكم بدیهة أنه یجب أن یكون الصانع أشرف من المصنوع من جمیع الجهات و كیف یفیض الحیاة و العلم و القدرة ممن لم یكن له حظ منها.

و أما المانویة فیظهر من كلامه علیه السلام فی تقریر مذهبهم غیر ما مر من نقل الناقلین لمذهبهم و لا عبرة بنقلهم فإنهم كثیرا ما ینسبون أشیاء إلی جماعة من الشیعة و غیرهم مما قد نعلم خلافها مع أنه یحتمل أن یكون كلامهم مرموزا و علم علیه السلام أن مرادهم بالنور الروح و بالظلمة الجسد و النور هو الرب تعالی و یؤیده أنه كان الملعون نصرانیا و مذهب النصاری فی المسیح علیه السلام قریب من ذلك و یحتمل أن یكون ما ذكره علیه السلام مذهبا لجماعة من قدمائهم ثم غیروه إلی ما نقل عنهم و كون النور أسیرا

ص: 217

للظلمة یحتمل أن یكون كنایة عن عدم استقلاله فی التدبیر و معارضة أهرمن له فی كثیر مما یریده و قد استدل علیه السلام علی بطلان مذهبهم بوجوه الأول أن لا یكون الناس قادرین علی ترك الشرور و المساوی و المعاصی لأنها من فعل الجسد الذی هو الظلمة و لا یتأتی منه الخیر و لا یستحق أحد الملامة علی الشر لكونه مجبورا علیه و قد نراهم یلومون الناس علی الشرور و المساوی فهذا دلیل علی بطلان مذهبهم.

الثانی أنهم یستحسنون التضرع إلی الرب تعالی و عبادته و الاستعانة به و أمثال تلك الأعمال فعل الروح الذی هو الرب بزعمهم فیكف یعبد نفسه و یستعین بنفسه و یتضرع إلیها و إن قالوا إنه یتضرع إلی الظلمة فكیف یلیق بالرب أن یستعیذ بغیره.

الثالث أنه یلزم أن لا یجوز أن یقول أحد لأحد أحسنت و لا أسأت و هذا باطل اتفاقا و بدیهة و أما بیان الملازمة فلأن الحاكم بذلك إما النور أو الظلمة إذ المفروض أنه لا شی ء غیرهما و كلاهما باطلان أما الأول فلأن الظاهر من هذا الكلام المغایرة بین المادح و الممدوح و المفروض اتحادهما و یحتمل أن یكون هذا منبها علی ما یحكم به العقل بدیهة من المغایرة بین الأشخاص مع أنهم یقولون بأن أرواح جمیع الخلق شخص واحد هو النور و هو الرب تعالی و هذا قریب من الوحدة التی قالت به الصوفیة و أما الثانی فلأن الظلمة فعلها الإساءة و تعدها حسنة فكیف تحكم بقبحها.

و یمكن تقریر الملازمة بوجه آخر بأن یقال ظاهر أن التحسین و التشنیع من فعل النور و لا یتصور منه شی ء منهما لأن المخاطب فی أسأت هو الظلمة و هو مجبور علی فعل القبیح بزعمهم فلا یستحق اللوم و هو المراد بقوله و ذلك فعلها و المخاطب فی أحسنت هو النور لأن الحسن فعله فیتحد المادح و الممدوح.

الرابع أنهم یحكمون بأن النور هو الرب تعالی و یجب علی هذا أن یكون أقوی و أحكم و أتقن من الظلمة التی هی مخلوقة و یلزمهم بمقتضی أقوالهم الفاسدة

ص: 218

عكس ذلك لأن الأبدان عندهم من فعل الظلمة و لا نحكم بقدرة الرب و علمه و حكمته إلا بما نشاهد من تلك الأبدان المختلفة و الأشجار و الثمار و الطیور و الدواب و لا نشاهد مما یقولون من الأرواح شیئا فیلزمهم علی قیاس ذلك أن تكون الظلمة إلها قادرا حكیما علیما فقوله علیه السلام: من صور مبتدأ و قوله یجب أن یكون إلها خبره و قوله كل شی ء معطوف علی قوله هذا الخلق.

الخامس قولهم بأن النور فی حبس الظلمة ینافی القول بربوبیته لأن كونه محبوسا یستلزم عجزه و نقصه و كل منهما ینافی الربوبیة كما مر و ما ادعوا من أنه فی القیامة یغلب النور علیها فمع أنه لا ینفع فی دفع الفساد فهو دعوی من غیر حجة و أیضا یلزمهم أن لا یكون للنور فعل لأنه أسیر و إن قالوا بأن له أیضا فعلا من الخلق و التدبیر فلیس بأسیر لأن العقل یحكم بأن الخالق المدبر لا بد من أن یكون عزیزا منیعا قادرا قاهرا علی كل من سواه فلما ثبت علی قیاس قولهم إنه أسیر فیلزمهم بما قررنا أن یكون ما فی العالم من الإحسان و الخیر أیضا من فعل الظلمة فإن حكموا باستحالة ذلك أی كون الخیر من الظلمة فقد بطل أصل كلامهم و هو الحكم بتوزیع الخلق و ثبت ما قلناه من أن الرب تعالی واحد لا یشاركه و لا یضاده فی ملكه أحد.

و أما مذهب المرقوبیة فقد بیّن علیه السلام بطلانه بأن القول بالحكم ینافی القول بربوبیة النور لأن الحكم یكون قاهرا و النور مقهورا و بدیهة العقل حاكمة ببطلان كون الرب مقهورا و أیضا یلزم أن یكون الحكم أعلم بالحكمة من النور الذی حكمتم أنه رب و الضرورة قاضیة بأن الرب الخالق لمثل هذا الخلق المدبر لهذا النظام لا یكون جاهلا هذا جملة القول فی هذا الخبر علی ما ناله فهمی القاصر و بسط القول فیه یحتاج إلی كتاب مفرد معمول لذلك و اللّٰه الموفق لكل خیر.

«6»-فس، تفسیر القمی ثُمَّ رَدَّ عَلَی الثَّنَوِیَّةِ الَّذِینَ قَالُوا بِإِلَهَیْنِ فَقَالَ تَعَالَی مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ قَالَ لَوْ كَانَ إِلَهَیْنِ كَمَا زَعَمْتُمْ لَكَانَا یَخْلُقَانِ فَیَخْلُقُ هَذَا وَ لَا یَخْلُقُ هَذَا وَ یُرِیدُ هَذَا وَ لَا یُرِیدُ هَذَا وَ لَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْغَلَبَةَ وَ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا خَلْقَ إِنْسَانٍ وَ أَرَادَ الْآخَرُ

ص: 219

خَلْقَ بَهِیمَةٍ فَیَكُونُ إِنْسَاناً وَ بَهِیمَةً فِی حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَ هَذَا غَیْرُ مَوْجُودٍ فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا ثَبَتَ التَّدْبِیرُ وَ الصُّنْعُ لِوَاحِدٍ وَ دَلَّ أَیْضاً التَّدْبِیرُ وَ ثَبَاتُهُ وَ قِوَامُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَی أَنَّ الصَّانِعَ وَاحِدٌ جَلَّ جَلَالُهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ الْآیَةَ ثُمَّ قَالَ أَنَفاً سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ.

بیان: أنفا بالتحریك أی استنكافا و تنزها.

«7»-ید، التوحید مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنِ الرَّبِیعِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام وَ سُئِلَ عَنِ الصَّمَدِ فَقَالَ الصَّمَدُ الَّذِی لَا جَوْفَ لَهُ.

«8»-ید، التوحید مع، معانی الأخبار الدَّقَّاقُ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ عَلَّانٍ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَلِیدٍ وَ لَقَبُهُ شَبَابٌ الصَّیْرَفِیُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الصَّمَدُ قَالَ السَّیِّدُ الْمَصْمُودُ إِلَیْهِ (1) فِی الْقَلِیلِ وَ الْكَثِیرِ.

«9»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنِ الْمِیثَمِیِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَبِی أَیُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْیَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَلَبِثَ ثَلَاثاً لَا یُجِیبُهُمْ ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ إِلَی آخِرِهَا فَقُلْتُ مَا الصَّمَدُ فَقَالَ الَّذِی لَیْسَ بِمُجَوَّفٍ.

«10»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِی السَّرِیِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ شَیْ ءٍ مِنَ التَّوْحِیدِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ الَّتِی یُدْعَی بِهَا وَ تَعَالَی فِی عُلُوِّ كُنْهِهِ وَاحِدٌ تَوَحَّدَ بِالتَّوْحِیدِ فِی عُلُوِّ تَوْحِیدِهِ(2) ثُمَّ أَجْرَاهُ عَلَی خَلْقِهِ فَهُوَ وَاحِدٌ صَمَدٌ قُدُّوسٌ یَعْبُدُهُ كُلُّ شَیْ ءٍ وَ یَصْمِدُ إِلَیْهِ كُلُّ شَیْ ءٍ وَ وَسِعَ كُلَّ شَیْ ءٍ عِلْماً.

إیضاح: واحد خبر إن و الجملتان معترضتان أی تطهرت أسماؤه عن النقائص أو كثرت صفات جلاله و عظمته أو ثبت و لا یعتریها التغیر و كلمة فی فی قوله فی علو كنهه تعلیلیة و قوله علیه السلام: توحد بالتوحید أی لم یكن فی الأزل أحد یوحده

ص: 220


1- صمد إلیه: قصده.
2- و فی نسخة: فی علو توحده.

فهو كان یوحد نفسه فكان متفردا بالوجود متوحدا بتوحید نفسه ثم بعد الخلق عرفهم نفسه و أمرهم أن یوحدوه أو المراد أن توحده لا یشبه توحد غیره فهو متفرد بالتوحید (1)أو كان قبل الخلق كذلك و أجری سائر أنواع التوحید علی خلقه إذ الوحدة تساوق الوجود أو تستلزمه لكن وحداتهم مشوبة بأنواع الكثرة.

«11»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی الرِّضَا علیه السلام فَقَالَ لِی قُلْ لِلْعَبَّاسِ (2)یَكُفُّ عَنِ الْكَلَامِ فِی التَّوْحِیدِ وَ غَیْرِهِ وَ یُكَلِّمُ النَّاسَ بِمَا یَعْرِفُونَ وَ یَكُفُّ عَمَّا یُنْكِرُونَ وَ إِذَا سَأَلُوكَ عَنِ التَّوْحِیدِ فَقُلْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وَ إِذَا سَأَلُوكَ عَنِ الْكَیْفِیَّةِ فَقُلْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ إِذَا سَأَلُوكَ عَنِ السَّمْعِ فَقُلْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ كَلِّمِ النَّاسَ بِمَا یَعْرِفُونَ.

«12»-ید، التوحید حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الْفَقِیهُ الْقُمِّیُّ ثُمَّ الْإِیلَاقِیُّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِیدٍ عَبْدَانُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ یَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ یُوسُفَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ بِمَدِینَةِ خُجَنْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شُجَاعٍ الْفَرْغَانِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْقَبْرِیُّ بِمِصْرَ قَالَ حَدَّثَنِی إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَبْدِ الْجَلِیلِ الْبَرْقِیُّ عَنْ أَبِی الْبَخْتَرِیِّ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْبَاقِرِ علیهما السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ قُلْ أَیْ أَظْهِرْ مَا أَوْحَیْنَا إِلَیْكَ وَ نَبَّأْنَاكَ بِهِ بِتَأْلِیفِ الْحُرُوفِ الَّتِی قَرَأْنَاهَا لَكَ لِیَهْتَدِیَ بِهَا مَنْ أَلْقَی السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ وَ هُوَ اسْمٌ مُشَارٌ وَ مَكْنِیٌّ إِلَی غَائِبٍ فَالْهَاءُ تَنْبِیهٌ عَنْ مَعْنًی ثَابِتٍ وَ الْوَاوُ إِشَارَةٌ إِلَی الْغَائِبِ عَنِ الْحَوَاسِّ كَمَا أَنَّ قَوْلَكَ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَی الشَّاهِدِ عِنْدَ الْحَوَاسِّ وَ ذَلِكَ أَنَ

ص: 221


1- و فی نسخة: فهو متفرد بالتوحید.
2- العباسیّ لقب جمع كثیر مشترك بین الثقة و الضعیف منهم إبراهیم بن هاشم، و هشام بن إبراهیم الراشدی الهمدانیّ، و هشام بن إبراهیم البغدادیّ المشرقی و غیرهم، و الظاهر من الوحید البهبهانی أن الواقع فی الحدیث هو المشرقی، و أنّه ثقة

الْكُفَّارَ نَبَّهُوا عَنْ آلِهَتِهِمْ بِحَرْفِ إِشَارَةِ الشَّاهِدِ الْمُدْرَكِ فَقَالُوا هَذِهِ آلِهَتُنَا الْمَحْسُوسَةُ الْمُدْرَكَةُ بِالْأَبْصَارِ فَأَشِرْ أَنْتَ یَا مُحَمَّدُ إِلَی إِلَهِكَ الَّذِی تَدْعُو إِلَیْهِ حَتَّی نَرَاهُ وَ نُدْرِكَهُ وَ لَا نَأْلَهَ فِیهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَالْهَاءُ تَثْبِیتٌ لِلثَّابِتِ وَ الْوَاوُ إِشَارَةٌ إِلَی الْغَائِبِ عَنْ دَرْكِ الْأَبْصَارِ وَ لَمْسِ الْحَوَاسِّ وَ اللَّهُ تَعَالَی عَنْ ذَلِكَ (1) بَلْ هُوَ مُدْرِكُ الْأَبْصَارِ وَ مُبْدِعُ الْحَوَاسِّ.

حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ: رَأَیْتُ الْخَضِرَ علیه السلام فِی الْمَنَامِ قَبْلَ بَدْرٍ بِلَیْلَةٍ فَقُلْتُ لَهُ عَلِّمْنِی شَیْئاً أُنْصَرْ بِهِ عَلَی الْأَعْدَاءِ فَقَالَ قُلْ یَا هُوَ یَا مَنْ لَا هُوَ إِلَّا هُوَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَصَصْتُهَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لِی یَا عَلِیُّ عُلِّمْتَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ وَ كَانَ عَلَی لِسَانِی یَوْمَ بَدْرٍ وَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (2) فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ یَا هُوَ یَا مَنْ لَا هُوَ إِلَّا هُوَ اغْفِرْ لِی وَ انْصُرْنِی عَلَی الْقَوْمِ الْكَافِرِینَ وَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام یَقُولُ ذَلِكَ یَوْمَ صِفِّینَ وَ هُوَ یُطَارِدُ (3) فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا هَذِهِ الْكِنَایَاتُ قَالَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ وَ عِمَادُ التَّوْحِیدِ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثُمَّ قَرَأَ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ أَوَاخِرَ الْحَشْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّی أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ وَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام اللَّهُ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ الَّذِی یَأْلَهُ فِیهِ الْخَلْقُ (4)وَ یُؤْلَهُ إِلَیْهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْمَسْتُورُ عَنْ دَرْكِ الْأَبْصَارِ الْمَحْجُوبُ عَنِ الْأَوْهَامِ وَ الْخَطَرَاتِ.

قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام اللَّهُ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ الَّذِی أَلِهَ الْخَلْقُ عَنْ دَرْكِ مَائِیَّتِهِ وَ الْإِحَاطَةِ بِكَیْفِیَّتِهِ وَ یَقُولُ الْعَرَبُ أَلِهَ الرَّجُلُ إِذَا تَحَیَّرَ فِی الشَّیْ ءِ فَلَمْ یُحِطْ بِهِ عِلْماً وَ وَلِهَ إِذَا فَزِعَ إِلَی شَیْ ءٍ مِمَّا یَحْذَرُهُ وَ یَخَافُهُ فَالْإِلَهُ هُوَ الْمَسْتُورُ عَنْ حَوَاسِّ الْخَلْقِ.

قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام الْأَحَدُ الْفَرْدُ الْمُتَفَرِّدُ وَ الْأَحَدُ وَ الْوَاحِدُ بِمَعْنًی وَاحِدٍ (5) وَ هُوَ

ص: 222


1- و فی نسخة: و أنّه تعالی عن ذلك.
2- و فی نسخة: قرأ یوم بدر قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
3- طارد الاقران: حمل بعضهم علی بعض.
4- و فی نسخة: تأله فیه الخلق.
5- لعل المراد أن الاحد و الواحد اللذان یتصف بهما اللّٰه تعالی معناهما واحد، لا مطلقهما حیث یستعمل. أو أن الواحد الذی یستعمل فی غیر باب الاعداد و الاجناس مترادف مع الواحد فی المعنی. كما تقدم تفصیل ذلك فی الحدیث الأول فتامل

الْمُتَفَرِّدُ الَّذِی لَا نَظِیرَ لَهُ وَ التَّوْحِیدُ الْإِقْرَارُ بِالْوَحْدَةِ وَ هُوَ الِانْفِرَادُ وَ الْوَاحِدُ الْمُتَبَایِنُ الَّذِی لَا یَنْبَعِثُ مِنْ شَیْ ءٍ وَ لَا یَتَّحِدُ بِشَیْ ءٍ وَ مِنْ ثَمَّ قَالُوا إِنِّ بِنَاءَ الْعَدَدِ مِنَ الْوَاحِدِ وَ لَیْسَ الْوَاحِدُ مِنَ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا یَقَعُ عَلَی الْوَاحِدِ بَلْ یَقَعُ عَلَی الِاثْنَیْنِ فَمَعْنَی قَوْلِهِ اللَّهُ أَحَدٌ أَیِ الْمَعْبُودُ الَّذِی یَأْلَهُ الْخَلْقُ عَنْ إِدْرَاكِهِ وَ الْإِحَاطَةِ بِكَیْفِیَّتِهِ فَرْدٌ بِإِلَهِیَّتِهِ مُتَعَالٍ عَنْ صِفَاتِ خَلْقِهِ.

قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام وَ حَدَّثَنِی أَبِی زَیْنُ الْعَابِدِینَ عَنْ أَبِیهِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ: الصَّمَدُ الَّذِی لَا جَوْفَ لَهُ وَ الصَّمَدُ الَّذِی قَدِ انْتَهَی سُؤْدُدُهُ وَ الصَّمَدُ الَّذِی لَا یَأْكُلُ وَ لَا یَشْرَبُ وَ الصَّمَدُ الَّذِی لَا یَنَامُ وَ الصَّمَدُ الدَّائِمُ الَّذِی لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ.

قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ یَقُولُ الصَّمَدُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الْغَنِیُّ عَنْ غَیْرِهِ وَ قَالَ غَیْرُهُ الصَّمَدُ الْمُتَعَالِی عَنِ الْكَوْنِ وَ الْفَسَادِ وَ الصَّمَدُ الَّذِی لَا یُوصَفُ بِالتَّغَایُرِ.

قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام الصَّمَدُ السَّیِّدُ الْمُطَاعُ الَّذِی لَیْسَ فَوْقَهُ آمِرٌ وَ نَاهٍ.

قَالَ: وَ سُئِلَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ زَیْنُ الْعَابِدِینَ علیه السلام عَنِ الصَّمَدِ فَقَالَ الصَّمَدُ الَّذِی لَا شَرِیكَ لَهُ وَ لَا یَئُودُهُ حِفْظُ شَیْ ءٍ (1) وَ لَا یَعْزُبُ عَنْهُ شَیْ ءٌ (2).

«13»-قَالَ وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَشِیُّ قَالَ زَیْدُ بْنُ عَلِیٍّ علیه السلام الصَّمَدُ الَّذِی إِذَا أَرَادَ شَیْئاً قَالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ وَ الصَّمَدُ الَّذِی أَبْدَعَ الْأَشْیَاءَ فَخَلَقَهَا أَضْدَاداً وَ أَشْكَالًا وَ أَزْوَاجاً وَ تَفَرَّدَ بِالْوَحْدَةِ بِلَا ضِدٍّ وَ لَا شَكْلٍ وَ لَا مِثْلٍ وَ لَا نِدٍّ.

«14»-قَالَ وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَشِیُّ وَ حَدَّثَنِی الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ الْبَاقِرِ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ كَتَبُوا إِلَی الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ علیهما السلام یَسْأَلُونَهُ عَنِ الصَّمَدِ فَكَتَبَ إِلَیْهِمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تَخُوضُوا فِی الْقُرْآنِ وَ لَا تُجَادِلُوا فِیهِ وَ لَا تَتَكَلَّمُوا فِیهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ فَقَدْ سَمِعْتُ جَدِّی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ مَنْ قَالَ فِی الْقُرْآنِ بِغَیْرِ عِلْمٍ فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ فَسَّرَ الصَّمَدَ (3)فَقَالَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ

ص: 223


1- أی لا یضنكه و لا یثقل علیه حفظ شی ء.
2- أی لا یغیب و لا یخفی عنه شی ء.
3- و فی نسخة: و أن اللّٰه سبحانه قد فسر الصمد.

ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لَمْ یَلِدْ لَمْ یَخْرُجْ مِنْهُ شَیْ ءٌ كَثِیفٌ كَالْوَلَدِ وَ سَائِرِ الْأَشْیَاءِ الْكَثِیفَةِ الَّتِی تَخْرُجُ مِنَ الْمَخْلُوقِینَ وَ لَا شَیْ ءٌ لَطِیفٌ كَالنَّفْسِ وَ لَا یَتَشَعَّبُ مِنْهُ الْبَدَاوَاتُ (1)كَالسِّنَةِ وَ النَّوْمِ وَ الْخَطْرَةِ وَ الْهَمِّ وَ الْحَزَنِ وَ الْبَهْجَةِ وَ الضَّحِكِ وَ الْبُكَاءِ وَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ وَ الرَّغْبَةِ وَ السَّأْمَةِ وَ الْجُوعِ وَ الشِّبَعِ تَعَالَی أَنْ یَخْرُجَ مِنْهُ شَیْ ءٌ وَ أَنْ یَتَوَلَّدَ مِنْهُ شَیْ ءٌ كَثِیفٌ أَوْ لَطِیفٌ وَ لَمْ یُولَدْ لَمْ یَتَوَلَّدْ مِنْ شَیْ ءٍ وَ لَمْ یَخْرُجْ مِنْ شَیْ ءٍ كَمَا تَخْرُجُ الْأَشْیَاءُ الْكَثِیفَةُ مِنْ عَنَاصِرِهَا كَالشَّیْ ءِ مِنَ الشَّیْ ءِ وَ الدَّابَّةِ مِنَ الدَّابَّةِ وَ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ وَ الْمَاءِ مِنَ الْیَنَابِیعِ وَ الثِّمَارِ مِنَ الْأَشْجَارِ وَ لَا كَمَا تَخْرُجُ الْأَشْیَاءُ اللَّطِیفَةُ مِنْ مَرَاكِزِهَا كَالْبَصَرِ مِنَ الْعَیْنِ وَ السَّمْعِ مِنَ الْأُذُنِ وَ الشَّمِّ مِنَ الْأَنْفِ وَ الذَّوْقِ مِنَ الْفَمِ وَ الْكَلَامِ مِنَ اللِّسَانِ وَ الْمَعْرِفَةِ وَ التَّمْیِیزِ مِنَ الْقَلْبِ وَ كَالنَّارِ مِنَ الْحَجَرِ لَا بَلْ هُوَ اللَّهُ الصَّمَدُ الَّذِی لَا مِنْ شَیْ ءٍ وَ لَا فِی شَیْ ءٍ وَ لَا عَلَی شَیْ ءٍ مُبْدِعُ الْأَشْیَاءِ وَ خَالِقُهَا وَ مُنْشِئُ الْأَشْیَاءِ بِقُدْرَتِهِ یَتَلَاشَی مَا خَلَقَ لِلْفَنَاءِ بِمَشِیئَتِهِ وَ یَبْقَی مَا خَلَقَ لِلْبَقَاءِ بِعِلْمِهِ فَذَلِكُمُ اللَّهُ الصَّمَدُ الَّذِی لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ عالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ الْكَبِیرُ الْمُتَعالِ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ

«15»-قَالَ وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَشِیُّ سَمِعْتُ الصَّادِقَ علیه السلام یَقُولُ قَدِمَ وَفْدٌ مِنْ فِلَسْطِینَ(2) عَلَی الْبَاقِرِ علیه السلام فَسَأَلُوهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الصَّمَدِ فَقَالَ تَفْسِیرُهُ فِیهِ الصَّمَدُ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ فَالْأَلِفُ دَلِیلٌ عَلَی إِنِّیَّتِهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ ذَلِكَ تَنْبِیهٌ وَ إِشَارَةٌ إِلَی الْغَائِبِ عَنْ دَرْكِ الْحَوَاسِّ وَ اللَّامُ دَلِیلٌ عَلَی إِلَهِیَّتِهِ بِأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَ الْأَلِفُ وَ اللَّامُ مُدْغَمَانِ لَا یَظْهَرَانِ عَلَی اللِّسَانِ وَ لَا یَقَعَانِ فِی السَّمْعِ وَ یَظْهَرَانِ فِی الْكِتَابَةِ دَلِیلَانِ عَلَی أَنَّ إِلَهِیَّتَهُ لَطِیفَةٌ خَافِیَةٌ لَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَ لَا یَقَعُ فِی لِسَانِ وَاصِفٍ وَ لَا أُذُنِ سَامِعٍ لِأَنَّ تَفْسِیرَ الْإِلَهِ هُوَ الَّذِی أَلِهَ الْخَلْقُ عَنْ دَرْكِ مَائِیَّتِهِ وَ كَیْفِیَّتِهِ بِحِسٍّ أَوْ بِوَهْمٍ لَا بَلْ هُوَ مُبْدِعُ الْأَوْهَامِ وَ خَالِقُ الْحَوَاسِّ وَ إِنَّمَا یَظْهَرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ دَلِیلٌ عَلَی أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَظْهَرَ رُبُوبِیَّتَهُ فِی إِبْدَاعِ الْخَلْقِ وَ تَرْكِیبِ أَرْوَاحِهِمُ اللَّطِیفَةِ

ص: 224


1- البداوات: الآراء المختلفة. و لعله أراد به الحالات المختلفة؛ و فی بعض النسخ: البدوات.
2- الوفد بفتح الواو و سكون الفاء: قوم یجتمعون فیردون البلاد.

فِی أَجْسَادِهِمُ الْكَثِیفَةِ فَإِذَا نَظَرَ عَبْدٌ إِلَی نَفْسِهِ لَمْ یَرَ رُوحَهُ كَمَا أَنَّ لَامَ الصَّمَدِ لَا تَتَبَیَّنُ وَ لَا تَدْخُلُ فِی حَاسَّةٍ مِنْ حَوَاسِّهِ الْخَمْسِ فَإِذَا نَظَرَ إِلَی الْكِتَابَةِ ظَهَرَ لَهُ مَا خَفِیَ وَ لَطُفَ فَمَتَی تَفَكَّرَ الْعَبْدُ فِی مائیة [مَاهِیَّةِ] الْبَارِئِ وَ كَیْفِیَّتِهِ أَلِهَ فِیهِ وَ تَحَیَّرَ وَ لَمْ تُحِطْ فِكْرَتُهُ بِشَیْ ءٍ یَتَصَوَّرُ لَهُ لِأَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَالِقُ الصُّوَرِ فَإِذَا نَظَرَ إِلَی خَلْقِهِ ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَالِقُهُمْ وَ مُرَكِّبُ أَرْوَاحِهِمْ فِی أَجْسَادِهِمْ وَ أَمَّا الصَّادُ فَدَلِیلٌ عَلَی أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَادِقٌ وَ قَوْلُهُ صِدْقٌ وَ كَلَامُهُ صِدْقٌ وَ دَعَا عِبَادَهُ إِلَی اتِّبَاعِ الصِّدْقِ بِالصِّدْقِ وَ وَعَدَ بِالصِّدْقِ دَارَ الصِّدْقِ وَ أَمَّا الْمِیمُ فَدَلِیلٌ عَلَی مُلْكِهِ وَ أَنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ وَ لَا یَزُولُ مُلْكُهُ وَ أَمَّا الدَّالُ فَدَلِیلٌ عَلَی دَوَامِ مُلْكِهِ وَ أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ دَائِمٌ تَعَالَی عَنِ الْكَوْنِ وَ الزَّوَالِ بَلْ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُكَوِّنُ الْكَائِنَاتِ الَّذِی كَانَ بِتَكْوِینِهِ كُلُّ كَائِنٍ ثُمَّ قَالَ علیه السلام لَوْ وَجَدْتُ لِعِلْمِیَ الَّذِی آتَانِیَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حَمَلَةً لَنَشَرْتُ التَّوْحِیدَ وَ الْإِسْلَامَ وَ الْإِیمَانَ وَ الدِّینَ وَ الشَّرَائِعَ مِنَ الصَّمَدِ وَ كَیْفَ لِی بِذَلِكَ وَ لَمْ یَجِدْ جَدِّی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام حَمَلَةً لِعِلْمِهِ حَتَّی كَانَ یَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ (1) وَ یَقُولُ عَلَی الْمِنْبَرِ سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی فَإِنَّ بَیْنَ الْجَوَانِحِ مِنِّی عِلْماً جَمّاً هَاهْ هَاهْ أَلَا لَا أَجِدُ مَنْ یَحْمِلُهُ أَلَا وَ إِنِّی عَلَیْكُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَ لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما یَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ثُمَّ قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی مَنَّ عَلَیْنَا وَ وَفَّقَنَا لِعِبَادَتِهِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِی لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وَ جَنَّبَنَا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ حَمْداً سَرْمَداً وَ شُكْراً وَاصِباً وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یَلِدْ فَیَكُونَ لَهُ وَلَدٌ یَرِثُهُ مُلْكَهُ وَ لَمْ یُولَدْ فَیَكُونَ لَهُ وَالِدٌ یَشْرَكُهُ فِی رُبُوبِیَّتِهِ وَ مُلْكِهِ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ فَیَعَازَّهُ فِی سُلْطَانِهِ (2)

بیان: روی فی معانی الأخبار ما یتعلق بتأویل الصمد من هذا الخبر بهذا الإسناد ثم اعلم أن تحقیق معنی هو بهذا الوجه غیر معروف و لا یبعد أن یكون فی أصل الوضع

ص: 225


1- الصعداء: التنفس الطویل من هم أو تعب.
2- و فی نسخة: فیعاونه فی سلطانه.

كذلك و قوله و لا نأله صیغة المتكلم من أله بمعنی تحیر و اختلف فی لفظ الجلالة فالمشهور أنه عربی مشتق إما من أله بمعنی عبد أو من أله إذا تحیر إذ العقول تتحیر فی معرفته أو من ألهت إلی فلان أی سكنت إلیه لأن القلوب تطمئن بذكره و الأرواح تسكن إلی معرفته أو من أله إذا فزع من أمر نزل علیه و ألهه غیره أجاره إذ العابد یفزع إلیه و هو یجیره أو من أله الفصیل إذا ولع بأمه إذ العباد یولعون بالتضرع إلیه فی الشدائد أو من وله إذا تحیر و تخبط عقله و كان أصله ولاه فقلبت الواو همزة لاستثقال الكسرة علیها أو من لاه مصدر لاه یلیه لیها و لاها إذا احتجب و ارتفع لأنه تعالی محجوب عن إدراك الأبصار و مرتفع علی كل شی ء و عما لا یلیق به و قیل إنه غیر مشتق و هو علم للذات المخصوصة وضع لها ابتداء و قیل أصله لاها بالسریانیة فعرب بحذف الألف الأخیرة و إدخال اللام علیه.

و قال الرازی ذكروا فی الفرق بین الواحد و الأحد وجوها أحدها أن الواحد یدخل فی العدد و الأحد لا یدخل فیه و ثانیها أنك إذا قلت فلان لا یقاومه واحد جاز أن یقال لكنه یقاومه اثنان بخلاف الأحد و ثالثها أن الواحد یستعمل فی الإثبات و الأحد فی النفی انتهی.

و قوله علیه السلام: و من ثم لبیان أن الواحد الحقیقی هو الذی لا یكون فیه شی ء من أنحاء التعدد لأن الوحدة تقابل العدد.

ثم اعلم أنهم اختلفوا فی معنی الصمد فقیل إنه فعل بمعنی المفعول من صمد إلیه إذا قصده و هو السید المقصود إلیه فی الحوائج

وَ رَوَتِ الْعَامَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ قَالُوا مَا الصَّمَدُ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله هُوَ السَّیِّدُ الَّذِی یُصْمَدُ إِلَیْهِ فِی الْحَوَائِجِ.

و قیل إن الصمد هو الذی لا جوف له و قال ابن قتیبة الدال فیه مبدلة من التاء و هو الصمت (1) و قال بعض اللغویین الصَّمَدُ هو الأملس من الحجر لا یقبل الغبار و لا یدخله و لا یخرج منه شی ء.

ص: 226


1- قال الشیخ قدّس سرّه فی كتابه التبیان: و من قال: الصمد بمعنی المصمت فقد جهل اللّٰه، لان المصمت هو المتضاغط الاجزاء، و هذا تشبیه و كفر باللّٰه تعالی.

فعلی الأول عبارة عن وجوب الوجود و الاستغناء المطلق و احتیاج كل شی ء فی جمیع أموره إلیه أی الذی یكون عنده ما یحتاج إلیه كل شی ء و یكون رفع حاجة الكل إلیه و لم یفقد فی ذاته شیئا مما یحتاج إلیه الكل و إلیه یتوجه كل شی ء بالعبادة و الخضوع و هو المستحق لذلك و إلیه یومئ خبر الجعفری.

و أما علی الثانی فهو مجاز عن أنه تعالی أحدی الذات أحدی المعنی لیست له أجزاء لیكون بین الأجزاء جوف و لا صفات زائدة فیكون بینها و بین الذات جوف أو عن أنه الكامل بالذات لیس فیه جهة استعداد و إمكان و لا خلو له عما یلیق به فلا یكون له جوف یصلح أن یدخله ما لیس له فی ذاته فیستكمل به فالجوف كنایة عن الخلو عما لا یصح اتصافه به.

و أما علی الثالث فیكون كنایة عن عدم الانفعال و التأثر عن الغیر و كونه محلا للحوادث كما سیأتی فی جواب من

سَأَلَ الصَّادِقَ علیه السلام عَنْ رِضَا اللَّهِ وَ سَخَطِهِ فَقَالَ: لَیْسَ ذَلِكَ عَلَی مَا یُوجَدُ مِنَ الْمَخْلُوقِینَ وَ ذَلِكَ أَنَّ الرِّضَا دِخَالٌ یَدْخُلُ عَلَیْهِ فَیَنْقُلُهُ مِنْ حَالٍ إِلَی حَالٍ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ أَجْوَفُ مُعْتَمِلٌ مُرَكَّبٌ لِلْأَشْیَاءِ فِیهِ مَدْخَلٌ وَ خَالِقُنَا لَا مَدْخَلَ لِلْأَشْیَاءِ فِیهِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَ أَحَدِیُّ الذَّاتِ وَ أَحَدِیُّ الْمَعْنَی.

و هذا الخبر یؤید بعض المعانی السابقة أیضا.

و قد نقل بعض المفسرین عن الصحابة و التابعین و الأئمة و اللغویین قریبا من عشرین معنی (1) و یمكن إدخال جمیعها فیما ذكرنا منالمعنی الأول لأنه لاشتماله علی

ص: 227


1- تقدمت جملة من المعانی المرویة عن الأئمّة علیهم السلام فی الخبر 13 و 14. و أمّا ما نقل من المعنی عن غیرهم فقد نقل عن سعید بن جبیر أن المعنی: هو الكامل فی جمیع صفاته و أفعاله. و عن قتادة: هو الباقی بعد فناء خلقه. و عن ربیع: هو الذی لا یعتریه الآفات. و عن مقاتل بن حیان: هو الذی لا عیب فیه. و عن الأصمّ: هو الخالق للأشیاء. و عن السدی: هو المقصود فی الرغائب، المستغاث به عند المصائب. و عن الحسین بن الفضل البجلیّ: هو الذی یفعل ما یشاء و یحكم ما یرید، لا معقب لحكمه و لا راد لقضائه. و عن أبی بن كعب: هو الذی لا یموت و لا یورث و له میراث السماوات و الأرض و عن یمان و أبی مالك: هو الذی لا ینام و لا یسهو. و عن ابن كیسان: هو الذی لا یوصف بصفة أحد. و عن أبی بكر الوراق: انه الذی آیس الخلائق من الاطلاع علی كیفیته. و عن غیرهم: انه السیّد المعظم، و انه العالم بجمیع المعلومات، و انه الحلیم، و انه الفرد الماجد لا یقضی فی امر دونه، و انه الذی لا تدركه الابصار، و انه المنزه عن قبول النقصانات و الزیادات، و عن أن یكون موردا للتغیرات و التبدلات، و عن احاطة الأزمنة و الامكنة و الآنات و الجهات. و سیأتی فی الحدیث 20 و 21 معنی آخر.

الوجوب الذاتی یدل علی جمیع السلوب و لدلالته علی كونه مبدأ للكل یدل علی اتصافه بجمیع الصفات الكمالیة و بهذا الوجه یمكن الجمع بین الأخبار المختلفة الواردة فی هذا المعنی.

و قوله علیه السلام: لا یوصف بالتغایر أی بالصفات الموجودة المغایرة للذات و یحتمل علی بعد أن یكون مأخوذا من الغیرة كنایة عن أنه لیس له ضد و لا ند و فیما رواه الطبرسی رحمه اللّٰه لا یوصف بالنظائر و البدوات بالفتحات ما یبدو و یسنح و یظهر من الحوادث و الحالات المتغیرة و الآراء المتبدلة یقال بدا أی ظهر و بدا له فی الأمر نشأ له فیه رأی و هو ذو بدوات و الإنیة التحقق و الوجود و الصعداء بضم الصاد و فتح العین تنفس طویل و الجوانح الضلوع تحت الترائب مما یلی الصدر و الواصب الدائم و الثابت و المعازة المغالبة.

«16»-ید، التوحید ابْنُ إِدْرِیسَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ بَزِیعٍ عَنْ یُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِیِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ وَ تَعَالَی فِی عُلُوِّ كُنْهِهِ أَحَدٌ تَوَحَّدَ بِالتَّوْحِیدِ فِی تَوَحُّدِهِ ثُمَّ أَجْرَاهُ عَلَی خَلْقِهِ فَهُوَ أَحَدٌ صَمَدٌ مَلِكٌ قُدُّوسٌ یَعْبُدُهُ كُلُّ شَیْ ءٍ وَ یَصْمِدُ إِلَیْهِ وَ فَوْقَ الَّذِی عَسَیْنَا أَنْ نَبْلُغَ رَبَّنَا وَسِعَ كُلَّ شَیْ ءٍ عِلْماً

سن، المحاسن الیقطینی عن یونس عن الحسن بن السری مثله.

«17»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحَلَبِیِّ وَ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَحَدٌ صَمَدٌ لَیْسَ لَهُ جَوْفٌ وَ إِنَّمَا الرُّوحُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ نَصْرٌ وَ تَأْیِیدٌ وَ قُوَّةٌ یَجْعَلُهُ اللَّهُ فِی قُلُوبِ الرُّسُلِ وَ الْمُؤْمِنِینَ.

«18»-ید، التوحید ابْنُ عُبْدُوسٍ عَنِ ابْنِ قُتَیْبَةَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الثَّنَوِیَّةِ أَبَا الْحَسَنِ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی الرِّضَا علیهما السلام وَ أَنَا حَاضِرٌ فَقَالَ لَهُ إِنِّی أَقُولُ إِنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ اثْنَانِ فَمَا الدَّلِیلُ عَلَی أَنَّهُ وَاحِدٌ فَقَالَ قَوْلُكَ إِنَّهُ اثْنَانِ دَلِیلٌ عَلَی أَنَّهُ وَاحِدٌ لِأَنَّكَ لَمْ تَدَّعِ الثَّانِیَ إِلَّا بَعْدَ إِثْبَاتِكَ الْوَاحِدَ فَالْوَاحِدُ مُجْمَعٌ عَلَیْهِ وَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مُخْتَلَفٌ فِیهِ.

ص: 228

قال الصدوق رحمه اللّٰه: الدلیل علی أن الصانع واحد لا أكثر من ذلك أنهما لو كانا اثنین لم یخل الأمر فیهما من أن یكون كل واحد منهما قادرا علی منع صاحبه مما یرید أو غیر قادر فإن كانا كذلك فقد جاز علیهما المنع و من جاز علیه ذلك فمحدث كما أن المصنوع محدث و إن لم یكونا قادرین لزمهما العجز و النقص و هما من دلالات الحدث فصح أن القدیم واحد.

و دلیل آخر و هو أن كل واحد منهما لا یخلو من أن یكون قادرا علی أن یكتم الآخر شیئا فإن كان كذلك فالذی جاز الكتمان علیه حادث و إن لم یكن قادرا فهو عاجز و العاجز حادث بما بیناه (1) و هذا الكلام یحتج به فی إبطال قدیمین صفة كل واحد منهما صفة القدیم الذی أثبتناه فأما ما ذهب إلیه مانی و ابن دیصان من خرافاتهما فی الامتزاج و دانت به المجوس من حماقاتها فی أهرمن ففاسد بما به یفسد قدم الأجسام و لدخولهما فی تلك الجملة اقتصرت علی الكلام فیهما و لم أفرد كلا منهما بما یسأل عنه منه.

«19»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَا الدَّلِیلُ عَلَی أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ قَالَ اتِّصَالُ التَّدْبِیرِ وَ تَمَامُ الصُّنْعِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ لَوْ كانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.

بیان: إما إشارة إلی برهان التمانع أو إلی التلازم و سیأتی بعض تقریراتهما.

«20»-ف، تحف العقول عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنِ الصَّمَدِ فَقَالَ الَّذِی لَا سُرَّةَ لَهُ قُلْتُ فَإِنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّهُ الَّذِی لَا جَوْفَ لَهُ فَقَالَ كُلُّ ذِی جَوْفٍ لَهُ سُرَّةٌ.

بیان: الغرض أنه لیس فیه تعالی صفات البشر و سائر الحیوانات و هو أحد أجزاء معنی الصمد كما عرفت و هو لا یستلزم كونه تعالی جسما مصمتا.

ص: 229


1- الحجتان مدخولتان لان عموم القدرة فی الواجب لا یستلزم تعلقها بكل امر؛ فمن الجائز أن یكون المنع المفروض و الكتمان المفروض محالین لا تتعلق بهما القدرة؛ فلا یلزمه نقص الواجب و حدوثه. ط.

«21»-جع، جامع الأخبار سُئِلَ ابْنُ الْحَنَفِیَّةِ عَنِ الصَّمَدِ فَقَالَ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام تَأْوِیلُ الصَّمَدِ لَا اسْمٌ وَ لَا جِسْمٌ وَ لَا مِثْلٌ وَ لَا شِبْهٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا تِمْثَالٌ وَ لَا حَدٌّ وَ لَا حُدُودٌ وَ لَا مَوْضِعٌ وَ لَا مَكَانٌ وَ لَا كَیْفٌ وَ لَا أَیْنٌ وَ لَا هُنَا وَ لَا ثَمَّةَ وَ لَا مَلَأٌ وَ لَا خَلَأٌ وَ لَا قِیَامٌ وَ لَا قُعُودٌ وَ لَا سُكُونٌ وَ لَا حَرَكَةٌ وَ لَا ظُلْمَانِیٌّ وَ لَا نُورَانِیٌّ وَ لَا رُوحَانِیٌّ وَ لَا نَفْسَانِیٌّ وَ لَا یَخْلُو مِنْهُ مَوْضِعٌ وَ لَا یَسَعُهُ مَوْضِعٌ وَ لَا عَلَی لَوْنٍ وَ لَا عَلَی خَطَرِ قَلْبٍ وَ لَا عَلَی شَمِّ رَائِحَةٍ مَنْفِیٌّ عَنْهُ هَذِهِ الْأَشْیَاءُ.

«22»-ج، الإحتجاج عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِیقِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنْ قَالَ لِمَ لَا یَجُوزُ أَنْ یَكُونَ صَانِعُ الْعَالَمِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لَا یَخْلُو قَوْلُكَ إِنَّهُمَا اثْنَانِ مِنْ أَنْ یَكُونَا قَدِیمَیْنِ قَوِیَّیْنِ أَوْ یَكُونَا ضَعِیفَیْنِ أَوْ یَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِیّاً وَ الْآخَرُ ضَعِیفاً فَإِنْ كَانَا قَوِیَّیْنِ فَلِمَ لَا یَدْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ یَتَفَرَّدُ بِالرُّبُوبِیَّةِ (1) وَ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِیٌّ وَ الْآخَرَ ضَعِیفٌ ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ كَمَا نَقُولُ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِی الثَّانِی وَ إِنْ قُلْتَ إِنَّهُمَا اثْنَانِ لَمْ یَخْلُ مِنْ أَنْ یَكُونَا مُتَّفِقَیْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ أَوْ مُفْتَرِقَیْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَلَمَّا رَأَیْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِماً وَ الْفَلَكَ جَارِیاً (2)وَ اخْتِلَافَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَ التَّدْبِیرِ وَ ائْتِلَافُ الْأَمْرِ عَلَی أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ.

ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنْ أَبِی الْقَاسِمِ الْعَلَوِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ الْقُمِّیِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَیْمِیِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ مِثْلَهُ وَ زَادَ فِیهِ ثُمَّ یَلْزَمُكَ إِنِ ادَّعَیْتَ اثْنَیْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ فُرْجَةٍ بَیْنَهُمَا حَتَّی یَكُونَا اثْنَیْنِ فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثاً بَیْنَهُمَا قَدِیماً مَعَهُمَا فَیَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ وَ إِنِ ادَّعَیْتَ ثَلَاثَةً لَزِمَكَ مَا قُلْنَا فِی الِاثْنَیْنِ حَتَّی یَكُونَ بَیْنَهُمْ فُرْجَتَانِ فَیَكُونُوا خَمْسَةً ثُمَّ یَتَنَاهَی فِی الْعَدَدِ إِلَی مَا لَا نِهَایَةَ لَهُ فِی الْكَثْرَةِ.

- كا، الكافی علی عن أبیه مثله بیان و لنشر هاهنا إلی بعض براهین التوحید علی وجه الاختصار ثم لنذكر ما یمكن أن یقال فی حل هذا الخبر الذی هو من غوامض الأخبار.

ص: 230


1- و فی نسخة: و یتفرد بالتدبیر.
2- و فی نسخة بعد قوله: و الفلك جاریا: و التدبیر واحدا.

فأما البراهین

فالأول

أنه لما ثبت كون الوجود عین حقیقة الواجب فلو تعدد لكان امتیاز كل منهما عن الآخر بأمر خارج عن الذات فیكونان محتاجین فی تشخصهما إلی أمر خارج و كل محتاج ممكن.

و الثانی

أنه لو تعدد الواجب لذاته فإما أن یكون امتیاز كل منهما عن الآخر بذاته فیكون مفهوم واجب الوجود محمولا علیهما بالحمل العرضی و العارض معلول للمعروض فیرجع إلی كون كل منهما علة لوجوب وجوده و قد ثبت بطلانه و إما أن یكون ذلك الامتیاز بالأمر الزائد علی ذاتهما و هو أفحش فإنه إما أن یكون معلولا لماهیتهما أو لغیرهما و علی الأول إن اتحد ماهیتهما كان التعین مشتركا و هذا خلف و إن تعددت الماهیة كان كل منهما شیئا عرض له وجوب الوجود أعنی الوجود المتأكد للواجب و قد تبین بدلائل عینیة الوجود بطلانه و علی الثانی یلزم الاحتیاج إلی الغیر و الإمكان و بالجملة لو كان الواجب متعددا لكان نسبة الوجوب إلیهما نسبة العوارض فكان ممكنا لا واجبا.

الثالث

أنه لو كان لله سبحانه شریك لكان لمجموع الواجبین وجود غیر وجود الآحاد سواء كان ذلك الوجود عین مجموع الوجودین أو أمرا زائدا علیه و لكان هذا الوجود محتاجا إلی وجود الأجزاء و المحتاج إلی الغیر ممكن محتاج إلی مؤثر و المؤثر فی الشی ء یجب أن یكون مؤثرا فی واحد من أجزائه و إلا لم یكن مؤثرا فی ذلك الشی ء و قد ادعوا الضرورة فیه و لا یمكن التأثیر فیما نحن فیه فی شی ء من الأجزاء لكون كل من الجزءین واجبا فالشریك یستلزم التأثیر فیما لا یمكن التأثیر فیه أو إمكان ما فرض وجوبه إلی غیر ذلك من المفاسد.

الرابع برهان التمانع

و أظهر تقریراته أن وجوب الوجود یستلزم القدرة و القوة علی جمیع الممكنات قوة كاملة بحیث یقدر علی إیجاده و دفع ما یضاده مطلقا و عدم القدرة علی هذا الوجه نقص و النقص علیه تعالی محال ضرورة بدلیل إجماع العقلاء علیه و من المحال عادة إجماعهم علی نظری و لئن لم یكن ضروریا فنظری ظاهر متسق الطریق واضح الدلیل و استحالة إجماعهم علی نظری لا یكون كذلك أظهر فنقول

ص: 231

حینئذ لو كان فی الوجود واجبان لكانا قویین و قوتهما یستلزم عدم قوتهما لأن قوة كل منهما علی هذا الوجه یستلزم قوته علی دفع الآخر عن إرادة ضد ما یریده نفسه من الممكنات و المدفوع غیر قوی بهذا المعنی الذی زعمنا أنه لازم لسلب النقص.

فإن قلت هذا إنما یتم لو كان إرادة كل منهما للممكن بشرط إرادة الآخر لضده ممكنا و بالعكس و لیس كذلك بل إرادة كل منهما له بشرط إرادة الآخر لضده ممتنع و نظیر ذلك أن إرادة الواجب للممكن بشرط وجود ضده محال و لا یلزم منه نقص قلت امتناع الإرادة بشرط إرادة الآخر هو الامتناع بالغیر و امتناعه بالغیر تحقق النقص و العجز تعالی عن ذلك و أما امتناع إرادة الشی ء بشرط وجود ضده فمن باب امتناع إرادة المحال الذاتی و إن كان امتناع الإرادة امتناعا بالغیر و مثله غیر ملزوم للنقص بخلاف ما نحن فیه فإن المراد ممتنع بالغیر.

فإن قلت وجود الشی ء كما یمتنع بشرط ضده و نقیضه كذلك یمتنع بشرط ملزوم ضده و نقیضه و الأول امتناع بالذات و الثانی امتناع بالغیر و كما أن إرادة الأول منه تعالی محال و لا نقص فیه كذلك إرادة الثانی و ظاهر أن إرادة إیجاد الممكن بشرط إرادة الآخر له من قبل الثانی فینبغی أن لا یكون فیه نقص قلت فرق بین الأمرین فإن وجود الممكن إذا قید و اشترط بملزوم نقیضه كان ممتنعا و لو بالغیر و لم یتعلق به إرادة ضرورة و أما إذا لم یقید الوجود به بل أطلق فغیر ممتنع فیمكن تعلق الإرادة به و لو فی زمان وجود ملزوم النقیض بأن یدفع الملزوم و إن لم یندفع هو من قبل نفسه أو من دافع آخر بخلاف إرادة الآخر له فإنه لو لم یندفع من قبل نفسه و لم یدفعه دافع آخر لم یتعلق به الإرادة ضرورة فهو مدفوع و إلا فالآخر مدفوع فصار حاصل الفرق حینئذ أن الصانع تعالی قادر علی إیجاد أحد الضدین فی زمان الضد الآخر بدون حاجة إلی واسطة غیر مستندة إلیه تعالی و هو أی الحاجة إلی الواسطة المستندة إلی الفاعل لا ینافی الاستقلال و القدرة كما لا ینافی الاحتیاج إلی الواسطة المستندة إلی الذات الوجوب الذاتی بخلاف ما نحن فیه فإنه احتیاج إلی واسطة غیر مستندة إلی الذات.

ص: 232

لا یقال لعل انتفاء إرادة الآخر واجب بنفسه و لا نسلم منافاة توسط الواجب بالذات بین الفاعل و فعله لاستقلاله و استلزامه النقص لأنا نقول الأول بین البطلان فإن تحقق إرادة الآخر و انتفاعها ممكن فی نفسه لكنه ینتفی فیما نحن فیه من قبل ذی الإرادة لو انتفی فیكون واسطة ممكنة غیر صادرة عن الفاعل و لا مستندة إلیه و أما الثانی فربما تدعی البداهة فی استلزامه النقص و هو غیر بعید و بهذا التقریر یندفع كثیر من الشكوك و الشبه.

الخامس تقریر آخر لبرهان التمانع ذكره المحقق الدوانی

و هو أنه لا یخلو أن یكون قدرة كل واحد منهما و إرادته كافیة فی وجود العالم أو لا شی ء منهما كاف أو أحدهما كاف فقط و علی الأول یلزم اجتماع المؤثرین التامین علی معلول واحد و علی الثانی یلزم عجزهما لأنهما لا یمكن لهما التأثیر إلا باشتراك الآخر و علی الثالث لا یكون الآخر خالقا فلا یكون إلها أ فمن یخلق كمن لا یخلق.

لا یقال إنما یلزم العجز إذا انتفت القدرة علی الإیجاد بالاستقلال أما إذا كان كل منهما قادرا علی الإیجاد بالاستقلال و لكن اتفقا علی الإیجاد باشتراك فلا یلزم العجز كما أن القادرین علی حمل خشبة بالانفراد قد یشتركان فی حملها و ذلك لا یستلزم عجزهما لأن إرادتهما تعلقت بالاشتراك و إنما یلزم العجز لو أرادا الاستقلال و لم یحصل لأنا نقول تعلق إرادة كل منهما إن كان كافیا لزم المحذور الأول و إن لم یكن كافیا لزم المحذور الثانی و الملازمتان بینتان لا تقبلان المنع و ما أوردتم من المثال فی سند المنع لا یصلح للسندیة إذ فی هذه الصورة ینقص میل كل واحد منهما من المیل الذی یستقل فی الحمل قدر ما یتم المیل الصادر من الآخر حتی تنقل الخشبة بمجموع المیلین و لیس كل واحد منهما بهذا القدر من المیل فاعلا مستقلا و فی مبحثنا هذا لیس المؤثر إلا تعلق القدرة و الإرادة و لا یتصور الزیادة و النقصان فی شی ء منهما.

السادس

أن كل من جاء من الأنبیاء و أصحاب الكتب المنزلة إنما ادعی الاستناد إلی واحد أسند إلیه الآخر و لو كان فی الوجود واجبان لكان یخبر مخبر من قبله بوجوده و حكمه و احتمال أن یكون فی الوجود واجب لا یرسل إلی هذا العالم أو لا یؤثر و لا

ص: 233

یدبر أیضا فیه مع تدبیره و وجود خبره فی عالم آخر أو عدمه مما لا یذهب إلیه وهم واهم فإن الوجوب یقتضی العلم و القدرة و غیرهما من الصفات و مع هذه الصفات الكمالیة یمتنع عدم الإعلام و نشر الآثار بحیث یبلغ إلینا وجوده و أما ما زعمت الثنویة من الإله الثانی فلیس بهذه المثابة و مما یرسل و یحكم فیهم و إن قالوا بوجود الواجب الآخر فقد نفوا لازمه فهو باطل بحكم العقل.

و قد أثبتنا فی كتاب الروضة فیما أوصی به أمیر المؤمنین ابنه الحسن صلوات اللّٰه علیهما ما یومئ إلی هذا الدلیل حیث

قَالَ علیه السلام وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِیكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ وَ لَرَأَیْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَ سُلْطَانِهِ وَ لَعَرَفْتَ صِفَتَهُ وَ فِعَالَهُ وَ لَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ لَا یُضَادُّهُ فِی ذَلِكَ أَحَدٌ وَ لَا یُحَاجُّهُ وَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ

السابع الأدلة السمعیة

من الكتاب و السنة و هی أكثر من أن تحصی و قد مر بعضها و لا محذور فی التمسك بالأدلة السمعیة فی باب التوحید و هذه هی المعتمد علیها عندی و بسط الكلام فی تلك الأدلة و ما سواها مما لم نشر إلیها موكول إلی مظانها.

و لنرجع إلی حل الخبر و شرحه و قد قیل فیه وجوه

الأول

أن المراد بالقوی القوی علی فعل الكل بالإرادة مع إرادة استبداده به و المراد بالضعیف الذی لا یقوی علی فعل الكل و لا یستبد به و لا یقاوم القوی فإن كانا قویین فلم لا یدفع كل منهما صاحبه و یتفرد به أی یلزم من قوتهما انفراد كل بالتدبیر و یلزم منه عدم وقوع الفعل و إن زعمت أن أحدهما قوی و الآخر ضعیف ثبت أنه واحد أی المبدأ للعالم واحد لعجز الضعیف عن المقاومة و التأثیر و ثبت احتیاج الضعیف إلی العلة الموجدة لأن القوی أقوی وجودا من الضعیف و ضعف الوجود لا یتصور إلا بجواز خلو الماهیة عن الوجود و یلزم منه الاحتیاج إلی المبدإ المباین الموجد له.

و إن قلت إنهما اثنان أی المبدأ اثنان و هذا هو الشق الثانی أی كونهما ضعیفین بأن یقدر و یقوی كل منهما علی بعض أو یفعل بعضا دون بعض بالإرادة و إن كان یقدر علی الكل و فی هذا الشق لا یخلو من أن یكونا متفقین أی فی الحقیقة من كل جهة و یلزم من هذا عدم الامتیاز بالتعین للزوم المغایرة بین الحقیقة و التعینین المختلفین و استحالة

ص: 234

استنادهما إلی الحقیقة و استحالة استنادهما إلی الغیر فیكون لهما مبدأ أو مختلفین مفترقین من كل جهة و ذلك معلوم الانتفاء فإنا لما رأینا الخلق منتظما و الفلك جاریا و التدبیر واحدا و اللیل و النهار و الشمس و القمر دل صحة الأمر و التدبیر و ائتلاف الأمر علی أن المدبر واحد لا اثنان مختلفان من كل جهة ثم ذلك المدبر الواحد لا یجوز أن یكون واحدا بجهة من حیث الحقیقة مختلفا بجهة أخری فیكون المدبر اثنین و یلزمك إن ادعیت اثنین فرجة ما بینهما لأن لهما وحدة فلا یتمایزان إلا بممیز فاصل بینهما حتی یكونا اثنین لامتناع الاثنینیة بلا ممیز بینهما و عبر عن الفاصل الممیز بالفرجة حیث إن الفاصل بین الأجسام یعبر عنه بالفرجة و أولئك الزنادقة لم یكونوا یدركون غیر المحسوسات تنبیها علی أنكم لا تستحقون أن تخاطبوا إلا بما یلیق استعماله فی المحسوسات و ذلك الممیز لا بد أن یكون وجودیا داخلا فی حقیقة أحدهما إذ لا یجوز التعدد مع الاتفاق فی تمام الحقیقة كما ذكرنا و لا یجوز أن یكون ذلك الممیز ذا حقیقة یصح انفكاكها عن الوجود و خلوها عنه و لو عقلا و إلا لكان معلولا محتاجا إلی المبدإ فلا یكون مبدأ و لا داخلا فیه فیكون الممیز الفاصل بینهما قدیما موجودا بذاته كالمتفق فیه فیكون الواحد المشتمل علی الممیز الوجودی اثنین لا واحدا و یكون الاثنان اللذان ادعیتهما ثلاثة فإن قلت به و ادعیت ثلاثة لزمك ما قلت فی الاثنین من تحقق الممیز بین الثلاثة و لا بد من ممیزین وجودیین حتی تكون بین الثلاثة فرجتان و لا بد من كونهما قدیمین كما مر فیكونوا خمسة و هكذا ثم یتناهی فی العدد إلی ما لا نهایة له فی الكثرة أی یتناهی الكلام فی التعدد إلی القول بما لا نهایة له فی الكثرة أو یبلغ عدده إلی كثرة غیر متناهیة أو المراد أنه یلزمك أن یتناهی المعدود المنتهی ضرورة بمعروض ما ینتهی إلیه العدد أی الواحد إلی كثیر لا نهایة له فی الكثرة فیكون عددا بلا واحد و كثرة بلا وحدة و علی هذا یكون الكلام برهانیا لا یحتاج إلی ضمیمة و علی الأولین یصیر بضم ما ذكرناه من ثالث الاحتمالات برهانیا.

الثانی

أن یكون إشارة إلی ثلاثة براهین و تقریر الأول بعد ما تقرر أن ما لا یكون قویا علی إیجاد أی ممكن كان لا یكون واجبا بالذات أن یقال لا یصح أن یكون الواجب بالذات اثنین و إلا كان كل منهما قویا علی إیجاد أی ممكن كان

ص: 235

و كل ممكن بحیث یكون استناده إلی أی منهما كافیا فی تصحح خروجه من القوة إلی الفعل و حینئذ لم یكن محیص إما من لزوم استناد كل معلول شخصی إلی علتین مستبدتین بالإفاضة و ذلك محال أو من لزوم الترجح بلا مرجح و هو فطری الاستحالة أو من كون أحدهما غیر واجب بالذات و هو خلاف المفروض و هذا البرهان یتم عند قوله علیه السلام: للعجز الظاهر فی الثانی.

و قوله علیه السلام: و إن قلت إلی قوله علی أن المدبر واحد إشارة إلی برهان ثان و هو أحد الوجوه البرهانیة فی قوله تعالی: لَوْ كانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا و تلخیص تقریره أن التلازم بین أجزاء النظام الجملی المنتظم المتسق كما بین السماء و الأرض مثلا علی ما قد أحقته القوانین الحكمیة لا یستتب إلا بالاستناد إلی فاعل واحد یصنع الجمیع بحكمته و قدرته إذ التلازم بین شیئین لا یتصحح إلا بعلیة أحدهما للآخر أو بمعلولیتهما لعلة واحدة موجبة فلو تعدد اختل الأمر و فسد النظام.

و تقریر الثالث هو أنك لو ادعیت اثنین كان لا محالة بینهما انفصال فی الوجود و افتراق فی الهویة و یكون هناك موجود ثالث هو المركب من مجموع الاثنین و هو المراد بالفرجة لأنه منفصل الذات و الهویة و هذا المركب لتركبه عن الواجبات بالذات المستغنیات عن الجاعل موجود لا من تلقاء الصانع إذ افتقار المركب إلی الجاعل بحسب افتقار أجزائه فإذا لم تفتقر أجزاؤه لم یفتقر هو بالضرورة فإذن قد لزمك أن یكون هذا الموجود الثالث أیضا قدیما فیلزمك ثلاثة و قد ادعیت اثنین و هكذا و یرد علیه مع بعد إطلاق الفرجة بهذا المعنی أنه یلزم فی الفرض الثانی سبعة لا خمسة.

الثالث

أن یكون إشارة إلی حجتین إحداهما عامیة مشهوریة و الأخری خاصیة برهانیة أما الأولی فقوله لا یخلو قولك إلی قوله فی الثانی و معناه أنه لو فرض قدیمان فلا یخلو أن یكون كلاهما قویین أو كلاهما ضعیفین أو أحدهما قویا و الآخر ضعیفا و الثلاثة بأسرها باطلة أما الأول فلأنه إذا كانا قویین و كل منهما فی غایة القوة من غیر ضعف و عجز كما هو المفروض و القوة یقتضی الغلبة و القهر علی كل شی ء سواه فما السبب المانع لأن یدفع كل واحد منهما صاحبه حتی یتفرد بالتدبیر و القهر علی

ص: 236

غیره إذ اقتضاء الغلبة و الاستعلاء مركوزة فی كل ذی قوة علی قدر قوته و المفروض أن كلا منهما فی غایة القوة و أما فساد الشق الثانی فهو ظاهر عند جمهور الناس لما حكموا بالفطرة من أن الضعف ینافی الإلهیة و لظهوره لم یذكره علیه السلام و أیضا یعلم فساده بفساد الشق الثالث و هو قوله و إن زعمت أن أحدهما قوی و الآخر ضعیف ثبت أنه أی الإله واحد كما نحن نقول للعجز الظاهر فی المفروض ثانیا لأن الضعف منشأ العجز و العاجز لا یكون إلها بل مخلوقا محتاجا لأنه محتاج إلی من یعطیه القوة و الكمال و الخیریة و أما الحجة البرهانیة فأشار إلیها بقوله و إن قلت إنهما اثنان و بیانه أنه لو فرض موجودان قدیمان فإما أن یتفقا من كل جهة أو یختلفا من كل جهة أو یتفقا بجهة و یختلفا بأخری و الكل محال أما بطلان الأول فلأن الاثنینیة لا تتحقق إلا بامتیاز أحد الاثنین عن صاحبه و لو بوجه من الوجوه و أما بطلان الثانی فلما نبه علیه بقوله فلما رأینا الخلق منتظما و تقریره أن العالم كله كشخص واحد كثیر الأجزاء و الأعضاء مثل الإنسان فإنا نجد أجزاء العالم مع اختلاف طبائعها الخاصة و تباین صفاتها و أفعالها المخصوصة یرتبط بعضها ببعض و یفتقر بعضها إلی بعض و كل منها یعین بطبعه صاحبه و هكذا نشاهد الأجرام العالیة و ما ارتكز فیها من الكواكب النیرة فی حركاتها الدوریة و أضوائها الواقعة منها نافعة للسفلیات محصلة لأمزجة المركبات التی یتوقف علیها صور الأنواع و نفوسها و حیاة الكائنات و نشوء الحیوان و النبات فإذا تحقق ما ذكرنا من وحدة العالم لوحدة النظام و اتصال التدبیر دل علی أن إلهه واحد و إلیه أشار بقوله دل صحة الأمر و التدبیر و ائتلاف الأمر علی أن المدبر واحد.

و أما بطلان الشق الثالث و هو أنهما متفقان من وجه و مختلفان من وجه آخر فبأن یقال كما أشار إلیه علیه السلام بقوله ثم یلزمك أنه لا بد فیهما من شی ء یمتاز به أحدهما عن صاحبه و صاحبه عنه و ذلك الشی ء یجب أن یكون أمرا وجودیا یوجد فی أحدهما و لم یوجد فی الآخر أو أمران وجودیان یختص كل منهما بواحد فقط و أما كون الفارق الممیز لكل منهما عن صاحبه أمرا عدمیا فهو ممتنع بالضرورة إذ الأعدام

ص: 237

بما هی أعدام لا تمایز بینها و لا تمییز بها فإذا فرض قدیمان فلا أقل من وجود أمر ثالث یوجد لأحدهما و یسلب عن الآخر و هو المراد بالفرجة إذ به یحصل الانفراج أی الافتراق بینهما لوجوده فی أحدهما و عدمه فی الآخر و هو أیضا لا محالة قدیم موجود معهما و إلا لم یكونا اثنین قدیمین فیلزم أن یكون القدماء ثلاثة و قد فرض اثنان و هذا خلف ثم یلزم من فرض كونهم ثلاثة أن یكونوا خمسة و هكذا إلی أن یبلغ عددهم إلی ما لا نهایة له و هو محال.

أقول: الأظهر علی هذا التقریر أن تحمل الوحدة فی قوله علیه السلام: علی أن المدبر واحد علی الأعم من الوحدة النوعیة و الشخصیة و لو حملت علی الشخصیة یمكن أن یستخرج منه ثلاث حجج بهذا التقریر و لا یخفی توجیهها.

الرابع

أن یكون إشارة إلی ثلاث حجج لكن علی وجه آخر و تقریر الأول أنه لو كان اثنین فإما أن یكونا قویین أی مستقلین بالقدرة علی كل ممكن فی نفسه سواء كان موافقا للمصلحة أو مخالفا و هو إنما یتصور بكونهما قدیمین و إما أن یكونا ضعیفین أی غیر مستقلین بالقدرة علی ممكن ما فی نفسه و إما أن یكون أحدهما قویا و الآخر ضعیفا و الأول محال لاشتماله علی التناقض لأن كون كل منهما قویا بهذا المعنی یستلزم أن یكون قویا علی دفع الآخر عن أن یصدر عنه مراد الأول بعینه أو مثله أو ضده فی محله لأن عدم المنافی شرط فی صدور كل ممكن و عدم القوة علی الشرط ینافی القوة علی المشروط و لا شك أن المدفوع كذلك ضعیف مسخر فقوة كل منهما فی فعل صدر عنه یستلزم دفعه الآخر فیه و ضعف ذلك الآخر و فی فعل تركه حتی فعل الآخر ضده یستلزم تمكینه الآخر فی فعله و هذا تفرد بالتدبیر فالاستفهام فی لم لا یدفع إنكاری أی معلوم ضرورة أنه یدفع كل منهما الآخر و یتفرد بالتدبیر و بطلان الشق الثالث لكونه مستلزما لعجز أحدهما أی ضعفه و عدم كونه ممن ینتهی إلیه شی ء من تدبیر العالم یستلزم بطلان الشق الثانی بطریق أولی و تقریر الثانی هو أنه لو كان المدبر اثنین فنسبة معلول معلول إلیهما إما متساویة من جمیع الوجوه بأن لا یكون فی واحد منهما و لا فی كل منهما ما یختص به و یرجح صدوره عنه علی صدوره عن الآخر من الداعی و المصلحة

ص: 238

و نحوهما و إما غیر متساویة من جمیع الوجوه و كلاهما باطل.

أما الأول فلأنه إما أن یكون ترك كل منهما لذلك المعلول مستلزما لفعل الآخر إیاه لحكمة كل منهما أم لا فعلی الأول إحداث أحدهما ذلك المعلول یستلزم الترجیح بلا مرجح لأن إحداث كل منهما ذلك المعلول لیس أولی بوجه من تركه إیاه و إحداث الآخر إیاه و علی الثانی إما أن یكون ترك التارك له مع تجویزه الترك علی الآخر قبیحا و خلاف الحكمة أم لا و الأول یستلزم النقص و الثانی یستلزم عدم إمكان رعایة المصالح التی لا تحصی فی خلق العالم لأنه اتفاقی حینئذ و معلوم بدیهة أن الاتفاقی لا یكون منتظما فی أمر سهل كصدور مثل قصیدة من قصائد البلغاء المشهورین عمن لم یمارس البلاغة و إن كان یمكن أن یصدر عنه اتفاقا مصراع بلیغ أو مصراعان فضلا عما نحن فیه.

و أما بطلان الثانی فلأنه یستلزم أن یكون مختلفة من جمیع الوجوه بأن لا یكون أحدهما قادرا علیه أصلا لأن اختلاف نسبة قادرین إلی معلول واحد شخصی إنما یتصور فیما یمكن أن یكون صدوره عن أحدهما أصلح و أنفع من صدوره عن الآخر و هذا إنما یتصور فیما كان نفع فعله راجعا إلیه كالعباد و أما إذا كان القادران بریئین من الانتفاع كما فیما نحن فیه فلا یتصور ذلك فیه بدیهة و ینبه علیه أن الغنی المطلق إنما یفعل ما هو الخیر فی نفسه من غیر أن یكون له فیه نفع سواء كان لغیره فیه نفع كما فی ثواب المطیع أو لم یكن و مثاله عقاب الكافر إن لم یكن للمطیعین فیه نفع.

و تقریر الثالث أنه إن كان المدبر اثنین فنسبة معلول معلول إلیهما إما متساویة من جمیع الوجوه أو لا و كلاهما باطل أما الأول فلان صدور بعض المعلولات عن أحدهما و بعض آخر منها عن الآخر منهما حینئذ یحتاج إلی ثالث هو الفرجة بینهما أی ما یمیز و یعین كل معلول معلول لواحد معین منهما حتی یكون المدبران اثنین لامتناع الترجیح من جهة الفاعلین بلا مرجح أی بلا داع أصلا كما هو المفروض فیلزم خلاف الفرض و هو أن یكون المدبر ثلاثة ثم ننقل الكلام إلی الثلاثة و هكذا إلی ما لا نهایة له فی الكثرة و یلزم التسلسل و إنما لم یكتف علیه السلام بعد نقل الكلام إلی الثلاثة بالاحتیاج إلی فرجة

ص: 239

واحدة للتمیزین حتی یكون المجموع أربعة لا خمسة و إن كان المطلوب و هو لزوم التسلسل حاصلا به أیضا لأن هناك ثلاثة تمییزات و تخصیص واحد منهما بممیز كما هو المفروض و اشتراك اثنین منهما بواحد مع اتحاد النسبة تحكم و أما بطلان الثانی فلما مر فی بیان بطلان الشق الثانی من الدلیل الثانی.

أقول: لا یخفی بعد هذا التقریر عن الأفهام و احتیاجه إلی تقدیر كثیر من المقدمات فی الكلام.

الخامس

أن یكون الأول إشارة إلی برهان التمانع بأحد تقریراته المشهورة و الثانی إلی التلازم كما مر و الثالث یكون إلزاما علی المجسمة المشركة القائلین بإلهین مجسمین متباعدین فی المكان كما هو الظاهر من كلام المجوس لعنهم اللّٰه و یكون الفرجة محمولة علی معناها المتبادر من جسم یملأ البعد بینهما لبطلان الخلإ أو سطح فاصل بینهما لتحقق الاثنینیة هذا ما قیل أو یمكن أن یقال فی حل هذا الخبر الذی تحیرت فیه الأفهام و الفكر و لم نتعرض لبسط الكلام فی كل وجه و لا لإیراد ما یرد علی كل منها من الإشكالات و الاعتراضات احترازا عن الإسهاب و الإطناب و اللّٰه الموفق للصواب.

«23»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام عَنِ التَّوْحِیدِ فَقَالَ هُوَ الَّذِی أَنْتُمْ عَلَیْهِ.

«24»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ وَ یَعْقُوبَ بْنِ یَزِیدَ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَمِعْتُهُ وَ هُوَ یَقُولُ فِی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً قَالَ هُوَ تَوْحِیدُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

«25»-ید، التوحید الْأُشْنَانِیُّ عَنِ ابْنِ مَهْرَوَیْهِ عَنِ الْفَرَّاءِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله التَّوْحِیدُ نِصْفُ الدِّینِ وَ اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ.

قال الصدوق فی كتاب التوحید بعد نقل خبر أعرابی سمعت من أثق بدینه و معرفته باللغة و الكلام یقول إن قول القائل واحد و اثنان و ثلاثة إلی آخره إنما وضع فی أصل اللغة للإبانة عن كمیة ما یقال علیه لا لأن له مسمّی یتسمّی به بعینه أو لأن

ص: 240

له معنی سوی ما یتعلّمه الإنسان لمعرفة الحساب و یدور علیه عقد الأصابع عند ضبط الآحاد و العشرات و المئات و الألوف و لذلك متی أراد مرید أن یخبر غیره عن كمیة شی ء بعینه سمّاه باسمه الأخصّ ثم قرن لفظة الواحد به و علّقه علیه یدلّ به علی كمیة لا علی ما عدا ذلك من أوصافه و من أجله یقول القائل درهم واحد و إنما یعنی به أنه درهم فقط و قد یكون الدرهم درهما بالوزن و درهما بالضرب فإذا أراد المخبر أن یخبر عن وزنه قال درهم واحد بالوزن و إذا أراد أن یخبر عن عدده أو ضربه قال درهم واحد بالعدد و درهم واحد بالضرب و علی هذا الأصل یقول القائل هو رجل واحد و قد یكون الرجل واحدا بمعنی أنه إنسان و لیس بإنسانین و رجل لیس برجلین و شخص لیس بشخصین و یكون واحدا فی الفضل واحدا فی العلم واحدا فی السخاء واحدا فی الشجاعة فإذا أراد القائل أن یخبر عن كمیته قال هو رجل واحد فدل ذلك من قوله علی أنه رجل و لیس هو برجلین و إذا أراد أن یخبر عن فضله قال هذا واحد عصره فدلّ ذلك علی أنه لا ثانی له فی الفضل و إذا أراد أن یدل علی علمه قال إنه واحد فی علمه فلو دلّ قوله واحد بمجرده علی الفضل و العلم كما دل بمجرده علی الكمیة لكان كل من أطلق علیه لفظة واحد أراد فاضلا لا ثانی له فی فضله و عالما لا ثانی له فی علمه و جوادا لا ثانی له فی جوده فلما لم یكن كذلك صح (1) أنه بمجرده لا یدل إلا علی كمیة الشی ء دون غیره و إلا لم یكن لما أضیف إلیه من قول القائل واحد عصره و دهره فائدة و لا كان لتقییده بالعلم و الشجاعة معنی لأنه كان یدل بغیر تلك الزیادة و بغیر ذلك التقیید علی غایة الفضل و غایة العلم و الشجاعة فلما احتیج معه إلی زیادة لفظ و احتیج إلی التقیید بشی ء صح ما قلناه فقد تقرر أن لفظة القائل واحد إذا قیل علی الشی ء دل بمجرده علی كمیة فی اسمه الأخص و یدل بما یقترن به علی فضل المقول علیه و علی كماله و علی توحده بفضله و علمه و جوده و تبین أن الدرهم الواحد قد یكون درهما واحدا بالوزن و درهما واحدا بالعدد و درهما واحدا بالضرب و قد یكون بالوزن درهمین و بالضرب درهما واحدا و یكون بالدوانیق ستة دوانیق و بالفلوس

ص: 241


1- فی نسخة: فلما لم یكن كذلك وضح.

ستین فلسا و یكون بالأجزاء كثیرا و كذلك یكون العبد عبدا واحدا و لا یكون عبدین بوجه و یكون شخصا واحدا و لا یكون شخصین بوجه و یكون أجزاء كثیرة و أبعاضا كثیرة و كل بعض من أبعاضه یكون جواهر كثیرة متحدة اتحد بعضها ببعض و تركب بعضها مع بعض و لا یكون العبد واحدا و إن كان كل واحد منه فی نفسه إنما هو عبد واحد و إنما لم یكن العبد واحدا لأنه ما من عبد إلا و له مثل فی الوجود أو فی المقدور و إنما صح أن یكون للعبد مثل لأنه لم یتوحد بأوصافه التی من أجلها صار عبدا مملوكا و وجب لذلك أن یكون اللّٰه عز و جل متوحدا بأوصافه العلی و أسمائه الحسنی لیكون إلها واحدا فلا یكون له مثل و یكون واحدا لا شریك له و لا إله غیره فاللّٰه تبارك و تعالی إله واحد لا إله إلا هو و قدیم واحد لا قدیم إلا هو و موجود واحد لیس بحال و لا محل و لا موجود كذلك إلا هو و شی ء واحد لا یجانسه و لا یشاكله شی ء و لا یشبهه شی ء و لا شی ء كذلك إلا هو فهو كذلك موجود غیر منقسم فی الوجود و لا فی الوهم و شی ء لا یشبهه شی ء بوجه و إله لا إله غیره بوجه و صار قولنا یا واحد یا أحد فی الشریعة اسما خاصا له دون غیره لا یسمی به إلا هو عز و جل كما أن قولنا اللّٰه اسم لا یسمی به غیره.

و فصل آخر فی ذلك و هو أن الشی ء قد یعد مع ما جانسه و شاكله و ماثله یقال هذا رجل و هذان رجلان و ثلاثة رجال و هذا عبد و هذا سواد و هذان عبدان و هذان سوادان و لا یجوز علی هذا الأصل أن یقال هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد فاللّٰه لا یعد علی هذا الوجه و لا یدخل فی العدد من هذا الوجه بوجه و قد یعد الشی ء مع ما لا یجانسه و لا یشاكله یقال هذا بیاض و هذان بیاض و سواد و هذا محدث و هذان محدثان و هذان لیسا بمحدثین و لا بمخلوقین بل أحدهما قدیم و الآخر محدث و أحدهما رب و الآخر مربوب فعلی هذا الوجه یصح دخوله فی العدد و علی هذا النحو قال اللّٰه تبارك و تعالی: ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا الآیة (1) و كما أن قولنا فلان إنما هو رجل واحد لا یدل علی فضله بمجرده كذلك قولنا فلان ثانی فلان لا یدل بمجرده إلا علی كونه و إنما یدل علی فضله متی قیل إنه ثانیة فی الفضل أو فی الكمال أو العلم.

ص: 242


1- المجادلة: 7.

فأما توحید اللّٰه تعالی ذكره فهو توحیده بصفاته العلی(1) و أسمائه الحسنی و لذلك كان إلها واحدا لا شریك له و لا شبیه و الموحد هو من أقر به علی ما هو علیه عز و جل من أوصافه العلی و أسمائه الحسنی علی بصیرة منه و معرفة و إیقان و إخلاص و إذا كان ذلك كذلك فمن لم یعرف اللّٰه عز و جل متوحدا بأوصافه العلی و أسمائه الحسنی و لم یقر بتوحیده بأوصافه العلی فهو غیر موحد و ربما قال جاهل من الناس إن من وحد اللّٰه و أقر أنه واحد فهو موحد و إن لم یصفه بصفاته التی توحد بها لأن من وحد الشی ء فهو موحد فی أصل اللغة فیقال له أنكرنا ذلك لأن من زعم أن ربه إله واحد و شی ء واحد ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التی توحد بها فهو عند جمیع الأمة و سائر أهل الملل ثنوی غیر موحد و مشرك مشبه غیر مسلم و إن زعم أن ربه إله واحد و شی ء واحد و موجود واحد و إذا كان كذلك وجب أن یكون اللّٰه تبارك و تعالی متوحدا بصفاته التی تفرد بالإلهیة من أجلها و توحد بالوحدانیة لتوحده بها لیستحیل أن یكون إله آخر و یكون اللّٰه واحدا و الإله واحدا لا شریك له و لا شبیه لأنه إن لم یتوحد بها كان له شریك و شبیه كما أن العبد لما لم یتوحد بأوصافه التی من أجلها كان عبدا كان له شبیه و لم یكن العبد واحدا و إن كان كل واحد منا عبدا واحدا و إذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته و أقر بما عرفه و اعتقد ذلك كان موحدا و بتوحید ربه عارفا و الأوصاف التی توحد اللّٰه تعالی بها و توحد بربوبیته لتفرده بها فی الأوصاف التی یقتضی كل واحد منها أن لا یكون الموصوف بها إلا واحدا لا یشاركه فیه غیره و لا یوصف به إلا هو و تلك الأوصاف هی كوصفنا له بأنه موجود واحد لا یصح أن یكون حالا فی شی ء و لا یجوز أن یحله شی ء و لا یجوز علیه العدم و الفناء و الزوال مستحق للوصف بذلك بأنه أول الأولین و آخر الآخرین قادر یفعل ما یشاء لا یجوز علیه ضعف و لا عجز مستحق للوصف بذلك لأنه أقدر القادرین و أقهر القاهرین عالم لا یخفی علیه شی ء و لا یعزب عنه شی ء لا یجوز علیه جهل و لا سهو و لا شك و لا نسیان مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمین حی لا یجوز علیه موت و لا نوم

ص: 243


1- فی نسخة: فهو توحده بصفاته العلی.

و لا ترجع إلیه منفعة و لا تناله مضرة مستحق للوصف بذلك بأنه أبقی الباقین و أكمل الكاملین فاعل لا یشغله شی ء عن شی ء و لا یعجزه شی ء و لا یفوته شی ء مستحق للوصف بذلك بأنه إله الأولین و الآخرین و أحسن الخالقین و أسرع الحاسبین غنی لا یكون له قلة مستغن لا یكون له حاجة عدل لا تلحقه مذمة و لا ترجع إلیه منقصة حكیم لا یقع منه سفاهة رحیم لا یكون له رقة و یكون فی رحمته سعة حلیم لا یلحقه موجدة (1) و لا یقع منه عجلة مستحق للوصف بذلك بأنه أعدل العادلین و أحكم الحاكمین و أسرع الحاسبین و ذلك لأن أول الأولین لا یكون إلا واحدا و كذلك أقدر القادرین و أعلم العالمین و أحكم الحاكمین و أحسن الخالقین و كل ما جاء علی هذا الوزن فصح بذلك ما قلناه و باللّٰه التوفیق و منه العصمة و التسدید.

باب 7 عبادة الأصنام و الكواكب و الأشجار و النیرین و علة حدوثها و عقاب من عبدها أو قرب إلیها قربانا

الآیات؛

الأنعام: «قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَنْفَعُنا وَ لا یَضُرُّنا»(71)

الأعراف: «أَ یُشْرِكُونَ ما لا یَخْلُقُ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ* وَ لا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ* وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدی لا یَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَیْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ* إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْیَسْتَجِیبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ* أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِیدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ* إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ* وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ* وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدی لا یَسْمَعُوا وَ تَراهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْكَ وَ هُمْ لا یُبْصِرُونَ»(191-198)

یونس: «وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَضُرُّهُمْ وَ لا یَنْفَعُهُمْ وَ یَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا یَعْلَمُ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِكُونَ»(18)

ص: 244


1- الموجدة بفتح المیم و سكون الواو: الغضب.

(و قال تعالی): «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ قُلِ اللَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ فَأَنَّی تُؤْفَكُونَ* قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلَّا أَنْ یُهْدی فَما لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ»(34-35)

هود: «فَلا تَكُ فِی مِرْیَةٍ مِمَّا یَعْبُدُ هؤُلاءِ ما یَعْبُدُونَ إِلَّا كَما یَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِیبَهُمْ غَیْرَ مَنْقُوصٍ»(109)

النحل: «أَ فَمَنْ یَخْلُقُ كَمَنْ لا یَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ»(17) (و قال تعالی): «وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَخْلُقُونَ* شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَیْرُ أَحْیاءٍ وَ ما یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ* إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ»(20-22) (و قال تعالی): «وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلی بَعْضٍ فِی الرِّزْقِ فَمَا الَّذِینَ فُضِّلُوا بِرَادِّی رِزْقِهِمْ عَلی ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُمْ فَهُمْ فِیهِ سَواءٌ أَ فَبِنِعْمَةِ اللَّهِ یَجْحَدُونَ»(71) (و قال تعالی): «وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ شَیْئاً وَ لا یَسْتَطِیعُونَ* فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ ءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ یَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ* وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَیْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ ءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلی مَوْلاهُ أَیْنَما یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَ مَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ»(73-76)

مریم: «یا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا یَسْمَعُ وَ لا یُبْصِرُ وَ لا یُغْنِی عَنْكَ شَیْئاً»(42)

الحج: «یَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَضُرُّهُ وَ ما لا یَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ* یَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلی وَ لَبِئْسَ الْعَشِیرُ»(12-13) (و قال): «یا أَیُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ یَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ یَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَیْئاً لا یَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ* ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ»(73-74)

الفرقان: «وَ إِذا رَأَوْكَ إِنْ یَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَ هذَا الَّذِی بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا* إِنْ كادَ لَیُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَیْها وَ سَوْفَ یَعْلَمُونَ حِینَ یَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِیلًا*

ص: 245

أَ رَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَیْهِ وَكِیلًا»(41-43) (و قال اللّٰه تعالی): «وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَنْفَعُهُمْ وَ لا یَضُرُّهُمْ وَ كانَ الْكافِرُ عَلی رَبِّهِ ظَهِیراً»(55)

الشعراء: «وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِیمَ *إِذْ قالَ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ *قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِینَ *قالَ هَلْ یَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ یَنْفَعُونَكُمْ أَوْ یَضُرُّونَ* قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ یَفْعَلُونَ *قالَ أَ فَرَأَیْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِی إِلَّا رَبَّ الْعالَمِینَ* (إلی قوله تعالی) وَ بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِلْغاوِینَ* وَ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ *مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ یَنْصُرُونَكُمْ أَوْ یَنْتَصِرُونَ* فَكُبْكِبُوا فِیها هُمْ وَ الْغاوُونَ *وَ جُنُودُ إِبْلِیسَ أَجْمَعُونَ* قالُوا وَ هُمْ فِیها یَخْتَصِمُونَ* تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ* إِذْ نُسَوِّیكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ* وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ* فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ*وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ *فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ»(69-102)

النمل: «وَجَدْتُها وَ قَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ* أَلَّا یَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ یَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ* اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ»(24-26)

العنكبوت: «إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَ اعْبُدُوهُ وَ اشْكُرُوا لَهُ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ»(17) (إلی قوله تعالی): «وَ قالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَیْنِكُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ثُمَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ یَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَ مَأْواكُمُ النَّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ ناصِرِینَ»(17-25)

الروم: «وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ *وَ لَمْ یَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَ كانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِینَ (إلی قوله تعالی): ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِی ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِیهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِیفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ»(12-28)

یس: «أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفاعَتُهُمْ شَیْئاً وَ لا یُنْقِذُونِ* إِنِّی إِذاً لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ»(23-24)

ص: 246

الصافات: «إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِیلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ یَسْتَكْبِرُونَ* وَ یَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ »(35-36) (و قال تعالی): «أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِیدُونَ* فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ (إلی قوله): «أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ *وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ»(86-96) (و قال تعالی): «أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِینَ*اللَّهَ رَبَّكُمْ وَ رَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِینَ»(125-126)

ص: «أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ عُجابٌ *وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلی آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ یُرادُ* ما سَمِعْنا بِهذا فِی الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ»(5-7)

الزمر: «فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ* أَلا لِلَّهِ الدِّینُ الْخالِصُ وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِیُقَرِّبُونا إِلَی اللَّهِ زُلْفی إِنَّ اللَّهَ یَحْكُمُ بَیْنَهُمْ فِی ما هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ»(2-3) (و قال عز و جل): «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَ فَرَأَیْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِیَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِی بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ عَلَیْهِ یَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ»(38) (و قال تعالی): «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَ وَ لَوْ كانُوا لا یَمْلِكُونَ شَیْئاً وَ لا یَعْقِلُونَ *قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِیعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ* وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ»(43-45)

المؤمن: «قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِی الْبَیِّناتُ مِنْ رَبِّی وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِینَ»(66) (إلی قوله تعالی): «إِذِ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ یُسْحَبُونَ *فِی الْحَمِیمِ ثُمَّ فِی النَّارِ یُسْجَرُونَ*ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً كَذلِكَ یُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِینَ»(71-74)

السجدة: «لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ»(37)

حمعسق: «وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ اللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیْهِمْ»(6)

الزخرف: «وَ لا یَمْلِكُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ

ص: 247

یَعْلَمُونَ* وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّی یُؤْفَكُونَ»(86-87)

الجاثیة: «أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ»(23)

الأحقاف: «قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِی السَّماواتِ ائْتُونِی بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ* وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ یَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا یَسْتَجِیبُ لَهُ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِینَ»(4-6) (و قال تعالی): «أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّی أَخافُ عَلَیْكُمْ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ *قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (إلی قوله تعالی): «فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَ ذلِكَ إِفْكُهُمْ وَ ما كانُوا یَفْتَرُونَ»(21-28)

النجم: «أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی* وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْری* أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثی* تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِیزی *إِنْ هِیَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ»(19-23)

الجحد: «قُلْ یا أَیُّهَا الْكافِرُونَ *لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (إلی آخر السورة).

أقول: سیأتی الآیات الكثیرة فی ذلك فی كتاب النبوة و كتاب الاحتجاج و كتاب المعاد.

«1»-فس، تفسیر القمی قَوْلُهُ: وَ قالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا یَغُوثَ وَ یَعُوقَ وَ نَسْراً قَالَ كَانَ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ قَبْلَ نُوحٍ علیه السلام فَمَاتُوا فَحَزِنَ عَلَیْهِمُ النَّاسُ فَجَاءَ إِبْلِیسُ فَاتَّخَذَ لَهُمْ صُوَرَهُمْ لِیَأْنَسُوا بِهَا فَأَنِسُوا بِهَا فَلَمَّا جَاءَهُمُ الشِّتَاءُ أَدْخَلُوهُمُ الْبُیُوتَ فَمَضَی ذَلِكَ الْقَرْنُ وَ جَاءَ الْقَرْنُ الْآخَرُ فَجَاءَهُمْ إِبْلِیسُ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ هَؤُلَاءِ آلِهَةٌ كَانُوا آبَاؤُكُمْ یَعْبُدُونَهَا فَعَبَدُوهُمْ وَ ضَلَّ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِیرٌ فَدَعَا عَلَیْهِمْ نُوحٌ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ.

«2»-فس، تفسیر القمی وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا یَغُوثَ وَ یَعُوقَ وَ نَسْراً قَالَ كَانَتْ وَدٌّ صَنَماً لِكَلْبٍ (1) وَ كَانَتْ سُوَاعٌ لِهُذَیْلٍ (2) وَ یَغُوثُ لِمُرَادٍ (3) وَ كَانَتْ یَعُوقُ لِهَمْدَانَ وَ كَانَتْ

ص: 248


1- بدومة الجندل.
2- كانت لهم برهاط من أرض ینبع- و ینبع عرض من أعراض المدینة- و كان سدنتها بنو لحیان.
3- ثم لبنی غطیف بالجرف عند سبا.

نَسْرٌ لِحُصَیْنٍ (1).

«3»-ب، قرب الإسناد هَارُونُ عَنِ ابْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ عَلِیّاً صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ سُئِلَ عَنْ أَسَافٍ وَ نَائِلَةَ وَ عِبَادَةِ قُرَیْشٍ لَهُمَا فَقَالَ نَعَمْ كَانَا شَابَّیْنِ صَبِیحَیْنِ وَ كَانَ بِأَحَدِهِمَا تَأْنِیثٌ وَ كَانَا یَطُوفَانِ بِالْبَیْتِ فَصَادَفَا مِنَ الْبَیْتِ خَلْوَةً فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَفَعَلَ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ حَجَرَیْنِ فَقَالَتْ قُرَیْشٌ لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی رَضِیَ أَنْ یُعْبَدَا مَعَهُ مَا حَوَّلَهُمَا عَنْ حَالِهِمَا (2).

«4»-ع، علل الشرائع فِی أَسْئِلَةِ الشَّامِیِّ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ مَنْ كَفَرَ وَ أَنْشَأَ الْكُفْرَ فَقَالَ علیه السلام إِبْلِیسُ لَعَنَهُ اللَّهُ.

«5»-ع، علل الشرائع أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ وَ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ جَابِرٍ وَ كَرَّامِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْحَمِیدِ بْنِ أَبِی الدَّیْلَمِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ قَابِیلَ لَمَّا رَأَی النَّارَ قَدْ قَبِلَتْ قُرْبَانَ هَابِیلَ قَالَ لَهُ إِبْلِیسُ إِنَّ هَابِیلَ كَانَ یَعْبُدُ تِلْكَ النَّارَ فَقَالَ قَابِیلُ لَا أَعْبُدُ النَّارَ الَّتِی عَبَدَهَا هَابِیلُ وَ لَكِنْ أَعْبُدُ نَاراً أُخْرَی وَ أُقَرِّبُ قُرْبَاناً لَهَا فَتَقَبَّلُ قُرْبَانِی فَبَنَی بُیُوتَ النَّارِ فَقَرَّبَ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِرَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَمْ یَرِثْ مِنْهُ وُلْدُهُ إِلَّا عِبَادَةَ النِّیرَانِ.

ص، قصص الأنبیاء علیهم السلام بالإسناد إلی الصدوق عن ابن الولید عن الصفار عن ابن أبی الخطاب عن ابن سنان مثله.

«6»-ع، علل الشرائع أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ النُّعْمَانِ عَنْ بُرَیْدٍ الْعِجْلِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام إِنَّمَا سُمِّیَ الْعُوْدُ خِلَافاً لِأَنَّ إِبْلِیسَ عَمِلَ صُورَةَ سُوَاعٍ عَلَی خِلَافِ صُورَةِ وَدٍّ فَسُمِّیَ الْعُودُ خِلَافاً.

و هذا فی حدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة بیان إنما سمی العود أی الشجرة المعهودة خلافا لأن إبلیس عمل سواعا منها علی خلاف ود فلذلك سمیت بها.

ص: 249


1- كذا فی النسخ و لكن الصحیح «لحمیر» عبدوه بأرض یقال لها: بلخع، و كان لحمیر أیضا بیت بصنعاء یقال له: رئام، یعظمونه و یتقربون عنده بالذبائح. و فی القاموس النسر: صنم كان لذی الكلاع بأرض حمیر.
2- الحدیث موضوع و هو قصة تاریخیة خرافیة ط.

«7»-ع، علل الشرائع أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِیِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی عَنْ حَرِیزٍ (1) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا یَغُوثَ وَ یَعُوقَ وَ نَسْراً قَالَ كَانُوا یَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَمَاتُوا فَضَجَّ قَوْمُهُمْ وَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَیْهِمْ فَجَاءَهُمْ إِبْلِیسُ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُمْ أَتَّخِذُ لَكُمْ أَصْنَاماً عَلَی صُوَرِهِمْ فَتَنْظُرُونَ إِلَیْهِمْ وَ تَأْنِسُونَ بِهِمْ وَ تَعْبُدُونَ اللَّهَ فَأَعَدَّ لَهُمْ أَصْنَاماً عَلَی مِثَالِهِمْ فَكَانُوا یَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ یَنْظُرُونَ إِلَی تِلْكَ الْأَصْنَامِ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الشِّتَاءُ وَ الْأَمْطَارُ أَدْخَلُوا الْأَصْنَامَ الْبُیُوتَ فَلَمْ یَزَالُوا یَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَتَّی هَلَكَ ذَلِكَ الْقَرْنُ وَ نَشَأَ أَوْلَادُهُمْ فَقَالُوا إِنَّ آبَاءَنَا كَانُوا یَعْبُدُونَ هَؤُلَاءِ فَعَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً الْآیَةَ.

«8»-ص، قصص الأنبیاء علیهم السلام بِالْإِسْنَادِ عَنِ الصَّدُوقِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْأَحْوَلِ عَنْ بُرَیْدِ بْنِ مُعَاوِیَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ فِی مَسْجِدِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ إِبْلِیسَ اللَّعِینَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَلَی مِثَالِ آدَمَ علیه السلام لِیَفْتِنَ بِهِ النَّاسَ وَ یُضِلَّهُمْ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَی وَ كَانَ وَدٌّ فِی وُلْدِ قَابِیلَ وَ كَانَ خَلِیفَةَ قَابِیلَ عَلَی وُلْدِهِ وَ عَلَی مَنْ بِحَضْرَتِهِمْ فِی سَفْحِ الْجَبَلِ یُعَظِّمُونَهُ وَ یُسَوِّدُونَهُ فَلَمَّا أَنْ مَاتَ وَدٌّ جَزِعَ عَلَیْهِ إِخْوَتُهُ وَ خَلَّفَ عَلَیْهِمْ ابْناً یُقَالُ لَهُ سُوَاعٌ فَلَمْ یُغْنِ غَنَاءَ أَبِیهِ مِنْهُمْ فَأَتَاهُمْ إِبْلِیسُ فِی صُورَةِ شَیْخٍ فَقَالَ قَدْ بَلَغَنِی مَا أُصِبْتُمْ بِهِ مِنْ مَوْتِ وَدٍّ عَظِیمِكُمْ فَهَلْ لَكُمْ فِی أَنْ أُصَوِّرَ لَكُمْ عَلَی مِثَالِ وَدٍّ صُورَةً تَسْتَرِیحُونَ إِلَیْهَا وَ تَأْنِسُونَ بِهَا قَالُوا افْعَلْ فَعَمَدَ الْخَبِیثُ إِلَی الْآنُكِ (2) فَأَذَابَهُ حَتَّی صَارَ مِثْلَ الْمَاءِ ثُمَّ صَوَّرَ لَهُمْ صُورَةً مِثَالَ وَدٍّ فِی بَیْتِهِ فَتَدَافَعُوا عَلَی الصُّورَةِ یَلْثِمُونَهَا وَ یَضَعُونَ خُدُودَهُمْ عَلَیْهَا وَ یَسْجُدُونَ لَهَا وَ أَحَبَّ سُوَاعٌ أَنْ یَكُونَ التَّعْظِیمُ وَ السُّجُودُ لَهُ فَوَثَبَ عَلَی صُورَةِ وَدٍّ فَحَكَّهَا حَتَّی لَمْ یَدَعْ مِنْهَا

ص: 250


1- لا یخلو الحدیث عن احتمال ارسال، لان الكشّیّ روی عن ابن مسعود، عن محمّد ابن نصیر، عن محمّد بن قیس، عن یونس قال: لم یسمع حریز بن عبد اللّٰه من أبی عبد اللّٰه علیه السلام إلّا حدیثا أو حدیثین. انتهی. مع أنا نری عنه أحادیث كثیرة.
2- الآنك بالمد و ضم النون: الاسرب أو أبیضه أو أسوده أو خالصه.

شَیْئاً وَ هَمُّوا بِقَتْلِ سُوَاعٍ فَوَعَظَهُمْ وَ قَالَ أَنَا أَقُومُ لَكُمْ بِمَا كَانَ یَقُومُ بِهِ وَدٌّ وَ أَنَا ابْنُهُ فَإِنْ قَتَلْتُمُونِی لَمْ یَكُنْ لَكُمْ رَئِیسٌ فَمَالُوا إِلَی السُّوَاعِ بِالطَّاعَةِ وَ التَّعْظِیمِ فَلَمْ یَلْبَثْ سُوَاعٌ أَنْ مَاتَ وَ خَلَّفَ ابْناً یُقَالُ لَهُ یَغُوثُ فَجَزِعُوا عَلَی سُوَاعٍ فَأَتَاهُمْ إِبْلِیسُ وَ قَالَ أَنَا الَّذِی صَوَّرْتُ لَكُمْ صُورَةَ وَدٍّ فَهَلْ لَكُمْ أَنْ أَجْعَلَ لَكُمْ مِثَالَ سُوَاعٍ عَلَی وَجْهٍ لَا یَسْتَطِیعُ أَحَدٌ أَنْ یُغَیِّرَهُ قَالُوا فَافْعَلْ فَعَمَدَ إِلَی عُودٍ فَنَجَرَهُ وَ نَصَبَهُ لَهُمْ فِی مَنْزِلِ سُوَاعٍ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ ذَلِكَ الْعُوْدُ خِلَافاً لِأَنَّ إِبْلِیسَ عَمِلَ صُورَةَ سُوَاعٍ عَلَی خِلَافِ صُورَةِ وَدٍّ قَالَ فَسَجَدُوا لَهُ وَ عَظَّمُوهُ وَ قَالُوا لِیَغُوثَ مَا نَأْمَنُكَ عَلَی هَذَا الصَّنَمِ أَنْ تَكِیدَهُ كَمَا كَادَ أَبُوكَ مِثَالَ وَدٍّ فَوَضَعُوا عَلَی الْبَیْتِ حُرَّاساً وَ حُجَّاباً ثُمَّ كَانُوا یَأْتُونَ الصَّنَمَ فِی یَوْمٍ وَاحِدٍ وَ یُعَظِّمُونَهُ أَشَدَّ مَا كَانُوا یُعَظِّمُونَ سُوَاعاً فَلَمَّا رَأَی ذَلِكَ یَغُوثُ قَتَلَ الْحَرَسَةَ وَ الْحُجَّابَ لَیْلًا وَ جَعَلَ الصَّنَمَ رَمِیماً فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ أَقْبَلُوا لِیَقْتُلُوهُ فَتَوَارَی مِنْهُمْ إِلَی أَنْ طَلَبُوهُ وَ رَأَّسُوهُ وَ عَظَّمُوهُ ثُمَّ مَاتَ وَ خَلَّفَ ابْناً یُقَالُ لَهُ یَعُوقُ فَأَتَاهُمْ إِبْلِیسُ فَقَالَ قَدْ بَلَغَنِی مَوْتُ یَغُوثُ وَ أَنَا جَاعِلٌ لَكُمْ مِثَالَهُ فِی شَیْ ءٍ لَا یَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ یُغَیِّرَهُ قَالُوا فَافْعَلْ فَعَمَدَ الْخَبِیثُ إِلَی حَجَرٍ أَبْیَضَ فَنَقَرَهُ بِالْحَدِیدِ حَتَّی صَوَّرَ لَهُمْ مِثَالَ یَغُوثَ فَعَظَّمُوهُ أَشَدَّ مِمَّا مَضَی وَ بَنَوْا عَلَیْهِ بَیْتاً مِنْ حَجَرٍ وَ تَبَایَعُوا أَنْ لَا یَفْتَحُوا بَابَ ذَلِكَ الْبَیْتِ إِلَّا فِی رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ وَ سُمِّیَتِ الْبَیْعَةَ یَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ تَبَایَعُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلَیْهِ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَی یَعُوقَ فَعَمَدَ إِلَی رَیْطَةٍ وَ خَلَقٍ فَأَلْقَاهَا فِی الْحَائِرِ ثُمَّ رَمَاهَا بِالنَّارِ لَیْلًا فَأَصْبَحَ الْقَوْمُ وَ قَدِ احْتَرَقَ الْبَیْتُ وَ الصَّنَمُ وَ الْحَرَسُ وَ ارْفَضَّ الصَّنَمُ مُلْقًی فَجَزِعُوا وَ هَمُّوا بِقَتْلِ یَعُوقَ فَقَالَ لَهُمْ إِنْ قَتَلْتُمْ رَئِیسَكُمْ فَسَدَتْ أُمُورُكُمْ فَكَفُّوا فَلَمْ یَلْبَثْ أَنْ مَاتَ یَعُوقُ وَ خَلَّفَ ابْناً یُقَالُ لَهُ نَسْرٌ فَأَتَاهُمْ إِبْلِیسُ فَقَالَ بَلَغَنِی مَوْتُ عَظِیمِكُمْ فَأَنَا جَاعِلٌ لَكُمْ مِثَالَ یَعُوقَ فِی شَیْ ءٍ لَا یَبْلَی فَقَالُوا افْعَلْ فَعَمَدَ إِلَی الذَّهَبِ وَ أَوْقَدَ عَلَیْهِ النَّارَ حَتَّی صَارَ كَالْمَاءِ وَ عَمِلَ مِثَالًا مِنَ الطِّینِ عَلَی صُورَةِ یَعُوقَ ثُمَّ أَفْرَغَ الذَّهَبَ فِیهِ ثُمَّ نَصَبَهُ لَهُمْ فِی دَیْرِهِمْ وَ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَی نَسْرٍ وَ لَمْ یَقْدِرْ عَلَی دُخُولِ تِلْكَ الدَّیْرِ فَانْحَازَ عَنْهُمْ فِی فِرْقَةٍ قَلِیلَةٍ مِنْ إِخْوَتِهِ یَعْبُدُونَ نَسْراً وَ الْآخَرُونَ یَعْبُدُونَ الصَّنَمَ حَتَّی مَاتَ نَسْرٌ وَ ظَهَرَتْ نُبُوَّةُ إِدْرِیسَ فَبَلَغَهُ حَالُ الْقَوْمِ وَ أَنَّهُمْ یَعْبُدُونَ جِسْماً عَلَی مِثَالِ یَعُوقَ وَ أَنَّ نَسْراً كَانَ یُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَسَارَ إِلَیْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّی نَزَلَ مَدِینَةَ

ص: 251

نَسْرٍ وَ هُمْ فِیهَا فَهَزَمَهُمْ (1) وَ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ وَ هَرَبَ مَنْ هَرَبَ فَتَفَرَّقُوا فِی الْبِلَادِ وَ أَمَرَ بِالصَّنَمِ فَحُمِلَ وَ أُلْقِیَ فِی الْبَحْرِ فَاتَّخَذَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ صَنَماً وَ سَمَّوْهَا بِأَسْمَائِهَا فَلَمْ یَزَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ قَرْناً بَعْدَ قَرْنٍ لَا یَعْرِفُونَ إِلَّا تِلْكَ الْأَسْمَاءَ ثُمَّ ظَهَرَتْ نُبُوَّةُ نُوحٍ علیه السلام (2)فَدَعَاهُمْ إِلَی عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَ تَرْكِ مَا كَانُوا یَعْبُدُونَ مِنَ الْأَصْنَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا یَغُوثَ وَ یَعُوقَ وَ نَسْراً

بیان: ارفضاض الشی ء تفرّقه و ترفّض تكسّر و انحاز عنه عدل.

«9»-ثو، ثواب الأعمال أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِی الْجَوْزَاءِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ مُنْذِرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ذَكَرَ أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ إِنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فِی ذُبَابٍ وَ آخَرَ دَخَلَ النَّارَ فِی ذُبَابٍ فَقِیلَ لَهُ وَ كَیْفَ ذَلِكَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَرَّا عَلَی قَوْمٍ فِی عِیدٍ لَهُمْ وَ قَدْ وَضَعُوا أَصْنَاماً لَهُمْ لَا یَجُوزُ بِهِمْ أَحَدٌ حَتَّی یُقَرِّبَ إِلَی أَصْنَامِهِمْ قُرْبَاناً قَلَّ أَمْ كَثُرَ فَقَالُوا لَهُمَا لَا تَجُوزَا حَتَّی تُقَرِّبَا كَمَا یُقَرِّبُ كُلُّ مَنْ مَرَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا مَا مَعِی شَیْ ءٌ أُقَرِّبُهُ وَ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ذُبَاباً فَقَرَّبَهُ وَ لَمْ یُقَرِّبِ الْآخَرُ فَقَالَ لَا أُقَرِّبُ إِلَی غَیْرِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ شَیْئاً فَقَتَلُوهُ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَ دَخَلَ الْآخَرُ النَّارَ.

«10»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الزُّهْرِیِّ قَالَ: أَتَی رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَسَأَلَهُ عَنْ شَیْ ءٍ فَلَمْ یُجِبْهُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ فَإِنْ كُنْتَ ابْنَ أَبِیكَ فَإِنَّكَ مِنْ أَبْنَاءِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ فَقَالَ لَهُ كَذَبْتَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ إِبْرَاهِیمَ أَنْ یُنْزِلَ إِسْمَاعِیلَ بِمَكَّةَ فَفَعَلَ فَ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فَلَمْ یَعْبُدْ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِیلَ صَنَماً قَطُّ وَ لَكِنَّ الْعَرَبَ عَبَدَةُ الْأَصْنَامِ وَ قَالَتْ بَنُو إِسْمَاعِیلَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ فَكَفَرَتْ وَ لَمْ تَعْبُدِ الْأَصْنَامَ.

بیان: لعل المراد أنهم أقرّوا بوحدانیّة الصانع و إن أشركوا من جهة العبادة و السجود لها فنفی علیه السلام عنهم أعظم أنواع الشرك و هو الشرك فی الربوبیّة و قد مرّت الإشارة إلی الفرق بینهما فی الباب السابق (3).

ص: 252


1- و فی نسخة: فهزموهم.
2- و فی نسخة: فظهرت نبوة نوح علیه السلام.
3- و الروایة مع ذلك لا تخلو عن شی ء؛ فان توحید الصانع بهذا المعنی أساس الثنویة؛ و اتخاذ الأصنام آلهة و عبادتها لیس الا القول بكونهم شفعاء. ط.

«11»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ الْغُمْشَانِیِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشَلِّ بَیَّاعِ الْأَنْمَاطِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَتْ قُرَیْشٌ تُلَطِّخُ الْأَصْنَامَ الَّتِی كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ بِالْمِسْكِ وَ الْعَنْبَرِ وَ كَانَ یَغُوثُ قُبَالَةَ الْبَابِ وَ كَانَ یَعُوقُ عَنْ یَمِینِ الْكَعْبَةِ وَ كَانَ نَسْرٌ عَنْ یَسَارِهَا وَ كَانُوا إِذَا دَخَلُوا خَرُّوا سُجَّداً لِیَغُوثَ وَ لَا یَنْحَنُونَ (1) ثُمَّ یَسْتَدِیرُونَ بِحِیَالِهِمْ إِلَی یَعُوقَ ثُمَّ یَسْتَدِیرُونَ بِحِیَالِهِمْ إِلَی نَسْرٍ ثُمَّ یُلَبُّونَ فَیَقُولُونَ لَبَّیْكَ اللَّهُمَّ لَبَّیْكَ لَبَّیْكَ لَا شَرِیكَ لَكَ إِلَّا شَرِیكٌ هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَ مَا مَلَكَ قَالَ فَبَعَثَ اللَّهُ ذُبَاباً أَخْضَرَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ فَلَمْ یَبْقَ مِنْ ذَلِكَ الْمِسْكِ وَ الْعَنْبَرِ شَیْئاً إِلَّا أَكَلَهُ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یا أَیُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ یَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ یَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَیْئاً لا یَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ

«12»-فس، تفسیر القمی قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قَالَ نَزَلَتْ فِی قُرَیْشٍ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ ضَاقَ عَلَیْهِمُ الْمَعَاشُ فَخَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ وَ تَفَرَّقُوا وَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا رَأَی شَجَرَةً حَسَنَةً أَوْ حَجَراً حَسَناً هَوَاهُ فَعَبَدَهُ وَ كَانُوا یَنْحَرُونَ لَهَا النَّعَمَ وَ یُلَطِّخُونَهَا بِالدَّمِ وَ یُسَمُّونَهَا سَعْدَ صَخْرَةٍ وَ كَانَ إِذَا أَصَابَهُمْ دَاءٌ فِی إِبِلِهِمْ وَ أَغْنَامِهِمْ جَاءُوا إِلَی الصَّخْرَةِ فَیَتَمَسَّحُونَ بِهَا الْغَنَمَ وَ الْإِبِلَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ بِإِبِلٍ لَهُ یُرِیدُ أَنْ یَتَمَسَّحَ بِالصَّخْرَةِ إِبِلَهُ وَ یُبَارِكَ عَلَیْهَا فَنَفَرَتْ إِبِلُهُ وَ تَفَرَّقَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ شِعْراً

أَتَیْتُ إِلَی سَعْدٍ لِیَجْمَعَ شَمْلَنَا***فَشَتَّتَنَا سَعْدٌ فَمَا نَحْنُ مِنْ سَعْدٍ

وَ مَا سَعْدٌ إِلَّا صَخْرَةٌ مُسَوَدَّةٌ ***مِنَ الْأَرْضِ لَا تَهْدِی لِغَیٍّ وَ لَا رُشْدٍ

وَ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ وَ الثَّعْلَبُ یَبُولُ عَلَیْهِ فَقَالَ شِعْراً:

أَ رَبٌّ یَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسِهِ***لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَیْهِ الثَّعَالِبُ

ص: 253


1- و فی نسخة: و لا یحبّون.

باب 8 نفی الولد و الصاحبة

الآیات؛

النساء: «یا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِی دِینِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَی اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِیحُ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلی مَرْیَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَیْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ یَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ كَفی بِاللَّهِ وَكِیلًا* لَنْ یَسْتَنْكِفَ الْمَسِیحُ أَنْ یَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ»(171-172)

المائدة: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ قُلْ فَمَنْ یَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ یُهْلِكَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ* وَ قالَتِ الْیَهُودُ وَ النَّصاری نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ یُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ»(17-18)

أقول: سیأتی كثیر من الآیات المتعلقة بعیسی علیه السلام فی كتاب النبوة و كثیر منها فی أبواب الاحتجاجات.

التوبة: «وَ قالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصاری الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ یُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا یُشْرِكُونَ»(30-31)

یونس: «قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِیُّ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ»(68)

الإسراء: «أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِینَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِیماً»(40)

الكهف: «وَ یُنْذِرَ الَّذِینَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً *ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً»(4-5)

ص: 254

مریم: «ما كانَ لِلَّهِ أَنْ یَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ»(35) (و قال تعالی): «وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً *لَقَدْ جِئْتُمْ شَیْئاً إِدًّا* تَكادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً* وَ ما یَنْبَغِی لِلرَّحْمنِ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً* إِنْ كُلُّ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِی الرَّحْمنِ عَبْداً* لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا»(88-94)

الأنبیاء: «وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ *یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضی وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ* وَ مَنْ یَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّی إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِیهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ»(26-29)

الصافات: «فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ*أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ *أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَیَقُولُونَ *وَلَدَ اللَّهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* أَصْطَفَی الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ* ما لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ *أَ فَلا تَذَكَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِینٌ* فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ *وَ جَعَلُوا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ *إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ* فَإِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ* ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ بِفاتِنِینَ* إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِیمِ* وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ *وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ *وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ»(149-166)

الزمر: «لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفی مِمَّا یَخْلُقُ ما یَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ»(4)

الزخرف: «وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِینٌ* أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا یَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِینَ *وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِیمٌ *أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ *وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ یُسْئَلُونَ *وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ *أَمْ آتَیْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ* بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ»(15-22)

ص: 255

(و قال تعالی): «قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ* سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ»(81-82)

الطور: «أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ»(39)

النجم: «أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثی *تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِیزی»(21-22) (و قال تعالی): «إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَیُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِیَةَ الْأُنْثی* وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً»(27-28)

الجن: «وَ أَنَّهُ تَعالی جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً»(3)

«1»-فس، تفسیر القمی جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً قَالَ هَذَا حَیْثُ قَالَتْ قُرَیْشٌ إِنَّ لِلَّهِ وَلَداً وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی رَدّاً عَلَیْهِمْ لَقَدْ جِئْتُمْ شَیْئاً إِدًّا أَیْ عَظِیماً تَكادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ مِمَّا قَالُوا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی وَ ما یَنْبَغِی لِلرَّحْمنِ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِی الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا وَ كُلُّهُمْ آتِیهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ فَرْداً وَاحِداً وَاحِداً.

«2»-ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنِ الْیَقْطِینِیِّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ رُشَیْدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَلِدْ فَیُورَثَ وَ لَمْ یُولَدْ فَیُشَارَكَ.

«3»-فس، تفسیر القمی قَوْلُهُ قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ یَعْنِی أَوَّلَ الْآنِفِینَ لَهُ أَنْ یَكُونَ لَهُ وَلَدٌ (1).

بیان: هذا أحد الوجوه فی تأویل هذه الآیة قال الجوهری قال أبو زید العبد بالتحریك الغضب و الأنف و الاسم العبدة مثل الأنفة و قد عبد أی أنف و قال أبو عمرو قوله تعالی فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ من الأنف و الغضب انتهی و ثانیها أن یكون من قبیل

ص: 256


1- أنف من العار: ترفع و تنزّه عنه. كرهه. و فی الاحتجاج عن أمیر المؤمنین علیه السلام: أنا أول العابدین أی الجاحدین

تعلیق المحال بالمحال أی لیس له ولد إذ لو كان له ولد لكنت أول العابدین له فإن النبی یكون أعلم باللّٰه و بما یصح له و ما لا یصح و أولی بتعظیم ما یجب تعظیمه و من حق تعظیم الوالد تعظیم ولده و ثالثها أن المعنی إن كان له ولد فی زعمكم فأنا أول العابدین لله الموحدین له المنكرین لقولكم و رابعها أن إن بمعنی ما للنفی و المعنی ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدین لله المقرین بذلك.

أقول: سیأتی ما یتضمن نفی الصاحبة و الولد فی باب جوامع التوحید و سنذكر احتجاج النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی القائلین بالولد فی المجلد الرابع.

باب 9 النهی عن التفكر فی ذات اللّٰه تعالی و الخوض فی مسائل التوحید و إطلاق القول بأنه شی ء

الآیات؛

الزمر: «وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(67)

«1»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام هَلْ تَصِفُ رَبَّنَا نَزْدَادُ لَهُ حُبّاً وَ بِهِ مَعْرِفَةً فَغَضِبَ وَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِیمَا قَالَ عَلَیْكَ یَا عَبْدَ اللَّهِ بِمَا دَلَّكَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ مِنْ صِفَتِهِ وَ تَقَدَّسَكَ فِیهِ الرَّسُولُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَ اسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَایَتِهِ فَإِنَّمَا هِیَ نِعْمَةٌ وَ حِكْمَةٌ أُوتِیتَهَا فَخُذْ مَا أُوتِیتَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِینَ وَ مَا كَلَّفَكَ الشَّیْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَیْسَ عَلَیْكَ فِی الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَ لَا فِی سُنَّةِ الرَّسُولِ وَ أَئِمَّةِ الْهُدَاةِ أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَی اللَّهِ وَ لَا تُقَدِّرْ عَلَیْهِ عَظَمَةَ اللَّهِ (1)وَ اعْلَمْ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَنَّ الرَّاسِخِینَ فِی الْعِلْمِ هُمُ الَّذِینَ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الِاقْتِحَامِ عَلَی السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُیُوبِ إِقْرَاراً بِجَهْلِ مَا جَهِلُوا تَفْسِیرَهُ مِنَ الْغَیْبِ الْمَحْجُوبِ فَقَالُوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَ قَدْ مَدَحَ اللَّهُ اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ یُحِیطُوا بِهِ عِلْماً وَ سَمَّی تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِیمَا لَمْ یُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً.

ص: 257


1- و فی نسخة: و لا تقدر عظمة اللّٰه علی قدر عقلك فتكون من الهالكین.

بیان: الاقتحام الهجوم و الدخول مغالبة و السدد جمع السدة و هی الباب المغلق و فیه إشكال لدلالته علی أن الراسخین فی العلم فی الآیة غیر معطوف علی المستثنی كما دلت علیه الأخبار الكثیرة و سیأتی القول فیه فی كتاب الإمامة (1) إلا أن یقال إن هذا إلزام علی من یفسر الآیة كذلك أو یقال بالجمع بین التفسیرین علی وجهین مختلفین و سیأتی تمام القول فی ذلك فی محله إن شاء اللّٰه تعالی.

«2»-ج، الإحتجاج رُوِیَ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزِّنْدِیقُ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی مَا هُوَ فَقَالَ علیه السلام هُوَ شَیْ ءٌ بِخِلَافِ الْأَشْیَاءِ (2) أَرْجِعُ بِقَوْلِی شَیْ ءٌ إِلَی شَیْ ءٍ بِحَقِیقَةِ الشَّیْئِیَّةِ غَیْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا یُحَسُّ وَ لَا یُجَسُّ(3)وَ لَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَ لَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ وَ لَا تُغَیِّرُهُ الْأَزْمَانُ الْخَبَرَ.

بیان: اعلم أن الشی ء مساو للموجود إذا أخذ الوجود أعم من الذهنی و الخارجی و المخلوط بالوجود من حیث الخلط شی ء و شیئیته كونه ماهیة قابلة له و قیل إن الوجود عین الشیئیة فإذا عرفت هذا فالمراد بقوله بحقیقة الشیئیة أی بالشیئیة الحقة الثابتة له فی حد ذاته لأنه تعالی هو الذی یحقّ أن یقال له شی ء أو موجود لكون وجوده بذاته ممتنع الانفكاك عنه و غیره تعالی فی معرض العدم و الفناء و لیس وجودهم إلا من غیرهم أو المراد أنه یجب معرفته بمحض أنه شی ء لا أن یثبت له حقیقة معلومة مفهومة یتصدی لمعرفتها فإنه یمتنع معرفة كنه ذاته و صفاته و قیل إنه إشارة إلی أن الوجود عین ذاته تعالی.

ص: 258


1- قد بینا فی تفسیر «المیزان» انه هو المتیقن فی الآیة، و تكلمنا فی الاخبار الكثیرة التی یشیر إلیها. ط.
2- أی هو موجود یخالف سائر الموجودات، فان سائر الموجودات لها وجود و ماهیة زائدة علی وجودها، و لكن اللّٰه تعالی حقیقته صرف الوجود، و عین الوجود، و له حقیقة الشیئیة و هی الوجود. ثم بین علیه السلام وجه اختلافه تعالی مع سائر الأشیاء بقوله: غیر أنّه لا جسم إلخ. و لعله علیه السلام أشار بقوله: هو شی ء بخلاف الأشیاء إلی أنّه لا یعرف أحد حقیقة ذاته و صفاته، و إنّما یعرف بمفهوم سلبی و هو أنه موجود مغایر لخلقه فی الذات و الصفات، مثل الإمكان و الحدوث و الجسمیة و غیرها.
3- بالجیم إمّا من جسه بیده أی مسه بیده لیتعرفه، أو بعینه أی أحد النظر إلیه لیتبینه، و إمّا من جس الاخبار و الأمور أی بحث و تفحص عنها

«3»-لی، الأمالی للصدوق أَبِی عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام یَا زِیَادُ إِیَّاكَ وَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا تُورِثُ الشَّكَّ وَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ وَ تُرْدِی صَاحِبَهَا وَ عَسَی أَنْ یَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِالشَّیْ ءِ لَا یُغْفَرُ لَهُ یَا زِیَادُ إِنَّهُ كَانَ فِیمَا مَضَی قَوْمٌ تَرَكُوا عِلْمَ مَا وُكِّلُوا بِهِ (1) وَ طَلَبُوا عِلْمَ مَا كُفُّوهُ (2) حَتَّی انْتَهَی بِهِمُ الْكَلَامُ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَتَحَیَّرُوا فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَیُدْعَی مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ فَیُجِیبُ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ یُدْعَی مِنْ خَلْفِهِ فَیُجِیبُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ.

سن، المحاسن أبی عن ابن أبی عمیر مثله.

«4»-لی، الأمالی للصدوق ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَبِی الْیَسَعِ (3) عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِیَّاكُمْ وَ التَّفَكُّرَ فِی اللَّهِ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ فِی اللَّهِ لَا یَزِیدُ إِلَّا تَیْهاً (4) إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ لَا یُوصَفُ بِمِقْدَارٍ.

«5»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام ابْنُ إِدْرِیسَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ بُنْدَارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْكُوفِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِیِّ خَادِمِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: قَالَ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ لِأَبِی الْحَسَنِ علیه السلام هَلْ یُقَالُ لِلَّهِ إِنَّهُ شَیْ ءٌ فَقَالَ نَعَمْ وَ قَدْ سَمَّی نَفْسَهُ بِذَلِكَ فِی كِتَابِهِ فَقَالَ قُلْ أَیُّ شَیْ ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِیدٌ بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ فَهُوَ شَیْ ءٌ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ.

«6»-فس، تفسیر القمی قَوْلُهُ وَ أَنَّ إِلی رَبِّكَ الْمُنْتَهی حَدَّثَنِی أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ جَمِیلٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ إِذَا انْتَهَی الْكَلَامُ إِلَی اللَّهِ فَأَمْسِكُوا وَ تَكَلَّمُوا فِیمَا دُونَ الْعَرْشِ وَ لَا تَكَلَّمُوا فِیمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَإِنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِیمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَتَاهَتْ عُقُولُهُمْ حَتَّی

ص: 259


1- أی علم ما كلفوا به، و هو العلم بما أمر اللّٰه به و نهاه عنه، و العلم بمحبوباته و مبغوضاته.
2- أی علم ما كفاهم اللّٰه مئونته- ان كان من الكفایة- أو علم ما صرفه اللّٰه عنهم- ان كان من الكف و المراد التفحص عما كانت أفهام البشر عن دركه قاصرة، كالكلام فی العرش و ما فوقه، و الكلام فی كنه الذات و الصفات.
3- الظاهر هو عیسی بن السری أبو الیسع الكرخی البغدادیّ، وثقه ثقة النجاشیّ و غیره، روی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام، له كتاب.
4- أی تحیرا و ضلالا.

كَانَ الرَّجُلُ یُنَادَی مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ فَیُجِیبُ مِنْ خَلْفِهِ وَ یُنَادَی مِنْ خَلْفِهِ فَیُجِیبُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ.

بیان: التكلم فیما فوق العرش كنایة عن التفكر فی كنه ذاته و صفاته تعالی فالمراد إما الفوقیة المعنویة أو بناء علی زعمهم حیث قالوا بالجسم و الصورة و یحتمل علی بعد أن یكون المراد التفكر فی الخلإ البحت بعد انتهاء الأبعاد.

«7»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ رِبْعِیٍّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ وَ إِذا رَأَیْتَ الَّذِینَ یَخُوضُونَ فِی آیاتِنا قَالَ الْكَلَامُ فِی اللَّهِ وَ الْجِدَالُ فِی الْقُرْآنِ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّی یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ قَالَ مِنْهُمُ الْقُصَّاصُ.

بیان: القصاص علماء المخالفین فإنهم كرواة القصص و الأكاذیب فیما یبنون علیه علومهم و هم یخوضون فی تفاسیر الآیات و تحقیق صفات الذات بالظنون و الأوهام لانحرافهم عن أهل البیت علیهم السلام.

«8»-ید، التوحید مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَیْمِیِّ (1) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِیقِ حِینَ سَأَلَهُ عَنِ اللَّهِ مَا هُوَ قَالَ هُوَ شَیْ ءٌ بِخِلَافِ الْأَشْیَاءِ أَرْجِعُ بِقَوْلِی شَیْ ءٌ إِلَی إِثْبَاتِ مَعْنًی وَ أَنَّهُ شَیْ ءٌ بِحَقِیقَةِ الشَّیْئِیَّةِ غَیْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ.

«9»-ید، التوحید مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَمَّنْ ذَكَرَهُ رَفَعَهُ إِلَی أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُ سُئِلَ أَ یَجُوزُ أَنْ یُقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ شَیْ ءٌ قَالَ نَعَمْ تُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّیْنِ حَدِّ التَّعْطِیلِ وَ حَدِّ التَّشْبِیهِ.

ج، الإحتجاج مرسلا مثله بیان حد التعطیل هو عدم إثبات الوجود و الصفات الكمالیة و الفعلیة و الإضافیة له تعالی و حد التشبیه الحكم بالاشتراك مع الممكنات فی حقیقة الصفات و عوارض الممكنات.

«10»-ید، التوحید الْعَطَّارُ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی أَبِی مُحَمَّدٍ علیه السلام سَنَةَ خَمْسٍ

ص: 260


1- نسبة إلی فقیم- وزان هذیل- بطن من دارم و هم بنو فقیم بن جریر بن دارم، و أمّا النسبة إلی فقیم كنانة «فقمی» كعربی، نص علی ذلك فی القاموس و غیره.

وَ خَمْسِینَ وَ مِائَتَیْنِ قَدِ اخْتَلَفَ یَا سَیِّدِی أَصْحَابُنَا فِی التَّوْحِیدِ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ هُوَ جِسْمٌ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ هُوَ صُورَةٌ فَإِنْ رَأَیْتَ یَا سَیِّدِی أَنْ تُعَلِّمَنِی مِنْ ذَلِكَ مَا أَقِفُ عَلَیْهِ وَ لَا أَجُوزُهُ فَعَلْتَ مُتَطَوِّلًا عَلَی عَبْدِكَ فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ علیه السلام سَأَلْتَ عَنِ التَّوْحِیدِ وَ هَذَا عَنْكُمْ مَعْزُولٌ اللَّهُ تَعَالَی وَاحِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ خَالِقٌ وَ لَیْسَ بِمَخْلُوقٍ یَخْلُقُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مَا یَشَاءُ مِنَ الْأَجْسَامِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ وَ یُصَوِّرُ مَا یَشَاءُ وَ لَیْسَ بِمُصَوَّرٍ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَ تَعَالَی عَنْ أَنْ یَكُونَ لَهُ شِبْهٌ هُوَ لَا غَیْرُهُ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ.

بیان: و هذا عنكم معزول أی لا یجب علیكم التفكر فی الذات و الصفات بل علیكم التصدیق بما وصف تعالی به نفسه.

«11»-سر، السرائر السَّیَّارِیُّ (1)قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا علیه السلام یَقُولُ لَیْسَ الْعِبَادَةُ كَثْرَةَ الصَّوْمِ وَ الصَّلَاةِ إِنَّمَا الْعِبَادَةُ فِی التَّفَكُّرِ فِی اللَّهِ.

بیان: أی التفكر فی قدرته و عظمته بالتفكر فی عظمة خلقه كما فسر به فی الأخبار الأخر أو بالتفكر فیما جاء عن اللّٰه و حججه علیهم السلام فی ذلك.

«12»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنِ ابْنِ أَبِی نَجْرَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِیمِ الْقَصِیرِ قَالَ: كَتَبْتُ عَلَی یَدَیْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْیَنَ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام بِمَسَائِلَ فِیهَا أَخْبِرْنِی عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَلْ یُوصَفُ بِالصُّورَةِ وَ بِالتَّخْطِیطِ فَإِنْ رَأَیْتَ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَیَّ بِالْمَذْهَبِ الصَّحِیحِ مِنَ التَّوْحِیدِ فَكَتَبَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ عَلَی یَدَیْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْیَنَ سَأَلْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ عَنِ التَّوْحِیدِ وَ مَا ذَهَبَ فِیهِ مَنْ قِبَلَكَ فَتَعَالَی اللَّهُ الَّذِی لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ تَعَالَی اللَّهُ عَمَّا یَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ الْمُشَبِّهُونَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِخَلْقِهِ الْمُفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ وَ اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِیحَ فِی التَّوْحِیدِ مَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَانْفِ

ص: 261


1- هو أحمد بن محمّد بن سیار أبو عبد اللّٰه الكاتب، بصری، كان من كتاب آل طاهر فی زمن أبی عبد اللّٰه علیه السلام، ضعیف الحدیث، فاسد المذهب، نص علی ذلك النجاشیّ.

عَنِ اللَّهِ الْبُطْلَانَ وَ التَّشْبِیهَ فَلَا نَفْیَ وَ لَا تَشْبِیهَ هُوَ اللَّهُ الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ تَعَالَی اللَّهُ عَمَّا یَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ وَ لَا تَعْدُ الْقُرْآنَ فَتَضِلَّ بَعْدَ الْبَیَانِ.

بیان: علی یدی عبد الملك أی كان هو الرسول و الحامل للكتاب و الجواب.

«13»-ضا، فقه الرضا علیه السلام إِیَّاكَ وَ الْخُصُومَةَ فَإِنَّهَا تُورِثُ الشَّكَّ وَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ وَ تُرْدِی صَاحِبَهَا(1)وَ عَسَی أَنْ یَتَكَلَّمَ بِشَیْ ءٍ لَا یُغْفَرُ لَهُ (2).

«14»-وَ نَرْوِی أَنَّهُ كَانَ فِیمَا مَضَی قَوْمٌ انْتَهَی بِهِمُ الْكَلَامُ إِلَی اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَتَحَیَّرُوا فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَیُدْعَی مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ فَیُجِیبُ مِنْ خَلْفِهِ (3).

«15»-وَ أَرْوِی تَكَلَّمُوا فِیمَا دُونَ الْعَرْشِ فَإِنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِی اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَتَاهُوا.

«16»-وَ أَرْوِی عَنِ الْعَالِمِ علیه السلام وَ سَأَلْتُهُ عَنْ شَیْ ءٍ مِنَ الصِّفَاتِ فَقَالَ لَا تَتَجَاوَزْ مِمَّا فِی الْقُرْآنِ.

«17»-وَ أَرْوِی أَنَّهُ قُرِئَ بَیْنَ یَدَیِ الْعَالِمِ علیه السلام قَوْلُهُ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِكُ الْأَبْصارَ فَقَالَ إِنَّمَا عَنَی أَبْصَارَ الْقُلُوبِ وَ هِیَ الْأَوْهَامُ فَقَالَ لَا تُدْرِكُ الْأَوْهَامُ كَیْفِیَّتَهُ وَ هُوَ يُدْرِكُ كُلَّ وَهْمٍ وَ أَمَّا عُیُونُ الْبَشَرِ فَلَا تَلْحَقُهُ لِأَنَّهُ لَا یُحَدُّ فَلَا یُوصَفُ هَذَا مَا نَحْنُ عَلَیْهِ كُلُّنَا.

«18»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام یَجُوزُ أَنْ یُقَالَ لِلَّهِ إِنَّهُ شَیْ ءٌ فَقَالَ نَعَمْ تُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّیْنِ حَدِّ التَّعْطِیلِ وَ حَدِّ التَّشْبِیهِ (4).

«19»-ید، التوحید ابْنُ مَسْرُورٍ عَنِ ابْنِ بُطَّةَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنِ الْیَقْطِینِیِّ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام مَا تَقُولُ إِذَا قِیلَ لَكَ أَخْبِرْنِی عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَ شَیْ ءٌ هُوَ أَمْ لَا شَیْ ءٌ هُوَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ قَدْ أَثْبَتَ عَزَّ وَ جَلَّ نَفْسَهُ شَیْئاً حَیْثُ یَقُولُ قُلْ أَیُّ شَیْ ءٍ أَكْبَرُ

ص: 262


1- أی تهلك صاحبها و تضلها.
2- تقدم الحدیث مسندا تحت رقم 3.
3- الظاهر أنّه قطعة من الحدیث السادس.
4- الظاهر اتّحاده مع ما تقدم تحت رقم 9.

شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِیدٌ بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ فَأَقُولُ إِنَّهُ شَیْ ءٌ لَا كَالْأَشْیَاءِ إِذْ فِی نَفْیِ الشَّیْئِیَّةِ عَنْهُ إِبْطَالُهُ وَ نَفْیُهُ قَالَ لِی صَدَقْتَ وَ أَصَبْتَ ثُمَّ قَالَ الرِّضَا علیه السلام لِلنَّاسِ فِی التَّوْحِیدِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ نَفْیٌ وَ تَشْبِیهٌ وَ إِثْبَاتٌ بِغَیْرِ تَشْبِیهٍ فَمَذْهَبُ النَّفْیِ لَا یَجُوزُ وَ مَذْهَبُ التَّشْبِیهِ لَا یَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ وَ السَّبِیلُ فِی الطَّرِیقَةِ الثَّالِثَةِ إِثْبَاتٌ بِلَا تَشْبِیهٍ.

شی، تفسیر العیاشی عَنْ هِشَامٍ الْمَشْرِقِیِّ عَنْهُ علیه السلام مِثْلَهُ وَ زَادَ فِی آخِرِهِ وَ هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ نُورٌ

20- ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّضْرِ عَنْ یَحْیَی الْحَلَبِیِّ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ خَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ وَ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَیْهِ اسْمُ شَیْ ءٍ مَا خَلَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ تَبَارَكَ الَّذِی لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ

ید، التوحید حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِیُّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَطِیَّةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام مِثْلَهُ إِلَی قَوْلِهِ خالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ

ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنْ أَبِی الْمِعْزَی رَفَعَهُ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام مِثْلَهُ إِلَی قَوْلِهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَا خَلَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ.

إیضاح: الخلو بكسر الخاء و سكون اللام الخالی و قوله علیه السلام: خلو من خلقه أی من صفات خلقه أو من مخلوقاته فیدل علی نفی الصفات الموجودة الزائدة لأنها لا بد أن تكون مخلوقة لله تعالی بانضمام المقدمتین الأخیرتین المبنیتین علی التوحید و اتصافه بمخلوقه مستحیل لما تقرر من أن الشی ء لا یكون فاعلا و قابلا لشی ء واحد و یدل أیضا علی بطلان ما ذهب إلیه جماعة من كونه تعالی معروضا لماهیات الممكنات و قوله علیه السلام: و خلقه خلو منه أی من صفاته أو المراد أنه لا یحل فی شی ء بوجه من الوجوه فینفی كونه عارضا لشی ء أو حالا فیه أو متمكنا فیه إذ ما من شی ء إلا و هو مخلوق له بحكم المقدمتین الأخیرتین.

«21»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ

ص: 263

النَّضْرِ عَنِ ابْنِ حُمَیْدٍ رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ علیهما السلام عَنِ التَّوْحِیدِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی عَلِمَ أَنَّهُ یَكُونُ فِی آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ مُتَعَمِّقُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ وَ الْآیَاتِ مِنْ سُورَةِ الْحَدِیدِ إِلَی قَوْلِهِ وَ هُوَ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فَمَنْ رَامَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ.

بیان: ظاهره المنع عن التفكّر و الخوض فی مسائل التوحید و الوقوف مع النصوص و قیل المراد أنه تعالی بین لهم صفاته لیتفكروا فیها و لا یخفی بعده.

«22»-سن، المحاسن أَبِی عَنْ صَفْوَانَ وَ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ مَعاً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَا سُلَیْمَانُ إِنَّ اللَّهَ یَقُولُ وَ أَنَّ إِلی رَبِّكَ الْمُنْتَهی فَإِذَا انْتَهَی الْكَلَامُ إِلَی اللَّهِ فَأَمْسِكُوا.

«23»-سن، المحاسن أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ الرَّحِیمِ الْقَصِیرِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ شَیْ ءٍ مِنَ الصِّفَةِ فَقَالَ فَرَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَی اللَّهُ الْجَبَّارُ إِنَّهُ مَنْ تَعَاطَی مَا ثَمَّ هَلَكَ یَقُولُهَا مَرَّتَیْنِ.

بیان: تعالی اللّٰه الجبار أی عن أن یكون له جسم أو صورة أو یوصف بصفة زائدة علی ذاته و أن یكون لصفاته الحقیقیة بیان حقیقی من تعاطی أی تناول بیان ما ثم من صفاته الحقیقیة هلك و ضَلَّ ضَلالًا بَعِیداً

«24»-سن، المحاسن بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ حُسَیْنِ بْنِ مَیَّاحٍ (1) عَنْ أَبِیهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ مَنْ نَظَرَ فِی اللَّهِ كَیْفَ هُوَ هَلَكَ.

«25»-سن، المحاسن أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبِی أَیُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام یَا مُحَمَّدُ إِنَّ النَّاسَ لَا یَزَالُ لَهُمُ الْمَنْطِقُ حَتَّی یَتَكَلَّمُوا فِی اللَّهِ فَإِذَا سَمِعْتُمْ ذَلِكَ فَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الَّذِی لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ

ص: 264


1- قال العلامة فی القسم الثانی من الخلاصة: الحسین بن میاح- بالیاء المنقطة تحتها نقطتین المشددة بعد المیم، و الحاء غیر المعجمة بعد الالف- المدائنی، روی عن أبیه، قال ابن الغضائری: إنّه ضعیف غال. انتهی. و قال النجاشیّ فی ترجمة أبیه: میاح المدائنی ضعیف جدا له كتاب یعرف برسالة میاح، و طریقها أضعف منها و هو محمّد بن سنان.

بیان: أی إذا سمعتم الكلام فی اللّٰه فاقتصروا علی التوحید و نفی الشریك منبها علی أنه لا یجوز الكلام فیه و تبیین معرفته إلا بسلب التشابه و التشارك بینه و بین غیره أو إذا أجروا الكلام فی الجسم و الصورة فقولوا ذلك تنزیها له عما یقولون.

«26»-سن، المحاسن ابْنُ فَضَّالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الصَّیْقَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: تَكَلَّمُوا فِیمَا دُونَ الْعَرْشِ وَ لَا تَكَلَّمُوا فِیمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَإِنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِی اللَّهِ فَتَاهُوا حَتَّی كَانَ الرَّجُلُ یُنَادَی مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ فَیُجِیبُ مِنْ خَلْفِهِ.

«27»-سن، المحاسن أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَفْصٍ أَخِی مُرَازِمٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ یَحْیَی قَالَ: سَأَلَ أَبِی أَبَا الْحَسَنِ مُوسَی بْنَ جَعْفَرٍ علیهما السلام عَنْ شَیْ ءٍ مِنَ الصِّفَةِ فَقَالَ لَا تَجَاوَزْ عَمَّا فِی الْقُرْآنِ.

«28»-سن، المحاسن أَبُو أَیُّوبَ الْمَدَنِیُّ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ مَلِكاً كَانَ فِی مَجْلِسِهِ فَتَنَاوَلَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی فَفُقِدَ فَمَا یُدْرَی أَیْنَ هُوَ.

بیان: أی فُقِدَ من مكانه سخطاً من اللّٰه علیه أو تحیّر و سار فی الأرض فلم یعرف له خبر و قیل هو علی المعلوم أی ففقد ما كان یعرف و كان لا یدری فی أی مكان هو من الحیرة و لا یخفی ما فیه.

«29»-سن، المحاسن مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی عَمَّنْ ذَكَرَهُ رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام أَ یَجُوزُ أَنْ یُقَالَ لِلَّهِ إِنَّهُ مَوْجُودٌ قَالَ نَعَمْ تُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّیْنِ حَدِّ الْإِبْطَالِ وَ حَدِّ التَّشْبِیهِ.

«30»-م، تفسیر الإمام علیه السلام لَقَدْ مَرَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَلَی قَوْمٍ مِنْ أَخْلَاطِ الْمُسْلِمِینَ لَیْسَ فِیهِمْ مُهَاجِرِیٌّ وَ لَا أَنْصَارِیٌّ وَ هُمْ قُعُودٌ فِی بَعْضِ الْمَسَاجِدِ فِی أَوَّلِ یَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَ إِذَا هُمْ یَخُوضُونَ فِی أَمْرِ الْقَدَرِ وَ غَیْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِیهِ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَ اشْتَدَّ فِیهِ جِدَالُهُمْ فَوَقَفَ عَلَیْهِمْ وَ سَلَّمَ فَرَدُّوا عَلَیْهِ وَ وَسَّعُوا لَهُ وَ قَامُوا إِلَیْهِ یَسْأَلُونَهُ الْقُعُودَ إِلَیْهِمْ فَلَمْ یَحْفِلْ بِهِمْ (1) ثُمَّ قَالَ لَهُمْ وَ نَادَاهُمْ یَا مَعَاشِرَ الْمُتَكَلِّمِینَ أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَاداً قَدْ أَسْكَتَتْهُمْ خَشْیَتُهُ مِنْ غَیْرِ عِیٍّ وَ لَا بَكَمٍ وَ أَنَّهُمْ هُمُ الْفُصَحَاءُ الْبُلَغَاءُ الْأَلِبَّاءُ (2) الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ وَ أَیَّامِهِ

ص: 265


1- أی فلم یبال بهم و لم یهتم لهم.
2- الالباء جمع اللبیب: العاقل.

وَ لَكِنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ انْكَسَرَتْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ انْقَطَعَتْ أَفْئِدَتُهُمْ وَ طَاشَتْ عُقُولُهُمْ وَ تَاهَتْ حُلُومُهُمْ إِعْزَازاً لِلَّهِ وَ إِعْظَاماً وَ إِجْلَالًا فَإِذَا أَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ اسْتَبَقُوا إِلَی اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِیَةِ یَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مَعَ الظَّالِمِینَ وَ الْخَاطِئِینَ وَ أَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنَ الْمُقَصِّرِینَ وَ الْمُفَرِّطِینَ أَلَا إِنَّهُمْ لَا یَرْضَوْنَ اللَّهَ بِالْقَلِیلِ وَ لَا یَسْتَكْثِرُونَ لِلَّهِ الْكَثِیرَ وَ لَا یُدِلُّونَ عَلَیْهِ بِالْأَعْمَالِ فَهُمْ إِذَا رَأَیْتَهُمْ مُهَیَّمُونَ مُرَوَّعُونَ خَائِفُونَ مُشْفِقُونَ وَجِلُونَ فَأَیْنَ أَنْتُمْ مِنْهُمْ یَا مَعْشَرَ الْمُبْتَدِعِینَ أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالضَّرَرِ أَسْكَتُهُمْ عَنْهُ وَ أَنَّ أَجْهَلَ النَّاسِ بِالضَّرَرِ أَنْطَقُهُمْ فِیهِ.

بیان: لا یدلون من قولهم أدلّ علیه أی أوثق بمحبته فأفرط علیه و الهیام الجنون من العشق.

«31»- كش، رجال الكشی عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی الْهَمْدَانِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ غَیْرِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِیمٍ الْخَثْعَمِیِّ قَالَ: اجْتَمَعَ ابْنُ سَالِمٍ وَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ جَمِیلُ بْنُ دَرَّاجٍ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَجَّاجِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ وَ سَعِیدُ بْنُ غَزْوَانَ وَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَسَأَلُوا هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ أَنْ یُنَاظِرَ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ التَّوْحِیدِ وَ صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَنْ غَیْرِ ذَلِكَ لِیَنْظُرُوا أَیُّهُمْ أَقْوَی حُجَّةً فَرَضِیَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ أَنْ یَتَكَلَّمَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ رَضِیَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ أَنْ یَتَكَلَّمَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ فَتَكَالَمَا وَ سَاقَا مَا جَرَی بَیْنَهُمَا وَ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَجَّاجٍ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ كَفَرْتَ وَ اللَّهِ بِاللَّهِ الْعَظِیمِ وَ أَلْحَدْتَ فِیهِ وَیْحَكَ مَا قَدَرْتَ أَنْ تُشَبِّهَ بِكَلَامِ رَبِّكَ إِلَّا الْعُودَ یُضْرَبُ بِهِ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِیمٍ فَكَتَبَ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی علیه السلام یَحْكِی لَهُ مُخَاطَبَتَهُمْ وَ كَلَامَهُمْ وَ یَسْأَلُهُ أَنْ یُعَلِّمَهُمْ مَا الْقَوْلُ الَّذِی یَنْبَغِی أَنْ یَدِینَ اللَّهَ بِهِ مِنْ صِفَةِ الْجَبَّارِ فَأَجَابَهُ فِی عَرْضِ كِتَابِهِ فَهِمْتُ رَحِمَكَ اللَّهُ وَ اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَعْلَی وَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ یُبْلَغَ كُنْهُ صِفَتِهِ فَصِفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَ كُفُّوا عَمَّا سِوَی ذَلِكَ.

«32»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْیَقْطِینِیِّ عَنِ ابْنِ أَبِی نَجْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِیَ علیه السلام عَنِ التَّوْحِیدِ فَقُلْتُ أَتَوَهَّمُ شَیْئاً فَقَالَ نَعَمْ غَیْرَ مَعْقُولٍ وَ لَا مَحْدُودٍ فَمَا وَقَعَ وَهْمُكَ عَلَیْهِ مِنْ شَیْ ءٍ فَهُوَ خِلَافُهُ لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ وَ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ كَیْفَ تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَ هُوَ خِلَافُ مَا یُعْقَلُ وَ خِلَافُ مَا یُتَصَوَّرُ فِی الْأَوْهَامِ إِنَّمَا یُتَوَهَّمُ شَیْ ءٌ غَیْرُ مَعْقُولٍ وَ لَا مَحْدُودٍ.

ص: 266

بیان: اعلم أن من المفهومات مفهومات عامة شاملة لا یخرج منها شی ء من الأشیاء لا ذهنا و لا عینا كمفهوم الشی ء و الموجود و المخبر عنه و هذه معان اعتباریة یعتبرها العقل لكل شی ء إذا تقرر هذا فاعلم أن جماعة من المتكلمین ذهبوا إلی مجرد التعطیل و منعوا من إطلاق الشی ء و الموجود و أشباههما علیه محتجین بأنه لو كان شیئا شارك الأشیاء فی مفهوم الشیئیة و كذا الموجود و غیره و ذهب إلی مثل هذا بعض معاصرینا فحكم بعدم اشتراك مفهوم من المفهومات بین الواجب و الممكن و بأنه لا یمكن تعقل ذاته و صفاته تعالی بوجه من الوجوه و بكذب جمیع الأحكام الإیجابیة علیه تعالی و یرد قولهم الأخبار السالفة و بناء غلطهم علی عدم الفرق بین مفهوم الأمر و ما صدق علیه و بین الحمل الذاتی و الحمل العرضی و بین المفهومات الاعتباریة و الحقائق الموجودة.

فأجاب علیه السلام بأن ذاته تعالی و إن لم یكن معقولا لغیره و لا محدودا بحد إلا أنه مما یصدق علیه مفهوم شی ء لكن كل ما یتصور من الأشیاء فهو بخلافه لأن كل ما یقع فی الأوهام و العقول فصورها الإدراكیة كیفیات نفسانیة و أعراض قائمة بالذهن و معانیها مهیات كلیة قابلة للاشتراك و الانقسام فهو بخلاف الأشیاء(1)

باب 10 أدنی ما یجزی من المعرفة فی التوحید و أنه لا یعرف اللّٰه إلا به

اشارة

«1»-ید، التوحید ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُخْتَارٍ الْهَمْدَانِیِّ عَنِ الْفَتْحِ بْنِ یَزِیدَ الْجُرْجَانِیِّ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَی الْمَعْرِفَةِ فَقَالَ الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَیْرُهُ وَ لَا شِبْهَ لَهُ وَ لَا نَظِیرَ لَهُ وَ أَنَّهُ قَدِیمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَیْرُ فَقِیدٍ وَ أَنَّهُ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ.

ص: 267


1- اعلم أن هذا الخبر و ما یساوقه فی البیان من اخبار التوحید من غرر الاخبار الواردة عن معادن العلم و الحكمة- علیهم السلام- و ما ذكره المصنّف فی هذا البیان و ما یشابهه من البیانات متألفة من مقدمات كلامیة أو فلسفیة عامیّة غیر وافیة لإیضاح تمام المراد منها و إن لم تكن أجنبیة عنها بالكلیة، و لبیان لب المراد منها مقام آخر. ط.

بیان: قوله علیه السلام: موجود إما من الوجود أو من الوجدان أی معلوم و كذا قوله غیر فقید أی غیر مفقود زائل الوجود أو لا یفقده الطالب و قیل أی غیر مطلوب عند الغیبة حیث لا غیبة له.

«2»-ید، التوحید ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام الدَّقَّاقُ عَنْ مُحَمَّدٍ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ الْمُهْتَدِی قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا علیه السلام عَنِ التَّوْحِیدِ فَقَالَ كُلُّ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ آمَنَ بِهَا فَقَدْ عَرَفَ التَّوْحِیدَ قُلْتُ كَیْفَ یَقْرَؤُهَا قَالَ كَمَا یَقْرَؤُهَا النَّاسُ وَ زَادَ فِیهِ كَذَلِكَ اللَّهُ رَبِّی كَذَلِكَ اللَّهُ رَبِّی كَذَلِكَ اللَّهُ رَبِّی.

«3»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ وَ الْوَرَّاقُ مَعاً عَنِ الصُّوفِیِّ عَنِ الرُّویَانِیِّ عَنْ عَبْدِ الْعَظِیمِ الْحَسَنِیِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی سَیِّدِی عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَلَمَّا بَصُرَ بِی قَالَ لِی مَرْحَباً بِكَ یَا أَبَا الْقَاسِمِ أَنْتَ وَلِیُّنَا حَقّاً قَالَ فَقُلْتُ لَهُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَیْكَ دِینِی فَإِنْ كَانَ مَرْضِیّاً ثبتت [ثَبَتُ عَلَیْهِ حَتَّی أَلْقَی اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ هَاتِهَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقُلْتُ إِنِّی أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی وَاحِدٌ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ خَارِجٌ مِنَ الْحَدَّیْنِ حَدِّ الْإِبْطَالِ وَ حَدِّ التَّشْبِیهِ وَ إِنَّهُ لَیْسَ بِجِسْمٍ وَ لَا صُورَةٍ وَ لَا عَرَضٍ وَ لَا جَوْهَرٍ بَلْ هُوَ مُجَسِّمُ الْأَجْسَامِ وَ مُصَوِّرُ الصُّوَرِ وَ خَالِقُ الْأَعْرَاضِ وَ الْجَوَاهِرِ وَ رَبُّ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ مَالِكُهُ وَ جَاعِلُهُ وَ مُحْدِثُهُ وَ إِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِیِّینَ فَلَا نَبِیَّ بَعْدَهُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ أَقُولُ إِنَّ الْإِمَامَ وَ الْخَلِیفَةَ وَ وَلِیَّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ثُمَّ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَیْنُ ثُمَّ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ عَلِیُّ بْنُ مُوسَی ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ ثُمَّ أَنْتَ یَا مَوْلَایَ فَقَالَ علیه السلام وَ مِنْ بَعْدِی الْحَسَنُ ابْنِی فَكَیْفَ لِلنَّاسِ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ فَقُلْتُ وَ كَیْفَ ذَلِكَ یَا مَوْلَایَ قَالَ لِأَنَّهُ لَا یُرَی شَخْصُهُ وَ لَا یَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّی یَخْرُجَ فَیَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً قَالَ فَقُلْتُ أَقْرَرْتُ وَ أَقُولُ إِنَّ وَلِیَّهُمْ وَلِیُّ اللَّهِ وَ عَدُوَّهُمْ عَدُوُّ اللَّهِ وَ طَاعَتَهُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَ مَعْصِیَتَهُمْ مَعْصِیَةُ اللَّهِ وَ أَقُولُ إِنَّ الْمِعْرَاجَ حَقٌّ وَ الْمُسَاءَلَةَ فِی الْقَبْرِ حَقٌّ وَ إِنَ

ص: 268

الْجَنَّةَ حَقٌّ وَ النَّارَ حَقٌّ وَ الصِّرَاطَ حَقٌّ وَ الْمِیزَانَ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها وَ أَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ وَ أَقُولُ إِنَّ الْفَرَائِضَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ الْوَلَایَةِ الصَّلَاةُ وَ الزَّكَاةُ وَ الصَّوْمُ وَ الْحَجُّ وَ الْجِهَادُ وَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ علیهما السلام یَا أَبَا الْقَاسِمِ هَذَا وَ اللَّهِ دِینُ اللَّهِ الَّذِی ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ فَاثْبُتْ عَلَیْهِ ثَبَّتَكَ اللَّهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ.

«4»-ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْقُرَشِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْلَی الْكُوفِیِّ عَنْ جُوَیْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِیٌّ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِی مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ قَالَ مَا صَنَعْتَ فِی رَأْسِ الْعِلْمِ حَتَّی تَسْأَلَ عَنْ غَرَائِبِهِ قَالَ الرَّجُلُ مَا رَأْسُ الْعِلْمِ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ قَالَ الْأَعْرَابِیُّ وَ مَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ قَالَ تَعْرِفُهُ بِلَا مِثْلٍ وَ لَا شِبْهٍ وَ لَا نِدٍّ وَ أَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ ظَاهِرٌ بَاطِنٌ أَوَّلٌ آخِرٌ لَا كُفْوَ لَهُ وَ لَا نَظِیرَ فَذَلِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِهِ.

بیان: الندّ بالكسر المثل.

«5»-ید، التوحید أَبِی وَ ابْنُ الْوَلِیدِ مَعاً عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ وَ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ مَعاً عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الطاحن [الطَّاحِیِ عَنْ طَاهِرِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَاهَوَیْهِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی الطَّیِّبِ یَعْنِی أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام مَا الَّذِی لَا یُجْتَزَأُ فِی مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ بِدُونِهِ فَكَتَبَ علیه السلام لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ لَمْ یَزَلْ سَمِیعاً وَ عَلِیماً وَ بَصِیراً وَ هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا یُرِیدُ (1).

ص: 269


1- رواه الكلینی فی الكافی فی باب أدنی المعرفة عن علیّ بن محمّد، عن سهل بن زیاد، عن طاهر بن حاتم فی حال استقامته. اقول: قوله: فی حال استقامته إشارة إلی تغیر حاله، لانه كان مستقیما ثمّ تغیر و أظهر القول بالغلو، نص علی ذلك الشیخ فی الفهرست حیث قال: طاهر بن حاتم بن ماهویه كان مستقیما ثمّ تغیر و أظهر القول بالغلو، و له روایات، أخبرنا بروایاته حال استقامته جماعة عن محمّد بن علی بن الحسین، عن أبیه، و محمّد بن الحسن، عن عبد اللّٰه بن جعفر الحمیری، عن محمّد بن عیسی بن عبید، عن طاهر بن حاتم فی حال استقامته. انتهی. و قال النجاشیّ: طاهر بن حاتم بن ماهویه القزوینی أخو فارس بن حاتم كان صحیحا ثمّ خلط علیه إلخ.

بیان: المشهور أن الكاف زائدة و قیل أی لیس مثل مثله شی ء فیدل علی نفی مثله بالكنایة التی هی أبلغ لأنه مع وجود المثل یكون هو مثل مثله أو المعنی أنه لیس ما یشبه أن یكون مثلا له فكیف مثله حقیقة.

«6»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنِّی نَاظَرْتُ قَوْماً فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ وَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ یُعْرَفَ بِخَلْقِهِ بَلِ الْعِبَادُ یُعْرَفُونَ بِاللَّهِ (1) فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ.

«7»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام اعْرِفُوا اللَّهَ بِاللَّهِ وَ الرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ وَ أُولِی الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ الْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ (2).

«8»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ عَلِیِّ بْنِ عُقْبَةَ رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ فَقَالَ بِمَا عَرَّفَنِی نَفْسَهُ قِیلَ

ص: 270


1- علی صیغة المعلوم أی العباد یعرفون اللّٰه باللّٰه، أی یعرفون اللّٰه بتوفیقه و هدایته، أو بما وصف نفسه و عرفهم من الصفات اللائقة بجماله و جلاله، أو یكون الإشارة إلی البرهان المسمی ببرهان الصدیقین الذی هو أشرف البراهین و أسدها، و هو الاستدلال به تعالی علیه، و الاستشهاد بذاته تعالی علی صفاته، و بصفاته علی أفعاله «أَ وَ لَمْ یَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ شَهِیدٌ». و لعله إلیه أشار الامام زین العابدین علیه السلام بقوله: بك عرفتك و أنت دللتنی علیك، و دعوتنی إلیك، و لو لا أنت لم أدر ما أنت. و بقوله: یا غفار بنورك اهتدینا. و تأتی هذه الاحتمالات فی قوله: اعرفوا اللّٰه باللّٰه. أو علی صیغة المجهول و یكون المراد- علی ما قیل- أنه تعالی لا یعرف حقّ المعرفة إلی خلقه و الاستدلال بهم علیه، بل الخلق یعرفون بنور ربهم، كما تعرف الذرات بنور الشمس دون العكس، و لیس نور اللّٰه فی آفاق النفوس بأقل من نور الشمس فی آفاق السماء، قال عزّ من قائل: «وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها» فضوؤه قاطع لرین أرباب الضمائر، و نوره ساطع فی أبصار أصحاب البصائر.
2- رواه الكلینی فی الكافی- فی باب أنّه لا یعرف إلّا به- عن علیّ بن محمّد، عمن ذكره، عن أحمد بن محمّد بن عیسی، عن محمّد بن حمران، عن الفضل بن السكن، عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام. و قال فی ذیله: یعنی ان اللّٰه خلق الاشخاص و الأنوار و الجواهر و الأعیان. إلی آخر ما یأتی ذیل الخبر الآتی من الصدوق، و ظاهره أن المعنی من الكلینی لا من الإمام علیه السلام.

وَ كَیْفَ عَرَّفَكَ نَفْسَهُ فَقَالَ لَا تُشْبِهُهُ صُورَةٌ (1) وَ لَا یُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ وَ لَا یُقَاسُ بِالنَّاسِ قَرِیبٌ فِی بُعْدِهِ بَعِیدٌ فِی قُرْبِهِ فَوْقَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَا یُقَالُ شَیْ ءٌ فَوْقَهُ أَمَامَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَا یُقَالُ لَهُ أَمَامٌ دَاخِلٌ فِی الْأَشْیَاءِ لَا كَشَیْ ءٍ فِی شَیْ ءٍ دَاخِلٍ وَ خَارِجٌ مِنَ الْأَشْیَاءِ لَا كَشَیْ ءٍ مِنْ شَیْ ءٍ خَارِجٍ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هَكَذَا وَ لَا هَكَذَا غَیْرُهُ وَ لِكُلِّ شَیْ ءٍ مَبْدَأٌ (2).

سن، المحاسن بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ قَیْسِ بْنِ سِمْعَانَ عَنْ أَبِی رُبَیْحَةَ مَوْلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (3) رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ.

بیان: قریب من حیث إحاطة علمه و قدرته بالكل فی بعده أی مع بعده عن الكل من حیث المباینة فی الذات و الصفات فظهر أن قربه لیس بالمكان بعید عن إحاطة العقول و الأوهام و الأفهام به مع قربه حفظا و تربیة و لطفا و رحمة و قد مرّ أنه یحتمل أن یكون إشارة إلی أن جهة قربه أی بالعلیة و احتیاج الكل إلیه هی جهة بعده عن مشابهة مخلوقاته إذ الخالق لا یشابه المخلوق و كذا العكس فوق كل شی ء أی بالقدرة و القهر و الغلبة و بالكمال و الاتصاف بالصفات الحسنة و لا یقال شی ء فوقه فی الأمرین و فیه إشعار بأنه لیس المراد به الفوقیة بحسب المكان و إلا لأمكن أن یكون شی ء فوقه أمام كل شی ء أی علة كل شی ء و مقدم علیها و یحتاج إلیه كل موجود و یتضرع إلیه و یعبده كل مكلف أو كل شی ء متوجه نحوه فی الاستكمال و التشبه به فی صفاته الكمالیة و

ص: 271


1- و فی نسخة: لا یشبه صورة.
2- و فی نسخة: و لكل شی ء مبتدأ.
3- هكذا فی البحار و المحاسن المطبوعین. و الصحیح- كما فی الكافی-: علی بن عقبة بن قیس بن سمعان بن أبی ربیحة مولی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله. فالسند مصحف بتبدیل «ابن» «بعن» فی موضعین و تبدیل «علی» «بصالح». و ضبط عقبة بضم العین المهملة، و سكون القاف، و فتح الباء ثمّ الهاء. و اختلف فی ضبط ربیحة. قال الفاضل المامقانی فی رجاله: ربیحة بالراء المهملة المضمومة، و الباء الموحدة المفتوحة، و المثناة الساكنة، و الحاء المهملة المفتوحة، و الهاء. و فی بعض النسخ: زنحة بالزای و النون و الحاء المهملة، و عن بعض كتب الرجال: بریحة بالباء الموحدة ثمّ الراء المهملة، و قیل: إن نسخ الكافی فی كتاب التوحید: أبو بریحة بالباء الموحدة المضمومة، و الراء المفتوحة و الیاء المثناة من تحت بعدها حاء مهملة، و كذا ضبطه فی الإیضاح و قال: كذا وجدناها معربة فی كتاب البرقی. انتهی.

الكلام فی قوله و لا یقال له أمام كما مر داخل فی الأشیاء أی لا یخلو شی ء من الأشیاء و لا جزء من الأجزاء عن تصرفه و حضوره العلمی و إفاضة فیضه و جوده علیه لا كدخول الجزء فی الكل و لا كدخول العارض فی المعروض و لا كدخول المتمكن فی المكان خارج من الأشیاء بتعالی ذاته عن ملابستها و مقارنتها و الاتصاف بصفتها و الایتلاف منها لا كخروج شی ء من شی ء بالبعد المكانی أو المحلی و قوله و لكل شی ء مبدأ أی علة فی ذواتها و صفاتها كالتعلیل لما سبق.

«9»-ید، التوحید مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَارِسِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ النَّسَوِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّغْدِیِّ بِمَرْوَ (1)عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْقُوبَ الْحَكَمِ الْعَسْكَرِیِّ وَ أَخِیهِ مُعَاذِ بْنِ یَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْحَنْظَلِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَیْسٍ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ الرُّمَّانِیِّ عَنْ زَاذَانَ (2) عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ یَذْكُرُ فِیهِ قُدُومَ الْجَاثَلِیقِ الْمَدِینَةَ مَعَ مِائَةٍ مِنَ النَّصَارَی وَ مَا سَأَلَ عَنْهُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ یُجِبْهُ ثُمَّ أُرْشِدَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَهُ عَنْهَا وَ كَانَ فِیمَا سَأَلَهُ أَنْ قَالَ لَهُ أَخْبِرْنِی عَرَفْتَ اللَّهَ بِمُحَمَّدٍ أَمْ عَرَفْتَ مُحَمَّداً بِاللَّهِ فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام مَا عَرَفْتُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِمُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَكِنْ عَرَفْتُ مُحَمَّداً بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حِینَ خَلَقَهُ وَ أَحْدَثَ فِیهِ الْحُدُودَ مِنْ طُولٍ وَ عَرْضٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مَصْنُوعٌ بِاسْتِدلَالٍ وَ إِلْهَامٍ مِنْهُ وَ إِرَادَةٍ كَمَا أَلْهَمَ الْمَلَائِكَةَ طَاعَتَهُ وَ عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ بِلَا شِبْهٍ وَ لَا كَیْفٍ.

و الحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة و حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه اللّٰه قال سمعت محمد بن یعقوب یقول معنی قوله اعرفوا اللّٰه باللّٰه یعنی أن اللّٰه عز و جل خلق الأشخاص و الألوان و الجواهر و الأعیان فالأعیان الأبدان و الجواهر الأرواح و هو جل و عز لا یشبه

ص: 272


1- قال الفیروزآبادی: صغد بالضم: موضع بسمرقند، و موضع ببخارا.
2- بالزای المعجمة و الالف و الذال المعجمة و الالف و النون، عده الشیخ من أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام و قال: یكنی أبا عمرة الفارسیّ. و عدّه العلامة فی خاتمة القسم الأوّل من الخلاصة من خواص أمیر المؤمنین علیه السلام من مضر، و لكن كناه بأبی عمرو الفارسیّ.

جسما و لا روحا و لیس لأحد فی خلق الروح الحساس الدراك أثر و لا سبب هو المتفرّد بخلق الأرواح و الأجسام فمن نفی عنه الشبهین شبه الأبدان و شبه الأرواح فقد عرف اللّٰه باللّٰه و من شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم یعرف اللّٰه باللّٰه.

أقول: قال الصدوق رحمه اللّٰه فی كتاب التوحید القول الصواب فی هذا الباب هو أن یقال عرفنا اللّٰه باللّٰه (1) لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عز و جل واهبها و إن عرفناه عز و جل بأنبیائه و رسله و حججه علیهم السلام فهو عز و جل باعثهم و مرسلهم و متخذهم حججا و إن عرفناه بأنفسنا فهو عز و جل محدثنا فبه عرفناه

وَ قَدْ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام لَوْ لَا اللَّهُ مَا عَرَفْنَاهُ وَ لَوْ لَا نَحْنُ مَا عُرِفَ اللَّهُ.

و معناه لو لا الحجج ما عرف اللّٰه حق معرفته و لو لا اللّٰه ما عرف الحجج و قد سمعت بعض أهل الكلام یقول لو أن رجلا ولد فی فلاة من الأرض و لم یر أحدا یهدیه و یرشده حتی كبر و عقل و نظر إلی السماء و الأرض لدله ذلك علی أن لهما صانعا و محدثا فقلت إن هذا شی ء لم یكن و هو إخبار بما لم یكن أن لو كان كیف كان یكون و لو كان ذلك لكان لا یكون ذلك الرجل إلا حجة اللّٰه تعالی ذكره علی نفسه كما فی الأنبیاء علیهم السلام منهم من بعث إلی نفسه و منهم من بعث إلی أهله و ولده و منهم من بعث إلی أهل محلته و منهم من بعث إلی أهل بلده و منهم من بعث إلی الناس كافة.

و أما استدلال إبراهیم الخلیل علیه السلام بنظره إلی الزهرة ثم إلی القمر ثم إلی الشمس و قوله فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ یا قَوْمِ إِنِّی بَرِی ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ فإنه علیه السلام كان نبیا ملهما مبعوثا مرسلا و كان جمیع قوله إلی آخره بإلهام اللّٰه عز و جل إیاه و ذلك قوله عز و جل وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَیْناها إِبْراهِیمَ عَلی قَوْمِهِ و لیس كل أحد كإبراهیم علیه السلام و لو استغنی فی معرفة التوحید بالنظر عن تعلیم اللّٰه عز و جل و تعریفه لما أنزل اللّٰه عز و جل ما أنزل من قوله فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ و من قوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلی آخره و من قوله بَدِیعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنَّی یَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ إلی قوله وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ و آخر الحشر و غیرها من آیات التوحید.

ص: 273


1- سیجی ء حقّ معنی معرفة اللّٰه باللّٰه فی روایة عبد الأعلی علی نحو الإشارة، و أمّا ما ذكره رحمه اللّٰه زعما منه أن المعرفة مستندة إلی اللّٰه و لیست بمكتسبة فبمعزل عن مراد الروایة. ط.

تبیین و تحقیق

اشارة

اعلم أن هذه الأخبار لا سیما خبر ابن السكن تحتمل وجوها:

الأول

أن یكون المراد بالمعرّف به ما یعرف الشی ء به بأنه هو هو فمعنی اعرفوا اللّٰه باللّٰه اعرفوه بأنه هو اللّٰه مسلوبا عنه جمیع ما یعرف به الخلق من الجواهر و الأعراض و مشابهته شی ء منها و هذا هو الذی ذكره الكلینی رحمه اللّٰه و علی هذا فمعنی قوله و الرسول بالرسالة معرفة الرسول بأنه أرسل بهذه الشریعة و هذه الأحكام و هذا الدین و هذا الكتاب و معرفة كل من أولی الأمر بأنه الآمر بالمعروف و العالم العامل به و بالعدل أی لزوم الطریقة الوسطی فی كل شی ء و الإحسان أی الشفقة علی خلق اللّٰه و التفضل علیهم و دفع الظلم عنهم أو المعنی اعرفوا اللّٰه باللّٰه أی بما یناسب ألوهیته من التنزیه و التقدیس و الرسول بما یناسب رسالته من العصمة و الفضل و الكمال و أولی الأمر بما یناسب درجتهم العالیة التی هی الرئاسة العامة للدنیا و الدین و بما یحكم العقل به من اتصاف صاحب تلك الدرجة القصوی به من العلم و العصمة و الفضل و المزیة علی من سواه و یحتمل أن یكون الغرض عدم الخوض فی معرفته تعالی و رسوله و حججه بالعقول الناقصة فینتهی إلی نسبة ما لا یلیق به تعالی إلیه و إلی الغلو فی أمر الرسول و الأئمة صلوات اللّٰه علیهم.

و علی هذا یحتمل وجهین الأول أن یكون المراد اعرفوا اللّٰه بعقولكم بمحض أنه خالق إله و الرسول بأنه رسول أرسله اللّٰه إلی الخلق و أولی الأمر بأنه المحتاج إلیه لإقامة المعروف و العدل و الإحسان ثم عولوا فی صفاته تعالی و صفات حججه علیهم السلام علی ما بینوا و وصفوا لكم من ذلك و لا تخوضوا فیها بعقولكم و الثانی أن یكون المعنی اعرفوا اللّٰه بما وصف لكم فی كتابه و علی لسان نبیه و الرسول بما أوضح لكم من وصفه فی رسالته إلیكم و الإمام بما بین لكم من المعروف و العدل و الإحسان كیف اتصف بتلك الأوصاف و الأخلاق الحسنة و یحتمل الأخیرین [الأخیران وجها ثالثا و هو أن یكون المراد لا تعرفوا الرسول بما یخرج به عن الرسالة إلی درجة الألوهیة و كذا الإمام.

الثانی

أن یكون المراد بما یعرف به ما یعرف باستعانته من قوی النفس العاقلة و المدركة و ما یكون بمنزلتها و یقوم مقامها فمعنی اعرفوا اللّٰه باللّٰه اعرفوه بنور اللّٰه المشرق پ

ص: 274

علی القلوب بالتوسل إلیه و التقرب به فإن العقول لا تهتدی إلیه إلا بأنوار فیضه تعالی و اعرفوا الرسول بتكمیله إیاكم برسالته و بمتابعته فیما یؤدی إلیكم من طاعة ربكم فإنها توجب الروابط المعنویة بینكم و بینه و علی قدر ذلك یتیسر لكم من معرفته و كذا معرفة أولی الأمر إنما تحصل بمتابعتهم فی المعروف و العدل و الإحسان و باستكمال العقل بها.

الثالث

أن یكون المراد ما یعرف بها من الأدلة و الحجج فمعنی اعرفوا اللّٰه باللّٰه أنه إنما تتأتی معرفته لكم بالتفكر فیما أظهر لكم من آثار صنعه و قدرته و حكمته بتوفیقه و هدایته لا بما أرسل به الرسول من الآیات و المعجزات فإن معرفتها إنما تحصل بعد معرفته تعالی و اعرفوا الرسول بالرسالة أی بما أرسل به من المعجزات و الدلائل أو بالشریعة المستقیمة التی بعث بها فإنها لانطباقها علی قانون العدل و الحكمة یحكم العقل بحقیة من أرسل بها و اعرفوا أولی الأمر بعلمهم بالمعروف و إقامة العدل و الإحسان و إتیانهم بها علی وجهها و هذا أقرب الوجوه و یؤیده خبر سلمان و كذا خبر ابن حازم إذ الظاهر أن المراد به أن وجوده تعالی أظهر الأشیاء و به ظهر كل شی ء و قد أظهر الآیات للخلق علی وجوده و علمه و قدرته و أظهر المعجزات حتی علم بذلك حقیة حججه علیهم السلام فالعباد معروفون به و لا یحتاج فی معرفة وجوده إلی بیان أحد من خلقه و یمكن أن یقرأ یعرفون علی بناء المعلوم أیضا.

و أما ما ذكره الصدوق رحمه اللّٰه فیرجع إلی أن المعنی أن جمیع ما یعرف اللّٰه به ینتهی إلیه سبحانه و یرد علیه أنه علی هذا تكون معرفة الرسول و أولی الأمر أیضا باللّٰه فما الفرق بینهما و بین معرفة اللّٰه فی ذلك و أیضا لا یلائمه قوله اعرفوا اللّٰه باللّٰه إلا أن یقال الفرق باعتبار أصناف المعرفة فالمعرفة بالرسالة صنف من المعرفة باللّٰه و المعرفة بالمعروف صنف آخر منها و معرفة اللّٰه فیها أصناف لا اختصاص لها بصنف و المراد باعرفوا اللّٰه باللّٰه حصلوا معرفة اللّٰه التی تحصل باللّٰه هكذا حققه بعض الأفاضل ثم إن فی كلامه تشویشا و تناقضا و لعل مراده أخیرا نفی معرفة صفاته الكمالیة حق معرفتها بدون إرسال الرسل و نصب الحجج إلا أن التصدیق بوجوده تعالی یتوقف علی ذلك و إن كان بعض كلماته یدل علیه.

ص: 275

باب 11 الدین الحنیف و الفطرة و صبغة اللّٰه و التعریف فی المیثاق

الآیات؛

البقرة: «صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ»(138)

الروم: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ»(30)

«1»-مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِكِینَ بِهِ فَقُلْتُ مَا الْحَنِیفِیَّةُ قَالَ هِیَ الْفِطْرَةُ (1).

بیان: أی الملّة الحنیفیة هی التوحید الذی فطر اللّٰه الخلق علیه و یومئ إلیه قوله تعالی فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّینُ الْقَیِّمُ و اختلف فی معنی ذلك الفطرة فقیل المعنی أنه خلقهم علی نوع من الجبلة و الطبع المتهیأ لقبول الدین فلو ترك علیها لاستمرّ علی لزومها و لم یفارقها إلی غیرها و إنما یعدل عنه من یعدل لآفة من الآفات و تقلید الآباء و الأمهات و قیل كلهم مفطورون علی معرفة اللّٰه و الإقرار به فلا تجد أحدا إلا و هو یقرّ بأن اللّٰه تعالی صانع له و إن سماه بغیر اسمه أو عبد معه غیره و قیل المعنی أنه خلقهم لها لأنه خلق كل الخلق لأن یوحدوه و یعبدوه قال الجزری فیه خلقت عبادی حنفاء أی طاهری الأعضاء من المعاصی لا أنه خلقهم كلهم مسلمین لقوله تعالی هُوَ الَّذِی خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ و قیل أراد خلقهم حنفاء مؤمنین لما أخذ علیهم المیثاق أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی فلا یوجد أحد إلا و هو مقرّ بأن له ربّا و إن أشرك به و الحنفاء جمع

ص: 276


1- الظاهر أنّه متحد مع الحدیث الآتی تحت الرقم 11 و 12.

حنیف و هو المائل إلی الإسلام الثابت علیه و الحنیف عند العرب من كان علی دین إبراهیم و أصل الحنف المیل انتهی.

أقول: الذی یظهر من الأخبار هو أن اللّٰه تعالی قرر عقول الخلق علی التوحید و الإقرار بالصانع فی بدء الخلق عند المیثاق فقلوب جمیع الخلق مذعنة بذلك و إن جحدوه معاندة و سیأتی تمام الكلام فی ذلك فی كتاب العدل إن شاء اللّٰه تعالی.

«2»-فس، تفسیر القمی الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّی بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِیرٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً قَالَ الْوَلَایَةُ.

«3»-فس، تفسیر القمی الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ زَكَرِیَّا عَنِ الْهَیْثَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّمَّانِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام فِی قَوْلِهِ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِلَی هَاهُنَا التَّوْحِیدُ.

«4»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَلَاءِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ التَّوْحِیدُ.

«5»- ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ التَّوْحِیدُ.

«6»-ید، التوحید بِالْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ وَ ابْنِ یَزِیدَ مَعاً عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ (1) عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ فَطَرَهُمْ عَلَی التَّوْحِیدِ (2)

ید، التوحید أبی عن علی عن أبیه عن ابن فضال عن أبی جمیلة عن محمد الحلبی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام مثله

ص: 277


1- فی التوحید المطبوع: بكیر عن زرارة، و الظاهر أنّه غیر صحیح.
2- الظاهر اتّحاده مع ما یأتی تحت رقم 8 و 10 و 13.

سن، المحاسن ابن فضال عن ابن بكیر عن زرارة مثله.

«7»- ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الْیَقْطِینِیِّ عَنْ یُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها مَا تِلْكَ الْفِطْرَةُ قَالَ هِیَ الْإِسْلَامُ فَطَرَهُمُ اللَّهُ حِینَ أَخَذَ مِیثَاقَهُمْ عَلَی التَّوْحِیدِ فَقَالَ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ وَ فِیهِمُ الْمُؤْمِنُ وَ الْكَافِرُ.

«8»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ وَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَیْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ فَطَرَهُمْ جَمِیعاً عَلَی التَّوْحِیدِ.

«9»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حصان [حَسَّانَ (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ یُونُسَ (2) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ (3) عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ التَّوْحِیدُ وَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ.

یر، بصائر الدرجات أحمد بن موسی عن الخشاب عن علی بن حسان عن عبد الرحمن بن كثیر مثله.

«10»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ الْمُغِیرَةِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَصْلَحَكَ اللَّهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی كِتَابِهِ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ فَطَرَهُمْ عَلَی التَّوْحِیدِ عِنْدَ الْمِیثَاقِ عَلَی مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ قُلْتُ وَ خَاطَبُوهُ قَالَ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَعْلَمُوا مَنْ رَبُّهُمْ وَ لَا مَنْ رَازِقُهُمْ.

ص: 278


1- هو علیّ بن حسان الواسطی كما فی التوحید المطبوع، و سیأتی الحدیث عنه عن عبد الرحمن بن كثیر تحت رقم 19. و ستأتی ترجمته هاهنا.
2- عده الشیخ فی رجاله من أصحاب الصادق علیه السلام و ظاهره كونه إمامیا.
3- مولی عبّاس بن محمّد بن علیّ بن عبد اللّٰه بن العباس، كان ضعیفا، غمز أصحابنا علیه، و قالوا: كان یضع الحدیث، له كتاب فضائل سورة إنا أنزلناه، و كتاب صلح الحسن علیه السلام. و كتاب فدك، و كتاب الاظلة كتاب فاسد مختلط. قاله النجاشیّ. و استظهر الوحید البهبهانی وثاقته من روایة الثقاة كتبه و ایراد المشایخ روایاته فی كتب الاخبار و اعتناؤهم بها فتأمل.

«11»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ وَ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ وَ ابْنِ یَزِیدَ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِكِینَ بِهِ وَ عَنِ الْحَنِیفِیَّةِ فَقَالَ هِیَ الْفِطْرَةُ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ قَالَ فَطَرَهُمُ اللَّهُ عَلَی الْمَعْرِفَةِ قَالَ زُرَارَةُ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ الْآیَةَ قَالَ أَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ذُرِّیَّتَهُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَخَرَجُوا كَالذَّرِّ فَعَرَّفَهُمْ وَ أَرَاهُمْ صُنْعَهُ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَعْرِفْ أَحَدٌ رَبَّهُ وَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كُلُّ مَوْلُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ یَعْنِی عَلَی الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَالِقُهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ.

«12»- سن، المحاسن أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام مِنْ قَوْلِ اللَّهِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِكِینَ مَا الْحَنِیفِیَّةُ قَالَ هِیَ الْفِطْرَةُ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها فَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَی مَعْرِفَتِهِ (1).

«13»-سن، المحاسن أَبِی عَنْ عَلِیِّ بْنِ نُعْمَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ فَطَرَهُمْ عَلَی مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَعْلَمُوا إِذَا سُئِلُوا مَنْ رَبُّهُمْ وَ لَا مَنْ رَازِقُهُمْ (2).

«14»-سن، المحاسن الْمُحَسِّنُ بْنُ أَحْمَدَ(3) عَنْ أَبَانٍ الْأَحْمَرِ (4) عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: عُرْوَةُ اللَّهِ الْوُثْقَی التَّوْحِیدُ وَ الصِّبْغَةُ الْإِسْلَامُ.

ص: 279


1- الظاهر اتّحاده مع صدر الحدیث المتقدم.
2- الظاهر اتّحاد ذلك مع ما تقدم تحت رقم 6 و 8 و 10.
3- محسن بفتح السین المشددة كما فی المحكی من الإیضاح، و بكسرها كما فی المحكی عن تاج العروس هو محسن بن أحمد البجلیّ یكنی أبا محمد؛ أورده الشیخ فی رجاله فی أصحاب الرضا علیه السلام، و قال النجاشیّ: محسن بن أحمد القیسی من موالی قیس عیلان، روی عن الرضا علیه السلام، أخبرنا محمّد بن محمّد قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الزراری، عن علیّ بن الحسن السعدآبادی، عن أحمد بن محمّد ابن خالد، عن محسن بن أحمد بكتابه. انتهی. و ظاهرهما كون الرجل إمامیا.
4- هو أبان بن عثمان الأحمر البجلیّ أبو عبد اللّٰه، عده الكشّیّ من الذین اجتمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم.

بیان: قال البیضاوی فی قوله تعالی صِبْغَةَ اللَّهِ أی صبغنا اللّٰه صبغته و هی فطرة اللّٰه التی فطر الناس علیها فإنها حلیة الإنسان كما أن الصبغة حلیة المصبوغ أو هدانا هدایته و أرشدنا حجته أو طهر قلوبنا بالإیمان تطهیره و سماه صبغة لأنه ظهر أثره علیهم ظهور الصبغ علی المصبوغ و تداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاكلة فإن النصاری كانوا یغمسون أولادهم فی ماء أصفر یسمونه العمودیة و یقولون هو تطهیر لهم و به تحقق نصرانیتهم (1).

«15»-مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قَالَ هِیَ الْإِسْلَامِ.

«16»-سن، المحاسن ابْنُ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی قَالَ ثَبَتَتِ الْمَعْرِفَةُ فِی قُلُوبِهِمْ وَ نَسَوُا الْمَوْقِفَ وَ سَیَذْكُرُونَهُ یَوْماً وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَدْرِ أَحَدٌ مَنْ خَالِقُهُ وَ لَا مَنْ رَازِقُهُ.

«17»-سن، المحاسن الْبَزَنْطِیُّ عَنْ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی قَالَ نَعَمْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ عَلَی جَمِیعِ خَلْقِهِ أَخَذَهُمْ یَوْمَ أَخَذَ الْمِیثَاقَ هَكَذَا وَ قَبَضَ یَدَهُ.

«18»-شف، كشف الیقین مِنْ كِتَابِ الْقَاضِی الْقَزْوِینِیِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَی التَّلَّعُكْبَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ (2) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

ص: 280


1- قال الشیخ الطوسیّ فی كتابه التبیان- بعد ذكر ذلك المعنی من الفراء-: و قال قتادة: الیهود تصبغ أبناءها یهودا، و النصاری تصبغ أبناءها نصاری. فهذا غیر المعنی الأول، و انما معناه أنهم یلقنون أولادهم الیهودیة و النصرانیة فیصبغونهم بذلك لما یشربون قلوبهم منه، فقیل: صبغة اللّٰه التی أمر بها و رضیها یعنی الشریعة لا صبغتكم. و قال الجبّائیّ: سمی الدین صبغة لانه هیئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة و الصلاة و غیر ذلك من الآثار الجمیلة التی هی كالصبغة.
2- هو علیّ بن حسان بن كثیر الهاشمی مولی عبّاس بن محمّد بن علیّ بن عبد اللّٰه بن العباس ابن أخی عبد الرحمن بن كثیر، قال النجاشیّ: ضعیف جدا، ذكره بعض أصحابنا فی الغلاة، فاسد الاعتقاد له كتاب تفسیر الباطن تخلیط كله. انتهی. و حكی عن ابن الغضائری أنّه لا یروی إلّا عن عمه. أقول: الظاهر اتّحاد الحدیث مع ما تقدم فی الباب تحت الرقم 10 و تقدم ترجمة عبد الرحمن هاهنا.

كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ هِیَ التَّوْحِیدُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَنَّ عَلِیّاً أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام.

«19»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ حُمْرَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الصِّبْغَةُ الْإِسْلَامُ.

«20»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قَالَ الصِّبْغَةُ مَعْرِفَةُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام بِالْوَلَایَةِ فِی الْمِیثَاقِ.

«21»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الْوَلِیدِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْحَنِیفِیَّةَ هِیَ الْإِسْلَامُ.

«22»-غو، غوالی اللئالی قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله كُلُّ مَوْلُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ حَتَّی یَكُونَ أَبَوَاهُ یُهَوِّدَانِهِ وَ یُنَصِّرَانِهِ (1).

بیان: قال السید المرتضی رحمه اللّٰه فی كتاب الغرر و الدرر بعد نقل بعض التأویلات عن المخالفین فی هذا الخبر و الصحیح فی تأویله أن قوله یولد علی الفطرة یحتمل أمرین أحدهما أن تكون الفطرة هاهنا الدین و یكون علی بمعنی اللام فكأنه قال كل مولود یولد للدین و من أجل الدین لأن اللّٰه تعالی لم یخلق من یبلغه مبلغ المكلفین إلا لیعبده فینتفع بعبادته یشهد بذلك قوله تعالی وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ و الدلیل علی أن علی یقوم مقام اللام ما حكاه یعقوب بن السكیت عن أبی یزید عن العرب أنهم یقولون صف علی كذا و كذا حتی أعرفه بمعنی صف لی و یقولون ما أغبطك علی یریدون ما أغبطك لی و العرب تقیم بعض الصفات مقام بعض و إنما ساغ أن یرید بالفطرة التی هی الخلقة فی اللغة الدین من حیث كان هو المقصود بها و قد یجری علی الشی ء اسم ما له به هذا الضرب من التعلق و الاختصاص و علی هذا یتأول قوله تعالی فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها أراد دین اللّٰه

ص: 281


1- رواه السیّد المرتضی فی أول الجزء الرابع من أمالیه مرسلا عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله. و رواه أبو یعلی فی مسنده و الطبرانی فی الكبیر و البیهقیّ فی السنن عن الأسود بن سریع و اللفظ هكذا: كل مولود یولد علی الفطرة حتّی یعرب عنه لسانه فأبواه یهودانه إلخ قاله السیوطی فی ج 2 ص 94 من الجامع الصغیر.

الذی خلق الخلق له و قوله تعالی لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أراد به أن ما خلق اللّٰه العباد له من العبادة و الطاعة لیس مما یتغیر و یختلف حتی یخلق قوما للطاعة و آخرین للمعصیة و یجوز أن یرید بذلك الأمر و إن كان ظاهره ظاهر الخبر فكأنه قال لا تبدلوا ما خلقكم اللّٰه له من الدین و الطاعة بأن تعصوا و تخالفوا.

و الوجه الآخر فی تأویل قوله علیه السلام: الفطرة أن یكون المراد به الخلقة و تكون لفظة علی علی ظاهرها لم یرد بها غیره و یكون المعنی كل مولود یولد علی الخلقة الدالة علی وحدانیة اللّٰه تعالی و عبادته و الإیمان به لأنه جل و عز قد صور الخلق و خلقهم علی وجه یقتضی النظر فیه معرفته و الإیمان به و إن لم ینظروا و یعرفوا فكأنه علیه السلام قال كل مخلوق و مولود فهو یدل بخلقته و صورته علی عبادة اللّٰه تعالی و إن عدل بعضهم فصار یهودیا أو نصرانیا و هذا الوجه أیضا یحتمله قوله تعالی فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها و إذا ثبت ما ذكرناه فی معنی الفطرة فقوله علیه الصلاة و السلام حتی یكون أبواه یهودانه و ینصرانه یحتمل وجهین أحدهما أن من كان یهودیا أو نصرانیا ممن خلقته لعبادتی و دینی فإنما جعله أبواه كذلك أو من جری مجراهما ممن أوقع له الشبهة و قلده الضلال عن الدین و إنما خص الأبوین لأن الأولاد فی الأكثر ینشئون علی مذاهب آبائهم و یألفون أدیانهم و نحلهم و یكون الغرض بالكلام تنزیه اللّٰه تعالی عن ضلال العباد و كفرهم و أنه إنما خلقهم للإیمان فصدهم عنه آباؤهم أو من جری مجراهم و الوجه الآخر أن یكون معنی یهودانه و ینصرانه أی یلحقانه بأحكامهما لأن أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحكامهم بأحكامهم فكأنه علیه السلام قال لا تتوهموا من حیث لحقت أحكام الیهود و النصاری أطفالهم أنهم خلقوا لدینهم بل لم یخلقوا إلا للإیمان و الدین الصحیح لكن آباؤهم هم الذین أدخلوهم فی أحكامهم و عبر عن إدخالهم فی أحكامهم بقوله یهودانه و ینصرانه

ص: 282

باب 12 إثبات قدمه تعالی و امتناع الزوال علیه

«1»-لی، الأمالی للصدوق ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِیِّ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ (1) عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْمَوْصِلِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: جَاءَ حِبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَتَی كَانَ رَبُّكَ فَقَالَ لَهُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَ مَتَی لَمْ یَكُنْ حَتَّی یُقَالَ مَتَی كَانَ كَانَ رَبِّی قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ وَ یَكُونُ بَعْدَ الْبَعْدِ بِلَا بَعْدٍ وَ لَا غَایَةَ وَ لَا مُنْتَهَی لِغَایَتِهِ انْقَطَعَتِ الْغَایَاتُ عَنْهُ فَهُوَ مُنْتَهَی كُلِّ غَایَةٍ.

ج، الإحتجاج مُرْسَلًا بِزِیَادَةِ قَوْلِهِ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ فَنَبِیٌّ أَنْتَ فَقَالَ وَیْلَكَ إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِیدِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله.

ید، التوحید بالإسناد المتقدم مع تلك الزیادة و قال الصدوق بعده یعنی بذلك عبد طاعة لا غیر ذلك.

بیان: لما كان متی كان سؤالا عن الزمان المخصوص من بین الأزمنة لوجوده و لا یصح فیما لا اختصاص لزمان به أجابه علیه السلام بقوله متی لم یكن حتی یقال متی كان و نبه علی بطلان الاختصاص الذی أخذ فی السؤال ثم بیّن علیه السلام سرمدیته فقال كان ربی قبل القبل أی هو قبل كل ما هو قبل شی ء و لا قبل بالنسبة إلیه و بعد كل ما هو بعد شی ء و لا شی ء بعده أو هو قبل الموصوف بالقبلیة و البعدیة لذاته أی الزمان و بعده بلا زمان إذ هو مبدأ كل شی ء و غایة له و الغایة نهایة الامتداد و قد یطلق علی نفس الامتداد و المعنی أنه لا غایة لوجوده و سائر كمالاته أزلا و أبدا و لعل المراد بها ثانیا نفس الامتداد أی لیس لما یتوهم له من الامتداد نهایة.

(2)ص: 284

و یحتمل أن یكون المراد بها أولا أیضا الامتداد فیكون مجرورا أی بلا امتداد زمانی و یحتمل أن یكون المراد بها ثانیا أیضا النهایة أی كل ما توهمت أنه غایة له فهو موجود بعده و لا ینتهی إلیه وجوده فكل غایة أی امتداد أو نهایة ینقطع عنه لوجوده تعالی قبله و بعده فهو منتهی كل غایة أی بعدها أو هو علة لها و إلیه ینتهی وجودها فكیف تكون غایة له و یحتمل أن یكون المراد بالغایات نهایات أفكار العارفین فإنها منقطعة عنه لا تصل إلیه و بكونه منتهی كل غایة أنه منتهی رغبات الخلائق و حاجاتهم و یمكن أن یحمل الغایة فی الأخیرتین علی العلة الغائیة أیضا و اللّٰه یعلم.

«2»-مع، معانی الأخبار ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِیمٍ عَنْ مَیْمُونٍ الْبَانِ (3) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ جَلَّ وَ عَزَّ هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ فَقَالَ الْأَوَّلُ لَا عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ وَ لَا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ وَ آخِرٌ لَا عَنْ نِهَایَةٍ كَمَا یُعْقَلُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِینَ وَ لَكِنْ قَدِیمٌ أَوَّلٌ آخِرٌ لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ بِلَا بَدْءٍ وَ لَا نِهَایَةٍ لَا یَقَعُ عَلَیْهِ الْحُدُوثُ وَ لَا یُحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَی حَالٍ خَالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ.

بیان: لا عن أول قبله أی لا مبتدأ عن أول یكون قبله زمانا و لا عن بدء علی وزن فعل أو بدی ء علی وزن فعیل أی مبتدإ سبقه رتبة بالعلیة و قوله لا عن نهایة أی لا معها مجازا و یحتمل أن تكون عن تعلیلیة أی لیست آخریته بسبب أن له نهایة بعد نهایة غیره و قوله لا یقع علیه الحدوث ناظر إلی الأول و قوله علیه السلام: و لا یحول من حال إلی حال ناظر إلی الآخر أی آخریته بأنه أبدی بجمیع صفاته لا یعتریه تغیر فی شی ء من ذلك و سیأتی تحقیقه فی باب الأسماء.

«3»-ج، الإحتجاج سَأَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ أَخْبِرْنِی عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَتَی كَانَ فَقَالَ لَهُ وَیْلَكَ أَخْبِرْنِی أَنْتَ مَتَی لَمْ یَكُنْ حَتَّی أُخْبِرَكَ مَتَی كَانَ (4) سُبْحَانَ مَنْ

ص: 283


1- فی بعض نسخ الكافی: عن أبی إبراهیم، عن أبی الحسن الموصلی. و لعله كان بدلا عن أبی الحسن، لان المكرر فی أسناد الكافی روایة البزنطی عن أبی الحسن الموصلی بدون واسطة، و لم نعرف لابی الحسن هذا اسما، و احتمال كونه كنیة لعبد العزیز بن عبد اللّٰه بن یونس الموصلی لا یلائم روایة التلعكبری عنه، و سماعه منه فی سنة ست و عشرین و ثلاثمائة، مع كون الرجل راویا عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام.
2- فی بعض نسخ الكافی: عن أبی إبراهیم، عن أبی الحسن الموصلی. و لعله كان بدلا عن أبی الحسن، لان المكرر فی أسناد الكافی روایة البزنطی عن أبی الحسن الموصلی بدون واسطة، و لم نعرف لابی الحسن هذا اسما، و احتمال كونه كنیة لعبد العزیز بن عبد اللّٰه بن یونس الموصلی لا یلائم روایة التلعكبری عنه، و سماعه منه فی سنة ست و عشرین و ثلاثمائة، مع كون الرجل راویا عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام.
3- بالباء الموحدة و الالف و النون المخففة، عده الشیخ فی رجاله من أصحاب السجّاد و الصادقین علیهم السلام، و ظاهره كونه امامیا الا أنّه مجهول.
4- لان ما یصحّ أن یسأل عن وجوده «بمتی» یصح أن یسأل عن عدمه أیضا بذلك، فما لا یصحّ أن یسأل عن عدمه بمتی، لا یصحّ أن یسأل عن وجوده أیضا بذلك. و اللّٰه تبارك و تعالی حیث لم یكن زمانیا- بل یكون وجوده أزلیا غیر مسبوق بالعدم و أبدیا غیر ملحوق به- فلا یصحّ أن یسأل عن وجوده أو عدمه بمتی.

ص: 284

لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ فَرْداً صَمَداً لَمْ یَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَ لَا وَلَداً.

ید، التوحید أبی عن سعد عن ابن عیسی عن ابن محبوب عن الثمالی مثله- فس، تفسیر القمی أبی عن ابن محبوب عن الثمالی عن أبی الربیع مثله.

«4»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَارِثٍ (1)عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: أَخْرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حُقّاً (2)فَأَخْرَجَ مِنْهُ وَرَقَةً فَإِذَا فِیهَا سُبْحَانَ الْوَاحِدِ الَّذِی لَا إِلَهَ غَیْرُهُ (3) الْقَدِیمُ الْمُبْدِئُ الَّذِی لَا بَدْءَ لَهُ الدَّائِمُ الَّذِی لَا نَفَادَ لَهُ الْحَیُّ الَّذِی لَا یَمُوتُ الْخَالِقُ مَا یُرَی وَ مَا لَا یُرَی الْعَالِمُ كُلَّ شَیْ ءٍ بِغَیْرِ تَعْلِیمٍ ذَلِكَ اللَّهُ الَّذِی لَا شَرِیكَ لَهُ.

«5»- ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَهْزِیَارَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام إِلَی رَجُلٍ بِخَطِّهِ وَ قَرَأْتُهُ فِی دُعَاءٍ كَتَبَ بِهِ أَنْ یَقُولَ یَا ذَا الَّذِی كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ ثُمَّ خَلَقَ كُلَّ شَیْ ءٍ ثُمَّ یَبْقَی وَ یَفْنَی كُلُّ شَیْ ءٍ وَ یَا ذَا الَّذِی لَیْسَ فِی السَّمَاوَاتِ الْعُلَی وَ لَا فِی الْأَرَضِینَ السُّفْلَی وَ لَا فَوْقَهُنَّ وَ لَا بَیْنَهُنَّ وَ لَا تَحْتَهُنَّ إِلَهٌ یُعْبَدُ غَیْرُهُ.

«6»-ید، التوحید مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُذَكِّرُ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْیَانَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَلَمَةَ اللبقی (4) [اللِّیفِیِ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ (5) عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: جَاءَ یَهُودِیٌّ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَتَی كَانَ رَبُّنَا قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام إِنَّمَا یُقَالُ مَتَی كَانَ لِشَیْ ءٍ لَمْ یَكُنْ فَكَانَ وَ رَبُّنَا هُوَ كَائِنٌ بِلَا كَیْنُونَةِ كَائِنٍ كَانَ بِلَا كَیْفٍ یَكُونُ كَانَ لَمْ

ص: 285


1- لم نجد له ذكرا فی كتب التراجم.
2- فی القاموس الحقه- بالضم-: وعاء من خشب.
3- فی القاموس الحقه- بالضم-: وعاء من خشب.
4- فی التوحید المطبوع: علی بن سلمة اللیفی.
5- الاسناد فی التوحید المطبوع هكذا: إسماعیل بن یحیی بن عبد اللّٰه، عن عبد اللّٰه بن طلحة بن هجیم قال: حدّثنا ابن أبو سنان أبو سفیان الشیبانی سعید بن سنان إلخ أقول: رجال الحدیث كلها من العامّة

یَزَلْ بِلَا لَمْ یَزَلْ وَ بِلَا كَیْفٍ یَكُونُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَیْسَ لَهُ قَبْلٌ هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ وَ بِلَا غَایَةٍ وَ لَا مُنْتَهَی غَایَةٍ وَ لَا غَایَةٍ إِلَیْهَا غَایَةٌ انْقَطَعَتِ الْغَایَاتُ عَنْهُ فَهُوَ غَایَةُ كُلِّ غَایَةٍ.

بیان: بلا كینونة كائن أی كان و لم یحدث حادث بعد أو لا علی نحو حدوث الحوادث قال الفیروزآبادی الكون الحدث كالكینونة قوله بلا كیف یكون أی صفة موجودة زائدة و لعل الوصف بقوله یكون للإشعار بأنه إذا كان له كیف یكون حادثا لا محالة قوله علیه السلام: بلا لم یزل أی بلا زمان قدیم موجود یسمی بلم یزل لیكون معه قدیما ثانیا و قوله علیه السلام: ثانیا بلا كیف یكون تأكید لما سبق و یحتمل أن یكون الأول لنفی الكیفیات الجسمانیة أو الحادثة و الثانی لنفی الصفات الحقیقیة الزائدة أو القدیمة و یحتمل أن یكون المراد بالأخیر أنه لیس لوجوده فی الأزل و اتصافه بها كیف فیكون إشارة إلی نفی معلولیة الوجود أو زیادته و فی الكافی بسند آخر كیف یكون له قبل و هو أظهر كما سیأتی أیضا قوله علیه السلام: بلا غایة أی امتداد و زمان موجود و لا منتهی غایة أی فی الأزل و لا غایة أی منتهی ینتهی إلیها غایة أی امتداد فی لا یزال.

«7»-ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْخَزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَأْسُ الْجَالُوتِ لِلْیَهُودِ إِنَّ الْمُسْلِمِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِیّاً مِنْ أَجْدَلِ النَّاسِ وَ أَعْلَمِهِمْ اذْهَبُوا بِنَا إِلَیْهِ لَعَلِّی أَسْأَلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ أُخَطِّئْهُ فِیهَا فَأَتَاهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ سَلْ عَمَّا شِئْتَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَتَی كَانَ رَبُّنَا قَالَ یَا یَهُودِیُّ إِنَّمَا یُقَالُ مَتَی كَانَ لِمَنْ لَمْ یَكُنْ فَكَانَ هُوَ كَائِنٌ بِلَا كَیْنُونَةِ كَائِنٍ كَانَ بِلَا كَیْفٍ (1) یَا یَهُودِیُّ كَیْفَ یَكُونُ لَهُ قَبْلٌ وَ هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا غَایَةٍ وَ لَا مُنْتَهَی غَایَةٍ وَ لَا غَایَةٍ إِلَیْهَا غَایَةٌ انْقَطَعَتِ الْغَایَاتُ عَنْهُ فَهُوَ غَایَةُ كُلِّ غَایَةٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ دِینَكَ الْحَقُّ وَ أَنَّ مَا خَالَفَهُ بَاطِلٌ.

أقول: قد أثبتنا خبر محمد بن عبد اللّٰه الخراسانی فی باب إثبات الصانع و سیأتی كثیر من الأخبار فی باب نفی الزمان و المكان و سائر الأبواب مشحونة بما یناسب الباب من الأخبار.

ص: 286


1- فی الكافی: بلی یا یهودی ثمّ بلی یا یهودی كیف یكون إلخ.

باب 13 نفی الجسم و الصورة و التشبیه و الحلول و الاتحاد و أنه لا یدرك بالحواس و الأوهام و العقول و الأفهام

الآیات؛

الأنعام:(91) و الحج: (74) و الزمر: (67) :«ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»

حمعسق: «لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ»(11)

«1»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ الْقُمِّیُّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ بِلَالٍ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِیرٍ الدَّهَّانِ (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الصَّادِقَ علیه السلام فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنِی أَیُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ تَوْحِیدُكَ لِرَبِّكَ قَالَ فَمَا أَعْظَمُ الذُّنُوبِ قَالَ تَشْبِیهُكَ لِخَالِقِكَ.

«2»-نص، كفایة الأثر عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِیٍّ الْعَبْدِیِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِیرٍ الرَّقِّیِّ عَنْ یُونُسَ بْنِ ظَبْیَانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام فَقُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّی دَخَلْتُ عَلَی مَالِكٍ (3) وَ أَصْحَابِهِ فَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ یَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ وَ بَعْضُهُمْ یَقُولُ لَهُ یَدَانِ وَ احْتَجُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِیَدَیَّ أَسْتَكْبَرْتَ وَ بَعْضُهُمْ یَقُولُ هُوَ كَالشَّابِّ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثِینَ سَنَةً فَمَا عِنْدَكَ فِی هَذَا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ وَ كَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَی جَالِساً وَ قَالَ اللَّهُمَّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ ثُمَّ قَالَ یَا یُونُسُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ فَقَدْ أَشْرَكَ وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ جَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِینَ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ فَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ وَ لَا تَأْكُلُوا

ص: 287


1- البغدادیّ الثقة، عده الشیخ فی رجاله من أصحاب الجواد و الهادی و العسكریّ علیهم السلام.
2- لم نجده فی التراجم بهذا العنوان.
3- أحد الأئمّة الأربعة للعامة، حكی عن ابن الندیم فی فهرسه أنّه قال: مالك بن أنس بن أبی عامر من حمیر، و عداده فی بنی تمیم بن مرة من قریش، و حمل به ثلاثین سنین! و كان شدید البیاض إلی الشفرة، طویلا عظیم الهامّة أصلع الرأس، یلبس الثیاب العدنیّة الجیاد و یكثر حلق شاربه و لا یغیر شیبه، و كان یأتی المسجد و یشهد الصلوات و یعود المرضی و یقضی الحقوق، ثمّ ترك الجلوس فی المسجد و كان یصلّی فی منزله و ترك اتباع الجنائز فكان یعاتب علی ذلك، و كان یقول: لیس یقدر كل أحد یقول عذره، و كان فقیه الحجاز و سیدها فی وقته، توفّی سنة تسع و سبعین و مائة، و هو ابن خمس و ثمانین و دفن بالبقیع.

ذَبِیحَتَهُ تَعَالَی اللَّهُ عَمَّا یَصِفُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِینَ فَوَجْهُ اللَّهِ أَنْبِیَاؤُهُ وَ أَوْلِیَاؤُهُ (1) وَ قَوْلُهُ خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَكْبَرْتَ الْیَدُ الْقُدْرَةُ كَقَوْلِهِ وَ أَیَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فِی شَیْ ءٍ أَوْ عَلَی شَیْ ءٍ أَوْ یَحُولُ مِنْ شَیْ ءٍ إِلَی شَیْ ءٍ أَوْ یَخْلُو مِنْهُ شَیْ ءٌ أَوْ یَشْتَغِلُ بِهِ شَیْ ءٌ فَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِینَ وَ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ لَا یُقَاسُ بِالْقِیَاسِ وَ لَا یُشَبَّهُ بِالنَّاسِ لَا یَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَ لَا یَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ قَرِیبٌ فِی بُعْدِهِ بَعِیدٌ فِی قُرْبِهِ ذَلِكَ اللَّهُ رَبُّنَا لَا إِلَهَ غَیْرُهُ فَمَنْ أَرَادَ اللَّهَ وَ أَحَبَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مِنَ الْمُوَحِّدِینَ وَ مَنْ أَحَبَّهُ بِغَیْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَاللَّهُ مِنْهُ بَرِی ءٌ وَ نَحْنُ مِنْهُ بُرَءَاءُ.

«3»-لی، الأمالی للصدوق مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ عَلَّانٍ(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ الرُّخَّجِیِّ(3) قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام أَسْأَلُهُ عَمَّا قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ فِی الْجِسْمِ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ فِی الصُّورَةِ فَكَتَبَ علیه السلام دَعْ عَنْكَ حَیْرَةَ الْحَیْرَانِ وَ اسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطَانِ لَیْسَ الْقَوْلُ مَا قَالَ الْهِشَامَانِ.

ید، التوحید الدقاق عن الكلینی عن علی بن محمد رفعه عن الرخجی مثله بیان لا ریب فی جلالة قدر الهشامین و براءتهما عن هذین القولین و قد بالغ السید المرتضی قدس اللّٰه روحه فی براءة ساحتهما عما نسب إلیهما فی كتاب الشافی مستدلا علیها بدلائل شافیة و لعل المخالفین نسبوا إلیهما هذین القولین معاندة كما نسبوا المذاهب الشنیعة إلی زرارة و غیره من أكابر المحدثین أو لعدم فهم كلامهما فقد قیل إنهما قالا بجسم لا كالأجسام و بصورة لا كالصور فلعل مرادهما بالجسم الحقیقة القائمة بالذات و بالصورة الماهیة و إن أخطئا فی إطلاق هذین اللفظین علیه تعالی.

ص: 288


1- لان العباد یتوجهون بهم إلی اللّٰه تعالی و اللّٰه تعالی یخاطب العباد و یواجههم بهم علیهم السلام.
2- الظاهر أنّه هو علیّ بن محمّد بن إبراهیم بن أبان الرازیّ الكلینی، أستاد محمّد بن یعقوب الكلینی و خاله. قال النجاشیّ: یكنی أبا الحسن ثقة، عین. أقول: علان بالعین المهملة المفتوحة ثمّ اللام المشددة و حكی عن الشهید الثانی رحمه اللّٰه فی تعلیقته علی الخلاصة أن علان مخفف اللام.
3- بالراء المهملة المضمومة و الخاء المعجمة المفتوحة و الجیم و الیاء نسبة إمّا إلی «رخج» كورة و مدینة من نواحی كابل، و قد یشدد الخاء، أو إلی الرخجة أو الرخجیة بتشدید الخاء فیهما، قریة علی نحو فراسخ من بكلواذی

قال المحقق الدوانی المشبهة منهم من قال إنه جسم حقیقة ثم افترقوا فقال بعضهم إنه مركب من لحم و دم و قال بعضهم هو نور متلألئ كالسبیكة البیضاء طوله سبعة أشبار بشبر نفسه و منهم من قال إنه علی صورة إنسان فمنهم من یقول إنه شاب أمرد جعد قطط (1) و منهم من قال إنه شیخ أشمط الرأس و اللحیة (2) و منهم من قال هو فی جهة الفوق مماس للصفحة العلیا من العرش و یجوز علیه الحركة و الانتقال و تبدل الجهات و تئط العرش تحته أطیط الرحل الجدید تحت الراكب الثقیل و هو یفضل عن العرش بقدر أربع أصابع و منهم من قال هو محاذ للعرش غیر مماس له و بعده عنه بمسافة متناهیة و قیل بمسافة غیر متناهیة و لم یستنكف هذا القائل عن جعل غیر المتناهی محصورا بین حاصرین و منهم من تستر بالكفة (3)فقال هو جسم لا كالأجسام و له حیز لا كالأحیاز و نسبته إلی حیزه لیس كنسبة الأجسام إلی أحیازها و هكذا ینفی جمیع خواص الجسم عنه حتی لا یبقی إلا اسم الجسم و هؤلاء لا یكفرون بخلاف المصرحین بالجسمیة انتهی.

و قال الشهرستانی حكی الكعبی عن هشام بن الحكم أنه قال هو جسم ذو أبعاض له قدر من الأقدار و لكن لا یشبه شیئا من المخلوقات و لا تشبهه و نقل عنه أنه قال هو سبعة أشبار بشبر نفسه و أنه فی مكان مخصوص و جهة مخصوصة و أنه یتحرك و حركته فعله و لیست من مكان إلی مكان و قال هو متناه بالذات غیر متناه بالقدر.

و حكی عنه أبو عیسی الوراق أنه قال إن اللّٰه تعالی مماس لعرشه لا یفضل منه شی ء من العرش و لا یفضل عنه شی ء.

و قال هشام بن سالم إنه تعالی علی صورة إنسان أعلاه مجوف و أسفله مصمت و هو نور ساطع یتلألأ و له حواس خمس و ید و رجل و أنف و أذن و عین و فم و له وفرة سوداء (4) و هو نور أسود لكنه لیس بلحم و لا دم.

ص: 289


1- الجعد من الشعر: خلاف الاسترسال. و قط الشعر: كان قصیرا جعدا فهو قطط.
2- شمط شمطا: خالط بیاض رأسه سواد فهو [أشمط].
3- الكفّة- بضم الكاف- حاشیة الشی ء، و كفّة القمیص ما استدار حول الذیل. و فی نسخة: «البلفكة» و لم نجد له معنی.
4- الوفرة: ما سال من الشعر علی الأذنین.

ثم قال و غلا هشام بن الحكم فی حق علی علیه السلام حتی قال إنه إله واجب الطاعة و هذا هشام بن الحكم صاحب غور فی الأصول لا یجوز أن یغفل عن إلزاماته علی المعتزلة فإن الرجل وراء ما یلزمه علی الخصم و دون ما یظهره من التشبیه و ذلك أنه ألزم العلاف فقال إنك تقول إن البارئ تعالی عالم بعلم و علمه ذاته فیشارك المحدثات فی أنه عالم بعلم و یباینها فی أن علمه ذاته فیكون عالما لا كالعالمین فلم لا تقول هو جسم لا كالأجسام و صورة لا كالصور و له قدر لا كالأقدار إلی غیر ذلك انتهی.

أقول: فظهر أن نسبة هذین القولین إلیهما إما لتخطئة رواة الشیعة و علمائهم لبیان سفاهة آرائهم أو أنهم لما ألزموهم فی الاحتجاج أشیاء إسكاتا لهم نسبوها إلیهم و الأئمة علیهم السلام لم ینفوها عنهم إما للتبری عنهم إبقاء علیهم أو لمصالح أخر و یمكن أن یحمل هذا الخبر علی أن المراد لیس هذا القول الذی تقول ما قال الهشامان بل قولهما مباین لذلك و یحتمل أن یكون هذان مذهبهما قبل الرجوع إلی الأئمة علیهم السلام و الأخذ بقولهم فقد قیل إن هشام بن الحكم كان قبل أن یلقی الصادق علیه السلام علی رأی جهم بن صفوان فلما تبعه علیه السلام تاب و رجع إلی الحق و یؤیده ما ذكره الكراجكی فی كنز الفوائد فی الرد علی القائلین بالجسم بمعنییه حیث قال و أما موالاتنا هشاما رحمه اللّٰه فهی لما شاع عنه و استفاض من تركه للقول بالجسم الذی كان ینصره و رجوعه عنه و إقراره بخطائه فیه و توبته منه و ذلك حین قصد الإمام جعفر بن محمد علیهما السلام إلی المدینة فحجبه و قیل له إنه أمرنا أن لا نوصلك إلیه ما دمت قائلا بالجسم فقال و اللّٰه ما قلت به إلا لأنی ظننت أنه وفاق لقول إمامی فأما إذا أنكره علی فإننی تائب إلی اللّٰه منه فأوصله الإمام علیه السلام إلیه و دعا له بخیر و حفظ.

«4»-عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ لِهِشَامٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَا یُشْبِهُ شَیْئاً وَ لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ وَ كُلُّ مَا وَقَعَ فِی الْوَهْمِ فَهُوَ بِخِلَافِهِ.

«5»-وَ رُوِیَ عَنْهُ أَیْضاً أَنَّهُ قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ لَا یَعْلَمُ أَحَدٌ كَیْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ لَا یُحَدُّ وَ لَا یُحَسُّ وَ لَا یُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَ لَا یُحِیطُ بِهِ شَیْ ءٌ وَ لَا هُوَ جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا بِذِی تَخْطِیطٍ وَ لَا تَحْدِیدٍ.

ص: 290

«6»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ علیهما السلام یَا جَابِرُ مَا أَعْظَمَ فِرْیَةَ أَهْلِ الشَّامِ عَلَی اللَّهِ یَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی حَیْثُ صَعِدَ إِلَی السَّمَاءِ وَضَعَ قَدَمَهُ عَلَی صَخْرَةِ بَیْتِ الْمَقْدِسِ وَ لَقَدْ وَضَعَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدَمَهُ عَلَی حَجَرٍ فَأَمَرَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَنْ نَتَّخِذَهَا مُصَلًّی یَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا نَظِیرَ لَهُ وَ لَا شَبِیهَ تَعَالَی عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِینَ وَ جَلَّ عَنْ أَوْهَامِ الْمُتَوَهِّمِینَ وَ احْتَجَبَ عَنْ عَیْنِ النَّاظِرِینَ وَ لَا یَزُولُ مَعَ الزَّائِلِینَ وَ لَا یَأْفِلُ مَعَ الْآفِلِینَ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ

«7»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ هِشَامٍ الْمَشْرِقِیِّ (1) عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِیِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ نُورٌ ثُمَّ قَالَ بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ فَقُلْتُ لَهُ أَ فَلَهُ یَدَانِ هَكَذَا وَ أَشَرْتُ بِیَدِی إِلَی یَدِهِ فَقَالَ لَوْ كَانَ هَكَذَا كَانَ مَخْلُوقاً.

«8»-ج، الإحتجاج فِی سُؤَالِ الزِّنْدِیقِ بِرِوَایَةِ هِشَامٍ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا یُحَسُّ وَ لَا یُجَسُّ وَ لَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَ لَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ وَ لَا تُغَیِّرُهُ الْأَزْمَانُ الْخَبَرَ.

«9»-ج، الإحتجاج قَالَ الرِّضَا علیه السلام إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ مَا آمَنَ بِی مَنْ فَسَّرَ بِرَأْیِهِ كَلَامِی وَ مَا عَرَفَنِی مَنْ شَبَّهَنِی بِخَلْقِی وَ لَا عَلَی دِینِی مَنِ اسْتَعْمَلَ الْقِیَاسَ فِی دِینِی.

ید، التوحید ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام لی، الأمالی للصدوق ابن المتوكل عن علی عن أبیه عن الریان بن الصلت عن علی بن موسی الرضا علیهما السلام عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال اللّٰه جل جلاله مثله.

«10»-ید، التوحید لی، الأمالی للصدوق ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّقْرِ بْنِ دُلَفَ (2)قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام عَنِ التَّوْحِیدِ وَ قُلْتُ لَهُ إِنِّی أَقُولُ بِقَوْلِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فَغَضِبَ علیه السلام ثُمَّ قَالَ مَا لَكُمْ وَ لِقَوْلِ هِشَامٍ إِنَّهُ لَیْسَ مِنَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ

ص: 291


1- ضبطه الاكثر بالقاف و جزم المحقق الداماد أنّه بالفاء.
2- الموجود فی التوحید المطبوع و البحار: الصقر بن دلف؛ و الموجود فی التراجم: الصقر ابن أبی دلف. و ضبط الصقر بالصاد المهملة المفتوحة و القاف الساكنة، و دلف بالدال المهملة و اللام المفتوحتین و الفاء.

جِسْمٌ وَ نَحْنُ مِنْهُ بُرَءَاءُ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ یَا ابْنَ دُلَفَ إِنَّ الْجِسْمَ مُحْدَثٌ وَ اللَّهُ مُحْدِثُهُ وَ مُجَسِّمُهُ.

«11»-كش، رجال الكشی عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ یُونُسَ بْنِ بَهْمَنَ(1)قَالَ: قَالَ لِی یُونُسُ اكْتُبْ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام فَاسْأَلْهُ عَنْ آدَمَ هَلْ فِیهِ مِنْ جَوْهَرِیَّةِ اللَّهِ شَیْ ءٌ قَالَ فَكَتَبْتُ إِلَیْهِ فَأَجَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ رَجُلٍ عَلَی غَیْرِ السُّنَّةِ فَقُلْتُ لِیُونُسَ فَقَالَ لَا یَسْمَعُ ذَا أَصْحَابُنَا فَیَبْرَءُونَ مِنْكَ قَالَ قُلْتُ لِیُونُسَ یَتَبَرَّءُونَ مِنِّی أَوْ مِنْكَ.

«12»- كش، رجال الكشی طَاهِرُ بْنُ عِیسَی (2) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الشُّجَاعِیِّ (3) عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ بَشَّارٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ یُونُسَ بْنِ بَهْمَنَ قَالَ قَالَ یُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَتَبْتُ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام سَأَلْتُهُ عَنْ آدَمَ هَلْ كَانَ فِیهِ مِنْ جَوْهَرِیَّةِ الرَّبِّ شَیْ ءٌ فَكَتَبَ إِلَیَّ جَوَابَ كِتَابِی لَیْسَ صَاحِبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَی شَیْ ءٍ مِنَ السُّنَّةِ زِنْدِیقٌ.

بیان: الكلام فی یونس و ما نسب إلیه أیضا كما مر فی الهشامین و قال الشهرستانی إنه زعم أن الملائكة تحمل العرش و العرش یحمل الرب و هو من مشبهة الشیعة انتهی.

«13»-لی، الأمالی للصدوق ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَهْزِیَارَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ أُصَلِّی خَلْفَ مَنْ یَقُولُ بِالْجِسْمِ وَ مَنْ یَقُولُ بِقَوْلِ یُونُسَ یَعْنِی ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَكَتَبَ علیه السلام لَا تُصَلُّوا خَلْفَهُمْ وَ لَا تُعْطُوهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ وَ ابْرَءُوا مِنْهُمْ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ.

ص: 292


1- بفتح الباء الموحدة و سكون الهاء و فتح المیم بعدها نون. حكی عن الغضائری أنّه قال: یونس بن بهمن غال خطابی كوفیّ یضع الحدیث روی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام.
2- أورده الشیخ فی رجاله فی باب من لم یرو عنهم علیهم السلام قال: طاهر بن عیسی الوراق یكنی أبا محمّد من أهل كش، صاحب كتب، روی عنه الكشّیّ، و روی هو عن جعفر بن أحمد الخزاعیّ، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب. انتهی. أقول: لیس فی كتب التراجم ما یلحق الرجل و راویه جعفر بن أحمد الخزاعیّ بالموثقین
3- قال التفرشی فی نقد الرجال: اسمه علیّ بن الشجاع كما یظهر من الكشّیّ، و یحتمل أن یطلق علی الحسن بن الطیب أیضا، و یظهر من النجاشیّ- عند ترجمة محمّد بن إبراهیم بن جعفر- أنه یطلق علی محمّد بن علی أیضا. انتهی.

«14»-لی، الأمالی للصدوق ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی الرِّضَا علیهما السلام یَقُولُ إِلَهِی بَدَتْ قُدْرَتُكَ وَ لَمْ تَبْدُ هَیْئَتُهُ فَجَهِلُوكَ وَ بِهِ قَدَّرُوكَ وَ التَّقْدِیرُ عَلَی غَیْرِ مَا بِهِ وَصَفُوكَ وَ إِنِّی بَرِی ءٌ یَا إِلَهِی مِنَ الَّذِینَ بِالتَّشْبِیهِ طَلَبُوكَ لَیْسَ كَمِثْلِكَ شَیْ ءٌ إِلَهِی وَ لَنْ یُدْرِكُوكَ وَ ظَاهِرُ مَا بِهِمْ مِنْ نِعَمِكَ دَلِیلُهُمْ عَلَیْكَ لَوْ عَرَفُوكَ وَ فِی خَلْقِكَ یَا إِلَهِی مَنْدُوحَةٌ أَنْ یَتَنَاوَلُوكَ بَلْ سَوَّوْكَ بِخَلْقِكَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ یَعْرِفُوكَ وَ اتَّخَذُوا بَعْضَ آیَاتِكَ رَبّاً فَبِذَلِكَ وَصَفُوكَ تَعَالَیْتَ رَبِّی عَمَّا بِهِ الْمُشَبِّهُونَ نَعَتُوكَ.

بیان: و به أی و بالجهل قوله و التقدیر علی غیر ما به وصفوك أی التقدیر بما قدروا به من المقادیر الجسمانیة ینافی ما وصفوك به من الربوبیة و یحتمل أن یكون المراد بالتقدیر مطلق التوصیف أی ینبغی و یجب توصیفك علی غیر ما وصفوك به من الجسم و الصورة و المندوحة السعة أی فی التفكر فی خلقك و الاستدلال به علی عظمتك و تقدسك عن صفات المخلوقین مندوحة عن أن یتفكروا فی ذاتك فینسبوا إلیك ما لا یلیق بجنابك أو المعنی أن التفكر فی الخلق یكفی فی أن لا ینسبوا إلیك هذه الأشیاء.

ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (1) قَالَ: مَرَّ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام بِقَبْرٍ مِنْ قُبُورِ أَهْلِ بَیْتِهِ فَوَضَعَ یَدَهُ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ إِلَهِی بَدَتْ قُدْرَتُكَ.

و ذكر نحوه.

«15»-شا، الإرشاد جَاءَتِ الرِّوَایَةُ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیهما السلام كَانَ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَاتَ یَوْمٍ إِذْ سَمِعَ قَوْماً یُشَبِّهُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَفَزِعَ لِذَلِكَ وَ ارْتَاعَ لَهُ وَ نَهَضَ حَتَّی أَتَی قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَوَقَفَ عِنْدَهُ وَ دفع [رَفَعَ صَوْتَهُ یُنَاجِی رَبَّهُ فَقَالَ فِی مُنَاجَاتِهِ لَهُ إِلَهِی بَدَتْ قُدْرَتُكَ وَ لَمْ تَبْدُ هَیْئَتُهُ فَجَهِلُوكَ وَ قَدَّرُوكَ بِالتَّقْدِیرِ عَلَی غَیْرِ مَا بِهِ أَنْتَ شَبَّهُوكَ إِلَی آخِرِ مَا مَرَّ.

«16»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الصَّقْرِ بْنِ دُلَفَ (2)عَنْ یَاسِرٍ

ص: 293


1- لعله هو أبو هاشم الجعفری، و الظاهر اتّحاد الخبر مع ما تقدم.
2- قد مر ذیل الخبر العاشر أن الموجود فی التراجم الصقر بن أبی دلف.

الْخَادِمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی الرِّضَا علیهما السلام یَقُولُ مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ نَسَبَ إِلَیْهِ مَا نَهَی عَنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ.

«17»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ عَلَّانٍ عَنْ سَهْلٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَدَانِیِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی الرَّجُلِ یَعْنِی أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ مَوَالِیكَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِی التَّوْحِیدِ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ جِسْمٌ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ صُورَةٌ فَكَتَبَ علیه السلام بِخَطِّهِ سُبْحَانَ مَنْ لَا یُحَدُّ وَ لَا یُوصَفُ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ أَوْ قَالَ الْبَصِیرُ.

«18»-ید، التوحید ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام الْفَامِیُّ فِی مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَعْبَدٍ (1)عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا علیهما السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ یَنْسُبُونَّا إِلَی الْقَوْلِ بِالتَّشْبِیهِ وَ الْجَبْرِ لِمَا رُوِیَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِی ذَلِكَ عَنْ آبَائِكَ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام فَقَالَ یَا ابْنَ خَالِدٍ أَخْبِرْنِی عَنِ الْأَخْبَارِ الَّتِی رُوِیَتْ عَنْ آبَائِیَ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام فِی التَّشْبِیهِ وَ الْجَبْرِ أَكْثَرُ أَمِ الْأَخْبَارُ الَّتِی رُوِيَتْ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ بَلْ مَا رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی ذَلِكَ أَكْثَرُ قَالَ فَلْیَقُولُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَقُولُ فِی التَّشْبِیهِ وَ الْجَبْرِ إِذاً فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمْ یَقُلْ مِنْ ذَلِكَ شَیْئاً وَ إِنَّمَا رُوِیَ عَلَیْهِ قَالَ فَلْیَقُولُوا فِی آبَائِیَ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام إِنَّهُمْ لَمْ یَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَیْئاً وَ إِنَّمَا رُوِیَ عَلَیْهِمْ ثُمَّ قَالَ علیه السلام مَنْ قَالَ بِالتَّشْبِیهِ وَ الْجَبْرِ فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ وَ نَحْنُ مِنْهُ بُرَءَاءُ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ یَا ابْنَ خَالِدٍ إِنَّمَا وَضَعَ الْأَخْبَارَ عَنَّا فِی التَّشْبِیهِ وَ الْجَبْرِ الْغُلَاةُ الَّذِینَ صَغَّرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَی فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَقَدْ أَبْغَضَنَا وَ مَنْ أَبْغَضَهُمْ فَقَدْ أَحَبَّنَا وَ مَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ عَادَانَا وَ مَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ وَالانَا وَ مَنْ وَصَلَهُمْ فَقَدْ قَطَعَنَا وَ مَنْ قَطَعَهُمْ فَقَدْ وَصَلَنَا وَ مَنْ جَفَاهُمْ فَقَدْ بَرَّنَا وَ مَنْ بَرَّهُمْ فَقَدْ جَفَانَا وَ مَنْ أَكْرَمَهُمْ فَقَدْ أَهَانَنَا وَ مَنْ أَهَانَهُمْ فَقَدْ أَكْرَمَنَا وَ مَنْ قَبِلَهُمْ فَقَدْ رَدَّنَا وَ مَنْ رَدَّهُمْ فَقَدْ قَبِلَنَا وَ مَنْ أَحْسَنَ إِلَیْهِمْ فَقَدْ أَسَاءَ إِلَیْنَا وَ مَنْ أَسَاءَ إِلَیْهِمْ فَقَدْ أَحْسَنَ إِلَیْنَا وَ مَنْ صَدَّقَهُمْ فَقَدْ كَذَّبَنَا وَ مَنْ كَذَّبَهُمْ فَقَدْ صَدَّقَنَا وَ مَنْ أَعْطَاهُمْ فَقَدْ حَرَمَنَا وَ مَنْ حَرَمَهُمْ فَقَدْ أَعْطَانَا یَا ابْنَ خَالِدٍ مَنْ كَانَ مِنْ شِیعَتِنَا فَلَا یَتَّخِذَنَّ مِنْهُمْ وَلِیّاً وَ لَا نَصِیراً.

ص: 294


1- وزان مسكن أو منبر.

ج، الإحتجاج عن الحسین بن خالد عنه علیه السلام مثله.

«19»-ج، الإحتجاج الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمَّانِیُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی إِبْرَاهِیمَ علیه السلام إِنَّ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی جِسْمٌ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ عَالِمٌ سَمِیعٌ بَصِیرٌ قَادِرٌ مُتَكَلِّمٌ نَاطِقٌ وَ الْكَلَامُ وَ الْقُدْرَةُ وَ الْعِلْمُ یَجْرِی مَجْرَی وَاحِدٍ لَیْسَ شَیْ ءٌ مِنْهَا مَخْلُوقاً فَقَالَ قَاتَلَهُ اللَّهُ أَ مَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ وَ الْكَلَامَ غَیْرُ الْمُتَكَلِّمِ مَعَاذَ اللَّهِ وَ أَبْرَأُ إِلَی اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا تَحْدِیدٌ وَ كُلُّ شَیْ ءٍ سِوَاهُ مَخْلُوقٌ وَ إِنَّمَا تَكُونُ الْأَشْیَاءُ بِإِرَادَتِهِ وَ مَشِیئَتِهِ مِنْ غَیْرِ كَلَامٍ وَ لَا تَرَدُّدٍ فِی نَفَسٍ وَ لَا نُطْقٍ بِلِسَانٍ.

ید، التوحید الدقاق عن محمد الأسدی عن البرمكی عن علی بن العباس عن الحسین بن عبد الرحمن الحمانی مثله (1)بیان قوله لیس كمثله شی ء یومئ إلی أنه لم یقل بالجسمیة الحقیقیة بل أطلق علیه لفظ الجسم و نفی عنه صفات الأجسام و یحتمل أن یكون مراده أنه لا یشبهه شی ء من الأجسام بل هو نوع مباین لسائر أنواع الأجسام فعلی الأول نفی علیه السلام إطلاق هذا اللفظ علیه تعالی بأن الجسم إنما یطلق علی الحقیقة التی یلزمها التقدیر و التحدید فكیف یطلق علیه تعالی.

و قوله یجری مجری واحد إشارة إلی عینیة الصفات و كون الذات قائمة مقامها فنفی علیه السلام كون الكلام كذلك ثم نبه علی بطلان ما یوهم كلامه من كون الكلام من أسباب وجود الأشیاء فلفظة كُنْ* فی الآیة الكریمة كنایة عن تسخیره للأشیاء و انقیادها له من غیر توقف علی التكلم بها ثم نفی علیه السلام كون الإرادة علی نحو إرادة المخلوقین من خطور بال أو تردد فی نفس و یحتمل أن یكون المقصود بما نسب إلی هشام كون الصفات كلها مع زیادتها مشتركة فی عدم الحدوث و المخلوقیة فنفاه علیه السلام بإثبات المغایرة أولا ثم بیان أن كل شی ء سواه مخلوق و الأول أظهر و لفظة تكون یمكن أن تقرأ علی المعلوم و علی المجهول من باب التفعیل.

«20»-ج، الإحتجاج عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِی إِبْرَاهِیمَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: لَا أَقُولُ إِنَّهُ قَائِمٌ فَأُزِیلَهُ عَنْ مَكَانٍ وَ لَا أَحُدُّهُ بِمَكَانٍ یَكُونُ فِیهِ وَ لَا أَحُدُّهُ أَنْ یَتَحَرَّكَ فِی شَیْ ءٍ مِنَ

ص: 295


1- الموجود فی التوحید المطبوع: الحسن بن الحسین بن عبد اللّٰه.

الْأَرْكَانِ وَ الْجَوَارِحِ وَ لَا أَحُدُّهُ بِلَفْظِ شَقِّ فَمٍ وَ لَكِنْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ بِمَشِیئَتِهِ مِنْ غَیْرِ تَرَدُّدٍ فِی نَفَسٍ صَمَداً فَرْداً لَمْ یَحْتَجْ إِلَی شَرِیكٍ یُدَبِّرُ لَهُ مُلْكَهُ وَ لَا یَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابَ عِلْمِهِ.

بیان: فأزیله عن مكانه أی فأقول إنه یجوز أن یزول و یتحرك من مكان إلی آخر فیلزم مع كونه تعالی جسما محتاجا تبدل الأحوال علیه أو المعنی أن القیام نسبة إلی المكان یخلو بعض المكان عن بعض القائم عنه و شغل بعضه ببعضه مع أن نسبته تعالی إلی جمیع الأمكنة علی السواء و لا یشتغل به مكان و قوله فی شی ء من الأركان أی بشی ء من الأعضاء و الجوارح و یحتمل أن یكون فی بمعناه و یكون المراد بها الحركة الكمیة و قوله علیه السلام: بلفظ شقّ فم أی بكلمة تخرج من فلقة الفم عند تكلّمه بها.

«21»-فس، تفسیر القمی مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أُسَیْدٍ (1) عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ مُوسَی بْنَ جَعْفَرٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ یَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَنْزَلَ عَلَی عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ وَ یُسَمَّی بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ الْعَزِیزِ الْجَبَّارِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ فَتَاهَتْ هُنَالِكَ عُقُولُهُمْ وَ اسْتَخَفَّتْ حُلُومُهُمْ فَضَرَبُوا لَهُ الْأَمْثَالَ وَ جَعَلُوا لَهُ أَنْدَاداً وَ شَبَّهُوهُ بِالْأَمْثَالِ وَ مَثَّلُوهُ أَشْبَاهاً وَ جَعَلُوهُ یَزُولُ وَ یَحُولُ فَتَاهُوا فِی بَحْرٍ عَمِیقٍ لَا یَدْرُونَ مَا غَوْرُهُ وَ لَا یُدْرِكُونَ كَمِّیَّةَ بُعْدِهِ (3)

«22»-ب، قرب الإسناد ابْنُ عِیسَی عَنِ الْبَزَنْطِی قَالَ: قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هُمْ یَقُولُونَ فِی الصِّفَةِ فَقَالَ لِی هُوَ ابْتِدَاءً إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا أُسْرِیَ بِهِ أَوْقَفَهُ جَبْرَئِیلُ علیه السلام مَوْقِفاً لَمْ یَطَأْهُ أَحَدٌ قَطُّ فَمَضَی النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَرَاهُ اللَّهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ فَوَقَّفْتُهُ عَلَی

ص: 296


1- أقول: الصحیح كما فی نسخة من «فس» الحسن بن أسد، و فی نسخة اخری منه الحسین بن اسید، و لعلّ كلمة «اسید» تصحیف لاسد، أورد الشیخ فی رجاله الحسن بن اسد البصری فی أصحاب الرضا علیه السلام، و الحسین بن أسد فی أصحاب الجواد و الهادی علیهما السلام، و حكی عن ابن الغضائری تضعیف الحسن، و احتمل المیرزا و غیره اتّحادهما.
2- و فی نسخة: و سمی بهذه الأسماء
3- و فی نسخة: و لا یدركون كنه بعده.

التَّشْبِیهِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ دَعْ ذَا لَا یَنْفَتِحُ عَلَیْكَ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِیمٌ.

بیان: فقال لی هو ابتداء أی من غیر أن أذكر ما وصفوه من التشبیه فوقّفته علی التشبیه أی فذكرت له ما یقولون فی التشبیه فأجابه علیه السلام بتنزیهه تعالی عن ذلك و نهاه عن القول بذلك و التفكر فیه لئلا ینفتح علیه من ذلك أمر عظیم هو الكفر و الخروج عن الدین.

«23»-ید، التوحید الْمُفَسِّرُ بِإِسْنَادِهِ إِلَی أَبِی مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ علیه السلام قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَی الرِّضَا علیه السلام قَالَ لَهُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ صِفْ لَنَا رَبَّكَ فَإِنَّ مَنْ قِبَلَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا عَلَیْنَا فَقَالَ الرِّضَا علیه السلام إِنَّهُ مَنْ یَصِفُ رَبَّهُ بِالْقِیَاسِ لَا یَزَالُ الدَّهْرَ فِی الِالْتِبَاسِ مَائِلًا عَنِ الْمِنْهَاجِ ظَاعِناً فِی الِاعْوِجَاجِ ضَالًّا عَنِ السَّبِیلِ قَائِلًا غَیْرَ الْجَمِیلِ أُعَرِّفُهُ بِمَا عَرَّفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ غَیْرِ رَوِیَّةٍ وَ أَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ غَیْرِ صُورَةٍ لَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَ لَا یُقَاسُ بِالنَّاسِ مَعْرُوفٌ بِغَیْرِ تَشْبِیهٍ (1) وَ مُتَدَانٍ فِی بُعْدِهِ لَا بِنَظِیرٍ لَا یُمَثَّلُ بِخَلِیقَتِهِ وَ لَا یَجُوزُ فِی قَضِیَّتِهِ الْخَلْقُ إِلَی مَا عَلِمَ مُنْقَادُونَ وَ عَلَی مَا سَطَرَ فِی الْمَكْنُونِ مِنْ كِتَابِهِ مَاضُونَ لَا یَعْمَلُونَ خِلَافَ مَا عَلِمَ مِنْهُمْ وَ لَا غَیْرَهُ یُرِیدُونَ فَهُوَ قَرِیبٌ غَیْرُ مُلْتَزِقٍ وَ بَعِیدٌ غَیْرُ مُتَقَصٍّ یُحَقَّقُ وَ لَا یُمَثَّلُ وَ یُوَحَّدُ وَ لَا یُبَعَّضُ یُعْرَفُ بِالْآیَاتِ وَ یُثْبَتُ بِالْعَلَامَاتِ فَلَا إِلَهَ غَیْرُهُ الْكَبِیرُ الْمُتَعالِ ثُمَّ قَالَ علیه السلام بَعْدَ كَلَامٍ آخَرَ تَكَلَّمَ بِهِ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ مَا عَرَفَ اللَّهَ مَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ وَ لَا وَصَفَهُ بِالْعَدْلِ مَنْ نَسَبَ إِلَیْهِ ذُنُوبَ عِبَادِهِ.

بیان: الظعن السیر و التقصّی البعد و بلوغ الغایة یحقق علی المجهول أی یثبت وجوده و لا یمثل أی لا یوجد كنهه فی الذهن.

«24»-ضه، روضة الواعظین رُوِیَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَیْنَ الْمَعْبُودُ فَقَالَ علیه السلام لَا یُقَالُ لَهُ أَیْنَ لِأَنَّهُ أَیَّنَ الْأَیْنِیَّةَ وَ لَا یُقَالُ لَهُ كَیْفَ لِأَنَّهُ كَیَّفَ الْكَیْفِیَّةَ وَ لَا یُقَالُ لَهُ مَا هُوَ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْمَاهِیَّةَ سُبْحَانَهُ مِنْ عَظِیمٍ تَاهَتِ الْفِطَنُ فِی تَیَّارِ أَمْوَاجِ عَظَمَتِهِ (2)

ص: 297


1- فی نسخة: معروف بغیر شبیه، و فی أخری: معروف بغیر تنبیه.
2- التیار: موج البحر الهائج.

وَ حَصِرَتِ الْأَلْبَابُ عِنْدَ ذِكْرِ أَزَلِیَّتِهِ وَ تَحَیَّرَتِ الْعُقُولُ فِی أَفْلَاكِ مَلَكُوتِهِ.

«25»-وَ رُوِیَ عَنْهُ أَیْضاً علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: اتَّقُوا أَنْ تُمَثِّلُوا بِالرَّبِّ الَّذِی لَا مِثْلَ لَهُ أَوْ تُشَبِّهُوهُ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ تُلْقُوا عَلَیْهِ الْأَوْهَامَ أَوْ تُعْمِلُوا فِیهِ الْفِكَرَ وَ تَضْرِبُوا لَهُ الْأَمْثَالَ أَوْ تَنْعَتُوهُ بِنُعُوتِ الْمَخْلُوقِینَ فَإِنَّ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاراً.

«26»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَیْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِیرٍ الْعَبْدِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام أَنَّهُ كَانَ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یُحَسُّ وَ لَا یُجَسُّ وَ لَا یُمَسُّ وَ لَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَ لَا یَقَعُ عَلَیْهِ الْوَهْمُ وَ لَا تَصِفُهُ الْأَلْسُنُ فَكُلُّ شَیْ ءٍ حَسَّتْهُ الْحَوَاسُّ أَوْ جَسَّتْهُ الْجَوَاسُّ (1) أَوْ لَمَسَتْهُ الْأَیْدِی فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَ اللَّهُ هُوَ الْعَلِیُّ حَیْثُ مَا یُبْتَغَی یُوجَدُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كَانَ قَبْلَ أَنْ یَكُونَ كَانَ لَمْ یُوجَدْ لِوَصْفِهِ كَانَ (2) بَلْ كَانَ أَزَلًا كَانَ كَائِناً (3) لَمْ یُكَوِّنْهُ مُكَوِّنٌ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَلْ كَوَّنَ الْأَشْیَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا فَكَانَتْ كَمَا كَوَّنَهَا عَلِمَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ كَانَ إِذْ لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ وَ لَمْ یَنْطِقْ فِیهِ نَاطِقٌ فَكَانَ إِذْ لَا كَانَ.

بیان: نفی كان إما لإشعاره بالحدوث كما مر أو لعدم كونه زمانیا بناء علی أن الزمان یخص المتغیرات و یدل الخبر علی حدوث العالم.

«27»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِیِّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ: إِلَهِی تَاهَتْ أَوْهَامُ الْمُتَوَهِّمِینَ وَ قَصُرَ طُرَفُ الطَّارِفِینَ وَ تَلَاشَتْ أَوْصَافُ الْوَاصِفِینَ وَ اضْمَحَلَّتْ أَقَاوِیلُ الْمُبْطِلِینَ عَنِ الدَّرْكِ لِعَجِیبِ شَأْنِكَ أَوِ الْوُقُوعِ بِالْبُلُوغِ إِلَی عُلُوِّكَ فَأَنْتَ الَّذِی لَا تَتَنَاهَی وَ لَمْ یَقَعْ عَلَیْكَ عُیُونٌ بِإِشَارَةٍ وَ لَا عِبَارَةٍ هَیْهَاتَ ثُمَّ هَیْهَاتَ یَا أَوَّلِیُّ یَا وَحْدَانِیُّ یَا فَرْدَانِیُّ شَمَخْتَ فِی الْعُلُوِّ بِعِزِّ الْكِبْرِ وَ ارْتَفَعْتَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ غَوْرَةٍ وَ نِهَایَةٍ بِجَبَرُوتِ الْفَخْرِ.

بیان: أو الوقوع أی علیك و یحتمل تعلق قوله بالبلوغ بالوقوع بأن تكون

ص: 298


1- جس الاخبار و الأمور: بحث عنها. الجواس: هی الحواس الخمس.
2- و فی نسخة: كان لا یوجد لوصفه كان.
3- و فی نسخة: بل كان اولا كان كائنا.

الباء ظرفیة و یحتمل أیضا تنازع الوقوع و البلوغ فی قوله إلی علوك فأنت الذی لا تتناهی أی لیس لمعرفتك و معرفة صفاتك حدود تنتهی إلیها أو لعلمك و قدرتك و رحمتك و غیرها نهایة تقف عندها و المراد بالعیون الجواسیس أو بالفتح بمعنی حدید البصر إن ساعده الاستعمال و إذا حمل علی العیون جمع العین بمعنی الباصرة فإسناد العبارة إلیها مجازی و یحتمل أن تكون العبارة متعلقة بقوله لا تتناهی علی اللف و النشر غیر المرتب و شمخ علا و طال و الغور القعر من كل شی ء أی ارتفعت عن أن یدرك كنه ذاتك و صفاتك بالوصول إلی غور الأفكار و نهایتها بسبب جبروت و عظمة ذاتیة توجب الفخر.

«28»-ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِیِّ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی الرِّضَا علیهما السلام یَقُولُ مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ وَصَفَهُ بِالْمَكَانِ فَهُوَ كَافِرٌ وَ مَنْ نَسَبَ إِلَیْهِ مَا نَهَی عَنْهُ فَهُوَ كَاذِبٌ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ إِنَّما یَفْتَرِی الْكَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ

«29»-ید، التوحید الْفَامِیُّ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ غَیْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ أَنْكَرَ قُدْرَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ.

«30»-ید، التوحید الْفَامِیُّ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِیِّ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُشْبِهُ شَیْئاً وَ لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ وَ كُلُّ مَا وَقَعَ فِی الْوَهْمِ فَهُوَ بِخِلَافِهِ.

قال الصدوق رحمه اللّٰه الدلیل علی أن اللّٰه سبحانه لا یشبه شیئا من خلقه من جهة من الجهات أنه لا جهة لشی ء من أفعاله إلا محدثة و لا جهة محدثة إلا و هی تدلّ علی حدوث من هی له فلو كان اللّٰه جل ثناؤه یشبه شیئا منها لدلت علی حدوثه من حیث دلت علی حدوث من هی له إذ المتماثلان فی العقول یقتضیان حكما واحدا من حیث تماثلا منها و قد قام الدلیل علی أن اللّٰه عز و جل قدیم و محال أن یكون قدیما من جهة حادثا من أخری و من الدلیل علی أن اللّٰه تبارك و تعالی قدیم أنه لو كان حادثا لوجب

ص: 299

أن یكون له محدث لأن الفعل لا یكون إلا بفاعل و لكان القول فی محدثه كالقول فیه و فی هذا وجود حادث قبل حادث لا إلی أول و هو محال فیصح أنه لا بد من صانع قدیم و إذا كان ذلك كذلك فالذی یوجب قدم ذلك الصانع و یدل علیه یوجب قدم صانعنا و یدل علیه.

«31»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ ابْنِ أَبَانٍ عَنِ ابْنِ أُورَمَةَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَیْرٍ (1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُوَیْنٍ الْعَبْدِیِّ (2) عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ كَانَ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یُحَسُّ وَ لَا یُجَسُّ وَ لَا یُمَسُّ وَ لَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَ لَا یَقَعُ عَلَیْهِ الْوَهْمُ وَ لَا تَصِفُهُ الْأَلْسُنُ وَ كُلُّ شَیْ ءٍ حَسَّتْهُ الْحَوَاسُّ أَوْ لَمَسَتْهُ الْأَیْدِی فَهُوَ مَخْلُوقٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كَانَ إِذْ لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ غَیْرُهُ وَ كَوَّنَ الْأَشْیَاءَ فَكَانَتْ كَمَا كَوَّنَهَا وَ عَلِمَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ.

«32»-ید، التوحید الْهَمَذَانِیُّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْقَاسِمِ (3) عَنْ جَدِّهِ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِیمَ مُوسَی بْنَ جَعْفَرٍ علیهما السلام وَ هُوَ یُكَلِّمُ رَاهِباً مِنَ النَّصَارَی فَقَالَ لَهُ فِی بَعْضِ مَا نَاظَرَهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَجَلُّ وَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ یُحَدَّ بِیَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ سُكُونٍ أَوْ یُوصَفَ بِطُولٍ أَوْ قِصَرٍ أَوْ تَبْلُغَهُ الْأَوْهَامُ أَوْ تُحِیطَ بِصِفَتِهِ الْعُقُولُ أَنْزَلَ مَوَاعِظَهُ وَ وَعْدَهُ وَ وَعِیدَهُ أَمَرَ بِلَا شَفَةٍ وَ لَا لِسَانٍ وَ لَكِنْ كَمَا شَاءَ أَنْ یَقُولَ كُنْ فَكَانَ خَیْراً كَمَا أَرَادَ فِی اللَّوْحِ.

«33»-ید، التوحید حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِیُّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِیمٍ قَالَ: وَصَفْتُ لِأَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَوْلَ هِشَامٍ الْجَوَالِیقِیِّ وَ مَا یَقُولُ فِی الشَّابِّ الْمُوفِقِ وَ وَصَفْتُ لَهُ قَوْلَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ(4)

ص: 300


1- ظهیر وزان زبیر، أورد النجاشیّ ترجمته فی ص 11 من رجاله، قال: إبراهیم بن الحكم ابن ظهیر الفزاری، أبو إسحاق صاحب التفسیر عن السدی، له كتب منها كتاب الملاحم و كتاب الخطب الخ. أقول: ظاهره كون الرجل امامیا.
2- فی نسخة من التوحید «جون» بدلا عن «جوین». و تقدم الحدیث بإسناد آخر تحت رقم 26، و فیه: عبد اللّٰه بن جریر العبدی. و الرجل لیس مذكورا فی كتب رجالنا.
3- هو قاسم بن یحیی و جده الحسن بن راشد.
4- یأتی الحدیث بإسناد آخر مفصلا تحت رقم 37.

بیان: المُوفِقُ هو الذی أعضاؤه موافقة لحسن الخلقة أو المستوی من قولهم أوفقت الإبل إذا اصطفت و استوت و قیل إنه تصحیف الریق أی ذا البهجة و البهاء و قیل هو تصحیف الموقّف بتقدیم القاف بمعنی المزیّن فإن الوقف سوار من عاج و وقّفت یدیها بالحناء نقّطتها و یحتمل أن یكون تصحیف المُونِق (1).

«34»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الْجِسْمِ وَ الصُّورَةِ فَكَتَبَ علیه السلام سُبْحَانَ مَنْ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ.

ید، التوحید العطار عن أبیه عن سهل عن بعض أصحابه مثله- ید، التوحید العطار عن أبیه عن سهل عن حمزة بن محمد إلی قوله شی ء- أقول رواه الكراجكی عن الحسین بن عبید اللّٰه الواسطی عن التلعكبری عن الكلینی عن محمد بن الحسن عن سهل.

«35»-ید، التوحید أَبِی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ (2) قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ یَرْوِی عَنْكُمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ جِسْمٌ صَمَدِیٌّ نُورِیٌّ مَعْرِفَتُهُ ضَرُورَةٌ یَمُنُّ بِهَا عَلَی مَنْ یَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ علیه السلام سُبْحَانَ مَنْ لَا یَعْلَمُ كَیْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (3)لَا یُحَدُّ وَ لَا یُحَسُّ وَ لَا یُجَسُّ وَ لَا یُمَسُّ وَ لَا یُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ وَ لَا یُحِیطُ بِهِ شَیْ ءٌ لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا تَخْطِیطٌ وَ لَا تَحْدِیدٌ.

بیان: معرفته ضرورة أی تقذف فی القلب من غیر اكتساب أو تحصل بالرویة تعالی اللّٰه عن ذلك و قد یؤول كلامه بأن مراده بالجسم الحقیقة العینیة القائمة بذاتها لا بغیرها و بالصمدی ما لا یكون خالیا فی ذاته عن شی ء فیستعد أن یدخل هو فیه أو مشتملا علی شی ء یصح علیه خروجه عنه و بالنوری ما یكون صافیا عن ظلم المواد و قابلیاتها بل عن الماهیة المغایرة للوجود و قابلیاتها له.

ص: 301


1- المونق: الحسن المعجب.
2- هو البطائنی الواقفی الضعیف، و قد ورد أحادیث كثیر فی ذمه.
3- و فی نسخة: و هو السمیع العلیم

«36»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنْ مُحَمَّدٍ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِی حَمَّادٍ (1) عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ (2) عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِیرَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِیَادٍ قَالَ سَمِعْتُ یُونُسَ بْنَ ظَبْیَانَ (3) یَقُولُ دَخَلْتُ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ یَقُولُ قَوْلًا عَظِیماً إِلَّا أَنِّی أَخْتَصِرُ لَكَ مِنْهُ أَحْرُفاً یَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لِأَنَّ الْأَشْیَاءَ شَیْئَانِ جِسْمٌ وَ فِعْلُ الْجِسْمِ فَلَا یَجُوزُ أَنْ یَكُونَ الصَّانِعُ بِمَعْنَی الْفِعْلِ وَ یَجُوزُ أَنْ یَكُونَ بِمَعْنَی الْفَاعِلِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَیْلَهُ أَ مَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ وَ الصُّورَةَ مَحْدُودَةٌ مُتَنَاهِیَةٌ فَإِذَا احْتَمَلَ الْحَدَّ احْتَمَلَ الزِّیَادَةَ وَ النُّقْصَانَ وَ إِذَا احْتَمَلَ الزِّیَادَةَ وَ النُّقْصَانَ كَانَ مَخْلُوقاً قَالَ قُلْتُ فَمَا أَقُولُ قَالَ علیه السلام لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ هُوَ مُجَسِّمُ الْأَجْسَامِ وَ مُصَوِّرُ الصُّوَرِ لَمْ یَتَجَزَّأْ وَ لَمْ یَتَنَاهَ وَ لَمْ یَتَزَایَدْ وَ لَمْ یَتَنَاقَصْ لَوْ كَانَ كَمَا یَقُولُ لَمْ یَكُنْ بَیْنَ الْخَالِقِ وَ الْمَخْلُوقِ فَرْقٌ وَ لَا بَیْنَ الْمُنْشِئِ وَ الْمُنْشَإِ لَكِنْ هُوَ الْمُنْشِئُ فَرْقٌ بَیْنَ مَنْ جَسَّمَهُ وَ صَوَّرَهُ وَ أَنْشَأَهُ إِذْ كَانَ لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ وَ لَا یُشْبِهُ هُوَ شَیْئاً.

إیضاح: استدل علیه السلام علی نفی جسمیته تعالی بأنه لو كان جسما لكان محدودا بحدود متناهیا إلیها لاستحالة لا تناهی الأبعاد و كل محتمل للحد قابل للانقسام بأجزاء متشاركة فی الاسم و الحد فله حقیقة كلیة غیر متشخصة بذاتها و لا موجودة بذاتها

ص: 302


1- قال النجاشیّ فی ص 140 من رجاله: صالح بن أبی حمّاد أبو الخیر الرازیّ، و اسم أبی الخیر زاذویه، لقی أبا الحسن العسكریّ علیه السلام و كان أمره ملبسا، یعرف و ینكر إلخ أقول: و حكی عن ابن الغضائری تضعیفه
2- ضعفه النجاشیّ و ابن الغضائری و العلامة و غیرهم.
3- قال العلامة فی القسم الثانی من الخلاصة: یونس ظبیان- بالظاء المعجمة المفتوحة، و الباء المنقطة تحتها نقطة، قبل الیاء و النون أخیرا- قال أبو عمرو الكشّیّ: قال الفضل بن شاذان فی بعض كتبه: الكذابون المشهورون: أبو الخطاب، و یونس بن ظبیان، و یزید الصائغ، و محمّد بن سنان، و أبو سمینة أشهرهم؛ و قال النجاشیّ: انه مولی، ضعیف جدا، لا یلتفت إلی ما رواه، كل كتبه تخلیط؛ قال ابن الغضائری: یونس بن ظبیان كوفیّ غال كذاب وضاع للحدیث، روی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام، فانا لا أعتمد علی روایته لقول هؤلاء المشایخ العظماء فیه.

أو هو مركب من أجزاء حال كل واحد منها ما ذكر فیكون مخلوقا أو بأن كل قابل للحد و النهایة قابل للزیادة و النقصان لا یتأبی عنهما فی حد ذاته و إن استقر علی حد معین فإنما استقر علیه من جهة جاعل ثم استدل علیه السلام بوجه آخر و هو ما یحكم به الوجدان من كون الموجد أعلی شأنا و أرفع قدرا من الموجد و عدم المشابهة و المشاركة بینهما و إلا فكیف یحتاج أحدهما إلی العلة دون الآخر و كیف صار هذا موجدا لهذا بدون العكس و یحتمل أن یكون المراد عدم المشاركة و المشابهة فیما یوجب الاحتیاج إلی العلة فیحتاج إلی علة أخری قوله فرق بصیغة المصدر أی الفرق حاصل بینه و بین من صوره و یمكن أن یقرأ علی الماضی المعلوم.

«37»-ید، التوحید عَلِیُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِیُّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ أَحْمَدَ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِیمٍ قَالَ: وَصَفْتُ لِأَبِی إِبْرَاهِیمَ علیه السلام قَوْلَ هِشَامٍ الْجَوَالِیقِیِّ وَ حَكَیْتُ لَهُ قَوْلَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ إِنَّهُ جِسْمٌ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ أَیُّ فُحْشٍ أَوْ خَنًا أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِ مَنْ یَصِفُ خَالِقَ الْأَشْیَاءِ بِجِسْمٍ أَوْ صُورَةٍ أَوْ بِخِلْقَةٍ أَوْ بِتَحْدِیدٍ وَ أَعْضَاءٍ تَعَالَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِیراً.

بیان: الخنا الفحش فی القول و یحتمل أن یكون التردید من الراوی.

«38»-ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْقَاسَانِیِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَیْهِ علیه السلام أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِی التَّوْحِیدِ قَالَ فَكَتَبَ علیه السلام سُبْحَانَ مَنْ لَا یُحَدُّ وَ لَا یُوصَفُ وَ لَا یُشْبِهُهُ شَیْ ءٌ وَ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ.

«39»-ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَرِیشٍ الرَّازِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الطَّیِّبِ یَعْنِی عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُمَا قَالا مَنْ قَالَ بِالْجِسْمِ فَلَا تُعْطُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَ لَا تُصَلُّوا وَرَاءَهُ.

«40»-نص، كفایة الأثر أَبُو الْمُفَضَّلِ الشَّیْبَانِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُطَوَّقِ بْنِ سَوَّارٍ عَنِ الْمُغِیرَةِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَلَّبِ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ حُمَیْدٍ عَنْ أَبِی هَاشِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ یَهُودِیٌّ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُقَالُ لَهُ نَعْثَلٌ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنِّی سَائِلُكَ عَنْ أَشْیَاءَ تَلَجْلَجُ فِی صَدْرِی مُنْذُ حِینٍ فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِی عَنْهَا أَسْلَمْتُ عَلَی یَدِكَ ب

ص: 303

قَالَ سَلْ یَا أَبَا عُمَارَةَ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ صِفْ لِی رَبَّكَ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ الْخَالِقَ لَا یُوصَفُ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَ كَیْفَ یُوصَفُ الْخَالِقُ الَّذِی یَعْجِزُ الْحَوَاسُّ أَنْ تُدْرِكَهُ وَ الْأَوْهَامُ أَنْ تَنَالَهُ وَ الْخَطَرَاتُ أَنْ تَحُدَّهُ وَ الْأَبْصَارُ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهِ جَلَّ عَمَّا یَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ نَأَی فِی قُرْبِهِ وَ قَرُبَ فِی نَأْیِهِ كَیَّفَ الْكَیْفِیَّةَ فَلَا یُقَالُ لَهُ كَیْفَ وَ أَیَّنَ الْأَیْنَ فَلَا یُقَالُ لَهُ أَیْنَ هُوَ مُنْقَطِعُ الْكَیْفُوفِیَّةِ وَ الْأَیْنُونِیَّةِ فَهُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَ الْوَاصِفُونَ لَا یَبْلُغُونَ نَعْتَهُ لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ قَالَ صَدَقْتَ یَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِكَ إِنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَبِیهَ لَهُ أَ لَیْسَ اللَّهُ وَاحِدٌ وَ الْإِنْسَانُ وَاحِدٌ فَوَحْدَانِیَّتُهُ أَشْبَهَتْ وَحْدَانِیَّةَ الْإِنْسَانِ فَقَالَ علیه السلام اللَّهُ وَاحِدٌ وَ أَحَدِیُّ الْمَعْنَی وَ الْإِنْسَانُ وَاحِدٌ ثَنَوِیُّ الْمَعْنَی جِسْمٌ وَ عَرَضٌ وَ بَدَنٌ وَ رُوحٌ فَإِنَّمَا التَّشْبِیهُ فِی الْمَعَانِی لَا غَیْرُ قَالَ صَدَقْتَ یَا مُحَمَّدُ.

«41»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ هِشَامِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْعَبَّاسِیِّ قَالَ: قُلْتُ لَهُ یَعْنِی أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ أَمَرَنِی بَعْضُ مَوَالِیكَ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ وَ مَنْ هُوَ قُلْتُ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ وَ فِی أَیِّ شَیْ ءٍ الْمَسْأَلَةُ قُلْتُ فِی التَّوْحِیدِ قَالَ وَ أَیُّ شَیْ ءٍ مِنَ التَّوْحِیدِ قَالَ یَسْأَلُكَ عَنْ اللَّهِ جِسْمٌ أَوْ لَا جِسْمٌ فَقَالَ لِی إِنَّ لِلنَّاسِ فِی التَّوْحِیدِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ إِثْبَاتٌ بِتَشْبِیهٍ وَ مَذْهَبُ النَّفْیِ وَ مَذْهَبُ إِثْبَاتٍ بِلَا تَشْبِیهٍ فَمَذْهَبُ الْإِثْبَاتِ بِتَشْبِیهٍ لَا یَجُوزُ وَ مَذْهَبُ النَّفْیِ لَا یَجُوزُ وَ الطَّرِیقُ فِی الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ إِثْبَاتٌ بِلَا تَشْبِیهٍ.

«42»-ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ یَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا یَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ صُورَةً مِثْلَ الْإِنْسَانِ وَ قَالَ آخَرُ إِنَّهُ فِی صُورَةِ أَمْرَدَ جَعْدٍ قَطَطٍ فَخَرَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام سَاجِداً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِی لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ لَا یُحِیطُ بِهِ عِلْمٌ لَمْ یَلِدْ لِأَنَّ الْوَلَدَ یُشْبِهُ أَبَاهُ وَ لَمْ یُولَدْ فَیُشْبِهَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ كُفُواً أَحَدٌ تَعَالَی عَنْ صِفَةِ مَنْ سِوَاهُ عُلُوّاً كَبِیراً.

بیان: الجعد ضد السبط قال الجزری فی صفة شعره علیه السلام لیس بالسبط

ص: 304

و لا الجعد القطط السبط من الشعر المنبسط المسترسل و القطط الشدیدة الجعودة.

«43»- كش، رجال الكشی مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُمِّیِّ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ عِیسَی (1) عَنْ إِسْكِیبِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَیْسَانِیِّ (2) عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ الْخَیَّاطِ (3) قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام أَسْأَلُكَ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ سَلْ یَا جَبَلِیُّ عَمَّا ذَا تَسْأَلُنِی فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زَعَمَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ صُورَةً وَ أَنَّ آدَمَ خُلِقَ عَلَی مِثَالِ الرَّبِّ فَیَصِفُ هَذَا وَ یَصِفُ هَذَا وَ أَوْمَأْتُ إِلَی جَانِبِی وَ شَعْرِ رَأْسِی وَ زَعَمَ یُونُسُ مَوْلَی آلِ یَقْطِینٍ وَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ أَنَّ اللَّهَ شَیْ ءٌ لَا كَالْأَشْیَاءِ وَ أَنَّ الْأَشْیَاءَ بَائِنَةٌ مِنْهُ وَ أَنَّهُ بَائِنٌ مِنَ الْأَشْیَاءِ وَ زَعَمَا أَنَّ إِثْبَاتَ الشَّیْ ءِ أَنْ یُقَالَ جِسْمٌ فَهُوَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ شَیْ ءٌ لَا كَالْأَشْیَاءِ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ غَیْرُ مَفْقُودٍ وَ لَا مَعْدُومٍ خَارِجٌ عَنِ الْحَدَّیْنِ حَدِّ الْإِبْطَالِ وَ حَدِّ التَّشْبِیهِ فَبِأَیِّ الْقَوْلَیْنِ أَقُولُ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَرَادَ هَذَا الْإِثْبَاتَ وَ هَذَا شَبَّهَ رَبَّهُ تَعَالَی بِمَخْلُوقٍ تَعَالَی اللَّهُ الَّذِی لَیْسَ لَهُ شِبْهٌ وَ لَا مِثْلٌ وَ لَا عِدْلٌ وَ لَا نَظِیرٌ وَ لَا هُوَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِینَ لَا تَقُلْ بِمِثْلِ مَا قَالَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ قُلْ بِمَا قَالَ مَوْلَی آلِ یَقْطِینٍ وَ صَاحِبْهُ قَالَ فَقُلْتُ یُعْطَی الزَّكَاةَ مَنْ خَالَفَ هِشَاماً فِی التَّوْحِیدِ فَقَالَ بِرَأْسِهِ لَا.

بیان: أراد هذا الإثبات أی یونس و هشام بن الحكم و لعله علیه السلام إنما صوب قولهما فی المعنی لا فی إطلاق لفظ الجسم علیه تعالی و یظهر مما زعما من أن إثبات الشی ء أن یقال جسم أن مرادهم بالجسم أعم من المعنی المصطلح كما مر.

ص: 305


1- الظاهر هو أبو جعفر السمان الهمدانیّ الذی قال النجاشیّ فی حقه: ضعفه القمیون بالغلو و كان ابن الولید یقول: إنّه كان یضع الحدیث و اللّٰه أعلم. أقول: حكی عن ابن الغضائری أیضا. تضعیفه و أنّه یروی عن الضعفاء، و یجوز أن یخرج شاهدا، تكلم القمیون فیه بالردّ. و استثنوا من نوادر الحكمة ما رواه.
2- لم نجد له ذكرا فی التراجم، و الموجود فی الكشّیّ: اسكیب بن عبدك الكیسانی.
3- لم نجد له ذكرا فی التراجم، نعم قال صاحب تنقیح المقال: عبد الملك بن هشام الحناط الجبلی روی عنه الكشّیّ مسندا عنه عن أبی الحسن الرضا علیه السلام روایة تأتی فی هشام بن سالم یظهر منها كونه من الشیعة المتدینین، بل یستشم من مجموع الروایة كونه مورد لطف الرضا علیه السلام فلاحظ و تدبر. انتهی. أقول: و أنت تری أن الروایة خالیة عما ذكره رحمه اللّٰه.

«44»-ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الصَّیْرَفِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُقْدَرُ قُدْرَتُهُ وَ لَا یَقْدِرُ الْعِبَادُ عَلَی صِفَتِهِ وَ لَا یَبْلُغُونَ كُنْهَ عِلْمِهِ وَ لَا مَبْلَغَ عَظَمَتِهِ وَ لَیْسَ شَیْ ءٌ غَیْرَهُ وَ هُوَ نُورٌ لَیْسَ فِیهِ ظُلْمَةٌ وَ صِدْقٌ لَیْسَ فِیهِ كَذِبٌ وَ عَدْلٌ لَیْسَ فِیهِ جَوْرٌ وَ حَقٌّ لَیْسَ فِیهِ بَاطِلٌ كَذَلِكَ لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ أَبَدَ الْآبِدِینَ وَ كَذَلِكَ كَانَ إِذْ لَمْ تَكُنْ أَرْضٌ وَ لَا سَمَاءٌ وَ لَا لَیْلٌ وَ لَا نَهَارٌ وَ لَا شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ وَ لَا نُجُومٌ وَ لَا سَحَابٌ وَ لَا مَطَرٌ وَ لَا رِیَاحٌ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَحَبَّ أَنْ یَخْلُقَ خَلْقاً یُعَظِّمُونَ عَظَمَتَهُ وَ یُكَبِّرُونَ كِبْرِیَاءَهُ وَ یُجِلُّونَ جَلَالَهُ فَقَالَ كُونَا ظِلَّیْنِ فَكَانَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی.

قال الصدوق رحمه اللّٰه معنی قوله هو نور أی هو منیر و هاد و معنی قوله كونا ظلین الروح المقدس و الملك المقرب و المراد به أن اللّٰه كان و لا شی ء معه فأراد أن یخلق أنبیاءه و حججه و شهداءه فخلق قبلهم الروح المقدس و هو الذی یؤید اللّٰه عز و جل به أنبیاءه و شهداءه و حججه صلوات اللّٰه علیهم و هو الذی یحرسهم به من كید الشیطان و وسواسه و یسددهم و یوفقهم و یمدهم بالخواطر الصادقة ثم خلق الروح الأمین الذی نزل علی أنبیائه بالوحی منه عز و جل و قال لهما كونا ظلین ظلیلین لأنبیائی و رسلی و حججی و شهدائی فكانا كما قال اللّٰه عز و جل ظلین ظلیلین لأنبیائه و رسله و حججه و شهدائه یعینهم بهما و ینصرهم علی أیدیهما و یحرسهم بهما و علی هذا المعنی قیل للسلطان العادل إنه ظل اللّٰه فی أرضه لعباده یأوی إلیه المظلوم و یأمن به الخائف الوجل و یأمن به السبل و ینتصر به الضعیف من القوی (1) و هذا هو سلطان اللّٰه و حجته التی لا تخلو الأرض منه إلی أن تقوم الساعة. (2)

ص: 306


1- و فی نسخة: و ینتصف به الضعیف من القوی.
2- ما ذكره الصدوق رحمه اللّٰه و ما أورده المصنّف فی البیان لا ینطبق شی ء منهما علی فقرات الروایة، و الذی یظهر من الروایات الواردة فی هذا اللسان أن المراد بقوله: لیس شی ء غیره: انّه الشی ء بحقیقة الشیئیة و الوجود كما یؤیده الفقرات التالیات. و المراد بالظلین: العالمین العلوی و السفلی و هو المعنی المناسب لقوله: لیس شی ء غیره. ط.

بیان: قوله علیه السلام: و لیس شی ء غیره أی كذلك أو كان كذلك حین لا شی ء غیره و یحتمل اتصاله بما بعده أی هو متصف بتلك الأوصاف المذكورة بعد ذلك لا شی ء غیره و قوله علیه السلام: كونا ظلین یحتمل أن یكون إشارة إلی خلق أرواح الثقلین فإن الظلال تطلق علی عالم الأرواح فی الأخبار كما سیأتی أو إلی الملائكة و أرواح البشر أو إلی نور محمد و علی صلوات اللّٰه علیهما أو نور محمد و نور أهل بیته علیهم السلام

وَ یُؤَیِّدُهُ مَا سَیَأْتِی فِی بَابِ بَدْءِ خَلْقِ أَرْوَاحِ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: كَانَ اللَّهُ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ فَأَوَّلُ مَا ابْتَدَأَ مِنْ خَلْقٍ خَلَقَهُ أَنْ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ خَلَقَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ مَعَهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ فَأَوْقَفَنَا أَظِلَّةً خَضْرَاءَ بَیْنَ یَدَیْهِ حَیْثُ لَا سَمَاءَ وَ لَا أَرْضَ وَ لَا مَكَانَ وَ لَا لَیْلَ وَ لَا نَهَارَ وَ لَا شَمْسَ وَ لَا قَمَرَ الْخَبَرَ.

وَ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ فَأَمَرَ نُورَیْنِ مِنْ نُورِهِ فَطَافَا حَوْلَ الْعَرْشِ سَبْعِینَ مَرَّةً فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ هَذَانِ نُورَانِ لِی مُطِیعَانِ فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً وَ الْأَصْفِیَاءَ مِنْ وُلْدِهِ علیه السلام.

وَ عَنِ الثُّمَالِیِّ قَالَ: دَخَلَتْ حَبَابَةُ الْوَالِبِیَّةُ (1) عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فَقَالَتْ أَخْبِرْنِی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَیَّ شَیْ ءٍ كُنْتُمْ فِی الْأَظِلَّةِ فَقَالَ علیه السلام كُنَّا نُوراً بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ قَبْلَ خَلْقِ خَلْقِهِ الْخَبَرَ.

و یحتمل أن یكون المراد بهما مادتی السماء و الأرض.

«45»-فس، تفسیر القمی أَبِی عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: قَالَ لِی یَا أَحْمَدُ مَا الْخِلَافُ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَ أَصْحَابِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِی التَّوْحِیدِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قُلْنَا نَحْنُ بِالصُّورَةِ لِلْحَدِیثِ الَّذِی رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَأَی رَبَّهُ فِی صُورَةِ شَابٍّ فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بِالنَّفْیِ بِالْجِسْمِ فَقَالَ یَا أَحْمَدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا أُسْرِیَ بِهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ بَلَغَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی خُرِقَ لَهُ فِی الْحُجُبِ مِثْلُ سَمِّ الْإِبْرَةِ فَرَأَی مِنْ نُورِ الْعَظَمَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ یَرَی وَ أَرَدْتُمْ أَنْتُمُ التَّشْبِیهَ دَعْ هَذَا یَا أَحْمَدُ لَا یَنْفَتِحُ عَلَیْكَ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِیمٌ.

بیان: بالنفی أی نفی الصورة مع القول بالجسم و المراد بالحجب إما الحجب المعنویة و بالرؤیة الرؤیة القلبیة أو الحجب الصوریة فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤیة عجائب خلقه.

ص: 307


1- الحبابة بفتح الحاء و تخفیف الباء.

«46»-سن، المحاسن مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ أَخْبَرَنِی الْأَشْعَثُ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ الرِّضَا علیه السلام عَنْ شَیْ ءٍ مِنَ التَّوْحِیدِ فَقَالَ أَ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اقْرَأْ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِكُ الْأَبْصارَ فَقَرَأْتُ فَقَالَ وَ مَا الْأَبْصَارُ قُلْتُ أَبْصَارُ الْعَیْنِ قَالَ لَا إِنَّمَا عَنَی الْأَوْهَامَ لَا تُدْرِكُ الْأَوْهَامُ كَیْفِیَّتَهُ وَ هُوَ یُدْرِكُ كُلَّ فَهْمٍ.

سن، المحاسن مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی عَنْ أَبِی هَاشِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ الْأَبْصَارُ هَاهُنَا أَوْهَامُ الْعِبَادِ وَ الْأَوْهَامُ أَكْثَرُ مِنَ الْأَبْصَارِ وَ هُوَ یُدْرِكُ الْأَوْهَامَ وَ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ.

بیان: كون الأوهام أكثر لأن البصر فی الشخص متحد و له واهمة و متفكرة و متخیلة و عاقلة و كثیرا ما یسلب عن الشخص البصر و تكون له تلك القوی و یحتمل أن یكون المراد بها أكثریة مدركاتها فإنها تدرك ما لا یدركه البصر أیضا.

«47»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الثُّمَالِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ لَا یُوصَفُ اللَّهُ بِمُحْكَمِ وَحْیِهِ عَظُمَ رَبُّنَا عَنِ الصِّفَةِ وَ كَیْفَ یُوصَفُ مَنْ لَا یُحَدُّ وَ هُوَ یُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ

بیان: أی دل محكم الآیات علی أنه لا یوصف كقوله تعالی لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ و قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أقول قد مرّ كثیر من الأخبار المناسبة لهذا الباب فی باب إثبات الصانع و باب النهی عن التفكر و سیأتی بعضها فی باب جوامع التوحید و باب احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی النصاری و باب الرؤیة.

ص: 308

باب 14 نفی الزمان و المكان و الحركة و الانتقال عنه تعالی و تأویل الآیات و الأخبار فی ذلك

«1»-لی، الأمالی للصدوق السِّنَانِیُّ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنْ عَمِّهِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُوصَفُ بِزَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ لَا حَرَكَةٍ وَ لَا انْتِقَالٍ وَ لَا سُكُونٍ بَلْ هُوَ خَالِقُ الزَّمَانِ وَ الْمَكَانِ وَ الْحَرَكَةِ وَ السُّكُونِ وَ الِانْتِقَالِ تَعَالَی عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِیراً.

«2»-شا، الإرشاد ج، الإحتجاج رُوِیَ أَنَّ بَعْضَ أَحْبَارِ الْیَهُودِ جَاءَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَی الْأُمَّةِ (1) فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ إِنَّا نَجِدُ فِی التَّوْرَاةِ أَنَّ خُلَفَاءَ الْأَنْبِیَاءِ أَعْلَمُ أُمَمِهِمْ فَخَبِّرْنِی عَنِ اللَّهِ أَیْنَ هُوَ فِی السَّمَاءِ هُوَ أَمْ فِی الْأَرْضِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فِی السَّمَاءِ عَلَی الْعَرْشِ قَالَ الْیَهُودِیُّ فَأَرَی الْأَرْضَ خَالِیَةً مِنْهُ فَأَرَاهُ عَلَی هَذَا الْقَوْلِ فِی مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ هَذَا كَلَامُ الزَّنَادِقَةِ اعْزُبْ عَنِّی وَ إِلَّا قَتَلْتُكَ فَوَلَّی الرَّجُلُ مُتَعَجِّباً یَسْتَهْزِئُ بِالْإِسْلَامِ فَاسْتَقْبَلَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا یَهُودِیُّ قَدْ عَرَفْتُ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ وَ مَا أُجِبْتَ بِهِ وَ إِنَّا نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَیَّنَ الْأَیْنَ فَلَا أَیْنَ لَهُ وَ جَلَّ مِنْ أَنْ یَحْوِیَهُ مَكَانٌ وَ هُوَ فِی كُلِّ مَكَانٍ بِغَیْرِ مُمَاسَّةٍ وَ لَا مُجَاوَرَةٍ یُحِیطُ عِلْماً بِمَا فِیهَا وَ لَا یَخْلُو شَیْ ءٌ مِنْ تَدْبِیرِهِ تَعَالَی وَ إِنِّی مُخْبِرُكَ بِمَا جَاءَ فِی كِتَابٍ مِنْ كُتُبِكُمْ یُصَدِّقُ بِمَا ذَكَرْتُهُ لَكَ فَإِنْ عَرَفْتَهُ أَ تُؤْمِنُ بِهِ قَالَ الْیَهُودِیُّ نَعَمْ قَالَ أَ لَسْتُمْ تَجِدُونَ فِی بَعْضِ كُتُبِكُمْ أَنَّ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ كَانَ ذَاتَ یَوْمٍ جَالِساً إِذْ جَاءَهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَشْرِقِ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَیْنَ جِئْتَ قَالَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَیْنَ جِئْتَ قَالَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَیْنَ جِئْتَ قَالَ قَدْ جِئْتُكَ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ جَاءَهُ مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ مِنْ أَیْنَ جِئْتَ قَالَ قَدْ جِئْتُكَ مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَی مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ مُوسَی علیه السلام سُبْحَانَ

ص: 309


1- فی نسخة: أنت خلیفة رسول هذه الأمة.

مَنْ لَا یَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَ لَا یَكُونُ إِلَی مَكَانٍ أَقْرَبَ مِنْ مَكَانٍ فَقَالَ الْیَهُودِیُّ أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِینُ وَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِمَقَامِ نَبِیِّكَ مِمَّنِ اسْتَوْلَی عَلَیْهِ.

بیان: عَزَبَ عنه یعزُبُ و یعزِبُ أی بعد و غاب و فسّر علیه السلام قوله و هو فی كل مكان بما ذكره بعده لیظهر أن المراد به الإحاطة بالعلم و التدبیر.

«3»-شا، الإرشاد ج، الإحتجاج رَوَی الشَّعْبِیُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام رَجُلًا یَقُولُ وَ الَّذِی احْتَجَبَ بِسَبْعِ طِبَاقٍ فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ (1) ثُمَّ قَالَ لَهُ یَا وَیْلَكَ إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ یَحْتَجِبَ عَنْ شَیْ ءٍ أَوْ یَحْتَجِبَ عَنْهُ شَیْ ءٌ سُبْحَانَ الَّذِی لَا یَحْوِیهِ مَكَانٌ وَ لَا یَخْفَی عَلَیْهِ شَیْ ءٌ فِی الْأَرْضِ وَ لَا فِی السَّمَاءِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَ فَأُكَفِّرُ عَنْ یَمِینِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ لَا لَمْ تَحْلِفْ بِاللَّهِ فَیَلْزَمَكَ الْكَفَّارَةُ (2) وَ إِنَّمَا حَلَفْتَ بِغَیْرِهِ.

«4»-ج، الإحتجاج فِی جَوَابِ أَسْئِلَةِ الزِّنْدِیقِ الْمُنْكِرِ لِلْقُرْآنِ- عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ مَعْنَی قَوْلِهِ هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ فَإِنَّمَا خَاطَبَ نَبِیَّنَا صلی اللّٰه علیه و آله هَلْ یَنْتَظِرُ الْمُنَافِقُونَ وَ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِكَةُ فَیُعَایِنُوهُمْ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ یَعْنِی بِذَلِكَ أَمْرَ رَبِّكَ وَ الْآیَةُ هِیَ الْعَذَابُ فِی دَارِ الدُّنْیَا كَمَا عَذَّبَ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ وَ الْقُرُونَ الْخَالِیَةَ وَ قَالَ أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها یَعْنِی بِذَلِكَ مَا یَهْلِكُ مِنَ الْقُرُونَ فَسَمَّاهُ إِتْیَاناً وَ قَوْلُهُ الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی یَعْنِی اسْتَوَی تَدْبِیرُهُ وَ عَلَا أَمْرُهُ وَ قَوْلُهُ وَ هُوَ الَّذِی فِی السَّماءِ إِلهٌ وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ وَ قَوْلُهُ وَ هُوَ مَعَكُمْ أَیْنَ ما كُنْتُمْ وَ قَوْلُهُ ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ اسْتِیلَاءَ أُمَنَائِهِ بِالْقُدْرَةِ الَّتِی رَكَّبَهَا فِیهِمْ عَلَی جَمِیعِ خَلْقِهِ وَ أَنَّ فِعْلَهُمْ فِعْلُهُ الْخَبَرَ.

ید، التوحید فِی هَذَا الْخَبَرِ وَ قَالَ فِی آیَةٍ أُخْرَی فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا یَعْنِی أَرْسَلَ عَلَیْهِمْ عَذَاباً وَ كَذَلِكَ إِتْیَانُهُ بُنْیَانَهُمْ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَتَی اللَّهُ بُنْیانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَإِتْیَانُهُ بُنْیَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ إِرْسَالُ الْعَذَابِ.

ص: 310


1- الدرة بكسر الدال و تشدید الراء: السوط.
2- فی شا: فیلزمك الكفّارة كفّارة الحنث.

تبیان قال البیضاوی هَلْ یَنْظُرُونَ أی ما ینتظرون یعنی أهل مكة و هم ما كانوا منتظرین لذلك و لكن لما كان یلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرین إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِكَةُ ملائكة الموت أو العذاب أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أی أمره بالعذاب أو كل آیة یعنی آیات القیامة و الهلاك الكلی لقوله أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ یعنی أشراط الساعة.(1) أقول لعله علیه السلام فسّر إتیان الرب بالقیامة و إتیان أمره تعالی بقیامها و إتیان بعض الآیات بنزول العذاب فی الدنیا و إتیان الملائكة بظهورهم عند الموت أو الأعم منه و من غیره.

و قال الطبرسی رحمه اللّٰه أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ أی نقصِدها نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها اختلف فی معناه علی أقوال أحدها أ و لم یر هؤلاء الكفار أنا ننقص أطراف الأرض بإماتة أهلها و ثانیها ننقصها بذهاب علمائها و فقهائها و خیار أهلها و ثالثها أن المراد نقصِد الأرض ننقصها من أطرافها بالفتوح علی المسلمین منها فننقص من أهل الكفر و نزید فی المسلمین یعنی ما دخل فی الإسلام من بلاد الشرك و رابعها أن معناه أ و لم یروا ما یحدث فی الدنیا من الخراب بعد العمارة و الموت بعد الحیاة و النقصان بعد الزیادة انتهی.

و أما ما ذكره علیه السلام أخیرا فی الخبر الأول فالظاهر تعلقه بالثلاثة الأخیرة فالمراد بالأولی نفوذ أمره تعالی فی السماء و الأرض و خلقه الملائكة و الحجج فیهما و إنفاذهم أمره تعالی فیهما و بالثانیة كون الملائكة و الحجج معهم شاهدین علیهم و كذا الثالثة.

«5»-ج، الإحتجاج عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَبِی إِبْرَاهِیمَ مُوسَی علیه السلام قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ قَوْمٌ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَنْزِلُ إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْیَا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا یَنْزِلُ وَ لَا یَحْتَاجُ إِلَی أَنْ یَنْزِلَ إِنَّمَا مَنْظَرُهُ فِی الْقُرْبِ وَ الْبُعْدِ سَوَاءٌ لَمْ یَبْعُدْ مِنْهُ قَرِیبٌ وَ لَمْ یَقْرُبْ مِنْهُ بَعِیدٌ وَ لَمْ یَحْتَجْ إِلَی شَیْ ءٍ بَلْ یُحْتَاجُ إِلَیْهِ وَ هُوَ ذُو الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ أَمَّا قَوْلُ الْوَاصِفِینَ إِنَّهُ یَنْزِلُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا یَقُولُ ذَلِكَ مَنْ یَنْسُبُهُ إِلَی نَقْصٍ أَوْ زِیَادَةٍ وَ كُلُّ مُتَحَرِّكٍ مُحْتَاجٌ إِلَی مَنْ یُحَرِّكُهُ أَوْ یَتَحَرَّكُ بِهِ فَمَنْ ظَنَّ بِاللَّهِ الظُّنُونَ

ص: 311


1- أشراط الساعة: علائمها.

فَقَدْ هَلَكَ وَ أَهْلَكَ فَاحْذَرُوا فِی صِفَاتِهِ مِنْ أَنْ تَقِفُوا لَهُ عَلَی حَدٍّ مِنْ نَقْصٍ أَوْ زِیَادَةٍ أَوْ تَحْرِیكٍ أَوْ تَحَرُّكٍ أَوْ زَوَالٍ أَوِ اسْتِنْزَالٍ أَوْ نُهُوضٍ أَوْ قُعُودٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِینَ وَ نَعْتِ النَّاعِتِینَ وَ تَوَهُّمِ الْمُتَوَهِّمِینَ.

ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَیَّاشٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِیِّ مِثْلَهُ وَ زَادَ فِی آخِرِهِ وَ تَوَكَّلْ عَلَی الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ الَّذِی یَراكَ حِینَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِی السَّاجِدِینَ

بیان: إنما منظره أی نظره و علمه و إحاطته بأن یكون مصدرا میمیا أو ما ینظر إلیه فی القرب و البعد منه سواء أی لا یختلف اطلاعه علی الأشیاء بالقرب و البعد لأن القرب و البعد إنما یجریان فی المكانی بالنسبة إلی المكان و هو سبحانه متعال عن المكان و الطول الفضل و الإنعام.

قوله فإنما یقول ذلك من ینسبه إلی نقص أی النزول المكانی إنما یتصور فی المتحیز و كل متحیز موصوف بالتقدر و كل متقدر متصف بالنقص عما هو أزید منه و بالزیادة علی ما هو أنقص منه أو یكون فی نفسه قابلا للزیادة و النقصان و الوجوب الذاتی ینافی ذلك لاستلزامه التجزؤ و الانقسام المستلزمین للإمكان و أیضا كل متحرك محتاج إلی من یحركه أو یتحرك به لأن المتحرك إما جسم أو متعلق بالجسم و الجسم المتحرك لا بد له من محرك لأنه لیس یتحرك بجسمیته و المتعلق بالجسم لا بد له فی تحركه من جسم یتحرك به و هو سبحانه منزه عن الاحتیاج إلی المتحرك و عن التغیر بمغیر و عن التعلق بجسم یتحرك به و یحتمل أن یكون المراد بالأول الحركة القسریة و بالثانی ما یشمل الإرادیة و الطبیعیة بأن یكون المراد بقوله من یتحرك به ما یتحرك به من طبیعة أو نفس.

و قوله من أن تقفوا من وقف یقف أی أن تقوموا فی الوصف له و توصیفه علی حد فتحدونه بنقص أو زیادة و یحتمل أن یكون من قفا یقفو أی أن تتبعوا له فی البحث عن صفاته تتبعا علی حد تحدونه بنقص أو زیادة و قوله حین تقوم أی إلی التهجد أو إلی الخیرات أو إلی الأمور كلها و تقلبك فی الساجدین أی ترددك و حركاتك فیما بین المصلین بالقیام و القعود و الركوع و السجود.

ص: 312

«6»-ج، الإحتجاج عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ السُّلَمِیُّ أَبَا إِبْرَاهِیمَ مُوسَی بْنَ جَعْفَرٍ علیهما السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّی فَكانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی فَقَالَ أَرَی هَاهُنَا خُرُوجاً مِنْ حُجُبٍ وَ تَدَلِّیاً إِلَی الْأَرْضِ وَ أَرَی مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله رَأَی رَبَّهُ بِقَلْبِهِ وَ نُسِبَ إِلَی بَصَرِهِ وَ كَیْفَ هَذَا فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِیمَ علیه السلام دَنا فَتَدَلَّی فَإِنَّهُ لَمْ یدل [یَتَدَلَ عَنْ مَوْضِعٍ وَ لَمْ یَتَدَلَّ بِبَدَنٍ فَقَالَ عَبْدُ الْغَفَّارِ أَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ حَیْثُ قَالَ دَنا فَتَدَلَّی فَلَمْ یَتَدَلَّ عَنْ مَجْلِسِهِ إِلَّا قَدْ زَالَ عَنْهُ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَصِفْ بِذَلِكَ نَفْسَهُ فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِیمَ علیه السلام إِنَّ هَذِهِ لُغَةٌ فِی قُرَیْشٍ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ أَنْ یَقُولَ قَدْ سَمِعْتُ یَقُولُ قَدْ تَدَلَّیْتُ وَ إِنَّمَا التَّدَلِّی الْفَهْمُ.

بیان: التدلی القرب و النزول من علو و الامتداد إلی جهة السفل و یكون من التدلل بمعنی الغنج و ما ذكره علیه السلام أن المراد به الفهم فهو علی المجاز لأن من یرید فهم شی ء یتدلی إلی القائل لیسمعه و یفهمه ثم اعلم أنه قد اختلف فی تفسیر هذه الآیة علی وجوه.

الأول أن تكون الضمائر راجعة إلی جبرئیل علیه السلام فالمعنی وَ هُوَ أی جبرئیل بِالْأُفُقِ الْأَعْلی أفق السماء ثُمَّ دَنا من النبی صلی اللّٰه علیه و آله فَتَدَلَّی أی تعلق به و هو تمثیل لعروجه بالرسول صلی اللّٰه علیه و آله أو تدلی من الأفق الأعلی فدنا من الرسول فیكون إشعارا بأنه عرج به غیر منفصل عن محله و تقریرا لشدة قوته و قیل المعنی قرب فاشتد قربه فَكانَ البعد بینهما قابَ قَوْسَیْنِ أی قدرهما أَوْ أَدْنی و المقصود تمثیل ملكة الاتصال و تحقیق استماعه لما أوحی إلیه بنفی البعد الملبس.

الثانی أن تكون الضمائر راجعة إلی محمد صلی اللّٰه علیه و آله أی ثُمَّ دَنا محمد من الخلق و الأمة و صار كواحد منهم فَتَدَلَّی إلیهم بالقول اللین و الدعاء الرفیق فالحاصل أنه صلی اللّٰه علیه و آله استوی و كمل فدنا من الخلق بعد علوه و تدلی إلیهم و بلغ الرسالة.

الثالث أن تكون الضمائر راجعة إلی اللّٰه تعالی فیكون دنوه كنایة عن رفع مكانته و تدلیه عن جذبه بشراشره إلی جناب القدس و الحاصل أنه مؤول بالدنو المعنوی و التقرب و المعرفة و اللطف علی ما یؤول حدیث من تقرب إلی شبرا تقربت

ص: 313

إلیه ذراعا و قیل الدنو منه صلی اللّٰه علیه و آله و هو كنایة عن عظم قدره حیث انتهی إلی حیث لم ینته إلیه أحد و التدلی منه تعالی كنایة عن غایة لطفه و رحمته.

«7»-لی، الأمالی للصدوق ید، التوحید ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام الدَّقَّاقُ عَنِ الصُّوفِیِّ عَنِ الرُّویَانِیِّ عَنْ عَبْدِ الْعَظِیمِ الْحَسَنِیِّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَبِی مَحْمُودٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا علیه السلام یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِی الْحَدِیثِ الَّذِی یَرْوِیهِ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَنْزِلُ كُلَّ لَیْلَةٍ إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْیَا فَقَالَ علیه السلام لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَرِّفِینَ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ اللَّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَذَلِكَ إِنَّمَا قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یُنْزِلُ مَلَكاً إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْیَا كُلَّ لَیْلَةٍ فِی الثُّلُثِ الْأَخِیرِ وَ لَیْلَةَ الْجُمُعَةِ فِی أَوَّلِ اللَّیْلِ فَیَأْمُرُهُ فَیُنَادِی هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِیَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَیْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ یَا طَالِبَ الْخَیْرِ أَقْبِلْ یَا طَالِبَ الشَّرِّ أَقْصِرْ فَلَا یَزَالُ یُنَادِی بِهَذَا إِلَی أَنْ یَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَ إِلَی مَحَلِّهِ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ(1) حَدَّثَنِی بِذَلِكَ أَبِی عَنْ جَدِّی عَنْ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله.

ج، الإحتجاج مرسلا مثله بیان الظاهر أن مراده علیه السلام تحریفهم لفظ الخبر و یحتمل أن یكون المراد تحریفهم معناه بأن یكون المراد بنزوله تعالی إنزال ملائكته مجازا- ع، علل الشرائع السنانی و الدقاق و المكتب و الوراق عن الأسدی مثله.

«8»-لی، الأمالی للصدوق السِّنَانِیُّ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ دِینَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ زَیْنَ الْعَابِدِینَ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام عَنِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ هَلْ یُوصَفُ بِمَكَانٍ فَقَالَ تَعَالَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ قُلْتُ فَلِمَ أُسْرِیَ نَبِیُّهُ مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی السَّمَاءِ قَالَ لِیُرِیَهُ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ وَ مَا فِیهَا مِنْ عَجَائِبِ صُنْعِهِ وَ بَدَائِعِ خَلْقِهِ قُلْتُ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّی فَكانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی قَالَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَنَا مِنْ حُجُبِ النُّورِ فَرَأَی مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ ثُمَّ تَدَلَّی صلی اللّٰه علیه و آله فَنَظَرَ مِنْ تَحْتِهِ إِلَی مَلَكُوتِ الْأَرْضِ حَتَّی ظَنَّ أَنَّهُ فِی الْقُرْبِ مِنَ الْأَرْضِ كَقَابِ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی.

ص: 314


1- الملكوت: الملك العظیم، العز و السلطان. و الملكوت السماوی: هو محل القدیسین فی السماء.

«9»-فس، تفسیر القمی أَبِی عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِیزٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَنْزِلُ كُلَّ لَیْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَی سَمَاءِ الدُّنْیَا مِنْ أَوَّلِ اللَّیْلِ وَ فِی كُلِّ لَیْلَةٍ فِی الثُّلُثِ الْأَخِیرِ وَ أَمَامَهُ مَلَكٌ یُنَادِی هَلْ مِنْ تَائِبٍ یُتَابُ عَلَیْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَیُغْفَرَ لَهُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَیُعْطَی سُؤْلَهُ اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُنْفِقٍ خَلَفاً (1) وَ كُلَّ مُمْسِكٍ تَلَفاً فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَ الرَّبُّ إِلَی عَرْشِهِ فَیُقَسِّمُ الْأَرْزَاقَ بَیْنَ الْعِبَادِ ثُمَّ قَالَ لِلْفُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ یَا فُضَیْلُ نَصِیبَكَ مِنْ ذَلِكَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَهُوَ یُخْلِفُهُ إِلَی قَوْلِهِ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ

بیان: نزوله تعالی كنایة عن تنزله عن عرش العظمة و الجلال و أنه مع غنائه عنهم من جمیع الوجوه یخاطبهم بما یخاطب به من یحتاج إلی غیره تلطفا و تكرما و عوده إلی عرشه عن توجهه تعالی إلی شئون أخر یفعله الملوك إذا تمكنوا علی عرشهم قوله علیه السلام: نصیبك أی خذ نصیبك من هذا الخیر و لا تغفل عنه.

«10»-ع، علل الشرائع الْمُكَتِّبُ وَ الْوَرَّاقُ وَ الْهَمَذَانِیُّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ یَحْیَی بْنِ أَبِی عِمْرَانَ وَ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِیِّ عَنْ یُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی الْحَسَنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیهما السلام لِأَیِّ عِلَّةٍ عَرَجَ اللَّهُ بِنَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی السَّمَاءِ وَ مِنْهَا إِلَی سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی وَ مِنْهَا إِلَی حُجُبِ النُّورِ وَ خَاطَبَهُ وَ نَاجَاهُ هُنَاكَ وَ اللَّهُ لَا یُوصَفُ بِمَكَانٍ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ لَا یُوصَفُ بِمَكَانٍ وَ لَا یَجْرِی عَلَیْهِ زَمَانٌ وَ لَكِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَرَادَ أَنْ یُشَرِّفَ بِهِ مَلَائِكَتَهُ وَ سُكَّانَ سَمَاوَاتِهِ وَ یُكْرِمَهُمْ بِمُشَاهَدَتِهِ وَ یُرِیَهُ مِنْ عَجَائِبِ عَظَمَتِهِ مَا یُخْبِرُ بِهِ بَعْدَ هُبُوطِهِ وَ لَیْسَ ذَلِكَ عَلَی مَا یَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ تَعَالَی عَمَّا یَصِفُونَ.

ید، التوحید علی بن الحسین بن الصلت عن محمد بن أحمد بن علی بن الصلت عن عمه عبد اللّٰه بن الصلت عن یونس مثله.

«11»-ع، علل الشرائع أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عُیَیْنَةَ (2)عَنْ حَبِیبٍ السِّجِسْتَانِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّی فَكانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی فَأَوْحی إِلی عَبْدِهِ ما أَوْحی فَقَالَ لِی یَا حَبِیبُ لَا تَقْرَأْ هَكَذَا

ص: 315


1- الخلف: البدل و العوض.
2- لم نجد له ذكرا فی التراجم.

اقْرَأْ ثُمَّ دَنَا فَتَدَانَی فَكَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَی عَبْدِهِ یَعْنِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ما أَوْحی یَا حَبِیبُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِی عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الشُّكْرِ لِنِعَمِهِ فِی الطَّوَافِ بِالْبَیْتِ وَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام مَعَهُ فَلَمَّا غَشِیَهُمُ اللَّیْلُ انْطَلَقَا إِلَی الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ یُرِیدَانِ السَّعْیَ قَالَ فَلَمَّا هَبَطَا مِنَ الصَّفَا إِلَی الْمَرْوَةِ وَ صَارَا فِی الْوَادِی دُونَ الْعَلَمِ الَّذِی رَأَیْتَ غَشِیَهُمَا مِنَ السَّمَاءِ نُورٌ فَأَضَاءَتْ لَهُمَا جِبَالُ مَكَّةَ وَ خَسَأَتْ أَبْصَارُهُمَا (1) قَالَ فَفَزِعَا لِذَلِكَ فَزَعاً شَدِیداً قَالَ فَمَضَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی ارْتَفَعَ مِنَ الْوَادِی وَ تَبِعَهُ عَلِیٌّ علیه السلام فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِرُمَّانَتَیْنِ عَلَی رَأْسِهِ قَالَ فَتَنَاوَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَی مُحَمَّدٍ یَا مُحَمَّدُ إِنَّهَا مِنْ قِطْفِ الْجَنَّةِ فَلَا یَأْكُلْ مِنْهَا إِلَّا أَنْتَ وَ وَصِیُّكَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِحْدَاهُمَا وَ أَكَلَ عَلِیٌّ علیه السلام الْأُخْرَی ثُمَّ أَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَی مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أَوْحَی قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام یَا حَبِیبُ وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْری عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهی عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوی یَعْنِی عِنْدَهَا وَافَی بِهِ جَبْرَئِیلُ حِینَ صَعِدَ إِلَی السَّمَاءِ قَالَ فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی مَحَلِّ السِّدْرَةِ وَقَفَ جَبْرَئِیلُ دُونَهَا وَ قَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذَا مَوْقِفِیَ الَّذِی وَضَعَنِیَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِیهِ وَ لَنْ أَقْدِرَ عَلَی أَنْ أَتَقَدَّمَهُ وَ لَكِنِ امْضِ أَنْتَ أَمَامَكَ إِلَی السِّدْرَةِ فَوَقَفَ عِنْدَهَا قَالَ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی السِّدْرَةِ وَ تَخَلَّفَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام إِنَّمَا سُمِّیَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَی لِأَنَّ أَعْمَالَ أَهْلِ الْأَرْضِ تَصْعَدُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ الْحَفَظَةُ إِلَی مَحَلِّ السِّدْرَةِ وَ الْحَفَظَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ دُونَ السِّدْرَةِ یَكْتُبُونَ مَا تَرْفَعُ إِلَیْهِمُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فِی الْأَرْضِ قَالَ فَیَنْتَهُونَ بِهَا إِلَی مَحَلِّ السِّدْرَةِ قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَرَأَی أَغْصَانَهَا تَحْتَ الْعَرْشِ وَ حَوْلَهُ قَالَ فَتَجَلَّی لِمُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله نُورُ الْجَبَّارِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَمَّا غَشِیَ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله النُّورُ شَخَصَ بِبَصَرِهِ وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ قَالَ فَشَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِمُحَمَّدٍ قَلْبَهُ وَ قَوَّی لَهُ بَصَرَهُ حَتَّی رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ مَا رَأَی وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْری عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهی عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوی قَالَ یَعْنِی الْمُوَافَاةَ قَالَ فَرَأَی مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله مَا رَأَی بِبَصَرِهِ مِنْ آیاتِ رَبِّهِ الْكُبْری یَعْنِی أَكْبَرَ الْآیَاتِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام وَ إِنَّ غِلَظَ السِّدْرَةِ بِمَسِیرَةِ مِائَةِ عَامٍ مِنْ أَیَّامِ الدُّنْیَا وَ إِنَ

ص: 316


1- خسأ البصر: كل و أعیا.

الْوَرَقَةَ مِنْهَا تُغَطِّی أَهْلَ الدُّنْیَا وَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَلَائِكَةً وَكَّلَهُمْ بِنَبَاتِ الْأَرْضِ مِنَ الشَّجَرِ وَ النَّخْلِ فَلَیْسَ مِنْ شَجَرَةٍ وَ لَا نَخْلَةٍ إِلَّا وَ مَعَهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَلَكٌ یَحْفَظُهَا وَ مَا كَانَ فِیهَا وَ لَوْ لَا أَنَّ مَعَهَا مَنْ یَمْنَعُهَا لَأَكَلَهَا السِّبَاعُ وَ هَوَامُّ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ فِیهَا ثَمَرُهَا قَالَ وَ إِنَّمَا نَهَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَضْرِبَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِینَ خَلَاهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ قَدْ أَثْمَرَتْ لِمَكَانِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِینَ بِهَا قَالَ وَ لِذَلِكَ یَكُونُ الشَّجَرُ وَ النَّخْلُ أُنْساً إِذَا كَانَ فِیهِ حَمْلُهُ (1) لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحْضُرُهُ.

إیضاح: القطف بالكسر اسم للثمار المقطوعة من أصولها و شخوص البصر فتحه بحیث لا یطرف و الفریصة ودج العنق و اللحمة بین الجنب و الكتف لا تزال ترعد.

«12»-فس، تفسیر القمی قَوْلُهُ وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلی یَعْنِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ دَنا یَعْنِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَتَدَلَّی قَالَ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ دَنَا فَتَدَانَی فَكَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ قَالَ كَانَ مِنَ اللَّهِ كَمَا بَیْنَ مَقْبِضِ الْقَوْسِ إِلَی رَأْسِ السِّیَةِ أَوْ أَدْنی (2) قَالَ بَلْ أَدْنَی مِنْ ذَلِكَ فَأَوْحی إِلی عَبْدِهِ ما أَوْحی قَالَ وَحْیَ الْمُشَافَهَةِ.

تبیین: قال الجوهری تقول بینهما قاب قوس و قیب قوس و قاد قوس و قید قوس أی قدر قوس و القاب ما بین المقبض و السیة و لكل قوس قابان و قال بعضهم فی قوله تعالی فَكانَ قابَ قَوْسَیْنِ أراد قابی قوس فغلبه.

«13»-ل، الخصال فِی مَسَائِلِ الْیَهُودِیِّ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ لَهُ فَرَبُّكَ یَحْمِلُ أَوْ یُحْمَلُ قَالَ إِنَّ رَبِّی عَزَّ وَ جَلَّ یَحْمِلُ كُلَّ شَیْ ءٍ بِقُدْرَتِهِ وَ لَا یَحْمِلُهُ شَیْ ءٌ قَالَ فَكَیْفَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ یَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمانِیَةٌ قَالَ یَا یَهُودِیُّ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّری فَكُلُّ شَیْ ءٍ عَلَی الثَّرَی وَ الثَّرَی عَلَی الْقُدْرَةِ وَ الْقُدْرَةُ تَحْمِلُ كُلَّ شَیْ ءٍ الْخَبَرَ.

«14»-ید، التوحید ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام تَمِیمٌ الْقُرَشِیُّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِیٍّ الْأَنْصَارِیِّ عَنِ الْهَرَوِیِّ قَالَ: سَأَلَ الْمَأْمُونُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی الرِّضَا علیهما السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَكُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

ص: 317


1- و فی نسخة: و لذلك یكون للشجر و النخل انسا إذا كان فیه حمله.
2- سیة القوس بكسر السین: ما عطف من طرفیها.

فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْعَرْشَ وَ الْمَاءَ وَ الْمَلَائِكَةَ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَدِلُّ بِأَنْفُسِهَا وَ بِالْعَرْشِ وَ الْمَاءِ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ جَعَلَ عَرْشَهُ عَلَی الْمَاءِ لِیُظْهِرَ بِذَلِكَ قُدْرَتَهُ لِلْمَلَائِكَةِ فَتَعْلَمَ أَنَّهُ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ ثُمَّ رَفَعَ الْعَرْشَ بِقُدْرَتِهِ وَ نَقَلَهُ وَ جَعَلَهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ هُوَ مُسْتَوْلٍ عَلَی عَرْشِهِ وَ كَانَ قَادِراً عَلَی أَنْ یَخْلُقَهَا فِی طَرْفَةِ عَیْنٍ وَ لَكِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَهَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ لِیَظْهَرَ لِلْمَلَائِكَةِ مَا یَخْلُقُهُ مِنْهَا شَیْئاً بَعْدَ شَیْ ءٍ فَیُسْتَدَلَّ بِحُدُوثِ مَا یَحْدُثُ عَلَی اللَّهِ تَعَالَی ذِكْرُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَ لَمْ یَخْلُقِ اللَّهُ الْعَرْشَ لِحَاجَةٍ بِهِ إِلَیْهِ لِأَنَّهُ غَنِیٌّ عَنِ الْعَرْشِ وَ عَنْ جَمِیعِ مَا خَلَقَ لَا یُوصَفُ بِالْكَوْنِ عَلَی الْعَرْشِ لِأَنَّهُ لَیْسَ بِجِسْمٍ تَعَالَی عَنْ صِفَةِ خَلْقِهِ عُلُوّاً كَبِیراً.

«15»-ید، التوحید مع، معانی الأخبار ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام الْمُعَاذِیُّ عَنْ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِیِّ (1)عَنْ عَلِیِّ بْنِ فَضَّالٍ (2)عَنْ أَبِیهِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُوصَفُ بِمَكَانٍ یَحُلُّ فِیهِ فَیُحْجَبَ عَنْهُ فِیهِ عِبَادُهُ وَ لَكِنَّهُ یَعْنِی أَنَّهُمْ عَنْ ثَوَابِ رَبِّهِمْ مَحْجُوبُونَ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یُوصَفُ بِالْمَجِی ءِ وَ الذَّهَابِ تَعَالَی عَنِ الِانْتِقَالِ إِنَّمَا یَعْنِی بِذَلِكَ وَ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ الْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً

ص: 318


1- هو أحمد بن محمّد بن سعید السبیعی الهمدانیّ الحافظ، المكنی بأبی العباس، المعروف بابن عقدة، كان كوفیا زیدیا جارودیا ثقة، تقدم ترجمته مفصلا
2- هو علیّ بن الحسن بن علیّ بن فضال بن عمر بن أیمن مولی عكرمة بن ربعی الفیاض أبو الحسن كان فقیه أصحابنا بالكوفة، و وجههم و ثقتهم و عارفهم بالحدیث و المسموع قوله فیه، سمع منه شیئا كثیرا و لم یعثر له علی زلة فیه و لا ما یشینه، و قل ما روی عن ضعیف، و كان فطحیا، و لم یرو عن أبیه شیئا، و قال: كنت اقابله- و سنی ثمان عشرة سنة- بكتبه، و لا أفهم إذ ذاك الروایات، و لا أستحل أن أرویها عنه، و روی عن أخویه عن أبیهما، و ذكر أحمد بن الحسین رحمه اللّٰه أنّه رأی نسخة أخرجها أبو جعفر بن بابویه، و قال: حدّثنا محمّد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی، قال: حدّثنا أحمد بن سعید، قال: حدّثنا علیّ بن الحسن بن فضال، عن أبیه، عن الرضا علیه السلام، و لا یعرف الكوفیون هذه النسخة، و لا رویت من غیر هذا الطریق. قاله النجاشیّ و عدّ له كتبا كثیرة.

قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ یَأْتِیَهُمُ اللَّهُ فِی ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ قَالَ یَقُولُ هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ یَأْتِیَهُمْ بِالْمَلَائِكَةِ فِی ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَ هَكَذَا نَزَلَتْ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ یُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یَسْخَرُ وَ لَا یَسْتَهْزِئُ وَ لَا یَمْكُرُ وَ لَا یُخَادِعُ وَ لَكِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یُجَازِیهِمْ جَزَاءَ السُّخْرِیَّةِ وَ جَزَاءَ الِاسْتِهْزَاءِ وَ جَزَاءَ الْمَكْرِ وَ الْخَدِیعَةِ تَعَالَی اللَّهُ عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِیراً.

ج، الإحتجاج مرسلا عنه علیه السلام بیان قال الزمخشری فی الآیة الأولی كونهم محجوبین عنه تمثیل للاستخفاف بهم و إهانتهم لأنه لا یؤذن علی الملوك إلا للمكرمین لدیهم و لا یحجب عنهم إلا المهانون عندهم و قال الرازی فی الآیة الثانیة اعلم أنه ثبت بالدلیل العقلی أن الحركة علی اللّٰه محال لأن كل ما كان كذلك كان جسما و الجسم مستحیل أن یكون أزلیا فلا بد فیه من التأویل و هو أن هذا من باب حذف المضاف و إقامة المضاف إلیه مقامه ثم ذلك المضاف ما هو فیه وجوه.

أحدها و جاء أمر ربك للمحاسبة و المجازات و ثانیها و جاء قهر ربك كما یقال جاءتنا بنو أمیة أی قهرهم و ثالثها و جاء جلائل آیات ربك لأن هذا یكون یوم القیامة و فی ذلك الیوم تظهر العظام و جلائل الآیات فجعل مجیئها مجیئا له تفخیما لشأن تلك الآیات و رابعها و جاء ظهوره و ذلك لأن معرفة اللّٰه تصیر ذلك الیوم ضروریة فصار ذلك كظهوره و تجلیه للخلق فقال و جاء ربك أی زالت الشبه و ارتفعت الشكوك و خامسها أن هذا تمثیل لظهور آیات اللّٰه و تبیین آثار قهره و سلطانه مثلت حاله فی ذلك بحال الملك إذا ظهر بنفسه فإنه یظهر بمجرد حضوره من آثار الهیبة و السیاسة ما لا یظهر بحضور عساكره كلها و سادسها أن الرب المربی فلعل ملكا هو أعظم الملائكة هو مرب للنبی صلی اللّٰه علیه و آله جدا فكان هو المراد من قوله وَ جاءَ رَبُّكَ و قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی الآیة الثالثة أی هل ینتظر هؤلاء المكذبون بآیات اللّٰه

ص: 319

إلا أن یأتیهم أمر اللّٰه أی عذاب اللّٰه و ما توعدهم به علی معصیته فی ستر من السحاب و قیل قطع من السحاب و هذا كما یقال قتل الأمیر فلانا و ضربه و أعطاه و إن لم یتول شیئا من ذلك بنفسه بل فعل بأمره فأسند إلیه لأمره به و قیل معناه ما ینتظرون إلا أن تأتیهم جلائل آیات اللّٰه غیر أنه ذكر نفسه تفخیما للآیات كما یقال دخل الأمیر البلد و یراد بذلك جنده و إنما ذكر الغمام لیكون أهول فإن الأهوال تشبه بظلل الغمام كما قال سبحانه وَ إِذا غَشِیَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ و قال الزجاج معناه یأتیهم اللّٰه بما وعدهم من العذاب و الحساب كما قال فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا أی أتاهم بخذلانه إیاهم و الأقوال متقاربة و قد یقال أتی و جاء فیما لا یجوز علیه المجی ء و الذهاب یقال أتانی وعید فلان و جاءنی كلام فلان و أتانی حدیثه و لا یراد به الإتیان الحقیقی ثم قال و قرأ أبو جعفر الملائكة بالجر قال و قیل معنی الآیة إلا أن یأتیهم اللّٰه بظلل من الغمام أی بجلائل آیاته و بالملائكة انتهی أقول علی قراءته علیه السلام لا یحتاج إلی شی ء من هذه التأویلات.

«16»-ج، الإحتجاج عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ فِی جَوَابِ الْیَهُودِیِّ الَّذِی سَأَلَ عَنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ أُسْرِیَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَی الْمَسْجِدِ الْأَقْصَی مَسِیرَةَ شَهْرٍ وَ عُرِجَ بِهِ فِی مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ مَسِیرَةَ خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ فِی أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ لَیْلَةٍ حَتَّی انْتَهَی إِلَی سَاقِ الْعَرْشِ فَدَنَا بِالْعِلْمِ فَتَدَلَّی فَدُلِّیَ لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ رَفْرَفٌ أَخْضَرُ وَ غَشِیَ النُّورُ بَصَرَهُ فَرَأَی عَظَمَةَ رَبِّهِ بِفُؤَادِهِ وَ لَمْ یَرَهَا بِعَیْنِهِ فَكَانَ كَقَابِ قَوْسَیْنِ بَیْنَهَا وَ بَیْنَهُ أَوْ أَدْنَی الْخَبَرَ.

بیان: الضمیر فی قوله بینها راجع إلی الجنة و رجوعه إلی العظمة بعید.

«17»-ید، التوحید ع، علل الشرائع ابْنُ عِصَامٍ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمِیمِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِی سَیِّدَ الْعَابِدِینَ علیه السلام فَقُلْتُ لَهُ یَا أَبَتِ أَخْبِرْنِی عَنْ جَدِّنَا رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِخَمْسِینَ صَلَاةً كَیْفَ لَمْ یَسْأَلْهُ التَّخْفِیفَ عَنْ أُمَّتِهِ حَتَّی قَالَ لَهُ مُوسَی بْنُ عِمْرَانَ علیه السلام ارْجِعْ إِلَی رَبِّكَ

ص: 320

فَاسْأَلِ التَّخْفِیفَ(1) فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِیقُ ذَلِكَ فَقَالَ یَا بُنَیَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ لَا یَقْتَرِحُ (2) عَلَی رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَا یُرَاجِعُهُ فِی شَیْ ءٍ یَأْمُرُهُ بِهِ فَلَمَّا سَأَلَهُ مُوسَی علیه السلام ذَلِكَ فَكَانَ شَفِیعاً لِأُمَّتِهِ إِلَیْهِ لَمْ یَجُزْ لَهُ رَدُّ شَفَاعَةِ أَخِیهِ مُوسَی فَرَجَعَ إِلَی رَبِّهِ فَسَأَلَهُ التَّخْفِیفَ إِلَی أَنْ رَدَّهَا إِلَی خَمْسِ صَلَوَاتٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ یَا أَبَتِ فَلِمَ لَا یَرْجِعُ إِلَی رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (3) وَ یَسْأَلُهُ التَّخْفِیفَ عَنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَ قَدْ سَأَلَهُ مُوسَی علیه السلام أَنْ یَرْجِعَ إِلَی رَبِّهِ وَ یَسْأَلَهُ التَّخْفِیفَ فَقَالَ یَا بُنَیَّ أَرَادَ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُحَصِّلَ لِأُمَّتِهِ التَّخْفِیفَ مَعَ أَجْرِ خَمْسِینَ صَلَاةً یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها أَ لَا تَرَی أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا هَبَطَ إِلَی الْأَرْضِ نَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ علیه السلام فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ یُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ إِنَّهَا خَمْسٌ بِخَمْسِینَ ما یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَیَّ وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ یَا أَبَتِ أَ لَیْسَ اللَّهُ تَعَالَی ذِكْرُهُ لَا یُوصَفُ بِمَكَانٍ قَالَ تَعَالَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِیراً قُلْتُ فَمَا مَعْنَی قَوْلِ مُوسَی علیه السلام لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ارْجِعْ إِلَی رَبِّكَ فَقَالَ مَعْنَاهُ مَعْنَی قَوْلِ إِبْرَاهِیمَ علیه السلام إِنِّی ذاهِبٌ إِلی رَبِّی سَیَهْدِینِ وَ مَعْنَی قَوْلِ مُوسَی علیه السلام وَ عَجِلْتُ إِلَیْكَ رَبِّ لِتَرْضی وَ مَعْنَی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَفِرُّوا إِلَی اللَّهِ یَعْنِی حُجُّوا إِلَی بَیْتِ اللَّهِ یَا بُنَیَّ إِنَّ الْكَعْبَةَ بَیْتُ اللَّهِ تَعَالَی فَمَنْ حَجَّ بَیْتَ اللَّهِ فَقَدْ قَصَدَ إِلَی اللَّهِ وَ الْمَسَاجِدُ بُیُوتُ اللَّهِ فَمَنْ سَعَی إِلَیْهَا فَقَدْ سَعَی إِلَی اللَّهِ وَ قَصَدَ إِلَیْهِ وَ الْمُصَلِّی مَا دَامَ فِی صَلَاتِهِ فَهُوَ وَاقِفٌ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَ أَهْلُ مَوْقِفِ عَرَفَاتٍ هُمْ وُقُوفٌ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِقَاعاً فِی سَمَاوَاتِهِ فَمَنْ عُرِجَ بِهِ إِلَی بُقْعَةٍ مِنْهَا فَقَدْ عُرِجَ بِهِ إِلَیْهِ أَ لَا تَسْمَعُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَیْهِ وَ یَقُولُ فِی قِصَّةِ عِیسَی علیه السلام بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَیْهِ وَ یَقُولُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ.

بیان: الغرض من ذكر هذه الاستشهادات بیان شیوع تلك الاستعمالات و التجوزات فی لسان أهل الشرع و العرف.

ص: 321


1- و فی نسخة: فاسأله التخفیف.
2- اقترح علیه كذا أو بكذا: تحكم و سأله إیّاه بالعنف و من غیر رویة.
3- و فی نسخة: فلم لم یرجع إلی ربّه عزّ و جلّ.

«18»-ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنْ أَبِی الْمَغْرَاءِ رَفَعَهُ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ خَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ وَ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَیْهِ اسْمُ شَیْ ءٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَا خَلَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ.

ید، التوحید حمزة العلوی عن علی عن أبیه عن علی بن عطیة عن خثیمة عن أبی جعفر علیه السلام و ابن الولید عن الصفار عن البرقی عن أبیه عن النضر عن یحیی الحلبی عن ابن مسكان عن زرارة عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام مثله بزیادة.

«19»-ید، التوحید حَمْزَةُ الْعَلَوِیُّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا فَقَالَ هُوَ وَاحِدٌ أَحَدِیُّ الذَّاتِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ بِذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ مُحِیطٌ بِالْإِشْرَافِ وَ الْإِحَاطَةِ وَ الْقُدْرَةِ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ بِالْإِحَاطَةِ وَ الْعِلْمِ لَا بِالذَّاتِ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ مَحْدُودَةٌ تَحْوِیهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا كَانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهُ الْحَوَایَةُ.

بیان: ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ أی ما یقع من تناجی ثلاثة و یجوز أن یقدر مضاف أو یؤول نجوی بمتناجین و یجعل ثلاثة صفة لها إِلَّا و هُوَ رابِعُهُمْ أی إلا اللّٰه یجعلهم أربعة من حیث إنه یشاركهم فی الاطلاع علیها وَ لا خَمْسَةٍ أی و لا نجوی خمسة و تخصیص العددین إما لخصوص الواقعة أو لأن اللّٰه وتر یحب الوتر و الثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنین یكونان كالمتنازعین و ثالث یتوسط بینهم.

ثم اعلم أنه لما كان القدام و الخلف و الیمین و الشمال غیر متمیزة إلا بالاعتبار عد الجمیع حدین و الفوق و التحت حدین فصارت أربعة و المعنی أنه لیست إحاطته سبحانه بالذات لأن الأماكن محدودة فإذا كانت إحاطته بالذات بأن كانت بالدخول فی الأمكنة لزم كونه محاطا بالمكان كالمتمكن و إن كانت بالانطباق علی المكان لزم كونه محیطا بالمتمكن كالمكان.

ص: 322

«20»-ید، التوحید الْعَطَّارُ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْخَزَّازِ عَنْ مُثَنًّی الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ أَظُنُّهُ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ هُوَ اللَّهُ فِی السَّماواتِ وَ فِی الْأَرْضِ قَالَ كَذَلِكَ هُوَ فِی كُلِّ مَكَانٍ قُلْتُ بِذَاتِهِ قَالَ وَیْحَكَ إِنَّ الْأَمَاكِنَ أَقْدَارٌ فَإِذَا قُلْتَ فِی مَكَانٍ بِذَاتِهِ لَزِمَكَ أَنْ تَقُولَ فِی أَقْدَارٍ وَ غَیْرِ ذَلِكَ وَ لَكِنْ هُوَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ مُحِیطٌ بِمَا خَلَقَ عِلْماً وَ قُدْرَةً وَ إِحَاطَةً وَ سُلْطَاناً وَ لَیْسَ عِلْمُهُ بِمَا فِی الْأَرْضِ بِأَقَلَّ مِمَّا فِی السَّمَاءِ لَا یَبْعُدُ مِنْهُ شَیْ ءٌ وَ الْأَشْیَاءُ لَهُ سَوَاءٌ عِلْماً وَ قُدْرَةً وَ سُلْطَاناً وَ مُلْكاً وَ إِحَاطَةً.

تفسیر قال البیضاوی وَ هُوَ اللَّهُ الضمیر لله و اللّٰه خبره فِی السَّماواتِ وَ فِی الْأَرْضِ متعلق باسم اللّٰه و المعنی هو المستحق للعبادة فیهما لا غیر كقوله هُوَ الَّذِی فِی السَّماءِ إِلهٌ وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ أو بقوله یَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ و الجملة خبر ثان أو هی الخبر و اللّٰه بدل و یكفی لصحة الظرفیة كون المعلوم فیهما كقولك رمیت الصید فی الحرم إذا كنت خارجه و الصید فیه أو ظرف مستقر وقع خبرا بمعنی أنه تعالی لكمال علمه بما فیهما كأنه فیهما و یَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ بیان و تقریر له.

«21»-ید، التوحید أَبِی عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّیَصَانِیُّ إِنَّ فِی الْقُرْآنِ آیَةً هِیَ قُوَّةٌ لَنَا قُلْتُ وَ مَا هِیَ فَقَالَ وَ هُوَ الَّذِی فِی السَّماءِ إِلهٌ وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ فَلَمْ أَدْرِ بِمَا أُجِیبُهُ فَحَجَجْتُ فَخَبَّرْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ هَذَا كَلَامُ زِنْدِیقٍ خَبِیثٍ إِذَا رَجَعْتَ إِلَیْهِ فَقُلْ لَهُ مَا اسْمُكَ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ یَقُولُ فُلَانٌ فَقُلْ مَا اسْمُكَ بِالْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ یَقُولُ فُلَانٌ فَقُلْ كَذَلِكَ اللَّهُ رَبُّنَا فِی السَّماءِ إِلهٌ وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ وَ فِی الْبِحَارِ إِلَهٌ وَ فِی كُلِّ مَكَانٍ إِلَهٌ قَالَ فَقَدِمْتُ فَأَتَیْتُ أَبَا شَاكِرٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ هَذِهِ نُقِلَتْ مِنَ الْحِجَازِ.

بیان: لعل هذا الدیصانی لما كان قائلا بإلهین نور ملكه السماء و ظلمة ملكها الأرض أول الآیة بما یوافق مذهبه بأن جعل قوله وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ جملة تامة معطوفة علی مجموع الجملة السابقة أی و فی الأرض إله آخر و یظهر من بعض الأخبار أنه كان

ص: 323

من الدهریین فیمكن أن یكون استدلاله بما یوهم ظاهر الآیة (1) من كونه بنفسه حاصلا فی السماء و الأرض فیوافق ما ذهبوا إلیه من كون المبدإ الطبیعة فإنها حاصلة فی الأجرام السماویة و الأجسام الأرضیة معا فأجاب علیه السلام بأن المراد أنه تعالی مسمی بهذا الاسم فی السماء و فی الأرض و الأكثرون علی أن الظرف متعلق بالإله لأنه بمعنی المعبود أو مضمن معناه كقولك هو حاتم فی البلد.

«22»-ید، التوحید الْقَطَّانُ وَ الدَّقَّاقُ مَعاً عَنِ ابْنِ زَكَرِیَّا الْقَطَّانِ عَنِ ابْنِ حَبِیبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْوَدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَدِیقَانِ یَهُودِیَّانِ قَدْ آمَنَا بِمُوسَی رَسُولِ اللَّهِ وَ أَتَیَا مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله وَ سَمِعَا مِنْهُ وَ قَدْ كَانَا قَرَءَا التَّوْرَاةَ وَ صُحُفَ إِبْرَاهِیمَ علیه السلام وَ عَلِمَا عِلْمَ الْكُتُبِ الْأُولَی فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی رَسُولَهُ صلی اللّٰه علیه و آله أَقْبَلَا یَسْأَلَانِ عَنْ صَاحِبِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ وَ قَالا إِنَّهُ لَمْ یَمُتْ نَبِیٌّ قَطُّ إِلَّا وَ لَهُ خَلِیفَةٌ یَقُومُ بِالْأَمْرِ فِی أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ قَرِیبُ الْقَرَابَةِ إِلَیْهِ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ عَظِیمُ الْقَدْرِ (2) جَلِیلُ الشَّأْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ هَلْ تَعْرِفُ صَاحِبَ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ هَذَا النَّبِیِّ قَالَ الْآخَرُ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا بِالصِّفَةِ الَّتِی أَجِدُهَا فِی التَّوْرَاةِ هُوَ الْأَصْلَعُ (3) الْمُصَفَّرُ فَإِنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا دَخَلَا الْمَدِینَةَ وَ سَأَلَا عَنِ الْخَلِیفَةِ أُرْشِدَا إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَلَمَّا نَظَرَا إِلَیْهِ قَالا لَیْسَ هَذَا صَاحِبَنَا ثُمَّ قَالا لَهُ مَا قَرَابَتُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ إِنِّی رَجُلٌ مِنْ عَشِیرَتِهِ وَ هُوَ زَوْجُ ابْنَتِی عَائِشَةَ قَالا هَلْ غَیْرُ هَذَا قَالَ لَا قَالا لَیْسَتْ هَذِهِ بِقَرَابَةٍ فَأَخْبِرْنَا أَیْنَ رَبُّكَ قَالَ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ قَالا هَلْ غَیْرُ هَذَا قَالَ لَا قَالا دُلَّنَا عَلَی مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ فَإِنَّكَ أَنْتَ لَسْتَ بِالرَّجُلِ الَّذِی نَجِدُ فِی التَّوْرَاةِ أَنَّهُ وَصِیُّ هَذَا النَّبِیِّ وَ خَلِیفَتُهُ قَالَ فَتَغَیَّظَ مِنْ قَوْلِهِمَا وَ هَمَّ بِهِمَا (4) ثُمَّ أَرْشَدَهُمَا إِلَی عُمَرَ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَفَ مِنْ عُمَرَ أَنَّهُمَا إِنِ

ص: 324


1- أو یكون استدلاله بظاهرها علی وقوع التناقض فی القرآن فیكون صادرا من غیر حكیم فیكون فیها قوة له من إنكاره الصانع و بطلان الشرائع.
2- و فی نسخة: عظیم الخطر.
3- الاصلع: من سقط شعر مقدم رأسه.
4- أی عزم علی قتلهما.

اسْتَقْبَلَاهُ بِشَیْ ءٍ بَطَشَ بِهِمَا (1) فَلَمَّا أَتَیَاهُ قَالا مَا قَرَابَتُكَ مِنْ هَذَا النَّبِیِّ قَالَ أَنَا مِنْ عَشِیرَتِهِ وَ هُوَ زَوْجُ ابْنَتِی حَفْصَةَ قَالا هَلْ غَیْرُ هَذَا قَالَ لَا قَالا لَیْسَتْ هَذِهِ بِقَرَابَةٍ وَ لَیْسَتْ هَذِهِ الصِّفَةَ الَّتِی نَجِدُهَا فِی التَّوْرَاةِ ثُمَّ قَالا لَهُ فَأَیْنَ رَبُّكَ قَالَ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ قَالا هَلْ غَیْرُ هَذَا قَالَ لَا قَالَ دُلَّنَا عَلَی مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ فَأَرْشَدَهُمَا إِلَی عَلِیٍّ علیه السلام فَلَمَّا جَاءَاهُ فَنَظَرَا إِلَیْهِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِی صِفَتُهُ فِی التَّوْرَاةِ إِنَّهُ وَصِیُّ هَذَا النَّبِیِّ وَ خَلِیفَتُهُ وَ زَوْجُ ابْنَتِهِ وَ أَبُو السِّبْطَیْنِ وَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ قَالا لِعَلِیٍّ علیه السلام أَیُّهَا الرَّجُلُ مَا قَرَابَتُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ هُوَ أَخِی وَ أَنَا وَارِثُهُ وَ وَصِیُّهُ وَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ أَنَا زَوْجُ ابْنَتِهِ قَالا هَذِهِ الْقَرَابَةُ الْفَاخِرَةُ وَ الْمَنْزِلَةُ الْقَرِیبَةُ وَ هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِی نَجِدُهَا فِی التَّوْرَاةِ فَأَیْنَ رَبُّكَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ لَهُمَا عَلِیٌّ علیه السلام إِنْ شِئْتُمَا أَنْبَأْتُكُمَا بِالَّذِی كَانَ عَلَی عَهْدِ نَبِیِّكُمَا مُوسَی علیه السلام وَ إِنْ شِئْتُمَا أَنْبَأْتُكُمَا بِالَّذِی كَانَ عَلَی عَهْدِ نَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله قَالا أَنْبِئْنَا بِالَّذِی كَانَ عَلَی عَهْدِ نَبِیِّنَا مُوسَی علیه السلام قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام أَقْبَلَ أَرْبَعَةُ أَمْلَاكٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَشْرِقِ وَ مَلَكٌ مِنَ الْمَغْرِبِ وَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَلَكٌ مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَشْرِقِ لِصَاحِبِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتَ قَالَ أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ رَبِّی وَ قَالَ صَاحِبُ الْمَغْرِبِ لِصَاحِبِ الْمَشْرِقِ مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتَ قَالَ أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ رَبِّی وَ قَالَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ لِلْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتَ قَالَ أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ رَبِّی وَ قَالَ الْخَارِجُ مِنَ الْأَرْضِ لِلنَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتَ قَالَ أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ رَبِّی فَهَذَا مَا كَانَ عَلَی عَهْدِ نَبِیِّكُمَا مُوسَی علیه السلام وَ أَمَّا مَا كَانَ عَلَی عَهْدِ نَبِیِّنَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ فِی مُحْكَمِ كِتَابِهِ ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا الْآیَةَ

ص: 325


1- أی فتك بهما و أخذهما بصولة و شدة.

قَالَ الْیَهُودِیَّانِ فَمَا مَنَعَ صَاحِبَیْكَ أَنْ یَكُونَا جَعَلَاكَ فِی مَوْضِعِكَ الَّذِی أَنْتَ أَهْلُهُ فَوَ الَّذِی أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَی مُوسَی إِنَّكَ لَأَنْتَ الْخَلِیفَةُ حَقّاً نَجِدُ صِفَتَكَ فِی كُتُبِنَا وَ نَقْرَؤُهُ فِی كَنَائِسِنَا وَ إِنَّكَ لَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ وَ أَوْلَی بِهِ مِمَّنْ قَدْ غَلَبَكَ عَلَیْهِ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام قَدَّمَا وَ أَخَّرَا وَ حِسَابُهُمَا عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ یُوقَفَانِ وَ یُسْأَلَانِ.

«23»-ید، التوحید الْعَطَّارُ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَی أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا أَبَا جَعْفَرٍ أَخْبِرْنِی عَنْ رَبِّكَ مَتَی كَانَ فَقَالَ وَیْلَكَ إِنَّمَا یُقَالُ لِشَیْ ءٍ لَمْ یَكُنْ فَكَانَ مَتَی كَانَ إِنَّ رَبِّی تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَانَ لَمْ یَزَلْ حَیّاً بِلَا كَیْفٍ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كَانَ وَ لَا كَانَ لِكَوْنِهِ كَیْفٌ وَ لَا كَانَ لَهُ أَیْنٌ وَ لَا كَانَ فِی شَیْ ءٍ وَ لَا كَانَ عَلَی شَیْ ءٍ وَ لَا ابْتَدَعَ لِكَانَهُ مَكَاناً (1) الْخَبَرَ.

«24»-ید، التوحید وَ رُوِیَ أَنَّهُ سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَیْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ سَمَاءً وَ أَرْضاً فَقَالَ علیه السلام أَیْنَ سُؤَالٌ عَنْ مَكَانٍ وَ كَانَ اللَّهُ وَ لَا مَكَانَ.

«25»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ ابْنِ أَبَانٍ عَنِ ابْنِ أُورَمَةَ (2) عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَسَدٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فِی شَیْ ءٍ أَوْ مِنْ شَیْ ءٍ أَوْ عَلَی شَیْ ءٍ فَقَدْ أَشْرَكَ لَوْ كَانَ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی شَیْ ءٍ لَكَانَ مَحْمُولًا (3) وَ لَوْ كَانَ فِی شَیْ ءٍ لَكَانَ مَحْصُوراً وَ لَوْ كَانَ مِنْ شَیْ ءٍ لَكَانَ مُحْدَثاً(4).

ص: 326


1- كذا فیما عندنا من النسخ، و فی التوحید المطبوع: و لا ابتدع لكونه مكانا. و فی نسخة اخری منه: و لا ابتدع لمكانه مكانا.
2- بضم الهمزة و إسكان الواو و فتح الراء المهملة، كذا فی الخلاصة. و أورد النجاشیّ و غیره ترجمته فی كتبهم، قال النجاشیّ فی ص 231 من رجاله: محمّد بن اورمة أبو جعفر القمّیّ ذكره القمیون و غمزوا علیه و رموه بالغلو، حتی دس علیه من یفتك به فوجدوه یصلی من أول اللیل إلی آخره فتوقفوا عنه، و حكی جماعة من شیوخ القمیین، عن ابن الولید أنّه قال: محمّد بن اورمة طعن علیه بالغلو، فكل ما كان فی كتبه ممّا وجد فی كتاب الحسین بن سعید و غیره فقل به، و ما تفرد به فلا تعتمده، و قال بعض أصحابنا: إنّه رأی توقیعات أبی الحسن الثالث علیه السلام إلی أهل قم فی معنی محمّد بن اورمة و براءته ممّا قذف به، و كتبه صحاح إلّا كتابا ینسب إلیه ترجمته تفسیر الباطن فانه مختلط.
3- و لازمه جسمیته، تعالی عن ذلك علوا كبیرا.
4- یأتی الحدیث بطریق آخر عن المفضل تحت الرقم 39.

بیان: لكان محمولا أی محتاجا إلی ما یحمله قوله علیه السلام: محصورا أی عاجزا ممنوعا عن الخروج عن المكان أو محصورا بذلك الشی ء و محویا به فیكون له انقطاع و انتهاء فیكون ذا حدود و أجزاء.

«26»-ید، التوحید أَبِی عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِی شَیْ ءٍ أَوْ مِنْ شَیْ ءٍ أَوْ عَلَی شَیْ ءٍ.

قال الصدوق رحمه اللّٰه الدلیل علی أن اللّٰه عز و جل لا فی مكان أن الأماكن كلها حادثة و قد قام الدلیل علی أن اللّٰه عز و جل قدیم سابق للأماكن و لیس یجوز أن یحتاج الغنی القدیم إلی ما كان غنیا عنه و لا أن یتغیر عما لم یزل موجودا علیه فصح الیوم أنه لا فی مكان كما أنه لم یزل كذلك و تصدیق ذلك

مَا حَدَّثَنَا بِهِ الْقَطَّانُ عَنِ ابْنِ زَكَرِیَّا الْقَطَّانِ عَنِ ابْنِ حَبِیبٍ عَنِ ابْنِ بُهْلُولٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سُلَیْمَانَ الْمَرْوَزِیِّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام هَلْ یَجُوزُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِی مَكَانٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ تَعَالَی عَنْ ذَلِكَ إِنَّهُ لَوْ كَانَ فِی مَكَانٍ لَكَانَ مُحْدَثاً لِأَنَّ الْكَائِنَ فِی مَكَانٍ مُحْتَاجٌ إِلَی الْمَكَانِ وَ الِاحْتِیَاجُ مِنْ صِفَاتِ الْحَدَثِ لَا مِنْ صِفَاتِ الْقَدِیمِ

«27»- ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَبِی إِبْرَاهِیمَ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَانَ لَمْ یَزَلْ بِلَا زَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ هُوَ الْآنَ كَمَا كَانَ لَا یَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَ لَا یَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ وَ لَا یَحِلُّ فِی مَكَانٍ ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا لَیْسَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ غَیْرُ خَلْقِهِ احْتَجَبَ بِغَیْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ وَ اسْتَتَرَ بِغَیْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْكَبِیرُ الْمُتَعالِ (1)

ص: 327


1- من غرر الأحادیث؛ و كون الخلق حجابا بأنفسهم نظیر قول الرضا علیه السلام فی خطبته الآتیة تحت رقم 3 من باب جوامع التوحید: «حجب بعضها عن بعض لیعلم أن لا حجاب بینه و بینها غیرها» الخطبة. معناه استحالة المعاینة بالإحاطة اذ لا یمكن ذلك إلّا بارتفاع الحجاب و مع ارتفاع الحجاب الذی هو نفس الخلق لا یبقی موضوع الخلق هذا. و هذا الكلام إذا انضم إلی قول أمیر المؤمنین.

بیان: قوله غیر خلقه أی لیس الحجاب بینه و بین خلقه إلا عجز المخلوق عن الإحاطة به و قوله محجوب إما نعت لحجاب أو خبر مبتدإ محذوف فعلی الأول فهو إما بمعنی حاجب إذ كثیرا ما یجی ء صیغة المفعول بمعنی الفاعل كما قیل فی قوله تعالی حِجاباً مَسْتُوراً أو بمعناه و یكون المراد أنه لیس له تعالی حجاب مستور بل حجابه ظاهر و هو تجرده و تقدسه و علوه عن أن یصل إلیه عقل أو وهم و یحتمل علی هذا أن یكون المراد بالحجاب الحجة الذی أقامه بینه و بین خلقه فهو ظاهر غیر مخفی و یحتمل أیضا أن یكون المراد به أنه لم یحتجب بحجاب مخفی فكیف الظاهر و أما علی الثانی فالظرف متعلق بقوله محجوب أی هو محجوب بغیر حجاب و هاهنا احتمال ثالث و هو أن یكون محجوب مضاف إلیه بتقدیر اللام و إجراء الاحتمالات فی الفقرة الثانیة ظاهر و هی إما تأكید للأولی أو الأولی إشارة إلی الاحتجاب عن الحواس و الثانیة إلی الاستتار عن العقول و الأفهام.

«28»-ید، التوحید مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَارِسِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّشَوِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَدِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْقُوبَ الْعَسْكَرِیِّ وَ أَخِیهِ مُعَاذٍ مَعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْحَنْظَلِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَیْسٍ عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الرُّمَّانِیِّ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ یَذْكُرُ فِیهِ قُدُومَ الْجَاثَلِیقِ الْمَدِینَةَ مَعَ مِائَةٍ مِنَ النَّصَارَی بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ سُؤَالَهُ أَبَا بَكْرٍ عَنْ مَسَائِلَ لَمْ یُجِبْهُ عَنْهَا ثُمَّ أُرْشِدَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَأَجَابَهُ فَكَانَ فِیمَا سَأَلَهُ أَنْ قَالَ لَهُ أَخْبِرْنِی عَنْ وَجْهِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی فَدَعَا عَلِیٌّ علیه السلام بِنَارٍ وَ حَطَبٍ فَأَضْرَمَهُ فَلَمَّا اشْتَعَلَتْ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام أَیْنَ وَجْهُ هَذِهِ النَّارِ قَالَ النَّصْرَانِیُّ هِیَ وَجْهٌ مِنْ جَمِیعِ حُدُودِهَا قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام هَذِهِ النَّارُ مُدَبَّرَةٌ مَصْنُوعَةٌ لَا تَعْرِفُ وَجْهَهَا وَ خَالِقُهَا لَا یُشْبِهُهَا وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ

علیه السلام فی خطبته الآتیة تحت رقم 34 من باب جوامع التوحید: «حجب بعضها عن بعض لیعلم أن لا حجاب بینه و بین خلقه غیر خلقه» الخطبة أفاد أن العباد لو انصرفوا عن الاشتغال بأنفسهم و اتباع هواهم و توجهوا إلی ربهم لاشرقت علیهم أنوار العظمة الإلهیة، و هذا هو الذی یعبر عنه برؤیة القلب كما مر فی عدة من الاخبار فی باب نفی الرؤیة. ط.

ص: 328

فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ لَا یَخْفَی عَلَی رَبِّنَا خَافِیَةٌ وَ الْحَدِیثُ طَوِیلٌ أَخَذْنَا مِنْهُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ.

«29»-ید، التوحید الْأُشْنَانِیُّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَهْرَوَیْهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنِ الرِّضَا عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ لَمَّا نَاجَی رَبَّهُ قَالَ یَا رَبِّ أَ بَعِیدٌ أَنْتَ مِنِّی فَأُنَادِیَكَ أَمْ قَرِیبٌ فَأُنَاجِیَكَ فَأَوْحَی اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ إِلَیْهِ أَنَا جَلِیسُ مَنْ ذَكَرَنِی فَقَالَ مُوسَی یَا رَبِّ إِنِّی أَكُونُ فِی حَالٍ أُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِیهَا فَقَالَ یَا مُوسَی اذْكُرْنِی عَلَی كُلِّ حَالٍ.

«30»-ید، التوحید مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْفَارِسِیُّ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الرُّمْحِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی الْوَاسِطِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِیَّا الْمَكِّیِّ قَالَ أَخْبَرَنِی مُنِیفٌ مَوْلَی جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِی سَیِّدِی جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام (1) یُصَلِّی فَمَرَّ بَیْنَ یَدَیْهِ رَجُلٌ فَنَهَاهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ لِمَ نَهَیْتَ الرَّجُلَ قَالَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ حَظَرَ فِیمَا بَیْنَكَ وَ بَیْنَ الْمِحْرَابِ فَقَالَ وَیْحَكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَقْرَبُ إِلَیَّ مِنْ أَنْ یَحْظُرَ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَهُ أَحَدٌ.

«31»-ید، التوحید الْمُظَفَّرُ الْعَلَوِیُّ عَنِ ابْنِ الْعَیَّاشِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ إِشْكِیبَ (2) عَنْ هَارُونَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَسَدِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام یَا جَابِرُ مَا أَعْظَمَ فِرْیَةَ أَهْلِ الشَّامِ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ یَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی حَیْثُ صَعِدَ إِلَی السَّمَاءِ وَضَعَ قَدَمَهُ عَلَی صَخْرَةِ بَیْتِ الْمَقْدِسِ وَ لَقَدْ وَضَعَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدَمَهُ عَلَی حَجَرٍ (3) فَأَمَرَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَنْ نَتَّخِذَهُ مُصَلًّی یَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا نَظِیرَ لَهُ وَ لَا شَبِیهَ تَعَالَی عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِینَ وَ جَلَّ عَنْ أَوْهَامِ الْمُتَوَهِّمِینَ وَ احْتَجَبَ عَنْ أَعْیُنِ النَّاظِرِینَ لَا یَزُولُ مَعَ الزَّائِلِینَ وَ لَا یَأْفِلُ مَعَ الْآفِلِینَ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ

ص: 329


1- و فی نسخة: كان الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیهما السلام.
2- بكسر الهمزة و سكون الشین المعجمة أو السین المهملة، و الكاف و الیاء المثناة من تحت و الباء الموحدة.
3- و فی نسخة: علی صخرة.

«32»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَیَّاشٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِی إِبْرَاهِیمَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: لَا أَقُولُ إِنَّهُ قَائِمٌ فَأُزِیلَهُ عَنْ مَكَانِهِ وَ لَا أَحُدُّهُ بِمَكَانٍ یَكُونُ فِیهِ وَ لَا أَحُدُّهُ أَنْ یَتَحَرَّكَ فِی شَیْ ءٍ مِنَ الْأَرْكَانِ وَ الْجَوَارِحِ وَ لَا أَحُدُّهُ بِلَفْظِ شَقِّ فَمٍ وَ لَكِنْ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كُنْ فَیَكُونُ بِمَشِیئَتِهِ مِنْ غَیْرِ تَرَدُّدٍ فِی نَفَسٍ فَرْدٌ صَمَدٌ لَمْ یَحْتَجْ إِلَی شَرِیكٍ یَكُونُ لَهُ فِی مُلْكِهِ وَ لَا یَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابَ عِلْمِهِ.

ج، الإحتجاج عن یعقوب مثله.

«33»-ید، التوحید السِّنَانِیُّ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُوصَفُ بِزَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ لَا حَرَكَةٍ وَ لَا انْتِقَالٍ وَ لَا سُكُونٍ بَلْ هُوَ خَالِقُ الزَّمَانِ وَ الْمَكَانِ وَ الْحَرَكَةِ وَ السُّكُونِ تَعَالَی عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِیراً.

«34»-ید، التوحید مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْعَزَائِمِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رُمَیْحٍ (1) عَنْ عَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ خَلَفٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ السَّبِیعِیِّ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام أَنَّهُ دَخَلَ السُّوقَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُوَلِّیهِ ظَهْرَهُ یَقُولُ لَا وَ الَّذِی احْتَجَبَ بِالسَّبْعِ فَضَرَبَ عَلِیٌّ علیه السلام ظَهْرَهُ ثُمَّ قَالَ مَنِ الَّذِی احْتَجَبَ بِالسَّبْعِ قَالَ اللَّهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ أَخْطَأْتَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَیْسَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ لِأَنَّهُ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا قَالَ مَا كَفَّارَةُ مَا قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَیْثُ كُنْتَ قَالَ أُطْعِمُ الْمَسَاكِینَ قَالَ لَا إِنَّمَا حَلَفْتَ بِغَیْرِ رَبِّكَ.

«35»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنْ أَبِی الْقَاسِمِ الْعَلَوِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ الْقُمِّیِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَیْمِیِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِی حَدِیثِ الزِّنْدِیقِ الَّذِی أَتَی أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی

ص: 330


1- فی نسخة من التوحید: عن أحمد بن محمّد بن وضیح.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام بِذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ وَ كَذَلِكَ هُوَ مُسْتَوْلٍ عَلَی الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَكُونَ الْعَرْشُ حَامِلًا لَهُ وَ لَا أَنْ یَكُونَ الْعَرْشُ حَاوِیاً لَهُ وَ لَا أَنَّ الْعَرْشَ مُحْتَازٌ لَهُ وَ لَكِنَّا نَقُولُ هُوَ حَامِلُ الْعَرْشِ وَ مُمْسِكُ الْعَرْشِ وَ نَقُولُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ وَسِعَ كُرْسِیُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فَثَبَّتْنَا مِنَ الْعَرْشِ وَ الْكُرْسِیِّ مَا ثَبَّتَهُ وَ نَفَیْنَا أَنْ یَكُونَ الْعَرْشُ أَوِ الْكُرْسِیُّ حَاوِیاً لَهُ وَ أَنْ یَكُونَ عَزَّ وَ جَلَّ مُحْتَاجاً إِلَی مَكَانٍ أَوْ إِلَی شَیْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ بَلْ خَلْقُهُ مُحْتَاجُونَ إِلَیْهِ قَالَ السَّائِلُ فَمَا الْفَرْقُ بَیْنَ أَنْ تَرْفَعُوا أَیْدِیَكُمْ إِلَی السَّمَاءِ وَ بَیْنَ أَنْ تَخْفِضُوهَا نَحْوَ الْأَرْضِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام ذَلِكَ فِی عِلْمِهِ وَ إِحَاطَتِهِ وَ قُدْرَتِهِ سَوَاءٌ وَ لَكِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ أَوْلِیَاءَهُ وَ عِبَادَهُ بِرَفْعِ أَیْدِیهِمْ إِلَی السَّمَاءِ نَحْوَ الْعَرْشِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَعْدِنَ الرِّزْقِ فَثَبَّتْنَا مَا ثَبَّتَهُ الْقُرْآنُ وَ الْأَخْبَارُ عَنِ الرَّسُولِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ قَالَ ارْفَعُوا أَیْدِیَكُمْ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ هَذَا یُجْمِعُ عَلَیْهِ فِرَقُ الْأُمَّةِ كُلُّهَا قَالَ السَّائِلُ فَتَقُولُ إِنَّهُ یَنْزِلُ إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْیَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام نَقُولُ ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّوَایَاتِ قَدْ صَحَّتْ بِهِ وَ الْأَخْبَارَ قَالَ السَّائِلُ وَ إِذَا نَزَلَ أَ لَیْسَ قَدْ حَالَ عَنِ الْعَرْشِ وَ حَوْلُهُ عَنِ الْعَرْشِ انْتِقَالٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لَیْسَ ذَلِكَ عَلَی مَا یُوجَدُ مِنَ الْمَخْلُوقِ الَّذِی یَنْتَقِلُ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ عَلَیْهِ وَ الْمَلَالَةِ وَ السَّأْمَةِ وَ نَاقِلٍ یَنْقُلُهُ وَ یُحَوِّلُهُ مِنْ حَالٍ إِلَی حَالٍ بَلْ هُوَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یَحْدُثُ عَلَیْهِ الْحَالُ وَ لَا یَجْرِی عَلَیْهِ الْحُدُوثُ فَلَا یَكُونُ نُزُولُهُ كَنُزُولِ الْمَخْلُوقِ الَّذِی مَتَی تَنَحَّی عَنْ مَكَانٍ خَلَا مِنْهُ الْمَكَانُ الْأَوَّلُ وَ لَكِنَّهُ یَنْزِلُ إِلَی سَمَاءِ الدُّنْیَا بِغَیْرِ مُعَانَاةٍ وَ لَا حَرَكَةٍ فَیَكُونُ هُوَ كَمَا فِی السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَی الْعَرْشِ كَذَلِكَ هُوَ فِی سَمَاءِ الدُّنْیَا إِنَّمَا یَكْشِفُ عَنْ عَظَمَتِهِ وَ یُرِی أَوْلِیَاءَهُ نَفْسَهُ حَیْثُ شَاءَ وَ یَكْشِفُ مَا شَاءَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَ مَنْظَرُهُ فِی الْقُرْبِ وَ الْبُعْدِ سَوَاءٌ.

ثم قال قال مصنف هذا الكتاب قوله علیه السلام: إنه علی العرش إنه لیس بمعنی التمكن فیه و لكنه بمعنی التعالی علیه بالقدرة یقال فلان علی خیر و استعانه علی عمل كذا و كذا لیس بمعنی التمكن فیه و الاستقرار علیه و لكن ذلك بمعنی التمكن منه و القدرة علیه و قوله فی النزول لیس بمعنی الانتقال و قطع المسافة و لكنه علی معنی

ص: 331

إنزال الأمر منه إلی سماء الدنیا لأن العرش هو المكان الذی ینتهی إلیه بأعمال العباد من السدرة المنتهی إلیه و قد یجعل اللّٰه عز و جل السماء الدنیا فی الثلث الأخیر من اللیل و فی لیالی الجمعة مسافة الأعمال فی ارتفاعها أقرب منها فی سائر الأوقات إلی العرش و قوله یری أولیاءه نفسه فإنه یعنی بإظهار بدائع فطرته فقد جرت العادة بأن یقال للسلطان إذا أظهر قوة و قدرة و خیلا و رجلا قد أظهر نفسه و علی ذلك دل الكلام و مجاز اللفظ.

أقول: من قوله قال السائل إلی آخر كلامه لم یكن فی أكثر النسخ و لیس فی الإحتجاج أیضا.

«36»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی وَ ابْنِ هَاشِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِیٍّ الْیَعْقُوبِیِّ (1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَی مَوْلَی آلِ سَامٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَهُودِیٌّ یُقَالُ لَهُ سبحت (2) [سُبَّخْتُ فَقَالَ لَهُ یَا مُحَمَّدُ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ رَبِّكَ فَإِنْ أَجَبْتَنِی عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ وَ إِلَّا رَجَعْتُ فَقَالَ لَهُ سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَقَالَ أَیْنَ رَبُّكَ فَقَالَ هُوَ فِی كُلِّ مَكَانٍ (3) وَ لَیْسَ هُوَ فِی شَیْ ءٍ مِنَ الْمَكَانِ بِمَحْدُودٍ قَالَ فَكَیْفَ هُوَ فَقَالَ وَ كَیْفَ أَصِفُ رَبِّی بِالْكَیْفِ وَ الْكَیْفُ مَخْلُوقٌ وَ اللَّهُ لَا یُوصَفُ بِخَلْقِهِ قَالَ فَمَنْ یَعْلَمُ أَنَّكَ نَبِیٌّ قَالَ فَمَا بَقِیَ حَوْلَهُ حَجَرٌ وَ لَا مَدَرٌ وَ لَا غَیْرُ ذَلِكَ إِلَّا تَكَلَّمَ بِلِسَانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ یَا شَیْخُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ (4)

ص: 332


1- بالیاء المثناة كما هو المحكی عن الإیضاح أو بالباء الموحدة نسبة إلی بعقوبا قریة من قری البغداد علی ما حكی عن الشهید الثانی رحمه اللّٰه، و هو داود بن علی الهاشمی المترجم فی ص 115 من رجال النجاشیّ بقوله: داود بن علی الیعقوبی الهاشمی أبو علیّ بن داود، روی عن أبی الحسن موسی علیه السلام، و قیل: روی عن الرضا علیه السلام، له كتاب یرویه جماعة، منهم عیسی بن عبد اللّٰه العمری.
2- اختلفت النسخ فی ضبطه ففی بعضها «سبحت» بالباء الموحدة ثمّ الحاء المهملة، و فی بعض آخر بالباء و الخاء المعجمة، و فی البحار المطبوع شجت «شبخت خ ل» و ضبط بضم السین و الباء و سكون الحاء المهملة، و بضم السین و سكون الباء و فتح الحاء، و بضم السین و سكون الباء و ضم الخاء المعجمة، و علی أی حال كان رجلا من ملوك فارس، و كان ذربا، كما یأتی فی حدیث آخر.
3- فی حدیث آخر له: فقال: هو فی كل مكان موجود بآیاته.
4- و فی نسخة: یا سبحت إنّه رسول اللّٰه.

فَقَالَ سبحت [سُبَّخْتُ بِاللَّهِ مَا رَأَیْتُ كَالْیَوْمِ أَبْیَنَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله.

«37»-ص، قصص الأنبیاء علیهم السلام الصَّدُوقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رُمَیْحٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْخُزَاعِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ مِثْلَهُ- یر، بصائر الدرجات إِبْرَاهِیمُ بْنُ هَاشِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ مِثْلَهُ.

«38»-ید، التوحید ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ شَیْ ءٍ أَوْ فِی شَیْ ءٍ أَوْ عَلَی شَیْ ءٍ.

«39»-ید، التوحید مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ شَیْ ءٍ أَوْ فِی شَیْ ءٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ثُمَّ قَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ مِنْ شَیْ ءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مُحْدَثاً وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِی شَیْ ءٍ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مَحْصُورٌ وَ مَنْزَعَمَ أَنَّهُ عَلَی شَیْ ءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْمُولًا

«40»-ید، التوحید ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ ابْنِ أَبَانٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ النَّضْرِ عَنِ ابْنِ حُمَیْدٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ شَیْ ءٍ أَوْ فِی شَیْ ءٍ أَوْ عَلَی شَیْ ءٍ فَقَدْ كَفَرَ قُلْتُ فَسِّرْ لِی قَالَ أَعْنِی بِالْحَوَایَةِ مِنَ الشَّیْ ءِ لَهُ أَوْ بِإِمْسَاكٍ لَهُ أَوْ مِنْ شَیْ ءٍ سَبَقَهُ.

«41»-وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ مِنْ شَیْ ءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مُحْدَثاً وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِی شَیْ ءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْصُوراً وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَی شَیْ ءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْمُولًا.

بیان: قوله بالحوایة من الشی ء له تفسیر لقوله فی شی ء و قوله أو بإمساك له تفسیر لقوله علی شی ء و قوله أو من شی ء سبقه تفسیر لقوله من شی ء.

«42»-ید، التوحید الطَّالَقَانِیُّ عَنْ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّغْدِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْقُوبَ الْعَسْكَرِیِّ وَ أَخِیهِ مُعَاذٍ مَعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْحَنْظَلِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 333

عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَیْسٍ عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الرُّمَّانِیِّ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ یَذْكُرُ فِیهِ قُدُومَ الْجَاثَلِیقِ الْمَدِینَةَ مَعَ مِائَةٍ مِنَ النَّصَارَی بَعْدَ قَبْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ سُؤَالَهُ أَبَا بَكْرٍ عَنْ مَسَائِلَ لَمْ یُجِبْهُ عَنْهَا ثُمَّ أُرْشِدَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَسَأَلَهُ فَأَجَابَهُ فَكَانَ فِیمَا سَأَلَهُ أَنْ قَالَ لَهُ أَخْبِرْنِی عَنِ الرَّبِّ أَیْنَ هُوَ وَ أَیْنَ كَانَ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لَا یُوصَفُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ بِمَكَانٍ هُوَ كَمَا كَانَ وَ كَانَ كَمَا هُوَ لَمْ یَكُنْ فِی مَكَانٍ وَ لَمْ یَزُلْ مِنْ مَكَانٍ إِلَی مَكَانٍ وَ لَا أَحَاطَ بِهِ مَكَانٌ بَلْ كَانَ لَمْ یَزَلْ بِلَا حَدٍّ وَ لَا كَیْفٍ قَالَ صَدَقْتَ فَأَخْبِرْنِی عَنِ الرَّبِّ أَ فِی الدُّنْیَا هُوَ أَوْ فِی الْآخِرَةِ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لَمْ یَزَلْ رَبُّنَا قَبْلَ الدُّنْیَا هُوَ مُدَبِّرُ الدُّنْیَا وَ عَالِمٌ بِالْآخِرَةِ فَأَمَّا أَنْ یُحِیطَ بِهِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةُ فَلَا وَ لَكِنْ یَعْلَمُ مَا فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ قَالَ صَدَقْتَ یَرْحَمُكَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِی عَنْ رَبِّكَ أَ یَحْمِلُ أَوْ یُحْمَلُ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام إِنَّ رَبَّنَا جَلَّ جَلَالُهُ یَحْمِلُ وَ لَا یُحْمَلُ قَالَ النَّصْرَانِیُّ وَ كَیْفَ ذَلِكَ وَ نَحْنُ نَجِدُ فِی الْإِنْجِیلِ وَ یَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمَانِیَةٌ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحْمِلُ الْعَرْشَ وَ لَیْسَ الْعَرْشُ كَمَا تَظُنُّ كَهَیْئَةِ السَّرِیرِ وَ لَكِنَّهُ شَیْ ءٌ مَحْدُودٌ مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ وَ رَبُّكَ عَزَّ وَ جَلَّ مَالِكُهُ لَا أَنَّهُ عَلَیْهِ كَكَوْنِ الشَّیْ ءِ عَلَی الشَّیْ ءِ وَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِحَمْلِهِ فَهُمْ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ بِمَا أَقْدَرَهُمْ عَلَیْهِ قَالَ النَّصْرَانِیُّ صَدَقْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ وَ الْحَدِیثُ طَوِیلٌ أَخَذْنَا مِنْهُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ.

«43»-ید، التوحید الدَّقَّاقُ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ جُذْعَانَ بْنِ نَصْرٍ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّیِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ فَقَالَ لِی مَا یَقُولُونَ قُلْتُ یَقُولُونَ إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَی الْمَاءِ وَ الرَّبُّ فَوْقَهُ فَقَالَ فَقَدْ كَذَبُوا مَنْ زَعَمَ هَذَا فَقَدْ صَیَّرَ اللَّهَ مَحْمُولًا وَ وَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِینَ وَ أَلْزَمَهُ أَنَّ الشَّیْ ءَ الَّذِی یَحْمِلُهُ أَقْوَی مِنْهُ قُلْتُ بَیِّنْ لِی جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَمَّلَ دِینَهُ وَ عِلْمَهُ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ جِنٌّ أَوْ إِنْسٌ أَوْ شَمْسٌ أَوْ قَمَرٌ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ نَثَرَهُمْ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ رَبُّكُمْ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولَ اللَّهِ وَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْأَئِمَّةَ علیهم السلام فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا فَحَمَّلَهُمُ الْعِلْمَ وَ الدِّینَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ هَؤُلَاءِ حَمَلَةُ عِلْمِی وَ دِینِی وَ أُمَنَائِی فِی خَلْقِی وَ

ص: 334

هُمُ الْمَسْئُولُونَ ثُمَّ قِیلَ لِبَنِی آدَمَ أَقِرُّوا لِلَّهِ بِالرُّبُوبِیَّةِ وَ لِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ بِالطَّاعَةِ فَقَالُوا رَبَّنَا أَقْرَرْنَا فَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ اشْهَدُوا فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ شَهِدْنَا عَلَی أَنْ لَا یَقُولُوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ أَوْ یَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ یَا دَاوُدُ وَلَایَتُنَا مُؤَكَّدَةٌ عَلَیْهِمْ فِی الْمِیثَاقِ.

قال الصدوق رحمه اللّٰه فی التوحید إن المشبهة تتعلق بقوله عز و جل إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ و لا حجة لها فی ذلك لأنه عز و جل عنی بقوله اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ أی ثم نقل العرش إلی فوق السماوات و هو مستول علیه و مالك له فقوله عز و جل ثُمَّ إنما هو لدفع العرش إلی مكانه الذی هو فیه و نقله للاستواء و لا یجوز أن یكون معنی قوله استوی استولی لأن الاستیلاء لله تعالی (1)علی الملك و علی الأشیاء لیس هو بأمر حادث بل كان لم یزل مالكا لكل شی ء و مستولیا علی كل شی ء و إنما ذكر عز و جل الاستواء بعد قوله ثم و هو یعنی الرفع مجازا و هو كقوله وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّی نَعْلَمَ الْمُجاهِدِینَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِینَ فذكر نعلم مع قوله حتی و هو عز و جل یعنی حتی یجاهد المجاهدون و نحن نعلم ذلك لأن حتی لا یقع إلا علی فعل حادث و علم اللّٰه عز و جل بالأشیاء لا یكون حادثا و كذلك ذكر قوله عز و جل اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ بعد قوله ثُمَّ و هو یعنی بذلك ثم رفع العرش لاستیلائه علیه و لم یعن بذلك الجلوس و اعتدال البدن لأن اللّٰه لا یجوز أن یكون جسما و لا ذا بدن تعالی اللّٰه عن ذلك علوا كبیرا (2).

ص: 335


1- فی نسخة: لان استیلاء اللّٰه تعالی.
2- قال السیّد الرضیّ قدس اللّٰه روحه فی كتابه تلخیص البیان بعد قوله تعالی: «ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ»*: و هذه استعارة، لان حقیقة الاستواء إنّما توصف بها الاجسام التی تعلو و تهبط و تمیل و تعتدل و المراد بالاستواء هاهنا الاستیلاء بالقدرة و السلطان، لا بحلول القرار و المكان، كما یقال: استوی فلان الملك علی سریر ملكه بمعنی استولی علی تدبیر الملك، و ملك معقد الامر و النهی، و یحسن صفته بذلك و إن لم یكن له فی الحقیقة سریر یقعد علیه، و لا مكان عال یشار إلیه، و إنّما المراد نفاذ أمره فی مملكته، و استیلاء سلطانه علی رعیته. فان قیل: فاللّٰه سبحانه مستول علی كل شی ء بقهره و غلبته و نفاذ أمره و قدرته، فما معنی اختصاص العرش بالذكر هاهنا؟ قیل: كما ثبت أنّه تعالی ربّ لكل شی ء، و قد قال فی صفة نفسه: «رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ»* و قال: «رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِیمِ» فان قیل: فما معنی قولنا: عرش اللّٰه إن لم یرد بذلك كونه علیه؟ قیل: كما یقال: بیت اللّٰه و ان لم یرد كونه فیه، و العرش تطوف به الملائكة تعبدا، كما أن البیت فی الأرض تطوف به الخلائق تعبدا.

«44»-سن، المحاسن أَبِی عَمَّنْ ذَكَرَهُ قَالَ: اجْتَمَعَتِ الْیَهُودُ إِلَی رَأْسِ الْجَالُوتِ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَالِمٌ یَعْنُونَ بِهِ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَیْهِ لِنَسْأَلَهُ فَأَتَوْهُ فَقِیلَ لَهُ هُوَ فِی الْقَصْرِ فَانْتَظَرُوهُ حَتَّی خَرَجَ فَقَالَ لَهُ رَأْسُ الْجَالُوتِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ جِئْنَا نَسْأَلُكَ قَالَ سَلْ یَا یَهُودِیُّ عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ أَسْأَلُكَ عَنْ رَبِّنَا مَتَی كَانَ فَقَالَ كَانَ بِلَا كَیْنُونَةٍ كَانَ بِلَا كَیْفٍ كَانَ لَمْ یَزَلْ بِلَا كَمٍّ وَ بِلَا كَیْفٍ كَانَ لَیْسَ لَهُ قَبْلٌ هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ وَ لَا غَایَةٍ وَ لَا مُنْتَهَی غَایَةٍ وَ لَا غَایَةَ إِلَیْهَا انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْغَایَاتُ فَهُوَ غَایَةُ كُلِّ غَایَةٍ قَالَ فَقَالَ رَأْسُ الْجَالُوتِ لِلْیَهُودِ امْضُوا بِنَا (1)فَهَذَا أَعْلَمُ مِمَّا یُقَالُ فِیهِ (2).

بیان: و لا غایة إلیها أی ینتهی إلیها.

«45»-سن، المحاسن الْقَاسِمُ بْنُ یَحْیَی عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی علیه السلام وَ سُئِلَ عَنْ مَعْنَی قَوْلِ اللَّهِ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی فَقَالَ اسْتَوْلَی عَلَی مَا دَقَّ وَ جَلَّ.

ج، الإحتجاج عن الحسن مثله.

«46»-ید، التوحید مع، معانی الأخبار ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَیْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی قَالَ اسْتَوَی مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ فَلَیْسَ شَیْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَیْهِ مِنْ شَیْ ءٍ.

«47»- فس، تفسیر القمی مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام سُئِلَ عَنْ مَعْنَی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی فَقَالَ اسْتَوَی مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ فَلَیْسَ شَیْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَیْهِ مِنْ شَیْ ءٍ.

ید، التوحید ماجیلویه عن محمد العطار عن سهل مثله

ص: 336


1- و فی نسخة: مروا بنا.
2- و فی الروایة دلالة علی كونه تعالی هو المطلوب المطلق لكل شی ء.

ید، التوحید ابن الولید عن محمد العطار عن سهل عن الخشاب رفعه عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام مثله.

«48»-ید، التوحید أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی فَقَالَ اسْتَوَی مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ فَلَیْسَ شَیْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَیْهِ مِنْ شَیْ ءٍ لَمْ یَبْعُدْ مِنْهُ بَعِیدٌ وَ لَمْ یَقْرُبْ مِنْهُ قَرِیبٌ اسْتَوَی مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ.

بیان: اعلم أن الاستواء یطلق علی معان الأول الاستقرار و التمكن علی الشی ء الثانی قصد الشی ء و الإقبال إلیه الثالث الاستیلاء علی الشی ء قال الشاعر.

قد استوی بشر علی العراق. من غیر سیف و دم مهراق.

الرابع الاعتدال یقال سویت الشی ء فاستوی الخامس المساواة فی النسبة.

فأما المعنی الأول فیستحیل علی اللّٰه تعالی لما ثبت بالبراهین العقلیة و النقلیة من استحالة كونه تعالی مكانیا فمن المفسرین من حمل الاستواء فی هذه الآیة علی الثانی أی أقبل علی خلقه و قصد إلی ذلك و قد رووا أنه سئل أبو العباس أحمد بن یحیی عن هذه الآیة فقال الاستواء الإقبال علی الشی ء و نحو هذا قال الفراء و الزجاج فی قوله عز و جل ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ و الأكثرون منهم حملوها علی الثالث أی استولی علیه و ملكه و دبره قال الزمخشری لما كان الاستواء علی العرش و هو سریر الملك لا یحصل إلا مع الملك جعلوه كنایة عن الملك فقالوا استوی فلان علی السریر یریدون ملكه و إن لم یقعد علی السریر البتة و إنما عبروا عن حصول الملك بذلك لأنه أصرح و أقوی فی الدلالة من أن یقال فلان ملك و نحوه قولك ید فلان مبسوطة و ید فلان مغلولة بمعنی أنه جواد أو بخیل لا فرق بین العبارتین إلا فیما قلت حتی أن من لم یبسط یده قط بالنوال أو لم یكن له ید رأسا و هو جواد قیل فیه یده مبسوطة لأنه لا فرق عندهم بینه و بین قولهم جواد انتهی و یحتمل أن یكون المراد المعنی الرابع بأن یكون كنایة عن نفی النقص عنه تعالی من جمیع الوجوه فیكون قوله تعالی عَلَی الْعَرْشِ

ص: 337

حالیة و سیأتی توجیهه و لكنه بعید و أما المعنی الخامس فهو الظاهر مما مر من الأخبار.

فاعلم أن العرش قد یطلق علی الجسم العظیم الذی أحاط بسائر الجسمانیات و قد یطلق علی جمیع المخلوقات و قد یطلق علی العلم أیضا كما وردت به الأخبار الكثیرة (1) و سیأتی تحقیقه فی كتاب السماء و العالم.

فإذا عرفت هذا فإما أن یكون علیه السلام فسر العرش بمجموع الأشیاء و ضمن الاستواء ما یتعدی بعلی كالاستیلاء و الاستعلاء و الإشراف فالمعنی استوت نسبته إلی كل شی ء حال كونه مستولیا علیها أو فسره بالعلم و یكون متعلق الاستواء مقدرا أی تساوت نسبته من كل شی ء حال كونه متمكنا علی عرش العلم فیكون إشارة إلی بیان نسبته تعالی و أنها بالعلم و الإحاطة أو المراد بالعرش عرش العظمة و الجلال و القدرة كما فسر بها أیضا فی بعض الأخبار أی استوی من كل شی ء مع كونه فی غایة العظمة و متمكنا علی عرش التقدس و الجلالة و الحاصل أن علو قدره لیس مانعا من دونه بالحفظ و التربیة و الإحاطة و كذا العكس و علی التقادیر فقوله اسْتَوی خبر و قوله عَلَی الْعَرْشِ حال و یحتمل أن یكونا خبرین علی بعض التقادیر و لا یبعد علی الاحتمال الأول جعل قوله عَلَی الْعَرْشِ متعلقا بالاستواء بأن تكون كلمة علی بمعنی إلی و یحتمل علی تقدیر حمل العرش علی العلم أن یكون قوله عَلَی الْعَرْشِ خبرا و قوله اسْتَوی حالا عن العرش لكنه بعید و علی التقادیر یمكن أن یقال إن النكتة فی إیراد الرحمن بیان أن رحمانیته توجب استواء نسبته إیجادا و حفظا و تربیة و علما إلی الجمیع بخلاف الرحیمیة فإنها تقتضی إفاضة الهدایات الخاصة علی المؤمنین فقط و كذا كثیر من أسمائه الحسنی تخص جماعة كما سیأتی تحقیقها و یؤید بعض الوجوه التی ذكرنا ما ذكره الصدوق رحمه اللّٰه فی كتاب العقائد حیث قال اعتقادنا فی العرش أنه جملة جمیع الخلق و العرش

ص: 338


1- قال الشیخ الطوسیّ قدّس سرّه فی كتابه التبیان ذیل قوله تعالی: «ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ»* فی سورة یونس: قیل: إن العرش المذكور هاهنا هو السماوات و الأرض، لانهن من بنائه، و العرش: البناء، و منه قوله: «یَعْرِشُونَ»* أی یبنون، و أمّا العرش المعظم الذی تعبد اللّٰه الملائكة بالحفوف به و الاعظام له و عناه بقوله: «الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ» فهو غیر هذا.

فی وجه آخر هو العلم و

سُئِلَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی فَقَالَ اسْتَوَی مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ فَلَیْسَ شَیْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَیْهِ مِنْ شَیْ ءٍ.

انتهی و إنما بسطنا الكلام فی هذا المقام لصعوبة فهم تلك الأخبار علی أكثر الأفهام.

أقول: قد مرت الأخبار المناسبة لهذا الباب فی باب إثبات الصانع و باب نفی الجسم و الصورة و سیأتی فی باب احتجاج أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه علی النصاری و باب العرش و الكرسی و باب جوامع التوحید.

إلی هنا تمّ الجزء الثالث من بحار الأنوار من هذه الطبعة المزدانة بتعالیق نفیسة قیّمة و فوائد جمّة ثمینة؛ و یساوی هذا الجلد مع 104 صفحة من ثانی أجزاء الطبع الكمپانی و یحوی 276 حدیثاً و 14 باباً و اللّٰه الموفّق للخیر و الرشاد جمادی الثانیة 1376 ه

ص: 339

فهرست ما فی هذا الجزء

الموضوع/ الصفحه

باب 1 ثواب الموحّدین و العارفین، و بیان وجوب المعرفة و علّته، و بیان ما هو حقّ معرفته تعالی؛ و فیه 39 حدیثاً. 1

باب 2 علّة احتجاب اللّٰه عزّ و جلّ عن خلقه؛ و فیه حدیثان. 15

باب 3 إثبات الصانع و الاستدلال بعجائب صنعه علی و جوده و علمه و قدرته و سائر صفاته؛ و فیه 29 حدیثاً. 16

باب 4 توحید المفضّل. 57

باب 5؛ حدیث الإهلیجیّة. 152

باب 6 التوحید و نفی الشریك، و معنی الواحد و الأحد و الصمد، و تفسیر سورة التوحید؛ و فیه 25 حدیثاً. 198

باب 7 عبادة الأصنام و الكواكب و الأشجار و النیّرین و علّة حدوثها و عقاب من عبدها أو قرّب إلیها قرباناً؛ و فیه 12 حدیثاً. 244

باب 8 نفی الولد و الصاحبة؛ و فیه 3 أحادیث. 254

باب 9 النهی عن التفكّر فی ذات اللّٰه تعالی، و الخوض فی مسائل التوحید، وإطلاق القول بأنّه شی ء؛ و فیه 32 حدیثاً. 257

باب 10 أدنی ما یجزی من المعرفة فی التوحید، و أنّه لا یعرف اللّٰه إلا به؛ و فیه 9 أحادیث. 267

باب 11 الدین الحنیف و الفطرة و صبغة اللّٰه و التعریف فی المیثاق؛ و فیه 42 حدیثاً. 276

باب 12 إثبات قدمه تعالی و امتناع الزوال علیه؛ و فیه 7 أحادیث. 283

باب 13 نفی الجسم و الصورة و التشبیه و الحلول و الإتّحاد، و أنه لا یدرك بالحواسّ و الأوهام و العقول و الأفهام؛ و فیه 47 حدیثاً. 287

باب 14 نفی الزمان و المكان و الحركة و الانتقال عنه تعالی، و تأویل الآیات و الأخبار فی ذلك؛ و فیه 47 حدیثاً. 309

ص: 340

رموز الكتاب

ب: لقرب الإسناد.

بشا: لبشارة المصطفی.

تم: لفلاح السائل.

ثو: لثواب الأعمال.

ج: للإحتجاج.

جا: لمجالس المفید.

جش: لفهرست النجاشیّ.

جع: لجامع الأخبار.

جم: لجمال الأسبوع.

جُنة: للجُنة.

حة: لفرحة الغریّ.

ختص: لكتاب الإختصاص.

خص: لمنتخب البصائر.

د: للعَدَد.

سر: للسرائر.

سن: للمحاسن.

شا: للإرشاد.

شف: لكشف الیقین.

شی: لتفسیر العیاشیّ

ص: لقصص الأنبیاء.

صا: للإستبصار.

صبا: لمصباح الزائر.

صح: لصحیفة الرضا علیه السلام.

ضا: لفقه الرضا علیه السلام.

ضوء: لضوء الشهاب.

ضه: لروضة الواعظین.

ط: للصراط المستقیم.

طا: لأمان الأخطار.

طب: لطبّ الأئمة.

ع: لعلل الشرائع.

عا: لدعائم الإسلام.

عد: للعقائد.

عدة: للعُدة.

عم: لإعلام الوری.

عین: للعیون و المحاسن.

غر: للغرر و الدرر.

غط: لغیبة الشیخ.

غو: لغوالی اللئالی.

ف: لتحف العقول.

فتح: لفتح الأبواب.

فر: لتفسیر فرات بن إبراهیم.

فس: لتفسیر علیّ بن إبراهیم.

فض: لكتاب الروضة.

ق: للكتاب العتیق الغرویّ

قب: لمناقب ابن شهر آشوب.

قبس: لقبس المصباح.

قضا: لقضاء الحقوق.

قل: لإقبال الأعمال.

قیة: للدُروع.

ك: لإكمال الدین.

كا: للكافی.

كش: لرجال الكشیّ.

كشف: لكشف الغمّة.

كف: لمصباح الكفعمیّ.

كنز: لكنز جامع الفوائد و تأویل الآیات الظاهرة معا.

ل: للخصال.

لد: للبلد الأمین.

لی: لأمالی الصدوق.

م: لتفسیر الإمام العسكریّ علیه السلام.

ما: لأمالی الطوسیّ.

محص: للتمحیص.

مد: للعُمدة.

مص: لمصباح الشریعة.

مصبا: للمصباحین.

مع: لمعانی الأخبار.

مكا: لمكارم الأخلاق.

مل: لكامل الزیارة.

منها: للمنهاج.

مهج: لمهج الدعوات.

ن: لعیون أخبار الرضا علیه السلام.

نبه: لتنبیه الخاطر.

نجم: لكتاب النجوم.

نص: للكفایة.

نهج: لنهج البلاغة.

نی: لغیبة النعمانیّ.

هد: للهدایة.

یب: للتهذیب.

یج: للخرائج.

ید: للتوحید.

یر: لبصائر الدرجات.

یف: للطرائف.

یل: للفضائل.

ین: لكتابی الحسین بن سعید او لكتابه و النوادر.

یه: لمن لا یحضره الفقیه.

ص: 341

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.