دروس حوزه - پايه دهم

مشخصات كتاب

سرشناسه:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان،1389

عنوان و نام پديدآور:دروس حوزه (پايه دهم)/ واحد تحقيقات مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

مشخصات نشر:اصفهان:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان 1389.

مشخصات ظاهري:نرم افزار تلفن همراه و رايانه

موضوع : حوزه و دانشگاه.

موضوع : حوزه هاي علميه-- ايران.

موضوع : دانشگاه ها و مدارس عالي-- ايران.

شناسه افزوده : مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

كفايةالأصول (از مفاهيم تا أخر)

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

المقصد الثالث المفاهيم

اشارة

ص: 192

ص: 193

المقصد الثالث في المفاهيم

مقدمة [تعريف المفهوم و أنه من صفات المدلول أو الدلالة]

و هي (أن المفهوم كما يظهر من موارد إطلاقه هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ بتلك الخصوصية و لو بقرينة الحكمة و كان يلزمه لذلك وافقه في الإيجاب و السلب أو خالفه) فمفهوم إن جاءك زيد فأكرمه مثلا لو قيل به قضية شرطية سالبة بشرطها و جزائها لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية و تكون لها خصوصية بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها فصح أن يقال (إن المفهوم إنما هو حكم غير مذكور لا أنه حكم لغير مذكور) كما فسر (1) به و قد وقع فيه النقض و الإبرام بين الأعلام (2) مع أنه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام لأنه من قبيل شرح الاسم كما في التفسير اللغوي.

و منه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام فلا يهمنا التصدي لذلك كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة و إن كان بصفات


1- كما عن العضدي، راجع شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب/ 306، في المنطوق و المفهوم.
2- راجع تقريرات الشيخ مطارح الأنظار/ 167 و الفصول 145 و القوانين 1/ 167.

ص: 194

المدلول أشبه و توصيف الدلالة [به] (1) أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق.

و قد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم و عدمه في الحقيقة إنما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الأخرى أم لا.

فصل الجملة الشرطية

اشارة

هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء كما تدل على الثبوت عند الثبوت بلا كلام أم لا فيه خلاف بين الأعلام.

لا شبهة في استعمالها و إرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام إنما الإشكال و الخلاف في أنه بالوضع أو بقرينة عامة بحيث لا بد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال فلا بد للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.

و أما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة فإن له منع دلالتها على اللزوم بل على مجرد الثبوت عند الثبوت و لو من باب الاتفاق أو منع دلالتها على الترتب أو على نحو الترتب على العلة أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية.

لكن منع دلالتها على اللزوم و دعوى كونها اتفاقية في غاية السقوط لانسباق اللزوم منها قطعا و أما المنع عن أنه بنحو الترتب على العلة فضلا عن كونها منحصرة فله مجال واسع.

و دعوى تبادر اللزوم و الترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة مع كثرة


1- أثبناه من « أ».

ص: 195

استعمالها في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم بعيدة عهدتها على مدعيها كيف و لا يرى في استعمالها فيهما (1) عناية و رعاية علاقة بل إنما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية كما يظهر على من أمعن النظر و أجال البصر (2) في موارد الاستعمالات و في عدم الإلزام و الأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات و الاحتجاجات و صحة الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم و عدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم.

و أما دعوى الدلالة بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل أفرادها و هو اللزوم بين العلة المنحصرة و معلولها ففاسدة جدا لعدم كون الأكملية موجبة للانصراف إلى الأكمل لا سيما مع كثرة الاستعمال في غيره كما لا يكاد يخفى.

هذا مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد و أقوى.

إن قلت نعم و لكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي.

قلت أولا هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة و لا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا و إلا لما كان معنى حرفيا كما يظهر وجهه بالتأمل.

و ثانيا تعينه من بين أنحائه بالإطلاق المسوق في مقام البيان بلا معين و مقايسته مع تعين الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر مع الفارق فإن النفسي هو الواجب على كل حال بخلاف الغيري فإنه واجب على تقدير دون


1- في « ب»: فيها.
2- في « ب»: البصيرة.

ص: 196

تقدير فيحتاج بيانه إلى مئونة التقييد بما إذا وجب الغير فيكون الإطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولا عليه و هذا بخلاف اللزوم و الترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم و الترتب محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر بلا تفاوت أصلا كما لا يخفى.

ثم إنه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط بتقريب أنه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ضرورة أنه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده و قضية إطلاقه أنه يؤثر كذلك مطلقا.

و فيه أنه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك إلا أنه من المعلوم ندرة تحققه لو لم نقل بعدم اتفاقه.

فتلخص بما ذكرناه أنه لم ينهض دليل على وضع مثل إن على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء و لم تقم عليها قرينة عامة أما قيامها أحيانا كانت مقدمات الحكمة أو غيرها مما لا يكاد ينكر فلا يجدي القائل بالمفهوم أنه قضية (1) الإطلاق في مقام من باب الاتفاق.

و أما توهم أنه قضية (2) إطلاق الشرط بتقريب أن مقتضاه تعينه كما أن مقتضى إطلاق الأمر تعين الوجوب.

ففيه أن التعين ليس في الشرط نحوا يغاير نحوه فيما إذا كان متعددا كما كان في الوجوب كذلك و كان الوجوب في كل منهما متعلقا بالواجب بنحو آخر لا بد في التخييري منهما من العدل و هذا بخلاف الشرط فإنه واحدا كان أو متعددا كان نحوه واحدا و دخله في المشروط بنحو واحد لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا كي تتفاوت عند الإطلاق إثباتا و كان الإطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مئونة و هو ذكره بمثل أو كذا


1- في « ب»: قضيته.
2- في « ب»: قضيته.

ص: 197

و احتياج ما إذا كان الشرط متعددا إلى ذلك إنما يكون لبيان التعدد لا لبيان نحو الشرطية فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف كان هناك شرط آخر أم لا حيث كان مسوقا لبيان شرطيته بلا إهمال و لا إجمال.

بخلاف إطلاق الأمر فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني فلا محالة يكون في مقام الإهمال أو الإجمال تأمل تعرف هذا مع أنه لو سلم لا يجدي القائل بالمفهوم لما عرفت أنه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإطلاق من باب الاتفاق.

ثم إنه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه
أحدها

(ما عزي إلى السيد (1) من أن تأثير الشرط إنما هو تعليق الحكم به و ليس بممتنع أن يخلفه و ينوب منابه شرط آخر يجري مجراه و لا يخرج عن كونه شرطا فإن قوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ (2) يمنع من قبول الشاهد الواحد حتى ينضم إليه شاهد آخر فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول ثم علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الأول شرط في القبول ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضا فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى مثل الحرارة فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة لاحتمال قيام النار مقامها و الأمثلة لذلك كثيرة شرعا و عقلا.)

و الجواب أنه قدس سره إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت و في الواقع فهو مما لا يكاد ينكر ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه في مقام الإثبات و دلالة القضية الشرطية عليه و إن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه فمجرد الاحتمال لا يضره ما لم يكن


1- الذريعة: 1/ 406، في جوابه عن ثالث وجوه أدلة القول بثبوت المفهوم.
2- البقرة/ 282.

ص: 198

بحسب القواعد اللفظية راجحا أو مساويا و ليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلا كما لا يخفى.

ثانيها

أنه لو دل لكان بإحدى الدلالات و الملازمة كبطلان التالي ظاهرة و قد أجيب عنه بمنع بطلان التالي و أن الالتزام ثابت و قد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه فلا تغفل.

ثالثها

قوله تبارك و تعالى (1) وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً.

و فيه ما لا يخفى ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له أحيانا و بالقرينة لا يكاد ينكر كما في الآية و غيرها و إنما القائل به إنما يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامة كما عرفت.

بقي هاهنا أمور
الأمر الأول [ضابط أخذ المفهوم]
اشارة

أن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخصه ضرورة انتفائه عقلا بانتفاء موضوعه و لو ببعض قيوده فلا (2) يتمشى الكلام في أن للقضية الشرطية مفهوما أو ليس لها مفهوم إلا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء و انتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكنا و إنما وقع النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء أو لا يكون لها دلالة.

و من هنا انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا و الأوقاف و النذور و الأيمان كما توهم (3) بل (عن الشهيد


1- النور/ 33.
2- في « ب»: و لا.
3- مطارح الأنظار/ 173، الهداية الثالثة من القول في المفهوم و المنطوق.

ص: 199

في تمهيد القواعد [1] أنه لا إشكال في دلالتها على المفهوم) و ذلك لأن انتفاءها عن غير ما هو المتعلق لها من الأشخاص التي تكون بألقابها أو بوصف شي ء أو بشرطه مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه بل لأجل أنه إذا صار شي ء وقفا على أحد أو أوصي به أو نذر له إلى غير ذلك لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له و انتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غيره مورد المتعلق قد عرفت أنه عقلي مطلقا و لو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.

[توهم جزئية الحكم المعلق على الشرط و دفعه]

إشكال و دفع لعلك تقول كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم لا نفس شخص الحكم في القضية و كان الشرط في الشرطية إنما وقع شرطا بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه لا انتفاء سنخه و هكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم.

و لكنك غفلت عن أن المعلق على الشرط إنما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة و معناها و أما الشخص و الخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه كما لا يخفى كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الإخبار به من خصوصيات ما أخبر به

[1] تمهيد القواعد/ 14، القاعدة 25، عن قوله: ذهب جماعة من الأصوليين إلى أنّ مفهوم الصفة و الشرط حجة... الخ.

الشهيد الثاني هو الشيخ الاجل زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي ولد عام 911 ه- ، قرأ على والده جملة من الكتب العربية و الفقه، ختم القرآن و عمره تسع سنين. ارتحل الى بلاد عديدة وقرأ على كثير من العلماء منهم الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، ثم انتقل الى بلده و اشتغل بالتدريس و التصنيف و مصنفاته كثيرة مشهورة أولها «الروض» و آخرها «الروضة» و من تلامذته ابنه صاحب المعالم و صاحب المدارك و والد البهائي و غيرهم، استشهد سنة 966 ه- (الكنى و الالقاب 2/ 344).

ص: 200

و استعمل فيه إخبارا لا إنشاء.

و بالجملة كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط خاصا بالخصوصيات الناشئة من قبل الإخبار به كذلك المنشأ بالصيغة المعلق عليه و قد عرفت بما حققناه في معنى الحرف و شبهه أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له و أن خصوصية لحاظه بنحو الآلية و الحالية لغيره من خصوصية الاستعمال كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه. و بذلك قد انقدح فساد (ما يظهر من التقريرات (1) في مقام التفصي عن هذا الإشكال من التفرقة بين الوجوب الإخباري و الإنشائي بأنه كلي في الأول و خاص في الثاني حيث دفع الإشكال بأنه لا يتوجه في الأول لكون الوجوب كليا و على الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها فإنه يرتفع و لو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب و الوصف.

و أورد (2) على ما تفصي به عن الإشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكره بما حاصله أن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب لما أفاده و كون الموضوع له في الإنشاء عاما لم يقم عليه دليل لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه حيث إن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الألفاظ).

و ذلك لما عرفت من أن الخصوصيات في الإنشاءات و الإخبارات إنما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما و لعمري لا يكاد ينقضي تعجبي كيف تجعل خصوصيات الإنشاء من خصوصيات المستعمل


1- مطارح الأنظار/ 173، في الهداية الثالثة من القول في المنطوق و المفهوم.
2- المصدر المتقدم/ 173 في الهداية الثالثة من القول في المفهوم و المنطوق.

ص: 201

فيه مع أنها كخصوصيات الإخبار تكون ناشئة من الاستعمال و لا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال كما هو واضح لمن تأمل.

الأمر الثاني [إذا تعدد الشرط و قلنا بالمفهوم فهل يخصص مغهوم كل بمنطوق الآخر]

أنه إذا تعدد الشرط مثل إذا خفي الأذان فقصر و إذا خفي الجدران فقصر فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم لا بد من التصرف و رفع اليد عن الظهور.

إما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.

و إما برفع اليد عن المفهوم فيهما فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شي ء آخر في الجزاء بخلاف الوجه الأول فإن فيهما الدلالة على ذلك.

و إما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر فيكون الشرط هو خفاء الأذان و الجدران معا فإذا خفيا وجب القصر و لا يجب عند انتفاء خفائهما و لو خفي أحدهما.

و إما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما بأن يكون تعدد الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.

و لعل العرف يساعد على الوجه الثاني كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه بملاحظة أن الأمور المتعددة بما هي مختلفة لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة و المعلول و لا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان و لذلك أيضا لا يصدر من الواحد إلا الواحد فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد و هو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد على المفهوم و بقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله و إن كان بناء العرف و الأذهان العامية

ص: 202

على تعدد الشرط و تأثير كل شرط بعنوانه الخاص فافهم.

[و أما رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين و بقاء الاخر على مفهومه فلا وجه لأن يصار إليه إلا بدليل آخر إلا أن يكون ما أبقى على المفهوم أظهر فتدبر جيدا].

الأمر الثالث [تداخل المسببات]

إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء فلا إشكال على الوجه الثالث و أما على سائر الوجوه فهل اللازم لزوم الإتيان بالجزاء متعددا حسب تعدد الشروط أو يتداخل و يكتفى بإتيانه دفعة واحدة.

فيه أقوال و (المشهور عدم التداخل) و عن (جماعة منهم المحقق الخوانساري (1) التداخل) و عن (الحلي [1] التفصيل بين اتحاد جنس الشروط و تعدده).

و التحقيق أنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بكشفه عن سببه و كان قضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط كان الأخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة مثل الوضوء بما هي واحدة في مثل إذا بلت فتوضأ و إذا نمت فتوضأ أو فيما إذا بال مكررا أو نام (2) كذلك محكوما بحكمين متماثلين و هو واضح الاستحالة كالمتضادين.

فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت أو الالتزام بكون متعلق الجزاء و إن كان واحدا صورة إلا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط متصادقة على واحد فالذمة و إن اشتغلت بتكاليف متعددة حسب

[1] السرائر/ 55، في باب أحكام السهو و الشك في الصلاة.

هو محمّد بن أحمد بن ادريس الحلّي، فاضل فقيه و محقق نبيه، فخر الاجلة و شيخ فقهاء الحلة صاحب كتاب «السرائر» و «مختصر تبيان الشيخ» توفي سنة 598 و هو ابن خمس و خمسين. (الكنى و الالقاب 1/ 201).


1- مشارق الشموس 61، كتاب الطهارة في تداخل الأغسال الواجبة، قال: لأن تداخل الأسباب لا يوجب تعدد المسببات.
2- في چب»: و.

ص: 203

تعدد الشروط إلا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعا لها كما في أكرم هاشميا و أضف عالما فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ضرورة أنه بضيافته بداعي الأمرين يصدق أنه امتثلهما و لا محالة يسقط الأمر بامتثاله و موافقته و إن كان له امتثال كل منهما على حدة كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة و أضاف العالم الغير الهاشمي.

إن قلت كيف يمكن ذلك أي الامتثال بما تصادق (1) عليه العنوانان مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه.

قلت انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب و انتزاع صفته له مع أنه على القول بجواز الاجتماع لا محذور في اتصافه بهما بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد فافهم.

أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كل شرط إلا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول و تأكد وجوبه عند الآخر.

و لا يخفى أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد و إن كان صورة واحدا سمي (2) باسم واحد كالغسل و إلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الأول تؤكد ما حدث بالأول و مجرد الاحتمال لا يجدي ما لم يكن في البين ما يثبته.

إن قلت وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية لعدم إمكان الأخذ بظهورها حيث إن قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في


1- في « أ و ب»: تصادقا.
2- في « أ» مسمى.

ص: 204

المثال كما مرت الإشارة إليه.

قلت نعم إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال هو وجوب وضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر و لا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا كما لا يخفى.

إن قلت نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الإطلاق.

قلت نعم لو لم يكن ظهور الجملة [الشرطية]» في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب مقتضيا لذلك أي لتعدد الفرد و (1) بيانا لما هو المراد من الإطلاق.

و بالجملة لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء و ظهور الإطلاق ضرورة أن ظهور الإطلاق يكون معلقا على عدم البيان و ظهورها في ذلك صالح لأن يكون بيانا فلا ظهور له مع ظهورها فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى [1].

فتلخص بذلك أن قضية ظاهر الجملة الشرطية هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط.

و قد انقدح مما ذكرناه أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه

[1] هذا واضح بناء على ما يظهر من شيخنا العلامة من كون ظهور الإطلاق معلقا على عدم البيان مطلقا، و لو كان منفصلا، و أما بناء على ما اخترناه في غير مقام، من أنه إنما يكون معلقا على عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقا، فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ و إن كان، إلا أنه لا دوران بينهما حكما، لأن العرف لا يكاد يشك بعد الاطلاع على تعدد القضية الشرطية أن قضيته تعدد الجزاء، و أنه في كل قضية وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى، كما إذا اتصلت القضايا و كانت في كلام واحد، فافهم (منه قدس سره).


1- أثبتناها من « ب».

ص: 205

التي ذكرناها لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات فلا وجه لما (عن الفخر [1] و غيره من ابتناء المسألة على أنها معرفات أو مؤثرات (1)) مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها في كونها معرفات تارة و مؤثرات أخرى ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجمل (2) الشرطية ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم بحيث لولاه لما وجدت له علة كما أنه في الحكم الغير الشرعي قد يكون أمارة على حدوثه بسببه و إن كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما كما لا يخفى.

نعم لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها و إن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها بخلاف الأسباب الغير الشرعية فهو و إن كان له وجه إلا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما هم و أراد.

ثم إنه لا وجه للتفصيل (3) بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس و عدمه و اختيار عدم التداخل في الأول و التداخل في الثاني إلا توهم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني لأنه من أسماء الأجناس فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلا السبب الواحد بخلاف الأول لكون كل منها سببا فلا وجه لتداخلها و هو فاسد.

[1] فخر المحققين ابو طالب محمد بن جمال الدين حسن بن يوسف المطهر الحلي، ولد سنة 682، فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة من عمره الشريف كان والده العلامة يعظمه و يثني عليه، له كتب منها «غاية السؤل» و «شرح مبادى ء الاصول». توفي سنة 771 ه- .

(روضات الجنات 6/ 230 رقم 591).


1- حكى الشيخ الأعظم ( ره) نسبته الى فخر المحققين ( ره) و احتمل تبعية النراقي ( ره) له في العوائد/ مطارح الانظار/ 175 في الهداية 6 من القول في المفهوم و المنطوق.
2- في « ب»: الجملة.
3- المفصل هو ابن إدريس في السرائر/ 55، عند قوله ( قده): فإن سها المصلي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرات كثيرة... الخ.

ص: 206

فإن قضية إطلاق الشرط في مثل إذا بلت فتوضأ هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات و إلا فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد فيما جعلت شروطا و أسبابا لواحد لما مرت إليه الإشارة من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.

و أما ما لا يكون قابلا لذلك فلا بد من تداخل الأسباب فيما لا يتأكد المسبب و من التداخل فيه فيما يتأكد.

فصل الظاهر أنه لا مفهوم للوصف

اشارة

و ما بحكمه مطلقا لعدم ثبوت الوضع و عدم لزوم اللغوية بدونه لعدم انحصار الفائدة به و عدم قرينة أخرى ملازمة له و عليته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له كما لا يخفى و مع كونها بنحو الانحصار و إن كانت مقتضية له إلا أنه لم يكن من مفهوم الوصف ضرورة أنه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام و هو مما لا إشكال فيه و لا كلام فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع و موردا للنقض و الإبرام.

و لا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا لأن الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد فلا فرق أن يقال جئني بإنسان أو بحيوان ناطق كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه إلا ذلك من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد و كأنه لا يكون في البين غيره بل ربما قيل (1).


1- مطارح الانظار/ 183.

ص: 207

إنه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل عليه لو لم نقل بأنه الأقوى لكونه بالمنطوق كما لا يخفى.

و أما الاستدلال على ذلك أي عدم الدلالة على المفهوم بآية وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ (1) ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر كما في الآية قطعا مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية و وجه الاعتبار واضح لعدم دلالته معه على الاختصاص و بدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم فافهم.

تذنيب [تحرير محل النزاع]

لا يخفى أنه لا شبهة في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه و لو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف و أما في غيره ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه و إن كان يظهر مما (عن بعض الشافعية (2) حيث قال قولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل) جريانه فيه و لعل وجهه استفادة العلية المنحصرة منه.

و عليه فيجري فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه فلا وجه في التفصيل بينهما و بين ما إذا كان أخص من وجه (3) فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف بأنه لا وجه للنزاع فيهما معللا بعدم الموضوع و استظهار جريانه من بعض الشافعية فيه كما لا يخفى فتأمل جيدا.


1- النساء/ 23.
2- راجع المنخول للغزالي/ 222، في مسائل المفهوم، عند قوله: ( كقوله: في عوامل الابل زكاة... الخ).
3- التفصيل للشيخ، مطارح الأنظار 182، عند قوله قده: ثم إن الوصف قد يكون مساويا... الخ.

ص: 208

فصل هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية

اشارة

بناء على دخول الغاية في المغيا أو عنها و بعدها بناء على خروجها أو لا.

فيه خلاف و قد نسب (1) إلى المشهور الدلالة على الارتفاع و إلى جماعة منهم السيد (2) و الشيخ [1] عدم الدلالة عليه.

و التحقيق أنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم كما في قوله (: كل شي ء حلال حتى تعرف أنه حرام) (3) (: و كل شي ء طاهر حتى تعلم أنه قذر) (4) كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها لانسباق ذلك منها كما لا يخفى و كونه قضية تقييده بها و إلا لما كان ما جعل غاية له بغاية و هو واضح إلى النهاية.

و أما إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع مثل سر من البصرة إلى

[1] راجع عدة الاصول 2/ 24، تعليق الحكم بالغاية.

هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، ولد سنة 385. قدم العراق سنة 408 ه- ، تلمذ على الشيخ المفيد و السيد المرتضى و ابي الحسين علي بن احمد بن محمد بن ابي الجيد القمي، ثم هاجر الى مشهد امير المؤمنين (ع) خوفا من الفتنة التي تجددت ببغداد و احرقت كتبه و كرسي درسه، بقي في النجف الى ان توفي سنة 460 ه- له مصنفات كثيرة منها:

«التبيان» و «التهذيب» و «الاستبصار» و «المبسوط» و «الخلاف» و «العدة» في الاصول.

(الكنى و الالقاب 2/ 357)


1- كما في مطارح الأنظار/ 186، في مفهوم الغاية، المقام الثاني.
2- الذريعة 1/ 407، في عدم الفرق بين الوصف و الغايه
3- الكافي: 5/ 313. الحديث 40 من باب النوادر، كتاب المعيشة. باختلاف يسير.
4- التهذيب: 1/ 284. الحديث 119. باختلاف يسير.

ص: 209

الكوفة فحالها حال الوصف في عدم الدلالة و إن كان تحديده بها بملاحظة حكمه و تعلق الطلب به و قضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلا بالمغيا من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره لعدم ثبوت وضع لذلك و عدم قرينة ملازمة لها و لو غالبا دلت على اختصاص الحكم به و فائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف.

[دخول الغاية في المغيا و عدمه]

ثم إنه في الغاية خلاف آخر كما أشرنا إليه و هو أنها هل هي داخلة في المغيا بحسب الحكم أو خارجة عنه و الأظهر خروجها لكونها من حدوده فلا تكون محكومة بحكمه و دخوله فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة و عليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول كما أنه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقا ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم فلا تغفل [1].

فصل لا شبهة في دلالة الاستثناء

اشارة

على اختصاص الحكم سلبا أو إيجابا بالمستثنى منه و لا يعم المستثنى و لذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا و من الإثبات نفيا و ذلك للانسباق عند الإطلاق قطعا فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة [2] من عدم الإفادة محتجا بمثل (: لا صلاة إلا بطهور) ضرورة ضعف احتجاجه.

[1] حيث أن المغيّى حينئذ هو نفس الحكم، لا المحكوم به ليصح أن ينازع في دخول الغاية في حكم المغيّى، أو خارج عنه، كما لا يخفى، نعم يعقل أن ينازع في أن الظاهر هل هو انقطاع الحكم المغيّى بحصول غايته [في] الاصطلاح، اي مدخول إلى أو حتى. أو استمراره في تلك الحال، و لكن الاظهر هو انقطاعه، فافهم و استقم، (منه قدس سره).

[2] راجع شرح مختصر الأصول للعضد// 265، و التقرير و التحبير 1/ 313.

ابو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي ولد عام 80 ه- امام الحنفية- احد الأئمة الاربعة عند اهل السنة، قيل اصله من ابناء فارس، ولد و نشأ بالكوفة، و كان يبيع الخز و يطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس و الفتاء، توفي ببغداد عام 150 ه (الكنى و الالقاب 1/ 50).

ص: 210

أولا يكون المراد من مثله [1] أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لأجزائها و شرائطها المعتبرة فيها صلاة إلا إذا كانت واجدة للطهارة و بدونها لا تكون صلاة على وجه و صلاة تامة مأمورا بها على آخر.

و ثانيا بأن الاستعمال مع القرينة كما في مثل التركيب مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلا كما لا يخفى.

و منه قد انقدح (1) أنه لا موقع للاستدلال على المدعى بقبول رسول الله صلى الله عليه و آله إسلام من قال كلمة التوحيد لإمكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.

و الإشكال في دلالتها عليه بأن خبر لا إما يقدر ممكن أو موجود و على كل تقدير لا دلالة لها عليه أما على الأول فإنه (2) حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده تبارك و تعالى لا وجوده و أما على الثاني فلأنها و إن دلت على وجوده تعالى إلا أنه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر مندفع بأن المراد من الإله هو واجب الوجود و نفي ثبوته و وجوده في الخارج و إثبات فرد منه فيه و هو الله يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك و تعالى ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد لكونه من أفراد الواجب.

[1] بل المراد من مثله في المستثني منه نفي الإمكان، و أنه لا يكاد يكون بدون المستثني، قضيته ليس إلا إمكان ثبوته معه لا ثبوته فعلا، لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضايا العرفية (منه قدس سرّه).


1- ردّ على صاحب الفصول و الشيخ ( قدس سره) انظر الفصول/ 195، مطارح الأنظار/ 187
2- في « ب» فلأنه.

ص: 211

ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم و أنه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت عليها الجملة الاستثنائية نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة كانت بالمنطوق كما هو ليس ببعيد و إن كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.

[دلالة كل من إنما و بل على الحصر]

و مما يدل على الحصر و الاختصاص إنما و ذلك لتصريح أهل اللغة بذلك و تبادره منها قطعا عند أهل العرف و المحاورة.

و دعوى أن الإنصاف (1) أنه لا سبيل لنا إلى ذلك فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة و لا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتى يستكشف منها (2) ما هو المتبادر منها غير مسموعة فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضا سبيل.

و ربما يعد مما دل على الحصر كلمة بل الإضرابية و التحقيق أن الإضراب على أنحاء.

منها ما كان لأجل أن المضرب عنه إنما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه فلا دلالة له على الحصر أصلا فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء كما لا يخفى.

و منها ما كان لأجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة و التمهيد لذكر المضرب إليه فلا دلالة له عليه أيضا.

و منها ما كان في مقام الردع و إبطال ما أثبت أولا فيدل عليه [1] و هو

[1] إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتا، و أمّا إذا كان بصدده إثباتا، كما إذا كان مثلا بصدد بيان أنه إنما أثبته أولا بوجه لا يصح معه الاثبات اشتباها، فلا دلالة له على الحصر أيضا، فتامل جيدا (منه قدس سرّه).


1- المدّعي هو الشيخ ( قدس) مطارح الأنظار/ 188.
2- في « ب»: منه.

ص: 212

واضح.

[إفادة المسند إليه المعرف باللام للحصر]

و مما يفيد الحصر على ما قيل تعريف المسند إليه باللام و التحقيق أنه لا يفيده إلا فيما اقتضاه المقام لأن الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس كما أن الأصل في الحمل في القضايا المتعارفة هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود فإنه الشائع فيها لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم كما لا يخفى و حمل شي ء على جنس و ماهية كذلك لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به و حصرها عليه نعم لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال و الإطلاق أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لأفيد حصر مدخوله على محموله و اختصاصه به.

و قد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الأعلام في المقام و ما وقع منهم من النقض و الإبرام و لا نطيل بذكرها فإنه بلا طائل كما يظهر للمتأمل فتأمل جيدا.

فصل لا دلالة للقب و لا للعدد على المفهوم

و انتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلا و قد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه لأنه ليس بذاك الخاص و المقيد و أما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة ضير أصلا بل ربما كان فيها فضيلة و زيادة كما لا يخفى و كيف كان فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم بل إنما يكون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق كما هو معلوم.

ص: 213

المقصد الرابع العام و الخاص

اشارة

ص: 214

ص: 215

المقصد الرابع في العام و الخاص

فصل

قد عرف العام بتعاريف

قد عرف (1) العام بتعاريف

و قد وقع من الأعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة و الانعكاس أخرى بما لا يليق بالمقام فإنها تعاريف لفظية تقع في جواب السؤال عنه بما (2) الشارحة لا واقعة في جواب السؤال عنه بما (3) الحقيقية كيف و كان المعنى المركوز منه في الأذهان أوضح مما عرف به مفهوما و مصداقا و لذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد و عدم صدقه المقياس في الإشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه و لا شبهة يعتريه من أحد و التعريف لا بد أن يكون بالأجلى كما هو أوضح من أن يخفى.

فالظاهر أن الغرض من تعريفه إنما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة في أنها أفراد العام ليشار به إليه في مقام إثبات ما له من الأحكام لا بيان ما هو حقيقته (4) و ماهيته لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الأحكام من أفراده و مصاديقه حيث لا يكون بمفهومه العام محلا لحكم من الأحكام.


1- راجع معارج الاصول/ 81، و زبدة الاصول/ 95، و المستصفى 2/ 32.
2- في « أ»: بالما، و في « ب»: بالماء.
3- في « أ»: بالما، و في « ب»: بالماء.
4- في « ب» حقيقة.

ص: 216

[أقسام العام]

ثم الظاهر أن ما ذكر له من الأقسام من الاستغراقي [1] و المجموعي و البدلي إنما هو باختلاف كيفية تعلق الأحكام به و إلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد و هو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه غاية الأمر أن تعلق الحكم به تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم و أخرى بنحو يكون الجميع موضوعا واحدا بحيث لو أخل بإكرام واحد في أكرم كل فقيه مثلا لما امتثل أصلا بخلاف الصورة الأولى فإنه أطاع و عصى و ثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل بحيث لو أكرم واحدا منهم لقد أطاع و امتثل كما يظهر لمن أمعن النظر و تأمل.

و قد انقدح أن مثل شمول عشرة و غيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها فافهم.

فصل لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه

لغة و شرعا كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما و يعمهما ضرورة أن مثل لفظ كل و ما يرادفه في أي لغة كان تخصه و لا يخص الخصوص و لا يعمه و لا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية بادعاء أنه العموم أو بعلاقة العموم و الخصوص.

و معه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة و لو في ضمنه بخلافه و جعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى و لا إلى أن التخصيص قد اشتهر و شاع حتى قيل ما من عام إلا و قد خص و الظاهر يقتضي كونه حقيقة لما هو الغالب تقليلا للمجاز مع أن تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به مع

[1] إن قلت: كيف ذلك؟ و لكل واحد منها لفظ غير ما للآخر، مثل (أيّ رجل) للبدلي، و (كل رجل) للاستغراقي.

قلت: نعم، و لكنه لا يتقضي أن تكون هذه الأقسام له بملاحظة إختلاف كيفية تعلق الأحكام، لعدم إمكان تطرق هذه الأقسام إلا بهذه الملاحظة، فتأمل جيدا (منه قدس سره).

ص: 217

كون العموم كثيرا ما يراد و اشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز لعدم الملازمة بين التخصيص و المجازية كما يأتي توضيحه و لو سلم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة كما لا يخفى.

فصل [في بيان ما دل على العموم]

ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي أو النهي و دلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا لضرورة أنه لا يكاد يكون طبيعة معدومة إلا إذا لم يكن فرد منها بموجود و إلا كانت موجودة لكن لا يخفى أنها تفيده إذا أخذت مرسلة [1] لا مبهمة قابلة للتقيد و إلا فسلبها لا يقتضي إلا استيعاب السلب لما أريد منها يقينا لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها و هذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية فإنها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها لا الأفراد التي يصلح لانطباقها عليها كما لا ينافي دلالة مثل لفظ كل على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله و لذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة.

نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها و هذا هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا بناء على إفادته للعموم و لذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف و غيره و إطلاق التخصيص على تقييده ليس إلا من قبيل ضيق فم الركية لكن دلالته على العموم وضعا محل منع بل إنما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى و ذلك لعدم اقتضائه وضع اللام و لا مدخوله و لا وضع آخر للمركب منهما كما لا يخفى و ربما يأتي في المطلق و المقيد بعض الكلام مما يناسب المقام.

[1] و إحراز الإرسال فيما اضيفت [إليه] إنما هو بمقدمات الحكمة، فلولاها كانت مهملة، و هي ليست إلا بحكم الجزئية، فلا تفيد إلا نفي هذه الطبيعة في الجملة و لو في ضمن صنف منها، فافهم فانه لا يخلو من دقة (منه قدس سره).

ص: 218

فصل [في تحقيق العام المخصص]

اشارة

لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقا و لو كان متصلا و ما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا كما هو المشهور (1) بين الأصحاب بل لا ينسب الخلاف إلا إلى بعض (2) أهل الخلاف.

و ربما فصل (3) بين المخصص المتصل فقيل بحجيته فيه و بين المنفصل فقيل بعدم حجيته و احتج النافي بالإجمال لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات و تعيين (4) الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح.

و التحقيق في الجواب أن يقال إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازا أما في التخصيص بالمتصل فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا و أن أدوات العموم قد استعملت فيه و إن كان دائرته سعة و ضيقا تختلف باختلاف ذوي الأدوات فلفظة كل في مثل كل رجل و كل رجل عالم قد استعملت في العموم و إن كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة.

و أما في المنفصل فلأن إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه و كون الخاص قرينة عليه بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة و كون الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادما لأصل ظهوره و معه لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازا كي يلزم الإجمال.


1- انظر مطارح الأنظار/ 192.
2- كأبي ثور و عيسى بن أبان، راجع الإحكام في أصول الأحكام، الجزء الثاني/ 43.
3- كالبلخي، راجع المصدرا لمتقدم/ 444.
4- في « ب» تعيّن.

ص: 219

لا يقال هذا مجرد احتمال و لا يرتفع به الإجمال لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.

فإنه يقال مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم و الثابت من مزاحمته بالخاص إنما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو الأقوى كما أشرنا إليه آنفا.

[الفرق بين المخصص المتصل و المنفصل]

و بالجملة الفرق بين المتصل و المنفصل و إن كان بعدم انعقاد الظهور في الأول إلا في الخصوص و في الثاني إلا في العموم إلا أنه لا وجه لتوهم استعماله مجازا في واحد منهما أصلا و إنما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأول و عدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثاني فتفطن.

و قد أجيب عن الاحتجاج (1) بأن الباقي أقرب المجازات.

و فيه لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار و إنما المقدار على الأقربية بحسب زيادة الأنس الناشئة من كثرة الاستعمال و (في تقريرات بحث شيخنا الأستاذ (2) قدس سره في مقام الجواب عن الاحتجاج ما هذا لفظه.

و الأولى أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده و لو كانت دلالة مجازية إذ هي بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله فالمقتضي للحمل على الباقي موجود و المانع مفقود لأن المانع في مثل المقام إنما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله و المفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره فلو شك فالأصل عدمه انتهى موضع الحاجة.)


1- الجواب للمحقق القمي و المحقق الحائري، القوانين 1/ 266، الفصول/ 200.
2- مطارح الأنظار/ 192، في العموم و الخصوص.

ص: 220

قلت لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لأجل دلالته على العموم و الشمول فإذا لم يستعمل فيه و استعمل في الخصوص كما هو المفروض مجازا و كان إرادة كل واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه و استعمال العام فيه مجازا ممكنا كان تعين (1) بعضها بلا معين ترجيحا بلا مرجح و لا مقتضى لظهوره فيه ضرورة أن الظهور إما بالوضع و إما بالقرينة و المفروض أنه ليس بموضوع له و لم يكن هناك قرينة و ليس له موجب آخر و دلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه فالمانع عنه و إن كان مدفوعا بالأصل إلا أنه لا مقتضى له بعد رفع اليد عن الوضع نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلا في العموم كما فيما حققناه في الجواب فتأمل جيدا.

فصل [في المخصص المجمل]

[المخصص اللفظي المجمل مفهوما]

إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا بأن كان دائرا بين الأقل و الأكثر و كان منفصلا فلا يسري إجماله إلى العام لا حقيقة و لا حكما بل كان العام متبعا فيما لا يتبع فيه الخاص لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا ضرورة أن الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا فيما لا يكون كذلك كما لا يخفى.

و إن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا أو بين الأقل و الأكثر فيما كان متصلا فيسري إجماله إليه حكما في المنفصل المردد بين المتباينين و حقيقة في غيره.


1- في « أ»: تعيين.

ص: 221

أما الأول فلأن العام على ما حققناه (1) كان ظاهرا في عمومه إلا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.

و أما الثاني فلعدم (2) انعقاد ظهور من رأس للعام لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الأقل و الأكثر أو لكل واحد من المتباينين لكنه حجة في الأقل لأنه المتيقن في البين.

فانقدح بذلك الفرق بين المتصل و المنفصل و كذا في المجمل بين المتباينين و الأكثر و الأقل فلا تغفل.

[المخصص اللفظي المجمل مصداقا]

و أما إذا كان مجملا بحسب المصداق بأن اشتبه فرد و تردد بين أن يكون فردا له أو باقيا تحت العام فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلا في الخصوص كما عرفت.

و أما إذا كان منفصلا عنه ففي جواز التمسك به خلاف و التحقيق عدم جوازه إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه أن الخاص إنما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة و لا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده فخطاب لا تكرم فساق العلماء لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء فلا يزاحم مثل أكرم العلماء و لا يعارضه فإنه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة و هو في غاية الفساد فإن الخاص و إن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا إلا أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الأفراد فيكون أكرم العلماء دليلا و حجة في العالم الغير الفاسق فالمصداق المشتبه و إن كان مصداقا للعام بلا كلام إلا أنه لم يعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة لاختصاص حجيته بغير الفاسق.

و بالجملة العام المخصص بالمنفصل و إن كان ظهوره في العموم كما إذا


1- في صفحة 219.
2- في « ب»: و لعدم.

ص: 222

لم يكن مخصصا بخلاف المخصص بالمتصل كما عرفت إلا أنه في عدم الحجية إلا في غير عنوان الخاص مثله فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين فلا بد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين هذا إذا كان المخصص لفظيا.

[المخصص اللبي المجمل مصداقا]

و أما إذا كان لبيا فإن كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب فهو كالمتصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص و إن لم يكن كذلك فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه.

[الفرق بين المخصص اللفظي و اللبي]

و السر في ذلك أن الكلام الملقى من السيد حجة ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم فلا بد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه مثلا إذا قال المولى أكرم جيراني و قطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعداوته لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا فإن قضية تقديمه عليه هو كون الملقى إليه كأنه كان من رأس لا يعم الخاص كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا و القطع بعدم إرادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته إلا فيما قطع أنه عدوه لا فيما شك فيه كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له و حسن عقوبته على مخالفته و عدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة و السيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور.

و بالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك و لعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما بإلقاء حجتين هناك تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص و تقديمه على العام كأنه لم يعمه حكما من رأس

ص: 223

و كأنه لم يكن بعام بخلاف هاهنا فإن الحجة الملقاة ليست إلا واحدة و القطع بعدم إرادة إكرام العدو في أكرم جيراني مثلا لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلا فيما قطع بخروجه من تحته فإنه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه و مرامه فلا بد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه.

بل يمكن أن يقال إن قضية عمومه للمشكوك أنه ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه فيقال في مثل لعن الله بني أمية قاطبة (1) إن فلانا و إن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم و كل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا فينتج أنه ليس بمؤمن فتأمل جيدا.

إيقاظ [إحراز المشتبه بالأصل الموضوعي]

لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد إلا ما شذ ممكنا فبذلك يحكم عليه بحكم العام و إن لم يجز التمسك به بلا كلام ضرورة أنه قلما لا يوجد (2) عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته مثلا إذا شك أن امرأة تكون قرشية فهي و إن كانت وجدت إما قرشية أو غيرها فلا أصل يحرز أنها قرشية أو غيرها إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها و بين قريش(3) تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض إلا إلى خمسين لأن المرأة التي لا يكون بينها و بين قريش (4) انتساب أيضا باقية تحت ما دل على أن المرأة إنما ترى الحمرة إلى خمسين و الخارج عن تحته هي القرشية فتأمل تعرف.

وهم و إزاحة [التمسك بالعام في غير الشك في التخصيص]

ربما يظهر عن بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك


1- كامل الزيارات/ 176، الباب 71.
2- ي « ب»: لم يوجد.
3- في « أ و ب» القريش.
4- في « أ و ب» القريش.

ص: 224

في فرد لا من جهة احتمال التخصيص بل من جهة أخرى كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف فيستكشف صحته بعموم مثل أوفوا بالنذور فيما إذا وقع متعلقا للنذر بأن يقال وجب الإتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم و كل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا للقطع بأنه لو لا صحته لما وجب الوفاء به و ربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الإحرام و الصيام قبل الميقات (1) و في السفر (2) إذا تعلق بهما النذر كذلك.

[عدم جواز التمسك بالعام في غير مقام التخصيص]

و التحقيق أن يقال إنه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفلة لأحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها إذا أخذ في موضوعاتها أحد الأحكام المتعلقة بالأفعال بعناوينها الأولية (3) كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد و الوفاء بالنذر و شبهه في الأمور المباحة أو الراجحة ضرورة أنه معه لا يكاد يتوهم عاقل إذا شك في رجحان شي ء أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الإطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته.

نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه و القدرة عليه فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلا فإذا شك في جوازه صح (4) التمسك بعموم دليلها في الحكم بجوازها و إذا كانت محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية وقع (5) المزاحمة بين المقتضيين و يؤثر الأقوى منهما لو


1- التهذيب 5/ 53، الاحاديث 8 الى 10 من باب 6 المواقيت. الاستبصار 2/ 161 الاحايث 8 الى 10 من باب 93 من أحرم قبل الميقات، و للمزيد راجع وسائل الشيعة 8/ 236 الباب 13 من ابواب المواقيت.
2- التهذيب 4/ 235 الحديث 63 و 64 من باب 57 حكم المسافر و المريض في الصيام و للمزيد راجع وسائل الشيعة 7/ 139 البا 10 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث 1 و 7.
3- في « أ»: الاولوية.
4- في « أ»: فصح.
5- في « أ»: فتقع.

ص: 225

كان في البين و إلا لم يؤثر أحدهما و إلا لزم الترجيح بلا مرجح فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر كالإباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب و الآخر للحرمة مثلا.

و أما صحة الصوم في السفر بنذره فيه بناء على عدم صحته فيه بدونه و كذا الإحرام قبل الميقات فإنما هو لدليل خاص كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر و قبل الميقات و إنما لم يأمر بهما استحبابا أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر و إما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك كما ربما يدل عليه ما في الخبر من كون (: الإحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت). (1)

لا يقال لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه إلا الإتيان بالمنذور بأي داع كان.

فإنه يقال عباديتهما إنما تكون لأجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما ملازم لتعلق النذر بهما هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل و إلا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما بعد تعلق النذر بإتيانهما عباديا و متقربا بهما منه تعالى فإنه و إن لم يتمكن من إتيانهما كذلك قبله إلا أنه يتمكن منه بعده و لا يعتبر في صحة النذر إلا التمكن من الوفاء و لو بسببه فتأمل جيدا.

بقي شي ء [في إحراز عدم فردية شي ء للعام بأصالة العموم]

و هو أنه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في أنه من مصاديق العام مع العلم بعدم كونه محكوما


1- لم نعثر على الخبر المشار اليه في المتن، و لكن ورد أنه كمن صلّى في السفر اربعا و ترك الثنتين. راجع الكافي 4/ 321 الحديث 2، 6 من باب من حرم دون الوقت.

ص: 226

بحكمه مصداقا له مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه و شك في أنه عالم فيحكم عليه بأصالة عدم تخصيص أكرم العلماء أنه ليس بعالم بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الأحكام.

فيه إشكال لاحتمال اختصاص حجيتها بما إذا شك في كون فرد العام محكوما بحكمه كما هو قضية عمومه و المثبت من الأصول اللفظية و إن كان حجة إلا أنه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل و لا دليل هاهنا إلا السيرة و بناء العقلاء و لم يعلم استقرار بنائهم على ذلك فلا تغفل.

فصل هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

اشارة

فيه خلاف و ربما نفي (1) الخلاف عن عدم جوازه بل ادعي الإجماع (2) عليه و الذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا أو بعد الفحص عن المخصص و اليأس عن الظفر به بعد الفراغ عن (3) اعتبارها بالخصوص في الجملة من باب الظن النوعي للمشافه و غيره ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا و لم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا و عليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به على عدم جواز العمل به قبل الفحص و اليأس.

فالتحقيق عدم جواز التمسك به قبل الفحص فيما إذا كان في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب و السنة و ذلك لأجل أنه لو لا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله فلا أقل من الشك


1- الغزالي في المستصفى 2/ 157.
2- مطارح الانظار/ 197، قال: « بل ادعى عليه الاجماع كما عن النهاية» و لم نعثر عليه في مظانه من النهاية، راجع نهاية الاصول/ 139. و نقل الاجماع عن الغزالي و الآمدي، راجع فواتح الرحموت 1/ 267.
3- ي « ب»: من.

ص: 227

كيف و قد ادعي الإجماع على عدم جوازه فضلا عن نفي الخلاف عنه و هو كاف في عدم الجواز كما لا يخفى.

و أما إذا لم يكن العام كذلك كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في ألسنة أهل المحاورات فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصص و قد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية له كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التي استدل بها من العلم الإجمالي به (1) أو حصول الظن بما هو التكليف (2) أو غير ذلك رعايتها فتختلف مقداره بحسبها كما لا يخفى.

ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل باحتمال أنه كان و لم يصل بل حاله حال احتمال قرينة المجاز و قد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا و لو قبل الفحص عنها كما لا يخفى.

إيقاظ [الفرق في الفحص بين الأصول اللفظية و العملية]

لا يذهب عليك الفرق بين الفحص هاهنا و بينه في الأصول العملية حيث إنه هاهنا عما يزاحم الحجة (3) بخلافه هناك فإنه بدونه لا حجة ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان و المؤاخذة عليها من غير برهان و النقل و إن دل على البراءة أو الاستصحاب في موردهما مطلقا إلا أن الإجماع بقسميه على تقييده به فافهم.

فصل هل الخطابات الشفاهية مثل يا أيها المؤمنون تختص بالحاضر

اشارة

مجلس التخاطب أو تعم غيره من الغائبين بل المعدومين.


1- استدل بهذا الوجه الشيخ ( قده) مطارح الانظار/ 202، رابعها.
2- راجع زبدة الاصول/ 97.
3- في « ب»: الحجية.

ص: 228

فيه خلاف و لا بد قبل الخوض في تحقيق المقام من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض و الإبرام بين الأعلام.

[عدم صحة تكليف المعدوم عقلا و فعلا]

فاعلم أنه يمكن أن يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين كما صح تعلقه بالموجودين أم لا أو في صحة المخاطبة معهم بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالألفاظ الموضوعة للخطاب أو بنفس توجيه الكلام إليهم و عدم صحتها أو في عموم الألفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب للغائبين بل المعدومين و عدم عمومها لهما بقرينة تلك الأداة.

و لا يخفى أن النزاع على الوجهين الأولين يكون عقليا و على الوجه الأخير لغويا.

إذا عرفت هذا فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا بمعنى بعثه أو زجره فعلا ضرورة أنه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة و لا يكاد يكون الطلب كذلك إلا من الموجود ضرورة نعم هو بمعنى مجرد إنشاء الطلب بلا بعث و لا زجر لا استحالة فيه أصلا فإن الإنشاء خفيف المئونة فالحكيم تبارك و تعالى ينشئ على وفق الحكمة و المصلحة طلب شي ء قانونا من الموجود و المعدوم حين الخطاب ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط و فقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر فتدبر.

و نظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون فإن المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد وجوده بإنشائه و يتلقى لها من الواقف بعقده فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية و لا يؤثر في حق المعدوم فعلا إلا استعدادها لأن تصير ملكا له بعد وجوده هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا.

و أما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف و وجدانه الشرائط فإمكانه بمكان

ص: 229

من الإمكان.

[عدم صحة خطاب المعدوم و الغائب]

و كذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة و عدم إمكانه ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلا إذا كان موجودا و كان بحيث يتوجه إلى الكلام و يلتفت إليه.

[وضع أدوات النداء للخطاب الإنشائي]

و منه قد انقدح أن ما وضع للخطاب مثل أدوات النداء لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي لأوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك بل للخطاب الإيقاعي الإنشائي فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا و تأسفا و حزنا مثل.

يا كوكبا ما كان أقصر عمره [1]

أو شوقا و نحو ذلك كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي حينئذ التخصيص بمن يصح مخاطبته نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي كما هو الحال في حروف الاستفهام و الترجي و التمني و غيرها على ما حققناه في بعض المباحث السابقة (1) من كونها موضوعة للإيقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في

[1] و عجزه

و كذاك عمر كواكب الاسحار

و هو من رائية ابو الحسن التهامي في رثاء ولده الذي مات صغيرا، و هي في غاية الحسن و الجزالة و فخامة المعنى وجودة السرد و صدرها:

حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار سجن بالقاهرة سنة 416 ثم قتل سرا. رأه بعض أصحابه بعد موته في المنام و ساله عن حاله قال:

غفر لي ربي، فقال: باي الاعمال. قال: بقولي في مرثية ولدي الصغير:

جاورت اعدائي و جاور ربه شتان بين جواره و جواري (شهداء الفضيلة: 24).


1- في مبحث الاوامر/ 64.

ص: 230

الواقعي منها انصرافا إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا و يا أيها المؤمنون بمن حضر مجلس الخطاب بلا شبهة و لا ارتياب.

و يشهد لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية و لا للتنزيل و العلاقة رعاية.

و توهم كونه ارتكازيا يدفعه عدم العلم به مع الالتفات إليه و التفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان مرتكزا و إلا فمن أين يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح.

و إن أبيت إلا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأداة الخطاب أو بنفس توجيه الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم.

[توجيه صحة مخاطبة المعدومين و الرد عليه]

و توهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لإحاطته بالموجود في الحال و الموجود في الاستقبال فاسد ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب و عدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى كما لا يخفى كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا و متصرم الوجود كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى الله عليه و آله بلسانه.

و أما إذا قيل بأنه المخاطب و الموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما فلا محيص إلا عن كون الأداة في مثله للخطاب الإيقاعي و لو مجازا و عليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين بل يعم المعدومين فضلا عن الغائبين.

ص: 231

فصل ربما قيل إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان
الأولى (حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين.)

الأولى (1) (حجية ظهور خطابات (2) الكتاب لهم كالمشافهين.)

و فيه أنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام و قد حقق عدم الاختصاص بهم و لو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك و إن لم يعمهم الخطاب كما يومئ إليه غير واحد من الأخبار.

الثانية (صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية

الثانية (3) (صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية

بناء على التعميم لثبوت الأحكام لمن وجد و بلغ من المعدومين و إن لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف و عدم صحته على عدمه لعدم كونها حينئذ متكفلة لأحكام غير المشافهين فلا بد من إثبات اتحاده معهم في الصنف حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الأحكام و حيث لا دليل عليه حينئذ إلا الإجماع و لا إجماع عليه إلا فيما اتحد الصنف كما لا يخفى.)

و لا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد و عدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافهون واجدين له بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به و كونهم كذلك لا يوجب صحة الإطلاق مع إرادة المقيد معه فيما يمكن أن يتطرق الفقدان و إن صح فيما لا يتطرق إليه ذلك و ليس المراد بالاتحاد في الصنف إلا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في الأحكام لا الاتحاد فيما كثر


1- ذكرها المحقق القمي ( ره) في القوانين 1/ 233، في الخطابات المشافهة.
2- في « ب»: الخطابات.
3- راجع كلام المحقق الوحيد البهبهاني ( قده) في كتاب ملاحظات الفريد على فوائد الوحيد/ 55.

ص: 232

الاختلاف بحسبه و التفاوت بسببه بين الأنام بل في شخص واحد بمرور الدهور و الأيام و إلا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الأحكام.

و دليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان لو [لم] (1) يكونوا معنونين به لشك في شمولها لهم أيضا فلو لا الإطلاق و إثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم لما أفاد دليل الاشتراك و معه كان الحكم يعم غير المشافهين و لو قيل باختصاص الخطابات بهم فتأمل جيدا.

فتلخص أنه لا يكاد تظهر الثمرة إلا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالإفهام و قد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام و أشير (2) إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك و تعالى في المقام.

فصل هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده يوجب تخصيصه به أو لا

. فيه خلاف بين الأعلام و ليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في كلامين أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك و تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ إلى قوله وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ (3) و أما ما إذا كان مثل و المطلقات أزواجهن أحق بردهن فلا شبهة في تخصيصه به.


1- اثبتناه من « ب».
2- في ردّه للثمرة الاولى/ 231.
3- البقرة: 228.

ص: 233

و التحقيق أن يقال إنه حيث دار الأمر بين التصرف في العام بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه أو التصرف في ناحية الضمير إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه أو إلى تمامه مع التوسع في الإسناد بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة و إلى الكل توسعا و تجوزا كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير و ذلك لأن المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد لا في تعيين كيفية الاستعمال و أنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الإسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في ناحية الضمير.

و بالجملة أصالة الظهور إنما يكون حجة فيما إذا شك فيما أريد لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد فافهم لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا و إلا فيحكم عليه بالإجمال و يرجع إلى ما يقتضيه الأصول إلا أن يقال باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول.

فصل قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف

مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق على قولين و قد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور.

و تحقيق المقام أنه إذا ورد العام و ما له المفهوم في كلام أو كلامين و لكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر و دار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم فالدلالة على كل منهما إن كانت

ص: 234

بالإطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع فلا يكون هناك عموم و لا مفهوم لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لأجل المزاحمة كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك فلا بد من العمل بالأصول العملية فيما دار فيه بين العموم و المفهوم إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر و إلا كان مانعا عن انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر.

و منه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم و ما له المفهوم ذاك الارتباط و الاتصال و أنه لا بد أن يعامل مع كل منهما معاملة المجمل لو لم يكن في البين أظهر و إلا فهو المعول و القرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.

فصل الاستثناء المتعقب لجمل متعددة

هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل (1) أو خصوص الأخيرة (2) أو لا ظهور له في واحد منهما (3) بل لا بد في التعيين من قرينة أقوال.

و الظاهر أنه لا خلاف و لا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أي حال ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة و كذا في صحة رجوعه إلى الكل و إن كان المتراءى من كلام صاحب المعالم (4) رحمه الله حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه أنه محل الإشكال و التأمل.


1- نسبه السيد المرتضى ( ره) إلى مذهب الشافعي و أصحابه، الذريعة الى أصول الشريعة: 1/ 249، راجع المعتمد في أصول الفقه: 1/ 245، و شرح المختصر للعضدي: 1/ 260.
2- في المصدرين المتقدمين أنه مذهب أبي حنيفة و أصحابه.
3- الذريعة الى اصول الشريعة 1/ 249.
4- معالم الدين/ 127، حيث قال: و لنقدم على توجيه المختار مقدّمة... الخ.

ص: 235

و ذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة بحسب المعنى كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا و كان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا كما هو الحال في المستثنى بلا ريب و لا إشكال و تعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الإخراج مفهوما و بذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الأخيرة و إن كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير نعم غير الأخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الأصول.

اللهم إلا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور فيكون المرجع (1) عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا لا ما إذا كان بالإطلاق و مقدمات الحكمة فإنه لا يكاد يتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع فتأمل [1].

فصل الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد

المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب أو بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا ارتياب لما هو الواضح من سيرة الأصحاب على العمل بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمة عليهم السلام و احتمال أن يكون ذلك

[1] إشارة إلى أنه يكفي في منع جريان المقدمات، صلوح الاستثناء لذلك، لاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه، لاعتقاد أنه كاف فيه، اللهم إلا أن يقال: إن مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه، غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم العرف ظاهرا في الرجوع إلى الجميع، فأصالة الإطلاق مع عدم القرينة محكمة، لتمامية مقدمات الحكمة، فافهم (منه قدس سره).


1- في « ب»: مرجع.

ص: 236

بواسطة القرينة واضح البطلان.

مع أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك.

(و كون العام الكتابي قطعيا صدورا و خبر الواحد ظنيا سندا) (1) لا يمنع عن التصرف في دلالته الغير القطعية قطعا و إلا لما جاز تخصيص المتواتر به أيضا مع أنه جائز جزما.

و السر أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم و دليل سند الخبر مع أن الخبر بدلالته و سنده صالح للقرينية (2) على التصرف فيها بخلافها فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره و لا ينحصر (3) الدليل على الخبر بالإجماع كي يقال بأنه فيما لا يوجد على خلافه دلالة و مع وجود الدلالة القرآنية (4) يسقط وجوب العمل به.

كيف و قد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية و الأخبار الدالة على أن الأخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها (5) أو ضربها على الجدار أو أنها زخرف (6) أو أنها مما لم يقل بها الإمام عليه السلام (7) و إن كانت كثيرة جدا و صريحة الدلالة على طرح المخالف إلا


1- انظر معالم الدين/ 147، في جواز تخصيص الكتاب بالخبر.
2- في « ب»: للقرينة.
3- ردّ على ما أجاب به المحقق عن الاستدلال المجوّزين لتخصيص الكتاب بالخبر الواحد، معارج الاصول/ 96.
4- ردّ على ما أجاب به المحقق عن الاستدلال المجوّزين لتخصيص الكتاب بالخبر الواحد، معارج الاصول/ 96.
5- أصول الكافي: 1/ 69 باب الاخذ بالسنة و شواهد الكتاب. وسائل الشيعة 18/ 78 الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 10.
6- اصول الكافي: 1/ 69 الحديث 3، 4، وسائل الشيعة 18/ 78 الحديث 12 و 14.
7- اصول الكافي 1/ 69 الحديث 5، وسائل الشيعة 18/ 79 الحديث 15.

ص: 237

أنه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الأخبار غير مخالفة العموم إن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا كيف و صدور الأخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم السلام كثيرة جدا مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك و تعالى واقعا و إن كان هو على خلافه ظاهرا شرحا لمرامه تعالى و بيانا لمراده من كلامه فافهم.

و الملازمة بين جواز التخصيص و جواز النسخ به ممنوعة و إن كان مقتضى القاعدة و جوازهما لاختصاص النسخ بالإجماع على المنع مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه و لذا قل الخلاف في تعيين موارده بخلاف التخصيص.

فصل لا يخفى أن الخاص و العام المتخالفين يختلف حالهما ناسخا و مخصصا و منسوخا

اشارة

فيكون الخاص مخصصا تارة و ناسخا مرة و منسوخا أخرى و ذلك لأن الخاص إن كان مقارنا مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به فلا محيص عن كونه مخصصا و بيانا له.

و إن كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي و إلا لكان الخاص أيضا مخصصا له كما هو الحال في غالب العمومات و الخصوصات في الآيات و الروايات.

و إن كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصا للعام يحتمل أن يكون العام ناسخا له و إن كان الأظهر أن يكون الخاص مخصصا لكثرة التخصيص حتى اشتهر ما من عام إلا و قد خص مع قلة النسخ في الأحكام جدا و بذلك يصير ظهور الخاص في

ص: 238

الدوام و لو كان بالإطلاق أقوى من ظهور العام و لو كان بالوضع كما لا يخفى هذا فيما علم تاريخهما.

[حكم الجهل بتاريخ العام و الخاص]

أما لو جهل و تردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام و قبل حضوره فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية.

و كثرة التخصيص و ندرة النسخ هاهنا و إن كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضا و أنه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب إلا أنه لا دليل على اعتباره و إنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص لصيرورة الخاص لذلك في الدوام أظهر من العام كما أشير إليه فتدبر جيدا.

[دوران الخاص بين كونه مخصصا و ناسخا]

ثم إن تعين الخاص للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به إنما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل و إلا فلا يتعين له بل يدور بين كونه مخصصا [1] و ناسخا في الأول و مخصصا و منسوخا في الثاني إلا أن الأظهر كونه مخصصا و إن كان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهوره و ظهور الخاص في الدوام (1) [الخصوص] لما أشير إليه من تعارف التخصيص و شيوعه و ندرة النسخ جدا في الأحكام.

و لا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ
اشارة

و لا بأس بصرف (2) الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ

اشارة

فاعلم أن

[1] لا يخفى أن كونه مخصصا بمعنى كونه مبينا بمقدار المرام عن العام، و ناسخا بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الأمر في مورد الخاص، مع كونه مرادا و مقصودا بالافهام في مورده بالعام كسائر الأفراد، و إلا فلا تفاوت بينهما عملا أصلا، كما هو واضح لا يكاد يخفى (منه قدس سره).


1- في « ب»: و لو فيما كمان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهور الخاص في الخصوص.
2- في « ب»: لصرف.

ص: 239

النسخ و إن كان رفع الحكم الثابت إثباتا إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا و إنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم و استمراره أو أصل إنشائه و إقراره مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار أو ليس له دوام و استمرار و ذلك لأن النبي صلى الله عليه و آله الصادع للشرع ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال و أنه ينسخ في الاستقبال أو مع عدم اطلاعه على ذلك لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك و تعالى و من هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.

و حيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا و إن كان بحسب الظاهر رفعا فلا بأس به مطلقا و لو كان قبل حضور وقت العمل لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك و تعالى بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا و جهة و لا لزوم (1) امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ فإن الفعل إن كان مشتملا على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه و إلا امتنع الأمر به و ذلك لأن الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لإرادته فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته و لم يكن الأمر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة و إنما كان إنشاء الأمر به أو إظهار دوامه عن حكمة و مصلحة.

[دلالة الأخبار على وقوع البداء]

و أما البداء في التكوينيات (2) بغير ذاك المعنى فهو مما دل عليه الروايات المتواترات (3) كما لا يخفى و مجمله أن الله تبارك و تعالى إذا تعلقت مشيته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه لحكمة داعية إلى إظهاره ألهم أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به مع علمه بأنه يمحوه أو مع عدم علمه به لما أشير إليه مع عدم الإحاطة بتمام ما جرى في علمه و إنما يخبر به لأنه حال الوحي أو الإلهام لارتقاء نفسه الزكية و اتصاله بعالم لوح المحو و الإثبات اطلع على


1- في بعض النسخ المطبوعة: و إلا لزم.
2- في « ب»: التكوينات
3- الوافي: 1/ 112، باب البداء.

ص: 240

ثبوته و لم يطلع على كونه معلقا على [أمر] (1) غير واقع أو عدم الموانع قال الله تبارك و تعالى يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ (2) الآية نعم من شملته العناية الإلهية و اتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي [هو] من أعظم العوالم الربوبية و هو أم الكتاب يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها كما ربما يتفق لخاتم الأنبياء و لبعض الأوصياء كان عارفا بالكائنات (3) كما كانت و تكون.

نعم مع ذلك ربما يوحى إليه حكم من الأحكام تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار و الدوام مع أنه في الواقع له غاية و أمد يعينها (4) بخطاب آخر و أخرى بما يكون ظاهرا في الجد مع أنه لا يكون واقعا بجد بل لمجرد الابتلاء و الاختبار كما أنه يؤمر وحيا أو إلهاما بالإخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع لأجل حكمه في هذا الإخبار أو ذاك الإظهار فبدا له تعالى بمعنى أنه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره أولا و يبدي ما خفي ثانيا.

و إنما نسب إليه تعالى البداء مع أنه في الحقيقة الإبداء لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره و فيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ و لا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الألباب.

[ثمرة كون الخاص ناسخا أو مخصصا]

ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص و النسخ ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا و على النسخ على ارتفاع حكمه عنه من حينه فيما دار الأمر بينهما في المخصص و أما إذا دار بينهما في الخاص و العام فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا و على النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله كما لا يخفى.


1- أثبتناها من « ب».
2- الرعد: 39.
3- في « ب»: على الكائنات.
4- في « ب»: يتعينها.

ص: 241

المقصد الخامس في المطلق و المقيد

اشارة

ص: 242

ص: 243

المقصد الخامس في المطلق و المقيد و المجمل و المبين

فصل [تعريف المطلق]

اشارة

عرف (1) المطلق بأنه ما دل على شائع في جنسه و قد أشكل عليه بعض الأعلام (2) بعدم الاطراد أو الانعكاس و أطال الكلام في النقض و الإبرام و قد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الاسم و هو مما يجوز أن لا يكون بمطرد و لا بمنعكس فالأولى الإعراض عن ذلك ببيان ما وضع له بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق أو من غيرها مما يناسب المقام.

[الألفاظ التي يطلق عليها المطلق]
فمنها اسم الجنس

كإنسان و رجل و فرس و حيوان و سواد و بياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر و الأعراض بل العرضيات و لا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة بلا شرط أصلا ملحوظا معها حتى لحاظ أنها كذلك.

و بالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى و صرف المفهوم الغير الملحوظ معه شي ء أصلا الذي هو المعنى بشرط شي ء و لو كان ذاك الشي ء هو الإرسال و العموم البدلي و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شي ء معه الذي هو


1- هذا التعريف لأكثر الأصوليين على ما ذكره المحقق القمي، القوانين 1/ 321، المطلق و المقيد.
2- المستشكل هو صاحب الفصول، قال في الفصول/ 218، في فصل ( المطلق): و يخرج بقولنا شيوعا حكيما... إلى أن قال: و قد أهملوا هذا القيد فيرد ذلك على طردهم... الخ.

ص: 244

الماهية اللابشرط القسمي و ذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط و التقييد فيها كما لا يخفى مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد و إن كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا و كذا المفهوم اللابشرط (1) القسمي فإنه كلي عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه و انطباقه عليها بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا.

و منها علم الجنس

و منها علم الجنس (2)

كأسامة و المشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعين (3) الذهني و لذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف.

لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شي ء معه أصلا كاسم الجنس و التعريف فيه لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي و إلا لما صح حمله على الأفراد بلا تصرف و تأويل لأنه على المشهور كلي عقلي و قد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك كما لا يخفى ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم.

و منها المفرد المعرف باللام
اشارة

و المشهور أنه على أقسام المعرف بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى و الظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الأقسام من قبل خصوص


1- في ( أ): لا بالشرط.
2- في « ب»: للجنس.
3- في « ب»: بالتعيين.

ص: 245

اللام أو من قبل قرائن المقام من باب تعدد الدال و المدلول لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه الغير المدخول.

و المعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف و مفيدة للتعيين في غير العهد الذهني و أنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس إلا الإشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا و لازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الأفراد لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد و معه لا فائدة في التقييد مع أن التأويل و التصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف.

هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بد من التجريد عنه و إلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه كان لغوا كما أشرنا إليه فالظاهر أن اللام مطلقا يكون للتزيين كما في الحسن و الحسين و استفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن التي لا بد منها لتعينها على كل حال و لو قيل بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى و مع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإشارة لو لم تكن مخلة و قد عرفت إخلالها فتأمل جيدا.

و أما دلالة الجمع المعرف باللام

و أما دلالة الجمع (1) المعرف باللام

على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه فلا دلالة فيها على أنها تكون لأجل دلالة اللام على التعين (2) حيث لا تعين إلا للمرتبة المستغرقة لجميع الأفراد و ذلك لتعين المرتبة الأخرى و هي أقل مراتب الجمع كما لا يخفى.

فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك لا إلى دلالة


1- رد على صاحب الفصول، الفصول/ 169. التنبيه الاول.
2- في « ب»: العيين.

ص: 246

اللام على الإشارة إلى المعين ليكون به التعريف و إن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه إليه فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظا فتأمل جيدا.

و منها النكرة

مثل رجل في وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ أو في جئني برجل و لا إشكال أن المفهوم منها في الأول و لو بنحو تعدد الدال و المدلول هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل.

كما أنه في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة فيكون حصة من الرجل و يكون كليا ينطبق على كثيرين لا فردا مرددا بين الأفراد (1).

و بالجملة النكرة أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب أو حصة كلية لا الفرد المردد بين الأفراد و ذلك لبداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة مع أنه يصدق على كل من جي ء به من الأفراد و لا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها ضرورة أن كل واحد هو هو لا هو أو غيره فلا بد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة فيكون كليا قابلا للانطباق فتأمل جيدا.

إذا عرفت ذلك فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس و النكرة بالمعنى الثاني كما يصح لغة و غير بعيد أن يكون جريهم في هذا الإطلاق على وفق اللغة من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا يخفى.

نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما


1- قال به صاحب الفصول، الفصول/ 163، في صيغة العموم، عند قوله: و مدلولها فرد من الجنس لا بعينه... الخ.

ص: 247

قيد بالإرسال و الشمول البدلي لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق إلا أن الكلام في صدق النسبة و لا يخفى أن المطلق بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل فإن ما له من الخصوصية ينافيه و يعانده بل (1) و هذا بخلافه بالمعنيين فإن كلا منهما له قابل لعدم انثلامهما بسببه أصلا كما لا يخفى.

و عليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق لإمكان إرادة معنى لفظه منه و إرادة قيده من قرينة حال أو مقال و إنما استلزمه لو كان بذاك المعنى نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد كان مجازا مطلقا كان التقييد بمتصل أو منفصل.

فصل [في مقدمات الحكمة]

اشارة

قد ظهر (2) لك أنه لا دلالة لمثل رجل إلا على الماهية المبهمة وضعا و أن الشياع و السريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة و هي تتوقف على مقدمات.

إحداها كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد

لا الإهمال أو الإجمال.

ثانيتها انتفاء ما يوجب التعيين
ثالثتها انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب

و لو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين فإنه غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض لو كان بصدد البيان كما هو الفرض فإنه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخل بغرضه حيث إنه لم ينبه مع أنه بصدده و بدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به حيث لم يكن مع انتفاء الأولى إلا في مقام الإهمال أو الإجمال و مع انتفاء الثانية كان البيان بالقرينة و مع انتفاء الثالثة


1- أثبتناها من « أ».
2- تقدم في المقصد الخامس، الفصل الأول/ 243.

ص: 248

لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه و قد بينه لا بصدد بيان أنه تمامه كي أخل ببيانه فافهم [1].

ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك و إظهاره و إفهامه و لو لم يكن عن جد بل قاعدة و قانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد و لو كان مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان و لذا لا ينثلم به إطلاقه و صحة التمسك به أصلا فتأمل جيدا.

و قد انقدح بما ذكرنا (1) أن النكرة في دلالتها على الشياع و السريان أيضا تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة فلا تغفل.

بقي شي ء [الأصل كون المتكلم في مقام البيان]

و هو أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه و ذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة و لذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان و بعد كونه لأجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع و السريان و إن كان ربما نسب ذلك إليهم و لعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الإحراز و الغفلة عن وجهه فتأمل جيدا.

[1] إشارة أنه لو كان بصدد بيان أنه تمامه ما أخلّ ببيانه، بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الافراد، فإنه بملاحظته يفهم أن المتيقن تمام المراد، و إلا كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها، و إلا قد أخلّ بغرضه، نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن إلا بصدد بيان أن المتيقن مراد، لا بصدد بيان أن غيره مراد أو ليس بمراد، قبالا للإجمال و الإهمال المطلقين، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة (منه أعلى اللّه مقامه).


1- في صفحة 247 من هذا الكتاب.

ص: 249

ثم إنه قد انقدح بما عرفت من توقف حمل المطلق على الإطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف لظهوره فيه أو كونه متيقنا منه و لو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف كما أنه منها ما لا يوجب ذا و لا ذاك بل يكون بدويا زائلا بالتأمل كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.

لا يقال كيف يكون ذلك و قد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا.

فإنه يقال مضافا إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له لا عدم إمكانه فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الإمكان إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق و لو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس كما في المجاز المشهور أو تعينا (1) و اختصاصا به كما في المنقول بالغلبة فافهم.

تنبيه [أنواع الانصراف]

و هو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة كان واردا في مقام البيان من جهة منها و في مقام الإهمال أو الإجمال من أخرى فلا بد في حمله على الإطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة و لا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة كما لا يخفى.

فصل إذا ورد مطلق و مقيد متنافيين

اشارة

فإما يكونان مختلفين في الإثبات و النفي و إما يكونان متوافقين فإن كانا مختلفين مثل أعتق رقبة و لا


1- في « ب»: تعيينا.

ص: 250

تعتق رقبة كافرة فلا إشكال في التقييد و إن كانا متوافقين فالمشهور فيهما الحمل و التقييد و قد استدل بأنه جمع بين الدليلين و هو أولى.

و قد أورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب.

و أورد عليه بأن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ و إنما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى اقتضاه تجرده عن القيد مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد و بعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الإجمال فلا إطلاق فيه حتى يستلزم تصرفا فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد بحمل أمره على الاستحباب.

و أنت (1) خبير بأن التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق لما عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان بل عن عدم كون الإطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة بمراد جدي غاية الأمر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه مع أن حمل الأمر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه فإنه في الحقيقة مستعمل في الإيجاب فإن المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من أفضل أفراد الواجب لا مستحبا فعلا ضرورة أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه.

نعم فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل كان من التوفيق بينهما حمله على أنه سيق في مقام الإهمال على خلاف مقتضى الأصل فافهم و لعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق.


1- ردّ على الشيخ ( قده) في انتصاره لدليل المشهور، مطارح الانظار/ 200.

ص: 251

و ربما يشكل بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات مع أن بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب « (1)» المحبوبية فتأمل.

أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات و كان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجي ء دليل المقيد و حمله على تأكد استحبابه من التسامح [1] فيها.

ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين و المنفيين بعد فرض كونهما متنافيين كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف من وحدة السبب و غيره « (2)» من قرينة حال أو مقال حسب ما يقتضيه النظر فليتدبر.

تنبيه [عدم اختصاص التقييد بالحكم التكليفي]

لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين بين كونهما في بيان الحكم التكليفي و في بيان الحكم الوضعي فإذا ورد مثلا أن البيع سبب و أن البيع الكذائي سبب و علم أن مراده إما البيع على إطلاقه أو البيع الخاص فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الإطلاق فيه كما هو ليس ببعيد ضرورة تعارف ذكر المطلق و إرادة المقيد بخلاف العكس بإلغاء القيد و حمله على أنه غالبي أو على وجه آخر فإنه على خلاف المتعارف.

[1] و لا يخفى أنه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعا عرفيا، كان قضيته عدم الاستحباب إلا للمقيد، و حينئذ إن كان بلوغ الثواب صادقا على المطلق كان استحبابه تسامحيا، و إلا فلا استحباب له أصلا، كما لا وجه- بناء على هذا الحمل و صدق البلوغ- يؤكد الاستحباب في المقيد، فافهم (منه قدس سره).


1- في « أ و ب»: المراتب، و الصواب ما أثبتناه.
2- تعريض بصاحب المعالم و المحقق القمي، حيث اعتبرا وحدة السبب في عنوان البحث، معالم الدين/ 155، القوانين 1/ 322.

ص: 252

تبصرة لا تخلو من تذكرة [اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة]

و هي أن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي و أخرى على العموم الاستيعابي و ثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام و اختلاف الآثار و الأحكام كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام.

فالحكمة في إطلاق صيغة الأمر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان و لا معنى لإرادة الشياع فيه فلا محيص عن الحمل عليه فيما إذا كان بصدد البيان كما أنها قد تقتضي العموم الاستيعابي كما في أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ إذ إرادة البيع مهملا أو مجملا ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان و إرادة العموم البدلي لا يناسب المقام و لا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف أي بيع كان مع أنها تحتاج إلى نصب دلالة عليها لا يكاد يفهم بدونها من الإطلاق و لا يصح قياسه على ما إذا أخذ في متعلق الأمر فإن العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن إرادته و إرادة غير العموم البدلي و إن كانت ممكنة إلا أنها منافية للحكمة و كون المطلق بصدد البيان.

فصل في المجمل و المبين

و الظاهر أن المراد من المبين في موارد إطلاقه الكلام الذي له ظاهر و يكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى و المجمل بخلافه فما ليس له ظهور مجمل و إن علم بقرينة خارجية ما أريد منه كما أن ما له الظهور مبين و إن علم بالقرينة الخارجية أنه ما أريد ظهوره و أنه مؤول و لكل منهما في الآيات و الروايات و إن كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى إلا أن لهما أفراد مشتبهة وقعت محل البحث و الكلام للأعلام في أنها من أفراد أيهما كآية

ص: 253

السرقة « (1)» و مثل حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ « (2)» و أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ « (3)» مما أضيف التحليل إلى الأعيان و مثل (: لا صلاة إلا بطهور) « (4)».

و لا يذهب عليك أن إثبات الإجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور و يكون قالبا لمعنى و هو مما يظهر بمراجعة الوجدان فتأمل.

ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيان ربما يكون مجملا عند واحد لعدم معرفته بالوضع أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه و مبينا لدى الآخر لمعرفته و عدم التصادم بنظره فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف و الكلام و النقض و الإبرام في المقام و على الله التوكل و به الاعتصام.


1- المائدة: 38.
2- النساء: 23.
3- المائدة: 1.
4- الفقيه: 1/ 35 الباب 14 في من ترك الوضوء أو بعضه أو شك فيه.

ص: 254

ص: 255

المقصد السادس الأمارات

اشارة

ص: 256

ص: 257

المقصد السادس في بيان الأمارات المعتبرة شرعا أو عقلا و قبل الخوض في ذلك لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض ما للقطع من الأحكام و إن كان خارجا من مسائل الفن و كان أشبه بمسائل الكلام لشدة مناسبته مع المقام.

فاعلم أن البالغ الذي وضع عليه القلم إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري متعلق به أو بمقلديه فإما أن يحصل له القطع به أو لا و على الثاني لا بد من انتهائه إلى ما استقل به العقل من اتباع الظن لو حصل له و قد تمت مقدمات الانسداد على تقرير الحكومة و إلا فالرجوع إلى الأصول العقلية من البراءة و الاشتغال و التخيير على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

و إنما عممنا متعلق القطع لعدم اختصاص أحكامه بما إذا كان متعلقا بالأحكام الواقعية و خصصنا بالفعلي لاختصاصها بما إذا كان متعلقا به على ما ستطلع عليه و لذلك عدلنا عما في رسالة « (1)» شيخنا العلامة أعلى الله مقامه من تثليث الأقسام.

و إن أبيت إلا عن ذلك فالأولى أن يقال إن المكلف إما أن يحصل له


1- فرائد الأصول/ 2.

ص: 258

القطع أو لا و على الثاني إما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا لئلا تتداخل الأقسام فيما يذكر لها من الأحكام و مرجعه على الأخير إلى القواعد المقررة عقلا أو نقلا لغير القاطع و من يقوم عنده الطريق على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله تعالى حسب ما يقتضي دليلها.

[المقدمة الأولى في بعض أحكام القطع]

اشارة

و كيف كان فبيان أحكام القطع و أقسامه يستدعي رسم أمور.

الأمر الأول لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا
اشارة

و لزوم الحركة على طبقه جزما و كونه موجبا لتنجز التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق الذم و العقاب على مخالفته و عذرا فيما أخطأ قصورا و تأثيره في ذلك لازم و صريح الوجدان به شاهد و حاكم فلا حاجة إلى مزيد بيان و إقامة برهان.

و لا يخفى أن ذلك لا يكون بجعل جاعل لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشي ء و لوازمه بل عرضا بتبع جعله بسيطا.

و بذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضا مع أنه يلزم منه اجتماع الضدين اعتقادا مطلقا و حقيقة في صورة الإصابة كما لا يخفى.

[مراتب الحكم]

ثم لا يذهب عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث و الزجر لم يصر فعليا و ما لم يصر فعليا لم يكد يبلغ مرتبة التنجز و استحقاق العقوبة على المخالفة و إن كان ربما يوجب موافقته استحقاق المثوبة و ذلك لأن الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر و لا نهي و لا مخالفته عن عمد بعصيان بل كان مما سكت الله عنه كما في الخبر « (1)» فلاحظ و تدبر.

نعم في كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدين أو المثلين على ما يأتي « (2)» تفصيله إن شاء الله تعالى مع ما هو


1- الفقيه 4/ 53، باب نوادر الحدود، الحديث 15.
2- في بداية مبحث الامارات ص 277.

ص: 259

التحقيق في دفعه في التوفيق بين الحكم الواقعي و الظاهري فانتظر.

الأمر الثاني [مبحث التجري]
اشارة

قد عرفت أنه لا شبهة في أن القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة و المثوبة على الموافقة في صورة الإصابة فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الإصابة على التجري بمخالفته و استحقاق المثوبة على الانقياد بموافقته أو لا يوجب شيئا.

الحق أنه يوجبه لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته و ذمه على تجريه و هتكه لحرمة مولاه « (1)» و خروجه عن رسوم عبوديته و كونه بصدد الطغيان و عزمه على العصيان و صحة مثوبته و مدحه على قيامه « (2)» بما هو قضية عبوديته من العزم على موافقته و البناء على إطاعته و إن قلنا بأنه لا يستحق مؤاخذة أو مثوبة ما لم يعزم على المخالفة أو الموافقة بمجرد سوء سريرته أو حسنها و إن كان مستحقا للوم « (3)» أو المدح بما يستتبعانه كسائر الصفات و الأخلاق الذميمة أو الحسنة.

و بالجملة ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحق بها إلا مدحا أو لوما و إنما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة مضافا إلى أحدهما إذا صار بصدد الجري على طبقها و العمل على وفقها و جزم و عزم و ذلك لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سريرته من دون ذلك و حسنها معه كما يشهد به مراجعة الوجدان الحاكم بالاستقلال في مثل باب الإطاعة و العصيان و ما يستتبعان من استحقاق النيران أو الجنان.

[عدم تغير الواقع بالقطع بخلافه]

و لكن ذلك مع بقاء الفعل المتجري [به] أو المنقاد به على ما هو عليه من الحسن


1- في بداية مبحث الامارات ص 277.
2- في الاصل: إقامته، و الصحيح ما اثبتناه.
3- في هامش « ب» من نسخة أخرى: للذم.

ص: 260

أو القبح و الوجوب أو الحرمة واقعا بلا حدوث تفاوت فيه بسبب تعلق القطع بغير ما هو عليه من الحكم و الصفة و لا يغير جهة حسنه أو قبحه بجهته « (1)» أصلا ضرورة أن القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه و الاعتبارات التي بها يكون الحسن و القبح عقلا و لا ملاكا للمحبوبية و المبغوضية شرعا ضرورة عدم تغير الفعل عما هو عليه من المبغوضية و المحبوبية للمولى بسبب قطع العبد بكونه محبوبا أو مبغوضا له فقتل ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له و لو اعتقد العبد بأنه عدوه و كذا قتل عدوه مع القطع بأنه ابنه لا يخرج عن كونه محبوبا أبدا.

هذا مع أن الفعل المتجرأ به أو المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختياريا فإن القاطع لا يقصده إلا بما قطع أنه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالي لا بعنوانه الطارئ الآلي بل لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت إليه فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلا و من مناطات الوجوب أو الحرمة شرعا و لا يكاد يكون صفة موجبة لذلك إلا إذا كانت اختيارية.

إن قلت إذا لم يكن الفعل كذلك فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع و هل كان العقاب عليها إلا عقابا على ما ليس بالاختيار.

قلت العقاب إنما يكون على قصد العصيان و العزم على الطغيان لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار.

إن قلت إن القصد و العزم إنما يكون من مبادي الاختيار و هي ليست باختيارية و إلا لتسلسل.

قلت مضافا إلى أن الاختيار و إن لم يكن بالاختيار إلا أن بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه


1- في هامش ب من نسخة أخرى: بهجة.

ص: 261

من تبعة العقوبة و اللوم و المذمة يمكن أن يقال إن حسن المؤاخذة و العقوبة إنما يكون من تبعة بعده عن سيده بتجريه عليه كما كان من تبعته بالعصيان في صورة المصادفة فكما أنه يوجب البعد عنه كذلك لا غرو في أن يوجب حسن العقوبة فإنه و إن لم يكن باختياره [1] إلا أنه بسوء سريرته و خبث باطنه بحسب نقصانه و اقتضاء استعداده ذاتا و إمكانه « (1)» و إذا انتهى الأمر إليه يرتفع الإشكال و ينقطع السؤال بلم فإن الذاتيات ضروري الثبوت للذات.

و بذلك أيضا ينقطع السؤال عن أنه لم اختار الكافر و العاصي الكفر و العصيان و المطيع و المؤمن الإطاعة و الإيمان فإنه يساوق السؤال عن أن الحمار لم يكون ناهقا و الإنسان لم يكون ناطقا.

و بالجملة تفاوت أفراد الإنسان في القرب منه تعالى « (2)» و البعد عنه سبب لاختلافها في استحقاق الجنة و درجاتها و النار و دركاتها [و موجب لتفاوتها في نيل الشفاعة و عدم نيلها] « (3)» و تفاوتها في ذلك بالأخرة يكون ذاتيا و الذاتي لا يعلل.

إن قلت على هذا فلا فائدة في بعث الرسل و إنزال الكتب و الوعظ و الإنذار.

قلت ذلك لينتفع به من حسنت سريرته و طابت طينته لتكمل به نفسه و يخلص مع ربه أنسه ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ قال الله تبارك و تعالى.

[1] كيف لا، و كانت المعصية الموجبة لاستحقاق العقوبة غير اختيارية، فإنها هي المخالفة العمدية، و هي لا تكون بالاختيار، ضرورة أن العمد إليها ليس باختياري، و إنما تكون نفس المخالفة اختيارية، و هي غير موجبة للاستحقاق، و إنما الموجبة له هي العمدية منها، كما لا يخفى على أولى النهى (منه قدس سره).


1- المطبوع في « ب» إمكانا، و لكن صححه المصنف ( قده؟ بما في المتن.
2- في « ب»: جل شأنه و عظمت كبرياؤه.
3- أثبتناها من « ب».

ص: 262

وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ « (1)» و ليكون حجة على من ساءت سريرته و خبثت طينته لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ كى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بل كان له حجة بالغة.

و لا يخفى أن في الآيات « (2)» و الروايات « (3)» شهادة على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الإطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة و المثوبة و معه لا حاجة إلى ما استدل « (4)» على استحقاق المتجري للعقاب بما حاصله أنه لولاه مع استحقاق العاصي له يلزم إناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار من مصادفة قطعه الخارجة عن تحت قدرته و اختياره مع بطلانه و فساده إذ للخصم أن يقول بأن استحقاق العاصي دونه إنما هو لتحقق سبب الاستحقاق فيه و هو مخالفته عن عمد و اختيار و عدم تحققه فيه لعدم مخالفته أصلا و لو بلا اختيار بل عدم صدور فعل منه في بعض أفراده بالاختيار كما في التجري بارتكاب ما قطع أنه من مصاديق الحرام كما إذا قطع مثلا بأن مائعا خمر مع أنه لم يكن بالخمر فيحتاج إلى إثبات أن المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية الاختيارية كما عرفت بما لا مزيد عليه.

ثم لا يذهب عليك أنه ليس في المعصية الحقيقية إلا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة و هو هتك واحد فلا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين كما توهم « (5)» مع ضرورة أن المعصية الواحدة لا توجب إلا عقوبة واحدة كما لا وجه لتداخلهما على تقدير استحقاقهما كما لا يخفى.


1- الذاريات: 55.
2- الإسراء: 36. و البقرة: 225 و 284. و الأحزاب: 5.
3- الكافي 2/ 69 باب النية من كتاب الإيمان و الكفر. و للمزيد راجع وسائل الشيعة 1/ 35، الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 3 و 4 و 6 و 7 و 8 و 10.
4- استدل به المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد/ 209- 210.
5- راجع الفصول/ 87، التنبيه الرابع من مقدمة الواجب.

ص: 263

و لا منشأ لتوهمه إلا بداهة أنه ليس في معصية واحدة إلا عقوبة واحدة مع الغفلة عن أن وحدة المسبب تكشف بنحو الإن عن وحدة السبب.

الأمر الثالث [أقسام القطع]
اشارة

أنه قد عرفت « (1)» أن القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب يوجب عقلا استحقاق المدح و الثواب أو الذم و العقاب من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب و قد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله و لا يضاده كما إذا ورد مثلا في الخطاب أنه إذا قطعت بوجوب شي ء يجب عليك التصدق بكذا تارة بنحو يكون تمام الموضوع بأن يكون القطع بالوجوب مطلقا و لو أخطأ موجبا لذلك و أخرى بنحو يكون جزءه و قيده بأن يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا له و في كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف و حاك عن متعلقه و آخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به و ذلك لأن القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة و لذا كان العلم نورا لنفسه و نورا لغيره صح أن يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة و حالة مخصوصة بإلغاء جهة كشفه أو اعتبار خصوصية أخرى فيه معها كما صح أن يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه و حاك عنه فتكون أقسامه أربعة مضافا إلى ما هو طريق محض عقلا غير مأخوذ في الموضوع شرعا.

[قيام الطرق و الأمارات مقام القطع الطريقي]

ثم لا ريب في قيام الطرق و الأمارات المعتبرة بدليل حجيتها و اعتبارها مقام هذا القسم كما لا ريب في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الأقسام بل لا بد من دليل آخر على التنزيل فإن قضية الحجية و الاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار لا له بما هو صفة و موضوع ضرورة أنه كذلك يكون كسائر الموضوعات و الصفات.

[عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي]

و منه قد انقدح عدم قيامها بذاك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو


1- في الأمرا لأول صفحة 258.

ص: 264

الكشف فإن القطع المأخوذ بهذا النحو في الموضوع شرعا كسائر ما لها « (1)» دخل في الموضوعات أيضا فلا يقوم مقامه شي ء بمجرد حجيته و قيام « (2)» دليل على اعتباره ما لم يقم دليل على تنزيله و دخله في الموضوع كدخله و توهم « (3)» كفاية دليل الاعتبار الدال على إلغاء احتمال خلافه و جعله بمنزلة القطع من جهة كونه موضوعا و من جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان أو موضوعا فاسد جدا.

فإن الدليل الدال على إلغاء الاحتمال لا يكاد يكفي إلا بأحد التنزيلين حيث لا بد في كل تنزيل منهما من لحاظ المنزل و المنزل عليه و لحاظهما في أحدهما آلي و في الآخر استقلالي بداهة أن النظر في حجيته و تنزيله منزلة القطع في طريقيته في الحقيقة إلى الواقع و مؤدى الطريق و في كونه بمنزلته في دخله في الموضوع إلى أنفسهما و لا يكاد يمكن الجمع بينهما.

نعم لو كان في البين ما بمفهومه جامع بينهما يمكن أن يكون دليلا على التنزيلين و المفروض أنه ليس فلا يكون دليلا على التنزيل إلا بذاك اللحاظ الآلي فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه و صحة العقوبة على مخالفته في صورتي إصابته و خطائه بناء على استحقاق المتجري أو بذلك اللحاظ الآخر الاستقلالي فيكون مثله في دخله في الموضوع و ترتيب ما له عليه من الحكم الشرعي.

لا يقال على هذا لا يكون دليلا على أحد التنزيلين ما لم يكن هناك قرينة في البين.

فإنه يقال لا إشكال في كونه دليلا على حجيته فإن ظهوره في أنه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه و لا شبهة تعتريه و إنما يحتاج تنزيله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من نصب دلالة عليه فتأمل في المقام فإنه دقيق و مزال الأقدام


1- في حقائق الاصول: ماله، الحقائق 2: 24.
2- في « ب»: أو قيام دليل... الخ.
3- تعريض بما ذكره الشيخ الأنصاري قده فرائد الأصول/ 4.

ص: 265

للأعلام.

و لا يخفى أنه لو لا ذلك لأمكن أن يقوم الطريق بدليل واحد دال على إلغاء احتمال خلافه مقام القطع بتمام أقسامه و لو فيما « (1)» أخذ في الموضوع على نحو الصفتية كان تمامه أو قيده و به قوامه.

فتلخص مما ذكرنا أن الأمارة لا تقوم بدليل اعتبارها إلا مقام ما ليس بمأخوذ « (2)» في الموضوع أصلا.

[عدم قيام غير الاستصحاب من الأصول مقام القطع الطريقي]

و أما الأصول فلا معنى لقيامها مقامه بأدلتها أيضا غير الاستصحاب لوضوح أن المراد من قيام المقام ترتيب ما له من الآثار و الأحكام من تنجز التكليف و غيره كما مرت « (3)» إليه الإشارة و هي ليست إلا وظائف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا أو عقلا.

لا يقال إن الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان.

فإنه يقال أما الاحتياط العقلي فليس إلا لأجل حكم العقل بتنجز التكليف و صحة العقوبة على مخالفته لا شي ء يقوم مقامه في هذا الحكم.

و أما النقلي فإلزام الشارع به و إن كان مما يوجب التنجز و صحة العقوبة على المخالفة كالقطع إلا أنه لا نقول به في الشبهة البدوية و لا يكون بنقلي في المقرونة بالعلم الإجمالي فافهم.

[عدم قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي]

ثم لا يخفى أن دليل الاستصحاب أيضا لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ


1- الظاهر أنّه ردّ على الشيخ حيث فصّل بين القطع الموضوعي الطريقي و بين القطع الموضوعي الصفتي، من جهة قيام الأمارة مقامه و عدم قيامها مقامه، فرائد الأصول/ 3.
2- في « ب»: مأخوذا.
3- في ص 264 عند قوله: فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه....

ص: 266

في الموضوع مطلقا و أن مثل لا تنقض اليقين لا بد من أن يكون مسوقا إما بلحاظ المتيقن أو بلحاظ نفس اليقين.

و ما ذكرنا في الحاشية « (1)» في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل منزلة الواقع و القطع و أن دليل الاعتبار إنما يوجب تنزيل المستصحب و المؤدى منزلة الواقع و إنما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما و تنزيل القطع بالواقع تنزيلا و تعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة لا يخلو من تكلف بل تعسف.

فإنه لا يكاد يصح تنزيل جزء الموضوع أو قيده بما هو كذلك بلحاظ أثره إلا فيما كان جزؤه الآخر أو ذاته محرزا بالوجدان أو تنزيله في عرضه. و أما إذا لم يكن كذلك فلا يكاد يكون دليل الأمارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر فيما لم يكن محرزا حقيقة و فيما لم يكن دليل على تنزيلهما بالمطابقة كما في ما نحن فيه على ما عرفت « (2)» لم يكن دليل الأمارة دليلا عليه أصلا فإن دلالته على تنزيل المؤدى تتوقف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة و لا دلالة له كذلك إلا بعد دلالته على تنزيل المؤدى فإن الملازمة إنما تدعى بين القطع بالموضوع التنزيلي و القطع بالموضوع الحقيقي، و بدون تحقق الموضوع التنزيلي التعبدي أو لا بدليل الأمارة لا قطع بالموضوع التنزيلي كي يدعى الملازمة بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي و تنزيل المؤدى منزلة الواقع [فإن الملازمة « (3)» إنما تكون بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي و تنزيل المؤدى منزلة الواقع] كما لا يخفى فتأمل جيدا فإنه لا يخلو عن دقة.

ثم لا يذهب عليك أن « (4)» هذا لو تم لعم و لا اختصاص له بما إذا كان القطع مأخوذا على نحو الكشف.

الأمر الرابع [بيان امتناع أخذ القطع بحكم في موضوع نفسه]
اشارة

لا يكاد يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا


1- حاشية المصنف على الفرائد/ 8 في كيفية تنزيل الأمارة مقام القطع.
2- في عدم إمكان الجمع بين اللحاظين/ 264.
3- في بعض النسخ المطبوعة زيادة هنا حذفها المصنف من نسختي « أ» و « ب».
4- في « أ» و « ب»: إنه.

ص: 267

الحكم للزوم الدور و لا مثله للزوم اجتماع المثلين و لا ضده للزوم اجتماع الضدين نعم يصح أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة أخرى منه أو مثله أو ضده.

و أما الظن بالحكم فهو و إن كان كالقطع في عدم جواز أخذه في موضوع نفس ذاك الحكم المظنون إلا أنه لما كان معه مرتبة الحكم الظاهري محفوظة كان جعل حكم آخر في مورده مثل الحكم المظنون أو ضده بمكان من الإمكان.

إن قلت إن كان الحكم المتعلق به الظن فعليا أيضا بأن يكون الظن متعلقا بالحكم الفعلي لا يمكن أخذه في موضوع حكم فعلي آخر مثله أو ضده لاستلزامه الظن باجتماع الضدين أو المثلين و إنما يصح أخذه في موضوع حكم آخر كما في القطع طابق النعل بالنعل.

قلت يمكن أن يكون الحكم فعليا بمعنى أنه لو تعلق به القطع على ما هو عليه من الحال لتنجز و استحق على مخالفته العقوبة و مع ذلك لا يجب على الحاكم رفع عذر المكلف برفع جهله لو أمكن أو بجعل لزوم الاحتياط عليه فيما أمكن بل يجوز جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة و إلى ضده أخرى و لا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده كما لا يخفى فافهم.

[امتناع أخذ القطع بحكم في موضوع مثله أو ضده]

إن قلت كيف يمكن ذلك و هل هو إلا أنه يكون مستلزما لاجتماع المثلين أو الضدين.

قلت لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك المعنى أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز مع حكم آخر فعلي في مورده بمقتضى الأصل أو الأمارة أو دليل أخذ في موضوعه الظن بالحكم بالخصوص على ما سيأتي (1) من التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهري و الواقعي.


1- في بحث الأمارات/ 278، عند قوله: لأن أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه... إلخ.

ص: 268

الأمر الخامس [الموافقة الالتزامية]
اشارة

هل تنجز التكليف بالقطع كما يقتضي موافقته عملا يقتضي موافقته التزاما و التسليم له اعتقادا و انقيادا كما هو اللازم في الأصول الدينية و الأمور الاعتقادية بحيث كان له امتثالان و طاعتان إحداهما بحسب القلب و الجنان و الأخرى بحسب العمل بالأركان فيستحق العقوبة على عدم الموافقة التزاما و لو مع الموافقة عملا أو لا يقتضي فلا يستحق العقوبة عليه بل إنما يستحقها على المخالفة العملية.

الحق هو الثاني لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة و العصيان بذلك و استقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيده إلا المثوبة دون العقوبة و لو لم يكن متسلما و ملتزما به و معتقدا و منقادا له و إن كان ذلك يوجب تنقيصه و انحطاط درجته لدى سيده لعدم اتصافه بما يليق أن يتصف العبد به من الاعتقاد بأحكام مولاه و الانقياد لها و هذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لأمره أو نهيه التزاما مع موافقته عملا كما لا يخفى.

[تعذر الموافقة الالتزامية في بعض الموارد]

ثم لا يذهب عليك أنه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية لو كان المكلف متمكنا منها لوجب و لو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا و لا يحرم المخالفة القطعية عليه كذلك أيضا لامتناعهما كما إذا علم إجمالا بوجوب شي ء أو حرمته للتمكن من الالتزام بما هو الثابت واقعا و الانقياد له و الاعتقاد به بما هو الواقع و الثابت و إن لم يعلم أنه الوجوب أو الحرمة.

و إن أبيت إلا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة و لما وجب عليه الالتزام بواحد قطعا فإن محذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس بأقل من محذور عدم الالتزام به بداهة مع ضرورة أن التكليف لو قيل باقتضائه للالتزام لم يكد يقتضي إلا الالتزام بنفسه عينا لا الالتزام به أو بضده تخييرا.

و من هنا قد انقدح أنه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع عن إجراء الأصول

ص: 269

الحكمية أو الموضوعية في أطراف العلم لو كانت جارية مع قطع النظر عنه كما لا يدفع « (1)» بها محذور عدم الالتزام به « (2)» [بل الالتزام بخلافه لو قيل بالمحذور فيه حينئذ أيضا إلا على وجه دائر لأن جريانها موقوف على عدم محذور في عدم الالتزام اللازم من جريانها، و هو موقوف على جريانها بحسب الفرض.

اللهم] إلا أن يقال إن استقلال العقل بالمحذور فيه إنما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الإقدام و الاقتحام في الأطراف و معه لا محذور فيه بل و لا في الالتزام بحكم آخر.

[عدم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي]

إلا أن الشأن حينئذ في جواز جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي مع عدم ترتب أثر عملي عليها مع أنها أحكام عملية كسائر الأحكام الفرعية مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه للزوم التناقض في مدلولها على تقدير شمولها كما ادعاه « (3)» شيخنا العلامة أعلى الله مقامه و إن كان محل تأمل و نظر فتدبر جيدا.

الأمر السادس [حجية قطع القطاع]
اشارة

لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف و من سبب ينبغي حصوله منه أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه كما هو الحال غالبا في القطاع ضرورة أن العقل يرى تنجز التكليف بالقطع الحاصل مما لا ينبغي حصوله و صحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته و عدم صحة الاعتذار عنها بأنه حصل كذلك و عدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه و عدم حسن الاحتجاج عليه بذلك و لو مع التفاته إلى كيفية حصوله.

نعم « (4)» ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا و المتبع في عمومه و خصوصه دلالة دليله في كل مورد فربما يدل على اختصاصه بقسم في


1- إشارة إلى ما في فرائد الأصول/ 19، عند قوله: و أما المخالة الغير العملية... إلخ.
2- هنا زيادة في بعض النسخ المطبوعة حذفها المصنف من نسختي « أ» و « ب».
3- فرائد الأصول/ 429، عند قوله: بل لأن العلم الإجمالي هنا بانتقاض... إلخ.
4- قد نبه الشيخ في فرائد الأصول/ 3، على هذا الاستدراك.

ص: 270

مورد و عدم اختصاصه به في آخر على اختلاف الأدلة و اختلاف المقامات بحسب مناسبات الأحكام و الموضوعات و غيرها من الأمارات

[حجية القطع الطريقي مطلقا]

و بالجملة القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع و لا من حيث المورد و لا من حيث السبب لا عقلا و هو واضح و لا شرعا لما عرفت « (1)» من أنه لا تناله يد الجعل نفيا و لا إثباتا و إن نسب إلى بعض الأخباريين أنه لا اعتبار بما إذا كان بمقدمات عقلية إلا أن مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة بل تشهد بكذبها و أنها إنما تكون إما في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شي ء و حكم الشرع بوجوبه كما ينادي به بأعلى صوته ما حكي « (2)» عن السيد الصدر [1] في باب الملازمة فراجع.

و إما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية لأنها لا تفيد إلا الظن كما (هو صريح الشيخ المحدث الأمين الأسترآبادي رحمه الله حيث قال في جملة ما استدل به في فوائده « (3)» على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين عليهم السلام.)

الرابع أن كل مسلك غير ذلك المسلك يعني التمسك بكلامهم عليهم الصلاة و السلام إنما يعتبر من حيث إفادته الظن بحكم الله تعالى و قد أثبتنا

[1] السيد صدر الدين بن محمد باقر الرضوي القمي، أخذ من أفاضل علماء إصفهان، كالمدقق الشيرواني و الاقا جمال الدين الخونساري و الشيخ جعفر القاضي ثم إرتحل إلى قم، فأخذ في التدريس إلى أن اشتعلت نائرة فتنة الأفغان، فانتقل منها إلى موطن أخيه الفاضل بهمدان ثم منها إلى النجف الأشرف، فاشتغل فيها على المولى الشريف أبي الحسن العاملي و الشيخ أحمد الجزائري، تلمذ عليه الأستاذ الأكبر المحقق البهبهاني، له كتاب «شرح الوافية» توفي في عشر الستين بعد المئة و الألف و هو ابن خمس و ستين سنة (الكنى و الألقاب 2/ 375).


1- تقدم في الأمر الأول: 258.
2- راجع ما حكاه الشيخ عن السيد الصدر: فرائد الأصول: 11، و كلام السيد الصدر في شرح الوافية.
3- الفوائد المدنية: 129.

ص: 271

سابقا أنه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها و قال في جملتها أيضا بعد ذكر ما تفطن بزعمه من الدقيقة (ما هذا لفظه « (1)».

و إذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول إن تمسكنا بكلامهم عليهم السلام فقد عصمنا من الخطاء و إن تمسكنا بغيره لم يعصم عنه و من المعلوم أن العصمة عن الخطاء أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا و عقلا أ لا ترى أن الإمامية استدلوا على وجوب العصمة بأنه لو لا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطاء و ذلك الأمر محال لأنه قبيح و أنت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه أنه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى انتهى موضع الحاجة من كلامه.)

و ما مهده من الدقيقة هو الذي نقله شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في الرسالة « (2)».

و قال في فهرست فصولها « (3)» أيضا.

(الأول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى شأنه و وجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم عليهم السلام انتهى.)

و أنت ترى أن محل كلامه و مورد نقضه و إبرامه هو العقلي الغير المفيد للقطع و إنما همه إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع.

و كيف كان فلزوم اتباع القطع مطلقا و صحة المؤاخذة على مخالفته عند إصابته و كذا ترتب سائر آثاره عليه عقلا مما لا يكاد يخفى على عاقل فضلا عن


1- المصدر السابق: 130، مع اختلاف يسير.
2- فرائد الأصول/ 9 مبحث القطع.
3- الفوائد المدنية/ 90، باختلاف غير قادح في العبارة.

ص: 272

فاضل فلا بد فيما يوهم « (1)» خلاف ذلك في الشريعة من المنع عن حصول العلم التفصيلي بالحكم الفعلي « (2)» [العقلي] لأجل منع بعض مقدماته الموجبة له و لو إجمالا فتدبر جيدا.

الأمر السابع [حجية القطع الإجمالي]
اشارة

أنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه لا تكاد تناله يد الجعل إثباتا أو نفيا فهل القطع الإجمالي كذلك.

فيه إشكال ربما يقال إن التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف و كانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة جاز الإذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا و ليس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالا إنما [إلا] « (3)» محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة الغير المحصورة بل الشبهة البدوية (4) [لا يقال: إن التكليف فيهما لا يكون بفعلي. فإنه يقال: كيف المقال في موارد ثبوته في أطراف غير محصورة أو في الشبهات البدوية، مع القطع به أو احتماله أو بدون ذلك] ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي و الإذن بالاقتحام في مخالفته بين الشبهات أصلا فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضا كما لا يخفى [و قد أشرنا إليه سابقا و يأتي (5) إن شاء الله مفصلا] (6).

[اقتضاء العلم الإجمالي للحجية]

نعم كان العلم الإجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلية التامة [1] فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا كما كان في أطراف كثيرة غير

[1] لكنه لا يخفى أن التفصّي عن المناقضة- على ما يأتي- لما كان بعدم المنافاة بين الحكم الواقعي ما لم يصر فعليا و الحكم الظاهري الفعلي، كان الحكم الواقعي في موارد الأصول و الأمارات المؤدية إلى خلافه لا محالة غير فعلي، فحينئذ فلا يجوّز العقل مع القطع بالحكم الفعلي الإذن في مخالفته، بل يستقل معه قطعه ببعث المولى أو زجره و لو إجمالا بلزوم موافقته و إطاعته.

نعم لو عرض بذلك عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا و عقلا، كما إذا كان مخلّا بالنظام، فلا تنجز حينئذ، لكنه لأجل عروض الخلل في المعلوم لا لقصور العلم عن ذلك، كما كان الأمر كذلك فيما إذا أذن الشارع في الاقتحام، فإنه أيضا موجب للخلل في المعلوم، لا المنع عن تأثير العلم شرعا، و قد انقدح بذلك أنه لا مانع عن تأثيره شرعا أيضا، فتأمل جيدا (منه قدس سره).


1- المحاسن/ 286، الحديث 430- الكافي: 2/ 16، الحديث 5. الوسائل: 18/ الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.
2- في هامش « ب» عن نسخة أخرى: العقلي.
3- أثبتناه من « ب».
4- كان هنا اشكال آخر ضرب عليه المصنف في نسختي « أ» و « ب».
5- تقدم في الأمر الرابع/ 267، عند قوله: قلت: لا بأس باجتماع... إلخ، و يأتي في أوائل البحث عن حجية الأمارات.
6- شطب المصنف على هذه العبارة في ( ب).

ص: 273

محصورة أو شرعا كما في ما أذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر (: كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) (1).

و بالجملة قضية صحة المؤاخذة على مخالفته مع القطع به بين أطراف محصورة و عدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الإذن في الاقتحام فيها هو كون القطع الإجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة.

و أما احتمال (2) أنه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية و بنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية و ترك المخالفة القطعية فضعيف جدا.

ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك معها موجبا لجواز الإذن في الاقتحام بل لو صح معهما [معها] الإذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية أيضا فافهم.

و لا يخفى أن المناسب للمقام هو البحث عن ذلك كما أن المناسب في باب البراءة و الاشتغال بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا و عدم ثبوته كما لا مجال بعد


1- باختلاف يسير في العبارة: الكافي 5/ 313 باب النوادر من كتاب المعيشة، الحديث 39. التهذيب 7/ 226، الباب 21 من الزيادات، الحديث 8، الفقيه 3/ 216، الباب 96 الصيد و الذبايح الحديث 92.
2- هذه إشارة إلى التفصيل في حجية العلم الإجمالي كما يستفاد من كلمات الشيخ الأنصاري في مبحث العلم الاجمالي/ 21، عند قوله: ( و أمّا المخالفة العملية فإن كانت...)، و مبحث الاشتغال/ 242، عند قوله: ( نعم لو أذن الشارع...).

ص: 274

البناء على أنه بنحو العلية للبحث عنه هناك أصلا كما لا يخفى.

هذا بالنسبة إلى إثبات التكليف و تنجزه به و أما سقوطه به بأن يوافقه إجمالا فلا إشكال فيه في التوصليات و أما في (1) العباديات فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل و الأكثر لعدم الإخلال بشي ء مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها مما لا يمكن أن يؤخذ فيها فإنه نشأ من قبل الأمر بها كقصد الإطاعة و الوجه و التمييز فيما إذا أتى بالأكثر و لا يكون إخلال حينئذ إلا بعدم إتيان ما احتمل جزئيته على تقديرها بقصدها و احتمال دخل قصدها في حصول الغرض ضعيف في الغاية و سخيف إلى النهاية.

[إجزاء الاحتياط المستلزم للتكرار]

و أما فيما احتاج إلى التكرار فربما يشكل (2) من جهة الإخلال بالوجه تارة و بالتمييز أخرى و كونه لعبا و عبثا ثالثة.

و أنت خبير بعدم الإخلال بالوجه بوجه في الإتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه غاية الأمر أنه لا تعيين له و لا تمييز فالإخلال إنما يكون به و احتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف لعدم عين منه و لا أثر في الأخبار مع أنه مما يغفل عنه غالبا و في مثله لا بد من التنبيه على اعتباره و دخله في الغرض و إلا لأخل بالغرض كما نبهنا عليه سابقا (3).

و أما كون التكرار لعبا و عبثا فمع أنه ربما يكون لداع عقلائي إنما يضر إذا كان لعبا بأمر المولى لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها كما لا يخفى هذا كله في قبال ما إذا تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال و أما إذا لم يتمكن إلا من الظن به كذلك فلا إشكال في تقديمه على الامتثال الظني لو لم يقم دليل على اعتباره إلا فيما إذا لم يتمكن منه و أما لو قام على اعتباره


1- من هامش ( ب) عن نسخة أخرى.
2- راجع كلام الشيخ قدس فرائد الأصول/ 299، في الخاتمة في شرائط الأصول.
3- في مبحث التعبدي و التوصلي، 76.

ص: 275

مطلقا فلا إشكال في الاجتزاء بالظني كما لا إشكال في الاجتزاء بالامتثال الإجمالي في قبال الظني بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على أن يكون من مقدماته عدم وجوب الاحتياط و أما لو كان من مقدماته بطلانه لاستلزامه العسر المخل بالنظام أو لأنه ليس من وجوه الطاعة و العبادة بل هو نحو لعب و عبث بأمر المولى فيما إذا كان بالتكرار كما توهم فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك.

و عليه فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد و الاجتهاد و إن احتاط فيها كما لا يخفى.

هذا بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام و يأتي بعضه الآخر في مبحث البراءة و الاشتغال فيقع المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد و هو بيان ما قيل باعتباره من الأمارات أو صح أن يقال

[المقدمة الثانية في بعض أحكام مطلق الأمارات]

اشارة

و قبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور.

أحدها [عدم اقتضاء الأمارة غير العلمية للحجية ذاتا]

أنه لا ريب في أن الأمارة الغير العلمية ليس كالقطع في كون الحجية من لوازمها و مقتضياتها بنحو العلية بل مطلقا و أن ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات و طرو حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة و ذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك ثبوتا بلا خلاف و لا سقوطا و إن كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين (1) الخلاف و الاكتفاء بالظن بالفراغ و لعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل فتأمل.

ثانيها في بيان إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية
شرعا و عدم لزوم

1- لعلّه المحقق الخوانساري ( ره) كما قد يستظهر من بعض كلماته في مسألة ما لو تعدد الوضوء و لم يعلم محل المتروك ( الخلل)، راجع مشارق الشموس/ 147.

ص: 276

محال منه عقلا في قبال دعوى استحالته للزومه

[المراد من الإمكان]

و ليس (1) الإمكان بهذا المعنى بل مطلقا أصلا متبعا (2) عند العقلاء في مقام احتمال ما يقابله من الامتناع لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الإمكان عند الشك فيه و منع حجيتها لو سلم ثبوتها لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها و الظن به لو كان فالكلام الآن في إمكان التعبد بها و امتناعه فما ظنك به لكن دليل وقوع التعبد بها من طرق إثبات إمكانه حيث يستكشف به عدم ترتب محال من تال باطل فيمتنع مطلقا أو على الحكيم تعالى فلا حاجة معه في دعوى الوقوع إلى إثبات الإمكان و بدونه لا فائدة في إثباته كما هو واضح.

و قد انقدح بذلك ما في دعوى شيخنا العلامة (3) أعلى الله مقامه من كون الإمكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلا و الإمكان في كلام الشيخ الرئيس (4) كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان بمعنى الاحتمال المقابل للقطع و الإيقان و من الواضح أن لا موطن له إلا الوجدان فهو المرجع فيه بلا بينة و برهان.

[محاذير التعبد بالأمارات]
اشاره

و كيف كان فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال أو الباطل و لو لم يكن بمحال أمور.

أحدها

اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين مثلا فيما أصاب أو ضدين من إيجاب و تحريم و من إرادة و كراهة و مصلحة و مفسدة ملزمتين بلا كسر و انكسار في البين فيما أخطأ أو التصويب و أن لا يكون هناك غير مؤديات الأمارات أحكام.


1- هذا تعريض بالشيخ ( ره) حيث اعترض على المشهور بما لفظه: ( و في هذا التقرير نظر...)، فرائد الأصول/ 24، في إمكان التعبد بالظن.
2- في « أ»: بأصل متبع.
3- فرائد الأصول/ 24، في إمكان التعبّد بالظن.
4- راجع الإشارات و التنبيهات: 3/ 418، النمط العاشر في أسرار الآيات، نصيحة.

ص: 277

ثانيها

طلب الضدين فيما إذا أخطأ و أدى إلى وجوب ضد الواجب.

ثالثها

تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فيما أدى إلى عدم وجوب ما هو واجب أو عدم حرمة ما هو حرام و كونه محكوما بسائر الأحكام.

و الجواب أن ما ادعي لزومه إما غير لازم أو غير باطل و ذلك لأن التعبد بطريق غير علمي إنما هو بجعل حجيته و الحجية المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدى إليه الطريق بل إنما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب و صحة الاعتذار به إذا أخطأ [لو أخطأ] و لكون مخالفته و موافقته تجريا و انقيادا مع عدم إصابته كما هو شأن الحجة الغير المجعولة فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين أو ضدين و لا طلب الضدين و لا اجتماع المفسدة و المصلحة و لا الكراهة و الإرادة كما لا يخفى.

و أما تفويت مصلحة الواقع أو الإلقاء في مفسدته فلا محذور فيه أصلا إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء.

[الجمع بين الأحكام الواقعية و الظاهرية]

نعم لو قيل باستتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية أو بأنه لا معنى لجعلها إلا جعل تلك الأحكام فاجتماع حكمين و إن كان يلزم إلا أنهما ليسا بمثلين أو ضدين لأن أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لإنشائه الموجب للتنجز أو لصحة الاعتذار بمجرده من دون إرادة نفسانية أو كراهة كذلك متعلقة بمتعلقه فيما يمكن هناك انقداحهما حيث إنه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتين في فعل و إن لم يحدث بسببها إرادة أو كراهة في المبدإ الأعلى إلا أنه إذا أوحى بالحكم الناشئ (1) من قبل تلك المصلحة أو المفسدة إلى النبي أو ألهم به الولي فلا محالة ينقدح في نفسه الشريفة بسببهما (2) الإرادة أو الكراهة الموجبة للإنشاء بعثا أو زجرا بخلاف ما ليس هناك مصلحة أو مفسدة في المتعلق بل إنما كانت في نفس


1- في « ب»: الشاني.
2- أثبتناها من « أ».

ص: 278

إنشاء الأمر به طريقيا.

و الآخر واقعي حقيقي عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه موجبة لإرادته أو كراهته الموجبة لإنشائه بعثا أو زجرا في بعض المبادئ العالية و إن لم يكن في المبدإ الأعلى إلا العلم بالمصلحة أو المفسدة كما أشرنا فلا يلزم أيضا اجتماع إرادة و كراهة و إنما لزم إنشاء حكم واقعي حقيقي بعثا و زجرا و إنشاء حكم آخر طريقي و لا مضادة بين الإنشاءين فيما إذا اختلفا و لا يكون من اجتماع المثلين فيما اتفقا و لا إرادة و لا كراهة أصلا إلا بالنسبة إلى متعلق الحكم الواقعي فافهم.

[دفع محذور اجتماع الحكمين]

نعم يشكل الأمر في بعض الأصول العملية كأصالة الإباحة الشرعية فإن الإذن في الإقدام و الاقتحام ينافي المنع فعلا كما فيما صادف الحرام و إن كان الإذن فيه لأجل مصلحة فيه لا لأجل عدم مصلحة و مفسدة ملزمة في المأذون فيه فلا محيص في مثله إلا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية أيضا كما في المبدإ الأعلى لكنه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي بفعلي بمعنى كونه على صفة و نحو لو علم به المكلف لتنجز عليه كسائر التكاليف الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها و كونه فعليا إنما يوجب البعث أو الزجر في النفس النبوية أو الولوية فيما إذا لم ينقدح فيها الإذن لأجل مصلحة فيه.

فانقدح بما ذكرنا أنه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في مورد الأصول و الأمارات فعليا كي يشكل تارة بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه ضرورة عدم لزوم امتثال الأحكام الإنشائية ما لم تصر فعلية و لم تبلغ مرتبة البعث و الزجر و لزوم الإتيان به مما لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.

لا يقال لا مجال لهذا الإشكال لو قيل بأنها كانت قبل أداء الأمارة إليها إنشائية لأنها بذلك تصير فعلية تبلغ تلك المرتبة.

فإنه يقال لا يكاد يحرز بسبب قيام الأمارة المعتبرة على حكم إنشائي لا حقيقة و لا تعبدا إلا حكم إنشائي تعبدا لا حكم إنشائي أدت إليه الأمارة أما

ص: 279

حقيقة فواضح و أما تعبدا فلأن قصارى ما هو قضية حجية الأمارة كون مؤداها (1) هو الواقع تعبدا لا الواقع الذي أدت إليه الأمارة فافهم.

اللهم إلا أن يقال إن الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع الذي صار مؤدى لها هو دليل الحجية بدلالة الاقتضاء لكنه لا يكاد يتم إلا إذا لم يكن للأحكام بمرتبتها الإنشائية أثر أصلا و إلا لم تكن لتلك الدلالة مجال كما لا يخفى.

و أخرى بأنه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق و الأصول العملية المتكفلة لأحكام فعلية ضرورة أنه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين كذلك لا يمكن احتماله.

فلا يصح التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلي كما لا يصح بأن الحكمين ليسا في مرتبة واحدة بل في مرتبتين ضرورة تأخر الحكم الظاهري عن الواقعي بمرتبتين و ذلك لا يكاد يجدي فإن الظاهري و إن لم يكن في تمام مراتب الواقعي إلا أنه يكون في مرتبته أيضا.

و على تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة فتأمل فيما ذكرنا من التحقيق في التوفيق فإنه دقيق و بالتأمل حقيق.

ثالثها [تأسيس الأصل في ما شك في اعتباره]

أن الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا و لا يحرز التعبد به واقعا عدم حجيته جزما بمعنى عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة عليه قطعا فإنها لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف بالحجية فعلا و لا يكاد يكون الاتصاف بها إلا إذا أحرز التعبد به و جعله طريقا متبعا ضرورة أنه بدونه لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرد إصابته و لا يكون عذرا لدى مخالفته مع عدمها و لا يكون


1- في « أ»: مؤداه.

ص: 280

مخالفته تجريا و لا يكون موافقته بما هي موافقة انقيادا و إن كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك إذا وقعت برجاء إصابته فمع الشك في التعبد به يقطع بعدم حجيته و عدم ترتيب شي ء من الآثار عليه للقطع بانتفاء الموضوع معه و لعمري هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.

و أما صحة الالتزام (1) بما أدى إليه من الأحكام و صحة نسبته إليه تعالى فليسا من آثارها ضرورة أن حجية الظن عقلا على تقرير الحكومة في حال الانسداد لا توجب صحتهما فلو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئا ما لم يترتب عليه ما ذكر من آثارها و معه لما كان يضر عدم صحتهما أصلا كما أشرنا إليه آنفا.

فبيان عدم صحة الالتزام مع الشك في التعبد و عدم جواز إسناده (2) إليه تعالى غير مرتبط بالمقام فلا يكون الاستدلال عليه بمهم كما أتعب به شيخنا العلامة (3) أعلى الله مقامه نفسه الزكية بما أطنب من النقض و الإبرام فراجعه بما علقناه (4) عليه و تأمل.

و قد انقدح بما ذكرنا أن الصواب فيما هو المهم في الباب ما ذكرنا في تقرير الأصل فتدبر جيدا.

إذا عرفت ذلك فما خرج موضوعا عن تحت هذا الأصل أو قيل بخروجه يذكر في ذيل فصول.


1- هذا تعريض بالشيخ، فرائد الأصول/ 30 في المقام الثاني.
2- في چب»: الاستناد
3- راجع فرائد الأصول/ 30.
4- حاشية فرائد الأصول/ 44، عند قوله: و لا يخفى أن التعبد... إلخ.

ص: 281

فصل [في حجية ظواهر الألفاظ]

اشارة

لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة لاستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات مع القطع بعدم الردع عنها لوضوح عدم اختراع طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه كما هو واضح.

و الظاهر (1) أن سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بإفادتها للظن فعلا و لا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعا ضرورة أنه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظن بالوفاق و لا بوجود الظن بالخلاف.

[التفصيل بين من قصد إفهامه و غيره]

كما أن الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه و لذا لا يسمع اعتذار من لا يقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام المولى من تكليف يعمه أو يخصه و يصح به الاحتجاج لدى المخاصمة و اللجاج كما تشهد به صحة الشهادة بالإقرار من كل من سمعه و لو قصد عدم إفهامه فضلا عما إذا لم يكن بصدد إفهامه و لا فرق في ذلك بين الكتاب المبين و أحاديث سيد المرسلين و الأئمة الطاهرين.

[تفصيل جماعة من المحدثين في حجية الظواهر بين الكتاب و غيره]
اشارة

و إن ذهب بعض الأصحاب إلى عدم حجية ظاهر الكتاب

[أدلة المحدثين و المناقشة فيها]

إما بدعوى


1- إشارة إلى التفصيلين اللذين أشار إليهما الشيخ في رسائله. فرائد الأصول/ 44.

ص: 282

اختصاص فهم القرآن و معرفته بأهله و من خوطب به كما يشهد به ما (1) ورد في ردع أبي حنيفة و قتادة [1] عن الفتوى به.

أو بدعوى (2) أنه لأجل احتوائه على مضامين شامخة و مطالب غامضة عالية لا يكاد تصل إليها أيدي أفكار أولي الأنظار الغير الراسخين العالمين بتأويله كيف و لا يكاد يصل إلى فهم كلمات الأوائل إلا الأوحدي من الأفاضل فما ظنك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان و ما يكون و حكم كل شي ء.

أو بدعوى (3) شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر لا أقل من احتمال شموله له لتشابه المتشابه و إجماله.

أو بدعوى أنه و إن لم يكن منه ذاتا إلا أنه صار منه عرضا للعلم الإجمالي بطروء التخصيص و التقييد و التجوز في غير واحد من ظواهره كما هو الظاهر.

أو بدعوى شمول الأخبار الناهية (4) عن تفسير القرآن بالرأي لحمل الكلام الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى.

و لا يخفى أن النزاع يختلف صغرويا و كبرويا بحسب الوجوه فبحسب غير الوجه الأخير و الثالث يكون صغرويا و أما بحسبهما فالظاهر أنه كبروي و يكون

[1] هو قتاد بن دعامة بن عزيز أبو الخطاب السدوسي البصري، مفسر حافظ ضرير أكمه، قال أحمد بن حنبل: قتادة أحفظ أهل البصرة، كان مع علمه بالحديث رأسا في العربية و مفرادت اللغة و أيام العرب و النسب، و كان يرى القدر وقد يدلّس في الحديث، مات بواسط في الطاعون سنة 118 ه- ، و هو ابن ست و خمسين سنة. (تذكرة الحفاظ 1/ 122 الرقم 107).


1- وسائل الشيعة 18: 29، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 527، الكافي 8: 311، الحديث 485.
2- حكي عن الأخباريين، راجع فرائد الأصول/ 34.
3- حكاه الشيخ ( قدس سره) عن السيد الصدر، فرائد الأصول/ 38، شرح الوافية.
4- تفسير العيّاشي: 1/ 17- 18، عيون أخبار الرضا: 1/ 59، الباب 11، الحديث 4، أمالي الصدوق: 155/ الحديث 3، التوحيد: 905، الحديث 5.

ص: 283

المنع عن الظاهر إما لأنه من المتشابه قطعا أو احتمالا أو لكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير بالرأي و كل هذه الدعاوي فاسدة.

أما الأولى فإنما المراد مما دل على اختصاص فهم القرآن و معرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته و محكماته بداهة أن فيه ما لا يختص به كما لا يخفى.

و ردع أبي حنيفة و قتادة عن الفتوى به إنما هو لأجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه من دون مراجعة أهله لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا و لو مع الرجوع إلى رواياتهم و الفحص عما ينافيه و الفتوى به مع اليأس عن الظفر به كيف و قد وقع في غير واحد من الروايات (1) الإرجاع إلى الكتاب و الاستدلال بغير واحد من آياته (2).

و أما الثانية فلأن احتواءه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للأحكام و حجيتها كما هو محل الكلام.

و أما الثالثة فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه فإن الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل و ليس بمتشابه و مجمل.

و أما الرابعة فلأن العلم إجمالا بطروء إرادة خلاف الظاهر إنما يوجب الإجمال فيما إذا لم ينحل بالظفر في الروايات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال.

مع أن دعوى اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما يخالفه لظفر به غير بعيدة فتأمل جيدا.


1- مثل رواية الثقلين، راجع الخصال: 1/ 65، الحديث 98، معاني الأخبار/ 90، التهذيب: 1/ 363، الحديث 27 من باب صفة الوضوء، الوسائل: 1/ 290 الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 1.
2- في « ب»: الآيات.

ص: 284

و أما الخامسة فيمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير فإنه كشف القناع و لا قناع للظاهر و لو سلم فليس من التفسير بالرأي إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني الذي لا اعتبار به و إنما كان منه حمل اللفظ على خلاف ظاهره لرجحانه بنظره أو حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدته ذاك الاعتبار عليه من دون السؤال عن الأوصياء و في بعض الأخبار (1) (: إنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه و لم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم و استغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم).

هذا مع أنه لا محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير به على ذلك و لو سلم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره ضرورة أنه قضية التوفيق بينها و بين ما دل على جواز التمسك بالقرآن مثل خبر الثقلين (2) و ما دل على التمسك به و العمل بما فيه (3) و عرض الأخبار المتعارضة عليه (4) و رد الشروط المخالفة له (5) و غير ذلك (6) مما لا محيص عن إرادة الإرجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه ضرورة أن الآيات التي يمكن أن تكون مرجعا في باب تعارض الروايات أو الشروط أو يمكن أن يتمسك بها و يعمل بما فيها ليست إلا ظاهرة في معانيها ليس فيها ما كان نصا كما لا يخفى.

و دعوى العلم الإجمالي بوقوع التحريف فيه بنحو إما بإسقاط أو


1- وسائل الشيعة 18/ 148، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث: 62.
2- الخصال: 1/ 65 الحديث 98، و معاني الأخبار/ 90، الحديث 1.
3- نهج البلاغة: باب الخطب، الخطبة 176.
4- الوسائل 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث: 12، 15، 29.
5- الوسائل 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث: 1.
6- التهذيب: 1/ 363، الحديث 27 من باب صفة الوضوء. الوسائل: 1/ 290 الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث: 1. الوسائل: 1/ 327 الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث:.

ص: 285

تصحيف (1) و إن كانت غير بعيدة كما يشهد به بعض الأخبار (2) و يساعده الاعتبار إلا أنه لا يمنع عن حجية ظواهره لعدم العلم بوقوع خلل (3) فيها بذلك أصلا.

و لو سلم فلا علم بوقوعه في آيات الأحكام و العلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات غير ضائر بحجية آياتها لعدم حجية ظاهر سائر الآيات و العلم الإجمالي بوقوع الخلل في الظواهر إنما يمنع عن حجيتها إذا كانت كلها حجة و إلا لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك كما لا يخفى فافهم.

نعم لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به لأخل بحجيته لعدم انعقاد ظهور له حينئذ و إن انعقد له الظهور لو لا اتصاله.

[اختلاف في القراءات]

ثم إن التحقيق أن الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف في الظهور مثل يَطْهُرْنَ بالتشديد و التخفيف يوجب الإخلال بجواز التمسك و الاستدلال لعدم إحراز ما هو القرآن و لم يثبت تواتر القراءات و لا جواز الاستدلال بها و إن نسب (4) إلى المشهور تواترها لكنه مما لا أصل له و إنما الثابت جواز القراءة بها و لا ملازمة بينهما كما لا يخفى.

و لو فرض جواز الاستدلال بها فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الأصل في تعارض الأمارات هو سقوطها عن الحجية في خصوص المؤدى بناء على اعتبارها من باب الطريقية و التخيير بينها بناء على السببية مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الأمارات فلا بد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف المقامات.


1- في « ب»: بتصحيف.
2- الإتقان: 1/ 101، 121. مسند أحمد: 1/ 47. صحيح مسلم: 4/ 167.
3- في « ب»: الخلل.
4- نسبة الشيخ ( قده) راجع فرائد الأصول/ 40.

ص: 286

فصل [في احتمال وجود القرينة أو قرينية الموجود]

اشارة

قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام فإن أحرز بالقطع و أن المفهوم منه جزما بحسب متفاهم أهل العرف هو ذا فلا كلام و إلا فإن كان لأجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الأصل عدمها لكن الظاهر أنه معه يبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء لا أنه يبنى عليه بعد البناء على عدمها كما لا يخفى فافهم.

و إن كان لاحتمال قرينية الموجود فهو و إن لم يكن بخال عن الإشكال بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد إلا أن الظاهر أن يعامل معه معاملة المجمل و إن كان لأجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا فالأصل يقتضي عدم حجية الظن فيه فإنه ظن في أنه ظاهر و لا دليل إلا على حجية الظواهر.

[حجية قول اللغوي و عدمها]
اشارة

نعم نسب (1) إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الأوضاع و استدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء على ذلك حيث لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد و لو مع المخاصمة و اللجاج و عن بعض (2) دعوى الإجماع على ذلك.

و فيه أن الاتفاق ممنوع، و لو سلم [و إن الاتفاق لو سلم اتفاقه فغير مفيد مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد و العدالة.

و الإجماع المحصل غير حاصل و المنقول منه غير مقبول خصوصا في مثل


1- نسبه الشيخ ( قده) راجع فرائد الأصول/ 45، في القسم الثاني من الظنون المستعملة لتشخيص الأوضاع.
2- كالسيد المرتضى على ما نسب إليه، الذريعة 1/ 13.

ص: 287

المسألة مما احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجل لو لا الكل هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها.

و المتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق (1) و الاطمئنان و لا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك بل إنما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال بداهة أن همه ضبط موارده لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا و إلا لوضعوا لذلك علامة و ليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه للانتقاض بالمشترك.

[تقرير الانسداد الصغير]

و كون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه و إن كان المعنى معلوما في الجملة لا يوجب اعتبار قوله ما دام انفتاح باب العلم بالأحكام كما لا يخفى و مع الانسداد كان قوله معتبرا إذا أفاد الظن من باب حجية مطلق الظن و إن فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد.

نعم لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة.

لا يقال على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة.

فإنه يقال مع هذا لا تكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها فإنه ربما يوجب القطع بالمعنى و ربما يوجب القطع بأن اللفظ في المورد ظاهر في معنى بعد الظفر به و بغيره في اللغة و إن لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز كما اتفق كثيرا و هو يكفي في الفتوى.


1- في « ب»: موجبا للوثوق.

ص: 288

فصل الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة

اشاره

عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة أنه من أفراده من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص فلا بد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له بعمومها أو إطلاقها.

و تحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور
الأول أن وجه اعتبار الإجماع هو القطع برأي الإمام عليه السلام

و مستند القطع به لحاكيه على ما يظهر من كلماتهم هو علمه بدخوله عليه السلام في المجمعين شخصا و لم يعرف عينا أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه عليه السلام عقلا من باب اللطف أو عادة أو اتفاقا من جهة حدس رأيه و إن لم تكن ملازمة بينهما عقلا و لا عادة كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الإجماع حيث إنهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية و لا الملازمة العادية غالبا و عدم العلم بدخول جنابه عليه السلام في المجمعين عادة يحكون الإجماع كثيرا كما أنه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب أنه استند في دعوى الإجماع إلى العلم بدخوله عليه السلام و ممن اعتذر عنه بانقراض عصره أنه استند إلى قاعدة اللطف.

هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك على ما يشهد به مراجعة كلماتهم و ربما

ص: 289

يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه السلام و أخذه الفتوى من جنابه و إنما لم ينقل عنه بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء.

الأمر الثاني [اختلاف الألفاظ الحاكية للإجماع]

أنه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع فتارة ينقل رأيه عليه السلام في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب أو حسا و هو نادر جدا و أخرى لا ينقل إلا ما هو السبب عند ناقله عقلا أو عادة أو اتفاقا و اختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة و ظهورا و إجمالا في ذلك أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب و المسبب.

الأمر الثالث [حجية الإجماع المنقول الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام]

أنه لا إشكال في حجية الإجماع المنقول بأدلة حجية الخبر إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب و المسبب عن حس لو لم نقل بأن نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا و كذا إذا لم يكن متضمنا له بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس إلا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه بأحكامه و آثاره.

و أما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك كما أن المنصرف من الآيات و الروايات ذلك (1) على تقدير دلالتهما [ذلك] خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة هذا فيما انكشف الحال.

و أما فيما اشتبه فلا يبعد أن يقال بالاعتبار فإن عمدة أدلة حجية الأخبار هو بناء العقلاء و هم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس حيث إنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشي ء على التوقف و التفتيش عن أنه عن حدس أو حس بل العمل على (2) طبقه و الجري على


1- في « ب»: قدم « على تقدير دلالتهما» على « ذلك».
2- في « أ»: على العمل طبقه.

ص: 290

وفقه بدون ذلك نعم لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة.

هذا لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا فلا اعتبار لها ما لم ينكشف أن نقل السبب كان مستندا إلى الحس فلا بد في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها و لو بملاحظة حال الناقل و خصوص موضع النقل فيؤخذ بذاك المقدار و يعامل معه كأنه المحصل فإن كان بمقدار تمام السبب و إلا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات ما به (1) تم فافهم.

[حجية الإجماع المنقول إذا كان تمام السبب أو جزؤه]

فتلخص بما ذكرنا أن الإجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي الإمام عليه السلام بالتضمن أو الالتزام كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه السلام و ما نقله من الأقوال بنحو الجملة و الإجمال و تعمه أدلة اعتباره و ينقسم بأقسامه و يشاركه في أحكامه و إلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية.

و أما من جهة نقل السبب فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي نقلت إليه على الإجمال بألفاظ نقل الإجماع مثل ما إذا نقلت على التفصيل فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له (2) من أقوال السائرين أو سائر الأمارات مقدار كان المجموع منه و ما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل و يكون حاله كما إذا كان كله منقولا و لا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه أو ما له دخل فيه و به قوامه كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل و خصوصية القضية الواقعة المسئول عنها و غير ذلك مما له دخل في تعيين


1- في « ب»: بأنّه.
2- في « أ»: إليه، و صححه المصنف.

ص: 291

مرامه عليه السلام من كلامه.

و ينبغي التنبيه على أمور
الأول [بطلان الطرق المتقدمة لاستكشاف رأي الإمام عليه السلام]

أنه قد مر أن مبنى دعوى الإجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا لقاعدة اللطف و هي باطلة أو اتفاقا بحدس رأيه عليه السلام من فتوى جماعة و هي غالبا غير مسلمة و أما كون المبنى العلم بدخول الإمام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جدا في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب كما لا يخفى بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه السلام على نحو الإجمال في الجماعة في زمان الغيبة و إن احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته و معرفته أحيانا فلا يكاد يجدي نقل الإجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز من لفظه بما اكتنف به من حال أو مقال و يعامل معه معاملة المحصل.

الثاني [تعارض الإجماعات المنقولة]

أنه لا يخفى أن الإجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر فلا يكون التعارض إلا بحسب المسبب و أما بحسب السبب فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل لكن نقل الفتاوى على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذ لا يصلح لأن يكون سببا و لا جزء سبب لثبوت الخلاف فيها إلا إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه السلام لو اطلع عليها و لو مع اطلاعه على الخلاف و هو و إن لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد إلا أنه مع عدم الاطلاع عليها كذلك إلا مجملا بعيد فافهم.

الثالث [نقل التواتر بالخبر الواحد]

أنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر و أنه من حيث المسبب لا بد في اعتباره من كون الإخبار به إخبارا على الإجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم به و من حيث السبب يثبت به كل مقدار كان إخباره بالتواتر دالا عليه كما إذا أخبر به على التفصيل فربما لا يكون إلا دون حد

ص: 292

التواتر فلا بد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الأخبار يبلغ المجموع ذاك الحد.

نعم لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة و لو عند المخبر لوجب ترتيبه عليه و لو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار.

فصل مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى

و لا يساعده دليل و توهم (1) دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر فيه ما لا يخفى ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته الظن غايته تنقيح ذلك بالظن و هو لا يوجب إلا الظن بأنها أولى بالاعتبار و لا اعتبار به مع أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط غير مجازفة.

و أضعف منه توهم دلالة المشهورة (2) و المقبولة (3) عليه لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى (: خذ بما اشتهر بين أصحابك) و في الثانية (: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به) هو الرواية لا ما يعم الفتوى كما هو أوضح من أن يخفى.

نعم بناء على حجية الخبر ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته بل على حجية (4) كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد.


1- راجع تعليقة المصنف على كتاب فرائد الأصول/ 57.
2- عوالي اللآلي 4/ 133، الحديث 229.
3- التهذيب 6/ 310، الحديث 52، و الفقيه 3/ 5، الحديث: 2، باختلاف يسير في الرواية.
4- في « ب»: حجيته.

ص: 293

فصل المشهور بين الأصحاب حجية خبر الواحد في الجملة

اشاره

بالخصوص و لا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية و قد عرفت في أول الكتاب (1) أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط و لو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة و إن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة و عليه لا يكاد يفيد في ذلك أي كون هذه المسألة أصولية تجشم دعوى (2) (أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل) ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة بل عن حجية الخبر الحاكي عنها كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى (3) (أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة و هي قول الحجة أو فعله أو تقريره هل تثبت بخبر الواحد أو لا تثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة) فإن التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الإخبار بها ليس من عوارضها بل من عوارض مشكوكها كما لا يخفى مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر و المبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره لا ما هو لازمه كما هو واضح.


1- راجع ص 9.
2- انظر دعوى صاحب الفصول، الفصول/ 12.
3- راجع فرائد الأصول/ 67، في الخبر الواحد.

ص: 294

[أدلة المنكرين لحجية الخبر الواحد و المناقشة فيها]

و كيف كان فالمحكي عن السيد [1] و القاضي [2] و ابن زهرة [3] و الطبرسي [4] و ابن إدريس (1) عدم حجية الخبر و استدل (2) لهم بالآيات الناهية (3) عن اتباع غير العلم و الروايات (4) الدالة على رد ما لم يعلم أنه قولهم عليهم

[1] الذريعة 2: 528، في التعبد بخبر الواحد و رسالة للسيّد في إبطال العمل بالخبر الواحد، المطبوعة في رسائل السيد المرتضى 3: 309 و أجوبته عن مسائل التبانيات المطبوعة في ضمن رسائلة 1: 21، الفصل الثاني. علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين المشهور بالسيد المرتضى، تولد سنة 355، حاز من الفضائل ما تفرد به، له تصانيف مشهورة منها «الشافي» في الامامة و «الذخيرة» و «الذريعة» و غيرها، خلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقرواته و مصنفاته، توفي لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436 ه- . (الكنى و الالقاب 2/ 483).

[2] الشيخ عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج، وجه الأصحاب و فقيههم، لقب بالقاضي لكونه قاضيا في طرابلس، قرأ على السيد و الشيخ فترة و يروي عنهما و عن الكراجكي و ابي الصلاح الحلبي. له «المهذب» و «الموجز» و «الكامل» و «الجواهر». توفي في 9 شعبان سنة 481 (الكنى و الألقاب 1/ 224).

[3] الغنية: 475، (المطبوعة في الجوامع الفقهية).

أبو المارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي العالم الفاضل الفقيه، يروي عن والده و غيره، له «غنية النزوع الى علمي الأصول و الفروع» و «قبس الأنوار في نصرة العترة الأطهار» توفي سنة 585 في سن اربع و سبعين، قبره بحلب بسفح جبل جوشن عند مشهد السقط.

(الكنى و الألقاب 1/ 299).

[4] كذا يظهر من تفسيره آية النبأ، مجمع البيان 5: 133.

امين الاسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي مفسر فقيه صاحب كتاب مجمع البيان و جوامع الجامع، كان معاصرا لصاحب الكشاف، يروي عنه جماعة من أفاضل العلماء، منهم ولده الحسن بن الفضل و ابن شهر آشوب و القطب الراوندي، انتقل من المشهد الرضوي الى سبزوار سنة 523 و انتقل منها الى دار الخلود سنة 548 و حمل نعشه الى المشهد المقدس و قبره معروف (رياض العلماء 4/ 340).


1- السرائر: 5.
2- المعتمد 2: 124.
3- الإسراء: 36، النجم: 28.
4- مستدرك الوسائل 3: 186، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

ص: 295

السلام أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان (1) أو لم يكن موافقا للقرآن إليهم (2) أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله (3) أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف (4) أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق الكتاب أو السنة (5) إلى غير ذلك (6).

و الإجماع المحكي (7) عن السيد في مواضع من كلامه بل حكي (8) عنه أنه جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة.

و الجواب أما عن الآيات فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم الفروع الشرعية و لو سلم عمومها لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الأخبار.

و أما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فإنها أخبار آحاد.

لا يقال إنها و إن لم تكن متواترة لفظا و لا معنى إلا أنها متواترة إجمالا للعلم الإجمالي بصدور بعضها لا محالة.

فإنه يقال إنها و إن كانت كذلك إلا أنها لا تفيد إلا فيما توافقت عليه و هو غير مفيد في إثبات السلب كليا كما هو محل الكلام و مورد النقض و الإبرام و إنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب و السنة و الالتزام به ليس بضائر بل


1- وسائل الشيعة 18: 80، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 18.
2- مستدرك السوئال 3: 186، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.
3- المحاسن 1/ 221.
4- وسائل الشيعة 18: 78، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 12.
5- وسائل الشيعة: 18: 78، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 11.
6- راجع وسائل الشيعة 18: 75: أحاديث باب 9 من أبواب صفات القاضي.
7- أجوبة المسائل التبانيات 1: 24، الفصل الثاني.
8- رسائل السيد المرتضى 3: 309، رسالة إبطال العمل بالخبر الواحد.

ص: 296

لا محيص عنه في مقام المعارضة.

و أما عن الإجماع فبأن المحصل منه غير حاصل و المنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصا في المسألة كما يظهر وجهه للمتأمل مع أنه معارض بمثله و موهون بذهاب المشهور إلى خلافه.

و قد استدل للمشهور بالأدلة الأربعة.

فصل في الآيات التي استدل بها
فمنها آية النبإ
اشارة

قال الله تبارك و تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (1) و يمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه (2) أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط و أن تعليق الحكم بإيجاب التبين عن النبإ الذي جي ء به على كون الجائي به الفاسق (3) يقتضي انتفاءه عند انتفائه.

و لا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع فافهم.

نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبإ و مجي ء الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع مع أنه يمكن أن يقال إن القضية و لو كانت مسوقة لذلك إلا أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبإ الذي جاء به الفاسق فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه و وجود موضوع آخر فتدبر.

و لكنه يشكل (4) بأنه ليس لها هاهنا مفهوم و لو سلم أن أمثالها ظاهرة في


1- الحجرات: 6.
2- ذكر الوجوه في حاشية الفرائد/ 60.
3- في متهى الدراية 4/ 441: فاسقا.
4- و للمزيد راجع فرائد الأصول/ 72، و عدة الأصول 1/ 44، و معارج الأصول/ 145.

ص: 297

المفهوم لأن التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم و المنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم. و لا يخفى أن الإشكال إنما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم مع أن دعوى أنها بمعنى السفاهة و فعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة.

[إشكال عدم شمول الآية للروايات مع الواسطة]
اشاره

ثم إنه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام عليه السلام بواسطة أو وسائط فإنه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر لأنه و إن كان أثرا شرعيا لهما إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض.

نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس في أن يكون بلحاظه أيضا حيث إنه صار أثرا بجعل آخر فلا يلزم اتحاد الحكم و الموضوع بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل واحد فتدبر.

[ذب الإشكال]

و يمكن ذب الإشكال (1) بأنه إنما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية و الحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر بل بلحاظ أفراده و إلا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده بلا محذور لزوم اتحاد الحكم و الموضوع.

هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الأثر أي وجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب و إن كان لا يمكن أن يكون ملحوظا (2) لأجل المحذور و إلى عدم القول بالفصل بينه و بين سائر الآثار في وجوب الترتيب لدى الإخبار بموضوع صار أثره الشرعي وجوب التصديق و هو خبر العدل و لو بنفس الحكم في الآية به فافهم.


1- الصحيح ما أثبتناه و ما في النسخ المطبوعة خطأ ظاهر.
2- الصحيح ما أثبتناه و ما في النسخ المطبوعة خطأ ظاهر.

ص: 298

و لا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك للإشكال في خصوص الوسائط من الأخبار كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا بأنه لا يكاد يكون خبرا تعبدا إلا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد فكيف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا و ذلك لأنه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار العدل به كسائر ذوات الآثار من الموضوعات لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية أو لشمول الحكم فيها له مناطا و إن لم يشمله لفظا أو لعدم القول بالفصل فتأمل جيدا.

و منها آية النفر

قال الله تبارك و تعالى فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ (1) الآية و ربما يستدل بها من وجوه.

أحدها أن كلمة لعل و إن كانت مستعملة على التحقيق في معناه الحقيقي و هو الترجي الإيقاعي الإنشائي إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي كان هو محبوبية التحذر عند الإنذار و إذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل و عقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه و عدم حسنه بل عدم إمكانه بدونه.

ثانيها أنه لما وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب كما هو قضية كلمة لو لا التحضيضية وجب التحذر و إلا لغا وجوبه.

ثالثها أنه جعل غاية للإنذار الواجب و غاية الواجب واجب.

و يشكل الوجه الأول بأن التحذر لرجاء إدراك الواقع و عدم الوقوع في محذور مخالفته من فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة حسن و ليس بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف و لم يثبت هاهنا عدم الفصل غايته عدم


1- التوبة: 122.

ص: 299

القول بالفصل.

و الوجه الثاني و الثالث بعدم انحصار فائدة الإنذار بإيجاب (1) التحذر تعبدا لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الإطلاق ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غايتية التحذر و لعل وجوبه كان مشروطا بما إذا أفاد العلم لو لم نقل بكونه مشروطا به فإن النفر إنما يكون لأجل التفقه و تعلم معالم الدين و معرفة ما جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير الآية لكي يحذروا إذا أنذروا بها و قضيته إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الإنذار بها كما لا يخفى.

ثم إنه أشكل أيضا بأن الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر حيث إنه ليس شأن الراوي إلا الإخبار بما تحمله لا التخويف و الإنذار و إنما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد.

قلت لا يذهب عليك أنه ليس حال الرواة في الصدر الأول في نقل ما تحملوا من النبي صلى الله عليه و على أهل بيته الكرام أو الإمام عليه السلام من الأحكام إلى الأنام إلا كحال نقلة الفتاوى إلى العوام.

و لا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الإبلاغ و الإنذار و التحذير بالبلاغ فكذا من الرواة فالآية لو فرض دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف كان نقله حجة بدونه أيضا لعدم الفصل بينهما جزما فافهم.

و منها آية الكتمان

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا (2) الآية.

و تقريب الاستدلال بها أن حرمة الكتمان تستلزم وجوب (3) القبول عقلا


1- اثبتناها من « ب».
2- البقرة: 159.
3- أثبتناها من « أ».

ص: 300

للزوم لغويته بدونه و لا يخفى أنه لو سلمت هذه الملازمة لا مجال (1) للإيراد على هذه الآية بما أورد على آية النفر من دعوى الإهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم فإنها تنافيهما كما لا يخفى لكنها ممنوعة فإن اللغوية غير لازمة لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبدا و إمكان أن تكون حرمة الكتمان لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه و بينه لئلا يكون للناس على الله حجة بل كان له عليهم الحجة البالغة.

و منها آية السؤال عن أهل الذكر

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (2) و تقريب الاستدلال بها ما في آية الكتمان.

و فيه أن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب.

و قد أورد (3) عليها بأنه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذكر فلا دلالة لها على التعبد بما يروي الراوي فإنه بما هو راو لا يكون من أهل الذكر و العلم فالمناسب إنما هو الاستدلال بها على حجية الفتوى لا الرواية.

و فيه أن كثيرا من الرواة يصدق عليهم أنهم أهل الذكر و الاطلاع على رأي الإمام عليه السلام كزرارة و محمد بن مسلم و مثلهما و يصدق على السؤال عنهم أنه السؤال عن أهل (4) الذكر و العلم و لو كان السائل من أضرابهم فإذا وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم و رواية غيرهم من العدول مطلقا لعدم الفصل جزما في وجوب القبول بين المبتدئ و المسبوق بالسؤال و لا بين أضراب زرارة و غيرهم ممن لا يكون من أهل


1- دفع لما أورده الشيخ- من الإشكالين الأولين في آية النفر- على الاستدلال بهذه الآية، فرائد الأصول/ 81.
2- النحل: 43، الأنبياء: 7.
3- هذا هو الإيراد الثالث للشيخ على الاستدلال بالآية، فرائد الأصول/ 82.
4- أثبتناها من « ب».

ص: 301

الذكر و إنما يروي ما سمعه أو رآه فافهم.

و منها آية الأذن

وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ (1) فإنه تبارك و تعالى مدح نبيه بأنه يصدق المؤمنين و قرنه بتصديقه تعالى.

و فيه أولا أنه إنما مدحه بأنه أذن و هو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبدا.

و ثانيا أنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم و لا تضر غيرهم لا التصديق بترتيب جميع الآثار كما هو المطلوب في باب حجية الخبر و يظهر ذلك من تصديقه للنمام بأنه ما نمه و تصديقه لله تعالى بأنه نمه كما هو المراد من التصديق في (قوله عليه السلام: فصدقه و كذبهم) حيث (قال علي ما في الخبر (2): يا أبا محمد (3) كذب سمعك و بصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال قولا و قال لم أقله فصدقه و كذبهم) فيكون مراده تصديقه بما ينفعه و لا يضرهم و تكذيبهم فيما يضره و لا ينفعهم و إلا فكيف يحكم بتصديق الواحد و تكذيب خمسين و هكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل (4) فتأمل جيدا.

فصل في الأخبار التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد

. و هي و إن كانت طوائف كثيرة كما يظهر من مراجعة الوسائل (5) و غيرها


1- التوبة: 61.
2- عقاب الأعمال/ 295، الحديث 1، الكافي 8/ 147، الحديث 125.
3- في « أوب»: يا أبا محمد و الصحيح ما أثبتناه، لأنه خطاب لمحمد بن فضيل المكني بأبي جعفر.
4- الكافي 5/ 299، باب حفظ المال و كراهة الاضاعة من كتاب المعيشة، الحديث 1.
5- الوسائل 18: 72 الباب 8 من أبواب صفات القاضي و الباب 9، الحديث 5 و الباب 11، الحديث 4 و 40.

ص: 302

إلا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد فإنها غير متفقة على لفظ و لا على معنى فتكون متواترة لفظا أو معنى.

و لكنه مندفع بأنها و إن كانت كذلك إلا أنها متواترة إجمالا ضرورة أنه يعلم إجمالا بصدور بعضها منهم عليهم السلام و قضيته و إن كان حجية خبر دل على حجيته أخصها مضمونا (1) إلا أنه يتعدى عنه فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية و قد دل على حجية ما كان أعم فافهم.

فصل في الإجماع على حجية الخبر. و تقريره
اشارة

من وجوه.

أحدها [عدم تحقق الإجماع المحصل و المنقول بالتواتر]

دعوى الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ فيكشف رضاه عليه السلام بذلك و يقطع به أو من تتبع الإجماعات المنقولة على الحجية و لا يخفى مجازفة هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره من الخصوصيات و معه لا مجال لتحصيل القطع برضاه عليه السلام من تتبعها و هكذا حال تتبع الإجماعات المنقولة اللهم إلا أن يدعى تواطؤها على الحجية في الجملة و إنما الاختلاف في الخصوصيات المعتبرة فيها و لكن دون إثباته خرط القتاد.

[التقريب الثاني للإجماع و الجواب عنه]

ثانيها دعوى اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية كما يظهر من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها.


1- في الحقائق 2: 132، و إن كان ججية خبر أخصها مضمونا... الخ.

ص: 303

و فيه مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون و متدينون بهذا الدين أو بما هم عقلاء و لو لم يلتزموا بدين كما هم لا يزالون يعملون بها في غير الأمور الدينية من الأمور العادية فيرجع إلى ثالث الوجوه و هو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان و غيرهم على العمل بخبر الثقة و استمرت إلى زماننا و لم يردع عنه نبي و لا وصي نبي ضرورة أنه لو كان لاشتهر و بان و من الواضح أنه يكشف عن رضا الشارع به في الشرعيات أيضا.

إن قلت يكفي في الردع الآيات الناهية و الروايات المانعة عن اتباع غير العلم و ناهيك قوله تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (1) و قوله تعالى وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (2).

قلت لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك فإنه مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين و لو سلم فإنما المتيقن لو لا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر و ذلك لأن الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة و هو يتوقف على الردع عنها بها و إلا لكانت مخصصة أو مقيدة لها كما لا يخفى.

[الاستدلال بسيرة العقلاء على حجية الخبر الواحد]

لا يقال علي هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا إلا على وجه دائر فإن اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها و هو يتوقف على تخصيصها بها و هو يتوقف على عدم الردع بها عنها.

فإنه يقال إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها كما يكفي في تخصيصها لها ذلك كما لا يخفى ضرورة أن ما


1- الإسراء: 36.
2- النجم: 28.

ص: 304

جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الإطاعة و المعصية و في استحقاق العقوبة بالمخالفة و عدم استحقاقها مع الموافقة و لو في صورة المخالفة عن الواقع (1) يكون عقلا في الشرع متبعا ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات فافهم و تأمل [1].

فصل في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد.
اشارة

فصل في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر (2) الواحد.

أحدها [العلم الإجمالي بصدور جملة من الأخبار]

أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار عليهم السلام بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لانحل علمنا الإجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات و سائر الأمارات إلى

[1] قولنا: (فافهم و تأمل) إشارة إلى كون خبر الثقة متبعا، و لو قيل بسقوط كل من السيرة و الإطلاق عن الاعتبار، بسبب دوران الأمر بين ردعها به و تقييده بها، و ذلك لأجل استصحاب حجيّته الثابتة قبل نزول الآيتين.

فان قلت: لا مجال لاحتمال التقييد بها، فإن دليل اعتباره مغيّى بعدم الردع به عنها، و معه لا تكون صالحة لتقييد الإطلاق مع صلاحيته للردع عنها، كما لا يخفى.

قلت: لدليل ليس إلّا إمضاء الشارع لها و رضاه بها، المستكشف بعدم الردع عنها في زمان مع إمكانه، و هو غير مغيّى، نعم يمكن أن يكون له واقعا، و في علمه تعالى أمد خاص، كحكمه الابتدائي، حيث أنّه ربما يكون له أمر فينسخ، فالردع في الحكم الامضائي ليس إلا كالنسخ في الابتدائي و ذلك غير كونه بحسب الدليل مغيّى، كما لا يخفى.

و بالجملة: ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلّا كحال الخاص المقدّم، و العام المؤخر، في دوران الأمر بين التخصيص بالخاص، أو النسخ بالعام، ففيهما يدور الأمر أيضا بين التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات فافهم (منه قدس سره).


1- الصواب: المخالفة للواقع.
2- أثبتناه من هامش نسخة « ب»، و في « أ»: خبر الواحد.

ص: 305

العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا و الشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد سائر الأمارات الغير المعتبرة و لازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع الأخبار المثبتة و جواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل مثبت له [يثبت له] من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف ما (1) علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه و إلا لاختص عدم جواز العمل على وفق النافي بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال.

و فيه أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم و إن كان يسلم عما أورد عليه (2) من أن لازمه الاحتياط في سائر الأمارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الإجمالي بينهما بما علم بين الأخبار بالخصوص و لو بالإجمال فتأمل جيدا.

ثانيها ما ذكره في الوافية

ثانيها ما ذكره في الوافية (3)

مستدلا على حجية الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر و هو (أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة سيما بالأصول الضرورية كالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و المتاجر و الأنكحة و نحوها مع أن جل أجزائها و شرائطها و موانعها إنما يثبت بالخبر الغير القطعي بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد و من أنكر فإنما ينكره باللسان و قلبه مطمئن بالإيمان انتهى.)

و أورد (4) عليه أولا بأن العلم الإجمالي حاصل بوجود الأجزاء و الشرائط


1- الزيادة من « ب».
2- أورده الشيخ على الوجه الأول بتقريره فليلاحظ، فرائد الأصول/ 103.
3- الوافية/ 75.
4- إشارة إلى ما أورده الشيخ ( قده)، فرائد الأصول/ 105، في جوابه عن التقرير الثاني من دليل العقل.

ص: 306

بين جميع الأخبار لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط و العمل بكل خبر دل على جزئية شي ء أو شرطيته و إما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية [إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شي ء أو شرطيته] (1).

قلت يمكن أن يقال إن العلم الإجمالي و إن كان حاصلا بين جميع الأخبار إلا أن العلم بوجود الأخبار الصادرة عنهم عليهم السلام بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الإجمالي و صيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الإشارة في تقريب الوجه الأول اللهم إلا أن يمنع عن ذلك و ادعي (2) عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره أو ادعي (3) العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل.

و ثانيا بأن قضيته إنما هو العمل بالأخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الأخبار النافية لهما.

و الأولى أن يورد عليه بأن قضيته إنما هو الاحتياط بالأخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت و لو كان أصلا كما لا يخفى.

ثالثها ما أفاده بعض المحققين

ثالثها ما أفاده بعض المحققين (4)

بما ملخصه (أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب و السنة إلى يوم القيامة فإن تمكنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلا بد من الرجوع إليهما كذلك و إلا فلا


1- كذا في النسختين، و الموجود في الرسائل: ( فاللازم حينئذ: إما الاحتياط، و العمل بكل خبر دل على جزئية شي ء أو شرطيته، و إما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية)، راجع فرائد الأصول/ 105.
2- الأولى في الموردين: يدعى.
3- الأولى في الموردين: يدعى.
4- هو العلّامة الشيخ محمد تقي الاصفهاني في هداية المسترشدين/ 397، السادس من وجوه حجية الخبر.

ص: 307

محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بد من التنزل إلى الظن بأحدهما.)

و فيه أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بأنها المراد منها في ذيل كلامه زيد في علو مقامه إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الأخبار المتيقن الاعتبار فإن وفى و إلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالإضافة لو كان و إلا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره و ذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه معه من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره.

هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيما لم يعلم بالصدور و لا بالاعتبار بالخصوص واسع.

و أما الإيراد (1) عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الإجمالي بتكاليف واقعية و إما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بأيدينا من الأخبار.

ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.


1- المستشكل عليه هو الشيخ ( قده)، فرائد الأصول/ 106.

ص: 308

فصل في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن
اشارة

فصل في الوجوه (1) التي أقاموها على حجية الظن

اشارة

و هي أربعة.

الأول [قاعدة وجوب دفع الضرر المظنون]

أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر و دفع الضرر المظنون لازم.

أما الصغرى فلأن الظن بوجوب شي ء أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد.

و أما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون و لو لم نقل بالتحسين و التقبيح (2) لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك و لو لم يستقل بالتحسين و التقبيح مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله و لذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين و التقبيح فتدبر جيدا.

و الصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف و الظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه و العقوبة على مخالفته و إنما الملازمة بين خصوص معصيته و استحقاق العقوبة عليها لا بين


1- ذكر الشيخ ( قده) هذه الوجوه أيضا، فرائد الأصول/ 106.
2- هذا رد على الحاجبي: العضدي في شرحه، شرح العضدي على مختر الأصول: 1/ 163.

ص: 309

مطلق المخالفة و العقوبة بنفسها و بمجرد (1) الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه.

إلا أن يقال إن العقل و إن لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته إلا أنه لا يستقل أيضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة و دعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جدا لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى.

و أما المفسدة فلأنها و إن كان الظن بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه إلا أنها ليست بضرر على كل حال ضرورة أن كل ما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة و منقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه أصلا كما لا يخفى.

و أما تفويت المصلحة فلا شبهة في أنه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الإحسان بالمال.

هذا مع منع كون الأحكام تابعة للمصالح و المفاسد في المأمور به (2) و المنهي عنه (3) بل إنما هي تابعة لمصالح فيها كما حققناه في بعض فوائدنا (4).

و بالجملة ليست المفسدة و لا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال و أنيط بهما الأحكام بمضرة و ليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه و لعمري هذا أوضح من أن يخفى فلا مجال لقاعدة رفع


1- في « ب»: و مجرد.
2- أنث الضمير في النسخ، و الصواب ما أثبتناه.
3- أنث الضمير في النسخ، و الصواب ما أثبتناه.
4- الفوائد: 337، فائدة في اقتضاء الأفعال للمدح و الذم، عند قوله: فيمكن أن يكون صورية... و يمكن أن يكون حقيقة. و راجع ما ذكره في حاشيته على الرسائل: 76، عند قوله: مع احتمال عدم كون الأحكام تابعة لهما، بل تابعة لما في انفسهما من المصلحة... الخ.

ص: 310

الضرر المظنون هاهنا أصلا و لا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم.

الثاني

أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح و هو قبيح.

و فيه أنه لا يكاد يلزم منه ذلك إلا فيما إذا كان الأخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الأمر بين ترجيحه و ترجيح طرفه و لا يكاد يدور الأمر بينهما إلا بمقدمات دليل الانسداد و إلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال.

الثالث

(ما عن السيد الطباطبائي [1] قدس سره من.

أنه لا ريب في وجود واجبات و محرمات كثيرة بين المشتبهات و مقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب و لو موهوما و ترك ما يحتمل الحرمة كذلك و لكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لأنه عسر أكيد و حرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط و انتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات و الموهومات لأن الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات و إدخال بعض المشكوكات و الموهومات باطل

[1] هو السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي الحائري، ولد في الكاظمية عام 1161 ه- اشتغل على ولد الأستاذ العلّامة ثم اشتغل عند خاله الأستاذ العلامة «الوحيد البهبهاني» و بعد مدة قليلة اشتغل بالتصنيف و التدريس و التأليف، له شرحان معروفان على النافع كبير موسوم ب «رياض المسائل» و صغير و غيرهما، و نقل عنه أيضا أنه كان يحضر درس صاحب الحدائق، و كتب جميع مجلدات الحدائق بخطه الشريف، تخرج عليه صاحب المقابس و صاحب المطالع و صاحب مفتاح الكرامة و شريف العلماء و أمثالهم من الأجلة. توفي سنة 1231 ه- و دفن قريبا من قبر خاله العلامة (روضات الجنات 4/ 399 الرقم 422).

ص: 311

إجماعا (1).)

و لا يخفى ما فيه من القدح و الفساد فإنه بعض مقدمات دليل الانسداد و لا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته و معه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل.

الرابع دليل الانسداد
اشارة

و هو مؤلف من مقدمات

[مقدمات دليل الانسداد و الجواب عنه]
اشاره

يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف و لا يكاد يستقل بها بدونها و هي خمس (2).

أولها أنه يعلم إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.

ثانيها أنه قد انسد علينا باب العلم و العلمي إلى كثير منها.

ثالثها أنه لا يجوز لنا إهمالها و عدم التعرض لامتثالها أصلا.

رابعها أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب و تخيير و براءة و احتياط و لا إلى فتوى العالم بحكمها.

خامسها أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة و إلا لزم بعد انسداد باب العلم و العلمي بها إما إهمالها و إما لزوم الاحتياط في أطرافها و إما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالإطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية.


1- حكى هذا القول الشيخ الأنصاري ( قدس سره) في فرائد الأصول/ 111، نقلا عن أستاذه شريف العلماء عن أستاذه السيّد الأجل الاقا ميرزا سيد علي الطباطبائي ( قدس سره) « صاحب الرياض» في مجلس المذاكرة، كما صرح بذلك العلامة المرحوم الميرزا محمد حسن الاشتياني ( قدس سره) راجع بحر الفوائد 189.
2- الصواب ما اثبتناه و في النسخ: خمسة.

ص: 312

و الفرض بطلان كل واحد منها.

أما المقدمة الأولى [انحلال العلم الإجمالي الكبير بما في الأخبار]

فهي و إن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الإجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام التي تكون فيما بأيدينا من الروايات في الكتب المعتبرة و معه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات و هو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال و لا إجماع على عدم وجوبه و لو سلم الإجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال.

و أما المقدمة الثانية [انسداد باب العلم و انفتاح باب العلمي]

أما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط و الاجتهاد.

و أما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه و هو بحمد الله واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى.

و أما الثالثة [عدم جواز إهمال الأحكام]

فهي قطعية و لو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي و ذلك لأن إهمال معظم الأحكام و عدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعا و مما يلزم تركه إجماعا.

إن قلت إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الأطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في سائر الأطراف حينئذ على تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان و المؤاخذة عليها إلا مؤاخذة بلا برهان.

قلت هذا إنما يلزم لو لم يعلم بإيجاب الاحتياط و قد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه بحيث ينافيه عدم إيجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعاة و لو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الإجماع على عدم جواز الإهمال في هذا الحال و أنه مرغوب عنه شرعا قطعا و أما

ص: 313

مع استكشافه (1) فلا يكون المؤاخذة و العقاب حينئذ بلا بيان و بلا برهان كما حققناه في البحث و غيره.

و أما المقدمة الرابعة [عدم وجوب الاحتياط التام]
اشاره

فهي بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسرة اختلال النظام و أما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر و الحرج على قاعدة الاحتياط و ذلك لما حققناه (2) في معنى ما دل على نفي الضرر و العسر من أن التوفيق بين دليلهما و دليل التكليف أو الوضع المتعلقين بما يعمهما هو نفيهما عنهما بلسان نفيهما فلا يكون له حكومة على الاحتياط العسر إذا كان بحكم العقل لعدم العسر في متعلق التكليف و إنما هو في الجمع بين محتملاته احتياطا.

[منع حكومة قاعدة الحرج على قاعدة الاحتياط]

نعم لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل (3) لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة الاحتياط لأن العسر حينئذ يكون من قبل التكاليف المجهولة فتكون منفية بنفيه.

و لا يخفى أنه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها بل لا بد من دعوى وجوبه شرعا كما أشرنا إليه في بيان المقدمة الثالثة فافهم و تأمل جيدا.

و أما الرجوع إلى الأصول فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن إجرائها عقلا مع حكم العقل و عموم النقل هذا و لو قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي


1- هذكا في « أ» و شطب عليها في « ب».
2- تعرض المصنف لقاعد ةلا ضرر في ص 72 ( الكتاب) فليراجع عند قوله أن الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة ادعاء.. و قوله بعد أسطر ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر... إلخ.
3- لقائل هو الشيخ الأنصاري ( قدس سره) انظر، فرائد الأصول/ 314 و رسالة قاعدة نفي الضرر في مكاسبه، المكاسب/ 372.

ص: 314

لاستلزام شمول دليله لها التناقض في مدلوله بداهة تناقض حرمة النقض في كل منها بمقتضى (: لا تنقض) لوجوبه في البعض كما هو قضية (: و لكن تنقضه بيقين آخر) و ذلك لأنه إنما يلزم فيما إذا كان الشك في أطرافه فعليا.

و أما إذا لم يكن كذلك بل لم يكن الشك فعلا إلا في بعض أطرافه و كان بعض أطرافه الأخر غير ملتفت إليه فعلا أصلا كما هو حال المجتهد في مقام استنباط الأحكام كما لا يخفى فلا يكاد يلزم ذلك فإن قضية (: لا تنقض) ليس حينئذ إلا حرمة النقض في خصوص الطرف المشكوك و ليس فيه علم بالانتقاض كي يلزم التناقض في مدلول دليله من شموله له فافهم.

و منه قد انقدح ثبوت حكم العقل و عموم النقل بالنسبة إلى الأصول النافية أيضا و أنه لا يلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدليل لها لو لم يكن هناك مانع عقلا أو شرعا من إجرائها و لا مانع كذلك لو كانت موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه علمي بمقدار المعلوم إجمالا بل بمقدار لم يكن معه مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط و إن لم يكن بذاك المقدار و من الواضح أنه يختلف باختلاف الأشخاص و الأحوال.

و قد ظهر بذلك أن العلم الإجمالي بالتكاليف ربما ينحل ببركة جريان الأصول المثبتة و تلك الضميمة فلا موجب حينئذ للاحتياط عقلا و لا شرعا أصلا كما لا يخفى.

كما ظهر أنه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد أصول النافية مطلقا و لو من مظنونات عدم (1) التكليف محلا للاحتياط فعلا و يرفع اليد عنه فيها كلا أو بعضا بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر على ما عرفت لا محتملات التكليف مطلقا.


1- أثبتناها من « ب».

ص: 315

و أما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز ضرورة أنه لا يجوز إلا للجاهل لا للفاضل الذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي فهل يكون رجوعه إليه بنظره إلا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل.

و أما المقدمة الخامسة [قبح ترجيح المرجوح على الراجح]

فلاستقلال العقل بها و أنه لا يجوز التنزل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها إلا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية لبداهة مرجوحيتها بالإضافة إليها و قبح ترجيح المرجوح على الراجح لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية مع دوران الأمر بين الظنية و الشكية أو الوهمية من جهة ما أوردناه على المقدمة الأولى من انحلال العلم الإجمالي بما في أخبار الكتب المعتبرة و قضيته الاحتياط بالإلزام عملا بما فيها من التكاليف و لا بأس به حيث لا يلزم منه عسر فضلا عما يوجب اختلال النظام.

و ما أوردنا على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى الأصول مطلقا و لو كانت نافية لوجود المقتضي و فقد المانع عنه لو كان التكليف في موارد الأصول المثبتة و ما علم منه تفصيلا أو نهض عليه دليل معتبر بمقدار المعلوم بالإجمال و إلا فإلى الأصول المثبتة وحدها و حينئذ كان خصوص موارد الأصول النافية محلا لحكومة العقل و ترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها و لو بعد استكشاف وجوب الاحتياط في الجملة شرعا بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعا أو عقلا على ما عرفت تفصيله هذا هو التحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق فافهم و تدبر جيدا.

فصل [الظن بالطريق و الظن بالواقع]
اشاره

هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما أقوال.

و التحقيق أن يقال إنه لا شبهة في أن هم العقل في كل حال إنما هو

ص: 316

تحصيل الأمن من تبعة التكاليف المعلومة من العقوبة على مخالفتها كما لا شبهة في استقلاله في تعيين ما هو المؤمن منها و في أن كلما كان القطع به مؤمنا في حال الانفتاح كان الظن به مؤمنا حال الانسداد جزما و أن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك [هو] لا بما هو معلوم و مؤدى الطريق و متعلق العلم و هو طريق شرعا و عقلا أو بإتيانه الجعلي و ذلك لأن العقل قد استقل بأن الإتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو هو لا بما هو مؤدى الطريق مبرئ للذمة قطعا.

كيف و قد عرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل إحداثا و إمضاء إثباتا و نفيا و لا يخفى أن قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع و الطريق و لا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلا توهم أنه قضية اختصاص المقدمات بالفروع لعدم انسداد باب العلم في الأصول و عدم إلجاء في التنزل إلى الظن فيها و الغفلة عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام يحصل الأمن من عقوبة التكاليف و إن كان باب العلم في غالب الأصول مفتوحا و ذلك لعدم التفاوت في نظر العقل في ذلك بين الظنين كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان.

[دليل اختصاص مفاد المقدمات بالظن بالواقع]

أحدهما ما أفاده بعض الفحول (1) و تبعه في الفصول (2) قال فيها.

(إنا كما نقطع بأنا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان و شهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع و لا بطريق معين يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع و لو عند تعذره كذلك نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طريقا مخصوصا


1- هو العلامة المحقق الشيخ اسد اللّه الشوشتري، كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع/ 460.
2- الفصول/ 277، مع اختلاف في الألفاظ.

ص: 317

و كلفنا تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة و حيث إنه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع و لا بطريق يقطع من السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه كذلك مقام القطع و لو بعد تعذره فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين ذلك الطريق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على عدم (1) حجيته لأنه أقرب إلى العلم و إلى إصابة الواقع مما عداه.)

و فيه أولا بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بأيدينا من الطرق الغير العلمية و عدم وجود المتيقن بينها أصلا أن قضية ذلك هو الاحتياط في أطراف هذه الطرق المعلومة بالإجمال لا تعيينها بالظن.

لا يقال (2) الفرض هو عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه لأن الفرض إنما هو عدم وجوب الاحتياط التام في أطراف الأحكام مما يوجب العسر المخل بالنظام لا الاحتياط في خصوص ما بأيدينا من الطرق.

فإن قضية هذا الاحتياط هو جواز رفع اليد عنه في غير مواردها و الرجوع إلى الأصل فيها و لو كان نافيا للتكليف و كذا فيما إذا نهض الكل على نفيه و كذا فيما إذا تعارض فردان من بعض الأطراف فيه نفيا و إثباتا مع ثبوت المرجح للنافي بل مع عدم رجحان المثبت في خصوص الخبر منها و مطلقا في غيره بناء على عدم ثبوت الترجيح على تقدير الاعتبار في غير الأخبار و كذا لو تعارض اثنان منها في الوجوب و التحريم فإن المرجع في جميع ما ذكر من موارد التعارض هو الأصل الجاري فيها و لو كان نافيا لعدم نهوض طريق معتبر و لا ما هو من أطراف العلم به على خلافه فافهم.

و كذا كل مورد لم يجر فيه الأصل المثبت للعلم بانتقاض الحالة السابقة فيه


1- أثبتناه الزيادة من الفصول.
2- إيراد ذكره الشيخ ( قدس سره) و أمر بالتأمل فيه، فرائد الأصول/ 132، عند قوله: اللهم إلّا أن يقال إنه يلزم الحرج... إلخ.

ص: 318

إجمالا بسبب العلم به أو بقيام أمارة معتبرة عليه في بعض أطرافه بناء على عدم جريانه بذلك.

و ثانيا لو سلم أن قضيته (1) لزوم التنزل إلى الظن فتوهم أن الوظيفة حينئذ هو خصوص الظن بالطريق فاسد قطعا و ذلك لعدم كونه أقرب إلى العلم و إصابة الواقع من الظن بكونه مؤدى طريق معتبر من دون الظن بحجية طريق أصلا و من الظن بالواقع كما لا يخفى.

لا يقال إنما لا يكون أقرب من الظن بالواقع إذا لم يصرف التكليف الفعلي عنه إلى مؤديات الطرق و لو بنحو التقييد فإن الالتزام به بعيد إذ الصرف لو لم يكن تصويبا محالا فلا أقل من كونه مجمعا على بطلانه ضرورة أن القطع بالواقع يجدي في الإجزاء بما هو واقع لا بما هو مؤدى طريق القطع كما عرفت.

و من هنا انقدح أن التقييد أيضا غير سديد مع أن الالتزام بذلك غير مفيد فإن الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى طريق معتبر و الظن بالطريق ما لم يظن بإصابته (2) الواقع غير مجد بناء على التقييد لعدم استلزامه الظن بالواقع المقيد به بدونه.

هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف و لا على التقييد غايته أن العلم الإجمالي بنصب طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية إلى العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف الفعلية و الانحلال و إن كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤد إليه الطريق من التكاليف الواقعية إلا أنه إذا كان رعاية العلم بالنصب لازما و الفرض عدم اللزوم بل عدم الجواز.

و عليه يكون التكاليف الواقعية كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية


1- في « ب»: قضية.
2- في « ب»: بإصابة.

ص: 319

الظن بها حال انسداد باب العلم كما لا يخفى و لا بد حينئذ من عناية أخرى [1] في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الإطاعة و عدم إهمالها رأسا كما أشرنا إليها (1) و لا شبهة في أن الظن بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب و ترك الحرام من الظن بالطريق فلا أقل من كونه مساويا فيما يهم العقل من تحصيل الأمن من العقوبة في كل حال هذا مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق و هو بلا شبهة يكفي و لو لم يكن هناك ظن بالطريق فافهم فإنه دقيق.

[الوجه الثاني مما استدل به لحجية الظن بالطريق دون غيره]

ثانيهما ما اختص به بعض المحققين (2) قال.

(لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية و لم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية و أن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به و سقوط تكليفنا عنا سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا حسب ما مر تفصيل القول فيه.

فحينئذ نقول إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه و حصول البراءة به و إن انسد علينا سبيل العلم كان الواجب

[1] و هي إيجاب الاحتياط في الجملة المستكشف بنحو اللّم، من عدم الإهمال في حال الانسداد قطعا إجماعا بل ضرورة، و هو يقتضي التنزل إلى الظن بالواقع حقيقة أو تعبدا، إذا كان استكشافه في التكاليف المعلومة إجمالا، لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بكل ما يجب تحصيل القطع به في حال الانفتاح إلى الظن به في هذا الحال، و إلى الظن بخصوص الواقعيات التي تكون مؤديات الطرق المعتبرة، أو بمطلق المؤديات لو كان استكشافه في خصوصها أو في مطلقها، فلا يكاد أن تصل النوبة إلى الظن بالطريق بما هو كذلك و إن كان يكفي، لكونه مستلزما للظن بكون مؤداه مؤدى طريق معتبر، كما يكفي الظن بكونه كذلك، و لو لم يكن ظن باعتبار طريق أصلا كما لا يخفى، و أنت خبير بأنه لا وجه لاحتمال ذلك، و إنما المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال، بعد عدم لزوم رعاية الطرق المعلومة بالإجمال بين أطراف كثيرة، فافهم (منه قدس سره).


1- راجع صفحة/ 312.
2- و هو العلامة المحقق الشيخ محمد تقي الأصفهاني، هداية المسترشدين/ 391.

ص: 320

علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فيتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم و القطع ببقاء التكليف دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.)

و فيه أولا أن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة بالإطاعة و الامتثال إنما هو العقل و ليس للشارع في هذا الباب حكم مولوي يتبعه حكم العقل و لو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشادا إليه و قد عرفت استقلاله بكون الواقع بما هو هو (1) مفرغ و أن القطع به حقيقة أو تعبدا مؤمن جزما و أن المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمنا حال الانفتاح فيكون الظن بالواقع أيضا مؤمنا حال الانسداد.

و ثانيا سلمنا ذلك لكن حكمه بتفريغ الذمة فيما إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب ليس إلا بدعوى أن النصب يستلزمه مع أن دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى كما لا يخفى فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا.

إن قلت كيف يستلزمه (2) الظن بالواقع مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه به معه كما إذا كان من القياس و هذا بخلاف الظن بالطريق فإنه يستلزمه و لو كان من القياس.

قلت الظن بالواقع أيضا يستلزم [1] الظن بحكمه بالتفريغ (3) على الأقوى و لا ينافي

[1] و ذلك لضرورة الملازمة بين الإتيان بما كلف به واقعا و حكمه بالفراغ و يشهد به عدم جواز الحكم بعدمه، لو سئل عن أن الإتيان بالمأمور به على وجهه، هل هو مفرغ؟ و لزوم حكمه بأنه مفرغ، و الا لزم عدم إجزاء الواقعي، و هو واضح البطلان (منه قدس سره).


1- أثبتنا الزيادة من « أ».
2- في « ب»: يستلزم.
3- كذا في النسخة المصححة، و في « أ»: الظن بهما على الأقوى يستلزم الحكم بالتفريغ.

ص: 321

القطع بعدم حجيته لدى الشارع و عدم كون المكلف معذورا إذا عمل به فيهما فيما أخطأ بل كان مستحقا للعقاب و لو فيما أصاب لو بنى على حجيته و الاقتصار عليه لتجريه فافهم.

و ثالثا سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به لكن قضيته ليس إلا التنزل إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر لا خصوص الظن بالطريق و قد عرفت أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالبا.

فصل [في الكشف و الحكومة]
اشاره

لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقا منصوبا شرعا ضرورة أنه معها لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب طريقا لجواز اجتزائه بما استقل به العقل في هذا الحال و لا مجال لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل لقاعدة الملازمة ضرورة أنها إنما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي و المورد هاهنا غير قابل له فإن الإطاعة الظنية التي يستقل العقل بكفايتها في حال الانسداد إنما هي بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزيد منها و عدم جواز اقتصار المكلف بدونها و مؤاخذة الشارع غير قابلة لحكمه و هو واضح.

[أوامر الإطاعة إرشادية لا مولوية]

و اقتصار المكلف بما دونها لما كان بنفسه موجبا للعقاب مطلقا أو فيما أصاب الظن كما أنها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون حاجة إلى أمر بها أو نهي عن مخالفتها كان حكم الشارع فيه مولويا بلا ملاك يوجبه كما لا يخفى و لا بأس به إرشاديا كما هو شأنه في حكمه بوجوب الإطاعة و حرمة المعصية.

و صحة نصبه الطريق و جعله في كل حال بملاك يوجب نصبه و حكمة داعية إليه لا تنافي استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحو حال الانسداد كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح من دون استكشاف حكم الشارع بلزومها

ص: 322

مولويا لما عرفت.

[نتيجة الحكومة]

فانقدح بذلك عدم صحة تقرير المقدمات إلا على نحو الحكومة دون الكشف و عليها فلا إهمال في النتيجة أصلا سببا و موردا و مرتبة لعدم تطرق الإهمال و الإجمال في حكم العقل كما لا يخفى.

أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها.

و أما بحسب الموارد فيمكن أن يقال بعدم استقلاله بكفاية الإطاعة الظنية إلا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب و ترك الحرام و استقلاله بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج و الدماء بل و سائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر.

و أما بحسب المرتبة فكذلك لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف (1) إلا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر.

[التفصيل بين محتملات الكشف]

و أما على تقرير الكشف فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه فلا إهمال فيها أيضا بحسب الأسباب بل يستكشف حينئذ أن الكل حجة لو لم يكن بينها ما هو المتيقن و إلا فلا مجال لاستكشاف حجية (2) غيره و لا بحسب الموارد بل يحكم بحجيته في جميعها و إلا لزم عدم وصول الحجة و لو لأجل التردد في مواردها كما لا يخفى.

و دعوى الإجماع (3) على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدا.


1- كذا صححه في « ب»، و في « أ»: فكذلك لا يستقل إلا بكفاية مرتبة الاطمئنان من الظن إلا على... إلخ.
2- في « ب»: حجة.
3- ادعاه الشيخ ( قده) فرائد الأصول/ 139.

ص: 323

و أما بحسب المرتبة ففيها إهمال لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان وافيا فلا بد من الاقتصار عليه و لو قيل بأن النتيجة هو نصب الطريق الواصل و لو بطريقه فلا إهمال فيها بحسب الأسباب لو لم يكن فيها تفاوت أصلا أو لم يكن بينها إلا واحد و إلا فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه بإجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب حتى ينتهي إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت بينها فيحكم بحجية كلها أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار فيقتصر عليه.

و أما بحسب الموارد و المرتبة فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه فتدبر جيدا.

[طرق تعميم النتيجة على الكشف]

و لو قيل بأن النتيجة هو الطريق و لو لم يصل أصلا فالإهمال فيها يكون من الجهات و لا محيص حينئذ إلا من الاحتياط في الطريق بمراعاة أطراف الاحتمال لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار لو لم يلزم منه محذور و إلا لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال فتأمل فإن المقام من مزال الأقدام.

وهم و دفع

لعلك تقول إن القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ضرورة أنه من مقدماته انسداد باب العلمي أيضا.

لكنك غفلت عن أن المراد ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبله لأجل اليقين بأنه لو كان شي ء حجة شرعا كان هذا الشي ء حجة قطعا بداهة أن الدليل على أحد المتلازمين إنما هو الدليل على الآخر لا الدليل على الملازمة.

ثم لا يخفى أن الظن باعتبار ظن (1) بالخصوص يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل


1- في « ب»: الظن.

ص: 324

بنفسه فإنه حينئذ يقطع بكونه حجة كان غيره حجة أو لا و احتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة و لكنه من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار و بالجملة الأمر يدور بين حجية الكل و حجيته فيكون مقطوع الاعتبار.

و من هنا ظهر حال القوة و لعل نظر من رجح بهما [بها] إلى هذا الفرض و كان منع شيخنا العلامة (1) أعلى الله مقامه عن الترجيح بهما (2) بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل و لو بطريقه أو الطريق و لو لم يصل أصلا و بذلك ربما يوفق بين كلمات الأعلام في المقام و عليك بالتأمل التام.

ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بهما (3) إنما هو على تقدير كفاية الراجح و إلا فلا بد من التعدي إلى غيره بمقدار الكفاية فيختلف الحال باختلاف الأنظار بل الأحوال.

و أما تعميم النتيجة (4) بأن قضية العلم الإجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه فهو لا يكاد يتم إلا على تقدير كون النتيجة هو نصب الطريق و لو لم يصل أصلا مع أن التعميم بذلك لا يوجب العمل إلا على وفق المثبتات من الأطراف دون النافيات إلا فيما إذا كان هناك ناف من جميع الأصناف ضرورة أن الاحتياط فيها يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا لزم حيث لا ينافيه كيف و يجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية كما لا يخفى فما ظنك بما لا يجب الأخذ بموجبه إلا من باب الاحتياط فافهم.


1- فرائد الأصول/ 142، و أمّا المرجح الثاني.
2- في « ب»: بها.
3- في « ب»: بها.
4- هذا ثالث طرق « تعميم النتيجة» الذي نقله الشيخ ( قده) عن شيخه المحقق شريف لعلماء ( قده)، و استشكل عليه، فرائد الأصول/ 150.

ص: 325

فصل [إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة]

قد اشتهر الإشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة و تقريره على ما في الرسائل (1) أنه.

(كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للإطاعة و المعصية و يقبح على الآمر و المأمور التعدي عنه و مع ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس و لا يجوز الشارع العمل به فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكنا جرى في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس بل و أزيد (2) و اختفى علينا و لا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه و هذا من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص) انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

و أنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقا على عدم نصب الشارع طريقا واصلا و عدم حكمه به فيما كان هناك منصوب و لو كان أصلا بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم و لا علمي فلا موضوع لحكمه مع أحدهما و النهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلا كنصب شي ء بل هو يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعي فلا يكون نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه بل به يرتفع موضوعه و ليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلا كالأمر بما لا يفيده و كما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه و كما لا يصح بلحاظ حكمه الإشكال فيه لا يصح الإشكال فيه بلحاظه.


1- فرائد الأصول/ 156.
2- أثبتناها من فرائد الأصول.

ص: 326

نعم لا بأس بالإشكال فيه في نفسه كما أشكل فيه برأسه بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير تقدم الكلام في تقريرها و ما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق.

غاية الأمر تلك المحاذير التي تكون فيما إذا أخطأ الطريق المنصوب كانت في الطريق المنهي عنه في مورد الإصابة و لكن من الواضح أنه لا دخل لذلك في الإشكال على دليل الانسداد بخروج القياس ضرورة أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل و قد عرفت أنه بمكان من الفساد.

و استلزام إمكان المنع عنه لاحتمال المنع عن أمارة أخرى و قد اختفى علينا و إن كان موجبا لعدم استقلال العقل إلا أنه إنما يكون بالإضافة إلى تلك الأمارة لو كان غيرها مما لا يحتمل فيه المنع بمقدار الكفاية و إلا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعه على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع و الممنوع (1).

و قياس حكم العقل (2) بكون الظن مناطا للإطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطا لها في حال الانفتاح لا يكاد يخفى على أحد فساده لوضوح أنه مع الفارق ضرورة أن حكمه في العلم على نحو التنجز و فيه على نحو التعليق.

ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الإشكال بالنهي عن القياس مع جريانه في الأمر بطريق غير مفيد للظن بداهة انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعا مع أنه لا يظن بأحد أن يستشكل بذلك و ليس إلا لأجل أن حكمه به معلق على عدم النصب و معه لا حكم له كما هو كذلك مع النهي عن بعض أفراد الظن فتدبر جيدا.


1- سيأتي تحقيقه في الفصل الآتي.
2- ذكره الشيخ ( قده) في فرائد الأصول/ 156.

ص: 327

و قد انقدح بذلك أنه لا وقع للجواب عن الإشكال تارة (1) بأن المنع عن القياس لأجل كونه غالب المخالفة و أخرى (2) بأن العمل به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة و ذلك لبداهة أنه إنما يشكل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه بملاحظة حكم العقل بحجية الظن و لا يكاد يجدي صحته كذلك في ذب الإشكال في صحته بهذا اللحاظ فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.

و أما ما قيل في جوابه (3) من منع عموم المنع عنه بحال الانسداد أو منع حصول الظن منه بعد انكشاف حاله و أن ما يفسده أكثر مما يصلحه ففي غاية الفساد فإنه مضافا إلى كون كل واحد من المنعين غير سديد لدعوى الإجماع على عموم المنع مع إطلاق أدلته و عموم علته و شهادة الوجدان بحصول الظن منه في بعض الأحيان لا يكاد يكون في دفع الإشكال بالقطع بخروج الظن الناشئ منه بمفيد غاية الأمر أنه لا إشكال مع فرض أحد المنعين لكنه غير فرض الإشكال فتدبر جيدا.

فصل [في الظن المانع و الممنوع]

إذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص فالتحقيق أن يقال بعد تصور المنع عن بعض الظنون في حال الانسداد إنه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه فضلا عما إذا ظن كما أشرنا إليه في الفصل السابق فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص فإن كفى و إلا فبضميمة ما لم يظن المنع عنه و إن احتمل مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد و إن انسد باب هذا الاحتمال معها كما لا يخفى و ذلك ضرورة أنه لا احتمال مع الاستقلال


1- هذا سابع الوجوه التي ذكرها الشيخ ( قده) في الجواب عن الإشكال، فرائد الأصول/ 161.
2- هو الوجه السادس الذي أفاده الشيخ ( قده) و استشكل عليه، فرائد الأصول/ 160.
3- راجع الوجهين الأولين من الوجوه السبعة التي ذكرها الشيخ ( قده) فرائد الأصول/ 157.

ص: 328

حسب الفرض و منه انقدح أنه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن في الأصول أو في الفروع أو فيهما فافهم.

فصل [في عدم الفرق بين أقسام الظن بالحكم]

اشاره

لا فرق في نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم من أمارة عليه و بين الظن به من أمارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية كقول اللغوي فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه و هو واضح و لا يخفى أن اعتبار ما يورثه لا محيص عنه فيما إذا كان مما ينسد فيه باب العلم فقول أهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع الانسداد و لو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد.

نعم لا يكاد يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في وصية أو إقرار أو غيرهما من الموضوعات الخارجية إلا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن بالخصوص أو ذاك المخصوص و مثله الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي كالظن بأن راوي الخبر هو زرارة بن أعين مثلا لا آخر.

فانقدح أن الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد و لو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي لا من باب الشهادة و لا من باب الرواية.

تنبيه [حجية الظن الحاصل من قول الرجالي]

لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور مهما أمكن في الرواية و عدم الاقتصار على (1) الظن الحاصل منها بلا سد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي و ذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد إلى الضعيف مع التمكن من القوي أو ما بحكمه عقلا فتأمل جيدا.

فصل [في الظن بالفراغ]

إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الأحكام هو حجية الظن فيها لا


1- في « أ»: بالظن.

ص: 329

حجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في إتيانها بل لا بد من علم أو علمي بإتيانها كما لا يخفى.

نعم ربما يجري نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية من انسداد باب العلم به غالبا و اهتمام الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفة (1) الواقع بإجراء الأصول فيه مهما أمكن و عدم وجوب الاحتياط شرعا أو عدم إمكانه عقلا كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب و الحرمة مثلا فلا محيص عن اتباع الظن حينئذ أيضا فافهم.

خاتمة يذكر فيها أمران استطرادا

الأول [حكم الظن في الأصول الاعتقادية]
اشارة

هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العملية المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد به و عقد القلب عليه و تحمله و الانقياد له أو لا.

الظاهر لا فإن الأمر الاعتقادي و إن انسد باب القطع به إلا أن باب الاعتقاد إجمالا بما هو واقعة و الانقياد له و تحمله غير منسد بخلاف العمل بالجوارح فإنه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعة إلا بالاحتياط و المفروض عدم وجوبه شرعا أو عدم جوازه عقلا و لا أقرب من العمل على وفق الظن.

و بالجملة لا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب الأعمال الجوانحية على الظن فيها مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها فلا يتحمل إلا لما هو الواقع و لا ينقاد إلا له لا لما هو مظنونه و هذا بخلاف العمليات فإنه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد.

نعم يجب تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب المعرفة لنفسها كمعرفة الواجب تعالى و صفاته أداء لشكر بعض نعمائه و معرفة


1- في « ب»: بمخالفته.

ص: 330

أنبيائه فإنهم وسائط نعمه و آلائه بل و كذا معرفة الإمام عليه السلام على وجه صحيح [1] فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي و وصيه لذلك و لاحتمال الضرر في تركه و لا يجب عقلا معرفة غير ما ذكر إلا ما وجب شرعا معرفته كمعرفة الإمام عليه السلام على وجه آخر غير صحيح أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته و ما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل و لا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة (1).

و لا دلالة لمثل قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ (2) الآية و لا (لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: و ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس) (3) و لا لما دل على وجوب التفقه و طلب العلم من الآيات و الروايات على وجوب معرفته بالعموم ضرورة أن المراد من لِيَعْبُدُونِ هو خصوص عبادة الله و معرفته و النبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة فلا إطلاق فيه أصلا و مثل آية النفر (4) إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب لا بيان ما يجب فقهه و معرفته كما لا يخفى و كذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه لا بصدد بيان ما يجب العلم به.

[وجوب المعرفة]

ثم إنه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا حيث إنه ليس بمعرفة قطعا فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن و مع العجز عنه كان معذورا إن كان عن قصور لغفلة أو لغموضة (5) المطلب مع قلة الاستعداد كما هو المشاهد في

[1] و هو كون الإمامة كالنبوة منصبا إلهيا يحتاج إلى تعيينه- تعالى- و نصبه، لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين، و هو الوجه الآخر (منه قدس سره الشريف).


1- هذا تعريض بما أفاده الشيخ ( قده) انتصارا للعلامة، فرائد الأصول/ 170.
2- الذاريات: 56.
3- و قريب منه: الكافي 3/ 264، و التهذيب 2/ 236.
4- التوبة: 122.
5- في « ب»: الغموضية.

ص: 331

كثير من النساء بل الرجال بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد و لو لأجل حب طريقة الآباء و الأجداد و اتباع سيرة السلف فإنه كالجبلي للخلف و قلما عنه تخلف (1).

و المراد من المجاهدة في قوله تعالى وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (2) هو المجاهدة مع النفس بتخليتها عن الرذائل و تحليتها بالفضائل و هي التي كانت أكبر من الجهاد لا النظر و الاجتهاد و إلا لأدى إلى الهداية مع أنه يؤدي إلى الجهالة و الضلالة إلا إذا كانت هناك منه تعالى عناية فإنه غالبا بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق لا بصدد الحق فيكون مقصرا مع اجتهاده و مؤاخذا إذا أخطأ على قطعه و اعتقاده.

[عدم قيام الظن مقام العلم في أصول الدين]

ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم فيما يجب تحصيله عقلا لو أمكن لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه لما أشرنا إليه (3) من أن الأمور الاعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها و الانقياد لها فلا إلجاء فيها أصلا إلى التنزل إلى الظن فيما انسد فيه باب العلم بخلاف الفروع العملية كما لا يخفى.

و كذلك لا دلالة من النقل على وجوبه فيما يجب معرفته مع الإمكان شرعا بل الأدلة الدالة على النهي عن اتباع الظن دليل على عدم جوازه أيضا.

و قد انقدح من مطاوي ما ذكرنا أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة أو عدم الاستعداد للاجتهاد فيها لعدم وضوح الأمر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها إلا عن تقصير كما لا يخفى فيكون [1] معذورا عقلا.

[1] و لا ينافي ذلك عدم استحقاقه درجة، بل استحقاقه دركة لنقصانه بسبب فقدانه للإيمان به تعالى أو برسوله، أو لعدم معرفة أوليائه، ضرورة أن نقصان الإنسان لذلك يوجب بعده عن ساحة جلاله تعالى، و هو يستتبع لا محالة دركة من الدركات، و عليه فلا إشكال فيما هو ظاهر بعض الروايات و الآيات، من خلود الكافر مطلقا و لو كان قاصرا، فقصوره إنما ينفعه في دفع المؤاخذه عنه بما يتبعها من الدركات، لا فيما يستتبعه نقصان ذاته و دنو نفسه و خساسته، فإذا انتهى إلى اقتضاء الذات لذلك فلا مجال للسؤال عنه، ب «لم ذلك؟) فافهم (منه قدس سره).


1- في « ب»: يتخلف.
2- العنكبوت/ 69.
3- أشار إليه في الأمر الأوّل من خاتمة دليل الانسداد/ 329

ص: 332

و لا يصغى إلى ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها لكنه إنما يكون معذورا غير معاقب على عدم معرفة الحق إذا لم يكن يعانده بل كان ينقاد له على إجماله لو احتمله.

هذا بعض الكلام مما يناسب المقام و أما بيان حكم الجاهل من حيث الكفر و الإسلام فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة.

الثاني [الترجيح و الوهن بالظن]
اشاره

الظن الذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان بحجة أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة أو يرجح به أحد المتعارضين بحيث لولاه على وفقه لما كان ترجيح لأحدهما أو كان للآخر منهما أم لا.

و مجمل القول في ذلك أن العبرة في حصول الجبران أو الرجحان بموافقته هو الدخول بذلك تحت دليل الحجية أو المرجحية الراجعة إلى دليل الحجية كما أن العبرة في الوهن إنما هو الخروج بالمخالفة عن تحت دليل الحجية فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره أو بصحة مضمونه و دخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به فراجع أدلة اعتبارها.

و عدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد لاختصاص دليل الحجية بحجية الظهور في تعيين المراد و الظن من أمارة خارجية به لا يوجب ظهور اللفظ فيه كما هو ظاهر إلا فيما أوجب القطع و لو إجمالا باحتفافه بما كان موجبا لظهوره فيه لو لا عروض انتفائه و عدم وهن السند بالظن بعدم صدوره و كذا عدم وهن دلالته مع ظهوره إلا فيما كشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده أو وجود قرينة مانعة

ص: 333

عن انعقاد ظهوره فيما فيه ظاهر لو لا تلك القرينة لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة و لا دليل اعتبار الظهور بما إذا لم يكن ظن بعدم صدوره أو ظن بعدم إرادة ظهوره.

و أما الترجيح بالظن فهو فرع دليل على الترجيح به بعد سقوط الأمارتين بالتعارض من البين و عدم حجية واحد منهما بخصوصه و عنوانه و إن بقي أحدهما بلا عنوان على حجيته و لم يقم دليل بالخصوص على الترجيح به.

و إن ادعى شيخنا العلامة (1) أعلى الله مقامه استفادته من الأخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة على ما في (2) تفصيله في التعادل و الترجيح (3).

و مقدمات الانسداد في الأحكام إنما توجب حجية الظن بالحكم أو بالحجة لا الترجيح به ما لم يوجب ظن بأحدهما و مقدماته في خصوص الترجيح لو جرت إنما توجب حجية الظن في تعيين المرجح لا أنه مرجح إلا إذا ظن أنه أيضا مرجح فتأمل جيدا هذا فيما لم يقم على المنع عن العمل به بخصوصه دليل.

[الترجيح و الوهن بمثل القياس]

و أما ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح فيما لا يكون لغيره أيضا و كذا فيما يكون به أحدهما [أحدها] لوضوح أن الظن القياسي إذا كان على خلاف ما لولاه لكان حجة بعد المنع عنه لا يوجب خروجه عن تحت دليل حجيته (4) و إذا كان على وفق ما لولاه لما كان حجة لا يوجب دخوله تحت دليل الحجية و هكذا لا يوجب ترجيح أحد المتعارضين و ذلك لدلالة دليل المنع على إلغائه الشارع رأسا و عدم جواز استعماله في الشرعيات قطعا و دخله في واحد منها نحو استعمال له فيها كما لا يخفى فتأمل جيدا.


1- فرائد الأصول/ 187، حيث قال الثالث: ما يظهر من بعض الأخبار... إلخ.
2- في « ب»: على ما يأتي تفصيله.
3- في « أ» التراجيح.
4- في « ب»: الحجية.

ص: 334

ص: 335

المقصد السابع الأصول العملية

اشاره

ص: 336

ص: 337

المقصد السابع في الأصول العملية و هي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص و اليأس عن الظفر بدليل مما دل عليه حكم العقل أو عموم النقل و المهم منها أربعة فإن مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية [1] و إن كان مما ينتهي إليها فيما لا حجة على طهارته و لا على نجاسته إلا أن البحث عنها ليس بمهم حيث إنها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض و إبرام بخلاف الأربعة و هي البراءة و الاحتياط و التخيير و الاستصحاب فإنها محل الخلاف بين الأصحاب و يحتاج تنقيح مجاريها و توضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيها إلى مزيد بحث و بيان و مئونة حجة و برهان هذا مع جريانها في كل الأبواب و اختصاص تلك القاعدة ببعضها فافهم.

[1] لا يقال: إن قاعدة الطهارة مطلقا، تكون قاعدة في الشبهة الموضوعية، فإن الطهارة و النجاسة من الموضوعات الخارجية التي يكشف عنها الشرع.

فإنه يقال: أولا: نمنع ذلك، بل إنهما من الأحكام الوضعية الشرعية، و لذا اختلفتا في الشرائع بحسب المصالح الموجبة لشرعهما، كما لا يخفى.

و ثانيا: إنهما لو كانتا كذلك، فالشبهة فيهما فيما كان الاشتباه لعدم الدليل على أحدهما كانت حكيمة، فإنه لا مرجع لرفعها إلا الشارع، و ما كانت كذلك ليست إلا حكمية (منه قدس سره).

ص: 338

فصل [في أصالة البراءة]

اشاره

لو شك في وجوب [1] شي ء أو حرمته و لم تنهض عليه حجة جاز شرعا و عقلا ترك الأول و فعل الثاني و كان مأمونا من عقوبة مخالفته كان عدم نهوض الحجة لأجل فقدان النص أو إجماله و احتماله الكراهة أو الاستحباب أو تعارضه فيما لم يثبت بينهما ترجيح بناء على التوقف في مسألة تعارض النصين فيما لم يكن ترجيح في البين.

و أما بناء على التخيير كما هو المشهور فلا مجال لأصالة البراءة و غيرها لمكان وجود الحجة المعتبرة و هو أحد النصين فيها كما لا يخفى

و قد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة
اشاره

.

[1] لا يخفى أن جمع الوجوب و الحرمة في فصل، و عدم عقد فصل لكل منهما على حدة، و كذا جمع فقد النصل و إجماله في عنوان عدم الحجة، إنما هو لأجل عدم الحاجة إلى ذلك، بعد الاتحاد فيما هو الملاك، و ما هو العمدة من الدليل على المهم، و اختصاص بعض شقوق المسألة بدليل أو بقول، لا يوجب تخصيصه بعنوان على حدة.

و أما ما تعارض فيه النصان فهو خارج عن موارد الأصول العملية المقررة للشاك على التحقيق فيه من الترجيح أو التخيير، كما أنه داخل فيما لا حجة فيه- بناء على سقوط النصين عن الحجية- و أما الشبهة الموضوعية فلا مساس لها بالمسائل الأصولية، بل فقهية، فلا وجه لبيان حكمها في الأصول إلا استطرادا فلا تغفل، (منه قدس سره).

ص: 339

أما الكتاب

فبآيات أظهرها قوله تعالى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (1).

و فيه أن نفي التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منه منه تعالى على عباده مع استحقاقهم لذلك و لو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق و الفعلية لما صح الاستدلال بها إلا جدلا مع وضوح منعه ضرورة أن ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم مما علم بحكمه و ليس حال الوعيد بالعذاب فيه إلا كالوعيد به فيه فافهم.

و أما السنة
اشاره

فبروايات (2)

منها حديث الرفع

منها حديث الرفع (3)

حيث عد (: ما لا يعلمون) من التسعة المرفوعة فيه فالإلزام المجهول مما لا يعلمون فهو مرفوع فعلا و إن كان ثابتا واقعا فلا مؤاخذة عليه قطعا.

لا يقال ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية كي ترتفع بارتفاع التكليف المجهول ظاهرا فلا دلالة له على ارتفاعها [1].

فإنه يقال إنها و إن لم تكن بنفسها أثرا شرعيا إلا أنها مما يترتب عليه بتوسيط ما هو أثره و باقتضائه من إيجاب الاحتياط شرعا فالدليل على رفعه دليل على عدم إيجابه المستتبع لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته.

لا يقال لا يكاد يكون إيجابه مستتبعا لاستحقاقها على مخالفة التكليف

[1] مع أن ارتفاعها و عدم استحقاقها بمخالفة التكليف المجهول هو المهم في المقام، و التحقيق في الجواب أن يقال- مضافا إلى ما قلناه- أن الاستحقاق و إن كان أثرا عقليا، إلا أن عدم الاستحقاق عقلا، مترتب على عدم التكليف شرعا و لو ظاهرا، تأمل تعرف، (منه قدس سره).


1- الإسراء: 15.
2- في « ب»: فروايات.
3- الكافي/ 2 كتاب الإيمان و الكفر، باب ما رفع عن الأمة، الحديث 2، الفقيه 1/ 36، الباب 14، الحديث 4، و الخصال 2/ 417، باب التسعة.

ص: 340

المجهول بل على مخالفة (1) نفسه كما هو قضية إيجاب غيره.

فإنه يقال هذا إذا لم يكن إيجابه طريقيا و إلا فهو موجب لاستحقاق العقوبة على المجهول كما هو الحال في غيره من الإيجاب و التحريم الطريقيين ضرورة أنه كما يصح أن يحتج بهما صح أن يحتج به و يقال لم أقدمت مع إيجابه و يخرج به عن العقاب بلا بيان و المؤاخذة بلا برهان كما يخرج بهما.

و قد انقدح بذلك أن رفع التكليف المجهول كان منه على الأمة حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيته (2) من إيجاب الاحتياط فرفعه فافهم.

ثم لا يخفى (3) عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة و لا غيرها من الآثار الشرعية في (: ما لا يعلمون) فإن ما لا يعلم من التكليف مطلقا كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه قابل للرفع و الوضع شرعا و إن كان في غيره لا بد من تقدير الآثار أو المجاز في إسناد الرفع إليه فإنه ليس ما اضطروا و ما استكرهوا إلى آخر التسعة بمرفوع حقيقة.

نعم لو كان المراد من الموصول في (: ما لا يعلمون) ما اشتبه حاله و لم يعلم عنوانه لكان أحد الأمرين مما لا بد منه أيضا ثم لا وجه (4) لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح أن المقدر في غير واحد غيرها فلا محيص عن أن يكون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها أو تمام آثارها التي تقتضي المنة رفعها كما أن ما يكون بلحاظه الإسناد إليها مجازا هو هذا كما لا يخفى.

فالخبر دل على رفع كل أثر تكليفي أو وضعي كان في رفعه منه على الأمة كما


1- في « ب»: مخالفته.
2- في « ب»: قضية.
3- خلافا لما أفاده الشيخ، فرائد الأصول/ 195.
4- المصدر السابق.

ص: 341

استشهد الإمام عليه السلام بمثل (1) هذا الخبر في رفع ما استكره عليه من الطلاق و الصدقة و العتاق.

ثم لا يذهب عليك أن المرفوع فيما اضطر إليه و غيره مما أخذ بعنوانه الثانوي إنما هو الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولي ضرورة أن الظاهر أن هذه العناوين صارت موجبة للرفع و الموضوع للأثر مستدع لوضعه فكيف يكون موجبا لرفعه.

لا يقال كيف و إيجاب الاحتياط فيما لا يعلم و إيجاب التحفظ في الخطإ و النسيان يكون أثرا لهذه العناوين بعينها و باقتضاء نفسها.

فإنه يقال بل إنما تكون باقتضاء الواقع في موردها ضرورة أن الاهتمام به يوجب إيجابهما لئلا يفوت على المكلف كما لا يخفى.

و منها حديث الحجب

و منها حديث الحجب (2)

و قد انقدح تقريب الاستدلال به مما ذكرنا في حديث الرفع إلا أنه ربما يشكل (3) بمنع ظهوره في وضع ما لا يعلم من التكليف بدعوى ظهوره في خصوص ما تعلقت عنايته تعالى بمنع اطلاع العباد عليه لعدم أمر رسله بتبليغه حيث إنه بدونه لما صح إسناد الحجب إليه تعالى.

[حديث الحل]

و منها (قوله عليه السلام: (4) كل شي ء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه) الحديث حيث دل على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقا و لو كان من جهة عدم الدليل على حرمته و بعدم الفصل قطعا بين إباحته و عدم وجوب الاحتياط فيه و بين عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية يتم المطلوب.


1- المحاسن 2/ 339، الحديث 124.
2- التوحيد للصدوق ( ره) 413، باب الترعيف و البيان و الحجة، الحديث 9. و الوسائل: 18/ 12، باب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 28.
3- أورده الشيخ ( ره) على الاستدلال بهذا الحديث، فرائد الأصول/ 199.
4- قريب من هذا المضمون روايات، الوسائل: 12/ 59، باب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديثان 1 و 4 و الوسائل: 17/ 90، باب 61 من الأطعمة المباحة، الأحاديث، 1 و 2 و 7.

ص: 342

مع إمكان أن يقال ترك ما احتمل وجوبه مما لم يعرف حرمته فهو حلال تأمل.

[حديث السعة]

و منها (قوله عليه السلام (1): الناس في سعة ما لا يعلمون) فهم في سعة ما لم يعلم أو ما دام لم يعلم وجوبه أو حرمته و من الواضح أنه لو كان الاحتياط واجبا لما كانوا في سعة أصلا فيعارض به ما دل على وجوبه كما لا يخفى.

لا يقال قد علم به وجوب الاحتياط.

فإنه يقال لم يعلم الوجوب أو الحرمة بعد فكيف يقع في ضيق الاحتياط من أجله نعم لو كان الاحتياط واجبا نفسيا كان وقوعهم في ضيقه بعد العلم بوجوبه لكنه عرفت أن وجوبه كان طريقيا لأجل أن لا يقعوا في مخالفة الواجب أو الحرام أحيانا فافهم.

[حديث كل شي ء مطلق]

و منها (قوله عليه السلام (2): كل شي ء مطلق حتى يرد فيه نهي) و دلالته يتوقف على عدم صدق الورود إلا بعد العلم أو ما بحكمه بالنهي عنه و إن صدر عن الشارع و وصل إلى غير واحد مع أنه ممنوع لوضوح صدقه على صدوره عنه سيما بعد بلوغه إلى غير واحد و قد خفي على من لم يعلم بصدوره.

لا يقال نعم و لكن بضميمة أصالة العدم صح الاستدلال به و تم.

فإنه يقال و إن تم الاستدلال به بضميمتها و يحكم بإباحة مجهول الحرمة و إطلاقه إلا أنه لا بعنوان أنه مجهول الحرمة شرعا بل بعنوان أنه مما لم يرد عنه النهي واقعا.

لا يقال نعم و لكنه لا يتفاوت فيما هو المهم من الحكم بالإباحة في مجهول الحرمة كان بهذا العنوان أو بذاك العنوان.


1- الوسائل: 1: 1073، باب 5 من أبواب النجاسات، الحديث 11 بتفاوت يسير في العبارة.
2- الوسائل: 18/ 127، باب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 60.

ص: 343

فإنه يقال حيث إنه بذاك العنوان لاختص بما لم يعلم ورود النهي عنه أصلا و لا يكاد يعم ما إذا ورد النهي عنه في زمان و إباحته (1) في آخر و اشتبها من حيث التقدم و التأخر.

لا يقال هذا لو لا عدم الفصل بين أفراد ما اشتبهت حرمته.

فإنه يقال و إن لم يكن بينها الفصل إلا أنه إنما يجدي فيما كان المثبت للحكم بالإباحة في بعضها الدليل لا الأصل فافهم.

و أما الإجماع

فقد نقل (2) على البراءة إلا أنه موهون و لو قيل باعتبار الإجماع المنقول في الجملة فإن تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل و من واضح النقل عليه دليل بعيد جدا.

و أما العقل
اشاره

فإنه قد استقل بقبح العقوبة و المؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص و اليأس عن الظفر بما كان حجة عليه فإنهما بدونها عقاب بلا بيان و مؤاخذة بلا برهان و هما قبيحان بشهادة الوجدان.

و لا يخفى أنه مع استقلاله بذلك لا احتمال لضرر العقوبة في مخالفته فلا يكون مجال هاهنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كي يتوهم أنها تكون بيانا كما أنه مع احتماله لا حاجة إلى القاعدة بل في صورة المصادفة استحق العقوبة على المخالفة و لو قيل بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل.

[عدم وجوب دفع غير العقوبة من المضار]

و أما ضرر غير العقوبة فهو و إن كان محتملا إلا أن المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعا و لا عقلا ضرورة عدم القبح في تحمل بعض المضار ببعض الدواعي عقلا و جوازه شرعا مع أن احتمال الحرمة أو الوجوب لا


1- في « ب»: إباحة.
2- راجع الوجه الثاني من وجوه التقرير الثاني للإجماع على حجية البراءة في كلام الشيخ ( قده) فرائد الأصول/ 202.

ص: 344

يلازم احتمال المضرة و إن كان ملازما لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة لوضوح أن المصالح و المفاسد التي تكون مناطات الأحكام و قد استقل العقل بحسن الأفعال التي تكون ذات المصالح و قبح ما كان ذات المفاسد ليست براجعة إلى المنافع و المضار و كثيرا ما يكون محتمل التكليف مأمون الضرر نعم ربما تكون المنفعة أو المضرة مناطا للحكم شرعا و عقلا.

إن قلت نعم و لكن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته و أنه كالإقدام على ما علم مفسدته كما استدل به شيخ الطائفة (1) قدس سره على أن الأشياء على الحظر أو الوقف.

قلت استقلاله بذلك ممنوع و السند شهادة الوجدان و مراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل و الأديان حيث إنهم لا يحترزون مما لا تؤمن مفسدته و لا يعاملون معه معاملة ما علم مفسدته كيف و قد أذن الشارع بالإقدام عليه و لا يكاد يأذن بارتكاب القبيح فتأمل.

و احتج للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجة بالأدلة الثلاثة
أما الكتاب

فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم (2) و عن الإلقاء في التهلكة (3) و الآمرة بالتقوى (4).

و الجواب أن القول بالإباحة شرعا و بالأمن من العقوبة عقلا ليس قولا بغير علم لما دل على الإباحة من النقل و على البراءة من حكم العقل و معهما لا مهلكة في اقتحام الشبهة أصلا و لا فيه مخالفة التقوى كما لا يخفى.


1- عدة الأصول 2/ 117 و لكن المترائى منه غير هذا.
2- الأعراف: 33، الإسراء: 36، النّور: 15.
3- البقرة: 195.
4- البقرة: 102، التغابن: 16.

ص: 345

و أما الأخبار

فبما (1)دل على وجوب التوقف عند الشبهة معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة من الأخبار الكثيرة الدالة عليه مطابقة أو التزاما و بما (2) دل على وجوب الاحتياط من الأخبار الواردة بألسنة مختلفة.

و الجواب أنه لا مهلكة في الشبهة البدوية مع دلالة النقل على [الإباحة] (3) و حكم العقل بالبراءة كما عرفت.

و ما دل على وجوب الاحتياط لو سلم و إن كان واردا على حكم العقل فإنه كفى بيانا على العقوبة على مخالفة التكليف المجهول.

و لا يصغى إلى ما قيل (4) من أن إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح و إن كان نفسيا فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع و ذلك لما عرفت من أن إيجابه يكون طريقيا و هو عقلا مما يصح أن يحتج به على المؤاخذة في مخالفة الشبهة كما هو الحال في أوامر الطرق و الأمارات و الأصول العملية.

إلا أنها تعارض بما هو أخص و أظهر ضرورة أن ما دل على حلية المشتبه أخص بل هو في الدلالة على الحلية نص و ما دل على الاحتياط غايته أنه ظاهر في وجوب الاحتياط مع أن هناك قرائن دالة على أنه للإرشاد فيختلف إيجابا و استحبابا حسب اختلاف ما يرشد إليه.


1- الوسائل: 18/ 75 الباب 9 من أبواب صفات القاضي/ الحديث 1- الوسائل 14/ 193، الباب 157 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2. الوسائل: 18/ 111 الباب 12 من أبواب صفات القاضي/ أحاديث: 3، 4، 10، 31، 35.
2- الوسائل: 18/ 111 الباب 12 من أبواب صفات القاضي/ أحاديث: 1، 37، 41، 54.
3- أثبتناها من « ب».
4- القائل هو الشيخ الأعظم، فرائد الأصول/ 208.

ص: 346

و يؤيده أنه لو لم يكن للإرشاد لوجب [يوجب] تخصيصه لا محالة ببعض الشبهات إجماعا مع أنه آب عن التخصيص قطعا كيف لا يكون (قوله: قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة) للإرشاد مع أن المهلكة ظاهرة في العقوبة و لا عقوبة في الشبهة البدوية قبل إيجاب الوقوف و الاحتياط فكيف يعلل إيجابه بأنه خير من الاقتحام في الهلكة. لا يقال نعم و لكنه يستكشف منه (1) على نحو الإن إيجاب الاحتياط من قبل ليصح به العقوبة على المخالفة.

فإنه يقال إن مجرد إيجابه واقعا ما لم يعلم لا يصحح العقوبة و لا يخرجها عن أنها بلا بيان و لا برهان فلا محيص عن اختصاص مثله بما يتنجز فيه المشتبه لو كان كالشبهة قبل الفحص مطلقا أو الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي فتأمل جيدا.

و أما العقل
[التقرير الأول العلم الإجمالي]

فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه و ترك ما احتمل حرمته حيث علم إجمالا بوجود واجبات و محرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه أو حرمته مما لم يكن هناك حجة على حكمه تفريغا للذمة بعد اشتغالها و لا خلاف في لزوم الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي إلا من بعض الأصحاب.

و الجواب أن العقل و إن استقل بذلك إلا أنه إذا لم ينحل العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي و شك بدوي و قد انحل هاهنا فإنه كما علم بوجود تكاليف إجمالا كذلك علم إجمالا بثبوت طرق و أصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة أو أزيد و حينئذ لا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية في الموارد المثبتة من الطرق و الأصول العملية.


1- في « ب»: عنه.

ص: 347

إن قلت نعم لكنه إذا لم يكن العلم بها مسبوقا بالعلم بالتكاليف (1).

قلت إنما يضر السبق إذا كان المعلوم اللاحق حادثا [آخر] و أما إذا لم يكن كذلك بل مما ينطبق عليه ما علم أولا فلا محالة قد انحل العلم الإجمالي إلى التفصيلي و الشك البدوي.

إن قلت إنما يوجب العلم بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالإجمال ذلك إذا كان قضية قيام الطريق على تكليف موجبا لثبوته فعلا و أما بناء على أن قضية حجيته و اعتباره شرعا ليس إلا ترتيب ما للطريق المعتبر عقلا و هو تنجز ما أصابه و العذر عما أخطأ عنه فلا انحلال لما علم بالإجمال أولا كما لا يخفى.

قلت قضية الاعتبار شرعا على اختلاف ألسنة أدلته و إن كان ذلك على ما قوينا في البحث إلا أن نهوض الحجة على ما ينطبق عليه المعلوم بالإجمال في بعض الأطراف يكون عقلا بحكم الانحلال و صرف تنجزه إلى ما إذا كان في ذاك الطرف و العذر عما إذا كان في سائر الأطراف مثلا إذا علم إجمالا بحرمة إناء زيد بين الإناءين و قامت البينة على أن هذا إناؤه فلا ينبغي الشك في أنه كما إذا علم أنه إناؤه في عدم لزوم الاجتناب إلا عن خصوصه دون الآخر و لو لا ذلك لما كان يجدي القول بأن قضية اعتبار الأمارات هو كون المؤديات أحكاما شرعية فعلية ضرورة أنها تكون كذلك بسبب حادث و هو كونها مؤديات الأمارات الشرعية.

هذا إذا لم يعلم بثبوت التكاليف الواقعية في موارد الطرق المثبتة بمقدار المعلوم بالإجمال و إلا فالانحلال إلى العلم بما في الموارد و انحصار أطرافه بموارد تلك الطرق بلا إشكال كما لا يخفى.

[التقرير الثاني أصالة الحظر]

و ربما استدل بما قيل (2) من استقلال العقل بالحظر في الأفعال الغير الضرورية قبل الشرع و لا أقل من الوقف و عدم استقلاله لا به و لا بالإباحة


1- في « أ»: بالواجبات.
2- قرر الشيخ ( قده) هذا الوجه العقلي بقوله: « الوجه الثاني»، فرائد الأصول/ 214.

ص: 348

و لم يثبت شرعا إباحة ما اشتبه حرمته فإن ما دل على الإباحة معارض بما دل على وجوب التوقف أو الاحتياط.

و فيه أولا أنه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف و الإشكال و إلا لصح الاستدلال على البراءة بما قيل من كون تلك الأفعال على الإباحة.

و ثانيا أنه ثبت الإباحة شرعا لما عرفت من عدم صلاحية ما دل على التوقف أو الاحتياط للمعارضة لما دل عليها.

و ثالثا أنه لا يستلزم القول بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة لاحتمال أن يقال معه بالبراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان و ما قيل (1) من أن الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم فيه المفسدة ممنوع و لو قيل بوجوب دفع الضرر المحتمل فإن المفسدة المحتملة في المشتبه ليس بضرر غالبا ضرورة أن المصالح و المفاسد التي هي مناطات الأحكام ليست براجعة إلى المنافع و المضار بل ربما يكون المصلحة فيما فيه الضرر و المفسدة فيما فيه المنفعة و احتمال أن يكون في المشتبه ضرر ضعيف غالبا لا يعتنى به قطعا مع أن الضرر ليس دائما مما يجب التحرز عنه عقلا بل يجب ارتكابه أحيانا فيما كان المترتب عليه أهم في نظره مما في الاحتراز عن ضرره مع القطع به فضلا عن احتماله.

بقي أمور مهمة لا بأس بالإشارة إليها
الأول أنه إنما تجري أصالة البراءة شرعا و عقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعي

مطلقا و لو كان موافقا لها فإنه معه لا مجال لها أصلا لوروده عليها كما يأتي تحقيقه (2) فلا تجري مثلا أصالة الإباحة في حيوان شك في حليته مع الشك في


1- القائل هو شيخ الطائفة، عدة الأصول/ 177.
2- يأتي تحقيق الورود في خاتمة الاستصحاب- حقائق- 2/ 256

ص: 349

قبوله التذكية فإنه إذا ذبح مع سائر الشرائط المعتبرة في التذكية فأصالة عدم التذكية تدرجه (1) فيما لم يذك و هو حرام إجماعا كما إذا مات حتف أنفه فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكى شرعا ضرورة كفاية كونه مثله حكما و ذلك بأن التذكية إنما هي عبارة عن فري الأوداج الأربعة (2) مع سائر شرائطها عن خصوصية في الحيوان التي بها يؤثر فيه الطهارة وحدها أو مع الحلية و مع الشك في تلك الخصوصية فالأصل عدم تحقق التذكية بمجرد الفري بسائر شرائطها كما لا يخفى.

نعم لو علم بقبوله التذكية و شك في الحلية فأصالة الإباحة فيه محكمة فإنه حينئذ إنما يشك في أن هذا الحيوان المذكى حلال أو حرام و لا أصل فيه إلا أصالة الإباحة كسائر ما شك في أنه من الحلال أو الحرام.

هذا إذا لم يكن هناك أصل موضوعي آخر مثبت لقبوله التذكية كما إذا شك مثلا في أن الجلل في الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته لها أم لا فأصالة قبوله لها معه محكمة و معها لا مجال لأصالة عدم تحققها فهو قبل الجلل كان يطهر و يحل بالفري بسائر شرائطها فالأصل أنه كذلك بعده.

و مما ذكرنا ظهر الحال فيما اشتبهت حليته و حرمته بالشبهة الموضوعية من الحيوان و أن أصالة عدم التذكية محكمة فيما شك فيها لأجل الشك في تحقق ما اعتبر في التذكية شرعا كما أن أصالة قبول التذكية محكمة إذا شك في طرو ما يمنع عنه فيحكم بها فيما أحرز الفري بسائر شرائطها عداه كما لا يخفى فتأمل جيدا.

الثاني أنه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعا و عقلا
اشاره

في الشبهة الوجوبية أو (3) التحريمية في العبادات و غيرها كما لا ينبغي الارتياب في استحقاق الثواب فيما


1- في « أ»: تدرجها.
2- أثبتناها من « ب».
3- في « أ»: و.

ص: 350

إذا احتاط و أتى أو ترك بداعي احتمال الأمر أو النهي.

[تقرير إشكال الاحتياط في العبادة و المناقشة فيه]

و ربما يشكل (1) في جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب و غير الاستحباب من جهة أن العبادة لا بد فيها من نية القربة المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا.

و حسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدي في رفع الإشكال و لو قيل بكونه موجبا لتعلق الأمر به شرعا بداهة توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه فكيف يعقل أن يكون من مبادي ثبوته.

و انقدح بذلك أنه لا يكاد يجدي في رفعه أيضا القول بتعلق الأمر به من جهة ترتب الثواب عليه ضرورة أنه فرع إمكانه فكيف يكون من مبادي جريانه.

هذا مع أن حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الأمر به بنحو اللم و لا ترتب الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الإن بل يكون حاله في ذلك حال الإطاعة فإنه نحو من الانقياد و الطاعة.

و ما قيل (2) في دفعه من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة.

فيه مضافا إلى عدم مساعدة دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى فيها بداهة أنه ليس باحتياط حقيقة بل هو أمر لو دل عليه دليل كان مطلوبا مولويا نفسيا عباديا و العقل لا يستقل إلا بحسن الاحتياط و النقل لا يكاد يرشد إلا إليه.

نعم لو كان هناك دليل على الترغيب في الاحتياط في خصوص العبادة لما


1- ذكر الشيخ هذا الإشكال في التنبيه الثاني من مسألة دوران الحكم بين الوجوب و غير الحرمة من جهة عدم النص، فرائد الأصول/ 228.
2- ذكره الشيخ في التنبيه الثاني من مسألة دوران الحكم بين الوجوب و غير الحرمة، فرائد الأصول/ 229.

ص: 351

كان محيص عن دلالته اقتضاء على أن المراد به ذاك المعنى بناء على عدم إمكانه فيها بمعناه حقيقة كما لا يخفى أنه التزام بالإشكال و عدم جريانه فيها و هو كما ترى.

قلت لا يخفى أن منشأ الإشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها الأمر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من قصد القربة المعتبر فيها (1) و قد عرفت أنه فاسد [1] و إنما اعتبر قصد القربة فيها عقلا لأجل أن الغرض منها لا يكاد يحصل بدونه.

و عليه كان جريان الاحتياط فيه بمكان من الإمكان ضرورة التمكن من الإتيان بما احتمل وجوبه بتمامه و كماله غاية الأمر أنه لا بد أن يؤتى به على نحو لو كان مأمورا به لكان مقربا بأن يؤتى به بداعي احتمال الأمر أو احتمال كونه محبوبا له تعالى فيقع حينئذ على تقدير الأمر به امتثالا لأمره تعالى و على تقدير عدمه انقيادا لجنابه تبارك و تعالى و يستحق الثواب على كل حال إما على الطاعة أو الانقياد.

و قد انقدح بذلك أنه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى تعلق أمر بها (2)

[1] هذا مع أنه لو أغمض عن فساده، لما كان في الاحتياط في العبادات إشكال غير الإشكال فيها، فكما يلتزم في دفعه بتعدد الأمر فيها، ليتعلق أحدهما بنفس الفعل و الآخر بإتيانه بداعي أمره، كذلك فيما احتمل وجوبه منها، كان على هذا احتمال أمرين كذلك، أي أحدهما كان متعلقا بنفسه و الآخر بإتيانه بداعي ذاك الأمر، فيتمكن من الاحتياط فيها بإتيان ما احتمل وجوبه بداعي رجاء أمره و احتماله، فيقع عبادة و إطاعة لو كان واجبا، و انقيادا لو لم يكن كذلك.

نعم كان بين الاحتياط ها هنا و في التوصليات فرق، و هو أن المأتي به فيها قطعا كان موافقا لما احتمل وجوبه مطلقا، بخلاف ها هنا، فإنه لا يوافق إلا على تقدير وجوبه واقعا، لما عرفت من عدم كونه عبادة إلا على هذا التقدير، و لكنه ليس بفارق لكونه عبادة على تقدير الحاجة إليه، و كونه واجبا.

و دعوى عدم كفاية الإتيان برجاء الأمر في صيرورته عبادة أصلا- و لو على هذا التقدير- مجازفة، ضرورة استقلال العقل بكونه امتثالا لأمره على نحو العبادة لو كان، و هو الحاكم في باب الإطاعة و العصيان، فتأمل جيدا (منه قدس سره).


1- هكذا صححه في « ب»، و في « أ»: لعدم التمكن من إتيان جميع ما اعتبر فيها... إلخ.
2- خلافا لما يظهر من الشيخ في بداية كلامه، فرائد الأصول/ 228.

ص: 352

بل لو فرض تعلقه بها لما كان من الاحتياط بشي ء بل كسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها كما لا يخفى. فظهر أنه لو قيل (1) بدلالة أخبار (2) (: من بلغه ثواب) على استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب و لو بخبر ضعيف لما كان يجدي في جريانه في خصوص ما دل على وجوبه أو استحبابه خبر ضعيف بل كان عليه مستحبا كسائر ما دل الدليل على استحبابه.

لا يقال هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب بعنوانه و أما لو دل على استحبابه لا بهذا العنوان بل بعنوان أنه محتمل الثواب لكانت دالة على استحباب الإتيان به بعنوان الاحتياط كأوامر الاحتياط لو قيل بأنها للطلب المولوي لا الإرشادي.

فإنه يقال إن الأمر بعنوان الاحتياط و لو كان مولويا لكان توصليا مع أنه لو كان عباديا لما كان مصححا للاحتياط و مجديا في جريانه في العبادات كما أشرنا إليه آنفا.

[التسامح في أدلة السنن]

ثم إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الأخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب فإن صحيحة (3) (هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم شي ء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يقله) ظاهرة في أن الأجر كان مترتبا على نفس العمل الذي بلغه عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه ذو ثواب و كون العمل متفرعا على البلوغ و كونه الداعي إلى


1- هذا ردّ للشيخ في التنبيه الثاني من مسألة دوران الحكم بين الوجوب و غيره، فرائد الأصول/ 229.
2- الوسائل: 1/ 59 ب 18 من أبواب مقدمة العبادات، أحاديث الباب.
3- المحاسن/ 25، و كتاب ثواب الأعمال الباب 1، الحديث 2.

ص: 353

العمل غير موجب (1) لأن يكون الثواب إنما يكون مترتبا عليه فيما إذا أتى برجاء أنه مأمور به و بعنوان الاحتياط بداهة أن الداعي إلى العمل لا يوجب له وجها و عنوانا يؤتى به بذاك الوجه و العنوان.

و إتيان (2) العمل بداعي طلب قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما قيد به في بعض الأخبار (3) و إن كان انقيادا إلا أن الثواب في الصحيحة إنما رتب على نفس العمل و لا موجب لتقييدها به لعدم المنافاة بينهما بل لو أتى به كذلك أو التماسا للثواب الموعود كما قيد به في بعضها الآخر (4) لأوتي الأجر و الثواب على نفس العمل لا بما هو احتياط و انقياد فيكشف عن كونه بنفسه مطلوبا و إطاعة فيكون وزانه وزان (: من سرح لحيته) (5) أو من صلى أو صام فله كذا و لعله لذلك أفتى المشهور بالاستحباب فافهم و تأمل.

الثالث [أنحاء تعلق النهي بالطبيعة]
اشاره

أنه لا يخفى أن النهي عن شي ء إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان بحيث لو وجد في ذاك الزمان أو المكان و لو دفعه لما امتثل أصلا كان اللازم على المكلف إحراز أنه تركه بالمرة و لو بالأصل فلا يجوز الإتيان بشي ء يشك معه في تركه إلا إذا كان مسبوقا به ليستصحب مع الإتيان به.

نعم لو كان بمعنى طلب ترك كل فرد منه على حدة لما وجب إلا ترك ما علم أنه فرد و حيث لم يعلم تعلق النهي إلا بما علم أنه مصداقه فأصالة البراءة في المصاديق المشتبهة محكمة.

[دفع توهم لزوم الاحتياط في الشبهات التحريمية الموضوعية]

فانقدح بذلك أن مجرد العلم بتحريم شي ء لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة أو كان


1- تعريض بالشيخ في أخبار من بلغ، فرائد الأصول/ 230.
2- تعريض بالشيخ في أخبار من بلغ، فرائد الأصول/ 230.
3- الوسائل: 1/ 60، الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.
4- المصدر السابق، الحديث 7.
5- الوسائل: 1/ 429، الباب 76 من أبواب آداب الحمام.

ص: 354

الشي ء مسبوقا بالترك و إلا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا فكما يجب فيما علم وجوب شي ء إحراز إتيانه إطاعة لأمره فكذلك يجب فيما علم حرمته إحراز تركه و عدم إتيانه امتثالا لنهيه.

غاية الأمر كما يحرز وجود الواجب بالأصل كذلك يحرز ترك الحرام به و الفرد المشتبه و إن كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه إلا أن قضية لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرز عنه و لا يكاد يحرز إلا بترك المشتبه أيضا فتفطن.

الرابع [حسن الاحتياط مطلقا ما لم يخل بالنظام]

أنه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا و نقلا و لا يخفى أنه مطلقا كذلك حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة أو أمارة معتبرة على أنه ليس فردا للواجب أو الحرام ما لم يخل بالنظام فعلا فالاحتياط قبل ذلك مطلقا يقع حسنا كان في الأمور المهمة كالدماء و الفروج أو غيرها و كان احتمال التكليف قويا أو ضعيفا كانت الحجة على خلافه أو لا كما أن الاحتياط الموجب لذلك لا يكون حسنا كذلك و إن كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الأمر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا فافهم.

ص: 355

فصل [أصالة التخيير]

إذا دار الأمر بين وجوب شي ء و حرمته لعدم نهوض حجة على أحدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ففيه وجوه.

الحكم بالبراءة عقلا و نقلا لعموم النقل و حكم العقل بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به و وجوب الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا و التخيير بين الترك و الفعل عقلا مع التوقف عن الحكم به رأسا أو مع الحكم عليه بالإباحة شرعا أوجهها الأخير لعدم الترجيح بين الفعل و الترك و شمول مثل (: كل شي ء لك حلال حتى تعرف أنه حرام) له و لا مانع عنه عقلا و لا نقلا.

و قد عرفت أنه لا يجب موافقة الأحكام التزاما و لو وجب لكان الالتزام إجمالا بما هو الواقع معه ممكنا و الالتزام التفصيلي بأحدهما لو لم يكن تشريعا محرما لما نهض على وجوبه دليل قطعا و قياسه بتعارض الخبرين الدال أحدهما على الحرمة و الآخر على الوجوب باطل فإن التخيير بينهما على تقدير كون الأخبار حجة من باب السببية يكون على القاعدة و من جهة التخيير بين الواجبين المتزاحمين و على تقدير أنها من باب الطريقية فإنه و إن كان على خلاف القاعدة إلا أن أحدهما تعيينا أو تخييرا حيث كان واجدا لما هو المناط للطريقية من احتمال الإصابة مع

ص: 356

اجتماع سائر الشرائط جعل [صار] (1) حجة في هذه الصورة بأدلة الترجيح تعيينا أو التخيير تخييرا و أين ذلك مما إذا لم يكن المطلوب إلا الأخذ بخصوص ما صدر واقعا و هو حاصل و الأخذ بخصوص أحدهما ربما لا يكون إليه بموصل.

نعم لو كان التخيير بين الخبرين لأجل إبدائهما احتمال الوجوب و الحرمة و إحداثهما الترديد بينهما لكان القياس في محله لدلالة الدليل على التخيير بينهما على التخيير هاهنا فتأمل جيدا.

و لا مجال هاهنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنه لا قصور فيه هاهنا و إنما يكون عدم تنجز التكليف لعدم التمكن من الموافقة القطعية كمخالفتها و الموافقة الاحتمالية حاصلة لا محالة كما لا يخفى.

ثم إن مورد هذه الوجوه و إن كان ما [إذا] (2) لم يكن واحدا من الوجوب و الحرمة على التعيين تعبديا إذ لو كانا تعبديين أو كان أحدهما المعين كذلك لم يكن إشكال في عدم جواز طرحهما و الرجوع إلى الإباحة لأنها مخالفة عملية قطعية على ما أفاد شيخنا الأستاذ (3) قدس سره إلا أن الحكم أيضا فيهما إذا كانا كذلك هو التخيير عقلا بين إتيانه على وجه قربي بأن يؤتى به بداعي احتمال طلبه و تركه كذلك لعدم الترجيح و قبحه بلا مرجح.

فانقدح أنه لا وجه لتخصيص المورد بالتوصليين بالنسبة إلى ما هو المهم في المقام و إن اختص بعض الوجوه بهما كما لا يخفى.

و لا يذهب عليك أن استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين و مع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعيينه (4) كما هو الحال


1- ذا صححه في « ب»، و في « أ»: جعل.
2- أثبتناها من « ب».
3- راجع فرائد الأصول/ 236.
4- في « ب»: بتبعيّته.

ص: 357

في دوران الأمر بين التخيير و التعيين في غير المقام و لكن الترجيح إنما يكون لشدة الطلب في أحدهما و زيادته على الطلب في الآخر بما لا يجوز الإخلال بها في صورة المزاحمة و وجب الترجيح بها و كذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران.

و لا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا لأجل أن دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة ضرورة أنه رب واجب يكون مقدما على الحرام في صورة المزاحمة بلا كلام فكيف يقدم على احتماله احتماله في صورة الدوران بين مثليهما فافهم.

ص: 358

فصل [أصالة الاحتياط]

اشاره

لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم فتارة لتردده بين المتباينين و أخرى بين الأقل و الأكثر الارتباطيين فيقع الكلام في مقامين.

المقام الأول في دوران الأمر بين المتباينين.
اشاره

لا يخفى أن التكليف المعلوم بينهما مطلقا و لو كانا فعل أمر و ترك آخر إن كان فعليا من جميع الجهات بأن يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو [عليه] (1) من الإجمال و التردد و الاحتمال فلا محيص عن تنجزه و صحة العقوبة على مخالفته و حينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الإباحة مما يعم أطراف العلم مخصصا عقلا لأجل مناقضتها معه.

و إن لم يكن فعليا كذلك و لو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله و صح العقاب على مخالفته لم يكن هناك مانع عقلا و لا شرعا عن شمول أدلة البراءة الشرعية للأطراف.

و من هنا انقدح أنه لا فرق بين العلم التفصيلي و الإجمالي إلا أنه لا مجال


1- زيادة يقتضيها السياق.

ص: 359

للحكم الظاهري مع التفصيلي فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات و له مجال مع الإجمالي فيمكن أن لا يصير فعليا معه لإمكان جعل الظاهري في أطرافه و إن كان فعليا من غير هذه الجهة فافهم.

ثم إن الظاهر أنه لو فرض أن المعلوم بالإجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقا و لو كانت أطرافه غير محصورة و إنما التفاوت بين المحصورة و غيرها هو أن عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم مع كونه فعليا لولاه من سائر الجهات.

و بالجملة لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين المحصورة و غيرها في التنجز و عدمه فيما كان المعلوم إجمالا فعليا يبعث المولى نحوه فعلا أو يزجر عنه كذلك مع ما هو عليه من كثرة أطرافه.

و الحاصل أن اختلاف الأطراف في الحصر و عدمه لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم و لو أوجب تفاوتا فإنما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع الحصر و عدمها مع عدمه فلا يكاد يختلف العلم الإجمالي باختلاف الأطراف قلة و كثرة في التنجيز و عدمه ما لم يختلف المعلوم في الفعلية و عدمها بذلك و قد عرفت آنفا أنه لا تفاوت بين التفصيلي و الإجمالي في ذلك ما لم يكن تفاوت في طرف المعلوم أيضا فتأمل تعرف.

و قد انقدح أنه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا و إلا لم يحرم مخالفته كذلك أيضا.

و منه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو مرددا أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كأيام حيض المستحاضة

ص: 360

مثلا لما وجب موافقته بل جاز مخالفته و أنه لو علم فعليته و لو كان بين أطراف تدريجية لكان منجزا و وجب موافقته فإن التدرج لا يمنع عن الفعلية ضرورة أنه كما يصح التكليف بأمر حالي كذلك يصح بأمر استقبالي كالحج في الموسم للمستطيع فافهم.

تنبيهات [الاشتغال]
الأول [الاضطرار إلى بعض الأطراف معينا أو مرددا]

أن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ضرورة أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا و هو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا و كذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لاحقا و ذلك لأن [1] التكليف المعلوم بينها من أول الأمر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين.

لا يقال الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس إلا كفقد بعضها فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان كذلك لا ينبغي الإشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن

[1] لا يخفى أن ذلك إنما يتم فيما كان الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه، و أما لو كان إلى أحدهما المعين، فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجز، لعدم منعه عن العلم بفعلية التكليف المعلوم إجمالا، المردد بين أن يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في الطرف الآخر، ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم أصلا، و عروض الاضطرار إنما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه، لا عن فعلية المعلوم بالإجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروف، و المطلق في الآخر بعد العروض، و هذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه، فإنه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا، فافهم و تأمل (منه قدس سره).

ص: 361

عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه.

فإنه يقال حيث إن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به و قيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فإذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك و هذا بخلاف الاضطرار إلى تركه فإنه من حدود التكليف به و قيوده و لا يكون الاشتغال به من الأول إلا مقيدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده و لا يكون إلا من باب الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم و تأمل فإنه دقيق جدا.

الثاني [شرطية الابتلاء بتمام الأطراف]

أنه لما كان النهي عن الشي ء [1] إنما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر و لا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به و أما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة و لا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لا بد منه في تأثير العلم فإنه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به.

و منه قد انقدح أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر و انقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال و لو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب (1) ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشي ء (2) بعد الفراغ عن صحة الإطلاق بدونه لا فيما شك في اعتباره في صحته تأمل [2] لعلك تعرف إن شاء الله تعالى.

[1] كما أنه إذا كان فعل الشي ء الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة أن يتركه العبد، و أن لا يكون له داع إليه، لم يكن للأمر به و البعث إليه موقع أصلا، كما لايخفى (منه قدس سره).

[2] نعم لو كان الإطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء- لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الإطلاق و عدم بيان التقييد دالا على فعليته، و وجود الابتلاء المصحح لهما، كما لا يخفى فافهم (منه قدس سره).


1- تعريض بما قد يظهر من الشيخ، فرائد الأصول/ 252.
2- هكذا صححه المصنف في « ب»، و في « أ»: به.

ص: 362

الثالث [الشبهة غير المحصورة]

أنه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن تكون أطرافه محصورة و أن تكون غير محصورة.

نعم ربما تكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا أو زجرا فعلا و ليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك و لو كانت قليلة في مورد آخر فلا بد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالإجمال أنه يكون أو لا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة أطرافه و ملاحظة أنه مع أية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى.

و لو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان و إلا فالبراءة لأجل الشك في التكليف الفعلي هذا هو حق القول في المقام و ما قيل (1) في ضبط المحصور و غيره لا يخلو من الجزاف.

الرابع [ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة التي تنجز فيها التكليف]

أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم بإتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها و إن كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكمه واقعا.

و منه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شي ء مع أحد أطراف النجس المعلوم بالإجمال و أنه تارة يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها فإنه إذا اجتنب عنه و طرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا و لو لم يجتنب عما يلاقيه فإنه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده كشي ء آخر شك في نجاسته بسبب آخر.


1- راجع فرائد الأصول/ 260- 262.

ص: 363

و منه ظهر أنه لا مجال لتوهم (1) أن قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضا ضرورة أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه و إن احتمل.

و أخرى يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم إجمالا نجاسته أو نجاسة شي ء آخر ثم حدث [العلم ب] (2) الملاقاة و العلم بنجاسة الملاقي أو ذاك الشي ء أيضا فإن حال [1] الملاقي في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الإجمالي و أنه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة أصلا لا إجمالا و لا تفصيلا و كذا لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الإجمالي و لكن كان الملاقي خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه و صار مبتلى به بعده.

و ثالثة يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الإجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي و الملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين و هو الواحد أو الاثنان (3).

المقام الثاني في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين
اشارة

. و الحق أن العلم الإجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضا يوجب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا.

[1] و إن لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه إلّا من قبل ملاقاته، (منه قدس سره).


1- جعل الشيخ هذا التوهم أحد الاحتمالين في المسألة، مستشهدا له بكلام السيد أبي المكارم في الغنية و لم نعثر عليه في الغنية، نعم استدل أبو المكارم بآيتي تحريم الخبائث و تحريم الميتة، و لكن يظهر ما ذكره الشيخ من كلام السيد المرتضى في الناصريات، للمزيد راجع فرائد الأصول 252 و الغنية ( الجوامع الفقهية 489) و الناصريات ( الجوامع الفقهية 214.
2- أثبتناها من « ب».
3- في نسختي « أ و ب»: الاثنين.

ص: 364

و توهم (1) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا و الشك في وجوب الأكثر بدوا ضرورة لزوم الإتيان بالأقل لنفسه شرعا أو لغيره كذلك أو عقلا و معه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالأكثر فاسد قطعا لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الأقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقا و لو كان متعلقا بالأكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه إلا إذا كان متعلقا بالأقل كان خلفا مع أنه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الأقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال و ما يلزم من وجوده عدمه محال.

نعم إنما ينحل إذا كان الأقل ذا مصلحة ملزمة فإن وجوبه حينئذ يكون معلوما له و إنما كان الترديد لاحتمال أن يكون الأكثر ذا مصلحتين أو مصلحة أقوى من مصلحة الأقل فالعقل في مثله و إن استقل بالبراءة بلا كلام إلا أنه خارج عما هو محل النقض و الإبرام في المقام.

هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر و النواهي للمصالح و المفاسد في المأمور به و المنهي عنه و كون الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية و قد مر (2) اعتبار موافقة الغرض و حصوله عقلا في إطاعة الأمر و سقوطه فلا بد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى.

و لا وجه للتفصي عنه (3) تارة بعدم ابتناء مسألة البراءة و الاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية و جريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو


1- تعريض بالشيخ ( قدس سره)، راجع فرائد الأصول/ 274.
2- في المبحث الخامس من الفصل الثاني من المقصد الأول في الأوامر حيث قال: و إن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد له وجه إلّا عدم حصول غرضه... إلخ.
3- ردّ على الشيخ، أنظر فرائد الأصول/ 273.

ص: 365

بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به.

و أخرى بأن حصول المصلحة و اللطف في العبادات لا يكاد يكون إلا بإتيانها على وجه الامتثال و حينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة أجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال و معه لا يكاد يقطع بحصول اللطف و المصلحة الداعية إلى الأمر فلم يبق إلا التخلص عن تبعة مخالفته بإتيان ما علم تعلقه به فإنه واجب عقلا و إن لم يكن في المأمور به مصلحة و لطف رأسا لتنجزه بالعلم به إجمالا.

و أما الزائد عليه لو كان فلا تبعة على مخالفته من جهته فإن العقوبة عليه بلا بيان.

و ذلك ضرورة أن حكم العقل بالبراءة على مذهب الأشعري لا يجدي من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية بل من ذهب إلى ما عليه غير المشهور لاحتمال أن يكون الداعي إلى الأمر و مصلحته على هذا المذهب أيضا هو ما في الواجبات من المصلحة و كونها ألطافا فافهم.

و حصول اللطف و المصلحة في العبادة و إن كان يتوقف على الإتيان بها على وجه الامتثال إلا أنه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الأجزاء و إتيانها على وجهها كيف و لا إشكال في إمكان الاحتياط هاهنا كما في المتباينين و لا يكاد يمكن مع اعتباره هذا مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه كذلك و المراد بالوجه في كلام من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه و وجوب اقترانه به هو وجه نفسه من وجوبه النفسي لا وجه أجزائه من وجوبها الغيري أو وجوبها العرضي و إتيان الواجب مقترنا بوجهه غاية و وصفا بإتيان الأكثر بمكان من الإمكان لانطباق الواجب عليه و لو كان هو الأقل فيتأتى من المكلف معه قصد الوجه و احتمال اشتماله على ما ليس من أجزائه ليس بضائر إذا قصد وجوب المأتي على إجماله بلا تمييز ما له دخل في الواجب من أجزائه لا سيما إذا دار الزائد بين كونه جزءا لماهيته و جزءا لفرده حيث ينطبق الواجب على المأتي حينئذ بتمامه و كماله لأن الطبيعي

ص: 366

يصدق على الفرد بمشخصاته.

نعم لو دار بين كونه جزءا أو مقارنا لما كان منطبقا عليه بتمامه لو لم يكن جزءا لكنه غير ضائر لانطباقه عليه أيضا فيما لم يكن ذاك الزائد جزء غايته لا بتمامه بل بسائر أجزائه.

هذا مضافا إلى أن اعتبار قصد الوجه من رأس مما يقطع بخلافه مع أن الكلام في هذه المسألة لا يختص بما لا بد أن يؤتى به على وجه الامتثال من العبادات مع أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد و الاحتمال فلا وجه معه للزوم مراعاة الأمر المعلوم أصلا و لو بإتيان الأقل لو لم يحصل الغرض و للزوم الاحتياط بإتيان الأكثر مع حصوله ليحصل القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال لاحتمال بقائه مع الأقل بسبب بقاء غرضه فافهم.

هذا بحسب حكم العقل.

و أما النقل [1] فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته فبمثله يرتفع الإجمال و التردد عما تردد أمره بين الأقل و الأكثر و يعينه في الأول.

لا يقال (1) إن جزئية السورة المجهولة (2) مثلا ليست بمجعولة و ليس لها أثر مجعول و المرفوع بحديث الرفع إنما هو المجعول بنفسه أو أثره و وجوب الإعادة

[1] لكنه لا يخفى أنه لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط، و هو ما إذا علم إجمالا بالتكليف الفعلي، ضرورة أنه ينافيه دفع الجزئية المجهولة، و إنما يكون مورده ما إذا لم يعلم به كذلك، بل علم مجرد ثبوته واقعا، و بالجملة الشك في الجزئية و الشرطية و إن كان جامعا بين الموردين، إلا أن مورد حكم العقل مع القطع بالفعلية، و مورد النقل هو مجرد الخطاب بالإيجاب، فافهم (منه قدس سره).


1- القائل هو الشيخ الأنصاري ( قدس سره)، فرائد الأصول/ 278.
2- هكذا صححه في « ب»، وفي « أ»: المنسية.

ص: 367

إنما هو أثر بقاء الأمر الأول بعد العلم (1) مع أنه عقلي و ليس إلا من باب وجوب الإطاعة عقلا.

لأنه يقال إن الجزئية و إن كانت غير مجعولة بنفسها إلا أنها مجعولة بمنشإ انتزاعها و هذا كاف في صحة رفعها.

لا يقال إنما يكون ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشإ انتزاعه و هو الأمر الأول و لا دليل آخر على أمر آخر بالخالي عنه.

لأنه يقال نعم و إن كان ارتفاعه بارتفاع منشإ انتزاعه إلا أن نسبة حديث الرفع الناظر إلى الأدلة الدالة على بيان الأجزاء إليها نسبة الاستثناء و هو معها يكون دالة على جزئيتها إلا مع الجهل بها كما لا يخفى فتدبر جيدا.

و ينبغي التنبيه على أمور
الأول [الشك في الشرطية و الخصوصية]

أنه ظهر مما مر حال دوران الأمر بين المشروط بشي ء و مطلقه و بين الخاص كالإنسان و عامه كالحيوان و أنه لا مجال هاهنا للبراءة عقلا بل كان الأمر فيهما أظهر فإن الانحلال المتوهم في الأقل و الأكثر لا يكاد يتوهم هاهنا بداهة أن الأجزاء التحليلية لا يكاد يتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا فالصلاة مثلا في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعين وجودها و في ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها و خصوصيتها تكون متباينة للمأمور بها كما لا يخفى.

نعم لا بأس بجريان البراءة النقلية في خصوص دوران الأمر بين المشروط و غيره دون دوران الأمر (2) بين الخاص و غيره لدلالة مثل حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته و ليس كذلك خصوصية الخاص فإنها إنما تكون منتزعة عن نفس الخاص فيكون الدوران بينه و [بين] غيره من قبيل الدوران بين


1- في « أ» التذكر.
2- في « أ»: دون الدوران بين... إلخ.

ص: 368

المتباينين فتأمل جيدا.

الثاني [حكم ناسي الجزئية]

أنه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شي ء أو شرطيته في حال نسيانه عقلا و نقلا ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية فلو لا مثل حديث الرفع (1) مطلقا و لا تعاد (2) في الصلاة لحكم (3) عقلا بلزوم إعادة ما أخل بجزئه أو شرطه نسيانا كما هو الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا نصا أو إجماعا.

ثم لا يذهب عليك أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال بمثل حديث الرفع كذلك يمكن تخصيصهما (4) بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية كما إذا وجه الخطاب على نحو يعم الذاكر و الناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقا و قد دل دليل آخر على دخله في حق الذاكر أو وجه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسي كي يلزم استحالة إيجاب ذلك عليه بهذا العنوان لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة كما توهم (5) لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر و إيجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي فلا تغفل.

الثالث [حكم الزيادة]

أنه ظهر مما مر حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو شطرا في الواجب مع عدم اعتباره في جزئيته و إلا لم يكن من زيادته بل من نقصانه و ذلك لاندارجه في الشك في دخل شي ء فيه جزءا أو شرطا فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا أو سهوا و إن استقل العقل


1- الخصال 2/ 417، الحديث 9 و الفقيه 1/ 36 الحديث 4.
2- الفقيه 1/ 255، أحكام السهو الحديث 8، الفقيه 1/ 181، في القبلة/ الحديث 17، و التهذيب 2/ 52، ب 9/ الحديث 55.
3- في « ب»: يحكم.
4- في « ب»: تخصيصها.
5- المتوهم هو الشيخ ( قدس سره)، فرائد الأصول/ 286.

ص: 369

لو لا النقل بلزوم الاحتياط لقاعدة الاشتغال.

نعم لو كان عبادة و أتى به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه لكان باطلا مطلقا أو في صورة عدم دخله فيه لعدم قصد الامتثال في هذه الصورة مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال.

و أما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال كان صحيحا و لو كان مشرعا في دخله الزائد فيه بنحو مع عدم علمه بدخله فإن تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به و هو لا ينافي قصده الامتثال و التقرب به على كل حال.

ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة و هو لا يخلو من كلام و نقض و إبرام خارج عما هو المهم في المقام و يأتي (1) تحقيقه في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

الرابع [تعذر الجزء أو الشرط]
اشاره

أنه لو علم بجزئية شي ء أو شرطيته في الجملة و دار [الأمر] بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا و لو في حال العجز عنه و بين أن يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول لعدم القدرة حينئذ على المأمور به لا على الثاني فيبقى متعلقا بالباقي و لم يكن هناك ما يعين أحد الأمرين من إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي فإن العقاب على تركه بلا بيان و المؤاخذة عليه بلا برهان.

لا يقال نعم و لكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلا في حال التمكن منه.

فإنه يقال إنه لا مجال هاهنا لمثله بداهة أنه ورد في مقام الامتنان


1- الظاهر أنه ( قدس سره) لم يف بوعده، و للمزيد راجع نهاية الدراية 2/ 288.

ص: 370

فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته.

نعم ربما يقال (1) بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا.

و لكنه لا يكاد يصح إلا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب و كان ما تعذر مما يسامح به عرفا بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي و ارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه و يأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام (2).

[قاعدة الميسور]

كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل (3) بكونه مقتضى ما يستفاد من (قوله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم) (4) و (قوله: الميسور لا يسقط بالمعسور) (5) و (قوله: ما لا يدرك كله لا يترك كله) (6) و دلالة الأول مبنية على كون كلمة من تبعيضية لا بيانية و لا بمعنى الباء و ظهورها في التبعيض و إن كان مما لا يكاد يخفى إلا أن كونه بحسب الأجزاء غير واضح لاحتمال أن يكون بلحاظ الأفراد و لو سلم فلا محيص عن أنه هاهنا بهذا اللحاظ يراد حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به (فقد روي أنه خطب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (7) فقال: إن الله كتب


1- راجع فرائد الأصول/ 294.
2- سيأتي في مبحث الاستصحاب/ 425.
3- راجع فرائد الأصول/ 294.
4- عوالي اللآلي 4/ 58، مع اختلاف يسير.
5- عوالي اللآلي 4/ 58، باختلاف يسير.
6- عوالي اللآلي 4/ 58 باختلاف يسير.
7- راجع مجمع البيان 2: 250، في ذيل الآية 101 من سورة المائدة و التفسير الكبير للفخر الرازي 12: 106 و أنوار التنزيل للبيضاوي 1: 294، و في الأخير فقام سراقة بن مالك.

ص: 371

عليكم الحج فقام عكاشة [1] و يروى سراقة بن مالك [2] فقال في كل عام يا رسول الله فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا فقال ويحك و ما يؤمنك أن أقول نعم و الله لو قلت نعم لوجب و لو وجب ما استطعتم و لو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتم و إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم إلى أنبيائهم فإذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم و إذا نهيتكم عن شي ء فاجتنبوه).

و من ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العام بالمعسور منها.

هذا مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما لعدم اختصاصه بالواجب و لا مجال معه لتوهم دلالته على أنه بنحو اللزوم إلا أن يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا بسبب سقوطه عن المعسور بأن يكون قضية الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه حيث إن الظاهر من مثله هو ذلك كما أن الظاهر من مثل (: لا ضرر و لا ضرار) (1) هو نفي ما له من تكليف أو وضع لا أنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه و بقائه على عهدة المكلف كي لا يكون له دلالة

[1] عكاشة بن محصن بن حرثان، شهد بدرا مع النبي (صلى اللّه عليه و سلّم)، ثم لم يزل عنده يشهد المشاهد مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) حتى قتل في قتال أهل الردة، كان عمره عند وفاة النبي (صلى اللّه عليه و سلم) أربعا و أربعين سنة. (تهذيب الأسماء 1/ 338. رقم 418.

[2] سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي، كنيته أبو سفيان، له صحبة، كان يسكن قديد، مات بعد عثمان، روى عنه سعيد بن المسيّب و أبو رشدين و عبدالرحمن بن مالك. (الجرح و التعديل 4: 308 رقم 1342.


1- الكافي 5/ 293، كتاب المعيشة باب الضرار، الحديث 6. و: الكافي 5/ 280، كتاب المعيشة باب الشفعة، الحديث 4. و: التهذيب 7/ 164، باب الشفعة، الحديث 4.

ص: 372

على جريان القاعدة في المستحبات على وجه أو لا يكون له دلالة على وجوب الميسور في الواجبات على آخر فافهم.

و أما الثالث فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي لا دلالة له إلا على رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به واجبا كان أو مستحبا عند تعذر بعض أجزائه لظهور الموصول فيما يعمهما و ليس ظهور (: لا يترك) في الوجوب لو سلم موجبا لتخصيصه بالواجب لو لم يكن ظهوره في الأعم قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من النفي و كيف كان فليس ظاهرا في اللزوم هاهنا و لو قيل بظهوره فيه في غير المقام.

ثم إنه حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضا لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفا كصدقه عليه كذلك مع تعذر الجزء في الجملة و إن كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا و لأجل ذلك ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها موردا لها فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا و إن كان غير مباين للواجد عقلا.

نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئته للعرف و أن عدم العد كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد من قيامه في هذا الحال بتمام ما قام عليه الواجد أو بمعظمه في غير الحال و إلا عد أنه ميسوره كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك أي للتخطئة و أنه لا يقوم بشي ء من ذلك.

و بالجملة ما لم يكن دليل على الإخراج أو الإلحاق كان المرجع هو الإطلاق و يستكشف منه أن الباقي قائم بما يكون المأمور به قائما بتمامه أو بمقدار يوجب إيجابه في الواجب و استحبابه في المستحب و إذا قام دليل على أحدهما فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصا في الأول و تشريكا في الحكم من دون الاندراج في الموضوع في الثاني فافهم.

تذنيب [الدوران بين الجزئية أو الشرطية و بين المانعية أو القاطعية]

لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شي ء أو شرطيته و بين مانعيته

ص: 373

أو قاطعيته لكان من قبيل المتباينين و لا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين لإمكان الاحتياط بإتيان العمل مرتين مع ذاك الشي ء مرة و بدونه أخرى كما هو أوضح من أن يخفى.

ص: 374

خاتمة في شرائط الأصول

أما الاحتياط [حسن الاحتياط مطلقا]

فلا يعتبر في حسنه شي ء أصلا بل يحسن على كل حال إلا إذا كان موجبا لاختلال النظام و لا تفاوت فيه بين المعاملات و العبادات مطلقا و لو كان موجبا للتكرار فيها و توهم (1) كون التكرار عبثا و لعبا بأمر المولى و هو ينافي قصد الامتثال المعتبر في العبادة فاسد لوضوح أن التكرار ربما يكون بداع صحيح عقلائي مع أنه لو لم يكن بهذا الداعي و كان أصل إتيانه بداعي أمر مولاه بلا داع له سواه لما ينافي قصد الامتثال و إن كان لاغيا في كيفية امتثاله فافهم.

بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة عن التكليف لئلا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته من المفسدة و فوت المصلحة.

و أما البراءة العقلية [اشتراط البراءة العقلية بالفحص]

فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص و اليأس عن الظفر بالحجة على التكليف لما مرت (2) الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها إلا بعدهما.

و أما البراءة النقلية
اشاره

فقضية إطلاق أدلتها و إن كان هو عدم اعتبار


1- المتوهم هو الشيخ ( قده) راجع فرائد الأصول، ص 299.
2- في الاستدلال على البراءة بالدليل العقلي، ص 343.

ص: 375

الفحص في جريانها كما هو حالها في الشبهات الموضوعية إلا أنه استدل (1) على اعتباره بالإجماع و بالعقل فإنه لا مجال لها بدونه حيث يعلم إجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات بحيث لو تفحص عنه لظفر به.

و لا يخفى أن الإجماع هاهنا غير حاصل و نقله لوهنه بلا طائل فإن تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل صعب لو لم يكن عادة بمستحيل لقوة احتمال أن يكون المستند للجل لو لا الكل هو ما ذكر من حكم العقل و أن الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز إما لانحلال العلم الإجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات و لو لعدم الالتفات إليها (2).

فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات (3) و الأخبار (4) على وجوب التفقه و التعلم و المؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى كما في الخبر (5) (: هلا تعلمت) فيقيد بها أخبار البراءة لقوة ظهورها في أن المؤاخذة و الاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم لا بترك العمل فيما علم وجوبه و لو إجمالا فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الأخبار على ما إذا علم إجمالا فافهم.

و لا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا بعين ما ذكر في البراءة فلا تغفل.

و لا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من


1- راجع فرائد الأصول/ 300 و 301.
2- في العبارة تسامح.
3- التوبة: 122 و النحل: 43.
4- الفقيه 6/ 277، الباب 176 ذيل الحديث 10- الكافي 1/ كتاب 2/ احاديث الباب 1.
5- الأمالي للشيخ/ 9- الصافي/ 555.

ص: 376

التبعة و الأحكام.

أما التبعة فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم و الفحص مؤديا إليها فإنها و إن كان مغفولة حينها و بلا اختيار إلا أنها منتهية إلى الاختيار و هو كاف في صحة العقوبة بل مجرد تركهما كاف في صحتها و إن لم يكن مؤديا إلى المخالفة مع احتماله لأجل التجري و عدم المبالاة بها.

نعم يشكل في الواجب المشروط و الموقت لو أدى تركهما قبل الشرط و الوقت إلى المخالفة بعدهما فضلا عما إذا لم يؤد إليها حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلي أصلا لا قبلهما و هو واضح و لا بعدهما و هو كذلك لعدم التمكن [1] منه بسبب الغفلة و لذا التجأ المحقق الأردبيلي (1) و صاحب المدارك (2) قدس سرهما إلى الالتزام بوجوب التفقه و التعلم نفسيا تهيئيا فتكون العقوبة على ترك التعلم نفسه لا على ما أدى إليه من المخالفة.

فلا إشكال حينئذ في المشروط و الموقت و يسهل بذلك الأمر في غيرهما لو صعب على أحد و لم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقوبة على ما كان فعلا مغفولا عنه و ليس بالاختيار و لا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الإشكال إلا بذلك أو الالتزام بكون المشروط أو الموقت مطلقا معلقا لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم

[1] إلا أن يقال بصحة المؤاخذة على ترك المشروط أو الموقت عند العقلاء إذا تمكن منهما في الجملة، و لو بأن تعلّم و تفحّص إذا التفت، و عدم لزوم التمكن منهما بعد حصول الشرط و دخول الوقت مطلقا، كما يظهر ذلك من مراجعة العقلاء و مؤاخذتهم العبيد على ترك الواجبات المشروطة أو المؤقتة، يترك تعلمها قبل الشرط أو الوقت المؤدي إلى تركها بعد حصوله أو دخوله، فتأمل (منه قدس سره).


1- راجع كلامه قدس سره) في مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان 2/ 110، عند قوله: و اعلم أيضا أنّ سبب بطلان الصلاة.. الخ.
2- راجع مدارك الأحكام/ 123، في مسألة إخلال المصلي بإزالة النجاسة عن بدنه أو ثوبه.

ص: 377

فيكون الإيجاب حاليا و إن كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه و لا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته.

و أما لو قيل بعدم الإيجاب إلا بعد الشرط و الوقت كما هو ظاهر الأدلة و فتاوى المشهور فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا لتكون العقوبة لو قيل بها على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة و لا بأس به كما لا يخفى و لا ينافيه ما يظهر من الأخبار من كون وجوب التعلم إنما هو لغيره لا لنفسه حيث إن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميا بل للتهيؤ لإيجابه فافهم.

و أما الأحكام فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة بل في صورة الموافقة أيضا في العبادة فيما لا يتأتى منه قصد القربة و ذلك لعدم الإتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة و الإجزاء إلا في الإتمام في موضع القصر أو الإجهار أو الإخفات في موضع الآخر فورد في الصحيح (1) و قد أفتى به المشهور صحة الصلاة و تماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقا و لو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها لأن ما أتى بها و إن صحت و تمت إلا أنها ليست بمأمور بها.

إن قلت كيف يحكم بصحتها مع عدم الأمر بها و كيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي أمر بها حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها كما هو ظاهر إطلاقاتهم بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الإتمام و الإخفات و قد بقي من الوقت مقدار إعادتها قصرا أو جهرا ضرورة أنه لا تقصير هاهنا يوجب


1- التهذيب 3/ 266، الباب 23 الصلاة في السفر، الحديث/ 80، و وسائل الشيعة 15/ 531 الباب: 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4. التهذيب 2/ 162 الباب 9 تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض و المسنون، الحديث 93. و وسائل الشيعة 4/ 766 الباب 26 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1.

ص: 378

استحقاق العقوبة و بالجملة كيف يحكم بالصحة بدون الأمر و كيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة لو لا الحكم شرعا بسقوطها و صحة ما أتى بها.

قلت إنما حكم بالصحة لأجل اشتمالها على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها و إن كانت دون مصلحة الجهر و القصر و إنما لم يؤمر بها لأجل أنه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الأكمل و الأتم.

و أما الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة فإنها بلا فائدة إذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة التي كانت في المأمور بها و لذا لو أتى بها في موضع الآخر جهلا مع تمكنه من التعلم فقد قصر و لو علم بعده و قد وسع الوقت.

فانقدح أنه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الإتمام و لا من الجهر كذلك بعد فعل صلاة الإخفات و إن كان الوقت باقيا. إن قلت على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سببا لتفويت الواجب فعلا و ما هو سبب لتفويت الواجب كذلك حرام و حرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.

قلت ليس سببا لذلك غايته أنه يكون مضادا له و قد حققنا في محله (1) أن الضد و عدم ضده متلازمان ليس بينهما توقف أصلا.

لا يقال علي هذا فلو صلى تماما أو صلى إخفاتا في موضع القصر و الجهر مع العلم بوجوبهما في موضعهما لكانت صلاته صحيحة و إن عوقب على مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر.

فإنه يقال لا بأس بالقول به لو دل دليل على أنها تكون مشتملة على المصلحة


1- مبحث الضد، في الأمر الثاني، عند دفع توهم المقدمية بين الضدين ص 130.

ص: 379

و لو مع العلم لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل و لا بعد أصلا في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شي ء و الجهل به كما لا يخفى و قد صار بعض الفحول (1) بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأمورا به بنحو الترتب و قد حققناه في مبحث الضد امتناع الأمر بالضدين مطلقا و لو بنحو الترتب بما لا مزيد عليه فلا نعيد.

( ثم إنه ذكر لأصل البراءة شرطان آخران.

( ثم إنه ذكر (2) لأصل البراءة شرطان آخران.

أحدهما

أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى.

ثانيهما أن لا يكون موجبا للضرر على آخر
اشاره

.) و لا يخفى أن أصالة البراءة عقلا و نقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية و عدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية و الإباحة أو رفع التكليف الثابت بالبراءة النقلية لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه فإن لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا فهي و إن كانت جارية إلا أن ذاك الحكم لا يترتب لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها و هذا ليس بالاشتراط.

و أما اعتبار أن لا يكون موجبا للضرر فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر و إن لم يكن مجال فيه لأصالة البراءة كما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية إلا أنه حقيقة لا يبقى لها مورد بداهة أن الدليل الاجتهادي يكون بيانا و موجبا للعلم بالتكليف و لو ظاهرا فإن كان المراد من الاشتراط ذلك فلا بد من اشتراط أن لا يكون على خلافها دليل اجتهادي لا خصوص قاعدة الضرر فتدبر و الحمد لله على كل حال.


1- و هو كاشف الغطاء ( قدس سره) كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرء/ 27 في البحث الثامن عشر.
2- ذكرهما الفاضل التونى ( قده) في الوافية/ 79، في شروط التمسّك بأصالة البراءة.

ص: 380

ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر و الضرار على نحو الاقتصار و توضيح مدركها و شرح مفادها و إيضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأولية أو الثانوية و إن كانت أجنبية عن مقاصد الرسالة إجابة لالتماس بعض الأحبة فأقول و به أستعين.

[أحاديث نفي الضرر]

إنه قد استدل عليها بأخبار كثيرة.

منها (موثقة زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام: إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار و كان منزل الأنصاري بباب البستان و كان سمرة يمر إلى نخلته و لا يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه و آله فشكا إليه فأخبر بالخبر فأرسل رسول الله و أخبره بقول الأنصاري و ما شكاه فقال إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيعه فقال لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى الله عليه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها و ارم بها إليه فإنه لا ضرر و لا ضرار).

(و في رواية الحذاء (2) عن أبي جعفر عليه السلام: مثل ذلك إلا أنه فيها بعد الإباء ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها و ارم بها وجهه) إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصة سمرة و غيرها (3) و هي كثيرة و قد ادعي (4) تواترها مع اختلافها لفظا و موردا فليكن المراد به تواترها إجمالا بمعنى


1- التهذيب 7: 146، الحديث 36 من باب بيع الماء، مع اختلاف لا يخل بالمقصود الكافي 5: 292، الحديث 2 من باب الضرار. الفقيه 3: 147 الحديث 18 من باب المضاربة.
2- الفقيه 3: 59 الحديث 9 الباب 44 حكم الحريم.
3- الفقيه 3: 45 الحديث 2 الباب 36 الشفعة. الكافي 5: 280 الحديث 4 باب الشفعة. التهذيب 7: 164، 727.
4- ايضاح الفوائد، فخر المحققين 2: 48 كتاب الدين، فصل التنازع.

ص: 381

القطع بصدور بعضها و الإنصاف أنه ليس في دعوى التواتر كذلك جزاف و هذا مع استناد المشهور إليها موجب لكمال الوثوق بها و انجبار ضعفها مع أن بعضها موثقة فلا مجال للإشكال فيها من جهة سندها كما لا يخفى.

[المراد من نفي الضرر]

و أما دلالتها فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع من النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال تقابل العدم و الملكة كما أن الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جي ء به تأكيدا كما يشهد به إطلاق المضار على سمرة و حكي عن النهاية (1) لا فعل الاثنين و إن كان هو الأصل في باب المفاعلة و لا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة و بالجملة لم يثبت له معنى آخر غير الضرر.

كما أن الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء كناية عن نفي الآثار كما هو الظاهر من مثل (: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) (2) و (: يا أشباه الرجال و لا رجال) (3) فإن قضية البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء لا نفي الحكم أو الصفة كما لا يخفى.

و نفي الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي أحدهما ابتداء مجازا في التقدير أو في الكلمة مما لا يخفى على من له معرفة بالبلاغة.

و قد انقدح بذلك بعد إرادة نفي الحكم الضرري (4) أو الضرر الغير المتدارك (5) أو إرادة النهي من النفي جدا (6) ضرورة بشاعة استعمال الضرر


1- النهاية لابن الاثير 3: 81 مادة ضرر. و فيها « الضرار: فعل الاثنين... و قيل هما بمعنى، و تكرارهما للتأكيد».
2- دعائم الإسلام 1: 148 في ذكر المساجد.
3- نهج البلاغة، الخطبة 27.
4- التزم به الشيخ في فرائد الاصول/ 314 في الشرط الثاني المحكي عن الفاضل التوني من شروط اصالة البراءة، و كذا في رسالة قاعدة لا ضرر المطبوعة في المكاسب 373.
5- ذهب اليه الفاضل التوني ( ره)، الوافية/ 79، في شروط التمسك بأصالة البراءة.
6- اختاره السيد مير فتاح، العناوين/ 198، العنوان العاشر. و مال اليه شيخ الشريعة الاصفهاني، قاعدة لا ضرر و لا ضرار، 44.

ص: 382

و إرادة خصوص سبب من أسبابه أو خصوص الغير المتدارك منه و مثله لو أريد ذاك بنحو التقييد فإنه و إن لم يكن ببعيد إلا أنه بلا دلالة عليه غير سديد و إرادة النهي من النفي و إن كان ليس بعزيز إلا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب و عدم إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لا يكاد يكون قرينة على إرادة واحد منها بعد إمكان حمله على نفيها ادعاء بل كان هو الغالب في موارد استعماله.

ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حال الضرر لا الثابت له بعنوانه لوضوح أنه العلة للنفي و لا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه و ينفيه بل يثبته و يقتضيه.

[نسبة القاعدة مع أدلة الأحكام الأولية]

و من هنا لا يلاحظ النسبة بين أدلة نفيه و أدلة الأحكام و تقدم أدلته على أدلتها مع أنها عموم من وجه حيث إنه يوفق بينهما عرفا بأن الثابت للعناوين الأولية اقتضائي يمنع عنه فعلا ما عرض عليها من عنوان الضرر بأدلته كما هو الحال في التوفيق بين سائر الأدلة المثبتة أو النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية و الأدلة المتكفلة لحكمها بعناوينها الأولية.

نعم ربما يعكس الأمر فيما أحرز بوجه معتبر أن الحكم في المورد ليس بنحو الاقتضاء بل بنحو العلية التامة.

و بالجملة الحكم الثابت بعنوان أولي.

تارة يكون بنحو الفعلية مطلقا أو بالإضافة إلى عارض دون عارض بدلالة لا يجوز الإغماض عنها بسبب دليل حكم العارض المخالف له فيقدم دليل ذاك العنوان على دليله.

و أخرى يكون على نحو لو كانت هناك دلالة للزم الإغماض عنها بسببه عرفا حيث كان اجتماعهما قرينة على أنه بمجرد المقتضي و أن العارض مانع فعلي هذا

ص: 383

و لو لم نقل بحكومة دليله على دليله لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله كما قيل (1).

[نسبة القاعدة مع أدلة الأحكام الثانوية]

ثم انقدح بذلك حال توارد دليلي العارضين كدليل نفي العسر و دليل نفي الضرر مثلا فيعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين و إلا فيقدم ما كان مقتضيه أقوى و إن كان دليل الآخر أرجح و أولى و لا يبعد أن الغالب في توارد العارضين أن يكون من ذاك الباب بثبوت المقتضي فيهما مع تواردهما لا من باب التعارض لعدم ثبوته إلا في أحدهما كما لا يخفى هذا حال تعارض الضرر مع عنوان أولي أو ثانوي آخر.

و أما لو تعارض مع ضرر آخر فمجمل القول فيه أن الدوران إن كان بين ضرري شخص واحد أو اثنين فلا مسرح إلا لاختيار أقلهما لو كان و إلا فهو مختار.

و أما لو كان بين ضرر نفسه و ضرر غيره فالأظهر عدم لزوم تحمله الضرر و لو كان ضرر الآخر أكثر فإن نفيه يكون للمنة على الأمة و لا منة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر و إن كان أكثر.

نعم لو كان الضرر متوجها إليه ليس له دفعه عن نفسه بإيراده على الآخر اللهم إلا أن يقال إن نفي الضرر و إن كان للمنة إلا أنه بلحاظ نوع الأمة و اختيار الأقل بلحاظ النوع منه فتأمل.


1- التزم الشيخ ( قده) بحكومة دليل لا ضرر على أدلة العناوين الأولية، فرائد الأصول 315، في الشرط الثاني مما ذكره عن الفاضل التوني من شروط البراءة.

ص: 384

فصل في الاستصحاب

اشارة

و في حجيته إثباتا و نفيا أقوال للأصحاب.

[تعريف الاستصحاب]

و لا يخفى أن عبارتهم في تعريفه و إن كانت شتى إلا أنها تشير إلى مفهوم واحد و معنى فارد و هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه.

إما من جهة بناء العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية مطلقا أو في الجملة تعبدا أو للظن به الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقا.

و إما من جهة دلالة النص أو دعوى الإجماع عليه كذلك حسب ما تأتي الإشارة إلى ذلك مفصلا.

و لا يخفى أن هذا المعنى هو القابل لأن يقع فيه النزاع و الخلاف في نفيه و إثباته مطلقا أو في الجملة و في وجه ثبوته على أقوال.

ضرورة أنه لو كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء على البقاء أو الظن به الناشئ مع العلم بثبوته لما تقابل فيه الأقوال و لما كان النفي و الإثبات واردين على مورد واحد بل موردين و تعريفه بما ينطبق على بعضها و إن كان ربما يوهم أن لا يكون هو الحكم بالبقاء بل ذاك الوجه إلا أنه حيث لم يكن بحد و لا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما هو الحال في التعريفات غالبا لم يكن له دلالة على أنه نفس

ص: 385

الوجه بل للإشارة إليه من هذا الوجه و لذا لا وقع للإشكال على ما ذكر في تعريفه بعدم الطرد أو العكس فإنه لم يكن به إذا لم يكن بالحد أو الرسم بأس.

فانقدح أن ذكر تعريفات القوم له و ما ذكر فيها من الإشكال بلا حاصل و طول بلا طائل.

[الاستصحاب مسألة أصولية]

ثم لا يخفى أن البحث في حجيته (1) مسألة أصولية حيث يبحث فيها لتمهيد قاعدة تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعية و ليس مفادها حكم العمل بلا واسطة و إن كان ينتهي إليه كيف و ربما لا يكون مجرى الاستصحاب إلا حكما أصوليا كالحجية مثلا هذا لو كان الاستصحاب عبارة عما ذكرنا.

و أما لو كان عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته أو الظن به الناشئ من ملاحظة ثبوته فلا إشكال في كونه مسألة أصولية.

و كيف كان فقد ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في مورده القطع بثبوت شي ء و الشك في بقائه و لا يكاد يكون الشك في البقاء إلا مع اتحاد القضية المشكوكة و المتيقنة بحسب الموضوع و المحمول و هذا مما لا غبار عليه في الموضوعات الخارجية في الجملة.

و أما الأحكام الشرعية سواء كان مدركها العقل أم النقل فيشكل حصوله فيها لأنه لا يكاد يشك في بقاء الحكم إلا من جهة الشك في بقاء موضوعه بسبب تغير بعض ما هو عليه مما احتمل دخله فيه حدوثا أو بقاء و إلا لما تخلف (2) الحكم عن موضوعه إلا بنحو البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى و لذا كان النسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا.


1- في « ب»: حجية.
2- في « ب»: لا يتخلف.

ص: 386

و يندفع هذا الإشكال بأن الاتحاد في القضيتين بحسبهما و إن كان مما لا محيص عنه في جريانه إلا أنه لما كان الاتحاد بحسب نظر العرف كافيا في تحققه و في صدق الحكم ببقاء ما شك في بقائه و كان بعض ما عليه الموضوع من الخصوصيات التي يقطع معها بثبوت الحكم له مما يعد بالنظر العرفي من حالاته و إن كان واقعا من قيوده و مقوماته كان جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها عند الشك فيها لأجل طرو انتفاء بعض ما احتمل دخله فيها مما عد من حالاتها لا من مقوماتها بمكان من الإمكان ضرورة [صحة] (1) إمكان دعوى بناء العقلاء على البقاء تعبدا أو لكونه مظنونا و لو نوعا أو دعوى دلالة النص أو قيام الإجماع عليه قطعا بلا تفاوت (2) في ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا.

أما الأول فواضح و أما الثاني فلأن الحكم الشرعي المستكشف به عند طرو انتفاء ما احتمل دخله في موضوعه مما لا يرى مقوما له كان مشكوك البقاء عرفا لاحتمال عدم دخله فيه واقعا و إن كان لا حكم للعقل بدونه قطعا.

إن قلت كيف هذا مع الملازمة بين الحكمين.

قلت ذلك لأن الملازمة إنما تكون في مقام الإثبات و الاستكشاف لا في مقام الثبوت فعدم استقلال العقل إلا في حال غير ملازم لعدم حكم الشرع في غير تلك الحال و ذلك لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم الشرع من المصلحة أو المفسدة التي هي ملاك حكم العقل كان على حاله في كلتا الحالتين و إن لم يدركه إلا في إحداهما لاحتمال عدم دخل تلك الحالة فيه أو احتمال أن يكون معه ملاك آخر بلا دخل لها فيه أصلا و إن كان لها دخل فيما اطلع عليه من الملاك.

و بالجملة حكم الشرع إنما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا لا ما هو


1- في « ب»: لا يتخلف.
2- إشارة الى تضعيف تفصيل الشيخ ( قده)، فرائد الأصول/ 325.

ص: 387

مناط حكمه فعلا و موضوع حكمه كذلك مما لا يكاد يتطرق إليه الإهمال و الإجمال مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا و هو ما قام به ملاك حكمه واقعا فرب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشي ء قطعا مع احتمال بقاء ملاكه واقعا و معه يحتمل بقاء حكم الشرع جدا لدورانه معه وجودا و عدما فافهم و تأمل جيدا.

ثم إنه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقا و عدم حجيته كذلك و التفصيل بين الموضوعات و الأحكام أو بين ما كان الشك في الرافع و ما كان في المقتضي إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة على أقوال شتى لا يهمنا نقلها و نقل ما ذكر من الاستدلال عليها و إنما المهم الاستدلال على ما هو المختار منها و هو الحجية مطلقا على نحو يظهر بطلان سائرها

فقد استدل عليه بوجوه
الوجه الأول استقرار بناء العقلاء

من الإنسان بل ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة و حيث لم يردع عنه الشارع كان ماضيا.

و فيه أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبدا بل إما رجاء و احتياطا أو اطمئنانا بالبقاء أو ظنا و لو نوعا أو غفلة كما هو الحال في سائر الحيوانات دائما و في الإنسان أحيانا.

و ثانيا سلمنا ذلك لكنه لم يعلم أن الشارع به راض و هو عنده ماض و يكفي في الردع عن مثله ما دل من الكتاب و السنة على النهي عن اتباع غير العلم و ما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء فيما لا بد في اتباعه من الدلالة على إمضائه فتأمل جيدا.

ص: 388

الوجه الثاني أن الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق

الوجه الثاني (1) أن الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق

. و فيه منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلا و لا نوعا فإنه لا وجه له أصلا إلا كون الغالب فيما ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم و هو غير معلوم و لو سلم فلا دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم.

الوجه الثالث دعوى الإجماع عليه

كما (عن المبادئ (2) حيث قال.

الاستصحاب حجة لإجماع الفقهاء على أنه متى حصل حكم ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا و لو لا القول بأن الاستصحاب حجة لكان ترجيحا لأحد طرفي الممكن من غير مرجح انتهى) و قد نقل عن غيره (3) أيضا.

و فيه أن تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما له مبان مختلفة في غاية الإشكال و لو مع الاتفاق فضلا عما إذا لم يكن و كان مع الخلاف من المعظم حيث ذهبوا إلى عدم حجيته مطلقا أو في الجملة و نقله موهون جدا لذلك و لو قيل بحجيته لو لا ذلك.

الوجه الرابع و هو العمدة في الباب الأخبار المستفيضة
منها (صحيحة زرارة:
اشارة

منها (صحيحة زرارة (4):

اشارة

قال قلت له الرجل ينام و هو على وضوء


1- راجع شرح مختصر الاصول/ 453.
2- مبادى ء الأصول/ 250، و نظير هذا ما عن النهاية على ما حكاه الشيخ- قدس سره- فرائد الأصول/ 329
3- راجع معالم الأصول/ 231، الدليل الرابع.
4- التهذيب 1/ 8 الباب 1 ح 11، باختلاف يسير في اللفظ.

ص: 389

أ يوجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء قال يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الأذن و إذا نامت العين و الأذن و القلب فقد وجب الوضوء قلت فإن حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بين و إلا فإنه على يقين من وضوئه و لا ينقض اليقين أبدا بالشك و لكنه ينقضه بيقين آخر).

و هذه الرواية و إن كانت مضمرة إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها حيث كان مضمرها مثل زرارة و هو ممن لا يكاد يستفتي من غير الإمام عليه السلام لا سيما مع هذا الاهتمام.

و تقريب الاستدلال بها

أنه لا ريب في ظهور (قوله عليه السلام: و إلا فإنه على يقين) إلى آخره عرفا في النهي عن نقض اليقين بشي ء بالشك فيه و أنه عليه السلام بصدد بيان ما هو علة الجزاء المستفاد من قوله عليه السلام لا في جواب (: فإن حركت في جنبه) إلى آخره و هو اندراج اليقين و الشك في مورد السؤال في القضية الكلية الارتكازية الغير المختصة بباب دون باب و احتمال أن يكون الجزاء هو قوله (: فإنه على يقين) إلى آخره غير سديد فإنه لا يصح إلا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه و هو إلى الغاية بعيد و أبعد منه كون الجزاء قوله (: لا ينقض) إلى آخره و قد ذكر (: فإنه على يقين) للتمهيد.

و قد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية (: لا تنقض) إلى آخره باليقين و الشك بباب الوضوء جدا فإنه ينافيه ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعا و يؤيده تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها فتأمل جيدا.

هذا مع أنه لا موجب لاحتماله إلا احتمال كون اللام في اليقين للعهد إشارة إلى اليقين في (: فإنه على يقين من وضوئه) مع أن الظاهر أنه للجنس كما هو

ص: 390

الأصل فيه و سبق (: فإنه على يقين) إلى آخره لا يكون قرينة عليه مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضا فافهم.

مع أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء لقوة احتمال أن يكون (: من وضوئه) متعلقا بالظرف لا بيقين و كأن المعنى فإنه كان من طرف وضوئه على يقين و عليه لا يكون الأوسط (1) إلا اليقين لا اليقين بالوضوء كما لا يخفى على المتأمل.

و بالجملة لا يكاد يشك في ظهور القضية في عموم اليقين و الشك خصوصا بعد ملاحظة تطبيقها في الأخبار على غير الوضوء أيضا.

ثم لا يخفى حسن إسناد النقض و هو ضد الإبرام إلى اليقين و لو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء للبقاء و الاستمرار لما يتخيل فيه من الاستحكام بخلاف الظن فإنه يظن أنه ليس فيه إبرام و استحكام و إن كان متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك و إلا لصح أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له مع ركاكة مثل نقضت الحجر من مكانه و لما صح أن يقال انتقض اليقين باشتعال السراج فيما إذا شك في بقائه للشك في استعداده مع بداهة صحته و حسنه.

و بالجملة لا يكاد يشك في أن اليقين كالبيعة و العهد إنما يكون حسن إسناد النقض إليه بملاحظته لا بملاحظة متعلقه فلا موجب لإرادة ما هو أقرب إلى الأمر المبرم أو أشبه بالمتين المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء لقاعدة إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات بعد تعذر إرادة مثل ذاك الأمر مما يصح إسناد النقض إليه حقيقة.

فإن قلت نعم و لكنه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقن لما صح إسناد الانتقاض إليه بوجه


1- كذا صححه في « ب» و في « أ»: الأصغر.

ص: 391

و لو مجازا بخلاف ما إذا كان هناك فإنه و إن لم يكن معه أيضا انتقاض حقيقة إلا أنه صح إسناده إليه مجازا فإن اليقين معه كأنه تعلق بأمر مستمر مستحكم قد انحل و انفصم بسبب الشك فيه من جهة الشك في رافعه.

قلت الظاهر أن وجه الإسناد هو لحاظ اتحاد متعلقي اليقين و الشك ذاتا و عدم ملاحظة تعددهما زمانا و هو كاف عرفا في صحة إسناد النقض إليه و استعارته له بلا تفاوت في ذلك أصلا في نظر أهل العرف بين ما كان هناك اقتضاء البقاء و ما لم يكن و كونه مع المقتضي أقرب بالانتقاض و أشبه لا يقتضي تعيينه لأجل قاعدة إذا تعذرت الحقيقة فإن الاعتبار في الأقربية إنما هو بنظر العرف لا الاعتبار و قد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله هذا كله في المادة.

و أما الهيئة فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض بحسب البناء و العمل لا الحقيقة لعدم كون الانتقاض بحسبها تحت الاختيار سواء كان متعلقا باليقين كما هو ظاهر القضية أو بالمتيقن أو بآثار اليقين بناء على التصرف فيها بالتجوز أو الإضمار بداهة أنه كما لا يتعلق النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه بنفس اليقين كذلك لا يتعلق بما كان على يقين منه أو أحكام اليقين فلا يكاد (1) يجدي التصرف بذلك في بقاء الصيغة على حقيقتها فلا مجوز له فضلا عن الملزم كما توهم.

لا يقال لا محيص عنه فإن النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين و آثاره لمنافاته مع المورد.

فإنه يقال إنما يلزم لو كان اليقين ملحوظا بنفسه و بالنظر الاستقلالي


1- فيه تعريض بالشيخ ( قدس سره) فرائد الأصول/ 336، عند قوله: ثم لا يتوهم الاحتياج... الخ.

ص: 392

لا ما إذا كان ملحوظا بنحو المرآتية بالنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل قضية (: لا تنقض اليقين) حيث تكون ظاهرة عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء و العمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبدا إذا كان حكما و لحكمه إذا كان موضوعا لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعا و ذلك لسراية الآلية و المرآتية من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلي فيؤخذ في موضوع الحكم في مقام بيان حكمه مع عدم دخله فيه أصلا كما ربما يؤخذ فيما له دخل فيه أو تمام الدخل فافهم.

ثم إنه حيث كان كل من الحكم الشرعي و موضوعه مع الشك قابلا للتنزيل بلا تصرف و تأويل غاية الأمر تنزيل الموضوع بجعل مماثل حكمه و تنزيل الحكم بجعل مثله كما أشير إليه آنفا كان قضية (: لا تنقض) ظاهرة في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية و الموضوعية و اختصاص المورد بالأخيرة لا يوجب تخصيصها بها خصوصا بعد ملاحظة أنها قضية كلية ارتكازية قد أتي بها في غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد فتأمل.

و منها (صحيحة أخرى لزرارة:
اشارة

و منها (صحيحة أخرى لزرارة: (1)

اشارة

قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من المني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء فحضرت الصلاة و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة و تغسله قلت فإن لم أكن رأيت موضعه و علمت أنه قد أصابه فطلبته و لم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال عليه السلام تغسله و تعيد قلت فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه قال تغسله و لا تعيد الصلاة قلت لم ذلك


1- تهذيب الاحكام 1: 421 الباب 22، الحديث 8.

ص: 393

قال لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا قلت فإني قد علمت أنه قد أصابه و لم أدر أين هو فأغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك قلت فهل علي إن شككت في أنه أصابه شي ء أن أنظر فيه قال لا و لكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك قلت إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).

و قد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله (: فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك) في كلا الموردين و لا نعيد.

[دلالة الرواية على الاستصحاب لا على قاعدة اليقين]

نعم دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله عليه السلام (: لأنك كنت على يقين من طهارتك) اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة كما هو الظاهر فإنه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر و الفحص بعده الزائل بالرؤية بعد الصلاة كان مفاده قاعدة اليقين كما لا يخفى.

[الإشكالات الواردة على الصحيحة]

ثم إنه أشكل على الرواية بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة [في النجاسة] (1) ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها بل باليقين بارتفاعها فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك.

نعم إنما يصح أن يعلل به عدم جواز الدخول في الصلاة كما لا يخفى و لا يكاد يمكن التفصي عن هذا الإشكال إلا بأن يقال إن الشرط في الصلاة فعلا


1- اثبتنا الزيادة من « ب».

ص: 394

حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها و لو بأصل أو قاعدة لا نفسها فيكون قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها و لو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها كما أن إعادتها بعد الكشف يكشف عن جواز النقض و عدم حجية الاستصحاب حالها كما لا يخفى فتأمل جيدا.

لا يقال لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنها إذا لم تكن شرطا لم تكن موضوعة لحكم مع أنها ليست بحكم (1) و لا محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم.

فإنه يقال إن الطهارة و إن لم تكن شرطا فعلا إلا أنها غير منعزلة عن الشرطية رأسا بل هي شرط واقعي اقتضائي كما هو قضية التوفيق بين بعض الإطلاقات و مثل هذا الخطاب هذا مع كفاية كونها من قيود الشرط حيث إنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطا.

لا يقال سلمنا ذلك لكن قضيته أن يكون علة عدم الإعادة حينئذ بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب مع أن قضية التعليل أن تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها ضرورة أن نتيجة قوله (: لأنك كنت على يقين) إلى آخره أنه على الطهارة لا أنه مستصحبها كما لا يخفى.

فإنه يقال نعم و لكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب و أنه كان هناك استصحاب مع وضوح استلزام ذلك لأن يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة و إلا لما كانت الإعادة نقضا كما عرفت في الإشكال.


1- هذا ما أثبتناه من « ب» المصححة، و في « أ»: الضمائر كلها مذكرة.

ص: 395

ثم إنه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء كما قيل (1) ضرورة أن العلة عليه إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للإجزاء و عدم إعادتها لا لزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى اللهم إلا أن يقال إن التعليل به إنما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء بتقريب أن الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف و عدم حرمته شرعا و إلا للزم عدم اقتضاء ذاك الأمر له كما لا يخفى مع اقتضائه شرعا أو عقلا فتأمل [1].

و لعل ذلك مراد من قال (2) بدلالة الرواية على إجزاء الأمر الظاهري.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل مع أنه لا يكاد يوجب الإشكال فيه و العجز عن التفصي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب فإنه لازم على كل حال كان مفاده قاعدته أو قاعدة اليقين مع بداهة عدم خروجه منهما فتأمل جيدا.

و منها (صحيحة ثالثة لزرارة …الكافي: 3/ 352، الحديث 3.…

: و إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع و قد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى و لا شي ء عليه و لا ينقض اليقين بالشك و لا يدخل الشك في اليقين و لا يخلط أحدهما بالآخر و لكنه ينقض الشك باليقين و يتم على اليقين فيبني عليه و لا يعتد بالشك في حال من الحالات).

و الاستدلال بها على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الإتيان

[1] وجه التأمل أن اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء ليس بذاك الوضوح، كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الاعادة، كما لا يخفى (منه قدس سره)، أثبتنا هذه التعليقة من «أ و ب»،.


1- راجع فرائد الأصول/ 331.
2- كما عن بعض مشايخ الشيخ الانصاري.

ص: 396

بالركعة الرابعة سابقا و الشك في إتيانها.

(و قد أشكل (1) بعدم إمكان إرادة ذلك على مذهب الخاصة ضرورة أن قضيته إضافة ركعة أخرى موصولة و المذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة و على هذا يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ بما علمه الإمام عليه السلام من الاحتياط بالبناء على الأكثر و الإتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة.)

و يمكن ذبه (2) بأن الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة بل كان أصل الإتيان بها باقتضائه غاية الأمر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض و قد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة و غيره و أن المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة فافهم.

و ربما أشكل أيضا بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد لا العامة لغير مورد ضرورة ظهور الفقرات في كونها مبنية للفاعل و مرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك.

و إلغاء خصوصية المورد ليس بذاك الوضوح و إن كان يؤيده تطبيق قضية (: لا تنقض اليقين) و ما يقاربها على غير مورد.

بل دعوى أن الظاهر من نفس القضية هو أن مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين و الشك لا لما في المورد من الخصوصية و أن مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك غير بعيدة.

و منها

و منها (3)

(قوله: من كان على يقين فأصابه شك فليمض على


1- المستشكل هو الشيخ الانصاري ( قدس سره) فرائد الأصول 331.
2- الصحيح ما اثبتناه خلافا لما في النسخ.
3- الخصال، 619.

ص: 397

يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين) أو (: فإن اليقين لا يدفع بالشك) (1) و هو و إن كان يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين و إنما يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب ضرورة إمكان اتحاد زمانهما إلا أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة و لعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين و سرايته إلى الوصفين لما بين اليقين و المتيقن من نحو من الاتحاد فافهم.

هذا مع وضوح أن قوله (: فإن الشك لا ينقض) إلى آخره هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (2).

و منها (خبر الصفار

و منها (خبر الصفار (3)

عن علي بن محمد القاساني: قال كتبت إليه و أنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية و أفطر للرؤية) حيث دل على أن اليقين بشعبان (4) لا يكون مدخولا بالشك في بقائه و زواله بدخول شهر رمضان و يتفرع [عليه] (5) عدم وجوب الصوم إلا بدخول شهر رمضان.

و ربما يقال إن مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك يشرف القطع بأن المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان و أنه لا بد في وجوب الصوم و وجوب الإفطار من اليقين بدخول شهر رمضان و خروجه و أين هذا من الاستصحاب فراجع ما عقد في الوسائل (6) لذلك من الباب تجده شاهدا


1- الارشاد، 159.
2- جامع الأحاديث الشعية 2/ 384، الباب 12 من أبواب ما ينقض الوضوء و ما لا ينقض
3- تهذيب الاحكام 4/ 159، الباب 41 علامة اول شهر رمضان و آخره.
4- في نسختي « أ» و « ب» بالشعبان.
5- زيادة تقتضيها العبارة.
6- وسائل الشيعة 7/ 182 الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان.

ص: 398

عليه.

و منها

(قوله عليه السلام: كل شي ء طاهر حتى تعلم أنه قذر) (1) و (قوله عليه السلام: الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس) (2) و (قوله عليه السلام: كل شي ء حلال حتى تعرف أنه حرام) (3) و تقريب دلالة مثل هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال إن الغاية فيها إنما هو لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعا من الطهارة و الحلية ظاهرا ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه لا لتحديد الموضوع كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته و ذلك لظهور المغيا فيها في بيان الحكم للأشياء بعناوينها لا بما هي مشكوكة الحكم كما لا يخفى.

فهو و إن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة و لا الاستصحاب إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب حيث إنها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا ما لم يعلم (4) بطروء ضده أو نقيضه كما أنه لو صار مغيا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة لدل على استمرار ذاك الحكم واقعا و لم يكن له حينئذ بنفسه و لا بغايته دلالة على الاستصحاب و لا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين أصلا و إنما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع و قيوده غاية لاستمرار حكمه ليدل على القاعدة و الاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للأشياء أصلا مع وضوح ظهور مثل كل شي ء حلال أو طاهر في أنه لبيان حكم الأشياء بعناوينها الأولية و هكذا (: الماء كله طاهر) و ظهور الغاية في كونها حدا للحكم لا لموضوعه كما لا يخفى فتأمل جيدا.


1- المقنع/ 5، الهداية، 13، الباب 11. مع اختلاف في الالفاظ.
2- الكافي 3/ ص 1 و فيه الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قدر.
3- الكافي: 5/ 313 الحديث 40 باب النوادر من كتاب المعيشة مع اختلاف يسير.
4- في « أ»: ما لم يعلم بارتفاعه لطروء ضده.

ص: 399

و لا يذهب عليك أنه بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلية و الطهارة و بين سائر الأحكام لعم الدليل و تم.

ثم لا يخفى أن ذيل (موثقة عمار (1): فإذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك) يؤيد ما استظهرنا منها من كون الحكم المغيا واقعيا ثابتا للشي ء بعنوانه لا ظاهريا ثابتا له بما هو مشتبه لظهوره في أنه متفرع على الغاية وحدها و أنه بيان لها وحدها منطوقها و مفهومها لا لها مع المغيا كما لا يخفى على المتأمل.

ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الأخبار فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال و النقض و الإبرام فيما ذكر لها من الاستدلال.

و لا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع
اشارة

و أنه حكم مستقل بالجعل كالتكليف أو منتزع عنه و تابع له في الجعل أو فيه تفصيل حتى يظهر حال ما ذكر هاهنا بين التكليف و الوضع من التفصيل.

فنقول و بالله الاستعانة.

لا خلاف كما لا إشكال في اختلاف التكليف و الوضع مفهوما و اختلافهما في الجملة موردا لبداهة ما بين مفهوم السببية أو الشرطية و مفهوم مثل الإيجاب أو الاستحباب من المخالفة و المباينة.

كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي و الوضعي بداهة أن الحكم و إن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض معانيه و لم يكد يصح إطلاقه على الوضع إلا أن صحة تقسيمه بالبعض الآخر إليهما و صحة إطلاقه عليه بهذا المعنى مما (2) لا يكاد ينكر كما لا يخفى و يشهد به كثرة


1- التهذيب 1/ 285، الباب 12 الحديث 119.
2- في « أ»: كان مما لا يكاد ينكر.

ص: 400

إطلاق الحكم عليه في كلماتهم و الالتزام بالتجوز فيه كما ترى.

و كذا لا وقع للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة كالشرطية و السببية و المانعية كما هو المحكي عن العلامة أو مع زيادة العلية و العلامية أو مع زيادة الصحة و البطلان و العزيمة و الرخصة أو زيادة غير ذلك كما هو المحكي عن غيره (1) أو ليس بمحصور بل كلما ليس بتكليف مما له دخل فيه أو في متعلقه و موضوعه أو لم يكن له دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم ضرورة أنه لا وجه للتخصيص بها بعد كثرة إطلاق الحكم في الكلمات على غيرها مع أنه لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية للنزاع في ذلك و إنما المهم في النزاع هو أن الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعا بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه أو غير مجعول كذلك بل إنما هو منتزع عن التكليف و مجعول بتبعه و بجعله.

و التحقيق أن ما عد من الوضع على أنحاء
اشاره

. منها ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا لا استقلالا و لا تبعا و إن كان مجعولا تكوينا عرضا بعين جعل موضوعه كذلك.

و منها ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعا للتكليف.

و منها ما يمكن فيه الجعل استقلالا بإنشائه و تبعا للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه و إن كان الصحيح انتزاعه من إنشائه و جعله و كون التكليف من آثاره و أحكامه على ما يأتي الإشارة إليه.

أما النحو الأول [ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل إطلاقا]

فهو كالسببية و الشرطية و المانعية و الرافعية لما هو


1- الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام/ 85، في حقيقة الحكم الشرعي و أقسامه.

ص: 401

سبب التكليف و شرطه و مانعه و رافعه حيث إنه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها ذاتا حدوثا أو ارتفاعا كما أن اتصافها بها ليس إلا لأجل ما عليها من الخصوصية المستدعية لذلك تكوينا للزوم أن يكون في العلة بأجزائها من ربط خاص به كانت مؤثرة (1) في معلولها لا في غيره و لا غيرها فيه و إلا لزم أن يكون كل شي ء مؤثرا في كل شي ء و تلك الخصوصية لا يكاد يوجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين و بمثل قول دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة إنشاء لا إخبارا ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببية له من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها أو فاقدا لها و أن الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها و معه تكون واجبة لا محالة و إن لم ينشأ السببية للدلوك أصلا.

و منه انقدح أيضا عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها بذلك ضرورة.

نعم لا بأس باتصافه بها عناية و إطلاق السبب عليه مجازا كما لا بأس بأن يعبر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا بأنه سبب لوجوبها فكني به عن الوجوب عنده.

فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببية و سائر ما لأجزاء العلة للتكليف إلا ما هي عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كل فيه على نحو غير دخل الآخر فتدبر جيدا.

و أما النحو الثاني [ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل الاستقلالي دون التبعي]

فهو كالجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعية لما هو جزء المكلف به و شرطه و مانعه و قاطعه حيث إن اتصاف شي ء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالأمر بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي أو عدمي و لا يكاد يتصف شي ء بذلك أي كونه جزءا أو شرطا


1- في « أ»: كان مؤثرا، و في « ب»: كانت مؤثرا.

ص: 402

للمأمور به إلا بتبع ملاحظة الأمر بما يشتمل عليه مقيدا بأمر آخر و ما لم يتعلق بها الأمر كذلك لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية و إن أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية و جعل الماهية و اختراعها ليس إلا تصوير ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها فتصورها بأجزائها و قيودها لا يوجب اتصاف شي ء منها بجزئية المأمور به أو شرطه قبل الأمر بها فالجزئية للمأمور به أو الشرطية له إنما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به بلا حاجة إلى جعلها له و بدون الأمر به لا اتصاف بها أصلا و إن اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور أو لذي المصلحة كما لا يخفى.

و أما النحو الثالث [ما يصح جعله استقلالا و تبعا للتكليف]

فهو كالحجية و القضاوة و الولاية و النيابة و الحرية و الرقية و الزوجية و الملكية إلى غير ذلك حيث إنها و إن كان من الممكن انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون في مواردها كما قيل و من جعلها بإنشاء أنفسها إلا أنه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى أو من بيده الأمر من قبله جل و علا لها بإنشائها بحيث يترتب عليها آثارها كما يشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكية و الزوجية و الطلاق و العتاق بمجرد العقد أو الإيقاع ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة التكاليف و الآثار و لو كانت منتزعة عنها لما كاد يصح اعتبارها إلا بملاحظتها و للزم أن لا يقع ما قصد و وقع ما لم يقصد.

كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها فلا ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات و لا الزوجية من جواز الوطء و هكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود و الإيقاعات.

فانقدح بذلك أن مثل هذه الاعتبارات إنما تكون مجعولة بنفسها يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف لا مجعولة بتبعه و منتزعة عنه.

وهم و دفع أما الوهم (1) فهو أن الملكية كيف جعلت من الاعتبارات


1- انظر شرح التجريد 216، المسألة الثامنة في الملك.

ص: 403

الحاصلة بمجرد الجعل و الإنشاء التي تكون من خارج المحمول حيث ليس بحذائها في الخارج شي ء و هي إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا تكاد تكون بهذا السبب بل بأسباب أخر كالتعمم و التقمص و التنعل فالحالة الحاصلة منها للإنسان هو الملك و أين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه.

و أما الدفع فهو أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك و يسمى بالجدة أيضا و على اختصاص شي ء بشي ء خاص و هو ناشئ إما من جهة إسناد وجوده إليه ككون العالم ملكا للباري جل ذكره أو من جهة الاستعمال و التصرف فيه ككون الفرس لزيد بركوبه له و سائر تصرفاته فيه أو من جهة إنشائه و العقد مع من اختياره بيده كملك الأراضي و العقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا و عرفا.

فالملك الذي يسمى بالجدة أيضا غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ من سبب اختياري كالعقد أو غير اختياري كالإرث و نحوهما من الأسباب الاختيارية و غيرها فالتوهم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا و الغفلة عن أنه بالاشتراك بينه و بين الاختصاص الخاص و الإضافة الخاصة الإشراقية كملكه تعالى للعالم أو المقولية كملك غيره لشي ء بسبب من تصرف و استعمال أو إرث أو عقد أو غيرها (1) من الأعمال فيكون شي ء ملكا لأحد بمعنى و لآخر بالمعنى الآخر فتدبر.

إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ما له الدخل في التكليف إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل لعدم كونه حكما شرعيا و لا يترتب عليه أثر شرعي و التكليف و إن كان مترتبا عليه إلا أنه ليس بترتب شرعي فافهم.


1- في « أ»: غيرهما.

ص: 404

و أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل حيث إنه كالتكليف و كذا ما كان مجعولا بالتبع فإن أمر وضعه و رفعه بيد الشارع و لو بتبع منشإ انتزاعه و عدم تسميته حكما شرعيا لو سلم غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعا نعم لا مجال لاستصحابه لاستصحاب سببه و منشإ انتزاعه فافهم.

ثم إن هاهنا تنبيهات
الأول أنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك و اليقين

فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلا و لو فرض أنه يشك لو التفت ضرورة أن الاستصحاب وظيفة الشاك و لا شك مع الغفلة أصلا فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل و صلى ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة لقاعدة الفراغ بخلاف من التفت قبلها و شك ثم غفل و صلى فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي.

لا يقال نعم و لكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها.

فإنه يقال نعم لو لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها.

الثاني أنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شي ء على تقدير ثبوته

و إن لم يحرز ثبوته فيما رتب عليه أثر شرعا أو عقلا إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين و لا بد منه بل و لا شك فإنه على تقدير لم يثبت و من أن اعتبار اليقين إنما هو لأجل أن التعبد و التنزيل شرعا إنما هو في

ص: 405

البقاء لا في الحدوث فيكفي الشك فيه على تقدير الثبوت فيتعبد به على هذا التقدير فيترتب عليه الأثر فعلا فيما كان هناك أثر و هذا هو الأظهر و به يمكن أن يذب عما في استصحاب الأحكام التي قامت الأمارات المعتبرة على مجرد ثبوتها و قد شك في بقائها على تقدير ثبوتها من الإشكال بأنه لا يقين بالحكم الواقعي و لا يكون هناك حكم آخر فعلي بناء على ما هو التحقيق [1] من أن قضية حجية الأمارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الإصابة و العذر مع المخالفة كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا كالقطع و الظن في حال الانسداد على الحكومة لا إنشاء أحكام فعلية شرعية ظاهرية كما هو ظاهر الأصحاب.

و وجه الذب بذلك أن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا للملازمة بينه و بين ثبوته واقعا.

إن قلت كيف و قد أخذ اليقين بالشي ء في التعبد ببقائه في الأخبار و لا يقين في فرض تقدير الثبوت.

قلت نعم و لكن الظاهر أنه أخذ كشفا عنه و مرآة لثبوته ليكون التعبد في بقائه و التعبد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه فافهم.

الثالث [في أقسام الاستصحاب الكلي]

أنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد

[1] و أمّا بناء على ما هو المشهور من كون مؤديات الأمارات أحكاما ظاهرية شرعية، كما اشتهر أن ظنيّة الطريق لا ينافي قطعية الحكم، فاستحصاب جار، لأن الحكم الذي أدّت إليه الأمارة محتمل البقاء لإمكان إصابتها الواقع، و كان مما يبقى، و القطع بعدم فعليته- حينئذ- مع احتمال بقائه لكونه بسبب دلالة المارة، و المفروض عدم دلالتها إلا على ثبوته، لا على بقائه، غير ضائر بفعليته الناشئة باستصحابه، فلا تغفل (منه قدّس سرّه).

ص: 406

الأحكام أو ما يشترك بين الاثنين منها أو الأزيد من أمر عام فإن كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في ضمنه و ارتفاعه كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام و إن كان الشك فيه من جهة تردد الخاص الذي في ضمنه بين ما هو باق أو مرتفع قطعا فكذا لا إشكال في استصحابه فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعا من أحكامه و لوازمه و تردد ذاك الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه و يكون وجوده بعين وجوده بين متيقن الارتفاع و مشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه غير ضائر باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه مع عدم إخلاله باليقين و الشك في حدوثه و بقائه و إنما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد الخاصين اللذين كان أمره مرددا بينهما لإخلاله باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب كما لا يخفى.

نعم يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصين فيما علم تكليف في البين و توهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك المردد مسببا عن الشك في حدوث الخاص المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه فاسد قطعا لعدم كون بقائه و ارتفاعه من لوازم حدوثه و عدم حدوثه بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه لا أنه من لوازمه على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقليا و لا يكاد يترتب بأصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه و أحكامه شرعا.

و أما إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه فإن وجود الطبيعي و إن كان بوجود فرده إلا

ص: 407

أن وجوده في ضمن المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له بل متعدد حسب تعددها فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها لقطع بارتفاع وجوده منها و إن شك في وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه بنفسه أو بملاكه كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإيجاب بملاك مقارن أو حادث.

لا يقال الأمر و إن كان كما ذكر إلا أنه حيث كان التفاوت بين الإيجاب و الاستحباب و هكذا بين الكراهة و الحرمة ليس إلا بشدة الطلب بينهما و ضعفه كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما لمساوقة الاتصال مع الوحدة فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب و ارتفاعه لا في حدوث وجود آخر.

فإنه يقال الأمر و إن كان كذلك إلا أن العرف حيث يرى الإيجاب و الاستحباب المتبادلين فردين متباينين لا واحد مختلف الوصف في زمانين لم يكن مجال للاستصحاب لما مرت (1) الإشارة إليه و تأتي (2) من أن قضية إطلاق أخبار الباب أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا و إن لم يكن بنقض بحسب الدقة و لذا لو انعكس الأمر و لم يكن نقض عرفا لم يكن الاستصحاب جاريا و إن كان هناك نقض عقلا.

و مما ذكرنا في المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام في الشبهات الحكمية و الموضوعية فلا تغفل.

الرابع [جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية]
اشاره

أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارة أو التدريجية الغير القارة فإن الأمور الغير القارة و إن كان وجودها ينصرم و لا يتحقق


1- ص 386.
2- ص 427.

ص: 408

منه جزء إلا بعد ما انصرم منه جزء و انعدم إلا أنه ما لم يتخلل في البين العدم بل و إن تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا و إن انفصل حقيقة كانت باقية مطلقا أو عرفا و يكون رفع اليد عنها مع الشك في استمرارها و انقطاعها نقضا.

و لا يعتبر في الاستصحاب بحسب تعريفه و أخبار الباب و غيرها من أدلته غير صدق النقض و البقاء كذلك قطعا هذا مع أن الانصرام و التدرج في الوجود في الحركة في الأين و غيره إنما هو في الحركة القطعية و هي كون الشي ء في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية و هي كونه بين المبدإ و المنتهى فإنه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا.

فانقدح بذلك أنه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار و ترتيب ما لهما من الآثار و كذا كلما إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته و وصوله إلى المنتهى أو أنه بعد في البين و أما إذا كان من جهة الشك في كميته و مقداره كما في نبع الماء و جريانه و خروج الدم و سيلانه فيما كان سبب الشك في الجريان و السيلان الشك في أنه بقي في المنبع و الرحم فعلا شي ء من الماء و الدم غير ما سال و جرى منهما فربما يشكل في استصحابهما حينئذ فإن الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا بل في حدوث جريان جزء آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه و لكنه يتخيل بأنه لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب بحسب تعريفه و دليله حسب ما عرفت.

ثم إنه لا يخفى أن استصحاب بقاء الأمر التدريجي إما يكون من قبيل استصحاب الشخص أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه فإذا شك في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شي ء منها صح فيه استصحاب الشخص و الكلي و إذا شك فيه من جهة ترددها بين القصيرة و الطويلة كان

ص: 409

من القسم الثاني و إذا شك في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الأولى كان من القسم الثالث كما لا يخفى.

هذا في الزمان و نحوه من سائر التدريجيات.

و أما الفعل المقيد بالزمان فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده و طورا مع القطع بانقطاعه و انتفائه من جهة أخرى كما إذا احتمل أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله فإن كان من جهة الشك في بقاء القيد فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان كالنهار الذي قيد به الصوم مثلا فيترتب عليه وجوب الإمساك و عدم جواز الإفطار ما لم يقطع بزواله كما لا بأس باستصحاب نفس المقيد فيقال إن الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار و الآن كما كان فيجب فتأمل.

و إن كان من الجهة الأخرى فلا مجال إلا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلا ظرفا لثبوته لا قيدا مقوما لموضوعه و إلا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان فإنه غير ما علم ثبوته له فيكون الشك في ثبوته له أيضا شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه لا في بقائه.

لا يقال إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع و إن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه.

فإنه يقال نعم لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة و نظر العقل و أما إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين قطع بثبوت الحكم له في الزمان الأول و شك في بقاء هذا الحكم له و ارتفاعه في الزمان الثاني فلا يكون مجال إلا لاستصحاب ثبوته.

ص: 410

لا يقال فاستصحاب كل واحد من الثبوت و العدم يجري لثبوت كلا النظرين و يقع التعارض بين الاستصحابين كما قيل.

فإنه يقال إنما يكون ذلك لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين و إلا فلا يكاد يصح إلا إذا سبق بأحدهما لعدم إمكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما و لا يكون في أخبار الباب ما بمفهومه يعمهما فلا يكون هناك إلا استصحاب واحد و هو استصحاب الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا و استصحاب العدم فيما إذا أخذ قيدا لما عرفت من أن العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي و لا شبهة في أن الفعل فيما بعد ذاك الوقت مع ما قبله متحد في الأول و متعدد في الثاني بحسبه ضرورة أن الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر و لو بالنظر المسامحي العرفي.

نعم لا يبعد أن يكون بحسبه أيضا متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي و أن حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت و إن لم يكن باقيا بعده قطعا إلا أنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب فتأمل جيدا.

إزاحة وهم

لا يخفى أن الطهارة الحدثية و الخبثية و ما يقابلها يكون مما إذا وجدت بأسبابها لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها كانت من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية فلا أصل (لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي و أصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة كما حكي عن بعض الأفاضل (1)) و لا يكون هاهنا أصل إلا أصالة الطهارة أو


1- هو الفاضل النراقي في مناهج الأحكام و الأصول/ 242، في الفائدة الأولى من فوائد ذكرها ذيل. تتميم الاستصحاب بشروط الاستصحاب، عند قوله: و إذا شك في بقاء الطهارة الشرعية الحاصلة بالوضوء... الخ.

ص: 411

النجاسة.

الخامس [الاستصحاب التعليقي]

أنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا لا ينبغي الإشكال فيما إذا كان مشروطا معلقا فلو شك في مورد لأجل طرو بعض الحالات عليه في بقاء أحكامه ففيما صح استصحاب أحكامه المطلقة صح استصحاب أحكامه المعلقة لعدم الاختلال بذلك فيما اعتبر في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتا و الشك بقاء.

و توهم (1) أنه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه فاسد فإن المعلق قبله إنما لا يكون موجودا فعلا لا أنه لا يكون موجودا أصلا و لو بنحو التعليق كيف و المفروض أنه مورد فعلا للخطاب بالتحريم مثلا أو الإيجاب فكان على يقين منه قبل طرو الحالة فيشك فيه بعده و لا يعتبر في الاستصحاب إلا الشك في بقاء شي ء كان على يقين من ثبوته و اختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك.

و بالجملة يكون الاستصحاب متمما لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل كان الحكم مطلقا أو معلقا فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة فيحكم مثلا بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته من أحكامه المطلقة و المعلقة لو شك فيها فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه.

إن قلت نعم و لكنه لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصير


1- راجع المناهل للسيد المجاهد/ 652.

ص: 412

باستصحاب حليته المطلقة.

قلت لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حكم المعلق بعده ضرورة أنه كان مغيا بعدم ما علق عليه المعلق و ما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب لعدم المضادة بينهما فيكونان بعد عروضها بالاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل بلا منافاة أصلا و قضية ذلك انتفاء الحكم (1) المطلق بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلية فإذا شك في حرمته المعلقة بعد عروض حالة عليه شك في حليته المغياة لا محالة أيضا فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحدا خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية و الحرمة بنحو كانتا عليه فقضية استصحاب حرمته المعلقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حليته المغياة حرمته فعلا بعد غليانه و انتفاء حليته فإنه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الألباب فالتفت و لا تغفل [1].

السادس [استصحاب الشرائع السابقة]

لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة إذا شك في بقائه و ارتفاعه بنسخه في هذه الشريعة لعموم أدلة الاستصحاب و فساد توهم اختلال أركانه فيما كان

[1] كي لا تقول في مقام التفصّي عن إشكال المعارضة: إن الشك في الحلّية فعلا بعد الغليان يكون مسبّبا عن الشك في الحرمة المعلّقة، فيشكل بأنه لا ترتّب بينهما عقلا و لا شرعا، بل بينهما ملازمة عقلا، لما عرفت من أن الشك في الحليّة أو الحرمة الفعليين بعده متحد مع الشك في بقاء حرمته و حليته المعلقة، و إن قضية الاستصحاب حرمته فعلا، و انتفاء حلّيته بعد غليانه، فإن حرمته كذلك و إن كان لازما عقلا لحرمته المعلقة المستصحبة، إلا لازم لها، كان ثبوتها بخصوص خطاب، أو عموم دليل الاستصحاب، فافهم (منه قدّس سره).


1- في « ب» حكم المطلق.

ص: 413

المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم و إن علم بثبوتها سابقا في حق آخرين فلا شك في بقائها أيضا بل في ثبوت مثلها كما لا يخفى و إما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة فلا شك في بقائها حينئذ و لو سلم اليقين بثبوتها في حقهم و ذلك لأن الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا لأفراد المكلف كانت محققة وجودا أو مقدرة كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة و هي قضايا حقيقية لا خصوص الأفراد الخارجية كما هو قضية القضايا الخارجية و إلا لما صح الاستصحاب في الأحكام الثابتة في هذه الشريعة و لا النسخ بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد و كان [1] الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته و الشريعة السابقة و إن كانت منسوخة بهذه الشريعة يقينا إلا أنه لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها ضرورة أن قضية نسخ الشريعة ليس ارتفاعها كذلك بل عدم بقائها بتمامها و العلم إجمالا بارتفاع بعضها إنما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا لا فيها إذا لم يكن من أطرافه كما إذا علم بمقداره تفصيلا أو في موارد ليس المشكوك منها و قد علم بارتفاع ما في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة.

ثم لا يخفى أنه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة (1) أعلى الله في الجنان

[1] في كفاية اليقين بثبوته، بحيث لو كان باقيا و لم ينسخ لعمّه، ضرورة صدق أنّه على يقين منه، فشك فيه بذلك، و لزوم اليقين بثبوته في حقه سابقا بلا ملزم.

و بالجملة: قضية دليل الاستصحاب جريانه لإثبات حكم السابق للاحق و إسراؤه إليه فيما كان يعمّه و يشمله، لو لا طروء حالة معها يحتمل نسخه و رفعه، و كان دليله قاصرا عن شمولها، من دون لزوم كونه ثابتا له قبل طرّوئها أصلا، كما لا يخفى (منه قدس سره).


1- فرائد الاصول/ 381، عند قوله: و ثانيا ان اختلاف الاشخاص.. الخ.

ص: 414

مقامه في ذب إشكال (1) تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا لا ما يوهمه ظاهر كلامه من أن الحكم ثابت للكلي كما أن الملكية له في مثل باب الزكاة و الوقف العام حيث لا مدخل للأشخاص فيها ضرورة أن التكليف و البعث أو الزجر لا يكاد يتعلق به كذلك بل لا بد من تعلقه بالأشخاص و كذلك الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية و كان غرضه من عدم دخل الأشخاص عدم أشخاص خاصة فافهم.

و أما ما أفاده من الوجه الأول (2) فهو و إن كان وجيها بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين إلا أنه غير مجد في حق غيره من المعدومين و لا يكاد يتم الحكم فيهم بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضا ضرورة أن قضية الاشتراك ليس إلا أن الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك لا أنه حكم الكل و لو من لم يكن كذلك بلا شك و هذا واضح.

السابع [الأصل المثبت]

لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام و لأحكامه في استصحاب الموضوعات كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشإ بالاستصحاب من الآثار الشرعية و العقلية و إنما الإشكال في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية عادية كانت أو عقلية و منشؤه أن مفاد الأخبار هل هو تنزيل المستصحب و التعبد به وحده بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا واسطة أو تنزيله بلوازمه العقلية أو العادية كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق و الأمارات أو بلحاظ مطلق ما له من الأثر و لو بالواسطة بناء على


1- الصحيح ما اثبتناه خلافا لما في النسخ.
2- فرائد الأصول/ 381، عند قوله: و فيه اوّلا.. الخ.

ص: 415

صحة التنزيل [1] بلحاظ أثر الواسطة أيضا لأجل أن أثر الأثر أثر.

و ذلك لأن مفادها لو كان هو تنزيل الشي ء وحده بلحاظ أثر نفسه لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها لعدم إحرازها حقيقة و لا تعبدا و لا يكون تنزيله بلحاظه بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه أو بلحاظ ما يعم آثارها فإنه يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها.

و التحقيق أن الأخبار إنما تدل على التعبد بما كان على يقين منه فشك بلحاظ ما لنفسه من آثاره و أحكامه و لا دلالة لها بوجه على تنزيله بلوازمه التي لا يكون كذلك كما هي محل ثمرة الخلاف و لا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا و لو بالواسطة فإن المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه و أما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها أصلا و ما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه كما لا يخفى.

نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته بدعوى أن مفاد الأخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة فافهم.

كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه و بين المستصحب تنزيلا كما لا تفكيك بينهما واقعا أو بوساطة ما لأجل وضوح

[1] و لكن الوجه عدم صحة التنزيل بهذا اللحاظ، ضرورة أنه ما يكون شرعا لشي ء من الأثر لا دخل له بما يستلزمه عقلا أو عادة، و حديث أثر الأثر أثر و إن كان صادقا إلا أنه إذا لم يكن الترتب بين الشي ء و أثره و بينه و بين مؤثره مختلفا، و ذلك ضرورة أنه لا يكاد بعد الأثر الشرعي لشي ء أثرا شرعيا لما يستلزمه عقلا أو عادة أصلا، لا بالنظر الدقيق العقلي و لا النظر المسامحي العرفي، إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا لذيها لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بينهما، بحيث عدا شيئا واحدا ذا وجهين، و أثر أحدهما أثر الاثنين، كما يأتي الإشارة إليه، فافهم (منه قدس سره).

ص: 416

لزومه له أو ملازمته معه بمثابة عد أثره أثرا لهما فإن عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك أيضا بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا فافهم.

ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب و سائر الأصول التعبدية و بين الطرق و الأمارات فإن الطريق و الأمارة حيث إنه كما يحكي عن المؤدى و يشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه و لوازمه و ملازماته و يشير إليها كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها و قضيته حجية المثبت منها كما لا يخفى بخلاف مثل دليل الاستصحاب فإنه لا بد من الاقتصار مما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته و لا دلالة له إلا على التعبد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره حسب ما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول التعبدية إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها أو لشدة وضوحها و جلائها حسب ما حققناه.

الثامن [في موارد ليست من الأصل المثبت]

أنه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شي ء أو بوساطة عنوان كلي ينطبق و يحمل عليه بالحمل الشائع و يتحد معه وجودا كان منتزعا عن مرتبة ذاته أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة فإن الأثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه لا لغيره مما كان مباينا معه أو من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا أو بياضه و ذلك لأن الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده كما أن العرضي كالملكية و الغصبية و نحوهما لا وجود له إلا بمعنى وجود منشإ انتزاعه فالفرد أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الأثر لا شي ء آخر فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم (1) و كذا لا تفاوت في الأثر


1- المتوهم هو الشيخ ( ره) في الأمر السادس من تنبيهات الاستصحاب عند قوله لا فرق في الأمر. العادي- الخ فرائد الاصول/ 384.

ص: 417

المستصحب أو المترتب عليه بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف و بعض أنحاء الوضع أو بمنشإ انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية و الشرطية و المانعية فإنه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا و يكون أمره بيد الشارع وضعا و رفعا و لو بوضع منشإ انتزاعه و رفعه.

و لا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت كما ربما توهم (1) بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل من الأمور الانتزاعية فافهم.

و كذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر و وجوده أو نفيه و عدمه ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته و عدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح فلا وجه للإشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف و عدم المنع عن الفعل بما في الرسالة (2) من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية فإن عدم استحقاق العقوبة و إن كان غير مجعول إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع و ترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع و لو في الظاهر فتأمل.

التاسع [اللازم المطلق]

أنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الأثر الغير الشرعي و لا


1- المتوهم هو الشيخ ( ره) في القول السابع في الاستصحاب، عند قوله أن الثاني مفهوم منتزع الخ فرائد الاصول/ 351.
2- هذا مفاد كلام الشيخ في التمسّك باستصحاب البراءة في ادلة اصل البراءة، فرائد الاصول/ 204.

ص: 418

الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب إنما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا فلا يكاد يثبت به من آثاره إلا أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر حسب ما عرفت فيما مر (1) لا بالنسبة إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقا كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب فإن آثاره شرعية كانت أو غيرها يترتب عليه إذا ثبت و لو بأن يستصحب أو كان من آثار المستصحب و ذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه من وجوب الموافقة و حرمة المخالفة و استحقاق العقوبة إلى غير ذلك كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب بلا شبهة و لا ارتياب فلا تغفل.

العاشر [في لزوم كون المستصحب حكما شرعيا]

أنه قد ظهر مما مر (2) لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو ذا حكم كذلك لكنه لا يخفى أنه لا بد أن يكون كذلك بقاء و لو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما و لا له أثر شرعا و كان في زمان استصحابه كذلك أي حكما أو ذا حكم يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف فإنه و إن لم يكن بحكم مجعول في الأزل و لا ذا حكم إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا و كذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا أو كان و لم يكن حكمه فعليا و له حكم كذلك بقاء و ذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه و العمل كما إذا قطع بارتفاعه يقينا و وضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه و في تنزيلها بقاء فتوهم اعتبار الأثر سابقا كما ربما يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم فاسد قطعا فتدبر جيدا

.


1- راجع التنبيه السابع، ص 413.
2- المصدر المتقدم.

ص: 419

الحادي عشر [الشك في التقدم و التأخر]

لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع.

و أما إذا كان الشك في تقدمه و تأخره بعد القطع بتحققه و حدوثه في زمان.

فإن لوحظا بالإضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول و ترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلا بدعوى خفاء الواسطة أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه إلى زمان و تأخره عنه عرفا كما لا تفكيك بينهما واقعا و لا آثار حدوثه في الزمان الثاني فإنه نحو وجود خاص نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب بناء على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق و عدم الوجود في السابق.

و إن لوحظا بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا و شك في تقدم ذاك عليه و تأخره عنه كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين و شك في المتقدم و المتأخر منهما فإن كانا مجهولي التاريخ.

فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن لا للآخر و لا له بنحو آخر فاستصحاب عدمه صار بلا معارض بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كل منهما كذلك أو لكل من أنحاء وجوده فإنه حينئذ يعارض فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقق أركانه في كل منهما هذا إذا كان الأثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة.

و إما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم أو بأحد ضديه الذي كان مفاد كان الناقصة فلا مورد هاهنا للاستصحاب لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب.

و أخرى كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر فالتحقيق أنه أيضا ليس

ص: 420

بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته [للحادث بأن يكون الأثر للحادث] (1) المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان [بل قضية الاستصحاب عدم حدوثه كذلك كما لا يخفى] (2) و كذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا و إن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما لعدم إحراز اتصال زمان شكه و هو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوثه به.

و بالجملة [1] كان بعد ذاك الآن الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان أحدهما زمان حدوثه و الآخر زمان حدوث الآخر و ثبوته الذي يكون طرفا للشك في أنه فيه أو قبله و حيث شك في أن أيهما مقدم و أيهما مؤخر لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين و معه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك.

لا يقال لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن و هو بتمامه زمان الشك في حدوثه لاحتمال تأخره على الآخر مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة و صار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها و حدوث الآخر في ساعة ثالثة كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما كما لا يخفى.

[1] و ان شئت قلت: إن عدمه الأزلي المعلوم قبل الساعتين، و إن كان في الساعة الأولى منهما مشكوكا، إلا أنه حسب الفرض ليس موضوعا للحكم و الأثر، و إنما الموضوع هو عدمه الخاص، و هو عدمه في زمان حدوث الآخر المحتمل كونه الساعة الأولى المتصلة بزمان يقينه، أو الثانية المنفصلة عنه، فلم يحرز اتصال زمان شكه بزمان يقينه، و لا بد منه في صدق: لا تنقض اليقين بالشك، فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الآخر إلا على الأصل المثبت فيما دار الأمر بين التقدم و التأخر، فتدبر، (منه قدس سره).


1- جاءت العبارة في نسخة « أ» و حذفت من « ب».
2- أثبتنا الزيادة من « ب».

ص: 421

فإنه يقال نعم و لكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان و المفروض أنه بلحاظ إضافته إلى الآخر و أنه حدث في زمان حدوثه و ثبوته أو قبله و لا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر و حدوثه لا الساعتين.

فانقدح أنه لا مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده و عدم جريانه إنما هو بالمعارضة كي يختص بما كان الأثر لعدم كل في زمان الآخر و إلا كان الاستصحاب فيما له الأثر جاريا.

و أما لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو أيضا إما يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن فلا إشكال في استصحاب عدمه لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه كما تقدم.

و إما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا فلا مورد للاستصحاب أصلا لا في مجهول التاريخ و لا في معلومه كما لا يخفى لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا فيهما.

و إما يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا لاتصال زمان شكه بزمان يقينه دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان و إنما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر و قد عرفت جريانه فيهما تارة و عدم جريانه كذلك أخرى.

فانقدح أنه لا فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين و لا بين مجهوله و معلومه في المختلفين فيما اعتبر في الموضوع خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم أو أحد ضديه و شك فيها كما لا يخفى.

كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان

ص: 422

كالطهارة و النجاسة و شك في ثبوتهما و انتفائهما للشك في المقدم و المؤخر منهما و ذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما و ترددها بين الحالتين و أنه ليس من تعارض الاستصحابين فافهم و تأمل في المقام فإنه دقيق.

الثاني عشر [استصحاب الأمور الاعتقادية]

أنه قد عرفت (1) أن مورد الاستصحاب لا بد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك فلا إشكال فيما كان المستصحب من الأحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية أو اللغوية إذا كانت ذات أحكام شرعية.

و أما الأمور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعا هو الانقياد و التسليم و الاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الأعمال القلبية الاختيارية فكذا لا إشكال في الاستصحاب فيها حكما و كذا موضوعا فيما كان هناك يقين سابق و شك لاحق لصحة التنزيل و عموم الدليل و كونه أصلا عمليا إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبدا قبالا للأمارات الحاكية عن الواقعيات فيعم العمل بالجوانح كالجوارح و أما التي كان المهم فيها شرعا و عقلا هو القطع بها و معرفتها فلا مجال له موضوعا و يجري حكما فلو كان متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشي ء كتفاصيل القيامة في زمان و شك في بقاء وجوبه يستصحب.

و أما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع إمكانه و لا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا إلا إذا كان حجة من باب إفادته الظن و كان المورد مما يكتفى به أيضا فالاعتقاديات كسائر الموضوعات لا بد في جريانه فيها من أن يكون في المورد أثر شرعي يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه كان ذاك متعلقا بعمل الجوارح أو الجوانح.


1- في التنبيه السابع/ ص 413.

ص: 423

و قد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها و كانت لازمة لبعض مراتب كمالها إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية و لو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة و عدم بقائها بتلك المثابة كما هو الشأن في سائر الصفات و الملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات و المجاهدات و عدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها.

نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة و كانت كالولاية و إن كان لا بد في إعطائها من أهلية و خصوصية يستحق بها لها لكانت موردا للاستصحاب بنفسها فيترتب عليها آثارها و لو كانت عقلية بعد استصحابها لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها و إلا لدار كما لا يخفى.

و أما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها فلا إشكال فيها كما مر (1).

ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك فيما صح هناك التعبد و التنزيل و دل عليه الدليل كما لا يصح أن يقنع به إلا مع اليقين و الشك و الدليل على التنزيل.

و منه انقدح أنه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا لا إلزاما للمسلم لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة و اليقين بنسخ شريعته و إلا لم يكن بمسلم مع أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين و شك و لا إقناعا مع الشك للزوم معرفة النبي بالنظر إلى حالاته و معجزاته عقلا و عدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا و لا شرعا و الاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلا على نحو محال و وجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال


1- في التنبيه السادس/ ص 411.

ص: 424

عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال للعلم بثبوت إحداهما على الإجمال إلا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال.

الثالث عشر [استصحاب الحكم المخصص]

أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام لكنه ربما يقع الإشكال و الكلام فيما إذا خصص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام.

و التحقيق أن يقال إن مفاد العام تارة يكون بملاحظة الزمان ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار و الدوام و أخرى على نحو جعل كل يوم من الأيام فردا لموضوع ذاك العام و كذلك مفاد مخصصه تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه و دوامه و أخرى على نحو يكون مفردا و مأخوذا في موضوعه.

فإن كان مفاد كل من العام و الخاص على النحو الأول فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته لعدم دلالة للعام على حكمه لعدم دخوله على حدة في موضوعه و انقطاع الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق فلا مجال إلا لاستصحابه.

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصصا له من الأول لما ضر به في غير مورد دلالته فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته فيصح التمسك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و لو خصص بخيار المجلس و نحوه و لا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله فافهم.

و إن كان مفادهما على النحو الثاني فلا بد من التمسك بالعام بلا كلام


1- سورة المائدة: الآية 1.

ص: 425

لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده فله الدلالة على حكمه و المفروض عدم دلالة الخاص على خلافه.

و إن كان مفاد العام على النحو الأول و الخاص على النحو الثاني فلا مورد للاستصحاب فإنه و إن لم يكن هناك دلالة أصلا إلا أن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته من إسراء حكم موضوع إلى آخر لا استصحاب حكم الموضوع و لا مجال أيضا للتمسك بالعام لما مر آنفا فلا بد من الرجوع إلى سائر الأصول.

و إن كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص و لكنه لو لا دلالته لكان الاستصحاب مرجعا لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو صح استصحابه فتأمل تعرف أن إطلاق كلام (1) شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في المقام نفيا و إثباتا في غير محله.

الرابع عشر [في جريان الاستصحاب مع الظن بالخلاف]
اشاره

الظاهر أن الشك في أخبار الباب و كلمات الأصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب و يدل عليه مضافا إلى أنه كذلك لغة كما في الصحاح و تعارف استعماله فيه في الأخبار في غير باب (قوله عليه السلام في أخبار الباب: و لكن تنقضه بيقين آخر) حيث إن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين و أنه ليس إلا اليقين و (قوله أيضا: لا حتى يستيقن أنه قد نام بعد السؤال عنه عليه السلام عما إذا حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم) حيث دل بإطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الأمارة الظن و ما إذا لم تفد بداهة أنها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له أحيانا على عموم النفي لصورة الإفادة و (قوله عليه السلام بعده: و لا تنقض اليقين بالشك) أن الحكم في المغيا مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا


1- راجع الأمرالعاشر من تنبيهات الاستصحاب، فرائد الأصول/ 395.

ص: 426

يخفى.

و قد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين
الأول الإجماع القطعي

الأول (1) الإجماع القطعي

على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الأخبار.

و فيه أنه لا وجه لدعواه و لو سلم اتفاق الأصحاب على الاعتبار لاحتمال أن يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه.

الثاني

الثاني (2)

أن الظن الغير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع و أن كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده و إن كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك فتأمل جيدا.

و فيه أن قضية عدم اعتباره لإلغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا يكاد يكون إلا عدم إثبات مظنونه به تعبدا ليترتب عليه آثاره شرعا لا ترتيب آثار الشك مع عدمه بل لا بد حينئذ في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الأصول العملية من الدليل فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب فلا بد من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة و لا ارتياب و لعله أشير إليه بالأمر بالتأمل (3) فتأمل جيدا.

تتمة لا يذهب عليك أنه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع
اشاره

و عدم


1- هذا هو الوجه الأول في استدلال الشيخ ( ره) على تعميم الشك، في الأمر الثاني عشر من تنبيهات الاستصحاب، فرائد الأصول/ 398.
2- هذا هو الوجه الثالث في استدلال الشيخ ( ره) على تعميم الشك، في الأمر الثاني عشر من تنبيهات الاستصحاب، فرائد الأصول/ 398.
3- راجع فرائد الأصول، الأمر الثاني عشر من تنبيهات الاستصحاب/ 398.

ص: 427

أمارة معتبرة هناك و لو على وفاقه فهاهنا مقامان.

المقام الأول أنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع

بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما ضرورة أنه بدونه لا يكون الشك في البقاء بل في الحدوث و لا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان و إقامة برهان و الاستدلال (1) عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر لتقومه بالموضوع و تشخصه به غريب بداهة أن استحالته حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبدا و الالتزام بآثاره شرعا.

و أما بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجا فلا يعتبر قطعا في جريانه لتحقق أركانه بدونه نعم ربما يكون مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده و إن كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الإنفاق عليه.

و إنما الإشكال كله في أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم أو بنظر العقل فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الأحكام لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض خصوصيات موضوعه لاحتمال دخله فيه و يختص بالموضوعات بداهة أنه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل ضرورة أن انتفاء بعض الخصوصيات و إن كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف و لا في لسان الدليل من مقوماته.

كما أنه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا مثلا


1- استدل به الشيخ ( ره) في خاتمة الاستصحاب، في شروط جريان الاستصحاب، فرائد الأصول/ 400.

ص: 428

إذا ورد العنب إذا غلى يحرم كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب و لكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم و يتخيلونه من المناسبات بين الحكم و موضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب و يرون العنبية و الزبيبية من حالاته المتبادلة بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه و لو كان محكوما به كان من بقائه و لا ضير في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات و المناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة تصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه.

و لا يخفى أن النقض و عدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع فيكون نقضا بلحاظ موضوع و لا يكون بلحاظ موضوع آخر فلا بد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره من بيان أن خطاب (: لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ.

فالتحقيق أن يقال إن قضية إطلاق خطاب (: لا تنقض) هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي لأنه المنساق من الإطلاق في المحاورات العرفية و منها الخطابات الشرعية فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم لا محيص عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف و إن لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا لبقاء الموضوع و اتحاد القضيتين عرفا و لا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك و إن كان هناك اتحاد عقلا كما مرت الإشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي (1) فراجع.

المقام الثاني أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة

1- في نهاية التنبيه الثالث/ ص 406.

ص: 429

في مورد و إنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها و خطابه.

و التحقيق أنه للورود فإن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين و عدم رفع اليد عنه مع الأمارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل بالحجة.

لا يقال نعم هذا لو أخذ بدليل الأمارة في مورده و لكنه لم لا يؤخذ بدليله و يلزم الأخذ بدليلها.

فإنه يقال ذلك إنما هو لأجل أنه لا محذور في الأخذ بدليلها بخلاف الأخذ بدليله فإنه يستلزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على وجه دائر إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها و اعتباره كذلك يتوقف على التخصيص به إذ لولاه لا مورد له معها كما عرفت آنفا.

و أما حديث الحكومة (1) فلا أصل له أصلا فإنه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتا و بما هو مدلول الدليل و إن كان دالا على إلغائه معها ثبوتا و واقعا لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها كما أن قضية دليله إلغاؤها كذلك فإن كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة هذا مع لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة و لا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة فافهم فإن المقام لا يخلو من دقة.

و أما التوفيق فإن كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق و إن كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له لما عرفت من أنه لا يكون مع الأخذ به نقض يقين بشك لا أنه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك.


1- القائل بها هو الشيخ الأعظم ( ره)، راجع فرائد الأصول، في خاتمة الاستصحاب، الشرط الثالث في جريان الاستصحاب/ 407.

ص: 430

خاتمة لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب و سائر الأصول العملية و بيان التعارض بين الاستصحابين
أما الأول [ورود الاستصحاب على سائر الأصول]

فالنسبة بينه و بينها هي بعينها النسبة بين الأمارة و بينه فيقدم عليها و لا مورد معه لها للزوم محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس و عدم محذور فيه أصلا هذا في النقلية منها.

و أما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها بداهة عدم الموضوع معه لها ضرورة أنه إتمام حجة و بيان و مؤمن من العقوبة و به الأمان و لا شبهة في أن الترجيح به عقلا صحيح.

و أما الثاني فالتعارض بين الاستصحابين
اشاره

إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التضاد في زمان الاستصحاب فهو من باب تزاحم [1] الواجبين.

[1] فيتخير بينهما إن لم يكن أحد المستصحبين أهم، و إلا فيتعين الأخذ بالأهم، و لا مجال لتوهم أنه لا يكاد يكون هناك أهم، لأجل أن إيجابهما إنّما يكون من باب واحد و هو استصحابهما من دون مزية في أحدهما أصلا، كما لا يخفى، و ذلك لأن الاستصحاب إنما يثبت المستصحب، فكما يثبت به الوجوب و الاستحباب، يثبت به كل مرتبة منهما، فيستصحب، فلا تغفل (منه قدس سره)..

ص: 431

و إن كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما فتارة يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية لمستصحب الآخر فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة و قد كان طاهرا و أخرى لا يكون كذلك.

[تقدم الأصل السببي على المسببي]

فإن كان أحدهما أثرا للآخر فلا مورد إلا للاستصحاب في طرف السبب فإن الاستصحاب في طرف المسبب موجب لتخصيص الخطاب و جواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب أثره الشرعي فإن من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به و رفع نجاسته فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته بخلاف استصحاب طهارته إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة الثوب بالشك بل باليقين بما هو رافع لنجاسته و هو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته و بالجملة فكل من السبب و المسبب و إن كان موردا للاستصحاب إلا أن الاستصحاب في الأول بلا محذور [1] بخلافه في الثاني ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلا بنحو محال فاللازم الأخذ بالاستصحاب السببي نعم لو لم يجر هذا

[1] و سرّ ذلك أن رفع اليد عن اليقين في مورد السبب يكون فردا لخطاب: لا تنقض اليقين، و نقضا لليقين بالشك مطلقا بلا شك، بخلاف رفع لايد عن اليقين في مورد المسبب، فإنه إنما يكون فردا له إذا لم يكن حكم حرمة النقض يعمّ النقض في مورد السبب، و إلا لم يكن بفرد له، إذ حينئذ يكون من نقض اليقين باليقين، ضرورة أنه يكون رفع اليد عن نجاسة الثوب المغسول بماء محكوم بالطهارة شرعا، باستصحاب طهارته لليقين بأن كل ثوب نجس يغسل بماء كذلك يصير طاهرا شرعا. و بالجملة من الواضح لمن له أدنى تأمل، أن اللازم- في كل مقام كان للعام فرد مطلق، و فرد كان فرديته له معلقة على عدم شمول حكمه لذلك الفرد المطلق كما في المقام، أو كان هناك عاما كان لأحدهما فرد مطلق و للآخر فرد كانت فرديته معلقة على عدم شمول حكم ذاك العام لفرده المطلق، كما هو الحال في الطرق في مورد الاستصحاب- هو الالتزام بشمول حكم العام لفرده المطلق حيث لا مخصص له، و معه لا يكون فرد آخر يعمّه أو لا يعمّه، و لا مجال لأن يلتزم بعدم شمول حكم العام للفرد المطلق ليشمل حكمه لهذا الفرد، فإنه يستلزم التخصيص بلا وجه، أو بوجه دائر كما لا يخفى على ذوي البصائر (منه قدس سره.

ص: 432

الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا فإنه لا محذور فيه حينئذ مع وجود أركانه و عموم خطابه.

و إن لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر فالأظهر جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا لوجود المقتضي إثباتا و فقد المانع عقلا.

أما وجود المقتضي فلإطلاق الخطاب و شموله للاستصحاب في أطراف المعلوم بالإجمال فإن (قوله عليه السلام في ذيل بعض أخبار الباب: و لكن تنقض اليقين باليقين) (1) لو سلم أنه يمنع (2) عن شمول (قوله عليه السلام في صدره: لا تنقض اليقين بالشك) لليقين و الشك في أطرافه للزوم المناقضة في مدلوله ضرورة المناقضة بين السلب الكلي و الإيجاب الجزئي إلا أنه لا يمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار مما ليس فيه الذيل و شموله لما في أطرافه فإن إجمال ذاك الخطاب لذلك لا يكاد يسري إلى غيره مما ليس فيه ذلك.

و أما فقد المانع فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب إلا المخالفة الالتزامية و هو ليس بمحذور لا شرعا و لا عقلا.

و منه قد انقدح عدم جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلا أصلا و لو في بعضها لوجوب الموافقة القطعية له عقلا ففي جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية كما لا يخفى.

تذنيب
[تقدم قاعدة الفراغ و التجاوز و أصالة الصحة على استصحاباتها]

لا يخفى أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل و قاعدة الفراغ


1- التهذيب 1/ 8 الحديث 11.
2- هذا ردّ لوجه منع الشيخ عن جريان الاستصحابين، راجع فرائد الأصول 429، خاتمة الاستصحاب، القسم الثاني من تعارض الاستصحابين عند قوله: بل لأن العلم الإجمالي هنا.. الخ.

ص: 433

بعد الفراغ عنه و أصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلا القرعة تكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات لتخصيص دليلها بأدلتها و كون النسبة بينه و بين بعضها عموما من وجه لا يمنع عن تخصيصه بها بعد الإجماع على عدم التفصيل بين مواردها مع لزوم قلة المورد لها جدا لو قيل بتخصيصها بدليلها إذ قل مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها كما لا يخفى.

[تقدم الاستصحاب على القرعة]

و أما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها لأخصية دليله من دليلها لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها و اختصاصها بغير الأحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها هذا مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر بعمل المعظم كما قيل و قوة دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل.

لا يقال كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله و قد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه و موجبا لكون نقض اليقين باليقين بالحجة على خلافه كما هو الحال بينه و بين أدلة سائر الأمارات فيكون هاهنا أيضا من دوران الأمر بين التخصيص بلا وجه غير دائر و التخصص.

فإنه يقال ليس الأمر كذلك فإن المشكوك مما كانت له حالة سابقة و إن كان من المشكل و المجهول و المشتبه بعنوانه الواقعي إلا أنه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك و الظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق لا في الجملة فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة رافع لموضوعه أيضا فافهم.

فلا بأس برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه و بين رفع اليد عن دليله لوهن عمومها و قوة عمومه كما أشرنا إليه آنفا و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على محمد و آله باطنا و ظاهرا.

ص: 434

ص: 435

المقصد الثامن التعادل و التراجيح

اشاره

ص: 436

ص: 437

المقصد الثامن في تعارض الأدلة و الأمارات

فصل [في معنى التعارض]

اشاره

التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة و مقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضا بأن علم بكذب أحدهما إجمالا مع عدم امتناع اجتماعهما أصلا و عليه فلا تعارض بينهما بمجرد تنافي مدلولهما إذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض و الخصومة بأن يكون أحدهما قد سيق ناظرا إلى بيان كمية ما أريد من الآخر مقدما (1) كان أو مؤخرا أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف في خصوص أحدهما كما هو مطرد في مثل الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأولية مع مثل الأدلة النافية للعسر و الحرج و الضرر و الإكراه و الاضطرار مما يتكفل لأحكامها بعناوينها الثانوية حيث يقدم في مثلهما الأدلة النافية و لا تلاحظ النسبة بينهما أصلا و يتفق في غيرهما كما لا يخفى.


1- خلافا لما يظهر في عبارة الشيخ من اعتبار تقدم المحكوم، راجع فرائد الاصول 432، التعادل و الترجيح، عند قوله و ضابط الحكومة.. الخ.

ص: 438

أو بالتصرف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما أو في أحدهما المعين و لو كان الآخر أظهر و لذلك تقدم الأمارات المعتبرة على الأصول الشرعية فإنه لا يكاد يتحير أهل العرف في تقديمها عليها بعد ملاحظتهما حيث لا يلزم منه محذور تخصيص أصلا بخلاف العكس فإنه يلزم منه محذور التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر كما أشرنا إليه (1) في أواخر الاستصحاب.

و ليس (2) وجه تقديمها حكومتها على أدلتها لعدم كونها ناظرة إلى أدلتها بوجه و تعرضها لبيان حكم موردها لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلتها و شارحة لها و إلا كانت أدلتها أيضا دالة و لو بالالتزام على أن حكم مورد الاجتماع فعلا هو مقتضى الأصل لا الأمارة و هو مستلزم عقلا نفي ما هو قضية الأمارة بل ليس مقتضى حجيتها إلا نفي ما قضيته عقلا من دون دلالة عليه لفظا ضرورة أن نفس الأمارة لا دلالة له إلا على الحكم الواقعي و قضية حجيتها ليست إلا لزوم العمل على وفقها شرعا المنافي عقلا للزوم العمل على خلافه و هو قضية الأصل هذا مع احتمال أن يقال إنه ليس قضية الحجية شرعا إلا لزوم العمل على وفق الحجة عقلا و تنجز الواقع مع المصادفة و عدم تنجزه في صورة المخالفة.

و كيف كان ليس مفاد دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا كي يختلف الحال و يكون مفاده في الأمارة نفي حكم الأصل حيث إنه حكم الاحتمال بخلاف مفاده فيه لأجل أن الحكم الواقعي ليس حكم احتمال خلافه كيف و هو حكم الشك فيه و احتماله فافهم و تأمل جيدا.

[عدم التعارض بين الظاهر مع النص أو الأظهر]

فانقدح بذلك أنه لا تكاد ترتفع غائلة المطاردة و المعارضة بين الأصل و الأمارة إلا بما أشرنا سابقا و آنفا فلا تغفل هذا و لا تعارض أيضا إذا كان أحدهما قرينة على التصرف في الآخر كما في الظاهر مع النص أو الأظهر مثل


1- في خاتمة الاستصحاب/ ص 430.
2- القائل بالحكومة هو الشيخ في فرائد الأصول 432، أوّل مبحث التعادل و الترجيح.

ص: 439

العام و الخاص و المطلق و المقيد أو مثلهما مما كان أحدهما نصا أو أظهر حيث إن بناء العرف على كون النص أو الأظهر قرينة على التصرف في الآخر.

و بالجملة الأدلة في هذه الصور و إن كانت متنافية بحسب مدلولاتها إلا أنها غير متعارضة لعدم تنافيها في الدلالة و في مقام الإثبات بحيث تبقى أبناء المحاورة متحيرة بل بملاحظة المجموع أو خصوص بعضها يتصرف في الجميع أو في البعض عرفا بما ترتفع به المنافاة التي تكون في البين و لا فرق فيها بين أن يكون السند فيها قطعيا أو ظنيا أو مختلفا فيقدم النص أو الأظهر و إن كان بحسب السند ظنيا على الظاهر و لو كان بحسبه قطعيا و إنما يكون التعارض في غير هذه الصور مما كان التنافي فيه بين الأدلة بحسب الدلالة و مرحلة الإثبات و إنما يكون التعارض بحسب السند فيها إذا كان كل واحد منها قطعيا دلالة و جهة أو ظنيا فيما إذا لم يكن التوفيق بينها بالتصرف في البعض أو الكل فإنه حينئذ لا معنى للتعبد بالسند في الكل إما للعلم بكذب أحدهما أو لأجل أنه لا معنى للتعبد بصدورها مع إجمالها فيقع التعارض بين أدلة السند حينئذ كما لا يخفى.

فصل [أصالة التساقط]

اشاره

التعارض و إن كان لا يوجب إلا سقوط أحد المتعارضين عن الحجية رأسا حيث لا يوجب إلا العلم بكذب أحدهما فلا يكون هناك مانع عن حجية الآخر إلا أنه حيث كان بلا تعيين و لا عنوان واقعا فإنه لم يعلم كذبه إلا كذلك و احتمال كون كل منهما كاذبا لم يكن واحد منهما بحجة في خصوص مؤداه لعدم التعيين (1) في الحجة أصلا كما لا يخفى.

نعم يكون نفي الثالث بأحدهما لبقائه على الحجية و صلاحيته على ما هو عليه من عدم التعيين لذلك لا بهما هذا بناء على حجية الأمارات من باب


1- في « أ و ب» التعيّن.

ص: 440

الطريقية كما هو كذلك حيث لا يكاد يكون حجة طريقا إلا ما احتمل إصابته فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعا عن حجيته و أما بناء على حجيتها من باب السببية فكذلك لو كان الحجة هو خصوص ما لم يعلم كذبه بأن لا يكون المقتضي للسببية فيها إلا فيه كما هو المتيقن من دليل اعتبار غير السند منها و هو بناء العقلاء على أصالتي الظهور و الصدور لا للتقية و نحوها و كذا السند لو كان دليل اعتباره هو بناؤهم أيضا و ظهوره فيه لو كان هو الآيات و الأخبار ضرورة ظهورها فيه لو لم نقل بظهورها في خصوص ما إذا حصل الظن منه أو الاطمئنان.

و أما لو كان المقتضي للحجية في كل واحد من المتعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين لا فيما إذا كان مؤدى أحدهما حكما غير إلزامي فإنه حينئذ لا يزاحم الآخر ضرورة عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه الاقتضاء إلا أن يقال بأن قضية اعتبار دليل الغير الإلزامي أن يكون عن اقتضاء فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الإلزامي و يحكم فعلا بغير الإلزامي و لا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي الغير الإلزامي لكفاية عدم تمامية علة الإلزامي في الحكم بغيره.

نعم يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا لو كان قضية الاعتبار هو لزوم البناء و الالتزام بما يؤدي إليه من الأحكام لا مجرد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به و كونهما من تزاحم الواجبين حينئذ و إن كان واضحا ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الأحكام إلا أنه لا دليل نقلا و لا عقلا على الموافقة الالتزامية للأحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مر تحقيقه»(1).

و حكم التعارض بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم


1- في مبحث القطع، الأمر الخامس، ص 268.

ص: 441

يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها في الجملة حسب ما فصلناه (1) في مسألة الضد و إلا فالتعيين و فيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دل على الحكم الإلزامي لو لم يكن في الآخر مقتضيا لغير الإلزامي و إلا فلا بأس بأخذه و العمل عليه لما أشرنا إليه من وجهه آنفا فافهم.

[عدم دليل على قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح]

هذا هو قضية القاعدة في تعارض الأمارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما كما هو قضية ما يتراءى مما قيل من أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما كما عرفته في الصور السابقة مع أن في الجمع كذلك أيضا طرحا للأمارة أو الأمارتين ضرورة سقوط أصالة الظهور في أحدهما أو كليهما معه و قد عرفت أن التعارض بين الظهورين فيما كان سنديهما قطعيين و في السندين إذا كانا ظنيين و قد عرفت أن قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين في خصوص كل ما يؤديان إليه من الحكمين لا بقاؤهما على الحجية بما يتصرف فيهما أو في أحدهما أو بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل فلا يبعد أن يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا و لا ينافيه الحكم بأنه أولى مع لزومه حينئذ و تعينه فإن أولويته من قبيل الأولوية في أولى الأرحام و عليه لا إشكال فيه و لا كلام.

فصل [القاعدة الثانوية في باب تعارض الأخبار]

اشاره

لا يخفى أن ما ذكر من قضية التعارض بين الأمارات إنما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها و إلا فربما يدعى الإجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين في الأخبار كما اتفقت عليه كلمة غير واحد من الأخبار

[القطع بحجية الراجح تخييرا أو تعيينا]
اشارة

و لا يخفى أن اللازم فيما إذا لم


1- لم يتقدم منه- قدس سره- في مسألة الضد تفصيل و لا إجمال من هذه الحيثية، نعم له تفصيل في تعليقته على الرسالة، راجع حاشية فرائد الأصول/ 269، عند قوله: اعلم أنّ منشأ الأهمية تارة... الخ..

ص: 442

تنهض حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما للقطع بحجيته تخييرا أو تعيينا بخلاف الآخر لعدم القطع بحجيته و الأصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيته

[بعض الوجوه التي استدل بها للترجيح]
اشاره

بل ربما ادعي الإجماع (1) أيضا على حجية خصوص الراجح و استدل عليه بوجوه أخر أحسنها الأخبار و هي على طوائف.

[أخبار التخيير]

منها ما دل على التخيير على الإطلاق كخبر (2) (الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام: قلت يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين و لا يعلم أيهما الحق قال فإذا لم يعلم فموسع عليك بأيهما أخذت).

و (خبر (3) الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد عليه).

و (مكاتبة (4) عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه السلام في ركعتي الفجر فروى بعضهم صل في المحمل و روى بعضهم لا تصلها إلا في الأرض فوقع عليه السلام موسع عليك بأية عملت) و (مكاتبة الحميري (5) إلى الحجة عليه السلام إلى أن قال في الجواب عن ذلك حديثان إلى أن قال عليه السلام: و بأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا) إلى غير ذلك من الإطلاقات.

و منها

ما (6) دل على التوقف مطلقا.

و منها

ما (7) دل على ما هو الحائط منها.


1- ادعاه الشيخ في فرائد الأصول 441، المقام الثاني في التراجيح من مبحث التعادل و التراجيح.
2- الاحتجاج 357، في احتجاجات الامام الصادق ( عليه السلام).
3- المصدر السابق.
4- التهذيب 3، الباب 23، الصلاة في السفر، الحديث 92، مع اختلاف يسير.
5- الاحتجاج 483، في توقيعات الناحية المقدسة.
6- الأصول من الكافي 1/ 66، باب اختلاف الحديث، الحديث 7. عوالي اللآلي 4/ 133. الحديث 230.
7- وسائل الشيعة 18/ 111، الباب 12 من ابواب صفات القاضي.

ص: 443

و منها ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة و مرجحات منصوصة

و منها ما (1) دل على الترجيح بمزايا مخصوصة و مرجحات منصوصة

من مخالفة القوم و موافقة الكتاب و السنة و الأعدلية و الأصدقية و الأفقهية و الأورعية و الأوثقية و الشهرة على اختلافها في الاقتصار على بعضها و في الترتيب بينها.

و لأجل اختلاف الأخبار اختلفت الأنظار.

فمنهم من أوجب الترجيح بها مقيدين بأخباره إطلاقات التخيير و هم بين من اقتصر على الترجيح بها و من تعدى منها إلى سائر المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزية و أقربيته كما صار إليه شيخنا العلامة أعلى الله مقامه (2) أو المفيدة للظن كما ربما يظهر من غيره (3).

فالتحقيق أن يقال إن أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الأخبار هو المقبولة (4) و المرفوعة (5) مع اختلافهما و ضعف سند المرفوعة جدا و الاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال لقوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة و فصل الخصومة كما هو موردهما و لا وجه معه للتعدي منه إلى غيره كما لا يخفى.

و لا وجه لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة أن رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين و تعارض ما استندا إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلا بالترجيح و لذا أمر عليه السلام بإرجاء الواقعة إلى لقائه عليه السلام في صورة


1- وسائل الشيعة 18/ 75 الباب 9 من ابواب صفات القاضي.
2- فرائد الاصول 450، في المقام من مقام التراجيح.
3- مفاتيح الاصول/ 688، التنبيه الثاني من تنبيهات تعارض الدليلين.
4- التهذيب 6/ 301، الباب 92، الحديث 52. الكافي 1/ 67، باب اختلاف الحديث، الحديث 15 الفقيه 3/ 5، الباب 9، الحديث 2.
5- عوالي اللآلي 4/ 133 الحديث 229.

ص: 444

تساويهما فيما ذكر من المزايا بخلاف مقام الفتوى و مجرد مناسبة الترجيح لمقامها أيضا لا يوجب ظهور الرواية في وجوبه مطلقا و لو في غير مورد الحكومة كما لا يخفى.

و إن أبيت إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الإمام عليه السلام بهما لقصور المرفوعة سندا و قصور المقبولة دلالة لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه السلام و لذا ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح مع أن تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين مع ندرة كونهما متساويين جدا بعيد قطعا بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب كما فعله بعض الأصحاب (1) و يشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من الأخبار.

و منه قد انقدح حال سائر أخباره مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا وجهه قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة بشهادة ما (2) ورد في أنه زخرف و باطل و ليس بشي ء أو أنه لم نقله أو أمر بطرحه على الجدار و كذا الخبر الموافق للقوم ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لو لا القطع به غير جارية للوثوق حينئذ بصدوره كذلك و كذا الصدور أو


1- الظاهر هو السيد الصدر شارح الواقية، لكنه ( رحمه اللّه) حمل جميع أخبار الترجيح على الاستحباب، شرح الوافية، ص مخطوط.
2- الوسائل 18/ 78، الباب 9 من ابواب صفات القاضي، الأحاديث: 10، 11، 12، 14، 15، 29، 35، 37، 40، 47، 48. و المحاسن: 1/ 220، الباب 11، الاحاديث 128 الى 131 و ص 225، الباب 12، الحديث 145 و ص 226، الباب 14، الحديث 150.

ص: 445

الظهور في الخبر المخالف للكتاب يكون موهونا بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند و لا الظهور كما لا يخفى فتكون هذه الأخبار في مقام تميز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة فافهم.

و إن أبيت عن ذلك فلا محيص عن حملها توفيقا بينها و بين الإطلاقات إما على ذلك أو على الاستحباب كما أشرنا إليه آنفا هذا ثم إنه لو لا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات و هي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل (: ما خالف قول ربنا لم أقله) أو زخرف أو باطل كما لا يخفى.

فتلخص مما ذكرنا أن إطلاقات التخيير محكمة و ليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها.

نعم قد استدل على تقييدها و وجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر.

منها دعوى (1) الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين.

و فيه أن دعوى الإجماع مع مصير مثل الكليني إلى التخيير و هو في عهد الغيبة الصغرى و يخالط النواب و السفراء قال في ديباجة الكافي و لا نجد شيئا أوسع و لا أحوط من التخيير مجازفة.

و منها (2) أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح و هو قبيح عقلا بل ممتنع قطعا و فيه أنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع ضرورة إمكان أن تكون تلك المزية بالإضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الإنسان و كان الترجيح بها بلا مرجح و هو قبيح كما هو واضح هذا مضافا إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع من أن الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية و منها الأحكام


1- حكاه الشيخ ( ره) عن كلام جماعة/ فرائد الأصول 469. المرجحات الخارجية، من الخاتمة في التعادل و التراجيح.
2- استدل به المحقق القمي ( ره) قوانين الأصول 2/ 278، في قانون الترجيح من الخاتمة.

ص: 446

الشرعية لا يكون إلا قبيحا و لا يستحيل وقوعه إلا على الحكيم تعالى و إلا فهو بمكان من الإمكان لكفاية إرادة المختار علة لفعله و إنما الممتنع هو وجود الممكن بلا علة فلا استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح إلا من باب امتناع صدوره منه تعالى و أما غيره فلا استحالة في ترجيحه لما هو المرجوح مما باختياره.

و بالجملة الترجيح بلا مرجح بمعنى بلا علة محال و بمعنى بلا داع عقلائي قبيح ليس بمحال فلا تشتبه.

و منها غير ذلك (1) مما لا يكاد يفيد الظن فالصفح عنه أولى و أحسن.

ثم إنه لا إشكال في الإفتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه و عمل مقلديه و لا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه فيها.

نعم له الإفتاء به في المسألة الأصولية فلا بأس حينئذ باختيار المقلد غير ما اختاره المفتي فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره الذي لا شبهة فيه.

و هل التخيير بدوي أم استمراري قضية الاستصحاب لو لم نقل بأنه قضية الإطلاقات أيضا كونه استمراريا و توهم (2) أن المتحير كان محكوما بالتخيير و لا تحير له بعد الاختيار فلا يكون الإطلاق و لا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار لاختلاف الموضوع فيهما فاسد فإن التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله و بمعنى آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى.

فصل [التعدي عن المرجحات المنصوصة]

هل هو على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها قيل (3) بالتعدي لما في الترجيح بمثل الأصدقية


1- راجع فرائد الأصول 442- 444، المقام الثاني من مقام التراجيح.
2- يظهر ذلك من الشيخ ( ره) في فرائد الأصول 440، المقام الأول في المتكافئين.
3- القائل هو الشيخ ( قده) و نسبه إلى جمهور المجتهدين، فرائد الأصول/ 450.

ص: 447

و الأوثقية و نحوهما مما فيه من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع و لما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه من استظهار أن العلة هو عدم الريب فيه بالإضافة إلى الخبر الآخر و لو كان فيه ألف ريب و لما في التعليل بأن الرشد في خلافهم.

و لا يخفى ما في الاستدلال بها.

أما الأول فإن جعل خصوص شي ء فيه جهة الإراءة و الطريقية حجة أو مرجحا لا دلالة فيه على أن الملاك فيه بتمامه جهة إراءته بل لا إشعار فيه كما لا يخفى لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيته أو حجيته لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلا تعبدا فافهم.

و أما الثاني فلتوقفه على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها مع أن الشهرة في الصدر الأول بين الرواة و أصحاب الأئمة عليهم السلام موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها بحيث يصح أن يقال عرفا إنها مما لا ريب فيها كما لا يخفى و لا بأس بالتعدي منه إلى مثله مما يوجب الوثوق و الاطمئنان بالصدور لا إلى كل مزية و لو لم يوجب إلا أقربية ذي المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها.

و أما الثالث فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها و لو سلم أنه لغلبة الحق في طرف الخبر المخالف فلا شبهة في حصول الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدورا أو جهة و لا بأس بالتعدي منه إلى مثله كما مر آنفا.

و منه انقدح حال ما إذا كان التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيه ضرورة كمال الوثوق بصدوره كذلك مع الوثوق بصدورهما لو لا القطع به في الصدر الأول لقلة الوسائط و معرفتها هذا مع ما في عدم بيان الإمام عليه السلام للكلية كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرارا و ما في أمره عليه السلام

ص: 448

بالإرجاء بعد فرض التساوي فيما ذكره من المزايا المنصوصة من الظهور في أن المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة كما لا يخفى.

ثم إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذي المزية و لا أقربيته كبعض صفات الراوي مثل الأورعية أو الأفقهية إذا كان موجبهما مما لا يوجب الظن أو الأقربية كالتورع من الشبهات و الجهد في العبادات و كثرة التتبع في المسائل الفقهية أو المهارة في القواعد الأصولية فلا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الأقربية بل إلى كل مزية و لو لم تكن بموجبة (1) لأحدهما كما لا يخفى.

و توهم أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ فاسد فإن الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعا و إنما يضر فيما أخذ في اعتباره عدم الظن بخلافه و لم يؤخذ في اعتبار الأخبار صدورا و لا ظهورا و لا جهة ذلك هذا مضافا إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدورا و إلا فلا يوجبه الظن بصدور أحدهما لإمكان صدورهما مع عدم إرادة الظهور في أحدهما أو فيهما أو إرادته تقية كما لا يخفى.

نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته و في جهة إثباته و طريقيته من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك و إن كان موجبا لقوة مضمون ذيه ثبوتا كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية و نحوهما فإن المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها إنما هو الأقوى دلالة كما لا يخفى فافهم (2)

.


1- في « أ» و « ب» بموجبه.
2- اثبتنا الأمر بالفهم من « أ».

ص: 449

فصل [اختصاص قواعد التعادل و الترجيح بغير موارد الجمع العرفي]

قد عرفت سابقا أنه لا تعارض في موارد الجمع و التوفيق العرفي و لا يعمها ما يقتضيه الأصل في المتعارضين من سقوط أحدهما رأسا و سقوط كل منهما في خصوص مضمونه كما إذا لم يكونا في البين فهل التخيير أو الترجيح يختص أيضا بغير مواردها أو يعمها قولان أولهما المشهور و قصارى ما يقال في وجهه أن الظاهر من الأخبار العلاجية سؤالا و جوابا هو التخيير أو الترجيح في موارد التحير مما لا يكاد يستفاد المراد هناك عرفا لا فيما يستفاد و لو بالتوفيق فإنه من أنحاء طرق الاستفادة عند أبناء المحاورة.

و يشكل بأن مساعدة العرف على الجمع و التوفيق و ارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التحير في الحال لأجل ما يتراءى من المعارضة و إن كان يزول عرفا بحسب المآل أو للتحير في الحكم واقعا و إن لم يتحير فيه ظاهرا و هو كاف في صحته قطعا مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة بين أبناء المحاورة و جل العناوين المأخوذة في الأسئلة لو لا كلها يعمها كما لا يخفى.

و دعوى أن المتيقن منها غيرها مجازفة غايته أنه كان كذلك خارجا لا بحسب مقام التخاطب و بذلك ينقدح وجه القول الثاني اللهم إلا أن يقال إن التوفيق في مثل الخاص و العام و المقيد و المطلق كان عليه السيرة القطعية من لدن زمان الأئمة عليهم السلام و هي كاشفة إجمالا عما يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي لو لا دعوى اختصاصها به و أنها سؤالا و جوابا بصدد الاستعلاج و العلاج في موارد التحير و الاحتياج أو دعوى الإجمال و تساوي احتمال العموم مع احتمال الاختصاص و لا ينافيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم ما لم يكن هناك ظهور أنه لذلك فلم يثبت بأخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء

ص: 450

العقلاء و سيرة العلماء من التوفيق و حمل الظاهر على الأظهر و التصرف فيما يكون صدورهما قرينة عليه فتأمل.

فصل [ذكر بعض المرجحات التي ذكروها لتقديم أحد الظاهرين على الآخر]

اشاره

قد عرفت حكم تعارض الظاهر و الأظهر و حمل الأول على الآخر فلا إشكال فيما إذا ظهر أن أيهما ظاهر و أيهما أظهر و قد ذكر فيما اشتبه الحال لتمييز ذلك ما لا عبرة به أصلا فلا بأس بالإشارة إلى جملة منها و بيان ضعفها.

[ترجيح ظهور العموم على الإطلاق و تقديم التقييد على التخصيص]

منها (ما قيل (1) في ترجيح ظهور العموم على الإطلاق و تقديم التقييد على التخصيص فيما دار الأمر بينهما من كون ظهور العام في العموم تنجيزيا بخلاف ظهور المطلق في الإطلاق فإنه معلق على عدم البيان و العام يصلح بيانا فتقديم العام حينئذ لعدم تمامية مقتضى الإطلاق معه بخلاف العكس فإنه موجب لتخصيصه بلا وجه إلا على نحو دائر و من أن التقييد أغلب من التخصيص.)

و فيه أن عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدمات الحكمة إنما هو عدم البيان في مقام التخاطب لا إلى الأبد و أغلبية التقييد مع كثرة التخصيص بمثابة قد قيل ما من عام إلا و قد خص غير مفيد فلا بد (2) في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر فتدبر.

[تقديم التخصيص على النسخ]

و منها ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص و النسخ كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا أو يكون العام ناسخا أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا للعام أو ناسخا له و رافعا لاستمراره و دوامه في وجه تقديم التخصيص على النسخ من غلبة التخصيص و ندرة النسخ.


1- راجع فرائد الأصول 457، المقام الرابع من مقام التراجيح.
2- في « ب»: و لا بد.

ص: 451

و لا يخفى أن دلالة الخاص أو العام على الاستمرار و الدوام إنما هو بالإطلاق لا بالوضع فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضا و أن غلبة التخصيص إنما توجب أقوائية ظهور الكلام في الاستمرار و الدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام و إلا فهي و إن كانت مفيدة للظن بالتخصيص إلا أنها غير موجبة لها كما لا يخفى.

ثم إنه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل الأمر في تخصيص الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عليهم السلام فإنها صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتهما و التزام نسخهما بها و لو قيل بجواز نسخهما بالرواية عنهم عليهم السلام كما ترى فلا محيص في حله من أن يقال إن اعتبار ذلك حيث كان لأجل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة و كان من الواضح أن ذلك فيما إذا لم يكن هناك مصلحة في إخفاء الخصوصات أو مفسدة في إبدائها كإخفاء غير واحد من التكاليف في الصدر الأول لم يكن بأس بتخصيص عموماتهما بها و استكشاف أن موردها كان خارجا عن حكم العام واقعا و إن كان داخلا فيه ظاهرا و لأجله لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات بإطلاقها في الاستمرار و الدوام أيضا فتفطن.

فصل لا إشكال في تعيين الأظهر

لو كان في البين إذا كان التعارض بين الاثنين و أما إذا كان بين الزائد عليهما فتعينه ربما لا يخلو عن خفاء و لذا وقع بعض (1) الأعلام في اشتباه و خطإ حيث توهم أنه إذا كان هناك عام و خصوصات و قد خصص ببعضها كان اللازم ملاحظة النسبة بينه و بين سائر الخصوصات بعد


1- هو المولى النراقي ( ره) العوائد/ 119- 120، العائدة 40.

ص: 452

تخصيصه به فربما تنقلب النسبة إلى عموم و خصوص من وجه فلا بد من رعاية هذه النسبة و تقديم الراجح منه و منها أو التخيير بينه و بينها لو لم يكن هناك راجح لا تقديمها عليه إلا إذا كانت النسبة بعده على حالها.

و فيه أن النسبة إنما هي بملاحظة الظهورات و تخصيص العام بمخصص منفصل و لو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره و إن انثلم به حجيته و لذلك يكون بعد التخصيص حجة في الباقي لأصالة عمومه بالنسبة إليه.

لا يقال إن العام بعد تخصيصه بالقطعي لا يكون مستعملا في العموم قطعا فكيف يكون ظاهرا فيه.

فإنه يقال إن المعلوم عدم إرادة العموم لا عدم استعماله فيه لإفادة القاعدة الكلية فيعمل بعمومها ما لم يعلم بتخصيصها و إلا لم يكن وجه في حجيته في تمام الباقي لجواز استعماله حينئذ فيه و في غيره من المراتب التي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص و أصالة عدم مخصص آخر لا يوجب انعقاد ظهور له لا فيه و لا في غيره من المراتب لعدم الوضع و لا القرينة المعينة لمرتبة منها كما لا يخفى لجواز إرادتها و عدم نصب قرينة عليها.

نعم ربما يكون عدم نصب قرينة مع كون العام في مقام البيان قرينة على إرادة التمام و هو غير ظهور العام فيه في كل مقام.

فانقدح بذلك أنه لا بد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات مطلقا و لو كان بعضها مقدما أو قطعيا ما لم يلزم منه محذور انتهائه إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه عرفا و لو لم يكن مستوعبة لأفراده فضلا عما إذا كانت مستوعبة لها فلا بد حينئذ من معاملة التباين بينه و بين مجموعها و من ملاحظة الترجيح بينهما و عدمه فلو رجح جانبها أو اختير فيما لم يكن هناك ترجيح فلا مجال للعمل به أصلا بخلاف ما لو رجح طرفه أو قدم تخييرا فلا يطرح منها إلا خصوص ما لا يلزم مع طرحه المحذور من التخصيص بغيره فإن التباين إنما كان بينه و بين

ص: 453

مجموعها لا جميعها و حينئذ فربما يقع التعارض بين الخصوصات فيخصص ببعضها ترجيحا أو تخييرا فلا تغفل.

هذا فيما كانت النسبة بين المتعارضات متحدة و قد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة كما إذا ورد هناك عامان من وجه مع ما هو أخص مطلقا من أحدهما و أنه لا بد من تقديم الخاص على العام و معاملة العموم من وجه بين العامين من الترجيح و التخيير بينهما و إن انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما لما عرفت من أنه لا وجه إلا لملاحظة النسبة قبل العلاج.

نعم لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه إلا ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص أو كان بعيدا جدا لقدم على العام الآخر لا لانقلاب النسبة بينهما بل لكونه كالنص فيه فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه كما لا يخفى.

فصل [في بيان المرجحات توجب ترجيح أحد السندين فعلا]

لا يخفى أن المزايا المرجحة لأحد المتعارضين الموجبة للأخذ به و طرح الآخر بناء على وجوب الترجيح و إن كانت على أنحاء مختلفة و مواردها متعددة من راوي الخبر و نفسه و وجه صدوره و متنه و مضمونه مثل الوثاقة و الفقاهة و الشهرة و مخالفة العامة و الفصاحة و موافقة الكتاب و الموافقة لفتوى الأصحاب إلى غير ذلك مما يوجب مزية في طرف من أطرافه خصوصا لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة إلا أنها موجبة لتقديم أحد السندين و ترجيحه و طرح الآخر فإن أخبار العلاج دلت على تقديم رواية ذات مزية في أحد أطرافها و نواحيها فجميع هذه من مرجحات السند حتى موافقة الخبر للتقية فإنها أيضا مما يوجب ترجيح أحد السندين و حجيته فعلا و طرح الآخر رأسا و كونها في مقطوعي الصدور متمحضة في ترجيح الجهة لا يوجب كونها كذلك في غيرهما ضرورة أنه لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية فكيف يقاس على ما لا تعبد فيه للقطع بصدوره.

ثم إنه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي و إناطة الترجيح

ص: 454

بالظن أو بالأقربية إلى الواقع ضرورة أن قضية ذلك تقديم الخبر الذي ظن صدقه أو كان أقرب إلى الواقع منهما و التخيير بينهما إذا تساويا فلا وجه لإتعاب النفس في بيان أن أيها يقدم أو يؤخر إلا تعيين أن أيها يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها مع الآخر.

و أما لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله وجه لما يتراءى من ذكرها مرتبا في المقبولة (1) و المرفوعة (2) مع إمكان أن يقال إن الظاهر كونهما كسائر أخبار الترجيح بصدد بيان أن هذا مرجح و ذاك مرجح و لذا اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجح واحد و إلا لزم تقييد جميعها على كثرتها بما في المقبولة و هو بعيد جدا و عليه فمتى وجد في أحدهما مرجح و في الآخر آخر منها كان المرجح هو إطلاقات التخيير و لا كذلك على الأول بل لا بد من ملاحظة الترتيب إلا إذا كانا في عرض واحد.

و انقدح بذلك أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات في أنه لا بد في صورة مزاحمته مع بعضها من ملاحظة أن أيهما فعلا موجب للظن بصدق ذيه بمضمونه أو الأقربية كذلك إلى الواقع فيوجب ترجيحه و طرح الآخر أو أنه لا مزية لأحدهما على الآخر كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بما له من المزية مساويا للخبر المخالف لها بحسب المناطين فلا بد حينئذ من التخيير بين الخبرين فلا وجه لتقديمه على غيره كما عن الوحيد البهبهاني [1] قدس سره و بالغ فيه

[1] راجع ملاحظات الفريد على فوائد الوحيد (ره)/ 120 في الفائدة 21.

المولى محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني مروج المذهب رأس الماة الثالثة تولد سنة 1118 في اصفهان و قطن برهة في بهبهان، ثم انتقل الى كربلا و نشر العلم هناك، صنف ما يقرب من ستين كتابا. منها شرحه على المفاتيح و حواشيه على المدارك و على المعالم و غير ذلك توفي في الحائر الشريف سنة 1208 ه- (الكنى و الالقاب 2/ 97).


1- التهذيب 6/ 301، الباب 92، الحديث 52.
2- الكافي 1/ 67، باب اختلاف الحديث، الحديث 10.

ص: 455

بعض (1) أعاظم المعاصرين أعلى الله درجته و لا لتقديم غيره عليه (كما يظهر من شيخنا العلامة (2) أعلى الله مقامه قال.

أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامة فالظاهر تقديمه على غيره و إن كان مخالفا للعامة بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين أو تعبدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما و ترك التعبد بصدور الآخر و فيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى أدلة الترجيح من حيث الصدور.

إن قلت إن الأصل في الخبرين الصدور فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية كما يقتضي ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور.

قلت لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة.

و قال بعد جملة من الكلام.

فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور إما علما كما في المتواترين أو تعبدا كما في المتكافئين من الأخبار و أما ما وجب فيه التعبد بصدور أحدهما المعين دون الآخر فلا وجه لإعمال هذا المرجح فيه لأن جهة الصدور متفرع على أصل الصدور انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

و فيه مضافا إلى ما عرفت أن حديث فرعية جهة الصدور على أصله إنما يفيد


1- الكافي 1/ 67، باب اختلاف الحديث، الحديث 10.
2- فرائد الأصول/ 468.

ص: 456

إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجحات أصل الصدور بل من مرجحاتها و أما إذا كان من مرجحاته بأحد المناطين فأي فرق بينه و بين سائر المرجحات و لم يقم دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة مع كون الآخر راجحا بحسبها بل هو أول الكلام كما لا يخفى فلا محيص من ملاحظة الراجح من المرجحين بحسب أحد المناطين أو من دلالة أخبار العلاج على الترجيح بينهما مع المزاحمة و مع عدم الدلالة و لو لعدم التعرض لهذه الصورة فالمحكم هو إطلاق التخيير فلا تغفل.

و (قد أورد بعض أعاظم تلاميذه (1) عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور فإنه لو لم يعقل التعبد بصدور المتخالفين من حيث الصدور مع حمل أحدهما على التقية لم يعقل التعبد بصدورهما مع حمل أحدهما عليها لأنه إلغاء لأحدهما أيضا في الحقيقة.)

و فيه ما لا يخفى من الغفلة و حسبان أنه التزم قدس سره في مورد الترجيح بحسب الجهة باعتبار تساويهما من حيث الصدور إما للعلم بصدورهما و إما للتعبد به فعلا مع بداهة أن غرضه من التساوي من حيث الصدور تعبدا تساويهما بحسب دليل التعبد بالصدور قطعا ضرورة أن دليل حجية الخبر لا يقتضي التعبد فعلا بالمتعارضين بل و لا بأحدهما و قضية دليل العلاج ليس إلا التعبد بأحدهما تخييرا أو ترجيحا.

و العجب كل العجب أنه رحمه الله لم يكتف بما أورده من النقض حتى ادعى استحالة تقديم الترجيح بغير هذا المرجح على الترجيح به و برهن عليه بما حاصله امتناع التعبد بصدور الموافق لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله و بين صدوره تقية و لا يعقل التعبد به على التقديرين بداهة كما أنه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق بل الأمر في الظني الصدور أهون لاحتمال عدم


1- و هو الشيخ المحقق الحاج ميرزا حبيب اللّه الرشتي ( طاب ثراه). راجع بدائع الأفكار/ 457.

ص: 457

صدوره بخلافه.

(ثم قال فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة مع نص الإمام عليه السلام على طرح موافقهم من العجائب و الغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة فضلا عمن هو تالي العصمة علما و عملا.

ثم قال و ليت شعري أن هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه مع أنه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر).

و أنت خبير بوضوح فساد برهانه ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقية و عدم الصدور رأسا لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا و عدم صدور المخالف المعارض له أصلا و لا يكاد يحتاج في التعبد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة و إنما دار احتمال الموافق بين الاثنين إذا كان المخالف قطعيا صدورا و جهة و دلالة ضرورة دوران معارضه حينئذ بين عدم صدوره و صدوره تقية و في غير هذه الصورة كان دوران أمره بين الثلاثة لا محالة لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعي حينئذ أيضا.

و منه قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق لبيان الحكم الواقعي أيضا و إنما لم يكن التعبد بصدوره لذلك إذا كان معارضه المخالف قطعيا بحسب السند و الدلالة لتعيين حمله على التقية حينئذ لا محالة و لعمري إن ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثله إلا أن الخطأ و النسيان كالطبيعة الثانية للإنسان عصمنا الله من زلل الأقدام و الأقلام في كل ورطة و مقام.

ثم إن هذا كله إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح مرجح من حيث الجهة و أما بما هو موجب لأقوائية دلالة ذيه من معارضه لاحتمال التورية في المعارض المحتمل فيه التقية دونه فهو مقدم على جميع مرجحات الصدور بناء على ما هو المشهور من تقدم التوفيق بحمل الظاهر على الأظهر على الترجيح بها اللهم إلا أن يقال إن باب احتمال التورية و إن كان مفتوحا فيما احتمل فيه التقية إلا أنه

ص: 458

حيث كان بالتأمل و النظر لم يوجب أن يكون معارضه أظهر بحيث يكون قرينة على التصرف عرفا في الآخر فتدبر.

فصل [المرجحات الخارجية]

موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه و لو نوعا من المرجحات في الجملة بناء على لزوم الترجيح لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة أو قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها كما ادعي (1) و هي لزوم العمل بأقوى الدليلين و قد عرفت أن التعدي محل نظر بل منع و أن الظاهر من القاعدة هو ما كان الأقوائية من حيث الدليلية و الكشفية و كون مضمون أحدهما مظنونا لأجل مساعدة أمارة ظنية عليه لا يوجب قوة فيه من هذه الحيثية بل هو على ما هو عليه من القوة لو لا مساعدتها كما لا يخفى و مطابقة أحد الخبرين لها لا يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث جهته كيف و قد اجتمع مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف لو لا معارضة الموافق و الصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك فافهم هذا حال الأمارة الغير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها.

أما ما ليس بمعتبر بالخصوص لأجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس فهو و إن كان كالغير المعتبر لعدم الدليل بحسب ما يقتضي الترجيح به من الأخبار بناء على التعدي و القاعدة بناء على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين إلا أن الأخبار الناهية عن القياس»(2) و (: أن السنة إذا قيست محق الدين) (3) مانعة عن الترجيح به ضرورة أن استعماله في ترجيح أحد الخبرين


1- راجع فرائد الأصول/ 469.
2- الكافي 1: 46 باب البدع و الرأي و المقاييس. الأحاديث 13 و 16.
3- المصدر المتقدم، الحديث 15 و الكافي 7: 299، كتاب الديات، باب الرجل يقتل المرأة و... الخ، الحديث 6. و للمزيد راجع جامع أحاديث الشعية 1/ 269، الباب 7 عدم حجية القياس و الرأي و.. الخ.

ص: 459

استعمال له في المسألة الشرعية الأصولية و خطره ليس بأقل من استعماله في المسألة الفرعية.

و توهم أن حال القياس هاهنا ليس في تحقق الأقوائية به إلا كحاله فيما ينقح به موضوع آخر ذو حكم من دون اعتماد عليه في مسألة أصولية (1) و لا فرعية قياس مع الفارق لوضوح الفرق بين المقام و القياس في الموضوعات الخارجية الصرفة فإن القياس المعمول فيها ليس في الدين فيكون إفساده أكثر من إصلاحه و هذا بخلاف المعمول في المقام فإنه نحو إعمال له في الدين ضرورة أنه لولاه لما تعين الخبر الموافق له للحجية بعد سقوطه عن الحجية بمقتضى أدلة الاعتبار و التخيير بينه و بين معارضه بمقتضى أدلة العلاج فتأمل جيدا.

و أما ما إذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه كالكتاب و السنة القطعية فالمعارض المخالف لأحدهما إن كانت مخالفته بالمباينة الكلية فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح لعدم حجية الخبر المخالف كذلك من أصله و لو مع عدم المعارض فإنه المتيقن من الأخبار الدالة على أنه زخرف أو باطل أو أنه لم نقله أو غير ذلك (2).

و إن كانت مخالفته بالعموم و الخصوص المطلق فقضية القاعدة فيها و إن كانت ملاحظة المرجحات بينه و بين الموافق و تخصيص الكتاب به تعيينا أو تخييرا لو لم يكن الترجيح في الموافق بناء على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد إلا أن الأخبار الدالة على أخذ الموافق من المتعارضين غير قاصرة عن العموم لهذه الصورة لو قيل بأنها في مقام ترجيح أحدهما لا تعيين الحجة عن اللاحجة كما نزلناها عليه و يؤيده أخبار (3) العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من


1- في « ب»: في مسألة الأصولية و لا فرعية.
2- راجع ص 444، هامش 2.
3- وسائل الشيعة 18: 78، الباب 9 من أبواب صفات القاضي/ الأحاديث 10، 11، 12، 14، 15، 18. و المحاسن 1: 220، كتاب مصابيح الظلم، الباب 11، الأحاديث 128 الى 131. و ص 225، الباب 12. الحديث 145 و ص 226، الباب 14، الحديث 150.

ص: 460

أصله فإنهما تفرغان عن لسان واحد فلا وجه لحمل المخالفة في أحدهما على خلاف المخالفة في الأخرى كما لا يخفى.

اللهم إلا أن يقال نعم إلا أن دعوى اختصاص هذه الطائفة بما إذا كانت المخالفة بالمباينة بقرينة القطع بصدور المخالف الغير المباين عنهم عليهم السلام كثيرا و إباء مثل (: ما خالف قول ربنا لم أقله) أو زخرف أو باطل عن التخصيص غير بعيدة و إن كانت المخالفة بالعموم و الخصوص من وجه فالظاهر أنها كالمخالفة في الصورة الأولى كما لا يخفى و أما الترجيح بمثل الاستصحاب كما وقع في كلام غير واحد من الأصحاب فالظاهر أنه لأجل اعتباره من باب الظن و الطريقية عندهم و أما بناء على اعتباره تعبدا من باب الأخبار وظيفة للشاك كما هو المختار كسائر الأصول العملية التي يكون كذلك عقلا أو نقلا فلا وجه للترجيح به أصلا لعدم تقوية مضمون الخبر بموافقته و لو بملاحظة دليل اعتباره كما لا يخفى.

هذا آخر ما أردنا إيراده و الحمد لله أولا و آخرا و باطنا و ظاهرا.

ص: 461

الخاتمة الاجتهاد و التقليد

اشاره

ص: 462

ص: 463

أما الخاتمة فهي فيما يتعلق بالاجتهاد و التقليد

[القول في الاجتهاد]

فصل الاجتهاد لغة تحمل المشقة

(و اصطلاحا كما عن الحاجبي (1) و العلامة (2) استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي و عن غيرهما (3) ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوة قريبة).

و لا يخفى أن اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحا ليس من جهة الاختلاف في حقيقته و ماهيته لوضوح أنهم ليسوا في مقام بيان حده أو رسمه بل إنما كانوا في مقام شرح اسمه و الإشارة إليه بلفظ آخر و إن لم يكن مساويا له بحسب مفهومه كاللغوي في بيان معاني الألفاظ بتبديل لفظ بلفظ آخر و لو كان أخص منه مفهوما أو أعم.

و من هنا انقدح أنه لا وقع للإيراد على تعريفاته بعدم الانعكاس أو الاطراد كما هو الحال في تعريف جل الأشياء لو لا الكل ضرورة عدم الإحاطة بها بكنهها أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها لغير علام الغيوب فافهم.


1- راجع شرح مختصر الأصول/ 460، عند الكلام عن الاجتهاد.
2- التهذيب- مخطوط.
3- زبدة الأصول للشيخ البهائي ( ره)/ 115 المنهج الرابع في الاجتهاد و التقليد.

ص: 464

و كيف كان فالأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه فإن المناط فيه هو تحصيلها قوة أو فعلا لا الظن حتى عند العامة القائلين بحجيته مطلقا أو بعض الخاصة القائل بها عند انسداد باب العلم بالأحكام فإنه مطلقا عندهم أو عند الانسداد عنده من أفراد الحجة و لذا لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل غيره من أفرادها من العلم بالحكم أو غيره مما اعتبر من الطرق التعبدية الغير المفيدة للظن و لو نوعا اجتهادا أيضا.

و منه قد انقدح أنه لا وجه لتأبي الأخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى فإنه لا محيص عنه كما لا يخفى غاية الأمر له أن ينازع في حجية بعض ما يقول الأصولي باعتباره و يمنع عنها و هو غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بذاك المعنى ضرورة أنه ربما يقع بين الأخباريين كما وقع بينهم و بين الأصوليين.

فصل ينقسم الاجتهاد إلى مطلق و تجز
اشاره

فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في الموارد التي لم يظفر فيها بها و التجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام.

ثم إنه لا إشكال في إمكان المطلق و حصوله للأعلام و عدم التمكن من الترجيح في المسألة و تعيين حكمها و التردد منهم في بعض المسائل إنما هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي لأجل عدم دليل مساعد في كل مسألة عليه أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم لا لقلة الاطلاع أو قصور الباع.

و أما بالنسبة إلى حكمها الفعلي فلا تردد لهم أصلا كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به و أما لغيره فكذا لا إشكال فيه إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالأحكام مفتوحا له على ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال فإن رجوعه إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى الجاهل و أدلة

ص: 465

جواز التقليد إنما دلت على جواز رجوع غير العالم إلى العالم كما لا يخفى و قضية مقدمات الانسداد ليست إلا حجية الظن عليه لا على غيره فلا بد في حجية اجتهاد مثله على غيره من التماس دليل آخر غير دليل التقليد و غير دليل الانسداد الجاري في حق المجتهد من إجماع أو جريان مقدمات دليل الانسداد في حقه بحيث تكون منتجة لحجية الظن الثابت حجيته بمقدماته له أيضا و لا مجال لدعوى الإجماع و مقدماته كذلك غير جارية في حقه لعدم انحصار المجتهد به أو عدم لزوم محذور عقلي من عمله بالاحتياط و إن لزم منه العسر إذا لم يكن له سبيل إلى إثبات عدم وجوبه مع عسره.

نعم لو جرت المقدمات كذلك بأن انحصر المجتهد و لزم من الاحتياط المحذور أو لزم منه العسر مع التمكن من إبطال وجوبه حينئذ كانت منتجة لحجيته في حقه أيضا لكن دونه خرط القتاد هذا على تقدير الحكومة.

و أما على تقدير الكشف و صحته فجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال لعدم مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختص حجية ظنه به و قضية مقدمات الانسداد اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه دون غيره و لو سلم أن قضيتها كون الظن المطلق معتبرا شرعا كالظنون الخاصة التي دل الدليل على اعتبارها بالخصوص فتأمل.

إن قلت حجية الشي ء شرعا مطلقا لا يوجب القطع بما أدى إليه من الحكم و لو ظاهرا كما مر تحقيقه (1) و أنه ليس أثره إلا تنجز الواقع مع الإصابة و العذر مع عدمها فيكون رجوعه إليه مع انفتاح باب العلمي عليه أيضا رجوعا إلى الجاهل فضلا عما إذا انسد عليه.

قلت نعم إلا أنه عالم بموارد قيام الحجة الشرعية على الأحكام فيكون من رجوع الجاهل إلى العالم.


1- في بيان الأمارات غير القطعية، ص 277.

ص: 466

إن قلت رجوعه إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية ليس إلا الرجوع إلى الجاهل.

قلت رجوعه إليه فيها إنما هو لأجل اطلاعه على عدم الأمارة الشرعية فيها و هو عاجز عن الاطلاع على ذلك و أما تعيين ما هو حكم العقل و أنه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط فهو إنما يرجع إليه فالمتبع ما استقل به عقله و لو على خلاف ما ذهب إليه مجتهده فافهم.

و كذلك لا خلاف و لا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحا و أما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة فإن مثله كما أشرت آنفا ليس ممن يعرف الأحكام مع أن معرفتها معتبرة في الحاكم كما في المقبولة إلا أن يدعى عدم القول بالفصل و هو و إن كان غير بعيد إلا أنه ليس بمثابة يكون حجة على عدم الفصل إلا أن يقال بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الإجماعات و الضروريات من الدين أو المذهب و المتواترات إذا كانت جملة يعتد بها و إن انسد باب العلم بمعظم الفقه فإنه يصدق عليه حينئذ أنه ممن روى حديثهم عليهم السلام و نظر في حلالهم عليهم السلام و حرامهم عليهم السلام و عرف أحكامهم عرفا حقيقة و أما (قوله عليه السلام في المقبولة: فإذا حكم بحكمنا) فالمراد أن مثله إذا حكم كان بحكمهم حكم حيث كان منصوبا منهم كيف و حكمه غالبا يكون في الموضوعات الخارجية و ليس مثل ملكية دار لزيد أو زوجية امرأة له من أحكامهم عليهم السلام فصحة إسناد حكمه إليهم عليهم السلام إنما هو لأجل كونه من المنصوب من قبلهم.

و أما التجزي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام
الأول في إمكانه

و هو و إن كان محل الخلاف بين الأعلام إلا أنه لا ينبغي الارتياب فيه حيث كانت أبواب الفقه مختلفة مدركا و المدارك متفاوتة سهولة

ص: 467

و صعوبة عقلية و نقلية مع اختلاف الأشخاص في الاطلاع عليها و في طول الباع و قصوره بالنسبة إليها فرب شخص كثير الاطلاع و طويل الباع في مدرك باب بمهارته في النقليات أو العقليات و ليس كذلك في آخر لعدم مهارته فيها و ابتنائه عليها و هذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه أو لمهارة الشخص فيه مع صعوبته مع عدم القدرة على ما ليس كذلك بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزي للزوم الطفرة و بساطة الملكة و عدم قبولها التجزئة لا تمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب بحيث يتمكن بها من الإحاطة بمداركه كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها و يقطع بعدم دخل ما في سائرها به أصلا أو لا يعتنى باحتماله لأجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله كما في الملكة المطلقة بداهة أنه لا يعتبر في استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلا على مدارك جميع المسائل كما لا يخفى.

الثاني في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به

و هو أيضا محل الخلاف إلا أن قضية أدلة المدارك حجيته لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلقا و كذا ما دل على حجية خبر الواحد غايته تقييده بما إذا تمكن من دفع معارضاته كما هو المفروض.

الثالث في جواز رجوع غير المتصف به إليه

في كل مسألة اجتهد فيها و هو أيضا محل الإشكال من أنه من رجوع الجاهل إلى العالم فتعمه أدلة جواز التقليد و من دعوى عدم إطلاق فيها و عدم إحراز أن بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله أيضا و ستعرف إن شاء الله تعالى ما هو قضية الأدلة.

و أما جواز حكومته و نفوذ فصل خصومته فأشكل نعم لا يبعد نفوذه فيما إذا عرف جملة معتدة بها و اجتهد فيها بحيث يصح أن يقال في حقه عرفا إنه ممن عرف

ص: 468

أحكامهم كما مر في المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم و العلمي في معظم الأحكام.

فصل [في بيان ما يتوقف عليه الاجتهاد]

لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربية في الجملة و لو بأن يقدر على معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد في المسألة بالرجوع إلى ما دون فيه و معرفة التفسير كذلك.

و عمدة ما يحتاج إليه هو علم الأصول ضرورة أنه ما من مسألة إلا و يحتاج في استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الأصول أو برهن عليها مقدمة في نفس المسألة الفرعية كما هو طريقة الأخباري و تدوين تلك القواعد المحتاج إليها على حدة لا يوجب كونها بدعة و عدم تدوينها في زمانهم عليهم السلام لا يوجب ذلك و إلا كان تدوين الفقه و النحو و الصرف بدعة.

و بالجملة لا محيص لأحد في استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها إلا الرجوع إلى ما بنى عليه في المسائل الأصولية و بدونه لا يكاد يتمكن من استنباط و اجتهاد مجتهدا كان أو أخباريا نعم يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل و الأزمنة و الأشخاص ضرورة خفة مئونة الاجتهاد في الصدر الأول و عدم حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في الأزمنة اللاحقة مما لا يكاد يحقق و يختار عادة إلا بالرجوع إلى ما دون فيه من الكتب الأصولية.

فصل [التخطئة و التصويب]

اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليات و اختلفت في الشرعيات فقال أصحابنا بالتخطئة فيها أيضا و أن له تبارك و تعالى في كل مسألة حكم يؤدي إليه الاجتهاد تارة و إلى غيره أخرى.

و قال مخالفونا بالتصويب و أن له تعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين فما

ص: 469

يؤدي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك و تعالى و لا يخفى أنه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة إلا إذا كان لها حكم واقعا حتى صار المجتهد بصدد استنباطه من أدلته و تعيينه بحسبها ظاهرا فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء بأن تكون الأحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاما واقعية كما هي ظاهرية فهو و إن كان خطأ من جهة تواتر الأخبار و إجماع أصحابنا الأخيار على أن له تبارك و تعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه الكل إلا أنه غير محال و لو كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد فهو مما لا يكاد يعقل فكيف يتفحص عما لا يكون له عين و لا أثر أو يستظهر من الآية أو الخبر إلا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي و أن المجتهد و إن كان يتفحص عما هو الحكم واقعا و إنشاء إلا أن ما أدى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعلي حقيقة و هو مما يختلف باختلاف الآراء ضرورة و لا يشترك فيه الجاهل و العالم بداهة و ما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقة بل إنشاء فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى بل لا محيص عنه في الجملة بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية و الموضوعية كما لا يخفى و ربما يشير إليه ما اشتهرت بيننا أن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم.

نعم بناء على اعتبارها من باب الطريقية كما هو كذلك فمؤديات الطرق و الأمارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقية نفسية و لو قيل بكونها أحكاما طريقية و قد مر (1) غير مرة إمكان منع كونها أحكاما كذلك أيضا و أن قضية حجيتها ليس إلا تنجز [تنجيز] مؤدياتها عند إصابتها و العذر عند خطائها فلا يكون حكم أصلا إلا الحكم الواقعي فيصير منجزا فيما قام عليه حجة من علم أو طريق معتبر و يكون غير منجز بل غير فعلي فيما لم تكن هناك حجة مصيبة فتأمل جيدا.


1- في دفع الايراد عن إمكان التعبد بالأمارة غير القطعية/ ص 277 و في التنبيه الثاني من تنبيهات الاستصحاب/ ص 405.

ص: 470

فصل إذا اضمحل الاجتهاد السابق

بتبدل الرأي الأول بالآخر أو بزواله بدونه فلا شبهة في عدم العبرة به في الأعمال اللاحقة و لزوم اتباع اجتهاد اللاحق مطلقا أو الاحتياط فيها و أما الأعمال السابقة الواقعة على وفقه المختل فيها ما اعتبر في صحتها بحسب هذا الاجتهاد فلا بد من معاملة البطلان معها فيما لم ينهض دليل على صحة العمل فيما إذا اختل فيه لعذر كما نهض في الصلاة و غيرها مثل لا تعاد (1) و حديث الرفع (2) بل الإجماع على الإجزاء في العبادات على ما ادعي.

و ذلك فيما كان بحسب الاجتهاد الأول قد حصل القطع بالحكم و قد اضمحل واضح بداهة أنه لا حكم معه شرعا غايته المعذورية في المخالفة عقلا و كذلك فيما كان هناك طريق معتبر شرعا عليه بحسبه و قد ظهر خلافه بالظفر بالمقيد أو المخصص أو قرينة المجاز أو المعارض بناء على ما هو التحقيق من اعتبار الأمارات من باب الطريقية قيل بأن قضية اعتبارها إنشاء أحكام طريقية أم لا على ما مر منا غير مرة من غير فرق بين تعلقه بالأحكام أو بمتعلقاتها ضرورة أن كيفية اعتبارها فيهما على نهج واحد و لم يعلم وجه للتفصيل بينهما كما في الفصول (3) و أن المتعلقات لا تتحمل اجتهادين بخلاف الأحكام إلا حسبان أن الأحكام قابلة للتغير و التبدل بخلاف المتعلقات و الموضوعات و أنت خبير بأن الواقع واحد فيهما و قد عين أولا بما ظهر خطؤه ثانيا و لزوم العسر و الحرج و الهرج و المرج المخل بالنظام و الموجب للمخاصمة بين الأنام لو قيل بعدم صحة العقود و الإيقاعات و العبادات الواقعة على طبق الاجتهاد الأول الفاسدة بحسب الاجتهاد الثاني


1- الفقيه: 1/ 225، الباب 49. الحديث 8 و الباب 42، الحديث 17 و التهذيب: 2/ 152، الباب 9، الحديث 55.
2- راجع ص 339، في الاستدلال على البراءة بالنسبة.
3- الفصول: 409، في فصل رجوع المجتهد عن الفتوى.

ص: 471

و وجوب العمل على طبق الثاني من عدم ترتيب الأثر على المعاملة و إعادة العبادة لا يكون إلا أحيانا و أدلة نفي العسر لا ينفي إلا خصوص ما لزم منه العسر فعلا مع عدم اختصاص ذلك بالمتعلقات و لزوم العسر في الأحكام كذلك أيضا لو قيل بلزوم ترتيب الأثر على طبق الاجتهاد الثاني في الأعمال السابقة و باب الهرج و المرج ينسد بالحكومة و فصل الخصومة.

و بالجملة لا يكون التفاوت بين الأحكام و متعلقاتها بتحمل الاجتهادين و عدم التحمل بينا و لا مبينا مما يرجع إلى محصل في كلامه زيد في علو مقامه فراجع و تأمل.

و أما بناء على اعتبارها من باب السببية و الموضوعية فلا محيص عن القول بصحة العمل على طبق الاجتهاد الأول عبادة كان أو معاملة و كون مؤداه ما لم يضمحل حكما حقيقة و كذلك الحال إذا كان بحسب الاجتهاد الأول مجرى الاستصحاب أو البراءة النقلية و قد ظفر في الاجتهاد الثاني بدليل على الخلاف فإنه عمل بما هو وظيفته على تلك الحال و قد مر في مبحث الإجزاء تحقيق المقال فراجع هناك.

ص: 472

فصل في التقليد

اشاره

و هو أخذ قول الغير و رأيه للعمل به في الفرعيات أو للالتزام به في الاعتقاديات تعبدا بلا مطالبة دليل على رأيه و لا يخفى أنه لا وجه لتفسيره بنفس العمل ضرورة سبقه عليه و إلا كان بلا تقليد فافهم.

ثم إنه لا يذهب عليك أن جواز التقليد و رجوع الجاهل إلى العالم في الجملة يكون بديهيا جبليا فطريا لا يحتاج إلى دليل و إلا لزم سد باب العلم به على العامي مطلقا غالبا لعجزه عن معرفة ما دل عليه كتابا و سنة و لا يجوز التقليد فيه أيضا و إلا لدار أو تسلسل بل هذه هي العمدة في أدلته و أغلب ما عداه قابل للمناقشة لبعد تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما يمكن أن يكون القول فيه لأجل كونه من الأمور الفطرية الارتكازية و المنقول منه غير حجة في مثلها و لو قيل بحجيتها في غيرها لوهنه بذلك.

و منه قد انقدح إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين لاحتمال أن يكون من ضروريات العقل و فطرياته لا من ضرورياته و كذا القدح في دعوى (1) سيرة المتدينين.


1- الفصول: 411 في فصل جواز التقليد.

ص: 473

و أما الآيات فلعدم دلالة آية النفر (1) و السؤال (2) على جوازه لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبدا مع أن المسئول في آية السؤال هم أهل الكتاب كما هو ظاهرها أو أهل بيت العصمة الأطهار كما فسر به في الأخبار (3).

نعم لا بأس بدلالة الأخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة حيث دل بعضها (4) على وجوب اتباع قول العلماء و بعضها (5) على أن للعوام تقليد العلماء و بعضها (6) على جواز الإفتاء مفهوما مثل ما دل على المنع عن الفتوى بغير علم أو منطوقا مثل (7) ما دل على إظهاره عليه السلام المحبة لأن يرى في أصحابه من يفتي الناس بالحلال و الحرام.

لا يقال إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز أخذه و اتباعه.

فإنه يقال إن الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء و جواز اتباعه واضحة و هذا غير وجوب إظهار الحق و الواقع حيث لا ملازمة بينه و بين وجوب أخذه تعبدا فافهم و تأمل.

و هذه الأخبار على اختلاف مضامينها و تعدد أسانيدها لا يبعد دعوى القطع بصدور بعضها فيكون دليلا قاطعا على جواز التقليد و إن لم يكن كل واحد منها


1- التوبة: 122.
2- النحل: 43.
3- الكافي: 1/ 163، كتاب الحجّه الباب 20، الأحاديث.
4- الوسائل 18/ 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الأحاديث: 4 و 5 و 9 و 15 و 23 و 27 و 33 و 42 و 45 و الباب 12، الحديث 54.
5- الاحتجاج: 2/ 457 في احتجاجات أبي محمد العسكري و جاء في الوسائل: 18/ 94، الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 20.
6- الوسائل: 18/ 9، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الأحاديث 1 و 2 و 3 و 31 و 33 و الباب 6، الحديث 48. و الباب 9، الحديث 23 و الباب 11، الحديث 12.
7- الوسائل: 18/ 108، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 36

ص: 474

بحجة فيكون مخصصا لما دل على عدم جواز اتباع غير العلم و الذم على التقليد من الآيات و الروايات.

قال الله تبارك و تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (1) و قوله تعالى إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (2) مع احتمال أن الذم إنما كان على تقليدهم للجاهل أو في الأصول الاعتقادية التي لا بد فيها من اليقين و أما قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية في أنه كما لا يجوز التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى لسهولتها فباطل مع أنه مع الفارق ضرورة أن الأصول الاعتقادية مسائل معدودة بخلافها فإنها مما لا تعد و لا تحصى و لا يكاد يتيسر من الاجتهاد فيها فعلا طول العمر إلا للأوحدي في كلياتها كما لا يخفى.

فصل إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوى

مع اختلافهم في العلم و الفقاهة فلا بد من الرجوع إلى الأفضل إذا احتمل تعينه للقطع بحجيته و الشك في حجية غيره و لا وجه لرجوعه إلى الغير في تقليده إلا على نحو دائر.

نعم لا بأس برجوعه إليه إذا استقل عقله بالتساوي و جواز الرجوع إليه أيضا أو جوز له الأفضل بعد رجوعه إليه هذا حال العاجز عن الاجتهاد في تعيين ما هو قضية الأدلة في هذه المسألة.

و أما غيره فقد اختلفوا في جواز تقليد (3) المفضول و عدم جوازه ذهب بعضهم إلى الجواز و المعروف بين الأصحاب على ما قيل عدمه و هو الأقوى


1- الإسراء: 36.
2- الزخرف: 23.
3- في « ب»: تقديم.

ص: 475

للأصل و عدم دليل على خلافه و لا إطلاق في أدلة التقليد بعد الغض عن نهوضها على مشروعية أصله لوضوح أنها إنما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا في كل حال من غير تعرض أصلا لصورة معارضته بقول الفاضل كما هو شأن سائر الطرق و الأمارات على ما لا يخفى.

و دعوى (1) السيرة على الأخذ بفتوى أحد المخالفين في الفتوى من دون فحص عن أعلميته مع العلم بأعلمية أحدهما ممنوعة.

و لا عسر في تقليد الأعلم لا عليه لأخذ فتاواه من رسائله و كتبه و لا لمقلديه لذلك أيضا و ليس تشخيص الأعلمية بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد مع أن قضية نفي العسر الاقتصار على موضع العسر فيجب فيما لا يلزم منه عسر فتأمل جيدا.

و قد استدل للمنع أيضا بوجوه.

أحدها (2) نقل الإجماع على تعيين تقليد الأفضل.

ثانيها (3) الأخبار الدالة على ترجيحه مع المعارضة كما في المقبولة (4) و غيرها (5) أو على اختياره للحكم بين الناس كما دل عليه المنقول (6) (عن أمير المؤمنين عليه السلام: اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك).

ثالثها (7) أن قول الأفضل أقرب من غيره جزما فيجب الأخذ به عند


1- راجع شرح مختصر الأصول/ 484.
2- مطارح الأنظار/ 303، في التنبيه السادس، عند استدلاله على القول بوجوب تقليد الأفضل.
3- مفاتيح الأصول/ 627.
4- التهذيب 6: 301، الباب 92، الحديث 6- الكافي 1: 54. باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم، الحديث 10.
5- التهذبيب 6/ 301، الباب 92، الحديث 50 و 51- الفقيه 3: 5 الباب 9 الحديث 1 و 2.
6- نهج البلاغة الجزء الثالث: 104 في كتابه ( عليه السلام) للأشتر النخعي.
7- الذريعة 2: 801، في باب الاجتهاد، فصل صفة المفتي و المستفتي. المعالم/ 241. في « أصل: و يعتبر في المفتى.. الخ» من المطلب التاسع.

ص: 476

المعارضة عقلا.

و لا يخفى ضعفها.

أما الأول فلقوة احتمال أن يكون وجه القول بالتعيين للكل أو الجل هو الأصل فلا مجال لتحصيل الإجماع مع الظفر بالاتفاق فيكون نقله موهونا مع عدم حجية نقله و لو مع عدم وهنه.

و أما الثاني فلأن الترجيح مع المعارضة في مقام الحكومة لأجل رفع الخصومة التي لا تكاد ترتفع إلا به لا يستلزم الترجيح في مقام الفتوى كما لا يخفى.

و أما الثالث فممنوع صغرى و كبرى أما الصغرى فلأجل أن فتوى غير الأفضل ربما يكون أقرب من فتواه لموافقته لفتوى من هو أفضل منه ممن مات و لا يصغى إلى أن فتوى الأفضل أقرب في نفسه فإنه لو سلم أنه كذلك إلا أنه ليس بصغرى لما ادعي عقلا من الكبرى بداهة أن العقل لا يرى تفاوتا بين أن تكون الأقربية في الأمارة لنفسها أو لأجل موافقتها لأمارة أخرى كما لا يخفى.

و أما الكبرى فلأن ملاك حجية قول الغير تعبدا و لو على نحو الطريقية لم يعلم أنه القرب من الواقع فلعله يكون ما هو في الأفضل و غيره سيان و لم يكن لزيادة القرب في أحدهما دخل أصلا.

نعم لو كان تمام الملاك هو القرب كما إذا كان حجة بنظر العقل لتعين الأقرب قطعا فافهم.

فصل اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي

و المعروف بين الأصحاب (1) الاشتراط


1- راجع مسالك الأفهام 1: 127، في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و قواعد الأحكام 119 كتاب الجهاد، في المقصد الخامس.

ص: 477

و بين العامة» عدمه و هو خيرة الأخباريين (1) و بعض المجتهدين (2) من أصحابنا و ربما نقل تفاصيل.

منها (3) التفصيل بين البدوي فيشترط و الاستمراري فلا يشترط و المختار ما هو المعروف بين الأصحاب للشك في جواز تقليد الميت و الأصل عدم جوازه و لا مخرج عن هذا الأصل إلا ما استدل به المجوز على الجواز من وجوه ضعيفة.

منها (4) استصحاب جواز تقليده في حال حياته و لا يذهب عليك أنه لا مجال له لعدم بقاء موضوعه عرفا لعدم بقاء الرأي معه فإنه متقوم بالحياة بنظر العرف و إن لم يكن كذلك واقعا حيث إن الموت عند أهله موجب لانعدام الميت و رأيه و لا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض أحكام حال حياته كطهارته و نجاسته و جواز نظر زوجته إليه فإن ذلك إنما يكون فيما لا يتقوم بحياته عرفا بحسبان بقائه ببدنه الباقي بعد موته و إن احتمل أن يكون للحياة دخل في عروضه واقعا و بقاء الرأي لا بد منه في جواز التقليد قطعا و لذا لا يجوز التقليد فيما إذا تبدل الرأي أو ارتفع لمرض أو هرم إجماعا.

و بالجملة يكون انتفاء الرأي بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه و يكون حشره في القيامة إنما هو من باب إعادة المعدوم و إن لم يكن كذلك حقيقة لبقاء موضوعه و هو النفس الناطقة الباقية حال الموت لتجرده و قد عرفت في باب الاستصحاب أن المدار في بقاء الموضوع و عدمه هو العرف فلا يجدي بقاء النفس


1- الفوائد المدنية 149.
2- كالمحقق القمي، قوانين الأصول 2.
3- راجع مفاتيح الاصول/ 624.
4- راجع مفاتيح الأصول/ 624، في التنبيه الأول من تقليد الميت.

ص: 478

عقلا في صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف عليه و حسبان أهله أنها غير باقية و إنما تعاد يوم القيامة بعد انعدامها فتأمل جيدا.

لا يقال نعم الاعتقاد و الرأي و إن كان يزول بالموت لانعدام موضوعه إلا أن حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته كما هو الحال في الرواية.

فإنه يقال لا شبهة في أنه لا بد في جوازه من بقاء الرأي و الاعتقاد و لذا لو زال بجنون أو تبدل و نحوهما لما جاز قطعا كما أشير إليه آنفا هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي.

و أما الاستمراري فربما يقال بأنه قضية استصحاب الأحكام التي قلده فيها فإن رأيه و إن كان مناطا لعروضها و حدوثها إلا أنه عرفا من أسباب العروض لا من مقومات الموضوع و المعروض و لكنه لا يخفى أنه لا يقين بالحكم شرعا سابقا فإن جواز التقليد إن كان بحكم العقل و قضية الفطرة كما عرفت فواضح فإنه لا يقتضي أزيد من تنجز ما أصابه من التكليف و العذر فيما أخطأ و هو واضح و إن كان بالنقل فكذلك على ما هو التحقيق من أن قضية الحجية شرعا ليس إلا ذلك لإنشاء أحكام شرعية على طبق مؤداها فلا مجال لاستصحاب ما قلده لعدم القطع به سابقا إلا على ما تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب (1) فراجع و لا دليل على حجية رأيه السابق في اللاحق.

و أما بناء على ما هو المعروف بينهم من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدت إليه من الأحكام الواقعية التكليفية أو الوضعية شرعا في الظاهر فلاستصحاب ما قلده من الأحكام و إن كان مجال بدعوى بقاء الموضوع عرفا لأجل كون الرأي عند أهل العرف من أسباب العروض لا من مقومات المعروض إلا أن الإنصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف فإنه من المحتمل لو لا


1- التنبيه الثاني/ ص 405.

ص: 479

المقطوع أن الأحكام التقليدية عندهم أيضا ليست أحكاما لموضوعاتها بقول مطلق بحيث عد من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه بسبب تبدل الرأي و نحوه بل إنما كانت أحكاما لها بحسب رأيه بحيث عد من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل و مجرد احتمال ذلك يكفي في عدم صحة استصحابها لاعتبار إحراز بقاء الموضوع و لو عرفا فتأمل جيدا.

هذا كله مع إمكان دعوى أنه إذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي بسبب الهرم أو المرض إجماعا لم يجز في حال الموت بنحو أولى قطعا فتأمل.

و منها إطلاق الآيات (1) الدالة على التقليد.

و فيه مضافا إلى ما أشرنا إليه من عدم دلالتها عليه منع إطلاقها على تقدير دلالتها و إنما هو مسوق لبيان أصل تشريعه كما لا يخفى و منه انقدح حال إطلاق ما دل من الروايات على التقليد (2) مع إمكان دعوى الانسباق إلى حال الحياة فيها.

و منها دعوى (3) أنه لا دليل على التقليد إلا دليل الانسداد و قضيته جواز تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما أصلا كما لا يخفى.

و فيه أنه لا يكاد تصل النوبة إليه لما عرفت من دليل العقل و النقل عليه.

و منها (4) دعوى السيرة على البقاء فإن المعلوم من أصحاب الأئمة


1- آية النفر/ التوبة: 122 و آية السؤال/ النحل: 43 و آية الكتمان/ البقرة: 159 و آية النبأ/ الحجرات: 5.
2- إكمال الدين و إتمام النعمة: 2/ 483، باب ذكر التوقيعات، الحديث 4 و للمزيد راجع الوسائل: 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.
3- استدل به المحقق القمي ( ره) قوانين الأصول: 2/ 265 في قانون عدم اشتراط مشافهة المفتي، عند قوله: بل الدليل عليه هو ما ذكرنا من البرهان... الخ.
4- مطارح الأنظار: 295 في أدلة القائلين بجواز الاستمرار على تقليد الميت.

ص: 480

عليهم السلام عدم رجوعهم عما أخذوه تقليدا بعد موت المفتي.

و فيه منع السيرة فيما هو محل الكلام و أصحابهم عليهم السلام إنما لم يرجعوا عما أخذوه من الأحكام لأجل أنهم غالبا إنما كانوا يأخذونها ممن ينقلها عنهم عليهم السلام بلا واسطة أحد أو معها من دون دخل رأي الناقل فيه أصلا و هو ليس بتقليد كما لا يخفى و لم يعلم إلى الآن حال من تعبد بقول غيره و رأيه أنه كان قد رجع أو لم يرجع بعد موته.

و [منها (1) غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر أو يذكر] (2).

المكاسب

اشارة

سرشناسه : انصاري، مرتضي بن محمدامين، ق 1281 - 1214

عنوان و نام پديدآور : ...المكاسب / مرتضي الانصاري؛ التحقيق مركز التحقيقات لموسسه احسن الحديث

مشخصات نشر : قم: احسن الحديث، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهري : ج 3

شابك : 964-5738-11-3(دوره) ؛ 964-5738-08-315000ريال:(ج.1) ؛ 964-5738-09-122000ريال:(ج.2) ؛ 964-5738-10-517000ريال:(ج.3)

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : كتابنامه

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : موسسه احسن الحديث. مركز تحقيقات

رده بندي كنگره : BP190/1/الف 8م 7 1379

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 79-2771

الجزء الثالث

الخيارات

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على أعدائهم أجمعين. القول في الخيار و أقسامه و أحكامه

مقدمتان
الأولى [في معنى الخيار لغة و اصطلاحا]

الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار- غلب في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك فسخ العقد على ما فسره به في موضع من الإيضاح- فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة و في عقد الفضولي و ملك الوارث رد العقد على ما زاد على الثلث و ملك العمة و الخالة لفسخ العقد على بنت الأخ و الأخت و ملك الأمة المزوجة من عبد فسخ العقد إذا أعتقت و ملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب- و لعل التعبير بالملك للتنبيه على أن الخيار من الحقوق لا من الأحكام فيخرج ما كان من قبيل الإجازة و الرد لعقد الفضولي و التسلط على فسخ العقود الجائزة فإن ذلك من الأحكام الشرعية لا من الحقوق و لذا لا تورث و لا تسقط بالإسقاط و قد يعرف بأنه ملك إقرار العقد و إزالته و يمكن الخدشة فيه بأنه إن أريد من إقرار العقد إبقاؤه على حاله بترك الفسخ فذكره مستدرك لأن القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه إذ القدرة لا تتعلق بأحد الطرفين و إن أريد منه إلزام العقد و جعله غير قابل لأن يفسخ. ففيه أن مرجعه إلى إسقاط حق الخيار فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار مع أن ظاهر الإلزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك فإن لكل منهما إلزامه من طرفه لا مطلقا ثم إن ما ذكرناه من معنى الخيار- هو المتبادر منه عرفا عند الإطلاق في كلمات المتأخرين و إلا فإطلاقه في الأخبار و كلمات الأصحاب على سلطنة الإجازة و الرد لعقد الفضولي و سلطنة الرجوع في الهبة و غيرهما من أفراد السلطنة شائع.

الثانية [الأصل في البيع اللزوم]
اشارة

ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه- أن الأصل في البيع اللزوم. قال في التذكرة الأصل في البيع اللزوم لأن الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك و الأصل الاستصحاب و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه و إنما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه انتهى.

أقول المستفاد من كلمات جماعة أن الأصل هنا قابل لإرادة معان
الأول الراجح

احتمله في جامع المقاصد- مستندا في تصحيحه إلى الغلبة. و فيه أنه إن أراد غلبة الأفراد فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط- و إن أراد غلبة الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة- مع أنه لا يناسب ما في القواعد من قوله و إنما يخرج من الأصل لأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب.

الثاني القاعدة المستفادة من العمومات

التي يجب الرجوع إليها عند الشك في الأفراد أو بعض الأحوال و هذا حسن لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توجيه الأصل- .

الثالث الاستصحاب

و مرجعه إلى أصالة عدم ارتفاع أثر العقد بمجرد فسخ أحدهما و هذا حسن.

الرابع المعنى اللغوي

بمعنى أن وضع البيع و بناءه عرفا و شرعا على اللزوم و صيرورة المالك الأول كالأجنبي و إنما جعل الخيار فيه حقا خارجيا لأحدهما أو لهما يسقط بالإسقاط و بغيره و ليس البيع كالهبة التي حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب بمعنى كونه حكما شرعيا له أصلا و بالذات بحيث لا يقبل الإسقاط و من هنا ظهر أن ثبوت خيار المجلس في أول أزمنة انعقاد البيع لا ينافي كونه في حد ذاته مبنيا على اللزوم لأن الخيار حق خارجي قابل للانفكاك. نعم لو كان في أول انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا للسقوط كان منافيا لبنائه على اللزوم فالأصل هنا كما قيل نظير قولهم إن الأصل في الجسم الاستدارة فإنه لا ينافي كون أكثر الأجسام على غير الاستدارة لأجل القاسر الخارجي و مما ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية حيث أنكر هذا الأصل لأجل خيار المجلس إلا أن يريد أن الأصل بعد ثبوت خيار المجلس بقاء عدم اللزوم و سيأتي ما فيه

بقي الكلام في معنى قول العلامة في القواعد و التذكرة إنه لا يخرج من هذا الأصل إلا بأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب فإن ظاهره أن ظهور العيب سبب لتزلزل البيع في مقابل الخيار مع أنه من أسباب الخيار و توجيهه بعطف الخاص على العام كما في جامع المقاصد غير ظاهر إذ لم يعطف العيب على أسباب الخيار بل عطف على نفسه و هو مباين له لا أعم. نعم قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله و إنما يجزع عن الأصل بأمرين أحدهما ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في أحد العوضين بل للتروي خاصة. و الثاني ظهور عيب في أحد العوضين انتهى. و حاصل التوجيه على هذا أن الخروج عن اللزوم لا يكون إلا بتزلزل

المكاسب، ج 3، ص 215

العقد لأجل الخيار و المراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين لا لاقتضاء نقص في أحد العوضين و بظهور العيب ما كان الخيار لنقص أحد العوضين لكنه مع عدم تمامه تكلف في عبارة القواعد مع أنه في التذكرة ذكر في الأمر الأول الذي هو الخيار فصولا سبعة بعدد أسباب الخيار و جعل السابع منها خيار العيب و تكلم فيه كثيرا و مقتضى التوجيه أن يتكلم في الأمر الأول فيما عدا خيار العيب و يمكن توجيه ذلك بأن العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل الخيار فإن نفس ثبوت الأرش بمقتضى العيب و إن لم يثبت خيار الفسخ موجب لاسترداد جزء من الثمن فالعقد بالنسبة إلى جزء من الثمن متزلزل قابل لإبقائه في ملك البائع و إخراجه عنه و يكفي في تزلزل العقد ملك إخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه. و إن شئت قلت إن مرجع ذلك إلى ملك فسخ العقد الواقع على مجموع العوضين من حيث المجموع و نقض مقتضاه من تملك كل من مجموع العوضين في مقابل الآخر لكنه مبني على كون الأرش جزء حقيقيا من الثمن كما عن بعض العامة ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.

و قد صرح العلامة في كتبه بأنه لا يعتبر في الأرش كونه جزء من الثمن بل له إبداله لأن الأرش غرامة و حينئذ فثبوت الأرش لا يوجب تزلزلا في العقد ثم إن الأصل بالمعنى الرابع إنما ينفع مع الشك في ثبوت خيار في خصوص البيع لأن الخيار حق خارجي يحتاج ثبوته إلى الدليل أما لو شك في عقد آخر من حيث اللزوم و الجواز فلا يقتضي ذلك الأصل لزومه لأن مرجع الشك حينئذ إلى الشك في الحكم الشرعي. و أما الأصل بالمعنى الأول فقد عرفت عدم تماميته و أما بمعنى الاستصحاب فيجري في البيع و غيره إذا شك في لزومه و جوازه و أما بمعنى القاعدة فيجري في البيع و غيره لأن أكثر العمومات الدالة على هذا المطلب يعم غير البيع

[الأدلة على أصالة اللزوم]
اشارة

و قد أشرنا في مسألة المعاطاة إليها و نذكرها هنا تسهيلا على الطالب-

فمنها قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

دل على وجوب الوفاء بكل عقد و المراد بالعقد مطلق العهد كما فسر به في صحيحة ابن سنان المروية في تفسير علي بن إبراهيم أو ما يسمى عقدا لغة و عرفا. و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه- بحسب الدلالة اللفظية نظير الوفاء بالنذر فإذا دل العقد مثلا على تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له فأخذه من يده بغير رضاه و التصرف فيه كذلك نقض لمقتضى ذلك العهد فهو حرام فإذا حرم بإطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد و منها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه كان هذا لازما مساويا للزوم العقد و عدم انفساخه بمجرد فسخ أحدهما فيستدل بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي أعني فساد الفسخ من أحدهما بغير رضا الآخر و هو معنى اللزوم بل قد حقق في الأصول أن لا معنى للحكم الوضعي إلا ما انتزع من الحكم التكليفي. و مما ذكرنا ظهر ضعف ما قيل من أن معنى وجوب الوفاء بالعقد العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز فلا يتم الاستدلال به على اللزوم. توضيح الضعف أن اللزوم و الجواز من الأحكام الشرعية للعقد و ليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع. نعم هذا المعنى أعني وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه يصير بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد مساويا للزوم و أضعف من ذلك ما نشأ من عدم التفطن لوجه دلالة الآية على اللزوم مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور و هو أن المفهوم من الآية عرفا حكمان تكليفي و وضعي و قد عرفت أن ليس المستفاد منها إلا حكم واحد تكليفي يستلزم حكما وضعيا

[الاستدلال بآية أحل الله البيع]

و من ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالى أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ على اللزوم فإن حلية البيع التي لا يراد منها إلا حلية جميع التصرفات المترتب عليه التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضاء الآخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ و كونه لغوا غير مؤثر

[الاستدلال بآية تجارة عن تراض]

و منه يظهر وجه الاستدلال على اللزوم بإطلاق حلية أكل المال بالتجارة عن تراض فإنه يدل على أن التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق حتى بعد فسخ أحدهما من دون رضاء الآخر فدلالة الآيات الثلاث على أصالة اللزوم على نهج واحد لكن يمكن أن يقال- إنه إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة بإطلاق الآيتين الأخيرتين لم يمكن التمسك في رفعه إلا بالاستصحاب و لا ينفع الإطلاق.

و منها قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ

دل على حرمة الأكل بكل وجه يسمى باطلا عرفا و موارد ترخيص الشارع ليس من الباطل فإن أكل المارة من ثمرة الأشجار التي تمر بها باطل لو لا إذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه و كذلك الأخذ بالشفعة و الخيار فإن رخصة الشارع في الأخذ بهما يكشف عن ثبوت حق لذوي الخيار و الشفعة و ما نحن فيه من هذا القبيل فإن أخذ مال الغير و تملكه من دون إذن صاحبه باطل عرفا. نعم لو دل الشارع على جوازه كما في العقود الجائزة بالذات أو بالعارض كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلق بالعين. و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله ص: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه.

و منها قوله: الناس مسلطون على أموالهم

فإن مقتضى السلطنة التي أمضاها الشارع أن لا يجوز أخذه من يده و تملكه عليه من دون رضاه و لذا استدل المحقق في الشرائع على عدم جواز رجوع المقرض فيما أقرضه بأن فائدة الملك التسلط و نحوه العلامة في بعض كتبه و الحاصل أن جواز العقد الراجع إلى تسلط الفاسخ على تملك ما انتقل عنه و صار مالا لغيره و أخذه منه بغير رضاه مناف لهذا العموم

و منها قوله: المؤمنون عند شروطهم

و قد استدل به على اللزوم غير واحد منهم المحقق الأردبيلي قدس سره بناء على أن الشرط مطلق الإلزام و الالتزام و لو ابتدأ من غير ربط بعقد آخر فإن العقد على هذا شرط فيجب الوقوف عنده و يحرم التعدي عنه فيدل على اللزوم بالتقريب المتقدم في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية بل المتبادر عرفا

المكاسب، ج 3، ص 216

هو الإلزام التابع- كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتى في مثل قوله في دعاء التوبة: و لك يا رب شرطي ألا أعود في مكروهك و عهدي أن أهجر جميع معاصيك و قوله في أول دعاء الندبة: بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا كما لا يخفى على من تأملها مع أن كلام بعض أهل اللغة على ما ادعينا من الاختصاص ففي القاموس الشرط إلزام الشي ء و التزامه في البيع و نحوه

و منها الأخبار المستفيضة في أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا

و أنه إذا افترقا وجب البيع و أنه لا خيار لهما بعد الرضا

فهذه جملة من العمومات- الدالة على لزوم البيع عموما أو خصوصا

[مقتضى الاستصحاب أيضا اللزوم]

و قد عرفت أن ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا و ربما يقال إن مقتضى الاستصحاب- عدم انقطاع علاقة المالك عن العين فإن الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع و هذا الاستصحاب حاكم على الاستصحاب المتقدم المقتضي اللزوم و رد بأنه إن أريد بقاء علاقة الملك أو علاقة يتفرع على الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك و إن أريد بها سلطنة إعادة العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك و إنما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل فإذا فقد الدليل فالأصل عدمها و إن أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع فإنها تستصحب عند الشك فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار كما يقال الأصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرف في مقابل من جعلها لازمة بالتصرف ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس بل مطلقا بناء على أن الواجب هنا الرجوع في زمان الشك إلى عموم أوفوا بالعقود لا الاستصحاب أنه لا يجدي بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق فيبقى ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم فتأمل

[ظاهر المختلف أن الأصل عدم اللزوم و المناقشة فيه]

ثم إنه يظهر من المختلف في مسألة أن المسابقة لازمة أو جائزة أن الأصل عدم اللزوم و لم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الأصل. نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر و عدم زواله بدون رضا الطرفين

[إذا شك في عقد أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز]

ثم إن ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم- إنما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم و يجري أيضا فيما إذا شك في عقد خارجي أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز بناء على أن المرجع في الفرد المردد بين عنواني العام و المخصص إلى العموم و أما بناء على خلاف ذلك فالواجب الرجوع عند الشك في اللزوم إلى الأصل بمعنى استصحاب الأثر و عدم زواله بمجرد فسخ أحد المتعاقدين إلا أن يكون هنا أصل موضوعي يثبت العقد الجائز كما إذا شك في أن الواقع هبة أو صدقة فإن الأصل عدم قصد القربة فيحكم بالهبة الجائزة لكن الاستصحاب المذكور إنما ينفع في إثبات صفة اللزوم و أما تعيين العقد اللازم حتى يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا أريد تعيين البيع عند الشك فيه و في الهبة فلا بل يرجع في أثر كل عقد إلى ما يقتضيه الأصل بالنسبة إليه فإذا شك في اشتغال الذمة بالعوض حكم بالبراءة التي هي من آثار الهبة و إذا شك في الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان لعموم على اليد إن كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة و إن كان المستند دخوله في ضمان العين أو قلنا بأن خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقا لها كان الأصل البراءة أيضا

القول في أقسام الخيار
اشارة

و هي كثيرة إلا أن أكثرها متفرقة و المجتمع منها في كل كتاب سبعة و قد أنهاها بعضهم إلى أزيد من ذلك- حتى أن المذكور في اللمعة مجتمعا أربعة عشر مع عدم ذكره لبعضها و نحن نقتفي أثر المقتصر على السبعة كالمحقق و العلامة قدس سرهما لأن ما عداها لا يستحق عنوانا مستقلا إذ ليس له أحكام مغاير لسائر أنواع الخيار فنقول و بالله التوفيق

الأول في خيار المجلس
اشارة

فالمراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين حين البيع- و إنما عبر بفرده الغالب و إضافة الخيار إليه لاختصاصه و ارتفاعه بانقضائه الذي هو الافتراق و لا خلاف بين الإمامية في ثبوت هذه الخيار و النصوص به مستفيضة- و الموثق الحاكي لقول علي ع: إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب مطروح أو مؤول و لا فرق بين أقسام البيع و أنواع المبيع. نعم سيجي ء استثناء بعض أشخاص المبيع كالمنعتق على المشتري و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل

مسألة لا إشكال في ثبوته للمتبائعين إذا كانا أصيلين و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة
اشارة

و هل يثبت لهما مطلقا خلاف قال في التذكرة لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان تعلق الخيار بهما و بالموكلين مع حضورهما في المجلس و إلا فبالوكيلين فلو مات الوكيل في المجلس و الموكل غائب انتقل الخيار إليه لأن ملكه أقوى من ملك الوارث و للشافعية قولان أحدهما أنه يتعلق بالموكل و الآخر أنه يتعلق بالوكيل انتهى.

[أقسام الوكيل]
[أن يكون وكيلا في مجرد إجراء العقد]

أقول و الأولى أن يقال- إن الوكيل إن كان وكيلا في مجرد إجراء العقد فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما- وفاقا لجماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان لأن المتبادر من النص غيرهما و إن عممناه لبعض أفراد الوكيل و لم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه بحكم الغلبة إلى خصوص العاقد المالك مضافا إلى أن مفاد أدلة الخيار إثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلطه على ما انتقل إليه فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج أ لا ترى أنه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو إعتاقه لنذر فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه لأدلة الخيار بزعم إثباتها للخيار المستلزم لجواز رده على البائع و عدم وجوب عتقه هذا مضافا إلى ملاحظة بعض أخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه و بين خيار الحيوان الذي لا يرضى الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في إجراء

المكاسب، ج 3، ص 217

الصيغة فإن المقام و إن لم يكن من تعارض المطلق و المقيد إلا أن سياق الجميع يشهد باتحاد. المراد من لفظ المتبايعين مع أن ملاحظة حكمة الخيار بتعدي ثبوته للوكيل المذكور مضافا إلى أدلة سائر الخيارات فإن القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه و الظاهر عدم دخوله في إطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة. فإن الظاهر من قوله اشترى الوكيل أو باع تصرف الوكيل بالبيع و الشراء لا مجرد إيقاع الصيغة و من جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين كما هو ظاهر الحدائق- و أضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ بزعم أن الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد إجرائه للعقد فلا يبطل بمنع الموكل و على المختار فهل يثبت للموكلين فيه إشكال- من أن الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان فلا يعم الموكلين. و ذكروا أنه لو حلف على عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله و من أن الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين و نسبة الفعل إليهما شائعة و لذا لا يتبادر من قوله باع فلان ملكه الكذائي كونه مباشرا للصيغة و عدم الحنث بمجرد التوكيل في إجراء الصيغة ممنوع فالأقوى ثبوته لهما و لكن مع حضورهما في مجلس العقد و المراد به مجلسهما المضاف عرفا إلى العقد فلو جلس هذا في مكان و ذاك في مكان آخر فاطلعا على عقد الوكيلين فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما إلا إذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد بحيث يكون الوكيلان كلساني الموكلين و العبرة بافتراق الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين هذا كله إن كان وكيلا في مجرد إيقاع العقد

[أن يكون وكيلا مستقلا في التصرف المالي]

و إن كان وكيلا في التصرف المالي كأكثر الوكلاء فإن كان مستقلا في التصرف في مال الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها نظير العامل في القراض و أولياء القاصرين فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص و دعوى تبادر المالكين ممنوعة خصوصا إذا استندت إلى الغلبة- فإن معاملة الوكلاء و الأولياء لا تحصى و هل يثبت للموكلين أيضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة إشكال من تبادر المتعاقدين من النص و قد تقدم عدم حنث الحالف على ترك البيع ببيع وكيله و من أن المستفاد من أدلة سائر الخيارات و خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار في بعض النصوص كون الخيار حقا لصاحب المال شرعا إرفاقا له و أن ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه إلا أن يدعى مدخلية المباشرة للعقد فلا يثبت لغير المباشر و لكن الوجه الأخير لا يخلو عن قوة و حينئذ فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص كثيرة- من طرف واحد أو من الطرفين فكل من سبق من أهل الطرف الواحد إلى إعماله نفذ و سقط خيار الباقين بلزوم العقد أو بانفساخه و ليس المقام من تقديم الفاسخ على المجيز فإن تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين و هذا فرض من جانب واحد ثم على المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرق المتعاقدين أو بتفرق الكل فيكفي بقاء أصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الأخير

[أن لا يكون مستقلا في التصرف]

و إن لم يكن مستقلا في التصرف في مال الموكل قبل العقد و بعده بل كان وكيلا في التصرف على وجه المعاوضة كما إذا قال له اشتر لي عبدا و الظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل لا لانصراف الإطلاق إلى غير ذلك بل لما ذكرنا في القسم الأول من إطلاق أدلة الخيار مسوق لإفادة سلطنة كل من العاقدين على ما نقله عند الفراغ عن تمكنه من رد ما انتقل إليه فلا تنهض لإثبات هذا التمكن عند الشك فيه و لا لتخصيص ما دل على سلطنة الموكل على ما انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرف الوكيل فيه برده إلى مالكه الأصلي و في ثبوته للموكلين ما تقدم

[هل للموكل تفويض حق الخيار إلى الوكيل]

و الأقوى اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه ثم هل للموكل بناء على ثبوت الخيار له تفويض الأمر إلى الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري- الأقوى العدم لأن المتيقن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده. نعم يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرف فسخا أو التزاما.

[عدم ثبوت الخيار للفضولي]

و مما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين و إن جعلنا الإجازة كاشفة لا لعدم صدق المتبايعين لأن البيع النقل و لا نقل هنا كما قيل لاندفاعه بأن البيع النقل العرفي و هو موجود هنا. نعم ربما كان ظاهر الأخبار حصول الملك شرعا بالبيع و هذا المعنى منتف في الفضولي قبل الإجازة و يندفع أيضا بأن مقتضى ذلك عدم الخيار في الصرف و السلم قبل القبض مع أن هذا المعنى لا يصح على مذهب الشيخ- القائل بتوقف الملك على انقضاء الخيار فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوى ما تقدم- من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين. نعم في ثبوته للمالكين بعد الإجازة مع حضورهما في مجلس العقد وجه و اعتبار مجلس الإجازة على القول بالنقل له وجه خصوصا على القول بأن الإجازة عقد مستأنف على ما تقدم. توضيحه في مسألة عقد الفضولي و يكفي حينئذ الإنشاء أصالة من أحدهما و الإجازة من الآخر إذا جمعهما مجلس عرفا. نعم يحتمل في أصل المسألة أن يكون الإجازة من المجيز التزاما بالعقد فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ التزمت فتأمل و لا فرق في الفضوليين بين الغاصب و غيره فلو تبايع غاصبان ثم تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الإجازة بخلاف ما لو رد الموجب منهما قبل قبول الآخر لاختلال صورة المعاقدة و الله العالم.

مسألة لو كان العاقد واحدا

لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة على وجه يثبت له الخيار مع التعدد بأن كان وليا أو وكيلا مستقلا في التصرف فالمحكي عن ظاهر الخلاف و القاضي و المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و المحقق الميسي و الصيمري و غيرهم ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين لأنه بائع و مشتر فله ما لكل منهما كسائر أحكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين و احتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت مع قيام العنوانين لشخص واحد مندفع باستقرار سائر أحكام المتبايعين و جعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبني على الغالب خلافا للمحكي في التحرير من القول بالعدم و استقربه فخر الدين و مال إليه المحقق الأردبيلي و الفاضل الخراساني

المكاسب، ج 3، ص 218

و المحدث البحراني و استظهره بعض الأفاضل ممن عاصرناهم و لا يخلو عن قوة بالنظر إلى ظاهر النص لأن الموضوع فيه صورة التعدد و الغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد و لولاها لأمكن استظهار كون التعدد في الموضوع لبيان حكم كل من البائع و المشتري كسائر أحكامهما إذ لا يفرق العرف بين قوله المتبايعان كذا و قوله لكل من البائع و المشتري إلا أن التقييد بقوله حتى يفترقا ظاهر في اختصاص الحكم بصورة إمكان فرض الغاية و لا يمكن فرض التفرق في غير المتعدد و منه يظهر سقوط القول بأن كلمة حتى تدخل على الممكن و المستحيل إلا أن يدعى أن التفرق غاية مختصة بصورة التعدد لا مخصصة للحكم بها. و بالجملة فحكم المشهور بالنظر إلى ظاهر اللفظ مشكل. نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط لكن الإشكال فيه و الأولى التوقف تبعا للتحرير و جامع المقاصد ثم لو قلنا بالخيار فالظاهر بقائه إلى أن يسقط بأحد المسقطات غير التفرق.

مسألة قد يستثنى بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار
منها من ينعتق على أحد المتبايعين

و المشهور كما قيل عدم الخيار مطلقا بل عن ظاهر المسالك أنه محل وفاق و احتمل في الدروس ثبوت الخيار للبائع و الكلام فيه مبني على القول المشهور من عدم توقف الملك على انقضاء الخيار- و إلا فلا إشكال في ثبوت الخيار و الظاهر أنه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى نفس العين لأن مقتضى الأدلة الانعتاق بمجرد الملك و الفسخ بالخيار من حينه لا من أصله و لا دليل على زواله بالفسخ مع قيام الدليل على زوال الحرية بعد تحققها إلا على احتمال ضعفه في التحرير فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا مبني على تزلزل العتق و أما الخيار بالنسبة إلى أخذ القيمة فقد يقال مقتضى الجمع بين أدلة الخيار و دليل عدم عود الحر إلى الرقية فيفرض المعتق كالتالف فلمن انتقل إليه أن يدفع القيمة و يسترد الثمن. و ما في التذكرة من أنه وطن نفسه على الغبن المالي و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروى لدفع الغبن عن نفسه ممنوع لأن التوطين على شرائه عالما بانعتاقه عليه ليس توطينا على الغبن من حيث المعاملة و كذا لمن انتقل عنه أن يدفع الثمن و يأخذ القيمة و ما في التذكرة من تغليب جانب العتق إنما يجدي مانعا عن دفع العين لكن الإنصاف أنه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه لأن شراءه إتلاف له في الحقيقة و إخراج له عن المالية و سيجي ء سقوط الخيار بالإتلاف بل أدنى تصرف فعدم ثبوته به أولى و منه يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه لأن بيعه من ينعتق عليه إقدام على إتلافه و إخراجه عن المالية. و الحاصل أنا إذا قلنا إن الملك فيمن ينعتق عليه تقديري لا حقيقي- فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطأة على إخراجه عن المالية و سلكه في سلك ما لا يتمول لكنه حسن مع علمهما فتأمل. و قد يقال إن ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبني على أن الخيار و الانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما أو الأول بالأول و الثاني بالثاني أو العكس فعلى الأولين و الأخير يقوى القول بالعدم لأمضوية أخبار العتق و كون القيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل و لسبق تعلقه على الأخير و يحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين و دفعا للمنافاة من البين و عملا بالنصين و بالإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن العوضين و تنزيلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما و للعتق بمنزلة تلف العين و لأنهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع إلى القيمة فيما إذا باع بشرط العتق فظهر كونه ممن ينعتق على المشتري أو تعيب بما يوجب ذلك و الظاهر عدم الفرق بينه و بين المقام و على الثالث يتجه الثاني لما مر و لسبق تعلق حق الخيار و عروض العتق ثم قال و حيث كان المختار في الخيار أنه بمجرد العقد و في العتق أنه بعد الملك و دل ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب على أن أحكام العقود و الإيقاعات تتبعها بمجرد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع من غير فرق بين الخيار و غيره بل قد صرحوا بأن الخيار يثبت بعد العقد و أنه علة و المعلول لا يتخلف عن علته كما أن الانعتاق لا يتخلف عن الملك فالأقرب هو الأخير كما هو ظاهر المختلف و التحرير و مال إليه الشهيد إن لم يثبت الإجماع على خلافه و يؤيده إطلاق الأكثر و دعوى ابن زهرة الإجماع على ثبوت خيار المجلس في جميع ضروب المبيع من غير استثناء انتهى كلامه رفع مقامه أقول إن قلنا إنه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل- خروج الملك عن ملك من انتقل عنه نظرا إلى أن خروج أحد العوضين عن ملك أحدهما يستلزم دخول الآخر فيه و لو تقديرا لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه و لو قلنا بكون الخيار بمجرد العقد و الانعتاق عقيب الملك آنا ما إذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه لأن يخرج من ملك المشتري إلى ملك البائع و لو تقديرا إذ ملكية المشتري لمن ينعتق عليه ليس على وجه يترتب عليه سوى الانعتاق و لا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري إلى ملك البائع ثم انعتاقه مضمونا على المشتري كما لو فرض بيع المشتري للمبيع في زمن الخيار ثم فسخ البائع. و الحاصل أن الفاسخ يتلقى الملك من المفسوخ عليه و هذا غير حاصل فيما نحن فيه و إن قلنا أن الفسخ لا يقتضي أزيد من رد العين إن كان موجودا و بدله إن كان تالفا أو كالتالف و لا يعتبر في صورة

التلف إمكان تقدير تلقى الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و تملكه منه بل يكفي أن يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ و الرجوع إلى القيمة فيما تقدم في مسألة البيع شرط العتق ثم ظهور المبيع منعتقا على المشتري و حكمهم برجوع الفاسخ إلى القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم مع عدم إمكان تقدير عود الملك قبل الانتقال الذي هو بمنزلة التلف إلى الفاسخ كان الأوفق بعمومات الخيار القول به هنا و الرجوع إلى القيمة إلا مع إقدام المتبايعين على المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه فالأقوى العدم لأنهما قد تواطئا على إخراجه عن المالية الذي هو بمنزلة إتلافه. و بالجملة فإن الخيار حق في العين و إنما يتعلق بالبدل بعد تعذره لا ابتداء

المكاسب، ج 3، ص 219

فإذا كان نقل العين إبطالا لماليته و تفويتا لمحل الخيار كان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه فلم يحدث حق في العين حتى يتعلق ببدله و قد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع بإتلاف المبيع و نقله إلى من ينعتق عليه كالإتلاف له من حيث المالية فدفع الخيار به أولى و أهون من رفعه فتأمل.

و منها العبد المسلم المشتري من الكافر

بناء على عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا فإنه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لأحدهما أما بالنسبة إلى العين فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم و تمليكه إياه و أما بالنسبة إلى القيمة فلما تقدم من أن الفسخ يتوقف على رجوع العين إلى مالكه الأصلي و لو تقدير التكون مضمونة له بقيمته على من انتقل إليه و رجوع المسلم إلى الكافر غير جائز و هذا هو المحكي عن حواشي الشهيد رحمه الله حيث قال إنه يباع و لا يثبت له خيار المجلس و لا الشرط و يمكن أن يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط و إن ثبت للمشتري فيوافق مقتضى كلام فخر الدين في الإيضاح من أن البيع بالنسبة إلى الكافر استنقاذ و بالنسبة إلى المشتري كالبيع بناء منه على عدم تملك السيد الكافر له لأن الملك سبيل و إنما له حق استيفاء ثمنه منه لكن الإنصاف أنه على هذا التقدير لا دليل على ثبوت الخيار للمشتري أيضا لأن الظاهر من قوله البيعان بالخيار اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين مع أنه لا معنى لتحقق العقد البيعي من طرف واحد فإن شروط البيع إن كانت موجودة تحقق من الطرفين و إلا لم يتحقق أصلا كما اعترف به بعضهم في مسألة بيع الكافر الحربي من ينعتق عليه و الأقوى في المسألة وفاقا لظاهر الأكثر و صريح كثير ثبوت الخيار في المقام و إن تردد في القواعد بين استرداد العين أو القيمة. و ما ذكرنا من أن الرجوع بالقيمة مبني على إمكان تقدير الملك في ملك المالك الأصلي لو أغمضنا عن منعه كما تقدم في المسألة السابقة غير قادح هنا لأن تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر على المسلم و لذا جوزنا له شراء من ينعتق عليه و قد مر بعض الكلام في ذلك في شروط المتعاقدين.

و منها شراء العبد نفسه

بناء على جوازه فإن الظاهر عدم الخيار فيه و لو بالنسبة إلى القيمة لعدم شمول أدلة الخيار له و اختاره في التذكرة و فيها أيضا أنه لو اشترى جمدا في شدة الحر ففي الخيار إشكال و لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار فلا يندفع الإشكال بما في جامع المقاصد من أن الخيار لا يسقط بالتلف لأنه لا يسقط به إذا ثبت قبله فتأمل.

مسألة لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع عند علمائنا

كما في التذكرة و عن تعليق الإرشاد و غيرهما و عن الغنية الإجماع عليه و صرح الشيخ في غير موضع من المبسوط بذلك أيضا بل عن الخلاف الإجماع على عدم دخوله في الوكالة و العارية و القراض و الحوالة و الوديعة إلا أنه في المبسوط بعد ذكر جملة من العقود التي يدخلها الخيار و التي لا يدخلها قال و أما الوكالة و الوديعة و العارية و القراض و الجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع انتهى و مراده خيار المجلس و الشرط. و حكي نحوه عن القاضي و لم يعلم معنى الخيار في هذه العقود بل جزم في التذكرة بأنه لا معنى للخيار فيها لأن الخيار فيها أبدا و احتمل في الدروس أن يراد بذلك عدم جواز التصرف قبل انقضاء الخيار و لعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في هذه العقود لا الموجب إذ لا معنى لتوقف جواز تصرف المالك في هذه العقود على انقضاء الخيار لأن أثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف فهو الذي يمكن توقفه على انقضاء الخيار الذي جعل الشيخ قدس سره أثر البيع متوقفا عليه- لكن الإنصاف أن تتبع كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام يشهد بعدم إرادته هذا المعنى فإنه صرح في مواضع قبل هذا الكلام و بعده باختصاص خيار المجلس بالبيع و الذي يخطر بالبال أن مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع فتنفسخ بفسخه في المجلس و هذا المعنى و إن كان بعيدا في نفسه إلا أن ملاحظة كلام الشيخ في المقام يقربه إلى الذهن و قد ذكر نظير ذلك في جريان الخيارين في الرهن و الضمان و صرح في السرائر بدخول الخيارين في هذه العقود لأنها جائزة فيجوز الفسخ في كل وقت و هو محتمل كلام الشيخ فتأمل. و كيف كان فلا إشكال في أصل هذه المسألة.

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد

لأن ظاهر النص كون البيع علة تامة و مقتضاه كظاهر الفتاوى شمول الحكم للصرف و السلم قبل القبض و لا إشكال فيه لو قلنا بوجوب التقابض في المجلس في الصرف و السلم وجوبا تكليفيا إما للزوم الربا كما صرح به في صرف التذكرة و إما لوجوب الوفاء بالعقد و إن لم يكن بنفسه مملكا لأن ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ فلا يجب التقابض أما لو قلنا بعدم وجوب التقابض و جواز تركه إلى التفرق المبطل للعقد ففي أثر الخيار خفاء لأن المفروض بقاء سلطنة كل من المتعاقدين على ملكه و عدم حق لأحدهما في مال الآخر و يمكن أن يكون أثر الخيار خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض الملك فلو فرض اشتراط سقوط الخيار في العقد لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير. قال في التذكرة لو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد و إن أجازا قبل التقابض فكذلك و عليهما التقابض فإن تفرقا قبله انفسخ العقد ثم إن تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما فإن انفرد أحدهما بالمفارقة عصى انتهى و في الدروس يثبت يعني خيار المجلس في الصرف تقابضا أو لا فإن التزما به قبل القبض وجب التقابض فلو هرب أحدهما عصى و انفسخ العقد و لو هرب قبل الالتزام فلا معصية و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لأن للقبض مدخلا في اللزوم فله تركه انتهى و صرح الشيخ أيضا في المبسوط بثبوت التخاير في الصرف قبل التقابض. و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليين على القول بثبوت الخيار لهما من زمان إجازتهما على القول بالنقل و كذا على الكشف مع احتمال كونه من زمان العقد

القول في مسقطات الخيار
اشارة

و هي أربعة على ما ذكرها في التذكرة اشتراط سقوطه في

المكاسب، ج 3، ص 220

ضمن العقد و إسقاطه بعد العقد و التفرق و التصرف فيقع الكلام في مسائل.

مسألة لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد.
اشارة

و عن الغنية الإجماع عليه و يدل عليه قبل ذلك عموم المستفيض المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم و قد يتخيل معارضته بعموم أدلة الخيار و يرجح على تلك الأدلة بالمرجحات و هو ضعيف لأن الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود و موافقة عمل الأصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم في عموم أدلة الشروط كما يظهر من كتبهم و نحوه في الضعف التمسك بعموم أوفوا بالعقود بناء على صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به إذ فيه أن أدلة الخيار أخص فيخصص بها العموم بل الوجه مع انحصار المستند في عموم دليل الشروط عدم نهوض أدلة الخيار للمعارضة لأنها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي و هو الشرط لوجوب العمل به شرعا بل التأمل في دليل الشرط يقضي بأن المقصود منه رفع اليد عن الأحكام الأصلية الثابتة للمشروطات قبل وقوعها في حيز الاشتراط فلا تعارضه أدلة تلك الأحكام فحاله حال أدلة وجوب الوفاء بالنذر و العهد في عدم مزاحمتها بأدلة أحكام الأفعال المنذورة لو لا النذر. و يشهد لما ذكرنا من حكومة أدلة الشرط و عدم معارضتها للأحكام الأصلية حتى يحتاج إلى المرجح استشهاد الإمام في كثير من الأخبار بهذا العموم و على مخالفة كثير من الأحكام الأصلية. منها صحيحة مالك بن عطية قال:

سألت أبا عبد الله ع عن رجل كان له أب مملوك و كان تحت أبيه جارية مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار بعد ذلك على أبي إذا أنت ملكت نفسك قالت نعم فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار بعد ذلك قال ع لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم. و الرواية محمولة بقرينة الإجماع على عدم لزوم الشروط الابتدائية على صورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم أو المصالحة على إسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال و كيف كان فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط على نفي الخيار الثابت بالعمومات دليل على حكومتها عليها لا معارضتها المحوجة إلى التماس المرجح. نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه- الأول أن الشرط يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه لازما لأن الشرط في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه على أصل العقد بل هو كالوعد فلزوم الشرط يتوقف على لزوم العقد فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور. الثاني أن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد على ما هو ظاهر قوله البيعان بالخيار فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد. الثالث ما استدل به بعض الشافعية على عدم جواز اشتراط السقوط من أن إسقاطه الخيار في ضمن العقد إسقاط لما لم يجب لأن الخيار لا يحدث إلا بعد البيع فإسقاطه فيه كإسقاطه قبله هذا و لكن شي ء من هذه الوجوه لا يصلح للاستشكال أما الأول فلأن الخارج من عموم الشرط الشروط الابتدائية لأنها كالوعد الواقعة في ضمن العقود الجائزة بالذات أو بالخيار مع بقائها على الجواز لأن الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان لأن الشرط تابع و كالتقييد للعقد المشروط به أما إذا كان نفس مؤدى الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به كما فيما نحن فيه لا التزاما آخر مغايرا لالتزام أصل العقد فلزومه الثابت بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد فلا يلزم تفكيك بين التابع و المتبوع في اللزوم و الجواز. و أما الثاني فلأن الخيار حق للمتعاقدين اقتضاء العقد لو خلي و نفسه فلا ينافي سقوطه بالشرط. و بعبارة أخرى المقتضي للخيار العقد بشرط لا طبيعة العقد من حيث هي حتى لا يوجد بدونه و قوله البيعان بالخيار و إن كان له ظهور في العلية التامة إلا أن المتبادر من إطلاقه صورة الخلو عن شرط السقوط مع أن مقتضى الجمع بينه و بين دليل الشرط كون العقد مقتضيا لإتمام العلة ليكون التخلف ممتنعا شرعا. نعم يبقى الكلام في دفع توهم أنه لو بنى على الجمع بهذا الوجه بين دليل الشرط و عمومات الكتاب و السنة لم يبق شرط مخالف للكتاب و السنة بل و لا لمقتضى العقد و محل ذلك و إن كان في باب الشروط إلا أن مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه أنا حيث علمنا بالنص و الإجماع أن الخيار حق مالي قابل للإسقاط و الإرث لم يكن سقوطه منافيا للمشروع فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافي كما لو اشترطا في هذا العقد سقوط الخيار في عقد آخر. و أما عن الثالث بما عرفت من أن المتبادر من النص المثبت للخيار صورة الخلو عن الاشتراط و إقدام المتبايعين على عدم الخيار ففائدة الشرط إبطال المقتضي لا إثبات المانع و يمكن أن يستأنس لدفع الإشكال من هذا الوجه الثالث و من سابقه بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة

ثم إن هذا الشرط يتصور على وجوه-
أحدها أن يشترط عدم الخيار

و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط فيقول بعت بشرط أن لا يثبت خيار المجلس كما مثل به في الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة لأن المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

الثاني أن يشترط عدم الفسخ

فيقول بعت بشرط أن لا أفسخ في المجلس فيرجع إلى التزام ترك حقه فلو خالف الشرط و فسخ فيحتمل قويا عدم نفوذ الفسخ لأن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب إجباره عليه و عدم سلطنته على تركه كما لو باع منذور التصدق به على ما ذهب إليه غير واحد فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذة في حقه و يحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ على ما قاله بعضهم من أن بيع منذور التصدق حنث موجب للكفارة لا فاسد و حينئذ فلا فائدة في هذا غير الإثم على مخالفته إذ ما يترتب على مخالفة الشرط في غير هذا المقام من تسلط المشروط له على الفسخ لو خولف الشرط غير مترتب هنا و الاحتمال الأول أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال على

المكاسب، ج 3، ص 221

وجوب ترتب آثار الشرط و هو عدم الفسخ في جميع الأحوال حتى بعد الفسخ فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا كما تقدم نظيره في الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد على كون فسخ أحدهما منفردا لغوا لا يرفع وجوب الوفاء.

الثالث أن يشترط إسقاط الخيار

و مقتضى ظاهره وجوب الإسقاط بعد العقد فلو أخل به و فسخ العقد ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان و الأقوى عدم التأثير و هل للمشروط له الفسخ- بمجرد عدم إسقاط المشترط الخيار بعد العقد و إن لم يفسخ وجهان من عدم حصول الشرط و من أن المقصود منه إبقاء العقد- فلا يحصل التخلف إلا إذا فسخ و الأولى بناء على القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار لعدم تخلف الشرط و على القول بتأثيره ثبوت الخيار لأنه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد و يكون بقاء المشترط على سلطنة الفسخ مخالفا لمصلحة المشروط له و قد يموت ذو الخيار و ينتقل إلى وارثه.

بقي الكلام في أن المشهور أن تأثير الشرط إنما هو مع ذكره في متن العقد
اشارة

فلو ذكراه قبله لم يفد لعدم الدليل على وجوب الوفاء به و صدق الشرط على غير المذكور في العقد غير ثابت لأن المتبادر عرفا هو الإلزام و الالتزام المرتبط بمطلب آخر و قد تقدم عن القاموس أنه الإلزام و الالتزام في البيع و نحوه و عن الشيخ و القاضي تأثير الشرط المتقدم. قال في محكي الخلاف لو شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد صح الشرط و لزم العقد بنفس الإيجاب و القبول ثم نقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي ثم قال دليلنا أنه لا مانع من هذا الشرط و الأصل جوازه و عموم الأخبار في جواز الشرط يشمل هذا الموضع انتهى و نحوه المحكي عن جواهر القاضي. و قال في المختلف على ما حكي عنه بعد ذلك و عندي في ذلك نظر فإن الشرط إنما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد. نعم لو شرطا قبل العقد و تبايعا على ذلك الشرط صح ما شرطاه انتهى. أقول التبايع على ذلك الشرط إن كان بالإشارة إليه في العقد بأن يقول مثلا بعت على ما ذكر فهو من المذكور في متن العقد و إن كان بالقصد إليه و البناء عليه عند الإنشاء فهذا هو ظاهر كلام الشيخ نعم يحتمل أن يريد الصورة الأولى و أراد بقوله قبل العقد قبل تمامه و هذا هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع من هذا الاشتراط و يؤيده أيضا بل يعينه أن بعض أصحاب الشافعي إنما يخالف في صحة هذا الاشتراط في متن العقد. و قد صرح في التذكرة بذكر خلاف بعض الشافعية في اشتراط عدم الخيار في متن العقد و استدل عنهم بأن الخيار بعد تمام العقد فلا يصح إسقاطه قبل تمامه. و الحاصل أن ملاحظة عنوان المسألة في الخلاف و التذكرة و استدلال الشيخ على الجواز و بعض الشافعية على المنع يكاد يوجب القطع بعدم إرادة الشيخ صورة ترك الشرط في متن العقد و كيف كان فالأقوى أن الشرط الغير المذكور في متن العقد غير مؤثر لأنه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق لأن المتحقق في السابق إما وعد بالتزام أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به و العقد اللاحق و إن دفع مبنيا عليه لا يلزمه لأنه إلزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد إلا بجعل المتكلم و إلا فهو بنفسه ليس من متعلقات الكلام العقدي مثل العوضين و قيودهما حتى يقدر شرطا منويا فيكون كالمحذوف النحوي بعد نصب القرينة فإن من باع داره في حال بنائه في الواقع على عدم الخيار له لم يحصل له في ضمن بيعه إنشاء التزام بعدم الخيار و لم يقيد إنشاءه بشي ء بخلاف قوله بعتك على أن لا خيار لي الذي مؤداه بعتك ملتزما على نفسي و بانيا على أن لا خيار لي فإن إنشاءه للبيع قد اعتبر مقيدا بإنشائه التزام عدم الخيار فحاصل الشرط إلزام في التزام مع اعتبار تقييد الثاني بالأول و تمام الكلام في باب الشروط إن شاء الله تعالى.

فرع

ذكر العلامة في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس و غيره في متن العقد و هو ما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا باعه بأن قال لله علي أن أعتقك إذا بعتك قال لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر فيجب الوفاء به و لا يتم برفع الخيار و على قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغو الشرط و يصح البيع و يعتق انتهى. أقول هذا مبني على أن النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر على التصرفات المنافية له و قد مر أن الأقوى في الشرط أيضا كونه كذلك.

مسألة و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد
اشارة

بل هذا هو المسقط الحقيقي و لا خلاف ظاهرا في سقوطه بالإسقاط- و يدل عليه بعد الإجماع فحوى ما سيجي ء من النص الدال على سقوط الخيار بالتصرف معللا بأنه رضاء بالبيع مضافا إلى القاعدة المسلمة من أن لكل ذي حق إسقاط حقه و لعله لفحوى تسلط الناس على أموالهم فهم أولى بالتسلط على حقوقهم المتعلقة بالأموال و لا معنى لتسلطهم على مثل هذه الحقوق الغير القابلة للنقل إلا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الإسقاط و يمكن الاستدلال له بدليل الشرط لو فرض شموله للالتزام الابتدائي ثم إن الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه بإحدى الدلالات العرفية للفحوى المتقدمة و فحوى ما دل على كفاية بعض الأفعال في إجازة عقد الفضولي و صدق الإسقاط النافذ بمقتضى ما تقدم من التسلط على إسقاط الحقوق و على هذا فلو قال أحدهما أسقطت الخيار من الطرفين فرضي الآخر سقط خيار الراضي أيضا لكون رضاه بإسقاط الآخر خياره إسقاطا أيضا.

مسألة لو قال أحدهما لصاحبه اختر

فإن اختار المأمور الفسخ فلا إشكال في انفساخ العقد- و إن اختار الإمضاء ففي سقوط خيار الأمر أيضا مطلقا كما عن المبسوط الأكثر بل عن الخلاف الإجماع عليه أو بشرط إرادته تمليك الخيار لصاحبه و إلا فهو باق مطلقا كما هو ظاهر التذكرة أو مع قيد إرادة الاستكشاف دون التفويض و يكون حكم التفويض كالتمليك. أقول و لو سكت فخيار الساكت باق إجماعا و وجهه واضح و أما خيار الأمر ففي بقائه مطلقا أو بشرط عدم إرادة تمليك

المكاسب، ج 3، ص 222 الخيار كما هو ظاهر التذكرة أو سقوط خياره مطلقا كما عن الشيخ أقوال و الأولى أن يقال إن كلمة اختر بحسب وضعه لطلب اختيار المخاطب أحد طرفي العقد من الفسخ و الإمضاء و ليس فيه دلالة على ما ذكروه من تمليك الخيار أو تفويض الأمر أو استكشاف الحال. نعم الظاهر عرفا من حال الأمر أن داعيه استكشاف حال المخاطب و كأنه في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك المخاطب أمر الشي ء كما يظهر من باب الطلاق فإن تم دلالته حينئذ على إسقاط الأمر خياره بذلك و إلا فلا مزيل لخياره و عليه يحمل على تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض أخبار خيار المجلس أنهما بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر ثم إنه لا إشكال في أن إسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر و منه يظهر أنه لو أجاز أحدهما و فسخ الآخر انفسخ العقد لأنه مقتضى ثبوت الخيار فكان العقد بعد إجازة أحدهما جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز كما لو جعل الخيار من أول الأمر لأحدهما و هذا ليس تعارضا بين الإجازة و الفسخ و ترجيحا له عليها. نعم لو اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفين كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف أحد المتعاقدين أو من طرفهما المتعدد كالأصيل و الوكيل فأجاز أحدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة أو تصرف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة كما لو باع عبدا بجارية ثم أعتقهما جميعا حيث إن إعتاق العبد فسخ و إعتاق الجارية إجازة أو اختلف الورثة في الفسخ و الإجارة تحقق التعارض و ظاهر العلامة في جميع هذه الصور تقديم الفسخ و لم يظهر له وجه تام و سيجي ء الإشارة إلى ذلك في موضعه.

مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين
اشارة

و لا إشكال في سقوط الخيار به و لا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع و إن كان ظاهر بعض الأخبار ذلك مثل قوله: فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا و معنى حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد افتراقهما بالنسبة إلى الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فإذا حصل الافتراق الإضافي و لو بمسماه ارتفع الخيار فلا يعتبر الخطوة و لذا حكي عن جماعة التعبير بأدنى الانتقال و الظاهر أن ذكره في بعض العبارات لبيان أقل الأفراد خصوصا مثل قول الشيخ في الخلاف أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة مبني على الغالب في الخارج أو في التمثيل لأقل الافتراق فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفى مجرد افتراقهما و يظهر من بعض اعتبار الخطوة اغترارا بتمثيل كثير من الأصحاب و عن صريح آخر التأمل و كفاية الخطوة لانصراف الإطلاق إلى أزيد منها فيستصحب الخيار و يؤيده قوله في بعض الروايات: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطى ليجب البيع حين افترقنا و فيه منع الانصراف و دلالة الرواية ثم اعلم أن الافتراق على ما عرفت من معناه يحصل بحركة أحدهما و بقاء الآخر في مكانه فلا يعتبر الحركة من الطرفين في صدق افتراقهما فالحركة من أحدهما لا يسمى افتراقا حتى يحصل عدم المصاحبة من الآخر فذات الافتراق من المتحرك و اتصافها بكونها افتراقا من الساكن و لو تحرك كل منهما كان حركة كل منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر و كيف كان فلا يعتبر في الافتراق المسقط حركة كل منهما إلى غير جانب الآخر كما يدل عليه الروايات الحاكية لشراء الإمام ع أرضا و أنه قال: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطى ليجب البيع حين افترقنا فأثبت افتراق الطرفين بمشيه ع فقط.

مسألة المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه إذا منع من التخاير أيضا

سواء بلغ حد سلب الاختيار أم لا لأصالة بقاء الخيار بعد تبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل المختار مضافا إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه و قد تقدم في مسألة اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه عموم الرفع للحكم الوضعي المحمول على المكلف فلا يختص برفع التكليف هذا و لكن يمكن منع التبادر فإن المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري الذي لا يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار لدفع الضرر المتوعد على تركه فإن التبادر ممنوع فإذا دخل الاختياري المكره عليه دخل الاضطراري لعدم القول بالفصل مع أن المعروف بين الأصحاب أن الافتراق و لو اضطرارا مسقط للخيار إذا كان الشخص متمكنا من الفسخ و الإمضاء مستدلين عليه بحصول التفرق المسقط للخيار. قال في المبسوط في تعليل الحكم المذكور لأنه إذا كان متمكنا من الإمضاء و الفسخ فلم يفعل حتى وقع التفرق كان ذلك دليلا على الرضا و الإمضاء انتهى و في جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار انتهى. و منه يظهر أنه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره للاعتراف بدخول المكره و المضطر إذا تمكنا من التخاير و الحاصل أن فتوى الأصحاب هي أن التفرق عن إكراه عليه و على ترك التخاير غير مسقط للخيار و أنه لو حصل أحدهما باختياره سقط خياره و هذا لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الأدلة بالتفرق الاختياري و لا بأن مقتضى حديث الرفع جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق لأن المفروض أن التفرق الاضطراري أيضا مسقط مع وقوعه في حال التمكن من التخاير فالأولى الاستدلال عليه مضافا إلى الشهرة المحققة الجابرة للإجماع المحكي و إلى أن المتبادر من التفرق ما كان عن رضاء بالعقد سواء وقع اختيارا أو اضطرارا بقوله ص في صحيحة الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما دل على أن الشرط في السقوط الافتراق و الرضا منهما و لا ريب أن الرضا المعتبر ليس إلا المتصل بالتفرق بحيث يكون التفرق عنه إذ لا يعتبر الرضا في زمان آخر إجماعا أو يقال إن قوله بعد الرضا إشارة إلى إناطة السقوط بالرضا بالعقد المستكشف عنه عن افتراقهما فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد و إعراضهما عن الفسخ و على كل تقدير فيدل على أن المتفرقين و لو اضطرارا إذا كانا متمكنين من الفسخ و لم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد فسقط خيارهما فهذا هو الذي استفاده الشيخ قدس سره

المكاسب، ج 3، ص 223

كما صرح به في عبارة المبسوط المتقدمة.

مسألة لو أكره أحدهما على التفرق و منع عن التخاير و بقي الآخر في المجلس

فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خيار أحدهما لأنهما مكرهان على الافتراق و ترك التخاير فدخل في المسألة السابقة و إن لم يمنع من المصاحبة ففيه أقوال و توضيح ذلك أن افتراقهما المستند إلى اختيارهما كما عرفت يحصل بحركة أحدهما اختيارا و عدم مصاحبة الآخر كذلك و أن الإكراه على التفرق لا يسقط حكمه ما لم ينضم معه الإكراه على ترك التخاير فحينئذ نقول تحقق الإكراه المسقط في أحدهما دون الآخر يحصل تارة بإكراه أحدهما على التفرق و ترك التخاير و بقاء الآخر في المجلس مختارا في المصاحبة أو التخاير و أخرى بالعكس بإبقاء أحدهما في المجلس كرها مع المنع عن التخاير و ذهاب الآخر اختيارا و محل الكلام هو الأول و سيتضح به حكم الثاني و الأقوال فيه أربعة سقوط خيارهما كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد قدس الله أسرارهم و ثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين و محتمل الإرشاد و سقوطه في حق المختار خاصة- و فصل في التحرير بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما و بين مفارقته فالسقوط عنهما و مبنى الأقوال على أن افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف على حصوله عن اختيارهما أو يكفي فيه حصوله عن اختيار أحدهما و على الأول هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو يتوقف سقوط خيار كل واحد على مجموع اختيارهما فعلى الأول يسقط خيار المختار خاصة كما عن الخلاف و جواهر القاضي و على الثاني يثبت الخياران كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين. و على الثاني فهل يعتبر في المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا و حركة صادرة باختيار أحدهما و يكفي كونه تركا اختياريا كالبقاء في مجلس العقد مختارا فعلى الأول يتوجه التفصيل المصرح به في التحرير بين بقاء الآخر في مجلس العقد و ذهابه و على الثاني يسقط الخياران كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد. و اعلم أن ظاهر الإيضاح أن قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت لهما و أن محل الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا و إلا سقط خيارهما اتفاقا حيث قال في شرح قول والده لو حمل أحدهما و منع عن التخاير لم يسقط خياره على إشكال و أما الثابت فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خياره و إلا فالأقرب سقوطه فيسقط خيار الأول انتهى. قال إن هذا مبني على بقاء الأكوان و عدمه و افتقار الباقي إلى المؤثر و عدمه و إن الافتراق ثبوتي أو عدمي فعلى عدم البقاء أو افتقار الباقي إلى المؤثر يسقط لأنه فعل المفارقة و على القول ببقائها و استغناء الباقي عن المؤثر و ثبوتية الافتراق لم يسقط خياره لأنه لم يفعل شيئا و إن قلنا بعدمية الافتراق و العدم ليس بمعلل فكذلك و إن قلنا إنه يعلل سقط أيضا و الأقرب عندي السقوط لأنه مختار في المفارقة انتهى. و هذا الكلام و إن نوقش فيه بمنع بناء الأحكام على هذه التدقيقات إلا أنه على كل حال صريح في أن الباقي لو ذهب اختيارا فلا خلاف في سقوط خياره و ظاهره كظاهر عبارة القواعد أن سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر فينتفي القول المحكي عن الخلاف و الجواهر لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة في هذا القول قال لو أكرها أو أحدهما على التفرق بالأبدان على وجه يتمكنان من الفسخ و التخاير فلم يفعلا بطل خيارهما أو خيار من تمكن من ذلك و نحوه المحكي عن القاضي فإنه لو لا جواز التفكيك بين الخيارين لاقتصر على قوله بطل خيارهما فتأمل بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها و فيه تأمل و كيف كان فالأظهر في بادئ النظر ثبوت الخيارين للأصل- . و ما تقدم من تبادر تفرقهما عن رضا منهما فإن التفرق و إن لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين و لا من أحدهما إلا أن المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق فرضا أحدهما في المقام و هو الماكث لا دليل على كفايته في سقوط خيارهما و لا في سقوط خيار خصوص التراضي إذ الغاية غاية للخيارين فإن تحققت سقطا و إلا ثبتا. و يدل عليه ما تقدم من صحيحة الفضيل المصرحة بإناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي بانتفاء رضاء أحدهما و لكن يمكن التفصي عن الأصل بصدق تفرقهما و تبادر تقيده بكونه عن رضا كليهما ممنوعة- بل المتيقن اعتبار رضا أحدهما و ظاهر الصحيحة و إن كان اعتبار ذلك إلا أنه معارض بإطلاق ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الإمام ع

و أنه قال فمشيت خطى ليجب البيع حين افترقنا جعل مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الإمام ع و دعوى انصرافه إلى صورة شعور الآخر و تركه المصاحبة اختيارا ممنوعة و ظاهر الصحيحة و إن كان أخص إلا أن ظهور الرواية في عدم مدخلية شي ء آخر زائدا على مفارقة أحدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من المقامات مثل ما إذا مات أحدهما و فارق الآخر اختيارا- فإن الظاهر منهم عدم الخلاف في سقوط الخيارين و قد قطع به في جامع المقاصد مستدلا بأنه قد تحقق الافتراق فسقط الخياران مع أن المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فيما نحن فيه و كذا لو فارق أحدهما في حال نوم الآخر أو غفلته عن مفارقة صاحبه مع تأيد ذلك بنقل الإجماع عن السيد عميد الدين و ظاهر المبني المتقدم عن الإيضاح أيضا عدم الخلاف في عدم اعتبار الرضا من الطرفين و إنما الخلاف في أن البقاء اختيارا مفارقة اختيارية أم لا بل ظاهر القواعد أيضا أن سقوط خيار المكره متفرع على سقوط خيار الماكث من غير إشارة إلى وجود خلاف في هذا التفريع و هو الذي ينبغي لأن الغاية إن حصلت سقط الخياران و إلا بقيا فتأمل. و عبارة الخلاف المتقدمة و إن كانت ظاهرة في التفكيك بين المتبايعين في الخيار إلا إنما ليست بتلك الظهور لاحتمال إرادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه مع قطع النظر عن حال الآخر فلا ينافي سقوط خيار الآخر لأجل التلازم بين الخيارين من حيث اتحادهما في الغاية مع أن شمول عبارته

المكاسب، ج 3، ص 224

لبعض الصور التي لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن مما لا بد منه كما لا يخفى على المتأمل و حملها على ما ذكرنا من إرادة المتمكن لا بشرط إرادة خصوصه فقط أولى من تخصيصها ببعض الصور و لعل نظر الشيخ و القاضي إلى أن الافتراق المستند إلى اختيارهما جعل غاية لسقوط خيار كل منهما فالمستند إلى اختيار أحدهما مسقط لخياره خاصة و هو استنباط حسن لكن لا يساعد عليه ظاهر النص ثم إنه يظهر مما ذكرنا حكم عكس المسألة و هي ما إذا أكره أحدهما على البقاء ممنوعا من التخاير و فارق الآخر اختيارا فإن مقتضى ما تقدم من الإيضاح من مبنى الخلاف عدم الخلاف في سقوط الخيارين هنا و مقتضى ما ذكرنا من مبنى الأقوال جريان الخلاف هنا أيضا و كيف كان فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا كما لا يخفى

مسألة لو زال الإكراه

فالمحكي عن الشيخ و جماعة- امتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال و لعله لأن الافتراق الحاصل بينهما في حال الإكراه كالمعدوم فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد فالخيار باق. و فيه أن الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسا غاية الأمر عدم ارتفاع حكمها و هو الخيار بسبب الإكراه و لم يجعل مجلس زوال الإكراه بمنزلة مجلس العقد.

و الحاصل أن الباقي بحكم الشرع هو الخيار لا مجلس العقد فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار فلا بد إما من القول بالفور كما عن التذكرة- و لعله لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين و إما من القول بالتراخي إلى أن يحصل المسقطات لاستصحاب الخيار و الوجهان جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الأدلة.

مسألة و من مسقطات هذا الخيار التصرف

على وجه يأتي في خياري الحيوان و الشرط ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس و في الصرف و العلامة في التذكرة و نسب إلى جميع من تأخر عنه بل ربما يدعى إطباقهم عليه و حكي عن الخلاف و الجواهر و الكافي و السرائر و لعله لدلالة التعليل في بعض أخبار خيار الحيوان و هو الوجه أيضا في اتفاقهم على سقوط خيار الشرط و إلا فلم يرد فيه نص بالخصوص بل سقوط خيار المشتري بتصرفه مستفاد من نفس تلك الرواية المعللة حيث قال: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط فإن المنفي يشمل شرط المجلس و الحيوان فتأمل و تفصيل التصرف المسقط سيجي ء إن شاء الله تعالى

الثاني خيار الحيوان
[عموم هذا الخيار لكل ذي حياة]

لا خلاف بين الإمامية- في ثبوت الخيار في الحيوان للمشتري و ظاهر النص و الفتوى العموم لكل ذي حياة فيشمل مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق و دود القز و لا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته في الجملة فمثل السمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الإناء و شبه ذلك خارج لأنه لا يباع من حيث إنه حيوان بل من حيث إنه لحم و يشكل فيما صار كذلك لعارض كالصيد المشرف على الموت بإصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم و على كل حال فلا يعد زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض أو في زمان الخيار و في منتهى خياره مع عدم بقائه إلى الثلاثة وجوه

[هل يختص هذا الخيار بالبيع المعين أو يعم الكلي أيضا]

ثم إنه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين- كما هو المنساق في النظر من الإطلاقات مع الاستدلال به في بعض معاقد الإجماع كما في التذكرة بالحكمة الغير الجارية في الكلي الثابت في الذمة أو يعم الكلي كما هو المتراءى من النص و الفتوى لم أجد مصرحا بأحد الأمرين. نعم يظهر من بعض المعاصرين الأول و لعله الأقوى

و كيف كان فالكلام فيمن له هذا الخيار و في مدته من حيث المبدأ و المنتهى و مسقطاته يتم برسم مسائل.

مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري

حكي عن الشيخين و الصدوقين و الإسكافي و ابن حمزة و الشاميين الخمسة و الحلبيين الستة و معظم المتأخرين و عن الغنية و ظاهر الدروس الإجماع عليه- لعموم قوله ع إذا افترقا وجب البيع خرج المشتري و بقي البائع بل لعموم أوفوا بالعقود بالنسبة إلى ما ليس فيه خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط و يثبت الباقي بعدم القول بالفصل و يدل عليه أيضا ظاهر غير واحد من الأخبار منها صحيحة الفضيل ابن يسار عن أبي عبد الله ع قال: قلت له ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما و ظهوره في اختصاص الخيار بالمشتري و إطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا و يتلوها في الظهور رواية علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا ع قال: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري فإن ذكر القيد مع إطلاق الحكم قبيح إلا لنكتة جلية و نحوها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال في الحيوان: كله شرط ثلاثة أيام للمشتري و صحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله ع قال: الشرط في الحيوانات ثلاثة أيام للمشتري و أظهر من الكل صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع و لهما كليهما قال الخيار لمن اشترى نظره ثلاثة أيام فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و عن سيدنا المرتضى قدس سره و ابن طاوس ثبوته للبائع أيضا. و حكي عن الانتصار دعوى الإجماع عليه لأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس و لصحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا و بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا أو بعد الافتراق و هي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد و قد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم و زرارة و أضرابهما على غيرهم من الثقات مضافا إلى ورودها في الكتب الأربعة المرجحة على مثل قرب الإسناد من الكتب التي يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها و أما الصحاح الأخر المكافئة سندا لصحيحة ابن مسلم فالإنصاف أن دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة فيمكن حملها على بيان الفرد الشديد الحاجة لأن الغالب في المعاملة خصوصا معاملة الحيوان كون إرادة الفسخ في طرف المشتري لاطلاعه على خفايا الحيوان و لا ريب أن الأظهرية في الدلالة متقدمة في باب الترجيح على الأكثرية. و أما ما ذكر في تأويل

المكاسب، ج 3، ص 225

صحيحة ابن مسلم من أن خيار الحيوان للمشتري على البائع- فكان بين المجموع ففي غاية السقوط و أما الشهرة المحققة فلا تصير حجة على السيد بل مطلقا بعد العلم بمستند المشهور و عدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه و إجماع الغنية لو سلم رجوعه إلى اختصاص الخيار بالمشتري لا مجرد ثبوته له معارض بإجماع الانتصار الصريح في ثبوته للبائع و لعله لذا قوى في المسالك قول السيد مع قطع النظر عن الشهرة بل الاتفاق على خلافه و تبعه على ذلك في المفاتيح و توقف في غاية المراد و حواشي القواعد و تبعه في المقتصر هذا و لكن الإنصاف أن أخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة حتى محمد بن مسلم الراوي للصحيحة مع أن المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق و المتيقن خروج المشتري فلا ريب في ضعف هذا القول. نعم هنا قول ثالث لعله أقوى منه و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا نسب إلى جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك لعموم صحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام و لا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة ابن فضال لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب لأن الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا و لا ينافي هذه الدعوى التمسك بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم لأن الغلبة قد يكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها و لا يوجب تنزيل الإطلاق و لا ينافيها أيضا ما دل على اختصاص الخيار بالمشتري لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبائعين لإمكان تقييدها و إن كان بعد بما إذا كان العوضان حيوانين لكن الإشكال في إطلاق الصحيحة الأولى- من جهة قوة انصرافه إلى المشتري فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد المجلس فلا محيص عن المشهور

مسألة لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار

و في الغنية كما عن الحلبي أن مدة خيار الأمة مدة استبرائها بل عن الأول دعوى الإجماع- و ربما ينسب هذا إلى المقنعة و النهاية و المراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء و لم أقف لهم على دليل- .

مسألة مبدء هذا الخيار من حين العقد

فلو لم يتفرق ثلاثة أيام انقضى خيار الحيوان أو بقي خيار المجلس لظاهر قوله ع: إن الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره حتى يفترقا خلافا للمحكي عن ابن زهرة فجعله من حين التفرق و كذا الشيخ و الحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من جهة الدليل الذي ذكراه. قال في المبسوط الأولى أن يقال إنه يعني خيار الشرط يثبت من حين التفرق لأن الخيار يدخل إذا ثبت العقد و العقد لم يثبت قبل التفرق انتهى و نحوه المحكي عن السرائر و هذه الدعوى لم نعرفها.

نعم ربما يستدل عليه بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد بل أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس و بلزوم اجتماع السببين على مسبب واحد و ما دل على أن تلف الحيوان في الثلاثة من البائع مع أن التلف في الخيار المشترك من المشتري و يرد الأصل ظاهر الدليل مع أنه بالتقرير الثاني مثبت و أدلة التلف من البائع محمول على الغالب من كونه بعد المجلس و يرد التداخل بأن الخيارين إن اختلفا من حيث الماهية فلا بأس بالتعدد و إن اتحدا فكذلك إما لأن الأسباب معرفات و إما لأنها علل و مؤثرات يتوقف استقلال كل واحد منها في التأثير على عدم مقارنة الآخر أو سبقه فهي علل تامة إلا من هذه الجهة و هو المراد مما في التذكرة في الجواب عن أن الخيارين مثلان فلا يجتمعان من أن الخيار واحد و الجهة متعددة ثم إن المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي على القول بكون الإجازة ناقلة أو زمان الملك و عبر بذلك للغلبة الظاهر هو الثاني كما استظهره بعض المعاصرين قال فعلى هذا لو أسلم حيوانا في طعام و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان و إن كان بائعا- كان مبدئه بعد القبض و تمثيله بما ذكر مبني على اختصاص الخيار بالحيوان المعين و قد تقدم التردد في ذلك ثم إن ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف و لو قبل القبض يدل على أنه لا يعتبر في الخيار و الملك لكن لا بد له من أثر و قد تقدم الإشكال في ثبوته في الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب التقابض.

مسألة لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام

لا لدخول الليل في مفهوم اليوم بل للاستمرار المستفاد من الخارج و لا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار و لو عقد في الليل فالظاهر بقاء الخيار إلى آخر اليوم الثالث و يحتمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقي من ليلة العقد لكن فيه أنه يصدق حينئذ الأقل من ثلاثة أيام و الإطلاق على المقدار المساوي للنهار و لو من الليل خلاف الظاهر قيل و المراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول الليلتين أصالة فتدخل الثالثة و إلا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد انتهى فإن أراد الليلة السابقة على الأيام فهو حسن إلا أنه لا يعلل بما ذكر و إن أراد الليلة الأخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد إذ لا نقول باستعمال اليومين الأولين في اليوم و الليلة و استعمال اليوم الثالث في خصوص النهار بل نقول إن اليوم مستعمل في خصوص النهار أو مقداره من نهارين لا في مجموع النهار و الليل أو مقدارهما و لا في باقي النهار و لو ملفقا من الليل و المراد من الثلاثة أيام هي بلياليها أي ليالي مجموعها لا كل واحد منها فالليالي لم ترد من نفس اللفظ و إنما أريد من جهة الإجماع و ظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار الخيار فكأنه قال الخيار يستمر إلى أن يمضي ست و ثلاثون ساعة من النهار.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور
أحدها اشتراط سقوطه في العقد

و لو شرط سقوط بعضه فقد صرح بعض بالصحة و لا بأس به.

و الثاني إسقاطه بعد العقد

و قد تقدم الأمران.

و الثالث التصرف

و لا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار و يدل عليه قبل الإجماع النصوص

المكاسب، ج 3، ص 226

ففي صحيحة ابن رئاب: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه و لا شرط له قيل له و ما الحدث قال إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان محرما عليه قبل الشراء و صحيحة الصفار: كتبت إلى أبي محمد ع في الرجل اشترى دابة من رجل فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ أ له أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ فوقع ع إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله و في ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الإسناد قلت له: أ رأيت إن قبلها المشتري أو لامس فقال إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط و لزم البيع و استدل عليه في التذكرة بعد الإجماع بأن التصرف دليل الرضا و في موضع آخر منها أنه دليل الرضا بلزوم العقد و في موضع آخر منها كما في الغنية أن التصرف إجازة. أقول المراد بالحدث إن كان مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير المالك إلا برضاه كما يشير إليه قوله أو نظر إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء فلازمه كون مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه مسقطا كما صرح به في التذكرة في بيان التصرف المسقط للرد بالعيب من أنه لو استخدمه بشي ء خفيف مثل اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب سقط الرد ثم استضعف قول بعض الشافعية بعدم السقوط معللا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به غير المملوك بأن المسقط مطلق التصرف و قال أيضا لو كان له على الدابة سرج أو ركاب فتركهما عليهما بطل الرد لأنه استعمال و انتفاع انتهى. و قال في موضع من التذكرة عندنا أن الاستخدام بل كل تصرف يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الرد انتهى. و هو في غاية الإشكال لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ الحدث و عدم دلالة ذلك على الرضا بلزوم العقد مع أن من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشتري عن ذلك في أثناء الثلاثة فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو مع أنهم ذكروا أن الحكمة في هذا الخيار الاطلاع على أمور خفية في الحيوان توجب زهادة المشتري و كيف يطلع الإنسان على ذلك بدون النظر إلى الجارية و لمسها و أمرها بغلق الباب و السقي و شبه ذلك و إن كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته على الرضا بلزوم العقد كما يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب. و يظهر من استدلال العلامة و غيره على المسألة بأن التصرف دليل الرضا بلزوم العقد فهو لا يناسب إطلاقهم الحكم بإسقاط التصرفات التي ذكروها و دعوى أن جميعها مما يدل لو خلي و طبعه على الالتزام بالعقد فيكون إجازة فعلية كما ترى

[المراد من فذلك رضى منه في صحيحة ابن رئاب]
اشارة

ثم إن قوله ع في الصحيحة فذلك رضى منه يراد منه الرضا بالعقد في مقابلة كراهة ضده أعني الفسخ و إلا فالرضا بأصل الملك مستمر من زمان العقد إلى حين الفسخ و يشهد لهذا المعنى رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جعفر عن أبيه قال قال رسول الله ص: في رجل اشترى عبدا بشرط إلى ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال يستحلف بالله تعالى ما رضيه ثم بري ء من الضمان فإن المراد بالرضا الالتزام بالعقد و الاستحلاف في الرواية محمولة على سماع دعوى التهمة أو على صورة حصول القطع للبائع بذلك إذا عرفت هذا

فقوله ع فذلك رضاء منه و لا شرط له يحتمل وجوها
أحدها أن يكون الجملة جوابا للشرط

فيكون حكما شرعيا بأن التصرف التزام بالعقد و إن لم يكن التزاما عرفا.

الثاني أن يكون توطئة للجواب

و هو قوله و لا شرط له لكنه توطئة لحكمة الحكم و تمهيد لها لا علة حقيقة فيكون إشارة إلى أن الحكمة في سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا على الرضا نظير كون الرضا حكمة في سقوط خيار المجلس بالتفرق في قوله: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما فإنه لا يعتبر في الافتراق دلالة على الرضا و على هذين المعنيين فكل تصرف مسقط و إن علم عدم دلالته على الرضا.

الثالث أن يكون الجملة إخبارا عن الواقع

نظرا إلى الغالب و ملاحظة نوع التصرف لو خلي و طبعه و يكون علة للجواب فيكون نفي الخيار معللا بكون التصرف غالبا دالا على الرضا بلزوم العقد و بعد ملاحظة وجوب تقييد إطلاق الحكم بمؤدى علته كما في قوله لا تأكل الرمان لأنه حامض دل على اختصاص الحكم بالتصرف الذي يكون كذلك أي دالا بالنوع غالبا على التزام العقد و إن لم يدل في شخص المقام فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعي في الرضا نظير ظهور الألفاظ في معانيها مقيدا بعدم قرينة يوجب صرفه عن الدلالة كما إذا دل الحال أو المقال على وقوع التصرف للاختبار أو اشتباها بعين أخرى مملوكة له و يدخل فيه كلما يدل نوعا على الرضا و إن لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع و الإذن للبائع في التصرف فيه

الرابع أن يكون إخبارا عن الواقع

و يكون العلة هي نفس الرضا الفعلي الشخصي و يكون إطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة فيكون موضوع الحكم في الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي فلو لم يثبت الرضا الفعلي لم يسقط الخيار

[المناقشة في الاحتمالين الأولين]

ثم إن الاحتمالين الأولين و إن كانا موافقين لإطلاق سائر الأخبار و إطلاقات بعض كلماتهم مثل ما تقدم من التذكرة من أن مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط و كذا غيره كالمحقق و الشهيد الثانيين بل لإطلاق بعض معاقد الإجماع إلا أنهما بعيدان عن ظاهر الخبر مع مخالفتهما لأكثر كلماتهم فإن الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف للاختبار و الحفظ- بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة على الرضا كما سيجي ء. و يؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال على الرضا و إن لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية للمشتري على ما صرح به في التحرير و الدروس فعلم أن العبرة بالرضا و إنما اعتبر التصرف للدلالة و ورود النص أيضا بأن العرض على البيع إجازة مع أنه ليس حدثا عرفا و مما يؤيد عدم إرادة الأصحاب كون التصرف مسقطا إلا من جهة دلالته على الرضا حكمهم بأن كل تصرف يكون إجازة من المشتري في المبيع يكون فسخا من البائع فلو كان التصرف مسقطا تعبديا عندهم من جهة النص لم يكن وجه للتعدي عن كونه إجازة إلى كونه فسخا.

و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة يكون بالقول و بالفعل و ذكر التصرف مثالا للفسخ و الإجازة الفعليين فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرف

المكاسب، ج 3، ص 227

مسقطا لا للدلالة على الرضا بأن الأصحاب يعدونه في مقابل الإجازة.

[المناقشة في الاحتمال الرابع]

و أما المعنى الرابع فهو و إن كان أظهر الاحتمالات من حيث اللفظ بل جزم به في الدروس و يؤيده ما تقدم من رواية عبد الله بن الحسن بن زيد الحاكية للنبوي الدال كما في الدروس أيضا على الاعتبار بنفس الرضا و ظاهر بعض كلماتهم الآتية أن المستفاد من تتبع الفتاوى الإجماع على عدم إناطة الحكم بالرضا الفعلي بلزوم العقد مع أن أظهريته بالنسبة إلى المعنى الثالث غير واضحة

فتعين إرادة المعنى الثالث
اشارة

و محصله دلالة التصرف لو خلي و طبعه على الالتزام و إن لم يفد في خصوص المقام فيكون التصرف إجازة فعلية في مقابل الإجازة القولية و هذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه.

[الاستشهاد بكلمات الفقهاء عليه]

قال في المقنعة إن هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع إلا أن يحدث فيه المبتاع حدثا يدل على الرضا بالابتياع انتهى. و مثل للتصرف في مقام آخر بأن ينظر إلى الأمة إلى ما يحرم لغير المالك. و قال في المبسوط في أحكام العيوب إذا كان المبيع بهيمة و أصاب بها عيبا فله ردها و إذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها- و سقيها و علفها و حلبها و أخذ لبنها و إن نتجت كان له نتاجها ثم قال و لا يسقط الرد لأنه إنما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الرد بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي ء من ذلك انتهى و في الغنية لو هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال بائعه إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثا يدل على الرضا انتهى و قال الحلبي في الكافي في خيار الحيوان فإن هلك في مدة الخيار فهو من مال البائع إلا أن يحدث فيه حدثا يدل على الرضا انتهى و في السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام قال هذا إذا لم يحدث في هذه المدة حدثا يدل على الرضا و يتصرف فيه تصرفا ينقص قيمته أو يكون لمثل ذلك التصرف أجرة بأن يركب الدابة أو يستعمل الحمار أو يقبل الجارية أو يلامسها أو يدبرها تدبيرا ليس له الرجوع فيه كالمنذور انتهى و قال في موضع آخر إذا لم يتصرف فيه يؤذن بالرضا في العادة و أما العلامة رحمه الله فقد عرفت أنه استدل على أصل الحكم بأن التصرف دليل الرضا باللزوم. و قال في موضع آخر لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة أو طالت لم يكن ذلك رضاء بها ثم قال و لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضاء منه بإمساكه و لو حلبها في طريقه فالأقرب أنه تصرف يؤذن بالرضا. و في التحرير في مسألة سقوط رد المعيب بالتصرف قال و كذا لو استعمل المبيع أو تصرف فيه بما يدل على الرضا و قال في الدروس استثنى بعضهم من التصرف ركوب الدابة و الطحن عليها و حلبها إذ بها يعرف حالها ليختبر و ليس ببعيد و قال المحقق الكركي لو تصرف ذو الخيار غير عالم كأن ظنها جاريته المختصة فتبينت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة ففي الحكم تردد ينشأ من إطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف و من أنه غير قاصد إلى لزوم البيع إذ لو علم لم يفعل و التصرف إنما عد مسقطا لدلالته على الرضا باللزوم. و قال في موضع آخر و لا يعد ركوب الدابة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالم أو ليردها تصرفا ثم قال و هل يعد حملها للاستخبار تصرفا ليس ببعيد أن لا يعد و كذا لو أراد ردها و حلبها لأخذ اللبن على إشكال ينشأ من أنه ملكه فله استخلاصه انتهى. و حكي عنه في موضع آخر أنه قال و المراد بالتصرف المسقط ما كان المقصود منه التملك لا الاختبار و لا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقي انتهى.

و مراده من التملك البقاء عليه و الالتزام به و يحتمل أن يراد به الاستعمال للانتفاع بالملك لا للاختيار و الحفظ هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام الظاهرة في المعنى الثالث و حاصله التصرف على وجه يدل عرفا لو خلي و طبعه على الالتزام بالعقد ليكون إسقاطا فعليا للخيار فيخرج منه ما دلت القرينة على وقوعه لا عن الالتزام لكن يبقى الإشكال المتقدم سابقا من أن أكثر أمثلة التصرف المذكورة في النصوص و الفتاوى ليست كذلك بل هي واقعة غالبا مع الغفلة أو التردد أو العزم على الفسخ مطلقا أو إذا اطلع على ما يوجب زهده فيه فهي غير دالة في نفسها عرفا على الرضا و منه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقا من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه في الثلاثة فيكون مورد الخيار في غاية الندرة بأن الغالب في التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم فلا يسقط بها الخيار إذ فيه أن هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه رضاء لأن المصحح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض أفراده رضاء هو ظهوره فيه عرفا من أجل الغلبة فإذا فرض أن الغالب في مثل هذه التصرفات وقوعها لا عن التزام للعقد بل مع العزم على الفسخ أو التردد فيه أو الغفلة كان تعليل الحكم على المطلق بهذه العلة الغير الموجودة إلا في قليل من أفراده مستهجنا.

و أما الاستشهاد لذلك بما سيجي ء من أن تصرف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا و ليس ذلك إلا من جهة صدوره لا عن التزام بالعقد بل مع العزم على الفسخ برد مثل الثمن ففيه ما سيجي ء. و مما ذكرنا من استهجان التعليل على تقدير كون غالب التصرفات واقعة لا عن التزام يظهر فساد الجمع بهذا الوجه يعني حمل الأخبار المتقدمة على صورة دلالة التصرفات المذكورة على الرضا بلزوم العقد جمعا بينها و بين ما دل من الأخبار على عدم سقوطه بمجرد التصرف مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة التي لم يستفصل في جوابها بين تصرف المشتري في العبد المتوفى في زمان الخيار و عدمه و إنما أنيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي و مثل الخبر المصحح: في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم رد قال إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها يرد معها ثلاثة أمداد و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء و نحوه الآخر و ما فيهما من رد ثلاثة أمداد لعله محمول على الاستحباب مع أن ترك العمل به لا يوجب رد الرواية فتأمل. و قد أفتى بذلك في المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة و حلبها أياما ثم وجد المشتري فيها عيبا ثم قال و قيل ليس له ردها

المكاسب، ج 3، ص 228

لأنه تصرف بالحلب. و بالجملة فالجمع بين النص و الفتوى الظاهرين في كون التصرف مسقطا لدلالته على الرضا بلزوم العقد و بين ما تقدم من التصرفات المذكورة في كثير من الفتاوى خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب في طريق الرد و التردد فيه و في التصرف للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد في غاية الإشكال و الله العالم بحقيقة الحال

الثالث خيار الشرط
اشارة

أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد و لا خلاف في صحة هذا الشرط و لا في أنه لا يتقدر بحد عندنا- و نقل الإجماع عليه مستفيض الأصل فيه قبل ذلك الأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط إلا ما استثني و الأخبار الخاصة الواردة في بعض أفراد المسألة. فمن الأولى الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوى تواتره: إن المسلمين عند شروطهم و يزيد في صحيحة ابن سنان: إلا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز. و في موثقة إسحاق بن عمار: إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما نعم في صحيحة أخرى لابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز على الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله لكن المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة للإجماع على عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب. و تمام الكلام في معنى هذه الأخبار و توضيح المراد منه الاستثناء الوارد فيها يأتي في باب الشرط في ضمن العقد إن شاء الله-

و المقصود هنا بيان أحكام الخيار المشترط في العقد
اشارة

و هي تظهر برسم مسائل-

مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه

لعموم أدلة الشرط قال في التذكرة لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعي و استدل له في موضع آخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم و رد بعدم المانع من ذلك مع أنه كما في التذكرة منتقض بخيار التأخير و خيار الرؤية. نعم يشترط تعيين المدة فلو تراضيا على مدة مجهولة كقدوم الحاج بطل بلا خلاف بل حكي الإجماع عليه صريحا لصيرورة المعاملة بذلك غررية و لا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات و إقدام العقلاء عليه أحيانا فإن المستفاد من تتبع أحكام المعاملات عدم رضاء الشارع بذلك إذ كثيرا ما يتفق التشاح في مثل الساعة و الساعتين من زمان الخيار فضلا من اليوم و اليومين. و بالجملة فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة إلى المداقة و إلا لم يكن بيع الجزاف و ما تعذر تسليمه و الثمن المحتمل للتفاوت القليل و غير ذلك من الجهالات غررا لتسامح الناس في غير مقام الحاجة إلى المداقة في أكثر الجهالات و لعل هذا مراد بعض الأساطين من قوله إن دائرة الغرر في الشرع أضيق من دائرته في العرف و إلا فالغرر لفظ لا يرجع في معناه إلا إلى العرف. نعم الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبا إلى التشاح بحيث يكون النادر كالمعدوم لا تعد غررا كتفاوت المكاييل و الموازين. و يشير إلى ما ذكرنا الأخبار الدالة على اعتبار كون السلم إلى أجل معلوم و خصوص موثقة غياث:

لا بأس بالسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم لا يسلم إلى دياس أو إلى حصاد مع أن التأجيل إلى الدياس و الحصاد و شبههما فوق حد الإحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع و ربما يستدل على ذلك بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة لأنه غرر و فيه أن كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنة غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنة ففي الثاني يفسد الشرط و يتبعه البيع و في الأول يفسد البيع فيلغو الشرط اللهم إلا أن يراد أن نفس الالتزام بخيار في مدة مجهولة غرر و إن لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر فيكون مخالفا للكتاب و السنة لكن لا يخفى سراية الغرر إلى البيع فيكون الاستناد في فساده إلى فساد شرطه المخالف للكتاب كالأكل من القفا.

مسألة لا فرق في بطلان العقد- بين ذكر المدة المجهولة

كقدوم الحاج و بين عدم ذكر المدة أصلا كأن يقول بعتك على أن يكون لي الخيار و بين ذكر المدة المطلقة كأن يقول بعتك على أن يكون لي الخيار مدة لاستواء الكل في الغرر- خلافا للمحكي عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و الحلبي فجعلوا مدة الخيار في الصورة الثانية ثلاثة أيام و يحتمل حمل الثالثة عليها- و عن الانتصار و الغنية و الجواهر الإجماع عليه- و في محكي الخلاف وجود أخبار الفرقة به و لا شك أن هذه الحكاية بمنزلة إرسال أخبار فيكفي في انجبارها الإجماعات المنقولة و لذا مال إليه في محكي الدروس لكن العلامة في التذكرة لم يحك هذا القول إلا عن الشيخ قدس سره و أوله بإرادة خيار الحيوان. و عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الجزم به و قواه بعض المعاصرين منتصرا لهم بما في مفتاح الكرامة من أنه ليس في الأدلة ما يخالفه إذ الغرر مندفع بتحديد الشرع و إن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته. و زاد في مفتاح الكرامة التعليل بأن الجهل يؤول إلى العلم الحاصل من الشرع و فيه ما تقدم في مسألة تعذر التسليم من أن بيع الغرر موضوع عرفي حكم فيه الشارع بالفساد و التحديد بالثلاثة تعبد شرعي لم يقصده المتعاقدان فإن ثبت بالدليل كان مخصصا لعموم نفي الغرر و كان التحديد تعبديا نظير التحديد الوارد في بعض الوصايا المبهمة أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص- و هو إهمال مدة الخيار. و الحاصل أن الدعوى في تخصيص أدلة نفي الغرر لا في تخصصها و الإنصاف أن ما ذكرنا من حكاية الأخبار و نقل الإجماع لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر لأن الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شي ء من هذه الأخبار في كتابيه الموضوعين لإيداع الأخبار أنه عول في هذه الدعوى على اجتهاده في دلالة الأخبار الواردة في شرط الحيوان و لا ريب أن الإجماعات المحكية إنما تجبر قصور السند المرسل المتضح دلالته أو القاصر دلالته لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة رأسا فالتعويل حينئذ على نفس الجابر و لا حاجة إلى ضم المنجبر إذ نعلم إجمالا أن المجمعين اعتمدوا على دلالات اجتهادية استنبطوها من الأخبار- و لا ريب أن المستند غالبا في إجماعات القاضي و ابن زهرة إجماع السيد في الانتصار. نعم قد روي في

المكاسب، ج 3، ص 229

كتب العامة أن حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة أصابته في رأسه فقال له النبي ص: إذا بعت فقل لا خلابة و جعل له الخيار ثلاثا. و في رواية و لك الخيار ثلاثا و الخلابة الخديعة في دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفى و جبرها بالإجماعات كما ترى إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين إلى خلافها في الخروج عن قاعدة الغرر مشكل بل غير صحيح فالقول بالبطلان لا يخلو عن قوة ثم إنه ربما يقال ببطلان الشرط دون العقد- و لعله مبني على أن فساد الشرط لا يوجب فساد العقد. و فيه أن هذا على القول به فيما إذا لم يوجب الشرط فسادا في أصل البيع كما فيما نحن فيه حيث إن جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا و إلا فالمتجه فساد البيع و لو لم نقل بسراية الفساد من الشرط إلى المشروط و سيجي ء تمام الكلام في مسألة الشروط.

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد

لأنه المتبادر من الإطلاق و لو كان زمان الخيار منفصلا كان مبدؤه أول جزء من ذلك الزمان فلو شرط خيار الغد كان مبدؤه من طلوع فجر الغد فيجوز جعل مبدئه من انقضاء خيار الحيوان بناء على أن مبدأه من حين العقد و لو جعل مبدأه من حين التفرق بطل لأدائه إلى جهالة مدة الخيار. و عن الشيخ و الحلي أن مبدأه من حين التفرق و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته. نعم يمكن أن يقال هنا إن المتبادر من جعل الخيار جعله في زمان لو لا الخيار لزم العقد كما أشار إليه في السرائر لكن لو تم هذا لاقتضى كونه في الحيوان من حين انقضاء الثلاثة- مع أن هذا إنما يتم مع العلم بثبوت خيار المجلس و إلا فمع الجهل به لا يقصد إلا الجهل من حين العقد بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما

مسألة يصح جعل الخيار لأجنبي

قال في التذكرة لو باع العبد و شرط الخيار للعبد- صح البيع و الشرط عندنا معا و حكي عنه الإجماع في الأجنبي قال لأن العبد بمنزلة الأجنبي و لو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار فإن اختلفوا في الفسخ و الإجارة قدم الفاسخ لأن مرجع الإجازة إلى إسقاط خيار المجيز خاصة بخلاف ما لو وكل جماعة في الخيار فإن النافذ هو تصرف السابق لفوات محل الوكالة بعد ذلك و عن الوسيلة أنه إذا كان الخيار لهما و اجتمعا على فسخ أو إمضاء نفذ و إن لم يجتمعا بطل و إن كان لغيرهما و رضي نفذ البيع و إن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الإمضاء انتهى و في الدروس و يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع أحدهما و لو خولف أمكن اعتبار فعله و إلا لم يكن لذكره فائدة انتهى. أقول و لو لم يمض فسخ الأجنبي مع إجازته و المفروض عدم مضي إجازته مع فسخه لم يكن لذكر الأجنبي فائدة ثم إنه ذكر غير واحد أن الأجنبي يراعي المصلحة للجاعل و لعله لتبادره من الإطلاق و إلا فمقتضى التحكيم نفوذ حكمه على الجاعل من دون ملاحظة مصلحة فتعليل وجوب مراعاة الأصلح بكونه أمينا لا يخلو عن نظر ثم إنه ربما يتخيل أن اشتراط الخيار للأجنبي مخالف للمشروع نظرا إلى أن الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالأصل كخياري المجلس و الشرط أو بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن لنفس المتعاقدين و هو ضعيف لمنع اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين شرعا و لا عقلا بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين و إن كان أجنبيا فحينئذ يجوز للمتبائعين اشتراط حق للأجنبي في العقد و سيجي ء نظيره في إرث الزوجة للخيار مع عدم إرثها من العين.

مسألة يجوز لهما اشتراط الاستيمار

بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبي في أمر العقد فيأتمر بأمره أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداء و على الأول فإن فسخ المشروط عليه من دون استيمار لم ينفذ و لو استأمره فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعا إذ الغرض من الشرط ليس مجرد الاستيمار بل الالتزام بأمره مع أنه لو كان الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك أيضا ملك الفسخ و إن أمره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذ إذ لا معنى لوجوب الفسخ عليه أما مع عدم رضاء الآخر بالفسخ فواضح إذ المفروض أن الثالث لا سلطنة له على الفسخ و المتعاقدان لا يريدانه و أما مع طلب الآخر للفسخ فلأن وجوب الفسخ حينئذ على المستأمر بالكسر راجع إلى حق لصاحبه عليه فإن اقتضى اشتراط الاستيمار ذلك الحق على صاحبه عرفا فمعناه سلطنة صاحبه على الفسخ فيرجع اشتراط الاستيمار إلى شرط لكل منهما على صاحبه. و الحاصل أن اشتراط الاستيمار من واحد منهما على صاحبه إنما يقتضي ملكه للفسخ إذا أذن له الثالث المستأمر و اشتراطه لكل منهما على صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الإذن. و مما ذكرنا يتضح حكم الشق الثاني و هو الائتمار بأمره الابتدائي فإنه إن كان شرطا لأحدهما ملك الفسخ لو أمره به و إن كان لكل منهما ملكا كذلك ثم في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة و عدمه وجهان أوجههما العدم إن لم يستفد الاعتبار من إطلاق العقد بقرينة حالية أو مقالية.

مسألة من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع و يقال له بيع الخيار

و هو جائز عندنا كما في التذكرة و عن غيرها الإجماع عليه و هو أن يبيع شيئا و يشترط الخيار لنفسه مدة بأن يرد الثمن فيها و يرتجع المبيع

و الأصل فيه بعد العمومات المتقدمة في الشرط النصوص المستفيضة

منها موثقة إسحاق بن عمار

قال سمعت من يسأل أبا عبد الله ع يقول و سأله رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى فجاء إلى أخيه فقال له أبيعك داري هذه و يكون لك أحب إلى من أن يكون لغيرك على أن تشترط لي أني إذا جئتك بثمنها إلى سنة تردها علي قال لا بأس بهذا إن جاء بثمنها ردها عليه قلت أ رأيت لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة فقال الغلة للمشتري أ لا ترى أنها لو احترقت كانت من ماله

و رواية معاوية بن ميسرة

قال سمعت أبا الجارود: يسأل أبا عبد الله ع عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الذي اشترى منه الدار خلطة- فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال له أبو الجارود فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين قال هو ماله و قال ع

المكاسب، ج 3، ص 230

أ رأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشتري

و عن سعيد بن يسار

في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله ع إنا نخالط أناسا من أهل السود أو غيرهم فنبيعهم و نربح عليهم في العشرة اثنى عشر و ثلاثة عشر و نؤخر ذلك فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها و يكتب لنا رجل منهم على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بأنه باع و قبض الثمن منه فنعده إن جاء هو بالمال إلى وقت بيننا و بينهم أن ترد عليه الشراء فإن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا فما ترى في هذا الشراء قال أرى أنه لك إن لم يفعله و إن جاء بالمال الموقت فرد عليه

و عن أبي الجارود

عن أبي جعفر ع قال: إن بعت رجلا على شرط فإن أتاك بمالك و إلا فالبيع لك.

إذا عرفت هذا

فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور

الأول أن اعتبار رد الثمن في هذا الخيار- يتصور على وجوه

أحدها أن يؤخذ قيدا للخيار على وجه التعليق أو التوقيت

فلا خيار قبله و يكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد و لو بقليل و لا خيار قبل الرد و المراد برد الثمن فعل ماله دخل في القبض من طرفه و إن أبى المشتري.

الثاني أن يؤخذ قيدا للفسخ

بمعنى أن له الخيار في كل جزء من المدة المضروبة و التسلط على الفسخ على وجه مقارنته لرد الثمن أو تأخره عنه.

الثالث أن يكون رد الثمن فسخا فعليا

بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه المبيع و عليه حمل في الرياض ظاهر الأخبار الدالة على عود المبيع بمجرد رد الثمن.

الرابع أن يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد

فمرجع ثبوت الخيار له إلى كونه مسلطا على سبب الانفساخ لا على مباشرة الفسخ و هذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة و يحتمل الثالث كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار و موثقة إسحاق بن عمار و عنوان المسألة بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر هذا القسم من البيع في الخيار أصلا و إنما ذكره في أمثلة الشروط الجائزة في متن العقد قال إن يبيع و يشترط على المشتري إن رد الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له انتهى.

الخامس أن يكون رد الثمن شرطا لوجوب الإقالة على المشتري

بأن يلتزم المشتري على نفسه أن يقيله إذا جاء بالثمن و استقالة و هو ظاهر الوسيلة حيث قال إذا باع شيئا على أن يقيله في وقت كذا بمثل الثمن الذي باعه منه لزمته الإقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدة انتهى فإن أبى أجبره الحاكم أو أقال عنه و إلا استقل بالفسخ و هو محتمل روايتي سعيد بن يسار و إسحاق بن عمار على أن يكون رد المبيع البيع فيهما كناية عن ملزومه و هي الإقالة لا أن يكون وجوب الرد كناية عن تملك البائع للمبيع بمجرد فسخه بعد رد الثمن على ما فهمه الأصحاب و مرجعه إلى أحد الأولين- . و الأظهر في كثير من العبارات مثل الشرائع و القواعد و التذكرة هو الثاني

[صحة الأنحاء المذكورة عدا الرابع]

لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة عدا الرابع فإنه فيه إشكالا من جهة أن انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاء فعلي أو قولي يشبه انعقاده بنفسه مخالفة المشروع من توقف المسببات على أسبابها الشرعية و سيجي ء في باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك و سقمه.

الأمر الثاني الثمن المشروط رده إما أن يكون في الذمة و إما أن يكون معينا

و على كل تقدير إما أن يكون قد قبضه و إما لم يقبضه فإن لم يقبضه فله الخيار و إن لم يتحقق رد الثمن لأنه شرط على تقدير قبضه و إن لم يفسخ حتى انقضت المدة لزم البيع و يحتمل العدم بناء على أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله و إن قبض الثمن المعين فإما أن يشترط رد عينه أو يشترط رد ما يعم بدله مع عدم التمكن من العين بسبب لا منه أو مطلقا أو و لو مع التمكن منه على الإشكال من الأخير من حيث اقتضاء الفسخ شرعا بل لغة رد العين مع الإمكان و في جواز اشتراط رد القيمة في المثلي و بالعكس وجهان- و إما أن يطلق فعلى الأول لا خيار إلا برد العين فلو تلف لا من البائع فالظاهر عدم الخيار- إلا أن يكون إطلاق اشتراط رد العين في الخيار لإفادة سقوطه بإتلاف البائع فيبقى الخيار في إتلاف غيره على حاله و فيه نظر. و على الثاني فله رد البدل في موضع صحة الاشتراط. و أما الثالث فمقتضى ظاهر الشرط فيه رد العين و يظهر من إطلاق محكي الدروس و حاشية الشرائع أن الإطلاق لا يحمل على العين و يحتمل حمله على الثمن الكلي و سيأتي و إن كان الثمن كليا فإن كان في ذمة البائع كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدمة فرده بأداء ما في الذمة سواء قلنا إنه عين الثمن أو بدله من حيث إن ما في ذمة البائع سقط عنه بصيرورته ملكا له فكأنه تلف المراد برده المشترط رد بدله و إن لم يكن الثمن في ذمة البائع و قبضه فإن شرط رد ذلك الفرد المقبوض أو رد مثله بأحد الوجوه المتقدمة فالحكم على مقتضى الشرط و إن أطلق فالمتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو رد ما يعم البدل إما مطلقا أو مع فقد العين و يدل عليه صريحا بعض الأخبار المتقدمة إلا أن المتيقن منها صورة فقد العين.

الأمر الثالث [هل يكفي مجرد رد الثمن في الفسخ]

قيل ظاهر الأصحاب بناء على ما تقدم من أن رد الثمن في هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ و صرح به في الدروس و غيره و لعل منشأ الظهور أن هذا القسم فرد من خيار الشرط مع اعتبار شي ء زائد فيه و هو رد الثمن و عللوا ذلك أيضا بأن الرد من حيث هو لا يدل على الفسخ أصلا و هو حسن مع عدم الدلالة أما لو فرض الدلالة عرفا إما بأن يفهم منه كونه تمليكا للثمن من المشتري ليتملك منه المبيع على وجه المعاطاة و إما بأن يدل الرد بنفسه على الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري فلا وجه لعدم الكفاية مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو أخفى من ذلك دلالة و ما قيل من أن الرد يدل على إرادة الفسخ و الإرادة غير المراد ففيه أن المدعى دلالته على إرادة كون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري و لا يعتبر في الفسخ الفعلي أزيد من هذا مع أن ظاهر الأخبار كفاية الرد في وجوب رد المبيع بل قد عرفت في رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن فيحمل على تحقق الفسخ الفعلي به.

الأمر الرابع- يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد

على الوجه الثاني من الوجهين الأولين بل و على الوجه الأول بناء على أن تحقق السبب و هو العقد كاف في صحة إسقاط الحق- لكن مقتضى ما صرح به في التذكرة من أنه لا يجوز إسقاط خيار الشرط أو الحيوان

المكاسب، ج 3، ص 231

بعد العقد بناء على حدوثهما من زمان التفرق عدم الجواز أيضا إلا أن يفرق هنا بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد و لو من حيث تملكه للرد الموجب له فله إسقاطه بخلاف ما في التذكرة و يسقط أيضا بانقضاء المدة و عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا على التفصيل المتقدم و لو تبين المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفى في الرد و له الاستبدال و يسقط أيضا بالتصرف في الثمن المعين مع اشتراط رد العين أو حمل الإطلاق عليه و كذا الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل الإطلاق على اعتبار رد عين المدفوع كل ذلك لإطلاق ما دل على أن تصرف ذي الخيار- فيما انتقل إليه رضاء بالعقد و لا خيار و قد عمل الأصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري المجلس و الشرط. و المحكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية- أن الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن لأن المدار في هذا الخيار عليه لأنه شرع لانتفاع البائع بالثمن فلو سقط الخيار سقط الفائدة و للموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن و بيع الدار لأجل ذلك و المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الرد على ذلك بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الأصحاب بما محصله أن التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار و لا خيار إلا بعد الرد و لا ينافي شي ء مما ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد لأن ذلك منه بعده لا قبله و إن كان قادرا على إيجاد سببه فيه إذ المدار على الفعل لا على القوة على أنه لا يتم فيما اشترط فيه الرد في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا انتهى محصل كلامه و ناقش بعض من تأخر عنه فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله بأن ذلك يقتضي جهالة مبدء الخيار و بأن الظاهر من إطلاق العرف و تضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ بتوقف الملك على انقضاء الخيار ببعض الأخبار المتقدمة في هذه المسألة الدالة على أن غلة المبيع للمشتري هو كون مجموع المدة زمان الخيار انتهى. أقول في أصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح و المناقشة على الرد نظر أما الأول فلأنه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب في غير مورد النص عليه باتفاق الأصحاب و أما بناء هذا العقد على التصرف فهو من جهة أن الغالب المتعارف البيع بالثمن الكلي و ظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن و لذا قوينا حمل الإطلاق في هذه الصورة على ما يعم البدل و حينئذ فلا يكون التصرف في عين الفرد المدفوع دليلا على الرضا بلزوم العقد إذ لا منافاة بين فسخ العقد و صحة هذا التصرف و استمراره و هو مورد الموثق المتقدم أو منصرف إطلاقه أو من جهة تواطؤ المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرف أيضا أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في الثمن و قد مر أن السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتى المقرون منه بعدم الرضا بلزوم العقد. و أما الثاني فلأن المستفاد من النص و الفتوى كما عرفت كون التصرف مسقطا فعليا كالقولي يسقط الخيار في كل مقام يصح إسقاطه بالقول و الظاهر عدم الإشكال في جواز إسقاط الخيار قولا قبل الرد هذا مع أن حدوث الخيار بعد الرد مبني على الوجه الأول المتقدم من الوجوه الخمسة في مدخلية الرد في الخيار و لا دليل على تعينه في بيع الخيار المتعارف بين الناس بل الظاهر من عبارة غير واحد هو الثاني أو نقول إن المتبع مدلول الجملة الشرطية الواقعة في متن العقد فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار و قد يؤخذ قيدا للفسخ. نعم لو جعل الخيار و الرد في جزء معين من المدة كيوم بعد السنة كان التصرف قبله تصرفا مع لزوم العقد و جاء فيه الإشكال في صحة الإسقاط هنا و لو قولا من عدم تحقق الخيار و من تحقق سببه. و أما المناقشة في تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار ففيه أنها لا تقدح مع تحديد زمان التسلط على الرد و الفسخ بعده إنشاء. نعم ذكر في التذكرة أنه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق إذا جعلنا مبدأه عند الإطلاق من حين العقد لكن الفرق يظهر بالتأمل و أما الاستشهاد عليه بحكم العرف ففيه أن زمان الخيار عرفا لا يراد به إلا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا أو بجعل المتعاقدين و المفروض أن الخيار هنا جعلي فالشك في تحقق الخيار قبل الرد بجعل المتعاقدين و أما ما ذكره بعض الأصحاب في رد الشيخ من بعض أخبار

المسألة فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملك على انقضاء زمان الخيار مطلقا حتى المنفصل كما لا يبعد عن إطلاق كلامه و إطلاق ما استدل له به من الأخبار.

الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري

سواء كان قبل الرد أو بعده و نماؤه أيضا له مطلقا و الظاهر عدم سقوط خيار البائع فيسترد المثل أو القيمة برد الثمن أو بدله و يحتمل عدم الخيار بناء على أن مورد هذا الخيار هو إلزام أن له رد الثمن و ارتجاع البيع و ظاهره اعتبار بقاء المبيع في ذلك فلا خيار مع تلفه ثم إنه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت الشرط فلا يجوز للمشتري إتلاف المبيع كما سيجي ء في أحكام الخيار لأن غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله و لا يتم إلا بالتزام إبقائه للبائع و لو تلف الثمن فإن كان بعد الرد و قبل الفسخ فمقتضى ما سيجي ء من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له كونه من المشتري و إن كان ملكا للبائع إلا أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن و يدعى اختصاصها بالمبيع- كما ذكره بعض المعاصرين و استظهره من رواية معاوية بن ميسرة المتقدمة و لم أعرف وجه الاستظهار إذ ليس فيها إلا أن نماء الثمن للبائع و تلف المبيع من المشتري و هما إجماعيان حتى في مورد كون التلف ممن لا خيار له فلا حاجة لهما إلى تلك الرواية و لا يكون الرواية مخالفة للقاعدة و إنما المخالف لها هي قاعدة أن الخراج بالضمان إذا انضمت إلى الإجماع لي كون النماء للمالك. نعم الإشكال في عموم تلك القاعدة للثمن كعمومها لجميع أفراد الخيار لكن الظاهر من إطلاق غير واحد عموم القاعدة للثمن و اختصاصها بالخيارات الثلاثة أعني خيار المجلس و الشرط و الحيوان و سيجي ء الكلام في أحكام الخيار و إن كان التلف قبل الرد فمن البائع بناء على عدم ثبوت الخيار

المكاسب، ج 3، ص 232

قبل الرد و فيه ما عرفت من منع المبني منع البناء فإن دليل ضمان من لا خيار له مال صاحبه و هو تزلزل البيع سواء كان بخيار متصل أو بمنفصل كما يقتضيه أخبار تلك المسألة كما سيجي ء ثم إن قلنا بأن تلف الثمن من المشتري انفسخ البيع و إن قلنا بأنه من البائع فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل و يرتجع المبيع.

الأمر السادس لا إشكال في القدرة على الفسخ برد الثمن على نفس المشتري أو برده على وكيله المطلق أو الحاكم أو العدول

مع التصريح بذلك في العقد و إن كان المشروط هو رده إلى المشتري مع عدم التصريح ببدله فامتنع رده إليه عقلا لغيبة و نحوها أو شرعا لجنون و نحوه ففي حصول الشرط برده إلى الحاكم كما اختاره المحقق القمي في بعض أجوبة مسائله و عدمه كما اختاره سيد مشايخنا في مناهله قولان و ربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق على عدم لزوم رد الثمن إلى المشتري مع غيبته حيث إنه بعد نقل قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار و أنه لا اعتبار بالإشهاد خلافا لبعض علمائنا قال إن ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري ليفسخ البائع بعد دفع الثمن إليه فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري و جعل الثمن أمانة إلى أن يجي ء المشتري و إن كان ظاهرهم الاتفاق عليه إلا أنه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة انتهى. أقول لم أجد فيما رأيت من تعرض الحكم رد الثمن مع غيبة المشتري في هذا الخيار و لم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة عند البائع حتى يحضر المشتري و ذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار إنما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو في مقابل العامة و بعض الخاصة حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور الخصم و لا تنافي بينه و بين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ و هو رد الثمن إلى المشتري مع أن ما ذكره من أخبار المسألة- لا يدل على اعتبار حضور الخصم في الفسخ و إن كان موردها صورة حضوره لأجل تحقق الرد إلا أن الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان بناء على مغايرة الفسخ للرد و عدم الاكتفاء به عنه. نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم لكن الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار خصوصا لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرد رد الثمن فافهم و كيف كان فالأقوى فيما لم يصرح باشتراط الرد إلى خصوص المشتري هو قيام الولي مقامه لأن الظاهر من الرد إلى المشتري حصوله عنده و تملكه له حتى لا يبقى الثمن في ذمة البائع بعد الفسخ و لذا لو دفع إلى وارث المشتري كفى و كذا لو رد وارث البائع مع أن المصرح به في العقد رد البائع و ليس ذلك لأجل إرثه للخيار لأن ذلك متفرع على عدم مدخلية خصوص البائع في الرد و كذا الكلام في وليه و دعوى أن الحاكم إنما يتصرف في مال الغائب- على وجه الحفظ و المصلحة و الثمن قبل رده باق على ملك البائع و قبضه عنه الموجب لسلطنة البائع على الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب أو شبهه فلا يكون وليا في القبض فلا يحصل ملك المشتري المدفوع بعد الفسخ مدفوعة بأن هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولي حتى يناط بالمصلحة بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صح له الفسخ إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليه للثمن حتى يقال إن ولايته في القبول متوقفة على المصلحة بل المعتبر تمكين المشتري أو وليه منه إذا حصل الفسخ. و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ برد الثمن- إلى عدول المؤمنين ليحفظوها حسبة عن الغائب و شبهه و لو اشترى الأب للطفل بخيار البائع فهل يصح له الفسخ مع رد الثمن إلى الولي الآخر أعني الجد مطلقا أو مع عدم التمكن من الرد إلى الأب أو لا وجوه و يجري مثلها فيما لو اشترى الحاكم للصغير فرد البائع إلى حاكم آخر و ليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمة للأول حتى لا يجوز قبوله للثمن و لا يجري ولايته بالنسبة إلى هذه المعاملة بناء على عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر في مثل هذه الأمور لما عرفت من أن أخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا بل البائع إذا وجد من يجوز أن يتملك الثمن عن المشتري عند فسخه جاز له الفسخ و ليس في مجرد تملك الحاكم الثاني الثمن عن المشتري مزاحمة للحاكم الأول غاية الأمر وجوب دفعه إليه مع احتمال عدم الوجوب لأن هذا ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الأول فلا مزاحمة لكن الأظهر أنها مزاحمة عرفا.

الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن- لم يكن له ذلك إلا برد الجميع

فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ و ليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه لبقائه على ملك البائع و الظاهر أنه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه على وجه التمنية إلا أن يصرح بكونها أمانة عنده إلى أن يجتمع قدر الثمن فينفسخ البائع و لو شرط البائع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن جاز الفسخ فيما قابل المدفوع و للمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع و خرجت المدة و هل له ذلك قبل خروجها الوجه ذلك و يجوز اشتراط الفسخ في الكل برد جزء معين من الثمن في المدة بل بجزء غير معين فيبقى الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ.

الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن

و لا إشكال في انصراف الإطلاق إلى العين و لا في جواز التصريح برد بدله مع تلفه لأن مرجعه إلى اشتراط الخيار برد المبيع مع وجوده و بدله مع تلفه و عدم بقاء مال البائع عند المشتري بعد الفسخ و في جواز اشتراط رد بدله و لو مع التمكن من العين إشكال من أنه خلاف مقتضى الفسخ لأن مقتضاه رجوع كل من العوضين إلى صاحبه فاشتراط البدل اشتراط للفسخ على وجه غير مشروع بل ليس فسخا في الحقيقة. نعم لو اشترط رد التالف بالمثل في القيمي و بالقيمة في المثلي أمكن الجواز لأنه بمنزلة اشتراط إيفاء ما في الذمة بغير جنسه لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة و القيمي بالمثل و لا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد إلى البائع فتأمل و يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه أو بدله و الله العالم.

مسألة لا إشكال و لا خلاف- في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع- و جريانه في كل معاوضة لازمة
اشارة

المكاسب، ج 3، ص 233

كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة بل قال في التذكرة الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة خلافا للجمهور. و مراده ما يكون لازما لأنه صرح بعدم دخوله في الوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة لأن الخيار لكل منهما دائما فلا معنى لدخول خيار الشرط فيه.

و الأصل في ما ذكر عموم المؤمنون عند شروطهم

بل الظاهر المصرح به في كلمات جماعة دخوله في غير المعاوضات من العقود اللازمة و لو من طرف واحد بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة إلا أن يدعى من الخارج عدم معنى للخيار في العقد الجائز و لو من الطرف الواحد. فعن الشرائع و الإرشاد و الدروس و تعليق الإرشاد و مجمع البرهان و الكفاية دخول خيار الشرط في كل عقد سوى النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق و العتق و ظاهرها ما عدا الجائز و لذا ذكر نحو هذه العبارة في التحرير بعد ما منع الخيار في العقود الجائزة و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف بينهم في أن مقتضى عموم أدلة الشرط الصحة في الكل و إنما الإخراج لمانع. و لذا قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس سره أنه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان المؤمنون عند شروطهم

فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم
اشارة

فنقول

أما الإيقاعات

فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها كما يرشد إليه استدلال الحلي في السرائر على عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن العقود قيل لأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه جملة من الأخبار و الإيقاع إنما يقوم بواحد و فيه أن المستفاد من الأخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه لا كونه متوقفا على الإيجاب و القبول أ لا ترى أنهم جوزوا أن يشترط في إعتاق العبد خدمة مدة تمسكا بعموم المؤمنون عند شروطهم. غاية الأمر توقف لزومه كاشتراط مال على العبد على قبول العبد على قول بعض لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الإيجاب و القبول فالأولى الاستدلال عليه مضافا إلى إمكان منع صدق الشرط و انصرافه خصوصا على ما تقدم عن القاموس بعدم مشروعية الفسخ في الإيقاعات حتى تقبل لاشتراط التسلط على الفسخ فيها. و الرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق بل هو حكم شرعي في بعض أقسامه لا يقبل الثبوت في غير مورده بل و لا السقوط في مورده و مرجع هذا إلى أن مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل و قد وجد في العقود من جهة مشروعية الإقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما في بعضها بخلاف الإيقاعات فإنه لم يعهد من الشارع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك فيها. و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعي سببا فإذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الإيقاع أو علم عدمه بناء على أن اللزوم في الإيقاعات حكم شرعي كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سببا باشتراط التسلط عليه في متن الإيقاع هذا كله مضافا إلى الإجماع عن المبسوط و نفي الخلاف عن السرائر على عدم دخوله في العتق و الطلاق و إجماع المسالك على عدم دخوله في العتق و الإبراء. و مما ذكرنا في الإيقاع يمكن أن يمنع دخول الخيار فيما تضمن الإيقاع- و لو كان عقدا كالصلح المفيد فائدة الإبراء كما في التحرير و جامع المقاصد و في غاية المرام أن الصلح إن وقع معاوضة دخله خيار الشرط و إن وقع عما في الذمة مع جهالته أو على إسقاط الدعوى قبل ثبوتها لم يدخله لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته و كل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم انتهى. و الكبرى المذكورة في كلامه راجعة إلى ما ذكرنا في وجه المنع عن الإيقاعات و لا أقل من الشك في ذلك الراجع إلى الشك في سببية الفسخ لرفع الإيقاع.

و أما العقود
اشارة

فمنها ما لا يدخله اتفاقا و منها ما اختلف فيه و منها ما يدخله اتفاقا.

فالأول النكاح

فإنه لا يدخله اتفاقا كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و جامع المقاصد و المسالك الإجماع عليه و لعله لتوقف ارتفاعه شرعا على الطلاق و عدم مشروعية التقايل فيه.

و من الثاني الوقف

فإن المشهور عدم دخوله فيه و عن المسالك أنه موضع وفاق و يظهر من محكي السرائر و الدروس وجود الخلاف فيه و ربما علل باشتراط القربة فيه و أنه فك ملك بغير عوض و الكبرى في الصغريين ممنوعة. و يمكن الاستدلال له بالموثقة المذكورة في مسألة شرط الواقف كونه أحق بالوقف عند الحاجة- و هي قوله ع: من أوقف أرضا ثم قال إن احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع في الميراث و قريب منها غيرها و في دلالتها على المدعى تأمل. و يظهر من المحكي عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة- تجويز اشتراط الخيار في الوقف و لعله المخالف الذي أشير إليه في محكي السرائر و الدروس. و أما حكم الصدقة فالظاهر أنه حكم الوقف قال في التذكرة في باب الوقف إنه يشترط في الوقف الإلزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة انتهى. لكن قال في باب خيار الشرط أما الهبة المقبوضة فإن كانت لأجنبي غير معوض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها و إن اختل أحد القيود لزمت و هل يدخلها خيار الشرط الأقرب ذلك انتهى. و ظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتى الصدقة و كيف كان فالأقوى عدم دخوله فيها لعموم ما دل على أنه لا يرجع فيما كان لله- بناء على أن المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة و لو شك في ذلك كفى في عدم سببية الفسخ التي يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها و توهم إمكان إثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع. و منه الصلح فإن الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالعلامة في التذكرة دخول الخيار فيه مطلقا بل عن المهذب البارع في باب الصلح الإجماع على دخوله فيه بقول مطلق و ظاهر المبسوط كالمحكي عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا و قد تقدم التفصيل عن التحرير- و جامع المقاصد و غاية المرام و لا يخلو عن قرب لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الإبراء أو ما

المكاسب، ج 3، ص 234

يفيد فائدته. و منه الضمان فإن المحكي عن ضمان التذكرة و القواعد عدم دخول خيار الشرط فيه و هو ظاهر المبسوط و الأقوى دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه. و منه الرهن فإن المصرح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لأن الرهن وثيقة للدين و الخيار ينافي الاستيثاق و لعله لذا استشكل في التحرير و هو ظاهر المبسوط و مرجعه إلى أن مقتضى طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة و الخيار مناف لذلك و فيه أن غاية الأمر كون وضعه على اللزوم فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين. و منه الصرف فإن صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه مدعين على ذلك الإجماع و لعله لما ذكره في التذكرة للشافعي المانع عن دخوله في الصرف و السلم من أن المقصود من اعتبار التقابض فيهما أن يفترقا و لا يبقى بينهما علقة و لو أثبتنا الخيار بقيت العلقة و الملازمة ممنوعة كما في التذكرة و لذا جزم فيها بدخوله في الصرف و إن استشكله أولا كما في القواعد.

و من الثالث أقسام البيع ما عدا الصرف و مطلق الإجارة و المزارعة و المساقاة

و غير ما ذكر من موارد الخلاف فإن الظاهر عدم الخلاف فيها.

[هل يدخل خيار الشرط في القسمة]

و اعلم أنه ذكر في التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة- و إن لم يكن فيها رد و لا يتصور إلا بأن يشترط الخيار في التراضي القولي بالسهام. و أما التراضي الفعلي فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه بناء على وجوب ذكر الشرط في متن العقد و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة و إن قلنا بلزومها من أول الأمر أو بعد التلف و السر في ذلك أن الشرط القولي- لا يمكن ارتباطه بالإنشاء الفعلي و ذكر فيهما أيضا دخول الخيار في الصداق و لعله لمشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات كما إذا زوجها الولي بدون مهر المثل و فيه نظر و ذكر في المبسوط أيضا دخول هذا الخيار في السبق و الرماية للعموم. أقول و الأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط بصحة التقايل في العقد فمتى شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة أحدهما أو كليهما على الفسخ فإن إقدامه على ذلك حين العقد كاف في ذلك بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه على نفسه فيكون أمر الشارع إياه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام و عدم الاعتراض عليه قائما مقام رضاه الفعلي بفعل صاحبه و إن لم يرض فعلا و أما إذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه لأنه إذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما فالالتزام حين العقد لسلطنة أحدهما عليه لا يحدث له أثرا لما عرفت من أن الالتزام حين العقد لا يفيد إلا فائدة الرضا الفعلي بعد العقد بفسخ صاحبه و لا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا و الله العالم

الرابع خيار الغبن
[الغبن لغة و اصطلاحا]

و أصله الخديعة قال في الصحاح هو بالتسكين في البيع و الغبن بالتحريك في الرأي و هو في اصطلاح الفقهاء- تمليك ماله بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر و تسمية المملك غابنا و الآخر مغبونا مع أنه قد لا يكون خدع أصلا كما لو كانا جاهلين لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة على وجه الخدع. و المراد بما يزيد أو ينقص العوض مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط- فلو باع ما يساوي مائة دينار بأقل منه مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن لأن المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم و هكذا غيره من الشروط و الظاهر أن كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه بخلاف الجهل بقيمته ثم إن ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الأصحاب- و نسبه في التذكرة إلى علمائنا و عن نهج الحق نسبته إلى الإمامية و عن الغنية و المختلف الإجماع عليه صريحا. نعم المحكي عن المحقق قدس سره في درسه إنكاره و لا يعد ذلك خلافا في المسألة كسكوت جماعة عن التعرض له. نعم حكي عن الإسكافي منعه و هو شاذ

و استدل في التذكرة على هذا الخيار بقوله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ

قال و معلوم أن المغبون لو عرف الحال لم يرض و توجيهه أن رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني على عنوان مفقود و هو عدم نقصه عنه في المالية فكأنه قال اشتريت هذا الذي يساوي درهما بدرهم فإذا تبين أنه لا يساوي درهما تبين أنه لم يكن راضيا به عوضا لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع بأن كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبين فقدها إلا الخيار فرارا عن استلزام لزوم المعاملة إلزامه بما لم يلتزم و لم يرض به. فالآية إنما تدل على عدم لزوم العقد فإذا حصل التراضي بالعوض غير المساوي كان كالرضا السابق لفحوى حكم الفضولي و المكره و يضعف بمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس إلا من قبيل الداعي الذي لا يوجب تخلفه شيئا بل قد لا يكون داعيا أيضا كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته فقد يقدم على أخذ الشي ء و إن كان ثمنه أضعاف قيمته و التفت إلى احتمال ذلك مع أن أخذه على وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد

[الأولى الاستدلال عليه بآية و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل]

و لو أبدل قدس سره هذه الآية بقوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ كان أولى بناء على أن أكل المال على وجه الخدع ببيع ما يسوى درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على رد المعاملة و عدم نفوذ رده أكل المال بالباطل أما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد أكلا بالباطل. و مقتضى الآية و إن كان حرمة الأكل حتى قبل تبين الخدع إلا أنه خرج بالإجماع و بقي ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ بناء على ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي فمع التكافؤ يرجع إلى أصالة اللزوم إلا أن يقال إن التراضي مع الجهل بالحال يخرج عن كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلا بالباطل و يمكن أن يقال إن آية التراضي تشمل غير صورة الخدع كما إذا أقدم المغبون على شراء العين محتملا لكونه بأضعاف قيمته فيدل على نفي الخيار في هذه الصورة من دون معارضة

المكاسب، ج 3، ص 235

فيثبت عدم الخيار في الباقي بعدم القول بالفصل فتعارض مع آية النهي المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل فيرجع بعد تعارضهما بضميمة عدم القول بالفصل و تكافؤهما إلى أصالة اللزوم.

[ما استدل به في التذكرة و المناقشة فيه]

و استدل أيضا في التذكرة بأن النبي ص أثبت الخيار في تلقي الركبان و إنما أثبته للغبن و يمكن أن يمنع صحة حكاية إثبات الخيار لعدم وجودها في الكتب المعروفة بين الإمامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

[الاستدلال بلا ضرر و ضرار]

و أقوى ما استدل به على ذلك في التذكرة و غيرها- قوله ص: لا ضرر و لا ضرار في الإسلام و كان وجه الاستدلال إن لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون على فسخه ضرر عليه و إضرار به فيكون منفيا.

فحاصل الرواية أن الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر و لم يسوغ إضرار المسلمين بعضهم بعضا و لم يمض لهم من المتصرفات ما فيه ضرر على الممضى عليه.

و منه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضررا على الممضى عليه سواء كان من جهة الغبن أم لا و سواء كان في البيع أم في غيره كالصلح غير المبني على المسامحة و الإجارة و غيرها من المعاوضات هذا و لكن يمكن الخدشة في ذلك بأن انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل في العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد و الإمضاء بكل الثمن إذ يحتمل أن يتخير بين إمضاء العقد بكل الثمن و رده في المقدار الزائد غاية الأمر ثبوت الخيار للغابن لتبعض المال عليه فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشترى بأزيد من ثمن المثل و حاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث إذا مات ذلك المريض المشتري في أن له استرداد الزيادة من دون رد جزء من العوض كما عليه الأكثر في معاوضات المريض المشتملة على المحاباة و إن اعترض عليهم العلامة بما حاصله أن استرداد بعض أحد العوضين من دون رد بعض الآخر ينافي مقتضى المعاوضة. و يحتمل أيضا أن يكون نفي اللزوم- بتسلط المغبون على إلزام الغابن بأحد الأمرين من الفسخ في الكل و من تدارك ما فات على المغبون برد القدر الزائد أو بدله و مرجعه إلى أن للمغبون الفسخ إذا لم يبذل الغابن التفاوت فالمبذول غرامة لما فات على المغبون على تقدير إمضاء البيع لا هبة مستقلة كما في الإيضاح و جامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت بأن الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن الموجب للخيار و سيجي ء ذلك. و ما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة في التذكرة و احتمله في القواعد من أنه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في إخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فإن مرجع هذا إلى تخيير البائع بين رد التفاوت و بين الالتزام بفسخ المشتري. و حاصل الاحتمالين عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل و لعل هذا هو الوجه في استشكال العلامة في التذكرة في ثبوت الخيار مع البذل بل قول بعض بعدمه كما يظهر من الرياض ثم إن المبذول ليس هبة مستقلة حتى يقال إنها لا يخرج المعاملة المشتملة على الغبن عن كونها مشتملة عليه و لا جزء من أحد العوضين حتى يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض منافيا لمقتضى المعاوضة بل هو غرامة لما أتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية فلا يعتبر كونه من عين الثمن نظير الأرش في المعيب.

[ما استدل به على عدم سقوط الخيار مع البذل و المناقشة فيه]

و من هنا ظهر الخدشة فيما في الإيضاح و جامع المقاصد من الاستدلال على عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب بأن بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية لأنها هبة مستقلة حتى أنه لو دفعه على وجه الاستحقاق لم يحل أخذه إذ لا ريب في أن من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره انتهى بمعناه وجه الخدشة ما تقدم من احتمال كون المبذول غرامة لما أتلفه الغابن على المغبون قد دل عليه نفي الضرر. و أما الاستصحاب ففيه أن الشك في اندفاع الخيار بالبدل لا في ارتفاعه به إذ من المحتمل ثبوت الخيار على الممتنع دون الباذل- ثم إن الظاهر أن تدارك ضرر المغبون بأحد الاحتمالين المذكورين أولى من إثبات الخيار له لأن إلزام الغابن بالفسخ ضرر لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من أعواض أموالهم خصوصا النقود و نقض الغرض ضرر و إن لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون إلا أنه يصلح مرجحا لأحد الاحتمالين المذكورين على ما اشتهر من تخييره بين الرد و الإمضاء بكل الثمن إلا أن يعارض ذلك بأن غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة لكون المقصود اقتناءها للتجمل و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمل فتأمل.

و قد يستدل على الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن
اشارة

فعن الكافي بسنده إلى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال: غبن المسترسل سحت و عن الميسر عن أبي عبد الله ع قال: غبن المؤمن حرام و في رواية أخرى: لا تغبن المسترسل فإن غبنه لا يحل و عن مجمع البحرين أن الاسترسال الاستيناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة به فيما يحدثه و أصله السكون و الثبات و منه الحديث: أيما مسلم استرسل إلى مسلم فغبنه فهو كذا و منه غبن المسترسل سحت انتهى. و يظهر منه أن ما ذكره أو لا حديث رابع

و الإنصاف عدم دلالتها على المدعى

فإن ما عدا الرواية الأولى ظاهره في حرمة الخيانة في المشاورة فيحتمل كون الغبن بفتح الباء و أما الرواية الأولى فهي و إن كانت ظاهرة فيما يتعلق بالأموال لكن يحتمل حينئذ أن يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب على أصل العمل و الخديعة في أخذ المال و يحتمل أن يراد كون المقدار الذي يأخذه زائدا على ما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة و الضمان و يحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل على الزيادة بمنزلة السحت في تحريم الأكل في صورة خاصة و هي اطلاع المغبون و رده للمعاملة المغبون فيها و لا ريب أن الحمل على أحد الأولين أولى و لا أقل من السماوات للثالث فلا دلالة

فالعمدة في المسألة الإجماع

المحكي المعتضد بالشهرة المحققة و حديث نفي الضرر بالنسبة إلى خصوص الممتنع عن بذل التفاوت

ثم إن تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل
مسألة يشترط في هذا الخيار أمران
الأول عدم علم المغبون بالقيمة

فلو علم بالقيمة فلا

المكاسب، ج 3، ص 236

خيار- بل لا غبن كما عرفت بلا خلاف و لا إشكال لأنه أقدم على الضرر ثم إن الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرة أو ملتفتا إليها و لا بين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه و لا بين الجهل المركب و البسيط مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة أو الظن بهما أو الشك. و يشكل في الأخيرين إذا أقدم على المعاملة بانيا على المسامحة على تقدير الزيادة و النقيصة فهو كالعالم بل الشاك في الشي ء إذا أقدم عليه بانيا على تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه أو الذم و من حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشي ء مما يعذر الغافل فيه. و الحاصل أن الشاك الملتفت إلى الضرر مقدم عليه و من أن مقتضى عموم نفي الضرر و إطلاق الإجماع المحكي ثبوته بمجرد تحقق الضرر خرج المقدم عليه عن علم بل مطلق الشاك ليس مقدما على الضرر بل قد يقدم برجاء عدمه و مساواته للعالم في الآثار ممنوعة حتى في استحقاق المدح و الذم لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك عند الإقدام عليه و لذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه على الغبن حالة أخرى لو حصلت له قبل العقد لم يقدم عليه. نعم لو صرح في العقد بالالتزام به و لو على تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا إلى إسقاط الغبن. و مما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و إن كان قادرا على السؤال كما صرح به في التحرير و التذكرة و لو أقدم عالما على غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا يبعد الخيار و لو أقدم على ما لا يتسامح فبان أزيد بما يتسامح به منفردا أو بما لا يتسامح ففي الخيار وجه ثم إن المعتبر القيمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون على النقصان حين العقد لم ينفع- لأن الزيادة إنما حصلت في ملكه و المعاملة وقعت على الغبن و يحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر كما لو بري ء المعيوب قبل الاطلاع على عيبه بل في التذكرة أنه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد و أشكل منه ما لو توقف الملك على القبض فارتفع الغبن قبله لأن الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص في قيمته. نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد كما صرح به العلامة في الصرف يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب إقباض الزائد في مقابلة الناقص لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض و لو ثبت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فإنه لا عبرة بهما إجماعا كما في التذكرة ثم إنه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد بل العبرة بعلم الموكل و جهله. نعم لو كان وكيلا في المعاملة و المساومة فمع علمه و فرض صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل و مع جهله يثبت الخيار للموكل إلا أن يكون عالما بالقيمة و بأن وكيله يعقد على أزيد منها و يقرره له و إذا ثبت الخيار في عقد الوكيل فهو للموكل خاصة إلا أن يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ فإنه كالولي حينئذ و قد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس- ثم إن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن و بالبينة إن تحققت و بقول مدعيه مع اليمين لأصالة عدم العلم الحاكمة على أصالة اللزوم- مع أنه قد يتعسر إقامة البينة على الجهل و لا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال فتأمل هذا كله إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة- بحيث لا يخفى عليه القيمة إلا لعارض من غفلة أو غيرها و إلا فلا يقبل قوله كما في الجامع و المسالك و قد يشكل بأن هذا إنما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر على الأصل فغاية الأمر أن يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعي لما تعسر إقامة البينة عليه و لا يعرف إلا من قبله يقبل قوله مع اليمين فليكن هذا من هذا القبيل إلا أن يقال إن مقتضى تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه مدعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي حتى في قبول قوله إذا تعسر عليه إقامة البينة. أ لا ترى أنهم لم يحكموا بقبول قول مدعي فساد العقد إذا تعسر عليه إقامة البينة على سبب الفساد هذا مع أن عموم تلك القاعدة ثم اندراج المسألة فيها محل تأمل و لو اختلفا في القيمة وقت العقد أو في القيمة بعده مع تعذر الاستعلام فالقول قول منكر سبب الغبن لأصالة عدم التغير و أصالة اللزوم.

و منه يظهر حكم ما لو اتفقا على التغير و اختلفا في تاريخ العقد و لو علم تاريخ التغير فالأصل و إن اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد عن القيمة إلا أنه لا يثبت به وقوع العقد على الزائد حتى يثبت العقد.

الأمر الثاني كون التفاوت فاحشا

فالواحد بل الاثنان في العشرين لا يوجب الغبن وحده عندنا كما في التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله و حكي فيها عن مالك أن التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار و إن كان بأكثر من الثلث أوجبه و رده بأنه تخمين لم يشهد له أصل في الشرع انتهى. و الظاهر أنه لا إشكال في كون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا. نعم الإشكال في الخمس و لا يبعد دعوى عدم مسامحة الناس فيه كما سيجي ء التصريح من المحقق القمي في تصويره لغبن كلا المتبايعين ثم الظاهر أن المرجع عند الشك في ذلك هو أصالة ثبوت الخيار لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه و يحتمل الرجوع إلى أصالة اللزوم لأن الخارج هو الضرر الذي يتفاحش فيه لا مطلق الضرر.

بقي هنا شي ء و هو أن ظاهر الأصحاب و غيرهم أن المناط في الضرر الموجب للخيار كون المعاملة ضررية

مع قطع النظر عن ملاحظة حال أشخاص المتبايعين و لذا حدوه بما لا يتغابن به الناس أو بالزائد على الثلث كما عرفت عن بعض العامة و ظاهر حديث نفي الضرر المستدل عليه في أبواب الفقه ملاحظة الضرر بالنسبة إلى شخص الواقعة و لذا استدلوا به على عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير إذا أضر بالمكلف و وجوب شرائه بذلك المبلغ على من لا يضر به ذلك مع أن أصل شراء الماء بأضعاف قيمته معاملة ضررية في حق الكل. و الحاصل أن العبرة إذا كان بالضرر المالي لم يجب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته و إن كانت بالضرر الحالي تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره و الأظهر اعتبار الضرر المالي لأنه ضرر في نفسه من غير مدخلية لحال الشخص و تحمله في بعض المقامات إنما خرج بالنص

المكاسب، ج 3، ص 237 و لذا أجاب في المعتبر عن الشافعي المنكر لوجوب الوضوء في الفرض المذكور بأن الضرر لا يعتبر مع معارضة النص. و يمكن أيضا أن يلتزم الضرر المالي في مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفي الضرر بالنص بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر كما يشير إليه قوله ع: بعد شرائه ع ماء وضوئه بأضعاف قيمته إن ما يشتري به مال كثير. نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفى بأدلة نفي الحرج لا دليل نفي الضرر فنفي الضرر المالي في التكاليف لا يكون إلا إذا كان تحمله حرجا.

[تصوير الغبن من الطرفين و الإشكال فيه]
اشارة

إشكال ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد في أقسام الغبن أن المغبون إما أن يكون هو البائع أو المشتري أو هما انتهى فيقع الإشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا. و المحكي عن بعض الفضلاء في تعليقه على الروضة- ما حاصله استحالة ذلك حيث قال قد عرفت أن الغبن في طرف البائع إنما هو إذا باع بأقل من القيمة السوقية و في طرف المشتري إذا اشترى بأزيد منها و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الأثمان أو العروض أو مختلفين و حينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين و إلا لزم كون الثمن أقل من القيمة السوقية و أكثر و هو محال فتأمل انتهى

و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك في بعض الفروض
منها ما ذكره المحقق القمي
اشارة

صاحب القوانين في جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة قال إنها تفرض فيما إذا باع متاعه بأربعة توأمين من الفلوس أن يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا أنها يسوى بأربعة توأمين ثم تبين أن المتاع يسوى خمسة توأمين و أن الدنانير يسوى خمسة توأمين إلا خمسا فصار البائع مغبونا من كون الثمن أقل من القيمة السوقية بخمس تومان و المشتري مغبونا من جهة زيادة الدنانير على أربعة توأمين فالبائع مغبون في أصل البيع و المشتري مغبون في ما التزمه من إعطاء الدنانير عن الثمن و إن لم يكن مغبونا في أصل البيع انتهى.

[المناقشة في ما ذكره المحقق القمي]

أقول الظاهر أن مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما يصل إلى البائع بسبب مجموع العقد و الشرط كما لو باع شيئا يسوى خمسة دراهم بدرهمين على أن يخيط له ثوبا مع فرض كون أجرة الخياطة ثلاثة دراهم و من هنا يقال إن للشروط قسطا من العوض و إن أبيت إلا عن أن الشرط معاملة مستقلة و لا مدخل له في زيادة الثمن و خرج ذلك عن فرض غبن كل من المتبايعين في معاملة واحدة لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة و كون الغبن من طرف واحد.

و منها ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة

فيما إذا باع شيئين في عقد واحد بثمنين فغبن البائع في أحدهما و المشتري في الآخر. و هذا الجواب قريب من سابقه في الضعف لأنه إن جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما خاصة حتى يجوز له الفسخ في العين المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن في كل واحدة منها لأحدهما خاصة فلا وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمي غبن البائع خاصة و المشتري خاصة و إن لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن أصلا مع تساوي الزيادة في أحدهما للنقيصة في الآخر و مع عدم المساواة فالغبن من طرف واحد.

و منها أن يراد بالغبن في المقسم معناه الأعم الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا

على خلاف ما شاهده أو خروج ما أخبر البائع بوزنه على خلاف خبره. و قد أطلق الغبن على هذا المعنى الأعم العلامة في القواعد و الشهيد في اللمعة و على هذا المعنى الأعم تحقق الغبن في كل منهما و هذا أحسن لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين إرادة ما عنون به هذا الخيار و هو الغبن بالمعنى الأخص على ما فسروه به.

و منها ما ذكره بعض من أنه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد في مكانين

كما إذا حصر العسكر البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته في البلد فاشترى بعض أهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين فالمشتري مغبون لزيادة الثمن على قيمة الطعام في مكانه و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة في مكانه و يمكن رده بأن المبيع بعد العقد باق على قيمته حين العقد و لا غبن فيه للمشتري ما دام في محل العقد و إنما نزلت قيمته بقبض المشتري و نقله إياه إلى مكان الرخص. و بالجملة الطعام عند العقد لا يكون إلا في محل واحد له قيمة واحدة.

و منها ما ذكره في مفتاح الكرامة من فرضه فيما إذا ادعى كل من المتبايعين الغبن

كما إذا بيع ثوب بفرس بظن المساواة ثم ادعى كل منهما نقص ما في يده عما في يد الآخر و لم يوجد المقوم ليرجع إليه فتحالفا فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه و قال و يتصور غبنهما في أحد العوضين- كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم ثم ادعى البائع كونه يسوى بمائتين و المشتري كونه لا يسوى إلا بخمسين و لا مقوم يرجع إليه فيتحالفان و يثبت الفسخ لكل منهما انتهى. و فيه أن الظاهر أن لازم التحالف عدم الغبن في المعاملة أصلا مع أن الكلام في الغبن الواقعي دون الظاهري.

و الأولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث و الله العالم.

مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد

وجهان منشأهما اختلاف كلمات العلماء في فتاويهم و معاقد إجماعهم و استدلالاتهم فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو الأول و في الغنية الإجماع على أن ظهور الغبن سبب للخيار و ظاهر كلمات آخرين الثاني و في التذكرة أن الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا و قولهم لا يسقط هذا الخيار بالتصرف فإن المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر في ثبوته. و مما يؤيد الأول أنهم اختلفوا في صحة التصرفات الناقلة في زمان الخيار و لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون بعد ظهور غبنه إلى البدل. و يؤيده أيضا الاستدلال في التذكرة و الغنية على هذا الخيار بقوله ص في حديث تلقي الركبان إنهم بالخيار إذا دخلوا السوق فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن هذا و لكن لا يخفى إمكان إرجاع الكلمات إلى أحد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا في المعنى الآخر. و توضيح ذلك أنه إن أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر بها على الفسخ و الإمضاء قولا أو فعلا فلا يحدث إلا بعد

المكاسب، ج 3، ص 238

ظهور الغبن و إن أريد ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم و إنما يتوقف على العلم إعمال هذا الحق فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم خياري المجلس أو الحيوان أو غيرهما ثم إن الآثار المجعولة للخيار- بين ما يترتب على تلك السلطنة الفعلية كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون إلا بعد ظهور الغبن فلا يسقط قبله كما سيجي ء. و منه التلف فإن الظاهر أنه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لمثل خيار الغبن كما جزم به بعض و تردد فيه آخر و بين ما يترتب على ذلك الحق الواقعي كإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره و بين ما يتردد بين الأمرين كالتصرفات الناقلة فإن تعليلهم المنع عنها بكونها مفوتة لحق ذي الخيار من العين ظاهر في ترتب المنع على وجود نفس الحق و إن لم يعلم به. و حكم بعض من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه أن المنع لأجل التسلط الفعلي و المتبع دليل كل واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الأثر على نفس الحق الواقعي و لو كان مجهولا لصاحبه و قد يظهر منه ترتبه على السلطنة الفعلية و تظهر ثمرة الوجهين أيضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم في الواقع فصادف الغبن ثم إن ما ذكرناه في الغبن من الوجهين جار في العيب. و قد يستظهر من عبارة القواعد في باب التدليس الوجه الأول قال و كذا يعني لا رد لو تعيبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس انتهى فإنه ذكر في جامع المقاصد أنه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده لأن العيب مضمون على المشتري ثم قال إلا أن يقال إن العيب بعد العلم غير مضمون على المشتري لثبوت الخيار و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب لكون العيب في زمان الخيار مضمونا على من لا خيار له لكن الاستظهار المذكور مبني على شمول قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب و سيجي ء عدم العموم إن شاء الله و أما خيار الرؤية فسيأتي أن ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية فلا يجوز إسقاطه قبلها.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور
أحدها إسقاطه بعد العقد

و هو قد يكون بعد العلم بالغبن فلا إشكال في صحة إسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لا مع الجهل بها إذا سقط الغبن المسبب عن أي مرتبة كان فاحشا كان أو أفحش و لو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فظهر مائة ففي السقوط وجهان من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق كما لو أسقط حق عرض بزعم أنه شتم لا يبلغ القذف فتبين كونه قذفا و من أن الخيار أمر واحد- مسبب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح به و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الإسقاط و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان و أما الإسقاط بعوض بمعنى المصالحة عنه به فلا إشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب و لو أطلق و كان للإطلاق منصرف كما لو صالح عن الغبن المحقق في المتاع المشتري بعشرين بدرهم فإن المتعارف من الغبن المحتمل في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر و أن المبيع يسوى درهمين في فبطلان الصلح لأنه لم يقع على الحق الموجود أو صحته مع لزومه لما ذكرنا من أن الخيار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الذي له أفراد متعددة فإذا أسقطه سقط أو صحته متزلزلا لأن الخيار الذي صالح عنه باعتقاد أن عوضه المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل في مقابله أزيد من الدرهم ضرورة أنه كلما كان التفاوت المحتمل أزيد يبذل في مقابله أزيد مما يبذل في مقابله لو كان أقل فيحصل الغبن في المصالحة إذ لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه و بين كونه لأجل الجهل بعينه وجوه و هذا هو الأقوى فتأمل. و أما إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن- فالظاهر أيضا جوازه و لا يقدح عدم تحقق شرطه بناء على كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار و هو الغبن الواقعي و إن لم يعلم به و هذا كاف في جواز إسقاط المسبب قبل حصول شرطه كإبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان و كبراءة البائع من العيوب الراجعة إلى إسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها. و لا يقدح في المقام أيضا كونه إسقاطا لما لم يتحقق إذ لا مانع منه إلا التعليق و عدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلا عن الإيقاعات و هو غير قادح هنا فإن الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه. و أما ما نحن فيه و شبهه مثل طلاق مشكوك الزوجية و إعتاق مشكوك الرقية منجزا أو الإبراء عما احتمل الاشتغال به فقد تقدم في شرائط الصيغة أنه لا مانع منه لأن مفهوم العقد معلق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلم و منه البراءة عن العيوب المحتملة في المبيع و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير. نعم قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به فإنه لا بد من وقوع شي ء بإزائه و هو غير معلوم فالأولى ضم شي ء إلى المصالح عنه المجهول التحقق أو ضم سائر الخيارات إليه بأن يقول صالحتك عن كل خيار لي بكذا و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه لأن المعدوم إنما دخل على تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد

و الإشكال فيه من الجهات المذكورة هنا أو المتقدمة في إسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي عنها. نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار و خيار الرؤية- و هو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه. قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه و لو شرطا رفعه أو رفع خيار الرؤية فالظاهر بطلان العقد للغرر انتهى. ثم احتمل الفرق بين الخيارين بأن الغرر في الغبن سهل الإزالة و جزم الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد و الشرط و تردد فيه المحقق الثاني إلا أنه استظهر الصحة و لعل توجيه كلام الشهيد هو أن الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع كالجهل بصفاته لأن وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه إلى الجهل بمقدار ماليته و لذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي لا مدخل

المكاسب، ج 3، ص 239

لها في القيمة لكن الأقوى الصحة لأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك في القيمة و أيضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لأجل الخيار حتى يكون إسقاطه موجبا لثبوته و إلا لم يصح البيع إذ لا يجدي في الإخراج عن الغرر ثبوت الخيار لأنه حكم شرعي لا يرتفع به موضوع الغرر و إلا لصح كل بيع غرري على وجه التزلزل و ثبوت الخيار كبيع المجهول وجوده و المتعذر تسليمه. و أما خيار الرؤية فاشتراط سقوطه راجع إلى إسقاط اعتبار ما اشترطاه من الأوصاف في العين غير المرئية فكأنهما تبايعا سواء وجد فيها تلك الأوصاف أم لا فصحة البيع موقوفة على اشتراط تلك الأوصاف و إسقاط الخيار في معنى إلغائها الموجب للبطلان مع احتمال الصحة هناك أيضا لأن مرجع إسقاط خيار الرؤية إلى التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط لا إلى عدم التزام ما اشترطاه من الأوصاف و لا تنافي بين أن يقدم على اشتراء العين- بانيا على وجود تلك الأوصاف و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت فتأمل و سيجي ء تمام الكلام في خيار الرؤية و كيف كان فلا أرى إشكالا في اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن أصلا لم يلزم منه غرر.

الثالث تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد علمه بالغبن.

و يدل عليه ما دل على سقوط خياري المجلس و الشرط به مع عدم ورود نص فيهما و اختصاص النص بخيار الحيوان و هو إطلاق بعض معاقد الإجماع بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة و فيما انتقل عنه فسخ و عموم العلة المستفادة من النص في خيار الحيوان المستدل بها في كلمات العلماء على السقوط و هي الرضا بلزوم العقد مع أن الدليل هنا إما نفي الضرر و إما الإجماع و الأول منتف فإنه كما لا يجري مع الإقدام عليه فكذلك لا يجري مع الرضا به بعده. و أما الإجماع فهو غير ثابت مع الرضا إلا أن يقال إن الشك في الرفع لا الدفع فيستصحب فتأمل. أو ندعي أن ظاهر قولهم فيما نحن فيه أن هذا الخيار لا يسقط بالتصرف شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك لكن الإنصاف عدم شمول التصرف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن. و غرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار أن التصرف مسقط لكل خيار و لو وقع قبل العلم بالخيار كما في العيب و التدليس سوى هذا الخيار و يؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من أن التصرف قبل العلم بالعيب و التدليس ملزم لدلالته على الرضا بالبيع فيسقط الرد و إنما يثبت الأرش في خصوص العيب لعدم دلالة التصرف على الرضا بالعيب و كيف كان فاختصاص التصرف غير المسقط في كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفى على المتتبع في كلماتهم. نعم لم أجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكي عن صاحب المسالك و تبعه جماعة لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل مما لا ينبغي بل ربما يستشكل في حكمهم بعدم السقوط بالتصرف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم و الاعتذار بالنص إنما يتم في العيب دون التدليس فإنه مشترك مع خيار الغبن في عدم النص و مقتضى القاعدة في حكم التصرف قبل العلم فيهما واحد. و التحقيق أن يقال إن مقتضى القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل على الرضا بلزوم العقد و تحمل الضرر. نعم قد ورد النص في العيب على السقوط و ادعي عليه الإجماع مع أن ضرر السقوط فيه متدارك بالأرش و إن كان نفس إمساك العين قد تكون ضررا فإن تم دليل في التدليس أيضا قلنا به و إلا وجب الرجوع إلى دليل خياره ثم إن الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن مبني على ما تقدم في الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا على الرضا بلزوم العقد و إلا كان اللازم في غير ما دل فعلا على الالتزام بالعقد من أفراد التصرف الرجوع إلى أصالة بقاء الخيار.

الرابع من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن

تصرفا مخرجا عن الملك على وجه اللزوم كالبيع و العتق فإن المصرح به في كلام المحقق و من تأخر عنه- هو سقوط خياره حينئذ و قيل إنه المشهور- و هو كذلك بين المتأخرين. نعم ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع أنه لو هلك السلعة أو تصرف فيها سقط الرد و الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن كما يظهر من جامع المقاصد في شرح قول الماتن و لا يبطل الخيار بتلف العين فراجع. و استدل على هذا الحكم في التذكرة بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك و هو بظاهره مشكل لأن الخيار غير مشروط عندهم بإمكان رد العين. و يمكن أن يوجه بأن حديث نفي الضرر لم يدل على الخيار بل المتيقن منه جواز رد العين المغبون فيها فإذا امتنع ردها فلا دليل على جواز فسخ العقد. و تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فإن دفع الضرر من الطرفين إنما يكون بتسلط المغبون على رد العين فيكون حاله من حيث إن له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة في أن له أن يشتري و أن يترك و ليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه مع أن إخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر و لو جهلا منه به هذا و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد في اللمعة بما توضيحه أن الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف و التصرف مع الجهل بالضرر ليس إقداما عليه لما عرفت من أن الخارج عن عموم نفي الضرر ليس إلا صورة الإقدام عليه عالما به فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها على ملكه و بدلها مع عدمه. و فوات خصوصية العين على الغابن ليس ضررا لأن العين المبيعة إن كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها بمثلها و إن كانت قيمية فتعريضها للبيع يدل على إرادة قيمتها فلا ضرر أصلا فضلا عن أن يعارض ضرر زيادة الثمن على القيمة خصوصا مع الإفراط في الزيادة و الإنصاف أن هذا حسن جدا لكن قال في الروضة إن لم يكن الحكم إجماعا. أقول و الظاهر عدمه لأنك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام من تقدم على المحقق فيما تتبعت.

ثم إن مقتضى دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف بين البائع و المشتري

قال في التحرير بعد أن صرح بثبوت الخيار للمغبون

المكاسب، ج 3، ص 240 بائعا كان أو مشتريا و لا يسقط الخيار بالتصرف مع إمكان الرد و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم و بين فك الملك كالعتق و الوقف و بين المانع عن الرد مع البقاء على الملك كالاستيلاد بل و يعم التلف و عن جماعة تخصيص العبارة بالمشتري فإن أرادوا قصر الحكم عليه فلا يعرف له وجه إلا أن يبنى على مخالفته لعموم دليل الخيار أعني نفي الضرر فيقتصر على مورد الإجماع

[الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار إذا فسخه]

ثم إن الظاهر التقييد بصورة امتناع الرد و ظاهر التعليل بعدم إمكان الاستدراك ما صرح به جماعة من أن الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار إذا فسخه فضلا عن مثل التدبير و الوصية من التصرفات غير الموجبة للخروج عن الملك فعلا و هو حسن لعموم نفي الضرر. و مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن و لو اتفق زوال المانع كموت ولد أم الولد و فسخ العقد اللازم لعيب أو غبن ففي جواز الرد وجهان من أنه متمكن حينئذ و من استقرار البيع و ربما يبنيان على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد- و كذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد و عدم الخيار هنا أولى لأن العود هنا بسبب جديد. و في الفسخ برفع السبب السابق

و في لحوق الإجارة بالبيع قولان

من امتناع الرد و هو مختار الصيمري و أبي العباس و من أن مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك و هو المحكي عن ظاهر الأكثر و لو لم يعلم بالغبن إلا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد و كذا لو لم يعلم به حتى انفسخ البيع.

و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه

أقواها اللحوق لحصول الشركة فيمتنع رد العين الذي هو مورد الاستثناء و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة و لو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية أو من الجهتين فالأقوى الرد في الوسطى بناء على حصول الشركة في غيرها المانعة عن رد العين فتأمل هذا كله في تصرف المغبون

و أما تصرف الغابن
اشارة

فالظاهر أنه لا وجه لسقوط خيار المغبون به و حينئذ فإن فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق أو الوقف أو البيع اللازم ففي تسلطه على إبطال ذلك من حينه أو من أصلها كالمرتهن و الشفيع أو رجوعه إلى البدل وجوه من وقوع العقد في متعلق حق الغير فإن حق المغبون بأصل المعاملة الغبنية و إنما يظهر له بظهور السبب فله الخيار في استرداد العين إذا ظهر السبب و حيث وقع العقد في ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس و من أن وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس كما في بيع الرهن. و مقتضى فسخ البيع الأول تلقى الملك من الغابن الذي وقع البيع معه لا من المشتري الثاني و من أنه لا وجه للتزلزل إما لأن التصرف في زمان خيار غير المتصرف صحيح لازم كما سيجي ء في أحكام الخيار فيسترد الفاسخ البدل. و إما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا على وجه فعلا على وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار كما هو ظاهر الجماعة هنا و في خيار الغيب قبل ظهوره فإن غير واحد ممن منع من تصرف غير ذي الخيار بدون إذنه أو استشكل فيه حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب و هذا هو الأقوى و سيأتي تتمة لذلك في أحكام الخيار و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد و يحتمل هنا تقديم حق الخيار لسبق سببه على الاستيلاد

[جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز]

ثم إن مقتضى ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز لأن معنى جوازه تسلط أحد المتعاقدين على فسخه- أما تسلط الأجنبي و هو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا. و في المسالك لو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار ألزم بالفسخ فإن امتنع فسخه الحاكم و إن تعذر فسخه المغبون و يمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون إما بدخول العين في ملكه و إما بدخول بدلها فعلى الأول لا حاجة إلى الفسخ حتى يتكلم في الفاسخ و على الثاني فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ إلى غيره اللهم إلا أن يقال إنه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ إنما هو للحيلولة فإذا أمكن رد العين وجب على الغابن تحصيلها لكن ذلك إنما يتم مع كون العين باقية على ملك المغبون و أما مع عدمه و تملك المغبون للبدل فلا دليل على وجوب تحصيل العين.

[لو اتفق عود الملك إلى الغابن]

ثم على القول بعدم وجوب الفسخ في الجائز لو اتفق عود الملك إليه لفسخ فإن كان ذلك قبل فسخ المغبون فالظاهر وجود رد العين و إن كان بعده فالظاهر عدم وجوب رده لعدم الدليل بعد تملك البدل و لو كان العود بعقد جديد فالأقوى عدم وجوب الرد مطلقا لأنه ملك جديد تلقاه من مالكه. و الفاسخ إنما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل

[تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين]
اشارة

و لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين- فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج

فإن كان بالنقيصة

فإما أن يكون نقصا يوجب الأرش و إما أن يكون مما لا يوجبه فإن أوجب الأرش أخذه مع الأرش كما هو مقتضى الفسخ لأن الفائت مضمون بجزء من العوض فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله و مثل ذلك ما لو تلف بعض العين و إن كان مما لا يوجب شيئا رده بلا شي ء. و منه ما لو وجد العين مستأجرة فإن على الفاسخ الصبر إلى أن ينقضي مدة الإجارة و لا يجب على الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى بقية المدة بعد الفسخ لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد و الفسخ فهي ملك للمفسوخ عليه فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق فإذا تحقق في زمان ملك منفعة العين بأسرها و يحتمل انفساخ الإجارة في بقية المدة لأن ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل و هو الذي جزم به المحقق القمي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في البيع و فيه نظر لمنع تزلزل ملك المنفعة. نعم ذكر العلامة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف المتبايعين أنه إذا وجد البائع العين مستأجرة كانت الأجرة للمشتري و المؤجر وجب عليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ و قرره على ذلك شراح الكتاب و سيجي ء ما يمكن أن يكون فارقا بين المقامين

و إن كان التغيير بالزيادة

فإن كانت حكمية محضة- كقصارة الثوب و تعليم الصنعة فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بأن تقوم العين

المكاسب، ج 3، ص 241

معها و لا معها و يؤخذ النسبة و لو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة فالظاهر عدم شي ء لمحدثها لأنه إنما عمل فيما له و عمله لنفسه غير مضمون على غيره و لو لم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال و لو في ضمن العين و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس ففي تسلط المغبون على القلع بلا أرش كما اختاره في المختلف في الشفعة أو عدم تسلطه عليه مطلقا كما عليه المشهور فيما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري أو تسلطه عليه مع الأرش كما اختاره في المسالك هنا و قيل به في الشفعة و العارية وجوه من أن صفة كونه منصوبا المستلزمة لزيادة قيمته إنما هي عبارة عن كونه في مكان صار ملكا للغير فلا حق للغرس كما إذا باع أرضا مشغولة بماله و كان ماله في تلك الأرض أزيد قيمة. مضافا إلى ما في المختلف في مسألة الشفعة من أن الفائت لما حدث في محل معرض للزوال لم يجب تداركه و من أن الغرس المنصوب الذي هو مال للمشتري مال مغاير للمقلوع عرفا و ليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان. مضافا إلى مفهوم قوله ص: ليس لعرق ظالم حق فيكون كما لو باع الأرض المغروسة و من أن الغرس إنما وقع في ملك متزلزل و لا دليل على استحقاق الغرس على الأرض البقاء. و قياس الأرض المغروسة على الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ إجارتها و لا تغرم لها أجرة المثل فاسد للفرق بتملك المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان في الأرض فالتحقيق أن كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له على الآخر و لا عليه له فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه فإن أراد مالك الغرس قلعه فعليه أرش طم الحفر و إن أراد مالك الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس أعني تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما و كونه مقلوعا و كونه مالا للمالك على صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه على قلعه لأن المال هو الغرس المنصوب و مرجع دوامه إلى دوام ثبوت هذا المال الخاص له فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان فافهم. و يبقى الفرق بين ما نحن فيه و بين مسألة التفليس حيث ذهب الأكثر إلى أن ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الأرش و يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه فحق المغبون إنما تعلق بالأرض قبل الغرس بخلاف مسألة التفليس لأن سبب التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الأرض المغروسة و ليس للمشتري قلعه و لو مع الأرش بلا خلاف بل عرفت أن العلامة في المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق أرش الغرس ثم إذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع أم له مطالبة المالك بالقلع- و مع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه وجوه ذكروها فيما لو دخلت أغصان شجر الجار إلى داره و يحتمل الفرق بين المقامين من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك و لذا قيل فيه بعدم وجوب إجابة المالك الجار إلى القلع و إن جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله هذا كله حكم التخليص. و أما لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضى ما ذكرنا- من عدم ثبوت حق لأحد المالكين على الآخر استحقاقه الأجرة على البقاء لأن انتقال الأرض إلى المغبون بحق سابق على الغرس لا بسبب لا حق له هذا كله حكم الشجر. و أما الزرع ففي المسالك أنه يتعين إبقاؤه بالأجرة لأن له أمدا ينتظر و لعله لإمكان الجمع بين الحقين على وجه لا ضرر فيه على الطرفين بخلاف مسألة الشجر فإن في تعيين إبقائه بالأجرة ضررا على مالك الأرض لطول مدة البقاء فتأمل. و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الأرض منعه لاستلزامه نقص أرضه فإن كلا منهما مسلط على ماله و لا يجوز تصرفه في مال غيره إلا بإذنه أم لا لأن التسلط على المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف في ماله وجهان أقواهما الثاني

و لو كان التغير بالامتزاج

فإما أن يكون بغير جنسه- و إما أن يكون بجنسه فإن كان بغير جنسه فإن كان على وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم في مثله بالشركة كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت فهو في حكم التالف يرجع إلى قيمته و إن كان لا على وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع الأنجبين ففي كونه شريكا أو كونه كالمعدوم وجهان من حصول الاشتراك قهرا لو كانا للمالكين و من تغير حقيقته فيكون كالتلف الرافع للخيار و إن كان الامتزاج بالجنس فإن كان بالمساوي يثبت الشركة و إن كان بالأردإ فكذلك.

و في استحقاقه لأرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه و لو كان بالأجود احتمل الشركة في الثمن بأن يباع و يعطى من الثمن بنسبة قيمته و يحتمل الشركة بنسبة القيمة فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الردي ء كان المجموع بينهما أثلاثا و رده الشيخ في مسألة رجوع البائع على المفلس بعين ماله بأنه يستلزم الربا قيل و هو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة.

بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن

و تفصيله أن التلف إما أن يكون فيما وصل إلى الغابن أو فيما وصل إلى المغبون و التلف إما بآفة أو بإتلاف أحدهما أو بإتلاف الأجنبي و حكمها أنه لو تلف ما في يد المغبون فإن كان بآفة فمقتضى ما تقدم من التذكرة في الإخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم إمكان الاستدراك سقوط الخيار لكنك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره و لذا اختار غير واحد بقاء الخيار فإذا فسخ غرم قيمته يوم التلف أو يوم الفسخ و أخذ ما عند الغابن أو بدله و كذا لو كان بإتلافه و لو كان بإتلاف الأجنبي ففسخ المغبون أخذ الثمن و رجع الغابن إلى المتلف إن لم يرجع المغبون عليه و إن رجع عليه بالبدل ثم ظهر الغبن ففسخ رد على الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ و لو كان بإتلاف الغابن فإن لم يفسخ المغبون أخذ القيمة من الغابن و إن فسخ أخذ الثمن و لو كان إتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة ثم ظهر الغبن ففسخ وجب عليه رد القيمة لأن ما أبرأه بمنزلة المقبوض و لو تلف ما في يد الغابن بآفة أو بإتلافه ففسخ المغبون أخذ البدل.

و في اعتبار القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ قولان ظاهر الأكثر الأول و لكن صرح في الدروس و المسالك و محكي حاشية الشرائع للمحقق الثاني و صاحب

المكاسب، ج 3، ص 242

الحدائق و بعض آخر أنه لو اشترى عينا بعين فقبض إحداهما دون الأخرى فباع المقبوض ثم تلف غير مقبوض أن البيع الأول ينفسخ بتلف متعلقة قبل القبض بخلاف البيع الثاني فيغرم البائع الثاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض و هذا ظاهر بل صريح في أن العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين و الفرق بين المسألتين مشكل و تمام الكلام في باب الإقالة إن شاء الله. و لو تلف بإتلاف الأجنبي رجع المغبون بعد الفسخ إلى الغابن لأنه الذي يرد إليه العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله و لأنه ملك القيمة على المتلف و يحتمل الرجوع إلى المتلف لأن المال في ضمانه و ما لم يدفع العوض فنفس المال في عهدته و لذا صرح في الشرائع بجواز المصالحة على ذلك المتلف بما لو صالح به على قيمته لزم الربا. و صرح العلامة بأنه لو صالحه على نفس المتلف بأقل من قيمته لم يلزم الربا و إن صالحه على قيمته بالأقل لزم الربا بناء على جريانه في الصلح و يحتمل التخيير أما الغابن فلأنه ملك البدل و أما المتلف فلأن المال المتلف في عهدته قبل أداء القيمة و إن كان بإتلاف المغبون فإن لم يفسخ غرم بدله و لو أبرأه الغابن من بدل المتلف فظهر الغبن ففسخ رد الثمن و أخذ قيمة المتلف لأن المبرإ منه كالمقبوض. هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام و ينبغي إحالة الزائد على ما ذكروه في غير هذا المقام و الله العالم بالأحكام و رسوله و خلفائه الكرام صلوات الله عليه و عليهم إلى يوم القيام.

مسألة الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية

بناء على الاستناد في ثبوته في البيع إلى نفي الضرر. نعم لو استند إلى الإجماعات المنقولة أمكن الرجوع في غير البيع إلى أصالة اللزوم و ممن حكي عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره في شرح الإرشاد و صاحب التنقيح و صاحب إيضاح النافع و عن إجازة جامع المقاصد جريانه فيها مستندا إلى أنه من توابع المعاوضات. نعم حكي عن المهذب البارع عدم جريانه في الصلح و لعله لكون الغرض الأصلي فيه قطع المنازعة فلا يشرع فيه الفسخ و فيه ما لا يخفى. و في غاية المرام التفصيل بين الصلح الواقع على وجه المعاوضة فيجري فيه و بين الواقع على إسقاط دعوى قبل ثبوتها ثم ظهر حقية ما يدعيه و كان مغبونا فيما صالح به و الواقع على ما في الذمم و كان مجهولا ثم ظهر بعد عقد الصلح و ظهر غبن أحدهما على تأمل و لعله للإقدام في هذين على رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان فقد أقدم على الضرر. و حكي عن بعض التفصيل بين كل عقد وقع شخصه على وجه المسامحة و كان الإقدام فيه على المعاملة مبنيا على عدم الالتفات إلى النقص و الزيادة بيعا كان أو صلحا أو غيرهما فإنه لا يصدق فيه اسم الغبن و بين غيره. و فيه مع أن منع صدق الغبن محل نظر أن الحكم بالخيار لم يعلق في دليل على مفهوم لفظ الغبن حتى يتبع مصاديقه فإن الفتاوى مختصة بغبن البيع و حديث نفي الضرر عام لم يخرج منه إلا ما استثني في الفتاوى من صورة الإقدام على الضرر عالما به. نعم لو استدل بآية التجارة عن تراض أو النهي عن أكل المال بالباطل- أمكن اختصاصها بما إذا أقدم على المعاملة محتملا للضرر مسامحا في دفع ذلك الاحتمال. و الحاصل أن المسألة لا تخلو عن إشكال من جهة أصالة اللزوم و اختصاص معقد الإجماع و الشهرة بالبيع و عدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع- كما تعرضوا لجريان خيار الشرط و تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع لكونه محل خلاف لبعض العامة في بعض أفراد ما عدا البيع فلا يدل على عموم غيره لما عدا البيع و من دلالة حديث نفي الضرر على عدم لزوم المعاملة المغبون فيها في صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت بعد إلحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الأصحاب و قد استدل به الأصحاب على إثبات كثير من الخيارات فدخوله فيما عدا البيع لا يخلو عن قوة نعم يبقى الإشكال في شموله للصورة المتقدمة و هي ما إذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان أو غيره على عدم المغابنة و المكايسة من حيث المالية كما إذا احتاج المشتري إلى قليل من شي ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية أو دنيوية فإنه لا يلاحظ في شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه فإن في شمول الأدلة لمثل هذا خفاء بل منعا إلا أن يتم بعدم القول بالفصل و الله العالم.

مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو على التراخي
اشارة

على قولين

[الاستدلال للفور بآية أوفوا بالعقود]

و استند للقول الأول و هو المشهور ظاهرا إلى كون الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن و قرره في جامع المقاصد بأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة و إلا لم ينتفع بعمومه انتهى.

[الاستدلال للتراخي بالاستصحاب]

و للقول الثاني إلى الاستصحاب. و ذكر في الرياض ما حاصله أن المستند في هذا الخيار إن كان الإجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب و إن كان نفي الضرر وجب الاقتصار على الزمان الأول إذ به يندفع الضرر.

[المناقشة في الوجوه المذكورة]

أقول و يمكن الخدشة في جميع الوجوه المذكورة أما في وجوب الاقتصار على المتيقن فلأنه غير متجه مع الاستصحاب و أما ما ذكره في جامع المقاصد من عموم الأزمنة فإن أراد به عمومها المستفاد من إطلاق الحكم بالنسبة إلى زمانه الراجع بدليل الحكمة إلى استمراره في جميع الأزمنة فلا يخفى أن هذا العموم في كل فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت العموم فإذا فرض خروج فرد منه فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما أو في زمان ما إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتى يقتصر عند الشك فيه على المتيقن نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل لكن وقع الشك في أن ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الأزمنة أو عام لجميعها فإن اللازم هنا استصحاب حكم الخاص أعني الحلية لا الرجوع في ما بعد الزمان المتيقن إلى عموم التحريم و ليس هذا من معاوضة العموم للاستصحاب و السر فيه ما عرفت من تبعية العموم الزماني للعموم الأفرادي فإذا فرض خروج بعضها فلا مقتضى للعموم الزماني فيه حتى يقتصر فيه من حيث الزمان على المتيقن بل الفرد الخارج واحد دام زمان خروجه أو انقطع.

المكاسب، ج 3، ص 243

نعم لو فرض إفادة الكلام للعموم الزماني على وجه يكون الزمان مكثرا لأفراد العام بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له في زمان آخر كان اللازم بعد العلم بخروج فرد في زمان ما الاقتصار على المتيقن لأن خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه كما إذا قال المولى لعبده أكرم العلماء في كل يوم بحيث كان إكرام كل عالم في كل يوم واجبا مستقلا غير إكرام ذلك العالم في اليوم الآخر فإذا علم بخروج زيد العالم و شك في خروجه عن العموم يوما أو أزيد وجب الرجوع في ما بعد اليوم الأول إلى عموم وجوب الإكرام لا إلى استصحاب عدم وجوبه بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب بل يجب الرجوع إلى أصل آخر كما أن في الصورة الأولى لو فرضنا عدم حجية الاستصحاب لم يجز الرجوع إلى العموم فما أوضح الفرق بين الصورتين. ثم لا يخفى أن مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان في الصورة الأولى من الإطلاق المحمول على العموم بدليل الحكمة و كونه في الصورة الثانية عموما لغويا بل المناط كون الزمان في الأولى ظرفا للحكم و إن فرض عمومه لغويا فيكون [الحكم فيه حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد] فيكون مرجع الشك فيه إلى الشك في استمرار حكم واحد و انقطاعه فيستصحب و الزمان في الثانية مكثر لأفراد موضوع الحكم فمرجع الشك في وجود الحكم في الآن الثاني إلى ثبوت حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الأول و معلوم أن المرجع فيه إلى أصالة العموم فافهم و اغتنم. و بذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد- بأن آية أَوْفُوا و غيرها مطلقة لا عامة فلا تنافي الاستصحاب إلا أن يدعي أن العموم لا يرجع إلا إلى العموم الزماني على الوجه الأول.

فقد ظهر أيضا مما ذكرنا من تغاير موردي الرجوع إلى الاستصحاب و الرجوع إلى العموم فساد ما قيل في الأصول من أن الاستصحاب قد يخصص العموم و مثل له بالصورة الأولى زعما منه أن الاستصحاب قد خصص العموم. و قد عرفت أن مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع إلى العموم و لو على فرض عدم الاستصحاب و مقام جريان العموم لا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب و لو على فرض عدم العموم فليس شي ء منهما ممنوعا بالآخر في شي ء من المقامين إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأول لأن العقد المغبون فيه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به في زمان واحد و بين عدم وجوبه رأسا نظير العقد الجائز دائما فليس الأمر دائرا بين قلة التخصيص و كثرته حتى يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار على ما سنشير إليه لم يجز التمسك بالعموم أيضا. نعم يتمسك فيه حينئذ بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات و أما استناد القول بالتراخي إلى الاستصحاب- فهو حسن على ما اشتهر من المسامحة في تشخيص الموضوع في استصحاب الحكم الشرعي الثابت بغير الأدلة اللفظية المشخصة للموضوع مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء. و أما على التحقيق من عدم إحراز الموضوع في مثل ذلك على وجه التحقيق فلا يجري فيما نحن فيه الاستصحاب فإن المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فإذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع فلا معنى لانسحابه في الآن اللاحق مع كون الشخص قد تمكن من التدارك و لم يفعل لأن هذا موضوع آخر يكون إثبات الحكم له من القياس المحرم. نعم لو أحرز الموضوع من دليل لفظي على المستصحب أو كان الشك في رافع الحكم حتى لا يحتمل أن يكون الشك لأجل تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب. و أما ما ذكره في الرياض ففيه أنه إن بني الأمر على التدقيق في موضوع الاستصحاب كما أشرنا هنا و حققناه في الأصول فلا يجري الاستصحاب و إن كان المدرك للخيار الإجماع و إن بنى على المسامحة فيه كما اشتهر جرى الاستصحاب و إن استند في الخيار إلى قاعدة الضرر كما اعترف به ولده قدس سره في المناهل مستندا إلى احتمال أن يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء الحكم و إن ارتفع إلا أن يدعى أنه إذا استند الحكم إلى الضرر فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره و هو غير محقق في الزمان اللاحق كما أشرنا-

[ما ذكره بعض المعاصرين في المسألة]
اشارة

ثم إنه بنى المسألة بعض المعاصرين على ما لا محصل له فقال ما لفظه إن المسألة مبتنية على أن لزوم العقد معناه أن أثر العقد مستمر إلى يوم القيامة و أن عموم الوفاء بالعقود عموم زماني للقطع بأن ليس المراد بالآية الوفاء بالعقود آنا ما بل على الدوام. و قد فهم المشهور منها ذلك باعتبار أن الوفاء بها العمل بمقتضاها و لا ريب أن مفاده عرفا و بحسب قصد المتعاقدين الدوام فإن دل دليل على ثبوت خيار من ضرر أو إجماع أو نص في ثبوته في الماضي أو مطلقا بناء على الإهمال لا الإطلاق في الأخبار فيكون استثناء من ذلك العام و يبقى العام على عمومه كاستثناء أيام الإقامة و الثلاثين و وقت المعصية و نحوها من حكم السفر أو أن اللزوم ليس كالعموم و إنما يثبت ملكا سابقا و يبقى حكمه مستصحبا إلى المزيل فتكون المعارضة بين استصحابين و الثاني وارد على الأول فيقدم عليه و الأول أقوى لأن حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضي بعدم اعتبار السابق أما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق انتهى.

[المناقشة في ما ذكره بعض المعاصرين]

و لا يخفى أن ما ذكره من المبني للرجوع إلى العموم- و هو استمرار اللزوم مبنى لطرح العموم و الرجوع إلى الاستصحاب و أما ما ذكره أخيرا لمبنى الرجوع إلى الاستصحاب و حاصله أن اللزوم إنما يثبت بالاستصحاب فإذا ورد عليه استصحاب الخيار قدم عليه ففيه أن الكل متفقون على الاستناد في أصالة اللزوم إلى عموم آية الوفاء و إن أمكن الاستناد فيه إلى الاستصحاب أيضا فلا وجه للإغماض عن الآية و ملاحظة الاستصحاب المقتضي للزوم مع استصحاب الخيار

[الأقوى الفور و الدليل عليه]

ثم إنه قد علم من تضاعيف ما أوردناه على كلمات الجماعة أن الأقوى كون الخيار هنا على الفور لأنه لما لم يجز التمسك في الزمان الثاني بالعموم لما عرفت سابقا من أن مرجع العموم الزماني في هذا المقام إلى استمرار الحكم في الأفراد فإذا انقطع الاستمرار فلا دليل على العود إليه كما في جميع الأحكام المستمرة إذا طرأ عليها الانقطاع و لا بالاستصحاب الخيار لما عرفت

المكاسب، ج 3، ص 244

من أن الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له بل قد يستظهر ذلك من حديث نفي الضرر تعين الرجوع إلى أصالة فساد فسخ المغبون و عدم ترتب الأثر عليه و بقاء آثار العقد فيثبت اللزوم من هذه الجهة و هذا ليس كاستصحاب الخيار لأن الشك هنا في الواقع فالموضوع محرز كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي فافهم و اغتنم و الحمد لله. هذا مضافا إلى ما قد يقال هنا و فيما يشبهه من إجازة عقد الفضولي و نكاحه و غيرهما من أن تجويز التأخير فيها ضرر على من عليه الخيار و فيه تأمل ثم إن مقتضى ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الأخير هي الفورية العرفية لأن الاقتصار على الحقيقية حرج على ذي الخيار فلا ينبغي تدارك الضرر به و الزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم على رده بين أهل هذا القول لكن الذي يظهر من التذكرة في خيار العيب على القول بفورية ما هو أوسع من الفور العرفي قال خيار العيب ليس على الفور على ما تقدم خلافا للشافعي فإنه اشترط الفورية و المبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو و لا الركض للرد و إن كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله الخيار إلى أن يفرغ و كذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس إجماعا و كذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا و لو اطلع على العيب ليلا فله التأخير إلى أن يصبح و إن لم يكن عذر انتهى. و قد صرح في الشفعة على القول بفوريتها بما يقرب من ذلك و جعلها من الإعذار و صرح في الشفعة بأنه لا تجب المبادرة على خلاف العادة و رجع في ذلك كله إلى العرف فكل ما لا يعد تقصيرا لا يبطل به الشفعة و كل ما يعد تقصيرا و توانيا في الطلب فإنه مسقط لها انتهى. و المسألة لا تخلو عن إشكال لأن جعل حضور وقت الصلاة أو دخول الليل عذرا في ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله فسخت لا دليل عليه. نعم لو توقف الفسخ على الحضور عند الخصم أو القاضي أو على الإشهاد توجه ما ذكر في الجملة مع أن قيام الدليل عليه مشكل إلا أن يجعل الدليل على الفورية لزوم الإضرار لمن عليه الخيار فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعد متوانيا فيه فإن هذا هو الذي يضر بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه و كون تصرفاته فيه في معرض النقص لكنك عرفت التأمل في هذا الدليل

[رأي المصنف في المسألة]

فالإنصاف أنه إن تم الإجماع الذي تقدم عن العلامة على عدم البأس بالأمور المذكورة و عدم قدح أمثالها في الفورية فهو و إلا وجب الاقتصار على أول مراتب الإمكان إن شاء الفسخ و الله العالم

[معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة]

ثم إن الظاهر أنه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن [و الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن] و الجاهل بحكمه و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن و عدمه و لو جهل الفورية فظاهر بعض الوفاق على المعذورية. و يشكل بعدم جريان نفي الضرر هنا لتمكنه من الفسخ و تدارك الضرر فيرجع إلى ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الأول. و قد حكي عن بعض الأساطين عدم المعذورية في خيار التأخير و المناط واحد و لو ادعى الجهل بالخيار فالأقوى القبول إلا أن يكون مما لا يخفى عليه هذا الحكم الشرعي إلا لعارض ففيه نظر. و قال في التذكرة في باب الشفعة إنه لو قال إني لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو قال أخرت لأني لم أعلم أن الشفعة على الفور فإن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام قبل قوله و له الأخذ بالشفعة و إلا فلا انتهى. فإن أراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل في حقه الجهل فلا حاجة إليه لأن أكثر العوام و كثيرا من الخواص لا يعلمون مثل هذه الأحكام و إن أراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر في حقه عدم العلم ففيه أنه لا داعي إلى اعتبار الظهور مع أن الأصل العدم

و الأقوى أن الناسي في حكم الجاهل

و في سماع دعواه النسيان نظر من أنه مدع و من تعسر إقامة البينة عليه و أنه لا يعرف إلا من قبله. و أما الشك في ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته و يحتمل عدم معذوريته لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع على الغبن ثم السؤال عن صحته شرعا فهو متمكن من الفسخ العرفي إذ الجهل بالصحة لا يمنع عن الإنشاء فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر فافهم و الله العالم

الخامس خيار التأخير
[كلام التذكرة في خيار التأخير]

قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه إلى المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخيره و لو ساعة لزم البيع ثلاثة أيام فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو أحق بالعين و إن مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع.

[الدليل على هذا الخيار]
اشارة

و الأصل في ذلك قبل الإجماع المحكي عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غيرها- المعتضد بدعوى الاتفاق المصرح بها في التذكرة و الظاهرة من غيرها و بما ذكره في التذكرة من أن الصبر أبدا مظنة الضرر المنفي بالخبر بل الضرر هنا أشد من الضرر في الغبن حيث إن المبيع هنا في ضمانه و تلفه منه و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه

الأخبار المستفيضة
اشارة

منها رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن ع عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن قال الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و رواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح قال: من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجي ء فلا بيع له و رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا و أعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت إلى بائع المحمل لأخذه فقال قد بعته فضحكت ثم قلت لا و الله لا أدعك أو أقاضيك- فقال أ ترضى بأبي بكر ابن عياش قلت نعم فأتيناه فقصصنا عليه قصصنا فقال أبو بكر بقول من تحب أن أقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره قلت بقول صاحبي قال سمعته يقول من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له و صحيحة زرارة عن أبي جعفر ع: قلت له الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول آتيك بثمنه قال إن جاء ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له.

و ظاهر هذه الأخبار بطلان البيع

كما فهمه في المبسوط حيث قال روى أصحابنا أنه إذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم و قال للبائع أجيئك

المكاسب، ج 3، ص 245

بالثمن و مضى فإن جاء في مدة الثلاثة كان البيع له و إن لم يرتجع بطل البيع انتهى. و ربما يحكى هذا عن ظاهر الإسكافي المعبر بلفظ الروايات و توقف فيه المحقق الأردبيلي و قواه صاحب الكفاية و جزم به في الحدائق طاعنا على العلامة في المختلف حيث إنه اعترف بظهور الأخبار في خلاف المشهور ثم اختار المشهور مستدلا بأن الأصل بقاء صحة العقد و حمل الأخبار على نفي اللزوم أقول ظهور الأخبار في الفساد في محله إلا أن فهم العلماء و حملهم الأخبار على نفي اللزوم مما يقرب هذا المعنى مضافا إلى ما يقال من أن قوله ع في أكثر تلك الأخبار لا بيع له ظاهر في انتفاء البيع بالنسبة إلى المشتري فقط و لا يكون إلا نفي اللزوم من طرف البائع إلا أن في رواية ابن يقطين: فلا بيع بينهما و كيف كان فلا أقل من الشك فيرجع إلى استصحاب الآثار المترتبة على البيع و توهم كون الصحة سابقا في ضمن اللزوم فيرتفع بارتفاعه مندفع بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة و إنما هو حكم مقارن لها في خصوص البيع الخالي من الخيار

ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور
أحدها عدم قبض المبيع

و لا خلاف في اشتراطه ظاهرا- و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة: فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما بناء على أن البيع هنا بمعنى المبيع لكن في الرياض إنكار دلالة الأخبار على هذا الشرط و تبعه بعض المعاصرين و لا أعلم له وجها غير سقوط هذه الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية و احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد يعني قبض بائعه الثمن و لا يخفى ضعف هذا الاحتمال لأن استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر- بل لم يوجد مع إمكان إجراء أصالة عدم التشديد نظير ما ذكره في الروضة من أصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة ثم إنه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان البائع- بأن بذل له الثمن فامتنع من أخذه و إقباض المبيع فالظاهر عدم الخيار لأن ظاهر النص و الفتوى كون هذا الخيار إرفاقا للبائع و دفعا لتضرره- فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله و لو قبضه المشتري على وجه يكون للبائع استرداده كما إذا كان بدون إذنه مع عدم إقباض الثمن ففي كونه كلا قبض مطلقا أو مع استرداده أو كونه قبضا وجوه- رابعها ابتناء المسألة على ما سيجي ء في أحكام القبض من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه و لعله الأقوى إذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر على البائع إلا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه و تضرره بعدم وصول ثمنه إليه و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة و أما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك فيجري دليل الضرر بالتقريب المتقدم و إن ادعي انصراف الأخبار إلى غير هذه الصورة لكنه مشكل كدعوى شمولها و لو قلنا بارتفاع الضمان و لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض- فالأقوى أيضا ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان و عدمه. و ربما يستظهر من قول السائل في بعض الروايات ثم يدعه عنده عدم كفاية التمكين و فيه نظر- و الأقوى عدم الخيار لعدم الضمان و في كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر الأخبار أو كالقبض لدعوى انصرافها إلى صورة عدم قبض شي ء منه أو تبعيض الخيار بالنسبة إلى المقبوض و غيره استنادا مع تسليم الانصراف المذكور إلى تحقق الضرر بالنسبة إلى غير المقبوض لا غيره وجوه.

الشرط الثاني عدم قبض مجموع الثمن

و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوى و قبض البعض كلا قبض بظاهر الأخبار- المعتضد بفهم أبي بكر بن عياش في رواية ابن الحجاج المتقدمة و ربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة و فيه نظر و القبض بدون الإذن كعدمه- لظهور الأخبار في اشتراط وقوعه بالإذن في بقاء البيع على اللزوم مع أن ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه على وجه يجوز له التصرف فيه باق.

نعم لو كان القبض بدون الإذن حقا كما إذا عرض المبيع على المشتري فلم يقبضه فالظاهر عدم الخيار لعدم دخوله في منصرف الأخبار و عدم تضرر البائع بالتأخير و ربما يقال بكفاية القبض هنا مطلقا مع الاعتراف باعتبار الإذن في الشرط السابق أعني قبض المبيع نظرا إلى أنهم شرطوا في عناوين المسألة في طرف المبيع عدم إقباض المبيع إياه و في طرف الثمن عدم قبضه و فيه نظر لأن هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع فيعبر في طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له و هو القبض في الأول و الإقباض في الثاني فتأمل. و لو أجاز المشتري قبض الثمن بناء على اعتبار الإذن كانت في حكم الإذن و هل هي كاشفة أو مثبتة أقواهما الثاني و يترتب عليه ما لو قبض قبل الثلاثة فأجاز المشتري بعدها.

الشرط الثالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين

لأن المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر في مخالفة الأصل على منصرف النص مع أنه في الجملة إجماعي.

الشرط الرابع أن يكون المبيع عينا أو شبهه

كصاع من صبرة- نص عليه الشيخ في عبارته المتقدمة في نقل مضمون روايات أصحابنا و ظاهره كونه مفتى به عندهم و صرح به في التحرير و المهذب البارع و غاية المرام و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمة و قال في الغنية و روى أصحابنا أن المشتري إذا لم يقبض المبيع و قال أجيئك بالثمن و مضى فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن هذا إذا كان المبيع مما يصح بقائه فإن لم يكن كذلك كالخضراوات فعليه الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار ثم ذكر أن تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشتري و بعده من مال البائع ثم قال و يدل على ذلك كله إجماع الطائفة انتهى. و في معقد إجماع الانتصار و الخلاف و جواهر القاضي لو باع شيئا معينا بثمن معين لكن في بعض نسخ الجواهر لو باع شيئا غير معين.

و قد أخذ عنه في مفتاح الكرامة و غيره و نسب إلى القاضي دعوى الإجماع على غير المعين و أظن الغلط في تلك النسخة و الظاهر أن المراد بالثمن المعين في معقد إجماعهم هو المعلوم في مقابل المجهول لأن تشخص الثمن غير معتبر إجماعا و لذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط المبيع بالمعين و الثمن بالمعلوم و من البعيد

المكاسب، ج 3، ص 246

اختلاف عنوان ما نسبه في الخلاف إلى إجماع الفرقة و أخبارهم مع ما نسبه في المبسوط إلى روايات أصحابنا مع أنا نقول إن ظاهر المعين في معاقد الإجماعات التشخص العيني لا مجرد المعلوم في مقابل المجهول و لو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة إلى الثمن للإجماع على عدم اعتبار التعيين فيه مع أنه فرق بين الثمن المعين و الشي ء المعين فإن الثاني ظاهر في الشخصي بخلاف الأول. و أما معقد إجماع التذكرة المتقدم في عنوان المسألة فهو مختص بالشخصي لأنه ذكر في معقد الإجماع أن المشتري لو جاء بالثمن في الثلاثة فهو أحق بالعين و لا يخفى أن العين ظاهر في الشخصي هذه حال معاقد الإجماعات. و أما حديث نفي الضرر فهو مختص بالشخصي لأنه المضمون على البائع قبل القبض فيتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه و عدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي. و أما النصوص فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان على لفظ البيع المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع على العين المعرضة للبيع و لا مناسبة في إطلاقه على الكلي كما لا يخفى و رواية زرارة ظاهرة أيضا في الشخصي من جهة لفظ المتاع و قوله يدعه عنده فلم يبق إلا قوله ع في رواية أبي بكر بن عياش: من اشترى شيئا فإن إطلاقه و إن شمل المعين و الكلي إلا أن الظاهر من لفظ الشي ء الموجود الخارجي- كما في قول القائل اشتريت شيئا و لو في ضمن أمور متعددة كصاع من صبرة و الكلي المبيع ليس موجودا خارجيا إذ ليس المراد من الكلي هنا الكلي الطبيعي الموجود في الخارج لأن المبيع قد يكون معدوما عند العقد و الموجود منه قد لا يملكه البائع حتى يملكه بل هو أمر اعتباري يعامل في العرف و الشرع معه معاملة الأملاك و هذه المعاملة و إن اقتضت صحة إطلاق لفظ الشي ء عليه أو على ما يعمه إلا أنه ليس بحيث لو أريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجي الشخصي احتيج إلى قرينة على التقييد فهو نظير المجاز المشهور و المطلق المنصرف إلى بعض أفراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق إلى القرينة- فلا يمكن دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجي بأصالة عدم القرينة فافهم. فقد ظهر مما ذكرنا أن ليس في أدلة المسألة- من النصوص و الإجماعات المنقولة و دليل الضرر ما يجري في المبيع الكلي و ربما ينسب التعميم إلى ظاهر الأكثر- لعدم تقييدهم البيع بالشخصي. و فيه أن التأمل في عباراتهم مع الإنصاف يعطي الاختصاص بالمعين أو الشك في التعميم مع أنه معارض بعدم تصريح أحد بكون المسألة محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص إلا الشهيد في الدروس حيث قال إن الشيخ قدس سره قيد في المبسوط هذا الخيار بشراء المعين فإنه ظاهر في عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقي الأصحاب لكنك عرفت أن الشيخ قدس سره قد أخذ هذا التقييد في مضمون روايات أصحابنا و كيف كان فالتأمل في أدلة المسألة و فتاوى الأصحاب يشرف الفقيه على القطع باختصاص الحكم بالمعين

ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار
منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما

. قال في التحرير و لا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما. و في السرائر قيد الحكم في عنوان المسألة بقوله و لم يشترطا خيارا لهما أو لأحدهما و ظاهره الاختصاص بخيار الشرط و يحتمل أن يكون الاقتصار عليه لعنوان المسألة في كلامه بغير الحيوان و هو المتاع- و كيف كان فلا أعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشرط- سواء أراد ما يعم خيار الحيوان أم خصوص خيار الشرط و سواء أريد مطلق الخيار و لو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة أم أريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة سواء أحدث فيها أم بعدها و أوجه ما يقال في توجيه هذا القول مضافا إلى دعوى انصراف النصوص إلى غير هذا الفرض أن شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير و تأخير المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع. و توضيح ذلك ما ذكره في التذكرة في أحكام الخيار من أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر على تسليم ما في يده و له استرداد المدفوع قضية للخيار. و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع انتهى. و حينئذ فوجه هذا الاشتراط أن ظاهر الأخبار كون عدم مجي ء المشتري بالثمن بغير حق التأخير و ذو الخيار له حق التأخير و ظاهرها أيضا كون عدم إقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الإقباض. و الحاصل أن الخيار بمنزلة تأجيل أحد العوضين. و فيه بعد تسليم الحكم في الخيار و تسليم انصراف الأخبار إلى كون التأخير بغير حق أنه ينبغي على هذا القول كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق و كون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان مع اتفاقهم على ثبوته فيه كما يظهر من المختلف. و ذهب الصدوق إلى كون الخيار في الجارية بعد شهر إلا أن يراد بما في التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لأحدهما فلا ينافي ثبوته في الحيوان بعد الثلاثة. و قد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع من جهة أخرى فيسقط معه هذا الخيار لأن خيار التأخير شرع لدفع ضرره و قد اندفع بغيره و لدلالة النص و الفتوى على لزوم البيع في الثلاثة فيختص بغير صورة ثبوت الخيار له قال و دعوى أن المراد من الأخبار اللزوم من هذه الجهة مدفوعة بأن التأخير سبب للخيار و لا يتقيد الحكم بالسبب و بين ما إذا كان الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه مع أن اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان. و وجه ضعف هذا التفصيل أن ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في الثلاثة. و أما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب فلا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير و لذا لا ينافي هذا الخيار خيار المجلس- .

و منها تعدد المتعاقدين

لأن النص مختص بصورة التعدد و لأن هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد إلا مع إسقاطه. و فيه أن المناط عدم الإقباض و القبض و لا إشكال في تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما. و أما خيار المجلس فقد عرفت أنه غير ثابت للوكيل في مجرد العقد

المكاسب، ج 3، ص 247

و على تقديره فيمكن إسقاطه أو اشتراط عدمه. نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الأولان أعني عدم الإقباض و القبض و ليس ذلك من جهة اشتراط التعدد.

و منها أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية

فإن المحكي عن الصدوق في المقنع أنه إذا اشترى جارية فقال أجيئك بالثمن فإن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له. و ظاهر المختلف نسبة الخلاف إلى الصدوق في مطلق الحيوان و المستند فيه رواية ابن يقطين: عن رجل اشترى جارية فقال أجيئك بالثمن فقال إن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له و لا دلالة فيها على صورة عدم إقباض الجارية و لا قرينة على حملها عليها فيحتمل الحمل على اشتراط المجي ء بالثمن إلى شهر في متن العقد فيثبت الخيار عند تخلف الشرط و يحتمل الحمل على استحباب صبر البائع و عدم فسخه إلى شهر و كيف كان فالرواية مخالفة لعمل المعظم فلا بد من حملها على بعض الوجوه

ثم إن مبدء الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد

وجهان من ظهور قوله:

فإن جاء بالثمن بينه و بين ثلاثة أيام في كون مدة الغيبة ثلاثة و من كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة أيام كما هو ظاهر قوله ع في رواية ابن يقطين:

الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و هذا هو الأقوى.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور

أحدها إسقاطه بعد الثلاثة

بلا إشكال و لا خلاف و في سقوطه بالإسقاط في الثلاثة وجهان من أن السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير فلا يتحقق إلا بعد الثلاثة و لذا صرح في التذكرة بعدم جواز إسقاط خيار الشرط قبل التفرق إذا قلنا بكون مبدئه بعده مع أنه أولى بالجواز و من أن العقد سبب الخيار فيكفي وجوده في إسقاطه مضافا إلى فحوى جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد

الثاني اشتراط سقوطه في متن العقد

حكي عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و لعله لعموم أدلة الشروط و يشكل على عدم جواز إسقاطه في الثلاثة بناء على أن السبب في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد فإن الشرط إنما يسقط به ما يقبل الإسقاط بدون الشرط و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع إسقاطه بدون شرط فإن كان إجماع على السقوط بالشرط كما حكاه بعض قلنا به بل بصحة الإسقاط بعد العقد لفحواه و إلا فللنظر فيه مجال.

الثالث بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة

فإن المصرح به في التذكرة سقوط الخيار حينئذ و قيل بعدم السقوط بذلك استصحابا و هو حسن لو استند في الخيار إلى الأخبار و أما إذا استند فيه إلى الضرر [- 3- 487- 2] فلا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن فلا ضرر ليتدارك بالخيار و لو فرض تضرره سابقا بالتأخير فالخيار لا يوجب تدارك ذلك و إنما يتدارك به الضرر المستقبل و دعوى أن حدوث الضرر قبل البذل يكفي في بقاء الخيار مدفوعة بأن الأحكام المترتبة على نفي الضرر تابعة للضرر الفعلي لا مجرد حدوث الضرر في زمان و لا يبعد دعوى انصراف الأخبار إلى صورة التضرر فعلا يقال بأن عدم حضور المشتري علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجودا و عدما و كيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.

الرابع أخذ [- 2- 55- 5] الثمن من المشتري بناء على عدم سقوطه بالبذل

و إلا لم يحتج إلى الأخذ به و السقوط به لأنه التزام فعلي [- 3- 487- 6] بالبيع و رضا بلزومه و هل يشترط إفادة العلم بكونه لأجل الالتزام أو يكفي الظن فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية أو غيرها لم ينفع أم لا يعتبر الظن أيضا وجوه من عدم تحقق موضوع الالتزام إلا بالعلم و من كون الفعل مع إفادة الظن أمارة عرفية على الالتزام كالقول. و مما تقدم من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضاء نوعيا بالعقد و هذا من أوضح أفراده. و قد بينا عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرف على الرضا و خير الوجوه أوسطها لكن الأقوى الأخير و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن المصرح به في التذكرة و غيرها العدم للأصل و عدم الدليل و يحتمل السقوط لدلالته على الرضا بالبيع. و فيه أن سبب الخيار هو التضرر في المستقبل- لما عرفت من أن الخيار لا يتدارك به ما مضى من ضرر الصبر و مطالبة الثمن لا يدل على التزام الضرر المستقبل حتى يكون التزاما بالبيع بل مطالبة الثمن إنما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ لا الالتزام بذلك الضرر ليسقط الخيار و ليس الضرر هنا من قبيل الضرر في بيع الغبن و نحوه مما كان الضرر حاصلا بنفس العقد حتى يكون الرضا به بعد العقد و العلم بالضرر التزاما بالضرر الذي هو سبب الخيار. و بالجملة فالمسقط لهذا الخيار ليس إلا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن أو التزامه بإسقاطه أو اشتراط سقوطه و ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل على الرضا فإنما هو حيث يكون العقد سببا للخيار و لو من جهة التضرر بلزومه و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل مع أن سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر لعدم كونه تصرفا و الله العالم.

مسألة في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي

قولان و قد تقدم ما يصلح أن يستند إليه لكل من القولين في مطلق الخيار مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد و قد عرفت أن الأقوى الفور و يمكن أن يقال في خصوص [- 1- 130- 1] ما نحن فيه أن ظاهر قوله ع لا بيع له نفي البيع رأسا و إلا نسب بنفي الحقيقة بعد عدم إرادة نفي الصحة هو نفي لزومه رأسا بأن لا يعود لازما أبدا فتأمل. [- 3- 487- 13] ثم على تقدير إهمال النص و عدم ظهوره في العموم يمكن التمسك بالاستصحاب هنا لأن اللزوم إذا ارتفع عن البيع في زمان فعوده يحتاج إلى دليل و ليس الشك هنا في موضوع المستصحب نظير ما تقدم في استصحاب الخيار لأن الموضوع مستفاد من النص فراجع و كيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوة إما لظهور النص و إما للاستصحاب- .

مسألة لو تلف المبيع بعد الثلاثة- كان من البائع إجماعا مستفيضا

بل متواترا كما في الرياض و يدل عليه النبوي المشهور و إن كان في كتب روايات أصحابنا غير مسطور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و إطلاقه كمعاقد الإجماعات يعم ما لو تلف في حال الخيار أم تلف بعد بطلانه كما لو قلنا بكونه على الفور فبطل بالتأخير أو بذل المشتري الثمن فتلف العين في هذا الحال و قد يعارض النبوي بقاعدة

المكاسب، ج 3، ص 248

الملازمة بين النماء و الدرك المستفادة من النص و الاستقراء و القاعدة المجمع عليها من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لكن النبوي أخص من القاعدة الأولى فلا معارضة و القاعدة الثانية لا عموم فيها يشمل جميع أفراد الخيار و لا جميع أحوال البيع حتى قبل القبض بل التحقيق فيها كما سيجي ء إن شاء الله اختصاصها بخيار المجلس و الشرط و الحيوان مع كون التلف بعد القبض و لو تلف في الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع أيضا. و عن الخلاف الإجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء منهم المفيد و السيدان مدعين عليه الإجماع و هو مع قاعدة ضمان المالك [- 5- 384- 1] لما له يصح حجة لهذا القول لكن الإجماع معارض بل موهون و القاعدة مخصصة بالنبوي المذكور المنجبر من حيث الصدور مضافا إلى رواية عقبة بن خالد: [- 3- 489- 4] في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله تعالى فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المال و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه- حتى يرد إليه حقه و لو مكنه من القبض [- 2- 57- 1] فلم يتسلم فضمان البائع مبني على ارتفاع الضمان بذلك و هو الأقوى. قال الشيخ في النهاية إذا باع الإنسان شيئا و لم يقبض المتاع [- 3- 504- 9] و لا قبض الثمن و مضى المبتاع فإن العقد موقوف ثلاثة أيام فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له و إن مضت ثلاثة أيام كان البائع أولى بالمتاع فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام و لم يكن قبضه إياه كان من مال البائع دون المبتاع و إن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة ثلاثة أيام كان من مال المبتاع و إن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع على كل حال لأن الخيار له بعدها انتهى المحكي في المختلف. و قال بعد الحكاية و فيه نظر إذ مع القبض يلزم البيع انتهى. أقول كأنه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين فتشمل ما بعد القبض و ما قبله خصوصا مع قوله على كل حال لكن التعميم مع أنه خلاف الإجماع مناف لتعليل الحكم [- 2- 357- 5] بعد ذلك بقوله لأن الخيار له بعد ثلاثة أيام- فإن المعلوم أن الخيار إنما يكون له مع عدم القبض فيدل ذلك على أن الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض

مسألة لو اشترى ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه و بين الليل و إلا فلا بيع له

كما في مرسلة محمد بن أبي حمزة و المراد من نفي البيع نفي لزومه و يدل عليه قاعدة نفي الضرر فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن الثمن و من هنا يمكن تعدية الحكم إلى كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر و إن خرج عن مورد النص كما إذا كان المبيع مما يفسد في نصف يوم أو في يومين فيثبت فيه الخيار في زمان يكون التأخير عنه ضررا على البائع لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا لأن الموضوع فيه ما يفسد من يومه و الحكم فيه بثبوت الخيار من أول الليل فيكون الخيار في أول أزمنة الفساد و من المعلوم أن الخيار حينئذ لا يجدي للبائع شيئا لكن المراد من اليوم اليوم و ليلة فالمعنى أنه لا يبقى على صفة الصلاح أزيد من يوم بليلة فيكون المفسد له المبيت لا مجرد دخول الليل فإذا فسخ البائع أول الليل أمكن له الانتفاع به و ببدله و لأجل ذلك عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت و أنه ثابت عند دخول الليل. و في معقد إجماع الغنية أن على البائع الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار و في محكي الوسيلة أن خيار الفواكه للبائع فإذا مر على المبيع يوم و لم يقبض المبتاع كان البائع بالخيار و نحوها عبارة جامع الشرائع. نعم عبارات جماعة من الأصحاب لا يخلو عن اختلال في التعبير- لكن الإجماع على عدم الخيار للبائع في النهار يوجب تأويلها إلى ما يوافق الدروس و أحسن تلك العبارات عبارة الصدوق في الفقيه التي أسندها في الوسائل إلى رواية زرارة قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلى الليل فإن المراد بالعهدة عهدة البائع. و قال في النهاية و إذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها و لم يقبض المبتاع و لا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم و إلا فلا بيع له انتهى. و نحوها عبارة السرائر و الظاهر أن المراد بالخيار اختيار المشتري في تأخير القبض و الإقباض مع بقاء البيع على حاله من اللزوم و أما المتأخرون فظاهر أكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار و إن اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما و من عبر بأن الخيار إلى الليل و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات مع وضوح المقصد إلا متابعة عبارة الشيخ في النهاية لكنك عرفت أن المراد بالخيار فيه اختيار المشتري و أن له تأخير القبض و الإقباض و هذا الاستعمال في كلام المتأخرين خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار فلا يحسن المتابعة هنا في التعبير و الأولى تعبير الدروس كما عرفت ثم الظاهر أن شروط هذا الخيار شروط خيار التأخير لأنه فرد من أفراده كما هو صريح عنوان الغنية و غيرها فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط. نعم لا ينبغي التأمل هنا في اختصاص الحكم بالبيع الشخصي أو ما في حكمه كالصاع من الصبرة و قد عرفت هناك أن التأمل في الأدلة و الفتاوى يشرف الفقيه على القطع بالاختصاص أيضا و حكم الهلاك في اليوم هنا و فيما بعده حكم المبيع هناك في كونه من البائع في الحالين و لازم القول الآخر هناك جريانه هنا كما صرح به في الغنية حيث جعله قبل الليل من المشتري ثم إن المراد بالفساد في النص و الفتوى ليس الفساد الحقيقي لأن موردهما هو الخضر و الفواكه و البقول و هذه لا تضيع بالمبيت و لا تهلك بل المراد ما يشمل تغير العين نظير التغير الحادث في هذه الأمور بسبب الميت و لو لم يحدث في المبيع إلا فوات السوق ففي إلحاقه بتغير العين وجهان من كونه ضررا و من إمكان منع ذلك لكونه فوت نفع لا ضرر

السادس خيار الرؤية
اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه فيه

المكاسب، ج 3، ص 249

المتبايعان و يدل عليه قبل الإجماع المحقق و المستفيض حديث نفي الضرر و استدل عليه أيضا بأخبار منها صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله ع إنه لو قلب منها و نظر إلى تسع و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية و لا بد من حملها على صورة يصح معها بيع الضيعة إما بوصف القطعة غير المرئية أو بدلالة ما رءاه منها على ما لم يره. و قد يستدل بصحيحة زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال ع لا يشتر شيئا حتى يعلم أين يخرج السهم فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج. قال في الحدائق و توضيح معنى هذا الخبر- ما رواه في الكافي و التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعة ثم تدخل دارا ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحد أو اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة ثم يخرج السهم قال لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عدلت القسمة الخبر. أقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه لأن المشتري لسهم القصاب إن اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية و إن اشترى سهمه المعين الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين و هو باطل و على الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع و يمكن حمله على شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة- و يكون له خيار الحيوان إذا خرج السهم ثم إن صحيحة جميل مختصة بالمشتري- و الظاهر الاتفاق على أن هذا الخيار يثبت للبائع أيضا إذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره فتبين كونه زائدا على ما وصف. و حكي عن بعض أنه يحتمل في صحيحة جميل أن يكون التفتيش من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف المشتري و حينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما على تقدير هذا الاحتمال و لا يخفى بعده و أبعد منه دعوى عموم الجواب و الله العالم.

مسألة مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة

و المعروف أنه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع- التي يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر إذ لولاها لكان غررا و عبر بعضهم عن هذه الأوصاف بما يختلف الثمن باختلافه كما في الوسيلة و جامع المقاصد و غيرهما و آخر بما يعتبر في صحة السلم و آخرون كالشيخين و الحلي اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة و الظاهر أن مرجع الجميع واحد و لذا ادعي الإجماع على كل واحد منها. ففي موضع من التذكرة يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفي في السلم عندنا و عنه في موضع آخر من التذكرة أن شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع و يجب ذكر اللفظ الدال على الجنس ثم ذكر أنه يجب ذكر اللفظ الدال على التميز و ذلك بذكر جميع الصفات التي تختلف الأثمان باختلافها و يتطرق الجهالة بترك بعضها انتهى و في جامع المقاصد ضابط ذلك أن كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته و انتفائه و يتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره فلا بد من استقصاء أوصاف السلم انتهى. و ربما يتراءى التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه- و كفاية ذكر أوصاف السلم من جهة أنه قد يتسامح في السلم في ذكر بعض الأوصاف لإفضائه إلى عزة الوجود أو لتعذر الاستقصاء على التحقيق و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه. قال في التذكرة في باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان بأوصافه المقصودة و إن تفاوت به الغرض و القيمة لإفضائه إلى عزة الوجود انتهى و قال في السلم في الأحجار المتخذة للبناء إنه يذكر نوعها و لونها و يصف عظمها فيقول ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثا أو أربعا على سبيل التقريب دون التحقيق لتعذر التحقيق و يمكن أن يقال إن المراد ما يعتبر في السلم في حد ذاته مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة في بعض أفراد السلم و إن كان يمكن أن يورد على مسامحتهم هناك أن الاستقصاء في الأوصاف شرط في السلم غير مقيد بحال التمكن فتعذره يوجب فساد السلم لا الحكم بعدم اشتراطه كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط أوصافه و تمام الكلام في محله ثم إن الأوصاف التي يختلف الثمن من أجلها- غير محصورة خصوصا في العبيد و الإماء فإن مراتبهم الكمالية التي يختلف بها أثمانهم غير محصورة جدا و الاقتصار على ما يرفع به معظم الغرر إحالة على مجهول بل يوجب الاكتفاء على ما دون صفات السلم لانتفاء الغرر عرفا بذلك مع أنا علمنا أن الغرر العرفي أخص من الشرعي- و كيف كان فالمسألة لا تخلو عن إشكال و أشكل من ذلك أن الظاهر أن الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة في بيع العين الحاضرة و على هذا فيجب أن يعتبر في الرؤية أن يحصل بها الاطلاع على جميع الصفات المعتبرة في العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه. قال في التذكرة يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة انتهى. و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما يعتبر في صحة السلم و بيع الغائب و من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية على جميع الصفات المعتبرة في السلم و بيع العين الغائبة فإنه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة على سن الجارية بل و لا على نوعها و لا غيرها من الأمور التي لا يعرفها إلا أهل المعرفة بها فضلا عن مرتبة كمالها الإنساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال و يبعد كل البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة بل يلزم من ذلك عدم صحة شراء غير العارف بأوصاف المبيع الراجعة إلى نوعه أو صنفه أو شخصه بل هو بالنسبة إلى الأوصاف التي اعتبروها كالأعمى لا بد من مراجعته لبصير عارف و لا أجد في المسألة أوثق من أن يقال إن المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة فإن دل على اعتبار أزيد من ذلك حجة معتبرة أخذ به و ليس فيما ادعاه العلامة في التذكرة من الإجماع حجة مع استناده في ذلك إلى كونه غررا عرفا حيث قال في أول مسألة اشتراط العلم بالعوضين أنه أجمع علمائنا على اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما

المكاسب، ج 3، ص 250

ملك بإزاء ما بذل فينتفي الغرر فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم تتقدم رؤية أو يوصف وصفا يرفع الجهالة انتهى. و لا ريب أن المراد بمعرفة ما ملك معرفته على وجه وسط بين طرفي الإجمال و التفصيل ثم إنه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر الأوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا لأن الغرر بدون أخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع فإذا أخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود لأن العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج و الغرر فيه أعظم و يمكن أن يقال إن أخذ الأوصاف في معنى الاشتراط لا التقييد فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا و كذا و لا غرر فيه حينئذ عرفا. و قد صرح في النهاية و المسالك في مسألة ما لو رأى المبيع ثم تغير عما رءاه أن الرؤية بمنزلة الاشتراط و لازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا و يمكن أن يقال ببناء هذا البيع على تصديق البائع أو غيره في إخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة كما يجوز الاعتماد عليه في الكيل و الوزن و لذا ذكروا أنه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما و كيف كان فلا غرر عرفا في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة و لا دليل شرعا أيضا على المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات فيتعين الحكم بجوازه مضافا إلى الإجماع عليه ممن عدا بعض العامة ثم إن الخيار بين الرد و الإمساك مجانا هو المشهور بين الأصحاب. و صريح السرائر تخييره بين الرد و الإمساك بالأرش و أنه لا يجبر على أحدهما و يضعف بأنه لا دليل على الأرش. نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه أخذ الأرش لكن بخيار العيب لا خيار رؤية المبيع على خلاف ما وصفه إذ لو لا الوصف ثبت خيار العيب أيضا و سيجي ء عدم اشتراط ذكر الأوصاف الراجعة إلى وصف الصحة و أضعف من هذا ما ينسب إلى ظاهر المقنعة و النهاية و المراسم من بطلان البيع إذ أوجد على خلاف ما وصف لكن الموجود في المقنعة و النهاية أنه لم يكن على الوصف كان البيع مردودا و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد لا الباطل فعلا. و قد عبر في النهاية عن خيار الغبن بذلك فقال و لا بأس بأن يبيع الإنسان متاعا بأكثر مما يسوى إذا كان المبتاع من أهل المعرفة فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا و على تقدير وجود القول بالبطلان فلا يخفى ضعفه لعدم الدليل على البطلان بعد انعقاده صحيحا عدا ما في مجمع البرهان- و حاصله وقوع العقد على شي ء مغاير للموجود فالمعقود عليه غير موجود و الموجود غير معقود عليه و يضعف بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي لا يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا بأن يقال إن المبيع فاقد للأوصاف المأخوذة فيه لا إنه مغاير للموجود. نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل في حقيقة المبيع عرفا فالظاهر عدم الخلاف في البطلان و لو أخذ في عبارة العقد على وجه الاشتراط كأن يقول بعتك ما في البيت على أنه عبد حبشي فبان حمارا وحشيا إلا أن يقال إن الموجود و إن لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا إلا أن اشتراط اتصافه بالأوصاف في معنى كون القصد إلى بيعه بانيا على تلك الأوصاف فإذا فقد ما بني عليه العقد فالمقصود غير حاصل فينبغي بطلان البيع و لذا التزم أكثر المتأخرين بفساد العقد بفساد شرطه فإن قصد الشرط إن كان مؤثرا في المعقود عليه فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد و إلا لم يوجب فساده فساد العقد بل غاية الأمر ثبوت الخيار و من هنا يظهر أن دفع ما ذكر في وجه البطلان الذي جعله المحقق الأردبيلي موافقا للقاعدة. و احتمله العلامة رحمه الله في النهاية فيما إذا ظهر ما رءاه سابقا على خلاف ما رءاه بأنه اشتباه ناش عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات و الوصف المعين في الشخصيات و بين الوصف الذاتي و العرضي و أن أقصى ما هناك كونه من باب تعارض الإشارة و الوصف و الإشارة أقوى مجازفة لا محصل لها و أما كون الإشارة أقوى من الوصف عند التعارض فلو جرى فيما نحن فيه لم يكن اعتبار بالوصف فينبغي لزوم العقد و إثبات الخيار من جهة كونه وصفا لشخص لا مشخصا لكلي حتى يتقوم به و كونه عرضيا لا ذاتيا إعادة للكلام السابق و يمكن أن يقال إن المستفاد من النصوص و الإجماعات في الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقومة للمبيع سواء علم القصد

إليها من الخارج أم اشترطت في العقد كالحكم بمضي العقد على المعيب مع عدم القصد إلا إلى الصحيح و منه المصراة- و كالحكم في النص و الفتوى بتبعيض الصفقة إذا باع ما يملك و ما لم يملك و غير ذلك فتأمل و سيجي ء بعض الكلام في مسألة الشرط الفاسد إن شاء الله نعم هنا إشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل في الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه بطلان البيع و الخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار فإن الظاهر دخول الذكورة و الأنوثة في المماليك في حقيقة المبيع لا في مثل الغنم و كذا الرومي و الزنجي حقيقتان عرفا و ربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الأوصاف كما إذا باعه الدهن أو الجبن أو اللبن على أنه من الغنم فبان من الجاموس و كذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر و يمكن إحالة اتحاد الجنس و مغايرته على العرف و إن خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الربا فتأمل.

مسألة الأكثر على أن الخيار عند الرؤية فوري

بل نسب إلى ظاهر الأصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين إلا من أحمد حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية و احتمل في نهاية الأحكام و لم أجد لهم دليلا صالحا على ذلك إلا وجوب الاقتصار في مخالفة لزوم العقد على المتيقن و يبقى على القائلين بالتراخي في مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين مع أن صحيحة جميل المتقدمة في صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك بعدم بيان مدة الخيار فيها على عدم الفورية و إن كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في بعض الخيارات المستندة إلى النص. و قد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب في إثبات

المكاسب، ج 3، ص 251

التراخي و إن استندوا إليه في بعض الخيارات السابقة.

مسألة يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا

على الوجه المتقدم في خيار الغبن و بإسقاطه بعد الرؤية و بالتصرف بعدها و لو تصرف قبلها ففي سقوط الخيار وجوه ثالثها ابتناء ذلك على جواز إسقاط الخيار قولا قبل الرؤية بناء على أن التصرف إسقاط فعلي و في جواز إسقاطه قبل الرؤية وجهان مبنيان على أن الرؤية سبب أو كاشف. قال في التذكرة لو اختار إمضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لتعلق الخيار بالرؤية انتهى. و حكي ذلك من غيرها أيضا و ظاهره أن الخيار يحدث بالرؤية لا أنه يظهر بها و لو جعلت الرؤية شرطا لا سببا أمكن جواز الإسقاط بمجرد تحقق السبب و هو العقد و لا يخلو عن قوة و لو شرط سقوط هذا الخيار ففي فساده و إفساده للعقد كما عن العلامة و جماعة أو عدمهما كما عن النهاية و بعض- أو الفساد دون الإفساد وجوه بل أقوال من كونه موجبا لكون العقد غررا كما في جامع المقاصد من أن الوصف قام مقام الرؤية فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي و لا موصوف و من أن دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتى يثبت بارتفاعه فإن الخيار حكم شرعي لو أثر في دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا. و العلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فإن الغرر هو الإقدام على شراء العين الغائبة على أي صفة كانت و لو كان الالتزام المذكور مؤديا إلى الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب أيضا مؤديا إليه لأنه بمنزلة بيع الشي ء صحيحا أو معيبا بأي عيب كان و لا شك أنه غرر و إنما جاز بيع الشي ء غير مشروط بالصحة اعتمادا على أصالة الصحة لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب في المبيع لأن تخالف أفراد الصحيح و المعيب أفحش من تخالف أفراد الصحيح و اقتصارهم في بيان الأوصاف المعتبرة في بيع العين الغائبة على ما عدا الصفات الراجعة إلى العيب إنما هو للاستغناء عن تلك الأوصاف بأصالة الصحة لا لجواز إهمالها عند البيع فحينئذ فإذا شرط البراءة من العيوب كان راجعا إلى عدم الاعتداد بوجود تلك الأوصاف و عدمها فيلزم الغرر خصوصا على ما حكاه في الدروس عن ظاهر الشيخ و أتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره كالبيض و الجوز الفاسدين كذلك حيث إن مرجعه على ما ذكروه هنا في اشتراط سقوط خيار الرؤية إلى اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع و لذا اعترض عليهم الشهيد و أتباعه بفساد البيع مع هذا الشرط لكن مقتضى اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب و لو كان للمعيب قيمة لأن مرجعه إلى عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا و معيبا بأي عيب و الغرر فيه أفحش من البيع مع عدم الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا بأي وصف كان ثم إنه يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر في البيع حتى يلزم فساد البيع و لو على القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد بل من جهة أنه إسقاط لما لم يتحقق بناء على ما عرفت من أن الخيار إنما يتحقق بالرؤية فلا يجوز إسقاطه قبلها فاشتراط الإسقاط لغو و فساده من هذه الجهة لا يؤثر في فساد العقد فيتعين المصير إلى ثالث الأقوال المتقدمة لكن الإنصاف ضعف وجه هذا القول و أقوى الأقوال أولها لأن دفع الغرر عن هذه المعاملة و إن لم يكن لثبوت الخيار لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر العرفي المتحقق في البيع إلا أنه لأجل سبب الخيار و هو اشتراط تلك الأوصاف المنحل إلى ارتباط الالتزام العقدي بوجود الصفات لأنها إما شروط للبيع و إما قيود للمبيع كما تقدم سابقا و اشتراط سقوط الخيار راجع إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود تلك الصفات و عدمها و التنافي بين الأمرين واضح و أما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بأن نفي العيوب ليس مأخوذا في البيع على وجه الاشتراط أو التقييد و إنما اعتمد المشتري فيهما على أصالة الصحة- لا على تعهد البائع لانتفائها حتى ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها بخلاف الصفات فيما نحن فيه فإن البائع يتعهد لوجودها في المبيع و المشتري يعتمد على هذا التعهد فاشتراط البائع على المشتري عدم تعهده لها و التزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك نعم لو شاهده المشتري و اشتراه معتمدا على أصالة بقاء تلك الصفات فاشترط البائع لزوم العقد عليه و عدم الفسخ لو ظهرت المخالفة كان نظير اشتراط البراءة من العيوب كما أنه لو أخبر بكيله أو وزنه فصدقه المشتري فاشترط عدم الخيار لو ظهر النقص كان مثل ما نحن فيه كما يظهر

من التحرير في بعض فروع الأخبار بالكيل و الضابط في ذلك أن كل وصف تعهده البائع و كان رفع الغرر بذلك لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده و كل وصف اعتمد المشتري في رفع الغرر على أمارة أخرى جاز اشتراط سقوط خيار فقده كالأصل أو غلبة مساواة باطن الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك. و مما ذكرنا وجه فرق الشهيد و غيره في المنع و الجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة و بين اشتراط البراءة من العيوب في العين المشكوك في صحته و فساده و ظهر أيضا أنه لو تيقن المشتري بوجود الصفات المذكورة في العقد في المبيع فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار على تقدير فقدها لأن رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها و كذا لو اطمأن بوجودها و لم يتيقن. و الضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات و تعهدها من البائع و عدمه هذا مع إمكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع خرج اشتراط التبري من العيوب بالنص و الإجماع لأن قاعدة نفي الغرر قابلة للتخصيص كما أشرنا إليه سابقا. و ظهر أيضا ضعف ما يقال من أن الأقوى في محل الكلام الصحة لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول و لو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار و إلا لصلح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار و هو معلوم العدم و إقدامه على الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف إدخال الغرر عليه من قبل نفسه انتهى. توضيح الضعف أن المجدي في الصحة ما هو سبب الخيار و هو التزام البائع وجود الوصف لا نفس الخيار

المكاسب، ج 3، ص 252

و أما كون الإقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة في البيع الغرري و المسألة موضع إشكال.

مسألة لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت و لا بإبدال العين

لأن العقد إنما وقع على الشخصي فتملك غيره يحتاج إلى معاوضة جديدة و لو شرط في متن العقد الإبدال لو ظهر على خلاف الوصف ففي الدروس أن الأقرب الفساد و لعله لأن البدل المستحق عليه بمقتضى الشرط إن كان بإزاء الثمن فمرجعه إلى معاوضة جديدة على تقدير ظهور المخالفة بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة و ينعقد بيع آخر فيحصل بالشرط انفساخ عقد و انعقاد عقد آخر كل منهما معلق على المخالفة و من المعلوم عدم نهوض الشرط لإثبات ذلك و إن كان بإزاء المبيع الذي ظهر على خلاف الوصف فمرجعه أيضا إلى انعقاد معاوضة تعليقية غررية لأن المفروض جهالة المبدل. و على أي تقدير فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور فيفسد و يفسد العقد و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض على الشهيد رحمه الله حيث قال بعد نقل عبارة الدروس و حكمه بالفساد ما لفظه ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من أن يظهر على الوصف أولا و فيه أنه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط و مجرد شرط البائع الإبدال مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا للفساد لعموم الأخبار المتقدمة. نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة و لا يجبره هذا الشرط لإطلاق الأخبار و الأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور و عدمه. و بالجملة فإني لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على الإطلاق وجها يحمل عليه انتهى.

مسألة الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع على عين شخصية موصوفة

كالصلح و الإجارة لأنه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة فإما أن يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الأردبيلي في بطلان بيع العين الغائبة و إما أن يحكم بلزومه من دون خيار و الأول مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه و الثاني فاسد من جهة أن دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد و حرمة النقض و معلوم أن عدم الالتزام بترتب آثار العقد على العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضا للعقد بل قد تقدم عن بعض أن ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاء و عملا بالعقد حتى يجوز بل هو تصرف لم يدل عليه العقد فيبطل. و الحاصل أن الأمر في ذلك دائر بين فساد العقد و ثبوته مع الخيار و الأول مناف لطريقة الأصحاب في غير باب فتعين الثاني.

مسألة لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة و قال المشتري قد اختلف

ففي التذكرة قدم قول المشتري- لأصالة براءة ذمته من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت بالبينة و رده في المختلف في نظير المسألة بأن إقراره بالشراء إقرار بالاشتغال بالثمن و يمكن أن يكون مراده ببراءة الذمة عدم وجوب تسليمه إلى البائع بناء على ما ذكره في أحكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم الثمن و لا المثمن في مدة الخيار و إن تسلم الآخر و كيف كان فيمكن أن يخدش بأن المشتري قد أقر باشتغال ذمته بالثمن سواء اختلف صفة المبيع أم لم يختلف غاية الأمر سلطنته على الفسخ لو ثبت أن البائع التزم على نفسه اتصاف البيع بأوصاف مفقودة كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا و حيث لم يثبت ذلك فالأصل عدمه فيبقى الاشتغال لازما غير قابل للإزالة بفسخ العقد هذا و يمكن دفع ذلك بأن أخذ الصفات في المبيع و إن كان في معنى الاشتراط إلا أنه بعنوان التقييد فمرجع الاختلاف إلى الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها صفات مفقودة أو تعلقه بعين لو حظ فيها الصفات الموجودة أو ما يعمها و اللزوم من أحكام البيع المتعلق بالعين على الوجه الثاني و الأصل عدمه و منه يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد و قد تقدم توضيح ذلك و بيان ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغيير ما شاهداه قبل البيع

مسألة لو نسج بعض الثوب فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل

كما عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد قدس سرهما و العلامة في كتبه و جامع المقاصد و استدل عليه في التذكرة و جامع المقاصد بأن بعضه عين حاضرة و بعضه في الذمة مجهول.

و عن المختلف صحته- و لا يحضرني الآن حتى أتأمل في دليله و الذي ذكر للمنع و لا ينهض مانعا فالذي يقوى في النظر أنه إذا باع البعض المنسوج المنضم إلى غزل معين على أن ينسجه على ذلك المنوال فلا مانع منه و كذا إذا ضم معه مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف على أن ينسجه كذلك إذ لا مانع من ضم الكلي إلى الشخصي و إليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام حيث جعل اشتراط نسج الباقي كاشتراط الخياطة و الصبغ و كذا إذا باعه أذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج بهذا المنوال و لو لم ينسجه في الصورتين الأوليين على ذلك المنوال ثبت الخيار لتخلف الشرط- و لو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول و بقي على مال البائع و كان للمشتري الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه و الله العالم

السابع خيار العيب
اشارة

إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا على سلامة العين من العيب و إنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا على أصالة السلامة و إلا لم يصح العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة و هي صحتها التي هي من أهم ما يتعلق به الأغراض و لذا اتفقوا في بيع العين الغائبة على اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن باختلافها و لم يذكروا اشتراط صفة الصحة فليس ذلك إلا من حيث الاعتماد في وجودها على الأصل فإن من يشتري عبدا لا يعلم أنه صحيح سوي أم فالج مقعد لا يعتمد في صحته إلا على أصالة السلامة كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا على بقائه على ما شاهده فلا يحتاج إلى ذكر تلك الصفات في العقد و كما يعتمد على إخبار البائع بالوزن. قال في التذكرة الأصل في المبيع من الأعيان و الأشخاص- السلامة من العيوب و الصحة فإذا أقدم المشتري على

المكاسب، ج 3، ص 253

بذل ماله في مقابلة تلك العين فإنما بنى إقدامه على غالب ظنه المستند إلى أصالة السلامة انتهى. و قال في موضع آخر إطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة على ما مر من القضاء العرفي يقتضي أن المشتري إنما بذل ماله بناء على أصالة السلامة فكأنها مشترطة في نفس العقد انتهى. و مما ذكرنا يظهر أن الانصراف ليس من باب انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح ليرد عليه أولا منع الانصراف و لذا لا يجري في الأيمان و النذور. و ثانيا عدم جريانه فيما نحن فيه لعدم كون المبيع مطلقا بل هو جزئي حقيقي خارجي. و ثالثا بأن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا على المعيب فلا معنى لإمضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتى يثبت التخيير بينهما و دفع جميع هذا بأن وصف الصحة قد أخذ شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في العين الخارجية و إنما استغنى عن ذكر وصف الصحة لاعتماد المشتري في وجودها على الأصل كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود أصلها و صفاتها على الأصل. و لقد أجاد في الكفاية حيث قال إن المعروف بين الأصحاب أن إطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة و لو باع كليا حالا أو سلما كان الانصراف إلى الصحيح من جهة ظاهر الإقدام أيضا و يحتمل كونه من جهة الإطلاق- المنصرف إلى الصحيح في مقام الاشتراء و إن لم ينصرف إليه في غير هذا المقام فتأمل ثم إن المصرح به في كلمات جماعة أن اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد لأنه تصريح بما يكون الإطلاق منزلا عليه. و إنما ترك لاعتماد المشتري على أصالة السلامة فلا يحصل من أجل هذا الاشتراط خيار آخر غير خيار العيب كما لو اشترط كون الصبرة كذا و كذا صاعا فإنه لا يزيد على ما إذا ترك الاشتراط و اعتمد على إخبار البائع بالكيل أو اشترط بقاء الشي ء على الصفة السابقة المرئية فإنه في حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا على أصالة بقائها. و بالجملة فالخيار خيار العيب اشترط الصحة أم لم يشترط. و يؤيده ما ورد من رواية يونس: في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال يرد عليه فضل القيمة فإن اقتصاره ع على أخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد يدل على أن الخيار خيار العيب و لو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطء أو مقدماته و منه يظهر ضعف ما حكاه في المسالك- من ثبوت خيار الاشتراط هنا فلا يسقط الرد بالتصرف و دعوى عدم دلالة الرواية على التصرف أو عدم دلالته على اشتراط البكارة في متن العقد كما ترى.

مسألة ظهور العيب في المبيع- يوجب تسلط المشتري على الرد و أخذ الأرش

مسألة ظهور العيب في المبيع- يوجب تسلط المشتري على الرد و أخذ الأرش

بلا خلاف و يدل على الرد الأخبار المستفيضة الآتية و أما الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدل على التخيير بينه و بين الرد بل ما دل على الأرش يختص بصورة التصرف المانع من الرد فيجوز أن يكون الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري لا لتعيين أحد طرفي التخيير بتعذر الآخر. نعم في الفقه الرضوي فإن خرج السلعة معيبا و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء رده و إن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب و ظاهره كما في الحدائق التخيير بين الرد و أخذه بتمام الثمن و أخذ الأرش و يحتمل زيادة الهمزة في لفظة أو و يكون واو العطف فيدل على التخيير بين الرد و الأرش و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الأخبار و هو صعب جدا و أصعب منه جعله مقتضى القاعدة- بناء على أن الصحة و إن كانت وصفا فهي بمنزلة الجزء فيتدارك فائتة باسترداد ما قابله من الثمن و يكون الخيار حينئذ لتبعض الصفقة و فيه منع المنزلة عرفا و لا شرعا و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق المطالبة بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله على ما صرح به العلامة و غيره ثم منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن إذا أخذ وجوده في المبيع الشخصي على وجه الشرطية كما في بيع الأرض على أنها جريان معينة و ما نحن فيه من هذا القبيل. و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الإجماع على التخيير بين الرد و الأرش. نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط أن أخذ الأرش مشروط باليأس عن الرد لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية و بعض مواضع المبسوط ينافيه إطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش فافهم ثم إن في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه ما تقدم في خيار الغبن. و قد عرفت أن الأظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب و الغبن واقعا و إن كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع على خلاف ما اشترط. و قد صرح العلامة بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية قبلها معللا بأن الخيار إنما يثبت بالرؤية لكن المتفق عليه هنا نصا و فتوى جواز التبري و إسقاط خيار العيب. و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب أن استحقاق المطالبة بالأرش الذي هو أحد طرفي الخيار لا معنى لثبوته بظهور العيب بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة هذا مضافا إلى أن الظاهر من بعض أخبار المسألة أن السبب هو نفس العيب لكنها لا تدل على العلية التامة فلعل الظهور شرط و كيف كان فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع في كل حكم من أحكام هذا الخيار إلى دليله و أنه يفيد ثبوته بمجرد العيب أو بظهوره و المرجع فيما لا يستفاد من دليله أحد الأمرين هي القواعد فافهم ثم إنه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و المثمن كما صرح به العلامة و غيره هنا و في باب الصرف فيما إذا ظهر أحد عوضي الصرف معيبا و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه و إن كان مورد الأخبار ظهور العيب في المبيع لأن الغالب كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد

القول في مسقطات هذا الخيار بطرفيه أو أحدهما
مسألة يسقط الرد خاصة بأمور
أحدها التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرد و اختيار الأرش

المكاسب، ج 3، ص 254

و لو أطلق الالتزام بالعقد فالظاهر عدم سقوط الأرش و لو أسقط الخيار فلا يبعد سقوطه.

الثاني التصرف في المعيب

عند علمائنا كما في التذكرة و في السرائر الإجماع على أن التصرف يسقط الرد بغير خلاف منهم و نحوه المسالك و سيأتي الخلاف في الجملة من الإسكافي و الشيخين و ابن زهرة و ظاهر المحقق بل المحقق الثاني و استدل عليه في التذكرة أيضا تبعا للغنية بأن تصرفه فيه رضاء منه به على الإطلاق و لو لا ذلك كان ينبغي له الصبر و الثبات حتى يعلم حال صحته و عدمها و بقول أبي جعفر ع في الصحيح: أيما رجل اشترى شيئا و به عيب أو عوار و لم يتبرأ إليه و لم يتبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار و بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

و يدل عليه مرسلة جميل عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا قال إن كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه و أخذ الثمن و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب هذا و لكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف حتى مثل قول المشتري للعبد المشتري ناولني الثوب أو أغلق الباب على ما صرح به العلامة في التذكرة في غاية الإشكال لإطلاق قوله ع: إن كان الثوب قائما بعينه رده المعتضد بإطلاق الأخبار في الرد خصوصا ما ورد في رد الجارية- بعد ما لم تحض ستة أشهر عند المشتري و رد المملوك في أحداث السنة و نحو ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف فيه بمثل أغلق الباب و نحوه و عدم ما يصلح للتقييد مما استدل به للسقوط فإن مطلق التصرف لا يدل على الرضا خصوصا مع الجهل بالعيب. و أما المرسلة فقد عرفت إطلاقها لما يشمل لبس الثوب و استخدام العبد بل وطء الجارية لو لا النص المسقط للخيار به. و أما الصحيحة فلا يعلم المراد من إحداث شي ء في المبيع لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغة و لا عرفا لمثل استخدام العبد و شبهه مما مر من الأمثلة فلا تدل على أزيد مما دل عليه ذيل المرسلة من أن العبرة بتغير العين و عدم قيامها بعينها اللهم إلا أن يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان من النص الدال على أن المراد بإحداث الحدث في المبيع هو أن ينظر إلى ما حرم النظر إليه قبل الشراء فإذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل على سقوط الخيار هنا بكل تصرف فيكون ذلك النص دليلا على المراد بالحدث هنا و هذا حسن لكن إقامة البينة على اتحاد معنى الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا المعنى مشكلة ثم إنه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام لمطلق التصرف فلا دليل على كونه من حيث الرضا بالعقد فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه و إن كان النص في خيار الحيوان دالا على ذلك بقرينة التعليل المذكور فيه على الوجوه المتقدمة هناك في المراد من التعليل لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام أيضا يدل على سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا بل عرفت من التذكرة و الغنية أن علة السقوط دلالة التصرف نوعا على الرضا و نحوه في الدلالة على كون السقوط بالتصرف من حيث دلالته على الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه و من تأخر عنه. قال في المقنعة فإن لم يعلم المبتاع بالعيب حتى أحدث فيه حدثا لم يكن له الرد و كان له أرش العيب خاصة و كذلك حكمه إذا أحدث فيه حدثا بعد العلم و لا يكون إحداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاء به منه انتهى. فإن تعليله عدم سقوط الأرش بعدم دلالة الإحداث على الرضا بالعيب ظاهر خصوصا بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في أن سقوط الرد بالحدث لدلالته على الرضا بأصل البيع و مثلها عبارة النهاية من غير تفاوت و قال في المبسوط إذا كان المبيع بهيمة فأصاب بها عيبا كان له ردها فإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها و علفها و سقيها و حلبها و أخذ لبنها و إن نتجت كان له نتاجها كل هذا لأنه ملكه و له فيه فائدته و عليه مئونته و الرد لا يسقط لأنه إنما يسقط الرد بالرضا بالمعيب أو ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي ء من ذلك انتهى و قال في الغنية و لا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالأرش لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب انتهى و في السرائر قال في حكم من ظهر على عيب فيما اشتراه و لا يجبر على أحد الأمرين يعني الرد و الأرش قال هذا إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة أو ينقص قيمته بالتصرف انتهى و في الوسيلة و يسقط الرد بأحد ثلاثة أشياء بالرضا و بترك الرد بعد العلم به إذا عرف أن له الرد و بحدوث عيب آخر عنده انتهى و هي بعينها كعبارة المبسوط المتقدمة ظاهرة في أن التصرف ليس بنفسه مسقطا إلا إذا دل على الرضا. و قال في التذكرة لو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضاء منه بإمساكها و لو حلبها في طريق الرد فالأقوى أنه تصرف يؤذن بالرضا بها. و قال بعض الشافعية لا يكون رضاء بإمساكه لأن اللبن ماله قد استوفاه في حال الرد انتهى. و في جامع المقاصد و المسالك في

رد ابن حمزة القائل بأن التصرف بعد العلم يسقط الأرش أيضا- أن التصرف لا يدل على إسقاط الأرش. نعم يدل على الالتزام بالعقد. و في التحرير لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف فيه بما يدل على الرضا قبل علمه بالعيب و بعده سقط الرد انتهى. و قد ظهر من جميع ذلك أن التصرف من حيث هو ليس مسقطا و إنما هو التزام و رضاء بالعقد فعلا فكل تصرف يدل على ذلك عادة فهو مسقط و ما ليس كذلك فلا دليل على الإسقاط به كما لو وقع نسيانا أو للاختبار و مقتضى ذلك أنه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب لم يسقط خصوصا إذا كان مما يتوقف العلم بالعيب عليه و حصل بقصد الاختبار إلا أن المعروف خصوصا بين العلامة و من تأخر عنه عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده- و الذي ينبغي أن يقال و إن كان ظاهر المشهور خلافه- إن التصرف بعد العلم مسقط للرد إذا كان دالا بنوعه على الرضا كدلالة اللفظ على معناه لا مطلق التصرف و الدليل على

المكاسب، ج 3، ص 255

إسقاطه مضافا إلى أنه التزام فعلي فيدل عليه ما يدل على اعتبار الالتزام إذا دل عليه باللفظ ما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضاء بالبيع و لذا تعدينا إلى خيار المجلس و الشرط و حكمنا بسقوطهما بالتصرف فكذلك خيار العيب و أما التصرف قبل العلم بالعيب فإن كان مغيرا للعين بزيادة أو نقيصة أو تغير هيئة أو ناقلا لها بنقل لازم أو جائز و بالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشي ء بعينه فهو مسقط أيضا لمرسلة جميل المتقدمة و يلحق بذلك تعذر الرد بموت أو عتق أو إجازة أو شبه ذلك. و ظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار على ذلك حيث قال في أول المسألة و يسقط الرد بإحداثه فيه حدثا كالعتق و قطع الثوب سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده. و في مسألة رد المملوك من أحداث السنة فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش انتهى. و هو الظاهر من المحكي عن الإسكافي حيث قال فإن وجد بالسلعة عيبا و قد أحدث فيه ما لا يمكن معه ردها إلى ما كانت عليه قبله كالوطئ للأمة و القطع للثوب أو تعذر الرد بموت أو نحوه كان له فضل ما بين الصحة و العيب انتهى. و هذا هو الذي ينبغي أن يقتصر عليه من التصرف قبل العلم و أما ما عدا ذلك من التصرف قبل العلم كحلب الدابة و ركوبها و شبه ذلك فلا دليل على السقوط به بحيث يطمئن به النفس. و أقصى ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر و باللمس و قيام النص و الإجماع على سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم مع عدم دلالته على الالتزام بالبيع و عدم تغييره للعين و إطلاق معقد الإجماع المدعى في كثير من العبائر كالتذكرة و السرائر و الغنية و غيرها و في نهوض ذلك كله لتقييد إطلاق أخبار الرد خصوصا ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد كالنص برد الجارية بعد ستة أشهر و رد الجارية إذا لم يطأها و رد المملوك من أحداث السنة نظر بل منع خصوصا معاقد الإجماع فإن نقله الإجماع كالعلامة و الحلي و ابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بأن العبرة بالرضا بالعقد فكان دعوى الإجماع وقعت من هؤلاء على السقوط بما يدل على الرضا من التصرف خصوصا ابن زهرة في الغنية حيث إنه اختار ما قويناه من التفصيل بين صورتي العلم و الجهل و المغير و غيره حيث قال قدس سره و خامسها يعني مسقطات الرد التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملكه أو الإذن الحاصل له بعد العلم بالعيب فإنه يمنع من الرد لشي ء من العيوب و لا يسقط حق المطالبة بالأرش لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب و كذا حكمه إن كان قبل العلم بالعيب و كان مغيرا للعين بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصان فيه كالقطع للثوب و إن لم يكن كذلك فله الرد بالعيب إذا علمه ما لم يكن وطء الجارية فإنه يمنع من ردها لشي ء من العيوب إلا الحبل انتهى كلامه. و قد أجاد قدس سره فيما استفاده من الأدلة و حكي عن المبسوط أيضا أن التصرف قبل العلم لا يسقط به الخيار لكن صرح بأن الصبغ و قطع الثوب يمنع من الرد فإطلاق التصرف قبل العلم محمول على غير المغير و ظاهر المقنعة و المبسوط أنه إذا وجد العيب بعد عتق العبد و الأمة لم يكن له ردهما و إذا وجده بعد تدبيرهما أو هبتهما كان مخيرا بين الرد و أخذ أرش العيب و فرقا بينهما و بين العتق بجواز الرجوع فيهما دون العتق و يرده مع أن مثلهما تصرف يؤذن بالرضا مرسلة جميل فإن العين مع الهبة و التدبير غير قائمة و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في ذلك و لذا اعترض عليهما الحلي بالنقض بما لو باعه بخيار مع أنه لم يقل أحد من الأمة بجواز الرد حينئذ. و قال بعد ما ذكر إن الذي يقتضيه أصول المذهب أن المشتري إذا تصرف في المبيع أنه لا يجوز له رده و لا خلاف في أن الهبة و التدبير تصرف. و بالجملة فتعميم الأكثر لأفراد التصرف مع التعميم لما بعد العلم و ما قبله مشكل و العجب من المحقق الثاني أنه تنظر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر.

الثالث تلف العين أو صيرورته كالتالف

فإنه يسقط الخيار هنا بخلاف الخيارات المتقدمة غير الساقطة بتلف العين و المستند فيه بعد ظهور الإجماع إناطة الرد في المرسلة السابقة بقيام العين فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه فلو تلف أو انتقل إلى ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو أبق العبد أو انعتق العبد على المشتري فلا رد. و مما ذكرنا ظهر أن عد انعتاق العبد على المشتري مسقط برأسه كما في الدروس لا يخلو عن شي ء. نعم ذكر أنه يمكن إرجاع هذا الوجه إلى التصرف و هو أيضا لا يخلو عن شي ء و الأولى ما ذكرناه ثم إنه لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز رده للأصل- خلافا للشيخ بل المفيد قدس سرهما. فرع لا خلاف نصا و فتوى- في أن وطء الجارية يمنع عن ردها بالعيب سواء قلنا بأن مطلق التصرف مانع أم قلنا باختصاصه بالتصرف الموجب لعدم كون الشي ء قائما بعينه غاية الأمر كون الوطي على هذا القول مستثنى عن التصرف غير المغير للعين كما عرفت من عبارة الغنية مع أن العلامة علل المنع في موضع من التذكرة بأن الوطي جناية و لهذا يوجب غرامة جزء من القيمة كسائر جنايات المملوك. و قد تقدم في كلام الإسكافي أيضا أن الوطي مما لا يمكن معه رد المبيع إلى ما كان عليه قبله و يشير إليه ما سيجي ء في غير واحد من الروايات من قوله معاذ الله أن يجعل لها أجرا فإن فيه إشارة إلى أنه لو ردها لا بد أن يرد معها شيئا تداركا للجناية- إذ لو كان الوطي مجرد استيفاء منفعة- لم يتوقف ردها إلى رد عوض المنفعة فإطلاق الأجر عليه في الرواية على طبق ما يتراءى في نظر العرف من كون هذه الغرامة كأنها أجرة للوطء و حاصل معناه أنه إذا حكمت بالرد مع أرش جنايتها كان ذلك في الأنظار بمنزلة الأجرة و هي ممنوعة شرعا لأن إجارة الفروج غير جائزة و هذا إنما وقع من أمير المؤمنين ع مبنيا على تقرير رعيته على ما فعله الثاني من تحريم العقد المنقطع فلا يقال إن المتعة مشروعة و قد ورد أن المنقطعات مستأجرات فلا وجه للاستعاذة بالله من جعل الأجرة للفروج هذا ما يخطر عاجلا بالبال في معنى هذه الفقرة و الله العالم و كيف كان ففي النصوص المستفيضة

المكاسب، ج 3، ص 256

الواردة في المسألة كفاية ففي صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله ع: في رجل اشترى جارية فوقع عليها قال إن وجد فيها عيبا فليس له أن يردها و لكن يرد عليه بقدر ما نقصها العيب قلت هذا قول أمير المؤمنين ع قال نعم و صحيحة ابن مسلم عن أحدهما ع: أنه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها فيجد بها عيبا بعد ذلك قال لا يردها على صاحبها و لكن يقوم ما بين العيب و الصحة و يرد على المبتاع معاذ الله أن يجعل لها أجرا و رواية ميسر عن أبي عبد الله ع قال: كان علي لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت و لكن يرجع بقيمة العيب و كان يقول معاذ الله أجعل لها أجرا الخبر و في رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال: قضى أمير المؤمنين ع في رجل اشترى جارية فوطئها ثم رأى فيها عيبا قال تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الداء ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء و ما عن حماد في الصحيح عن أبي عبد الله ع يقول قال علي بن الحسين ع: كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى أمة فوطئها ثم ظهر على عيب أن البيع لازم و له أرش العيب إلى غير ذلك مما سيجي ء ثم إن المشهور استثنوا عن عموم هذه الأخبار لجميع أفراد العيب الحمل فإنه عيب إجماعا كما في المسالك إلا أن الوطي لا يمنع من الرد به بل يردها و يرد معها العشر أو نصف العشر على المشهور بينهم و استندوا في ذلك إلى نصوص مستفيضة- منها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله ع: عن رجل اشترى جارية حبلى و لم يعلم بحبلها فوطئها قال يردها على الذي ابتاعها منه و يرد عليها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها و قد قال علي ع: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها و رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله ع قال: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها و له أرش العيب و ترد الحبلى و يرد معها نصف عشر قيمتها و زاد في الكافي قال و في رواية أخرى: إن كانت بكرا فعشر قيمتها و إن كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها و مرسلة ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار: قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل باع جارية حبلى و هو لا يعلم فينكحها الذي اشترى قال يردها و يرد نصف عشر قيمتها و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى قال ترد و يرد معها شيئا و صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر ع: في الرجل يشتري الجارية الحبلى فينكحها قال يرد و يكسوها و رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الجارية و هي حبلى فيطأها قال يردها و يرد عشر قيمتها هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات و قد عمل بها المشهور بل ادعى على ظاهرها الإجماع في الغنية كما عن الانتصار و عدم الخلاف في السرائر خلافا للمحكي عن الإسكافي فحكم بالرد مع كون الحمل من المولى لبطلان بيع أم الولد حيث قال فإن وجد في السلعة عيبا كان عند البائع و قد أحدث المشتري في السلعة ما لا يمكن ردها إلى ما كانت عليه قبله كالوطئ للأمة أو القطع للثوب أو تلف السلعة بموت أو غيره كان للمشتري فضل ما بين الصحة و العيب دون ردها فإن كان العيب ظهور حمل من البائع و قد وطئها المشتري من غير علم بذلك كان عليه ردها و نصف عشر قيمتها انتهى. و اختاره في المختلف و هو ظاهر الشيخ في النهاية حيث قال فإن وجد بها عيبا بعد أن وطئها لم يكن له ردها و كان له أرش العيب خاصة اللهم إلا أن يكون العيب من حبل فيلزمه ردها على كل حال وطئها أم لم يطأها و يرد معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها انتهى. و يمكن استفادة هذا من إطلاق المبسوط القول بمنع الوطي من الرد فإن من البعيد عدم استثناء وطء الحامل و عدم تعرضه لحكمه مع اشتهار المسألة في الروايات و ألسنة القدماء. و قال في الوسيلة إذا وطئ الأمة ثم علم بها عيبا لم يكن له ردها إلا إذا كان العيب حملا و كان حرا فإنه وجب عليه ردها و يرد معها نصف عشر قيمتها و إن كان الحمل مملوكا

لم يجب ذلك انتهى. و ظاهر الرياض أيضا اختيار هذا القول. و الإنصاف أن ظاهر الأخبار المتقدمة في بادئ النظر و إن كان ما ذكره المشهور إلا أن العمل على هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه أخر أحدها من حيث مخالفة ظهورها في وجوب رد الجارية أو تقييد الحمل بكونه من غير المولى حتى تكون الجملة الخبرية واردة في مقام دفع توهم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدمة المانعة من رد الجارية بعد الوطي إذ لو بقي الحمل على إطلاقه لم يستقم دعوى وقوع الجملة الخبرية في مقام دفع توهم الحظر إذ لا منشأ لتوهم حظر رد الحامل حتى أم الولد فلا بد إما من التقييد أو من مخالفة ظاهر الجملة الخبرية. الثاني مخالفة لزوم العقر على المشتري لقاعدة عدم العقر في وطء الملك أو قاعدة كون الرد بالعيب فسخا من حينه لا من أصله. الثالث مخالفته لما دل على كون التصرف عموما و الوطي بالخصوص مانعا من الرد. أن الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة رجل باع جارية حبلى و هو لا يعلم وقوع السؤال عن بيع أم الولد و إلا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة و يشير إليه ما في بعض الروايات المتقدمة- من قوله ع يكسوها فإن في ذلك إشارة إلى تشبثها بالحرية للاستيلاد فنسب الكسوة إليها تشبها بالحرائر و لم يصرح بالعقر الذي هو جزء من القيمة. الخامس ظهور هذه الأخبار في كون الرد بعد تصرف المشتري في الجارية بغير الوطي من نحو اسقني ماءا أو أغلق الباب و غيرهما مما قل أن تنفك عنه الجارية و تقييدها بصورة عدم هذه التصرفات تقييد بالفرض النادر و إنما دعي إلى هذا التقييد في غير هذه الأخبار مما دل على رد الجارية بعد مدة طويلة الدليل الدال على اللزوم بالتصرف لكن لا داعي هنا لهذا التقييد إذ يمكن تقييد الحمل بكونه من المولى لتسلم الأخبار عن جميع ذلك. و غاية الأمر تعارض هذه الأخبار مع ما دل على منع الوطي عن الرد بالعموم من وجه فيبقى ما عدا الوجه الثالث- مرجحا لتقييد هذه الأخبار و لو فرض التكافؤ بين جميع ما تقدم و بين إطلاق الحمل في هذه الأخبار أو ظهور اختصاصه بما لم يكن من المولى وجب الرجوع إلى عموم ما دل على أن إحداث الحدث مسقط- لكونه رضاء بالبيع و يمكن الرجوع إلى ما دل على جواز الرد مع قيام

المكاسب، ج 3، ص 257

العين. نعم لو خدش في عموم ما دل على المنع من الرد بمطلق التصرف وجب الرجوع إلى أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطي لكن يبقى لزوم العقر مما لا دليل عليه إلا الإجماع المركب و عدم الفصل بين الرد و العقر فافهم. ثم إن المحكي عن المشهور إطلاق الحكم بوجوب رد نصف العشر بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه إلا أن يدعى انصراف إطلاق الفتاوى و مقعد الإجماع كالنصوص إلى الغالب من كون الحامل ثيبا فلا يشمل فرض حمل البكر بالسحق أو بوطء الدبر و لذا ادعى عدم الخلاف في السرائر- على اختصاص نصف العشر بالثيب و ثبوت العشر في البكر بل معقد إجماع الغنية بعد التأمل موافق للسرائر أيضا حيث ذكر في الحامل أنه يرد معها نصف عشر قيمتها على ما مضى بدليل إجماع الطائفة و مراده بما مضى كما يظهر لمن راجع كلامه ما ذكره سابقا مدعيا عليه الإجماع من أنه إذا وطئ المشتري في مدة خيار البائع ففسخ يرد معها العشر إن كانت بكرا و نصف العشر إن كانت ثيبا و أما الانتصار فلا يحضرني حتى أراجعه و قد عرفت إمكان تنزيل الجميع على الغالب و حينئذ فيكون مرسلة الكافي المتقدمة بعد انجبارها بما عرفت من السرائر و الغنية دليلا على التفصيل في المسألة. كما اختاره جماعة من المتأخرين مضافا إلى ورود العشر في بعض الروايات المتقدمة المحمولة على البكر إلا أنه بعيد و لذا نسبه الشيخ إلى سهو الراوي في إسقاط لفظ النصف. و في الدروس أن الصدوق ذكرها بلفظ النصف و أما ما تقدم مما دل على أنه يرد معها شيئا فهو بإطلاقه خلاف الإجماع فلا بد من جعله واردا في مقام ثبوت أصل العقر لا مقداره و أما ما دل على أنه يكسوها فقد حمل على كسوة تساوي العشر أو نصفه و لا بأس به في مقام الجمع ثم إن مقتضى الإطلاق جواز الرد و لو مع الوطي في الدبر- و يمكن دعوى انصرافه إلى غيره- فيقتصر في مخالفة العمومات على منصرف اللفظ و في لحوق التقبيل و اللمس بالوطء وجهان من الخروج عن مورد النص و من الأولوية و لو انضم إلى الحمل عيب آخر فقد استشكل في سقوط الرد بالوطء من صدق كونها معيبة بالحمل و كونها معيبة بغيره. و فيه أن كونها معيبة بغير الحمل لا يقتضي إلا عدم تأثير ذلك العيب في الرد مع التصرف لا نفي تأثير عيب الحمل ثم إن صريح بعض النصوص و الفتاوى و ظاهر باقيها اختصاص الحكم بالوطء مع الجهل بالعيب فلو وطئ عالما به سقط الرد لكن إطلاق كثير من الروايات يشمل العالم.

الرابع من المسقطات حدوث عيب عند المشتري
اشارة

و تفصيل ذلك أنه إذا حدث العيب بعد العقد على المعيب فإما أن يحدث قبل القبض و إما أن يحدث بعده في زمان خيار يضمن فيه البائع المبيع أعني خيار المجلس و الحيوان و الشرط- و إما أن يحدث بعد مضي الخيار و المراد بالعيب الحادث هنا هو الأخير. و أما الأول فلا خلاف ظاهرا في أنه لا يمنع الرد بل في أنه هو كالموجود قبل العقد حتى في ثبوت الأرش فيه على الخلاف الآتي في أحكام القبض و أما الحادث في زمن الخيار فكذلك لا خلاف في أنه غير مانع عن الرد بل هو سبب مستقل موجب للرد بل الأرش على الخلاف الآتي فيما قبل القبض بناء على اتحاد المسألتين كما يظهر من بعض و يدل على ذلك ما يأتي من أن الحدث في زمان الخيار مضمون على البائع و من ماله و معناه ضمانه على الوجه الذي يضمنه قبل القبض بل قبل العقد إلا أن المحكي عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب أن تأثير العيب الحادث في زمن الخيار و كذا عدم تأثيره في الرد بالعيب القديم إنما هو ما دام الخيار فإذا انقضى الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون على المشتري قال في الدروس لو حدث في المبيع عيب غير مضمون على المشتري لم يمنع من الرد قبل القبض أو في مدة خيار المشتري المشترط أو بالأصل فله الرد ما دام الخيار فإن خرج الخيار ففي الرد خلاف- بين ابن نما و تلميذه المحقق قدس سرهما فجوزه ابن نما لأنه من ضمان البائع و منعه المحقق قدس سره لأن الرد لمكان الخيار و قد زال و لو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد انتهى. لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثاني و هو حدوث العيب في مبيع صحيح و لعل الفرع الأول مترتب عليه لأن العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا على البائع حتى يكون سببا للخيار غاية الأمر كونه غير مانع عن الرد بالخيارات الثلاثة كان مانعا عن الرد بالعيب السابق إذ لا يجوز الرد بالعيب مع حدوث عيب مضمون على المشتري فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار لا بالعيب السابق فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع للعيب الحادث و لذا ذكر في اللمعة أن هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع من أن العيب الحادث في الحيوان مضمون على البائع مع حكمه بعدم الأرش ثم إنه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه و يضعف كلاهما بأن الظاهر تعدد الخيار و فيه أن قول ابن نما رحمه الله لا يأبى عن التعدد كما لا يخفى. و أما الثالث أعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض و الخيار فالمشهور أنه مانع عن الرد بالعيب السابق بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام و في ظاهر الغنية الإجماع عليه- و المراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما يوجب الأرش فيعم عيب الشركة و تبعض الصفقة إذا اشترى اثنان شيئا فأراد أحدهما رده بالعيب أو اشترى واحد صفقة و ظهر العيب في بعضه فأراد رد المعيب خاصة و نحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد و غيره و نسيان الدابة للطحن كما صرح به في جامع المقاصد و يمكن الاستدلال على الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة- فإن قيام العين و إن لم يناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف كما اعترف به بعضهم في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين إلا أن الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب و خياطته و صبغه ما يقابل تغير الأوصاف و النقص الحاصل و لو لم يوجب أرشا كصبغ الثوب و خياطته. نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة كالثمن و تعلم الصنعة لكنه يندفع بأن الظاهر من قيام العين بقاؤه بمعنى أن لا ينقص ماليته لا بمعنى أن لا يزيد و لا ينقص كما لا يخفى على المتأمل.

المكاسب، ج 3، ص 258

و استدل العلامة في التذكرة على أصل الحكم قبل المرسلة بأن العيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع فيكون مضمونا على المشتري فيسقط رده للنقص الحاصل في يده فإنه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق أولى من تحمل المشتري له للعيب الحادث هذا و لكن المرسلة لا تشمل جميع أفراد النقص مثل نسيان الدابة للطحن و شبهه و الوجه المذكور في التذكرة قاصر عن إفادة المدعى لأن المرجع بعد عدم الأولوية من أحد الطرفين إلى أصالة ثبوت الخيار و عدم ما يدل على سقوطه غاية الأمر أنه لو كان الحادث عيبا كان عليه الأرش للبائع إذا رده كما إذا تقايلا أو فسخ أحدهما بخياره بعد تعيب العين أما مثل نسيان الصنعة و شبهه فلا يوجب أرشا بل يرده لأن النقص حدث في ملكه و إنما يضمن وصف الصحة لكونه كالجزء التالف فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله. نعم لو علل الرد بالعيب القديم بكون الصبر على المعيب ضررا أمكن أن يقال إن تدارك ضرر المشتري بجواز الرد مع تضرر البائع بالصبر على العيب الحادث مما لا يقتضيه قاعدة نفي الضرر لكن العمدة في دليل الرد هو النص و الإجماع فاستصحاب الخيار عند الشك في المسقط لا بأس به إلا أن الإنصاف أن المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ و الخياطة هو إناطة الحكم بمطلق النقص. توضيح ذلك أن المراد بقيام العين هو ما يقابل الأعم من تلفها و تغيرها على ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة على ذلك لكن المراد من التغير هو الموجب للنقص لا الزيادة لأن مثل السمن لا يمنع الرد قطعا. و المراد بالنقص هو الأعم من العيب الموجب للأرش فإن النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة إنما هو لتعلق حق المشتري بالثوب من جهة الصبغ و الخياطة و هذا ليس عيبا اصطلاحيا و دعوى اختصاصه بالتغير الخارجي الذي هو مورد الأمثلة فلا يعم مثل نسيان الدابة للطحن يدفعه أن المقصود مجرد النقص مع أنه إذا ثبت الحكم في النقص الحادث و إن لم يكن عيبا اصطلاحيا ثبت في المغير و غيره للقطع بعدم الفرق فإن المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز رد العين إلا مع أرشه و كونه مجرد نقص لا يوجب أرشا كنسيان الكتابة و الطحن أما الفرق في أفراد النقص غير الموجب للأرش بين مغير العين حسا و غيره فلا مجال لاحتماله ثم إن ظاهر المفيد في المقنعة المخالفة في أصل المسألة- و أن حدوث العيب لا يمنع من الرد لكنه شاذ على الظاهر ثم مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله فلا يثبت بعد زواله لعدم الدليل على الثبوت بعد السقوط. قال في التذكرة عندنا أن العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب السابق سواء زال أم لا لكن في التحرير لو زال العيب الحادث عند المشتري و لم يكن بسببه كان له الرد و لا أرش عليه انتهى. و لعل وجهه أن الممنوع هو رده معيوبا لأجل تضرر البائع و ضمان المشتري لما يحدث و قد انتفى الأمران و لو رضي البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور جاز الرد كما في الدروس و غيره لأن عدم الجواز لحق البائع و إلا فمقتضى قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب غاية الأمر ثبوت قيمة العيب و إنما منع من الرد هنا للنص و الإجماع أو للضرر. و مما ذكرنا يعلم أن المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الأرش الذي يغرمه البائع للمشتري عند عدم الرد لأن العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد ثم إن صريح المبسوط أنه لو رضي البائع بأخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالأرش و هذا أحد المواضع التي أشرنا في أول المسألة إلى تصريح الشيخ فيها بأن الأرش مشروط باليأس من الرد و ينافيه إطلاق الأخبار بأخذ الأرش.

تنبيه [هل تبعض الصفقة مانع من الرد]
اشارة

ظاهر التذكرة و الدروس أن من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة على البائع. و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة أن التعدد المتصور فيه التبعض إما في أحد العوضين و إما في البائع و إما في المشتري. فالأول كما إذا اشترى شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من بائع واحد فظهر بعضه معيبا و كذا لو باع شيئا بثمن فظهر بعض الثمن معيبا. و الثاني كما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا فظهر معيبا و أراد المشتري أن يرد على أحدهما نصيبه دون الآخر. و الثالث كما إذا اشترى اثنان من واحد شيئا فظهر معيبا فاختار أحدهما الرد دون الآخر و ألحق بذلك الوارثان لمشتري واحد للمعيب و أما التعدد في الثمن بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن و بعضه الآخر بثمن آخر فلا إشكال في كون هذا عقدين و لا إشكال في جواز التفريق بينهما

[التعدد في العوض]

أما الأول فالمعروف أنه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الإجماع عليه- لأن المردود إن كان جزء مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة و إن كان معينا فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه و كل منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح فهو أولى بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن و هذا الضرر و إن أمكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة إلا أنه يوجب الضرر على المشتري- إذ قد يتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح و يدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة الثوب و الصبغ فإن المانع فيهما ليس إلا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة لا مجرد تغير الهيئة و لذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد قطعا. و قد يستدل بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع جوابه بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لا كل جزء منه لا أقل من الشك لعدم إطلاق موثوق به و الأصل اللزوم. و فيه مضافا إلى أن اللازم من ذلك- عدم جواز رد المعيب منفردا و إن رضي البائع لأن المنع حينئذ لعدم المقتضي للخيار في الجزء لا لوجود المانع عنه و هو لزوم الضرر على البائع حتى ينتفي برضا البائع أنه لا يشك أحد في أن دليل هذا الخيار- كغيره من أدلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع لا كل جزء و لذا لم يجوز أحد تبعيض ذي الخيار أجزاء ماله فيه الخيار و لم يحتمل هنا أحد رد الصحيح دون المعيب و إنما وقع الإشكال في أن محل الخيار هو هذا الشي ء المعيوب غاية الأمر أنه يجوز رد الجزء الصحيح معه لئلا تتبعض

المكاسب، ج 3، ص 259

الصفقة عليه و إما لقيام الإجماع على جواز رده و إما لصدق المعيوب على المجموع كما تقدم أو أن محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد لكونه معيوبا و لو من حيث بعضه. و بعبارة أخرى الخيار المسبب عن وجود الشي ء المعيوب في الصفقة نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو سبب للخيار أم لا بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة في الرد في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتصف بالعيب نظير أخبار خيار الحيوان و هذا المقدار لا يدل على حكم ما لو انضم المعيب إلى غيره بل قد يدل كأخبار خيار الحيوان على اختصاص الخيار بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه أو جزئه الحقيقي كبعض الثوب لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محل الكلام. و منه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل إذا كان الشي ء قائما بعينه لأن المراد بالشي ء هو المعيب و لا شك في قيامه هنا بعينه. و بالجملة فالعمدة في المسألة مضافا إلى ظهور الإجماع ما تقدم من أن مرجع جواز الرد منفردا إلى إثبات سلطنة للمشتري على الجزء الصحيح من حيث إمساكه ثم سلب سلطنته عنه بخيار البائع و منع سلطنته على الرد أولا أولى و لا أقل من التساوي فيرجع إلى أصالة اللزوم و الفرق بينه و بين خيار الحيوان الإجماع كما أن للشفيع أن يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة. و بالجملة فالأصل كاف في المسألة ثم إن مقتضى ما ذكروه من إلحاق تبعض الصفقة بالعيب الحادث أنه لو رضي البائع بتبعض الصفقة جاز الرد كما في التذكرة معللا بأن الحق لا يعدوهما و هذا مما يدل على أن محل الخيار هو الجزء المعيب إلا أنه منع من رده نقصه بالانفراد عن باقي المبيع إذ لو كان محله المجموع لم يجز رد المعيب وحده إلا بالتفاسخ و معه يجوز رد الصحيح منفردا أيضا.

و أما الثاني و هو تعدد المشتري

و أما الثاني و هو تعدد المشتري

بأن اشتريا شيئا واحدا فظهر فيه عيب فإن الأقوى فيه عدم جواز انفراد أحدهما على المشهور كما عن جماعة و استدل عليه في التذكرة و غيرها بأن التشقيص عيب مانع من الرد- خلافا للمحكي عن الشيخ في باب الشركة- و الإسكافي و القاضي و الحلي و صاحب البشرى فجوزوا الافتراق. و في التذكرة ليس عندي فيه بعد إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقصا فالشركة حصلت بإيجابه و قواه في الإيضاح لما تقدم من التذكرة و ظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشتري و استجوده في التحرير- و قواه في جامع المقاصد و صاحب المسالك. و قال في المبسوط إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يرداه و كان لهما أن يمسكاه فإن أراد أحدهما الرد و الآخر الإمساك كان لهما ذلك ثم قال و لو اشترى أحد الشريكين للشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يردا و أن يمسكا فإن أراد أحدهما الرد و الآخر الإمساك نظر فإن أطلق العقد و لم يخبر البائع أنه قد اشترى للشركة لم يكن له الرد لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه فإذا ادعى أنه اشتراه له و لشريكه فقد ادعى خلاف الظاهر فلم يقبل قوله و كان القول قول البائع مع يمينه إلى أن قال و إن أخبر البائع بذلك قيل فيه وجهان أحدهما و هو الصحيح أن له الرد لأن الملك بالعقد وقع لاثنين فقد علم البائع أنه يبيعه من اثنين و كان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر و قيل فيه وجه آخر و هو أنه ليس له الرد لأن القبول في العقد كان واحدا انتهى. و ظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد واحدا من اثنين أما إذا تحقق القبول من الشريكين فلا كلام في جواز الافتراق ثم الظاهر منه مع اتحاد القبول التفصيل بين علم البائع و جهله لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطي التفصيل بين كون القبول في الواقع لاثنين أو لواحد فإنه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم إخبار المشتري بالاشتراك بأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه لا بعدم علم البائع بالتعدد و كذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البينة من المشتري على أن الشراء بالاشتراك دليل على أنه يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد في الواقع بالبينة و إن لم يعلم به البائع إلا أن يحمل اليمين على يمين البائع على نفي العلم و يراد من البينة البينة على إعلام المشتري للبائع بالتعدد و كيف كان فمبنى المسألة على ما يظهر من كلام الشيخ على تعدد العقد بتعدد المشتري و وحدته و الأقوى في المسألة عدم جواز الافتراق مطلقا لأن الثابت من الدليل هنا خيار واحد متقوم باثنين فليس لكل منهما الاستقلال و لا دليل على تعدد الخيار هنا إلا إطلاق الفتاوى و النصوص من أن من اشترى معيبا فهو بالخيار الشامل لمن اشترى جزء من المعيب لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه إلى غير المقام و لو سلمنا الظهور لكن لا ريب في أن رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه بل ليس قائما بعينه و لو بفعل الممسك لحصته و هو مانع من الرد و من ذلك يعلم قوة المنع و إن قلنا بتعدد العقد. و ما ذكروه تبعا للتذكرة من أن التشقيص حصل بإيجاب البائع فيه أنه أخرجه غير مبعض و إنما تبعض بالإخراج و المقصود حصوله في يد البائع كما كان قبل الخروج و خلاف ذلك ضرر عليه و علم البائع بذلك ليس فيه إقدام على الضرر إلا على تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض و هو محل الكلام. و الحاصل أن الفرق بين هذه المسألة و المسألة الأولى غير وجيه

و أما الثالث و هو تعدد البائع

فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق إذ لا ضرر على البائع بالتفريق و لو اشترى اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد اشترى كل من كل ربعا فإن أراد أحدهما رد ربع إلى أحد البائعين دخل في المسألة الثالثة و لذا لا يجوز لأن المعيار تبعض الصفقة على البائع الواحد.

مسألة يسقط الأرش دون الرد في موضعين
أحدهما إذا اشترى ربويا بجنسه فظهر عيب في أحدهما فلا أرش حذرا من الربا

و يحتمل جواز أخذ الأرش و نفى عنه البأس في التذكرة بعد أن حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية موجها له بأن المماثلة في مال الربا إنما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت و الأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد

المكاسب، ج 3، ص 260

السابق انتهى. ثم ذكر أن الأقرب أنه يجوز أخذ الأرش من جنس العوضين لأن الجنس لو امتنع أخذه لامتنع أخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شي ء آخر انتهى. و عن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض أصحابنا المتقدم على العلامة و حاصل وجهه أن صفة الصحة لم تقابل بشي ء من الثمن حتى يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة أنقص منه قدرا بل لم تقابل بشي ء أصلا و لو من غير الثمن و إلا لثبت في ذمة البائع و إن لم يختر المشتري الأرش بل الصحة وصف التزمه البائع في المبيع من دون مقابلته بشي ء من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع إلا أن الشارع جوز للمشتري مع تبين فقده أخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من الثمن أو غيره و هذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع هذا و لكن يمكن أن يدعى أن المستفاد من أدلة تحريم الربا و حرمة المعاوضة إلا مثلا بمثل بعد ملاحظة أن الصحيح و المعيب جنس واحد أن وصف الصحة في أحد الجنسين كالمعدوم لا يترتب على فقده استحقاق عوض و من المعلوم أن الأرش عوض وصف الصحة عرفا و شرعا فالعقد على المتجانسين لا يجوز أن يصير سببا لاستحقاق أحدهما على الآخر زائدا على ما يساوي الجنس الآخر. و بالجملة فبناء معاوضة المتجانسين على عدم وقوع مال في مقابل الصحة المفقودة في أحدهما و المسألة في غاية الإشكال و لا بد من مراجعة أدلة الربا و فهم حقيقة الأرش و سيجي ء بعض الكلام فيه إن شاء الله تعالى

الثاني ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة

فإنه لا يتصور هنا أرش حتى يحكم بثبوته و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد و قد يناقش في ذلك بأن الخصاء موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة و إنما يرغب في الخصي قليل من الناس لبعض الأغراض الفاسدة أعني عدم تستر النساء منه فيكون واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته و هذا المقدار لا يوجب زيادة في أصل المالية فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره لكن الإنصاف أن الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيرا لا نادرا بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لو لا هذا الغرض صح أن يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصي فكان هذا الغرض صار غرضا مقصودا متعارفا و صحة الغرض و فساده شرعا لا دخل لها في المالية العرفية كما لا يخفى. و بالجملة فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه سواء كان من جهة أغراض أنفسهم أم من جهة بيعه على من له غرض فيه مع كثرة ذلك المشتري و عدم ندرته بحيث يلحق بالاتفاقيات.

مسألة يسقط الرد و الأرش معا بأمور.
أحدها العلم بالعيب قبل العقد

بلا خلاف و لا إشكال لأن الخيار إنما ثبت مع الجهل و قد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة و فيه نظر و حيث لا يكون العيب المعلوم سببا لخيار فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص الذي له أحكام خاصة فسد الشرط و أفسد لكونه مخالفا للشرع و لو أراد به مجرد الخيار كان من خيار الشرط و لحقه أحكامه لا أحكام خيار العيب.

الثاني تبري البائع عن العيوب
اشارة

إجماعا في الجملة على الظاهر المصرح به في محكي الخلاف و الغنية و نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع و الأصل في الحكم قبل الإجماع- مضافا إلى ما في التذكرة من أن الخيار إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح البائع بالبراءة فقد ارتفع إطلاق صحيحة زرارة المتقدمة- و مكاتبة جعفر بن عيسى الآتية- و مقتضى إطلاقهما كمعقد الإجماع المحكي عدم الفرق بين التبري تفصيلا و إجمالا- و لا بين العيوب الظاهرة و الباطنة لاشتراك الكل في عدم المقتضي للخيار مع البراءة خلافا للمحكي في السرائر عن بعض أصحابنا من عدم كفاية التبري إجمالا. و عن المختلف نسبه إلى الإسكافي و قد ينسب إلى صريح آخر كلام القاضي المحكي في المختلف مع أن المحكي عن كامل القاضي موافقة المشهور. و في الدروس نسب المشهور إلى أشهر القولين ثم إن ظاهر الأدلة هو التبري من العيوب الموجودة حال العقد و أما التبري من العيوب المتجددة الموجبة للخيار فيدل على صحته و سقوط الخيار به عموم المؤمنون عند شروطهم. قال في التذكرة بعد الاستدلال بعموم المؤمنون لا يقال إن التبري مما لم يوجد يستدعي البراءة مما لم يجب لأنا نقول إن التبري إنما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد لا من العيب انتهى. أقول المفروض أن الخيار لا يحدث إلا بسبب حدوث العيب و العقد ليس سببا لهذا الخيار فإسناد البراءة إلى الخيار لا ينفع. و قد اعترف قدس سره في بعض كلماته بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية بعد العقد و قبل الرؤية. نعم ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في العقد لكنه مخالف لسائر كلماته و كلمات غيره كالشهيد و المحقق الثاني. و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب و البراءة من خيار الرؤية بل الغرر في الأول أعظم إلا أنه لما قام النص و الإجماع على صحة التبري من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته مع إمكان الفرق بين العيوب و الصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع الغرر في الأول بالاعتماد على أصالة السلامة فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها بخلاف الثاني فإن الغرر لا يندفع فيه إلا بالتزام البائع بوجودها فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر. و أما البراءة عن العيوب المتجددة فلا يلزم من اشتراطها غرر في البيع حتى يحتاج إلى دفع الغرر بأصالة عدمها لأنها غير موجودة بالفعل في المبيع حتى يوجب جهالة

ثم إن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلى أمور
الأول عهدة العيوب

و معناه تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه إلى عدم التزام سلامته فلا يترتب على ظهور العيب رد و لا أرش فكأنه باعه على كل تقدير.

الثاني ضمان العيب

و هذا أنسب بمعنى البراءة و مقتضاه عدم ضمانه بمال فتصير الصحة كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع لا يوجب إلا تخييرا بين الرد و الإمضاء مجانا و مرجع ذلك إلى إسقاط أرش العيوب في عقد البيع لا خيارها.

الثالث حكم العيب

و معناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضى العقد بسبب العيب

و الأظهر في العرف هو المعنى الأول و الأنسب بمعنى البراءة هو الثاني و قد تقدم عن التذكرة المعنى الثالث و هو بعيد عن اللفظ إلا أن يرجع إلى المعنى الأول و الأمر سهل

ثم إن تبرأ البائع عن المعيوب مطلقا أو عن عيب خاص إنما يسقط تأثيره من حيث الخيار

أما سائر أحكامه فلا فلو تلف بهذا العيب في أيام خيار المشتري لم يزل

المكاسب، ج 3، ص 261

ضمان البائع لعموم النص لكن في الدروس أنه لو تبرأ من عيب فتلف به في زمن خيار المشتري فالأقرب عدم ضمان البائع- و كذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده و تلف في زمان خيار المشتري و يحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه و أقوى إشكالا ما لو تلف به و بعيب آخر تجدد في الخيار انتهى كلامه رفع مقامه

ثم إن هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الأرش بها
منها زوال العيب قبل العلم به

كما صرح به في غير موضع من التذكرة. و مال إليه في جامع المقاصد و اختاره في المسالك بل و كذا لو زال بعد العلم به قبل الرد و هو ظاهر التذكرة حيث قال في أواخر فصل العيوب لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم اقبضه و قد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه و سبق العيب لا يوجب خيارا كما لو سبق على العقد ثم زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد انتهى. و هو صريح في سقوط الرد و ظاهر في سقوط الأرش- كما لا يخفى على المتأمل خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد و الأرش معا على زوال العيب حيث قال لو اشترى عبدا أو حدث في يد المشتري نكتة بياض في عينه و وجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما فقال البائع الزائلة هي القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يتحالفان إلى آخر ما حكاه عن الشافعي و كيف كان ففي سقوط الرد بزوال العيب وجه لأن ظاهر أدلة الرد خصوصا بملاحظة أن الصبر على العيب ضرر هو رد المعيوب و هو المتلبس بالعيب لا ما كان معيوبا في زمان فلا يتوهم هنا استصحاب الخيار. و أما الأرش فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة عند العقد فقد استقر بالعقد خصوصا بعد العلم بالعيب و الصحة إنما حدثت في ملك المشتري فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلى دليل فالقول بثبوت الأرش و سقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا مخالفا للإجماع و لم أجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده. نعم هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي و هو أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد لكن عرفت مرارا أن المرجع في ذلك هي الأدلة و لا منشأ لهذه القاعدة.

و منها التصرف بعد العلم بالعيب

فإنه مسقط للأمرين عند ابن حمزة في الوسيلة و لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب و النص المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم و رد بأنه دليل الرضا بالمبيع لا بالعيب- و الأولى أن يقال إن الرضا بالعيب لا يوجب إسقاط الأرش و إنما المسقط له إبراء البائع عن عهدة العيب و حيث لم يدل التصرف عليه فالأصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف مع أن اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع فليراجع.

و منها التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب

كالبغل الخصي بل العبد الخصي على ما عرفت فإن الأرش منتف لعدم تفاوت القيمة- و الرد لأجل التصرف. و قد يستشكل فيه من حيث لزوم الضرر على المشتري بصبره على المعيب و فيه أن العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض فلا بأس بأن يكون الخيار فيه كالثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرف مع عدم أرش فيه و حله أن الضرر إما أن يكون من حيث القصد إلى ما هو أزيد مالية من الموجود و إما أن يكون من حيث القصد إلى خصوصية مفقودة في العين مع قطع النظر عن قيمته و الأول مفروض الانتفاء و الثاني قد رضي به و أقدم عليه المشتري بتصرفه فيه بناء على أن التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبين عدمها فيه إلا أن يقال إن المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو مورد ثبوت الأرش و إلا فمقتضى القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف كما في غير العيب و التدليس من أسباب الخيار خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه منزلة الأوصاف المشترطة التي لا يوجب فواتها أرشا فإن خيار التخلف فيها لا يسقط بالتصرف كما صرح به نعم لو اقتصر في التصرف المسقط على ما يدل على الرضا كان مقتضى عموم ما تقدمه سقوط الرد بالتصرف مطلقا.

و منها حدوث العيب في المعيب المذكور

و الاستشكال هنا بلزوم الضرر في محله فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا له لأن الصحة في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في المبيع التي لا يوجب فواتها أرشا و النص الدال على اشتراط الرد بقيام العين و هي المرسلة المتقدمة مختص بمورد إمكان تدارك ضرر الصبر على المعيب بالأرش و الإجماع فيما نحن فيه غير متحقق مع ما عرفت من مخالفة المفيد في أصل المسألة هذا كله مضافا إلى أصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب و هي المرجع بعد معارضة الضرر المذكور و يتضرر البائع بالفسخ و نقل المعيب إلى ملكه بعد خروجه عن ملكه سليما عن هذا العيب و كيف كان فلو ثبت الإجماع أو استفيض بنقله على سقوطه الرد بحدوث العيب و التغيير على وجه يشمل المقام و إلا فسقوط الرد هنا محل نظر بل منع.

و منها ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب

الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه لأجل الربا. أما المانع الأول فالظاهر أن حكمه كما تقدم في المعيب الذي لا ينقص ماليته فإن المشتري لما أقدم على معاوضة أحد الربويين بالآخر أقدم على عدم مطالبة مال زائد على ما يأخذه بدلا عن ماله و إن كان المأخوذ معيبا فيبقى وصف الصحة كسائر الأوصاف التي لا يوجب اشتراطها إلا جواز الرد بلا أرش فإذا تصرف فيه خصوصا بعد العلم تصرفا دالا على الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم العقد كما في خيار التدليس بعد التصرف نعم التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط كما تقدم. و أما المانع الثاني فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد أيضا و هو مبني على عموم منع العيب الحادث من الرد حتى في صورة عدم جواز أخذ الأرش. و قد عرفت النظر فيه و ذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد و هو أنه لو رد فإما أن يكون مع أرش العيب الحادث و إما أن يرد بدونه فإن رده بدونه كان ضررا على البائع و إن رد مع الأرش لزم الربا قال لأن المردود حينئذ يزيد على وزن عوضه و الظاهر أن مراده من ذلك أن رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة و مقتضى المعاوضة بين الصحيح و المعيب من جنس واحد أن لا يضمن وصف الصحة بشي ء إذ لو جاز ضمانه لجاز أخذ المشتري الأرش فيما نحن فيه فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال فإذا حصل

المكاسب، ج 3، ص 262

الفسخ وجب تراد العوضين من غير زيادة و لا نقيصة و لذا يبطل التقايل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة في أحد العوضين فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن عليه إلا رد ما قابله لا غير فإن رد إلى البائع قيمة العيب الحادث عنده كما هو الحكم في غير الربويين إذا حصل العيب عنده لم يكن ذلك إلا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه بجزء من الثمن فيلزم وقوع الثمن بإزاء مجموع المثمن و وصف صحته- فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا فمراد العلامة رحمه الله بلزوم الربا إما لزوم الربا في أصل المعاوضة إذ لو لا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة و قيمتها عند استرداد الثمن و إما لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن و زيادة و الأول أولى و مما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا بأن قيمة العيب الحادث غرامة لما فات في يده مضمونا عليه نظير المقبوض بالسوم إذا حدث فيه العيب فلا ينضم إلى المثمن حتى يصير أزيد من الثمن. إذ فيه وضوح الفرق فإن المقبوض بالسوم إنما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض و العيب الحادث في المبيع لا يتصور ضمان المشتري له إلا بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع و تلف وصف الصحة منه في يد المشتري فإذا فرض أن صفة الصحة لا يقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد الكتابة لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها. و الحاصل أن البائع لا يستحق من المشتري إلا ما وقع مقابلا بالثمن و هو نفس المثمن من دون اعتبار صحته جزء فكأنه باع عبدا كاتبا فقبضه المشتري ثم فسخ أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة نعم هذا يصح في غير الربويين لأن وصف الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحة ثم إن صريح جماعة من الأصحاب عدم الحكم على المشتري بالصبر على المعيب مجانا فيما نحن فيه فذكروا في تدارك ضرر المشتري وجهين اقتصر في المبسوط على حكايتهما. أحدهما جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث لما تقدم إليه الإشارة من أن أرش العيب الحادث في يد المشتري نظير أرش العيب الحادث في المقبوض بالسوم في كونها غرامة تالف مضمون على المشتري لا دخل له في العوضين حتى يلزم الربا الثاني أن يفسخ البيع لتعذر إمضائه و إلزام المشتري ببدله من غير الجنس- معيبا بالعيب القديم و سليما عن الجديد و يجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا أرش و مع الأرش و اختار في الدروس تبعا للتحرير الوجه الأول مشيرا إلى تضعيف الثاني بقوله لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل و تبعه المحقق الثاني معللا بأن الربا ممنوعة في المعاوضات لا في الضمانات و أنه كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام و إن كانت ربوية فكما لا يعد هنا ربا فكذا لا يعد في صورة النزاع. أقول قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه و بين أرش عيب المقبوض بالسوم فإنه يحدث في ملك مالكه بيد قابضه و العيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشتري و لا يقدر في ملك البائع إلا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن إلى المشتري و المفروض عدم المقابلة بين شي ء منه و بين صحة البيع.

و منها تأخير الأخذ بمقتضى الخيار

فإن ظاهر الغنية إسقاطه للرد و الأرش كليهما حيث جعل المسقطات خمسة التبري و الرضا بالعيب و تأخير الرد مع العلم لأنه على الفور بلا خلاف و لم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الأرش ثم ذكر حدوث العيب و قال ليس له هاهنا إلا الأرش ثم ذكر التصرف و حكم فيه بالأرش فإن في إلحاق الثالث بالأولين في ترك ذكر الأرش فيه ثم ذكره في الأخيرين و قوله ليس له هاهنا ظهورا في عدم ثبوت الأرش بالتأخير و هذا أحد القولين منسوب خبر بعد خبر إلى الشافعي و لعله لأن التأخير دليل الرضا و يرده بعد تسليم الدلالة أن الرضا بمجرده لا يوجب سقوط الأرش كما عرفت في التصرف نعم سقوط الرد وحده له وجه كما هو صريح المبسوط و الوسيلة على ما تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط و يحتمله أيضا عبارة الغنية المتقدمة- بناء على ما تقدم في سائر الخيارات- من لزوم الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم على المتيقن السالمة عما يدل على التراخي عدا ما في الكفاية من إطلاق الأخبار و خصوص بعضها و فيه أن الإطلاق في مقام بيان أصل الخيار و أما الخبر الخاص فلم أقف عليه و حينئذ فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم للأصل لا يخلو عن قوة مع ما تقدم من نفي الخلاف في الغنية في كونه على الفور و لا يعارضه ما في المسالك و الحدائق من أنه لا نعرف فيه خلافا لأنا عرفناه و لذا جعله في التذكرة أقرب و كذا ما في الكفاية من عدم الخلاف لوجود الخلاف نعم في الرياض أنه ظاهر أصحابنا المتأخرين كافة و التحقيق رجوع المسألة إلى اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام و عدمه. و لذا لم يتمسك في التذكرة للتراخي إلا به و إلا فلا يحصل من فتوى الأصحاب إلا الشهرة بين المتأخرين المستندة إلى الاستصحاب و لا اعتبار بمثلها. و إن قلنا بحجية الشهرة أو حكاية نفي الخلاف من باب مطلق الظن لعدم الظن كما لا يخفى و الله العالم.

مسألة [هل يجب الإعلام بالعيب]

مسألة [هل يجب الإعلام بالعيب]

قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا و كان المشتري بالخيار انتهى. و مثله ما عن الخلاف و في موضع آخر من المبسوط وجب عليه أن يبينه و لا يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب و الأول أحوط و نحوه عن فقه الراوندي و مثلهما في التحرير و زاد الاستدلال عليه بقوله لئلا يكون غاشا- و ظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلي و الخفي و صريح التذكرة و السرائر كظاهر الشرائع الاستحباب مطلقا. و ظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفي و الجلي فيجب في الأول مطلقا كما هو ظاهر جماعة أو مع عدم التبري كما في الدروس فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة أقوال و الظاهر ابتناء الكل على دعوى صدق الغش و عدمه و الذي يظهر من ملاحظة العرف و اللغة في معنى الغش أن كتمان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع غش فإن الغش كما يظهر من اللغة خلاف النصح أما العيب الظاهر فالظاهر أن ترك إظهاره ليس غشا نعم لو أظهر سلامته عنه على وجه يعتمد عليه كما إذا فتح قرآنا بين يدي العبد الأعمى مظهرا أنه بصير يقرأ فاعتمد المشتري على ذلك و أهمل اختباره كان غشا. قال في التذكرة في رد استدلال الشافعي على وجوب إظهار العيب مطلقا بالغش إن الغش ممنوع بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري و تبينه و التقصير في

المكاسب، ج 3، ص 263

ذلك من المشتري انتهى. و يمكن أن يحمل بقرينة ذكر التقصير على العيب الظاهر كما أنه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدمة المشتملة على لفظ الكتمان و على الاستدلال بالغش على العيب الخفي بل هذا الجمع ممكن في كلمات الأصحاب مطلقا و من أقوى الشواهد على ذلك أنه حكى عن موضع من السرائر أن كتمان العيوب مع العلم بها حرام و محظور بغير خلاف مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه فلاحظ ثم التبري من العيوب هل يسقط وجوب الإعلام في مورده كما عن المشهور أم لا فيه إشكال نشأ من دعوى صدق الغش. و من أن لزوم الغش من جهة ظهور إطلاق العقد في التزام البائع بالصحة فإذا تبرأ من العيوب ارتفع الظهور أو من جهة إدخال البائع للمشتري فيما يكرهه عامدا و التبري لا يرفع اعتماد المشتري على أصالة الصحة فالتعزير إنما هو لترك ما يصرفه عن الاعتماد على الأصل و الأحوط الإعلام مطلقا كما تقدم من المبسوط ثم إن المذكور في جامع المقاصد و المسالك و عن غيرهما أنه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه و الآخر مجهول إلا أن يقال إن جهالة الجزء غير مانعة إن كانت الجملة معلومة كما لو ضم ماله و مال غيره و باعهما ثم ظهر البعض مستحقا فإن البيع لا يبطل في ملكه و إن كان مجهولا قدره وقت العقد انتهى. أقول الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن و لا يخرجه عن حقيقته كالملح الزائد في الخبز فلا وجه للإشكال المذكور نعم لو فرض المزج على وجه يوجب تعيب الشي ء من دون أن يستهلك فيه بحيث يخرج عن حقيقته إلى حقيقة ذلك الشي ء توجه ما ذكروه في بعض الموارد

مسائل في اختلاف المتبايعين
اشارة

مسائل في اختلاف المتبايعين

و هو تارة في موجب الخيار- و أخرى في مسقطة و ثالثة في الفسخ.

أما الأول [الاختلاف في موجب الخيار]
اشارة

ففيه مسائل

الأولى لو اختلفا في تعيب المبيع و عدمه مع تعذر ملاحظته لتلف أو نحوه

فالقول قول المنكر بيمينه.

الثانية لو اختلفا في كون الشي ء عيبا و تعذر تبين الحال لفقد أهل الخبرة

كان الحكم كسابقه نعم لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في الرد دون الأرش لأصالة البراءة.

الثالثة لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك
اشارة

بأن حدث بعد القبض و انقضاء الخيار كان القول قول منكر تقدمه للأصل حتى لو علم تاريخ الحدوث و جهل تاريخ العقد لأن أصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد على المعيب. و عن المختلف أنه حكى عن ابن الجنيد أنه إن ادعى البائع أن العيب حدث عند المشتري حلف المشتري إن كان منكرا انتهى. و لعله لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود و عدم استحقاقه الثمن كلا و عدم لزوم العقد نظير ما إذا ادعى البائع تغير العين عند المشتري و أنكر المشتري. و قد تقدم في محله هذا إذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا يمكن عادة حصوله بعد وقت ضمان المشتري أو تقدمه عليه و إلا عمل عليها من غير يمين. قال في التذكرة و لو أقام أحدهما بينة عمل بها ثم قال و لو أقاما بينة عمل ببينة المشتري لأن القول قول البائع لأنه ينكر فالبينة على المشتري و هذا منه مبني على سقوط اليمين عن المنكر بإقامة البينة و فيه كلام في محله و إن كان لا يخلو عن قوة و إذا حلف البائع فلا بد من حلفه على عدم تقدم العيب- أو نفي استحقاق الرد أو الأرش إن كان قد اختبر المبيع و اطلع على خفايا أمره كما يشهد بالإعسار و العدالة و غيرهما مما يكتفى فيه بالاختبار الظاهر. و لو لم يختبر ففي جواز الاستناد في ذلك إلى أصالة عدمه إذا شك في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد و حكى عن جماعة كما يحلف على طهارة المبيع استنادا إلى الأصل و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه بأن المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة ما يعم غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي كما أن المراد بالملكية و الزوجية ما استند إلى سبب شرعي ظاهري كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف على ملكية ما أخذ من يد المسلمين. و في التذكرة بعد ما حكى عن بعض الشافعية جواز الاعتماد على أصالة السلامة في هذه الصورة قال و عندي فيه نظر أقربه الاكتفاء بالحلف على نفي العلم و استحسنه في المسالك قال لاعتضاده بأصالة عدم التقدم فيحتاج المشتري إلى إثباته و قد سبقه إلى ذلك في الميسية و تبعه في الرياض. أقول إن كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في إسقاط أصل الدعوى بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه إشكال- نعم لو أريد سقوط الدعوى إلى أن تقوم البينة فله وجه و إن استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفى بذلك منه فيرد الحاكم اليمين على المشتري فيحلف و هذا أوفق بالقواعد. ثم الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم على القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار على البت قولا واحدا. لكن الظاهر أن المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلى يمين نفي العلم إذ مع الاختبار بتمكن من الحلف على البت فلا حاجة إلى عنوان مسألة اليمين على نفي العلم لا أن اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار فافهم.

فرع لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد

رده على الموكل لأنه المالك و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أمر به فلا عهدة عليه و لو اختلف الموكل و المشتري في قدم العيب و حدوثه فيحلف الموكل على عدم التقدم كما مر و لا يقبل إقرار الوكيل بقدمه لأنه أجنبي و إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل عن إقامة البينة فادعى على الوكيل بقدم العيب فإن اعترف الوكيل بالتقدم لم يملك الوكيل رده على الموكل لأن إقرار الوكيل بالسبق دعوى بالنسبة إلى الموكل لا يقبل إلا بالبينة فله إحلاف الموكل على عدم السبق لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله عليه مع إنكاره اليمين و لو رد اليمين على الوكيل فحلف على السبق ألزم الموكل و لو أنكر الوكيل التقدم حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف و لم يتمكن من الرد على الموكل لأنه لو أقر رد عليه و هل للمشتري تحليف الموكل لأنه مقر بالتوكيل الظاهر لا لأن دعواه على الوكيل يستلزم إنكار وكالته و على الموكل يستلزم الاعتراف به- و احتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذة له بإقراره ثم إذا لم يحلف الوكيل و نكل فحلف المشتري اليمين المردودة و رد العين على الوكيل فهل للوكيل ردها على الموكل أم لا وجهان بناهما في القواعد على كون اليمين المردودة كالبينة فينفذ في حق الموكل أو كإقرار المنكر فلا ينفذ و تنظر فيه في جامع المقاصد بأن كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل على الموكل لأن الوكيل معترف بعدم سبق العيب فلا تنفعه البينة القائمة على السبق الكاذبة باعترافه قال

المكاسب، ج 3، ص 264

اللهم إلا أن يكون إنكاره لسبق العيب استنادا إلى الأصل بحيث لا يتنافى ثبوته و لا دعوى ثبوته كأن يقول لا حق لك علي في هذه الدعوى إذ ليس في المبيع عيب ثبت لك به الرد علي فإنه لا تمنع حينئذ تخريج المسألة على القولين المذكورين انتهى. و في مفتاح الكرامة أن اعتراضه مبني على كون اليمين المردودة كبينة الراد و المعروف بينهم أنه كبينة المدعي أقول كونه كبينة لا ينافي عدم نفوذها للوكيل المكذب لها على الموكل و تمام الكلام في محله.

الرابعة لو رد سلعة بالعيب فأنكر البائع أنها سلعته

قدم قول البائع كذا في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد لأصالة عدم حق له عليه و أصالة عدم كونها سلعته و هذا بخلاف ما لو ردها بخيار فأنكر كونها له فاحتمل هنا في التذكرة و القواعد تقديم قول المشتري و نسبه في التحرير إلى القيل لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بعد أن احتمل مساواتها للمسألة الأولى أقول النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في الخيار و مع الاتفاق عليه كما لا يخفى لكن ظاهر المسألة الأولى كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئا عن كون السلعة هذه السلعة المعيوبة أو غيرها و الحكم تقديم قول البائع مع يمينه. و أما إذا اتفقا على الخيار و اختلفا في السلعة فلذي الخيار حينئذ الفسخ من دون توقف على كون هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها فإذا فسخ و أراد رد السلعة فأنكرها البائع فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها. نعم استدل عليه في الإيضاح بعد ما قواه بأن الاتفاق منهما على عدم لزوم البيع و استحقاق الفسخ و الاختلاف في موضعين أحدهما خيانة المشتري فيدعيها البائع بتغير السلعة و المشتري ينكرها و الأصل عدمها. الثاني سقوط حق الخيار الثابت للمشتري فالبائع يدعيه و المشتري ينكره و الأصل بقاؤه و تبعه في الدروس حيث قال لو أنكر البائع كون المبيع مبيعه حلف و لو صدقه على كون المبيع معيوبا و أنكر تعيين المشتري حلف المشتري انتهى. أقول أما دعوى الخيانة فلو احتاجت إلى الإثبات و لو كان معها أصالة عدم كون المال الخاص هو المبيع لوجب القول بتقديم قول المشتري في المسألة الأولى و إن كانت هناك أصول متعددة على ما ذكرها في الإيضاح و هي أصالة عدم الخيار و عدم حدوث العيب و صحة القبض بمعنى خروج البائع من ضمانه لأن أصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم و هو وارد على جميع الأصول العملية نظير أصالة الصحة و أما ما ذكره من أصالة صحة القبض فلم نتحقق معناها و إن فسرناها من قبله بما ذكرنا لكن أصالة الصحة لا تنفع لإثبات لزوم القبض و أما دعوى سقوط حق الخيار فهي إنما تجدي إذا كان الخيار المتفق عليه لأجل العيب كما فرضه في الدروس و إلا فأكثر الخيارات مما أجمع على بقائه مع التلف على أن أصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت إلا ثبوته لا وجوب قبول هذه السلعة إلا من جهة التلازم الواقع بينهما و لعل نظر الدروس إلى ذلك لكن للنظر في إثبات أحد المتلازمين بالأصل الجاري في الآخر مجال كما نبهنا عليه مرارا.

و أما الثاني و هو الاختلاف في المسقط
اشارة

ففيه أيضا مسائل-

الأولى لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه

قدم منكر العلم فيثبت الخيار.

الثانية لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده

على القول بأن زواله بعد العلم لا يسقط الأرش بل و لا الرد ففي تقديم مدعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه و عدم زواله المسقط للخيار أو تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار لأن سببه أو شرطه العلم به حال وجوده و هو غير ثابت فالأصل لزوم العقد و عدم الخيار وجهان أقواهما الأول و العبارة المتقدمة من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد تومئ إلى الثاني فراجع. و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال أحد العيبين في كون الزائل هو القديم حتى لا يكون خيار أو الحادث حتى يثبت الخيار فمقتضى القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار و لا يعارضه أصالة بقاء الجديد لأن بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار إلا من حيث استلزامه لزوال القديم و قد ثبت في الأصول أن أصالة عدم أحد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه لكن المحكي في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف- قال لو اشترى عبدا و حدث في يده نكتة بياض بعينه و وجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يحلفان على ما يقولان فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد و استفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش انتهى.

الثالثة لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه

فادعى البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه ففي الدروس أنه كالعيب المنفرد يعني أنه يحلف البائع كما لو لم يكن سوى هذا العيب و اختلفا في السبق و التأخر و لعله لأصالة عدم التقدم و يمكن أن يقال إن عدم التقدم هناك راجع إلى عدم سبب الخيار و أما هنا فلا يرجع إلى ثبوت المسقط بل المسقط هو حدوث العيب عند المشتري و قد مر غير مرة أن أصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث في الزمان المتأخر و إنما يثبت بها عدم التقدم الذي لا يثبت به التأخر ثم قال في الدروس لو ادعى البائع زيادة العيب عند المشتري و أنكر احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن و الزيادة موهومة و يحتمل حلف البائع إجراء للزيادة مجرى العيب الجديد. أقول قد عرفت الحكم في العيب الجديد و إن حلف البائع فيه محل نظر ثم إنه لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد على المقدار المتفق عليه أنه كان متقدما أو متأخرا. و أما إذا اختلفا في أصل الزيادة فلا إشكال في تقديم قول المشتري.

الرابعة لو اختلف في البراءة قدم منكرها

فيثبت الخيار لأصالة عدمها الحاكمة على أصالة لزوم العقد. و ربما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى خلاف ذلك قال: كتبت إلى أبي الحسن ع جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي فإذا نادى عليه بري ء من كل عيب فيه فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلا نقد الثمن فربما زهد فيه فإذا زهد فيه ادعى عيوبا و أنه لم يعلم بها فيقول له المنادي قد برئت منها فيقول المشتري لم أسمع البراءة منها أ يصدق فلا يجب عليه أم لا يصدق فكتب ع أن عليه الثمن الخبر

المكاسب، ج 3، ص 265

و عن المحقق الأردبيلي أنه لا يلتفت إلى هذا الخبر لضعفه مع الكتابة و مخالفة القاعدة انتهى. و ما أبعد ما بينه و بين ما في الكفاية من جعل الرواية مؤيدة لقاعدة البينة على 28 و اليمين على من أنكر و في كل منهما نظر. و في الحدائق أن المفهوم من مساق الخبر المذكور أن إنكار المشتري إنما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع و إلا فهو عالم بتبري البائع و الإمام ع إنما ألزمه بالثمن من هذه الجهة و فيه أن مراد السائل ليس حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه و بين الله بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع و المشتري مع أن حكم العالم بالتبري المنكر له مكابرة معلوم لكل أحد خصوصا للسائل كما يشهد به قوله أ يصدق أم لا يصدق الدال على وضوح حكم صورتي صدقه و كذبه و الأولى توجيه الرواية بأن الحكم بتقديم قول المنادي لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب على وجه يسمعه كل من حضر للشراء فدعوى المشتري مخالفة للظاهر نظير دعوى الغبن و الغفلة عن القيمة ممن لا يخفى عليه قيمة المبيع بقي في الرواية إشكال آخر من حيث إن البراءة من العيوب عند نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب بل يعتبر وقوعه في متن العقد و يمكن التفصي عنه إما بالتزام كفاية تقدم الشرط على العقد بعد وقوع العقد عليه كما يأتي في باب الشروط و إما بدعوى أن نداء الدلال بمنزلة الإيجاب لأنه لا ينادي إلا بعد أن يرغب فيه أحد الحضار بقيمته فينادي الدلال و يقول بعتك هذا الموجود بكل عيب و يكرر ذلك مرارا من دون أن يتم الإيجاب حتى يمكن من إبطاله عند زيادة من زاد. و الحاصل جعل ندائه إيجابا للبيع و لو أبيت إلا عن أن المتعارف في الدلال كون ندائه قبل إيجاب البيع أمكن دعوى كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك مع أن الرواية لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الإيجاب كما لا يخفى. ثم الحلف هنا على نفي العلم بالبراءة لأنه الموجب لسقوط الخيار لانتفاء البراءة واقعا

الخامسة لو ادعى البائع رضاء المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار أو تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده حلف المشتري

لأصالة عدم هذه الأمور و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه ففي تقديم مدعي الحدوث لأصالة عدم تقدمه كما تقدم سابقا في دعوى تقدم العيب و تأخره أو مدعي عدمه لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد على المعيب و الشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري فالأصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب حتى يضمنه المشتري.

و أما الثالث [الاختلاف في الفسخ]
اشارة

ففيه مسائل

الأولى لو اختلفا في الفسخ فإن كان الخيار باقيا فله إنشاؤه

و في الدروس أنه يمكن جعل إقراره إنشاء. و لعله لما اشتهر من أن من ملك شيئا ملك الإقرار به كما لو ادعى الزوج الطلاق و يدل عليه بعض الأخبار الواردة فيمن أخبر بعتق مملوكه ثم جاء العبد يدعي النفقة على أيتام الرجل و أنه رق لهم و سيجي ء الكلام في فروع هذه القاعدة و إن كان بعد انقضاء زمان الخيار- كما لو تلف العين افتقر مدعيه إلى البينة و مع عدمها حلف الآخر على نفي علمه بالفسخ إن ادعى عليه علمه بفسخه ثم إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الأرش- لئلا يخرج من الحقين أم لا لإقراره بالفسخ. و زاد في الدروس أنه يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين من الأرش و ما زاد على القيمة من الثمن إن اتفق لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن و رد القيمة فيقع التقاص في قدر القيمة و يبقى قدر الأرش مستحقا على التقديرين انتهى.

الثانية لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت

بناء على فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد و عدم حدوث الفسخ في أول الزمان أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ وجهان- و لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد مع الاتفاق على زمان الفسخ ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجه- يضعف بأن أصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة إلى أصالة عدم تقدمه على الزمان المشكوك وقوعه فيه لا يثبت وقوع الفسخ في أول الزمان و هذه المسألة نظير ما لو ادعى الزوج الرجوع في عدة المطلقة و ادعت هي تأخره عنها.

الثالثة لو ادعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته
اشارة

بناء على فوريته سمع قوله إن احتمل في حقه الجهل للأصل. و قد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر إلا إذا نشأ في بلد لا يعرفون الأحكام و الجهل بالفورية فيعذر مطلقا لأنه مما يخفى على العامة

القول في ماهية العيب و ذكر بعض أفراده@@@@@@@@@@@@@@@

القول في ماهية العيب و ذكر بعض أفراده

اعلم أن حكم الرد و الأرش معلق في الروايات على مفهوم العيب و العوار أما العوار ففي الصحاح أنه العيب و أما العيب فالظاهر من اللغة و العرف أنه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بينه و بين الكمال فالصحة ما يقتضيه أصل الماهية المشتركة بين أفراد الشي ء لو خلي و طبعه و العيب و الكمال يلحقان له لأمر خارج عنه ثم مقتضى حقيقة الشي ء قد يعرف من الخارج كمقتضى حقيقة الحيوان الأناسي و غيره فإنه يعلم أن العمى عيب و معرفة الكتابة في العبد و الطبخ في الأمة كمال فيهما و قد يستكشف ذلك بملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود صفة في أغلب أفراد الشي ء يكشف عن كونه مقتضى الماهية المشتركة بين أفراده و كون التخلف في النادر لعارض و هذا و إن لم يكن مطردا في الواقع إذ كثيرا ما يكون أغلب الأفراد متصفة بصفة لأمر عارضي أو لأمور مختلفة إلا أن بناء العرف و العادة على استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد و من هنا استمرت العادة على حصول الظن بثبوت صفة الفرد من ملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود الشي ء في أغلب الأفراد و إن لم يمكن الاستدلال به على وجوده في فرد غيرها لاستحالة الاستدلال و لو ظنا بالجزئي على الجزئي إلا أنه يستدل من حال الأغلب على حال القدر المشترك ثم يستدل من ذلك على حال الفرد المشكوك إذا عرفت هذا تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج عن المجرى الطبيعي و هو ما يقتضيه الخلقة الأصلية و أن المراد بالخلقة الأصلية ما عليه أغلب أفراد ذلك النوع و أن ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيب و ما خرج عنه

المكاسب، ج 3، ص 266

بالمزية فهو كمال فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه أغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضى طبيعتها فزيادة الخراج على ذلك المقدار عيب و نقصه عنه كمال و كذا كونها مورد العساكر ثم لو تعارض مقتضى الحقيقة الأصلية و حال أغلب الأفراد التي يستدل بها على حال الحقيقة عرفا رجح الثاني و حكم للشي ء بحقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة و العيب و الكمال بالنسبة إليها و من هنا لا يعد ثبوت الخراج على الضيعة عيبا مع أن حقيقتها لا تقتضي ذلك و إنما هو شي ء عرض أغلب الأفراد فصار مقتضى الحقيقة الثانوية فالعيب لا يحصل إلا بزيادة الخراج على مقتضى الأغلب و لعل هذا هو الوجه في قول كثير منهم بل عدم الخلاف بينهم في أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء و قد ينعكس الأمر فيكون العيب في مقتضى الحقيقة الأصلية و الصحة بالخروج إلى مقتضى الحقيقة الثانوية كالغلفة فإنها عيب في الكبير لكونها مخالفة لما عليه الأغلب إلا أن يقال إن الغلفة بنفسها ليست عيبا إنما العيب كون الأغلف موردا للخطر بختانه و لذا اختص هذا العيب بالكبير دون الصغير و يمكن أن يقال إن العبرة بالحقيقة الأصلية و النقص عنها عيب و إن كان على طبق الأغلب إلا أن حكم العيب لا يثبت مع إطلاق العقد حينئذ لأنه إنما يثبت من جهة اقتضاء الإطلاق للالتزام بالسلامة فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد فإذا فرض الأغلب على خلاف مقتضى الحقيقة الأصلية لم يقتض الإطلاق ذلك بل اقتضى عكسه التزام البراءة من ذلك النقص فإطلاق العقد على الجارية بحكم الغلبة منزل على التزام البراءة من عيب الثيبوبة و كذا الغلفة في الكبير فهي أيضا عيب في الكبير لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان إلا أن الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لما كان هي الغلفة لم يقتض الإطلاق التزام سلامته من هذا العيب بل اقتضى التزام البائع البراءة من هذا العيب فقولهم إن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء و قول العلامة في القواعد إن الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب لا يبعد إرادتهم نفي حكم العيب من الرد و الأرش لا نفي حقيقته و يدل عليه نفي الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا مع أنه في التحرير و التذكرة اختار الأرش مع اشتراط البكارة مع أنه لا أرش في تخلف الشرط بلا خلاف ظاهر. و تظهر الثمرة فيما لو اشترط المشتري البكارة و الختان فإنه يثبت على الوجه الثاني حكم العيب من الرد و الأرش لثبوت العيب غاية الأمر عدم ثبوت الخيار مع الإطلاق لتنزله منزلة تبري البائع من هذا العيب فإذا زال مقتضى الإطلاق بالاشتراط ثبت حكم العيب و أما على الوجه الأول فإن الاشتراط لا يفيد الأخيار تخلف الشرط دون الأرش لكن الوجه السابق أقوى و عليه فالعيب إنما يوجب الخيار إذا لم يكن غالبا في أفراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها و الغلبة الصنفية مقدمة على النوعية عند التعارض فالثيبوبة في الصغيرة غير المجلوبة عيب لأنها ليست غالبة في صنفها و إن غلبت في نوعها ثم إن مقتضى ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص الشي ء من حيث عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالا فإن الإنسان الخصي ناقص في نفسه و إن فرض زيادته من حيث كونه مالا و كذا البغل الخصي حيوان ناقص و إن كان زائدا من حيث المالية على غيره و لذا ذكر جماعة ثبوت الرد دون الأرش في مثل ذلك و يحتمل قويا أن يقال إن المناط في العيب هو النقص المالي فالنقص الخلقي غير الموجب للنقص كالخصاء و نحوه ليس عيبا إلا أن الغالب في أفراد الحيوان لما كان عدمه كان إطلاق العقد منزلا على إقدام المشتري على الشراء مع عدم هذا النقص اعتمادا على الأصل و الغلبة فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد لا يوجب تخلفه إلا خيار تخلف الشرط و تظهر الثمرة في طرو موانع الرد بالعيب بناء على عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط فتأمل. و في صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فإنه مضمون على الأول بناء على إطلاق كلماتهم أن العيب مضمون على البائع بخلاف الثاني فإنه لا دليل على أن فقد الصفة- المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون على البائع بمعنى كونه سببا للخيار و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال. و ربما يستدل لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السياري الحاكية لقصة ابن أبي ليلى: حيث قدم إليه رجل خصما له فقال إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفها شعرا و زعمت أنه لم

يكن لها قط فقال له ابن أبي ليلى إن الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتى يذهبوه فما الذي كرهت فقال له أيها القاضي إن كان عيبا فاقض لي به قال فاصبر حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني ثم دخل بيته و خرج من باب آخر فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له أي شي ء تروون عن أبي جعفر في المرأة لا تكون على ركبها شعر أ يكون هذا عيبا فقال له محمد بن مسلم أما هذا نصا فلا أعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي ص قال كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب فقال له ابن أبي ليلى حسبك هذا فرجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب فإن ظاهر إطلاق الرواية المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها فيها و فهم ابن أبي ليلى من حيث قوله و عمله كون مجرد الخروج عن المجرى الطبيعي عيبا و إن كان مرغوبا فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه كما يظهر من قول ابن أبي ليلى إن الناس ليحتالون إلخ و تقرير المشتري له في رده لكن الإنصاف عدم دلالة الرواية على ذلك. أما أولا فلأن ظاهر الحكاية إن رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر بل لكونها في أصل الخلقة كذلك الكاشف عن مرض في العضو أو في أصل المزاج كما يدل عليه عدم اكتفائه في عذر الرد بقوله لم أجد على ركبها شعرا حتى ضم إليه دعواه أنه لم يكن لها قط و قول ابن أبي ليلى إن الناس ليحتالون في ذلك حتى يذهبوه لا يدل على مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض و إنما هي مغالطة عليه تفصيا عن خصومته لعجزه عن حكمها و الاحتيال لا ذهاب شعر الركب لا يدل على أن عدمه في أصل الخلقة شي ء مرغوب فيه كما أن احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدل على كون عدمه من أصله لقرع أو شبهه أمرا مرغوبا فيه. و بالجملة فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر على الركب مما يقطع أو يحتمل كونه لأجل مرض عيبا و قد عد من العيوب الموجبة للأرش ما هو أدون من ذلك و أما ثانيا فلأن قوله ع فهو عيب إنما

المكاسب، ج 3، ص 267

يراد به بيان موضوع العيب توطئة لثبوت أحكام العيب له و الغالب الشائع المتبادر في الأذهان هو رد المعيوب و لذا اشتهر كل معيوب مردود و أما باقي أحكام العيب و خياره مثل عدم جواز رده بطروء موانع الرد بخيار العيب و كونه مضمونا على البائع قبل القبض و في مدة الخيار فلا يظهر من الرواية ترتبها على العيب فتأمل.

و أما ثالثا فلأن الرواية لا تدل على الزائد عما يدل عليه العرف لأن المراد بالزيادة و النقيصة على أصل الخلقة ليس مطلق ذلك قطعا فإن زيادة شعر رأس الجارية أو حده بصر العبد أو تعلمهما للصنعة و الطبخ و كذا نقص العبد بالختان و حلق الرأس ليس عيبا قطعا فتعين أن يكون المراد بها الزيادة و النقيصة الموجبتين لنقص في الشي ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه و لازم ذلك نقصه من حيث المالية لأن المال المبذول في مقابل الأموال بقدر ما يترتب عليها من الآثار و المنافع. و أما رابعا فلانا لو سلمنا- مخالفة الرواية للعرف في معنى العيب فلا تنهض لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لو لا النص المعتبر لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالإرسال فافهم. و قد ظهر مما ذكرنا أن الأولى في تعريف العيب ما في التحرير و القواعد من أنه نقص في العين أو زيادة فيها يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار و لعله المراد بما في الرواية كما عرفت و مراد كل من عبر بمثلها و لذا قال في التحرير بعد ذلك و بالجملة كلما زاد أو نقص عن أصل الخلقة و القيد الأخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الأغراض كما قد يقال ذلك في العبد الخصي و لا ينافيه ما ذكره في التحرير من أن عدم الشعر على العانة عيب في العبد و الأمة لأنه مبني على ما ذكرنا في الجواب الأول عن الرواية من أن ذلك كاشف أو موهم لمرض في العضو أو المزاج لا على أنه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية. و في التذكرة بعد أخذ نقص المالية في تعريف العيب و ذكر كثير من العيوب و الضابط أنه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه انتهى كلامه و ما أحسنه حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب بل لما يوجب الرد فيدخل فيه مثل خصاء العبد كما صرح به في التذكرة معللا بأن الغرض قد يتعلق بالفحولة و إن زادت قيمته باعتبار آخر و قد دخل المشتري على ظن السلامة انتهى. و يخرج منه مثل الثيبوبة و الغلفة في المجلوب و لعل من عمم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك و عن جماعة أراد به مجرد موجب الرد لا العيب الذي يترتب عليه كثير من الأحكام كسقوط خياره بتصرف أو حدوث عيب أو غير ذلك و عليه يبنى قول جامع المقاصد كما عن تعليق الإرشاد حيث ذكر أن اللازم تقييد قول العلامة يوجب نقص المالية بقوله غالبا ليندرج مثل الخصاء و الجب لأن المستفاد من ذكر بعض الأمثلة أن الكلام في موجبات الرد لا خصوص العيب و يدل على ذلك أنه قيد كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا بعلم المشتري بجلبه إذ ظاهره أنه مع عدم العلم عيب فلو لا أنه أراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد لم يكن معنى لدخل علم المشتري و جهله في ذلك

الكلام في بعض أفراد العيب
مسألة لا إشكال و لا خلاف في كون المرض عيبا

و إطلاق كثير و تصريح بعضهم يشمل حمى يوم بأن يجده في يوم البيع قد عرض له الحمى و إن لم يكن نوبة له في الأسبوع. قال في التذكرة الجذام و البرص و العمى و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق- و القرع و الصمم و الخرس عيوب إجماعا و كذا أنواع المرض سواء استمر كما في الممراض أو كان عارضا و لو حمى يوم و الإصبع الزائدة و الحول و الحوص و السبل و استحقاق القتل في الردة أو القصاص و القطع بالسرقة أو الجناية و الاستسعاء في الدين عيوب إجماعا ثم إن عد حمى اليوم المعلوم كونها حمى يوم يزول في يومه و لا يعود مبني على عد موجبات الرد لا العيوب الحقيقية لأن ذلك ليس منقصا للقيمة.

مسألة الحبل عيب في الإماء

كما صرح به جماعة و في المسالك الإجماع عليه في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطي و يدل عليه الأخبار الواردة في تلك المسألة و علله في التذكرة باشتماله على تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع هذا مع عدم كون الحمل للبائع و إلا فالأمر أوضح و يؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات و عدم قابليتها للاستيلاد إلا بعد الوضع أما في غير الإماء من الحيوانات ففي التذكرة أنه ليس بعيب و لا يوجب الرد بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل كما هو مذهب الشيخ. و قال بعض الشافعية يرد به و ليس بشي ء انتهى. و رجح المحقق الثاني كونه عيبا- و إن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل لأنه و إن كان زيادة من وجه إلا أنه نقيصة من وجه آخر لمنع الانتفاع بها عاجلا و لأنه لا يؤمن عليها من أداء الوضع إلى الهلاك و الأقوى على قول الشيخ ما اختاره في التذكرة لعدم النقص في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر و أداء الوضع إلى الهلاك نادر في الحيوانات لا يعبأ به. نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات نقص يوجب الخيار دون الأرش كوجدان العين مستأجرة و كيف كان فمقتضى كون الحمل عيبا في الإماء أنه لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردها لحدوث العيب في يده سواء نقصت بعد الولادة أم لا لأن العيب الحادث مانع و إن زال على ما تقدم من التذكرة. و في التذكرة لو كان المعيب جارية معيبة فحبلت و ولدت في يد المشتري فإن نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم و كان له الأرش و إن لم تنقص فالأولى جواز ردها وحدها من دون الولد إلى أن قال و كذا حكم الدابة- لو حملت عند المشتري و ولدت فإن نقصت بالولادة فلا رد و إن لم تنقص ردها دون ولدها لأنه للمشتري انتهى و في مقام آخر لو اشترى جارية حائلا أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على عيب فإن نقصت بالحمل فلا رد إن كان الحمل في يد المشتري و به قال الشافعي و إن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد انتهى و في الدروس لو حملت إحداهما يعني الجارية و البهيمة عند المشتري لا بتصرفه فالحمل له فإن فسخ رد الأم ما لم ينقص بالحمل أو الولادة و ظاهر القاضي أن الحمل عند المشتري يمنع الرد لأنه إما بفعله أو إهمال المراعاة حتى ضربها الفحل و كلاهما تصرف انتهى. لكن صرح في

المكاسب، ج 3، ص 268

المبسوط باستواء البهيمة و الجارية- في أنه إذا حملت إحداها عند المشتري و ولدت و لم تنقص بالولادة فوجد فيها عيبا رد الأم دون الولد و ظاهر ذلك كله خصوص نسبة منع الرد إلى خصوص القاضي و خصوصا مع استدلاله على المنع بالتصرف لا حدوث العيب تسالمهم على أن الحمل الحادث عند المشتري في الأمة ليس في نفسه عيبا بل العيب هو النقص الحادث بالولادة و هذا مخالف للأخبار المتقدمة في رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل و للإجماع المتقدم عن المسالك و تصريح هؤلاء يكون الحبل عيبا يرد منه لاشتماله على التغرير بالنفس و الجمع بين كلماتهم مشكل خصوصا بملاحظة العبارة الأخيرة المحكية عن التذكرة من إطلاق كون الحمل عند البائع عيبا و إن لم ينقص و عند المشتري بشرط النقص من غير فرق بين الجارية و البهيمة مع أن ظاهر العبارة الأولى كالتحرير و القواعد الفرق فراجع قال في القواعد لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير تصرف فالأقرب أن للمشتري الرد بالعيب السابق لأن الحمل زيادة انتهى و هذا بناء منه أن الحمل ليس عيبا في غير الأمة. و في الإيضاح أن هذا بناء على قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل في الانتقال ظاهر و أما عندنا فالأقوى ذلك لأنه كالثمرة المتجددة على الشجرة- و كما لو أطارت الريح ثوبا للمشتري في الدار المبتاعة و الخيار له فلا يؤثر و يحتمل عدمه لحصول خطر ما و لنقص منافعها لا تقدر على الحمل العظيم انتهى. و مما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب إلى الإيضاح من أن ما قربه في القواعد مبني على قول الشيخ من دخول الحمل في بيع الحامل. نعم ذكر في جامع المقاصد أن ما ذكره المصنف إن تم فإنما يخرج على قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار و لعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها على ما يتراءى من تعليله بقوله لأن الحمل زيادة يعني أن الحامل ردت إلى البائع مع الزيادة لا مع النقيصة لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا في غير الأمة و كيف كان فالأقوى في مسألة حدوث حمل الأمة عدم جواز الرد ما دام الحمل و ابتناء حكمها بعد الوضع و عدم النقص على ما تقدم من أن زوال العيب الحادث يؤثر في جواز الرد أم لا. و أما حمل غير الأمة فقد عرفت أنه ليس عيبا موجبا للأرش لعدم الخطر فيه غالبا و عجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب إلا فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الرد دون الأرش لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات غير الموجب للأرش و كان محققا هنا مضافا إلى نقص آخر و هو كون المبيع متضمنا لمال الغير لأن المفروض كون الحمل للمشتري اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.

مسألة الأكثر على أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء

بل في التحرير لا نعلم فيه خلافا و نسبه في المسالك كما عن غيره إلى إطلاق الأصحاب لغلبتها فيهن فكانت بمنزلة الخلقة الأصلية و استدل عليه أيضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الأصحاب على ما ادعاه المستدل: عن رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها كذلك قال لا ترد عليه و لا يجب عليه شي ء إنه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها و في كلا الوجهين نظر ففي الأول ما عرفت سابقا من أن وجود الصفة في أغلب أفراد الطبيعة إنما يكشف عن كونها بمقتضى أصل وجودها المعبر عنه بالخلقة الأصلية إذا لم يكن مقتضى الخلقة معلوما في ما نحن فيه و إلا فمقتضى الغالب لا يقدم على ما علم أنه مقتضى الخلقة الأصلية و علم كون النقص عنها موجبا لنقص المالية كما فيما نحن فيه خصوصا مع ما عرفت من إطلاق مرسلة السياري غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم تنزيل إطلاق العقد على التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة و لا يثبت الخيار بوجودها و إن كانت نقصا في الخلقة الأصلية. و أما رواية سماعة فلا دلالة لها على المقصود- لتعليله ع عدم الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارض و قدح هذا الاحتمال إما لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضمونا على البائع و إما لأن اشتراط البكارة كناية عن عدم وطء أحد لها فمجرد ثبوتها لا يوجب تخلف الشرط الموجب للخيار بل مقتضى تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال أنه لو فرض عدمه لثبت الخيار فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال طبيعي فعدمها نقص في أصل الطبيعة فيكون عيبا و كيف كان فالأقوى أن الثيبوبة عيب عرفا و شرعا إلا أنها لما غلبت على الإماء لم يقتض إطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك. و تظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا أو اشترط خصوص البكارة فإنه يثبت بفقدها التخيير بين الرد و الأرش لوجود العيب و عدم المانع من تأثيره و مثله ما لو كان المبيع صغيرة أو كبيرة لم تكن الغالب على صنفها الثيبوبة فإنه يثبت حكم العيب. و الحاصل أن غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه فإذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب و لعل هذا هو مراد المشهور أيضا و يدل على ذلك ما عرفت من العلامة رحمه الله في التحرير من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا مع أنه في كتبه بل المشهور كما في الدروس على ثبوت الأرش إذا اشترط البكارة- فلو لا أن الثيبوبة عيب لم يكن أرش في مجرد تخلف الشرط. نعم يمكن أن يقال إن مستندهم في ثبوت الأرش ورود النص بذلك فيما رواه في الكافي و التهذيب عن يونس: في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق ثم إنه نسب في التذكرة إلى أصحابنا عدم الرد بمقتضى رواية سماعة المتقدمة و أوله بما وجهنا به تلك الرواية.

و ذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية مع تعليلها الدال على تأويلها و لو شرط الثيبوبة فبانت بكرا كان له الرد لأنه قد يقصد الثيب لغرض صحيح.

مسألة [هل عدم الختان عيب في العبد]

ذكر في التذكرة و القواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير لأنه يخاف عليه من ذلك و هو حسن على تقدير تحقق الخوف على وجه لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بإزائه و يلحق بذلك المملوك غير المجدور فإنه يخاف عليه لكثرة موت المماليك بالجدري- و مثل هذين و إن لم يكن نقصا في الخلقة الأصلية إلا أن عروض هذا النقص أعني الخوف مخالف لمقتضى ما عليه الأغلب في النوع أو الصنف و لو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا

المكاسب، ج 3، ص 269

فيه مع الجهل دون العلم و هو غير مستقيم لأن العلم و الجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا. نعم لما كان الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن إطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره في الثيب و تظهر الثمرة هنا أيضا فيما لو اشترط الختان فظهر أغلف فيثبت الرد و الأرش فإخراج العلامة الثيبوبة و عدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب لكونه رحمه الله في مقام عد العيوب الموجبة فعلا للخيار.

مسألة عدم الحيض ممن شأنها الحيض

بحسب السن و المكان و غيرهما من الخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية لأنه خروج عن المجرى الطبيعي- و لقول الصادق ع: و قد سئل عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر و ليس بها حمل قال إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه و ليس التقييد بمضي ستة أشهر إلا في مورد السؤال فلا داعي إلى تقييد كونه عيبا بذلك كما في ظاهر بعض الكلمات ثم إن حمل الرواية على صورة عدم التصرف في الجارية حتى بمثل قول المولى لها اسقني ماءا أو أغلق الباب في غاية البعد و ظاهر الحلي في السرائر عدم العمل بمضمون الرواية رأسا.

مسألة الإباق عيب بلا إشكال و لا خلاف

لأنه من أفحش العيوب و يدل عليه صحيحة أبي همام الآتية في عيوب السنة- لكن في رواية محمد بن قيس: أنه ليس في الإباق عهدة و يمكن حملها على أنه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد كما يشهد قوله ع في رواية يونس: إن العهدة في الجنون و البرص سنة بل لا بد من ثبوت كونه كذلك عند البائع و إلا فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة البائع و لا خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع و هل يكفي المرة عنده أو يشترط الاعتياد قولان من الشك في كونه عيبا و الأقوى ذلك وفاقا لظاهر الشرائع و صريح التذكرة لكون ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف و لا يشترط إباقه عند المشتري قطعا

مسألة الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب

يثبت به الرد و الأرش لكون ذلك خلاف ما عليه غالب أفراد الشي ء. و في رواية ميسر بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد الله ع في الرجل يشتري زق زيت يجد فيه درديا قال إن كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده و إن لم يكن يعلم فله أن يرده نعم في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه: إن عليا قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلى علي ع فقال له علي ع لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل إنما بعته منه حكرة فقال له علي ع إنما أشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربا قال في الوافي يقال اشترى المتاع حكرة أي جملة و هذه الرواية بظاهرها مناف لحكم العيب من الرد و الأرش و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل و ربما استشكل في أصل الحكم بصحة البيع لو كان كثيرا للجهل بمقدار المبيع و كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالإجماع كما تقدم أو مفروضة في صورة انضمام الظرف المفقود هنا لأن الدردي غير متمول و الأولى أن يقال إن وجود الدردي إن أفاد نقصا في الزيت من حيث الوصف- و إن أفضى بعد التخليص إلى نقص الكم نظير الغش في الذهب كان الزائد منه على المعتاد عيبا و إن أفرط في الكثرة و لا إشكال في صحة البيع حينئذ لأن المبيع زيت و إن كان معيوبا. و عليه يحمل ما في التحرير من أن الدردي في الزيت و البذر عيب موجب للرد و الأرش- و إن لم يفد إلا نقصا في الكم- فإن باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة و مشاهدة شي ء منه تكون أمارة على باقيه و قال بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا فظهر امتزاجه بغيره غير الموجب لتعيبه فالظاهر صحة البيع و عدم ثبوت الخيار أصلا لأنه اشترى السمن الموجود في هذه العكة و لا يقدح الجهل بوزنه للعلم به مع الظرف و المفروض معرفة نوعه بملاحظة شي ء منها بفتح رأس العكة فلا عيب و لا تبعض صفقة إلا أن يقال إن إطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا فيلحق بما سيجي ء في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار خاص و إن باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله بعتك ما في هذه العكة فتبين بعضه درديا صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة قال في التحرير لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد و أخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن و لو باع ما في العكة من الزيت على أنه كذا و كذا رطلا فتبين نقصه عنه لوجود الدردي صح البيع و كان للمشتري خيار تخلف الوصف أو الجزء على الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة على أنها كذا و كذا فظهر ناقصا و لو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت فالظاهر عدم صحة البيع و إن عرف وزن المجموع مع العكة لأن كفاية معرفة وزن الظرف و المظروف إنما هي من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع كما لو علم بوزن مجموع الظرف و المظروف لكن علم بوجود صخرة في الزيت مجهولة الوزن.

مسألة قد عرفت أن مطلق المرض عيب خصوصا الجنون و البرص و الجذام و القرن

و لكن يختص هذه الأربعة من بين العيوب بأنها لو حدثت إلى سنة من يوم العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرد و الأرش هذا هو المشهور و يدل عليه ما استفيض عن مولانا أبي الحسن الرضا ع ففي رواية علي بن أسباط عنه: في حديث خيار الثلاثة أن أحداث السنة ترد بعد السنة قلت و ما أحداث السنة قال الجنون و الجذام و البرص و القرن فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه. و في رواية ابن فضال المحكية عن الخصال:

في أربعة أشياء خيار سنة الجنون و الجذام و القرن و البرص و في رواية أخرى له عند ع قال: ترد الجارية من أربع خصال من الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة هكذا في التهذيب. و في الكافي القرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر و تخرج الصدر انتهى و مراده أن الحدب ليس خامسا لها لأن القرن يرجع إلى حدب في الفرج لكن المعروف أنه عظم في الفرج كالسن يمنع الوطي. و في الصحيح عن محمد بن علي- قيل و هو مجهول و احتمل بعض كونه الحلبي عنه ع قال: يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون و البرص و القرن قال قلت و كيف يرد من أحداث فقال هذا أول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا فحدث

المكاسب، ج 3، ص 270

فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة رددت على صاحبه. و هذه الرواية لم يذكر فيها الجذام مع ورودها في مقام التحديد و الضبط لهذه الأمور فيمكن أن يدعى معارضتها لباقي الأخبار المتقدمة و من هنا استشكل المحقق الأردبيلي في الجذام و ليس التعارض من باب المطلق و المقيد كما ذكره في الحدائق ردا على الأردبيلي رحمه الله إلا أن يريد أن التعارض يشبه تعارض المطلق و المقيد في وجوب العمل بما لا يجري فيه احتمال يجري في معارضه و هو هنا احتمال سهو الراوي في ترك ذكر الجذام فإنه أقرب الاحتمالات المتطرقة في ما نحن فيه و يمكن أن يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها على المشتري بمجرد حدوث الجذام فلا معنى للرد و حينئذ فيشكل الحكم بالرد في باقي الأخبار. و وجهه في المسالك بأن عتقه على المشتري موقوف على ظهور الجذام بالفعل و يكفي في العيب الموجب للخيار وجود مادته في نفس الأمر و إن لم يظهر فيكون سبب الخيار مقدما على سبب العتق فإن فسخ انعتق على البائع و إن أمضى انعتق على المشتري. و فيه أولا أن ظاهر هذه الأخبار- أن سبب الخيار ظهور هذه الأمراض لأنه المعنى بقوله فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة و لو لا ذلك لكفى وجود موادها في السنة و إن تأخر ظهورها عنها و لو بقليل بحيث يكشف عن وجود المادة قبل انقضاء السنة و هذا مما لا أظن أحدا يلتزمه مع أنه لو كان الموجب للخيار هي مواد هذه الأمراض كان ظهورها زيادة في العيب حادثة في يد المشتري فلتكن مانعة من الرد لعدم قيام المال بعينه حينئذ فيكون في التزام خروج هذه العيوب من عموم كون النقص الحادث مانعا عن الرد تخصيصا آخر للعمومات. و ثانيا أن سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطروء سببه بل ينبغي أن يكون الانعتاق القهري سببه مانعا شرعيا بمنزلة المانع العقلي عن الرد كالموت و لذا لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام فلا أظن أحدا يلتزم عدم الانعتاق إلا بعد لزوم البيع خصوصا مع بناء العتق على التغليب هذا و لكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة و الإجماع المدعى في السرائر و الغنية مشكل فيمكن العمل بها في موردها أو الحكم من أجلها بأن تقدم سبب الخيار يوجب توقف الانعتاق على إمضاء العقد و لو في غير المقام ثم لو فسخ المشتري فانعتاقه على البائع موقوف على دلالة الدليل على عدم جواز تملك المجذوم لا أن جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام في ملكه ثم إن زيادة القرن ليس في كلام الأكثر- فيظهر منهم العدم فنسبه المسالك الحكم في الأربعة إلى المشهور كأنه لاستظهار ذلك من ذكره في الدروس ساكتا عن الخلاف فيه. و عن التحرير نسبه إلى أبي علي و في مفتاح الكرامة أنه لم يظفر بقائل غير الشهيدين و أبي علي و من هنا تأمل المحقق الأردبيلي من عدم صحة الأخبار و فقد الانجبار ثم إن ظاهر إطلاق الأخبار على وجه يبعد التقيد فيها شمول الحكم لصورة التصرف لكن المشهور تقيد الحكم بغيرها و نسب إليهم جواز الأرش قبل التصرف و تعينه بعده و الأخبار خالية عنه و كلاهما مشكل إلا أن الظن من كلمات بعض عدم الخلاف الصريح فيهما لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطء و الشيخ و ابن زهرة لم يذكرا التصرف و لا الأرش. نعم ظاهر الحلي الإجماع على تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة و أن هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونة إلا أن الفارق ضمان هذه إذا حدثت في السنة بعد القبض و انقضاء الخيار و لو ثبت أن أصل هذه الأمراض تكمن قبل سنة من ظهورها و ثبت أن أخذ الأرش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابق للقاعدة ثبت الأرش هنا بملاحظة التعيب بمادة هذه الأمراض الكامنة في المبيع لا بهذه الأمراض الظاهرة فيه قال في المقنعة و يرد العبد و الأمة من الجنون و الجذام و البرص ما بين ابتياعها و بين سنة واحدة و لا يردان بعد سنة و ذلك أن أصل هذه الأمراض يتقدم ظهورها بسنة و لا يتقدم بأزيد فإن وطئ المبتاع الأمة في هذه السنة لم يجز له ردها و كان له قيمته ما بينها صحيحة و سقيمه انتهى. و ظاهره أن نفس هذه الأمراض يتقدم بسنة و لذا أورد عليه في السرائر أن هذا موجب لانعتاق المملوك على البائع فلا يصح البيع و يمكن أن يريد به ما ذكرنا من إرادة مواد هذه الأمراض

خاتمة في عيوب متفرقة

خاتمة في عيوب متفرقة

قال في التذكرة إن الكفر ليس عيبا في العبد و لا الجارية ثم استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا في الجارية إذا منع الاستمتاع كالتمجس و التوثن دون التهود و التنصر و الأقوى كونه موجبا للرد في غير المجلوب و إن كان أصلا في المماليك إلا أن الغالب في غير المجلوب الإسلام فهو نقص موجب لتنفر الطباع عنه خصوصا بملاحظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات. نعم الظاهر عدم الأرش فيه لعدم صدق العيب عليه عرفا و عدم كونه نقصا أو زيادة أصل الخلقة و لو ظهرت الأمة محرمة على المشتري برضاع أو نسب فالظاهر عدم الرد به لأنه لا يعد نقصا بالنوع و لا عبرة بخصوص المشتري و لو ظهر ممن ينعتق عليه فكذلك كما في التذكرة معللا بأنه ليس نقصا عند كل الناس و عدم نقص ماليته عند غيره. و في التذكرة لو ظهر أن البائع باعه وكالة أو ولاية أو وصاية أو أمانة ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال. أقول الأقوى عدمه و كذا لو اشترى ما عليه أثر الوقف. نعم لو كان عليه أمارة قوية لم يبعد كونه موجبا للرد لقلة رغبة الناس في تملك مثله و تأثير ذلك في نقصان قيمته عن قيمة أصل الشي ء لو خلي و طبعه أثرا بينا. و ذكر في التذكرة أن الصيام و الإحرام و الاعتداد ليست عيوبا. أقول أما عدم إيجابها الأرش فلا إشكال فيه و أما عدم إيجابها الرد ففيه إشكال إذا فات بها الانتفاع في مدة طويلة فإنه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا. و قال أيضا إذا كان المملوك نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو شاربا للخمر أو مقامرا ففي كون هذه عيوبا إشكال أقربه العدم. و قال لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيئ الأدب أو ولد زنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا فلا رد و ترد الدابة بالزهادة

المكاسب، ج 3، ص 271

و كون الأمة عقيما لا يوجب الرد لعدم القطع بتحققه فربما كان من الزوج أو لعارض انتهى. و مراده العارض الاتفاقي لا المرض العارضي قال في التذكرة في آخر ذكر موجبات الرد و الضابط أن الرد يثبت بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه انتهى

القول في الأرش
[الأرش لغة و اصطلاحا]
اشارة

و هو لغة كما في الصحاح و عن المصباح دية الجراحات و عن القاموس أنه الدية و يظهر من الأولين أنه في الأصل اسم للفساد و يطلق في كلام الفقهاء على مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن و لم يقدر له في الشرع مقدر.

[كلام الشهيد في معنى الأرش]

و عن حواشي الشهيد قدس سره أنه يطلق بالاشتراك اللفظي على معان منها ما نحن فيه. و منها نقص القيمة لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدر الشرعي. و منها ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية كقطع يد العبد. و منها أكثر الأمرين من المقدر الشرعي و الأرش و هو ما تلف بجناية الغاصب انتهى. و في جعل ذلك من الاشتراك اللفظي إشارة إلى أن هذا اللفظ قد اصطلح في خصوص كل من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعنى اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها و بين الآخر فلا يكون مشتركا معنويا بينهما و لا حقيقة و مجازا فهي كلها منقولات عن المعنى اللغوي بعلاقة الإطلاق و التقييد

. و ما ذكرناه في تعريف الأرش فهو كلي انتزاعي عن تلك المعاني كما يظهر بالتأمل و كيف كان فقد ظهر من تعريف الأرش أنه لا يثبت إلا مع ضمان النقص المذكور

ثم إن ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص

و هو الأصل فإن كان مضمونا بقيمته كالمغصوب و المستام و شبههما و يسمى ضمان اليد كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة إذا وزعت على الكل و إن كان مضمونا بعوض بمعنى أن فواته يوجب عدم تملك عوضه المسمى في المعاوضة و يسمى ضمانه ضمان المعاوضة كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض إذا وزع على مجموع الناقص و المنقوص لا نفس قيمة العيب لأن الجزء تابع للكل في الضمان و لذا عرف جماعة الأرش في عيب المثمن فيما نحن فيه بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت بين الصحيح و المعيب إلى الصحيح و ذلك لأن ضمان تمام المبيع الصحيح على البائع ضمان المعاوضة بمعنى أن البائع ضامن لتسليم المبيع تاما إلى المشتري فإذا فاته تسليم بعضه ضمنه بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته. نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء كأكثر النصوص يوهم إرادة قيمة العيب كلها إلا أنها محمولة على الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما فيها من أن البائع يرد على المشتري و ظاهره كون المردود شيئا من الثمن الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد على الثمن في بعض الأوقات كما إذا اشترى جارية بدينارين و كان معيبها تسوى مائة و صحيحها تسوى أزيد فيلزم استحقاق مائة دينار فإذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلا بقرينة عدم صدق الرد و الاسترجاع تعين كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن فإذا بني الأمر على ملاحظة الغلبة فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الأشياء من أهلها في أسواقها بقيمتها المتعارفة. و قد توهم بعض من لا تحصيل له أن العيب إذا كان في الثمن كان أرشه تمام التفاوت بين الصحيح و المعيب و منشأه ما يتراءى في الغالب من وقوع الثمن في الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع فإذا ظهر معيبا وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت و إلا فلو فرض أنه اشترى عبدا بجارية تسوى معيبها أضعاف قيمته فإنه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها قطعا و كيف كان فالظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف في ذلك و إن كان المتراءى من الأخبار خلافه إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه. نعم يشكل الأمر في المقام من جهة أخرى- و هي أن مقتضى ضمان وصف الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في ذلك المقدار لعدم مقابل له حين العقد كما شأن الجزء المفقود المبيع مع أنه لم يقل به أحد و يلزم من ذلك أيضا تعين أخذ الأرش من الثمن مع أن ظاهر جماعة عدم تعينه منه معللا بأنه غرامة. و توضيحه أن الأرش لتتميم المعيب حتى يصير مقابلا للثمن لا لتنقيص الثمن حتى يصير مقابلا للمعيب و لذا سمي أرشا كسائر الأروش المتداركة للنقائص فضمان العيب على هذا الوجه خارج عن الضمانين المذكورين لأن ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة إلى الفائت المضمون و مقابله إذ لا معنى له غير ضمان الشي ء و أجزائه بعوضه المسمى و أجزائه و الضمان الآخر يقتضي ضمان الشي ء بقيمته الواقعية فلا أوثق من أن يقال إن مقتضى المعاوضة عرفا هو عدم مقابلة وصف الصحة بشي ء من الثمن لأنه أمر معنى كسائر الأوصاف و لذا لو قابل المعيب بما هو أنقص منه قدرا حصل الربا من جهة صدق الزيادة و عدم عد العيب نقصا يتدارك بشي ء من مقابله إلا أن الدليل من النص و الإجماع دل على ضمان هذا الوصف من بين الأوصاف و كونه في عهدة البائع بمعنى وجوب تداركه بمقدار من الثمن يضاف إلى ما يقابل بأصل المبيع لأجل اتصافه بوصف الصحة فإن هذا الوصف كسائر الأوصاف و إن لم يقابله شي ء من الثمن لكن له مدخل في وجود مقدار الثمن و عدمه فإذا تعهده البائع كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بإزاء ما كان يلاحظ الثمن لأجله و للمشتري أيضا إسقاط هذا الالتزام عنه

[هل الضمان بعين بعض الثمن أو بمقداره]

نعم يبقى الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض الثمن- كما هو ظاهر تعريف الأرش في كلام بأنه جزء من الثمن أو بمقداره كما هو مختار العلامة في صريح التذكرة و ظاهر غيرها و الشهيدين في كتبهما وجهان تردد بينهما في جامع المقاصد و أقواهما الثاني لأصالة عدم تسلط المشتري على شي ء من الثمن و براءة ذمة البائع من وجوب دفعه لأن المتيقن من مخالفة الأصل ضمان البائع لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدار وقع الإقدام من المتعاقدين على زيادته على الثمن لداعي وجود هذه الصفة لا في مقابلها مضافا إلى إطلاق قوله ع في روايتي حماد و عبد الملك:

أنه له أرش العيب و لا دليل على وجوب كون التدارك بجزء من عين الثمن عدا ما يتراءى من ظاهر التعبير- في روايات أرش عن تدارك العيب برد التفاوت إلى المشتري الظاهر

المكاسب، ج 3، ص 272

في كون المردود شيئا كان عنده أولا و هو بعض الثمن لكن التأمل التام يقضي بأن هذا التعبير وقع بملاحظة أن الغالب وصول الثمن إلى البائع و كونه من النقدين فالرد باعتبار النوع لا الشخص. و من ذلك ظهر أن قوله ع في رواية ابن سنان: و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها محمول على الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري فإذا اشتغلت ذمة البائع بالأرش حسب المشتري عند أداء الثمن ما في ذمته عليه ثم على المختار من عدم تعينه من عين الثمن فالظاهر تعينه من النقدين لأنهما الأصل في ضمان المضمونات إلا أن يتراضى على غيرهما من باب الوفاء أو المعاوضة. و استظهر المحقق الثاني من عبارة القواعد و التحرير بل الدروس عدم تعينه منهما حيث حكما في باب الصرف بأنه لو وجد عيب في أحد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز أخذ الأرش من غير النقدين و لم يجز منهما فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية إنما يرجع فيها النقدين فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان في أحدهما و يمكن رفع هذا الإشكال بأن المضمون بالنقدين هي الأموال المتعينة المستقرة و الثابت هنا ليس مالا في الذمة و إلا بطل البيع فيما قابله من الصحيح- لعدم وصول عوضه قبل التفرق و إنما هو حق لو أعمله جاز له مطالبة المال فإذا اختار الأرش من غير النقدين ابتداء و رضي به الآخر فمختاره نفس الأرش لا عوض عنه. نعم للآخر الامتناع منه لعدم تعينه عليه كما أن لذي الخيار مطالبة النقدين في غير هذا المقام و إن لم يكن للآخر الامتناع حينئذ. و بالجملة فليس هنا شي ء معين ثابت في الذمة إلا أن دفع غير النقدين يتوقف على رضا ذي الخيار و يكون نفس الأرش بخلاف دفع النقدين فإنه إذا اختير غيرهما لم يتعين للأرشية

[هل يعقل استغراق الأرش للثمن]

ثم إنه قد تبين مما ذكرنا في معنى الأرش أنه لا يكون إلا مقدارا مساويا لبعض الثمن و لا يعقل أن يكون مستغرقا له لأن المعيب إن لم يكن مما يتمول و يبذل في مقابلة شي ء من المال بطل بيعه و إلا فلا بد من أن يبقى له من الثمن قسط. نعم ربما يتصور ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشي ء على صفة التملك بناء على أن مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ العقد به بل يأخذ المشتري أرش العيب و هو هنا مقدار تمام الثمن لكن عدم إلحاقه بالتلف مشكل بناء على أن العيب إذا كان مضمونا على البائع بمقتضى قوله ع: إن حدث في الحيوان حدث فهو من مال البائع حتى ينقضي خياره كان هذا العيب كأنه حدث في ملك البائع و المفروض أنه إذا حدث مثل هذا في ملك البائع كان بيعه باطلا لعدم كونه متمولا يبذل بإزائه شي ء من المال فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا حدث مثل هذا بعده مضمونا على البائع إلا أن يمنع ذلك و أن ضمانه على البائع بمعنى الحكم بكون دركه عليه فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا الحكم لا مطلقا حتى ينفسخ العقد به و يرجع هذا الملك الموجود غير المتمول إلى البائع بل لو فرضنا حدوث العيب على وجه أخرجه عن الملك فلا دليل على إلحاقه بالتلف بل تبقى العين غير المملوكة حقا للمشتري و إن لم يكن ملكا له كالخمر المتخذ للتخليل و يأخذ الثمن أو مقداره من البائع أرشا لا من باب انفساخ العقد هذا إلا أن العلامة قدس سره في القواعد و التذكرة و التحرير و محكي النهاية يظهر منه الأرش المستوعب في العيب المتقدم على العقد الذي ذكرنا أنه لا يعقل فيه استيعاب الأرش للثمن. قال في القواعد لو باع العبد الجاني خطاء ضمن أقل الأمرين على رأي و الأرش على رأي و صح البيع إن كان موسرا و إلا تخير المجني عليه و لو كان عمدا وقف على إجازة المجني عليه و يضمن الأقل من الأرش و القيمة لا الثمن معها و للمشتري الفسخ مع الجهل فيرجع بالثمن أو الأرش فإن استوعب الجناية فالأرش ثمنه أيضا و إلا فقدر الأرش و لا يرجع لو كان عالما و له أن يفديه كالمالك و لا يرجع به عليه و لو اقتص منه فلا رد و له الأرش و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان من الثمن انتهى. و ذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب و قال في أوائل البيع من التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني و لو كان المولى معسرا لم يسقط حق المجني عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أولا فإن البائع إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه و لا يحصل من ذمة المعسر فيبقى حق المجني عليه مقدما على حق المشتري و يتخير المشتري الجاهل في الفسخ و يرجع بالثمن و به قال أحمد و بعض الشافعية أو مع الاستيعاب لأن أرش مثل هذا جميع ثمنه و إن لم يستوعب يرجع بقدر أرشه و لو كان عالما بتعلق الحق به فلا رجوع إلى أن قال و إن أوجبت الجناية قصاصا تخير المشتري الجاهل بين الأرش و الرد فإن اقتص منه احتمل تعين الأرش و هو قسط قيمة ما بينه جانيا و غير جان و لا يبطل البيع من أصله لأنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض و المرتد. و قال أبو حنيفة و الشافعي يرجع بجميع ثمنه لأن تلفه لأمر استحق عليه عند البائع فجرى مجرى إتلافه انتهى و قال في التحرير في بيع الجاني خطاء و لو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجني عليه عن رقبة العبد و للمشتري الفسخ مع عدم علمه فإن فسخ رجع بالثمن و إن لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت يرجع المشتري بالثمن أيضا و إن لم تستوعب قيمته رجع بقدر الأرش و لو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد لم يرجع بشي ء و لو اختار المشتري أن يفديه جاز و رجع به على البائع مع الإذن و إلا فلا انتهى. قوله و انتزعت إما راجع إلى رقبة العبد أو إلى القيمة إذا باعه المجني عليه و أخذ قيمته و هذا القيد غير موجود في باقي عبارات العلامة في كتبه الثلاثة و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب قيمته إما أن تكون له قيمة تبذل بإزائه أولا. و على الأول فلا بد أن يبقى شي ء

من الثمن للبائع بإزائه فلا يرجع بجميع الثمن عليه و على الثاني فينبغي بطلان البيع- و لو قيل إن انتزاعه عن ملك المشتري لحق كان عليه عند البائع يوجب غرامته على البائع كان اللازم من ذلك مع بعده في نفسه أن يكون الحكم كذلك فيما لو اقتص من الجاني عمدا و قد عرفت من التذكرة و القواعد الحكم بقسط من الثمن فيه. و بالجملة فالمسألة محل تأمل و الله العالم.

مسألة يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب- ليعرف التفاوت بينهما

فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت و إذا لم تكن القيمة معلومة فلا بد

المكاسب، ج 3، ص 273

من الرجوع إلى العارف بها و هو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند أهل البلد أو أهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة كمن يخبر بأن هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا و هذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة على سائر المحسوسات من العدالة و الإخبار عن الحس و التعدد و قد يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسته أشباه هذا الشي ء و إن لم يتفق اطلاعه على مقدار رغبة الناس في أمثاله و هذا يحتاج إلى الصفات السابقة و زيادة المعرفة و الخبرة بهذا الجنس و يقال له بهذا الاعتبار أهل الخبرة. و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته على تقدير العلم بالخصوصيات واضحة كالصائغ العارف بأصناف الذهب و الفضة من حيث الجودة و الرداءة مع كون قيمة الجيد و الردي ء محفوظة عند الناس معروفة بينهم فقوله هذا قيمته كذا يريد به أنه من جنس قيمته كذا و هذا في الحقيقة لا يدخل في المقوم و كذا القسم الأول فمرادهم بالمقوم هو الثاني لكن الأظهر عدم التفرقة بين الأقسام من حيث اعتبار شروط القبول و إن احتمل في غير الأول الاكتفاء بالواحد- إما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد و إما لاعتبار الظن في مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم و يلزم من طرح قول العادل الواحد و الأخذ بالأقل لأصالة براءة ذمة البائع تضييع حق المشتري في أكثر المقامات و إما لعموم ما دل قبول قول العادل خرج منها ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الأول دون ما كان من قبيل الفتوى كالثاني لكونه ناشئا عن حدس و اجتهاد و تتبع الأشباه و الأنظار و قياسه عليها حتى أنه يحكم لأجل ذلك بأنه ينبغي أن يبذل بإزائه كذا و كذا و إن لم يوجد راغب يبذل له ذلك ثم لو تعذر معرفة القيمة لفقد أهل الخبرة أو توقفهم ففي كفاية الظن أو الأخذ بالأقل وجهان و يحتمل ضعيفا الأخذ بالأكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون إلا به.

مسألة لو تعارض المقومون
اشارة

فيحتمل تقديم بينة الأقل للأصل و بينة الأكثر لأنها مثبتة و القرعة لأنها لكل أمر مشتبه و الرجوع إلى الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع و تخيير الحاكم لامتناع الجمع و فقد المرجح

[الأقوى وجوب الجمع بين البينات مهما أمكن]

لكن الأقوى من الكل ما عليه المعظم من وجوب الجمع بينهما بقدر الإمكان- لأن كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه- فإذا قوم أحدهما بعشرة فقد قوم كلا من نصفه بخمسة و إذا قوم الآخر بثمانية فقد قوم كلا من نصفه بأربعة فيعمل بكل منهما في نصف المبيع و قولاهما و إن كانا متعارضين في النصف أيضا كالكل فيلزم بما ذكر طرح كلا القولين في النصفين- إلا أن طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر أولى في مقام امتثال أدلة العمل بكل بينة من طرح كليهما أو إحداهما رأسا و هذا معنى قولهم إن الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما و لو من وجه أولى من طرح أحدهما رأسا و لذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البينتان في دار في يد رجلين يدعيهما كل منهما- بل ما نحن فيه أولى بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالى لأن الأخذ بأحدهما كلية و ترك الآخر كذلك في التكاليف الشرعية الإلهية لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعاة حق الله سبحانه لرجوع الكل إلى امتثال أمر الله سبحانه بخلاف مقام التكليف بإحقاق حقوق الناس فإن في التبعيض جمعا بين حقوق الناس و مراعاة للجميع و لو في الجملة و لعل هذا هو السر في عدم تخيير الحاكم عند تعارض أسباب حقوق الناس في شي ء من الموارد.

و قد يستشكل ما ذكرنا تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق لأن مرجع بينة النفي إلى عدم وصول نظرها و حدسها إلى الزيادة فبينه الإثبات المدعية للزيادة سليمة- و أخرى بأن الجمع فرع عدم اعتضاد إحدى البينتين بمرجح و أصالة البراءة هنا مرجحة للبينة الحاكمة بالأقل- و ثالثة بأن في الجمع مخالفة قطعية- و إن كان فيه موافقة قطعية- لكن التخيير الذي لا يكون فيه إلا مخالفة احتمالية أولى منه. و يندفع الأول بأن المفروض أن بينة النفي تشهد بالقطع على نفي الزيادة واقعا و إن بذل الزائد في مقابل المبيع سفه. و يندفع الثاني بما قررناه في الأصول من أن الأصول الظاهرية لا تصير مرجحة للأدلة الاجتهادية- بل تصلح مرجعا في المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لأجل التعارض كما في الظاهرين المتعارضين كالعامين من وجه المطابق أحدهما للأصل- و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. و الحاصل أن بينة الزيادة تثبت أمرا مخالفا للأصل و معارضتها بالأخرى النافية لها لا يوجب سقوطها بالمرة لفقد المرجح فيجمع بين النفي و الإثبات بالنصفين. و يندفع الثالث بأن ترجيح الموافقة الاحتمالية غير المشتملة على المخالفة القطعية على الموافقة القطعية المشتملة عليها إنما هو في مقام الإطاعة و المعصية الراجعتين إلى الانقياد و التجري حيث إن ترك التجري أولى من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام إحقاق حقوق الناس فإن مراعاة الجميع أولى من إهمال أحدهما رأسا و إن اشتمل على إعمال الآخر إذ ليس الحق فيها لواحد معين كما في حقوق الله سبحانه- ثم إن قاعدة الجمع حاكمة على دليل القرعة- لأن المأمور به هو العمل بكل من الدليلين لا بالواقع المردد بينهما إذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع- فهما سببان مؤثران بحكم الشارع في حقوق الناس فيجب مراعاتها و إعمال أسبابها بقدر الإمكان إذ لا ينفع توفية حق واحد من إهمال حق الآخر رأسا على النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع ثم إن المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما- و من الثلث ثلثهما و من الأربع ربعهما و هكذا في المعيب ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح و بين المأخوذ و يؤخذ بتلك النسبة فإذا كان إحدى قيمتي الصحيح اثنى عشر و الأخرى ستة و إحدى قيمتي المعيب أربعة و الأخرى اثنين أخذ للصحيح تسعة و للمعيب ثلاثة و التفاوت بالثلثين فيكون الأرش ثلثي الثمن- . و يمكن أيضا على وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين بأن تعمل في نصفه

المكاسب، ج 3، ص 274

بقول المثبت للزيادة و في نصفه الآخر بقول النافي فإذا قومه إحداهما باثني عشر و الأخرى بثمانية أخذ في نصف الأربعة بقول المثبت و في نصفها الآخر بقول النافي جمعا بين حقي البائع و المشتري لكن الأظهر هو الجمع على النهج الأول و يحتمل الجمع بطريق آخر- و هو أن يرجع إلى البينة في مقدار التفاوت- و يجمع بين البينات فيه من غير ملاحظة القيم- و هذا منسوب إلى الشهيد قدس سره على ما في الروضة- و حاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور فإن التفاوت بين الصحيح و المعيب على قول كل من البينتين بالثلثين كما ذكرنا في الطريق الأول و قد يختلفان كما إذا كانت إحدى قيمتي الصحيح اثنى عشر و الأخرى ثمانية و قيمة المعيب على الأول عشرة و على الثاني خمسة فعلى الأول يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح- أعني العشرة- و نصف قيمتي المعيب و هو سبعة و نصف فالتفاوت بالربع فالأرش ربع الثمن- أعني ثلاثة من اثنى عشر لو فرض الثمن اثنى عشر. و على الثاني يؤخذ التفاوت بين الصحيح و المعيب على إحدى البينتين بالسدس. و على الآخر ثلاثة أثمان و ينصف المجموع- أعني ستة و نصفا من اثنى عشر جزء و يؤخذ نصفه و هو ثلاثة و ربع و قد كان في الأول ثلاثة و قد ينقص عن الأول- كما اتفقا على أن قيمة المعيب ستة و قال إحداهما قيمة الصحيح ثمانية و قال الأخرى عشرة. فعلى الأول يجمع القيمتان و يؤخذ نصفهما تسعة و نسبته إلى الستة بالثلث. و على الثاني يكون التفاوت على إحدى البينتين ربعا- .

و على الأخرى خمسين فيؤخذ نصف الربع و نصف الخمسين فيكون ثمنا و خمسا و هو ناقص عن الثلث بنصف خمس- .

[صور اختلاف المقومين]
اشارة

توضيح هذا المقام أن الاختلاف إما أن يكون في الصحيح فقط مع اتفاقهما على المعيب و إما أن يكون في المعيب فقط و إما أن يكون فيهما

[الاختلاف في الصحيح فقط]

فإن كان في الصحيح فقط كما في المثال الأخير- فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما لأنك قد عرفت أن الملحوظ على طريق المشهور نسبة المعيب إلى مجموع نصفي قيمتي الصحيح- المجعول قيمة منتزعة- و على الطريق الآخر نسبة المعيب إلى كل من القيمتين- المستلزمة لملاحظة أخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البينتين في العمل. و المفروض في هذه الصورة أن نسبة المعيب- إلى مجموع نصفي قيمتي الصحيح التي هي طريقة المشهور مخالفة لنسبة نصفه إلى كل من النصفين لأن نسبة الكل إلى الكل تساوي نسبة نصفه إلى كل من نصفي ذلك الكل و هو الأربعة و النصف في المثال- لا إلى كل من النصفين المركب منهما ذلك الكل- كالأربعة و الخمسة- بل النصف المنسوب إلى أحد بعض المنسوب إليه كالأربعة نسبه مغايرة لنسبته إلى البعض الآخر أعني الخمسة و هكذا غيره من الأمثلة

[الاختلاف في المعيب فقط]

و إن كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين أبدا لأن نسبة الصحيح إلى نصف مجموع قيمتي المعيب على ما هو طريق المشهور مساوية لنسبة نصفه إلى نصف إحداهما- و نصفه الآخر إلى نصف الأخرى- كما إذا اتفقا على كون الصحيح اثنى عشر- و قالت إحداهما المعيب ثمانية و قالت الأخرى ستة فإن تفاوت السبعة و الاثني عشر الذي هو طريق المشهور مساو لنصف مجموع تفاوتي الثمانية مع الاثني عشر و الستة مع الاثني عشر لأن نسبة الأولين بالثلث و الآخرين بالنصف و نصفهما السدس و الربع و هذا بعينه تفاوت السبعة و الاثني عشر

[الاختلاف في الصحيح و المعيب معا]

و إن اختلفا في الصحيح و المعيب فإن اتحدت النسبة بين الصحيح و المعيب على كلتا البينتين فيتحد الطريقان دائما كما إذا قومه إحداهما صحيحا باثني عشر و معيبا بستة و قومه الأخرى صحيحا بستة و معيبا بثلاثة فإن نصف الصحيحين أعني التسعة- تفاوته مع نصف مجموع المعيبين و هو الأربعة و نصف- عين نصف تفاوتي الاثني عشر مع الستة و الستة مع الثلاثة- . و الحاصل أن كل صحيح ضعف المعيب فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف نصف المعيبين- و إن اختلفت النسبة فقد يختلف الطريقان و قد يتحدان. و قد تقدم مثالهما في أول المسألة- ثم إن الأظهر بل المتعين في المقام هو الطريق الثاني المنسوب إلى الشهيد قدس سره وفاقا للمحكي عن إيضاح النافع حيث ذكر أن طريق المشهور ليس بجيد و لم يذكر وجهه و يمكن إرجاع كلام الأكثر إليه كما سيجي ء و وجه تعين هذا الطريق أن أخذ القيمة من القيمتين على طريق المشهور أو النسبة المتوسطة من النسبتين على الطريق الثاني- . إما للجمع بين البينتين- بإعمال كل منهما في نصف العين كما ذكرنا- و إما لأجل أن ذلك توسط بينهما- لأجل الجمع بين الحقين- بتنصيف ما به التفاوت نفيا و إثباتا- على النهج الذي ذكرناه أخيرا في الجمع بين البينتين كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقي من الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع أحدهما المردد بينهما من عند الودعي- و لم تكن هنا بينة تشهد لأحدهما بالاختصاص بل و لا ادعى أحدهما اختصاصه بالدرهم الموجود فعلى الأول فاللازم و إن كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح و المعيب كما فعله المشهور- بأن يجمع الاثنا عشر و الثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح في المثال المتقدم- و يؤخذ نصف إحداهما قيمة نصف المبيع صحيحا- و نصف الأخرى قيمة للنصف الآخر منه- و لازم ذلك كون تمامه بعشرة- و يجمع قيمتا المعيب أعني العشرة و الخمسة و يؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من أحدهما و لازم ذلك كون تمام المبيع بسبعة و نصف- إلا أنه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي إحدى القيمتين أعني العشرة- إلى المجموع من نصف الأخرى أعني سبعة و نصفا كما نسب إلى المشهور- لأنه إذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة إلى كل من النصفين صحيحا و معيبا و أخذ الأرش لكل نصف على حسب تفاوت صحيحه و معيبه فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح إلا باعتبار أن نصفه مقوم بستة و نصفه الآخر بأربعة- و كذا السبعة و النصف ليست قيمة لمجموع المعيب إلا باعتبار أن نصفه مقوم بخمسة و نصفه الآخر باثنين و نصف- فلا وجه ل أخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة و السبعة و النصف بل لا بد من أخذ تفاوت ما بين الأربعة- و الاثنين و نصف لنصف منه تفاوت ما بين الستة و الخمسة للنصف الآخر. و توهم أن حكم شراء شي ء تغاير قيمتا نصفيه حكم ما لو اشترى بالثمن الواحد مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحا و معيبا بأن اشترى عبدا و جارية باثني عشر فظهرا معيبين و العبد يسوى أربعة صحيحا و اثنين و نصف معيبا و الجارية تسوى ستة صحيحة و خمسة معيبة فإنه لا شك في أن اللازم في هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحة و معيبة أعني العشرة و السبعة و النصف- و أخذ التفاوت و هو الربع من الثمن و هو ثلاثة إذا فرض الثمن اثنى عشر- كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه- مدفوع بأن الثمن في المثال- لما كان موزعا

المكاسب، ج 3، ص 275

على العبد و الجارية بحسب قيمتهما- فإذا أخذ المشتري ربع الثمن أرشا فقد أخذ للعبد ثلاثة أثمان قيمته و للجارية سدسها كما هو الطريق المختار لأنه أخذ من مقابل الجارية أعني سبعة و خمسا سدسه و هو واحد و خمس و من مقابل العبد أعني أربعة و أربعة أخماس ثلاثة أثمان و هو واحد و أربعة أخماس فالثلاثة التي هي ربع الثمن- منطبق على السدس و ثلاثة أثمان- بخلاف ما نحن فيه فإن المبذول في مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة أمر واحد و هو نصف الثمن. فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية و العبد في المثال المفروض بثمن مساو للآخر بأن اشترى كلا منهما بنصف الاثني عشر في عقد واحد أو عقدين فلا يجوز حينئذ أخذ الربع من اثنى عشر بل المتعين حينئذ أن يؤخذ من ستة الجارية سدس- و من ستة العبد اثنان و ربع- فيصير مجموع الأرش ثلاثة و ربعا و هو المأخوذ في المثال المتقدم على الطريق الثاني. و قد ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين شهادة البينات بالقيم أو شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب و إن لم يذكروا القيم- هذا كله إذا كان مستند المشهور في أخذ القيمة الوسطى- العمل بكل من البينتين في جزء من المبيع و أما إذا كان المستند مجرد الجمع بين الحقين على ما ذكرناه أخيرا بأن ينزل القيمة الزائدة و يرتفع الناقصة على حد سواء فالمتعين الطريق الثاني أيضا- سواء شهدت البينتان بالقيمتين- أم شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب- أما إذا شهدتا بنفس التفاوت فلأنه إذا شهدت إحداهما بأن التفاوت بين الصحيح و المعيب بالسدس و هو الاثنان من اثنى عشر- و شهدت الأخرى بأنه بثلاثة أثمان- و هو الثلاثة من ثمانية- زدنا على السدس ما ينقص من ثلاثة أثمان- و صار كل واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا و نصف سدس- و ثمنه و هو من الثمن المفروض اثنا عشر ثلاثة و ربع كما ذكرنا سابقا و إن شهدت البينتان بالقيمتين فمقتضى الجمع بين حقي البائع و المشتري في مقام إعطاء الأرش و أخذه- تعديل قيمتي كل من الصحيح و المعيب بالزيادة و النقصان بأخذ قيمة نسبته إلى المعيب- دون نسبة القيمة الزائدة و فوق نسبة الناقصة فيؤخذ من الاثني عشر و العشرة و من الثمانية و الخمسة قيمتان للصحيح و المعيب- نسبة إحداهما إلى الأخرى يزيد على السدس- بما ينقص من ثلاثة أثمان- فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما على المعيب بسدس و نصف سدس و ثمن سدس- و من هنا يمكن إرجاع كلام الأكثر إلى الطريق الثاني- بأن يريدوا من أوسط القيم المتعددة للصحيح و المعيب القيمة المتوسطة بين القيم لكل منهما- من حيث نسبتها إلى قيمة الآخر فيكون مرادهم من أخذ قيمتين للصحيح و المعيب- قيمة متوسطة من حيث نسبة إحداهما إلى الأخرى بين أقوال جميع البينات المقومين للصحيح و الفاسد و ليس في كلام الأكثر أنه يجمع قيم الصحيح و ينتزع منها قيمة و كذلك قيم المعيب- ثم تنسب إحدى القيمتين المنتزعتين إلى الأخرى- . قال في المقنعة فإن اختلف أهل الخبرة عمل على أوسط القيم و نحوه في النهاية و في الشرائع حمل على الأوسط. و بالجملة فكل من عبر بالأوسط يحتمل أن يريد الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد هذا مع أن المستند في الجميع هو ما ذكرنا من وجوب العمل بكل من البينتين في قيمة نصف المبيع. نعم لو لم تكن بينة أصلا لكن علمنا من الخارج- أن قيمة الصحيح إما هذا و إما ذاك و كذلك قيمة المعيب- و لم نقل حينئذ بالقرعة أو الأصل فاللازم الاستناد في التنصيف إلى الجمع بين الحقين على هذا الوجه. و قد عرفت أن الجمع بتعديل التفاوت لأنه الحق دون خصوص القيمتين المحتملين و الله العالم

القول في الشروط التي يقع عليها العقد و شروط صحتها و ما يترتب
الشرط يطلق في العرف على معنيين
أحدهما المعنى الحدثي

و هو بهذا المعنى مصدر شرط فهو شارط للأمر الفلاني و ذلك الأمر مشروط و فلان مشروط له أو عليه. و في القاموس أنه إلزام الشي ء و التزامه في البيع و غيره و ظاهره كون استعماله في الإلزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح لكن لا إشكال في صحته لوقوعه في الأخبار كثيرا مثل قوله ص في حكاية بيع بريرة: إن قضاء الله أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق. و قول أمير المؤمنين ص: في الرد على مشترط عدم التزوج بامرأة أخرى في النكاح إن شرط الله قبل شرطكم و قوله: ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و في غيره قال هما بالخيار حتى يفترقا و قد أطلق على النذر أو العهد أو الوعد في بعض أخبار الشرط في النكاح. و قد اعترف في الحدائق بأن إطلاق الشرط على البيع كثير في الأخبار و أما دعوى كونه مجازا فيدفعها مضافا إلى أولوية الاشتراك المعنوي و إلى أن المتبادر من قوله شرط على نفسه كذا ليس إلا مجرد الالتزام استدلال الإمام ع بالنبوي: المؤمنون عند شروطهم فيما تقدم من الخبر الذي أطلق فيه الشرط على النذر أو العهد و مع ذلك فلا حجة فيما في القاموس مع تفرده به و لعله لم يلتفت إلى الاستعمالات التي ذكرناها و إلا لذكرها و لو بعنوان يشعر بمجازيتها ثم قد يتجوز في لفظ الشرط بهذا المعنى فيطلق على نفس المشروط كالخلق بمعنى المخلوق فيراد به ما يلزمه الإنسان على نفسه.

الثاني ما يلزم من عدمه العدم

من دون ملاحظة أنه يلزم من وجوده الوجود أولا و هو بهذا المعنى اسم جامد لا مصدر فليس فعلا و لا حدثا و اشتقاق المشروط منه ليس على الأصل كالشارط و لذا ليسا بمتضايفين في الفعل و الانفعال بل الشارط هو الجاعل و المشروط هو ما جعل له الشرط كالمسبب بالكسر و الفتح المشتقين من السبب فعلم من ذلك أن الشرط في المعنيين نظير الأمر بمعنى المصدر و بمعنى الشي ء

و أما استعماله في السنة النحاة على الجملة الواقعة عقيب أدوات الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من إفادة تلك الجملة لكون مضمونها شرطا بالمعنى الثاني كما أن استعماله في السنة أهل المعقول و الأصول فيما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده الوجود مأخوذ من ذلك المعنى إلا أنه أضيف إليه ما ذكر في اصطلاحهم مقابلا للسبب. فقد تلخص مما ذكرنا أن للشرط معنيين عرفيين و آخرين اصطلاحيين لا يحمل عليهما الإطلاقات العرفية بل هي مرددة بين الأولين فإن قامت قرينة على إرادة المصدر تعين الأول أو على إرادة الجامد تعين الثاني و إلا حصل الإجمال و ظهر أيضا أن المراد بالشرط في قولهم ص: المؤمنون عند شروطهم هو الشرط باعتبار كونه مصدرا إما مستعملا في معناه أعني إلزاما على أنفسهم و إما مستعملا بمعنى ملتزماتهم و إما بمعنى جعل الشي ء شرطا بالمعنى الثاني بمعنى التزام عدم شي ء عند عدم آخر و سيجي ء الكلام في ذلك. و أما الشرط في قوله:

المكاسب، ج 3، ص 276

ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و أما الشرط في غيره قال البيعان بالخيار حتى يفترقا و قوله: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو لم يشترط فيحتمل أن يراد به ما قرره الشارع و ألزمه على المتبايعين أو أحدهما من التسلط على الفسخ فيكون مصدرا بمعنى المفعول فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع و يحتمل أن يراد به الحكم الشرعي المقرر و هو ثبوت الخيار و على كل تقدير ففي الإخبار عنه بقوله ثلاثة أيام مسامحة. نعم في بعض الأخبار في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام و لا يخفى توقفه على التوجيه

الكلام في شروط صحة الشرط
اشارة

و هي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها

أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف

فيخرج ما لا يقدر العاقد على تسليمه إلى صاحبه سواء كان صفة لا يقدر العاقد على تسليم العين موصوفا بها مثل صيرورة الزرع سنبلا و كون الأمة و الدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا أو كان عملا كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا كما مثل به في القواعد لكن الظاهر أن المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا و الغرض الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته كأفعال الله سبحانه لا عن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه لأن الإلزام و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء و الاحتراز عن مثل الجمع بين الضدين أو الطيران في الهواء مما لا يرتكبه العقلاء و الإتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز و الصحة بعيد عن شأن الفقهاء و لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك في باب الإجارة و الجعالة مع أن اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة. نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج عن اختيار المتعاقدين المحتمل وقوعه في المستقبل و ارتباط العقد به بحيث يكون التراضي منوطا به و واقعا عليه أمر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم بل أولى بالاشتراط من الوصف الحالي غير المعلوم تحققه ككون العبد كاتبا و الحيوان حاملا و الغرض الاحتراز عن ذلك و يدل على ما ذكرنا تعبير أكثرهم ببلوغ الزرع و البسر سنبلا و تمرا أو لصيرورتهما كذلك و تمثيلهم لغير المقدور بانعقاد الثمرة و إيناعها و حمل الدابة في ما بعد و وضع الحامل في وقت كذا و غير ذلك. و قال في القواعد- يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا قال الشهيد رحمه الله في محكي حواشيه على القواعد إن المراد جعل الله الزرع سنبلا و البسر تمرا لأنا إنما نفرض فيما يجوز أن يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من غير الإله جلت عظمته انتهى لكن قال في الشرائع و لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره كبيع الزرع على أن يجعله سنبلا و الرطب على أن يجعله تمرا انتهى. و نحوها عبارة التذكرة لكن لا بد من إرجاعها إلى ما ذكر إذ لا يتصور القصد من العاقل إلى الإلزام و الالتزام بهذا الممتنع العقلي اللهم إلا أن يراد إعمال مقدمات الجعل على وجه توصل إليه مع التزام الإيصال فأسند إلى نفسه بهذا الاعتبار فافهم. و كيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور مضافا إلى عدم الخلاف فيه- عدم القدرة على تسليمه بل و لا على تسليم المبيع إذا أخذ متصفا به لأن تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق و لا يناط بإرادة المشروط عليه فيلزم الغرر في العقد لارتباطه بما لا وثوق بتحققه و لذا نفى الخلاف في الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط استنادا على عدم القدرة على تسليم المبيع كما يظهر بالتأمل في آخر كلامه في هذه المسألة و لا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا للفرق بينهما بعد الإجماع بأن التزام وجود الصفة في الحال بناء على وجود الوصف الحالي و لو لم يعلما به فاشتراط كتابة العبد المعين الخارجي بمنزلة توصيفه بها و بهذا المقدار يرتفع الغرر بخلاف ما سيتحقق في المستقبل فإن الارتباط به لا يدل على البناء على تحققه. و قد صرح العلامة فيما حكي عنه ببطلان اشتراط أن تكون الأمة تحمل في المستقبل لأنه غرر عرفا خلافا للمحكي عن الشيخ و القاضي فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل و بجواز الفسخ إذا لم يتحقق و ظاهرهما كما استفاده في الدروس تزلزل العقد باشتراط مجهول التحقق فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط. و يمكن توجيه كلام الشيخ بإرجاع اشتراط الحمل في المستقبل إلى اشتراط صفة حالية موجبة للحمل فعدمه كاشف عن فقدها و هذا الشرط و إن كان للتأمل في صحته مجال إلا أن إرادة هذا المعنى يخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف ثم إن عدم القدرة على الشرط تارة لعدم مدخليته فيه أصلا كاشتراط أن الحامل تضع في شهر كذا و أخرى لعدم استقلاله فيه كاشتراط بيع المبيع من زيد فإن المقدور هو الإيجاب فقط لا العقد المركب فإن أراد اشتراط المركب فالظاهر دخوله في اشتراط غير المقدور إلا أن العلامة قدس سره في التذكرة بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه على زيد قال لو اشترط بيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه احتمل ثبوت الخيار بين الفسخ و الإمضاء و العدم إذ تقديره بعه على

زيد إن اشتراه انتهى و لا أعرف وجها للاحتمال الأول إذ على تقدير إرادة اشتراط الإيجاب فقط قد حصل الشرط و على تقدير اشتراط المجموع المركب ينبغي البطلان إلا أن يحمل على صورة الوثوق بالاشتراء فالاشتراط النتيجة بناء على حصولها بمجرد الإيجاب فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذر الشرط و عليه يحمل قوله في التذكرة و لو اشترط على البائع إقامة كفيل على العهدة فلم يوجد أو امتنع المعين ثبت للمشتري الخيار انتهى.

و من أفراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا على سبب خاص بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط كاشتراط كون امرأة مزوجة أو الزوجة مطلقة من غير أن يراد من ذلك إيجاد الأسباب أما لو أراد إيجاد الأسباب أو كان الشرط مما يكفي في تحققه نفس الاشتراط فلا إشكال و لو شك في حصوله بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة فسيأتي الكلام فيه في حكم الشرط.

الثاني أن يكون الشرط سائغا في نفسه

فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمرا و نحوه من المحرمات لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم و يدل عليه ما سيجي ء من قوله: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا فإن الشرط إذا كان محرما

المكاسب، ج 3، ص 277

كان اشتراطه و الالتزام به إحلالا للحرام و هذا واضح لا إشكال فيه.

الثالث أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا- أو بالنظر إلى خصوص المشروطة له.

و مثل له في الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات و قد صرح جماعة بأن اشتراط الكيل أو الوزن بمكيال معين أو ميزان معين من أفراد المتعارف لغو سواء في السلم و غيره. و في التذكرة لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار و الوجه في ذلك أن مثل ذلك لا يعد حقا للمشروط له حتى يتضرر بتعذره فيثبت له الخيار أو يعتني به الشارع فيوجب الوفاء به و يكون تركه ظلما فهو نظير عدم إمضاء الشارع لبذل المال على ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه- و من هنا اختار في التذكرة صحة اشتراط أن لا يأكل إلا الهريسة و لا يلبس إلا الخز و لو اشترط كون العبد كافرا ففي صحته أو لغويته قولان للشيخ و الحلي من تعلق الغرض المعتد به لجواز بيعه على المسلم و الكافر و لاستغراق أوقاته بالخدمة و من أن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه و الأغراض الدنيوية لا تعارض الأخروية و جزم بذلك في الدروس و بما قبله العلامة قدس سره.

الرابع أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة
اشارة

فلو اشترط رقية حر أو توريث أجنبي كان فاسدا لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغهما شي ء. نعم قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب و السنة بأدلة الوفاء بل قد جوز بعض تخصيص عموم ما دل على عدم جواز الشرط المخالف للكتاب و السنة لكنه مما لا يرتاب في ضعفه. و تفصيل الكلام في هذا المقام و بيان معنى مخالفة الشرط للكتاب و السنة موقوف على ذكر

الأخبار الواردة في هذا الشرط

ثم التعرض لمعناها فنقول إن الأخبار في هذا المعنى مستفيضة بل متواترة معنى. ففي النبوي المروي صحيحا عن أبي عبد الله ع: من اشترط شرطا سوى كتاب الله عز و جل فلا يجوز ذلك له و لا عليه و المذكور في كلام الشيخ و العلامة رحمه الله المروي من طريق العامة قوله ص في حكاية بريرة لما اشترتها عائشة و شرط مواليها عليها ولاءها ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فما كان من شرط ليس في كتاب الله عز و جل فهو باطل قضاء الله أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق و في المروي موثقا عن أمير المؤمنين ع: من شرط لامرأته شرطا فليف به لها فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما و في صحيحة الحلبي: كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود و في صحيحة ابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله و في صحيحته الأخرى: المؤمنون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز و في رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر ع: في من تزوج امرأة و أصدقها و اشترطت عليه أن بيدها الجماع و الطلاق قال خالفت السنة و وليت حقا ليست أهلا له فقضى أن عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة و في معناها مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله ع و مرسلة مروان بن مسلم إلا أن فيهما عدم جواز هذا النكاح. و في رواية إبراهيم بن محرز قال قلت لأبي عبد الله ع رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقال ع: إني يكون هذا و قد قال الله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ و عن تفسير العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر ع قال: قضى أمير المؤمنين ع في امرأة تزوجها رجل و شرط عليها و على أهلها أن تزوج عليها أو هجرها أو أتى عليها سرية فهي طالق فقال ع شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه و إن شاء أمسك امرأته و تزوج عليها و تسرى و هجرها إن أتت بسبب ذلك قال الله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ و قال أحل لكم ما ملكت أيمانكم وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ الآية

[المراد بكتاب الله]

ثم الظاهر أن المراد بكتاب الله هو ما كتب الله على عباده من أحكام الدين و أن بينه على لسان رسوله ص فاشتراط ولاء المملوك لبائعه إنما جعل في النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعنى لكن ظاهر النبوي و إحدى صحيحتي ابن سنان- اشتراط موافقة كتاب الله في صحة الشرط و أن ما ليس فيه أو لا يوافقه فهو باطل

[المراد بموافقة الكتاب في بعض الأخبار]

و لا يبعد أن يراد بالموافقة عدم المخالفة نظرا إلى موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات غير المحرمة في النفس و المال فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعنى

[المتصف بمخالفة الكتاب إما الملتزم أو نفس الالتزام]

ثم إن المتصف بمخالفة الكتاب- إما نفس المشروط و الملتزم ككون الأجنبي وارثا و عكسه و كون الحر أو ولده رقا و ثبوت الولاء لغير المعتق و نحو ذلك و إما أن يكون التزامه مثلا مجرد عدم التسري و التزوج على المرأة ليس مخالفا للكتاب و إنما المخالف الالتزام به فإنه مخالف لإباحة التسري و التزوج الثابتة بالكتاب و قد يقال إن التزام ترك المباح لا ينافي إباحته فاشتراط ترك التزوج و التسري لا ينافي الكتاب فينحصر المراد في المعنى الأول. و فيه أن ما ذكر لا يوجب الانحصار فإن التزام ترك المباح و إن لم يخالف الكتاب المبيح له إلا أن التزام فعل الحرام يخالف الكتاب المحرم له فيكفي هذا مصداقا لهذا المعنى مع أن الرواية المتقدمة الدالة على كون اشتراط ترك التزوج و التسري مخالفا للكتاب مستشهدا عليه بما دل من الكتاب على إباحتهما كالصريحة في هذا المعنى و ما سيجي ء من تأويل الرواية بعيد مع أن قوله ع في رواية إسحاق بن عمار: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ظاهر بل صريح في فعل الشارط فإنه الذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعي و يمنع باشتراطه عن المباح الشرعي إذ المراد من التحريم و إلا حلال ما هو من فعل الشارط لا الشارع و أصرح من ذلك كله المرسل المروي في الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة

[المراد بحكم الكتاب و السنة]

ثم إن المراد بحكم الكتاب و السنة الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له هو ما ثبت على وجه لا يقبل تغيره بالشرط لأجل تغير موضوعه بسبب الاشتراط.

[انقسام الحكم الشرعي إلى قسمين]
[ما يثبت للشي ء من حيث نفسه]

و توضيح ذلك أن حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طار عليه و لازم ذلك من عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع و مثال ذلك أغلب المباحات و المستحبات و المكروهات بل جميعها حيث إن تجويز الفعل و الترك إنما هو من حيث ذات الفعل فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن

المكاسب، ج 3، ص 278

الفعل أو الترك كأكل اللحم فإن الشرع قد دل على إباحته في نفسه بحيث لا ينافي عروض التحريم له إذا حلف على تركه أوامر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له إذا صار مقدمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده

[ما يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الطارئة]

و قد يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه و لازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له و هذا نظير أغلب المحرمات و الواجبات فإن الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع إلا عن بعض العنوانات كالضرر و الحرج فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج و الضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج

[القسم الأول من الشروط ليس مخالفا للكتاب]

إذا عرفت هذا فنقول الشرط إذا ورد على ما كان من قبيل الأول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب إذا المفروض أنه لا تنافي بين حكم ذلك الشي ء في الكتاب و السنة و بين دليل الالتزام بالشرط و وجوب الوفاء به و إذا ورد على ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب و السنة

[ظاهر مورد بعض الأخبار من قبيل الأول و توجيهه]
اشارة

و لكن ظاهر مورد بعض الأخبار المتقدمة من قبيل الأول كترك التزوج و ترك التسري فإنهما مباحان من حيث أنفسهما فلا ينافي ذلك لزومهما بواسطة العنوانات الخارجة كالحلف و الشرط و أمر السيد و الوالد و حينئذ فيجب إما جعل ذلك الخبر كاشفا عن كون ترك الفعلين في نظر الشارع من الجائز الذي لا يقبل اللزوم بالشرط و إن كان في أنظارنا نظير ترك أكل اللحم و التمر و غيرهما من المباحات القابلة لطرو عنوان التحريم لكن يبعده استشهاد الإمام لبطلان تلك الشروط بإباحة ذلك في القرآن و هو في معنى إعطاء الضابطة لبطلان الشروط. و أما الحمل على أن هذه الأفعال مما لا يجوز تعلق وقوع الطلاق عليها و أنها لا توجب الطلاق كما فعله الشارط فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة إذ الكتاب دال على إباحتها و أنها مما لا يترتب عليه حرج و لو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل. و يشهد لهذا الحمل و إن بعد بعض الأخبار الظاهرة في وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام مثل رواية منصور بن يونس قال: قلت لأبي الحسن ع إن شريكا لي كان تحته امرأة فطلقها فبانت منه فأراد مراجعتها فقالت له المرأة لا و الله لا أتزوجك أبدا حتى يجعل الله لي عليك أن لا تطلقني و لا تتزوج علي قال و قد فعل قلت نعم جعلني الله فداك قال بئسما صنع ما كان يدري ما يقع في قلبه بالليل و النهار ثم قال أما الآن فقل له فليتم للمرأة شرطها فإن رسول الله ص قال المسلمون عند شروطهم فيمكن حمل رواية محمد بن قيس على إرادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط فتأمل.

ثم إنه لا إشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي إلى القسمين المذكورين و أن المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على القسم الثاني لا الأول

منها كون من أحد أبويه حر رقا

فإن ما دل على أنه لا يملك ولد حر قابل لأن يراد به عدم رقية ولد الحر بنفسه بمعنى أن الولد ينعقد لو خلي و طبعه تابعا لأشرف الأبوين فلا ينافي جعله رقا بالشرط في ضمن عقد و أن يراد به أن ولد الحر لا يمكن أن يصير في الشريعة رقا فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب و السنة الدالين على هذا الحكم.

و منها إرث المتمتع بها هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد المتعة أو عقد آخر أم لا

فإن الظاهر الاتفاق على عدم مشروعية اشتراطه في ضمن عقد آخر و عدم مشروعية اشتراط إرث أجنبي آخر في ضمن عقد مطلقا فيشكل الفرق حينئذ بين أفراد غير الوارث و بين أفراد العقود و جعل ما حكموا بجوازه مطلقا مطابقا للكتاب و ما منعوا عنه مخالفا إلا أن يدعى أن هذا الاشتراط مخالف للكتاب إلا في هذا المورد أو أن الشرط المخالف للكتاب ممنوع إلا في هذا المورد و لكن عرفت وهن الثاني و الأول يحتاج إلى تأمل.

و منها أنهم اتفقوا على جواز اشتراط الضمان في العارية

و اشتهر عدم جوازه في عقد الإجارة فيشكل أن مقتضى أدلة عدم ضمان الأمين عدم ضمانه في نفسه من غير إقدام عليه بحيث لا ينافي إقدامه على الضمان من أول الأمر أو عدم مشروعية ضمانه و تضمينه و لو بالأسباب كالشرط في ضمن عقد تلك الأمانة أو غير ذلك

و منها اشتراط أن لا يخرج بالزوجة إلى بلد آخر

فإنهم اختلفوا في جوازه و الأشهر على الجواز و جماعة على المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث وجوب إطاعة الزوج و كون مسكن الزوجة و منزلها باختياره و أورد عليهم بعض المجوزين بأن هذا جار في جميع الشروط السائغة من حيث إن الشرط ملزم لما ليس بلازم فعلا أو تركا.

و بالجملة فموارد الإشكال في تميز الحكم الشرعي القابل لتغيره بالشرط بسبب تغير عنوانه عن غير القابل كثيرة يظهر للمتتبع فينبغي للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنة الدالين على الحكم الذي يراد تغيره بالشرط و التأمل فيه حتى يحصل له التميز و يعرف أن المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافي لقوله ص: الولاء لمن أعتق أو من قبيل ثبوت الخيار للمتبائعين غير المنافي لقوله ع: إذا افترقا وجب البيع أو عدمه لهما في المجلس مع قوله ع: البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلى غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة المخالفة حكما

[الأصل عدم المخالفة عند عدم التميز]

فإن لم يحصل له بنى على أصالة عدم المخالفة فيرجع إلى عموم: المؤمنون عند شروطهم و الخارج عن هذا العموم و إن كان هو المخالف واقعا للكتاب و السنة لا ما علم مخالفته إلا أن البناء على أصالة عدم المخالفة يكفي في إحراز عدمها واقعا كما في سائر مجاري الأصول و مرجع هذا الأصول إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يقبل تغيره بالشرط مثلا نقول إن الأصل عدم ثبوت هذا الحكم بتسلط الزوج على الزوجة من حيث المسكن لا من حيث هو لو خلي و طبعه و لم يثبت في صورة إلزام الزوج على نفسه بعض خصوصيات المسكن لكن هذا الأصل إنما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال على الحكم في إطلاقه بحيث يشمل صورة الاشتراط كما في أكثر الأدلة المتضمنة للأحكام المتضمنة للرخصة و التسليط فإن الظاهر سوقها في مقام بيان حكم الشي ء من حيث هو الذي لا ينافي طرو خلافه لملزم شرعي كالنذر و شبهه من حقوق الله و الشرط و شبهه من حقوق الناس أما ما كان ظاهره العموم كقوله: لا يملك ولد حر فلا مجرى فيه لهذا الأصل. ثم إن بعض مشايخنا المعاصرين بعد ما خص الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه في الأخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب و أن التزام فعل المباح أو الحرام أو ترك المباح أو الواجب خارج عن مدلول تلك الأخبار ذكر أن المتعين

المكاسب، ج 3، ص 279

في هذه الموارد ملاحظة التعارض بين ما دل على حكم ذلك الفعل و ما دل على وجوب الوفاء بالشرط و يرجع إلى المرجحات و ذكر أن المرجح في مثل اشتراط شرب الخمر هو الإجماع قال و ما لم يكن فيه مرجح يعمل فيه بالقواعد و الأصول. و فيه من الضعف ما لا يخفى مع أن اللازم على ذلك الحكم بعدم لزوم الشرط بل عدم صحته في جميع موارد عدم الترجيح لأن الشرط إن كان فعلا يجوز تركه كان اللازم مع تعارض أدلة وجوب الوفاء بالشرط و أدلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع إلى أصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط فلا يلزم بل لا يصح و إن كان فعل محرم أو ترك واجب لزم الرجوع إلى أصالة بقاء الوجوب و التحريم الثابتين قبل الاشتراط.

فالتحقيق ما ذكرنا من أن من الأحكام المذكورة في الكتاب و السنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه كأكثر ما ترخص في فعله و تركه و منها ما لا يقبله كالتحريم و كثير من موارد الوجوب

و أدلة الشروط حاكمة على القسم الأول دون الثاني

فإن اشتراطه مخالف لكتاب الله كما عرفت و عرفت حكم صورة الشك و قد تفطن قدس سره لما ذكرنا في حكم القسم الثاني و أن الشرط فيه مخالف للكتاب بعض التفطن بحيث كاد أن يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين أدلة وجوب الوفاء بالشرط و أدلة حرمة شرب الخمر فقال و لو جعل هذا الشرط من أقسام الشرط المخالف للكتاب و السنة كما يطلق عليه عرفا لم يكن بعيدا انتهى.

[المراد من تحريم الحلال و تحليل الحرام]

و مما ذكرنا من انقسام الأحكام الشرعية المدلول عليها في الكتاب و السنة على قسمين يظهر لك معنى قوله ع في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما فإن المراد بالحلال و الحرام فيها ما كان كذلك بظاهر دليله حتى مع الاشتراط نظير شرب الخمر و عمل الخشب صنما أو صورة حيوان و نظير مجامعة الزوج التي دل بعض الأخبار السابقة على عدم ارتفاع حكمها أعني الإباحة متى أراد الزوج باشتراط كونها بيد المرأة و نظير التزوج و التسري و الهجر حيث دل بعض تلك الأخبار على عدم ارتفاع إباحتها باشتراط تركها معللا بورود الكتاب العزيز بإباحتها. أما ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه أو كان حراما كذلك فلا يلزم من اشتراط فعله أو تركه إلا تغير عنوان الحلال و الحرام الموجب لتغير الحل و الحرمة فلا يكون حينئذ تحريم حلال و لا تحليل حرام أ لا ترى أنه لو نهى السيد عبده أو الوالد ولده عن فعل مباح أعني مطالبة ماله في ذمة غريمه أو حلف الملك على تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا من حيث طرو عنوان معصية السيد و الوالد و عنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال فكذلك ترك ذلك الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به و كذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها إلى بلد آخر محرم في نفسه و كذلك امتناعها من المجامعة و لا ينافي ذلك حليتهما باشتراط عدم إخراجها عن بلدها أو باشتراط عدم مجامعتها كما في بعض النصوص. و بالجملة فتحريم الحلال و تحليل الحرام إنما يلزم مع معارضة أدلة الوفاء بالشرط لأدلة أصل الحكم حتى يستلزم وجوب الوفاء مخالفة ذلك و طرح دليله أما إذا كان دليل ذلك الحكم لا يفيد إلا ثبوته لو خلي الموضوع و طبعه فإنه لا يعارضه ما دل على ثبوت ضد ذلك الحكم إذا طرأ على الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك الحكم له إلا مجردا عن ذلك العنوان

ثم إنه يشكل الأمر في استثناء الشرط المحرم للحلال
اشارة

على ما ذكرنا في معنى الرواية بأن أدلة حلية أغلب المحللات بل كلها إنما تدل على حليتها في أنفسها لو خليت و أنفسها فلا تنافي حرمتها من أجل الشرط كما قد تحرم من أجل النذر و أخويه و من جهة إطاعة الوالد و السيد و من جهة صيرورتها علة للمحرم و غير ذلك من العناوين الطارئة لها. نعم لو دل دليل حل شي ء على الحلية المطلقة نظير دلالة أدلة المحرمات بحيث لا يقبل طرو عنوان مغير عليه أصلا أو خصوص الشرط من بين العناوين أو دل الدليل من الخارج على كون ذلك الحلال كذلك كما دل بعض الأخبار بالنسبة إلى بعض الأفعال كالتسري و التزوج و ترك الجماع من دون إرادة الزوجة كان مقتضاه فساد اشتراط خلافه لكن دلالة نفس دليل الحلية على ذلك لم توجد في مورد و الوقوف مع الدليل الخارج الدال على فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك إذ مورد الشك حينئذ محكوم بصحة الاشتراط و مورد ورود الدليل على عدم تغير حل الفعل باشتراط تركه مستغن عن الضابطة مع أن الإمام علل فساد الشرط في هذه الموارد بكونه محرما للحلال كما عرفت في الرواية التي تقدمت في عدم صحة اشتراط عدم التزوج و التسري معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال على إباحتها.

[عدم ورود الإشكال في الشرط المحلل للحرام]

نعم لا يرد هذا الإشكال في طرف تحليل الحرام لأن أدلة المحرمات قد علم دلالتها على التحريم على وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام عما يجب الوفاء به دليل على إرادة الحرام في نفسه لو لا الشرط و ليس كذلك في طرف المحرم للحلال فإنا قد علمنا أن ليس المراد الحلال لو لا الشرط لأن تحريم المباحات لأجل الشرط فوق حد الإحصاء بل اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات و ترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا أو تركا

[توهم اختصاص الإشكال بما دل على الإباحة التكليفية]

و ربما يتخيل أن هذا الإشكال مختص بما دل على الإباحة التكليفية كقوله تحل كذا و تباح كذا أما الحلية التي تضمنها الأحكام الوضعية كالحكم بثبوت الزوجية أو الملكية أو الرقية أو أضدادها فهي أحكام لا تتغير لعنوان أصلا فإن الانتفاع بالملك في الجملة و الاستمتاع بالزوجة و النظر إلى أمها و بنتها من المباحات التي لا تقبل التغير و لذا ذكر في مثال الصلح المحرم للحلال أن لا ينتفع بماله أو لا يطأ جاريته. و بعبارة أخرى ترتب آثار الملكية على الملك في الجملة و آثار الزوجية على الزوج كذلك من المباحات التي لا تتغير عن إباحتها و إن كان ترتب بعض الآثار قابلا لتغير حكمه إلى التحريم كالسكنى فيما لو اشترط إسكان البائع فيه مدة و إسكان الزوجة في بلد اشترط أن لا يخرج إليه أو وطئها مع اشتراط عدم وطئها أصلا كما هو المنصوص و لكن الإنصاف أنه كلام غير منضبط فإنه كما جاز تغير إباحة بعض الانتفاعات كالوطئ في النكاح و السكنى في البيع إلى التحريم لأجل الشرط كذلك يجوز تغير إباحة سائرها إلى الحرمة فليس الحكم بعدم تغير إباحة مطلق التصرف في الملك و الاستمتاع بالزوجة لأجل الشرط إلا للإجماع أو لمجرد الاستبعاد و الثاني غير معتد به و الأول يوجب ما تقدم من عدم الفائدة

المكاسب، ج 3، ص 280

في بيان هذه الضابطة مع أن هذا العنوان أعني تحريم الحلال و تحليل الحرام إنما وقع مستثنى في أدلة انعقاد اليمين و ورد أنه لا يمين في تحليل الحرام و تحريم الحلال و قد ورد بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما معللا بأنه ليس لك أن تحرم ما أحل الله و من المعلوم أن إباحة العصير لم يثبت من الأحكام الوضعية بل هي من الأحكام التكليفية الابتدائية. و بالجملة فالفرق بين التزوج و التسري اللذين ورد عدم جواز اشتراط تركهما معللا بأنه خلاف الكتاب الدال على إباحتهما و بين ترك الوطي الذي ورد جواز اشتراطه- و كذا بين ترك شرب العصير المباح الذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا بأنه من تحريم الحلال و بين ترك بعض المباحات المتفق على جواز الحلف عليه في غاية الإشكال

[ما أفاده الفاضل النراقي في تفسير الشرط المحرم للحلال]

و ربما قيل في توجيه الرواية و توضيح معناها أن معنى قوله: إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما إما أن يكون إلا شرطا حرم وجوب الوفاء به الحلال و إما أن يكون إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال و الأول مخالف لظاهر العبارة مناقضته لما استشهد به الإمام ع- في رواية منصور بن يونس المتقدمة الدالة على وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق و التزوج بل يلزم كون الكل لغوا إذ ينحصر مورد: المسلمون عند شروطهم باشتراط الواجبات و اجتناب المحرمات فيبقى الثاني و هو ظاهر الكلام فيكون معناه إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال ثم قال فإن قيل إذا شرط عدم فعله فلا يرضى بفعله فيجعله حراما عليه قلنا لا نريد أن معنى الحرمة طلب الترك من المشترط بل جعله حراما ذاتيا أي مطلوب الترك شرعا و لا شك أن شرط عدم فعل بل نهي شخص عن فعل لا يجعله حراما شرعيا ثم قال فإن قيل الشرط من حيث هو مع قطع النظر عن إيجاب الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا و تحريما شرعا فلا يحرم و لا يحلل قلنا إن أريد أنه لا يوجب تحليلا و لا تحريما شرعيا بحكم الشرط فهو ليس كذلك بل حكم الشرط ذلك و هذا معنى تحريم الشرط و تحليله و على هذا فلا إجمال في الحديث و لا تخصيص في ذلك كالنذر و العهد و اليمين فإن من نذر أن لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لو نذر أن يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا أو يحرم ذلك على نفسه شرعا لم ينعقد انتهى. أقول لا أفهم معنى محصلا لاشتراط حرمة الشي ء أو حليته شرعا فإن هذا أمر غير مقدور للمشترط و لا يدخل تحت الجعل فهو داخل في غير المقدور و لا معنى لاستثنائه عما يجب الوفاء به لأن هذا لا يمكن عقلا الوفاء به إذ ليس فعلا خصوصا للمشترط و كذلك الكلام في النذر و شبهه و العجب منه قدس سره حيث لاحظ ظهور الكلام في كون المحرم و المحلل نفس الشرط و لم يلاحظ كون الاستثناء من الأفعال التي يعقل الوفاء بالتزامها و حرمة الشي ء شرعا لا يعقل فيها الوفاء و النقض. و قد مثل جماعة للصلح المحلل للحرام بالصلح على شرب الخمر و للمحرم للحلال بالصلح على أن لا يطأ جاريته و لا ينتفع بماله و كيف كان فالظاهر بل المتعين أن المراد بالتحليل و التحريم المستندين إلى الشرط هو الترخيص و المنع. نعم المراد بالحلال و الحرام ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط لا ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي عروض عنوان التحريم له لأجل الشرط. و قد ذكرنا أن المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل حلية ذلك الشي ء أو حرمته و بين وجوب الوفاء بالشرط و عدم وقوعه ففي الأول يكون الشرط على تقدير صحته مغيرا للحكم الشرعي و في الثاني يكون مغيرا لموضوعه فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي الصلح و الشرط أنهما لا يغيران حكما شرعيا بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم لأجل الوفاء بالصلح و الشرط كالنذر و شبهه و أما تغييرهما لموضوع الأحكام الشرعية ففي غاية الكثرة بل هما موضوعان لذلك و قد ذكرنا أن الإشكال في كثير من الموارد في تميز أحد القسمين من الأحكام عن الآخر.

[ما أفاده المحقق القمي في تفسير الشرط المذكور]

و مما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء يقرب من هذا التفسير الذي تكلمنا عليه ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في رسالته التي ألفها في هذه المسألة فإنه بعد ما ذكر من أمثلة الشرط غير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه و التزامه شرب الخمر و الزنى و نحوهما من المحرمات و من أمثلة ما يكون التزامه و الاستمرار عليه من المحرمات فعل المرجوحات و ترك المباحات و فعل المستحبات كأن يشترط تقليم الأظفار بالسن أبدا و أن لا يلبس الخز أبدا و لا يترك النوافل فإن جعل المكروه أو المستحب واجبا و جعل المباح حراما حرام إلا برخصة شرعية حاصلة من الأسباب الشرعية كالنذر و شبهه فيما ينعقد فيه و يستفاد ذلك من كلام علي ع في رواية إسحاق بن عمار: من اشترط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما قال قدس سره فإن قلت إن الشرط كالنذر و شبهه من الأسباب الشرعية المغيرة للحكم بل الغالب فيه هو إيجاب ما ليس بواجب فإن بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مباح و أما لو اشترط في ضمن عقد آخر يصير واجبا فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الأمثلة قلت الظاهر من تحليل الحرام و تحريم الحلال هو تأسيس القاعدة و هو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة ببعض الأفعال على سبيل العموم من دون النظر إلى خصوصية فرد فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلي و كذا حلية المبيع فالتزوج و التسري أمر كلي حلال و التزام تركه مستلزم لتحريمه و كذلك جميع أحكام الشرع من التكليفية و الوضعية و غيرها إنما يتعلق بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها فالمراد من تحليل الحرام و تحريم الحلال المنهي عنه هو أن يحدث المشترط قاعدة كلية و يبدع حكما جديدا و قد أجيز في الشرع البناء على الشروط إلا شرطا أوجب إبداع حكم كلي جديد مثل تحريم التزوج و التسري و إن كان بالنسبة إلى نفسه فقط و قد قال الله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و كجعل الخيرة في الجماع و الطلاق بيد المرأة و قد قال الله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ و فيما لو اشترطت عليه أن لا تتزوج أو لا تتسرى بفلانة خاصة إشكال فما ذكر في السؤال من وجوب البيع الخاص الذي يشترطانه في ضمن عقد ليس مما يوجب إحداث حكم للبيع و لا تبديل حلال الشارع و حرامه و كذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب إلى أن قال قدس سره و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة

المكاسب، ج 3، ص 281

ليس من باب تحليل حرام أو تحريم حلال أو إيجاب جائز على سبيل القاعدة بل الذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو وجوب العمل على ما يشترطانه و هذا الحكم أيضا من جعل الشارع فقولنا العمل على مقتضى الشرط الجائز واجب حكم كلي شرعي و حصوله ليس من جانب شرطنا حتى يكون من باب تحليل الحرام و عكسه بل إنما هو صادر من الشارع انتهى كلامه رفع مقامه و للنظر في مواضع من كلامه مجال فافهم و الله العالم.

الشرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد

و إلا لم يصح لوجهين أحدهما وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلف عنه و بين الشرط الملزم لعدم تحققه فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط فلا بد إما أن يحكم بتساقط كليهما و إما أن يقدم جانب العقد لأنه المتبوع المقصود بالذات و الشرط تابع و على كل تقدير لا يصح الشرط. الثاني أن الشرط المنافي مخالف للكتاب و السنة الدالين على عدم تخلف العقد عن مقتضاه فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب و لذا ذكر في التذكرة أن اشتراط عدم بيع المبيع مناف لمقتضى ملكيته فيخالف قوله ص: الناس مسلطون على أموالهم و دعوى أن العقد إنما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقا خروج عن محل الكلام إذ الكلام في ما يقتضيه مطلق العقد و طبيعته السارية في كل فرد منه لا ما يقتضيه العقد المطلق بوصف إطلاقه و خلوه عن الشرائط و القيود حتى لا ينافي تخلفه عنه لقيد يقيده و شرط يشترط فيه هذا كله مع تحقق الإجماع على بطلان هذا الشرط فلا إشكال في أصل الحكم و إنما الإشكال في تشخيص آثار العقد التي لا يتخلف عن مطلق العقد في نظرا العرف أو الشرع و تميزها عما يقبل التخلف لخصوصية تعتري العقد و إن اتضح ذلك في بعض الموارد لكون الأثر كالمقوم العرفي للبيع أو غرضا أصليا كاشتراط عدم التصرف أصلا في المبيع و عدم الاستمتاع أصلا بالزوجة حتى النظر و نحو ذلك إلا أن الإشكال في كثير من المواضع خصوصا بعد ملاحظة اتفاقهم على الجواز في بعض المقامات و اتفاقهم على عدمه فيما يشبهه و يصعب الفرق بينهما و إن تكلف له بعض مثلا المعروف عدم جواز المنع عن البيع و الهبة في ضمن عقد البيع و جواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصل أو وقفه حتى على البائع و ولده كما صرح به في التذكرة. و قد اعترف في التحرير بأن اشتراط العتق مما ينافي مقتضى العقد و إنما جاز لبناء العتق على التغليب و هذا لو تم لم يجز في الوقف خصوصا على البائع و ولده فإنه شرط مناف كالعتق ليس مبنيا على التغليب. و لأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف و الإشكال في أن الشرط الفلاني مخالف لمقتضى العقد أم لا.

منها اشتراط عدم البيع فإن المشهور عدم الجواز لكن العلامة في التذكرة استشكل في ذلك بل قوى بعض من تأخر عنه صحته. و منها ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان- من جواز الشركة فيه إذا قال الربح لنا و لا خسران عليك لصحيحة رفاعة في الشركة في الجارية قال و منعه ابن إدريس لأنه مناف لقضية الشركة قلنا لا نسلم أن تبعية المال لازمة لمطلق الشركة بل للشركة المطلقة و الأقرب تعدي الحكم إلى غير الجارية من المبيعات انتهى. و منها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية و عدم جوازه في الإجارة مستدلين بأن مقتضى عقد الإجارة عدم ضمان المستأجر فأورد عليهم المحقق الأردبيلي و تبعه جمال المحققين في حاشية الروضة بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك إنما المسلم اقتضاء العقد المطلق المجرد عن اشتراط الضمان نظير العارية. و منها اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها فقد جوزه جماعة لعدم المانع و للنص و منعه آخرون منهم فخر الدين في الإيضاح مستدلا بأن مقتضى العقد تسلط الرجل على المرأة في الاستمتاع و الإسكان و قد بالغ حتى جعل هذا قرينة على حمل النص على استحباب الوفاء. و منها مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه و عدم توارثهما مع الشرط أو لا معه فإنها مبنية على الخلاف في مقتضى العقد المنقطع. قال في الإيضاح ما ملخصه بعد إسقاطه ما لا يرتبط بالمقام إنهم اختلفوا في أن هذا العقد يقتضي التوارث أم لا و على الأول فقيل المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو فعلى هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط لأن كل ما تقتضيه الماهية من حيث هي هي فيستحيل عدمه مع وجودها و قيل المقتضي إطلاق العقد أي العقد المجرد عن شرط نقيضه أعني الماهية بشرط لا شي ء فيثبت الإرث ما لم يشترط سقوطه و على الثاني قيل يثبت مع الاشتراط و يسقط مع عدمه و قيل لا يصح اشتراطه انتهى. و مرجع القولين إلى أن عدم الإرث من مقتضى إطلاق العقد أو ماهيته و اختار هو هذا القول الرابع تبعا لجده و والده قدس سرهما و استدل عليه أخيرا بما دل على أن من حدود المتعة أن لا ترثها و لا ترثك قال فجعل نفي الإرث من مقتضى الماهية. و لأجل صعوبة دفع ما ذكرنا من الإشكال في تميز مقتضيات ماهية العقد من مقتضيات إطلاقه التجأ المحقق الثاني مع كمال تبحره في الفقه حتى ثنى به المحقق فارجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافاة و عدم الإجماع على الصحة أو البطلان إلى نظر الفقيه فقال أولا المراد بمنافي مقتضى العقد ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه و رتب عليه على أنه أثره و فائدته التي لأجلها وضع كانتقال العوضين إلى المتعاقدين و إطلاق التصرف فيهما في البيع و ثبوت التوثق في الرهن و المال في ذمة الضامن بالنسبة إلى الضمان و انتقال الحق إلى ذمة المحال عليه في الحوالة و نحو ذلك فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلا نافى مقتضى العقد ثم اعترض على ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا و أجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما في مقتضى العقد ثم اعترض بأن العقد يقتضي الانتفاع مطلقا فالمنع عن البعض مناف له ثم قال و دفع ذلك لا يخلو عن عسر و كذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا فإن ثبوته مقتضى العقد فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافيا له ثم قال و لا يمكن أن يقال إن مقتضى العقد ما لم يجعل إلا لأجله كانتقال العوضين فإن ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع المبيع مثلا ثم قال و الحاسم لمادة الإشكال أن الشروط على أقسام منها ما انعقد الإجماع على حكمه من صحة أو فساد و منها ما وضح فيه المنافاة للمقتضي كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع أو وضح مقابله و لا كلام فيما وضح و منها

المكاسب، ج 3، ص 282

ما ليس واحدا من النوعين فهو بحسب نظر الفقيه انتهى كلامه رفع مقامه أقول وضوح المنافاة إن كان بالعرف كاشتراط عدم الانتقال في العوضين و عدم انتقال المال إلى ذمة الضامن و المحال عليه فلا يتأتى معه إنشاء مفهوم العقد العرفي و إن كان بغير العرف فمرجعه إلى الشرع من نص أو إجماع على صحة الاشتراط و عدمه و مع عدمهما وجب الرجوع إلى دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر المشترط عدمه فإن دل عليه على وجه يعارض بإطلاقه أو عمومه دليل وجوب الوفاء به بحيث لو أوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل و تخصيصه حكم بفساد الشرط لمخالفته حينئذ للكتاب و السنة و إن دل على ثبوته للعقد لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي تغير حكمه بالشرط حكم بصحة الشرط. و قد فهم من قوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ أن السلطنة على الزوجة من آثار الزوجية التي لا تتغير فجعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية السابقة منافيا لهذا الأثر و لم يجعل اشتراط عدم الإخراج من البلد منافيا. و قد فهم الفقهاء من قوله البيعان بالخيار حتى يفترقا فإن افترقا وجب البيع عدم التنافي فأجمعوا على صحة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار الشرعية للعقد و كذا على صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق و لو شك في مؤدى الدليل وجب الرجوع إلى أصالة ثبوت ذلك الأثر على الوجه الثاني فيبقى عموم أدلة الشرط سليما عن المخصص و قد ذكرنا هذا في بيان معنى مخالفة الكتاب و السنة.

الشرط السادس أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع

لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين كما سيجي ء بيانه قال في التذكرة و كما أن الجهالة في العوضين مبطلة فكذا في صفاتهما و لو أحق المبيع فلو شرطا مجهولا بطل البيع انتهى. و قد سبق ما يدل على اعتبار تعيين الأجل المشروط في الثمن بل لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع كفى لزومه في أصل الشرط بناء على أن المنفي مطلق الغرر حتى في غير البيع و لذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتى الوكالة فبطلان الشرط المجهول ليس لإبطاله البيع المشروط به و لذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع فإن العلامة في التذكرة ذكر في اشتراط عمل مجهول في عقد المبيع أن في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط لكن الإنصاف أن جهالة الشرط يستلزم في العقد دائما مقدارا من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة أحد العوضين و من ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة في مواضع من التذكرة من الفرق في حمل الحيوان و بيض الدجاجة و مال العبد المجهول المقدار بين تمليكها على وجه الشرطية في ضمن بيع هذه الأمور بأن يقول بعتكها على أنها حامل أو على أن لك حملها و بين تمليكها على وجه الجزئية بأن يقول بعتكها و حملها فصحح الأول لأنه تابع و أبطل الثاني لأنه جزء لكن قال في الدروس لو جعل الحمل جزء من المبيع فالأقوى الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع و قال في باب بيع المملوك و لو اشتراه و ما له صح و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا إن قلنا إنه يملك و لو أحلناه اشترطا انتهى. و المسألة محل إشكال و كلماتهم لا يكاد يعرف التيامها حيث صرحوا بأن للشرط قسطا من أحد العوضين و أن التراضي على المعاوضة وقع منوطا به و لازمه كون الجهالة فيه قادحة و الأقوى اعتبار العلم لعموم نفي الغرر إلا إذا عد الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدجاج و قد مر ما ينفع هذا المقام في شروط العوضين و سيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان إن شاء الله.

الشرط السابع أن لا يكون مستلزما لمحال

كما لو شرط في البيع أن يبيعه على البائع فإن العلامة قد ذكر هنا أنه مستلزم للدور قال في التذكرة لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و جنسا و وصفا أو لا و إلا جاء الدور- لأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه فيدور أما لو شرط أن يبيعه على غيره فإنه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع على البائع انتهى. و سيأتي تقرير الدور مع جوابه في باب النقد و النسيئة. و قد صرح في الدروس بأن هذا الشرط باطل لا للدور بل لعدم القصد إلى البيع و يرد عليه و على الدور النقض بما إذا اشترط البائع على المشتري أن يقف المبيع عليه و على عقبه فقد صرح في التذكرة بجوازه و صرح بجواز اشتراط رهن المبيع على الثمن مع جريان الدور فيه.

الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد

فلو تواطئا عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به على المشهور بل لم يعلم فيه خلاف عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف و المختلف و سيأتي لأن المشروط عليه إن أنشأ إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كان إلزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا و إن كان أثره مستمرا في نفس الملزم إلى حين العقد بل إلى حين حصول الوفاء و بعده نظير بقاء أثر الطلب المنشأ في زمان إلى حين حصول المطلوب و إن وعد بإيقاع العقد مقرونا بالتزامه فإذا ترك ذكره في العقد فلم يحصل ملزم له. نعم يمكن أن يقال إن العقد إذا وقع مع تواطئهما على الشرط كان قيدا معنويا له فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون إلا مع العمل بذلك الشرط و يكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض إذا التراضي وقع مقيدا بالشرط فإنهم قد صرحوا بأن الشرط كالجزء من أحد العوضين فلا فرق بين أن يقول بعتك العبد بعشرة و شرطت لك ماله و بين تواطئهما على كون مال العبد للمشتري فقال بعتك العبد بعشرة قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري هذا مع أن الخارج من عموم: المؤمنون عند شروطهم هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه فيعم محل الكلام و على هذا فلو تواطئا على شرط فاسد فسد العقد المبني عليه و إن لم يذكر فيه. نعم لو نسيا الشرط المتواطأ عليه فأوقعا العقد غير بانين على الشرط بحيث يقصدان من العوض المقرون بالشرط اتجه صحة العقد و عدم لزوم الشرط هذا و لكن الظاهر من كلمات الأكثر عدم لزوم الشرط غير المذكور في متن العقد و عدم إجراء أحكام الشرط عليه و إن وقع العقد مبنيا عليه بل في الرياض عن بعض الأجلة حكاية الإجماع على عدم لزوم الوفاء بما يشترط لا في عقد بعد ما ادعى هو قدس سره الإجماع على أنه لا حكم للشروط إذا كانت قبل عقد النكاح و تتبع كلماتهم في باب البيع و النكاح يكشف عن صدق ذلك المحكي فتراهم يجوزون في باب الربا و الصرف الاحتيال في تحليل معاوضة أحد المتجانسين بأزيد منه ببيع الجنس بمساويه

المكاسب، ج 3، ص 283

ثم هبة الزائد من دون أن يشترط ذلك في العقد فإن الحلية لا تتحقق إلا بالتواطي على هبة الزائد بعد البيع و التزام الواهب بها قبل العقد مستمرا إلى ما بعده و قد صرح المحقق و العلامة في باب المرابحة بجواز أن يبيع الشي ء من غيره بثمن زائد مع قصدهما نقله بعد ذلك إلى البائع ليخبر بذلك الثمن عند بيعه مرابحة إذا لم يشترطا ذلك لفظا و معلوم أن المعاملة لأجل هذا الغرض لا يكون إلا مع التواطؤ و الالتزام بالنقل ثانيا. نعم خص في المسالك ذلك بما إذا وثق البائع بأن المشتري ينقله إليه من دون التزام ذلك و إيقاع العقد على هذا الالتزام لكنه تقييد لإطلاق كلماتهم خصوصا مع قولهم إذا لم يشترطا لفظا. و بالجملة فظاهر عبارتي الشرائع و التذكرة أن الاشتراط و الالتزام من قصدهما و لم يذكراه لفظا لا أن النقل من قصدهما فراجع و أيضا فقد حكي عن المشهور أن عقد النكاح المقصود فيه الأجل و المهر المعين إذا خلي عن ذكر الأجل ينقلب دائما. نعم ربما ينسب إلى الخلاف و المختلف صحة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع لكن قد تقدم في خيار المجلس النظر في هذه النسبة إلى الخلاف بل المختلف فراجع- ثم إن هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه و هو بطلان العقد الواقع على هذا الشرط لأن الشرط من أركان العقد المشروط بل عرفت أنه كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في الإيجاب و القبول كأجزاء العوضين. و قد صرح الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد و عدم الاستغناء عنه بذكره سابقا كما إذا قال بعني بدرهم فقال بعتك فقال المشتري قبلت و سيأتي في حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك إن شاء الله تعالى.

و قد يتوهم هنا شرط تاسع- و هو تنجيز الشرط بناء على أن تعليقه
اشارة

يسري إلى العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط إلى جزء من أحد العوضين فإن مرجع قوله بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي إن جاء زيد على وقوع المعاوضة بين المبيع و بين الدرهم المقرون بخياطة الثوب على تقدير مجي ء زيد بل يؤدي إلى البيع بثمنين على تقديرين فباعه بالدرهم المجرد على تقدير عدم مجي ء زيد و بالدرهم المقرون مع خياطة الثوب على تقدير مجيئه

[دفع هذا التوهم]

و يندفع بأن الشرط هو الخياطة على تقدير المجي ء لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق إلى أصل المعاوضة الخاصة و مجرد رجوعهما في المعنى إلى أمر واحد لا يوجب البطلان و لذا اعترف بعضهم بأن مرجع قوله أنت وكيلي إذا جاء رأس الشهر في أن تبيع و أنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشهر إلى واحد مع الاتفاق على صحة الثاني و بطلان الأول. نعم ذكره في التذكرة أنه لو شرط البائع كونه أحق بالمبيع لو باعه المشتري ففيه إشكال لكن لم يعلم أن وجهه تعليق الشرط بل ظاهر عبارة التذكرة و كثير منهم في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط و هو الخيار معلقا على رد الثمن و قد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار.

مسألة في حكم الشرط الصحيح
[أقسام الشرط]
[شرط الوصف]

و تفصيله أن الشرط إما أن يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي- ككون العبد كاتبا و الجارية حاملا و نحوهما

[شرط الفعل]

و إما أن يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما كاشتراط إعتاق العبد و- خياطة الثوب

[شرط الغاية]

و- إما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل كاشتراط تملك عين خاصة و انعتاق مملوك خاص و نحوهما

و لا إشكال في أنه لا حكم للقسم الأول إلا الخيار مع تبين فقد الوصف المشروط

إذ لا يعقل تحصيله هنا معنى لوجوب الوفاء فيه و عموم المؤمنون مختص بغير هذا القسم

و أما الثالث

فإن أريد باشتراطه الغاية- أعني الملكية و الزوجية و نحوهما اشتراط تحصيلهما بأسبابهما الشرعية فيرجع إلى الثاني و هو اشتراط الفعل و إن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط فإن دل الدليل الشرعي على عدم تحقق تلك الغاية إلا بسببها الشرعي الخاص كالزوجية و الطلاق و العبودية و الانعتاق و كون المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل و نحو ذلك كان الشرط فاسدا لمخالفته للكتاب و السنة كما أنه لو دل الدليل على) كفاية الشرط فيه كالوكالة و الوصاية و كون مال العبد و حمل الجارية و ثمر الشجرة ملكا للمشتري فلا إشكال. و أما لو لم يدل دليل على أحد الوجهين كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع لأحد العوضين كالأمثلة المذكورة ملكا لأحدهما أو صدقة أو كون العبد الفلاني حرا و نحو ذلك ففي صحة هذا الشرط إشكال من أصالة عدم تحقق تلك الغاية إلا بما علم كونه سببا لها و عموم المؤمنون عند شروطهم و نحوه لا يجري هنا لعدم كون الشرط فعلا ليجب الوفاء به و من أن الوفاء لا يختص بفعل ما شرط بل يشمل ترتيب الآثار عليه نظير الوفاء بالعهد و يشهد له تمسك الإمام ع بهذا العموم في موارد كلها من هذا القبيل كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها- على أداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق مضافا إلى كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزء للعقد و أما توقف الملك و شبهه على أسباب خاصة فهي دعوى غير مسموعة مع وجود أفراد اتفق على صحتها كما في حمل الجارية و مال العبد و غيرهما و دعوى تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع مدفوعة لعدم صلاحية ذلك للفرق مع أنه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في بيع أخرى كما يظهر من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين و كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و إن انضم إلى معلوم و كيف كان فالأقوى صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة كما يصح نذر مثل هذه الغايات- بأن ينذر كون المال صدقة أو الشاة أضحية أو كون هذا المال لزيد و حينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعنى ترتيب الآثار.

و إنما الخلاف و الإشكال في القسم الثاني- و هو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل
اشارة

و الكلام فيه يقع في مسائل

الأولى في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي

ظاهر المشهور هو الوجوب لظاهر النبوي: المؤمنون عند شروطهم و العلوي: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما و يؤكد الوجوب ما أرسل في بعض الكتب من زيادة قوله إلا من عصى الله في النبوي بناء على كون الاستثناء من المشروط عليه لا من الشارط هذا كله مضافا إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة و ربما ينسب إلى غيره حيث قال إنه

المكاسب، ج 3، ص 284

لا يجب على المشروط عليه فعل الشرط و إنما فائدته جعل العقد عرضة للزوال و وجهه مع ضعفه يظهر مما ذكره قدس سره في تفصيله المحكي في الروضة عنه قدس سره في بعض تحقيقاته و هو أن الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافيا في تحققه و لا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز اختلال به كشرط الوكالة و إن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل يقلب العقد اللازم جائزا و جعل السر فيه أن اشتراط ما العقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في اللزوم و الجواز و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علق عليه العقد و المعلق على الممكن ممكن و هو معنى قلب اللازم جائزا انتهى. قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام و الأقوى اللزوم مطلقا و إن كان تفصيله أجود مما اختاره هنا أقول ما ذكره قدس سره في بعض تحقيقاته لا يحسن عده تفصيلا في محل الكلام مقابلا لما اختاره في اللمعة لأن الكلام في اشتراط فعل سائغ و أنه هل يصير واجبا على المشروط عليه أم لا كما ذكره الشهيد في المتن فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس إلا كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له فلا يقال إنه يجب فعله أو لا يجب. نعم وجوب الوفاء بمعنى ترتيب آثار ذلك الشرط المحقق بنفس العقد مما لا خلاف فيه إذ لم يقل أحد بعدم ثبوت الخيار أو آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد. و بالجملة فالكلام هنا في اشتراط فعل يوجد بعد العقد نعم كلام الشهيد في اللمعة أعم منه و من كل شرط لم يسلم لمشترطه و مراده تعذر الشرط و كيف كان فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار و عدمه خارج عن محل الكلام إذ لا كلام و لا خلاف في وجوب ترتب آثار الشرط عليه و لا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار و لا في أن المشروط عليه يجبر على ترتيب الآثار و إن شئت قلت اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات لا المبادئ.

و مما ذكرنا يظهر أن تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية من الإجماع على لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح لأنه إنما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار و قد عرفت خروج مثل ذلك عن محل الكلام. نعم في التذكرة لو اشترى عبدا بشرط أن يعتقه المشتري صح البيع و لزم الشرط عند علمائنا أجمع ثم إن ما ذكره الشهيد قدس سره من أن اشتراط ما سيوجد أمر منفصلا و قد علق عليه العقد إلخ لا يخلو عن نظر إذ حاصله أن الشرط قد علق عليه العقد في الحقيقة و إن كان لا تعليق صورة فحاصل قوله بعتك هذا العبد على أن تعتقه أن الالتزام بهذه المعاوضة معلق على التزامك بالعتق فإذا لم يلتزم بالإعتاق لم يجب على المشروط له الالتزام بالمعاوضة. و فيه مع أن المعروف بينهم أن الشرط بمنزلة الجزء من أحد العوضين و أن القاعدة اللفظية في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعنى أيضا و أن رجوعه إلى التعليق على المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد و إن لم يكن في صورة التعليق أن لازم هذا الكلام- أعني دعوى تعليق العقد على الممكن ارتفاعه من رأس عند فقد الشرط لا انقلابه جائزا.

الثانية في أنه لو قلنا بوجوب الوفاء- من حيث التكليف الشرعي فهل يجبر عليه لو امتنع

ظاهر جماعة ذلك- و ظاهر التحرير خلافه- قال في باب الشروط إن الشرط أن تعلق بمصلحة المتعاقدين كالأجل و الخيار و الشهادة و التضمين و الرهن و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة جاز و لزم الوفاء ثم قال إذا باع بشرط العتق صح البيع و الشرط فإن أعتقه المشتري و إلا ففي إجباره وجهان أقربهما عدم الإجبار انتهى. و قال في الدروس يجوز اشتراط سائغ في العقد فيلزم الشرط في طرف المشترط عليه فإن أخل به فللمشترط الفسخ و هل يملك إجباره عليه فيه نظر انتهى و لا معنى للزوم الشرط إلا وجوب الوفاء به و قال في التذكرة في فروع مسألة العبد المشترط عتقه إذا أعتقه المشتري فقد وفى بما وجب عليه إلى أن قال و إن امتنع أجبر عليه إن قلنا إنه حق لله تعالى و إن قلنا إنه حق للبائع لم يجبر كما في شرط الرهن و الكفيل لكن يتخير البائع في الفسخ بعد سلامة ما شرط ثم ذكر للشافعي وجهين في الإجبار و عدمه إلى أن قال و الأولى عندي الإجبار في شرط الرهن و الكفيل لو امتنع كما لو شرط تسليم الثمن معجلا فأهمل انتهى و يمكن أن يستظهر هذا القول أعني الوجوب تكليفا مع عدم جواز الإجبار من كل من استدل على صحة الشرط بعموم المؤمنون مع قوله بعدم وجوب الإجبار كالشيخ في المبسوط حيث استدل على صحة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله ع: المؤمنون عند شروطهم ثم ذكر أن في إجباره على الإعتاق لو امتنع قولين الوجوب لأن عتقه قد استحق بالشرط و عدم الوجوب و إنما يجعل له الخيار ثم قال و الأقوى هو الثاني انتهى. فإن ظهور النبوي في الوجوب من حيث نفسه و من جهة القرائن المتصلة و المنفصلة مما لا مساغ لإنكاره بل الاستدلال به على صحة الشرط عند الشيخ و من تبعه في عدم إفساد الشرط الفاسد يتوقف ظاهرا على إرادة الوجوب منه إذ لا تنافي بين استحباب الوفاء بالشرط و فساده فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط في البيع على صحته ثم إن الصيمري في غاية المرام قال لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط العتق لأنه غير مخالف للكتاب و السنة فيجب الوفاء به و قال هل يكون حقا لله تعالى أو للعبد أو للبائع يحتمل الأول إلى أن قال و يحتمل الثالث هو مذهب العلامة في القواعد و التحرير لأنه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري على العتق و هو يدل على أنه حق للبائع و على القول بأنه حق لله يكون المطالبة للحاكم و يجبره مع الامتناع و لا يسقط بإسقاط البائع و على القول بكونه للبائع تكون المطالبة له و يسقط بإسقاطه و لا يجبر المشتري و مع الامتناع يتخير المشترط بين الإمضاء و الفسخ و على القول بأنه للعبد يكون هو المطالب بالعتق و مع الامتناع يرافعه إلى الحاكم ليجبره على ذلك و كسبه قبل العتق للمشتري على جميع التقادير انتهى و ظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعدم الإجبار أن كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام و لا خلاف في عدم الإجبار عليه و هو ظاهر أول الكلام السابق في التذكرة لكن قد عرفت قوله أخيرا و الأولى أن له إجباره عليه و إن قلنا إنه حق للبائع و ما أبعد ما بين ما ذكره الصيمري و ما ذكره في جامع المقاصد و المسالك- من أنه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الإجبار حيث قال و اعلم أن في إجبار المشتري على الإعتاق وجهين أحدهما العدم لأن للبائع طريقا آخر للتخلص و هو الفسخ و الثاني له ذلك لظاهر

المكاسب، ج 3، ص 285

قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصى الله و هو الأوجه انتهى و في المسالك جعل أحد القولين ثبوت الخيار و عدم وجوب الوفاء مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء و القول الآخر وجوب الوفاء بالشرط و استدل له بعموم الأمر بالوفاء بالعقد و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصى الله و ظاهره وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء و التسلط على الإجبار كما أن ظاهر الصيمري الاتفاق على وجوب الوفاء بل و على عدم الإجبار فيما كان حقا مختصا للبائع و الأظهر في كلمات الأصحاب وجود الخلاف في المسألتين و كيف كان فالأقوى ما اختاره جماعة من أن للمشروط له إجبار المشروط عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط فإن العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين فإن المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط فيجبر على تسليمه- و ما في جامع المقاصد من توجيه عدم الإجبار بأن له طريقا إلى التخلص بالفسخ ضعيف في الغاية فإن الخيار إنما شرع بعد تعذر الإجبار دفعا للضرر و قد يتوهم أن ظاهر الشرط هو فعل الشي ء اختيارا فإذا امتنع المشروط عليه فقد تعذر الشرط و حضور الفعل منه كرها غير ما اشترط عليه فلا ينفع في الوفاء بالشرط و يندفع بأن المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار و الإجبار و إنما يعرض له من حيث إنه فعل واجب عليه فإذا أجبر فقد أجبر على نفس الواجب نعم لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا و عن رضا منه لم ينفع إجباره في حصول الشرط

الثالثة في أنه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار

فيكون مخيرا بينهما أم لا يجوز له الفسخ إلا مع تعذر الإجبار ظاهر الروضة و غير واحد هو الثاني و صريح موضع من التذكرة هو الأول قال لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهر أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط فإن أخل به لم يبطل البيع لكن يتخير المشترط بين فسخه للبيع و بين إلزامه بما شرط انتهى و لا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الإجبار لما عرفت من أن مقتضى العقد المشروط هو العمل على طبق الشرط اختيارا أو قهرا إلا أن يقال إن العمل بالشرط حق لازم على المشروط عليه يجبر عليه إذا بنى المشروط له على الوفاء بالعقد و أما إذا أراد الفسخ لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد على الوجه الذي وقع عليه فله ذلك فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما و هذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه فيجبران على ذلك بخلاف الشرط فإن المشروط حيث فرض فعلا كالاعتاق فعلا معنى لتملكه فإذا امتنع المشروط عليه عند فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له أيضا نقضه فتأمل ثم على عدم المختار من عدم الخيار إلا مع تعذر الإجبار لو كان الشرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر إجباره الظاهر ذلك لعموم ولاية السلطان على الممتنع فيندفع ضرر المشروط له بذلك الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط إلا الخيار

لعدم دليل على الأرش- فإن الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال بل المقابلة عرفا و شرعا إنما هي بين المالين و التقييد أمر معنوي لا يعد مالا و إن كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده و عدمه و ثبوت الأرش في العيب لأجل النص و ظاهر العلامة ثبوت الأرش- إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق و تبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد قال فإن امتنع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ و استرجاع العبد و بين الإمضاء فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا و قيمته بشرط التدبير انتهى و مراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت إلى القيمة لإتمام التفاوت لأن للشرط قسطا من الثمن فهو مضمون به لا بتمام قيمته كما نص عليه في التذكرة و ضعف في الدروس قول العلامة بما ذكرنا من أن الثمن لا يقسط على الشروط و أضعف منه ثبوت الأرش بمجرد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط و إن لم يتعذر كما عن الصيمري و لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا و يقابل بالمال كخياطة الثوب فتعذر ففي استحقاق المشروط له لأجرته و مجرد ثبوت خيار له وجهان قال في التذكرة لو شرط على البائع عملا سائغا تخير المشتري بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته و كان مما يتقوم كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري و لو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ و الإمضاء مجانا انتهى و قال أيضا لو كان الشرط على المشتري مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة و إلا مجانا انتهى و الظاهر أن مراده بما يتقوم في نفسه سواء كان عملا محضا كالخياطة أو عينا كمال العبد المشترط معه أو عينا و عملا كالصبغ لا ماله مدخل في قيمة العوض إذ كل شرط كذلك و ما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه و إن كان مقتضى المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقا قيدا غير مقابل بالمال فإن المبيع هو الثوب المخيط و العبد المصاحب للمال لا الثوب و الخياطة و العبد و ماله و لذا لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين في المجلس لو كان من أحدهما و سيجي ء في المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الأجزاء.

الخامسة لو تعذر الشرط

و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه- بتلف أو بنقل أو رهن أو استيلاد فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ فإذا فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه أو من أصله وجوه يأتي في أحكام الخيار- و يأتي أن الأقوى الرجوع بالبدل جمعا بين الأدلة هذا كله مع صحة العقد الواقع بأن لا يكون منافيا للوفاء بالشرط و أما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه على البائع ففي صحته مطلقا أو مع إذن المشروط له- أو إجازته أو بطلانه وجوه خيرها أوسطها فلو باع بدون إذنه كان للمشروط له فسخه و إلزامه بالوفاء بالشرط. نعم لو لم نقل بإجبار المشروط عليه فالظاهر صحة العقد الثاني فإذا فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من حينه أو من أصله أو الرجوع بالقيمة وجوه رابعها التفصيل بين التصرف بالعتق فلا يبطل لبنائه على التغليب فيرجع بالقيمة و بين غيره فيبطل اختاره في التذكرة و الروضة قال في فروع مسألة العبد المشترط عتقه بعد ما ذكر أن إطلاق

المكاسب، ج 3، ص 286

اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا فلو أعتقه بشرط الخدمة مدة تخير المشروط له بين الإمضاء و الفسخ فيرجع بقيمة العبد قال بعد ذلك و لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء فإن فسخ بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام و تخالف هذه العتق بشرط الخدمة لأن العتق مبني على التغليب فلا سبيل إلى فسخه و هل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري فيه احتمال انتهى و مثله ما في الروضة. و قال في الدروس في العبد المشروط عتقه و لو أخرجه عن ملكه ببيع أوهبه أو وقف فللبائع فسخ ذلك كله انتهى و ظاهره ما اخترناه و يحتمل ضعيفا غيره. و في جامع المقاصد الذي ينبغي أن المشتري ممنوع من كل تصرف ينافي العتق المشترط ثم إن هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين كذلك لا يسقط بالتصرف فيها كما نبه عليه في المسالك في أول خيار العيب فيما لو اشترط الصحة على البائع. نعم إذا دل التصرف على الالتزام بالعقد لزم العقد و سقط الخيار نظير خيار المجلس و الحيوان بناء على ما استفيد من بعض أخبار خيار الحيوان المشتمل على سقوط خياره بالتصرف معللا بحصول الرضا بالعقد و أما مطلق التصرف فلا.

السادسة للمشروط له إسقاط شرطه

إذا كان مما يقبل الإسقاط- لا مثل اشتراط مال العبد أو حمل الدابة لعموم ما تقدم في إسقاط الخيار و غيره من الحقوق- و قد يستثنى من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له كالعتق فإن المصرح به في كلام جماعة كالعلامة و ولده و الشهيدين و غيرهم عدم سقوطه بإسقاط المشروط له قال في التذكرة الأقوى عندي أن العتق المشروط اجتمع فيه حقوق- حق لله و حق للبائع و حق للعبد ثم استقرب بناء على ما ذكره مطالبة العبد بالعتق لو امتنع المشتري. و في الإيضاح الأقوى أنه حق للبائع و لله تعالى فلا يسقط بالإسقاط انتهى و في الدروس لو أسقط البائع الشرط جاز إلا العتق لتعلق حق العبد و حق الله تعالى به انتهى. و في جامع المقاصد أن التحقيق أن العتق فيه معنى القربة و العبادة و هو حق الله تعالى و زوال الحجر و هو حق للعبد و فوات المالية على الوجه المخصوص للقربة و هو حق للبائع انتهى. أقول أما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الأمر المطلوب للشارع فهو واضح و أما كونه حقا للعبد فإن أريد به مجرد انتفاعه بذلك فهذا لا يقتضي سلطنة له على المشتري بل هو متفرع على حق البائع دائر معه وجودا و عدما و إن أريد ثبوت حق على المشتري يوجب السلطنة على المطالبة فلا دليل عليه و دليل الوفاء لا يوجب إلا ثبوت الحق للبائع و بالجملة فاشتراط عتق العبد ليس إلا كاشتراط أن يبيع المبيع من زيد بأدون من ثمن المثل أو يتصدق به عليه و لم يذكر أحد أن لزيد المطالبة. و مما ذكر يظهر الكلام في ثبوت حق الله تعالى فإنه إن أريد به مجرد وجوبه عليه لأنه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض فهذا جار في كل شرط و لا ينافي ذلك سقوط الشروط بالإسقاط و إن أريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوبا لله كما ذكره جامع المقاصد ففيه أن مجرد المطلوبية إذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق لله على وجه يلزم به الحاكم و لا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد و القيام بحقوقهم و قد عرفت أن المطلوب غير هذا فافهم

السابعة قد عرفت أن الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن- عند انكشاف التخلف على المشهور
اشارة

لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد عرفا على مقابلة أحد العوضين إلا بالآخر و الشرع لم يزد على ذلك إذ أمره بالوفاء بذلك المدلول العرفي فتخلف الشرط لا يقدح في تملك كل منهما لتمام العوضين هذا و لكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة بأن يشتري مركبا و يشترط كونه كذا و كذا جزء كأن يقول بعتك هذا الأرض أو الثوب أو الصبرة على أن يكون كذا ذراعا أو صاعا فقد جعل الشرط تركبه من أجزاء معينة فهل يلاحظ حينئذ جانب القيدية و يقال إن المبيع هو العين الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزء فالمتخلف هو قيد من قيود العين كالكتابة و نحوها في العبد لا يوجب فواتها إلا خيارا بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن أو يلاحظ جانب الجزئية فإن المذكور و إن كان بصورة القيد إلا أن منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد و عدمه فالمبيع في الحقيقة هو كذا و كذا جزء إلا أنه عبر عنه بهذه العبارة كما لو أخبر بوزن المبيع المعين فباعه اعتمادا على إخباره فإن وقوع البيع على العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن على الفائت و بالجملة فالفائت عرفا و في الحقيقة هو الجزء و إن كان بصورة الشرط فلا يجري فيه ما مر من عدم التقابل إلا بين نفس العوضين و لأجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه أرضا على أنها جربان معينة أو صبره على أنها أصوع معينة

[لو باع شيئا على أنه قدر معين فتبين الاختلاف]
اشارة

و تفصيل ذلك العنوان الذي ذكره في التذكرة بقوله لو باع شيئا و شرط فيه قدرا معينا فتبين الاختلاف من حيث الكم فأقسامه أربعة لأنه إما أن يكون مختلف الأجزاء أو متفقها و على التقديرين فإما أن يزيد و إما أن ينقص

فالأول تبين النقص في متساوي الأجزاء

و لا إشكال في الخيار و إنما الإشكال و الخلاف في أن له الإمضاء بحصة من الثمن أو ليس له الإمضاء إلا بتمام الثمن فالمشهور كما عن غاية المرام هو الأول. و قد حكي عن المبسوط و الشرائع و جملة من كتب العلامة و الدروس و التنقيح و الروضة و ظاهر السرائر و إيضاح النافع حيث اختارا ذلك في مختلف الأجزاء فيكون كذلك في متساوي الأجزاء بطريق أولى و يظهر من استدلال بعضهم على الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي الأجزاء مفروغا عنه. و عن مجمع البرهان أنه ظاهر القوانين الشرعية و وجهه مضافا إلى فحوى الرواية الآتية في القسم الثاني ما أشرنا إليه من أن كون المبيع الشخصي بذلك المقدار و إن كان بصورة الشرط إلا أن مرجعه إلى كون المبيع هذا القدر كما لو كالا طعاما فاشتراه فتبين الغلط في الكيل و لا يرتاب أهل العرف في مقابلة الثمن لمجموع المقدار المعين المشترط هنا خلافا لصريح القواعد و محكي الإيضاح و قواه في محكي حواشي الشهيد و الميسية و الكفاية و استوجهه في المسالك و يظهر من جامع المقاصد أيضا لأن المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان غاية الأمر أنه التزم أن يكون بمقدار معين و هو وصف غير موجود في المبيع فأوجب الخيار كالكتابة المفقودة في العبد و ليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار إلا أنه غير موجود في الخارج مع

المكاسب، ج 3، ص 287

أن مقتضى تعارض الإشارة و الوصف غالبا ترجيح الإشارة عرفا فإرجاع قوله بعتك هذه الصبرة على أنها عشرة أصوع إلى قوله بعتك عشرة أصوع موجودة في هذا المكان تكلف و الجواب أن كونه من قبيل الشرط مسلم إلا أن الكبرى و هي أن كل شرط لا يوزع عليه الثمن ممنوعة لأن المستند في عدم التوزيع عدم المقابلة عرفا و العرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة فتأمل.

الثاني تبين النقص في مختلف الأجزاء

و الأقوى فيه ما ذكر من التقسيط مع الإمضاء وفاقا للأكثر لما ذكر سابقا من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط جزء من المبيع مضافا إلى خبر ابن حنظلة: رجل باع أرضا على أنها عشرة أجربة فاشترى المشتري منه بحدوده و نقد الثمن و أوقع صفقة البيع و افترقا فلما مسح الأرض فإذا هي خمسة أجربة قال فإن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض و إن شاء رد المبيع و أخذ المال كله إلا أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أرضون فليوفه و يكون البيع لازما فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله و إن شاء رد الأرض و أخذ المال كله الخبر. و لا بأس باشتماله على حكم مخالف للقواعد لأن غاية الأمر على فرض عدم إمكان إرجاعه إليها و مخالفة ظاهرة للإجماع طرح ذيله غير المسقط لصدره عن الاحتجاج خلافا للمحكي عن المبسوط و جميع من قال في الصورة الأولى بعدم التقسيط لما ذكر هناك من كون المبيع عينا خارجيا لا يزيد و لا ينقص لوجود الشرط و عدمه و الشرط التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار كما لو اشترط حمل الدابة أو مال العبد فتبين عدمهما و زاد بعض هؤلاء ما فرق به في المبسوط بين الصورتين بأن الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن لأن المبيع مختلف الأجزاء فلا يمكن قسمته على عدد الجريان. و فيه أن عدم معلومية قسطه لا يوجب عدم استحقاق المشتري ما يستحقه على تقدير العلم فيمكن التخلص بصلح أو نحوه إلا أن يدعى استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد مع عدم إمكان العلم به عند الحاجة إلى التقسيط و فيه منع عدم المعلومية لأن الفائت صفة كون هذه الأرض المعينة المشخصة عشرة أجربة و يحصل فرضه و إن كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعف كل جزء من الأرض لأنه معنى فرض نفس الخمسة عشرة و فرضه أيضا بصيرورة ثلاثة منها ثمانية أو أربعة تسعة أو واحد ستة أو غير ذلك و إن كان ممكنا إلا أنه لا ينفع مع فرض تساوي قطاع الأرض و مع اختلافها فظاهر التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضى بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا على ما هو عليه من الصفات المرئية أو الموصوفة ثم إن المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة و نفى عنه البعد في التذكرة معللا بأن القطعة المجاورة للمبيع أقرب إلى المثل من الأرش.

و فيه مع منع كون نحو الأرض مثليا أن الفائت لم يقع المعاوضة عليه في ابتداء العقد و قسطه من الثمن باق في ملك المشتري و ليس مضمونا على البائع حتى يقدم مثله على قيمته و أما الشيخ قدس سره فالظاهر استناده في ذلك إلى الرواية.

الثالث أن يتبين الزيادة عما شرط على البائع

فإن دلت القرينة على أن المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة فالظاهر أن الكل للمشتري و لا خيار و إن أريد ظاهره و هو كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة و عليه من حيث عدم النقيصة ففي كون الزيادة للبائع و تخير المشتري للشركة أو تخير البائع بين الفسخ و الإجازة لمجموع الشي ء بالثمن وجهان من أن مقتضى ما تقدم من أن اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به فهو شرط صورة و له حكم الجزء عرفا أن اشتراط عدم الزيادة على المقدار هنا بمنزلة الاستثناء و إخراج الزائد عن المبيع و من الفرق بينهما بأن اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا و ليس بمنزلة الاستثناء فتخلفه لا يوجب إلا الخيار و لعل هذا أظهر مضافا إلى إمكان الفرق بين الزيادة و النقيصة مع اشتراكهما في كون مقتضى القاعدة فيها كونهما من تخلف الوصف لا نقص الجزء أو زيادته بورود النص المتقدم في النقيصة و نبقي الزيادة على مقتضى الضابطة و لذا اختار الاحتمال الثاني بعض من قال بالتقسيط في أطراف النقيصة. و قد يحكى عن المبسوط القول بالبطلان هنا لأن البائع لم يقصد بيع الزائد و المشتري لم يقصد شراء البعض و فيه تأمل.

الرابع أن يتبين في مختلف الأجزاء

و حكمه يعلم مما ذكرنا

القول في حكم الشرط الفاسد
اشارة

الكلام فيه يقع في أمور-

الأول أن الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعيد
اشارة

فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به على القول بعدم فساد أصل العقد و تأمل أيضا في أن الشرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين فيكون البيع غررا و كذا لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر في أصل البيع كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانيا لأنه موجب للدور أو لعدم القصد إلى البيع الأول أو للتعبد من أجل الإجماع أو النص و كاشتراط جعل الخشب المبيع صنما لأن المعاملة على هذا الوجه أكل للمال بالباطل و لبعض الأخبار

[هل الشرط الفاسد لغير إخلاله بالعقد مفسد للعقد]
اشارة

و إنما الإشكال فيما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد فهل يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد أم يبقى العقد على الصحة قولان حكي أولهما عن الشيخ و الإسكافي و ابن البراج و ابن سعيد و ثانيهما للعلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة ممن تبعهم. و ظاهر ابن زهرة في الغنية التفصيل بين الشرط غير المقدور كصيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا و بين غيره من الشروط الفاسدة فادعى في الأول عدم الخلاف في الفساد و الإفساد و مقتضى التأمل في كلامه أن الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور على تسليمه و لو صح ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف لرجوعه كالشرط المجهول إلى ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين لكن صريح العلامة في التذكرة وقوع الخلاف في الشرط غير المقدور و مثل بالمثالين المذكورين و نسب القول بصحة العقد إلى بعض علمائنا و الحق أن الشرط غير المقدور من حيث هو غير مقدور لا يوجب تعذر التسليم في أحد العوضين. نعم لو أوجبه فهو خارج عن محل النزاع كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر و ربما ينسب إلى ابن المتوج البحراني التفصيل بين الفاسد لأجل عدم تعلق غرض مقصود

المكاسب، ج 3، ص 288

للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد كأكل طعام بعينه أو لبس ثوب كذلك و بين غيره. و قد تقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء عن التذكرة و غيرها أن هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار و الخلاف في أن اشتراط الكفر صحيح أم لا و عدم الخلاف ظاهرا في لغوية اشتراط كيل المسلم فيه بمكيال شخصي معين و ظاهر ذلك كله التسالم على صحة العقد و لو مع لغوية الشرط و يؤيد الاتفاق على عدم الفساد استدلال القائلين بالإفساد بأن للشرط قسطا من الثمن فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا. نعم استدلالهم الآخر على الإفساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط ربما يؤيد عموم محل الكلام لهذا الشرط إلا أن الشهيدين ممن استدل بهذا الوجه و صرح بلغوية اشتراط الكفر و الجهل بالعبادات بحيث يظهر منه صحة العقد فراجع و كيف كان

فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة

وفاقا لمن تقدم لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصصه

[أدلة القائلين بالإفساد]
اشارة

عدا وجوه

أحدها ما ذكره في المبسوط للمانعين من أن للشرط قسطا من العوض مجهولا

فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا و فيه بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة جزء من الصداق فيجب على هذا سقوط المسمى و الرجوع إلى مهر المثل أولا منع مقابلة الشرط بشي ء من العوضين عرفا و لا شرعا لأن مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن و المثمن غاية الأمر كون الشرط قيدا لأحدهما يكون له دخل في زيادة العوض و نقصانه و الشرط لم يحكم على هذا العقد إلا بإمضائه على النحو الواقع عليه فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين و لذا لم يكن في فقده إلا الخيار بين الفسخ و الإمضاء مجانا كما عرفت. و ثانيا منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض إذ ليس العوض المنضم إلى الشرط و المجرد عنه إلا كالمتصف بوصف الصحة و المجرد عنه في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف و لذا حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الأرش لو لم يتحقق العتق المشروط في صحة بيع المملوك و بلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب. و ثالثا منع كون الجهالة الطارئة على العوض قادحة إنما القادح به هو الجهل به عند إنشاء العقد.

الثاني أن التراضي إنما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص

فإذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي لانتفاء المقيد بانتفاء القيد و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل فالمعاوضة بين الثمن و المثمن بدون الشرط معاوضة أخرى محتاجة إلى تراض جديد و إنشاء جديد و بدونه يكون التصرف أكلا للمال لا عن تراض. و فيه منع كون ارتباط الشرط بالعقد على وجه يحوج انتفاؤه إلى معاوضة جديدة عن تراض جديد و مجرد الارتباط لا يقتضي ذلك كما إذا تبين نقص أحد العوضين أو انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة في البيع كالكتابة و الصحة و كالشروط الفاسدة في عقد النكاح فإنه لا خلاف نصا و فتوى في عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه. و قد تقدم أن ظاهرهم في الشرط غير المقصود للعقلاء في السلم و غيره عدم فساد العقد به و تقدم أيضا أن ظاهرهم أن الشرط غير المذكور في العقد لا حكم له صحيحا كان أو فاسدا و دعوى أن الأصل في الارتباط هو انتفاء الشي ء بانتفاء ما ارتبط به و مجرد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب التعدي مدفوعة بأن المقصود من بيان الأمثلة أنه لا يستحيل التفكيك بين الشرط و العقد و أنه ليس التصرف المترتب على العقد بعد انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة تصرفا لا عن تراض جوزه الشارع تعبدا و قهرا على المتعاقدين فما هو التوجيه في هذه الأمثلة هو التوجيه فيما نحن فيه و لذا اعترف في جامع المقاصد بأن في الفرق بين الشرط الفاسد و الجزء الفاسد عسرا. و الحاصل أنه يكفي للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لا عن تراض مستندا إلى النقض بهذه الموارد و حل ذلك أن القيود المأخوذة في المطلوبات العرفية و الشرعية منها ما هو ركن المطلوب ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا و كون مطلوب المولى إتيان تتن الشطب لا الأصفر الصالح للنار جيل و مطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة لأجل التنظيف فإن العرف يحكم في هذه الأمثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود فلا يقوم الحمار مقام العبد و لا الأصفر مقام التتن و لا التيمم مقام الغسل. و منها ما ليس كذلك ككون العبد صحيحا و التتن جيدا و الغسل بماء الفرات فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب و الظاهر أن الشرط من هذا القبيل لا من قبيل الأول فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا عن تراض. نعم غاية الأمر أن فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا بالفساد نظير فوات الجزء و الشرط الصحيحين و لا مانع من التزامه و إن لم يظهر منه أثر في كلام القائلين بهذا القول

الثالث [الاستدلال بالروايات]

رواية عبد الملك ابن عتبة عن الرضا ع: عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا على أن ليس منه على وضيعة هل يستقيم هذا و كيف هنا و ما حد ذلك قال لا ينبغي و الظاهر أن المراد الحرمة لا الكراهة كما في المختلف إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد و رواية الحسين ابن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني فيطلب مني العينة فأشتري المتاع لأجله ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني قال فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت أيضا بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس قال فقلت إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد و يقولون إنه إن جاء به بعد أشهر صح قال إنما هذا تقديم و تأخير لا بأس فإن مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو أحدهما مختارا في ترك المعاملة الثانية و عدم الاختيار في تركها إنما يتحقق باشتراط فعلها في ضمن العقد الأول و إلا فلا يلزم عليها فيصير الحاصل أنه إذا باعه بشرط أن يبيعه منه أو يشتريه منه لم يصح البيع الأول فكذا الثاني أو لم يصح الثاني لأجل فساد الأول إذ لا مفسد له غيره و رواية علي بن جعفر عن أخيه ع قال:

سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة نقدا أ يحل قال إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس و دلالتها أوضح من الأولى و الجواب أما عن الأولى فبظهور لا ينبغي في الكراهة و لا مانع من كراهة البيع على هذا النحو من أن البيع صحيح غير مكروه و الوفاء بالشرط مكروه و أما عن الروايتين فأولا بأن الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية فتوى أهل المسجد على خلاف قول الإمام ع في الرواية الأولى هو رجوع البأس في المفهوم إلى الشراء و لا ينحصر وجه فساده في فساد البيع لاحتمال

المكاسب، ج 3، ص 289

أن يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الأول فإن العرف لا يفرقون في إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بين وقوع الشرط في متن العقد أو في الخارج فإذا التزم به أحدهما في خارج العقد الأول كان وقوعه للزومه عليه عرفا فيقع لا عن رضا منه فيفسد و ثانيا بأن غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا و هو مما لا خلاف فيه حتى ممن قال بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ في المبسوط فلا يتعدى منه إلى غيره فلعل البطلان فيه للزوم الدور كما ذكره العلامة أو لعدم قصد البيع كما ذكره الشهيد قدس سره أو لغير ذلك بل التحقيق أن مسألة اشتراط بيع المبيع خارجة عما نحن فيه لأن الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسدا لأنه ليس مخالفا للكتاب و السنة و لا منافيا لمقتضى العقد بل الفساد في أصل البيع لأجل نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط و قد أشرنا إلى ذلك في أول المسألة و لعله لما ذكرنا لم يستند إليها أحد في مسألتنا هذه و الحاصل أني لم أجد لتخصيص العمومات في هذه المسألة ما يطمئن به النفس

و يدل على الصحة أيضا جملة من الأخبار
منها ما عن المشايخ الثلاثة

في الصحيح عن الحلبي عن الصادق ع: أنه ذكران بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقها فخيرها رسول الله ص فقال إن شاءت قعدت عند زوجها و إن شاءت فارقته و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولاءها فقال ص: الولاء لمن أعتق و حملها على الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية إشارة و في غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب و السنة فالإنصاف أن الرواية في غاية الظهور.

و منها مرسلة جميل و صحيحة الحلبي

الأولى عن أحدهما في الرجل يشتري الجارية و يشترط لأهلها أن لا يبيع و لا يهب و لا ترث قال: يفي بذلك إذا اشترط لهم إلا الميراث فإن الحكم بوجوب الوفاء بالأولين دون الثالث مع اشتراط الجميع في العقد لا يكون إلا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه و لو قلنا بمقالة المشهور من فساد اشتراط عدم البيع و الهبة حتى أنه حكي عن كاشف الرموز أني لم أجد عاملا بهذه الرواية كان الأمر بالوفاء محمولا على الاستحباب و يتم المطلوب أيضا و يكون استثناء شرط الإرث لأن الملك فيه قهري للوارث لا معنى لاستحباب وفاء المشتري به مع أن تحقق الإجماع على بطلان شرط عدم البيع و الهبة ممنوع كما لا يخفى و الثانية عن أبي عبد الله ع عن الشرط في الإماء لا تباع و لا تورث و لا توهب قال: يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورث و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد الخبر فإن قوله: فإنها تورث يدل على بقاء البيع الذي شرط فيه أن لا تورث على الصحة بل يمكن أن يستفاد من قوله بعد ذلك: كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فهو رد أي لا يعمل به أن جميع ما ورد في بطلان الشروط المخالفة لكتاب الله جل ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط لا بطلان أصل البيع. و يؤيده ما ورد في بطلان الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح

و قد يستدل على الصحة بأن صحة الشرط فرع على صحة البيع

فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط لزم الدور و فيه ما لا يخفى

و الإنصاف أن المسألة في غاية الإشكال

و لذا توقف فيها بعض تبعا للمحقق قدس سره

[هل الشرط الفاسد يوجب الخيار للمشروط له]

ثم على تقدير صحة العقد- ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجه من حيث كونه في حكم تخلف الشرط الصحيح فإن المانع الشرعي كالعقلي فيدل عليه ما يدل على خيار تخلف الشرط. و لا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو بالحكم الشرعي و لذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار أو بفوريته و لكن يشكل بأن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الإجماع و أدلة نفي الضرر قد تقدم غير مرة أنها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعي إذا لم يعتضد بعمل جماعة لأن المعلوم إجمالا أنه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقه جديد خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذرا فرب ضرر يترتب على المعاملات من أجل الجهل بأحكامها خصوصا الصحة و الفساد فإن ضرورة الشرع قاضية في أغلب الموارد بأن الضرر المترتب على فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك مع أن مقتضى تلك الأدلة نفي الضرر غير الناشئ عن تقصير المتضرر في دفعه سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع أم بالحكم و إن قام الدليل في بعض المقامات على التسوية بين القاصر و المقصر فالأقوى في المقام عدم الخيار و إن كان يسبق خلافه في بادئ الأنظار.

الثاني لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد على القول بإفساده لم يصح بذلك العقد

لانعقاده بينهما على الفساد فلا ينفع إسقاط المفسد و يحتمل الصحة بناء على أن التراضي إنما حصل على العقد المجرد عن الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد. و فيه أن التراضي إنما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد السابق كما في بيع المكره و الفضولي و أما إذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه العقد فلا ينفع لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه و متعلق العقد لم يرض به و يظهر من بعض مواضع التذكرة التردد في الفساد بعد إسقاط الشرط قال يشترط في العمل المشروط على البائع أن يكون محللا فلو اشترى العنب على شرط أن يعصره البائع خمرا لم يصح الشرط و البيع على إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه و هو المانع من صحة البيع- و من اقتران البيع بالمبطل و بالجملة فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا أو إيقاف البيع بدونه فإن لم يرض بدونه بطل و الأصح انتهى و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الإيقاف.

الثالث لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد

فهل يبطل العقد بذلك بناء على أن الشرط الفاسد مفسد له أم لا وجهان بل قولان مبنيان على تأثير الشرط قبل العقد فإن قلنا بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور و قد تقدم في الشروط لم يفسد و إلا فسد و يظهر من المسالك هنا قول ثالث قال في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع المراد باشتراط ذلك شرطه في متن العقد فلو كان في أنفسهما ذلك و لم يشترطاه لم يضر و لو شرطاه قبل العقد لفظا فإن كانا يعلمان بأن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له و إلا اتجه بطلان العقد كما لو ذكراه في متنه لأنهما لم يقدما إلا على الشرط و لم يتم لهما فيبطل العقد انتهى. و في باب المرابحة بعد ذكر المحقق في المسألة المذكورة أنه لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره قال في المسالك أي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله. نعم لو توهم لزوم ذلك أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله اتجه الفساد انتهى. ثم حكي اعتراضا على

المكاسب، ج 3، ص 290

المحقق قدس سره- و جوابا عنه بقوله قيل عليه إن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد لأن العقود تتبع القصود فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ و أجيب عنه بأن القصد و إن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان لتوقف البطلان على اللفظ و القصد و كذلك الصحة و لم يوجد في الفرض ثم قال قدس سره و فيه منع ظاهر فإن اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف أحدهما كافيا في البطلان و يرشد إليه عبارة الساهي و الغالط و المكره فإن المتخلف الموجب للبطلان هو القصد و إلا فاللفظ موجود ثم قال و الذي ينبغي فهمه أنه لا بد من قصدهما إلى البيع المترتب عليه أثر الملك للمشتري على وجه لا يلزمه رده و إنما يفتقر قصدهما لرده بعد ذلك بطريق الاختيار نظرا إلى وثوق البائع بالمشتري أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض اختياره و مروته انتهى كلامه.

أقول إذا أوقعا العقد المجرد على النحو الذي يوقعانه مقترنا بالشرط و فرض عدم التفاوت بينهما في البناء على الشرط و الالتزام به إلا بالتلفظ بالشرط و عدمه فإن قلنا بعدم اعتبار التلفظ في تأثير الشرط الصحيح و الفاسد فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط و غيره فإن العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الإقدام على العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد بل إقدامه كإقدام من يعتقد الصحة كما لا فرق في إيقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده و عدم ترتب أثر شرعي عليه و غيره. و بالجملة فالإقدام على العقد مقيدا أمر عرفي يصدر من المتعاقدين و إن علما بفساد الشرط و أما حكم صورة نسيان ذكر الشرط فإن كان مع نسيان أصل الشرط كما هو الغالب فالظاهر الصحة لعدم الإقدام على العقد مقيدا غاية الأمر أنه كان عازما على ذلك لكن غفل عنه. نعم لو اتفق إيقاع العقد مع الالتفات إلى الشرط ثم طرأ عليه النسيان في محل ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا على تواطئهما السابق.

الرابع لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء

فظاهر كلام جماعة من القائلين بإفساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد. قال في التذكرة في باب العيب لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار و قد صرح في مواضع آخر في باب الشروط بصحة العقد و لغوية الشرط و قد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون العبد كافرا فبان مسلما و مرجعه إلى لغوية الاشتراط و قد ذكروا في السلم لغوية بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين و لعل وجه عدم قدح هذه الشروط أن الوفاء بها لما لم يجب شرعا و لم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرجت عن قابلية تقييد العقد بها لعدم عدها كالجزء من أحد العوضين و يشكل بأن لغويتها لا تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين فاللازم إما بطلان العقد و إما وجوب الوفاء كما إذا جعل بعض الثمن مما لا يعد مالا في العرف

الكلام في أحكام الخيار
الكلام في أحكام الخيار
الخيار موروث بأنواعه
اشارة

بلا خلاف بين الأصحاب كما في الرياض و ظاهر الحدائق- و في التذكرة أن الخيار عندنا موروث- لأنه من الحقوق كالشفعة و القصاص في جميع أنواعه و به قال الشافعي إلا في خيار المجلس و ادعى في الغنية الإجماع على إرث خيار المجلس و الشرط

[الاستدلال عليه بما ورد في إرث ما ترك الميت]
اشارة

و استدل عليه مع ذلك بأنه حق للميت فيورث لظاهر القرآن و تبعه بعض من تأخر عنه و زيد عليه الاستدلال بالنبوي: ما ترك الميت من حق فلوارثه. أقول

الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب و السنة الواردين في إرث ما ترك الميت يتوقف على ثبوت أمرين
أحدهما كون الخيار حقا لا حكما شرعيا

كإجازة العقد الفضولي و جواز الرجوع في الهبة و سائر العقود الجائزة فإن الحكم الشرعي مما لا يورث و كذا ما تردد بينهما للأصل و ليس في الأخبار ما يدل على ذلك عدا ما دل على انتفاء الخيار بالتصرف معللا بأنه رضا كما تقدم في خيار الحيوان و التمسك بالإجماع على سقوطه بالإسقاط فيكشف عن كونه حقا لا حكما مستغنى عنه بقيام الإجماع على نفس الحكم.

الثاني كونه حقا قابلا للانتقال

ليصدق أنه مما ترك الميت بأن لا يكون وجود الشخص و حياته مقوما له و إلا فمثل حق الجلوس في السوق و المسجد و حق التولية و النظارة غير قابل للانتقال فلا يورث و إثبات هذا الأمر بغير الإجماع أيضا مشكل و التمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق- و عدم انقطاعه بموت ذي الحق أشكل لعدم إحراز الموضوع لأن الحق لا يتقوم إلا بالمستحق و كيف كان ففي الإجماع المنعقد على نفس الحكم كفاية إن شاء الله تعالى.

بقي الكلام في أن إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا

فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار إلى الوارث- و لو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه كالرقية أو القتل للمورث أو الكفر فلا إشكال في عدم الإرث لأن الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر الحقوق و لو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي كالزوجة غير ذات الولد أو مطلقا بالنسبة إلى العقار و غير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلى الحبوة ففي حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا أو عدم حرمانه كذلك وجوه بل أقوال ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميت أو عنه فيرث في الأول صرح به فخر الدين في الإيضاح و فسر به عبارة والده كالسيد العميد و شيخنا الشهيد في الحواشي و رابعها عدم الجواز في تلك الصورة و الإشكال في غيرها صرح به في جامع المقاصد و لم أجد من جزم بعدم الإرث مطلقا و إن أمكن توجيهه بأن ما يحرم منه هذا الوارث إن كان قد انتقل عن الميت فالفسخ لا معنى له لأنه لا ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن شي ء من المثمن. و بعبارة أخرى الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه توجب سلطنته عليه و لا علاقة هنا و لا سلطنة و إن كان قد انتقل إلى الميت فهو لباقي الورثة و لا سلطنة لهذا المحروم و الخيار حق فيما انتقل عنه بعد إحراز تسلطه على ما وصل بإزائه و لكن يرد ذلك بما في الإيضاح من أن الخيار لا يتوقف على الملك كخيار الأجنبي فعمومات الإرث بالنسبة إلى الخيار لم يخرج عنها الزوجة و إن خرجت عنها بالنسبة إلى المال. و الحاصل أن حق الخيار ليس تابعا للملكية و لذا قوى بعض المعاصرين ثبوت الخيار في الصورتين و يضعفه أن حق الخيار علقة في الملك المنتقل إلى

المكاسب، ج 3، ص 291

الغير من حيث التسلط على استرداده إلى نفسه أو إلى من هو منصوب من قبله كما في الأجنبي. و بعبارة أخرى ملك لتملك المعوض لنفسه أو لمن نصب عنه و هذه العلاقة لا تنتقل من الميت إلا إلى وارث يكون كالميت في كونه مالكا لأن يملك فإذا فرض أن الميت باع أرضا بثمن فالعلاقة المذكورة إنما هي لسائر الورثة دون الزوجة لأنها بالخيار لا ترد شيئا من الأرض إلى نفسها و لا إلى آخر هي من قبله لتكون كالأجنبي المجعول له. نعم لو كان الميت قد انتقلت إليه الأرض كان الثمن المدفوع إلى البائع متزلزلا في ملكه فيكون في معرض الانتقال إلى جميع الورثة و منهم الزوجة فهي أيضا مالكه لتملك حصتها من الثمن لكن فيه ما ذكرنا سابقا من أن الخيار حق فيما انتقل عنه بعد إحراز التسلط على ما وصل بإزائه و عبر عنه في جامع المقاصد بلزوم تسلط الزوجة على مال الغير و حاصله أن الميت إنما كان له الخيار و العلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلطه على رد ما في يده لتملك ما انتقل عنه بإزائه فلا تنتقل هذه العلاقة إلا إلى من هو كذلك من ورثته- كما مر نظيره في عكس هذه الصورة و ليست الزوجة كذلك. و قد تقدم في مسألة ثبوت خيار المجلس للوكيل أن أدلة الخيار مسوقة لبيان تسلط ذي الخيار على صاحبه من جهة تسلطه على تملك ما في يده فلا يثبت بها تسلط الوكيل على ما وصل إليه لموكله و ما نحن فيه كذلك و يمكن دفعه بأن ملك بائع الأرض للثمن لما كان متزلزلا و في معرض الانتقال إلى جميع الورثة اقتضى بقاء هذا التزلزل بعد موت ذي الخيار ثبوت حق للزوجة و إن لم يكن لها تسلط على نفس الأرض و الفرق بين ما نحن فيه و بين ما تقدم في الوكيل أن الخيار هناك و تزلزل ملك الطرف الآخر و كونه في معرض الانتقال إلى موكل الوكيل كان متوقفا على تسلط الوكيل على ما في يده و تزلزل ملك الطرف الآخر هنا و كونه في معرض الانتقال إلى الورثة ثابت على كل حال و لو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة فإن باقي الورثة لو ردوا الأرض و استردوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه فحق الزوجة في الثمن المنتقل إلى البائع ثابت فلها استيفاؤه بالفسخ ثم إن ما ذكر وارد على فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة بثمن معين تشترك فيه الزوجة إلا أن يلتزم عدم تسلطهم على الفسخ إلا في مقدار حصتهم من الثمن فيلزم تبعيض الصفقة فما اختاره في الإيضاح من التفصيل مفسرا به عبارة والده في القواعد لا يخلو عن قوة. قال في القواعد الخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال أقربه ذلك إن اشترى بخيار لترث من الثمن انتهى و قال في الإيضاح ينشأ الإشكال من عدم إرثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها و من أن الخيار لا يتوقف على الملك كالأجنبي ثم فرع المصنف أنه لو كان الموروث قد اشترى بخيار فالأقرب إرثها من الخيار لأن لها حقا في الثمن و يحتمل عدمه لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ فلو علل بإرثها دار و إلا صح اختيار المصنف لأن الشراء يستلزم منعها من شي ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة و هو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه انتهى و قد حمل العبارة على هذا المعنى السيد العميد الشارح للكتاب و استظهر خلاف ذلك من عبارة جامع المقاصد فإنه بعد بيان منشأ الإشكال على ما يقرب من الإيضاح قال فالأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشترى أرضا بخيار فأرادت الفسخ لترث من الثمن و أما إذا باع أرضا بخيار فالإشكال حينئذ بحاله لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئا و حمل الشارحان العبارة على أن الأقرب إرثها إذا اشترى بخيار لأنها حينئذ تفسخ فترث من الثمن بخلاف ما إذا باع بخيار و هو خلاف الظاهر فإن المتبادر أن المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الإرث الذي سيقت لأجله العبارة مع أنه من حيث الحكم غير مستقيم أيضا فإن الأرض حق لباقي الوارث استحقوها بالموت فكيف تملك الزوجة إبطال استحقاقهم لها و إخراجها عن ملكهم. نعم لو قلنا إن ذلك يحصل بانقضاء مدة الخيار استقام ذلك و أيضا فإنها إذا ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث في ما إذا باع الميت أرضا بخيار بطريق أولى لأنها ترث حينئذ من الثمن و أقصى ما يلزم من إرثها من الخيار أن تبطل حقها من

الثمن و هو أولى من إبطال إرثها حق غيرها من الأرض التي اختصوا بملكها ثم قال و الحق أن إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد جدا و إبطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج إلى دليل نعم قوله لترث من الثمن على هذا التقدير يحتاج إلى تكلف زيادة تقدير بخلاف ما حملا عليه انتهى. و قد تقدم ما يمكن أن يقال على هذا الكلام ثم إن الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة إذا اشترى الميت أو باع بعض أعيان الحبوة بخيار هو الكلام في ثبوته للزوجة في الأرض المشتراة و المبيعة.

مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه شي ء واحد غير قابل للتجزية و التقسيم
اشارة

وجوه

الأول ما اختاره بعضهم- من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا

كمورثه بحيث يكون له الفسخ في الكل و إن أجاز الباقون نظير حد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين و كذلك حق الشفعة على المشهور و استند في ذلك إلى أن ظاهر النبوي المتقدم و غيره ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من لهم الخيار بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل مثل ذلك على إرادة الاشتراك لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث.

الثاني استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه

فله الفسخ فيه دون باقي الحصص غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ و الإمضاء و تبعض الصفقة على من عليه الخيار فيثبت له الخيار و وجه ذلك أن الخيار لما لم يكن قابلا للتجزية و كان مقتضى أدلة الإرث كما سيجي ء اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم تعين تبعضه بحسب متعلقة فيكون نظير المشتريين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما.

الثالث استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار
اشارة

فيشركون فيه من دون ارتكاب تعدده بالنسبة إلى جميع المال و لا بالنسبة إلى حصة كل منهم لأن مقتضى أدلة الإرث في الحقوق غير القابلة للتجزية و الأموال القابلة لها أمر واحد فهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة إلا أن التقسيم في الأموال لما كان أمرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع في المجموع إلى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة بخلاف الحقوق فإنها تبقى على حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها فلا يجوز لأحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكل و لا

المكاسب، ج 3، ص 292

في حصته فافهم.

و هنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع

و هو أن يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجر الآخر لتحقق الطبيعة في الواحد و ليس له الإجازة بعد ذلك كما أنه لو أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا كان أو متعددا كان إمضاء الواحد كفسخه ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر لأن الأول قد استوفاه و لو اتحدا زمانا كان ذلك كالإمضاء و الفسخ من ذي الخيار بتصرف واحد لا أن الفاسخ متقدم كما سيجي ء في أحكام التصرف

[فساد الوجه الأول]

ثم إنه لا ريب في فساد مستند وجه الأول المذكور له لمنع ظهور النبوي و غيره في ثبوت ما ترك لكل واحد من الورثة لأن المراد بالوارث في النبوي و غيره مما أفرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث المتحقق في ضمن الواحد و الكثير و قيام الخيار بالجنس يتأتى على الوجوه الأربعة المتقدمة كما لا يخفى على المتأمل و أما ما ورد فيه لفظ الوارث بصيغة الجمع فلا يخفى أن المراد به أيضا إما جنس الجمع أو جنس الفرد أو الاستغراق القابل للحمل على المجموعي و الأفرادي و الأظهر هو الثاني كما في نظائره هذا كله مع قيام القرينة العقلية و اللفظية على عدم إرادة ثبوته لكل واحد مستقلا في الكل. أما الأولى فلأن المفروض أن ما كان للميت و تركه للوارث حق واحد شخصي و قيامه بالأشخاص المتعددين أوضح استحالة و أظهر بطلانا من تجزيه و انقسامه على الورثة فكيف يدعى ظهور أدلة الإرث فيه. و أما الثانية فلأن مفاد تلك الأدلة بالنسبة إلى المال المتروك و حق المتروك شي ء واحد و لا يستفاد منها بالنسبة إلى المال الاشتراك و بالنسبة إلى الحق التعدد إلا مع استعمال الكلام في معنيين هذا مع أن مقتضى ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة أن يكونوا كالوكلاء المستقلين فيمضي السابق من إجازة أحدهم أو فسخه و لا يؤثر اللاحق فلا وجه لتقدم الفسخ على الإجازة على ما ذكره.

[عدم دلالة أدلة الإرث على الوجه الثاني]

و أما الوجه الثاني فهو و إن لم يكن منافيا لظاهر أدلة الإرث من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث إلا أن تجزية الخيار بحسب متعلقة كما تقدم مما لم يدل عليه أدلة الإرث أما ما كان منها كالنبوي غير متعرض للقسمة فواضح و أما ما تعرض فيه للقسمة كآيات قسمة الإرث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل بإعمال هذا الحق أو إسقاطه فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ أو ثمنها الباقي في ملكهم بعد الإجازة على طريق الإرث

[المتيقن من الأدلة هو الوجه الثالث]

و أما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته فلا يستفاد من تلك الأدلة فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع فإن اتفق المجموع على الفسخ انفسخ في المجموع و إلا فلا دليل على الانفساخ في شي ء منه-

[عدم الدليل على المعنى الثاني للوجه الثالث أيضا]

و من ذلك يظهر أن المعنى الثاني للوجه الثالث و هو قيام الخيار بالطبيعة المتحققة في ضمن المجموع أيضا لا دليل عليه فلا يؤثر فسخ أحدهم و إن لم يجز الآخر مع أن هذا المعنى أيضا مخالف لأدلة الإرث لما عرفت من أن مفادها بالنسبة إلى المال و الحق واحد و من المعلوم أن المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق في ضمن المجموع

ثم إن ما ذكرنا جار في كل حق ثبت لمتعدد

لم يعلم من الخارج كونه على خصوص واحد من الوجوه المذكورة. نعم لو علم ذلك من دليل خارج اتبع كما في حد القذف فإن النص قد دل على أنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين و كذا حق القصاص فإنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين لكن مع دفع الآخر مقدار حصة الباقي من الدية إلى أولياء المقتص منه جمعا بين الحقين

[الإشكال على حكم المشهور في حق الشفعة و الجواب عنه]

لكن يبقى الإشكال في حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم و إن احتمله في الدروس من أحد الورثة إذا عفا عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل المبيع فإن الظاهر أن قولهم بذلك ليس لأجل دليل خارجي و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل و يمكن أن يفرق بالضرر فإنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد الشريكين تضرر الآخر بالشركة بل لعل هذا هو السر في عدم سقوط حدي القذف و القصاص بعفو البعض لأن الحكمة فيهما التشفي فإبطالهما بعفو أحد الشركاء إضرار على غير العافي و هذا غير موجود فيما نحن فيه فتأمل.

ثم إن ما اخترناه من الوجه الأول- هو مختار العلامة في القواعد

بعد أن احتمل الوجه الثاني و ولده في الإيضاح و الشهيد في الدروس و الشهيد الثاني في المسالك و حكي عن غيرهم. قال في القواعد و هل للورثة التفريق فيه نظر أقربه المنع و إن جوزناه مع تعدد المشتري و زاد في الإيضاح بعد توجيه المنع بأنه لم يكن لمورثهم الأخيار واحد أنه لا وجه لاحتمال التفريق

[كلام الشهيد في الدروس]

و قال في الدروس في باب خيار العيب لو جوزنا لأحد المشتريين الرد لم نجوزه لأحد الوارثين عن واحد لأن التعدد طار على العقد سواء كان الموروث خيار عيب أو غيره انتهى و في المسالك بعد المنع عن تفرق المشتريين في الخيار هذا كله فيما لو تعدد المشتري أما لو تعدد مستحق البيع مع اتحاد المشتري ابتداء كما لو تعدد وارث المشتري الواحد فإنه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة و التعدد طار مع احتماله انتهى

و ظاهر التذكرة في خيار المجلس الوجه الأول من الوجوه المتقدمة

قال لو فسخ بعضهم و أجاز الآخر فالأقوى أنه ينفسخ في الكل كالمورث لو فسخ في حياته في البعض و أجاز في البعض انتهى. و يحتمل أن لا يريد بذلك أن لكل منهما ملك الفسخ في الكل كما هو مقتضى الوجه الأول بل يملك الفسخ في البعض و يسري في الكل نظير فسخ المورث في البعض و كيف كان فقد ذكر في خيار العيب أنه لو اشترى عبدا فمات و خلف وارثين فوجدا به عيبا لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة للتشقيص انتهى

و قال في التحرير لو ورث اثنان عن أبيهما خيار عيب فرضي أحدهما سقط حق الآخر من الرد دون الأرش و الظاهر أن خيار العيب و خيار المجلس واحد كما تقدم عن الدروس فعله رجوع عما ذكره في خيار المجلس ثم إنه ربما يحمل ما في القواعد و غيرها من عدم جواز التفريق على أنه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ و الإجازة بل لا بد من الفسخ أو الإجازة في الكل فلا دلالة فيها على عدم استقلال كل منهم على الفسخ في الكل و حينئذ فإن فسخ أحدهم و أجاز الآخر قدم الفسخ على الإجازة و ينسب تقديم الفسخ إلى كل من منع من التفريق بل في الحدائق تصريح الأصحاب بتقديم الفاسخ من الورثة على المجيز و لازم ذلك الاتفاق على أنه متى فسخ أحدهم الفسخ في الكل و ما أبعد بين هذه الدعوى و بين ما في الرياض من قوله و لو اختلفوا

المكاسب، ج 3، ص 293

يعني الورثة قيل قدم الفسخ و فيه نظر لكن الأظهر في عبارة القواعد ما ذكرنا و أن المراد بعدم جواز التفريق أن فسخ أحدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين كما يدل عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب أما لو أورثا خيار العيب فلا إشكال في وجوب توافقهما فإن المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطي و معناه عدم نفوذ التخالف و لا ريب أن عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهما مع فسخ صاحبه بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته لفسخ صاحبه و هو المطلوب و أصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير ثم التذكرة. نعم ما تقدم من قوله في الزوجة غير ذات الولد أقربه ذلك إن اشترى بخيار لترث من الثمن قد يدل على أن فسخ الزوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثمن لترث منه إذ استرداد مقدار حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده و عند غيره و كيف كان فمقتضى أدلة الإرث ثبوت الخيار للورثة على الوجه الثالث الذي اخترناه و حاصله أنه متى فسخ أحدهم و أجاز الآخر لغا الفسخ و قد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص لعدم إعمال الآخر حقه و يندفع بأن الحق إذا كان مشتركا لم يجز إعماله إلا برضا الكل كما لو جعل الخيار لأجنبيين على سبيل التوافق.

فرع إذا اجتمع الورثة كلهم على الفسخ فيما باعه مورثهم

فإن كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه إلى المشتري و إن لم يكن موجودا أخرج من مال الميت و لا يمنعون من ذلك و إن كان على الميت دين مستغرق للتركة لأن المحجور له الفسخ بخياره و في اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه وجهان و لو كان مصلحتهم في الفسخ و لم يجبروا الورثة عليه لأنه حق لهم فلا يجبرون على إعماله و لو لم يكن للميت مال ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان من أنه ليس لهم إلا حق الفسخ كالأجنبي المجعول له الخيار أو الوكيل المستناب في الفسخ و الإمضاء و انحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميت يوفى عنه ديونه و خروج الثمن من ملكه في المعين و اشتغال ذمته ببدله في الثمن الكلي فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع إلا على وجه كونه وفاء لدين الميت و حينئذ فلا اختصاص له بالورثة على حسب سهامهم بل يجوز للغير أداء ذلك الدين بل لو كان للميت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء و هذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن على حسب سهامهم من المبيع و من أنهم قائمون مقام الميت- في الفسخ برد الثمن أو بدله و تملك المبيع فإذا كان المبيع مردودا على الورثة من حيث إنهم قائمون مقام الميت اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث إنهم كنفس الميت كما أن معنى إرثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملك الحصة بثمن من مالهم لا من مال الميت. ثم لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة و إن لم يوافقه الباقي و فسخ ففي انتقال المبيع إلى الكل أو إلى الفاسخ وجهان و مما ذكرنا من مقتضى الفسخ و ما ذكرنا أخيرا من مقتضى النيابة و القيام مقام الميت و الأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي أو الوكيل في كونها لاستيفاء حق للغير بل هي ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه فهو كنفس الميت لا نائب عنه في الفسخ و من هنا جرت السيرة بأن ورثة البائع ببيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من أموالهم- و يستردون المبيع لأنفسهم من دون أن يلزموا بأداء الديون منه بعد الإخراج و المسألة تحتاج إلى تنقيح زائد.

مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات

ففي انتقاله إلى وارثه كما في التحرير أو إلى المتعاقدين أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين- و ربما يظهر من القواعد وجوه من أنه حق تركه الميت فلوارثه و من أنه حق لمن اشترط له من المتعاقدين لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلى موكله دون وارثه و من أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي فلا يدخل في ما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي. و في القواعد لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه و إذا أمره بأحدهما أجبر شرعا عليه فلو امتنع فللمولى فعله عنه فيرجع الخيار بالأخرة له لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبي كذلك مع أنه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه و لا يتوقف على رضاه إذا لم يمنع حقا للمولى فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلا فافهم.

مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات

ففي انتقاله إلى وارثه كما في التحرير أو إلى المتعاقدين أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين- و ربما يظهر من القواعد وجوه من أنه حق تركه الميت فلوارثه و من أنه حق لمن اشترط له من المتعاقدين لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلى موكله دون وارثه و من أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي فلا يدخل في ما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي. و في القواعد لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه و إذا أمره بأحدهما أجبر شرعا عليه فلو امتنع فللمولى فعله عنه فيرجع الخيار بالأخرة له لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبي كذلك مع أنه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه و لا يتوقف على رضاه إذا لم يمنع حقا للمولى فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلا فافهم.

مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار

و قد مر بيان ذلك في مسقطات الخيار و المقصود هنا بيان أنه كما يحصل إسقاط الخيار و التزام العقد بالتصرف فيكون التصرف إجازة فعلية كذلك يحصل الفسخ بالتصرف فيكون فسخا فعليا. و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة قد يكون بالقول و قد يكون بالفعل و قد ذكر جماعة كالشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس و جماعة من المتأخرين عنهم كالعلامة و غيره قدس الله أسرارهم أن التصرف إن وقع فيما انتقل عنه كان فسخا و إن وقع فيما انتقل إليه كان إجازة و قد عرفت في مسألة الإسقاط أن ظاهر الأكثر أن المسقط هو التصرف المؤذن بالرضا و قد دل عليه الصحيحة المتقدمة في خيار الحيوان المعللة للسقوط بأن التصرف رضا بالعقد فلا خيار و كذا النبوي المتقدم و مقتضى ذلك منهم أن التصرف فيما انتقل عنه إنما يكون فسخا إذا كان مؤذنا بالفسخ و ليكون فسخا فعليا و أما ما لا يدل على إرادة الفسخ فلا وجه لانفساخ العقد به و إن قلنا بحصول الإجازة به بناء على حمل الصحيحة المتقدمة على سقوط الخيار بالتصرف تعبدا شرعيا من غير أن يكون فيه دلالة عرفية نوعية على الرضا بلزوم العقد كما تقدم نقله عن بعض إلا أن يدعي الإجماع على اتحاد ما يحصل به الإجازة و الفسخ فكلما يكون إجازة لو ورد على ما في يده يكون فسخا إذا ورد منه على ما في يد صاحبه و هذا الاتفاق و إن كان الظاهر تحققه إلا أن أكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرف يدل على اعتبار الدلالة على الرضا في التصرف المسقط فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة على الفسخ في التصرف الفاسخ و يدل عليه كثير من كلماتهم في هذا المقام أيضا. قال في التذكرة أما العرض على البيع و الإذن فيه و التوكيل و الرهن غير المقبوض بناء على اشتراطه فيه و الهبة غير المقبوضة فالأقرب أنها من البائع فسخ و من المشتري إجازة لدلالتها على طلب المبيع و استيفائه و هذا هو الأقوى و نحوها جامع المقاصد ثم إنك قد عرفت الإشكال في كثير من أمثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة كركوب الدابة

المكاسب، ج 3، ص 294

في طريق الرد و نحوه مما لم يدل على الالتزام أصلا لكن الأمر هنا أسهل بناء على أن ذا الخيار إذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا إلا من المالك أو بإذنه دل ذلك بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعا- على إرادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف. قال في التذكرة لو قبل الجارية بشهوة أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة فالوجه عندنا أن يكون فسخا لأن الإسلام يصون صاحبه عن القبيح فلو لم يختر الإمساك لكان مقدما على المعصية انتهى ثم نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم نظرا إلى حدوث هذه الأمور عمن تردد في الفسخ و الإجازة و في جامع المقاصد عند قول المصنف قدس سره و يحصل الفسخ بوطء البائع و بيعه و عتقه و هبته قال لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه سبيل و تنزيل فعله على ما يجوز له فعله مع ثبوت طريق الجواز انتهى ثم إن أصالة حمل فعل المسلم على الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا كما صرح به جماعة كغيرها من الأمارات الشرعية فيدل على الفسخ لا من الأصول التعبدية حتى يقال إنها لا تثبت إرادة المتصرف للفسخ لما تقرر من أن الأصول التعبدية لا تثبت إلا اللوازم الشرعية لمجاريها و هنا كلام مذكور في الأصول. ثم إن مثل التصرف الذي يحرم شرعا إلا على المالك أو مأذونه التصرف الذي لا ينفذ شرعا إلا من المالك أو مأذونه و إن لم يحرم كالبيع و الإجارة و النكاح فإن هذه العقود و إن حلت لغير المالك لعدم عدها تصرفا في ملك الغير إلا أنها تدل على إرادة الانفساخ بها بضميمة أصالة عدم الفضولية كما صرح بها جامع المقاصد عند قول المصنف و الإجازة و التزويج في معنى البيع و المراد بهذا الأصل الظاهر- فلا وجه لمعارضته بأصالة عدم الفسخ مع أنه لو أريد به أصالة عدم قصد العقد عن الغير فهو حاكم على أصالة عدم الفسخ لكن الإنصاف أنه لو أريد به هذا لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ و كيف كان فلا إشكال في إناطة الفسخ بذلك عندهم كالإجازة بدلالة التصرف عليه و يؤيده استشكالهم في بعض أفراده من حيث دلالته بالالتزام على الالتزام بالبيع أو فسخه و من حيث إمكان صدوره عمن تردد في الفسخ كما ذكره في الإيضاح و جامع المقاصد- و في وجه إشكال القواعد في كون العرض على البيع و الإذن فيه فسخا. و مما ذكرنا يعلم أنه لو وقع التصرف فيما انتقل عنه نسيانا للبيع أو مسامحة في التصرف في ملك الغير أو اعتمادا على شهادة الحال بالإذن لم يحصل الفسخ بذلك.

مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به
اشارة

و بعبارة أخرى التصرف سبب أو كاشف فيه وجهان بل قولان من ظهور كلماتهم في كون نفس التصرف فسخا أو إجازة و أنه فسخ فعلي في مقابل القولي و ظهور اتفاقهم على أن الفسخ بل مطلق الإنشاء لا يحصل بالنية بل لا بد من حصوله بالقول أو الفعل. و مما عرفت من التذكرة و غيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح و من المعلوم أنه لا يصان عنه إلا إذا وقع الفسخ قبله و إلا لوقع الجزء الأول منه محرما و يمكن أن يحمل قولهم بكون التصرف فسخا على كونه دالا عليه و إن لم يتحقق به و هذا المقدار يكفي في جعله مقابلا للقول. و يؤيده ما دل من الأخبار المتقدمة على كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و سقوط الخيار و إن اعتبر كونه مكشوفا عنه بالتصرف و قد عرفت هناك التصريح بذلك من الدروس و صرح به في التذكرة أيضا حيث ذكر أن قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرف رضا بالعقد فمقتضى المقابلة هو كون كراهة العقد باطنا و عدم الرضا به هو الموجب للفسخ إذا كشف عنه التصرف و يؤيده أنهم ذكروا أنه لا تحصل الإجازة بسكوت البائع ذي الخيار على وطء المشتري معللا بأن السكوت لا يدل على الرضا فإن هذا الكلام ظاهر في أن العبرة بالرضا. و صرح في المبسوط بأنه لو علم رضاه بوطء المشتري سقط خياره فاقتصر في الإجازة على مجرد الرضا و أما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بالنية فمرادهم بها نية الانفساخ أعني الكراهة الباطنية لبقاء العقد و البناء على كونه منفسخا من دون أن يدل عليها بفعل مقارن له و أما مع اقترانها بالفعل فلا قائل بعدم تأثيرها فيما يكفي فيه الفعل إذ كلما يكفي فيه الفعل من الإنشاءات و لا يعتبر فيه خصوص القول فهو من هذا القبيل لأن الفعل لا إنشاء فيه فالمنشأ يحصل بإرادته المتصلة بالفعل لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه نعم يلزم من ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصل لأن اللفظ أبدا مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال على الفسخ. و قد ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة- أن اللازم بناء على القول بتضمن الوطي للفسخ عود الملك إلى الواطئ مع الوطي أو قبيله فيكون حلالا هذا

و كيف كان فالمسألة ذات قولين
اشارة

ففي التحرير قوى جهة الوطي الذي يحصل به الفسخ و أن الفسخ يحصل بأول جزء منه فيكشف عن عدم الفسخ قبله و هو لازم كل من قال بعدم صحة عقد الواهب الذي يتحقق به الرجوع كما في الشرائع و عن المبسوط و المهذب و الجامع و الحكم في باب الهبة و الخيار واحد- و توقف الشهيد في الدروس في المقامين مع حكمه بصحة رهن ذي الخيار و جزم الشهيد و المحقق الثانيان بالحل نظرا إلى حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن

[ثمرة القولين في المسألة]

ثم إنه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل هذه الأفعال فلا إشكال في وقوعها في ملك الفاسخ فيترتب عليها آثارها فيصح بيعه و سائر العقود الواقعة منه على العين لمصادفتهما للملك و لو قلنا بحصوله بنفس الأفعال فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع و العتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرط لصحتها. و قد يقرر المانع بما في التذكرة عن بعض العامة من أن الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد كما أن التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها عن الصلاة و لا يشرع بها في الصلاة و بأن البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ المتأخر عن البيع و أجاب في التذكرة عن الأول بمنع عدم صحة حصول الفسخ و العقد لشي ء واحد بالنسبة إلى شيئين و أجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي و أن الدور معي و قال في الإيضاح إن الفسخ يحصل بأول جزء من العقد و زاد في باب الهبة قوله فيبقى المحل قابلا لمجموع العقد انتهى و قد يستدل للصحة- بأنه إذا وقع العقد على مال الغير فملكه بمجرد العقد كاف كمن باع مال غيره ثم ملكه

[رأي المصنف في المسألة]
اشارة

أقول إن قلنا بأن المستفاد من أدلة توقف البيع و العتق على الملك نحو قوله لا بيع إلا في ملك و لا عتق إلا في ملك هو اشتراط وقوع الإنشاء في ملك المنشئ فلا مناص عن القول بالبطلان لأن صحة العقد حينئذ يتوقف على تقدم تملك

المكاسب، ج 3، ص 295

العاقد على جميع أجزاء العقد لتقع فيه فإذا فرض العقد أو جزء من أجزائه فسخا كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه لأن المسبب إنما يحصل بالجزء الأخير من سببه فكلما فرض جزء من العقد قابل للتجزية سببا للتملك كان التملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء و إلا لزم تقدم وجود المسبب على السبب و الجزء الذي لا يتجزأ غير موجود فلا يكون سببا مع أن غاية الأمر حينئذ المقارنة بينه و بين التملك. و قد عرفت أن الشرط بمقتضى الأدلة سبب التملك على جميع أجزاء العقد قضاء لحق الظرفية و أما دخول المسألة فيمن باع شيئا ثم ملكه فهو بعد فرض القول بصحته يوجب اعتبار إجازة العاقد ثانيا بناء على ما ذكرنا في مسألة الفضولي من توقف لزوم العقد المذكور على الإجازة إلا أن يقال إن المتوقف على الإجازة عقد الفضولي و بيعه للمالك و أما بيعه لنفسه نظير بيع الغاصب فلا يحتاج إلى الإجازة بعد العقد لكن هذا على تقدير القول به و الإغماض عما تقدم في عقد الفضولي لا يجري في مثل العتق غير القابل للفضولي و إن قلنا إن المستفاد من تلك الأدلة هو عدم وقوع البيع في ملك الغير المؤثر في نقل مال الغير بغير إذنه فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير لا وقوع بعض أجزائه في ملك الغير و تمامه في ملك نفسه لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه فلا مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل إلى البائع بأول جزء منه و هذا لا يخلو عن قوة إذ لا دلالة في أدلة اعتبار الملكية في المبيع الأعلى اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا و الحصر في قوله لا بيع إلا في ملك إضافي بالنسبة إلى البيع في ملك الغير أو في غير ملك كالمباحات الأصلية فلا يعم المستثنى منه البيع الواقع بعضه في ملك الغير و تمامه في ملك البائع هذا مع أنه يقال إن المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد لأن العرف لا يفهمون من لفظ البيع إلا هذا المعنى المأخوذ في قولهم بعت و حينئذ فالفسخ الموجب للملك يحصل بأول جزء من العقد و النقل و التملك العرفي يحصل بتمامه فيقع النقل في الملك و كذا الكلام في العتق و غيره من التصرفات القولية عقدا كان أو إيقاعا و لعل هذا معنى ما في الإيضاح من أن الفسخ يحصل بأول جزء و بتمامه يحصل العتق. نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطئ و الأكل و نحوهما لا وجه لجواز الجزء الأول منها فإن ظاهر قوله تعالى إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اعتبار وقوع الوطي فيما اتصف بكونها مملوكة فالوطي المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا و توهم أن الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به قولا كان أو فعلا فاسد فإن معنى جواز الفسخ لأجل الخيار الجواز الوضعي أعني الصحة لا التكليفي فلا ينافي تحريم ما يحصل به الفسخ كما لا يخفى مع أنه لو فرض دلالة دليل الفسخ على إباحة ما يحصل به تعين حمل ذلك على حصول الفسخ قبيل التصرف جمعا بينه و بين ما دل على عدم جواز ذلك التصرف إلا إذا وقع في الملك و بالجملة

فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان في المسألة لا يخلو عن قوة

و به يرتفع الإشكال عن جواز التصرفات تكليفا و وضعا و هذا هو الظاهر من الشيخ في المبسوط حيث جوز للمتصارفين تبايع النقدين ثانيا في مجلس الصرف و قال إن شروعهما في البيع قطع لخيار المجلس مع أن الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار المتحقق هنا بالبيع المتوقف على الملك لكنه في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به الرجوع فيها معللا بعدم وقوعه في الملك

فرع لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له فقال أعتقهما

فربما يقال بانعتاق الجارية دون العبد لأن الفسخ مقدم على الإجازة و فيه أنه لا دليل على التقديم في مثل المقام مما وقع الإجازة و الفسخ من طرف واحد دفعة سواء اتحد المجيز و الفاسخ كما في المقام أو تعدد كما لو وقعا من وكيلي ذي الخيار دفعة واحدة إنما المسلم تقديم الفسخ الصادر من أحد الطرفين على الإجازة الصادرة من الطرف الآخر لأن لزوم العقد من أحد الطرفين بمقتضى إجازته لا ينافي انفساخه بفسخ الطرف الآخر كما لو كان العقد جائزا من أحدهما فيفسخ مع لزوم العقد من الطرف الآخر بخلاف اللزوم و الانفساخ من طرف واحد و نحوه في الضعف القول بعتق العبد لأن الإجازة إبقاء للعقد- و الأصل فيه الاستمرار و فيه أن عتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية كالعكس نعم الأصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق أصلا و هو الأقوى كما اختاره جماعة منهم العلامة في التذكرة و القواعد و المحقق الثاني في جامع المقاصد لأن عتقهما معا لا ينفذ لأن العتق لا يكون فضوليا و المعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل لأن ملك أحدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك- و لو كان الخيار في الفرض المذكور للبائع العبد بني عتق العبد على جواز التصرف من غير ذي الخيار في مدة الخيار و عتق الجارية على جواز عتق الفضولي و الثاني غير صحيح اتفاقا و سيأتي الكلام في الأول و إن كان الخيار لهما ففي القواعد و الإيضاح و جامع المقاصد صحة عتق الجارية و يكون فسخا لأن عتق العبد من حيث إنه إبطال لخيار بائعه غير صحيح بدون إجازة البائع و معها يكون إجازة منه لبيعه و الفسخ مقدم على الإجازة و الفرق بين هذا و صورة اختصاص المشتري بالخيار أن عتق كل من المملوكين كان من المشتري صحيحا لازما بخلاف ما نحن فيه. نعم لو قلنا هنا بصحة عتق المشتري في زمان خيار البائع كان الحكم كما في تلك الصورة

مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ
[القول بالمنع]

على قول الشيخ و المحكي عن ابن سعيد في جامع الشرائع و ظاهر جماعة من الأصحاب منهم العلامة في القواعد و المحقق و الشهيد الثانيان قدس سرهم بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع في الهبة إلى الورثة أن حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الأكثر و عن جماعة في مسألة وجوب الزكاة على المشتري للنصاب بخيار للبائع أن المشتري ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع بل ظاهر المحكي عن الجامع كعبارة الدروس عدم الخلاف في ذلك حيث قال في الجامع و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف المشتري فيه حتى ينقضي خيار البائع و ستجي ء عبارة الدروس هذا و لكن خلاف الشيخ و ابن سعيد مبني

المكاسب، ج 3، ص 296

على عدم قولهما بتملك المبيع قبل انقضاء الخيار فلا يعد مثلهما مخالفا في المسألة

[القول بالجواز]

و الموجود في ظاهر كلام المحقق في الشرائع جواز الرهن في زمن الخيار سواء كان الخيار للبائع أو المشتري أو لهما بل ظاهره عدم الخلاف في ذلك بين كل من قال بانتقال الملك بالعقد و كذا ظاهره في باب الزكاة حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك و لو مع ثبوت الخيار نعم استشكل فيه في المسالك في شرح المقامين على وجه يظهر منه أن المصنف معترف بمنشإ الإشكال و كذا ظاهر كلام القواعد في باب الرهن و إن اعترض عليه جامع المقاصد بما مر من المسالك لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرف و كذا صريح كلام الشهيد في الدروس حيث قال في باب الصرف لو باع أحدهما ما قبضه على غير صاحبه قبل التفرق فالوجه الجواز وفاقا للفاضل و منعه الشيخ قدس سره لأنه يمنع الآخر من خياره و رد بأنا نقول ببقاء الخيار انتهى و صرح في المختلف في باب الصرف بأن له أن يبيع ماله من غير صاحبه و لا يبطل حق خيار الآخر كما لو باع المشتري في زمان خيار البائع و هو ظاهر اللمعة بل صريحها في مسألة رهن ما فيه الخيار و إن شرحها في الروضة بما لا يخلو عن تكلف هذا و يمكن أن يقال إن قول الشيخ و من تبعه بالمنع ليس منشأه القول بعدم انتقال المبيع و متفرعا عليه و إلا لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم إبطال حق الخيار بل المتعين حينئذ الاستناد إلى عدم حصول الملك مع وجود الخيار بل لعل القول بعدم انتقال منشأه- كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم كما يظهر من بيان مبنى هذا الخلاف في الدروس قال في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعنى الكشف أو النقل خلاف مأخذه أن الناقل العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه و أن غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار انتهى. و ظاهر هذا الكلام كالمتقدم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرف في زمن الخيار مسلما بين القولين إلا أن يراد به نفوذ التصرف على وجه لا يملك بطلانه بالفسخ و لا يتعقبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ و التصرف في زمن الخيار على القول بجوازه معرض لبطلانه عند الفسخ أو مستعقب للضمان لا محالة و هذا الاحتمال و إن بعد عن ظاهر عبارة الدروس إلا أنه يقربه أنه قدس سره قال بعد أسطر إن في جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين و الحاصل أن كلمات العلامة و الشهيد بل و غيرهما قدس سرهم في هذا المقام لا يخلو بحسب الظاهر عن اضطراب

[عدم الفرق بين العتق و غيره]

ثم إن الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره من التصرفات و ربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه على التغليب و كذا الظاهر عدم الفرق بين الإتلاف و التصرفات الناقلة

[الفرق بين الإتلاف و غيره]

و اختار بعض الأفاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الإتلاف و تجويز غيره لكن مع انفساخه من أصله عند فسخ ذي الخيار و قيل بانفساخه من حينه

حجة القول بالمنع
اشارة

أن الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث إرجاعهما بحل العقد إلى ملكهما السابق فالحق بالأخرة متعلق بالعين التي انتقلت منه إلى صاحبه فلا يجوز أن يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق بإتلافها أو نقلها إلى شخص آخر و منه يظهر أن جواز الفسخ مع التلف بالرجوع إلى البدل لا يوجب جواز الإتلاف لأن الحق متعلق بخصوص العين فإتلافها إتلاف لهذا الحق و إن انتقل إلى بدله لو تلف بنفسه كما أن تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز إتلافها على ذي الحق و إلى ما ذكر يرجع ما في الإيضاح من توجيه بطلان العتق في زمن الخيار بوجوب صيانة حق البائع في العين المعينة عن الإبطال.

و يؤيد ما ذكرنا أنهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم بأن التصرف الناقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره فلو لم يكن حقا متعلقا بالعين لم يكن ذلك موجبا لسقوط الخيار فإن تلف العين لا ينافي بقاء الخيار لعدم منافاة التصرف لعدم الالتزام بالعقد و إرادة الفسخ بأخذ القيمة

[المناقشة في الحجة المذكورة]

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه المنع لكنه لا يخلو عن نظر فإن الثابت من خيار الفسخ- بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار على فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين و فقدها فلا دلالة في مجرد ثبوت الخيار على حكم التصرف جوازا و منعا فالمرجع فيه أدلة سلطنة الناس على أموالهم أ لا ترى أن حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين و مجرد الفرق بينهما بأن الشفعة سلطنة على نقل جديد فالملك مستقر قبل الأخذ بها غاية الأمر تملك الشفيع نقله إلى نفسه بخلاف الخيار فإنها سلطنة على رفع العقد و إرجاع الملك إلى الحالة السابقة لا يؤثر في الحكم المذكور مع أن الملك في الشفعة أولى بالتزلزل لإبطالها تصرفات المشتري اتفاقا و أما حق الرهن فهو من حيث كون الرهن وثيقة يدل على وجوب إبقائه و عدم السلطنة على إتلافه مضافا إلى النص و الإجماع على حرمة التصرف في الرهن مطلقا و لو لم يكن متلفا و لا ناقلا و أما سقوط الخيار بالتصرف الذي أذن فيه ذو الخيار فلدلالة العرف لا للمنافاة. و الحاصل أن عموم الناس مسلطون على أموالهم لم يعلم تقييده بحق يحدث لذي الخيار يزاحم به سلطنة المالك فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الأصلية.

و أما الخيارات المجعولة بالشرط

فالظاهر من اشتراطها إرادة إبقاء الملك ليسترده عند الفسخ بل الحكمة في أصل الخيار هو إبقاء السلطنة على استرداد العين إلا أنها في الخيارات المجعولة علة للجعل و لا ينافي ذلك بقاء الخيار مع التلف كما لا يخفى

[حكم الإتلاف و فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف]

و عليه فيتعين الانتقال إلى البدل عند الفسخ مع الإتلاف و أما مع فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد ففي تقديم حق الخيار لسبقه أو الاستيلاد لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين مع وجود المانع الشرعي كالعقلي وجهان أقواهما الثاني و هو اللائح من كلام التذكرة من باب الصرف حيث ذكر أن صحة البيع الثاني لا ينافي حكمه و ثبوت الخيار للمتعاقدين

[حكم ما لو نقله عن ملكه]

و منه يعلم حكم نقله عن ملكه و أنه ينتقل إلى البدل لأنه إذا جاز التصرف فلا داعي إلى إهمال ما يقتضيه التصرف من اللزوم و تسلط العاقد الثاني على ماله عدا ما يتخيل من أن تملك العاقد الثاني مبني على العقد الأول فإذا ارتفع بالفسخ و صار كأن لم يكن و لو بالنسبة إلى ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بني عليه من التصرفات و العقود. و الحاصل أن العاقد الثاني

المكاسب، ج 3، ص 297

يتلقى الملك من المشتري الأول فإذا فرض الاشتراء كأن لم يكن و ملك البائع الأول العين بالملك السابق قبل البيع ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد الثاني و يمكن دفعه بأن تملك العاقد الثاني مستند إلى تملك المشتري له آنا ما لأن مقتضى سلطنته في ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه من التصرفات و اقتضاء الفسخ لكون العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى ما بعد الفسخ لأنه رفع للعقد الثابت و قد ذهب المشهور إلى أنه لو تلف أحد العوضين قبل قبضه و بعد بيع العوض الآخر المقبوض انفسخ البيع الأول دون الثاني و استحق بدل العوض المبيع ثانيا على من باعه و الفرق بين تزلزل العقد من حيث إنه أمر اختياري كالخيار أو أمر اضطراري كتلف عوضه قبل قبضه غير مجد فيما نحن بصدده ثم إنه لا فرق بين كون العقد الثاني لازما أو جائزا لأن جواز العقد يوجب سلطنة العاقد على فسخه لا سلطنة الثالث الأجنبي

[هل يلزم العاقد بالفسخ]

نعم يبقى هنا إلزام العاقد بالفسخ بناء على أن البدل للحيلولة و هي مع تعذر المبدل و مع التمكن يجب تحصيله إلا أن يقال باختصاص ذلك بما إذا كان المبدل المتعذر باقيا على ملك مستحق البدل كما في المغصوب الآبق أما فيما نحن فيه فإن العين ملك للعاقد الثاني- و الفسخ إنما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل في ملكه العوض و هو العاقد الأول فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد الثاني فيستقر بدله على العاقد الأول و لا دليل على إلزامه بتحصيل المبدل مع دخوله في ملك ثالث و قد مر بعض الكلام في ذلك في خيار الغبن هذا و لكن قد تقدم أن ظاهر عبارة الدروس و الجامع الاتفاق على عدم نفوذ التصرفات الواقعة في زمان الخيار و توجيهه بإرادة التصرف على وجه لا يستعقب الضمان بأن يضمنه ببدله بعد فسخ ذي الخيار بعيدا جدا و لم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه الرجوع إلى البدل إلا في مسألة العتق و الاستيلاد فالمسألة في غاية الإشكال.

[هل يكون انفساخ العقد الثاني على القول به من حين فسخ الأول أو من أصله]

ثم على القول بانفساخ العقد الثاني فهل يكون من حين فسخ الأول أو من أصله قولان اختار ثانيهما بعض أفاضل المعاصرين محتجا بأن مقتضى الفسخ تلقى كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين فلا يجوز أن يتلقى الفاسخ الملك من العاقد الثاني بل لا بد من انفساخ العقد الثاني بفسخ الأول و رجوع العين إلى ملك المالك الأول ليخرج منه إلى ملك الفاسخ إلا أن يلتزم بأن ملك العاقد الثاني إلى وقت الفسخ فتلقى الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الأول و رده بعدم معروفية التملك الموقت في الشرع فافهم.

[هل يجوز التصرف قبل تنجز الخيار أم لا]

ثم إن المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف على القول به هو زمان تحقق الخيار فعلا كالمجلس و الثلاثة في الحيوان و الزمان المشروطة فيه الخيار و أما الزمان الذي لم يتنجز فيه الخيار إما لعدم تحقق سببه كما في خيار التأخير بناء على أن السبب في ثبوته تضرر البائع بالصبر إلى أزيد من الثلاث و إما لعدم تحقق شرطه كما في بيع الخيار بشرط رد الثمن بناء على كون الرد شرطا للخيار و عدم تحققه قبله و كاشتراط الخيار في زمان متأخر ففي جواز التصرف قبل تنجز الخيار خصوصا فيما لم يتحقق سببه وجهان من أن المانع عن التصرف هو تزلزل العقد و كونه في معرض الارتفاع و هو موجود هنا و إن لم يقدر ذو الخيار على الفسخ حينئذ و من أنه لا حق بالفعل لذي الخيار فلا مانع من التصرف و يمكن الفرق بين الخيار المتوقف على حضور الزمان و المتوقف على شي ء آخر كالتأخير و الرؤية على خلاف الوصف لأن ثبوت الحق في الأول معلوم و إن لم يحضر زمانه بخلاف الثاني و لذا لم يقل أحد بالمنع من التصرف في أحد من العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض و سيجي ء ما يظهر منه قوة هذا التفصيل و على كل حال فالخيار المتوقف تنجزه فعلا على ظهور أمر كالغبن و العيب و الرؤية على خلاف الوصف غير مانع من التصرف بلا خلاف ظاهرا

فرعان
الأول لو منعا عن التصرف المتلف في زمن الخيار فهل يمنع عن التصرف المعرض لفوات حق ذي الخيار من العين

كوطئ الأمة في زمان الخيار بناء على أن الاستيلاد مانع من رد العين بالخيار قولان للمانعين أكثرهم على الجواز كالعلامة في القواعد و الشارح في جامع المقاصد و حكي عن المبسوط و الغنية و الخلاف لكن لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك على انقضاء الخيار كما اعترف به في الإيضاح و لذا حمل في الدروس تجويز الشيخ الوطي على ما إذا خص الخيار بالواطي لكن قيل إن عبارة المبسوط لا تقبل ذلك و ظاهر المحكي عن التذكرة و ظاهر الدروس المنع عن ذلك لكون الوطي معرضا لفوات حق ذي الخيار من العين.

الثاني أنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار- بدون إذن ذي الخيار
اشارة

فيه وجهان من كونه ملكا له و من إبطال هذا التصرف- لتسلط الفاسخ على أخذ العين إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه لأجل استيفاء منفعة و لو آجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم يبطل الإجارة لأن المشتري ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام و من نماء هذا الملك المنفعة الدائمة فإذا استوفاها المشتري بالإجارة فلا وجه لرجوعها إلى الفاسخ بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة الإجارة كما إذا باعه بعد الإجارة و ليس الملك هنا نظير ملك البطن الأول من الموقوف عليه لأن البطن الثاني لا يتلقى الملك منه حتى يتلقاه مسلوب المنفعة بل من الواقف كالبطن الأول فالملك ينتهي بانتهاء استعداده. فإن قلت إن ملك المنفعة تابع لملك العين بمعنى أنه إذا ثبت الملكية في زمان و كان زوالها بالانتقال إلى آخر ملك المنفعة الدائمة لأن المفروض أن المنتقل إليه يتلقى الملك من ذلك المالك فيتلقاه مسلوب المنفعة و أما إذا ثبت و كان زوالها بارتفاع سببها لم يكن ملك من عاد إليه متلقى عن المالك الأول و مستندا إليه بل كان مستندا إلى ما كان قبل تملك المالك الأول فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه لا برفعه كما في ملك البطن الأول من الموقوف عليه فإن المنفعة تتبع مقدار تملكه قلت أولا إنه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الإجارة مع عدم التزام أحد ببطلان الإجارة و ثانيا إنه يكفي في ملك المنفعة الدائمة تحقق الملك المستعد للدوام لو لا الرافع آنا ما ثم إن فاضل القمي في بعض أجوبة مسائله جزم ببطلان الإجارة بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن و علله بأنه يعلم بفسخ البيع أن المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ و أن الإجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة إلى فسخ البيع انتهى فإن كان مرجعه إلى ما ذكرنا من كون المنفعة تابعا لبقاء الملك أو الملك المستند إلى ذلك الملك فقد عرفت الجواب عنه نقضا و حلا و أن المنفعة تابعة للملك

المكاسب، ج 3، ص 298

المستعد للدوام و إن كان مرجعه إلى شي ء آخر فليبين حتى ينظر فيه مع أن الأصل عدم الانفساخ لأن الشك في أن حق خيار الفسخ في العين يوجب تزلزل ملك المنفعة أم لا مع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله كما إذا تقايلا البيع بعد الإجارة ثم إنه لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار و إنه يسقط خياره بهذا التصرف- إما لدلالة الإذن على الالتزام بالعقد عرفا و إن لم يكن منافاة بين الإذن في التصرف و الإتلاف و إرادة الفسخ و أخذ القيمة كما نبهنا عليه في المسألة السابقة و به يندفع الإشكال الذي أورده المحقق الأردبيلي من عدم دلالة ذلك على سقوط الخيار و إما لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق و هي العين بإذن صاحبه فلا ينفسخ التصرف و لا يتعلق الحق بالبدل لأن أخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لا مع سقوط عنه و لو أذن و لم يتصرف المأذون ففي القواعد و التذكرة أنه يسقط خيار الإذن و عن الميسية أنه المشهور قيل كان منشأ هذه النسبة فهم استناد المشهور في سقوط الخيار في الصورة السابقة إلى دلالة مجرد الإذن و لا يقدح فيها تجرده عن التصرف. و قد منع دلالة الإذن المجرد في المسالك و جامع المقاصد و القواعد

[رأي المؤلف]

و الأولى أن يقال بأن الظاهر كون إذن ذي الخيار في التصرف المخرج فيما انتقل عنه فسخا لحكم العرف و لأن إباحة بيع مال الغير لنفسه غير جائز شرعا فيحمل على الفسخ كسائر التصرفات التي لا يصح شرعا إلا بجعلها فسخا و أما كون إذن ذي الخيار للمشتري في التصرف إجازة و إسقاطا لخياره فيمكن الاستشكال فيه لأن الثابت بالنص و الإجماع أن التصرف عن إذنه لا لأجل تحقق الإسقاط من ذي الخيار بالإذن بل لأجل تحقق المسقط لما عرفت من أن التصرف الواقع بإذنه صحيح نافذ و التسلط على بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق فالإذن فيما نحن فيه نظير إذن المرتهن في بيع الرهن لا يسقط به حق الرهانة و يجوز الرجوع قبل البيع نعم يمكن القول بإسقاطه من جهة تضمنه للرضا بالعقد فإنه ليس بأدون من رضا المشتري بتقبيل الجارية و قد صرح في المبسوط بأنه إذا علم رضا البائع بوطء المشتري سقط خياره و يؤيده رواية السكوني في كون العرض على البيع التزاما فهذا القول لا يخلو عن قوة.

مسألة المشهور أن المبيع يملك بالعقد-
اشارة

و أثر الخيار تزلزل الملك بسبب القدرة على رفع سببه فالخيار حق لصاحبه في ملك الآخر و حكى المحقق و جماعة عن الشيخ توقف الملك بعد العقد على انقضاء الخيار و إطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشتري و صرح في التحرير بشموله لذلك لكن الشهيد في الدروس قال في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعنى الكشف أو النقل خلاف مأخذه أن الناقل العقد و الغرض من الخيار الاستدراك و هو لا ينافي الملك و أن غاية الملك التصرف الممتنع في زمان الخيار و ربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا اختص الخيار و ظاهر ابن الجنيد توقف الملك على انقضاء الخيار انتهى.

[ما هو رأي الشيخ الطوسي في المسألة]

فإن في هذا الكلام شهادة من وجهين على عدم توقف ملك المشتري على انقضاء خياره عند الشيخ بل المأخذ المذكور صريح في عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط

[كلام الشيخ في الخلاف]

قال في محكي الخلاف العقد يثبت بنفس الإيجاب و القبول فإن كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان و إن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم و إن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار فإن انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد الأول انتهى. و ظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف فحينئذ يمكن الجمع بين زوال ملك البائع بمعنى عدم حق له بعد ذلك في المبيع نظير لزوم العقد من طرف الأصيل إذا وقع مع الفضولي و بين عدم انتقاله إلى المشتري بحسب الظاهر حتى ينقضي خياره فإذا انقضى ملك بسبب العقد الأول بمعنى كشف الانقضاء عنه فيصير انقضاء الخيار للمشتري نظير إجازة عقد الفضولي و لا يرد حينئذ عليه أن اللازم منه بقاء الملك بلا مالك و حاصل هذا القول أن الخيار يوجب تزلزل الملك و يمكن حمله أيضا على إرادة الملك اللازم الذي لا حق و لا علاقة لمالكه السابق فيه فوافق المشهور و لذا عبر في غاية المراد بقوله و يلوح من كلام الشيخ توقف الملك على انقضاء الخيار و لم ينسب ذلك إليه صريحا

[كلام الشيخ في المبسوط]

و قال في المبسوط البيع إن كان مطلقا غير مشروط فإنه يثبت بنفس العقد و يلزم بالتفرق بالأبدان و إن كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد و إن كان مشروطا بشرط لزم بانقضاء الشرط و ظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع و المشتري لكن قال في باب الشفعة إذا باع شقصا بشرط الخيار فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن للشفيع الشفعة لأن الشفعة إنما تجب إذا انتقل الملك إليه و إن كان الخيار للمشتري وجب الشفعة للشفيع لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد و له المطالبة بعد انقضاء الخيار و حكم خيار المجلس و الشرط في ذلك سواء على ما فصلناه و لعل هذا مأخذ ما تقدم من النسبة في ذيل عبارة الدروس هذا و لكن الحلي قدس سره في السرائر ادعى رجوع الشيخ عما ذكره في الخلاف و يمكن أن يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور مثل استدلاله في مواضع على المنع عن التصرف في مدة الخيار بأن فيه إبطالا لحق ذي الخيار كما في مسألة بيع أحد النقدين على غير صاحبه في المجلس و في مسألة رهن ما فيه الخيار للبائع فإنه لو قال بعدم الملك تعين تعليل المنع به لا بإبطال حق ذي الخيار من الخيار لأن التعليل بوجود المانع في مقام فقد المقتضي كما ترى و منها أنه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانيا في المجلس لأن شروعهما في البيع قطع للخيار مع أنه لم يصحح في باب الهبة البيع الذي يتحقق به الرجوع فيها لعدم وقوعه في الملك فلو لا قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصح البيع ثانيا لوقوعه في غير الملك على ما ذكرنا في الهبة و ربما ينسبه إلى المبسوط اختيار المشهور فيما إذا صار أحد المتبايعين الذي له الخيار مفلسا حيث حكم بأن له الخيار في

المكاسب، ج 3، ص 299

الإجازة و الفسخ لأنه ليس بابتداء ملك لأن الملك قد سبق بالعقد انتهى لكن النسبة لا تخلو عن تأمل لمن لاحظ باقي العبارة و قال ابن سعيد قدس سره في الجامع على ما حكي عنه إن المبيع يملك بالعقد و بانقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف المشتري إلا بعد انقضاء خيار البائع انتهى و قد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد أيضا

[الأقوى رأي المشهور و الاستدلال عليه]
اشارة

و كيف كان فالأقوى هو المشهور لعموم أدلة حل البيع و أكل المال إذا كانت تجارة عن تراض و غيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة- لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك و يدل عليه لفظ الخيار في قولهم ع: البيعان بالخيار و ما دل على جواز النظر في الجارية في زمان الخيار إلى ما لا يحل له قبل ذلك فإنه يدل على الحل بعد العقد في زمن الخيار إلا أن يلتزم بأنه نظير حل وطء المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع و يدل عليه ما تقدم في أدلة بيع الخيار بشرط رد الثمن من كون نماء المبيع للمشتري و تلفه منه فيكشف ذلك عن ثبوت اللزوم و هو الملك إلا أن يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار بل من باب اشتراط انفساخ البيع برد الثمن و قد تقدم في مسألة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال و ما يشهد له من بعض العنوانات لكن تقدم أنه بعيد في الغاية أو يقال إن النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان لزوم البيع لأن الخيار يحدث برد مثل الثمن و إن ذكرنا في تلك المسألة أن الخيار في بيع الخيار المعنون عند الأصحاب ليس مشروطا حدوثه بالرد في أدلة بيع الخيار إلا أن الرواية قابلة للحمل عليه إلا أن يتمسك بإطلاقه الشامل لما إذا جعل الخيار من أول العقد في فسخه مقيدا برد مثل الثمن هذا مع أن الظاهر أن الشيخ يقول بالتوقف في الخيار المنفصل أيضا

[الاستدلال للقول المشهور بالأخبار الواردة في العينة و المناقشة فيه]

و ربما يتمسك بالأخبار الواردة في العينة- و هي أن يشتري الإنسان شيئا بنسيئة ثم يبيعه بأقل منه في ذلك المجلس نقدا لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية لأن بيعها على بائعها الأول و إن كان في خيار المجلس أو الحيوان إلا أن بيعه عليه مسقط لخيارهما اتفاقا و قد صرح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك مع منعه عن بيعه على غير صاحبه في المجلس نعم بعض هذه الأخبار يشتمل على فقرات يستأنس بهذا لمذهب المشهور مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به: قلت أشتري متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك فإن في ذيلها دلالة على انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار و لا استيناس بها أيضا عند التأمل لما عرفت من أن هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف لسقوط خيارهما بالتواطي على هذا البيع كما عرفت التصريح به من المبسوط و يذب بذلك عن الإشكال المتقدم نظيره سابقا من أن الملك إذا حصل بنفس البيع الثاني مع أنه موقوف على الملك للزم الدور الوارد على من صحح البيع الذي يتحقق به الفسخ و حينئذ فيمكن أن يكون سؤال السائل بقوله اشترى متاعي من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق و يكون جواب الإمام ع مبنيا على جواز بيعه على البائع لأن تواطؤهما على البيع الثاني إسقاط للخيار من الطرفين كما في صريح المبسوط. فقوله ليس هو متاعك إشارة إلى أن ما ينتقل إليك بالشراء إنما انتقل إليك بعد خروجه عن ملك بتواطئكما على المعاملة الثانية المسقط لخيار كما لا بنفس العقد و هذا المعنى في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة ثم لو سلم ما ذكر من الدلالة و الاستيناس لم يدفع به إلا القول بالنقل دون الكشف كما لا يخفى و مثل هذه الرواية في عدم الدلالة و الاستيناس صحيحة محمد بن مسلم: عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو بنسيئة فابتاعه الرجل من أجله قال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه فإن الظاهر أن قوله إنما يشتريه إلخ إشارة إلى أن هذا ليس من بيع ما ليس عنده و أن بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الأول فقوله بعد ما يملكه إشارة إلى استيجاب العقد مع الأول كما يظهر من قولهم ع في أخبار أخر واردة في هذه المسألة و لا توجب البيع قبل أن تستوجبه مع أن الغالب في مثل هذه المعاملة قيام الرجل إلى مكان غيره ليأخذ منه المتاع و رجوعه إلى منزله لبيعه من صاحبه الذي طلب منه ذلك فيلزم العقد الأول بالتفرق و لو فرض اجتماعهما في مجلس واحد كان تعريضه للبيع ثانيا بحضور البائع دالا عرفا على سقوط خياره و يسقط خيار المشتري بالتعريض للبيع و بالجملة ليس في قوله بعد ما يملكه دلالة على أن تملكه بنفس العقد مع أنها على تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف كما لا يخفى

[ضعف ما استدل به في التذكرة أيضا]

و نحوه في الضعف الاستدلال في التذكرة بما دل على مال العبد المشتري لمشتريه مطلقا أو مع الشرط أو علم البائع من غير تقييد بانقضاء الخيار إذ فيه أن الكلام مسوق لبيان ثبوت المال للمشتري على نحو ثبوت العبد له و أنه يدخل في شراء العبد حتى إذا ملك العبد ملك ماله مع أن الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار المختص بالمشتري و التمسك بإطلاق الروايات لما إذا شرط البائع الخيار كما ترى

[أشد ضعفا من الكل]

و أشد ضعفا من الكل ما قيل من أن المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد فهذه المعاملة إما صحيحة كذلك كما عند المشهور فثبت المطلوب أو باطلة من أصلها أو أنها صحيحة إلا أنها على غير ما قصداه و تراضيا عليه. توضيح الضعف أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد لكن الإنشاء لما كان علة لتحقق المنشئ عند تحققه كان الداعي على الإنشاء حصول المنشئ عنده لكن العلية إنما هو عند العرف فلا ينافي كونه في الشرع سببا محتاجا إلى تحقق شرائط أخر بعده كالقبض في السلم و الصرف و انقضاء الخيار في محل الكلام فالعقد مدلوله مجرد التمليك و التملك مجردا عن الزمان لكنه عرفا علة تامة لمضمونه و إمضاء الشارع له تابع لمقتضى الأدلة فليس في تأخير الإمضاء تخلف أثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد و إنما فيه التخلف عن داعي المتعاقدين و لا ضرر فيه و قد تقدم الكلام في ذلك في مسألة كون الإجازة كاشفة أو ناقلة

[الاستدلال برواية الخراج بالضمان و المناقشة فيه]

و قد يستدل أيضا بالنبوي المشهور المذكور في كتب الفتوى للخاصة و العامة على جهة الاستناد إليه و هو أن الخراج بالضمان بناء على أن المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان المشتري فخراجه له و هي علامة ملكه و فيه أنه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك على انقضاء الخيار القول بكون ضمانه على المشتري حتى يكون نماؤه له.

[العمدة في قول المشهور]

و قد ظهر بما ذكرنا أن العمدة في قول المشهور عموم أدلة حل البيع و

المكاسب، ج 3، ص 300

التجارة عن تراض و أخبار الخيار

و استدل للقول الآخر- بما دل على كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار
اشارة

فيدل بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك لأنه مقابل الخراج على كونه في ملك البائع مثل صحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري العبد أو الدابة بشرط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك فقال على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط قال و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل اشترى أمة من رجل بشرط يوما أو يومين فماتت عنده و قد قطع الثمن على من يكون ضمان ذلك قال ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه و مرسلة ابن رباط: إن حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع و النبوي المروي في قرب الإسناد: في العبد المشتري بشرط فيموت قال يستحلف بالله ما رضيه ثم هو بري ء من الضمان

[المناقشة في الاستدلال المذكور]

و هذه الأخبار إنما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري مع اختصاص الخيار و قد عرفت أن ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما حكاه عنه في الدروس من القطع بتملك المشتري مع اختصاص الخيار و كذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع و على أي حال فهذه الأخبار إما أن تجعل مخصصة لأدلة المشهور بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان أو لقاعدة التلازم بضميمة أدلة المسألة- فيرجع بعد التكافؤ إلى أصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار و لكن هذا فرع التكافؤ المفقود في المقام من جهات أعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالإجماع المحكي عن السرائر

[هل القول بالتوقف يشمل الخيار المنفصل]

ثم إن مقتضى إطلاق ما تقدم من عبارتي المبسوط و الخلاف من كون الخلاف في العقد المقيد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل عن العقد كما إذا شرط الخيار من الغد كما أن مقتضى تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط و الحيوان الذي يطلق عليه الشرط أيضا فخيار العيب و الغبن و الرؤية و التدليس الظاهر عدم جريان الخلاف فيها.

[اختصاص محل الكلام بخياري الحيوان و الشرط]

و مما يدل على الاختصاص أن ما ذكر من الأدلة مختصة بالخيارين و أن الظاهر من لفظ الانقضاء في تحريرات محل الخلاف انقطاع الخيار الزماني و أما خيار المجلس فالظاهر دخوله في محل الكلام لنص الشيخ بذلك في عبارته المتقدمة عنه في باب الشفعة و لقوله في الاستبصار إن العقد سبب لاستباحة الملك إلا أنه مشروط بأن يتفرقا بالأبدان و لا يفسخا العقد و لنص الشيخ في الخلاف و المبسوط على أن التفرق كانقضاء الخيار في لزوم العقد به و مراده من اللزوم تحقق علة الملك لا مقابل الجواز كما لا يخفى مع أن ظاهر عبارة الدروس المتقدمة في مأخذ هذا الخلاف أن كل خيار يمنع من التصرف في المبيع فهو داخل فيما يتوقف الملك على انقضائه و كذلك العبارة المتقدمة في عنوان هذا الخلاف عن الجامع. و قد تقدم عن الشيخ في صرف المبسوط أن خيار المجلس مانع عن التصرف في أحد العوضين و من ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب و إخوته عن محل الكلام فإن الظاهر عدم منعها من التصرف في العوضين قبل ظهورها فلا بد أن يقول الشيخ باللزوم و الملك قبل الظهور و الخروج عن الملك بعد الظهور و تنجز الخيار و هذا غير لائق بالشيخ فثبت أن دخولها في محل الكلام مستلزم إما لمنع التصرف في موارد هذا الخيار و إما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله و كلاهما غير لائق بالالتزام مع أن كلام العلامة في المختلف كالصريح في كون التملك بالعقد اتفاقيا في المعيب لأنه ذكر في الاستدلال أن المقتضي للملك موجود و الخيار لا يصلح للمنع كما في بيع العيب و ذكر أيضا أنه لا منافاة بين الملك و الخيار كما في المعيب و قد صرح الشيخ قدس سره في المبسوط أيضا بأنه إذا اشترى شيئا فحصل منه نماء ثم وجد به عيبا رده دون نمائه محتجا بالإجماع و بالنبوي: الخراج بالضمان و سيجي ء تتمة ذلك إن شاء الله تعالى.

مسألة و من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في الجملة
اشارة

على المعروف بين القائلين بتملك المشتري بالعقد و توضيح هذه المسألة أن الخيار إذا كان للمشتري فقط من جهة الحيوان فلا إشكال و لا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع- و يدل عليه ما تقدم في المسألة السابقة من الأخبار- و كذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف في ذلك لقوله ع في ذيل صحيحة ابن سنان: و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال بائعه و لو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون البائع فظاهر قوله ع: حتى ينقضي شرطه و يصير المبيع للمشتري كذلك بناء على أن المناط انقضاء الشرط الذي تقدم أنه يطلق على خيار المجلس في الأخبار بل ظاهره أن المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري و اختصاصه به بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه و إلى هذا المناط ينظر تعليل هذا الحكم في السرائر حيث قال فكل من كان له خيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار لأنه قد استقر عليه العقد و الذي له الخيار ما استقر عليه العقد و لزم فإن كان الخيار للبائع دون المشتري و كان المتاع قد قبضه المشتري و هلك في يده كان هلاكه من مال المشتري دون البائع لأن العقد مستقر عليه و لازم من جهته

[قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له]

و من هنا يعلم أنه يمكن بناء على فهم هذا المناط طرد الحكم في كل خيار فتثبت القاعدة المعروفة من أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له من غير فرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن كما يظهر من كلمات غير واحد من الأصحاب بل نسبه جماعة إلى إطلاق الأصحاب.

[كلمات الفقهاء في المسألة]
اشارة

قال في الدروس في أحكام القبض و بالقبض ينتقل الضمان إلى القابض إذا لم يكن له خيار انتهى فإن ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشتري في عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض و نحوه كلامه قدس سره في اللمعة و في جامع المقاصد في شرح قول المصنف و لو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة فلا شي ء له و كذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس قال و تقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر لأن العيب إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك إلا أن يقال إنه غير مضمون عليه الآن لثبوت خياره و لم أظفر في كلام المصنف و غيره بشي ء في ذلك انتهى. و قال في شرح قول المصنف قدس سره و لا يسقط الخيار بتلف العين مقتضى إطلاق كلامهم أنه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشتري انفسخ البيع لاختصاص الخيار بالمشتري ثم تردد فيه و في خيار الرؤية و في المسالك في مسألة أن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم و أن الحادث في أيام خيار الحيوان مضمون على البائع قال و كذا كل خيار مختص بالمشتري و عن مجمع البرهان

المكاسب، ج 3، ص 301

في مسألة أن تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من البائع استنادا إلى عموم قاعدة تلف المال قبل القبض أن هذه القاعدة معارضة بقاعدة أخرى و هي أن تلف المال في الخيار المختص بالبائع من مال المشتري فإن الظاهر من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الأصحاب و صرح بنحو ذلك المحقق جمال الدين في حاشية الروضة و استظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض معترفا بعمومها من جهات أخرى

[ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن]

و ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن و لا بين الخيار المختص بالبائع و المختص بالمشتري و لذا نفى في الرياض الخلاف في أن التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له و في مفتاح الكرامة أن قولهم التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له قاعدة لا خلاف فيها ثم ذكر فيه تبعا للرياض أن الحكم في بعض أفراد المسألة مطابق للقاعدة

[الإنصاف عدم شمول كلماتهم لمطلق الخيار]

لكن الإنصاف أنه لم يعلم من حال أحد من معتبري الأصحاب الجزم بهذا التعميم فضلا عن اتفاقهم عليه فإن ظاهر قولهم التلف في زمان الخيار هو الخيار الزماني و هو الخيار الذي ذهب جماعة إلى توقف الملك على انقضائه لا مطلق الخيار ليشمل خيار الغبن و الرؤية و العيب و نحوها أ لا ترى أنهم اتفقوا على أنه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا على البائع و لو كان الموت بعد العلم بالعيب أ لا ترى أن المحقق الثاني ذكر أن الاقتصاص من العبد الجاني إذا كان في خيار المشتري كان من ضمان البائع و أما ما نقلنا عنه سابقا في شرح قوله و لو تعيب قبل علمه بالتدليس فهو مجرد احتمال حيث اعترف فيه بأنه لم يظفر على شي ء مع أنه ذكر في شرح قول المصنف في باب العيوب و كل عيب تجدد في الحيوان بعد القبض و قبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع الرد في الثلاثة نفي ذلك الاحتمال على وجه الجزم حيث قال الخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان و كذا كل خيار يختص بالمشتري كخيار الشرطة له و هل خيار الغبن و الرؤية كذلك يبعد القول به خصوصا على القول بالفورية لا خيار العيب لأن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا انتهى و من ذلك يعلم حال ما نقلناه عنه في خيار الغبن فلم يبق في المقام ما يجوز الركون إليه إلا ما أشرنا إليه من أن مناط خروج المبيع عن ضمان البائع على ما يستفاد من قوله ع: حتى ينقضي شرطه و يصير المبيع للمشتري هو انقضاء خيار المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الأخبار و صيرورة المبيع مختصا بالمشتري لازما عليه بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه فيدل على أن كل من له شرط و ليس المعوض الذي وصل إليه لازما عليه فهو غير ضامن له حتى ينقضي شرطه و يصير مختصا به لازما عليه

[عدم شمول صحيحة ابن سنان لمطلق الخيار أيضا]

و في الاعتماد على هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد مع أنه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه لأن ظاهر الصحيحة الاختصاص بما كان التزلزل و عدم كون المبيع لازما على المشتري ثابتا من أول الأمر كما يظهر من لفظة حتى الظاهرة في الابتداء و هذا المعنى مختص بخيار المجلس و الحيوان و الشرط و لو كان منفصلا بناء على أن البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط و لذا ذكرنا جريان الخلاف في المسألتين السابقتين فيه. و أما الغبن و العيب و الرؤية و تخلف الشرط و تفليس المشتري و تبعض الصفقة فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد. و الحاصل أن ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض إلى أن يصير المبيع لازما على المشتري و هذا مختص بالبيع المتزلزل من أول الأمر فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض ثم يرجع بعد عروض التزلزل إلى ضمان البائع فاتضح بذلك أن الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة على تأمل في خيار المجلس

ثم إن مورد هذه القاعدة إنما هو ما بعد القبض

و أما قبل القبض فلا إشكال و لا خلاف في كونه من البائع من غير التفات إلى الخيار فلا تشمل هذه القاعدة خيار التأخير.

و أما عموم الحكم للثمن و المثمن

بأن يكون تلف الثمن في مدة خيار البائع المختص به من مال المشتري فهو غير بعيد نظرا إلى المناط الذي استفدناه- و يشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة مضافا إلى استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض و توهم عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال المالك خرج منه ما قبل القبض مدفوع بأن الضمان الثابت قبل القبض و بعده في مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة لأن المراد به انفساخ العقد و دخول العوض في ملك صاحبه الأصلي و تلفه من ماله نعم هو مخالف لأصالة عدم الانفساخ و حيث ثبت المخالفة قبل القبض فالأصل بقاؤها بعد القبض في مدة الخيار نعم يبقى هنا أن هذا مقتضى لكون تلف الثمن في مدة خيار البيع الخياري من المشتري- فينفسخ البيع و يرد المبيع إلى البائع و التزام عدم الجريان من حيث إن الخيار في ذلك البيع إنما يحدث بعد رد الثمن أو مثله فتلف الثمن في مدة الخيار إنما يتحقق بعد رده قبل الفسخ لا قبله مدفوع بما أشرنا إليه سابقا من منع ذلك مع أن المناط في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه إلى ذي الخيار تزلزل البيع المتحقق و لو بالخيار المنفصل كما أشرنا سابقا

[جريان القاعدة إذا كان الثمن شخصيا]

فالأولى الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن شخصيا- بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع فيكون كذلك بعد القبض مع خيار البائع و لو منفصلا عن العقد.

[إذا كان الثمن أو المثمن كليا]

و أما إذا كان الثمن كليا فحاله حال المبيع إذا كان كليا كما إذا اشترى طعاما كليا بشرط الخيار له إلى مدة فقبض فردا منه فتلف في يده فإن الظاهر عدم ضمانه على البائع لأن مقتضى ضمان المبيع في مدة الخيار على من لا خيار له على ما فهمه غير واحد بقاؤه على ما كان عليه قبل القبض و دخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد بل معنى الضمان بالنسبة إلى الفرد صيرورة الكلي كغير المقبوض و هذا مما لا يدل عليه الأخبار المتقدمة فتأمل.

[ظاهر كلام الأصحاب أن المراد بضمان من لا خيار له انفساخ العقد]

ثم إن ظاهر كلام الأصحاب و صريح جماعة منهم كالمحقق و الشهيد الثانيين أن المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل إلى غيره هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه- و انفساخ العقد آنا ما قبل التلف و هو الظاهر أيضا من قول الشهيد قدس سره في الدروس و بالقبض ينتقل الضمان إلى القابض ما لم يكن له خيار حيث إن مفهومه أنه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه بل يبقى على ناقله الثابت قبل القبض. و قد عرفت أن معنى الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد و تلفه في ملك ناقله بل هو ظاهر القاعدة و هي أن التلف في مدة الخيار ممن

المكاسب، ج 3، ص 302

لا خيار له فإن معنى تلفه منه تلفه مملوكا له مع أن ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على ضمان البائع للمبيع في مدة خيار المشتري بضميمة قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك مالكه و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج فإنا إذا قدرنا المبيع في ملك البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شي ء من القاعدتين. و الحاصل أن إرادة ما ذكرنا من الضمان مما لا ينبغي الريب فيها

[ظاهر الدروس عدم الانفساخ]

و مع ذلك كله فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم بل يدل على عدم الانفساخ قال قدس سره لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع و الخيار و بعده لا يبطل الخيار و إن كان التلف من البائع كما إذا اختص الخيار بالمشتري فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه و لو فسخ المشتري رجع بالثمن و غرم البدل في صورة ضمانه و لو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر انتهى و العبارة محتاجة إلى التأمل من وجوه.

[ظاهر التذكرة أيضا عدم الانفساخ]

و قد يظهر ذلك من إطلاق عبارة التذكرة قال لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فإن كان قبل القبض انفسخ البيع قطعا و إن كان بعده لم يبطل خيار المشتري و لا البائع و يجب القيمة على ما تقدم ثم حكي عن الشافعية وجهين في الانفساخ بعد القبض و عدمه بناء على الملك بالعقد و يمكن حمله على الخيار المشترك كما أن قوله في القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين محمول على غير صورة ضمان البائع للمبيع لما عرفت من تعين الانفساخ فيها و ربما يحتمل أن معنى قولهم إن التلف ممن لا خيار له أن عليه ذلك إذا فسخ صاحبه لا أنه ينفسخ كما في التلف قبل القبض و أما حيث يوجب المشتري فيحتمل أنه يتخير بين الرجوع على البائع بالمثل أو القيمة و بين الرجوع بالثمن و يحتمل تعين الرجوع بالثمن و يحتمل أن لا يرجع بشي ء فيكون معنى له الخيار أن له الفسخ.

[لو كان التالف هو البعض]

ثم الظاهر أن حكم تلف البعض حكم تلف الكل- و كذا حكم تلف الوصف الراجع إلى وصف الصحة بلا خلاف على الظاهر لقوله في الصحيحة السابقة: أو يحدث فيه حدث فإن المراد بالحدث أعم من فوات الجزء و الوصف

[إذا كان التلف بالإتلاف]

هذا كله إذا تلف بآفة سماوية و منها حكم الشارع عليه بالإتلاف- و أما إذا كان بإتلاف ذي الخيار سقط به خياره و لزم العقد من جهته و إن كان بإتلاف غير ذي الخيار لم يبطل خيار صاحبه فيتخير بين إمضاء العقد و الرجوع بالقيمة و الفسخ و الرجوع بالثمن

[لو كان الإتلاف من الأجنبي]

و إن كان بإتلاف أجنبي تخير أيضا بين الإمضاء و الفسخ و هل يرجع حينئذ بالقيمة إلى المتلف أو إلى صاحبه أو يتخير وجوه من أن البدل القائم مقام العين في ذمة المتلف فيسترده بالفسخ و لأن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء على الوجهين في اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ و على التقديرين فهي في ضمان المتلف كما لو كانت العين في يد الأجنبي و من أنه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج عن ملكه بدل المثمن و صار في ذمته لأن ضمان المتلف محله الذمة لا الأمور الخارجية و ما في ذمة المتلف إنما تشخص مالا للمالك و كونه بدلا عن العين إنما هو بالنسبة إلى التلف من حيث وجوب دفعه إلى المالك كالعين لو وجدت لا أنه بدل خارج يترتب عليه جميع أحكام العين حتى بالنسبة إلى غير التلف فهذا البدل نظير بدل العين لو باعها المشتري ففسخ البائع فإنه لا يتعين للدفع إلى الفاسخ و أما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها على متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا على المالك لا المتلف و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ و بالقيمة بعده و إتلاف الأجنبي أيضا سبب للضمان فيتخير في الرجوع و هذا أضعف الوجوه

مسألة و من أحكام الخيار [هل يسقط الخيار بتلف العين]

ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر على تسليم ما عنده و له استرداد المدفوع قضية للخيار و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع انتهى و يظهر منه أن الخلاف بين المسلمين إنما هو بعد اختيار أحدهما التسليم و أما التسليم ابتداء فلا يجب من ذي الخيار إجماعا ثم إنه إن أريد عدم وجوب التسليم على ذي الخيار من جهة أن له الفسخ فلا يتعين عليه التسليم فمرجعه إلى وجوب أحد الأمرين عليه و الظاهر أنه غير مراد و إن أريد عدم تسلط المالك على ما انتقل إليه إذا كان للناقل خيار فلذا يجوز منعه عن ماله ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم سلطنة الناس على أموالهم. و بالجملة فلم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا و لم أجد من عنونه و تعرض لوجهه.

مسألة [هل يسقط الخيار بتلف العين]
اشارة

قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين و هذا الكلام ليس على إطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد فإن من جملة أفراد الخيار خيار التأخير بل مطلق الخيار قبل القبض أو الخيار المختص بعده و من المعلوم أن تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد فلا يبقى خيار فيكون المراد التلف مع بقاء العقد على حاله لا يوجب سقوط الخيار و بعبارة أخرى تلف العين في ملك من في يده لا يسقط به خياره و لا خيار صاحبه و هو كذلك لأن الخيار كما عرفت عبارة عن ملك فسخ العقد و معلوم أن العقد بعد التلف قابل للفسخ و لذا يشرع الإقالة حينئذ اتفاقا فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف و لا مقيد له بصورة البقاء اللهم إلا أن يعلم من الخارج أن شرع الخيار لدفع ضرر الصبر على نفس العين فينتفي هذا الضرر بتلف العين كما في العيب فإن تخيره بين الرد و الأرش لأن الصبر على العيب ضرر و لو مع أخذ الأرش فتداركه الشارع بملك الفسخ و الرد فإذا تلف انتفى حكمة الخيار أو يقال إنه إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد لا بالخيار اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف على بقاء العين هذا مع قيام الدليل على سقوط الخيار بتلف المعيب و المدلس فيه فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.

[مواضع التردد في ثبوت الخيار مع التلف]
اشارة

نعم هنا موارد تأملوا في ثبوت الخيار مع التلف أو يظهر منهم العدم

[ما ذكره العلامة]

كما تردد العلامة قدس سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع مرابحة في إخباره برأس المال بعد تلف المتاع بل عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم- نظرا إلى أن الرد إنما يتحقق مع بقاء العين و فيه إشارة إلى ما ذكرنا من أن الثابت هو جواز الرد فيختص الفسخ بصورة تحققه لكن قوى في المسالك و جامع

المكاسب، ج 3، ص 303

المقاصد ثبوت الخيار لوجود المقتضي و عدم المانع

[ما ذكره المحقق الثاني]

و كما تردد المحقق الثاني في سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه و ظاهر تعليل العلامة في التذكرة عدم الخيار مع نقل المغبون العين عن ملكه بعدم إمكان الاستدراك حينئذ هو عدم الخيار مع التلف و الأقوى بقاؤه لأن العمدة فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه مضافا إلى إطلاق قوله ع:

و هم بالخيار إذا دخلوا السوق مع أنه لو استند إلى الإجماع أمكن التمسك بالاستصحاب إلا أن يدعى انعقاده على التسلط على الرد فيختص بصورة البقاء و الحق في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردد خيار الرؤية.

و من مواضع التردد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار

على وجه إرادتهما التسلط على مجرد الرد المتوقف على بقاء العين فإن الفسخ و إن لم يتوقف على بقاء العين إلا أنه إذا فرض الغرض من الخيار الرد أو الاسترداد فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء و التمكن من الرد و الاسترداد و إن كان حكمه في خياري المجلس و الحيوان إلا أن الحكم أعم موردا من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم بخلاف ما إذا كان إطلاق جعل المتعاقدين مقيدا على وجه التصريح به في الكلام أو استظهاره منه بعد تعلق الغرض إلا بالرد أو الاسترداد و من هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط برد الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري لأن الثابت من اشتراطهما هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن لا التسلط على مطلق الفسخ المشروط مطلقا و لو عند التلف لكن لم أجد من التزم بذلك أو تعرض له و من هنا يمكن أن يقال في هذا المقام و إن كان مخالفا للمشهور بعدم ثبوت الخيار عند التلف إلا في موضع دل عليه الدليل إذ لم تدل أدلة الخيار من الأخبار و الإجماع- الأعلى التسلط على الرد أو الاسترداد و ليس فيها التعرض للفسخ المتحقق مع التلف أيضا و إرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعينة في كلمات الشارع لما عرفت في أول باب الخيارات من أنه استعمال غالب في كلمات بعض المتأخرين نعم لو دل الدليل الشرعي على ثبوت خيار الفسخ المطلق الشامل لصورة التلف أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعنى ثبت مع التلف أيضا و الله العالم.

التلف أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعنى ثبت مع التلف أيضا و الله العالم.

مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة

بلا خلاف على الظاهر لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ إذ لم يسلمها ناقلها إلا في مقابل العوض و الأصل بقاؤه إذ لم يتجدد ما يدل على رضا مالكه بكونه في يد الفاسخ أمانة إذ الفسخ إنما هو من قبله. و الغرض من التمسك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها أمانة مالكية أو شرعية ليكون غير مضمونة برضا المالك أو بجعل الشارع و إذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما في القبض بالسوم و مرجع ذلك إلى عموم على اليد ما أخذت أو إلى أنها قبضت مضمونة فإذا بطل ضمانه بالثمن المسمى تعين ضمانه بالعوض الواقعي أعني المثل أو القيمة كما في البيع الفاسد هذا و لكن المسألة لا تخلو عن إشكال. و أما العين في يد المفسوخ عليه ففي ضمانها أو كونها أمانة إشكال مما في التذكرة من أنه قبضها قبض ضمان فلا يزول إلا بالرد إلى مالكها و من أن الفسخ لما كان من قبل الآخر فتركه العين في يد صاحبه مشعر بالرضا به المقتضي للاستئمان و ضعفه في جامع المقاصد بأن مجرد هذا لا يسقط الأمر الثابت و الله العالم

هذا بعض الكلام في الخيارات و أحكامها و الباقي محمول إلى الناظر الخبير بكلمات الفقهاء و الحمد لله و صلى الله على محمد و آله

القول في النقد و النسيئة

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم- في أحد العوضين إلى أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالئ بالكالئ و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر أعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد
اشارة

و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلى الآخر فيجب الخروج عن العهدة متى طولب صاحبها فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن و المراد المطالبة مع الاستحقاق بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه على الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن على المشتري. و يدل على الحكم المذكور أيضا الموثق: في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمى ثم افترقا قال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد

فلو اشترطا تعجيل الثمن

كان تأكيدا لمقتضى الإطلاق على المشهور- بناء على ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من إرادة عدم المماطلة و التأخير عن زمان المطالبة لا أن يجعل بدفعه من دون مطالبة إذ لا يكون تأكيدا حينئذ لكنه خلاف متفاهم ذلك الشرط الذي هو محط نظر المشهور مع أن مرجع عدم المطالبة في زمان استحقاقها إلى إلغاء هذا الحق المشترط في هذا المقدار من الزمان

[فائدة اشتراط التعجيل]

و كيف كان فذكر الشهيد رحمه الله في الدروس أن فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد فأخل المشتري به و قوى الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا يعني عدم تعيين الزمان إذا أخل به في أول وقته و هو حسن و لا يقدح في الإطلاق عدم تعين زمان التعجيل لأن التعجيل المطلق معناه الدفع في أول أوقات الإمكان عرفا و لا حاجة إلى تقييد الخيار هنا بصورة عدم إمكان الإجبار على التعجيل لأن المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل أمكن إجباره به أم لم يمكن وجب أو لم يجب فإن مسألة أن ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقا أو بعد تعذر إجباره على الوفاء مسألة أخرى مضافا إلى عدم جريانها في مثل هذا الشرط إذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الإجبار و بعده لا ينفع لأنه غير الزمان المشروط فيه الأداء

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة
اشارة

غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة على وجوب تعيين الأجل و عدم جواز السلم إلى دياس أو حصاد

و لا فرق في الأجل المعين بين الطويل و القصير

و عن الإسكافي المنع من التأخير إلى ثلاث سنين و قد يستشهد له بالنهي عنه في بعض الأخبار مثل رواية أحمد بن محمد: قلت لأبي الحسن إني أريد الخروج إلى بعض الجبال إلى أن قال إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح فقال فبعهم بتأخير سنة قلت بتأخير سنتين قال نعم قلت بتأخير ثلاث سنين قال لا. و المحكي عن قرب الإسناد عن البزنطي: أنه قال لأبي الحسن الرضا ع إن هذا الجبل قد فتح منه على الناس باب رزق فقال ع إذا أردت

المكاسب، ج 3، ص 304

الخروج فاخرج فإنها سنة مضطربة و ليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب فقلت إنهم قوم ملاء و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال بعهم قلت سنين قال بعهم قلت ثلاث سنين قال لا يكون لك شي ء أكثر من ثلاث سنين. و ظاهر الخبرين الإرشاد لا التحريم فضلا عن الفساد-

و هل يجوز الإفراط في التأخير

إذا لم يصل إلى حد يكون البيع منه سفها و الشراء أكلا للمال بالباطل فيه وجهان قال في الدروس لو تمادى الأجل إلى ما لا يبقى إليه المتبايعان غالبا كألف سنة ففي الصحة نظر من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به و من الأجل المضبوط و حلوله بموت المشتري و هو أقرب و ما قربه هو الأقرب لأن ما في الذمة و لو كان مؤجلا بما ذكر مال يصح الانتفاع به في حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع بل و بالبيع كما اختاره في التذكرة. نعم يبقى الكلام في أنه إذا فرض حلول الأجل شرعا بموت المشتري كان اشتراط ما زاد على ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا بل مخالفا للمشروع حيث إن الشارع أسقط الأجل بالموت و الاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده فيكون فاسدا بل ربما كان مفسدا و إن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان اشتراط مدة مجهولة فافهم.

ثم إن المعتبر في تعيين المدة هل هو تعيينها في نفسها

و إن لم يعرفها المتعاقدان فيجوز التأجيل إلى انتقال الشمس إلى بعض البروج كالنيروز و المهرجان و نحوهما- أم لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين العقد وجهان أقواهما الثاني- تبعا للدروس و جامع المقاصد لقاعدة نفي الغرر و ربما احتمل الاكتفاء في ذلك بكون هذه الآجال مضبوطة في نفسها كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق حيث إنه له شراء وزنه مثلا بعبارة بلد مخصوص و إن لم يعرف مقدارها و ربما استظهر ذلك من التذكرة و لا يخفى ضعف منشأ هذا الاحتمال إذ المضبوطية في نفسه غير مجد في مقام يشترط فيه المعرفة إذا المراد بالأجل غير القابل للزيادة و النقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتى في نظر المتعاقدين لا في الواقع و لذا أجمعوا على عدم جواز التأجيل إلى موت فلان مع أنه مضبوط في نفسه و ضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدي أيضا و ما ذكر من قياسه على جواز الشراء بعيار بلد مخصوص لا نقول به بل المعين فيه البطلان مع الغرر عرفا كما تقدم في شروط العوضين و ظاهر التذكرة اختيار الجواز حيث قال بجواز التوقيت بالنيروز و المهرجان لأنه معلوم عند العامة و كذا جواز التوقيت ببعض أعياد أهل الذمة إذا عرفه المسلمون لكن قال بعد ذلك و هل يعتبر معرفة المتعاقدين قال بعض الشافعية نعم و قال بعضهم لا يعتبر و يكتفى بمعرفة الناس و سواء اعتبر معرفتهما أولا و لو عرفا كفى انتهى ثم الأقوى اعتبار معرفة المتعاقدين و التفاتهما إلى المعنى حين العقد فلا يكفي معرفتهما به عند الالتفات و الحساب

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا
اشارة

ففي المبسوط و السرائر و عن أكثر المتأخرين أنه لا يصح- و علله في المبسوط و غيره بالجهالة كما لو باع إما هذا العبد و إما ذاك و يدل عليه أيضا ما رواه في الكافي أنه ع قال: من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة

[أدلة القول بالبطلان]

و يؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع بناء عن تفسيرهما بذلك. و عن الإسكافي كما عن الغنية أنه روي عن النبي ص أنه قال: لا يحل صفقتان في واحدة قال و ذلك بأن يقول إن كان بالنقد فبكذا و إن كان بالنسيئة فبكذا هذا إلا أن في رواية محمد بن قيس المعتبرة أنه قال أمير المؤمنين ع: من باع سلعة و قال ثمنها كذا و كذا يدا بيد و كذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت و جعل صفقتهما واحدة فليس له إلا أقلهما و إن كانت نظرة. و في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه: أن عليا ع قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا و بالنسيئة كذا فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال هو بأقل الثمنين و أبعد الأجلين فيقول ليس له إلا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله نسيئة و عن ظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما- و نسب إلى بعض هؤلاء القول بالبطلان

[كلمات الفقهاء في المسألة]

فالأولى تبعا للمختلف الاقتصار على نقل عبارة كل هؤلاء من دون إسناد أحد القولين إليهم قال في المقنعة لا يجوز البيع بأجلين على التخيير كقوله هذا المتاع بدرهم نقدا و بدرهمين إلى شهر أو سنة أو بدرهم إلى شهر و بدرهمين إلى شهرين فإن ابتاع إنسان شيئا على هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين و هذا الكلام يحتمل التحريم و يحتمل الحمل على ما إذا تلف المبيع فإن اللازم مع فرض فساد البيع بالأقل الذي بيع به نقدا لأنه قيمة ذلك الشي ء و معنى قوله في آخر الأجلين أنه لا يزيد على الأقل و إن تأخر الدفع إلى آخر الأجلين أو المراد جواز التأخير لرضا البائع بذلك و يحتمل إرادة الكراهة كما عن ظاهر السيد قدس سره في الناصريات- أن المكروه أن يبيع بثمنين بقليل إن كان الثمن نقدا و بأكثر إن كان نسيئة و يحتمل الحمل على فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير الأجل لكن لا يفسد العقد كما سيجي ء و عن الإسكافي أنه بعد ما تقدم عنه من النبوي الظاهر في التحريم قال و لو عقد البائع للمشتري كذلك و جعل الخيار إليه لم أختر للمشتري أن يقدم على ذلك فإن فعل و هلكت السلعة لم يكن للبائع إلا أقل الثمنين لإجازته البيع به و كان للمشتري الخيار في تأخير الثمن الأقل إلى المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفى من غير زيادة على الثمن الأقل. و في النهاية فإن ذكر المتاع بأجلين و نقدين على التخيير مثل أن يقول بعتك هذا بدينار أو درهم عاجلا أو إلى شهر أو سنة أو بدينارين أو درهمين إلى شهر أو شهرين أو سنتين كان البيع باطلا فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين انتهى. و عن موضع من الغنية قد قدمنا أن تعليق البيع بأجلين و ثمنين كقوله بعت إلى مدة بكذا و إلى أخرى بكذا يفسده فإن تراضيا بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين بدليل إجماع الطائفة و عن سلار و ما علق بأجلين و هو أن يقول بعتك هذه السلعة إلى عشرة أيام بدرهم و إلى شهرين بدرهمين كان باطلا غير منعقد و هو المحكي عن ابن الصلاح و عن القاضي من باع شيئا بأجلين على التخيير مثل أن يقول أبيعك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا و بدرهمين أو دينار إلى شهر أو شهور أو سنة أو سنتين كان باطلا فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين و قال

المكاسب، ج 3، ص 305

في المختلف بعد تقوية المنع و يمكن أن يقال إنه رضي بالثمن الأقل فليس له الأكثر في البعيد و إلا لزم الربا إذ يبقى الزيادة في مقابل تأخير الثمن لا غير فإذا صبر إلى البعيد لم يجب له الأكثر من الأقل انتهى و في الدروس أن الأقرب الصحة و لزوم الأقل و يكون التأخير جائزا من طرف المشتري لازما من طرف البائع لرضاه بالأقل فالزيادة ربا و لذا ورد النهي عنه و هو غير مانع من صحة البيع انتهى. أقول لكنه مانع من لزوم الأجل من طرف البائع لأنه في مقابل الزيادة الساقطة شرعا إلا أن يقال إن الزيادة ليست في مقابل الأجل- بل هي في مقابل إسقاط البائع حقه من التعجيل الذي يقتضيه العقد لو خلي و طبعه و الزيادة و إن كانت لكنه ربا كما سيجي ء إلا أن فساد المقابلة لا يقتضي فساد الإسقاط كما احتمل ذلك في مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو حريته بل قال في التحرير بالرجوع إلى الدية و حينئذ فلا يستحق البائع الزيادة و لا المطالبة قبل الأجل لكن المشتري لو أعطاه وجب عليه القبول إذ لم يحدث له بسبب المقابلة الفاسدة حق في التأجيل حتى يكون له الامتناع من القبول قبل الأجل و إنما سقط حقه من التعجيل. و يمكن أيضا حمل الرواية على أن الثمن هو الأقل لكن شرط عليه أن يعطيه على التأجيل شيئا زائدا و هذا الشرط فاسد لما سيجي ء من أن تأجيل الحال بزيادة ربا محرم لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط كما عليه جماعة و حينئذ فللبائع الأقل و إن فرض أن المشتري أخره إلى الأجل كما يقتضيه قوله في رواية محمد بن قيس و إن كانت نظره لفرض تراضيهما على ذلك بزعم صحة هذا الشرط أو البناء عليها تشريعا و لعل هذا مبنى قول الجماعة قدس الله أسرارهم فإن أمضيا البيع بينهما كذلك بمعنى أنهما تراضيا على هذه المعاملة لم يجب في مقابل التأخير الواقع برضاهما شي ء زائد على الأقل لفساد المقابلة و مرادهم من بطلان البيع الذي حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية و عدم ترتيب الأثر المقصود عليه و قد تلخص من جميع ما ذكرنا أن المعاملة المذكورة في ظاهر متن الروايتين لا إشكال و لا خلاف في بطلانها بمعنى عدم مضيها على ما تعاقدا عليه و أما الحكم بإمضائهما كما في الروايتين فهو حكم تعبدي مخالف لأدلة توقف حمل المال على الرضا و طيب النفس و كون الأكل لا عن تراض أكلا للباطل فيقع الإشكال في نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للأصل ثم إن الثابت منهما على تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما و أما ما عداه كما إذا جعل له الأقل في أجل و الأكثر في أجل آخر فلا ينبغي الاستشكال في بطلانه لحرمة القياس خصوصا على مثل هذا الأصل و في التحرير البطلان هنا قولا واحدا و حكي من غير واحد ما يلوح منه ذلك إلا أنك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم للمسألتين و إن لم ينسب ذلك في الدروس- إلا إلى المفيد قدس سره لكن عن الرياض أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم بين المسألتين و هو ظاهر الحدائق أيضا و ما أبعد ما بينه و بين ما تقدم من التحرير ثم إن العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة المسألة أنه مثل ما إذا قال المستأجر ليخاطه الثوب إن خطته فارسيا فبدرهم و إن خطته روميا فبدرهمين و أجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها إلى الجعالة

مسألة لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل

و إن طولب إجماعا- لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل- و لو تبرع بدفعه لم يجب على البائع القبول بلا خلاف بل عن الرياض الإجماع عليه و في جامع المقاصد في باب السلم نسبه الخلاف إلى بعض العامة و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد المنة و فيه تأمل و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله إياه كالودعي فإن ذلك حق عرفا و بالجملة ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل حيث إنه ليس لصاحب الدين الحال حق على المديون و اندفع أيضا ما يتخيل- من أن الأجل حق مختص بالمشتري و لذا يزاد الثمن من أجله و له طلب النقصان في مقابل التعجيل و أن المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز فيه التأخير و لا يجب ثم إنه لو أسقط المشتري أجل الدين- ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد أنه لو أسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل أما لو تقايلا في الأجل يصح و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما لأن التقايل في العقود لا في النذور انتهى و فيه أن الحق المشترط في العقد اللازم- يجوز لصاحبه إسقاطه و حق صاحب الدين- لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه. و في باب الشروط من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل فأسقط المديون الأجل لم يسقط و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط و لهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان انتهى و يمكن أن يقال إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلى إسقاط حق المطالبة في الأجل فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل و الشرط القابل للإسقاط ما تضمن إثبات حق قابل لإسقاطه بعد جعله أ لا ترى أنه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد و لم تعد العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من أن لصاحب الدين حقا في الأجل فدلالته على المدعى موقوفة على أن الشرط الواحد إذا انحل إلى حق لكل من المتبايعين لم يجز لأحدهما إسقاطه لأن الفرض اشتراكهما فيه و لم يسقط الحق بالنسبة إلى نفسه لأنه حق واحد يتعلق بهما فلا يسقط إلا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل و معناه الاتفاق على إسقاط الشرط الراجع إليهما فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في أنفسها نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالى بالنذر لم ينفع اتفاقهما على سقوطه لأن الحق معلق بغيرهما و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل أو لم يثبت التعدد فيرجع إلى أصالة عدم السقوط لكن الظاهر تعدد الحق فتأمل. ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط أجل الدين بالإسقاط بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالإسقاط و لذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير

المكاسب، ج 3، ص 306

الصحاح الجودة أو الصحة لم يسقط انتهى و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه
اشارة

لأن في امتناعه إضرارا و ظلما إذ لا حق له على من في ذمته في حفظ ماله في ذمته و الناس مسلطون على أنفسهم و توهم عدم الإضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه على مالكه مدفوع بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل إنما تثبت لدفع هذا الظلم و الإضرار المحرم عن المديون و ليس بدلا اختياريا حتى يسقط الوجوب عن المالك لتحقق البدل أ لا ترى أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه في البيع

[إذا امتنع الدائن من القبول]

و كيف كان فإذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه لحديث نفي الضرر بل مورده كان من هذا القبيل حيث إن سمرة بن جندب امتنع من الاستيذان للمرور إلى عذقه الواقع في دار الأنصاري و عن بيعها فقال النبي ص للأنصاري: اذهب فاقلعها و ارم بها وجه صاحبها فأسقط ولايته على ماله.

و مقتضى القاعدة إجبار الحاكم له على القبض

لأن امتناعه أسقط اعتبار رضاه في القبض الذي يتوقف ملكه عليه لا أصل القبض الممكن تحققه منه كرها مع كون الإكراه بحق بمنزلة الاختيار فإن تعذر مباشرته و لو كرها تولاه الحاكم- لأن السلطان ولي الممتنع بناء على أن الممتنع من يمتنع- و لو مع الإجبار و لو قلنا إنه من يمتنع بالاختيار جاز للحاكم تولي القبض عنه من دون الإكراه و هو الذي رجحه في جامع المقاصد و المحكي عن إطلاق جماعة منهم عدم اعتبار الحاكم و ليس للحاكم مطالبة المديون بالدين إذا لم يسأله لعدم ولايته عليه مع رضا المالك بكونه في ذمته و عن السرائر وجوب القبض على الحاكم عند الامتناع و عدم وجوب الإجبار و استبعده غيره و هو في محله

و لو تعذر الحاكم فمقتضى القاعدة إجبار المؤمنين له

عدولا كانوا أم لا لأنه من المعروف الذي يجب الأمر به على كل أحد

فإن لم يمكن إجباره ففي وجوب قبض العدول عنه نظر أقواه العدم

و حينئذ فطريق براءة ذمة المديون أن يعزل حقه و يجعله أمانة عنده فإن تلف فعلى ذي الحق- لأن هذه فائدة العزل و ثمرة إلغاء قبض ذي الحق و لكن لم يخرج عن ملك مالكه لعدم الدليل على ذلك فإن اشتراط القبض في التمليك لا يسقط بأدلة نفي الضرر و إنما يسقط بها ما يوجب التضرر و هو الضمان و حينئذ فنماء المعزول له و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا و قد يستشكل في الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع و كون التلف من ذي الحق و وجهه أن الحق المملوك لصاحب الدين أن تشخص في المعزول كان ملكا له و إن بقي في ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه إذ لم يتلف ماله و يمكن أن يقال إن الحق قد سقط من الذمة و لم يتشخص بالمعزول و إنما تعلق به تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني فبتلفه يتلف الحق و مع بقائه لا يتعين الحق فيه فضلا عن أن يتشخص به و يمكن أن يقال بأنه يقدر آنا ما قبل التلف في ملك صاحب الدين

[جواز التصرف في المعزول و عدم وجوب حفظه من التلف]

ثم إن الظاهر جواز تصرفه في المعزول فينتقل المال إلى ذمته لو أتلفه و مقتضى القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف لأن شرعية عزله و كون تلفه من مال صاحب الدين إنما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة و تكليفه بحفظ المعزول أضر عليه من حفظ أصل المال في الذمة. و عن المحقق الثاني أنه يتجه الفرق بين ما إذا عرضه على المالك بعد تعيينه و لم يأته به لكن أعلم بالحال و بين ما إذا أتاه و طرحه عنده فينتفي وجوب الحفظ في الثاني دون الأول و لعل وجهه أن المبرئ للعهدة التخلية و الإقباض المتحقق في الثاني دون الأول و سيجي ء في مسألة قبض المبيع ما يؤيده. و عن المسالك أنه مع عدم الحاكم يخلى بينه و بين ذي الحق و تبرأ ذمته و إن تلف و كذا يفعل الحاكم لو قبضه إن لم يتمكن من إلزامه بالقبض ثم إن المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد- بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من أخذه أن في انسحاب هذا الحكم فيمن أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب في مال على جهة الإشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك و لا يتلف منهما ترددا و مثله لو تسلط الظالم بنفسه و أخذ قدر نصيب الشريك لم أجد للأصحاب تصريحا بنفي و لا إثبات مع أن الضرر هنا قائم أيضا و المتجه عدم الانسحاب انتهى و حكى نحوه عنه في حاشية الإرشاد من دون فتوى

[رأي المؤلف في الفرعين المذكورين]

أقول أما الفرع الثاني فلا وجه لإلحاقه بما نحن فيه إذ دليل الضرر بنفسه لا يقتضي بتأثير نية الظالم في التعيين فإذا أخذ جزء خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر إلى من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له كما لو أخذ الظالم من من المديون مقدار الدين بنية أنه مال الغريم و أما الفرع الأول فيمكن أن يقال بأن الشريك لما كان في معرض التضرر لأجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة لكن فيه أن تضرره إنما يوجب ولايته على القسمة حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه بأن لا يكون حصة بحيث تتلف بمجرد القسمة كما في الغرض و إلا فلا ترجيح لأحد الضررين مع أن التمسك بعموم نفي الضرر في موارد الفقه من دون انجباره بعمل بعض الأصحاب يؤسس فقها جديدا

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]
اشارة

لا خلاف على الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال- بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا لأن حقيقة الربا في القرض راجعة إلى جعل الزيادة في مقابل إمهال المقرض و تأخيره المطالبة إلى أجل فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا فإن أهل العرف لا يفرقون في إطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليه في أول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلى شهر و بين أن يتراضيا بعد الشهر إلى تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة على ذلك بل الظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا على هذا التراضي مسلم في العرف

[نزول آية الربا في ذلك]
اشارة

و أن مورد نزول قوله تعالى في مقام الرد على من قال إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا هو التراضي بعد حلول الدين على تأخير إلى أجل بزيادة فيه.

[تأييد ذلك بصحيحة ابن أبي عمير]

فعن مجمع البيان عن ابن عباس أنه كان الرجل من أهل الجارية إذا حل دينه على غريمه فطالبه قال المطلوب منه زدني في الأجل أزيدك في المال

المكاسب، ج 3، ص 307

فيتراضيان عليه و يعملان به فإذا قيل لهم ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك أن الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء فذمهم الله و ألحق بهم الوعيد و خطأهم في ذلك بقوله تعالى وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا

[تأييد ذلك بصيحة ابن أبي عمير]

و يؤيده بل تدل عليه حسنة ابن أبي عمير أو صحيحته عن أبي عبد الله ع قال: سئل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول انقدني كذا و كذا واضح عنك بقيته أو انقدني بعضه و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك قال لا أرى به بأسا إن لم يزد على رأس ماله قال الله تعالى فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ علل جواز التراضي على تأخير أجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد على رأس ماله فيدل على أنه لو ازداد على رأس ماله لم يجز التراضي على التأخير و كان ربا يقتضي استشهاده بذيل آية الربا و هو قوله تعالى فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ

[دلالة بعض الأخبار على ما تقدم]

و يدل عليه بعض الأخبار الواردة في تعليم طريق الحلية في جواز تأخير الدين بزيادة باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار عن الحرام فلو جاز التراضي على التأجيل بزيادة لم يكن داع إلى التوصل بأمثال تلك الحيل حتى صاروا ع موردا الاعتراض العامة في استعمال بعضها كما في غير واحد من الأخبار الواردة في ذلك و يدل عليه أيضا أو يؤيده بعض الأخبار الواردة في باب الدين فيما إذا أعطى المديون بعد الدين شيئا مخافة أن يطلبه الغريم بدينه.

[عدم الفرق بين المصالحة عن التأجيل بالزيادة أو المقاولة عليها من غير عقد]

و مما ذكرنا من أن مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها و المقاولة عليها من غير عقد و ظهر أيضا أنه يجوز المعاوضة اللازمة- على الزيادة بشي ء باشتراط تأخير الدين عليه في ضمن تلك المعاوضة و ظهر أيضا من التعليل المتقدم في رواية ابن أبي عمير جواز نقض المؤجل بالتعجيل و سيجي ء تمام الكلام في هاتين المسألتين في باب الشروط أو كتاب القرض إن شاء الله تعالى [ثم إنه هل يجوز تعجيل الدين المؤجل بأزيد منه مثلا يطلبه دينارا إلى شهر فيقول أعطيتك دينارا و نصفا لتأخذه الآن أو في أجل أقرب الظاهر العدم لأنه ربا إلا إذا فر إلى نحو الهبة و الشرط في ضمن عقد أو نحو ذلك فقد قال ع: نعم الشي ء الفرار من الحرام إلى الحلال و الله العالم]

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]
اشارة

إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده- بجنس الثمن و غيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا إلا إذا اشترط أحد المتبايعين على صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية أما الحكم في المستثنى منه فلا خلاف فيه إلا بالنسبة إلى بعض صور المسألة- فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا. و قال في النهاية إذا اشترى نسيئة فحل الأجل و لم يكن معه ما يدفعه إلى البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس انتهى و عن الشهيد أنه تبع الشيخ جماعة- و ظاهر الحدائق أن محل الخلاف أعم بما بعد الحلول و أنه قصر بعضهم التحريم بالطعام و كيف كان

فالأقوى هو المشهور- للعمومات المجوزة كتابا و سنة
اشارة

و عموم ترك الاستفصال في صحيحة بشار ابن يسار قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع المتاع بنس ء مرابحة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه فقال نعم لا بأس به فقلت له أشتري متاعي و غنمي قال ليس هو متاعك و لا غنمك و لا بقرك و صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله ع: رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه فقال له المطلوب أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي فرضي قال لا بأس بذلك و رواية الحسين بن منذر قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني فيطلب العينة- فأشتري له المتاع ثم أبيعه إياه مرابحة ثم أشتريه منه مكاني قال فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس قال فقلت إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد و يقولون إنه إن جاء به بعد أشهر صح قال إنما هذا تقديم و تأخير و لا بأس. و في المحكي عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم أ يحل قال إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس. و عن كتاب علي بن جعفر قوله: باعه بعشرة إلى أجل ثم اشتراه بخمسة بنقد و هو أظهر في عنوان المسألة و ظاهر هذه الأخبار كما ترى يشمل صور الخلاف و قد يستدل أيضا برواية يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة قالا: سألنا أبا عبد الله ع عن رجل باع طعاما بدراهم إلى أجل فلما بلغ ذلك تقاضاه فقال ليس لي دراهم خذ مني طعاما فقال لا بأس به فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء و في دلالتها نظر

[توهم معارضة العمومات مع روايتي خالد و عبد الصمد]
اشارة

و فيما سبق من العمومات كفاية إذ لا معارض لها عدا ما ذكره الشيخ قدس سره من رواية خالد بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام فاشتره مني فقال لا تشتره منه لا خير فيه و رواية عبد الصمد بن بشر المحكية عن الفقيه قال سأله محمد بن قاسم الحناط فقال: أصلحك الله أبيع الطعام من رجل إلى أجل فيجيئني و قد تغير الطعام من سعره فيقول ليس عندي دراهم قال خذ منه بسعر يومه فقال أفهم أصلحك الله إنه طعامي الذي اشتراه مني فقال لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك فقال أرغم الله أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي

[الجواب عن توهم المعارضة]

و حكي عن الشيخ قدس سره أنه أوردها في الاستبصار دليلا على مختاره و حكي عن بعض ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.

أقول لا يظهر من رواية خالد دلالة على مذهب الشيخ و على تقدير الدلالة فتعليل المنع بأنه لا خير فيه من أمارات الكراهة

[ما حكي عن الشيخ من عدم جواز أخذ بدل الطعام طعاما إذا كان أزيد]

و اعلم أنه قال الشيخ قدس سره في المبسوط إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز إذا أخذ ما أعطاه فإن أخذ أكثر لم يجز و قد روي أنه يجوز على كل حال و حكى في المختلف عن الخلاف أنه إذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز ذلك إذا أخذ مثله فإن زاد عليه لم يجز و احتج بإجماع الفرقة و أخبارهم و بأنه يؤدي إلى بيع طعام بطعام ثم حكي عن بعض أصحابنا الجواز مطلقا و عن بعضهم المنع مطلقا ثم حكي عن الشيخ في آخر كلامه أنه قال و القول الآخر الذي لبعض أصحابنا قوي و ذلك أنه بيع طعام بدراهم لا بيع طعام بطعام فلا يحتاج إلى اعتبار المثلية انتهى أقول الظاهر أن الشيخ قدس سره جرى في ذلك و فيما تقدم عنه في النهاية

المكاسب، ج 3، ص 308

من عدم جواز بيع ما اشترى بجنس الثمن متفاضلا على قاعدة كلية تظهر من بعض الأخبار- من أن عوض الشي ء الربوي لا يجوز أن يعوض بذلك الشي ء بزيادة و إن عوض العوض بمنزلة العوض. فإذا اشترى طعاما بدراهم لا يجوز أن يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة و كذلك إذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له أن يأخذ عوض الدراهم طعاما و عول في ذلك على التعليل المصرح به في رواية علي بن جعفر عن أخيه ع المعتضد ببعض الأخبار المانعة عن بعض أفراد هذه القاعدة هنا و في باب السلم قال: سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم قال إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي يشترى به دراهم و لا يصلح دراهم بدراهم قال في محكي التهذيب الذي أفتى به ما تضمنه هذا الخبر الأخير من أنه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم لم يجز أن يبيعه بدراهم لأنه يكون قد باع دراهم بدراهم و ربما كان فيه زيادة أو نقصان و ذلك ربا انتهى و هنا يقول قبالا لمسألة السلم التي هي عكس مسألتنا إنه إذا كان الذي باعه طعاما لم يجز أن يشتري بثمنه طعاما لأنه يكون باع طعاما بطعام و بالجملة فمدار فتوى الشيخ قدس سره على ما عرفت من ظهور بعض الأخبار بل صراحته فيه من أن عوض العوض في حكم العوض في عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه و بين اشتراء مجانسه منه و لا فرق أيضا بين اشترائه قبل حلول الأجل أو بعده كما أطلقه في الحدائق و تقييده بما بعد الحلول في عبارة النهاية المتقدمة لكون الغالب وقوع المطالبة و الإيفاء بعد الحلول و إن قصر المشهور خلافه به لكن الأظهر هو الإطلاق كما أن تقييد المنع في كلامه بأخذ ما باعه بالناقص لأنه الغالب لأن في رد نفس ما اشتراه رده بالناقص لا لخصوصية في النقص لا يجري في الزيادة و لذا ذكر جواز أخذ المتاع الآخر بقيمته في الحال زادت أو نقصت فيعلم منه أن أخذ ما باعه بقيمته في الحال غير جائز زادت أو نقصت و يؤيد الحمل على الغالب أنه قدس سره ذكر في مسألة السلم التي هي عكس المسألة أنه لا يجوز له أخذ مثل الثمن زائدا على ما أعطاه فإن الغالب مع إعطاء الطعام بدل الدراهم النقص مما اشترى و مع العكس العكس و ظهر أيضا مما ذكرنا أن الحكم مختص في كلام الشيخ بالجنس الربوي لا مطلق المتاع و لا خصوص الطعام

[إذا اشترط في البيع الأول نقله إلى من انتقل عنه]
اشارة

و أما الحكم في المستثنى- و هو ما إذا اشترط في البيع الأول نقله إلى من انتقل عنه فهو المشهور و نص عليه الشيخ في باب المرابحة

[الاستدلال على بطلان هذا البيع بالدور]
اشارة

و استدلوا عليه أولا بالدور كما في التذكرة قال في باب الشروط لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و وصفا و عينا أم لا و إلا جاء الدور لأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه فيدور أما لو شرط أن يبيعه على غيره صح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع على المالك أقول ظاهر ما ذكره من النقص أنه يعتبر في الشرط أن يكون معقولا في نفسه مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه و بيع الشي ء على غير مالكه معقول و لو من غير المالك كالوكيل و الفضولي بخلاف بيعه على مالكه فإنه غير معقول أصل فاندفع عنه نقض جماعة ممن تأخر عنه- باشتراط بيعه على غيره أو عتقه.

[النقض على الاستدلال]

نعم ينتقض ذلك باشتراط كون المبيع رهنا على الثمن فإن ذلك لا يعقل مع قطع النظر عن البيع بل يتوقف عليه و قد اعترف قدس سره بذلك في التذكرة فاستدل بذلك لأكثر الشافعية المانعين عنه و قال إن المشتري لا يملك رهن المبيع إلا بعد صحة البيع فلا يتوقف عليه صحة البيع و إلا دار لكنه قدس سره مع ذلك جوز هذا الاشتراط إلا أن يقال أخذ الرهن على الثمن و التضمين عليه و على دركه و درك المبيع من توابع البيع و من مصالحه فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن أو عدم تأخيره عن شهر مثلا و نحو ذلك لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه في التذكرة من اشتراط وقف المشتري المبيع على البائع و ولده

[تقرير الدور في جامع المقاصد]
اشارة

و قرر الدور في جامع المقاصد بأن انتقال الملك موقوف على حصول الشرط و حصول الشرط موقوف على الملك و هذا بعينه ما تقدم عن التذكرة بتفاوت في ترتيب المقدمتين

[ما أجيب به عن هذا التقرير و ما يرد على الأجوبة]

و أجيب عنه تارة بالنقض باشتراط بيعه من غيره و قد عرفت أن العلامة قدس سره تفطن له في التذكرة و أجاب عنه بما عرفت انتقاضه بمثل اشتراط رهنه على الثمن و عرفت تفطنه لذلك أيضا في التذكرة و أخرى بالحل- و هو انتقال الملك ليس موقوفا على تحقق الشرط و إنما المتوقف عليه لزومه و ثالثة بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد أجل البيع الأول فإن ملك المشتري متخلل بين البيعين و مبنى هذين الجوابين على ما ذكره العلامة في الاعتراض على نفسه و الجواب عنه بما حاصله أن الشرط لا بد من صحته مع قطع النظر عن البيع فلا يجوز أن يتوقف صحته على صحة البيع

[الاستدلال على البطلان بعدم القصد]
اشارة

و لا فرق في ذلك بين اشتراط بيعه قبل الأجل أو بعده لأن بيع الشي ء على مالكه غير معقول مطلقا و لو قيد بما بعد خروجه عن ملك مالكه لم يفرق أيضا بين ما قبل الأجل و ما بعده و استدل عليه أيضا بعدم قصد البائع بهذا الشرط إلى حقيقة الإخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك و جعله في غاية المراد أولى من الاستدلال بالدور بعد دفعه بالجوابين الأولين ثم قال و إن كان إجماع على المسألة فلا بحث

[الرد على الاستدلال]

و رد عليه المحقق و الشهيد الثانيان بأن الفرض حصول القصد إلى النقل الأول لتوقفه عليه و إلا لم يصح ذلك إذا قصدا ذلك و لم يشترطاه مع الاتفاق على صحته انتهى

[الاستدلال على البطلان برواية الحسين ابن المنذر]
اشارة

و استدل عليه في الحدائق بقوله ع في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة في السؤال عن بيع الشي ء و اشترائه ثانيا من المشتري: إن كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس فإن المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط على نفسه بشرائه ثانيا فدل على ثبوت البأس إذا كان أحد المتبايعين غير مختار في النقل من جهة التزامه بذلك في العقد الأول

[بيان الاستدلال]

و ثبوت البأس في الرواية إما راجع إلى البيع الأول فيثبت المطلوب و إن كان راجعا إلى البيع الثاني فلا وجه له إلا بطلان البيع الأول إذ لو صح البيع الأول و المفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن بالبيع الثاني بأس بل كان لازما بمقتضى الشرط الواقع في متن العقد الصحيح

بمقتضى الشرط الواقع في متن العقد الصحيح

[ما رد به عن الاستدلال و الجواب عنه]

هذا و قد يرد دلالتها بمنع دلالة البأس على البطلان و فيه ما لا يخفى و قد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا يقول به أحد من عدم

المكاسب، ج 3، ص 309

اشتراط المشتري ذلك على البائع. و فيه أن هذا قد قال به كل أحد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع فإن المسألتين من واد واحد بل الشهيد قدس سره في غاية المراد عنوان المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء و قد يرد أيضا بأن المستفاد من المفهوم لزوم الشرط و أنه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه و إن كان يحرم البيع الثاني أو هو و البيع الأول مع الشرط و يكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط و إن كان لو فعل التزم به و هو غير التزام المحرم الذي يفسد و يفسد العقد. و فيه أن الحرمة المستفادة من البأس ليس إلا الحرمة الوضعية أعني الفساد و لا يجامع ذلك صحة الشرط و لزومه.

[مناقشة المؤلف في الاستدلال]

نعم يمكن أن يقال بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع الثاني مع الفراغ عن صحة الأول كما يشهد به أيضا بيان خلاف أهل المسجد المختص بالبيع الثاني أن المراد أنه إن وقع البيع الثاني على وجه الرضا و طيب النفس و الاختيار فلا بأس به و إن وقع لا عن ذلك بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله و إلزامه عرفا بما التزم كان الشراء فاسدا لكن فساد الشراء لا يكون إلا لعدم طيب النفس فيه و عدم وجوب الالتزام بما التزم على نفسه إما لعدم ذكره في متن العقد و إما لكون الشرط بالخصوص فاسدا لا يجب الوفاء به و لا يوجب فساد العقد المشروط به كما هو مذهب كثير من القدماء لا لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في متنه حتى لو وقع عن طيب النفس لأن هذا مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص حكم الرواية منعا و جواز بالعقد الثاني.

[الاستدلال على البطلان برواية علي بن جعفر و المناقشة فيه]

و أما رواية علي بن جعفر فهي أظهر في اختصاص الحكم بالشراء الثاني فيجب أيضا حمله على وجه لا يكون منشأ فساد البيع الثاني فساد البيع الأول بأن يكون مفهوم الشرط أنه إذا اشترطا ذلك في العقد أو قبله و لم يرضيا بوقوع العقد الثاني بل وقع على وجه الإلجاء من حيث الالتزام به قبل العقد أو فيه فهو غير صحيح لعدم طيب النفس فيه و وقوعه عن إلجاء و هذا لا يكون إلا مع عدم وجوب الوفاء إما لعدم ذكره في العقد و إما لكونه لغوا فاسدا مع عدم تأثير فساده في العقد. و بالجملة فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصح أن يستند إلى فساد الأول لما ذكرنا من ظهور الروايتين في ذلك فلا بد أن يكون منشأه عدم طيب النفس بالعقد الثاني و عدم طيب النفس لا يقدح إلا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم و عدم اللزوم لا يكون إلا لعدم ذكر الشرط في العقد أو لكونه فاسدا غير مفسد- ثم إنه قال في المسالك إنهما لو شرطاه قبل العقد لفظا فإن كانا يعلمان أن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له و إلا اتجه بطلان العقد به كما لو ذكراه في متنه لأنهما لم يقدما إلا على الشرط و لم يتم لهما و يمكن أن يقال إن علمهما بعدم حكم للشرط لا يوجب عدم إقدامهما على الشرط

[رأي المؤلف في المسألة]

فالأولى بناء المسألة على تأثير الشرط المتقدم في ارتباط العقد به و عدمه و المعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم إلا أن يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثر و بين الفاسد فيؤثر في البطلان و وجهه غير ظاهر بل ربما حكي العكس عن بعض المعاصرين و قد تقدم توضيح الكلام في ذلك

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم- في أحد العوضين إلى أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالئ بالكالئ و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر أعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد

و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلى الآخر فيجب الخروج عن العهدة متى طولب صاحبها فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن و المراد المطالبة مع الاستحقاق بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه على الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن على المشتري. و يدل على الحكم المذكور أيضا الموثق: في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمى ثم افترقا قال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة

غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة على وجوب تعيين الأجل و عدم جواز السلم إلى دياس أو حصاد

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا

ففي المبسوط و السرائر و عن أكثر المتأخرين أنه لا يصح- و علله في المبسوط و غيره بالجهالة كما لو باع إما هذا العبد و إما ذاك و يدل عليه أيضا ما رواه في الكافي أنه ع قال: من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة

مسألة لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل

مسألة لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل

و إن طولب إجماعا- لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل- و لو تبرع بدفعه لم يجب على البائع القبول بلا خلاف بل عن الرياض الإجماع عليه و في جامع المقاصد في باب السلم نسبه الخلاف إلى بعض العامة و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد المنة و فيه تأمل و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله إياه كالودعي فإن ذلك حق عرفا و بالجملة ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل حيث إنه ليس لصاحب الدين الحال حق على المديون و اندفع أيضا ما يتخيل- من أن الأجل حق مختص بالمشتري و لذا يزاد الثمن من أجله و له طلب النقصان في مقابل التعجيل و أن المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز فيه التأخير و لا يجب ثم إنه لو أسقط المشتري أجل الدين- ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد أنه لو أسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل أما لو تقايلا في الأجل يصح و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما لأن التقايل في العقود لا في النذور انتهى و فيه أن الحق المشترط في العقد اللازم- يجوز لصاحبه إسقاطه و حق صاحب الدين- لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه. و في باب الشروط من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل فأسقط المديون الأجل لم يسقط و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط و لهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان انتهى و يمكن أن يقال إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلى إسقاط حق المطالبة في الأجل فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل و الشرط القابل للإسقاط ما تضمن إثبات حق قابل لإسقاطه بعد جعله أ لا ترى أنه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد و لم تعد العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من أن لصاحب الدين حقا في الأجل فدلالته على المدعى موقوفة على أن الشرط الواحد إذا انحل إلى حق لكل من المتبايعين لم يجز لأحدهما إسقاطه لأن الفرض اشتراكهما فيه و لم يسقط الحق بالنسبة إلى نفسه لأنه حق واحد يتعلق بهما فلا يسقط إلا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل و معناه الاتفاق على إسقاط الشرط الراجع إليهما فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في أنفسها نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالى بالنذر لم ينفع اتفاقهما على سقوطه لأن الحق معلق بغيرهما و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل أو لم يثبت التعدد فيرجع إلى أصالة عدم السقوط لكن الظاهر تعدد الحق فتأمل. ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط أجل الدين بالإسقاط بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالإسقاط و لذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير

المكاسب، ج 3، ص 306

الصحاح الجودة أو الصحة لم يسقط انتهى و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه

لأن في امتناعه إضرارا و ظلما إذ لا حق له على من في ذمته في حفظ ماله في ذمته و الناس مسلطون على أنفسهم و توهم عدم الإضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه على مالكه مدفوع بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل إنما تثبت لدفع هذا الظلم و الإضرار المحرم عن المديون و ليس بدلا اختياريا حتى يسقط الوجوب عن المالك لتحقق البدل أ لا ترى أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه في البيع

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

لا خلاف على الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال- بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا لأن حقيقة الربا في القرض راجعة إلى جعل الزيادة في مقابل إمهال المقرض و تأخيره المطالبة إلى أجل فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا فإن أهل العرف لا يفرقون في إطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليه في أول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلى شهر و بين أن يتراضيا بعد الشهر إلى تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة على ذلك بل الظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا على هذا التراضي مسلم في العرف

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]

إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده- بجنس الثمن و غيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا إلا إذا اشترط أحد المتبايعين على صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية أما الحكم في المستثنى منه فلا خلاف فيه إلا بالنسبة إلى بعض صور المسألة- فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا. و قال في النهاية إذا اشترى نسيئة فحل الأجل و لم يكن معه ما يدفعه إلى البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس انتهى و عن الشهيد أنه تبع الشيخ جماعة- و ظاهر الحدائق أن محل الخلاف أعم بما بعد الحلول و أنه قصر بعضهم التحريم بالطعام و كيف كان

القول في القبض

اشارة

القول في القبض

و هو لغة الأخذ مطلقا أو باليد أو بجميع الكف على اختلاف عبارات أهل اللغة- و النظر في ماهيته و وجوبه و أحكامه يقع في مسائل

مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول بعد اتفاقهم على أنها التخلية (في غير المنقول- على أقوال
أحدها أنها التخلية) أيضا

صرح به المحقق في الشرائع و حكي عن تلميذه كاشف الرموز و عن الإيضاح نسبته إلى بعض متقدمي أصحابنا و عن التنقيح نسبته إلى المبسوط

الثاني أنه في المنقول النقل

و فيما يعتبر كيله أو وزنه الكيل أو الوزن

الثالث ما في الدروس

من أنه في الحيوان نقله و في المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله و في الثوب وضعه في اليد.

الرابع ما في الغنية

و عن الخلاف و السرائر و اللمعة أنه التحويل و النقل

الخامس ما في المبسوط

من أنه إن كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول باليد و إن كان مثل الحيوان كالعبد و البهيمة فالقبض في البهيمة أن يمشى بها إلى مكان آخر و في العبد أن يقيمه إلى مكان آخر و إن كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله في مكانه و إن كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه أن يكيله و زاد في الوسيلة أنه في الموزون وزنه و في المعدود عده و نسب عبارة الشرائع- الراجعة إلى ما في المبسوط إلى المشهور.

السادس أنه الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد

حكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية و اعترف في المسالك تبعا لجامع المقاصد لشهادة العرف بذلك إلا أنه أخرج عن ذلك المكيل و الموزون مستندا إلى النص الصحيح و فيه ما سيجي ء.

السابع ما في المختلف

من أنه إن كان منقولا فالقبض فيه النقل أو الأخذ باليد و إن كان مكيلا أو موزونا فقبضه ذلك أو الكيل أو الوزن.

الثامن أنه التخلية مطلقا

بالنسبة إلى انتقال الضمان إلى المشتري دون النهي عن بيع ما لم يقبض نفى عنه البأس في الدروس

[رأي المؤلف في المسألة]
اشارة

أقول لا شك أن القبض للمبيع هو فعل القابض و هو المشتري و لا شك أن الأحكام المترتبة على هذا الفعل لا يترتب على ما كان من فعل البائع من غير مدخل للمشتري فيه كما أن الأحكام المترتبة على فعل البائع كالوجوب على البائع و الراهن في الجملة و اشتراط القدرة على التسليم لا يحتاج في ترتبها إلى فعل من المشتري

[بطلان تفسير القبض بالتخلية]

فحينئذ نقول أما ما اتفق عليه من كفاية التخلية- في تحقق القبض في غير المنقول إن أريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة إلى المبيع و هو جميع ما يتوقف عليه من طرفه وصوله إلى المشتري و يعبر عنه مسامحة بالإقباض و التسليم و هو الذي يحكمون بوجوبه على البائع و الغاصب و الراهن في الجملة و يفسرونه بالتخلية التي هي فعل البائع فقد عرفت أنه ليس قبضا حقيقيا حتى في غير المنقول و إن فسرت برفع جميع الموانع و أذن المشتري في التصرف. قال كاشف الرموز في شرح عبارة النافع القبض مصدر يستعمل بمعنى التقبيض و هو التخلية و يكون من طرف البائع و الواهب بمعنى التمكين من التصرف انتهى. بل التحقيق أن القبض مطلق هو استيلاء المشتري عليه و تسلطه عليه الذي يتحقق به معنى اليد و يتصور فيه الغصب

[لا بد من استفادة معنى القبض من حكم كل مورد بخصوصه]

نعم يترتب على ذلك المعنى الأول الأحكام المترتبة على الإقباض و التسليم

المكاسب، ج 3، ص 310

الواجبين على البائع فينبغي ملاحظة كل حكم من الأحكام المذكورة في باب القبض و أنه مترتب على القبض الذي هو فعل المشتري بعد فعل البائع و على الإقباض الذي هو فعل البائع مثلا إذا فرض أنه أدلة اعتبار القبض في الهبة دلت على اعتبار حيازة المتهب الهبة لم يكتف في ذلك بالتخلية التي هي من فعل الواهب و هكذا و لعل تفصيل الشهيد في البيع بين حكم الضمان و غيره من حيث إن الحكم الأول منوط بالإقباض و غيره منوط بفعل المشتري

[اختلاف المناط في القبض باختلاف مدرك الضمان]

و كيف كان فلا بد من مراعاة أدلة أحكام القبض فنقول أما رفع الضمان- فإن استند فيه إلى النبوي: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري و إن استند إلى قوله ع في رواية عقبة بن خالد: حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته احتمل فيه إناطة الحكم بالتخلية فيمكن حمل النبوي على ما ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية و احتمل ورود الرواية مورد الغالب من ملازمة الإخراج للوصول إلى المشتري بقرينة ظاهر النبوي. و لذا قال في جامع المقاصد بعد نقل ما في الدروس إن الخبر دال على خلافه و هو حسن إن أراد به ظاهر النبوي لا ظاهر رواية عقبة أو غيرها و الإنصاف أن ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة إلى ظاهر رواية عقبة و ربما يخدش فيهما بظهورها في اعتبار الإخراج من البيت مع أنه غير معتبر في رفع الضمان اتفاقا. و فيه أن الإخراج عن البيت كناية عن الإخراج عن السلطنة و رفع اليد و لا ينبغي خفاء ذلك على المتأمل في الاستعمال العرفي هذا و لكن الجمود على حقيقة اللفظ في الرواية يقتضي اعتبار الوصول إلى يد المشتري لأن الإقباض و الإخراج و إن كانا من فعل البائع إلا أن صدقهما عليه يحتاج إلى فعل من غير البائع لأن الإقباض و الإخراج بدون القبض و الخروج محال إلا أن يستفاد من الرواية تعلق الضمان على ما كان من فعل البائع و التعبير بالإقباض و الإخراج مسامحة مست الحاجة إليهما في التعبير. و ما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية يظهر من بعض فروع التذكرة حيث قال لو أحضر البائع السلعة فقال المشتري ضعه تم القبض لأنه كالتوكيل في الوضع و لو لم يقل المشتري شيئا أو قال لا أريد حصل القبض لوجود التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك فإنه يبرأ من الضمان انتهى. و ظاهره أن المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو فعل البائع و لو امتنع المشتري لكنه قدس سره صرح في عنوان المسألة و في باب الهبة بضعف هذا القول بعد نسبه إلى بعض الشافعية فالظاهر أن مراده بل مراد الشهيد قدس سرهما رفع الضمان بهذا و إن لم يكن قبضا بل عن الشهيد في حواشي أنه نقل عن العلامة قدس سره أن التخلية في المنقول و غيره ترفع الضمان لأنه حق على البائع و قد أدى ما عليه أقول و هذا كما أن إتلاف المشتري يرفع ضمان البائع و سيجي ء من المحقق الثاني أن النقل في المكيل و الموزون يرفع الضمان و إن لم يكن قبضا

[القبض هو الاستيلاء في المنقول و غيره]

و قد ظهر مما ذكرنا أن لفظ القبض الظاهر بصيغته في فعل المشتري يراد به الاستيلاء على البيع سواء في المنقول و غيره لأن القبض لغة الأخذ مطلقا أو باليد أو بجميع الكف على اختلاف التعبيرات فإن أريد الأخذ حسا باليد فهو لا يتأتى في جميع المبيعات مع أن أحكامه جارية في الكل فاللازم أن يراد به في كلام أهل اللغة و في لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع و الرهن و الصدقة و تشخيص ما في الذمة أخذ كل شي ء بحسبه و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة

[المناقشة في اعتبار النقل و التحويل في القبض]

و أما ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل و التحويل فيه بل ادعى في الغنية الإجماع على أنه القبض في المنقول الذي لا يكتفى فيه بالتخلية فهو لا يخلو عن تأمل و إن شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف في مثل الحيوان لأن مجرد إعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه عليه قبض عرفا على الظاهر ثم المراد من النقل في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له لا نقل البائع كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة المصرح به في جامع المقاصد. و أما رواية عقبة بن خالد المتقدمة فلا دلالة فيها على اعتبار النقل في المنقول و إن استدل بها عليه في التذكرة لما عرفت من أن الإخراج من البيت في الرواية نظير الإخراج من اليد كناية عن رفع اليد و التخلية للمشتري حتى لا يبقى من مقدمات الوصول إلى المشتري إلا ما هو من فعله

و أما اعتبار الكيل و الوزن أو كفايته في قبض المكيل أو الموزون

فقد اعترف غير واحد بأنه تعبد لأجل النص الذي ادعي دلالته عليه مثل صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلا أن يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور بن حازم: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن توليه و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه: عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا لم يربح عليه فلا بأس و إن ربح فلا يبعه حتى يقبضه و رواية أبي بصير: عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله قال لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه إلى غير ذلك مما دل على اعتبار الكيل و الوزن لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما و إلا لم يفرق بين التولية و غيرها فتعين لأمر آخر و ليس إلا من كون ذلك قبضا للإجماع كما في المختلف على جواز بيع الطعام بعد قبضه و منه يظهر ما في المسالك حيث إنه بعد ذكر صحيحة ابن وهب قال و التحقيق هنا أن الخبر الصحيح دل على النهي عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما لا على أن القبض لا يتحقق بدونهما و كون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك لأن الاعتبار بهما قبض و زيادة و حينئذ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بالعرف و الخبر الآخر و يتوقف ثانيا على الكيل و الوزن أمكن إن لم يكن إحداث قول انتهى. و الظاهر أن مراده بالخبر خبر عقبة بن خالد و قد عرفت ظهوره في اعتبار النقل

[لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع]

ثم إن ظاهر غير واحد كفاية الكيل و الوزن في القبض من دون توقف على النقل و الظاهر أنه لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع كما صرح به في جامع المقاصد و لذا نبه في موضع من التذكرة بأن الكيل شرط في القبض

و كيف كان فالأولى في المسألة ما عرفت من أن القبض له معنى واحد يختلف باختلاف الموارد و أن كون القبض هو الكيل و الوزن خصوصا في باب الصدقة و تشخيص ما في الذمة مشكل جدا لأن التعبد الشرعي على تقدير تسليمه مختص

المكاسب، ج 3، ص 311

بالبيع إلا أن يكون إجماع على اتحاد معنى القبض في البيع و غيره كما صرح به العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم في باب الرهن و الهبة و حكي فيها الاتفاق على الاتحاد عن ظاهر المسالك و استظهره الحاكي أيضا. و عن ظاهر المبسوط في باب الهبة أن القبض هي التخلية فيما لا ينتقل و النقل و التحويل في غيره لكن صرح في باب الرهن بأن كلما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن و الهبات و الصدقات لا يختلف ذلك و عن القاضي أنه لا يكفي الرهن التخلية و لو قلنا بكفايته في البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه و هنا لا استحقاق بل القبض سبب في الاستحقاق بل و مقتضى هذا الوجه لحوق الهبة و الصدقة بالرهن و هذا الوجه حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعية فقال قدس سره القبض هنا كالقبض في البيع ففيما لا ينقل و لا يحول التخلية و فيما ينقل و يحول النقل و التحويل و فيما يكال أو يوزن الكيل و الوزن ثم حكى عن بعض الشافعية عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في البيع مستندا إلى أن القبض في البيع مستحق و في الهبة غير مستحق فاعتبر تحققه و لم يكتف بالوضع بين يديه و لذا لو أتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا بخلاف المشتري ثم ضعفه بأنه ليس بشي ء لاتحاد القبض في الموضعين و اعتبار العرف فيهما انتهى. و ظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم عنه إلا أن يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان و إن لم يكن قبضا كما أشرنا إليه سابقا-

فرعان
الأول قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة البائع

و مكنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان إلى مكان كان قبضا و قال أيضا إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع- كفى في المنقول النقل من حيز إلى حيز و إن كان في موضع يختص به فالنقل من زاوية إلى أخرى بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرف و يكفي لدخوله في ضمانه و إن نقل بإذنه حصل القبض و كأنه استعار البقعة المنقول إليها

الثاني [لو كيل أو وزن قبل البيع فهل يجب اعتباره ثانيا لتحقق القبض]
اشارة

قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو إما أن يكون قد كيل قبل البيع أو وزن أولا بأن أخبر البائع بكيله أو وزنه أو باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه فإن كان الآخر فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه للنص المتقدم و إن كان الأول ففي افتقاره إلى الاعتبار ثانيا لأجل القبض أو الاكتفاء بالاعتبار الأول وجهان من إطلاق توقف الحكم على الكيل و الوزن و قد حصلا و قوله ع في النص: حتى يكيله أو يزنه لا يدل على اعتبار أزيد من اعتبار الكيل و الوزن الشامل لما وقع قبل البيع و من أن الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لتحقق شرط صحة البيع الثاني فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد و به صرح العلامة و الشهيد و جماعة و هو الأقوى و يدل عليه قوله ع: إلا أن يوليه- فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع فلا بد منه في التولية و غيرها فدل على أن ذلك لأجل القبض لا لصحة البيع انتهى المهم من كلامه رحمه الله أقول يبعد التزام القائلين بهذا القول- ببقاء المكيل و الموزون بعد الكيل و الوزن و العقد عليه و الأخذ و التصرف في بعضه في ضمان البائع حتى يكيله ثانيا أو يزنه و إن لم يرد بيعه ثانيا و كذا لو كاله و قبضه ثم عقد عليه

[كلمات الفقهاء في المسألة]
اشارة

و قد تفطن لذلك المحقق الأردبيلي رحمه الله فيما حكى من حاصل كلامه حيث نزل ما دل على اعتبار الكيل و الوزن في البيع الثاني على ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه بل وقع البيع الأول من دون كيل كما إذا اشترى أصوعا من صبرة مشتملة عليها أو اشترى بإخبار البائع أما إذا كاله بحضور المشتري ثم باعه إياه فأخذه و حمله إلى بيته و تصرف فيه بالطحن و العجن و الخبز فلا شك في كونه قبضا مسقطا للضمان مجوزا للبيع و لا يلزم تكلف البائع بكيله مرة أخرى للإقباض إلى أن قال ما حاصله أن كون وجوب الكيل مرة أخرى للقبض مع تحققه أولا عند الشراء كما نقله في المسالك عن العلامة و الشهيد و جماعة قدس الله أسرارهم و قواه ليس بقوي انتهى و قال في جامع المقاصد عند شرح قول المصنف إن التسليم بالكيل و الوزن فيما يكال أو يوزن على رأي المراد به الكيل الذي يتحقق به اعتبار البيع و لا بد من رفع البائع يده عنه فلو وقع الكيل و لم يرفع البائع يده فلا تسليم و لا قبض و لو أخبره البائع بالكيل أو الوزن فصدقه و أخذ على ذلك حصل القبض كما نص عليه في التذكرة ثم قال و لو أخذ المبيع جزافا أو أخذ ما اشتراه كيلا وزنا أو بالعكس فإن تيقن حصول الحق فيه صح و إلا فلا ذكره في التذكرة و الذي ينبغي أن يقال إن هذا الأخذ بإعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع إلى المشتري و انتفاء سلطنة البائع لو أراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط على بيعه لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه على التحريم أو الكراهة و لو كيل قبل ذلك فحضر كيله أو وزنه ثم اشتراه و أخذه بذلك الكيل فهو كما لو أخبره بالكيل أو الوزن بل هو أولى انتهى ثم الظاهر أن مراد المسالك مما نسبه إلى العلامة و الشهيد و جماعة من وجوب تجديد الاعتبار لأجل القبض ما ذكره في القواعد تفريعا على هذا القول أنه لو اشترى مكايلة و باع مكايلة فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض قال في جامع المقاصد في شرحه إنه لو اشترى ما لا يباع إلا مكايلة و باع كذلك لا بد لكل بيع من هذين من كيل جديد لأن كل بيع لا بد له من قبض قال بعد ذلك و لو أنه حضر الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفى به أو أخبره البائع فصدقه لكفى نقله و قام ذلك مقام كيله و في الدروس بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في زوال تحريم البيع أو كراهته قبل القبض قال نعم لو خلي بينه و بين المكيل فامتنع حتى يكتاله لم ينتقل إليه الضمان و لا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض انتهى و هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة و الشهيد و المحقق الثاني لاختيارهم وجوب تجديد الكيل و الوزن لأجل القبض و إن كيل أو وزن قبل ذلك

[عدم ظهور كلمات الفقهاء في وجوب الاعتبار مرة أخرى]
اشارة

لكن الإنصاف أنه ليس في كلامهم و لا غيرهم ما يدل على أن الشي ء الشخصي المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب كيله مرة أخرى لتحقق القبض كما يظهر من المسالك فلا يبعد أن يكون كلام الشيخ قدس سره و من تبعه في هذا القول و كلام العلامة و من ذكر فروع هذا القول مختصا بما إذا عقد على كيل معلوم من كلي أو من صبرة معينة أو على جزئي محسوس على أنه كذا و كذا فيكون

المكاسب، ج 3، ص 312

مراد الشيخ و الجماعة من قولهم اشترى مكايلة أنه اشترى بعنوان الكيل و الوزن في مقابل ما إذا اشترى ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين في العقد لكونه لغوا و الظاهر أن هذا هو الذي يمكن أن يعتبر في القبض في غير البيع أيضا من الرهن و الهبة فلو رهن إناء معينا من صفر مجهول الوزن أو معلوم الوزن أو وهبه خصوصا على القول بجواز هبة المجهول فالظاهر أنه لا يقول أحد بأنه يعتبر في قبضه وزنه مع عدم تعلق غرض في الهبة بوزنه أصلا. نعم لو رهن أو وهب مقدارا معينا من الكيل أو الوزن أمكن القول باشتراط اعتباره في قبضه و إن قبضه جزافا كلا قبض فظهر أن قوله في القواعد اشترى مكايلة و هو العنوان المذكور في المبسوط لهذا القول كما عرفت عند نقل الأقوال يراد به ما ذكرنا لا ما عرفت من جامع المقاصد و يؤيده تكرار المكايلة في قوله و باع مكايلة و يشهد له أيضا قول العلامة في غير موضع من التذكرة لو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة و يشهد له أيضا قوله في موضع آخر لو أخذ ما اشترى كيلا وزنا و بالعكس فإن تيقن حصول الحق فيه إلخ و أظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط فإنه بعد ما صرح باتحاد معنى القبض في الرهن و غيرهما ذكر أنه لو رهن صبرة على أنه كيل كذا فقبضه أن يكيله و لو رهنها جزافا فقبضه أن ينقله من مكانه مع أنه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا فافهم و أما قوله في الدروس فلا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض فلا يبعد أن يكون تتمة لما قبله من قوله نعم لو خلي بينه و بينه فامتنع حتى يكتاله و مورده بيع كيل معين كلي فلا يدل على وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل العقد

[استثناء بيع التولية ليس قرينة على وجوب الاعتبار مرة أخرى]

ثم إن ما ذكره في المسالك في صحيحة ابن وهب أولا من أن قوله: لا يبعه حتى يكيله يصدق مع الكيل السابق ثم استظهاره ثانيا بقرينة استثناء بيع التولية أن المراد غير الكيل المشترط في صحة العقد لم يعلم له وجه إذ المراد من الكيل و الوزن في تلك الصحيحة و غيرها هو الكيل المتوسط بين البيع الأول و الثاني و هذا غير قابل لإرادة الكيل المصحح للبيع الأول فلا وجه لما ذكره أولا أصلا و لا وجه لإرادة المصحح للبيع الثاني حتى يكون استثناء التولية قرينة على عدم إرادته لاشتراك التولية مع غيرها في توقف صحتهما على الاعتبار لأن السؤال عن بيع الشي ء قبل قبضه ثم الجواب بالفرق بين المكيل و الموزون لا يمكن إرجاعها إلى السؤال و الجواب عن شرائط البيع الثاني بل الكلام سؤالا و جوابا نص في إرادة قابلية المبيع قبل القبض للبيع و عدمها فالأولى أن استثناء التولية ناظر إلى الفرق بين البيع مكايلة بأن يبيعه ما اشتراه على أنه كيل معين فيشترط قبضه بالكيل و الوزن ثم إقباضه و بين أن يوليه البيع الأول من غير تعرض في العقد لكيله و وزنه فلا يعتبر توسط قبض بينهما بل يكفي قبض المشتري الثاني عن الأول. و بالجملة فليس في الصحيحة تعرض لصورة كيل الشي ء أولا قبل البيع ثم العقد عليه و التصرف فيه بالنقل و التحويل و أن بيعه ثانيا بعد التصرف هل يحتاج إلى كيل جديد لقبض البيع الأول لا لاشتراط معلومية البيع الثاني أم لا بل ليس في كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة

القول في وجوب القبض
مسألة يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع
اشاره

لاقتضاء العقد لذلك فإن قال كل منهما لا أدفع حتى أقبض فالأقوى إجبارهما معا وفاقا للمحكي عن السرائر و الشرائع و كتب العلامة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها- و عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه لما في التذكرة- من أن كلا منهما قد وجب له حق على صاحبه و عن الخلاف أنه يجبر البائع أولا على تسليم المبيع ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن سواء كان الثمن عينا أو في الذمة لأن الثمن إنما يستحق على المبيع فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق الثمن و لعل وجهه دعوى انصراف إطلاق العقد إلى ذلك و لذا استقر العرف إلى تسمية الثمن عوضا و قيمة و لذا يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع كما يقبحون مطالبة الأجرة قبل العمل أو دفع العين المستأجرة و الأقوى ما عليه الأكثر-

[محل الخلاف في المسألة]
اشاره

ثم إن ظاهر جماعة أن محل في هذه المسألة بين الخاصة و العامة ما لو كان كل منهما باذلا و تشاحا في البدأة و التسليم لا ما إذا امتنع أحدهما عن البذل قال في المبسوط بعد اختياره أولا إجبارهما معا على القابض ثم الحكم بأن تقديم البائع في الإجبار أولى قال هذا إذا كان كل منهما باذلا و أما إذا كان أحدهما غير باذل أصلا و قال لا أسلم ما علي أجبره الحاكم على البذل فإذا حصل البذل حصل الخلاف في أن أيهما يدفع هذا إذا كان موسرا قادرا على إحضار الثمن فإن كان معسرا كان للبائع الفسخ و الرجوع إلى عين ماله كالمفلس انتهى و قال في التذكرة توهم قوم أن الخلاف في البداءة بالتسليم خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا إن قلنا بوجوب البدأة للبائع فليس له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن و إلا فله ذلك و نازع أكثر الشافعية فيه و قالوا هذا الخلاف مختص بما إذا كان نزاعهما في مجرد البدأة و كان كل منهما يبذل ما عليه و لا يخاف فوت ما عند صاحبه فأما إذا لم يبذل البائع المبيع و أراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف و كذا للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع انتهى. و قد صرح بعض آخر أيضا بعدم الخلاف في جواز الحبس لامتناع الآخر من التسليم و لعل الوجه فيه أن عقد البيع مبني على التقابض و كون المعاملة يدا بيد فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه و التزم على صاحبه أن لا يسلمه مع الامتناع فقد ثبت بإطلاق العقد لكل منهما حق الامتناع مع امتناع صاحبه فلا يرد أن وجوب التسليم على كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر فلا يسقط التكليف بإزاء مال الغير عن أحدهما بمعصيته الآخر و أن ظلم أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر هذا كله مع عدم التأجيل في أحد العوضين-

فلو كان أحدهما مؤجلا

لم يجز حبس الآخر. قال في التذكرة و لو لم يتفق تسليمه حتى حل الأجل لم يكن له الحبس أيضا و لعل وجهه أن غير المؤجل قد التزم بتسليمه من دون تعليق على تسليم المؤجل أصلا و هذا مما يؤيد أن حق الحبس ليس لمجرد ثبوت حق للحابس على الآخر فيكون الحبس بإزاء الحبس.

[لو قبض الممتنع بدون رضا صاحبه]

ثم إن مقتضى ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر و عدم استحقاق الممتنع لقبض ما في يد صاحبه أنه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه لم يصح القبض فصحة القبض بأحد أمرين

المكاسب، ج 3، ص 313

أما إقباض ما في يده لصاحبه فله حينئذ قبض ما في يد صاحبه و لو بغير إذنه و أما إذن صاحبه سواء أقبض ما في يده أم لا كما صرح بذلك في المبسوط و التذكرة و صرح فيهما بأن له مطالبة القابض برد ما قبض بغير إذنه لأن له حق الحبس و التوثق إلى أن يستوفي العوض و في موضع من التذكرة أنه لا ينفذ تصرفه فيه و مراده التصرف المتوقف على القبض كالبيع أو مطلق الاستبدال

ثم إذا ابتدأ أحدهما بالتسليم

إما لوجوبه عليه كالبائع على قول الشيخ أو لتبرعه بذلك أجبر الآخر على التسليم و لا يحجر عليه في ما عنده من العوض و لا في مال آخر لعدم الدليل.

مسألة يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا و من غيرها في الجملة
اشاره

و هذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة إلى التسليم و إن أوهمه بعض العبارات ففي غير واحد من الكتب أنه يجب تسليم المبيع مفرغا و المراد إرجاع الحكم إلى القيد و إلا فالتسليم يحصل بدونه و قد تقدم عن التذكرة

[الاستدلال عليه]

و كيف كان فيدل على وجوب التفريغ ما دل على وجوب التسليم فإن إطلاق العقد كما يقتضي أصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا فإن التسليم بدونه كالعدم بالنسبة إلى غرض المتعاقدين و إن ترتب عليه أحكام تعبدية كالدخول في ضمان المشتري و نحوه

[لو مضت مدة و لم يتمكن البائع من التفريغ أو لم يفرغ]

فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا فإن تعذر ففي أول أزمنة الإمكان و لو تراخى زمان الإمكان و كان المشتري جاهلا كان له الخيار لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه و في ثبوت الأجرة- لو كان لبقائه أجرة إلى زمان الفراغ وجه

[لو كان في الأرض زرع للبائع]

و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغي الجزم بالأجرة كما جزموا بها مع امتناعه من أصل التسليم و لو كان في الأرض زرع قد أحصد وجب إزالته لما ذكرنا و إن لم يحصد وجب الصبر إلى بلوغ أوانه للزوم تضرر البائع بالقلع و أما ضرر المشتري فينجبر بالخيار مع الجهل كما لو وجدها مستأجرة و من ذلك يعلم عدم الأجرة لأنه اشترى أرضا تبين أنها مشغولة فلا يثبت أكثر من الخيار و يحتمل ثبوت الأجرة لأنه اشترى أرضا لا يستحق عليها الاشتغال بالزرع و المالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء فيتخير بين إبقائه بالأجرة و بين قلعه لتقديم ضرر القلع على ضرر فوات منفعة الأرض بالأجرة و يحتمل تخيير المشتري بين إبقائه بالأجرة و قلعه بالأرش و يحتمل ملاحظة الأكثر ضررا

و لو احتاج تفريغ الأرض إلى هدم شي ء هدمه بإذن المشتري

و عليه طم ما يطم برضا المالك و إصلاح ما استهدم أو الأرش على اختلاف الموارد فإن مثل قلع الباب أو قلع ساجة منه إصلاحه إعادته بخلاف هدم حائط فإن الظاهر لحوقه بالقيمي في وجوب الأرش له و المراد بالأرش قيمة الهدم لا أرش العيب.

و بالجملة فمقتضى العرف إلحاق بعض ما استهدم بالمثلي و بعضه بالقيمي و لو ألحق مطلقا بالقيمي كان له وجه و يظهر منهم فيما لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير إذن صاحبه أقوال ثلاثة الإعادة مطلقا كما في الشرائع و عن المبسوط و الأرش كذلك كما عن العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين و التفصيل بين ما كان مثليا كحائط البساتين و المزارع و إلا فالأرش كما عن الدروس و الظاهر جريان ذلك في كسر الباب و الشبابيك و فتق الثوب من هذا القبيل.

مسألة لو امتنع البائع من التسليم

فإن كان لحق كما لو امتنع المشتري عن تسليم الثمن فلا إثم و هل عليه أجرة مدة الامتناع احتمله في جامع المقاصد إلا أن منافع الأموال الفائتة بحق لا دليل على ضمانها و على المشتري نفقة المبيع. و في جامع المقاصد ما أشبه هذه بمثل منع الزوجة نفسها حتى تقبض المهر فإن في استحقاقها النفقة ترددا قال و يحتمل الفرق بين الموسر و المعسر انتهى و يمكن الفرق بين النفقة في المقامين و لو طلب من البائع الانتفاع به في يده ففي وجوب إجابته وجهان و لو كان امتناعه لا لحق- وجب عليه الأجرة لأنه عاد و مقتضى القاعدة أن نفقته على المشتري

الكلام في أحكام القبض
اشارة

الكلام في أحكام القبض

و هي التي تلحقه بعد تحققه

مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله إلى القابض
اشارة

فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه إجماعا مستفيضا- بل محققا و يسمى ضمان المعاوضة

[الاستدلال عليه بالنبوي المشهور]

و يدل عليه قبل الإجماع النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و ظاهره بناء على جعل من للتبعيض أنه بعد التلف يصير مالا للبائع لكن إطلاق المال على التالف إنما هو باعتبار كونه مالا عند التلف و بهذا الاعتبار يصح أن يقع هو المصالح عنه إذا أتلفه الغير لا قيمته كما صرح به في باب الصلح من الشرائع و التحرير و حينئذ فلا بد من أن يكون المراد بالنبوي أن المبيع يكون تالفا من مال البائع و مرجع هذا إلى انفساخ العقد قبل التلف آنا ما ليكون التالف مالا للبائع.

و الحاصل أن ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف لكن لما لم يتعقل ذلك تعين إرادة وقوع التلف على مال البائع و مرجعه إلى ما ذكره في التذكرة و تبعه من تأخر عنه من أنه يتجدد انتقال الملك إلى البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزأ من الزمان و ربما يقال تبعا للمسالك إن ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع يوهم خلاف هذا المعنى و لعله لدعوى أن ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله بمعنى كون دركه عليه فيوهم ضمانه بالمثل و القيمة.

[الضمان في المسألة ضمان المعاوضة لا ضمان اليد]

و مما ذكرنا من أن معنى الضمان هنا يرجع إلى انفساخ العقد بالتلف و تلف المبيع في ملك البائع و يسمى ضمان المعاوضة لا ضمانه عليه مع تلفه من المشتري كما في المغصوب و المستام و غيرهما و يسمى ضمان اليد يعلم أن الضمان فيما نحن فيه حكم شرعي لا حق مالي فلا يقبل الإسقاط و لذا لو أبرأه المشتري من الضمان لم يسقط كما نص عليه في التذكرة و الدروس و ليس الوجه في ذلك أنه إسقاط ما لم يجب كما قد يتخيل.

[الاستدلال على ضمان البائع قبل القبض برواية عقبة أيضا]

و يدل على الحكم المذكور أيضا رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله ع:

في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله و لعل الرواية أظهر دلالة- على الانفساخ قبل التلف من النبوي

[عدم الخلاف في المسألة]

و كيف كان فلا خلاف في المسألة أعني بطلان البيع عند التلف لا من أصله لأن تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد و إنما احتيج إليه لتصحيح ما في النص من الحكم بكون التالف من مال البائع فيرتكب بقدر الضرورة

[نماء المبيع قبل التلف للمشتري]

و يترتب على ذلك كون النماء قبل التلف للمشتري. و في معناه الركاز الذي يجده

المكاسب، ج 3، ص 314

العبد و ما وهب منه فقبله و قبضه أو أوصي له به فقبله كما صرح به في المبسوط و التذكرة و صرح العلامة بأن مئونة تجهيزه لو كان مملوكا على البائع و هو مبني على ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف لا مجرد تقدير الملك الذي لا بد فيه من الاقتصار على الحكم الثابت المحوج إلى ذلك التقدير دون ما عداه من باقي آثار المقدر إلا أن يقال بأن التلف من البائع يدل التزاما على الفسخ الحقيقي

[تعذر الوصول بحكم التلف]

ثم إنه يلحق بالتلف تعذر الوصول إليه عادة مثل سرقته على وجه لا يرجى عوده و عليه تحمل رواية عقبة المتقدمة. قال في التذكرة وقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحش و لو غرق البحر الأرض المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل أو كسيها رمل فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار للشافعية وجهان أقواهما الثاني و لو أبق العبد قبل القبض أوضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية و رجاء العود انتهى و في التذكرة أيضا لو هرب المشتري قبل وزن الثمن و هو معسر مع عدم الإقباض احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء الثمن و الصبر ثلاثة أيام للرواية و الأول أقوى لورودها في الباذل و إن كان موسرا أثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم إن وجد له مالا قضاه و إلا باع المبيع و قضى منه و الفاضل للمشتري و المعوز عليه انتهى و في غير موضع مما ذكره تأمل

[لو كان القبض غير واجد لشرائط الصحة]

ثم إن ظاهر كثير من الأصحاب أنه لا يعتبر في القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه فلو وقع بغير إذن ذي اليد كفى في رفع الضمان- كما صرح به في التذكرة و الدروس و غيرهما و لو لم يتحقق الكيل و الوزن بناء على اعتبارهما في قبض المكيل ففي سقوط الضمان بمجرد نقل المشتري قولان قال في التذكرة في باب بيع الثمار إنه لو اشترى طعاما مكايلة فقبض جزافا فهلك في يده فهو من ضمان المشتري لحصول القبض و إن جعلنا الكيل شرطا فيه فالأقرب أنه من ضمان البائع انتهى و قد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء على اشتراط الكيل في القبض و لا يخلو عن قوة

[هل يكتفي بالتخلية في سقوط الضمان]

و هل يكتفى بالتخلية على القول بعدم كونها قبضا في سقوط الضمان قولان لا يخلو السقوط من قوة و إن لم نجعله قبضا و كذا الكلام فيما لو وضع المشتري يده عليه و لم ينقله بناء على اعتبار النقل في القبض هذا كله حكم التلف السماوي.

و أما الإتلاف
اشارة

فإما أن يكون من المشتري و إما أن يكون من البائع و إما أن يكون من الأجنبي

فإن كان من المشتري

فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة القبض في سقوط الضمان لأنه قد ضمن ماله بإتلافه و حجته الإجماع لو تم و إلا فانصراف النص إلى غير هذا التلف فيبقى تحت القاعدة. قال في التذكرة هذا إذا كان المشتري عالما و إن كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله هل يجعل قابضا الأقرب أنه لا يصير قابضا و يكون بمنزلة إتلاف البائع ثم مثل له بما قدم المغصوب إلى المالك فأكله أقول هذا مع غرور البائع لا بأس به أما مع عدم الغرور ففي كونه كالتلف السماوي وجهان- و لو صال العبد على المشتري فقتله دفعا ففي التذكرة أن الأصلح أنه لا يستقر عليه الثمن. و حكي عن بعض الشافعية الاستقرار لأنه قتله في عرض نفسه

و لو أتلفه البائع

ففي انفساخ البيع كما عن المبسوط و الشرائع و التحرير لعموم التلف في النص- لما كان بإتلاف حيوان أو إنسان أو كان بآفة أو ضمان البائع للقيمة لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ فيدخل تحت قاعدة إتلاف مال الغير أو التخيير بين مطالبته بالقيمة أو بالثمن إما لتحقق سبب الانفساخ و سبب الضمان فيتخير المالك في العمل بأحدهما و إما لأن التلف على هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر تسليم المبيع فيثبت الخيار للمشتري لجريان دليل تعذر الانفساخ التسليم هنا و هذا هو الأقوى و اختاره في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها و عن حواشي الشهيد نسبه إلى أصحابنا العراقيين فإن اختار المشتري القيمة فهل للبائع حبس القيمة على الثمن وجهان من أنها بدل عن العين و من أن دليل الحبس و هو الانفهام من العقد يختص بالمبدل أقواهما العدم و لو قبض المشتري بغير إذن البائع حيث يكون له الاسترداد فأتلفه البائع في يد المشتري ففي كونه كإتلافه قبل القبض فيكون في حكم الاسترداد كما أن إتلاف المشتري في يد البائع بمنزلة القبض أو كونه إتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة لدخول المبيع في ضمان المشتري بالقبض و إن كان ظالما فيه وجهان اختار أولهما في التذكرة

و لو أتلفه أجنبي

جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة إلا أن المتعين منها هو التخيير لما تقدم و لو لا شبهه الإجماع على عدم تعين القيمة تعين الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ إلى غير ذلك.

مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين

في جميع ما ذكر كما صرح في التذكرة و هو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر أن بالقبض ينتقل الضمان إلى القابض بل الظاهر أنه مما لا خلاف فيه.

قال في المبسوط لو اشترى عبدا بثوب و قبض العبد و لم يسلم الثوب فباع العبد صح بيعه و إذا باعه و سلمه ثم تلف الثوب انفسخ البيع و لزمه قيمة العبد لبائعه لأنه لا يقدر على رده انتهى و في باب الصرف من السرائر نظير ذلك و قد ذكر هذه المسألة أيضا في الشرائع و كتب العلامة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها أعني مسألة من باع شيئا معينا بشي ء معين ثم بيع أحدهما ثم تلف الآخر و حكموا بانفساخ البيع الأول و قد صرحوا بنظير ذلك في باب الشفعة أيضا و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة و يمكن أن يستظهر من رواية عقبة المتقدمة حيث ذكر في آخرها أن المبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله بناء على عود ضمير الحق إلى البائع بل ظاهر بعضهم شمول النبوي له بناء على صدق المبيع على الثمن قال كما في التذكرة- أو أكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض فإن كانت في يد المشتري فكإتلافه و إن كانت في يد البائع فكإتلافه و إن كانت في يد أجنبي فكإتلافه و إن لم تكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلى آدمي فكان كالسماوية انتهى ثم إنه هل يلحق العوضان في غير البيع من المعاوضات به في هذا الحكم لم أجد أحد أصرح بذلك نفيا أو إثباتا نعم ذكروا في الإجارة و الصداق و عوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم إلا أنه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات على وجه يظهر كونه

المكاسب، ج 3، ص 315

من المسلمات قال في مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل القبض و المال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو بالتفريط و يسمى ضمان اليد يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه إلى أن قال أما ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كمال الصلح و الأجرة المعينة لما تقدم و قال الشافعي لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع انتهى و ظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة و العامة.

مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه
فإن كان مما يقسط الثمن عليه انفسخ البيع فيه

فيما يقابله من الثمن لأن التالف مبيع تلف قبل قبضه فإن البيع يتعلق لكل جزء إذ البيع عرفا ليس إلا التمليك بعوض و كل جزء كذلك. نعم إسناد البيع إلى جزء واحد مقتصرا عليه يوهم انتقاله بعقد مستقل و لذا لم يطلق على بيع الكل البيوع المتعددة و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في المسألة

إن كان الجزء مما لا يتقسط عليه الثمن

كيد العبد فالأقوى أنه كالوصف الموجب للتعيب فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد فالمشتري مخير بين الرد و الأرش و إلا كان له الرد فقط بل عن الإيضاح أن الأرش هنا أظهر لأن المبيع هو مجموع بدن العبد و قد نقص بعضه بخلاف نقصان الصفة و فيه تأمل بل ظاهر الشرائع عدم الأرش هنا مع قوله به في العيب فتأمل.

و كيف كان فالمهم نقل الكلام إلى حكم العيب الحادث قبل القبض
اشارة

و الظاهر المصرح به في كلام غير واحد أنه لا خلاف في أن للمشتري الرد-

و أما الخلاف في الأرش
اشارة

ففي الخلاف عدمه مدعيا عدم الخلاف فيه و هو المحكي عن الحلي و ظاهر المحقق و تلميذه و كاشف الرموز لأصالة لزوم العقد و إنما ثبت الرد لدفع تضرر المشتري به و عن النهاية ثبوته و اختاره العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم و عن المختلف نقله عن القاضي و الحلبي و عن المسالك أنه المشهور-

[المشهور ثبوت الأرش و الاستدلال عليه]
اشارة

و استدلوا عليه بأن الكل مضمون قبل القبض فكذا أبعاضه و صفاته و أورد عليه بأن معنى ضمان الكل انفساخ العقد و رجوع الثمن إلى المشتري و المبيع إلى البائع. و هذا المعنى غير متحقق في الوصف لأن انعدامه بعد العقد في ملك البائع لا يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن بل يقابل بالأعم منه و مما يساويه من غير الثمن لأن الأرش لا يتعين كونه من عين الثمن و يدفع بأن وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن و لذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده بل لا يضمن بمال أصلا لجواز إمضاء العقد على المعيب بلا شي ء و حينئذ فتلفه على المشتري لا يوجب رجوع شي ء إلى المشتري فضلا عن جزء من عين الثمن بخلاف الكل و الأجزاء المستقلة في التقويم. فحاصل معنى الضمان إذا انتفى وصف الصحة قبل العقد أو انعدم بعد العقد و قبل القبض هو تقدير التلف المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البائع في المقامين و أن العقد من هذه الجهة كأن لم يكن و لازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا تلف تمام المبيع و انفساخه بالنسبة إلى بعض أجزائه إذا تلف البعض و انفساخ العقد بالنسبة إلى الوصف بمعنى فواته في ملكه و تقدير العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى حدوث هذا العيب فكان العيب حدث قبل العقد و العقد قد وقع على عين معيبة فيجري فيه جميع أحكام العيب من الخيار و جواز إسقاط الخيار ردا و أرشا

[ما يؤيد ثبوت الأرش]

و يؤيد ما ذكرنا من اتحاد معنى الضمان بالنسبة إلى ذات المبيع و وصف صحته الجمع بينهما في تلف الحيوان في أيام الخيار و تعيبه في صحيح ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك قال على البائع يمضي الشرط. فقوله ع: على البائع حكم بالضمان لموت العبد و حدوث حدث فيه بفوات جزء أو وصف و معناه تقدير وقوعه في ملك البائع.

[الإشكال في ثبوت الأرش]

نعم قد يشكل الحكم المذكور لعدم الدليل على ضمان الوصف لأن الضمان بهذا المعنى حكم مخالف للأصل يقتصر فيه على محل النص و الإجماع و هو تلف الكل أو البعض و لو لا الإجماع على جواز الرد لأشكل الحكم به أيضا إلا أنه لما استند في الرد إلى نفي الضرر قالوا إن الضرر المتوجه إلى المبيع قبل القبض يجب تداركه على البائع و حينئذ فقد يستوجه ما ذكره العلامة من أن الحاجة قد تمس إلى المعاوضة فيكون في الرد ضرر و كذلك في الإمساك بغير أرش فيوجب التخيير بين الرد و الأرش لنفي الضرر لكن فيه أن تدارك ضرر الصبر على المعيب يتحقق بمجرد الخيار في الفسخ و الإمضاء كما في سائر موارد الضرر الداعي إلى الحكم بالخيار هذا

[الأقوى قول المشهور]

و مع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة

هذا كله مع تعيبه بآفة سماوية

و أما لو تعيب بفعل أحد

فإن كان هو المشتري فلا ضمان بأرشه و إلا كان له على الجاني أرش جنايته- لعدم الدليل على الخيار في العيب المتأخر إلا أن يكون بآفة سماوية و يحتمل تخيير المشتري بين الفسخ و الإمضاء مع تضمين الجاني لأرش جنايته بناء على جعل العيب قبل القبض مطلقا موجبا للخيار و مع الفسخ يرجع البائع على الأجنبي بالأرش- .

مسألة الأقوى من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه إلا تولية

لصحيحة ابن حازم المروية في الفقيه: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا توليه فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه و صحيح الحلبي في الكافي عن أبي عبد الله ع قال: في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتال قال لا يصلح له ذلك و صحيحة الآخر في الفقيه قال: سألت أبا عبد الله ع عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا و لم يقتسموا أ يصلح لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه قال لا بأس به و قال إن هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال بناء على أن المراد قبل أن يقبضه من البائع أما إذا أريد من ذلك عدم قبض حصته من يد الشركاء فلا يدل على ما نحن فيه لتحقق القبض بحصوله في يد أحد الشركاء المأذون عن الباقي. و رواية معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلا أن يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور في الفقيه قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل يشتري مبيعا ليس فيه كيل و لا وزن أ له أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه قال لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن فإن هو قبضه كان أبرء لنفسه و صحيح الحلبي: في الرجل يبتاع الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبضه و إن كان تولية فلا بأس و خبر حزام المروي عن مجالس الطوسي

المكاسب، ج 3، ص 316

قال: ابتعت طعاما من طعام الصدقة فأربحت فيه قبل أن أقبضه فأردت بيعه فسألت النبي ص فقال لا تبعه حتى تقبضه و مفهوم رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الطعام إلى أجل مسمى فطلبه التجار مني بعد ما اشتريت قبل أن أقبضه قال لا بأس إلى أن تبيع إلى أجل كما اشتريت إليه الخبر و المراد تأجيل الثمن و قوله كما اشتريت إشارة إلى كون البيع تولية فيدل على ثبوت البأس في غير التولية و مصححة علي بن جعفر عن أخيه: عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض و إن كان تولية فلا بأس و في معناها رواية أخرى خلافا للمحكي عن الشيخين في المقنعة و النهاية و القاضي و المشهور بين المتأخرين- فالكراهة لروايات صارفة لظواهر الروايات المتقدمة إلى الكراهة مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي المتقدمة: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله فأقول له ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته قال لا بأس و رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه قال لا بأس و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس.

[الأولى حمل الروايات المجوزة على التولية]
اشارة

و هذه الروايات مطلقة يمكن حملها على التولية و هو أولى من حمل تلك الأخبار على الكراهة مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول و إن كانت أخف

[الاستئناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير و المناقشة فيه]

و من ذلك يعلم ما في الاستيناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله قال لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح به أو يضع و ما كان عنده من شي ء ليس بكيل و لا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه بناء على أن قوله لا يعجبني ظاهر في الكراهة فإن ذلك يوجب رفع الكراهة رأسا في التولية لأنه في قوة أن ذلك في التولية ليس مما لا يعجبني مع أن القائلين بالكراهة لا يفرقون بين التولية و غيرها في أصل الكراهة و إن صرح بعضهم بكونها في التولية أخف

و ربما يستدل على الجواز بصحيحتي الحلبي و ابن مسلم

في جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها لكن لا يبعد إرادة الثمرة على الشجرة فيخرج عن المكيل و الموزون

و ربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في جواز بيع السلم على من هو عليه

بناء على عدم الفرق بين المسألتين و فيه تأمل لعدم ثبوت ذلك بل الظاهر أن محل الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض على غير البائع كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة و القائلين بالتحريم هنا. و قد جعل العلامة بيع غير المقبوض على بائعه مسألة أخرى ذكرها بعد مسألتنا و فروعها و ذكر أن المجوزين في المسألة الأولى جزموا بالجواز هنا و اختلف المانعون فيها هنا و من العجب ما عن التنقيح من الإجماع على جواز بيع السلم على من هو عليه مع إجماع المبسوط على المنع عن بيع السلم قبل القبض مصرحا بعدم الفرق بين المسلم إليه و غيره

[الحكم في غير المكيل و الموزون]

ثم إن صريح التحرير و الدروس الإجماع على الجواز في غير المكيل و الموزون مع أن المحكي في التذكرة عن بعض علمائنا القول بالتحريم مطلقا و نسبه في موضع آخر إلى جماعة منا و صريح الشيخ في المبسوط اختيار هذا القول قال في باب السلم إذا أسلف في شي ء فلا يجوز أن يشرك فيه غيره و لا أن يوليه لأن النبي ص نهى عن بيع ما لم يقبض و قال: من أسلف في شي ء فلا يصرفه إلى غيره إلى أن قال و بيوع الأعيان مثل ذلك إن لم يكن قبض المبيع فلا يصح الشركة و لا التولية و إن كان قد قبضه صحت الشركة و التولية فيه بلا خلاف و قد روى أصحابنا جواز الشركة فيه و التولية قبل القبض

[أقوال خمسة في بيع المكيل و الموزون قبل القبض]

ثم إن المحكي عن المهذب البارع عدم وجدان العامل بالأخبار المتقدمة المفصلة بين التولية و غيرها و هو عجيب فإن التفصيل حكاه في التذكرة قولا خامسا في المسألة لأقوال علمائنا و هي الكراهة مطلقا و المنع مطلقا و التفصيل بين المكيل و الموزون و غيرهما و التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم و العدم و هو قول الشيخ في المبسوط مدعيا عليه الإجماع و بالكراهة و العدم و هنا سادس اختاره في التحرير و هو التفصيل في خصوص الطعام بين التولية و غيرها بالتحريم و الكراهة في غيره من المكيل و الموزون. و المراد بالطعام يحتمل أن يكون مطلق ما أعد للأكل كما قيل إنه موضوع له لغة و يحتمل أن يكون خصوص الحنطة و الشعير بل قيل إنه معناه شرعا و حكي عن فخر الدين نقله عن والده و حكي اختياره عن بعض المتأخرين و عن الشهيد أنه حكى عن التحرير أنه الحنطة خاصة و حكى عن بعض أهل اللغة ثم إن الظاهر أن أصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصي كما يظهر من الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض لانفساخه بالتلف و كون المبيع مضمونا على البائع فولاية المشتري على التصرف ضعيفة. و ذكر في التذكرة الكلي غير المقبوض في فروع المسألة و قال المبيع إن كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين لأن المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولى فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه و لا الاستبدال به و به قال الشافعي انتهى. و كيف كان فلا فرق في النص و الفتوى بناء على المنع بين المبيع المعين و الكلي بل و لا بناء على الجواز

[هل المنع تكليفي أو وضعي]

ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني- بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام فإن جواز البيع و عدمه ظاهران في الحكم الوضعي إلا أن المحكي عن المختلف أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد أن محل الخلاف و الصحة و البطلان. و بالجملة فلا ينبغي الإشكال في أن محل الخلاف في كلمات الأكثر هو الحكم الوضعي

و ينبغي التنبيه على أمور
اشارة

ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني- بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام فإن جواز البيع و عدمه ظاهران في الحكم الوضعي إلا أن المحكي عن المختلف أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد أن محل الخلاف و الصحة و البطلان. و بالجملة فلا ينبغي الإشكال في أن محل الخلاف في كلمات الأكثر هو الحكم الوضعي

الأول أن ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم

فيصح بيعه قبل قبضه قال في المبسوط أما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه و إن كان في الذمة فكذلك يجوز لأنه لا مانع منه ما لم يكن صرفا فأما إذا كان صرفا فلا يجوز بيعه قبل القبض و في موضعين من التذكرة قوى الجواز إذا كان الثمن كليا في الذمة و هو ظاهر جامع المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره و لو أحال من له طعام من سلم إلخ. و استدل عليه في التذكرة بقول الصادق ع: و قد سئل عن الرجل باع طعاما بدراهم إلى أجل فلما بلغ الأجل تقاضاه فقال ليس عندي دراهم خذ مني طعاما قال لا بأس إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء و يمكن أن يقال إن المطلوب جعل الثمن مبيعا في العقد الثاني لا ثمنا أيضا كما هو ظاهر الرواية مع اختصاصها بالبيع ممن هو عليه فلا يعم إلا بعدم الفصل لو ثبت و

المكاسب، ج 3، ص 317

صرح في أواخر باب السلم بإلحاق الثمن المعين بالمبيع و يؤيده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه فإنه جار في الثمن المعين.

الثاني هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال

فلا يجوز جعله ثمنا و لا عوضا في الصلح و لا أجرة و لا وفاء عما عليه أم يختص بالبيع ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع و أظهر منها في الاختصاص قوله في التذكرة الأقرب عندي أن النهي به متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات و أظهر من الكل قوله في مواضع أخر لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم فقال لزيد خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي لم يجز عند الشافعي لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض و الأولى عندي الجواز و ليس هذا بيعا و إنما هو نوع معاوضة انتهى و أصرح من الكل تصريحه في موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل القبض لأنه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع في أحكامه و قد صرح جامع المقاصد أيضا في غير موضع باختصاص الحكم بالبيع دون غيره و قد تقدم في كلامه أنه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه و لا الاستبدال به لكن العلامة قد عبر بلفظ الاستبدال في كثير من فروع مسألة البيع قبل القبض مع أن ما استدل به للمانعين من قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف جار في مطلق التصرف فضلا عن المعاوضة. و قد صرح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة بأنها معاوضة و المعاوضة على المسلم فيه قبل القبض غير جائز و هو و إن رجع عن الصغرى فيما بعد ذلك لكنه لم يرجع عن الكبرى. و صرح في الإيضاح بابتناء الفرع الآتي أعني إحالة من عليه طعام لغريمه على من له عليه طعام على أن الحوالة معاوضة مستقلة أو استيفاء و أن المعاوضة قبل القبض حرام أو مكروه و إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولى من إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولى من إرادة مطلق المعاوضة من البيع في قولهم إن الحوالة بيع أو ليست بيعا بل هذه أظهر في كلماتهم.

و قد صرح الأكثر بأن تراضي المسلم و المسلم إليه على قيمة المسلم فيه من بيع الطعام قبل القبض فاستدلوا بأخباره على جوازه و يؤيده أيضا قوله في التذكرة لو كان لزيد طعام على عمرو سلما و لخالد مثله على زيد فقال زيد اذهب إلى عمرو و اقبض لنفسك ما لي عليه لم يصح لخالد عند أكثر علمائنا و به قال الشافعي و أحمد: لأن النبي ص نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجزي فيه صاعان صاع البائع و صاع المشتري و سيأتي ابتناء هذا الفرع في كلام جماعة على مسألة البيع قبل القبض. نعم ذكر الشهيد أنه كالبيع قبل القبض و صرح بابتناء الحكم فيما لو قال للمسلم اشتر لي بهذه الدراهم طعاما و اقبضه لنفسك على حكم البيع قبل القبض و كيف كان فالمسألة محل إشكال من حيث اضطراب كلماتهم إلا أن الاقتصار في مخالفة الأصل على المتيقن هو المتعين و منه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح و الإجارة و الخلع كما صرح به في الدروس فضلا عن مثل الإرث و القرض و مال الكتابة و الصداق و غيرها. نعم لو ورث ما اشترى و لم يقبض أو أصدقه أو عوض عن الخلع جرى الخلاف في بيعه.

الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع على ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلي المبيع به

فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص هو البيع كما لو نهي عن بيع أم الولد أو حلف على أن يبيع مملوكه حيث لا فرق بين إيقاع البيع عليه أو دفعه عن الكلي المبيع ظاهر النص و الفتوى و إن كان هو الأول بل هو المتعين في الأخبار المفصلة بين التولية و غيرها إلا أن المعنى الثاني لا يبعد عن سياق مجموع الأخبار و عليه فلو كان عليه سلم لصاحبه فدفع إليه دراهم و قال اشتر لي بها طعاما و اقبضه لنفسك جرى فيه الخلاف في بيع ما لم يقبض كما صرح به في الدروس و لكن في بعض الروايات دلالة على الجواز مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب أو تمر فيبعث عليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال لا بأس إذا ائتمنه لكن في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث إلى بدراهم فقال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال أرى أن يولي ذلك غيرك و تقوم معه حتى يقبض الذي لك و لا تتول أنت شراءه و في موثقة عبد الرحمن يكون معه غيره يوفيه ذلك لكن ظاهر الخبرين كراهة مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة و المطلوب صحة الشراء و عدم جواز الاستيفاء ثم إن هذا كله إذا كان الطعام المشتري شخصيا. و أما إذا وكله في شراء الكلي فلا يجري فيه ذلك لأن تشخيص ما باعه سلما في الطعام الكلي المشتري موقوف على قبضه ثم إقباضه و بدون ذلك لا يمكن الإيفاء إلا بالحوالة أو التوكيل فيدخل المسألة فيما ذكره في الشرائع و غيرها تبعا للمبسوط بل نسب إلى المشهور من أنه لو كان له على غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر فإنه يكره أو يحرم على الخلاف. و قد علل ذلك في الشرائع بأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه و ذكر المسألة في القواعد بعنوان الحوالة قال لو أحال من عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم فالأقوى الكراهة و على التحريم يبطل لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه و بنى في الإيضاح جريان الخلاف في المسألة على أن الحوالة معاوضة على مال المسلم قبل القبض حرام أو مكروه و أنكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون هذه المسألة من محل الخلاف في بيع ما لم يقبض بناء على أن الحوالة ليست معاوضة فضلا عن كونها بيعا بل هي استيفاء. أقول ذلك إما وكالة و إما حوالة و على كل تقدير يمكن تعميم محل الخلاف لمطلق المعاوضة و يكون البيع كناية عنها و لذا نسب فيما عرفت من عبارة التذكرة المنع في هذه المسألة إلى أكثر علمائنا و جماعة من العامة محتجين بالنبوي المانع عن بيع ما لم يقبض. و استند الشيخ رحمه الله أيضا في المنع إلى الإجماع على عدم جواز بيع ما لم يقبض و قد عرفت ما ذكره الشيخ في باب الحوالة و لعله لذا قال الشهيد في الدروس في حكم المسألة إنه كالبيع قبل القبض لكنه رحمه الله تعرض في بعض تحقيقاته لتوجيه إدراج المسألة في البيع بأن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة على أفراد لا نهاية لها فأي فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد و انصب العقد عليه فكأنه لما قال الغريم اكتل من غريمي فلان قد جعل عقد السلم معه و أرادا على ما في ذمة المسلف منه و لما يقبضه بعد و لا ريب أنه مملوك له بالبيع فإذا جعل موردا للسلم الذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان و يلحق بالباب

المكاسب، ج 3، ص 318

و هذا من لطائف الفقه انتهى و اعترضه في المسالك بأن مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة في الذمة لما كان أمرا كليا كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلي و ما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع و إن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة فإنها ليست عينه و من ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع الحق إلى الذمة و المبيع المعين ليس كذلك و حينئذ فانصباب العقد على ما قبض و كونه حينئذ مبيعا غير واضح فالقول بالتحريم به عند القائل به في غيره غير متوجه انتهى أقول ما ذكره من منع تشخيص المبيع في ضمن الفرد الخاص المدفوع و إن كان حقا من حيث عدم انصباب العقد عليه إلا أنه يصدق عليه انتقاله إلى المشتري بعقد البيع فإذا نهى الشارع عن بيع ما لم يقبض نظير نهيه عن بيع أم الولد و عن بيع ما حلف على ترك بيعه فإنه لا فرق بين إيقاع العقد عليه و بين دفعه عن الكلي المبيع لكن يرد على ما ذكره الشهيد عدم تشخيص الكلي بالكلي إلا بالحوالة الراجعة إلى الاستيفاء أو المعاوضة و هذا لا يسوغ إطلاق البيع على الكلي المتشخص به بحيث يصدق أنه انتقل إلى المحال بناقل البيع. نعم هذا التوجيه إنما يستقيم في الفرع المتقدم عن الدروس و هو ما إذا أمره بقبض الطعام الشخصي الذي اشتراه للمشتري فإن مجرد قبضه بإذن البائع مشخص للكلي المبيع في ضمنه فيصدق أنه انتقل بالبيع قبل أن يقبض و يمكن أن يقال إن تشخيص الكلي المبيع في الكلي المشتري يكفي فيه إذن البائع في قبض بعض أفراد الكلي المشتري من دون حاجة إلى حوالة فإذا وقع فرد منه في يد المشتري صدق أنه انتقل بالبيع قبل القبض و كيف كان فالأظهر في وجه إدخال هذه المسألة في محل الخلاف تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال حتى المحقق بالحوالة و إن لم نقل بكونها بيعا و المسألة تحتاج إلى فضل تتبع و الله الموفق. و استدل في الحدائق على الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح و موثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر فقال للرجل انطلق فاستوف كرك قال لا بأس به و فيه أنه لا دلالة لها على محل الكلام لأن الكلام فيما إذا كان المالان سلمين و مورد الرواية إعطاء ما اشترى به قبل قبضه وفاء عن دين لم يعلم أنه سلم أو قرض أو غيرهما و قد استدل به في التذكرة على جواز إيفاء القرض بمال السلم و لذا قال جامع المقاصد في شرح قوله رحمه الله و لو أحال من عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سام إلخ فإن قلت لم اعتبر كون المالين معا سلمين قلت لأن المنع إنما هو من بيع ما لم يقبض و إذا كان أحد المالين سلما دون الآخر لم يتعين لكونه مبيعا لإمكان اعتباره ثمنا إذ لا معين لأحدهما انتهى و يمكن أن يقال إن ظاهر الحوالة بناء على كونها معاوضة كون المحيل مملكا في ذمة غريمه بإزاء ما لغريمه عليه فماله معوض و مال غريمه عوض فإذا كان ماله على غريمه سلما كفى في المنع عن تمليكه بإزاء مال غريمه عليه لأنه من بيع ما لم يقبض و حينئذ فيتم الاستدلال بالرواية. نعم لو كان ما عليه سلما دون ماله أمكن خروجه عن المسألة لأن الظاهر هنا كون المسلم ثمنا و عوضا و إلى هذا ينظر بقوله في القواعد و التحرير تبعا للشرائع و لو كان المالان أو المحال به قرضا صح. و لا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه بأنه لا وجه لتخصيص المحال به بالذكر مع أن العكس كذلك و استحسان تعبير الدروس بلفظ أحدهما ثم قال و ليس له أن يقول إن المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيل كونه مقابلا بالآخر إذ ربما يقال إن شبهه بالثمن أظهر لاقترانه بالباء و كل ذلك ضعيف انتهى. و فيه ما لا يخفى فإن الباء هنا ليس للعوض و ظهور الحوالة في كون إنشاء التمليك من المحيل لا ينكر و احتمال كونه متملكا مال غريمه بمال نفسه كما في المشتري المقدم لقبوله على الإيجاب بعيد و يدل على هذا أيضا قولهم إن الحوالة بيع فإن ظاهره كون المحيل بائعا ثم إن المفروض في المسألة المذكورة ما لو أذن المحيل المحال في اكتياله لنفسه بأن يأتي بلفظ الإحالة كما في عبارة القواعد أو يقول له اكتل

لنفسك كما في عبارتي المبسوط و الشرائع أما لو وكله في القبض عن الآذن ثم القبض لنفسه فيكون قابضا مقبضا مبني على جواز تولي طرفي القبض و الأقرب صحته لعدم المانع.

الرابع ذكر جماعة أنه لو دفع إلى من له عليه طعام دراهم و قال اشتر بها لنفسك طعاما لم يصح

لأن مال الغير يمتنع شراء شي ء به لنفسه و وجهه أن قضية المعاوضة انتقال كل عوض إلى ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر فلو انتقل إلى غيره لم يكن عوضا و يمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطاة على القول بإفادتها للإباحة فإنه يجوز أن يشتري به شيئا لنفسه على ما في المسالك من جواز جميع التصرفات بإجماع القائلين بصحة المعاطاة. و أيضا فقد ذكر جماعة منهم العلامة في المختلف و قطب الدين و الشهيد على ما حكي عنهما أن مال الغير المنتقل عنه بإزاء ما اشتراه عالما بكونه مغصوبا باق على ملكه و يجوز لبائع ذلك المغصوب التصرف فيه بأن يشتري به شيئا لنفسه و يملكه بمجرد الشراء قال في المختلف بعد ما نقل عن الشيخ في النهاية أنه لو غصب مالا و اشترى به جارية كان الفرج له حلالا و بعد ما نقل مذهب الشيخ في ذلك في غير النهاية و مذهب الحلي أن كلام النهاية يحتمل أمرين أحدهما اشتراء الجارية في الذمة كما ذكره في غير النهاية الثاني أن يكون البائع عالما بغصب المال فإن المشتري حينئذ يستبيح وطء الجارية و عليه وزر المال انتهى و قد تقدم في فروع بيع الفضولي و في فروع المعاطاة نقل كلام القطب و الشهيد و غيرهما و يمكن توجيه ما ذكر في المعاطاة بدخول المال آنا ما قبل التصرف في ملك المتصرف كما يلزمهم القول بذلك في وطء الجارية المأخوذة بالمعاطاة و توجيه الثاني بأنه في معنى تمليك ماله مجانا بغير عوض و كيف كان فالمعاوضة لا تعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه و إذا ثبت على غير ذلك فلا بد من توجيهه إما بانتقال أحد العوضين إلى غير مالكه قبل المعاوضة و إما بانتقال العوض الآخر إليه بعدها. و من هنا يمكن أن يحمل قوله فيما نحن فيه اشتر بدراهمي طعاما لنفسك على إرادة كون اللام لمطلق النفع لا للتمليك بمعنى اشتر في ملكي و خذه لنفسك كما ورد في مورد بعض الأخبار السابقة: اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك و يمكن أن يقال إنه إذا اشترى لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا كما لو باع الغير لنفسه فإذا قبضه فأجاز المالك الشراء و القبض تعين له. و حيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله على مالك الطعام فافهم.

مسألة لو كان له طعام على غيره- فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته
اشارة

فهنا مسائل ثلاث

أحدها أن يكون المال سلما

بأن أسلفه طعاما في العراق و طالبه بالمدينة مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة- فلا إشكال

المكاسب، ج 3، ص 319

في عدم وجوب أدائه في ذلك البلد و أولى بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد و لو طالبه في ذلك البلد بقيمته في بلد وجوب التسليم و تراضيا على ذلك قال الشيخ لم يجز- لأنه بيع الطعام قبل قبضه و هو حسن بناء على إرادة بيع ما في ذمته بالقيمة أو إرادة مطلق الاستبدال من البيع المنهي عنه أما لو جعلنا المنهي عنه عن خصوص البيع و لم يحتمل التراضي على خصوص كون القيمة ثمنا بل احتمل كونه مثمنا و السلم ثمنا فلا وجه للتحريم لكن الإنصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا إذا كان من النقدين في الثمنية فيبني الحكم على انصراف التراضي المذكور إلى البيع أو القول بتحريم مطلق الاستبدال و أما إذا لم يرض المسلم إليه ففي جواز إجباره على ذلك قولان المشهور كما قيل العدم- لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة. و عن جماعة منهم العلامة في التذكرة الجواز لأن الطعام الذي يلزم دفعه معدوم فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه و توضيحه أن الطعام قد حل و التقصير من المسلم إليه حيث إنه لو كان في ذلك البلد أمكنه أداء الواجب بتسليم المال إلى المشتري إن حضر و إلا دفعه إلى وليه و لو الحاكم أو عزله و كيف كان فتعذر البراءة مستند إلى غيبته فللغريم مطالبة قيمة بلد الاستحقاق حينئذ و قد يتوهم أنه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام و إن كان أزيد قيمة كما سيجي ء القول بذلك في القرض و لو كان الطعام في بلد المطالبة مساويا في القيمة لبلد الاستحقاق فالظاهر وجوب الطعام عليه لعدم تعذر الحق و المفروض عدم سقوط المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق فيطالبه بنفس الحق.

الثانية أن يكون ما عليه قرضا

و الظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة لأنه إنما يستحقها في بلد القرض فإلزامه بالدفع في غيره إضرار خلافا للمحكي عن المختلف و قواه جامع المقاصد هنا لكنه جزم بالمختار في باب القرض أما مطالبته بقيمة بلد الاستحقاق فالظاهر جوازها وفاقا للفاضلين و حكي عن الشيخ و القاضي. و عن غاية المرام نفي الخلاف لما تقدم من أن الحق هو الطعام على أن يسلم في بلد الاستحقاق و قد تعذر بتعذر قيده لا بامتناع ذي الحق فلا وجه لسقوطه غاية الأمر الرجوع إلى قيمته لأجل الإضرار و لذا لو لم يختلف القيمة فالظاهر جواز مطالبته بالمثل لعدم التضرر لكن مقتضى ملاحظة التضرر إناطة الحكم بعدم الضرر على المقترض أو بمصلحته و لو من غير جهة اختلاف القيمة كما فعله العلامة في القواعد و شارحه جامع المقاصد ثم إنه اعترف في المختلف بتعين قيمة بلد القرض مع تعذر المثل في بلد المطالبة و فيه تأمل فتأمل. و ظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل و لا بالقيمة و كأنه يتفرع على ما عن الشهيد رحمه الله في حواشيه من عدم جواز مطالبة المقترض المثل في غير بلد القرض حتى مع عدم تضرره فيلزم من ذلك عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق أولى و لعله لأن مقتضى اعتبار بلد القرض أن ليس للمقرض إلا مطالبة تسليم ماله في بلد القرض و مجرد تعذره في وقت من جهة توقفه على مضي زمان لا يوجب اشتغاله بالقيمة كما لو أخر التسليم اختيارا في بلد القرض أو احتاج تسليم المثل إلى مضي زمان فتأمل.

الثالثة أن يكون الاستقرار من جهة الغصب

فالمحكي عن الشيخ و القاضي أنه لا يجوز مطالبته بالمثل في غير بلد الغصب و لعله لظاهر قوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ فإن ما في ذمته هو الطعام الموصوف بكونه في ذلك البلد فإن مقدار مالية الطعام يختلف باختلاف الأماكن فإن المالك لمقدار منه في بلد قد يعد غنيا و المالك لأضعافه في غيره يعد فقيرا فالمماثلة في الصفات موجودة لا في المالية لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الأزمان فإن اللازم على هذا عدم جواز مطالبته بالمثل في زمان غلائه و حله أن المماثلة في الجنس و الصفات هي المناط في التماثل العرفي من دون ملاحظة المالية و لو لا قاعدة نفي الضرر و انصراف إطلاق العقد في مسألتي القرض و السلم لتعين ذلك فيهما أيضا و لو تعذر المثل في بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد لأن اللازم عليه حينئذ المثل في هذا البلد لو تمكن فإذا تعذر قامت القيمة مقامه. و في المبسوط و عن القاضي قيمة بلد الغصب و هو حسن بناء على حكمها في المثل و المعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل حينئذ فتعين بدله مع تعذره و يحتمل وقت التعذر لأنه وقت الانتقال إلى القيمة- . و في المسألة أقوال مذكورة في باب الغصب ذكرناها مع مبانيها في البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد فليراجع إلى هنا

المكاسب، ج 4، ص 320

الجزء الرابع في الرسائل الملحقة

1- رسالة في التّقيّة

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين و صلّى اللَّه على محمد و آله الطاهرين. و لعنة اللَّه على أعدائهم أجمعين. التقيّة: اسم ل (اتّقى يتّقي) و التاء بدل عن الواو كما في التهمة و التخمة، و المراد هنا: التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق. و الكلام تارة يقع في حكمها التكليفي، و اخرى في حكمها الوضعيّ. و الكلام في الثاني: تارة من جهة الآثار الوضعيّة المترتّبة على الفعل المخالف للحقّ، و أنّها تترتب على الصادر تقيّة كما تترتب على الصادر اختيارا، أم وقوعها تقيّة يوجب رفع «1» تلك الآثار؟. و اخرى في أنّ الفعل المخالف للحقّ هل يترتّب عليه آثار الحقّ بمجرّد الإذن فيها من قبل الشّارع أم لا؟. ثمّ الكلام في آثار الحقّ الواقعي: قد يقع في خصوص الإعادة و القضاء إذا كان الفعل الصادر تقيّة من العبادات. و قد يقع في الآثار الأخر، كرفع الوضوء- الصادر تقيّة- للحدث بالنسبة إلى جميع الصلوات، و إفادة المعاملة الواقعة تقيّة الآثار المترتبة على المعاملة الصحيحة، فالكلام في مقامات أربعة

[المقام الأول]

أمّا الكلام في حكمها التكليفي فهو أنّ التقيّة تنقسم إلى الأحكام الخمسة: فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا، و أمثلته كثيرة. و المستحب:

ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر، بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلى حصول الضّرر، كترك المداراة مع العامّة و هجرهم في المعاشرة في بلادهم فإنّه ينجرّ غالبا إلى حصول المباينة الموجب لتضرّره منهم. و المباح: ما كان التحرز عن الضرر و فعله «2» مساويا في نظر الشارع، كالتقيّة في إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الأصحاب، و يدلّ عليه الخبر الوارد في رجلين أخذا بالكوفة و امرا بسبّ أمير المؤمنين عليه السلام «3». و المكروه: ما كان تركها و تحمّل الضّرر أولى من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر، و أنّ الأولى تركها ممّن يقتدي به النّاس إعلاء لكلمة الإسلام. و المراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضدّه أفضل «4». و المحرّم منه: ما كان في الدّماء.

و ذكر الشهيد رحمه اللَّه في قواعده: أنّ المستحب إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا، و يتوهم ضررا آجلا، أو ضررا سهلا، أو كان تقيّة في المستحب، كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات اللَّه عليها و ترك بعض فصول الأذان. و المكروه: التقيّة في المستحب حيث لا ضرر عاجلا و لا آجلا، و يخاف منه الالتباس على عوام المذهب. و الحرام:

التقيّة حيث يؤمن الضرر عاجلا و آجلا، أو في قتل المسلم. و المباح: التقيّة في بعض المباحات الّتي يرجّحها العامّة و لا يصل بتركها ضرر «5». (انتهى). و في بعض ما ذكره رحمه اللَّه تأمّل. ثم الواجب منها يبيح كلّ محظور من فعل الحرام و ترك الواجب «6». و الأصل في ذلك: أدلّة نفي الضّرر و الحديث: «رفع عن أمتي تسعة أشياء.. و منها: ما اضطرّوا إليه» «7»، مضافا إلى عمومات التقيّة مثل قوله في الخبر: «إنّ التقيّة واسعة ليس شي ء من التقيّة إلّا و صاحبها مأجور» «8» و غير ذلك من الأخبار المتفرّقة في خصوص الموارد، و جميع هذه الأدلّة حاكمة على أدلّة الواجبات و المحرّمات، فلا يعارض بها شي ء منها حتى يلتمس بالترجيح و يرجع إلى الأصول بعد فقده- كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة. و أمّا المستحب من التقيّة فالظاهر وجوب الاقتصار فيه على مورد النصّ، و قد ورد النصّ بالحثّ على المعاشرة مع العامة «9»

و عيادة مرضاهم «10»، و تشييع جنائزهم «11»، و الصلاة في مساجدهم «12»، و الأذان لهم «13»، فلا يجوز التعدّي عن ذلك إلى ما لم يرد النصّ من الأفعال المخالفة للحق، كذمّ بعض رؤساء الشيعة للتحبّب إليهم، و كذلك المحرّم و المباح و المكروه، فإنّ هذه الأحكام على خلاف عمومات التقيّة، فيحتاج إلى الدليل الخاص.

و أمّا المقام الثاني

[ترتيب الآثار على العمل الصادر تقيّة و عدمه. «14»]

فنقول: إنّ الظّاهر ترتيب آثار العمل الباطل على الواقع تقيّة، و عدم ارتفاع الآثار بسبب التقيّة إذا كان دليل تلك الآثار عاما لصورتي الاختيار و الاضطرار، فإنّ من احتاج لأجل التقيّة إلى التكتّف في الصلاة، أو السّجود على ما لا يصحّ السّجود عليه، أو الأكل في نهار رمضان، أو فعل بعض ما يحرم على المحرم، فلا يوجب ذلك ارتفاع أحكام تلك الأمور بسبب وقوعها تقيّة. نعم، لو قلنا بدلالة حديث رفع التسعة على رفع جميع الآثار تمّ ذلك في الجملة، لكنّ الإنصاف ظهور الرّواية في رفع المؤاخذة، فمن اضطرّ إلى الأكل و الشّرب تقيّة، أو التكتّف في الصّلاة فقد اضطرّ إلى الإفطار، و إبطال الصّلاة، لأنّه مقتضى عموم الأدلّة، فتأمّل.

المقام الثالث
اشارة

في حكم الإعادة و القضاء إذا كان المأتيّ به تقيّة من العبادات. فنقول: إنّ الشّارع إذا أذن في إتيان واجب موسّع على وجه التقيّة، أمّا بالخصوص كما لو أذن في الصّلاة متكتّفا حال التقيّة، و إمّا بالعموم كأن يأذن بامتثاله أوامر الصّلاة، أو مطلق العبادات على وجه التقيّة، كما هو الظّاهر من أمثال قوله عليه السلام:

«التقيّة في كلّ شي ء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين» «15» و نحوه، ثم ارتفعت التقيّة قبل خروج الوقت، فلا ينبغي الإشكال في إجزاء المأتيّ به و إسقاطه للأمر، لما تقرّر في محله: من أنّ الأمر بالكلّي كما يسقط بفرده الاختياري، كذلك يسقط بفرده الاضطراري إذا تحقّق الاضطرار الموجب للأمر به، فكما أنّ الأمر بالصّلاة يسقط بالصّلاة مع الطهارة المائيّة، كذلك يسقط مع الطهارة الترابيّة إذا وقعت على الوجه المأمور به. أمّا لو لم يأذن في امتثال الواجب الموسّع في حال التقيّة خصوصا أو عموما على الوجه المتقدّم، فيقع الكلام في أنّ الوجوب في الواجب الموسّع، هل يتعلّق بإتيان هذا الفرد المخالف للواقع بمجرّد تحقّق التقيّة في جزء من الوقت بل في مجموعه؟. و بعبارة أخرى: الكلام في أنّه هل يحصل من الأوامر المطلقة بضميمة أوامر التقيّة، أمر بامتثال الواجبات على وجه التقيّة، أو لا، بل غاية الأمر سقوط

المكاسب، ج 4، ص 321

الأمر عن المكلّف في حال التقيّة و لو استوعب الوقت؟. و التحقيق: أنّه يجب الرجوع في ذلك إلى أدلّة تلك الأجزاء و الشروط المتعذّرة لأجل التقيّة، فإن اقتضت مدخليّتها في العبادة من دون فرق بين الاختيار و الاضطرار، فاللّازم الحكم بسقوط الأمر عن المكلّف حين تعذّرها لأجل التقيّة، و لو في تمام الوقت، كما لو تعذّرت الصّلاة في تمام الوقت إلّا مع الوضوء بالنبيذ، فإنّ غاية ذلك سقوط الأمر بالصلاة رأسا، لاشتراطها بالطهارة بالماء المطلق المتعذّرة في الفرض، فحاله كحال فاقد الطهورين. و إن اقتضت مدخليّتها في العبادة بشرط التمكّن منها، دخلت المسألة في مسألة أولي الأعذار في أنّه إذا استوعب العذر الوقت لم يسقط الأمر رأسا، و إن كان في جزء من الوقت مع رجاء زواله في الجزء الآخر، أو مع عدمه، جاء فيه الخلاف المعروف في أولي الأعذار، و أنّه هل يجوز لهم البدار، أم يجب عليهم الانتظار؟. فثبت من جميع ما ذكرنا: أنّ صحّة العبادة المأتيّ بها على وجه التقيّة، يتبع إذن الشارع في امتثالها حال التقيّة. فالإذن «1» متصوّر بأحد أمرين: أحدهما:

الدليل الخارجي الدالّ على ذلك، سواء كان خاصا بعبادة أو كان عامّا لجميع العبادات. و الثاني: فرض شمول الأوامر العامّة بتلك العبادة لحال التقيّة. لكن يشترط في كلّ منهما بعض ما لا يشترط في الآخر. فيشترط في الثاني كون الشرط أو الجزء المتعذّر للتقيّة من الأجزاء و الشرائط الاختيارية، و أن لا يكون للمكلّف مندوحة، بأن لا يتمكّن من الإتيان بالعمل الواقعي في مجموع الوقت، أو في الجزء الذي يوقعه مع اليأس من التمكّن منه فيما بعده، أو مطلقا- على التفصيل و الخلاف في أولي الأعذار. و هذان الأمران غير معتبرين في الأول، بل يرجع فيه إلى ملاحظة ذلك الدليل الخارجي، و سيأتي أنّ الدليل الخارجي الدالّ على الإذن في التقيّة في الأعمال، لا يعتبر فيه شي ء منهما. و يشترط في الأوّل أن يكون التقيّة من مذهب المخالفين، لأنّه المتيقّن من الأدلّة الواردة في الإذن في العبادات على وجه التقيّة، لأنّ المتبادر، التقيّة من مذهب المخالفين، فلا يجري في التقيّة عن الكفار أو ظلمة الشيعة. لكن في رواية مسعدة بن صدقة الآتية «2»، ما يظهر منه عموم الحكم لغير المخالفين، مع كفاية عمومات التقيّة في ذلك، بعد ملاحظة عدم اختصاص التقيّة في لسان الأئمة صلوات اللَّه عليهم لما يظهر بالتّبع في أخبار التقيّة التي جمعها في الوسائل «3». و كذا لا إشكال في التقيّة عن غير مذهب المخالفين، مثل التقيّة في العمل على طبق عمل عوام المخالفين الّذين لا يوافق مذهب مجتهدهم.

بل و كذا التقيّة في العمل على طبق الموضوع الخارجي الذي اعتقدوا تحقّقه في الخارج مع عدم تحقّقه في الواقع، كالوقوف بعرفات يوم الثامن، و الإفاضة منها و من المشعر يوم التاسع، موافقا للعامّة- إذا اعتقدوا رؤية هلال ذي الحجة في الليلة الأخيرة من ذي القعدة- ، فإنّ الظاهر خروج هذا عن منصرف أدلّة الإذن في إيقاع الأعمال على وجه التقيّة، لو فرضنا هنا إطلاقا، فإنّ هذا لا دخل له في المذهب، و إنّما هو اعتقاد خطأ في موضوع خارجي. نعم، العمل على طبق الموضوعات العامّة الثابتة على مذهب المخالفين داخل في التقيّة عن المذهب، فيدخل في الإطلاق- لو فرض هناك إطلاق- ، كالصلاة عند اختفاء الشمس لذهابهم إلى أنّه هو المغرب. و يمكن إرجاع الموضوع الخارجي أيضا في بعض الموارد إلى الحكم، مثل ما إذا حكم الحاكم: بثبوت الهلال من جهة خبر شهادة من لا يقبل شهادته، إذا كان مذهب الحاكم: القبول، فإنّ ترك العمل بهذا الحكم قدح في المذهب، فيدخل في أدلة التقيّة. و كيف كان ففي هذا الوجه لا بدّ من ملاحظة إطلاق دليل الترخيص لإتيان العبادة على وجه التقيّة و تقييده، و العمل على ما يقتضيه الدليل. و اما في الوجه الثاني: فهذا الشرط غير معتبر قطعا، لأنّ مبناه على العمل المخالف للواقع من جهة تعذّر الواقع، سواء كان تعذّره للتقيّة من مخالف أو كافر أو موافق، و سواء كان في الموضوع أم في الحكم، كلّ ذلك لأنّ المناط في مسألة أولي الأعذار: العذريّة، من غير فرق بين الأعذار.

[اعتبار عدم المندوحة]

بقي الكلام في اعتبار عدم المندوحة الذي اعتبرناه في الوجه الثاني، فإنّ الأصحاب فيه بين غير معتبر له كالشهيدين و المحقّق الثاني في البيان «4» و الروض «5» و جامع المقاصد «6»، و بين معتبر له كصاحب المدارك «7»،

و بين مفصّل كما عن المحقّق الثاني بأنّه: إذا كان متعلّق التقيّة مأذونا فيه بخصوصه، كغسل الرجلين في الوضوء، و التكتّف في الصلاة، فإنّه إذا فعل على الوجه المأذون فيه كان صحيحا مجزيا- و إن كان للمكلّف مندوحة- ، التفاتا إلى أنّ الشارع أقام ذلك مقام المأمور به حين التقيّة فكان الإتيان به امتثالا، و على هذا فلا يجب الإعادة و إن تمكّن من فعله على غير وجه التقيّة قبل خروج الوقت- قال: و لا أعلم خلافا في ذلك بين الأصحاب. و أمّا إذا كان متعلّقها مما لم «8» يرد فيه نصّ بالخصوص، كفعل الصلاة إلى غير القبلة، و الوضوء بالنبيذ و مع الإخلال بالموالاة، فيجفّ الوضوء كما يراه بعض العامة، فإنّ المكلّف يجب عليه- إذا اقتضت الضّرورة- موافقة «9» أهل الخلاف فيه و إظهار الموافقة لهم. ثمّ إن أمكن له الإعادة في الوقت وجب، و لو خرج الوقت ينظر في دليل يدل على القضاء، فإن حصل الظفر به أوجبناه و إلّا فلا، لأنّ القضاء إنّما يجب بفرض جديد «10» (انتهى) ثمّ نقل عن بعض أصحابنا القول بعدم وجوب الإعادة، لكون المأتيّ به شرعيا، ثمّ ردّه بأنّ الإذن في التقيّة من جهة الإطلاق لا يقتضي أزيد من إظهار الموافقة مع الحاجة «11» (انتهى). أقول: ظاهر قوله في المأذون بالخصوص: «لا يجب فيه الإعادة و ان تمكّن من فعله قبل خروج الوقت» إنّ عدم التمكّن من فعله على غير وجه التقيّة حين العمل معتبر، و إنّ من كان في سوق و أراد الصلاة وجب عليه مع التمكّن الذهاب إلى مكان مأمون فيه، و حينئذ فمعنى قوله- قبل ذلك- «و إن كان للمكلّف مندوحة عن فعله» «12» ثبوت المندوحة بالتأخير إلى زمان ارتفاع التقيّة، لا وجودها بالنسبة إلى زمان العمل، و حينئذ يكون هذا قولا باعتبار عدم المندوحة على الإطلاق، ك «صاحب المدارك» «13»، إذ ليس مراد صاحب المدارك بعدم المندوحة: عدم المندوحة في مجموع الوقت، إذ الظاهر أنّه مما لم يعتبره أحد- لما سيجي ء من مخالفته لظواهر الأخبار، بل لصريح بعضها-

المكاسب، ج 4، ص 322

و مراد القائل بعدم اعتباره: عدم اعتباره في الجزء الذي يقع الفعل فيه، فمن تمكّن من الصّلاة في بيته مغلقا عليه الباب، لا يجب عليه ذلك بل يجوز له الصلاة تقيّة في مكانه و دكّانه بمحضر المخالفين. نعم لو كان الخلاف في اعتبار عدم المندوحة في تمام الوقت و عدمه «1»، كان ما ذكره المحقق تفصيلا في المسألة. و على أيّ تقدير فيرد على ما ذكره المحقّق في القسم الثاني «2» انّه: إن أراد من عدم ورود نصّ بالخصوص في الإذن في متعلّق التقيّة: عدم النّص الموجب للإذن في امتثال العمل على وجه التقيّة، ففيه: أنّه لا دليل حينئذ على مشروعية الدخول في العمل المفروض امتثالا للأوامر المطلقة المتعلّقة بالعمل الواقعي، لأنّ الأمر بالتقيّة لا يستلزم الإذن في امتثال تلك الأوامر، لأنّ التحفظ عن الضرر إن تأدّى إلى ترك «3» ذلك العمل رأسا، بأن يترك الصلاة في تلك الحال وجب، و لا يشرع الدخول في العمل المخالف للواقع بعد تأدّي التقيّة بترك الصلاة رأسا. و إن فرضنا أنّ التقيّة ألجأته إلى الصلاة، و لا تتأدّى بترك الصلاة، كانت الصلاة المذكورة واجبة عينا، لانحصار التقيّة فيها، فهي امتثال لوجوب التقيّة عينا لا للوجوب «4» الموسّع المتعلّق بالصلاة الواقعيّة.

و إن أراد به عدم النص الدّالّ على الإذن في هذه العبادة بالخصوص، و إن كان هناك نصّ عام دالّ على الاذن في امتثال أوامر مطلق العبادات على وجه التقيّة، ففيه: أنّ هذا النّص كما يكفي للدخول في العبادة امتثالا للأمر المتعلّق بها، كذلك يوجب موافقته الإجزاء و عدم وجوب الإعادة في الزمان الثاني إذا ارتفعت التقيّة. و الحاصل: أنّ الفرق بين كون متعلق التقيّة مأذونا فيه بالخصوص أو بالعموم، لا نفهم له وجها «5»، كما اعترف به بعض «6»

بل كلّما يوجب الإذن في الدخول في العبادة امتثالا لأوامرها، كان امتثاله موجبا للإجزاء و سقوط «7» الإعادة، سواء كان نصّا خاصّا أو دليلا عاما. و كلّما لا يدلّ على الإذن في الدخول على الوجه المذكور، لم يشرع بمجرّده الدخول في العبادة على وجه التقيّة امتثالا لأمرها، بل إن انحصرت التقيّة في الإتيان بها كانت امتثالا لأوامر وجوب التقيّة، لا لأوامر وجوب تلك العبادة. اللَّهم إلّا أن يكون مراده من الأمر العام، أوامر التقيّة، و من وجوب العمل على وجه التقيّة إذا اقتضت الضرورة، هو هذا الوجوب العيني لا الوجوب التخييري الحاصل من الوجوب الموسّع. فيكون حاصل كلامه:

الفرق بين الإذن في العمل امتثالا لأوامر المتعلقة بالعبادة، و بين الإذن في العمل امتثالا لأوامر التقيّة، لكن ينبغي- حينئذ- تقييده بغير ما إذا كانت التقيّة في الأجزاء و الشروط الاختيارية، و إلّا فتدخل المسألة في مسألة أولي الأعذار، و يصحّ الإتيان بالعمل المذكور امتثالا للأوامر المتعلّقة بذلك العمل مع تعذّر تلك الأجزاء و الشرائط لأجل التقيّة، على الخلاف و التفصيل المذكور في مسألة أولي الأعذار. و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ ما أجاب به بعض عن هذا التفصيل بأنّ المسألة، مسألة ذوي الأعذار، و أنّ الحقّ فيها: سقوط الإعادة بعد التمكن من الشرط المتعذّر، لا وجه له على إطلاقه.

ثمّ إنّ الذي يقوى في النّظر في أصل مسألة اعتبار عدم المندوحة: أنّه إن أريد عدم المندوحة بمعنى عدم التمكن حين العمل من الإتيان به موافقا للواقع، مثل أنّه يمكنه عند إرادة التكفير للتقيّة من الفصل بين يديه، بأن لا يضع بطن إحداهما على ظهر الأخرى بل يقارب بينهما، كما «8» إذا تمكّن من صبّه الماء من الكفّ إلى المرفق لكنّه ينوي الغسل عند رجوعه من المرفق إلى الكفّ، وجب ذلك، و لم يجز العمل على وجه التقيّة، بل التقيّة على هذا الوجه غير جائزة في غير العبادات أيضا، و كأنّه ممّا لا خلاف فيه. و إن أريد به عدم التمكّن من العمل على طبق الواقع في مجموع الوقت المضروب لذلك العمل، حتى لا يصح العمل تقيّة إلّا لمن لم يتمكّن في مجموع الوقت من الذهاب إلى موضع مأمون، فالظاهر عدم اعتباره، لأنّ حمل أخبار الإذن في التقيّة في الوضوء و الصلاة على صورة عدم التمكّن من إتيان الحقّ في مجموع الوقت ممّا يأباه ظاهر أكثرها، بل صريح بعضها، و لا يبعد- أيضا- كونه وفاقيا. و إن أريد عدم المندوحة حين العمل من تبديل موضوع التقيّة بموضوع الأمن، كأن يكون في سوقهم و مساجدهم، و لا يمكن في ذلك الحين من العمل على طبق الواقع إلّا بالخروج الى مكان خال، أو التحيّل في إزعاج من يتّقى منه عن مكانه، لئلّا يراه، فالأظهر في أخبار التقيّة عدم اعتباره، إذ الظّاهر منها الإذن بالعمل على التقيّة في أفعالهم المتعارفة من دون إلزامهم بترك ما يريدون فعله بحسب مقاصدهم العرفية، أو فعل ما يجب تركه كذلك، مع لزوم الحرج العظيم في ترك مقاصدهم و مشاغلهم لأجل فعل الحقّ بقدر الإمكان، مع أنّ التقيّة إنّما شرّعت تسهيلا للأمر على الشيعة و رفعا للحرج عنهم، مع أنّ التخفّي عن المخالفين في الأعمال ربما يؤدّي إلى اطّلاعهم على ذلك، فيصير سببا لتفقّدهم و مراقبتهم للشيعة وقت العمل فيوجب نقض غرض التقيّة. نعم في بعض الأخبار ما يدلّ على اعتبار عدم المندوحة في ذلك الجزء من الوقت، و عدم التمكّن من دفع موضوع التقيّة، مثل: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصّلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين و هو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرّم المسح على الخفّين و هو يمسح، فكتب عليه السلام: إن جامعك و إيّاهم موضع لا تجد بدّا من الصلاة معهم، فأذّن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» «9». فإنّ ظاهرها اعتبار تعذّر ترك الصلاة معهم. و نحوها ما عن الفقه الرضوي من المرسل، عن العالم عليه السلام قال: «و لا تصلّ خلف أحد إلّا خلف رجلين:

أحدهما من تثق به و بدينه «10» و ورعه، و آخر من تتقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شيعته «11»، فصلّ خلفه على سبيل التقيّة و المداراة، و أذّن لنفسك و أقم و اقرأ فيها، فإنّه «12» غير مؤتمن به.. إلخ» «13». و في رواية معمّر بن يحيى- الواردة في تخليص الأموال عن أيدي العشّار- : «إنّه كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه

المكاسب، ج 4، ص 323

التقية» «1». و عن دعائم الإسلام، عن أبي جعفر الثاني صلوات اللَّه عليه: «لا تصلّوا خلف ناصب و لا كرامة «2»، إلّا أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا و يشار إليكم، فصلّوا في بيوتكم ثم صلّوا معهم، و اجعلوا صلاتكم معهم تطوّعا» «3». و يؤيّده العمومات الدّالة على أنّ التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم «4»، فإنّ ظاهرها حصر التقيّة في حال الاضطرار، و لا يصدق الاضطرار مع التمكّن من تبديل موضوع التقيّة بالذهاب إلى موضع الأمن، مع التمكّن و عدم الحرج.

نعم، لو لزم من التزام ذلك حرج أو ضيق من تفقّد المخالفين، و ظهور حاله في مخالفتهم سرّا، فهذا- أيضا- داخل في الاضطرار. و بالجملة: فمراعاة عدم المندوحة في الجزء من الزمان الذي يوقع فيه الفعل أقوى مع أنّه أحوط. نعم، تأخير الفعل عن أوّل وقته لتحقيق الأمن و ارتفاع الخوف مما لا دليل عليه، بل الأخبار بين ظاهر و صريح في خلافه كما تقدّم.

بقي هنا أمور:
الأوّل

إنّك قد عرفت أنّ صحّة العبادة و إسقاطها للفعل ثانيا تابع لمشروعيّة الدخول فيها و الإذن فيها من الشارع. و عرفت- أيضا- أنّ نفس أوامر التقيّة- الدالة على كونها واجبة من جهة حفظ ما يجب حفظه- لا يوجب الإذن في الدخول في العبادة على وجه التقيّة «5» من باب امتثال الأوامر المتعلّقة بتلك العبادة، إلّا فيما كان متعلق التقيّة من الأجزاء و الشروط الاختيارية، كنجاسة الثوب و البدن و نحوها. أمّا ما اقتضى الدليل- و لو بإطلاقه- مدخليته في العبادة من دون اختصاص بحال الاختيار، فمجرد الأمر بالتقيّة لا يوجب الإذن في امتثال العبادة في ضمن الفعل الفاقد لذلك الجزء أو الشرط تقيّة كما هو واضح. ثم إنّ الإذن المذكور قد ورد في بعض العبادات، كالوضوء مع المسح على الخفّين، أو غسل الرجلين، و الصلاة مع المخالف حيث يترك فيها بعض ماله مدخلية فيها، و يوجد بعض الموانع مثل التكفير و نحوه. و الغرض هنا بيان أنّه هل يوجد في عمومات الأمر بالتقيّة ما يوجب الإذن في امتثال العبادات عموما على وجه التقيّة، بحيث لا يحتاج في الدخول في كلّ عبادة على وجه التقيّة- امتثالا للأمر المتعلّق بتلك العبادة- إلى النّص الخاصّ، لتفيد قاعدة كلّية في كون التقيّة عذرا رافعا لاعتبار ما هو معتبر في العبادات و إن لم يختص اعتباره بحال الاختيار، مثل الدخول في الصلاة مع الوضوء بالنبيذ، أو مع التيمم في السفر بمجرد عزّة الماء و لو كان موجودا، أم لا؟. الذي يمكن الاستدلال به على ذلك أخبار: منها: قوله عليه السلام: «التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللَّه» «6». بناء على أنّ المراد ترخيص اللَّه سبحانه في كل فعل أو ترك يضطر إليه الإنسان في عمله. فنقول- مثلا- :

إنّ الإنسان يضطرّ إلى استعمال النبيذ و المسح على الخفّين أو غسل الرجلين في وضوئه و إلى استعمال التراب للتيمم في صلاته و إلى التكفير «7» و ترك البسملة و غير ذلك من الأفعال و التروك الممنوعة شرعا في صلاته، فكلّ ذلك مرخّص فيه في العمل، بمعنى ارتفاع المنع الثابت فيها لو لا التقيّة، و إن كان منعا غيريا من جهة التوصل بتركها إلى صحّة العمل، و أداء فعله إلى فساد العمل. و الحاصل: أنّ المراد بالإحلال رفع المنع الثابت في كلّ ممنوع بحسب حاله من التحريم النفسي، كشرب الخمر، و التحريم الغيري، كالتكفير في الصلاة و المسح على حائل أو استعمال ماء نجس أو مضاف في الوضوء. فإن قلت: الاضطرار إلى هذه الأمور الممنوعة تابع للاضطرار إلى الصلاة الّتي تقع هذه فيها، و حينئذ فإن فرض عدم اضطرار المكلّف إلى الصلاة مع أحد هذه الأمور الممنوعة فهي غير مضطرّ إليها، فلا يرخّصها التقيّة. و إن فرض اضطراره إلى الصلاة معها فهي مرخّص فيها، لكن مرجع الترخيص فيها- بملاحظة ما دلّ على كونها مبطلة- إلى الترخيص في صلاة باطلة، و لا بأس به إذا اقتضاه الضّرورة، فإنّ الصلاة الباطلة ليست أولى من شرب الخمر الذي سوّغه التقيّة. قلت: لا نسلّم توقّف الاضطرار إلى هذه الأمور على الاضطرار إلى الصلاة التي يقع فيها، بل الظاهر أنّه يكفي في صدق الاضطرار اليه كونه لا بدّ من فعله مع وصف إرادة الصلاة في ذلك الوقت لا مطلقا، نظير ذلك أنّهم يعدّون من اولي الأعذار من لا يتمكن من شرط الصلاة في أوّل الوقت، مع العلم أو الظن بتمكّنه منه فيما بعده، فإن تحقّق الاضطرار ثبت الجواز الذي هو رفع المنع الثابت فيه حال عدم التقيّة، و هو المنع الغيري. و منها ما رواه في أصول الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «التقيّة في كلّ شي ء إلّا في شرب المسكر و المسح على الخفّين» «8». دلّت الرواية على ثبوت التقيّة و مشروعيّتها في كلّ شي ء ممنوع لو لا التقيّة، إلّا في الفعلين المذكورين، فاستثناء المسح على الخفين مع كون المنع فيه عند عدم التقيّة منعا غيريا، دليل على عموم الشي ء لكلّ ما يشبهه من الممنوعات لأجل التوصل بتركها إلى صحّة العمل، فدلّ على رفع التقيّة لمثل هذا المنع الغيري، و تأثيرها في ارتفاع أثر ذلك الممنوع منه، فيدلّ على أنّ التقيّة ثابتة في التكفير في الصلاة مثلا، بمعنى عدم كونه ممنوعا عليه فيها عند التقيّة، و كذا في غسل الرجلين، و استعمال النبيذ في الوضوء و نحوهما. و في معنى هذه الروايات روايات أخر واردة في هذا الباب، مثل قوله عليه السلام: «ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحدا: المسح على الخفّين، و شرب النبيذ، و متعة الحج» «9». فإنّ معناه ثبوت التقيّة فيما عدا الثلاث من الأمور الممنوعة في الشريعة، و رفعها للمنع الثابت فيها بحالها من المنع النفسي و الغيري كما تقدم.

ثم إنّ مخالفة ظاهر المستثنى في هذه الروايات لما أجمع عليه من ثبوت التقيّة في المسح على الخفّين و شرب النبيذ، لا يقدح فيما نحن بصدده، لأنّ ما ذكرناه في تقريب دلالتها على المطلوب لا يتفاوت الحال فيه بين إبقاء الاستثناء على ظاهره أو حمله على بعض المحامل، مثل اختصاص الاستثناء بنفس الإمام عليه السلام كما يظهر من الرواية المذكورة، و تفسير الراوي في بعضها الآخر و التنبيه «10» على عدم تحقق التقيّة فيها لوجود المندوحة، أو لموافقة بعض الصحابة أو التابعين على المنع من هذه الأمور، إلى غير ذلك من المحامل الغير القادحة في استدلالنا المتقدّم «11». و منها موثّقة سماعة: «عن الرجل يصلي فدخل الإمام «12» و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عادلا «13» فليصلّ اخرى و ينصرف، و يجعلها تطوّعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. و ان لم يكن إمام عدل

المكاسب، ج 4، ص 324

فليبن على صلاته كما هو و يصلّي ركعة أخرى، و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، ثم يتمّ صلاته معه على ما استطاع، فإنّ التقيّة واسعة و ليس شي ء من التقيّة إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه» «1». فإنّ الأمر بإتمام الصلاة على ما استطاع مع عدم الاضطرار إلى فعل الفريضة في ذلك الوقت، معللا بأنّ التقيّة واسعة، يدلّ على جواز أداء الصلاة في سعة الوقت على جميع وجوه التقيّة، بل على جواز كلّ عمل على وجه التقيّة و إن لم يضطرّ إلى ذلك العمل لتمكّنه من تأخّره إلى وقت الأمن. و منها: قوله عليه السلام- في موثّقة مسعدة بن صدقة- : «و تفسير ما يتّقى فيه: أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم على خلاف حكم الحق و فعله، فكلّ شي ء يعمله المؤمن منهم لمكان التقيّة مما لا يؤدّي إلى فساد الدين فهو جائز» «2». بناء على أنّ المراد بالجواز في كلّ شي ء بالقياس إلى المنع المتحقّق فيه لو لا التقيّة، فيصدق على التكفير في الصلاة الذي يفعله المصلي في محل التقيّة أنّه جائز و غير ممنوع عنه بالمنع الثابت فيه لو لا التقيّة. و دعوى: أنّ الداعي على التكفير ليس التقيّة، لإمكان التحرّز عن الخوف بترك الصلاة في هذا الجزء من الوقت، فلا يكون عمل التكفير لمكان التقيّة. مدفوعة: بنظير ما عرفت في الرواية الاولى «3» من أنه يصدق على المصلّي أنه يكفّر لمكان التقيّة و إن قدر على ترك الصلاة. و منها: قوله عليه السلام في رواية أبي الصباح: «ما صنعتم من شي ء أو حلفتم الرواية السادسة عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة» «4». فيدلّ على أنّ المتقي في سعة من الجزء و الشرط المتروكين تقيّة، و لا يترتّب عليه من جهتهما تكليف بالإعادة و القضاء، نظير قوله عليه السلام: «الناس في سعة ما لم يعلموا» «5» بناء على شموله لما لم يعلم جزئيته أو شرطيته كما هو الحقّ.

الثاني

إنّه لا ريب في تحقّق التقيّة مع الخوف الشخصي، بأن يخاف على نفسه أو غيره من ترك التقيّة في خصوص ذلك العمل، و لا يبعد ان يكتفي بالخوف من بنائه على ترك التقيّة في سائر أعماله، أو بناء سائر الشيعة على تركها في العمل الخاص أو مطلق العمل النوعي في بلاد المخالفين، و إن لم يحصل للشخص بالخصوص خوف. و هو الذي يفهم من إطلاق أوامر التقيّة و ما ورد من الاهتمام فيها. و يؤيّده- بل يدلّ عليه- : إطلاق قوله عليه السلام: «ليس منّا «6» من لم يجعل التقيّة «7» شعاره و دثاره «8» مع من يأمنه لتكون سجيّته «9» مع من يحذره» «10». نعم، في حديث أبي الحسن الرضا صلوات اللَّه عليه معاتبا لبعض أصحابه الّذين حجبهم: «انكم تتّقون «11» حيث لا تجب «12» التقيّة، و تتركون التقيّة «13»

حيث لا بدّ من التقيّة» «14». و ليحمل على بعض ما لا ينافي القواعد.

الثالث

إنّه لو خالف التقيّة في محلّ وجوبها، فقد أطلق بعض بطلان العمل المتروك فيه. و التحقيق: أنّ نفس ترك التقيّة في جزء العمل أو في شرطه أو في مانعة لا يوجب بنفسه إلّا استحقاق العقاب على تركها، فإن لزم من ذلك ما يوجب بمقتضى القواعد- بطلان الفعل بطل، و إلّا فلا. فمن مواقع البطلان: السجود على التربة الحسينية مع اقتضاء التقيّة تركه، فإنّ السجود يقع منهيا عنه فيفسد، فيفسد الصلاة. و من مواضع عدم البطلان: ترك التكفير في الصلاة، فإنّه- و إن حرم- لا يوجب البطلان، لأنّ وجوبه من جهة التقيّة لا يوجب كونه معتبرا في الصلاة لتبطل بتركه. و توهّم: أنّ الشارع أمر بالعمل على وجه التقيّة، مدفوع: بأنّ تعلّق الأمر بذلك العمل المقيّد ليس من حيث كونه مقيّدا بتلك الوجه، بل من حيث نفس الفعل الخارجي الّذي هو قيد اعتباري للعمل لا قيد شرعي. و توضيحه: أنّ المأمور به ليس هو الوضوء المشتمل على غسل الرجلين، بل نفس غسل الرجلين الواقع في الوضوء، و تقييد الوضوء باشتماله على غسل الرجلين ممّا لم يعتبره الشارع في مقام الأمر، فهو نظير تحريم الصلاة المشتملة على محرّم خارجي لا دخل له في الصلاة. فإن قلت: إذا كان إيجاب الشي ء للتقيّة لا يجعله معتبرا في العبادة حال التقيّة، لزم الحكم بصحّة وضوء من ترك المسح على الخفّين، لأنّ المفروض أنّ الأمر بمسح الخفّين للتقيّة لا يجعله جزءا، فتركه لا يقدح في صحّة الوضوء، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في بطلان الوضوء.

قلت: ليس الحكم بالبطلان من جهة ترك ما وجب بالتقيّة، بل لأنّ المسح على الخفّين متضمّن لأصل المسح الواجب في الوضوء، مع إلغاء قيد مماسّية الماسح للممسوح- كما في المسح على الجبيرة الكائنة في موضع الغسل أو المسح، و كما في المسح على الخفّين لأجل البرد المانع من نزعها- ، فالتقيّة إنّما أوجبت إلغاء قيد المباشرة. و أمّا صورة المسح و لو مع الحائل فواجبة واقعا لا من حيث التقيّة، فالإخلال بها يوجب بطلان الوضوء بنقص جزء منه. و ممّا يدلّ على انحلال المسح إلى ما ذكرنا من الصورة و قيد المباشرة قول الإمام لعبد الأعلى مولى آل سام- [لمّا] «15» سأله عن كيفية مسح من جعل على إصبعه مرارة- :

«إنّ هذا و شبهه يعرف من كتاب اللَّه، و هو قوله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. ثم قال: امسح عليه» «16». فإنّ معرفة وجوب المسح على المرارة الحائلة بين الماسح و الممسوح من آية نفي الحرج، لا يستقيم إلّا بأن يقال: إن المسح الواجب في الوضوء ينحلّ إلى صورة المسح و مباشرة الماسح للمم سوح، و لمّا سقط قيد المباشرة لنفي الحرج، تعيّن المسح من دون مباشرة، و هو المسح على الحائل، و كذلك فيما نحن فيه سقط قيد المباشرة و لا يسقط صورة المسح عن الوجوب. و كذلك الكلام في غسل الرجلين للتقيّة، فإنّ التقيّة إنّما أوجبت سقوط الخصوصية المائزة بين الغسل و المسح، و أمّا إيصال الرطوبة إلى الممسوح فهو واجب لا من حيث التقيّة، فإذا أخلّ به المكلّف فقد ترك جزءا من الوضوء، فبطلان الوضوء من حيث ترك ما وجب لا لأجل التقيّة، لا ترك ما وجب للتقيّة. و ممّا يؤيّد ما ذكرنا ما ذكره غير واحد من الأصحاب: من أنّه لو دار الأمر بين المسح على الخفين و غسل الرجلين، قدّم الثاني «17»،

لأنّ فيه إيصال الماء، بخلاف الأول، فلو كان نفس الفعل المشتمل على القيد و المقيّد إنما وجب تقيّة، لم يعقل ترجيح شرعي بين فعلين ثبت وجوبهما بأمر واحد و هو الأمر بالتقيّة، لأنّ نسبة هذا الأمر إلى الفردين نسبة واحدة، إلّا أن يكون ما ذكروه فرقا اعتباريا منشأه ملاحظة

المكاسب، ج 4، ص 325

الأسباب العقلية. لكن يبقى على ما ذكرنا في غسل الرجلين: أنّه لو لم يتمكّن المكلف من المسح تعيّن عليه الغسل الخفيف. و لا يحضرني من أفتى به، لكن لا بأس باعتباره كما في عكسه المجمع عليه، و هو تعيّن المسح عند تعذّر الغسل. و يمكن استنباطه من رواية عبد الأعلى المتقدمة «1». و لو قلنا بعدم الحكم المذكور فلا بأس بالتزام عدم بطلان الوضوء فيما إذا ترك غسل الرجلين الواجب للتقيّة، لما عرفت من أنّ أوامر التقيّة لم يجعله جزءا، بل الظاهر أنّه لو نوى به الجزئيّة بطل الوضوء، لأنّ التقيّة لم يوجب نيّة الجزئيّة و إنّما أوجب العمل الخارجي بصورة الجزء «2».

المقام الرابع

في ترتّب آثار الصحّة على العمل الصادر تقيّة- لا من حيث الإعادة و القضاء- سواء كان العمل من العبادات، كالوضوء من جهة رفع الحدث، أم من المعاملات، كالعقود و الإيقاعات الواقعة على وجه التقيّة. فنقول: إنّ مقتضى القاعدة: عدم ترتيب الآثار، لما عرفت غير مرة من أنّ أوامر التقيّة لا تدلّ على أزيد من وجوب التحرّز عن الضرر، و أمّا الآثار المترتبّة على العمل الواقعي فلا. نعم، لو دلّ دليل في العبادات على الإذن في امتثالها على وجه التقيّة، فقد عرفت أنّه يستلزم سقوط الإتيان به ثانيا بذلك العمل. و أمّا الآثار الأخر، كرفع الحدث في الوضوء، بحيث لا يحتاج المتوضّئ تقيّة إلى وضوء آخر بعد رفع التقيّة بالنسبة إلى ذلك العمل الذي توضّأ له، فإن كان ترتّبه متفرّعا على ترتّب الامتثال بذلك العمل، حكم بترتّبه، و هو واضح.

أمّا لو لم يتفرّع عليه احتاج إلى دليل آخر. و يتفرّع على ذلك ما يمكن أن يدّعى: أنّ رفع الوضوء للحدث السابق عليه من آثار امتثال الأمر به بناء على أنّ الأمر بالوضوء ليس إلّا لرفع الحدث، و أمّا في صورة دائم الحدث فكونه مبيحا لا رافعا، من جهة دوام الحدث لا من جهة قصور الوضوء عن التأثير. و ربما يتوهّم: أنّ ما تقدّم من الاخبار- الواردة في أنّ كل ما يعمل للتقيّة فهو جائز، و أنّ كلّ شي ء يضطرّ إليه للتقيّة فهو جائز- يدلّ على ترتيب الآثار مطلقا، بناء على أنّ معنى الجواز و المنع في كلّ شي ء بحسبه، فكما أنّ الجواز و المنع في الأفعال المستقلّة في الحكم، كشرب النبيذ و نحوه يراد به الإثم و العدم، و في الأمور الداخلة في العبادات فعلا أو تركا يراد به الإذن و المنع من جهة تحقّق الامتثال بتلك العبادات، فكذلك الكلام في المعاملات، بمعنى عدم البأس و ثبوته من جهة ترتّب الآثار المقصودة من تلك المعاملة- كما في قول الشارع بجواز المعاملة الفلانيّة «3»، و هذا توهّم مدفوع بما لا يخفى على المتأمل. ثمّ لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة مما اشتمل على بعض الفوائد: منها: ما عن الاحتجاج بسنده عن أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه في بعض احتجاجه على بعض، و فيه: «و آمرك أن تستعمل التقيّة في دينك فإنّ اللَّه عز و جل يقول لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً «4»

و قد أذنت لك في تفضيل أعدائنا إن ألجأك الخوف إليه، و في إظهار البراءة منّا إن حملك الوجل عليه، و في ترك المكتوبات «5» إن خشيت على حشاشتك الآفات و العاهات، و تفضيلك أعداءنا «6» عند خوفك، لا ينفعهم و لا يضرّنا، و انّ إظهار «7» براءتك عند تقيّتك لا يقدح فينا «8»، و لئن تبرأت «9» منّا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك، لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها، و مالها الّذي به قيامها، و جاهها الذي به تمكّنها «10»، و تصون بذلك من عرف من أوليائنا «11» و إخواننا، فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك، و تنقطع به عن عمل في الدين، و صلاح إخوانك المؤمنين، و إيّاك ثم إيّاك أن تترك التقيّة الّتي أمرتك بها، فإنّك شاحط «12» بدمك و دماء إخوانك، معرّض لنفسك و لنفسهم للزوال «13»، مذلّ لهم «14» في أيدي أعداء الدين «15» و قد أمرك اللَّه بإعزازهم، فإنّك إن خالفت وصيّتي كان ضررك على إخوانك «16» و نفسك أشدّ من ضرر الناصب «17» لنا الكافر بنا» «18». و فيها دلالة على أرجحيّة اختيار البراءة على العمل، بل تأكّد وجوبه. لكن في أخبار كثيرة بل عن المفيد في الإرشاد: أنه قد استفاض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «ستعرضون من بعدي على سبّي، فسبّوني، و من عرض عليه البراءة فليمدد عنقه، فإن برئ منّي فلا دنيا له و لا آخرة» «19». و ظاهرها حرمة التقيّة فيها كالدماء. و يمكن حملها على أنّ المراد الاستمالة و الترغيب إلى الرجوع حقيقة عن التشيّع إلى النصب. مضافا إلى أنّ المروي في بعض الروايات أنّ النهي من التبرّي مكذوب على أمير المؤمنين عليه السلام و أنّه لم ينه عنه، ففي موثقّة مسعدة بن صدقة: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام الناس يروون أنّ عليا عليه السلام قال:- على منبر الكوفة- : أيّها الناس إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرءوا منّي. فقال عليه السلام: ما أكثر ما يكذّب الناس على عليّ، ثمّ قال: إنّما قال: ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي و إنّي لعلى دين محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلم، و لم يقل: لا تبرءوا منّي. فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال: و اللَّه ما ذاك عليه، و لا له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئنّ بالإيمان، فأنزل اللَّه تعالى «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» «20» فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم عندها:

يا عمّار إن عادوا فعد» «21». و في رواية محمد بن مروان: «قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام: ما منع ميثم رحمه اللَّه عن التقيّة، فو اللَّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمار و أصحابه:

«إلّا من اكره و قلبه مطمئن.. الآية» «22». و في رواية عبد اللَّه بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام- في رجلين من أهل الكوفة أخذا و امرا بالبراءة عن أمير المؤمنين عليه السلام فتبرّأ واحد منهما و أبى الآخر، فخلّي سبيل الّذي تبرّأ و قتل الآخر- : «فقال عليه السلام: أمّا الّذي بري ء فرجل فقيه في دينه، و أمّا الذي لم يتبرّأ، فرجل تعجّل إلى الجنة» «23». و عن كتاب الكشّي بسنده إلى يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثم الهرواني «24» يقول: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعيّ بني أميّة- عبيد اللَّه بن زياد- إلى البراءة منّي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أنا و اللَّه لا أبرأ منك. قال: إذا و اللَّه يقتلك و يصلبك! قال: قلت: أصبر، فإنّ ذلك في اللَّه قليل. قال عليه السلام: يا ميثم فإذن تكون معي في روضتي» «25». و به ثقتي.

المكاسب، ج 4، ص 326

2- رسالة في العدالة

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

العدالة لغة:

«الاستواء» كما يظهر من محكيّ المبسوط «1» و السرائر «2» أو: «الاستقامة» كما عن جامع المقاصد «3» و مجمع الفائدة «4» أو هما معا كما عن الروض «5» و المدارك «6» و كشف اللثام «7».

[الأقوال في العدالة]
اشارة

و قد اختلف الأصحاب في بيان ما هو المراد من لفظها الوارد في كلام المتشرّعة، بل الشارع على أقوال:

أحدها:

- و هو المشهور بين العلّامة و من تأخّر عنه- أنّها كيفيّة نفسانيّة باعثة على ملازمة التقوى، أو: عليها مع المروّة، و إن اختلفوا في التعبير عنها بلفظ «الكيفيّة» أو «الحالة» أو «الهيئة» أو «الملكة»، و نسب الأخير في محكيّ النجيبيّة إلى العلماء «8»، و في محكيّ كنز العرفان «9» إلى الفقهاء، و في مجمع الفائدة إلى الموافق و المخالف «10»، و في المدارك: «الهيئة الراسخة» إلى المتأخّرين «11»، و في كلام بعض نسب «الحالة النفسانيّة» إلى المشهور «12». و كيف كان، فهي عندهم كيفيّة من الكيفيات باعثة على ملازمة التقوى كما في الإرشاد «13»، أو عليها و على ملازمة المروّة كما في كلام الأكثر. بل نسبه بعض إلى المشهور «14»، و آخر إلى الفقهاء، «15» و ثالث إلى الموافق و المخالف «16».

الثاني:

أنّها عبارة عن مجرّد ترك المعاصي أو خصوص الكبائر و هو الظاهر من محكيّ السرائر حيث قال: حدّ العدل هو الّذي لا يخلّ بواجب و لا يرتكب قبيحا «17». و عن محكيّ الوسيلة «18» حيث ذكر في موضوع منه: أنّ العدالة في الدين الاجتناب عن الكبائر و عن الإصرار على الصغائر. و من محكي أبي الصلاح «19» حيث حكي عنه أنّه قال: إنّ العدالة شرطفي قبول الشهادة، و تثبت حكمها بالبلوغ و كمال العقل و الإيمان و اجتناب القبائح أجمع. و عن المحدّث المجلسي «20» و المحقّق السبزواري «21»: أنّ الأشهر في معناها أن لا يكون مرتكبا للكبائر و لا مصرّا على الصغائر و ظاهر هذا القول أنّها عبارة عن الاستقامة الفعليّة في أفعاله و تروكه من دون اعتبار لكون ذلك عن ملكة.

الثالث:

أنّها عبارة عن الاستقامة الفعليّة لكن عن ملكة فلا يصدق العدل على من لم يتّفق له فعل كبيرة مع عدم الملكة، و هذا المعنى أخصّ من الأوّلين، لأنّ ملكة الاجتناب لا يستلزم الاجتناب. و كذا ترك الكبيرة لا يستلزم الملكة. و هذا المعنى هو الظاهر من كلام والد الصدوق حيث ذكر في رسالته إلى ولده أنّه «22»: لا تصلّ إلّا خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه و ورعه و الآخر من تتّقي سيفه و سوطه «23». و هو ظاهر ولده «24» و ظاهر المفيد في المقنعة، حيث قال: إنّ العدل من كان معروفا بالدين و الورع و الكفّ عن محارم اللَّه، (انتهى) «25».

فإنّ الورع و الكفّ لا يكونان إلّا عن كيفيّة نفسانيّة، لظهور الفرق بينه و بين مجرّد الترك، فتأمّل. و هو الظاهر من محكيّ النهاية «26»، حيث أنّه ذكر بمضمون «27» صحيحة ابن أبي يعفور، و كذلك الوسيلة، حيث قال: العدالة تحصل بأربعة أشياء، الورع و الأمانة و الوثوق و التّقوى «28»، و نحوه المحكيّ عن القاضي، حيث اعتبر فيها الستر و العفاف و اجتناب القبائح «29»، فإنّ الاجتناب خصوصا مع ضمّ العفاف إليه لا يكون بمجرّد الترك. و بمعناه المحكيّ عن الجامع، حيث أخذ في تعريف العدل الكفّ و التجنّب للكبائر «30».

ثمّ إنّه ربّما

يذكر في معنى العدالة قولان آخران:
أحدهما: الإسلام و عدم ظهور الفسق

، و هو المحكيّ عن ابن الجنيد «31»، و المفيد في كتاب الأشراف «32»، و الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «33».

و الثاني: حسن الظاهر
اشارة

، نسب إلى جماعة بل أكثر القدماء.

و لا ريب أنّهما ليسا قولين في العدالة، و إنّما هما طريقان للعدالة، ذهب إلى كلّ منهما جماعة و لذا ذكر جماعة من الأصحاب- كالشهيد في الذكرى «34» و الدروس «35»، و المحقّق الثاني في الجعفريّة «36»، و غيرهما «37»- هذين القولين في عنوان ما به تعرف العدالة، مع أنّ عبارة ابن الجنيد المحكيّ عنه «أنّ كلّ المسلمين على العدالة إلّا أن يظهر خلافها» «38» لا يدلّ إلّا على وجوب الحكم بعدالتهم. و أوضح منه كلام الشيخ في الخلاف، حيث أنّه لم يذكر إلّا عدم وجوب البحث عن عدالة الشهود إذا عرف إسلامهم «39»، ثمّ احتجّ بإجماع الفرقة و أخبارهم، و أنّ الأصل في المسلم العدالة، و الفسق طار عليه، يحتاج إلى دليل «40». نعم: عبارة الشيخ في المبسوط ظاهرة في هذا المعنى، فإنّه قال: إنّ العدالة في اللغة: أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا، و أمّا في الشريعة: فهو من كان عدلا في دينه عدلا في مروّته، عدلا في أحكامه، فالعدل في الدين: أن يكون مسلما لا يعرف منه شي ء من أسباب الفسق، و في المروّة: أن يكون مجتنبا للأمور الّتي تسقط المروّة،.. إلى آخر ما ذكر. (انتهى موضع الحاجة) «41». لكنّ الظاهر أنّه أراد كفاية عدم معرفة الفسق منه في ثبوت العدالة، لا أنّه نفسها، و لذا فسّر العدالة في المروّة بنفس الاجتناب، لا بعدم العلم بالارتكاب.

هذا كلّه، مع أنّه لا يعقل كون عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر نفس العدالة، لأنّ ذلك يقتضي كون العدالة من الأمور الّتي يكون وجودها الواقعي عين وجودها الذهني، و هذا لا يجامع كون ضدّه- أعني الفسق- أمرا واقعيّا لا دخل للذهن فيه. و حينئذ فمن كان في علم اللَّه تعالى مرتكبا للكبائر مع عدم ظهور ذلك لأحد، يلزم أن يكون عادلا في الواقع و فاسقا في الواقع [و كذا لو فرض أنّه لا ذهن و لا ذاهن «42» يلزم أن لا يتحقّق العدالة في الواقع] «43» لأنّ المفروض أنّ وجودها الواقعي عين وجودها الذهني. و أمّا بطلان اللازم «44» فغنيّ عن البيان. و كذا لو اطّلع على أنّ شخصا كان في الزمان السابق مع اتّصافه بحسن الظاهر لكلّ أحد مصرّا على الكبائر يقال: كان فاسقا و لم يطّلع، و لا يقال: كان عادلا فصار فاسقا عند اطّلاعنا. فتبيّن- من جميع ما ذكرنا- أنّ هذين القولين لا يعقل أن يراد بهما بيان العدالة الواقعية، و لا دليل للقائل بهما يفي بذلك، و لا دلالة في عبارتهما المحكية عنهما، و لا فهم ذلك من كلامهما من يعتنى به مثل الشهيد و المحقّق الثاني و ابن فهد و غيرهم. ثمّ الظاهر رجوع القول الأوّل إلى الثالث، أعني اعتبار الاجتناب مع الملكة، لاتّفاقهم

المكاسب، ج 4، ص 327

و صراحه مستندهم كالنصوص و الفتاوى على أنّه تزول بارتكاب الكبيرة العدالة بنفسها و يحدث الفسق الّذي هو ضدّها، و حينئذ فإمّا أن يبقى الملكة أم لا، فإن بقيت ثبت اعتبار الاجتناب الفعلي في العدالة، فإن ارتفعت ثبت ملازمة الملكة للاجتناب الفعلي. فمراد الأوّلين من «الملكة الباعثة على الاجتناب»: الباعثة فعلا، لا ما من شأنها أن تبعث و لو تخلّف عنها البعث لغلبة الهوى و تسويل الشيطان، و يوضّحه توصيف «الملكة» في كلام بعضهم بل في معقد الاتّفاق ب «المانعة عن ارتكاب الكبيرة» فإنّ المتبادر: المنع الفعلي بغير اشكال. و أوضح منه تعريفها- الشهيد في باب الزكاة من نكت الإرشاد- :

بأنّها هيئة راسخة تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا يقع منها الكبيرة و لا الإصرار على الصغيرة «1» بناء على أنّ الحيثيّة بيان لقوله: «تبعث»، لا قيد توضيحيّ للملازمة.

نعم: يبقى الكلام في أنّ العدالة هل هي الملكة الموجبة للاجتناب أو الاجتناب عن ملكة، أو كلاهما حتّى يكون عبارة عن الاستقامة الظاهرة في الأفعال، و الباطنة في الأحوال؟ و هذا لا يترتّب عليه كثير فائدة، إنّما المهمّ بيان مستند هذا القول، و عدم كون العدالة هي مجرّد الاستقامة الظاهريّة و لو من دون ملكة- كما هو ظاهر من عرفت- «2» حتّى يكون من علم منه هذه الصفة عادلا و إن لم يكن فيه ملكتها. و يدلّ عليه- مضافا إلى الأصل «3» و الاتّفاق المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة، بل عدم الخلاف، بناء على أنّه لا يبعد إرجاع كلام الحلّي «4» إلى المشهور كما لا يخفى، و إلى ما دلّ على اعتبار الوثوق بدين إمام الجماعة و ورعه، مع أنّ الوثوق لا يحصل بمجرّد تركه المعاصي في جميع ما مضى من عمره، ما لم يعلم أو يظنّ فيه ملكة الترك، و اعتبار المأمونية و العفة و الصيانة و الصلاح و غيرها ممّا اعتبر في الأخبار من الصفات النفسانية في الشاهد، مع الإجماع على عدم اعتبارها زيادة على العدالة فيه و في الإمام- صحيحة ابن أبي يعفور، حيث سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام و قال: «بم يعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: أن يعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، و تعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه عليها النار.. إلى آخر الحديث» «5» فإنّ الستر و العفاف و الكفّ قد وقع مجموعها المشتمل على الصفة النفسانية معرّفا للعدالة، فلا يجوز أن يكون أخصّ منها، بل لا بدّ من مساواته، و قد يكون أعمّ إذا كان من المعرّفات الجعليّة، كما جعل عليه السلام في هذه الصحيحة الدليل على هذه الأمور كون الشّخص ساترا لعيوبه. و دعوى أنّ ظاهر السؤال وقوعه عن الأمارة المعرّفة للعدالة بعد معرفة مفهومها تفصيلا، و الصفات المذكورة ليست أمارة بل- هي على هذا القول- عينها، فيدور الأمر بين حمل السؤال على وقوعه عن المعرّف المنطقي لمفهومها بعد العلم إجمالا- و هو خلاف ظاهر السؤال- ، و بين خلاف ظاهر آخر، و هو حمل الصفات المذكورة على مجرّد ملكاتها، فتكون ملكاتها معرّفة و طريقا للعدالة، و حينئذ فلا تصح أن يراد بها إلّا نفس اجتناب الكبائر المسبّب عن ملكة العفاف و الكفّ، و هو القول الثاني مدفوعة: أوّلا: ببعد إرادة مجرّد الملكة من الصفات المذكورة، بخلاف إرادة المعرّف المنطقي الشارح لمفهوم العدالة، فإنّه غير بعيد، خصوصا بملاحظة أنّ طريقية ملكة ترك المعاصي لتركها ليست أمرا مجهولا عند العقلاء محتاجا إلى السؤال، و خصوصا بملاحظة قوله فيما بعد: «و الدليل على ذلك كلّه أن يكون ساترا لعيوبه.. إلخ»، فإنّه على ما ذكر يكون أمارة على أمارة، فيكون ذكر الأمارة الأولى- أعني الملكة- خالية عن الفائدة مستغنى عنها بذكر أمارتها، إذ لا حاجة غالبا إلى ذكر أمارة تذكر لها أمارة أخرى، بخلاف ما لو جعل الصفات المذكورة عين العدالة، فإنّ المناسب بل اللازم أن يذكر لها طريق أظهر و أوضح للناظر في أحوال الناس. و يؤيّد ما ذكرنا أنّه لا معنى محصّل حينئذ لقوله عليه السلام- بعد الصفات المذكورة- : «و تعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه عليها النار»، لأنّ الضمير في «تعرف» إمّا راجع إلى العدالة بأن يكون معرّفا مستقلا، و إمّا راجع إلى الشخص بأن يكون من تتمّة المعرّف الأوّل، و إمّا أن يكون راجعا إلى الستر و ما عطف عليه، ليكون معرّفا للمعرّف، و قوله عليه السلام: «و الدليل على ذلك.. إلخ» «6» معرّفا ثالثا، و هو أبعد الاحتمالات. و على أيّ تقدير فلا يجوز أن يكون أمارة على العدالة، لأنّه على هذا القول نفس العدالة. و الحاصل: أنّ الأمور الثلاثة المذكورة من قبيل المعرّف المنطقي للعدالة، لا المعرّف الشرعي في اصطلاح الأصوليّين. ثمّ إنّ المراد بالستر هنا غير المراد به في قوله عليه السلام فيما بعد: «و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لعيوبه» و إلّا لم يعقل أن يكون أحدهما طريقا للآخر، بل المراد بالستر هنا ما يرادف الحياء و العفاف، قال في الصحاح: رجل ستير، أي: عفيف، و جارية ستيرة «7» فكأنّ المراد بالستر- هنا- : الاستحياء من اللَّه، و بالستر- فيما بعد- :

الاستحياء من الناس، و لذا ذكر القاضي: أنّ العدالةتثبت بالستر و العفاف و اجتناب القبائح أجمع «8». بقي الكلام في بيان الأظهر من الاحتمالات الثلاث المتقدّمة في قوله عليه السلام: «و تعرف باجتناب الكبائر.. إلخ» و أنّ الاجتناب هل هي تتمّة للمعرّف أو معرّف له، أو للمعرّف- بالفتح- ؟ لكن الثاني في غاية البعد سواء حمل المعرّف على المنطقي أو على الشرعي. [أمّا على الأوّل] «9» فلعدم كون الأمور المذكورة أمورا عرفية متساوية في البيان لمفهوم الاجتناب، فلا يحسن جعله طريقا إليها، أو شارحا لمفاهيمها. و الثالث أيضا بعيد، بناء على المعرّف المنطقي و الشرعي، لأنّه إن أريد ب «اجتناب الكبائر» الاجتناب عن ملكة، فليس أمرا مغايرا للمعرّف الأوّل، فذكره كالتكرار، و إن أريد نفس الاجتناب، و لو لا عن ملكة، فلا معنى لجعله معرّفا منطقيّا بعد شرح مفهوم العدالة أوّلا بما يتضمّن اعتبار الملكة في الاجتناب. و الحاصل: إنّ جعله معرّفا منطقيّا فاسد، لأنّه إمّا أن يراد من المعرّفين كليهما معنى واحد و إمّا أن يراد من كلّ منهما معنى، و على الأوّل يلزم التكرار، و على الثاني يلزم تغاير الشارحين لمفهوم واحد. و كذا لا يجوز جعله معرّفا شرعيّا، لأنّ حاصله يرجع إلى جعل نفس الاجتناب طريقا إلى كونه عن ملكة، و هذا بعيد لوجهين: أحدهما: أنّ معرفة الاجتناب عن جميع الكبائر ليس بأسهل من معرفة الملكة، بل معرفة الملكة أسهل من معرفة الاجتناب، فلا يناسب جعله معرّفا لها. الثاني: أنّه جعل

المكاسب، ج 4، ص 328

الدليل على ذلك كلّه أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته، فستر العيوب عن الناس قد جعل طريقا ظاهريّا، و من المعلوم أنّ جعل الاجتناب الواقعي طريقا مستدرك بعد جعل عدم العلم بالارتكاب طريقا، بل اللازم جعله طريقا من أوّل الأمر، لأنّ جعل الأخصّ طريقا بعد جعل الأعمّ مستدرك، و هذا كما يقال: إنّ إمارة العدالة عند الجهل بها الإيمان الواقعي، و علامة الإيمان الواقعي عند الجهل به: الإسلام، فإنّ جعل الإيمان الواقعي «1» طريقا، مستغنى عنه، بل لازم قوله عليه السلام: «حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك» أنّه لا يجوز التوصّل بالأمارة الاولى و هو الاجتناب الواقعي، لأنّه يتوقّف على الفحص عن أحواله. فثبت من جميع ذلك أنّ أظهر الاحتمالات المتقدّمة هو كونه تتمة للمعرّف، بأن يجعل المراد بكفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، كفّها عن المعاصي الخاصّة الّتي تتبادر عند إطلاق نسبة المعصية إلى إحدى الجوارح. [المذكورة فإنّ المتبادر من معصية البطن: أكل الحرام، و من معصية الفرج: الزنا، و من معصية اليد: ظلم الناس، و من اللسان: الغيبة و الكذب، فيكون ذكره بعد ذكر الكفّ من قبيل التعميم بعد التخصيص، و عقيب الستر و العفاف من قبيل ذكر الأفعال بعد الصفات النفسانيّة الموجبة لها. و يحتمل أيضا أن يراد بالستر: الاستحياء المطلق، و بالعفاف: التعفّف عن مطلق المعاصي، و بالكفّ (الكف) «2» عن مطلق الذنوب، و يكون ذكر الجوارح الأربع لكونها أغلب ما تعصي من بين الجوارح] «3». و حينئذ فيكون قوله: «و تعرف باجتناب الكبائر» من قبيل التخصيص بعد التعميم و التقييد بعد الإطلاق، تنبيها على أنّ ترك مطلق المعاصي غير معتبر في العدالة

. [اعتبار المروّة في مفهوم العدالة]

ثمّ المشهور بين من تأخّر عن العلّامة: اعتبار المروّة في مفهوم العدالة، حيث عرّفوها بأنّها هيئة راسخة تبعث على ملازمة التقوى و المروّة، و هو الّذي يلوح من عبارة المبسوط، حيث ذكر أنّ العدالة في اللغة: أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا، و في الشريعة: من كان عدلا في دينه، عدلا في مروّته، عدلا في أحكامه «4» (انتهى)، بناء على أنّ المراد بالعدالة في الدين و المروّة و الأحكام:

الاستقامة فيها. و أمّا كلام غير الشيخ ممّن تقدّم على العلّامة، فلا دلالة فيه، بل و لا إشعار على ذلك. نعم: ذكره ابن الجنيد في شرائط قبول الشهادة «5»، و كذا ابن حمزة في موضع من الوسيلة «6»، بل كلامه الأخير المتقدّم في صدر المسألة «7»،- ككلامي المفيد و الحلّي المتقدّم ذكرهما «8»- دالّ على عدم اعتبارها. و أمّا الصدوقان فهما و إن لم يفسّرا العدالة، إلّا أنّ كلامهما المتقدّم «9» من أنّه «لا يصلّى إلّا خلف رجلين [أحدهما من تثق بدينه و ورعه و أمانته، و الآخر من تتقي سيفه و سوطه] «10» ظاهر في عدم اعتبار المروّة في العدالة، بناء على أنّ اعتبار العدالة في الإمام متّفق عليه. نعم، قد أخذ القاضي «الستر» و «العفاف» في العدالة «11» بناء على ما سيأتي «12» من أنّه لا يبعد استظهار اعتبار المروّة من هذين اللفظين. و ذكر في الجامع أنّ العدل الّذي يقبل شهادته، هو البالغ العاقل المسلم العفيف الفعلي المجتنب عن القبائح الساتر لنفسه «13» فإن جعلنا الموصول «14» صفة تقييدية كانت العفّة- الّتي عرفت إمكان استظهار المروّة منها- مأخوذة في عدالة الشاهد دون عدالة الإمام و مستحقّ الزكاة، و إلّا كانت مأخوذة في مطلق العدالة. و ممّن لا يعتبر المروّة في العدالة، المحقّق في الشرائع «15» و النافع «16»، و تبعه العلّامة في الإرشاد «17» و ولده في موضع من الإيضاح «18». و عرّف الشهيد- في نكت الإرشاد- العدالة في كلام من اعتبرها في مستحقّ الزكاة بأنّها «هيئة تبعث على ملازمة التقوى» «19» و ظاهره أنّ العدالة تطلق في الاصطلاح على ما لا يؤخذ فيه المروّة. و الحاصل: أنّه لو ادّعى المتتبّع أنّ المشهور بين من تقدّم على العلّامة عدم اعتبار المروّة في العدالة- خصوصا المعتبرة في غير الشاهد- لم يستبعد ذلك منه، لما عرفت من كلمات من عدا الشيخ، و أمّا الشيخ فالعدالة المذكورة في كلامه لا ينطبق على ما ذكره المتأخّرون، لأنّه أخذ فيه الإسلام و البلوغ و العقل، و هذا ليس معتبرا عند المتأخّرين، و إن كان العادل عندهم من أفراد البالغ العاقل المسلم، لكنّ الإسلام و الكمال ليسا جزءا للعدالة عندهم، و لذا يذكرون البلوغ و العقل و الإسلام على حدة، فالظاهر أنّه أراد بالعدالة صفة جامعة لشرائط العامّة لقبول الشهادة، و كيف كان: فالمتّبع هو الدليل. و ينبغي الجزم بعدم اعتبارها «20» في العدالة المعتبرة في الإمام، و أنّ المعتبر فيه العدالة و «21» الاستقامة في الدين، لأنّ الدليل على اعتبار العدالة في الإمام، إمّا الإجماعات المنقولة و إمّا الروايات: أمّا الإجماعات المنقولة «22» فلا ريب في أنّها ظاهرة في العدالة في الدين المقابلة للفسق الّذي هو الخروج عن طاعة اللَّه، مع أنّ الخلاف في أخذ المروّة في العدالة يوجب حمل العدالة في كلام مدّعي الإجماع على العدالة في الدين، و يؤيّده أنّه لو كان المراد العدالة المطلقة الّتي تقدّم تفسيرها من المبسوط «23» لم يحتج إلى اعتبار البلوغ و العقل في الإمام مستقلا. و دعوى: أنّ دعوى الإجماع إنّما وقعت من المتأخّرين الّذين أخذوا المروّة في العدالة، و كلام مدّعي الإجماع يحمل على ما اللفظ ظاهر فيه عنده. مدفوعة- بعد تسليم ما ذكر كليّة- بأنّ الإجماع إذا فرض دعواه على العدالة المأخوذة فيها المروّة فهي موهونة بمصير جلّ القدماء- كما عرفت- على خلافه. و إن كان المستند الروايات فنقول: إنّها بين ما دلّ على اعتبار العدالة، و الظاهر منها هي الاستقامة في الدين، لأنّها الاستقامة المطلقة في نظر الشارع، فإنّ التحقيق أنّ العدالة في كلام الشارع و أهل الشرع يراد بها:

الاستقامة، لكنّ الاستقامة المطلقة في نظر الشارع هو الاستقامة على جادّة الشرع و عدم الميل عنها، و إن قلنا بأنّها منقولة من الأعمّ إلى الأخصّ، لكن نقول: إنّ المتبادر منها الاستقامة من جهة الدين، لا من جهة العادات الملحوظة عند الناس حسنا أو قبيحا. و غاية ما يمكن أن يستدلّ لاعتبارها في العدالة المستعملة في كلام الشارع: صحيحة ابن أبي يعفور، و محل الدلالة يمكن أن يكون فقرأت منها: الأولى: قوله: «بأنّ يعرفوه بالستر» على أن يكون المراد منه ستر العيوب الشرعية و العرفيّة. الثانية: قوله عليه السلام:

«و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان» بناء على أنّ منافيات المروّة غالبا من شهوات الجوارح. الثالثة: قوله عليه السلام: «و الدالّ على ذلك كلّه أن يكون ساترا لعيوبه.. إلخ». و قد تمسك بكلّ واحد من هذه الفقرات بعض ممّن «24» عاصرناهم. و في الكلّ نظر، أمّا الفقرة الأولى: فلما عرفت سابقا من أنّ المراد بالستر ليس هو الستر الفعلي، و إنّما يراد به صفة مرادفة للعفاف- كما سمعت من الصحاح «25»- ، كيف و قد جعل ستر العيوب بعد ذلك دليلا على العدالة، فيلزم اتّحاد الدليل و المدلول، مضافا إلى أنّ المتبادر من الستر:

تعلّقه بالعيوب الشرعيّة دون العرفية، فلا يفيد حذف المتعلّق العموم. و بهذا يجاب عن الفقرة الثانية، فإنّ الظاهر من كفّ الجوارح الأربع: كفّها عن معاصيها، لا مطلق ما تشتهيها. و أمّا الفقرة الثالثة، ففيها أوّلا: أنّ المتبادر من «العيوب» هي ما تقدّم في الفقرة السابقة ممّا أخذ تركها في مفهوم العدالة، لا مطلق النقائص في

المكاسب، ج 4، ص 329

الكبائر و الصغائر و المكروهات المنافية للمروّة، و إلّا لزم تخصيص الأكثر، إذ الكبائر و منافيات المروّة في جنب غيرهما- الّذي لا يعتبر في العدالة تركها و لا في طريقها سترها- كالقطرة في جنب البحر، فلا بدّ من حمله على المعهود المتقدّم في الفقرات السابقة، فكأنّ الإمام عليه السلام لمّا عرّف العدالة بملكة الكفّ و التعفّف عن الكبائر جعل سترها عند المعاشرة و المخالطة طريقا إليها. و ثانيا: أنّ غاية ما يدلّ عليه هذه الفقرة كون ستر منافيات المروّة من تتمّة طريق العدالة، لا مأخوذة في نفسها، فيكون فيه دلالة على أنّ عدم ستر منافيات المروّة و ظهورها عند المعاشرة و المخالطة لا يوجب الحكم ظاهرا بعدالة الرجل الّتي تقدّم معناها في الفقرات السابقة، و لا يلزم من هذا أنّا لو اطّلعنا على ذلك المعنى بحيث لا يحتاج إلى الطريق الشرعي و علمنا منه صدور منافيات المروّة لم نحكم بعدالته، لأنّ الوصول إلى ذي الطريق يغني عن الطريق. ففي الرواية دلالة على التفصيل الّذي ذكره بعض متأخّري المتأخّرين، من أنّه لو كشف فعل منافي المروّة عن قلّة المبالاة في الدين، بحيث لا يوثق معه بالتحرّز عن الكبائر و الإصرار على الصغائر كان معتبرا و إلّا فلا. و هذا التفصيل غير بعيد، لكنّه في الحقيقة ليس تفصيلا في مسألة اعتبار المروّة في نفس العدالة- بل قول بنفيه مطلقا- إلّا أنّه يوجب الوهن في حسن الظاهر الّذي هو طريق إليها. ثمّ إنّ الّذي يخطر بالبال أنّه إن كان و لا بدّ من فهم اعتبار المروّة من الصحيحة- بناء على أنّ المذكور فيه حدّ لها، لا بدّ من أن يكون مطّردا، فترك التعرّض لاعتبار ما يعتبر مخلّ بطردها- فالأنسب أن يقال: إنّ ذلك إنّما يستفاد من لفظي «الستر» و «العفاف» الراجعين إلى معنى واحد، كما عرفت من قول الصحاح: «رجل.. إلخ» «1» فيكون المراد بالستر ما عدّ- في الحديث المشهور المذكور في أصول الكافي في باب جنود العقل و الجهل- مقابلا للتبرّج «2» المفسّر في كلام بعض محقّقي شرّاح أصول الكافي بالتظاهر بما يقبح و يستهجن في الشرع أو العرف «3». و لا ريب أنّ منافيات المروّة ممّا يستهجن في العرف، فهي منافية للستر و العفاف بذلك المعنى. و قد ذكر بعضهم في عدالة القوّة الشهويّة- المسمّاة بالعفّة- أنّ ما يحصل من عدم تعديلها: عدم المروّة. و ظاهره أنّ المروّة لازمة للعفاف. ثمّ إنّ المروّة- على القول باعتبارها في العدالة- مثل التقوى المراد بها عندهم: اجتناب الكبائر و الإصرار على الصغائر، ففعل منافيها يوجب زوال العدالة بمجرّده من غير حاجة إلى تكراره «4» كارتكاب الكبيرة لأنّه لازم تفسيرهم للعدالة بالملكة المانعة عن «5» مجانبة «6» الكبائر و منافيات المروّة و الباعثة على ملازمة التقوى و المروّة، و قد عرفت أنّ المراد بالبعث أو المنع:

الفعلي، لا الشأني. نعم: ربّما يكون بعض الأفعال لا ينافي المروّة بمجرّده، و لذا قيّدوا منافيات «7» الأكل في الأسواق بصورة غلبة وقوع ذلك منه، و أنّه لا يقدح وقوعه نادرا، أو للضرورة، أو من السوقي، فمعناه- بقرينة عطف الضرورة و السوقي أنّه لا ينافي المروّة، لا أنّه مع منافاته المروّة لا يوجب زوال العدالة بمجرّده. نعم: فرق بين التقوى و المروّة، و هو أنّ مخالفة التقوى يوجب الفسق، بخلاف مخالفة المروّة، فإنّها توجب زوال العدالة دون الفسق، ففاقد المروّة إذا كانت فيه ملكة اجتناب الكبائر، واسطة بين العادل و الفاسق. و من جميع ما ذكرنا يظهر ما في كلام بعض سادة مشايخنا «8»، حيث إنّه بعد ما أثبت اعتبار المروة بالفقرة الثالثة المتقدمة من الصحيحة قال: بقي الكلام في أنّ منافيات المروّة هل توجب الفسق بمجرّدها كالكبائر؟ أو بشرط الإصرار أو الإكثار كالصغائر؟ أو تفصيل بين مثل تقبيل الزوجة في المحاضر و بين مثل الأكل في الأسواق؟ و هذا هو المختار. ثمّ استشهد بكلام جماعة ممّن قيّد الأكل في السوق بالغلبة أو الدوام.

و يمكن تأويل أوّل كلامه بأنّ المراد من الفسق: مجرّد عدم العدالة، دون الفسق المتكرّر في كلام الشارع و المتشرّعة، لكنّه بعيد. و أبعد منه: توجيه كلامه فيما ذكره من الوجوه الثلاثة في زوال العدالة بمنافيات المروّة، بأنّ المراد ما ينافيها بحسب الأعمّ من المرّة «9» و الإكثار، و معناه أنّ ما ينافي المروّة بجنسه هل يزيل العدالة بمجرّده أو بشرط الإكثار؟ و هو كما ترى!. ثمّ إنّه قد تلخّص ممّا ذكرنا من أوّل المسألة إلى هنا أنّ الأقوى- الّذي عليه معظم القدماء و المتأخّرين- : هو كون العدالة عبارة عن صفة نفسانيّة توجب التقوى و المروّة أو التقوى فقط- على ما قوّيناه. و عرفت «10» أيضا أنّ القول بأنّها عبارة عن «الإسلام و عدم ظهور الفسق» غير ظاهر من كلام أحد من علمائنا و ان كان ربّما نسب إلى بعضهم «11»، كما عرفت، و عرفت ما فيه «12». و كذلك القول بأنّها عبارة عن «حسن الظاهر» غير مصرّح به في كلام أحد من علمائنا، و إن نسبه بعض متأخّري المتأخّرين إلى كثير، بل إلى الكلّ «13». و كيف كان: فالمتّبع هو الدليل و إن لم يذهب اليه إلّا قليل، و قد عرفت الأدلّة.

[ما أورد على القول بالملكة]
اشارة

بقي الكلام فيما أورد على القول بالملكة و هي وجوه:

منها:

ما ذكره المولى الأعظم وحيد عصره في شرح المفاتيح- على ما حكاه عنه بعض الأجلّة «14»- من أنّ حصول الملكة بالنسبة إلى كلّ المعاصي بمعنى صعوبة الصدور لا استحالته، فربّما يكون نادرا بالنسبة إلى نادر من الناس- إن فرض تحقّقه- و يعلم أنّ العدالة ممّا تعمّ به البلوى و تكثر إليه الحاجات في العبادات و المعاملات و الإيقاعات، فلو كان الأمر كما يقولون لزم الحرج و اختلّ النظام، مع أنّ القطع حاصل بأنّه في زمان الرسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلم و الأئمّة عليهم السلام ما كان الأمر على هذا النهج، بل من تتبّع الأخبار الكثيرة يحصل القطع بأنّ الأمر لم يكن كما ذكروه في الشاهد، و لا في إمام الجماعة. و يؤيّده ما ورد «15» في أنّ إمام الصلاة إذا أحدث، أو حدث له مانع آخر، أخذ بيد آخر و أقامه مقامه (انتهى). و قال السيّد الصدر في شرح الوافية- بعد ما حكى عن المتأخّرين أنّ العدالة «هي الملكة الباعثة على التقوى و المروّة»- ما لفظه: أمّا كون هذه الملكة عدالة فلا ريب فيه، لأنّ الوسط بين البلادة و الجربزة تسمّى: حكمة، و بين إفراط الشهوة و تفريطها هي: العفّة، و بين الظلم و الانظلام هي: الشجاعة، فإذا اعتدلت هذه القوى حصلت كيفيّة وحدانيّة شبيهة بالمزاج، كأنّها تحصل من الفعل و الانفعال بين طرفي هذه القوى، و انكسار سورة كلّ واحدة منها، و بعد

المكاسب، ج 4، ص 330

حصولها يلزمها التقوى و المروّة. و أمّا اشتراط تحقّق هذا [المبنى بهذا] «1» المعنى، حيث اعتبر الشارع العدالة، فلم أطّلع على دليل ظنّي لهم، فضلا عن القطعيّ، و صحيحة ابن أبي يعفور «2» عليهم لا لهم- كما قيل- ، نعم: لا يحصل لنا الاطمئنان التامّ في اجتناب الذنب في الواقع إلّا فيمن يعلم أو يظنّ حصول تلك الملكة فيه، و هذا يقرّب اعتبارها، و لكن يبعّده أنّ هذه الصفة الحميدة تكون في الأوحديّ الّذي لا يسمح «3» الدهر بمثله إلّا نادرا، لأنّ التعديل المذكور يحتاج إلى مجاهدات شاقّة مع تأييد ربّاني، و الاحتياج إلى العدالة عامّ لازم في كلّ طائفة من كلّ فرقة من سكّان البرّ و البحر حفظا لنظام الشرع.

ثمّ قال: لا يقال إنّ الشارع و إن اعتبر الملكة، و لكنّه جعل حسن الظاهر مع عدم عثور الحاكم أو المأموم على فعل الكبيرة و الإصرار على الصغيرة علامة لها، و هذا يحصل في أكثر الناس. لأنّا نقول: إن اعتبر القائل بالملكة فيما يعرف به العدالة هذا الّذي قلت، فلا ثمرة للنزاع في أنّ العدالة ما ذا؟ (انتهى موضوع الحاجة) «4». و الجواب عن ذلك كلّه: أنّا لا نعني بقولنا: «العدالة هيئة راسخة» أو «ملكة» أو «هيئة نفسانيّة» إلّا الصفة النفسانية الحاصلة من خشية اللَّه بحيث يردعه عن المعصية. توضيح ذلك: أنّ ترك المعاصي قد يكون لعدم الابتلاء بها، و قد يكون مع الابتلاء بالمعصية للدواعي النفسانيّة لا لخوف اللَّه، و قد يكون لحالة خوف حاصلة فيه على سبيل الاتّفاق تمنعه عن الإقدام على المعصية، حتّى أنّه إذا ترك في زمان طويل معاصي كثيرة ابتلي بها، كان الترك في كلّ مرّة مستندا إلى حالة اتّفقت له في ذلك الزمان، و قد يكون ترك المعاصي لحالة واحدة مستمرّة في الزمان الّذي يبتلى فيه بالمعاصي. و هذا الرابع هو المقصود من «الصفة النفسانيّة» أو «الصفة الراسخة» في مقابل «الغير الراسخة»- الموجودة في الثالث. قال العلّامة في نهاية الأصول «5»- على ما حكي عنه- في بيان طرق معرفة العدالة: الأوّل: الاختبار بالصحبة المتأكّدة و الملازمة، بحيث يظهر له أحواله و يطّلع على سريرة أمره بتكرار المعاشرة، حتّى يظهر له من القرائن ما يستدلّ به على خوف في قلبه مانع عن الكذب و الإقدام على المعصية (انتهى). ثمّ إنّ العبرة بكون تلك الحالة باعثة هو الحال المتعارف للإنسان، دون حالة كماله، فقد تعرض للشخص حالة كأنّه لا يملك من نفسه مخالفة الشهوة أو الغضب، لقوّة قهر القوّة الشهويّة أو الغضبيّة و غلبتهما، و عليه يحمل ما حكي عن المقدّس الأردبيلي «6»: من أنّه سئل عن نفسه إذا ابتليت بامرأة مع استجماع جميع ماله دخل في رغبة النفس إلى الزنا؟ فلم يجب قدّس سرّه بعدم الفعل، بل قال: «أسأل اللَّه أن لا يبتليني بذلك» فإنّ عدم الوثوق بالنفس في مثل هذه الفروض الخارجة عن المتعارف لا يوجب عدم الملكة فيه، إذ مراتب الملكة في القوّة و الضعف متفاوتة، يتلو آخرها: العصمة، و المعتبر في العدالة أدنى المراتب، و هي الحالة الّتي يجد الإنسان بها مدافعة الهوى في أوّل الأمر و إن صارت مغلوبة بعد ذلك، و من هنا تصدر الكبيرة عن ذي الملكة كثيرا. و كيف كان: فالحالة المذكورة غير عزيزة في الناس [و] ليس في الندرة على ما ذكره الوحيد البهبهاني «7» بحيث يلزم من اشتراطه و إلغاء ما عداه، اختلال النظام. و كيف يخفى على هؤلاء ذلك حتّى يعتبروا في العدالة شيئا، يلزم منه- بحكم الوجدان- ما هو بديهيّ البطلان؟ إذ المفروض أنّه لاخفاء في الملازمة و لا في بطلان اللازم- و هو الاختلال- بل الإنصاف أنّ الاقتصار على ما دون هذه المرتبة يوجب تضييع حقوق اللَّه و حقوق الناس و كيف يحصل الوثوق في الإقدام على ما أناطه الشارع بالعدالة لمن لا يظنّ فيه ملكة ترك الكذب و الخيانة، فيمضي قوله في دين الخلق و دنياهم من الأنفس و الأموال و الأعراض، و يمضي فعله على الأيتام و الغيّب «8» و الفقراء و السادة «9». قال بعض السادة: أنّ الشريعة المنيعة الّتي منعت من إجراء الحدّ على من أقرّ على نفسه بالزنا مرّة بل ثلاثا كيف يحكم بقتل النفوس و اهراقهم «10» و قطع أياديهم و حبسهم و أخذ أموالهم، و أرواحهم بمجرّد شهادة من يجهل حاله من دون اختبار.

و أمّا ما ذكره السيّد الصدر «11»:- من كون الملكة عبارة عن تعديل القوى الثلاث: قوّة الإدراك، و قوّة الغضب، و قوّة الشهوة، و أنّ العدالة تتوقّف على الحكمة و العفّة و الشجاعة- فلا أظنّ أنّ الفقهاء يلتزمون ذلك في العدالة، كيف، و ظاهر تعريفهم لها بالحالة النفسانية ينطبق على الحالة الّتي ذكرناها و هي الموجودة في كثير من الناس. و دعوى: أنّ إدخالهم المروّة في مدخول «12» الملكة و جعلهم العدالة هي الملكة الجامعة بين البعث على التقوى و البعث على المروّة ظاهر في اعتبار أزيد من الحالة النفسانيّة المذكورة الّتي ذكرنا أنّها تنشأ من خشية اللَّه تعالى، فإنّ هذه الحالة لا تبعث إلّا على مجانبة الكبائر و الإصرار على الصغائر، و لا تبعث على مراعاة المروّة مدفوعة: أوّلا: بما عرفت «13» من أنّ الأقوى خروج المروّة عن مفهوم العدالة. و ثانيا: أنّ اعتبار الملكة الجامعة بين البعث على التقوى و المروّة غير ما ذكره السيّد أيضا، لأنّ المراد منها: الاستحياء و التعفّف فيما بينه و بين اللَّه و بين الناس، و هذا أيضا كثير الوجود في الناس، بل الاستحياء عن الخلق موجود في أكثر الخلق، فكما أنّ علماء الأخلاق عبّروا عن تعديل القوى الثلاث بالعدالة فكذلك الفقهاء عبّروا عن الاستحياء عن الخالق و المخلوق بالعدالة، لأنّها استقامة على جادّتي الشرع و العرف، و خلافه خروج عن إحدى الجادّتين. هذا مع أنّ جعل حسن الظاهر، بل مطلق الظنّ طريقا إلى هذه الصفة، أوجب تسهيل الأمر في الغاية حتّى كاد لا يرى ثمرة لجعل العدالة هي الملكة، كما تقدّم من السيّد الصدر «14»، فكيف يتفاوت الأمر في اختلال النظام و استقامته بين جعلها «حسن الظاهر» و بين جعلها «الملكة» و جعل حسن الظاهر طريقا إليها؟.

و منها

«15»: أنّ الحكم بزوال العدالة عند عروض ما ينافيها من معصية أو خلاف مروّة و رجوعها بمجرّد التوبة، ينافي كون العدالة هي الملكة. و ما يقال في الجواب: من أنّ الملكة لا تزول بمخالفة مقتضاها في بعض الأحيان، إلّا أنّ الشارع جعل الأثر المخالف لمقتضاها مزيلا لحكمها بالإجماع، و جعل التوبة رافعة لهذا المزيل، فالأمر تعبّدي. ففيه: أنّه مخالف لتصريحهم بالزوال و العود.

المكاسب، ج 4، ص 331

و الجواب: ما تقدّم من أنّ العدالة ليست عندهم هي الملكة المقتضية للتقوى و المروّة، المجامعة لما يمنع عن مقتضاها، لأنّ قولهم: «ملكة تبعث» أو «تمنع» يراد بها البعث و المنع الفعلي. و يدلّ عليه ما مرّ عن نكت الإرشاد «1» على أظهر احتماليه، فالملكة إذا لم يكن معها المنع الفعلي ليست عدالة. و لو أبيت إلّا عن ظهور عبائرهم في كون العدالة هي الملكة المقتضية لا بقيد الخلوّ عن المعارض و المانع، فيكفي في إرادة الملكة المقتضية الخالية عن المانع تصريح نفس أرباب الملكة- كغيرهم- بأنّ نفس العدالة تزول بمواقعة الكبائر، و لذا ذكرنا أنّه لا قائل بكون العدالة مجرّد الملكة من غير اعتبار للمنع الفعلي. و أمّا التوبة فهي إنّما ترفع حكم المعصية و تجعلها كغير الواقع في الحكم، فزوال العدالة بالكبيرة حقيقي، و عودها بالتوبة تعبّدي، بل سيجي ء «2» أنّ الندم على المعصية عقيب صدورها، يعيد الحالة السابقة و هي الملكة المتّصفة بالمنع، إذ لا فرق حقيقة بين من تمنعه ملكته عن ارتكاب المعصية و بين من توجب عليه تلك الملكة الندم على ما مضى منه، فحالة الندم بعينها هي الحالة المانعة فعلا، لأنّ الشخص حين الندم على المعصية، من حيث إنّها معصية- كما هو معنى التوبة- يمتنع صدور المعصية منه، فالشخص النادم متّصف بالملكة المانعة فعلا، بخلاف من لم يندم، فتأمّل.

و منها:

أنّ ما اشتهر بينهم أنّ تقديم الجارح على المعدّل- عند التعارض- لا يتأتّى إلّا على القول بأنّ العدالة هي «حسن الظاهر» و أمّا على القول بأنّه «الملكة» فلا يتّجه، لأنّ المعدّل إنّما ينطق عن علم حصل له بعد طول المعاشرة و الاختبار، أو بعد الجهد في تتبّع الآثار، فيبعد صدور الخطأ منه، و يرشد إلى ذلك تعليلهم تقديم الجرح بأنّا إذا أخذنا بقول الجارح فقد صدّقناه و صدّقنا المعدّل، لأنّه لا مانع من وقوع ما يوجب الجرح و التعديل بأنّ يكون كلّ منهما اطّلع على ما يوجب أحدهما: و أنت خبير بأنّ المعدّل- على القول بالملكة- إنّما يخبر عن علم بالملكة و ما هو عليه في نفس الأمر و الواقع، ففي تقديم الجرح حينئذ و تصديقهما معا جمع بين النقيضين، فتأمّل. و الجواب أنّ عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا على ما تقدّم «3» إمّا لكونه قيدا للملكة على ما اخترناه، و إمّا لأخذه في العدالة بدليل الإجماع و النصّ، كيف! و لو لم يكن مأخوذة لم يكن الجارح معارضا له أصلا. و كيف كان: فاعتماد المعدّل على هذا الأمر العدمي المأخوذ في تحقّق العدالة ليس إلّا على أصالة العدم، أو أصالة الصحّة، أو قيام الإجماع على أنّ العلم بالملكة المجرّدة طريق ظاهريّ للحكم بتحقّق ذلك الأمر العدمي. و الحاصل: أنّ الإجماع منعقد- بل النصّ «4»- على أنّه يكفي في الشهادة على العدالة بعد العلم بالملكة أو حسن الظاهر- على الخلاف في معناها- عدم العلم بصدور الكبيرة عنه، و لا يعتبر علمه أو ظنّه بأنّه لم يصدر عنه كبيرة إلى زمان أداء الشهادة. و على هذا فأحد جزأي الشهادة- و هو تحقّق ذلك الأمر العدمي- ثابت بالطريق الظاهري، و هو مستند شهادته، و من المعلوم أنّ شهادة الجارح حاكمة على هذا الطريق الظاهري، فإنّ تعارضهما إنّما هو باعتبار تحقّق هذا الأمر العدمي و عدم تحقّقه، و إلّا فلعلّ الجارح أيضا لا ينكر الملكة، بل يعترف بها في متن الشهادة. فالمقام على ما اخترناه- من أخذ الاجتناب عن الكبيرة قيدا للملكة- نظير شهادة إحدى البيّنتين على أنّه ملكه قد اشتراه من المدّعي، تعويلا على أصالة صحّة الشراء، و شهادة البيّنة الأخرى أنّه ملك للآخر مستندا الى فساد ذلك الشراء لوجود مانع من موانع الصحّة. و على القول بكونه مزيلا للعدالة بالدليل الخارجي يكون نظير شهادة إحداهما بملكه لأحدهما، و شهادة الأخرى بانتقاله عنه إلى الآخر. و كيف كان: فالمعدّل يقول: «إنّه ذو ملكة لم أطّلع على صدور كبيرة منه» و الجارح يقول: «قد اطّلعت على صدور المعصية الفلانية [منه] «5»» فشهادة المعدّل مركّبة من أمر وجوديّ و عدمي، و شهادة الجارح «6» يدلّ على انتفاء ذلك الأمر العدمي، فالتعارض إنّما هو في الجزء الأخير، و من المعلوم كونهما من قبيل النافي و المثبت. نعم: لو اعتبرنا في التعديل الظنّ بعدم صدور الكبيرة، كان التعارض على وجه لا يمكن الجمع، فلا بدّ إمّا من ترجيح الجارح لاستناده إلى القطع الحسّي بخلاف المعدّل فإنّه مستند إلى الظنّ الحدسيّ، و إمّا من التوقّف عن الحكم بالعدالة و الفسق و الرجوع إلى الأصل. كما أنّه لو اعتبر في التعديل العلم أو الظنّ بكون الشخص بحيث لو فرض صدور كبيرة عنه بادر إلى التوبة- البتّة- ، كان المناسب تقديم المعدّل لأنّ غاية الجرح صدور المعصية لكن المعدّل يظنّ أو يعلم بصدور التوبة عقيب المعصية على فرض صدورها، فكأنّ الجارح مستند في تفسيقه إلى صدور الكبيرة و عدم العلم بالمزيل و هي التوبة، و المعدّل و إن لم يشهد بعدم صدور المعصية إلّا أنّه يشهد بالتوبة على فرض صدور المعصية.

و منها:

ما ذكره في مفتاح الكرامة: من إطباق الأصحاب- إلّا السيّد و الإسكافي- على صحّة صلاة من صلّى خلف من تبيّن كفره أو فسقه «7»، و به نطقت الأخبار «8». أقول: لم أفهم وجه منافاة هذا الحكم لكون العدالة هي «الملكة» دون «حسن الظاهر». و لم لا يجوز أن يكون العدالة كالإسلام أمرا واقعيّا يستدلّ عليه بالآثار الظاهرة و يعتمد فيه عليها، فإذا تبيّن الخطأ بعد ترتيب الأثر يحكم الشارع بمضيّ تلك الآثار و عدم انتقاضها؟. فإن قلت: مقتضى ظهور الأدلّة في كون العدالة شرطا واقعيّا بانضمام ما دلّ على صحّة الصلاة مع ثبوت الفسق، أن يكون العدالة أمرا ظاهريّا غير قابل لانكشاف الخلاف لا الملكة الواقعيّة، و إلّا وجب إمّا صرف أدلّة اشتراط تحقّقها في الواقع عن ظاهرها و جعلها من الشروط العلمية، و إمّا إبقاؤها على ظاهرها من كونها شرطا واقعيا، و صرف أدلّة كون العدالة الواقعية شرطا في صحّة الصلاة الخالية عن الفاتحة و غيرها- من خواصّ المنفرد- إلى كونها شرطا علميّا، و كلاهما مخالفان للأصل. قلت: أوّلا: إنّه قد تقدّم «9» أنّه لا يمكن أن يكون العدالة أمرا ظاهريّا- مثل حسن الظاهر و نحوه- مع كون الفسق أمرا واقعيّا، و إلّا خرجا عن التضادّ، لاجتماعهما حينئذ في من حسن ظاهره و فرض فاسقا في الواقع، مع أنّ تضادّهما من بديهيّات العرف، فإنّهم لا يحكمون بحدوث الفسق من حين الاطّلاع على قبح الإمام، بل يقولون: «إنّه تبيّن فسقه» و لذا عبّروا في المسألة المتقدّمة بقولهم: إذا تبيّن فسق الإمام. و ثانيا: أنّه لو سلّمنا

المكاسب، ج 4، ص 332

إمكان تعقّله من كون نفس العدالة الواقعيّة حسن الظاهر و إن فرض فسقه واقعا، لكن نقول: إنّ الحكم بالصحّة لا يدلّ على عدم كونها هي الملكة و لو بضميمة ظهور أدلّة اشتراطها في كونها شرطا واقعيّا، لأنّ الدليل على اشتراط العدالة إمّا الإجماع و إمّا الأخبار المتقدّمة: أمّا الإجماع: فهو إنّما حصل بانضمام فتوى القائلين بالملكة، و معلوم أنّهم يجعلونها شرطا علميّا، نعم: أرباب حسن الظاهر، يجعلونه شرطا واقعيّا. هذا كلّه مع أنّ معقد إجماع المعتبر هو اعتبار ظهور العدالة لا اعتبار نفسها، قال: «ظهور العدالة معتبر عند علمائنا» «1» و ظاهره كونه شرطا علميّا عند الكلّ، و هذا الكلام من المحقّق يدلّ أنّ العدالة عنده أمر واقعيّ، قد يظهر و قد لا يظهر، و لا ينطبق إلّا على «الملكة» و حينئذ فيصير عنده و عند غيره شرطا واقعيّا. و أمّا الأخبار: فما دلّ منها [على اعتبار الوثوق بالدين، فدلالته على كون العدالة شرطا علميّا واضحة، و الدالّ منها] «2»

على اعتبار مفهوم العدالة ظاهر في صورة العلم، إذ ليس فيها إلّا أنّه إذا كان الإمام عادلا فافعل «3» كذا، فلا حظ و تأمّل. [مع أنّ صحة صلاة المأموم ليست اجماعيّة، فقد خالف السيّد المرتضى في المسألة بناء على أنّ العدالة شرط واقعيّ تبيّن انتفاؤها «4» و احتجّ القائل بالصحّة، بأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم، فهي مجزية] «5». ثمّ إنّك قد عرفت غير مرّة أنّ القول بأنّ العدالة «نفس ظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق» مع كونه غير معقول- كما عرفت- ، غير مصرّح في كلام أحد، بل و لا ظاهر و لا مومئ إليه. نعم، يظهر من المحكي عن بعض كلمات جماعة: الاكتفاء في ثبوتها بالإسلام، و عدم ظهور الفسق.

و كذلك كون العدالة «نفس حسن الظاهر» غير معقول،

لما عرفت من بداهة مضادّتها مع الفسق المجامع لحسن الظاهر، و الشي ء يمتنع أن يفسّر بما يجامع ضدّه، و مع ذلك فهو غير مصرّح به في كلام أحد من المتقدّمين و ان دارت حكايته عنهم في ألسنة بعض المتأخّرين «6». و حيث إنّه حكي هذا القول عن خصوص بعض القدماء بأسمائهم، فلا بأس أن نشير إلى عدم مطابقة هذه الحكاية للواقع بالنسبة إلى من وصل إلينا كلماتهم. فممّن حكي عنه هذا القول: المفيد- في المقنعة- ، حيث ذكر أنّ العدل «من كان معروفا بالدين و الورع عن محارم اللَّه» «7». و لا يخفى أنّ ظاهر هذا الكلام و إن كان تفسير العدل الواقعي بمن عرف بالدين و الورع، لا من اتّصف بهما في نفس الأمر، لكن لا يخفى أنّ تحقّق الدين في نفس الأمر معتبر في العدالة اتّفاقا حتّى ممّن قال بأنّ العدالة هي «الإسلام مع عدم ظهور الفسق» و الكلام إنّما هو في الورع عن المحارم و أنّه معتبر في الواقع أو في الظاهر، أي: فيما يظهر للناس في أحواله، فلا بدّ من أن يراد من العبارة: تفسير العدل المعلوم عدالته، لأنّه الّذي يترتّب عليه الأحكام، دون العدل النفس الأمري مع قطع النظر عن كونه معلوما، فكأنّه قال: «العدل المعروف عدالته من كان معروفا بالدين و الورع» فالعدل الواقعي من له دين و ورع في الواقع، و العدل المعروف بهذه الصفة من كان معروفا بالدين و الورع. نعم: لو التزم أحد أنّ الإسلام الواقعيّ أيضا غير معتبر في العدالة الواقعيّة، كان العدالة عنده: حسن الظاهر من حيث الدين و الورع، لكنّ الظاهر من حكاية هذا القول هو إلغاء الواقع و نفس الأمر بالنسبة إلى الورع لا الدين. و ممّن حكي عنه هذا القول الشيخ في النّهاية «8»، حيث ذكر «أنّ العدل الّذي يقبل شهادته: من كان ظاهره ظاهر الإيمان، ثمّ يعرف بالستر و العفاف». فظاهره إرادة معلوم العدالة، كما لا يخفى. و ممّا ذكر يعلم حال حكاية هذا القول عن القاضي «9» حيث اعتبر في العدالة «الستر و العفاف» و حال حكايته عن التقيّ «10» حيث اعتبر فيها «اجتناب القبائح» الّذي هو أمر واقعيّ، و حال عبارة الجامع «11» حيث اعتبر فيها «التعفّف و اجتناب القبائح» و لا يحضرني كلام غيرهم. و بالجملة: فالقول المذكور بظاهره غير ظاهر من كلام أحد من القدماء، و سيأتي غاية ما يمكن أن يوجّه به هذا القول «12».

هذا كلّه، مضافا إلى أنّ مجرّد وجود القائل لا يثبت القول، بل لا بدّ له من الدليل، و لم نجد في الأدلّة ما يدلّ على كون العدالة الّتي هي ضدّ الفسق «مجرّد حسن الظاهر» و إن استدلّ له بعض متأخّري المتأخّرين «13» بأخبار، هي بين ظاهر في اشتراط قبول الشهادة بالصّفة الواقعيّة الّتي لا دخل لظهورها في تحقّقها و إن كان لظهورها دخل في ترتيب أحكامها- كما هو شأن كلّ صفة باطنيّة واقعيّة من الشجاعة و الكرم، بل العصمة و النبوّة و نحوهما- مثل قوله عليه السلام: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا» «14». و: «لا بأس بشهادة المكاري و الجمّال و الملّاح إذا كانوا صلحاء» «15». و ما ورد في تفسير العسكري عليه السلام «16» من أنّه: «إذا كان الرجل «17» صالحا عفيفا، مميّزا، محصّلا، مجانبا للمعصية و الهوى، و الميل و المخائل «18»، فذلك «19» الرجل الفاضل». و صحيحة ابن أبي يعفور الّتي قد عرفت دلالتها «20». و بين ظاهر في أنّ حسن الظاهر يوجب الحكم على الشخص بالعدالة و قبول الشهادة، فهو طريق إليها لأنفسها، مثل قوله عليه السلام: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن حرمت غيبته و كملت مروّته و ظهرت عدالته و وجبت أخوّته» «21». و قوله: «من صلّى الخمس في الجماعة، فظنّوا به كلّ خير» «22». و ما ورد في قبول شهادة القابلة في استهلال الصبيّ- إذا سئل عنها فعدّلت «23». و ما ورد: «أنّ الشاهد إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «24». و في قبول شهادة المسلم «إذا كان يعرف منه خير» «25». و أنّه «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» «26». و غير ذلك ممّا دلّ على ترتّب أثر العدالة على حسن الظاهر. و هذا شي ء لا ينكره أهل الملكة، فإنّهم يجعلونه طريقا، كما هو ظاهر قوله عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور- بعد تفسير العدالة بما هو ظاهر في اعتبار الصفة النفسانيّة- : «و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساترا لعيوبه» «27». و من هذه الصحيحة و نحوها- مثل قوله: «ظهرت عدالته»- يظهر اندفاع ما يقال: من أنّ ظاهر اشتراط قبول الشهادة بحسن الظاهر- كما دلّت عليه تلك الأخبار بضميمة ما دلّ على اشتراطه بالعدالة- هو اتّحاد العدالة و حسن الظاهر، للإجماع على عدم كونهما شرطين متغايرين، فكون حسن الظاهر طريقا إلى العدالة خلاف ظاهر الاتّحاد، كما إذا ورد أنّه «يشترط في الشاهد العدالة» و ورد أيضا «يشترط فيه حسن الظاهر» فحينئذ يجعل العدالة عبارة عن الاستقامة الظاهريّة

المكاسب، ج 4، ص 333

عليها الإنسان في ظاهر حاله. فإن قلت: إن أراد أهل الملكة من كون حسن الظاهر طريقا، كونه طريقا يعتبر فيها إفادة الظنّ بالملكة أو عدم الظنّ بعدمها، فهو مخالف لظاهر الأخبار المتقدّمة بل صريح بعضها، مثل قوله: «إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «1» فإنّه في قوّة قوله:

«و لا يلتفت إلى باطنه» نظير قوله عليه السلام- في لحوم أسواق المسلمين- : «كلّ و لا تسأل» «2» و مثل قوله: «فظنّوا به كلّ خير» «3» حيث إنّ الأمر بالظنّ- مع أنّه غير مقدور- راجع إلى ترتيب آثار الظنّ و إن لم يحصل هو. و قوله عليه السلام: «ظهرت عدالته» «4» الظاهر في وجوب التعبّد بعدالة ذلك الشخص. و قوله عليه السلام: «من لم تره بعينك يرتكب معصية [و لم يشهد عليه شاهدان] «5» فهو من أهل العدالة و الستر» «6» و غير ذلك. و إن أرادوا أنّه طريق تعبّدي بمعنى أنّه يحكم بجميع أحكام العدالة عند الاطّلاع على حسن الظاهر، فيكون حسن الظاهر عدلا شرعا- كما أنّ مستصحب العدالة عدل شرعا- انتفت الثمرة بين القولين، بل التحقيق أنّه لا تغاير بينهما، بناء على أن يراد من جعل العدالة «حسن الظاهر» كون حسن الظاهر عدالة شرعا، كما أنّ الحالة المسبوقة بالعدالة المشكوك في زوالها عدالة شرعا، فقولهم: «العدل من كان معروفا بكذا» نظير قولهم: «المسلم من أظهر الشهادتين» فالمراد بالعدالة المفسّرة عندهم بحسن الظاهر هي العدالة الظاهريّة، لأنّها هي الّتي يترتّب عليها الآثار دون الواقعيّة مع قطع النظر عن تعلّق العلم بها، لأنّها لا تفيد شيئا، بل يعامل معها معاملة عدمها. و الحاصل: أنّ أرباب القول بحسن الظاهر لا ينكرون كون العدالة هي الاستقامة الواقعيّة المسبّبة عن الملكة، أو مجرّد الاستقامة على طريق الحقّ من فعل الواجبات و ترك المحرّمات و لو من دون الملكة- على الاختلاف المتقدّم، المستفاد من كلمات الأصحاب- إلّا أنّهم جعلوا استقامة الظاهر طريقا تعبّديا إلى ذلك المعنى الواقعيّ بحيث كأنّها صارت موضوعا مستقلّا لا يلاحظ فيها الطريقيّة، و لا يلتفت إلى ذي الطريق، فيستحق إطلاق اسم ذي الطريق عليه، كما يظهر «7» [من ملاحظة إطلاق] «8» أسامي جميع الموضوعات الواقعيّة- كالملكية و الزوجيّة و الطهارة و النجاسة و القبلة و الوقت و غيرها- على مؤدّيات الطرق الظاهريّة، كالاستصحاب و أصالة الصحّة. قلت، أوّلا: إنّه سيجي ء «9» في بيان طرق العدالة أنّه يعتبر في حسن الظاهر إفادته الظنّ بالملكة، و أنّ ما ذكر من الأخبار لا ينهض على إثبات كونه من الطرق التعبّديّة الّتي لا يلاحظ فيها الظنّ بذي الطريق. و ثانيا: لو «10» سلّمنا كونه طريقا تعبّديّا كذلك، لكن هذا لا يوجب تفسير «العدالة» بحسن الظاهر- كما هو ظاهر هذا القول- لأنّ مقتضى هذا التفسير عدم ملاحظة الملكة رأسا حتّى مع العلم بعدمها، فضلا عن صورة الظنّ به، و أين هذا من الطريقية؟. و بالجملة: فهذا القائل إن أراد أنّ «حسن الظاهر» هي العدالة الواقعيّة و لا واقع لها غيره، فهو غير معقول، لما عرفت «11»

من اجتماعه مع الفسق الواقعيّ الّذي هو ضدّ العدالة. و إن أراد أنّ «حسن الظاهر» مع عدم الفسق الواقعيّ هي العدالة، و إن انتفت الملكة في الواقع، فهو و إن كان معقولا، إلّا أنّه خلاف ظاهر ما دلّ على كون العدالة صفة نفسانيّة باطنيّة. و إن أراد أنّه طريق إليها، فإنّ أراد كونه طريقا تعبّديّا و لو مع الظنّ بعدم الملكة، فلا يساعد عليه ما ادّعي من الإطلاقات، فلا يتعدّى لأجلها عن مقتضى الأصل. و إن أراد أنّه طريق إليها مع إفادة الظنّ، فمرحبا بالوفاق. و إن تعدّى عن ذلك إلى صورة الشكّ، فللتأمّل فيه مجال، و الأقوى العدم. ثمّ إنّه يشكل جعل «حسن الظاهر» ضابطا للعدالة مع عدم إناطته بإفادة الظنّ بالملكة، من جهة أنّ مراتب الظهور مختلفة، لأنّ الظاهر و الباطن إضافيّان، فالظاهر لأهل البلد باطن بالنسبة إلى غيرهم، و الظاهر لأهل المحلّة باطن بالنسبة إلى باقي أهل البلد، و الظاهر للجيران باطن لباقي أهل المحلّة، و الظاهر لأهل البيت باطن للجيران، و الظاهر لزوجة الشخص باطن لغيرها، و قد يكون السلسلة بالعكس، فلا يظهر لزوجته ما يظهر لغيرها، و لا يظهر لأهل بلده ما يظهر لغيرهم. و الجواب عنها- بعد تسليم دلالتها و عدم ورودها مورد الغالب من حسن الظنّ «12» بالملكة- معارضتها بما هو أخصّ منها ممّا دلّ على اعتبار الوثاقة بالأمانة و الورع في الإمام و الشاهد، مثل قول الإمام عليه السلام- المحكيّ عنه في الفقه الرضوي- : «لا تصلّ إلّا خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه و ورعه و الآخر من تتّقي سيفه و سوطه» «13»، و رواية أبي عليّ ابن راشد: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» «14» و قوله عليه السلام في تفسير «15» قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ «16» «17». فإن قلت: ما دلّ على كون «حسن الظاهر» طريقا تعبّديا إلى العدالة حاكم على أمثال هذه، نظير أدلّة كون البيّنة طريقا تعبّديّا إليها، مع أنّهم لا يقولون بتقييد أدلّة البيّنة بصورة إفادة الوثوق بالواقع. قلت: التحقيق في ذلك: أنّ ما دلّ من أخبار «حسن الظاهر» على كونه مجوّزا لقبول الشهادة- كرواية يونس «18»- فهو معارض بأدلّة اعتبار الوثوق، و ليس من قبيل الحاكم عليها. و ما دلّ على أنّ العدالة تتحقّق به ظاهرا: ذيل صحيحة ابن أبي يعفور «19»

و رواية علقمة «20» و قوله عليه السلام: «من عامل الناس.. الخبر» «21» و قوله عليه السلام: «من صلّى الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير» «22». فهو و إن كان حاكما عليها. لكن يرد على الكلّ- بعد الإغماض عمّا تقدّم في سندها و دلالتها- : أنّ هذه كلّها منصرفة إلى الغالب، و هي صورة إفادة الوثوق بالدين و الأمانة و الورع. مع أنّ هنا كلاما آخر، و هو أنّه يمكن أن يقال: إنّ ظاهر أدلّة اعتبار الوثوق و الورع اعتباره من باب الموضوعيّة لا من باب الطريقيّة و الكاشفيّة، فإذا كان كذلك فلا ينفع الطريق الغير المفيد للوثوق، و يخصّص به عموم كلّ ما دلّ على اعتبار طريق إلى العدالة و لو كانت بيّنة شرعيّة، فلا يعمل بها إلّا مع اعتبار الوثوق. لكن الإنصاف أنّ الوثوق إنّما اعتبر في المقام من باب الطريقيّة، نظير اعتبار العلم في كثير من الموضوعات.

[طرق إثبات كون المعصية كبيرة]
اشارة

ثمّ كون المعصية كبيرة يثبت بأمور:

الأوّل: النصّ المعتبر على أنّها كبيرة

، كما ورد في بعض المعاصي، و قد عدّ منها- في الحسن كالصحيح المرويّ عن الرضا عليه السلام- من نيّف «23» و ثلاثين، فإنّه كتب إلى المأمون: «من محض الإيمان: اجتناب الكبائر، و هي:

قتل النفس الّتي حرّم اللَّه، و الزنا، و السرقة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير،

المكاسب، ج 4، ص 334

و ما أهلّ لغير اللَّه به من غير ضرورة، و أكل الربا بعد البيّنة، و السحت، و الميسر و هو القمار «1» و البخس في المكيال و الميزان، و قذف المحصنات، و اللواط، و شهادة الزور، و اليأس من روح اللَّه، و الأمن من مكر اللَّه، و القنوط من رحمة اللَّه، و معونة الظالمين و الركون إليهم، و اليمين الغموس، و حبس الحقوق من غير عسرة، و الكذب، و الكبر، و الإسراف و التبذير، و الخيانة، و الاستخفاف بالحجّ، و المحاربة لأولياء اللَّه، و الاشتغال بالملاهي، و الإصرار على الذنوب» «2».

الثاني: النصّ المعتبر على أنّها ممّا أوجب اللَّه عليها النار

- سواء أوعد في الكتاب، أو أخبر النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم أو الإمام عليه السلام بأنّه ممّا يوجب النّار- لدلالة الصحاح المرويّة في الكافي «3» و غيرها على أنّها: ما أوجب اللَّه عليه النار و لا ينافيه ما دلّ على أنّها ممّا «4» أوعد اللَّه عليه النار «5» بناء على أنّ إيعاد اللَّه إنّما هو في كلامه المجيد، فهو مقيّد لإطلاق ما أوجب اللَّه.

الثالث: النصّ في الكتاب الكريم على ثبوت العقاب عليه بالخصوص

، لا من حيث عموم المعصية، ليشمله قوله تعالى وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ «6». و نحو ذلك ما إذا كشف السنّة عن إيعاد اللَّه تعالى، مثل قوله عليه السلام: «من قال في مؤمن ما رأت عيناه أو سمعت أذناه، فهو من الذين قال اللَّه تعالى: الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ.. إلخ «7» «8». و الدليل على ثبوت الكبيرة بما ذكر في هذا الوجه صحيحة عبد العظيم ابن عبد اللَّه الحسني المرويّة في الكافي- عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد اللَّه عليه السلام فلمّا سلّم و جلس تلا هذه الآية الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ «9» ثمّ أمسك، فقال له أبو عبد اللَّه عليه السلام: ما أمسك؟ قال: أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللَّه عزّ و جلّ فقال عليه السلام: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر:

الإشراك باللّه، يقول اللَّه: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «10» و بعده اليأس من روح اللَّه، لأنّ اللَّه تعالى يقول لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ «11»

ثمّ الأمن من مكر اللَّه، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ «12» و منها عقوق الوالدين، لأنَّ اللَّه تعالى جعل العاقّ جبّارا شقيّا في قوله تعالى وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا «13» و قتل النفس الّتي حرّم اللَّه إلّا بالحقّ، لأنّ اللَّه تعالى يقول فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها. «14» (الآية) و قذف المحصنة، لأنّ اللَّه تعالى يقول لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «15» و أكل مال اليتيم، لأنّ اللَّه تعالى يقول الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «16» و الفرار من الزحف، لأنّ اللَّه تعالى يقول وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «17»، و أكل الربا، لأنّ اللَّه تعالى يقول الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ «18» و السحر، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ «19» و الزنا لأنّ اللَّه تعالى يقول وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً «20» و اليمين الغموس الفاجرة، لأنّ اللَّه تعالى يقول الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ «21»

و الغلول، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ «22» و منع الزكاة المفروضة، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ «23» و شهادة الزور و كتمان الشهادة، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «24» و شرب الخمر، لأنَّ اللَّه عزّ و جلّ نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان، و ترك الصلاة متعمّدا و شيئا ممّا فرضه اللَّه، لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم قال: «من ترك الصلاة متعمّدا فَقَد بري ء من ذمّة اللَّه و ذمّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم» و نقض العهد و قطيعة الرحم، لأنَّ اللَّه تعالى يقول أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ «25». قال: فخرج عمرو و له صراخ من بكائه، و هو يقول: هلك من قال برأيه و نازعكم في الفضل و العلم «26».

الرابع: دلالة العقل و النقل على أشدّيّة معصيته ممّا ثبت كونها من الكبيرة أو مساواتها

، كما في قوله تعالى وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «27»، و في الكذب: «شرّ من الشراب» «28»

و كما ورد أنّ: «الغيبة أشدّ من الزنا» «29» و مثل حبس المحصنة للزنا، فإنّه أشدّ من القذف بحكم العقل، و مثل إعلام الكفّار بما يوجب غلبتهم على المسلمين، فإنّه أشدّ من الفرار من الزحف.

الخامس: أن يرد النصّ بعدم قبول شهادة عليه

، كما ورد النهي عن الصلاة خلف العاقّ لوالديه «30».

ثمّ لا إشكال في أنّ الإصرار على الصغيرة من الكبائر، و يدلّ عليه- قبل الإجماع المحكيّ عن التحرير «31» و غيره- «32» النصوص الواردة: منها: أنّه «لا صغيرة مع الإصرار و لا كبيرة مع الاستغفار» «33» فإنّ النفي في الصغيرة راجع إلى خصوص وصف الصغريّة و إن كان في الكبيرة راجعا إلى نفي ذاتها حكماً. و منها: ما عن البحار عن تحف العقول عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: «أنّ الإصرار على الذنب أمن من مكر اللَّه، و لا يأمن مكر اللَّه إلّا القوم الخاسرون» «34» «35» بضميمة ما ورد من أنّ الأمن من مكر اللَّه من الكبائر» «36». و منها: ما رواه في العيون «37» بسنده الحسن- كالصحيح- إلى الفضل بن شاذان، حيث عدّ الكبائر، و عدّ منها: الإصرار على صغار الذنوب. [و في رواية الأعمش- المحكيّة عن الخصال- عدّ منها: الإصرار على صغائر الذنوب «38»] «39» إنّما الإشكال في معنى «الإصرار» و الظاهر بقاؤه على معناه اللغويّ العرفيّ، أعني الإقامة و المداومة عليه و ملازمته، و لا إشكال في أنّ العاصي إذا تاب عن معصيته السابقة ثمّ أوقع معصية أخرى لم يصدق عليه «الإصرار» و لو فعل ذلك مرارا، و إليه ينظر قوله عليه السلام: «ما أصرّ من استغفر» «40» و كذا فحوى: «لا كبيرة مع الاستغفار» «41» فيشترط في صدق «الإصرار» عدم التوبة عن المعصية السابقة. ثمّ إنّه إمّا أن يعزم على غيره مع فعله أولا معه، و إمّا أن لا يعزم عليه، و على الثاني إمّا أن يفعل الغير، و إمّا أن لا يفعله و حكم الجميع أنّه إن كان عازما على العود، فالظاهر صدق «الإصرار» عرفا و إن لم يعد إليها. و يؤيّده مفهوم قوله: «ما أصرّ من استغفر» «42» و قوله عليه السلام في تفسير قوله تعالى وَ لَمْ يُصِرُّوا «43»: «الإصرار أن يحدث الذنب فلا يستغفر اللَّه» «44». و قد عدّ عليه السلام في حديث جنود العقل و الجهل منها: «التوبة»، و جعل ضدّها: «الإصرار» «45»

بناء على أنّ ظاهر السياق كونهما ممّا لا ثالث [لهما]، فتأمّل. و في حسنة ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام: «قال: لا يخلّد اللَّه في النار إلّا أهل الكفر و الجحود و الضلال و الشرك، و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال اللَّه تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «46» قلت: يا ابن

المكاسب، ج 4، ص 335

رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم فالشفاعة لمن تجب من المؤمنين؟ قال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: إنّما شفاعتي لأهل الكبائر، و أمّا المحسنون فما عليهم من سبيل. قال ابن أبي عمير: قلت يا ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم فكيف يكون «1» الشفاعة لأهل الكبائر و اللَّه تعالى يقول وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى «2». و من ارتكب الكبائر فليس بمرتضى؟! قال: يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلّا ساءه ذلك و ندم عليه، و قد قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: «كفى بالندم توبة» و قال عليه السلام: «من سرّت حسنة و ساءته سيّئة «3» فهو مؤمن» فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، فلم يجب له الشفاعة و كان ظالما، و اللَّه تعالى يقول ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ «4». قلت: فكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنّه سيعاقب عليها، إلّا أنّه ندم على ما ارتكب، و متى ندم كان تائبا مستحقّا للشفاعة، و من لم يندم عليها كان مصرّا، و المصرّ لا يغفر له، لأنّه غير مؤمن لعقوبة ما ارتكب، و لو كان مؤمنا بالعقوبة لندم، و قد قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: «لا كبيرة مع الاستغفار، و لا صغيرة مع الإصرار» و أمّا قوله: «و لا يَشْفَعوُنَ إلّا لمن ارتضى» [فإنّهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى] «5» اللَّه دينه، و الدين: الإقرار بالحسنات و السيّئات، فمن ارتضى دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة.. الخبر» «6». و مورده و إن كان في الكبائر، إلّا أنّ ظاهره أنّه لا فرق بينها و بين غيرها في تحقّق «الإصرار» بعدم الندم. ثمّ إنّ عدم الندم و إن جامع عدم العزم على المعصية- كما لو تردّد فيها أو لم يلتفت إليها- إلّا أنّ هذه الصورة خارجة عمّا ذكر سابقا من قوله: «من اجتنب الكبائر لم يسأل عن الصغائر» يعني إذا لم يكفّرها بتوبة أو عمل صالح آخر غير اجتناب الكبائر. ثمّ الظاهر أنّه لا فرق فيما ذكر بين أن يكون العزم على العود حال ارتكاب المعصية الأولى، أو بعدها قبل التوبة. و إن كان عازما على غيره، فإن كان العزم على الغير من زمان ارتكاب الأولى، فالظاهر أيضا صدق «الإصرار» و إن كان بعده قبل التوبة، فمقتضى الأخبار المتقدّمة صدقه لكن العرف يأباه.

و إن لم يكن عازما على الغير، فإن لم يحصل العود فلا إشكال، و إن حصل العود، فإن لم يبلغ حدّ الإكثار فلا إشكال في العدم، و إن حصل الإكثار على وجه يصدق الإصرار عرفا فلا إشكال أيضا. فالحاصل: أنّ الإصرار يصدق بالعزم على العود إلى مطلق المعصية إذا كان العزم مستمرّا من زمان الفعل السابق. و إذا حدث بعد الفعل اعتبر اتّحاد المعصية. و قد لا يصدق إلّا بالفعل، و هو ما إذا تحقّق الإكثار على وجه يوجب الصدق عرفا، و ما يدلّ «7» على عدم العدالة مع عموم قوله: «عن الرجل تقارف «8» الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلّي خلفه أم لا؟ قال: لا» «9» و نحوه. و أمّا العزم المجرّد، فالظاهر عدم تحقّق «الإصرار» بمجرّده و إن أصرّ عليه، لأنّ هذا إصرار على العزم لا على المعصية، إلّا إذا قلنا إنّ العزم على المعصية معصية، و للكلام فيه محلّ آخر. ثمّ أنّه قد يشكل الأمر بناء على القول بوجوب التوبة مطلقا، من جهة أنّ المعصية لا تنفكّ عن الإصرار، لأنّه إذا ترك التوبة عن الصغيرة فقد أخلّ بواجب آخر و هي التوبة، و حيث إنّها فوريّة ففي أدنى زمان «10» يتحقّق الإصرار- كما لا يخفى- ، فيكون الثمرة بين القول بثبوت الصغائر و القول بكون المعاصي كلّها كبائر منتفية أو في غاية القلّة، مثل ما إذا فعل صغيرة فنسيها أن يتوب عنها، و نحو ذلك. و قد أجاب بعض السادة المعاصرين بمنع وجوب التوبة عن المعاصي مطلقا، بل هو مختصّ بالكبائر، و أمّا الصغائر فمكفّرة «11» باجتناب الكبائر و بالأعمال الصالحة.

و هو لا يخلو عن نظر، لعموم أدلّة وجوب التوبة، كما سيجي ء «12» و أدلّة تكفير الأعمال الصالحة لو صلحت، دالّة على عدم وجوب التوبة، و «13» لم يفرّق بين الصغائر و الكبائر، لعموم كثير من أدلّة التكفير بل صراحة بعضها في الكبائر، كما لا يخفى، مع أنّ تكفيرها بالأعمال الصالحة لا ينافي وجوب التوبة عنها. و به يظهر الجواب عن دعوى تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، غاية الأمر تسليم سقوط وجوب التوبة إذا اجتنب الكبائر قربة إلى اللَّه تعالى بعد ارتكاب الصغائر أو عمل بعض الطاعات المكفّرة، لكن التوبة أسبق من الكلّ، لأنّها تحقّق في زمان متّصل بالمعصية لا يمكن فيه تحقّق غيرها غالبا، و المفروض أنّ القائلين بانقسام المعاصي لم يقولوا بتحقّق الإصرار الموجب للفسق بصدور الصغيرة و إن لم يتب عنها، و لم يمتثل اجتناب الكبائر- بل تركها، لعدم التمكّن عنها- و لم يعمل طاعة مكفّرة.

و الحاصل: أنّ عدم وجوب التوبة إمّا لعدم الدليل عليه و عدم المقتضي لها- و إن بقي الذنب غير مكفّر- و إمّا لأنّ غيرها قد يقوم مقامها في التكفير. و الأوّل مردود بعموم الأدلّة، كما سيجي ء «14» و الثاني- مع أنّه خلاف إطلاق الشارع من عدم كون الصغيرة مفضية إلى الكبيرة و إن لم يتب عنها و لم يعمل مكفّرا آخر- لا ينافي وجوب التوبة ما لم يكفّر الذنب بمكفّر آخر غيرها. و لا يجوز أن يكون الوجوب تخييريّا بين التوبة و اجتناب الكبائر و الأعمال المكفّرة، كما لا يخفى. فالتحقيق في الجواب: دعوى كون وجوب التوبة وجوبا عقليّا محضا، بمعنى كونه للإرشاد، و إن أمر بها الشارع أيضا في الكتاب و السنّة، لكن أوامرها إرشاديّة لرفع مفسدة المعصية السابقة، و لا يترتّب على تركها عقاب آخر. و بعبارة اخرى: إنّما وجبت التوبة للتخلّص عن المعصية السابقة، و وجوب التخلّص عن المعصية ليس واجبا شرعيّا يترتّب على تركه «15» عقاب آخر غير العقاب الّذي لم يتخلّص منه، فهي من قبيل معالجة المريض الّتي أمر بها الطبيب، فلا يترتّب على مخالفتها أمر سوى ما يقتضيه نفس ترك المأمور به مع قطع النظر عن الأمر، فإنّا لا نعني بالأمر الإرشادي إلّا ما لا يترتّب على مخالفته سوى ما يقتضيه نفس ترك المأمور به مع قطع النظر عن تعلّق الأمر، و لا على موافقته إلّا ما يقتضيه فعله كذلك و ليس من قبيل الأوامر التعبّديّة الّتي أمر بها السيّد عبده في مقام الاستعلاء و التعبّد، ليترتّب على موافقته ثواب الإطاعة زائدا [عمّا يقتضيه نفس المأمور به مع قطع النظر عن الأمر، و على مخالفته عقاب زائدا] «16» عمّا يقتضيه نفس ترك المأمور به كذلك، و سيجي ء في مقام التعرّض لحكم التوبة ما يوضح ذلك. فترك التوبة ليس من المعاصي الّتي توجب العقاب، و لا يدخل في المعاصي الشرعيّة المنقسمة إلى صغيرة و كبيرة، و إن كان قبح تركها- من حيث إنّه إقامة على العقاب و بقاء عليه- قد يصل إلى حدّ قبح الكبيرة، و قد لا يصل إليه بحسب قبح المعصية الّتي بقي عليها.

خاتمة
في التوبة

و الكلام تارة في حقيقتها، و اخرى في حكم إيجادها، و ثالثة في حكمها بعد الوجود. أمّا حقيقتها: فهي الرجوع إلى

المكاسب، ج 4، ص 336

اللَّه بعد الإعراض عنه، أو الرجوع إلى صراط اللَّه المستقيم بعد الانحراف عنه، و هو يتوقّف على اليقين بكون البعد عن اللَّه تعالى و الانحراف عن سبيل التوجّه إليه خسرانا لا يعدّ ما عداه خسرانا، فبعد ذلك يحدث للنفس بحسب مرتبة ذلك اليقين تألّم نفسانيّ يناسب تلك المرتبة في الشدّة و الضعف، و يعبّر عنه ب «الندم».

و هل يعتبر فيها العزم على عدم العود؟ ظاهر الأكثر: نعم، و قيل: لا. و الأقوى: أنّه إن كان المراد بالعزم: «القصد الّذي لا يتحقّق إلّا بعد الوثوق بحصول ما عزم عليه» فاعتباره ممّا لا دليل عليه، و أنّه يستلزم امتناع التوبة ممّن لا يثق من نفسه بترك المعصية عند الابتلاء بها، كسيّ ء الخلق الّذي لا يثق من نفسه و لا يأمن من وقوعه مكرّرا في شتم من يتعرّض له [بما لا يوجب جواز شتمه] «1» و كالجبان الّذي لا يأمن وقوعه في الفرار عن الزحف، و نحو ذلك. فبقي إطلاق مثل قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: «كفى بالنّدم توبة» «2»

و قوله عليه السلام: «إن كان الندم من الذنب توبة فأنا أندم النادمين» «3» سليما عن المقيّد. و إن أريد: «تحقّق إرادته بعدم عوده إلى المعصية و إن لم يثق بحصول مراده» فهو ممّا لا ينفكّ عن الندم. و هل يعتبر فيها الاستغفار أم لا؟ التحقيق: أنّه إن أريد به: «حبّ المغفرة و شوق النفس إلى أن يغفر له اللَّه» فالظاهر أنّه لا ينفكّ عن الندم.

و إن أريد به «الدعاء للمغفرة» الّذي هو نوع من الطلب الإنشائي، ففي اعتباره وجهان: من إطلاقات الندم «4»، و من مثل قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: «لا كبيرة مع الاستغفار» «5» و قوله: «دواء الذنوب الاستغفار» «6» و قوله: «ما أصرّ من استغفر» «7» و نحو ذلك. ثمّ إنّ ظاهر بعض الآيات و الروايات مغايرة التوبة للاستغفار، ففي غير موضع من سورة هود «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» «8» و عدّهما جندين من جنود العقل في الحديث المشهور في تعداد جنود العقل و الجهل المرويّ في أوّل أصول الكافي، حيث قال عليه السلام:

«التوبة و ضدّها الإصرار و الاستغفار و ضدّها الاغترار» «9» و قوله عليه السلام في المناجات الاولى من الأدعية الخمسة عشر: «إلهي إن كان الندم توبة إليك فأنا أندم النادمين و إن يكن الاستغفار حطّة للذنوب فإنّي لك من المستغفرين» «10». و يؤيّد ذلك ظاهر العطف في الاستغفار المشهور المكرّر في الأدعية و الألسنة: «أستغفر اللَّه ربّي و أتوب إليه». و ممّا يظهر منه الاتّحاد: الجمع بين ما دلّ على أنّ «دواء الذنوب الاستغفار» «11» و أنّ «التائب من الذنب يغفر له و أنّه كمن لا ذنب له» «12» و يؤيّده غير ذلك من الأخبار الّتي يظهر للمتتبّع. و يمكن حمل التوبة المعطوفة على الاستغفار في الآيات و الأخبار على الإنابة، أعني التوجّه إلى اللَّه بعد طلب العفو عمّا سلف، و هذا متأخّر من التوجّه إليه لطلب العفو الّذي هو متأخّر عن الندم الّذي هو توجّه أيضا إلى اللَّه، لكونه رجوعا من طريق البطلان و عودة إلى سلوك الطريق المستقيم الموصل إلى جناب الحقّ، فهي كلّها توجّهات و إقبالات إلى الحقّ يمكن إطلاق التوبة الّتي هي لغة «الرجوع» على كلّ منها. و قد يطلق على المجموع اسم «الاستغفار» كما في الخبر المشهور المرويّ في نهج البلاغة [عن مولانا سيّد الوصيّين] «13» في تفسير الاستغفار في إرشاد من قال «أستغفر اللَّه ربّي و أتوب إليه» بقوله عليه السلام في مقام التأديب: «ثكلتك أمّك! أ تدري ما الاستغفار؟» ثمّ فسره بما يجمع أمورا ستّة: الندم على ما مضى، و العزم على الترك في المستقبل، و قضاء الحقوق الفوتية «14»، و تحليل القوى الحاصلة من الخوض في الشبهات «15» المحرّمة، و أذاقه النفس مرارة الطاعة كما أذاقها حلاوة المعصية» «16». و أمّا حكم إيجادها: فهو الوجوب مطلقا عن الصغائر و الكبائر، و يدلّ عليه من الكتاب قوله تعالى تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ «17» و قوله جلّ ذكره وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «18». و من السنّة ما لا يحصى كثرة «19». و أمّا الإجماع: فقد ادّعاه غير واحد، كصاحب الذخيرة «20»، و شارح أصول الكافي، بل ادّعي هو إجماع الأمّة عليه «21». و أمّا العقل: فالظاهر أنّه حكم بوجوبه عقلا كلّ من قال بالحسن و القبح العقليّين، و استدلّ عليه أفضل المحقّقين في تجريده بأنّه دافع للضرر فيجب «22»، و اعترف به شارح التجريد بناء على مذهب العدليّة «23».

[إثبات العدالة بالشهادة]

ثمّ إنّ الكلام في إثبات العدالة بالشهادة بعد القطع بأنّها تثبت بها في الجملة، يقع في مقامات: الأوّل: أنّها هل تثبت بالشهادة الفعليّة- بمعنى أن يفعل العدلان فعلا يدلّ و يشهد على عدالته، كأن يصلّيا وراءه مع انتفاء احتمال الضرورة- أم لا؟ وجهان: جزم بالأوّل في الدروس «24»، و لعلّه لعموم ما دلّ على وجوب تصديق العادل بل المؤمن، الشامل لتصديق قوله و فعله، فإنّ الفعل كالقول منبئ و مخبر عمّا في ضمير الفاعل فيتّصف بالصدق و الكذب، مثل قوله تعالى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ «25». و ما دلّ على وجوب تصديق المؤمن «26» و إن انصرف كلّ ذلك إلى القول، إلّا أنّ إرادة تصديقه في مطلق ما يدلّك و ينبّئك عليه و يرشدك إليه واضح، فاحتمال تدليسه في فعله كاحتمال خطائه في اعتقاده أو صدور الفعل عنه لداع، مندفع بما يندفع به هذه الاحتمالات المتطرّقة في خبره. نعم لو كان فاسقا لم يقبل منه، لورود الأمر بالتثبّت في خبره. و حمل نفس فعل الفاسق على الصحّة إنّما هو من حيث نفس فعله، لا من حيث إنّه فعل له، فإنّ الفاسق إذا صلّى خلف شخص صلاة الاستيجار استحقّ الأجرة، و لا يلتفت إلى احتمال فسق إمامه، و أمّا من حيث مدلول فعله فهو كمدلول قوله في عدم العمل به، مع أنّ نفس القول الصادر منه من حيث إنّه فعل يحمل على الصّحّة، و لا يلتفت إلى احتمال كونها معصية من جهة كونها شهادة زور. و إلى ما ذكرنا- من أنّ الفعل في دلالته كالقول، و أنّه يقبل مع العدالة و يردّ مع الفسق- ينظر كلام غير واحد من فقهائنا، منهم العلّامة رحمه اللَّه- فيما حكي عنه في نهج الحقّ- حيث قال في مقام الردّ على العامّة القائلين بجواز الاقتداء بالفاسق، ما هذا لفظه: و قال اللَّه تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ.. إلخ «27» أوجب التثبّت عند خبر الفاسق، و من جملته الطهارة الّتي هي من شروط الصلاة (انتهى) «28». و ظاهره أنّ تصدّيه للصلاة إخبار منه باستجماعه للشرائط الّتي منها الطهارة، و حيث فرض فاسقا فلا تعويل على ما يظهر لنا و يدلّ عليه بأفعاله. و لا ينافي ذلك الحكم بصحّة صلاته من حيث إنّه فعله، حتّى يستحقّ ما يستحقّه بالصلاة الصحيحة من الأجرة لو كانت بإجارة، و حصول «29» القبض بها إذا وقعت «30» في أرض موقوفة جعلت مسجدا و نحو ذلك. و يؤيّد ما ذكرنا أنّه لم يتأمّل أحد في العمل بتعديلات أهل الرجال المكتوبة في كتبهم، من أجل أنّ الخبر و النبإ لا يصدق على الكتابة، مع ذهاب أكثرهم إلى أنّ التعديلات من باب الشهادة، و لا في العمل بالأخبار المودعة في كتب الحديث من دون سماعها مشافهة عن المحدّث، و قد شاع

المكاسب، ج 4، ص 337

منهم الاستدلال على ذلك بأدلّة حجيّة الخبر و النبإ، و يعتبرون العدالة في من جمع الروايات في كتابه من جهة آية النبإ و نحوه. و دعوى: أنّ العمل بها باعتبار تلفّظ المؤلّف بها و نقلها مشافهة لمن كان أخذ منه الحديث، تكلّف ضعيف. و من هنا يعلم أنّ اعتبار التلفظ و عدم كفاية الكتابة في البيّنة على الدعاوي إنّما هو لدليل خارج، لا لأنّ أدلّة النبإ لا تشمل ذلك، فهو كاعتبار عدم الواسطة في الشهادة إلّا مع تعذّر شهادة الأصل، فيكتفى بشهادة الفرع في بعض المقامات بشرط وحدة الواسطة. هذا، و لكن الاعتماد على ذلك إذا لم يفد الوثوق بالعدالة في غاية الإشكال، لفقد ما يطمئن به النفس من الدليل عليه تعبّدا. و ما ذكر في عبارة العلّامة و الشهيد لا يدلّ على أنّ فعل العادل معتبر في دلالته نظير اعتبار قوله، فلعلّ مرادهما أنّ الفاسق لا يقبل خبره إذا صرّح به، فكيف يقبل إذا ظهر مطلبه من فعله؟ فإنّ فعله ليس بأقوى من قوله في الحجيّة، فالمراد أنّ فعل الفاسق كقوله الصريح غير مقبول، لا أنّ فعل العادل مقبول كقوله. ثمّ إنّ هذا كلّه بعد فرض ثبوت قاعدة أخرى، و هي أنّ كلّ طريق يجوز للإنسان أن يعمل عليه كالاستصحاب، و البيّنة، و قول العدل، و غيرها يجوز له أن يستند إليه في الشهادة و يشهد بمؤدّاه، كما يظهر هذه الكلّية من رواية حفص ابن غياث- الواردة في جواز الشهادة بالملك استنادا إلى اليد «1»- أمّا لو لم تثبت هذه الكلّية- كما هو ظاهر المشهور- فلا إشكال في أنّ صلاة عدلين لا توجب الحكم بالعدالة ما لم يفد الوثوق. و أمّا الشهادة القولية: و هي شهادة عدلين بعدالته، فالظاهر أنّه لا إشكال، بل لا خلاف في اعتبارها، و يدلّ عليه- مضافا إلى ما يظهر من عموم حجّيّة شهادة العدلين- ما ورد من فعل النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم حيث كان يبعث رجلين من أصحابه لتزكية الشهود المجهولين فيعمل بقولهما جرحا و تعديلا «2»، و ما دلّ على قبول شهادة القابلة إذا سئل عنها فعدّلت «3»، و فحوى ما دلّ على اعتبارها في الجرح، مثل قوله عليه السلام: «من لم تره بعينك يرتكب معصية و لم يشهد عليه شاهدان، فهو من أهل الستر و العدالة» «4». و هل هي معتبرة تعبّدا حتّى لو كان الظنّ على خلافها؟ أو يشترط عدم الظنّ على خلافها؟ أو يشترط إفادتها الظنّ؟ وجوه مبنيّة على ملاحظة إطلاق أدلّة اعتبارها، و انصرافها إلى صورة إفادة الظنّ، أو صورة عدم الظنّ على الخلاف. و يمكن أن يفصّل بين ما إذا كان احتمال كذبه مستندا إلى تعمّد كذبه فلا اعتبار به و لو كان مظنونا، لأنّ الظاهر من أدلّة تصديق العادل بل المؤمن، نفي تعمّد الكذب عنه مطلقا حتّى مع الظنّ، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام: «كذّب سمعك و بصرك عن أخيك» «5» و بين ما إذا كان مستندا إلى خطائه و اشتباهه، فالظاهر اعتبار كونه موهوما «6»، لأنّ ظاهر أدلّة حجّيّة الخبر- خصوصا آية النبإ «7» المفصّل بين العادل و الفاسق- عدم الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه، و أمّا عدم الاعتناء باحتمال خطئه و اشتباهه، فهو ممّا ينفيه ظاهر حال المخبر المعتبر. عند كافة العقلاء إذا كان المخبر به من المحسوسات، أو من غيرها، النازل في ندرة الخطأ و الاشتباه منزلة المحسوسات و لو عند المخبر، لكونه من أهل الخبرة و الاطّلاع بالنسبة إلى مضمون الخبر. لكن مقتضى هذا التفصيل وجوب قبول خبر الفاسق إذا علمنا عدم تعمّد كذبه، و كان احتمال المخالفة للواقع من جهة احتمال خطائه في الحسّ سهوا أو اشتباها. و لعلّ ظاهر كلماتهم يأباه، إلّا أنّ القول به متعيّن، بناء على كون مستند اعتبار خبر العادل و ردّ الفاسق آية النبإ مفهوما و منطوقا، إلّا أن يقوم الإجماع في بعض المقامات، كما بينّاه في مسألة حجّية الإجماع المنقول. بقي الكلام في أنّ مطلق الظنّ بالعدالة هل هو معتبر أم لا؟ وجهان، بل قولان، ظاهر من حصر طريقها بالمعاشرة و الشياع و الشهادة هو الثاني، و صريح بعض المعاصرين هو الأوّل. و يمكن التفصيل بين الظنّ القويّ الموجب للوثوق، و بين غيره، و هو الأقوى. و يشهد للأوّل انسداد باب العلم بالعدالة و عدم جواز الرجوع في جميع موارد الجهل بها إلى أصالة عدمها، و إلّا لبطل أكثر الحقوق، بل ما قام للمسلمين سوق، فتعيّن الرجوع فيها إلى الظنّ، كما في نظائره من الموضوعات بل أكثر الأحكام الشرعيّة عند القائل بعدم وفاء الظنون المعتبرة بالخصوص بأكثر الأحكام. و يمكن الإيراد عليه أوّلا: بإمكان الاقتصار فيها على خصوص الظنّ الّذي دلّ النصّ و الإجماع على اعتباره، كالمعاشرة و شهادة

العدلين و الشياع، كما اقتصر عليه كلّ من حصر الطريق في هذه الثلاثة، أو أضاف إليها «اقتداء العدلين» أو «شهادة العدل» في تزكية الإمام و الراوي. و ثانيا: أنّ الانسداد إنّما يوجب العمل بالظنّ في الجملة، فيجب الاقتصار على الظنّ القويّ المعبّر عنه عرفا ب «الوثوق» و «الأمن» مع إمكان استفادة حجّيّة هذه المرتبة من النصوص، مثل قوله عليه السلام: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و ورعه» «8» و قوله عليه السلام: «إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت «9» شهادته» «10» و قوله عليه السلام: «من عامل الناس فلم يظلمهم..» «11»

و هو المتيقّن من جميع الإطلاقات الدالّة على حسن الظاهر، بل كفاية عدم العمل بالفسق. فإن قلت: إنّ هذه الإطلاقات تدلّ على اعتبار مطلق الظنّ، بناء على أنّ المتيقّن من الخروج عن إطلاقها هي صورة عدم حصول الظنّ، فيبقى الباقي، هذا مضافا إلى قوله عليه السلام- فيما حكي عن الفقيه- : «من صلّى الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير» «12» و في رواية: «فظنّوا به خيرا و أجيزوا شهادته» «13» حيث إنّ الأمر بالظنّ لا يعقل، لعدم كونه اختياريّا، فيدلّ بدلالة الاقتضاء- على الأمر بترتيب أحكام «ظنّ الخير» و منها إجازة شهادته، فيدلّ على أنّ هذه الأحكام ثابتة لمطلق الظنّ. قلت: هذه الإطلاقات- مع الإغماض عن دعوى انصرافها إلى صورة الوثوق لا بدّ من تقييدها بما دلّ على اعتبار الوثوق. فظهر من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوى اعتبار مطلق الوثوق بالملكة، و هو الأوسط بين القولين. ثمّ إنّ الوثوق بالملكة كما يجوز أن يعمل الشخص في أعمال نفسه، كذلك يجوز الشهادة بالملكة استنادا إليه، و يدلّ عليه قوله عليه السلام- في صحيحة ابن أبي يعفور- : «و يجب إظهار عدالته و تزكيته بين الناس» «14» و ما تقدّم من استناد الشاهدين- اللّذين بعثهما النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم لتزكية الشهود المجهولين- الى الظنّ الحاصل من السؤال عن قبيلة الشهود «15». مع أنّه لو انحصر مستند الشهادة في العلم لبطل أمر التعديل، و به تبطل الحقوق، كما لا يخفى.

و الحمد للَّه أوّلا و آخرا.

المكاسب، ج 4، ص 338

3- رسالة في القضاء عن الميّت

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للَّه ربّ العالمين، و صلّى اللَّه على محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللَّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين «1».

مسألة «2» في قضاء الصلاة عن الميت

و الكلام فيه تارة في نفس القضاء، و اخرى في القاضي، و ثالثة في المقضيّ، و رابعة في المقضيّ عنه، و خامسة في أحكام القضاء.

أمّا القضاء عن الميت «3»

فهو عبارة عن فعل العبادة نيابة عن الميّت. و حقيقة النيابة: تنزيل الفاعل نفسه منزلة شخص آخر فيما يفعله. و يظهر من السيّد المرتضى أنّ القضاء عن الميّت ليست نيابة حقيقة، و إنّما هو واجب أصليّ خوطب به القاضي، نعم سببه فوات الفعل عن الميّت، و زاد على ذلك: أنّ الميّت لا يثاب على ذلك، فعن الانتصار- بعد اختيار أنّ الوليّ يقضي الصوم عن الميّت إذا لم يكن للميّت مال يتصدّق به عنه لكلّ يوم بمدّ، مدّعيا عليه الإجماع، و انفراد الإماميّة به، و مخالفة الفقهاء في ذلك الّا أبا ثور- «4» قال: و قد طعن فيما نقوله بقوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى «5» و بما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم من قوله:

«إذا مات المؤمن انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يترحّم عليه، أو علم ينتفع به» «6» و لم يذكر الصوم عنه. و الجواب عن ذلك: أنّ الآية إنّما تقتضي أنّ الإنسان لا يثاب الّا بسعيه، و نحن لا نقول: إنّ الميّت يثاب بصوم الحيّ عنه. و تحقيق القول في هذا الموضع: أنّ من مات و عليه صوم فقد جعل اللَّه هذه الحالة سببا في وجوب صوم الوليّ، و سمّاه قضاء، لأنّ سببه التفريط المتقدّم، و الثواب في هذا الفعل لفاعله دون الميّت. فإن قيل: فما معنى قولهم: «صام عنه»، إذا كان لا يلحقه و هو ميّت ثواب، و لا حكم لأجل هذا الفعل؟ قلنا: معنى ذلك أنه صام، و سبب صومه تفريط الميّت، و قيل: «صام عنه» من حيث كون التفريط المتقدّم سببا في لزوم هذا الصوم.

و أمّا الخبر الّذي رووه، فمحمول على هذا المعنى أيضا، و أنّ المؤمن ينقطع بعد موته عمله، فلا يلحقه ثواب و لا غيره، و الّذي ذهبنا إليه لا يخالف ذلك. و خبرهم هذا يعارض ما رووه عن عائشة «7». ثمّ ساق أخبارا نبويّة تدلّ على النيابة «8» «9» (انتهى). و تبعه في جميع ذلك السيّد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية «10» ثمّ من بعده الفاضل في المختلف «11» في الجواب عن الآية المتقدّمة «12». مع أنّ الشهيد في الذكرى حكى عنه أنّه قال- فيما يلحق الميّت بعد موته- : أمّا الدعاء و الاستغفار و الصدقة و أداء الواجبات الّتي تدخلها النيابة فبالإجماع، و أمّا ما عداها فعندنا أنه يصل إليه «13». أقول: كأنّ السيّد و من تبعه أراد بما ذكر من الجواب عن الآية و الرواية ردّ استدلال العامة بهما على نفي وجوب القضاء الّذي هو المطلوب، لأنّ القضاء لا يستلزم الثواب حتّى يستكشف انتفاء الملزوم عن انتفاء اللازم، و إلّا فشأن السيّد أجلّ من أن تخفى عليه الأخبار الكثيرة الواردة عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام في انتفاع الميّت بما يفعله الأحياء على طريق النيابة أو الهديّة. و قد حكى أكثرها في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى للسيّد الأجلّ ابن طاوس، «14» و لنذكر بعضها تبركا: فمنها: قضيّة الخثعميّة الّتي أتت النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم فقالت: إنّ أبي أدركه الحجّ شيخا زمنا لا يستطيع أن يحجّ، إن حججت عنه أ ينفعه ذلك؟ فقال لها: أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أ كان ينفعه ذلك؟! قالت: نعم، قال: فدين اللَّه أحقّ بالقضاء «15». و منها: ما عن كتاب حمّاد بن عثمان: «قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف اللَّه أجره و نفع به ذلك الميت» «16». و رواه الصدوق أيضا في الفقيه مرسلا «17». و منها: ما عن كتاب المسائل لعليّ بن جعفر عليه السلام: «عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم فيصلي ما أحبّ و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له» «18». و قريبة منها رواية أخرى له «19». و منها: ما حكاه عنه، عن أصل عليّ بن أبي حمزة- الّذي هو من رجال الصادق و الكاظم عليهما السلام- : «قال: و سألته عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته؟ قال: لا بأس به، و يؤجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلة قرابته، قلت: و إن كان لا يرى ما أرى، و هو ناصب؟! قال: يخفّف عنه بعض ما هو فيه» «20». و منها: ما عن أصل هشام بن سالم: «قال: قلت:

يصل إلى الميّت الصلاة و الدعاء و نحو هذا؟ قال: نعم، قلت: أو يعلم من يصنع ذلك؟ قال: نعم، ثمّ قال: يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه» «21». قال في الذكرى: و ظاهره أنّه من الصلوات الواجبة الّتي تركها سبب للسخط «22». أقول: و في هذا الظهور تأمّل. و منها: ما عن ابن محبوب- في كتاب المشيخة- عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «تدخل على الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و الدعاء، قال: و يكتب أجره للّذي يفعله و للميّت» «23». و نحوها: روايتا إسحاق بن عمّار «24» و ابن أبي عمير «25».

و منها: روايات ابن مسلم و ابن أبي يعفور و البزنطي و صفوان بن يحيى عن الصادق و الرضا عليهما السلام أنّه: «يقضى عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن» «26».

و عن كتاب الفاخر «27»: أنّ ممّا أجمع عليه و صحّ من قول الأئمّة عليهم السلام أنّه يقضى أعماله الحسنة كلّها «28». و منها: ما عن كتاب حمّاد بن عثمان: «قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: إنّ الصلاة و الصدقة و الحجّ و العمرة و كلّ عمل صالح ينفع الميّت، حتّى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه، و يقال: هذا بعمل ابنك فلان، و هذا بعمل أخيك فلان- أخوه في الدين- » «29». و مثلها رواية عمرو بن محمد بن يزيد «30». و منها: ما عن عبد اللَّه بن جندب: «قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة و البرّ و الخير أثلاثا، ثلثا له و ثلثين لأبويه، أو يفردهما بشي ء ممّا يتطوّع به، و إن كان أحدهما حيّا و الآخر ميّتا؟ فكتب اليّ: أمّا الميّت فحسن جائز، و أمّا الحيّ فلا، إلّا البرّ و الصلة» «31». و مثلها ما عن محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، أنّه كتب إلى الكاظم عليه السلام مثله، و أجاب بمثله «32». قال

المكاسب، ج 4، ص 339

في الذكرى: قال السيّد: لا يراد بهذه: الصلاة المندوبة، لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات و الحجّ و غيرهما «1». أقول: لعلّ ما ذكره من التوجيه للجمع بينها و بين ما دلّ على جواز ذلك عن الحيّ أيضا، مثل ما عن الكليني بإسناده إلى محمّد بن مروان: «قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين، يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يصوم عنهما، فيكون الّذي صنع لهما، و له مثل ذلك، فيزيده «2» اللَّه ببرّه و صلته خيرا كثيرا» «3».

نعم احتمال هذه الرواية إرادة عدم قطع البرّ عنهما بعد الموت بفعل هذه الأفعال عنهما، فيكون قد برّهما حيّين و ميّتين، بعيد. و حكي عن الحسين بن الحسن الطوسي الكوكبي- في كتابه المنسك- «4» بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة: «قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أحجّ و أصلّي و أتصدّق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال: نعم، تصدّق عنه و صلّ عنه، و لك أجر آخر بصلتك إيّاه» «5». و ظاهر الصلاة عن الغير: النيابة عنه، لا فعلها و إهداء الثواب إليه، فيدلّ على جواز النيابة عن الحيّ في الصلاة، و إطلاق الصلاة «6» و البرّ على ذلك يشعر بعموم رجحان النيابة عن الحيّ في كلّ فعل حسن. ثمّ أنّه «7» إذا جاز الصلاة عنه جاز غيرها، لعدم القول بالفصل ظاهرا بينها و بين غيرها، بل قد روي جواز الاستنابة في الصوم الواجب بالنذر على الحيّ، فقد روي في الفقيه، عن عبد اللَّه بن جبلّة، عن إسحاق بن عمّار «8». بل يمكن استفادة عموم النيابة في كلّ الأعمال الواجبة- عدا ما دلّ الإجماع على عدمه- من الأخبار الدالّة على مشروعيّة قضاء دين اللَّه عمّن هو عليه تبرّعا «9»، ثمّ إثبات مشروعيّة النيابة في المستحبّات بعدم القول بالفصل، فتأمل. و كيف كان: فانتفاع الميّت بالأعمال الّتي تفعل عنه أو يهدى إليه ثوابها، ممّا أجمع عليه النصوص، بل الفتاوى، على ما عرفت من كلام الفاضل «10» و صاحب الفاخر «11»، المعتضد بقضيّة تعاقد صفوان بن يحيى و عبد اللَّه بن جندب و عليّ بن نعمان، على أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته و يصوم عنه و يحجّ عنه، فبقي صفوان يصلّي كلّ يوم و ليلة مائة و خمسين ركعة» «12». فإنّ دعوى كفاية اتّفاق هذه الثلاثة في الكشف عن رضا الإمام عليه السلام غير بعيدة، فكيف إذا ضمّ إلى ذلك دعوى الفاضل و صاحب الفاخر الإجماع على ذلك. و أمّا الآية «13» فيمكن توجيهها بعد مخالفة ظاهرها للإجماع و الأخبار المتواترة بأنّ الثواب على سعيه حال الحياة، فإنّ تحصيل الاخوّة للمؤمنين تعريض للنفس في هذه المثوبات. و أمّا الرواية النبويّة «14»: فهي مسوقة لذكر ما يعدّ عملا للميّت بعد موته من الأفعال المتولّدة من فعله تولّد الغاية، دون الّتي يترتّب على عمله اتّفاقا من دون قصد لترتّبها، فالحصر في الرواية بالنسبة إلى إعمال الميّت المقصود منها الاستمرار بعد الموت، كإعانة الناس بحفر البئر و غرس الشجر و وقف مال عليهم أو إظهار سنّة حسنة، أو ولادة من يستغفر له ممّا يقصد منه البقاء، فهي بمنزلة الأفعال التوليدية للميّت يعدّ عملا له، و الكلام- في المقام- في ما يعمل الغير عنه، كما أنّ ما ورد من أنّ: «من سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة» «15» لا تنافي قوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، «16» و إنّما ينافيه ما يكذب على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم من أنّ: «الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه «17»»

و لذا ردّت عائشة بتلك الآية «18». و قد خرجنا بإيراد الأخبار المذكورة عمّا هو المقصود في هذه الرسالة من وجوب القضاء عن الميّت مع قطع النظر عن انتفاع الميّت بذلك، و قد عرفت أنّه مجمع عليه فتوى «19» و نصّا «20»، و سيجي ء ما يدلّ عليه من النصوص بالخصوص «21». ثمّ المشهور أنّ القضاء معيّن على الوليّ، لا أنّه مخيّر [بينه] «22»

و بين الصدقة، كما عن الإسكافي «23» و السيّد المرتضى «24» و السيّد ابن زهرة مدّعيا عليه الإجماع «25»، لعدم الدليل على إجزاء الصدقة نعم ورد ذلك في النافلة مضافا إلى ظهور الأدلّة «26» في تعيين الصلاة. و الإجماع المدّعى كما ترى. و أضعف منه الاستدلال عليه بالاحتياط.

و أمّا القاضي

فالمحكيّ عن المفيد: النصّ على أنّه إن لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله، و إن لم يكن فمن النساء «27». و عن الإسكافي: أولى الناس بالقضاء عن الميّت أكبر ولده الذكور، و أقرب أوليائه إليه إن لم يكن له ولد «28». و في كلام الصدوقين و الرضويّ: «إنّه يقضي الوليّ، فإن لم يكن له وليّ من الذكور قضى عنه وليّه من النساء «29»» و نسب قول المفيد في الدروس إلى ظاهر القدماء و الأخبار، و اختاره «30». و لعلّه لإطلاق صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام؟ قال:

يقضي عنه أولى الناس بميراثه. قلت: فإن كان أولى الناس به امرأته؟ قال: لا، إلّا الرجال» «31». و مرسلة حمّاد: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام في الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان من يقضيه عنه؟ قال: أولى الناس به، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأته؟ قال: لا، إلّا الرجال» «32». و رواية ابن سنان، عن الصادق عليه السلام- المحكيّة في الذكرى عن كتاب السيّد الأجلّ ابن طاوس- : «قال: الصلاة الّتي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضيه عنه أولى الناس به» «33». إلى غير ذلك. فما أطلق فيه «الوليّ» المراد منه الأولى من غيره، و هو يختلف باختلاف الموجودين من الناس المنتسبين إلى الميّت، فإنّ ولده أولى به من أخيه، و أخوه أولى به من عمه.. و هكذا.

بل قد يدّعى شموله للمولى المعتق و ضامن الجريرة، لأنّهما أولى الناس بالميّت مع فقد الأقارب النسبيّة، و لذا قيل بوجوب القضاء عليهما مع فقد القريب «34». هذا، مضافا إلى أنّ الحكم في صحيحة حفص معلّق على «الأولى بالإرث» «35»، و لا إشكال في صدقه على ما عدا الأولاد مع عدمهم، بل و على المولى و ضامن الجريرة. و أمّا وجه تقديم الولد على الأب: فلعلّه لأنّ أكثريّة نصيبه يدلّ عرفا على كونه أولى بالميّت عن الأب «36» مع أنّ النصّ ورد بأنّ الأكثر نصيبا أولى بالميّت من الأقلّ، كما في صحيحة الكناسي: «و أخوك لأبيك و أمّك أولى بك من أخيك لأبيك «37»» «38» مع أنّ حكم المشهور باستحقاق الولد خصوصا مجّانا الحبوة- الّتي هي عبارة عن خصائص الأب، التي يعزّ على أولياء الميّت أن يروها عند غير الميّت- يدلّ على أولويّته بأبيه من غيره حتّى جدّه. نعم ينافي ذلك كلّه حكم المشهور

المكاسب، ج 4، ص 340

في باب الجنائز بأنّ الأب أولى من الولد في تجهيز الميّت، و لذا تنظّر فيه هناك مائلا إلى مراعاة الإطلاق «1»- هنا و هناك- من يقدّم الأب على الولد «2». و يمكن أن يكون مستند المشهور هناك أنّ الأولى بالميّت من حيث أحكامه و أموره- الّتي لا بدّ أن تصدر باستصواب الأولياء- هو الأب دون غيره، و يمكن استشعار ذلك من قوله عليه السلام: «يصلّي على الجنازة أولى الناس بها» «3» فإنّ الأولى بالجنازة- من حيث انّها جنازة لا بدّ من التصرف فيها و تقلّبها في الغسل و الصلاة و الدفن- هو الأب عرفا.

و الحاصل: أنّ الموضوع للحكم في باب القضاء هو الميّت من حيث شخصه و نفسه الإنساني، و في الجنائز هو جسده و جنازته الّتي يتصرف فيها و يتقلّب، فالأولويّة هنا عليه، و في القضاء له، فتأمّل. و على كلّ حال: فالمراد من «أكثريّة النصيب» أكثريّة نصيب النوع، لأنّها الكاشفة عرفا و شرعا عن أولويّة ذلك النوع، فلو عرض لشخص الوليّ قلّة النصيب لتعدّد أشخاص نوعه- كما لو اجتمع له أب مع عشرة أولاد- فلا يسقط أكبرهم عن الأولويّة، لكونه أقلّ سهما من الأب، لأنّ نوع الولد أكثر سهما فهو أولى.

فما يظهر من بعض المعاصرين من اعتبار أكثريّة نصيب الشخص- حتّى أنّه فصّل في المسألة بين ما دون الخمسة من الأولاد إذا اجتمعوا مع الأب و بين الخمسة و الأزيد «4»-

لم أجد له وجها ظاهرا. ثمّ إطلاق «الأولى بالإرث» في الصحيحة المتقدّمة «5» يشمل المولى المعتق و ضامن الجريرة على الترتيب عند عدم غيرهما من الورثة. إلّا أنّ العبارة المحكيّة عن المفيد «6» و جماعة من القدماء «7» خالية عن التصريح به، لأنّ المحكيّ عن المفيد- المنسوب في الدروس إلى ظاهر القدماء- «أنّه لو فقد أكبر الذكور فأكبر أوليائه من أهله» «8» و لفظ «الأهل» ظاهر في من عدا المعتق و ضامن الجريرة. و ما أبعد ما بين هذا القول و بين القول و بين ما اختاره الشيخ «9» و أكثر من تأخّر عنه من اختصاص التكليف بأكبر أولاده الذكور «10»، و كأنّهم فهموا من صحيحة حفص و مرسلة حمّاد- المتقدّمتين «11»- أنّ المراد من «الأولى بالميّت» أولى الناس به على الإطلاق. و بعبارة أخرى: الأولى من كلّ أحد يفرض وجوده من الناس، لا أولى الموجودين فعلا حين موت الميّت، و لا شك أنّ الأولى على الإطلاق بذلك المعنى هو الولد الذكر. و أمّا أولويّة غيره من طبقات الورثة فأولويّة إضافيّة يلاحظ فيها الموجودون عند الموت. و هذا غير بعيد. مع أنّه لو فرض احتمال الرواية لما ذكرنا احتمالا مساويا وجب الرجوع إلى أصالة البراءة. و ممّا يؤيّد إرادة ما ذكرنا- بل يدلّ عليه- صحيحة حفص و مرسلة حمّاد الصريحتان في نفي التكليف عن النساء، و كلّ من نفاه عنهنّ نفاه عمّن عدا الولد من الذكور، و كلّ من أثبته على من عدا الولد من الذكور أثبته على النساء، فحمل الرواية على ما يعمّ الولد يوجب شذوذ الرواية و ترك العمل بظاهرها بين الأصحاب من التفصيل بين من عدا الولد و بين النساء، فيجب لأجل ذلك حمل «الأولى» على الأولويّة على الإطلاق دون الإضافيّة. نعم يظهر من المدارك العمل بظاهرها من التفصيل «12». ثمّ المراد في كلامهم من «الأكبر»: من لا أكبر منه، فيعمّ المنحصر، كما هو مقتضى إطلاق النصّ «13» و صريح الفتاوى «14». و لو تعدد الأولاد يقدّم الأكبر مع استوائهم في البلوغ، للإجماع و لمكاتبة الصفّار «15» و في دلالتها تأمّل يأتي وجهه. و لو استووا في السنّ فالبالغ مقدّم على غيره، إمّا لأنّه أكبر عرفا و أقرب إلى حدّ الرجال، و إمّا لأنّ التكليف يتعلّق به عند بلوغه، لصدق «أولى الناس به» عليه بحسب النوع، إذ لو اعتبرت الأولويّة الشخصيّة من كل أحد لم يجب عليه بعد بلوغ أخيه أيضا، فإذا تعلّق التكليف به فارتفاعه عند بلوغ أخيه يحتاج إلى دليل، فتأمل. و لو اختلفوا في البلوغ و كبر السنّ، ففي اعتبار البلوغ أو كبر السنّ وجهان: ممّا ذكرنا في تقديم البالغ على غيره مع المساواة، و من إطلاق تقديم الأكبر في النصّ «16» و الفتاوى «17»، و الأوّل لا يخلو عن قوّة. و لو استووا في السنّ و البلوغ، ففي سقوط القضاء عنهم- كما عن الحلّي «18»- لعدم وجود الأكبر، أو ثبوته عليهم على طريق الكفاية و تخييرهم، فإن اختلفوا فالقرعة- كما عن القاضي «19»- أو على طريق التوزيع- كما عن المشهور وفاقا للشيخ «20»- ، أقوال: أقواها الأخير، لأنّ الحكم معلّق بجنس أولى الناس الصادق على الواحد و الاثنين، لما عرفت من أنّ المراد بأولى الناس: الأولى بالنوع، و هو جنس الأولاد، فكأنّه قال: يقضي عنه ولده. و أمّا وجوبه على الكلّ كفاية فلم يثبت، لأنّ الوجوب على الجنس أعم من التوزيع و من الوجوب الكفائي، فالأصل عدم تكليف كلّ منهم بأزيد من حصته و لو على طريق الكفاية.

و بعبارة أخرى: يعلم باستحقاقه العقاب إذا ترك حصته و لم يأت بها صاحبه على أي تقدير، و لا يعلم بأنه بعد قضاء حصته يعاقب على ترك الباقي إذا تركه مع ترك صاحبه. ثم انّ حكم القاضي بالقرعة عند اختلافهما «21» لا وجه له، لعدم جواز الاختلاف بعد وجوب قيامهما «22» بالواجب الكفائي، لأنه لا يسقط عنهما إلّا بعد حصوله في الخارج، فينوي كلّ منهما الوجوب كما في صلاة الميّت. و دعوى وجوب فعل واحد عنه- على أن تكون الوحدة شرطا لصحة الفعل مع تعددهما- ممنوعة. و ممّا ذكرنا يعلم حكم ما إذا كان الواجب ممّا لا يتبعّض كصلاة واحدة أو صوم يوم واحد و في ثبوت الكفّارة عليهما مع إفطار الصوم بعد الزوال- على القول بوجوبه في القضاء عن الغير- وجهان، أقواهما: الوجوب عليهما مع إفطارهما معا، و على المتأخّر إفطارا مع التراخي، فتأمّل. ثمّ إنّ هنا وجوبا كفائيا في الصلاة من جهة أخرى، و هي أنّ الترتيب لمّا كان شرطا في صحّة الصلاة فبعد الحكم بتوزيعها يكون الواجب كفائيا منهما الشروع في القضاء فإذا فرغ من صلاة واحدة كان الشروع في الأخرى أيضا واجبا كفائيا، و هكذا إلى أن يصلّي أحدهما قدر نصيبه، فيتعيّن الباقي على الآخر، فإن اختلفا في السابق بأن أراد كلّ منهما السبق و اللحوق، فلا يبعد القرعة. و لا يشترط في القاضي الحرّيّة، لأنّ الأولويّة بالميّت- الذي هو مناط الحكم- لا يتوقّف على استحقاقه الإرث، بل يقتضيه مع عدم المانع، و لهذا لا يفرّق في الحرّ بين الوارث بالفعل و الممنوع عن الإرث للقتل. و تعلّق الحكم في صحيحة حفص «23» على «الأولى بالإرث» يراد به الأولى بالإرث من حيث القرابة لو خلّيت و نفسها. و لا يشترط أيضا خلوّ ذمته من صلاة فائتة، نعم سيأتي حكم الترتيب بين الفائتة و المتحمّلة في أحكام القضاء

. عليه،

المكاسب، ج 4، ص 341

و أما المقضيّ

فالمحكيّ عن المشهور أنّه جميع ما فات عن الميّت، و عن الشهيد الثاني: نسبته إلى ظاهر النصّ و إطلاق الفتوى «1» و ظاهر عبارة الغنية: الإجماع عليه «2»

و عن الحلّي «3» و سبطه- ابن سعيد- : أنّه لا يقضى إلّا ما فاته في مرض موته «4» و المحكيّ عن [المحقق] «5» في بعض رسائله أنه يقضى ما فاته لعذر كالمرض و السفر و الحيض بالنسبة إلى الصوم، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه «6» و عن الذكرى نسبته إلى السيّد عميد الدين ثمّ اختياره «7» كما عن الشهيد الثاني «8». و الأقوى الأوّل، لإطلاق ما تقدّم من النصوص، خصوصا رواية ابن سنان المتقدمة «9» و دعوى انصرافها إلى ما فات لعذر- إن سلّم- فهو تبادر ابتدائي، كتبادر بعض أفراد الماء من إطلاق لفظه، مع أنّ بعض فروض الترك عمدا ممّا لا إشكال في عدم خروجه عن منصرف الإطلاق، مثل ما إذا وجب عليه الصلاة في حال المرض مع النجاسة أو مع القعود أو الاضطجاع، أو وجب عليه الصلاة حال المطاردة مع العدوّ، فقصّر في فعلها كذلك- على ما هو الغالب في أحوال المرضى و الغازين من ترك الصلوات إذا لم يتمكّنوا من فعلها إلّا كذلك- ثم مات في هذه الحال أو بعد ذلك، فإنّ دعوى خروج مثل هذا عن منصرف إطلاق الأخبار المتقدمة «10» بعيدة عن الإنصاف، و إذا شمل هذا شمل غيره من الصلوات المتروكة عمدا أو المفعولة فاسدة، لعدم القول بالفصل. بل يمكن دعوى شمول الروايات للمفعولة فاسدة، فيشمل المتروكة عمدا لعدم الفصل، فتأمّل. و كيف كان: فدعوى اختصاص الرواية بمن فاته الصلاة لعذر يسقط شرعا معه الصلاة- كالإغماء و فقد الطهورين و نحو ذلك- في غاية البعد، خصوصا لو أريد من عدم تعمّد الفوت عدم التمكن من قضائه أيضا، بحيث لا يعمّ ما تسامح في قضائه حتّى مات. ثم الظاهر أنّ النسبة بين قول الحلّي «11» و مختار المحقق «12» عموم من وجه، لأنّ الفوات في مرض الموت يعمّ الترك عمدا. و على أيّ حال: فالظاهر انصراف الإطلاق في النصّ و الفتوى إلى ما وجب عليه أصالة، فلا يعمّ ما تحمّله بالولاية أو الاستئجار و إن كان العمل بالإطلاق أحوط، بناء على احتمال كون الانصراف هنا نظير الانصراف السابق

و أما المقضيّ عنه

فهو الوالدان لا غير، بناء على المشهور من اختصاص القاضي بالولد الأكبر. نعم اختلفوا في دخول الأمّ من جهة اختصاص رواية حمّاد بالرجل «13» و انصراف رواية ابن سنان إليه «14» فإلحاق المرأة بالرجل قياس- كما صرّح الحلّي «15» و المحقّق و الشهيد الثانيان في حاشيتي الشرائع «16» بل حكي عن جماعة «17». و الأقوى الدخول، وفاقا لصريح المحكيّ عن صوم المبسوط «18» و النهاية «19» و الغنية «20» و المنتهى «21» و التذكرة «22» بناء على عدم الفرق بين الصوم و الصلاة. و حكي في خصوص الصلاة عن الرسالة المحكيّة سابقا عن المحقّق في جواب سؤال جمال الدين المشغري «23» و عن الذكرى «24» و الموجز «25» بل حكي نسبته إلى ظاهر إطلاق الأكثر، إلّا أنّ الموجود في الروضة: انّ اختصاص الحكم بالأب و عدم التعدي إلى الأمّ و غيرها من الأقارب «26» هو المشهور «27». و كيف كان فالأقوى اللحوق، و دعوى الانصراف في رواية ابن سنان «28»

ممنوعة، مضافا إلى مصححة أبي حمزة: «عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث و المرض فلا، و أما السفر فنعم» «29». بناء على عدم القول بالفصل بين الصوم و الصلاة كما يظهر من بعض «30» و على أنّ المسئول عنه وجوب القضاء، لما ذكره في المنتهى من الاتّفاق على الاستحباب في هذه الصور «31». و يمكن أن يكون طرحا الحلّي «32» لهذه الأخبار لكونها آحادا عنده. و هل يشترط في المقضي عنه الحرّية؟ قولان، أقواهما:

العدم، لإطلاق الروايات «33» و دعوى انصرافها إلى الحرّية في غاية البعد. و توهّم كون الأولى بالعبد مولاه، و لا يجب عليه القضاء إجماعا، مدفوع بأنّ المراد بالأولويّة: الأقربيّة في النسب و الأشدّيّة في علاقة القرابة الّتي هي المقتضية للأولويّة بالإرث و لو اجتمع سائر شروط الإرث، و لذا يجب على القاتل لأبيه و إن لم يرثه. و حكي عن فخر الدين عدم الوجوب، قال: و منشأ الإشكال عموم قولهم عليهم السلام: «فعلى وليّه أن يتصدّق عنه من تركته» «34» دلّ بالمفهوم على الحرّيّة، فهذه المسألة ترجع إلى أنّ الضمير إذا رجع إلى البعض هل يقتضي التخصيص أم لا؟ و قد حقّق ذلك في الأصول. و الحقّ عندي عدم القضاء، لما تقدّم «35» (انتهى).

و اعترضه شارح الروضة- بعد نقل هذا الكلام- بأنّا لم نظفر بخبر فيه ذلك، و إنّما الخبر الّذي تعرّض فيه للتصدّق خبر أبي مريم، و ليس فيه ذكر الصوم إلّا بعد التصدّق في إحدى طريقيه و لفظه: «و إن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال صام عنه وليّه» «36» «37» (انتهى). و لا يخفى ضعف ما ذكره فخر الدين، إذ لو سلّم وجود خبر مشتمل على المتمّم المذكور، فمقتضى التبادر و إن كان تقييد المطلق به- و ليس هذا من قبيل العام المتعقّب بالضمير الراجع الى بعض أفراده كما لا يخفى- إلّا أنّ تخصيص الخبر المشتمل على المتمّم «38» لا يقتضي تخصيص باقي «39» المطلقات، لعدم التنافي بينهما. ثمّ إنّ حكم الجارية حكم العبد الميّت.

و أما أحكام القضاء

فيحصل توضيح المهم منها في ضمن مسائل: الأولى: أنّ الظاهر من النص و الفتوى بأنّه «يقضي عن الميّت»، أنّ القضاء عن الميّت نيابة عنه في الفعل، لا أنّه تكليف أصلي على الوليّ. فلا بدّ فيه من نيّة النيابة كما في الحجّ و الزيارة عن الغير، و لا تبرأ ذمّته بإهداء ثواب العبادة إلى الميّت من دون قصد النيابة، بل لا يشرع هذا الفعل بمجرّد هذه الغاية مع عدم اشتغال ذمّته به أصالة، كمن أراد أن يصلّي ظهرا في غير وقته و يهديه إلى الميّت، لأنّ إهداء الثواب فرع وجوده المتوقّف على تحقّق الأمر، المفروض عدمه. و يعتبر في القضاء جميع ما كان معتبرا في فعل الميّت، مع قطع النظر عمّا يعرض باعتبار خصوص مباشرة الفاعل له، فيقصر ما فاته سفرا، و يتمّ ما فاته حضرا، و لا يجب عليه الإخفات في أوّليي الجهريّة لو كان النائب رجلا و الميّت امرأة، و يجب الإخفات لو انعكس الفرض، و كذا الكلام في ستر تمام «40» البدن. و الفرق بينهما و بين القصر و الإتمام: أنّ القصر و الإتمام مأخوذان في ماهيّة الصلاة، و أمّا الجهر و الإخفات فإنّما هو باعتبار كون المباشر للفعل امرأة يطلب خفض صوتها و ستر بدنها عند الصلاة، فهما

المكاسب، ج 4، ص 342

أحكام خصوص الفاعل لا الفعل. و مثلهما الأحكام الثابتة للفاعل باعتبار العجز و القدرة، فإنّ المعيار فيها حال المباشرة للفعل، فيصلّي القادر قائما عمّن فات عنه قاعدا، و يصلّي العاجز قاعدا عمّن فاته قائما. و لا يجب على الوليّ الاستنابة مع عجزه، للأصل. و ربما يحتمل ذلك بناء على أنّ الواجب على الوليّ تحصيل الصلاة بالأجزاء و الشرائط الّتي كانت على الميّت و إبراء ذمّته بصلاة نفسه أو بالاستنابة، فإذا لم يتمكّن من الصلاة الاختياريّة بنفسه تعيّن عليه الاستنابة.

و يضعّفه أنّ الاستنابة مع جوازها مسقطة للواجب المعيّن على الوليّ، لا أحد فردي الواجب المخيّر، فلا يتعيّن عند تعذّر الصلاة الاختياريّة، بل ينتقل إلى بدلها الاضطراري كالصلاة قاعدا أو قائما إذا كان غير راج لزوال العذر، بل و إن كان راجيا، بناء على عدم وجوب تأخير اولي الأعذار، و على وجوب المبادرة إلى براءة ذمّة الميّت. و لكن الأقوى وجوب الانتظار مع رجاء زوال الأعذار، و الأحوط الاستنابة مع عدمه. و في حكم العجز و القدرة: العلم و الجهل المعذور فيه موضوعا أو حكما كمن جهل القبلة فصلّى إلى الجهة المظنونة أو إلى أربع جهات مع عدم الظنّ، أو صلّى في طاهر كان يعتقده الميّت نجسا، فإنّ هذه الأمور و أشباهها تلحق الفعل باعتبار مباشرته، لا باعتبار ذاته. و من هذا القبيل اختلاف الميّت و النائب في مسائل الصلاة، فإنّ العبرة فيها بمعتقد الفاعل تقليدا أو اجتهادا دون الميّت، حتّى لو فاته صلاة يعتقدها قصرا، كما إذا سافر إلى أربعة فراسخ من دون الرجوع ليومه و اعتقدها الوليّ تماما- لاعتقاده اعتبار الرجوع ليومه في الأربعة- وجب القضاء عنه تماما. نعم لا يجب قضاء ما صلّاه «1» الميّت صحيحا إذا اعتقد الوليّ فسادها، و هو واضح. و الفرق: إنّ فعل الميّت بدل عن الواقع إذا كان مخالفا له، أمّا إذا لم يفعل فالفعل يصير تكليفا للوليّ يوقعه بحسب اعتقاده، حتّى لو اعتقد عدم وجوبه على الميّت رأسا لم يجب على الوليّ و إن كان الميّت قد اعتقد وجوبه، كقضاء صلاة الخسوف الّذي لم يعلم به الميّت حتّى انجلى، فلا يجب على الوليّ قضاؤها إذا اعتقد عدم وجوبه، و إن كان الميّت قد اعتقد وجوب القضاء. و يحتمل وجوب القضاء هنا على الوليّ إذا اعتقد استحبابه على تقدير عدم الوجوب، لصيرورة الميّت مشغول الذمّة به في اعتقاده و يمكن إبراء ذمّته فيجب. أمّا إذا لم يعتقد الوليّ استحبابه على تقدير عدم الوجوب فلا يجوز له الإتيان لعدم تأتّي قصد القربة لكن فرض المسألة خلافيّة لا ينفكّ عن رجحان الإتيان من باب الاحتياط. الثانية: هل ما يفعله الوليّ أداء لما فات عن الميّت باعتبار الأمر الأدائي، فيكون فعله تداركا للأداء؟ كما لو فرض موته قبل خروج وقت الصلاة الّتي فاتته، كما إذا مات بعد مضيّ مقدار الصلاة و الطهارة، أو في غير الفرض المذكور أداء لما فات عن الميّت باعتبار الأمر القضائي فيكون تداركا لقضاء الميّت الّذي هو تدارك لفعله الأدائي، لا تداركا أوّليّا لفعله الأدائي؟. و بعبارة أخرى: لا شك أنّ الصلاة عن الميّت كأداء الدين عنه، فهل الملحوظ- في كونه دينا- الأمر الأدائي، أو الأمر القضائي به فيما إذا مات بعد تكليفه بالقضاء؟ وجهان، أظهرهما من أدلّة العبادة عن الميّت و أنّها كأداء الدين عنه، الأوّل، لأنّ ظاهر إطلاق الدين على العبادة إنّما هو باعتبار مطلوبيّتها الأوّليّة، و الأمر بقضائها أمر بأداء ذلك الدين، فإذا لم يؤدّه بنفسه أدّاه عنه الوليّ، ففعل الوليّ بدل الأداء، لا القضاء. و تظهر الثمرة في اعتبار الأمور المعتبرة في القضاء في فعل الوليّ. توضيح ذلك: أنّ ما كان من الشروط معتبرة في الأداء، فلا إشكال في اعتبارها في القضاء، سواء كان القاضي نفسه حيّا أو وليّه «2» بعد موته، لأنّ تدارك الفائتة لا يحصل إلّا بمراعاتها، لأنّ المفروض كونها مأخوذة في الفائت. و أما الشروط المعتبرة في قضاء الصلاة الّتي دلّ عليها الدليل الخاصّ من دون كونها معتبرة في الأداء، فلا بدّ من الاقتصار في اعتبارها على مقدار دلالة الدليل، فإذا دلّ الدليل على اعتبارها في قضاء الشخص عن نفسه فلا يتسرّى إلى قضائه عن غيره. نعم لو قلنا: إنّ الغير إنّما يفعل ذلك القضاء الّذي كان واجبا على الميّت و امتثالا لأمره القضائي، فلا مناص من مراعاة هذه الشروط. و هذا مثل الترتيب بين الفوائت،- بناء على اعتباره في القضاء باعتبار دليل خارج، و ليس باعتبار كونه شرطا في الأداء- ، إذ ليس تأخير المغرب عن عصره المتقدّم شرعا شرطا له، و إنّما هو عارض اتّفاقي له حصل من تدريج الزمان، بل تأخير العصر عن الظهر أيضا ليس إلا باعتبار الأمر الأدائي بالظهر، فإذا فات الظهر و العصر فقد ارتفع الأمر الأدائي بالظهر و برئت الذمّة منه، و وجوب وقوع العصر بعد «3» براءة الذمّة من مطلق الأمر بالظهر- و لو كان أمرا قضائيّا- غير معلوم، فتأمّل حتى لا يتوهّم أنّه رجوع عن لزوم «4» اتّحاد القضاء و الأداء في الشروط، لأنّا نلتزم أيضا أنّ كلّما هو شرط في العصر الأدائي شرط في العصر القضائي، لكن ندّعي أنّ الشرط في العصر الأدائي وقوعها بعد براءة الذمّة عن الأمر الأدائي [بالظهر، دون مطلق الأمر بها، و لازم اعتبار شروط

الأداء في القضاء أنّ العصر القضائي أيضا لا بدّ من وقوعها بعد البراءة عن الأمر الأدائي] «5»، و هذا شي ء حاصل دائما. فالعمدة في وجوب الترتيب بين الفوائت الإجماع المنقول و بعض الأخبار «6» و هي مختصّة بقضاء الشخص عن نفسه، و المفروض أنّ الوليّ نائب عن الميّت في تدارك الأداء، لا في تدارك القضاء حتّى يقتضي ذلك وجوب مراعاة ما وجب على الميّت في قضائه عن نفسه. نعم لا يستبعد أن يستظهر من أدلّة الترتيب في قضائه عن نفسه كون مطلق كذلك، سواء كان عن نفسه أو عن الغير. الثالثة: هل يسقط القضاء عن الوليّ بفعل الغير- كما عن الشيخ «7» و جماعة «8»- أم لا- كما عن الحلّي «9» و آخرين «10»- ؟. الأقوى: الأوّل، لعموم ما دلّ على أنّ الصلاة و الصوم عن الميّت يكتب له «11» و ما دلّ على أنّ العبادة في ذمّة الميّت كالدين، فكما تبرأ ذمّته بأداء كلّ أحد الدين عنه فكذلك العبادة «12»: و قد تقدّم «13» في رواية الخثعميّة قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: «أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم قال صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: فدين اللَّه أحقّ بالقضاء» «14».

المكاسب، ج 4، ص 343

فإذا برئت ذمة الميّت بفعل كل من فعل عنه، فلا يبقى في ذمّته شي ء حتّى يجب على الوليّ قضاؤه، ففعل الغير مسقط للوجوب عن الوليّ بسقوط موضوعه- أعني اشتغال ذمّة الميّت- لا أنّ الغير نائب عن الوليّ أو متحمّل عنه، حتّى يقال: إنّ الصلاة و الصوم لا يتحمّلان عن الحيّ، أو يقال: إنّ المخاطب هو الوليّ فيجب عليه المباشرة، فإنّا لم نحكم بامتثال الوليّ إذا استناب غيره، و إنّما نحكم ببراءة ذمّة الميّت، فلا يكون عليه صلاة أو صيام حتّى يقضيه الوليّ. فيظهر من ذلك كلّه أنّ الاستدلال على المنع بظهور الأدلّة في وجوب المباشرة، أو أنّ الصلاة و الصوم لا تدخلهما النيابة عن الحيّ، في غير محلّه، فإذن ما ذكرنا ينافي التصريح عن المشهور بوجوب مباشرة الوليّ له. و يدلّ على السقوط- مضافا إلى ما ذكرنا- الموثّقة: «في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: لا يقضيه إلّا مسلم عارف» «1». دلّ على عدم إجزاء قضاء غير العارف بالأئمة عليهم السلام و إن كان وليّا، و جواز قضاء العارف و إن لم يكن وليّا. و لا يجوز أن يكون المراد بغير العارف في السؤال، و بالعارف في الجواب خصوص الوليّ، كما لا يخفى. و مرسلة الفقيه عن الصادق عليه السلام: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله» «2». فإنّه بعد قيام القرينة على عدم إرادة ظاهر الخبر- و هو الوجوب الكفائي- ظاهر في أنّ كلّ أحد من أهله مرخّص في إبراء ذمّة الميّت، و تخصيص «الأهل» مع أنّ غيرهم أيضا مرخّص، لأجل حصول مشيئة القضاء فيهم غالبا، دون غيرهم. و الموثّق- كالصحيح- المحكيّ عن زيادات التهذيب، عن أبي بصير: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه قال: يقضيه أفضل أهل بيته» «3». دلّ- بعد قيام الدليل على عدم وجوب القضاء على أفضل أهل البيت- على استحباب تفويض الوليّ القضاء إليه إن لم يكن هو وليّا، و على عدم تفويضه إلى غيره إن كان هو الولي. و استدلّ الحليّ «4» و من تبعه «5» على عدم سقوطه بفعل الغير بما يرجع حاصله إلى أصالة عدم السقوط بعد كون الوليّ هو المخاطب، و زاد في الذكرى: أنّ الصلاة لا تقبل التحمّل عن الحيّ «6». و يعرف الجواب عن ذلك كلّه بما ذكرنا من أنّ الغير ليس متحمّلا عن الوليّ، و إنّما يبرئ ذمّة الميّت فيرتفع الوجوب عن الوليّ. نعم يمكن أن يستدلّ لهم بمكاتبة الصفّار إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام: «رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام، و له وليّان، هل يجوز أن يقضيا عنه جميعا عشرة أيّام، خمسة أيام أحد الوليّين و خمسة أيّام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: يقضي عنه أكبر وليّيه «7» عشرة أيّام ولاء إن شاء اللَّه تعالى» «8». فإنّ المنع عن إقدام الوليّين على القضاء بالتوزيع مع كون أحدهما أكبر، يدلّ على عدم جواز تبرّع الأصغر بقضاء خمسة أيّام. و حمل الأمر بالقضاء على الاستحباب ينافيه- مع كون السؤال عن أصل الجواز- أنّ المستحبّ هو تعجيل إبراء ذمّة الميّت الحاصل بقضاء كلّ منهم خمسة دون صوم الأكبر عشرة ولاء، فالظاهر أنّ الأمر بالولاء لوجوب المبادرة إلى إبراء الذمة، ففيه دلالة على عدم جواز تبرّع غير الوليّ، مضافا إلى اقتضاء تطابق الجواب و السؤال لذلك. و على أيّ تقدير: فقوله عليه السلام: «يقضي عنه» ليس مستعملا في الوجوب بقرينة تقييده بالولاء، فليت شعري كيف استدلّ به المشهور على وجوب تقديم الأكبر عند تعدّد الأولى بالإرث. إلّا أن يقال: إنّ الاستحباب مناف لوجوب المبادرة إلى إبراء ذمّة الميّت، فلو جاز لغير الوليّ القضاء لم يرجّح انفراد الوليّ به على المشاركة. فظاهر الرواية لو حمل على الوجوب نافى مذهبهم في جواز تبرّع الغير، و لو حمل على الاستحباب لم يدلّ على مذهبهم بتعيّن القضاء على الأكبر. ثمّ إنّ ما ذكرنا من سقوط القضاء عن الميّت بفعل الغير يعمّ المتبرّع، و الموصى إليه، و المستأجر. أمّا المتبرّع: فلا فرق فيه بين أن يقع بإذن الوليّ أو بدون إذنه، إذ المفروض عدم تحمّله شيئا عن الوليّ حتّى يحتاج إلى إذنه. و أمّا الموصى إليه:

فإن قبل الوصيّة وجب عليه الفعل و لو كان تبرعا أو أوصى بالاستئجار من مال الموصى اليه على ما يظهر من الذكرى «9» و المحكيّ عن ابن طاوس «10» و غير واحد من المعاصرين «11»،

بل في المناهل دعوى ظهور الاتّفاق عليه «12» و عن التذكرة: أنّه إذا أوصى الإنسان بوصيّة فإنّ وصيّته تنفذ و يجب العمل بها إجماعا «13». و في دلالته على المدّعى نظر.

نعم استدلّ عليه بعموم حرمة تبديل الوصيّة المستفاد من الآية «14» و من الأخبار «15» المستشهدة بالآية. و يظهر من العبارة المحكيّة عن التذكرة أنّ هذا النحو من قبول الوصيّة بمنزلة الوعد لا يجب الوفاء به، قال- في مقام الاستدلال على وجوب قضاء الصوم عن المرأة برواية أبي بصير: «عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوّال، فأوصتني أن أقضي عنها، قال: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، قال: لا تقضي عنها فإنّ اللَّه تعالى لم يجعله عليها، قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال: كيف تقضي شيئا لم يجعله اللَّه عليها، فإن اشتهيت أن تصوم فصم لنفسك» «16»: استفسر عليه السلام عن حصول البرء أوّلا، و لو لم يجب القضاء مع البرء لم يكن للسّؤال معنى. ثمّ قال: لا يقال: قد حصلت الوصية فجاز أن يكون الوجوب بسببها. لأنا نقول: الوصية لا تقتضي الوجوب، أما مع عدم القبول فظاهر، و أما مع القبول فلأنّه راجع إلى الوعد «17» (انتهى). و كيف كان: فهل الوصيّة النافذة تسقط الوجوب عن الوليّ، أم لا؟ صريح الشهيدين «18» و صاحب الموجز «19» و شارحه «20» و صاحب الذخيرة «21» ذلك، و لعلّه «22» لأنّ بعد فرض وجوب العمل بوصيّته لا يجب الفعل الواحد عينا على مكلّفين، و إرجاعه إلى الوجوب الكفائي مخالفة لظاهر التكليفين، و الحكم بالوجوب على الوليّ مناف لفرض نفوذ الوصيّة، فإنّ التحقيق أنّ دليل وجوب العمل بالوصيّة حاكم على أدلّة مثل هذا الحكم، أعني الوجوب على الوليّ، و إلّا فكلّ واقعة قبل تعلّق الوصيّة بها لها حكم غير ما تقتضيه الوصيّة، و لذا لم يستدلّ الشهيد رحمه اللَّه «23» و من تبعه «24» على السقوط بأزيد من أنّ العمل بما رسمه الموصي واجب. نعم زاد صاحب الذخيرة: أنّ المتيقن من موارد الوجوب على الولي ما إذا لم يوص الميت «25». و لا بأس به، لأنّ الظاهر من قول السائل: «يموت الرجل و عليه صلاة أو صيام من يقضيه؟» «26» فرض عدم وجود من أقدم على إبرائه و وجب عليه ذلك. و ربّما يقال أيضا: إنّ النسبة بين أدلّة الوجوب على الوليّ و أدلّة وجوب العمل بالوصيّة

المكاسب، ج 4، ص 344 عموم من وجه، و الترجيح مع أدلّة الوصيّة. و فيه نظر، بل التحقيق الحكم بحكومة أدلّة الوصيّة كما يحكم في سائر الموارد، لما عرفت من أنّ كلّ وصيّة فهي ترد على واقعة لها حكم و دليل لو لا الوصيّة، فلا يعارض بدليلها أدلّة الوصيّة، فلاحظ، فأدلّة العمل بالوصيّة شبيهة بأدلّة النذر و شبهه. و يظهر من شرح الوحيد البهبهاني:

عدم السقوط عن الوليّ بالوصيّة، بل يكون الوجوب عليهما نظير الكفائي «1». فإن أراد به كون الوجوب كذلك من أوّل الأمر و حين موت المقضيّ عنه، ففيه نظر عرفت وجهه. و إن أراد أنّ السقوط مراعى بفعل الوصيّ، فلا تبرأ ذمّته مطلقا إلّا بعد فعله، و لو تركاه استحقّا العقاب، فلا بأس به، لكن لا يجب تحصيل العلم أو الظنّ على الوليّ بقيام الوصيّ به، بل لو ظهر له فواته من الوصيّ بحيث لا يمكن له الإتيان بموته أو نحوه، تعيّن على الوليّ، للعمومات السليمة عن المعارض. إلّا أن يقال- بعد تسليم ما ذكر سابقا من كون مورد الحكم في الأخبار غير صورة إيصاء الميّت- : لا دليل على عود الوجوب بعد تحقّق السقوط. و أمّا الاستيجار: فلا كلام فيه من حيث براءة ذمّة الميّت بفعل الأجير إذا فعلها على الوجه الصحيح، سواء كان له وليّ فكان المستأجر هو أو غيره، أم لم يكن له وليّ. و إنّما الكلام في صحّة الاستيجار و عدمها. و الثمرة بعد الاتّفاق على الصحّة، لو وقع من الأجير صحيحا كما لو وقع من غيره من في أمرين: أحدهما: انتقال مال الأجرة إلى الأجير. و الثاني: أنّ كون الداعي للعمل هو تحصيل استحقاق الأجرة غير قادح في نيّة القربة المعتبرة في جميع العبادات. فنقول: أمّا صحّة الاستيجار: فالحقّ صحّته وفاقا للمعظم، لوجوه:

الأوّل: الإجماعات المستفيضة عن جماعة كالشهيد قدّس سرّه حيث قال في الذكرى: إنّ هذا النوع ممّا انعقد عليه إجماع الإماميّة الخلف و السلف، و قد تقرّر أنّ إجماعهم حجّة قطعية «2» (انتهى). و حكي الإجماع أيضا عن الإيضاح «3» و جامع المقاصد «4» و إرشاد الجعفرية «5». بل عن ظاهر مجمع الفائدة أيضا «6»، و عن بعض الأجلّة- كأنّه صاحب الحدائق- عدم الخلاف في المسألة «7». و يؤيّد ذلك- مضافا إلى الشهرة العظيمة، إذ لم يخدش في ذلك إلّا صاحبا الكفاية «8» و المفاتيح «9»- استقرار سيرة الشيعة في هذه الأعصار و ما قاربها من المجتهدين و العوام و المحتاطين على الاستيجار و الإيصاء به. و يدلّ على المسألة- مضافا إلى ما عرفت- أنّ المقتضي لصحّة الاستيجار موجود و المانع مفقود، لاتّفاق المسلمين على أنّ كلّ عمل مباح «10» مقصود للعقلاء لا يرجع نفعه الى خصوص العامل و لم يجب عليه يجوز استئجاره عليه، و منع «11»

تحقّق الإجماع في خصوص كلّ مقام ضروري الفساد عند أدنى محصّل، إذ لم تسمع المناقشة في هذه القاعدة و مطالبة الدليل على الصحّة في كلّ مورد من الأعمال المستأجر عليها كما في الأعيان المستأجرة. هذا كلّه مضافا إلى العمومات الدالّة على صحّة إجارة الإنسان نفسه، كما في رواية تحف العقول «12» و غيرها «13» و عمومات الوفاء بالعقود «14» و حلّ أكل المال بالتجارة عن تراض «15» و عمومات الصلح إذا وقعت المعاوضة على جهة المصالحة «16». و بالجملة: فالأمر أظهر من أن يحتاج إلى الإثبات. ثمّ إنّ ما ذكره المخالف في المقام لا يوجب التزلزل فيما ذكرناه من الدليل، إذ المحكيّ عن المحدّث الكاشاني في المفاتيح ما هذا لفظه: «أمّا العبادات الواجبة عليه الّتي فاتته، فما شاب منها المال كالحجّ يجوز الاستئجار له كما يجوز التبرّع به عنه بالنصّ و الإجماع، و أمّا البدنيّ المحض- كالصلاة و الصيام- ففي النصوص أنّه «يقضيها عنه أولى الناس به» «17»، و ظاهرها التعيّن عليه، و الأظهر جواز التبرّع بهما عنه من غيره أيضا. و هل يجوز الاستيجار لهما عنه؟ المشهور نعم، و فيه تردّد، لفقد نص فيه، و عدم حجّيّة القياس حتّى يقاس على الحجّ أو على التبرّع، و عدم ثبوت الإجماع بسيطا و لا مركّبا، إذ لم يثبت أنّ كلّ من قال بجواز التبرّع «18» قال بجواز الاستيجار لهما. و كيف كان: فلا يجب القيام بالعبادات البدنيّة المحضة بتبرع و لا استئجار، إلّا مع الوصيّة» «19» (انتهى). و الظاهر أنّ استثناء الوصيّة من نفي الوجوب رأسا، فيجب مع الوصيّة في الجملة، لا مطلقا حتّى يشمل الوصيّة بالاستئجار، كما زعمه بعض فأورد عليه بأنّه لا تأثير للوصيّة في صحّة الاستيجار. و كيف كان: فحاصل ما ذكره- كما حصّله بعض- يرجع إلى التمسّك بالأصل. فإن أراد أصالة الفساد بمعنى عدم سقوطه عن الوليّ و عدم براءة ذمّة الميّت، ففيه أنّه لا يعقل الفرق بين فعل الأجير إذا وقع جامعا لشرائط الصحّة و فعل المتبرّع في براءة ذمّة الميّت و الوليّ في الثاني دون الأوّل و إن قلنا بفساد أصل الإجارة. و دعوى عدم وقوع فعل الأجير صحيحا، لعدم الإخلاص- مع أنّه كلام آخر يأتي الإشارة إليه- مدفوعة بأنّه قد لا يفعله الأجير إلّا بنيّة القربة، إذ الاستيجار لا يوجب امتناع قصد القربة. و إن أراد به أصالة فساد الإجارة، بمعنى عدم تملّك الأجير للأجرة المسمّاة و عدم تملّك المستأجر العمل على الأجير ليترتّب عليه آثاره، ففيه ما عرفت سابقا من أنّه لا معنى لمطالبة النصّ الخاصّ على صحّة الاستيجار لهذا العمل الخاصّ من بين جميع الأعمال الّتي يعترف بصحّة الاستيجار عليها من غير توقف على نص خاصّ، فهل تجد من نفسك التوقّف في الاستيجار لزيارة الأئمة عليهم السلام من جهة عدم النصّ الخاصّ، و كون إلحاقه قياسا محرّما؟. و الحاصل: أنّ التوقّف في صحّة الاستيجار في هذا المورد الخاصّ من جهة عدم الدليل في غاية الفساد، مضافا إلى ما عرفت سابقا من وجود النصّ على صحّة الاستيجار على الصوم، أو على ما هو بمنزلة الاستيجار- كالجعالة و المصالحة- مثل ما عن الصدوق في الفقيه، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن إسحاق ابن عمّار، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «في رجل جعل عليه صياما في نذر فلا يقوى. قال: يعطي من يصوم عنه كلّ يوم مدّين» «20» فإنّ غاية الأمر حملها على الاستحباب على فرض انعقاد الإجماع على عدم وجوب الاستنابة عند العجز، لكنّه كاف في إثبات المشروعيّة. ثمّ إنّ لصاحب المفاتيح دعوى أخرى في هذا المقام من جهة عدم قصد التقرّب فيما يفعله الأجير، تبع فيه بعض من تقدّمه، قال في المفاتيح- على ما حكي عنه- ما هذا لفظه: «و الّذي يظهر لي أنّ ما يعتبر فيه التقرّب لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا، لمنافاته الإخلاص، فإنّ النيّة- كما مضى- ما

المكاسب، ج 4، ص 345

يبعث على الفعل، دون ما يخطر بالبال. نعم يجوز فيه الأخذ إن اعطي على وجه الاسترضاء أو الهدية أو الارتزاق من بيت المال من غير تشارط. و أمّا ما لا يعتبر فيه ذلك، بل يكون الغرض منه مجرّد صدور الفعل على أيّ وجه اتّفق، فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط فيما له صورة العبادة فيكون مسقطا للعقاب عمّن وجب عليه و إن لم يوجب الثواب له. و أمّا جواز الاستيجار للحجّ- مع كونه من القسم الأوّل- فلأنّه إنّما يجب بعد الاستيجار و فيه تغليب لجهة الماليّة، فإنّه إنّما يأخذ المال ليصرفه في الطريق حتّى يتمكّن من الحجّ، و لا فرق في صرف المال في الطريق بين أن يصدر من صاحب المال أو نائبه. ثمّ إنّ النائب إذا وصل إلى مكّة و تمكّن من الحجّ أمكنه التقرّب به، كما إذا لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوّع. أو نقول: إنّ ذلك أيضا على سبيل الاسترضاء للتبرّع، أما الصلاة و الصوم فلم يثبت جواز الاستيجار لهما كما مرّ» «1». و ربما يستفاد هذا من كلام بعض من سبقه كما سيجي ء. و الجواب عنه، أوّلا: بالنقض ببعض الواجبات و المستحبّات المعتبر فيها التقرّب، كالحجّ و صلاة الطواف و الزيارات المندوبات إذا وقعت الإجارة على نفس الأفعال فقط أو مع المقدّمات. و دعوى خروجها بالنص و الإجماع إن رجعت إلى دعوى عدم اعتبار القربة فيها كانت فاسدة بالبداهة، و إن رجعت إلى دعوى الفرق بينها و بين الصلاة و الصوم في منافاة الأجرة لقصد القربة فيهما دونها، فأظهر فسادا من الأوّل، ضرورة اتّحاد القربة المعتبرة في جميع العبادات. و أمّا ثانيا: فبالحلّ، و قد تقرّر بما حاصله: جعل التقرّب صفة للفعل و استحقاق الأجرة غاية، فيقال: إنّ النيّة مشتملة على قيود: منها كون الفعل خالصا للَّه سبحانه، و منها كونه أداء أو قضاء، عن نفسه أو عن الغير، بأجرة أو بغيرها، و كلّ من هذه القيود غير مناف لقصد الإخلاص، و الأجرة فيما نحن فيه إنّما وقعت أوّلا و بالذات بإزاء القيد الثاني- أعني النيابة عن زيد- بمعنى أنّه مستأجر على النيابة عن زيد بالإتيان بهذه الفريضة المتقرّب بها، و قيد القربة في محلّه على حالة لا تعلّق للإجارة إلّا من حيث كونه قيدا للفعل المستأجر عليه. نعم لو اشترط في النيابة عن الغير التقرّب زيادة على التقرّب المشروط في صحّة العبادة، اتجه منافاة الأجرة لذلك، إلّا أنّه ليس بشرط إجماعا. و بالجملة: فإنّ أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه، لكنّ الداعي عليها و الباعث عليها مع التقرّب هو هذا المبلغ الّذي قرّر له. و لذلك نظائر في الشرع يوجب رفع الاستبعاد، مثل صلاة الاستسقاء و الاستخارة و طلب الحاجة و الولد و الرزق، و نحوها ممّا كان الباعث عليها أحد الأغراض، فإنّ أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه و يتقرّب بها إليه جلّ ذكره، و لكن الحامل عليها أخذ الأمور المذكورة، بمعنى أنّه يأتي بالصلاة الخالصة لوجه اللَّه لأجل هذا الغرض الحامل عليها «2» (انتهى). و لا يخفى ما فيه، لابتناء ما ذكره المحدّث المتقدّم على اعتبار كون القربة و الإخلاص داعيا و حاملا على الفعل بحيث لا يشركه بغيره و هو الحقّ الّذي لا محيص عنه، فجعل الغرض و الداعي أمرا آخر مخالف لذلك. مع أنّ كون القربة و الإخلاص من قبيل الأداء و القضاء من قيود الفعل لا محصّل له، بناء على أنّ قصد القربة عبارة عن قصد امتثال أمر اللَّه و طلب رضا اللَّه بذلك الفعل. فالتحقيق في الجواب أن يقال: قد عرفت سابقا أن معنى النيابة هو تنزيل الشخص منزلة الغير في إتيان العمل الخاصّ، و قد عرفت أيضا مشروعيّته و رجحانه، و مقتضى هذا التنزيل كون الفعل المقصود به حصول التقرّب و الثواب موجبا لتقرّب ذلك الغير، لا العامل، لأنّه لم يتقرّب بذلك الفعل إلّا بعد تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه، فصار المنوب عنه هو المتقرّب، و لذا يعود النفع إليه. ثم إنّ هذا التنزيل هو بنفسه فعل يمكن أن يقع للدواعي المختلفة، فقد يكون الداعي ما حكم العقل و النقل به من حسن هذا التنزيل و أنّه محبوب للَّه تعالى و أنّ الفاعل يثاب عليه، فلا يوقع هذا التنزيل إلّا للَّه تعالى. و قد يكون الداعي عليه حبّ ذلك الغير لأمر دنيوي- كقرابة أو صداقة أو إحسان يريد مكافأته أو غير ذلك- من غير التفات إلى كون هذا التنزيل ممّا أمر به استحبابا و أراده الشارع، و هذا هو الأكثر في العوام حيث لا يكون الداعي و الحامل لهم على العمل إلّا ما يسمع من وصول النفع إلى الميّت بهذه العبادة أو هذه الصدقة، و لا يلتفتون إلى وصول

نفع و ثواب إليهم، بل لا يعتقدونه، بل قد لا يصدّقون من يخبرهم بذلك قائلين: إنّا نفعل هذا و ثوابه لميّتنا، و لا شكّ أنّ النيابة بهذا القصد لا يوجب عدم صحّة العمل، لأنّ التقرّب على وجه النيابة حاصل. نعم النيابة على وجه التقرّب غير حاصل، و الموجب لصحّة الفعل على وجه النيابة هو الأوّل، و الثاني يعتبر في صحّة نفس النيابة الّتي هي عبادة باعتبار تعلّق الأمر الاستحبابي به عقلا و نقلا. إذا عرفت هذا فنقول: كون الداعي على النيابة و تنزيل نفسه منزلة الغير في إتيان الفعل تقرّبا إلى اللَّه هو مجرّد استحقاق الأجرة، إنّما يوجب عدم الخلوص و التقرّب في موافقة أوامر النيابة و عدم حصول ثواب للنائب، لعدم امتثاله أوامر النيابة و عدم إخلاصه فيها، و هذا لا يوجب عدم صحّة العمل الّذي جعل نفسه فيه بمنزلة الغير و أتى به عنه تقرّبا إلى اللَّه، فالنيابة عن الميّت لمجرّد استحقاق الأجرة كالنيابة عنه لمجرّد محبّة الميّت لكونها زوجة للنائب قد شغفته حبّا لحسنها، بحيث لا يريد من صدقاته و عباداته عنها إلّا مجرّد إيصال الثواب إليها، أو كالنيابة عنه لكونه محسنا إليه في أيّام حياته و معينا له في أمر دنياه أو دينه. نعم لو نوى الأجير النيابة عن الميّت لأجل إيصال النفع إلى أخيه المؤمن و لأجل امتثاله للوجوب الحاصل من جهة وجوب الوفاء بالعقود، كان مثابا في عمله مأجورا في الدنيا و الآخرة. و عليه يحمل ما ورد من قول الصادق عليه السلام لمن استأجره للحجّ عن إسماعيل- بعد ما شرط آدابا كثيرة- : «انه إذا فعلت كذلك كان لإسماعيل واحد بما أنفق من ماله، و لك تسعة بما أنعمت من ربّك» «3». ثمّ إنّ هنا كلمات للفقهاء لا بأس بإيرادها ليعلم حالها بمقايسة ما ذكرنا من التوجيه في نيّة التقرّب، و أنّ ما ذكره المحدّث الكاشاني «4» موافق لبعضها، فنقول- تعويلا على ما حكي عنهم- : قال في القواعد: و كذا

المكاسب، ج 4، ص 346

لو آجر نفسه للصلاة الواجبة عليه، فإنّها لا تقع عن المستأجر، و هل تقع عن الأجير؟ الأقوى العدم. «1» (انتهى). و حكي اختيار عدم وقوعها عن الأجير عن الإيضاح «2» و جامع المقاصد «3» معلّلا بأنّ الفعل الواحد لا يكون له غايتان متنافيتان، إذ غاية الصلاة التقرّب و الإخلاص خاصّة، و غاية العبادة في الفرض حصول الأجرة، و لأنّه لم يفعلها عن نفسه لوجوبها عليه بالأصالة [بل لوجوبها عليه بالإجارة لمكان أخذ العوض في مقابلها، فلا يكون هي الّتي في ذمّته، لأنّ الّتي في ذمّته هي الواجبة عليه بالأصالة] «4». و وجه غير الأقوى أنّ ذلك علّة و باعث في حصول الداعي إلى الصلاة الجامعة لما يعتبر في صحّتها، فكان كالأمر بالصلاة و نحوها ممّن يطاع، و كما في الاستيجار للصلاة عن الميّت و الحج و غيرها من العبادات، و علّيته للداعي لا تبطل الفعل. و أجاب في جامع المقاصد بأنّ العلّة متى نافت الإخلاص و كانت غاية اقتضت الفساد، و العلّة و الغاية هنا حصول الأجرة «5». و حكي عن الإيضاح ما في معنى هذا، و زاد: إنّ الإجماع فرّق بين هذه الصورة و الاستيجار عن الميّت «6». و عن جامع المقاصد: أنّه متى لحظ في الصلاة عن الميّت فعلها لحصول الأجرة كانت فاسدة «7». (انتهى ما حكي عن هؤلاء في هذا المقام) و عليك بالتأمّل فيها و فيما ذكرناه قبل ذلك. ثمّ إنّ بما ذكرنا يعلم أنّه لا حاجة في صلاة الاستيجار إلى قصد التقرّب باعتبار الوجوب الحاصل بالإجارة- كما زعمه بعض «8»- لأنّ ذلك الوجوب توصّلي لا يحتاج سقوطه إلى قصده، و جعله غاية و التقرّب المحتاج إليه في صحة الصلاة لتبرّي ذمّة المنوب عنه لا يعقل أن يكون باعتبار ذلك الوجوب التوصّلي، و إلّا للزم الدور، فإنّ صحّة الاستيجار الّتي يتوقّف عليها حصول الوجوب موقوفة على فعل الصلاة عن النائب متقرّبا إلى اللَّه، فكيف يكون فعله بقصد التقرّب موقوفا على حصول الوجوب؟! اللَّهم إلّا أن يقال: فعله عن الميّت متقرّبا إلى اللَّه شي ء ممكن قبل الإجارة باعتبار رجحان النيابة عن الغير في العبادات عقلا و نقلا، فإذا وقع في حيّز الإجارة تبدّلت صفة ندبه بصفة الوجوب، كما في صلاة التحيّة الّتي تقع في حيّز النذر. و فيه نظر، مع أنّ ما ذكر من قصد التقرّب باعتبار الوجوب الحاصل بالإجارة إنّما يصحّح الفعل المستأجر عليه، أمّا إذا وقعت المعاوضة على وجه الجعالة، أو أمره بالعمل عن الميّت، فعمل رجاء للعوض من دون سبق معاملة، فلا يجري ما ذكره، لعدم الوجوب، فينبغي أن لا يصحّ فعله له لداعي استحقاق العوض، مع أنّ الظاهر عدم القول بالفصل بين الإجارة و الجعالة و فعل العمل عقيب أمر الآمر به غير ناو للتبرّع. ثمّ إنّ المحقّق القميّ رحمه اللَّه في بعض أجوبة مسائله ذكر أنّ الاعتماد في صحّة الاستيجار للعبادة على الإجماعات المنقولة، دون ما ذكره الشهيد في الذكرى من الاستدلال عليه بمقدّمتين إجماعيّتين الراجع إلى ما ذكرنا في الوجه الثاني من وجود المقتضي و انتفاء المانع. إحداهما: إنّ العبادة عن الغير يقع عنه و يصل اليه نفعه، و هذه المقدّمة ثابتة بإجماع الإمامية و النصوص المتواترة. و الثانية: إنّ كل أمر مباح يمكن أن يقع للمستأجر يجوز الاستيجار له، و هذه أيضا إجماعية. و علّل عدم الاعتماد على هذا الاستدلال بأنّه مستلزم للدور، و لم يبيّن وجهه في ذلك الموضع، بل إحالة إلى بعض مؤلّفاته «9». و كأنه أراد بالدور ما ذكرنا، بناء على أنّ قصد التقرّب المعتبر في المقدّمة الاولى من دليله- و هي وقوع العمل عن الغير و وصول نفعه إليه- موقوف على النتيجة، و هي صحّة استئجاره للعمل عن الغير ليحصل الأمر فيقصد التقرّب بامتثال هذا الأمر، إذ مع قطع النظر عن الإجارة لم يتعلّق أمر بإيقاع العمل عن الغير في مقابل العوض حتّى يتصوّر فيه قصد التقرّب. نعم تعلّق الأمر في الأخبار الكثيرة بإيقاع العمل عن الميّت تبرّعا، «10» و هذا ليس منه «11». و قد عرفت ممّا ذكرنا في بيان قصد التقرب أنّ التقرّب إنّما يقصد في الفعل الّذي يتعلّق به النيابة لا في نفسها. و الحاصل أنّ النائب ينزّل نفسه لأجل العوض أو غرض دنيوي آخر منزلة الغير في إيقاع الفعل تقرّبا إلى اللَّه، لا أنّه ينزّل نفسه قربة إلى اللَّه و امتثالا لأمره منزلة الغير في إيقاع الفعل، حتّى يقال: إنّه موقوف على وجوب النيابة أو استحبابها و لم يثبت إلّا تبرّعا، و وجوبها فرع صحّة الإجارة المتوقّفة على إحراز القربة المصحّحة قبل الإجارة حتّى يصح تعلّق الإجارة. ثمّ إنّ ما ذكرنا من الاتّفاق على صحّة الاستيجار لا ينافي ما تقدّم من الخلاف في جواز استئجار الوليّ، لأنّ الكلام هناك في سقوطه عن الولي

بالاستئجار لا في صحّته، فالقائل بالاستئجار و بعدم جوازه من الوليّ لا يمنع من الاستيجار إذا لم يكن وليّ أو أوصى الميّت بالاستئجار أو استأجر متبرّع من ماله، كما أنّ المانع من الاستيجار لا يمنع تبرّع غير الوليّ بالعمل كما عرفت من المحدّث الكاشاني «12».

فالنسبة بين القول بصحة الاستئجار و صحّة قيام غير الوليّ بالعمل بإذنه أو بدون إذنه، عموم من وجه.

فرع

الظاهر أنّه لا يجوز استئجار العاجز عن الأفعال الواجبة كالقيام و لو كان الفائت من الميّت كذلك، لانصراف أمر القضاء أو الاستيجار إلى الفعل التام. فلو آجر نفسه للعمل فطرأ عليه العجز عن أفعال الصلاة الاختيارية- كالقيام- فاحتمل في الجعفريّة انفساخ العقد، و تسلّط المستأجر على الفسخ، و الرجوع بالتفاوت، و الإتيان بمقدوره، قال: و هذا أضعفها «13» (انتهى). و الظاهر أنّ هذه الاحتمالات مع تعيّن المباشرة عليه، و إلّا وجب الاستنابة كما لو مات. ثمّ إنّ الأوفق بالأصول الانفساخ، لعدم تمكّنه من العمل المستأجر عليه «14».

المكاسب، ج 4، ص 347

4- رسالة في المواسعة و المضايقة

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

مسألة اختلفوا في وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة على أقوال:
أحدها: عدم الوجوب مطلقا

، و هو المحكي عن الحلبي في كتابه «1»- الذي استحسنه أبو عبد اللَّه صلوات اللَّه عليه بعد عرضه عليه- «2» و عن الحسين بن سعيد «3»، بل عن أخيه الحسن أيضا- بناء على أنّ ماله من الكتب كان لأخيه أيضا- «4»، و عن أبي جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمي «5» و محمّد بن عليّ بن محبوب «6»، و عن الصدوقين «7»، و عن الجعفي صاحب الفاخر- المعروف في كتب الرجال- بأبي الفضل الصابوني «8»

الذي يروي عنه الشيخ و النجاشي بواسطتين- و عن الشيخ أبي عبد اللَّه الواسطي- من مشايخ الكراجكي- و المعاصر للمفيد قدّس سرّه حيث قال- في مسألة «من ذكر صلاة و هو في اخرى»- : إنّه قال أهل البيت عليهم السلام: «يتمّ التي هو فيها، و يقضي ما فاته» و به قال الشافعي، ثمّ ذكر خلاف باقي الفقهاء «9». و في المحكي عن موضع آخر من كتابه أنّه قال: دليلنا على ذلك ما روي عن الصادق عليه السلام: أنّه قال: «من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة أخرى فائتة أتمّ التي هو فيها، ثمّ قضى ما فاته» «10». و عن الشيخ قطب الدين الراوندي- من مشايخ ابن شهر آشوب- «11» و عن الشيخ سديد الدين محمود الحمصي «12» و الشيخ الإمام أبي طالب عبد اللَّه بن حمزة الطوسي «13» و الشيخ أبي عليّ الحسن بن طاهر الصوري «14» و عن الشيخ يحيى بن حسن بن سعيد- جدّ المحقق- «15» و عن ولد ولده ابن سعيد- ابن عمّ المحقق- في الجامع «16» و عن السيّد الأجلّ عليّ بن طاوس «17» و عن العلّامة في كثير من كتبه «18» و عن والده «19» و ولده «20» و ابن أخته السيّد عميد الدين «21» و أكثر من عاصره «22» و الشهيد «23» و المحقّق الثاني «24» و ولده «25» و السيوري «26»

و ابن القطّان «27» و ابن فهد «28» و الصيمري «29» و الشهيد الثاني «30» و ولده «31» و تلميذه «32» و ولد ولده «33» و الشيخ البهائي «34» و المحقّق الأردبيلي «35» و المحقّق الجواد الكاظمي «36» و الفاضل الهندي «37» و السيّد المحدّث نعمة اللَّه الجزائري «38» و ولد ولده السيّد عبد اللَّه «39»- في شرح النخبة- «40» و المحقّق الوحيد البهبهاني «41» و أكثر تلامذته، منهم السيّد محمّد مهدي الطباطبائي «42» و الشيخ الوحيد الفقيه الشيخ جعفر «43» و جماعة من علماء البحرين «44» و أكثر المعاصرين، بل كلّهم «45» و قدصرّح جماعة بدعوى الشهرة عليه مطلقا «46» أو بين المتأخّرين «47».

و هؤلاء- مع اتّفاقهم على جواز تقديم الحاضرة- بين من يظهر منه وجوبه- كما عن ظاهر جماعة من القدماء- «48» فيكون الفائتة بالنسبة إلى الحاضرة كالكسوفين بالنسبة إليها- عند جماعة- «49» و بين من يظهر منه استحبابه كما عن ظاهر بعضهم، و صريح أبي علي الصوري- المتقدّم إليه الإشارة «50»- و بين من نصّ على استحباب تقديم الفائتة «51»

و من نصّ على استحباب تأخير الحاضرة استنادا إلى الاحتياط لأجلها، و من يظهر منه التخيير المحض بالنسبة إلى ما عدا الفائتة الواحدة و فائتة اليوم كما عن رسالة الملاذ للمحقّق المجلسي «52» حيث حكم بأنّ الأحوط تقديم الفائتة الواحدة، و فائتة اليوم، و أمّا مطلق الفوائت فالظاهر عدم وجوب تقديمها، بل و لا أفضليته (انتهى). لكنّ الإنصاف أنّ هذا ليس قولا بالتخيير، لأنّ عدم أفضلية تقديم الفائتة يلزمه القول برجحان تقديم الحاضرة، لعمومات «53» رجحان تقديمها «54» فإنّ من يقول برجحان تقديمها لا يقول إلّا لأجل العمومات و النصوص الدالّة على رجحان تقديمها على الفائتة، لأجل إدراك فضيلة وقت الحاضرة، فتأمّل. و على كلّ حال فيمكن القول باستحباب تأخير الحاضرة لمراعاة الاحتياط الغير اللّازم، مع استحباب تقديم الحاضرة، إمّا لعموم فضيلة أوّل الوقت «55» و إمّا للنصوص الخاصّة «56»، و لا منافاة بين الاستحبابين، كما نقول: إنّ الإتمام في الأماكن الأربعة أفضل، و القصر أحوط. بل يمكن القول باستحباب تقديم الحاضرة من جهة عمومات فضيلة أوّل الوقت و استحباب تقديم الفائتة إمّا بالخصوص «57» أو لأدلّة المسارعة إلى الخير «58»، فتأمّل. و الحاصل: أنّ لكلّ من استحباب تقديم الحاضرة و استحباب تقديم الفائتة وجوها ثلاثة: النصّ الخاصّ المحمول على الاستحباب، و عمومات المبادرة إلى الطاعات، و الاحتياط بناء على وجود القول بوجوب تقديم الحاضرة كالقول بوجوب تقديم الفائتة، و يزيد استحباب تقديم الحاضرة بوجه رابع و هو ما دلّ على فضيلة أوّل الوقت لها، حيث إنّ لخصوصيّة الجزء الأوّل من الوقت مدخلا في الفضيلة، لا أنّ ذلك لمجرّد رجحان المبادرة إلى إبراء الذمّة، على ما يومئ إليه بعضها «59». فعليك بالتأمّل فيما يمكن اجتماعه من وجوه استحباب تقديم الفائتة، مع وجوه استحباب تقديم الحاضرة، و سيجي ء لهذا مزيد بيان عند ذكر الأخبار الواردة في الطرفين إن شاء اللَّه. و كيف كان ففي صور الاجتماع نحكم باستحباب كلّ من الأمرين على سبيل التخيير، فإن علم من دليل خارج أهميّة أحدهما حكم بمقتضاه من دون سقوط الآخر عن الاستحباب. و هذا بخلاف الواجبين المتزاحمين إذا علم من الخارج أهميّة أحدهما، فإنّه يحكم بسقوط وجوب الآخر، خلافا لمن أنكر الترجيح بالأهميّة كالفاضل التوني في الوافية «60»،

و لمن اعترف به «61» مع حكمه ببقاء الآخر على صفة الوجوب على تقدير اختيار المكلّف ترك الأهم. و ضعف كلا القولين، و بيان الفرق بين المستحبين المتزاحمين مع أهمّيّة أحدهما، و الواجبين كذلك، موكول إلى محلّه.

و الثاني «62»: القول بعدم وجوب الترتيب مع تعدّد الفائتة

، و بوجوبه مع وحدتها. ذهب إليه المحقّق في كتبه «63» و سبقه إليه الدّيلمي فيما حكي عنه «64» و تبعه إليه صاحب المدارك «65» و قوّاه الشهيد في نكت الإرشاد «66» و إن عدل عنه في باقي كتبه «67». و حكي عن صاحب هديّة المؤمنين «68» و عن المختلف «69» نسبة

المكاسب، ج 4، ص 348

القول بالمضايقة إلى الديلمي، لكن المحكي «1» من بعض كلماته التفصيل المذكور حيث قال: إنّ الصلاة المتروكة على ثلاثة أضرب: فرض معيّن، و فرض غير معين، و نفل، فالأوّل يجب قضاؤه على ما فات، و الثاني على ضربين: أحدهما: أن يتعيّن له أنّ كلّ الخمس فأتت في أيّام لا يدري عددها. و الثاني: أن يتعيّن له أنّها صلاة واحدة، و لا يتعيّن أيّ صلاة هي. فالأوّل: يجب عليه فيه أن يصلّي مع كلّ صلاة صلاة حتّى يغلب على ظنّه أنّه و في. و الثاني: يجب عليه أن يصلّي اثنين، و ثلاثا، و أربعا «2» (انتهى). و ظاهره كما ترى التوسعة في الفوائت المتعددة. و ممّن يظهر منه اختيار هذا، المحقّق الآبي- تلميذ المحقّق- فيما حكي عنه «3» من كشف الرموز حيث قال- بعد ما اختار القول بالمضايقة و الترتيب مطلقا «4» و ذكر تفصيل شيخه المحقّق و مستنده- : «و هو حسن اذهب اليه جزما، و على التقديرات لا يجوز لصاحب الفوائت الإخلال بأدائها إلّا لضرورة، و عند أصحاب المضايقة إلّا لأكل أو شرب ما يسدّ الرمق أو تحصيل ما يتقوّت به هو و عياله و مع الإخلال بها يستحقّ المقت في كلّ جزء من الوقت «5» (انتهى).

ثمّ إنّ هؤلاء إنّما صرّحوا بالتفصيل في الترتيب، و امّا وجوب المبادرة فظاهر صاحب المدارك «6» عدمه مطلقا، كما أنّ صريح المحكيّ عن هديّة المؤمنين «7» ثبوته مطلقا، حيث قال: يجب المبادرة إلى القضاء فورا لاحتمال اخترام المنيّة «8» في كلّ ساعة، بل لم يرخّص المرتضى «9» إلّا أكل ما يسدّ الرّمق، و النّوم الحافظ للبدن، و أن لا يسافر سفرا ينافيه، و بالغ في التضيّق كلّ مبلغ، ثمّ قال: و أمّا الترتيب بين الحاضرة و الفائتة فإن كانت واحدة قدّمها على الحاضرة، و ان كانت أكثر قدّم الحاضرة عليها. و إن أراد تقديم الفوائت المتعددة عليها مع سعة الوقت فجائز أيضا «10» (انتهى). و ظاهره جواز فعل الفريضة الحاضرة مع فوريّة الفوائت المتعدّدة، بل استحبابها قبله، بل المحكيّ «11» عنه التصريح بجواز فعل النافلة على كراهيّة لمن كانت ذمّته مشغولة بصلاة واجبة. و الظاهر أنّه لا يحكم بفساد العبادة مع فوريّة ضدّها الواجب، فيبقى الحاضرة على حكم استحباب المبادرة إليها، لا أنّ الحاضرة و النافلة مستثنيان من فوريّة فعل الفائتة، لأنّه لم يتعرّض لحرمة ما ينافيها حتّى يقبل الاستثناء، بل نسب حرمة الأضداد إلى السيّد المرتضى. و أمّا المحقّق فالمحكيّ عنه «12» فيما عدا الشرائع: التصريح باستحباب تقديم الفائتة المتعدّدة «13»

بل عن المعتبر «14» و العزيّة «15»: التصريح بعدم فوريّتها، و أمّا في الواحدة فليس في كلماته الموجودة، و المحكية عنه، إلّا وجوب تقديمها على الحاضرة، من غير تعرّض للفورية، بل استظهر «16» من كلامه في المعتبر و العزيّة: نفي الفورية فيها أيضا. و أمّا الشرائع فقد قال فيها- بعد ذكر أصل وجوب قضاء ما فات من الصلوات المفروضة- : و يجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة «17» و تترتّب «18» السابقة على اللاحقة، كالظهر على العصر، و العصر على المغرب، و المغرب على العشاء «19»، و إن فاتته صلوات لم تترتّب على الحاضرة، و قيل تترتّب و الأوّل أشبه «20» (انتهى). فقوله: «و يجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت الحاضرة» يحتمل وجوها، لأنّ المراد بالفائتة إمّا أن يكون خصوص الواحدة، كما قيّده به في المسالك «21» و المدارك «22» و إمّا ان يكون المراد مطلق الفائتة، و على التقديرين:

إمّا أن يراد وجوب المبادرة إلى القضاء وقت الذكر، و إمّا أن يراد بيان وقت القضاء بعد بيان أصل وجوبه، فيكون المراد: أنّ الأوقات كلّها صالحة لقضاء الفوائت إلّا وقت ضيق الحاضرة، فهذه أربعة احتمالات: فعلى التقدير الأوّل منها تدلّ العبارة على فورية الفائتة الواحدة مطابقة، و يدلّ بالالتزام على وجوب الترتيب، بناء على أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ، أو على أنّ الترتيب، بناء على أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ، أو على أنّ الترتيب واجب مستقلّ يرجع إلى وجوب تقديم الفائتة، لا أنّه «23» شرط يرجع إلى اعتبار تأخير الحاضرة، و اشتراط براءة الذمّة عن الفائتة في صحّتها. لكنّ الإنصاف: أنّ هذا الاحتمال خلاف ظاهر العبارة، من جهة عدم مساعدة السياق له من وجهين: أحدهما: أنّه قد فصّل شقّي التفصيل بين الواحدة و المتعدّدة بمسألة، و هي ترتّب الفوائت بعضها على بعض. و احتمال أن يكون قد فرغ من حكم الواحدة، ثمّ تعرّض للمتعدّدة فذكر- أوّلا- عدم الترتيب بينها «24»، ثمّ عدم الترتيب بينها و بين الحاضرة، ينافيه عنوان المسألة الثانية بقوله: «و إن فاتته صلوات لم تترتّب على الحاضرة». و هذا بخلاف ما إذا أريد بالفائتة مطلقها، فيكون في مقام بيان فوريّة القضاء مطلقا، أو بيان وقته كذلك، فيكون قد تعرّض- بعد بيان وجوب أصل القضاء- لوقته، ثمّ لاعتبار الترتيب فيه مع التعدّد، ثمّ لعدم ترتّب الفائتة المتعدّدة على الحاضرة، فيكون حكم الفائتة الواحدة مسكوتا عنه، أو مستفادا من مفهوم العبارة، أو ممّا سيجي ء في كلامه في مسألة العدول.

و الثاني: أنّه إن كان الترتيب لازما لوجوب المبادرة، فالأحسن التعبير عن عدم وجوب الترتيب في المتعدّدة بعدم وجوب المبادرة إليها، و إلّا فلا حسن في التعبير عن وجوبه في الواحدة بوجوب المبادرة إليها. ثمّ إنّه قد فرّع على هذا القول: أنّ من عليه فوائت إذا قضاها حتّى بقيت واحدة لم يجز له- حينئذ- الاشتغال بالحاضرة، و إن جاز له قبل ذلك، كما أنّ من عليه فائتة واحدة إذا صار عليه اخرى سقط عنه وجوب الترتيب. و الفرع الأخير ظاهر، و أمّا الأوّل فلا يخلو عن شي ء، لإمكان دعوى ظهور كلمات أصحاب هذا القول- كأدلّتهم- فيما إذا اتّحدت الفائتة بالأصل، فلا يعمّ لما إذا بقيت من المتعدّدة واحدة.

و كيف كان فلا ينبغي «25» الإشكال في أنّه إذا كانت الفائتة واحدة بالذات، و عرض لها التعدّد لعدم تعيينها أو لاشتباه القبلة أو اشتباه الثواب الطاهر بالنجس، أنّ حكمه في وجوب الترتيب حكم الواحدة، إذ لم يفت من المكلّف إلّا واحدة، إلّا أنّ البراءة منها، بل العلم بها يتوقّف على متعدّد.

الثالث: القول بالمواسعة في غير فائتة اليوم

. و بالمضايقة في فائتة اليوم. واحدة كانت أو متعدّدة، و هو المحكيّ عن المختلف حيث قال: الأقرب أنّه إذا ذكر الفائتة في يوم الفوات، وجب تقديمها على الحاضرة إذا لم يتضيّق وقت الحاضرة، سواء اتّحدت أم تعدّدت، و يجب تقديم سابقتها على لاحقتها، و إن لم يذكرها

المكاسب، ج 4، ص 349

حتّى يمضي ذلك اليوم، جاز له فعل الحاضرة في أوّل وقتها، ثمّ اشتغل بالقضاء- سواء اتّحدت الفائتة، أو تعدّدت- و يجب الابتداء بسابقتها على لاحقتها، و الأولى تقديم الفائتة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة «1» (انتهى). و حكي هذا القول عن بعض شرّاح الإرشاد «2» أيضا. و الظاهر أنّ المراد بيوم الفوات في كلامه: هو ما يشمل اللّيل، إذ النهار فقط لا يمكن أن يكون ظرفا لفوات الصلوات المتعدّدة و لذكرها، فقوله: «إذا ذكر الفائتة في يوم الفوات»، لا يستقيم إلّا على أن يكون الذكر في اللّيل، و الفوات في النهار، أو بالعكس، فالظرف الواحد للذكر و الفوات كليهما ليس إلّا اليوم بالمعنى الشامل للّيل. و هل المراد: اللّيلة الماضية أو المستقبلة؟

الظاهر، بل المتعيّن هو الثاني، كما يظهر بالتدبّر في كلامه. و اعلم أنّه قدّس سرّه ذكر في المختلف في مسألة العدول عن الحاضرة إلى الفائتة: أنّه لو اشتغل بالحاضرة في أوّل وقتها ناسيا، ثمّ ذكر الفائتة بعد الإتمام صحّت صلاته إجماعا، و إن ذكرها في الأثناء، فإن أمكنه العدول إلى الفائتة عدل بنيّته استحبابا عندنا، و وجوبا عند القائلين بالمضايقة «3» (انتهى). و ظاهر هذه العبارة يوهم العدول عن التفصيل المذكور إلى القول بالمواسعة مطلقا، إلّا أنّ الذي يعطيه التدبّر في كلامه، أنّ مراده الفريضة الحاضرة، المختلف فيها بينه و بين أرباب المضايقة المطلقة لا بينهم و بين أرباب المواسعة المطلقة. و يحتمل قويّا ابتناء ذلك على خروج فوائت اليوم- عنده- عن محلّ النزاع بين أرباب المواسعة و المضايقة، تبعا لما سيأتي «4» عن شيخه المحقّق في العزيّة، فلا يكون هذا القول تفصيلا بين القولين. نعم ربّما يحكى عدوله عن هذا القول إلى المواسعة في المسائل المدنية المتأخّر تأليفها عن كتاب المختلف. ثمّ إنّ ظاهر العبارة السابقة: أنّها تفصيل فيما إذا فات الأداء للنسيان، و أمّا إذا فات لغيره من الأعذار، أو عمدا، فلا تعرّض فيها لحكمه، كما لا تعرّض فيها لحكم ما إذا اجتمع فوائت اليوم مع ما قبله، و وسع الوقت للجميع. و هل يقدّم الجميع على الحاضرة، لثبوت الترتيب بين الحاضرة و فوائت اليوم، و ثبوت الترتيب بين فوائت اليوم و ما قبلها، بناء على القول بترتيب الفوائت بعضها على بعض. أو لا يجب الاشتغال بشي ء حينئذ، لعدم التمكن من فعلها إلّا بعد ما أذن في تأخيره، مع إمكان إدخاله في إطلاق كلامه، الراجع إلى عدم وجوب الترتيب إذا كان عليه أكثر من يوم فتأمّل. أو يجب الاقتصار على فائتة اليوم، لدعوى اختصاص وجوب الترتيب بين الفوائت بما إذا كانت متساوية في وجوب تداركها، فلا يعمّ ما إذا كان بعضها واجب التقديم لأمر الشارع بالخصوص، خصوصا لو قال بوجوب الفوريّة في فائتة اليوم، دون غيرها؟ وجوه، لا يبعد أوّلها، ثمّ ثالثها على القول بالفوريّة مع الترتيب.

الرابع: ما حكي عن المحقّق في العزيّة

حيث قال في عنوان هذه المسألة ما هذا لفظه:

و تحرير موضع النزاع أن نقول: صلاة كلّ يوم مترتبة بعضها على بعض، حاضرة كانت أو فائتة، فلا يقدّم صلاة الظهر من يوم، على صبحه، و لا عصره على ظهره، و لا مغربه على عصره، و لا عشاؤه على مغربه، إلّا مع تضيّق الحاضرة. و أمّا إذا فاته صلوات من يوم، ثمّ ذكرها في وقت حاضرة من آخر، فهل يجب البدأة بالفوائت ما لم يتضيّق الحاضرة؟ قال أكثر الأصحاب: نعم، و قال آخرون: ترتّب الفوائت في الوقت الاختياري، ثمّ تقدم الحاضرة. و الذي يظهر لي وجوب تقديم الفائتة الواحدة، و استحباب تقديم الفوائت، فلو أتى بالحاضرة قبل تضيّق وقتها و الحال هذه جاز «5» (انتهى). و ظاهره عدم الخلاف في وجوب الترتيب في فوائت اليوم، و هو خلاف إطلاق كلمات أرباب القولين، بل صريح بعضها.

الخامس: ما عن ابن [أبي] جمهور الأحسائي «6» من التفصيل

بين الفائتة الواحدة، إذا ذكرها يوم الفوات، دون المتعدّدة و الواحدة المذكورة في غير يوم الفوات.

السادس: القول بالمواسعة إذا فاتت عمدا، و بالمضايقة إذا فاتت نسيانا،

و هو المحكي عن الشيخ عماد الدين بن حمزة في الوسيلة، حيث قال: أمّا قضاء الفرائض فلم يمنعه وقت، إلّا تضيّق وقت الحاضرة، و هو ضربان، إمّا فاتته نسيانا، أو تركها قصدا اعتمادا، فإن فاتته نسيانا و ذكرها، فوقتها حين ذكرها إلّا عند تضيّق وقت الفريضة، فإن ذكرها و هو في فريضة حاضرة، عدل بنيّته إليها ما لم يتضيّق الوقت، و إن تركها قصدا جاز له الاشتغال بالقضاء إلى آخر الوقت، و الأفضل تقديم الحاضرة عليه، و إن لم يشتغل بالقضاء، و أخّر الأداء إلى آخر الوقت كان مخطئا «7» (انتهى). و ظاهره وجوب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة المنسيّة، و هو إمّا لاعتبار الترتيب، أو لإيجاب المبادرة إلى المنسيّة، و إن ذكرها في أثناء الواجب و إن قلنا بعدم اعتبار الترتيب- بناء على القول بالفوريّة دون الترتيب- كما سبق «8» عن صاحب رسالة هدية المؤمنين، و إمّا للدليل الخاصّ على وجوب العدول، و إن لم نقل بالترتيب و لا بالفوريّة، و هذا أردأ الاحتمالات، كما أنّ الأوّل أقواها. هذا كلّه في المنسية، و أمّا المتروكة قصدا، فظاهره عدم وجوب الترتيب مع استحباب تقديم الحاضرة، و لازمة عدم وجوب الفور إلّا أن يجعل مقدار زمان يسع الحاضرة مستثنى من وجوب المبادرة، و كون المكلّف مخيّرا فيه مع استحباب تقديم الحاضرة، كما ينبئ عنه قوله: «و إن لم يشتغل بالقضاء، و أخّر الأداء إلى آخر الوقت كان مخطئا» بناء على أنّ المراد بالخطإ: الإثم كما فهمه الشهيد «9». هذا على تقدير إرجاع الخطأ إلى عدم الاشتغال بالقضاء، و أمّا إذا رجع إلى تأخير الأداء إلى آخر الوقت بناء على أنّ المراد بآخر الوقت مجموع الوقت الاضطراري الّذي لا يجوز التأخير إليه إلّا لصاحب العذر- على ما ذهب إليه صاحب هذا القول- ، و يكون إطلاق آخر الوقت على مجموع ذلك الوقت تبعا للروايات الواردة في أنّ «أوّل الوقت رضوان اللَّه و آخره غفران اللَّه» «10» أمكن أيضا استظهار فوريّة القضاء منه من جهة دلالة كلامه بالمفهوم على أنّه لو اشتغل بالقضاء، و أخّر الأداء إلى آخر الوقت لم يكن مخطئا، و لا يكون ذلك إلّا إذا كان القضاء من الأعذار، و العذر- على ما ذكره صاحب هذا القول، قبل العبارة المتقدمة بأربعة أسطر- : السفر و المرض و اشتغل الّذي يضرّ تركه بدينه أو دنياه، فلو لم يكن القضاء فوريّا خرج عن الأعذار الأربعة.

المكاسب، ج 4، ص 350

إلّا أن يقال: ظاهر العذر في كلامه، ما عدا الصلاة، فتأمّل. و أمّا المراد بالوقت في قوله: «ما لم يتضيّق وقت الحاضرة» فيحتمل أن يكون وقت الاختيار، و يؤيّده ما تقدّم «1» عن المحقّق في العزيّة من ذهاب جماعة. إلّا أنّ الفوائت تترتّب في الوقت الاختياري، ثمّ تتقدّم الحاضرة. و أن يكون مطلق الوقت بناء على جعل القضاء من الأعذار المسوّغة للتأخير. ثمّ إنّه ليس في كلامه تعرّض لحكم المتروكة لعذر آخر غير النسيان. و لا لحكم اجتماع المتروكة نسيانا مع المتروكة عمدا، بناء على وجوب الترتيب بين الفوائت عند هذا القائل، فإنّه يجي ء فيه- مع فرض تأخير المنسيّة- الاحتمالات الثلاثة المتقدّمة في فروع القول المتقدّم «2»

عن المختلف.

السابع: ما تقدم عن العزيّة من الترتيب في الوقت الاختياري، دون غيره.
الثامن: القول بالمضايقة المطلقة
اشارة

، و هو المحكيّ «3» عن ظاهر كلام القديمين «4» و الشيخين «5» و السيّدين «6» و القاضي «7» و الحلبي «8» و الحلّي «9»، و عن المعتبر «10» نسبته إلى الديلمي «11» و هو المحكي أيضا عن الشيخ ورّام بن أبي فراس «12» و عن الشيخ الجليل الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي- تلميذ المحقّق- «13» و حكاية «14» هذا القول عن أكثر القدماء مستفيضة، و حكي عن غير واحد أنّه المشهور «15» فهذه أصول أقوال المسألة، و إذا لوحظ الأقوال المختلفة بين أهل المواسعة التي تقدّمت إليها الإشارة، زادت الأقوال على الثمانية. و ذكر بعض المحقّقين: أنّ جملة المطالب الّتي يدور عليها هذا القول الأخير، و يدلّ عليها كلام القائلين- كلّا أو بعضا، نصّا، أو ظاهرا- سبعة:

الأوّل: ترتيب الأداء على القضاء

، و هو المحكي عمّن عدا الديلمي و الشيخ ورّام ممّن تقدّم ذكره من الفقهاء.

الثاني: التسوية بين أقسام الفوائت و أسباب الفوات في مقابل التفاصيل المتقدّمة.
الثالث: فوريّة القضاء

، المحكيّة «16» عن صريح المفيد «17» و السيّدين «18» و الحلبي «19» و الحلّي «20» و ظاهر الشيخ «21» و القديمين «22» و الآبي «23»، بل عن المفيد و القاضي و أبي المكارم و الحلّي: الإجماع على ذلك «24».

الرابع: بطلان الحاضرة إذا قدّمت على الفائتة في السعة

، و هو المحكيّ «25» عن صريح الشيخ «26» و السيّدين «27» و القاضي «28» و الحلبي «29» و الحلّي «30» و عن الغنية «31»: الإجماع عليه.

الخامس: العدول عن الحاضرة إلى الفائتة إذا ذكرها في الأثناء

، و هو المحكيّ «32» عن المرتضى «33» و الشيخ «34» و القاضي «35» و الحلبيين «36» و الحلّي «37». و عن المسائل الرسّية للسيّد «38» و الخلاف للشيخ «39» و خلاصة الاستدلال للحلّي و شرح الجمل: الإجماع عليه «40».

السادس: وجوب التشاغل بالقضاء إلّا عند ضيق الأداء

و الاشتغال بما لا بدّ منه من ضروريات المعاش من الكسب و الأكل و الشرب و النوم، و هو المحكيّ «41» عن صريح المرتضى «42» و الشيخ «43» و القاضي «44» و الحلبي «45» و الحلّي «46»، بل هو لازم كلّ من قال بالفورية، و لذا ذكر الآبي- فيما حكي عنه «47»- : أنّ عند أصحاب المضايقة لا يجوز الإخلال بالقضاء إلّا لأكل أو شرب ما يسد به الرمق أو تحصيل ما يتقوّت به هو و عياله، و مع الإخلال بها يستحقّ العقوبة في كلّ جزء من الوقت «48» (انتهى).

السابع: تحريم الأفعال المنافية للقضاء عدا الصلاة الحاضرة في آخر وقتها

، و ضروريات الحياة، و هو المحكي «49» عن صريح المرتضى «50» و الحلّي «51» و ظاهر المفيد «52» و الحلبيّين «53»

حيث رتّبوا تحريم الحاضرة في السعة على تضيّق الفائتة، و بنى المفيد «54» تحريم النافلة لمن عليه فائتة على تحريم الحاضرة، و مقتضاه استناد التحريم إلى التضادّ، فيطّرد في جميع الأضداد، و قد ذكر المحقّق و العلّامة في المعتبر «55» و المنتهى «56» انّ لازم هؤلاء تحريم جميع المباحات المضادّة للقضاء.

و حينئذ فتخصيص جماعة «57» نسبة القول بتحريم الأضداد إلى المرتضى و الحلّي فقط، محمول على إرادتها اختصاصهما بالتصريح بذلك، و لذلك نسبه في محكي «58» التذكرة «59» إلى السيد و جماعة. ثمّ اعلم أنّ هذه المسألة معنونة في كلام بعضهم «60» بوجوب ترتيب الحاضرة على الفائتة و عدمه، و في كلام آخرين بالمضايقة و المواسعة. و لا ريب أنّ الترتيب و التضيّق غير متلازمين بأنفسهما، لجواز القول بالترتيب من دون المضايقة من جهة النصوص، و إن أفضى إلى التضيّق أحيانا، كما إذا كانت الفوائت كثيرة لا تقضى إلّا إذا بقي من الوقت مقدار فعل الحاضرة، و يجوز القول بالفوريّة من دون الترتيب كما تقدم عن صاحب هدية المؤمنين «61»، و إن أفضى إلى التزام الترتيب بناء على القول بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه. فالقول بأنّ الفوريّة و الترتيب متلازمان «62» لا يخلو عن نظر، سواء أريد تلازمهما في أنفسهما، أو أريد تلازمهما بحسب القائل، بمعنى أنّ كلّ من قال بأحدهما قال بالآخر، لما عرفت من وجود القائل بأحدهما دون الآخر. لكنّ الإنصاف أنّ معظم القائلين بالترتيب إنّما قالوا به من جهة الفوريّة، فما ذكره الصيمري «63»- فيما حكي عنه- : أنّ منشأ القول بالترتيب و عدمه: القول بالمضايقة و عدمها، محلّ تأمّل، إلّا أن يريد به الأكثر، أو يريد جميع القائلين بالترتيب بالنسبة إلى زمانه. و أولى بالتأمّل ما يظهر من بعض «64» أنّ القول بالترتيب أصل مسألة المضايقة، بل الحقّ أنّ القول بالترتيب و القول بالفوريّة ليس أحدهما متفرّعا على الآخر في كلمات جميع الأصحاب، نعم القول بالترتيب متفرّع على الفوريّة في كلمات أكثر أهل المضايقة. و أمّا وجوب العدول، فهو من فروع الترتيب و يحتمل- ضعيفا- كونه غير متفرّع على شي ء، و يكون المدرك فيه مجرّد النص، و أضعف منه كونه من فروع الفوريّة، و إن لم نقل بالترتيب، و وجهه- مع ضعفه- يظهر بالتأمّل. و أمّا بطلان الحاضرة و صحّتها في سعة الوقت، فيحتمل تفرّعه على الفوريّة بناء على اقتضاء الأمر المضيّق النهي عن ضدّه الموسّع و عدم «65» الأمر به، و يحتمل تفرّعه على الترتيب و إن لم نقل بالفوريّة. و أمّا حرمة التشاغل بالأضداد، فلا إشكال في أنّه من فروع الفوريّة. هذا خلاصة الكلام في الأقوال، فلنشرع في ذكر أدلّتها مقدّما لأدلّة القول بالمواسعة المطلقة، متّبعا إيّاه بأدلّة المضايقة المطلقة، ثمّ نتكلّم في أدلّة باقي الأقوال حسب ما يقتضيه الحال، فنقول:

[أدلة القول بالمواسعة]
اشارة

[الأول: الأصل] احتجّ للقول بالمواسعة المطلقة بوجوه:

أحدها: الأصل. و تقريره من وجوه خمسة، أو ستة:
الأوّل: أصالة البراءة عن التعجيل

، فإنّ وجوب التعجيل و إن لم يكن تكليفا مستقلا، بل هو من أنحاء وجوب الفعل الثابت في الجملة، إلّا أنّ الوجوب الثابت على نحو التضيّق ضيق، لم يعلم من قبل الشارع، و «الناس في سعة ما لم يعلموا» «66»، فالتضيّق الّذي حجب اللَّه علمه عن العباد موضوع عنهم «67»، و توهّم أنّ أصالة البراءة مختصة بصورة الشكّ في تكليف مستقلّ، مدفوع في محلّه «68».

المكاسب، ج 4، ص 351

بل التحقيق: أنّ مقتضى أدلّة البراءة أنّ كلّ ضيق يلحق الإنسان شرعا في العاجل، و كلّ عقاب يرد عليه في الآجل لا بدّ أن يكون معلوما تفصيلا أو إجمالا، و لا يرد شي ء من الضيق و العقاب مع عدم العلم. فإن قلت: إنّ الاحتياط على خلافه، و تقريره- على ما ذكره بعض المحقّقين من المعاصرين «1»- : أنّ الوجوب لمّا اقتضى تحتّم الفعل و حرمة الترك، فثبوته يقتضي لزوم الامتثال و الخروج عن صنف المخالفين للأمر، و حيث ثبت في أوّل أوقات التمكّن، فترك الامتثال- حينئذ- بقصد التأخير عنه أو بدونه إنّما يجوز بأحد أمرين: أحدهما: إذن الشارع، فيسوغ الترك و إن أدّى إلى تركه لا إلى بدل. الثاني: الانتقال إلى بدل ثبت بدليّته عنه أو عن تعجيله، معلوم تمكّنه منه، فيسوغ الترك أيضا و إن لم يأذن الشارع صريحا، و كلا الأمرين غير معلوم. أمّا الإذن «2» فلأنّه المفروض فإنّه إنّما يثبت في الموسّع لمكان وجوبه به جهة حرمة تركه عند ظنّ ضيق الوقت المضروب أو ضيق وقت التمكّن، و إن كان هذا خلاف مقتضى إطلاق الوجوب، لأنّ انتفاء الظنّ المذكور يقتضي انتفاء خاصيّة الوجوب و مصلحته الفعليّة، فإنّ من جرى في علم اللَّه أنّه يموت فجأة في سعة الوقت، إن فعل أدّى راجحا، و إن ترك، ترك ما جاز له تركه، و هو من خواصّ الندب. نعم قد يترتّب أثر الوجوب باعتبار وجوب القضاء أو ما في حكمه، و نيّة الوجوب ظاهرا و استحقاق ثواب الواجب و حرمة إزالة التمكّن من نفسه، و كلّ ذلك خارج عن المطلوب. أو باعتبار إيجاب العزم على الفعل بدلا عنه، و لم يثبت فيما نحن فيه كما يأتي، و كأنّ ما ذكر هو الداعي لتخصيص بعضهم الوجوب بأوّل الوقت أو آخره- إن أرادوا تخصيص حقيقة الوجوب بأوّل أوقات التمكّن أو آخرها المعلوم أو المظنون. و كيف كان، فحيث ثبت الإذن في التأخير، فلا محيص عن القول بجوازه و بعدم الإثم في الفوات المترتّب عليه، و إن كان منافيا لما هو الظاهر من إطلاق الوجوب و اشتراكه بين الجميع، و لمّا لم يثبت هنا وجب العمل بمقتضى ظاهر الوجوب- كما ذكر- ، و لم يصحّ قياسه على الموقّت الموسّع و لا سيّما مع ما بينهما من الفرق، لأنّ تجويز التأخير في الموقّت لا يفضي إلى تفويته غالبا، بخلاف المطلق. و أمّا الثاني- و هو الانتقال إلى البدل- ، فموقوف على إثباته هنا على نحو ما تقدّم، و هو إمّا العزم على الفعل في وقت آخر، أو نفس ذلك الفعل، و الأوّل لم يثبت بدليّته هنا، و إنّما قيل بها في الموقّت المأذون في تأخيره، تحقيقا لحقيقة الوجوب المشترك بين الجميع، و تأدية لمقتضى الامتثال الواجب عليهم. و حيث تعلّق الأمر هنا بالقضاء بعينه و لم يثبت الإذن في تأخيره و كان مقتضى الإيجاب ظاهرا هو المنع من التأخير، لم يتّجه هنا دعوى بدليّة العزم عنه، أو عن تعجيل فعله، مع أنّ كثيرا من العلماء و أرباب المواسعة ينكرون بدليّة العزم في الموسّع، فلا يستقيم الالتزام بذلك هنا عن قبلهم. و أمّا نفس الفعل في وقت آخر فلم يثبت بدليّته عمّا كلّف به بتمامه، و لا يعلم التمكّن منه، فضلا عن وقوعه. أمّا الأوّل: فلأنّ إرادة الشارع ابتداء للفعل في أوّل أوقات التمكّن معلومة، و أمّا في سائر الأوقات فلا، غاية الأمر أنّه لو تركه أوّلا وجب عليه الفعل ثانيا، و كان مجزيا عمّا كلّف به في ذلك الوقت، لا عن تمام التكليف الثابت أوّلا، فلا يلزم التخيير ابتداء بين جميع الأوقات. و أمّا الثاني: فظاهر، لعدم إحاطة العلم عادة بالعواقب، فلو قطع النظر عن عدم ثبوت بدليّته، لكان في عدم العلم بإدراكه كفاية في وجوب المبادرة، إذ بها يتيقّن فراغ الذّمّة عمّا اشتغل به الذّمّة يقينا، فإنّ المبادر ممتثل قطعا على أيّ حال، و إن عرضه ما يمنع الإ كمال، و ربما يموت تاركا فيبقى ذمّته مشغولة بما وجب عليه، فيصير مستحقّا للعقاب على تركه الواقع باختياره، إذ لا يعتبر في الترك الموجب لذلك أن يكون بحسب جميع الأحوال الممكنة في حقّه، بل بما هو الثابت واقعا في شأنه، و لمّا كان الواقع غير معلوم قبل وقوعه لم يمكن إحالة التكليف بالامتثال عليه، حتّى يختلف باختلافه، فيكون مضيّقا لجماعة و موسّعا لآخرين بحسب تزايد الآنات و الساعات و الشهور و الأعوام، فتعيّن أن يكون منوطا بالتضيّق الّذي يعلم به حصول الامتثال بالنسبة إلى الجميع، فمن أدخل نفسه في صنف التاركين، ثمّ تداركه فضل اللَّه سبحانه بأن أبقاه إلى أن أدّى المأمور به، دخل في صنف العاملين، و لكن لا يمكن البناء على ذلك ابتداء أوّلا فأوّلا، و إن

أدّت إلى فوات الحاضرة المأذون في تأخيرها. و أمّا البناء على ظنّ ضيق وقت التمكّن و عدمه، كما في الموسّع، فموقوف على الدليل، و هو منتف هنا، فوجب البناء على ما ذكر (انتهى تقرير الاحتياط ملخّصا). و الجواب: إنّ الأمر المطلق إنّما يقتضي وجوب الفعل المشترك بين الواقع في أوّل أزمنة التمكّن، و الواقع فيما بعده من أجزاء الزمان الّتي يمكن إيقاع المأمور به فيها، و حينئذ فالتأخير عن الجزء الأوّل ترك لبعض أفراد الواجب، و هو لا يحتاج إلى إذن من الشارع، لأنّ العقل حاكم بالتخيير في الامتثال بين مصاديق المأمور به. و من هنا ظهر فساد ما ذكره من أنّ الوجوب في الواجب الموسّع باعتبار حرمة تركه عند ظنّ الضيق، بل وجوبه باعتبار حرمة تركه المطلق المتحقّق بتركه في جميع الأجزاء. و أمّا عدم مؤاخذة من فاجأه العجز في أثناء الوقت، فليس لعدم اتّصاف الفعل حقيقة بالوجوب فيما قبل الجزء الأخير من الوقت، بل لأجل أنّ الواجب لا يعاقب على تركه إلّا إذا وقع الترك على جهة العصيان، لاستقلال العقل و دلالة النقل على أنّه لا عقاب إلّا مع العصيان، و لا عصيان في الفرض المذكور. فتحقّق بما ذكرنا: أنّ الفعل المأتيّ في كلّ جزء من الزمان من أفراد المأمور به و امتثال لتمامه، فلا يقال إنّه بدل من الواجب نظير بدلية العزم، بل هو نفسه، و أمّا احتمال طروّ العجز عن الفرد الآخر فهو إنّما يوجب رجحان المبادرة بحكم العقل المستقلّ الحاكم بحسن إحراز مصلحة الوجوب و مرجوحيّة التأخير المفضي أحيانا إلى فواتها و إن لم يوجب عقابا على المكلّف. و يؤيّده النقل، مثل قوله عليه السلام: «إذا دخل الوقت فصلّ، فإنّك لا تدري ما يكون» «3». و أمّا وجوب هذا الاحتياط فلم يثبت بعد حكم العرف و الشرع بأصالة بقاء التمكّن و عدم طروّ العجز، و إجماع العلماء و العقلاء على عدم وجوب المبادرة في الموسّع الموقّت، و جعل الشارع- في الرواية المذكورة و أمثالها- احتمال طروّ

المكاسب، ج 4، ص 352

العجز علّة لاستحباب المبادرة دون وجوبها، إلى غير ذلك ممّا يقطع معه بعدم كون الاحتمال المذكور سببا لوجوب الاحتياط. نعم ربّما قيل باستحقاق العقاب لو اتّفق ترك الواجب الموسّع الغير الموقّت، و لازمة وجوب المبادرة عقلا- من باب الاحتياط، تحرّزا عن الوقوع في عقاب الترك- و إن لم يجب شرعا، ليكون من قبيل المضيّق الّذي يعاقب على تأخيره، و إن لم يتّفق العجز. لكن هذا القول مع ضعفه لا ينفع فيما نحن فيه، لأنّ الكلام في التوسعة و التضيّق المستلزم لوجوب المبادرة شرعا، و إن علم المكلّف بالتمكّن في ثاني الحال، و تمكّن و أتى بالفعل. و بالجملة: فلا إشكال في أنّ الأصل هو عدم وجوب المبادرة شرعا.

الثاني من وجوه تقرير الأصل: استصحاب صحّة صلاته الحاضرة على أنّها حاضرة، إذا ذكر الفائتة في أثنائها.

فإنّ القائل بالمضايقة يدّعي فساد الصلاة، إذا استمرّ على نيّتها الاولى عند تذكّر الفائتة، و الأصل عدمه. و يرد عليه: أنّه قد حقّقنا في الأصول «1» عدم جريان استصحاب الصحّة، إذا شك في أثناء العمل في شرطيّة أمر فقد، أو مانعيّة أمر وجد، كالترتيب بين الحاضرة و الفائتة فيما نحن فيه. هذا كلّه بناء على كون صحّة الأجزاء السابقة على الذكر واقعيّة و أمّا إذا قلنا بأنّ وجوب القضاء واقعا، موجب لفساد الحاضرة واقعا، غاية الأمر أنّ المكلّف ما لم يتذكّر القضاء معذور، فالتذكّر كاشف من وجوب القضاء و عدم صحّة الأداء في متن الواقع، فصحّة الأجزاء السابقة على التذكّر صحّة ظاهريّة عذريّة من جهة النسيان، ترتفع بارتفاع العذر، فلا يقبل الاستصحاب. و لا ينافي ذلك الإجماع «2» على صحّة الحاضرة إذا لم يتذكّر الفائتة إلّا بعد الفراغ عنها، لأنّ هذا لا يكشف إلّا عن كون الترتيب شرطا علميّا، لا واقعيا بالنسبة إلى الجهل المستمرّ إلى تمام الحاضرة، فلا ينافي كونه شرطا واقعيّا بالنسبة إلى الجهل المرتفع في أثناء الصلاة، فإنّ كون الشروط علميّة أو واقعيّة يختلف بحسب الموارد حسب ما يقتضيه الأدلّة، ألا ترى أنّ النجاسة مانع علميّ للصلاة بالنسبة إلى الجهل المستمرّ، فلا يعيد من صلّى جاهلا إلى آخر الصلاة، و أمّا الجاهل الّذي علم في الأثناء فلا يستمرّ على ما فعل- على ما ذهب إليه بعض- «3».

الثالث من وجوه تقرير الأصل: أصالة عدم وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة.

و فيه: أنّه إن أريد أصالة البراءة عن التكليف بالعدول، فلا ريب في أنّ الشك في المكلّف به، لأنّ إتمام الصلاة واجب و إمّا بنيّة الحاضرة أو بنيّة الفائتة، مع أنّ إتمامها بنيّة الفائتة مجمع على جوازه، بل رجحانه إمّا وجوبا و إمّا استحبابا، فالأمر «4» مردّد بين تعيين إتمامها بهذه النيّة، و بين التخيير بينه و بين إتمامها بنيّة الحاضرة، فمقتضى وجوب تحصيل اليقين بالبراءة، نقل النيّة إلى الفائتة. و إن أريد استصحاب عدم وجوب العدول قبل التذكّر. ففيه: أنّه كان معذورا عقلا لأجل النسيان، و قد زال العذر. و الحكم المنوط بالأعذار العقليّة- كالعجز و النسيان، و نحوهما- لا يجوز استصحابه بعد رفع العذر. فإن قلت: إنّ المعلوم عدم وجوب العدول حال النسيان، و أمّا كونه لأجل النسيان فغير معلوم. قلت: لا ريب أنّ النسيان علّة مستقلّة لعدم وجوب العدول، فإذا شكّ في كون عدم الوجوب السابق مستندا إلى هذه العلّة أو إلى علّة أخرى، و هي مشروعيّة فعل الحاضرة مع اشتغال الذمّة بالفريضة الفائتة، فمقتضى الأصل عدم مشروعيّتها حينئذ. و الحاصل: أنّ الكلام إمّا أن يقع في حكم الناسي بوصف أنّه ناس، و لا شكّ أنّه حكم عذريّ يدور مدار النسيان وجودا و عدما، فلا معنى لاستصحابه بعد ارتفاع العذر. و إمّا أن يقع في حكم المكلّف واقعا من حيث إنّه مكلّف فاتت عنه فريضة و دخل عليه وقت اخرى، و لا عذر له من نسيان أو غيره، و لا ريب أنّ الشكّ- حينئذ- في مشروعيّة الحاضرة و عدمها. و من المعلوم أنّ الأصل عدم المشروعيّة، فإذا ثبت بحكم الأصل عدم مشروعيّة الحاضرة مع عدم العذر و هو النسيان، ترتّب عليه وجوب العدول إذا نسي و شرع فيها، فافهم فإنّه لا يخلو عن دقّة.

الرابع: أصالة إباحة فعل الحاضرة و عدم حرمتها

، إذا شكّ في فسادها و صحّتها من جهة الشكّ في حرمتها و إباحتها، المسبّب عن الشكّ في فوريّة القضاء و عدمها، بناء على القول باقتضاء الأمر المضيّق النهي عن ضدّه، و أصالة عدم اشتراطها بخلوّ الذمّة عن الفائتة «5» إذا كان الشكّ في اعتبار الترتيب بينها و بين الفائتة. و يرد على الأصل الأوّل: أنّ فساد الحاضرة إن كان من جهة القول بأنّ الأمر المضيّق يقتضي عدم الأمر بضدّه فيفسد الضدّ من هذه الجهة إذا كان من العبادات، فأصالة الإباحة و عدم التحريم لا ينفع في شي ء، بل الأصل هو عدم تعلّق الأمر بذلك الضّدّ في هذا الزمان. نعم هذا الأصل مدفوع بأصالة عدم التضيّق المتقدّمة، لكنّه أصل مستقلّ قد عرفت جريانه و اعتباره، و الكلام هنا في غيره. و إن كان من جهة أنّ الأمر المضيّق يقتضي حرمة ضدّه، فمرجع الكلام إلى الشكّ في حرمة الحاضرة و إباحتها، و الأصل الإباحة و عدم التحريم. ففيه: أنّه إن أريد أصالة البراءة فيرد عليه: أوّلا: إنّ حرمة الضدّ لو ثبت في الواجب المضيّق فإنّما يثبت- عند المشهور- من باب كون ترك الضّدّ مقدّمة لفعل المضيّق، فيجب. و الظاهر عدم جريان الأصل في مقدّمة الواجب إذا كان الشكّ فيها مسبّبا عن الشكّ في وجوب ذيها، أو عن الشكّ في أصل وجوب المقدّمة في المسألة الأصولية. نعم يجري الأصل في صورة ثالثة، و هي ما إذا كان الشك في وجوب الشي ء مسبّبا عن الشكّ في كونه مقدّمة، كما إذا شكّ في شرطيّة شي ء للواجب أو جزئيّته له. و السرّ في ذلك أنّ أصل البراءة إنّما ينفي المؤاخذة على ما لم يعلم كونه منشأ للمؤاخذة، و يوجب التوسعة و الرخصة فيما يحتمل المنع. و هذا إنّما يتحقّق في الصورة الثالثة، و أمّا في الصورتين الأوليين فلا يلزم من الحكم بوجوب المقدّمة مؤاخذة عليها و لا منع و لا ضيق، حتّى ينفى بأدلّة البراءة الدالّة على نفي المؤاخذة عمّا لم يعلم، و توجب الرخصة فيه. و ثانيا: أنّ أصالة عدم حرمة الحاضرة معارضة بأصالة البراءة و عدم اشتغال الذمّة بها. و إن شئت فقل: إنّ الأمر دائر بين حرمة الحاضرة و وجوبها، فلا أصل، فتأمّل. و بمثله يجاب لو أريد بأصالة عدم الحرمة: استصحابه، بأن يقال: إنّه يشكّ في أنّ الوجوب الحادث للقضاء كان على

المكاسب، ج 4، ص 353

الفور حتّى يوجب حرمة الحاضرة، أو على التوسعة حتّى يبقى الحاضرة على حالها من عدم الحرمة، فالأصل بقاؤها. فإن قلت: إنّا نفرض ثبوت الوجوب للحاضرة في أوّل وقتها قبل تذكّر الفائتة، فحينئذ نقول: الأصل بقاء وجوبها بعد التذكّر. قلت: قد عرفت أنّ تذكّر الفائتة ليس محدثا لوجوبها، بل السبب له واقعا هو فوت الأداء، و إنّما يرتفع بالتذكّر، العذر المسقط للتكليف، و هو النسيان، و حينئذ فالوجوب الثابت للحاضرة قبل التذكّر وجوب ظاهريّ يرتفع بارتفاع مناطه، و هو النسيان. لكنّ الإنصاف أنّ ما ذكرنا من معارضة استصحاب عدم الحرمة باستصحاب عدم الوجوب غير مستقيم، لأنّ الشكّ في مجرى الأصل الثاني مسبّب عن الشكّ في مجرى الأصل الأوّل، فالأوّل حاكم على الثاني، لما تقرّر في الأصول «1» فالصواب: الجواب عن الاستصحاب المذكور بما سيجي ء في الوجه الخامس من تقرير الأصل «2». هذا كلّه في إجراء الأصل في الحكم التكليفي، و هي حرمة الحاضرة. و أمّا أصالة عدم اشتراطها بخلوّ الذمّة عن الفائتة، فإن أريد بها أصالة البراءة بناء على القول بجريانها عند الشكّ في شرطيّة شي ء للعبادة، فهو حسن على هذا القول، إلّا أنّ ظاهر كلام المستدلّ به إرادة أصالة إطلاق الأمر بالحاضرة، و سيأتي الكلام في الإطلاقات.

الخامس: أنّ الحاضرة كانت يجوز فعلها في السعة قبل اشتغال الذمّة بالفائتة

، فكذا بعده، للاستصحاب. و هذا الاستدلال حكاه بعض المعاصرين عن المختلف، و قال: إنّه فاسد لتعدّد الحاضرة في الحالتين، و عدم ثبوت الحكم لكلّ حاضرة، و إلّا استغنى عن التمسّك بالاستصحاب، و هو لا يجري مع تعدّد المحلّ.. ثمّ قال: و أمّا الاستدلال بأنّه لو لم يكن عليه قضاء لجاز له فعل الحاضرة في السعة، فكذلك مع ثبوته، ففاسد أيضا، لأنّ مرجعه إلى القياس أو استصحاب الحكم الغير الثابت من أصله إلّا على سبيل الفرض في نفس زمانه، و كلاهما باطل «3» (انتهى). أقول:

استصحاب الحكم الشرعي على قسمين: أحدهما: استصحاب الحكم الجزئي الثابت بالفعل، كما إذا مضى من الوقت مقدار الفعل مع الشرائط، ثمّ سافر إلى أربعة فراسخ و شككنا في حدوث وجوب القصر عليه بعد وجوب الإتمام عليه بالفعل، بناء على أنّ العبرة بحال الأداء دون الوجوب، أو مات مجتهده- الّذي أفتى بوجوب الجمعة عليه- فشكّ في حدوث وجوب الظهر عليه بعد وجوب الجمعة فعلا، أو رأى دما مشتبها بالحيض فشكّ في ارتفاع وجوب الصلاة الثابت عليه بالفعل.. إلى غير ذلك من الأمثلة. و الثاني: استصحاب الحكم الكلّي الثابت عليه بطريق القضيّة الشرطيّة، مثل حكم الشارع بأنّ التمام يجب بشروطها على الحاضر، و الجمعة تجب بشروطها على المقلّد لمن قال بوجوبها، و الصلاة تجب بشروطها على الطاهر من الحيض و النفاس، و هذه الأحكام شرطيّات لا يتوقف صدقها على صدق شروطها، بل تصدق مع فقد الشرائط، كدخول الوقت و وجدان «4» الطهور، فلا يعتبر في استصحاب ما كان من هذا القبيل تنجّز الحكم الشخصي و تحقّقه، فإذا فرضنا أنّ الشخص كان في بلده فإذا للطهورين، أو لم يدخل «5» عليه الوقت، ثمّ سافر إلى محلّ يشكّ في بلوغه المسافة، لشبهة في الحكم أو الموضوع، فلا يخدش في استصحاب حكم التمام في حقّه: أنّه لم يتنجّز عليه وجوب التمام في السابق من جهة عدم دخول الوقت أو فقد الطهور، بل يكفي كونه في السابق ممّن يجب عليه التمام إذا وجد في حقّه شرائط الصلاة، و كذا استصحاب وجوب الجمعة إن مات مقلّده، و استصحاب وجوب الصلاة على من رأت دما شكّ في كونه حيضا لشبهة في الحكم أو الموضوع، فإنّه يحكم باستصحاب وجوب الصلاة عليه، و إن كان في الزمان السابق غير واجد للشروط، و لا يضرّ عدم ثبوت الحكم بالفعل في استصحاب الحكم الكلّي. بل لو عورض استصحاب الحكم الكلّي باستصحاب عدم الحكم الفعلي كان الأوّل حاكما، لأنّ الشكّ في الثاني مسبّب عن الشكّ فيه. إذا عرفت هذا فنقول: إنّ وجوب الفعل موسّعا في أوّل وقتها حكم شرعيّ كلّي و خطاب إلهيّ تعلّق بالمكلّف و إن توقّف تنجّزه و ثبوته فعلا على شروط، لكن فقد تلك الشروط لا يقدح في صدق الحكم الكلّي على وجه القضيّة الشرطيّة بأن يقال: إنّ هذا المكلّف ممّن يجب عليه الصلاة و تصح منه بمجرّد دخول وقتها و اجتماع باقي شرائط الصلاة، فإذا حدث وجوب القضاء عليه لفوات بعض الفرائض يقع الشكّ في ارتفاع الحكم الكلّي المذكور، فيقال: الأصل بقاؤه، فالمستصحب هو الحكم على كلّي الحاضرة بالصحّة و الوجوب في أوّل الوقت، لا على خصوص الحاضرة المتنجّزة عليه حين فراغ الذمّة عن الفائتة حتّى يمنع انسحابه إلى الحاضرة الّتي يدخل وقتها حين اشتغال الذمّة بالفائتة إلّا بالقياس أو بدلالة الدليل العامّ المغني عن الاستصحاب. و ما ذكره أخيرا من تقرير الاستصحاب فهو أيضا راجع إلى ما ذكرنا، و توهّم كونه من القياس أو من استصحاب الحكم الفرضي مدفوع بما ذكرنا، فإنّ استصحاب الحكم المعلّق على شروطه قبل تحقّق شروطه راجع إلى استصحاب أمر محقّق منجّز، كما يظهر بالتأمّل.

و لا يخفى أنّ وجود مثله في المسائل الشرعيّة و المطالب العرفيّة أكثر من أن تحصى، و اعتماد أرباب الشرع و العرف عليه أمر لا يكاد يخفى، و هذا الأصل بعينه هو استصحاب عدم حرمة الحاضرة- الّذي تمسّك به المعترض في التقرير الرابع من تقرير الأصل- ، إلّا أنّ ذلك عدميّ و هذا وجوديّ، لكن جريان كليهما على الوجه الّذي ذكرنا هنا و ما ذكره من الاعتراض جار في ذلك أيضا، فتسليم أحدهما و منع الآخر تحكّم، إلّا ان يريد من الأصل- هناك- أصالة البراءة لا الاستصحاب، و قد عرفت ضعف التمسّك بالبراءة.

و كيف كان، فالاستصحاب على الوجه الّذي ذكرنا لا غبار عليه، و قد عرفت سابقا ضعف معارضته باستصحاب عدم وجوب الحاضرة، لأنّه حاكم عليه. نعم من لا يجري الاستصحاب في الحكم الشرعي إمّا مطلقا- كما هو مذهب بعض «6»- أو فيما يحتمل مدخلية وصف في الموضوع، مفقود في الحال اللّاحق- كما هو المختار- لم يكن له التمسّك به فيما «7» نحن فيه، لاحتمال كون الحكم الكلّي المستصحب- و هو وجوب الصلاة في الجزء الأوّل من الوقت- في الحال السابق، أعني قبل الاشتغال بالقضاء منوطا بخلوّ الذمّة عن القضاء، فيكون المكلّف الفارغ في الذّمة من القضاء، يجوز له فعل الحاضرة في أوّل وقتها، و الشكّ في المدخليّة يرجع إلى الشكّ في بقاء الموضوع، فلا يجري

المكاسب، ج 4، ص 354

الاستصحاب، لاشتراطه ببقاء الموضوع يقينا، لكن الاستدلال المذكور مبنيّ على المشهور بين العلّامة رحمه اللَّه و من تأخّر عنه من إجراء الاستصحاب في أمثال المقام.

السادس: أصالة عدم حرمة المنافيات لفعل الفائتة من المباحات الذاتيّة

، و هذا الأصل حسن بمعنى الاستصحاب دون البراءة، لما عرفته في التقرير الرابع و الخامس. و على أيّ تقدير فهذا الأصل إنّما يثمر في ردّ من قال بوجوب الترتيب من جهة اقتضاء فوريّة القضاء تحريم الحاضرة و القول بأنّ الحرمة المقدميّة توجب الفساد، لو كان المنفي- المحرّم من باب المقدّمة- من العبادات. و أمّا لو لم نقل- كما هو مذهب جماعة، منهم: المحقق الثاني في شرح القواعد في باب الدين «1»، بل ربّما نسبه بعضهم ككاشف الغطاء قدّس سرّه إلى كافّة الأصحاب «2»- فلا ثمرة لهذا الأصل، لأنّ إثبات الترتيب حينئذ من باب الأخبار الدالّة على تقديم الفائتة، لا من وجوب المبادرة إليها، من باب أنّ الأمر بالشي ء يقتضي عدم الأمر بضدّه فيفسد، و الحكم بالفساد من هذين الوجهين يجامع عدم حرمة الحاضرة، فلا يترتّب على أصالة عدم الحرمة «3» الحكم بصحّة الحاضرة. و من هنا يظهر فساد ما قيل: من «4» أنّه إذا ثبت عدم حرمة المنافيات بالأصل، ثبت صحّة فعل الحاضرة في السعة، لعدم القول بالفصل. مع أنّ التمسك بالإجماع المركّب و عدم القول بالفصل فيما إذا ثبت أحد شطري المسألة بالأصول الظاهرية محلّ إشكال، فقد أنكره غير واحد و لا يخلو عن قوّة. و كيف كان، فالأصل المعتمد في المسألة هو الأصل الأوّل، و هو أصالة عدم الفوريّة. و قد يعارض باقتضاء أصالة الاشتغال بالترتيب، و سيأتي الكلام عليها في أدلّة القائلين بالمضايقة إن شاء اللَّه.

[الدليل الثاني: الإطلاقات]
اشارة

الثاني من حجج القائلين بالمواسعة: الإطلاقات، و قد ضبطها بعض المعاصرين «5» في طوائف من الكتاب و السنّة.

الأولى: ما دلّ على وجوب الحواضر على كلّ مكلّف حين دخول وقتها «6»،

و وجوب قضائها على كلّ من فاتته مع مضيّ ما يسعها عن أوقاتها «7»، و على وليّه بعد موته- إن لم يقضها بنفسه- ، فلو وجب تأخيرها عن الفوائت لزم أن لا يجب على من عليه فائتة معلومة إلّا عند ضيق وقت الحاضرة أو مضيّ زمان يسع الفائتة. و أيضا يلزم أن لا يجب عليه قضاء الحاضرة إلّا إذا أدرك وقت ضيقها، أو مضى زمان يسع الجميع، فلو مات قبل ذلك أو عرض حيض أو شبهه لم يكن مشغول الذمّة بالقضاء، و لم يجب على وليّه تداركه بعد موته، و كلّ هذه مخالفة للإطلاقات المذكورة. و يرد عليه: أنّ القائل بالترتيب و وجوب تأخير الحاضرة عن الفائتة، إمّا أن يقول به من جهة فوريّة القضاء عنده، نظرا إلى أنّ الأمر بالشي ء يقتضي عنده النهي عن الضدّ الخاصّ، و إمّا أن يقول به من جهة وجود الدليل على اشتراط الترتيب في الحاضرة و إن لم يقل بفوريّة القضاء، و على كلّ تقدير فلا يردّه الإطلاقات المذكورة، و لا يلزم تقييد لتلك الإطلاقات من جهة قوله بالترتيب. أمّا إذا قال به من الجهة الأولى، فلأنّه يدّعي أنّ الصلاة الّتي هي واجبة في أوّل الوقت من حيث هي- لو خلّي و طبعها- قد عرض لها عدم الوجوب لأجل عروض الحرمة لها من باب المقدّمة لواجب فوريّ. و إن شئت فقل: إنّ وجوبها في أوّل الوقت مقيّد عقلا بعدم الامتناع العقليّ أو الشرعيّ «8» فإذا فرض طروّ الحرمة لها من باب المقدمة صار ممتنعا شرعيا لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي، فهو نظير ما إذا عرض واجب فوريّ آخر في أوّل الوقت كأداء دين فوريّ أو إنقاذ نفس محترمة و نحوهما، فإنّه لا يلزم التقييد في تلك الإطلاقات بعدد هذه العوارض، بل إمّا أن نقول: إنّ تلك الإطلاقات مسوقة لبيان حكم الصلاة في أوّل الوقت لو خلّيت و نفسها، فلا ينافي عدم الوجوب لها لعارض يعرضها، كما أنّ قول الشارع: «لحم الغنم حلال- أو طاهر- » لا ينافي حرمة اللّحم المسروق و نجاسة اللّحم الملاقي للنجس، لأنّ طاهر- » لا ينافي حرمة اللّحم المسروق و نجاسة اللّحم الملاقي للنجس، لأنّ الحليّة و الطهارة الذاتيّتين لا تنافيان الحرمة و النجاسة العرضيّتين. و إمّا أن نقول: إنّها مقيّدة بالتمكّن و عدم الامتناع عقلا و شرعا، فإذا ادّعى مدّع الامتناع الشرعي فيما نحن فيه لأجل الحرمة المقدّميّة، فلا ينفى ادّعاؤه بالإطلاقات، نعم ليطالب «9» في دعواه الحرمة المقدّميّة- الموجبة لعروض عدم الوجوب و الامتناع الشرعيّ- بالاستدلال عليه، و هذا غير الاستدلال على نفي قوله بالإطلاقات، بل وجود الإطلاقات كعدمها، لانعقاد الإجماع و الضرورة على أنّ الحاضرة- لو لم يمنع عن فعلها في أوّل الوقت مانع عقليّ أو شرعيّ- متّصفة بالوجوب و الصحّة، و هذا القدر كاف في صحّة الحاضرة بعد ثبوت عدم المانع، و لو بحكم الأصل المتقدّم، الدالّ على عدم الفوريّة الموجبة لطروّ الحرمة على فعل الحاضرة. نعم لو أنكر أحد سوق تلك الإطلاقات لمجرّد بيان حكم الصلاة في نفسها على حدّ قول الشارع: الغنم حلال أو طاهر، في مقابل قوله: الكلب حرام أو نجس، و ادّعى سوقها لبيان التكليف و حمل المكلّف في أوّل الوقت على الفعل، بحيث يظهر من إطلاق بعث المكلّف على الفعل عدم كونه ممنوعا من طرف الأمر، صح التمسّك «10» في كلّ مورد شكّ في فوريّة ما يزاحمها و انتفت الفوريّة عنه بحكم تلك الإطلاقات، و حكم من أجلها بعدم المانع الشرعيّ، و كان كلّما ورد من الدليل على فوريّة شي ء يتوقّف على تأخّر الحاضرة مقيّدا لتلك الأدلّة معارضا لها. لكن المتأمّل في تلك الإطلاقات- إذا أنصف- لا يجد من نفسه إلّا ما ذكرنا أوّلا. هذا كلّه إذا قيل بالترتيب من جهة الفوريّة، و أمّا إذا قيل به من جهة ورود الدليل على اشتراطه في الحاضرة، فيصير حاله كحال سائر الشروط المعتبرة في الصلاة، في أنّ وجوب الصلاة في أوّل الوقت إنّما هو مع التمكّن من فعلها جامعة للشروط، فإذا شكّ في شرطيّة شي ء للصلاة كطهارة ما عدا موضع الجبهة من مكان المصلّي، و أنّه هل يجب تحصيله إذا كان مفقودا عند دخول الوقت أم لا؟ فلا يجوز التمسّك بالإطلاقات المذكورة لنفي شرطيّة المشكوك، لأجل إطلاق الحكم فيها بثبوت الوجوب في أوّل الوقت و عدم وجوب التأخير. و كذا لو شكّ في جزئيّة شي ء يجب معرفته كالسورة بعد الحمد، فإنّه لا يجوز أن يتمسّك بالإطلاقات المذكورة، لعدم وجوب تأخير الصلاة حتّى يتعلّم السورة. و بعبارة أخرى: تلك الإطلاقات دالّة على وجوب الصلاة في أوّل الوقت، و مسألتنا أنّ الصلاة هل يعتبر فيها

المكاسب، ج 4، ص 355

الشرط الفلاني، كتأخّرها عن الفائتة، و طهارة ما عدا موضع الجبهة- مثلا- و قراءة السورة بعد الحمد أم لا؟ نعم ثبوت شرط أو جزء للصلاة يوجب تقييد لفظ الصلاة بناء على وضعها للأعمّ لا تقييد إطلاق وجوبها عند دخول الوقت، فيكون هذه الإطلاقات كإطلاق أَقِيمُوا الصَّلاةَ. بل التحقيق: عدم جواز التمسّك بها و إن جوّزنا التمسّك بإطلاق: أَقِيمُوا الصَّلاةَ لنفي الشرطيّة و الجزئيّة عند الشكّ، لأنّ إطلاق الصلاة في هذه الإطلاقات مسوقة لبيان حكمها من حيث وقت وجوبها فلا تفيد مطلوبيّة كلّ ما يسمّى صلاة، فحالها كسائر الإطلاقات المسوقة لبيان أحكام الصلاة بعد الفراغ من بيان جهتها، كأحكام الجماعة و الخلل و القضاء و نحو ذلك. و أمّا إطلاقات وجوب القضاء على من مضى عليه من الوقت مقدار الفعل، فإن كان المراد مقدار الصلاة و الطهارة دون غيرها من الشروط فلا دلالة فيها على المقام. و إن كان المراد مقدار الصلاة و تحصيل جميع الشروط فهي ساكتة عن بيان الشروط فإذا ادّعي شرطيّة شي ء للصلاة فلا دلالة فيها على نفيها، كما لا يخفى.

الثانية: ما دلّ بعمومه أو إطلاقه على صلاحيّة جميع أوقات الحواضر

لأدائها بالنسبة إلى جميع المكلّفين «1» فيتناول من عليه فائتة أيضا فيصحّ له فعل الحاضرة في السعة. و يرد عليه: ما في سابقه، من عدم فائدة في إطلاقها، سواء جعلنا اعتبار الترتيب من جهة الفوريّة، أم من جهة ثبوت اشتراط الحاضرة بتأخّرها عن الفائتة، إذ مدلولها صلاحيّة كلّ جزء من الوقت للحاضرة، و هذا غير منكر عند أهل المضايقة، فإنّهم لا يقولون بعدم الصلاحيّة «2» للحاضرة، و إنّما يقولون بعروض ما أوجب تأخّرها، أو بكونها مشروطة بشرط مفقود يحتاج إلى تحصيله و هو فراغ الذمّة عن الفائتة. نعم ربّما يظهر من بعض العبارات المحكيّة عن السيّد المرتضى «3» ما يوهم عدم صلاحيّة زمان الاشتغال بالفائتة لأداء الحاضرة، و حينئذ فيصلح هذه الإطلاقات للردّ عليه و لكن من المقطوع أنّ مراده من عدم صلاحية ذلك الوقت للفعل: عدم صلاحية الفعل في ذلك الوقت.

الثالثة: ما دلّ على أنّه إذا دخل وقت الفريضة لا يمنع من فعلها شي ء إلّا أداء نافلتها الراتبة «4»

مثل قولهم عليهم السلام: «إذا زالت الشمس فما يمنعك إلّا سبحتك» «5». و قولهم عليهم السلام: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك، طوّلت أو قصّرت» «6». و يرد عليه: أنّ هذه الروايات في مقام دفع «7» توهّم رجحان تأخير الظهر إلى حدّ محدود، كالقدمين و الذراع و القامة- على ما يتراءى من بعض الأخبار الدالّة على هذه التحديدات- «8»

فبيّن الإمام بذلك أنّه ليس بعد دخول الوقت مانع عن فعل الفريضة إلّا النافلة، فلا ينتظر القدمين و لا الذراع و لا القامة و لا غيرها. و الّذي يكشف عمّا ذكرنا ما عن محمّد بن أحمد بن يحيى، قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام: أنّه روي عن آبائك: القدمين و الذراع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراعين؟

فكتب عليه السلام: لا القدم و لا القدمين، إذا زال الشمس فقد دخل وقت الصلاة و بين يديها سبحة، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت.. الحديث» «9». و الحاصل: أنّ من لاحظ الأخبار المذكورة يظهر له ما ذكرنا في معنى الرواية غاية الظهور. ثمّ إنّه كيف يمكن الاستدلال بهذه الأخبار مع أنّ المراد بالمنع في قوله عليه السلام: «لا يمنعك»: المنع الكمالي، لا منع الصحّة و الإجزاء، بقرينة استثناء النافلة، و المطلوب في مسألة المضايقة منع الفائتة عن صحّة الحاضرة قبلها، فافهم.

الرابعة: ما دلّ على تأكّد استحباب فعل الصلاة جماعة «10»

مع استمرار السيرة في الجماعات على المبادرة إليها في أوائل الأوقات، و ما دلّ على تأكّد استحباب فعل الصلاة في المساجد «11»،

و على استحباب الأذان و الإقامة «12» و تأكّدهما في بعض الصلوات، و استحباب اختيار السور الطوال في بعضها «13» و الإتيان بسائر سننها «14»، فإنّ امتثال هذه المستحبّات في الحاضرة يقتضي عدم تأخيرها إلى الضيق، و في الفوائت يقتضي عدم المبادرة إلى كلّ منهما. و الجواب عن هذه كلّها يظهر ممّا ذكرنا، من أنّ هذه الإطلاقات لا تنفي فوريّة القضاء و لا اشتراط الأداء بخلوّ الذمّة عن القضاء، و المتأمل يجد بعد الإنصاف أنّ هذه كلّها أجنبيّة عن المطلب.

الخامسة: ما دلّ على استحباب المستحبّات.

و يرد عليها ما ورد في السابق و هي نظير أدلّة المباحات «15».

السادسة: ما دلّ على أنّه: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «16»

و على أنّ فروض الصلاة سبعة «17» أو عشرة «18». و يرد عليه: أنّ المراد عدم الإعادة من الإخلال سهوا بشي ء غير الخمسة، و أنّ الفروض الشرعية بحسب أصل الشرع في الصلاة سبعة، و أكثر أهل المضايقة يدّعون أنّ فوريّة القضاء يمنع عقلا عن صحّة الأداء. و كيف كان، فالتمسّك بهذه و أمثالها ممّا لم نذكره- و إن ذكره بعض- تضييع للقرطاس فضلا عن العمر.

السابعة: ما دلّ على تأكّد استحباب المبادرة مطلقا إلى الصلاة

في أوائل أوقاتها «19» فيشمل من عليه فائتة. و يرد عليه ما تقدّم في إطلاقات الوجوب في أوّل الوقت و صلاحيّة كلّ جزء من الوقت للحاضرة، من أنّها لا تنفي وجوب تقديم الفائتة، سواء أخذناه عن فوريّة القضاء- بناء على اقتضائها النهي عن الحاضرة- أو من دليل اعتبار الترتيب في الحاضرة و إن لم يحكم بفوريّة الفائتة. مضافا إلى أنّ الاستحباب المذكور إنّما يتوجّه إلى فعل الحاضرة في أوّل الوقت بعد الفراغ عن وجوبها و صحّتها، لأنّ استحباب بعض أفراد الواجب «20» فرع وجوبه في الواقع و في لحاظ الحاكم بالاستحباب، و الكلام في هذه المسألة في ثبوت أصل وجوب الحاضرة في الجزء الأوّل من الوقت لمن عليه فائتة، فالحكم بالاستحباب مقصور على من لا مانع في حقّه عن وجوب الحاضرة عليه في أوّل الوقت. و قد يرد هذه الإطلاقات بوجوب رفع اليد عنها من جهة تسليم أهل المواسعة لاستحباب تقديم الفائتة، فلا يجامع استحباب الحاضرة في أوّل وقتها. و فيه نظر، أمّا أوّلا:

فلذهاب بعض أهل المواسعة- كالصدوقين و عبيد اللَّه الحلبي و غيرهم- إلى استحباب تقديم الحاضرة «21» و ذهاب بعض إلى التخيير بين تقديم الحاضرة و تقديم الفائتة «22»

و لازم هذا القول- كما قدّمنا في أوّل المسألة- : القول بأفضليّة فعل الحاضرة في وقت فضيلتها. و أمّا ثانيا: فلأنّ القول باستحباب تقديم الفائتة إمّا أن يكون من جهة الاحتياط فلا ينافي أفضلية الحاضرة من حيث الفتوى الّتي هي مقتضى الأدلّة الاجتهاديّة، فيكون المسألة نظير الحكم بأفضليّة الإتمام في المواطن

المكاسب، ج 4، ص 356

الأربعة لظاهر الأدلّة و أنّ القصر أحوط، و كذا الحكم بأفضلية صلاة الجمعة، و كون الظهر أحوط و إمّا أن يكون من جهة الأخبار الدالّة على رجحان تقديم الفائتة بحملها على الاستحباب بعد فرض اختيار المواسعة. لكن نقول: لا تنافي بين استحباب تقديم الفائتة و بين استحباب فعل الحاضرة في وقت فضيلتها، فإن أمكن الجمع بين المستحبّين بأن يقضي الفائتة و يعقّبها بالحاضرة قبل خروج وقت فضيلتها فقد فاز بالمصلحتين، و إن لم يمكنه إلّا إحداهما بعينها تعيّنت، أو لا بعينها تخيّر، أو قدّم الحاضرة لكثرة ما دلّ من الأخبار على الحثّ عليها في ذلك الوقت «1» و توعيد من أخّرها عنه «2» و أنّ ما بقي من الوقت وقت رخصة لأهل الأعذار «3»

أو لصلاة الصبيان «4» و نحو ذلك. و كيف كان فكون كلّ من فعل الحاضرة في وقت الفضيلة و تقديم الفائتة عليه مستحبّا ممّا لم يمنعه مانع، و قد ذكرنا أيضا في أوائل المسألة أنّ جهات استحباب تقديم الفائتة ثلاث، و جهات تقديم استحباب الحاضرة أربع، فعليك بملاحظة ما يمكن اجتماعه من جهات تقديم إحداهما مع جهات تقديم الأخرى، فتدبّر.

[الدليل الثالث: الأخبار الخاصة]
اشارة

الثالث من وجوه الاحتجاج لأهل المواسعة: الأخبار الخاصّة- يعني المختصّ بحكم قضاء الفوائت- و هي طوائف:

الأولى: ما دلّ على توسعة القضاء في نفسها: فمن جملة ذلك: إطلاق الأخبار الكثيرة المشتملة على الأمر بالقضاء «5»

و لا سيّما ما ورد في الحائض و النفساء «6». و يرد عليه: أنّ الاستدلال بالأوامر المطلقة- خصوصا الأوامر الواردة في الحائض و النفساء- في مقام بيان أصل الوجوب من غير تعرّض لوجوب المبادرة و عدمها فإنّ الأمر بناء على عدم دلالته بالوضع على الفور لا يدلّ على عدمه، بل غاية الأمر سكوته عنه، فلا ينافي إرادة الأمر، المبادرة إليه بأمر آخر، و ليس يلزم حينئذ تصرّف في تلك الأوامر.

فالمدّعي للفور و إن كان عليه إقامة الدليل إلّا أنّ الإطلاقات لا تدلّ على خلافه، نعم ظاهر الأمر- حيث إنّه موضوع لطلب الفعل الغير المقيّد بزمان- حصول الامتثال بالإتيان به في الزمان الثاني و الثالث، و إن قلنا بدلالته على الفور، فتأمّل جدّا. و منها: ما عن أصل الحلبي- الّذي عرض على الإمام الصادق صلوات اللَّه عليه و استحسنه- «7»: «خمس صلوات يصلّين على كلّ حال و متى أحبّ، صلاة فريضة نسيها يقضيها مع طلوع الشمس و غروبها، و صلاة ركعتي الإحرام، و ركعتي الطواف الفريضة، و كسوف الشمس عند طلوعها و غروبها» «8». و يرد عليه أنّ قوله: «يصلّين على كلّ حال» يدلّ على مشروعيتها في مقام دفع توهّم المنع عنها عند طلوع الشمس و غروبها، لما استفاض من الأخبار الظاهرة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس و غروبها و أنّها تطلع بين قرني الشيطان «9»، و ليس المراد سعة وقتها و اختيار المكلّف في تعجيلها و تأخيرها، لأنّ هذا غير ممكن في الكسوف و الطواف و صلاة الميّت المذكورة في بعض الأخبار معها «10»، فلا ينافي هذا وجوب تعجيل القضاء متى ذكرها، و لذا جمع في بعض الأخبار بين الفقرة المذكورة و بين وجوب القضاء متى ذكرها، مثل رواية زرارة- المحكيّة عن الخصال- عن أبي جعفر عليه السلام: «قال: أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها، و ركعتي طواف الفريضة و صلاة الكسوف و الصلاة على الميّت» «11». و أمّا قوله: «متى أحبّ» فليس دليلا على جواز التأخير، لعدم جريانها في باقي الصلوات المذكورة في الرواية، فلا بدّ من تأويلها على وجه لا ينافي التعجيل، و لا يحضرني الآن تأويل حسن له و لا يهمّنا أيضا. هذا، مع أنّ العبارة المذكورة ليست برواية، لأنّ الحلبي لم يسندها إلى إمام، فلعلّها فتوى استنبطها من ظاهر بعض الروايات الدالة على التوسعة. و منها: ما عن الجعفي في كتاب الفاخر- الّذي ذكر في أوّله أنّه لم يرو فيه إلّا ما أجمع عليه و صحّ عنده عن قول الأئمّة عليهم السلام- من قوله قدّس سرّه:

«و الصلوات الفائتات تقضى «12» ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالّتي دخل وقتها و قضى الفائتة متى أحبّ» «13». و يرد عليه: أنّ الظاهر عدم كون القول المذكور متنا لرواية و إنّما هو معنى مستنبط من الروايات الظاهرة في المواسعة، فليس دليلا مستقلا. و منها: رواية عمّار المشتملة على مسائل متفرّقة، منها ما: «عن الرجل يكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: نعم، يقضيها باللّيل على الأرض، فأمّا على الظهر فلا، و يصلّي كما يصلّي في الحضر» «14». فإنّ الظاهر- بقرينة المنع عن القضاء على ظهر الراحلة و الأمر بفعلها كما في الحضر- أنّ المراد قضاء الفريضة، فلو كان القضاء مضيّقا لجاز فعله على الراحلة كما في الفريضة المضيّقة لضيق وقتها أو وقت التمكّن منها. و فيه، أوّلا: إنّه لا دلالة لها إلّا على عدم جواز فعل الفريضة على الراحلة، و أمّا وجوب النزول عنها لأجل القضاء إن تمكّن، و عدمه إن لم يتمكّن، فلا تعرّض لها في الرواية، نعم ربّما كان في قوله: «يقضيها باللّيل» دلالة على أنّه يؤخّرها إلى اللّيل ليقع على الأرض، فلا يقضيها بالنهار ليقع على الراحلة على ما هو الغالب من أنّ دأب المسافرين- خصوصا العرب- المشي بالنهار، فيكون وجه الدلالة ظهورها في ترخيص تأخير القضاء إلى اللّيل و عدم وجوب المبادرة إليها بالنهار. نعم يمكن للقائلين بالمضايقة أن يقولوا: إنّ المبادرة إنّما يجب إذا أمكن فعل القضاء مستجمعا لجميع الشروط الاختياريّة لا مطلقا، لأنّ التضيّق إنّما جاء من دلالة الأمر على الفور أو من ورود الدليل على وجوب التعجيل. و على كلّ تقدير، فالفعل المشروط في نفسه بشروط إذا أخّره المكلّف لتحصيل شرط من شروطه، لا يعدّ متوانيا فيه غير مستعجل، إذا لم يكن التأخير إلّا بمقدار تحصيل الشرط، و لهذا لم يلتزم أهل المضايقة بسقوط السورة و طهارة الثوب و البدن، بل مقدار الطهارة المائيّة إذا أوجب التأخير، و كان التعجيل يحصل بالتيمّم. و السرّ في ذلك: أنّ ترخيص الفعل بدون الشرائط الاختياريّة إنّما يكون عند الاضطرار، و الاضطرار إنّما يحصل إذا دار الأمر بين فوت أصل الواجب إمّا لضيق الوقت أو لطروّ المانع- و لو بحسب ظنّ المكلّف- ، و فوات شروطه و أجزائه الاختيارية، و أمّا إذا دار الأمر بين فوات التعجيل إلى الفعل و فوات تلك الشروط و الأجزاء الاختياريّة فلا يهمل جانب الشروط و يراعى التعجيل. و السرّ فيه: أنّ التعجيل المطلوب إنّما عرض للفعل بعد اعتبار الشروط و الأجزاء، فالمطلوب تعجيل الفعل المستجمع لها، فمتى لم يمكن

المكاسب، ج 4، ص 357

تعجيل الفعل المستجمع لها و ارتقب زمان الاستجماع فلا يعدّ عاصيا في التعجيل، و هذا هو السرّ في التزام العقلاء في مقام الإطاعة مراعاة جانب الشروط و الأجزاء و إن تأخّر زمان الفعل، بل لا يعدّ هذا تأخيرا، لأنّ التأخير و التعجيل إنّما يعتبران بالنسبة إلى أزمنة الإمكان، فافهم. و أمّا توهّم أنّ الإمام عليه السلام لم يستفصل بين السفر الضروريّ و غيره فيأمره بترك غير الضروريّ المستلزم لتأخير القضاء إلى اللّيالي، فمدفوع بأنّ مقام السؤال لا يقتضي ذلك- كما لا يخفى- فترك الاستفصال لا يجدي. و منها: رواية أخرى عن عمّار: «قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى يطلع الشمس و هو في سفر، كيف يصنع، أ يجوز أن يقضيها بالنهار؟ قال: لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا يجوز و لا يثبت له، و لكن يؤخّرها و يقضيها باللّيل» «1». و يرد عليه: أنّ المنع التحريميّ عن قضاء الفريضة بالنهار ممّا أجمع على خلافه الفتاوى و الأخبار، فإمّا يحمل على التقيّة فلا يجدي، و إمّا على الكراهة، و هي بعيدة عن مساقها و مخالفة لظاهر الأخبار، بل صريح كثير منها، فان لم يكن هذا كلّه موجبا لطرحها جاز الاقتصار على موردها، و لا داعي إلى صرفها عن الحرمة إلى الكراهة، إذ كما أنّ الحرمة منافية للفتاوى و الأخبار، فكذلك الكراهة، كما لا يخفى. و منها: ما رواه في البحار عن السيّد ابن طاوس- في رسالة غياث سلطان الورى لسكّان الثرى- عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام «قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك» «2»

. و التقريب: أنّ الظاهر من الدين إمّا خصوص الفريضة الفائتة أو الأعمّ، و لا وجه للتخصيص بالنافلة، فيدلّ على جواز تأخير القضاء لنافلة اللّيل، ثمّ عدم الأمر بفعلها قبل الصبح يدلّ على عدم الترتيب. و يرد عليه: أنّ ظهور لفظ الدين في الفريضة محلّ نظر، بل لا يبعد- عند من له ذوق سليم- أن يراد من الدين- في مقابل صلاة ليلته تلك- صلوات سائر اللّيالي، فيكون حاصل الجواب: ترجيح أداء نافلة تلك اللّيلة على قضاء نافلة سائر اللّيالي.

و لو أغمض عن ذلك، فنقول: إنّ التمسّك بعمومه حسن لنفي الفوريّة، و أمّا نفي الترتيب فلا يستفاد منه خصوصا على تفصيلي المحقّق «3» و العلّامة «4». و منها: ما عن السيّد- أيضا- في رسالة المواسعة، عن أمالي السيّد أبي طالب الحسيني بإسناده إلى جابر بن عبد اللَّه: «قال: قال رجل: يا رسول اللَّه كيف أقضي؟ قال صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: صلّ مع كلّ صلاة مثلها. قال:

يا رسول اللَّه قبل أم بعد؟ قال: قبل» «5». و فيه: أنّ الأمر بالصلاة ليس للوجوب قطعا. فيمكن أن يكون إرشادا لكيفيّة قضاء ذلك الشخص، فلعلّه كان القضاء مستحبّا في حقّه فيستحبّ له قبل كلّ صلاة أن يقضي صلاة. و منها ما عن الذكرى، عن إسماعيل بن جابر: «قال: سقطت عن بعيري فانقلبت على أمّ رأسي، فمكثت سبعة عشر ليلة مغمى عليّ، فسألته عن ذلك، قال: اقض مع كلّ صلاة صلاة» «6». و فيه: أنّ الاستدلال به مبنيّ على وجوب القضاء على المغمى عليه- كما اعترف به في الذكرى- «7» و هو مخالف للأخبار الكثيرة «8». مع أنّ الرواية غير مذكورة- على ما قيل- «9» في كتب الحديث، فلعلّ الشهيد أخذها من كتاب إسماعيل بن جابر أو من كتاب آخر أسندت فيه إلى إسماعيل، و هذا ممّا يوهن التمسك به. و منها: الأخبار المستفيضة الدالة على مرجوحيّة قضاء الفريضة، أو مطلق الصلاة عند طلوع الشمس حتى يذهب شعاعها «10». و يرد عليه: أنّها مخالفة للأخبار الكثيرة الواردة على خلافها، و أنّ ما يقوله الناس: «إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان» كاذب، و أنّه لو صحّ فما أرغم أنف الشيطان بشي ء مثل الصلاة «فصلّها و أرغم أنف الشيطان» «11»، و الأخبار الدّالّة صريحا على عدم المنع عن قضاء الفريضة متى ما ذكرها، بل مطلق الصلاة، بل فعل ذات السبب مطلقا «12». فالأولى حملها على التقيّة- و إن اشتمل بعضها على ما يخالف العامّة «13»، فإنّه غير مناف للحمل عليها، خصوصا إذا لم يكن محمل غيرها- من جهة ورود الأخبار المعتبرة على خلافها. و منها: الأخبار المرخّصة لقضاء صلاة اللّيل في النهار و قضاء صلاة النهار بالليل، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء «14» مثل مصحّحة ابن مسلم: «عن الرجل يفوته صلاة النّهار. قال: يقضيها، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» «15»، و نحوها مصحّحة الحلبي «16»

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على الرخصة المزبورة، فإنّ الصلاة المقضيّة فيها أعمّ من الفريضة و النافلة، بل يتعيّن حملها في الصّحيحتين على الفريضة بناء على القول بحرمة النافلة- و لو قضاء- في وقت الفريضة، بل و على القول بالكراهة أيضا، لظهورها في التساوي و عدم مزيّة في فعلها بعد العشاء. و يرد عليها: أنّ الظاهر من صلاة اللّيل و النهار- في هذه الروايات- نافلتهما، إذ الغالب التعبير عن الفرائض بأسمائها، كالظهرين أو المغرب و العشاء، مع أنّ الظاهر من فوت صلاة النّهار فوتها في النهار و فوت صلاة اللّيل في اللّيل، و حينئذ لا إشكال في أنّ الحكم قضاء الأوّل في الليل «17»، و الثاني في النهار. نعم هذا لا يتمشّى في بعضها، مثل قوله: «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار» «18» و نحوها، إلّا أنّه يمكن حملها على دفع توهّم المنع الحاصل عن مثل رواية عمّار المتقدّمة المانعة عن قضاء فائتة النهار إلّا في اللّيل «19»، مع إمكان حمل النهار فيها على النهار الآخر، لا يوم الفوات.

الطائفة الثانية من الأخبار: ما دلّ على أنّه يجوز لمن عليه فائتة أن يصلّي الحاضرة في السعة

، و أن يتمّها بنيّتها إذا ذكر الفائتة في أثنائها، فمن جملة ذلك ما عن أصل الحلبي المتقدّم «20» من قوله: «و من نام أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصليهما، فليصلّهما، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء» «21». و دلالته على المطلوب واضحة بناء على أنّ وقت العشاءين يمتدّ للمضطرّ إلى طلوع الفجر. و حمل قوله: «بعد الفجر» على القريب من طلوع الشمس بعيد جدّا، فحمل الأمر بتقديم الفجر على الاستحباب أولى من ذلك التقييد، فيتمّ المطلوب، لكنّها لا تنفي التفصيل المتقدّم عن المختلف «22». و منها ما تقدّم عن كتاب الفاخر «23»- الّذي ذكر في أوّله: «أنّه لا يروي فيه إلّا ما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمّة»- من قوله: «و الصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالّتي دخل وقتها و قضى الفائتة متى أحبّ». و ظاهره وجوب التقديم، إلّا أن يحمل على الاستحباب، فيتمّ المطلوب و هي المواسعة المطلقة من دون تفصيل. لكنّ

المكاسب، ج 4، ص 358

الإنصاف: أنّ عدّ هذين الكلامين من الرواية مشكل، فالظاهر كون الحكم المذكور من هذين الجليلين فتوى مستنبطة من ظاهر الروايات. و منها: ما أرسله الواسطي في كتابه عن الصادق عليه السلام: «إنّ من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة أخرى فائتة أتمّ التي هو فيها ثمّ قضى ما فاته» «1». و حكي «2» عنه نسبة هذا إلى أهل البيت عليهم السلام في موضع آخر من كتابه، و دلالته على المطلوب ظاهرة، فلا كلام إلّا في سنده. و منها: رواية أبي بصير المصحّحة: «إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء الآخرة أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصلّيهما جميعا فليصلّهما، و إن خشي أن يفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة. و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن يطلع الشمس فيفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ثمّ ليدع العشاء الآخرة حتّى يطلع الشمس و يذهب شعاعها ثمّ ليصلّ العشاء» «3». و حكي نحوها عن رسالة السيّد ابن طاوس عن كتاب الحسين بن سعيد «4». و نحوها ما عن الفقه الرضويّ مسندا إلى العالم بزيادة قوله: «و إن خاف أن تعجّله طلوع الشمس و يذهب عنهما جميعا فليؤخّرهما حتّى يطلع الشمس و يذهب شعاعها» «5». و الدلالة فيها ظاهرة على ما سبق في تقريب دلالة عبارة الحلبي «6». و أمّا الحكم فيهما بتأخير القضاء إلى ذهاب شعاع الشمس فهو غير موهن للرواية- كما أنّ صحيحة زرارة «7» الّتي هي العمدة في أدلّة الترتيب مشتملة على هذا الحكم أيضا- لأنّ غاية الأمر حمل هذه الفقرة على التقيّة و لا يوجب حمل ما في الخبر عليها، خصوصا مع احتمال حدوث سبب التقيّة بعد ذكر الفقرات السابقة. مع أنّ الرواية المرويّة عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن ابن مسكان- أو ابن سنان «8»- خالية عن الفقرة المذكورة. فالإنصاف ظهورها في المدّعى، نعم لا ينهض لردّ تفصيل المختلف، كما عرفت «9». ثمّ إنّه حكي عن المحقّق في العزيّة «10» أنّه أورد على هذين الخبرين فقال: إنّ خبري أبي بصير و ابن سنان يدلّان على أنّ وقت العشاء يمتدّ إلى الفجر، و هو قول متروك، و إذا تضمّن الخبر ما لا نعمل به دلّ على ضعفه. ثمّ. قال: و أيضا فهما شاذّان، لقلّة ورودهما «11»

بعد العمل بهما. ثمّ أجاب عن الأوّل: بأنّا لا نسلّم أنّ القول بذلك متروك، بل هو قول جماعة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين، منهم أبو جعفر بن بابويه «12»-

و هو أحد الأعيان- و قد ذكر ذلك الشّيخ أبو جعفر الطوسي في مسائل من بعض أصحابنا «13»، فكأنّه مشهور، و قالوا: هو وقت لمن نام أو نسي. و لو سلّمنا أنّ الوقت ليس بممتدّ، فما المانع أن يكون ذلك للتقيّة في القضاء، فإنّ رواية زرارة «14»- الّتي هي حجّة في ترتيب القضاء- تضمّنت تأخير المغرب و العشاء حتّى يذهب الشّعاع، و من المعلوم أنّ الحاضرة لا يتربّص بها ذلك، فكيف ما يدّعى أنّه يقدّم على الحاضرة؟ ثمّ أجاب عن الثّاني بأنّه لا نسلّم شذوذهما و قد ذكرهما الحسين بن سعيد «15» و الكليني «16» و الطوسي في التهذيب «17» و الإستبصار «18» و ذكره أبو جعفر بن بابويه في الفقيه «19» و قد أودع فيه ما يعتقد أنّه حجّة فيما بينه و بين ربّه «20»

(انتهى). و منها: مرسلة الوشّاء، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «قال: قلت: الرّجل يفوته الاولى و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة. قال:

يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، فإنّه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمّ يقضي ما فاته، الأولى فالأولى» «21». و عن المحقّق في المعتبر «22» روايته عن جميل «23»، فلعلّه أخذه من كتابه. و وجه الدّلالة أنّ المراد من تذكّر المنسيّ عند العشاء، إمّا تذكّره عند دخول مطلق وقته، و إمّا بذهاب الحمرة المغربيّة- بناء على القول بأنّه آخر وقت المغرب كما هو مذهب جماعة- «24» و إمّا زمان تمحّض الوقت له، و هو ما بعد ثلث اللّيل أو ربعه- بناء على انتهاء المغرب بذلك و بقاء العشاء إلى نصف اللّيل- و على أيّ حال فقد دلّت الرّواية على رجحان تقديم الحاضرة على الفائتة، و التّعليل المذكور أمارة الاستحباب. و لو أبيت إلّا عن كون وقت العشاء قبل تضيّقه وقتا للمغرب أيضا- على ما هو المشهور بين المتأخرين- أمكن حمل قوله: «بدأ «25» بالوقت الّذي هو فيه». على المغرب و العشاء، فيكون المراد نسيان المغرب في أوّل وقته لا مطلقا. و يحتمل أيضا إرادة مغرب اللّيلة السّابقة. و يحتمل أيضا أن يكون قد وقع ذكره على سبيل السّهو من السّائل في مقام ذكر المثال للفوائت، كما جمع في السّؤال عن تداخل الأغسال بين غسل العيد و عرفة و الجمعة «26». و إن أبيت إلّا عن كون الكلّ مخالفا للظّاهر، قلنا: إنّ عدم مناسبة ذكر المغرب لظاهر السّؤال لا يوجب سقوط الجواب عن قابليّة الاستدلال، فإنّ ظهور الرّواية في تقديم العشاء الحاضرة على قضاء الظّهرين ممّا لا ينبغي إنكاره، و هو كاف في إثبات المواسعة المطلقة، خصوصا بملاحظة التّعليل المذكور فيها. و منها: موثّقة عمّار: «قال: سألته عن رجل يفوته المغرب حتّى يحضر العتمة؟ فقال: إذا حضر العتمة و ذكر أنّ عليه صلاة المغرب، فإن أحبّ أن يبتدئ بالمغرب بدأ، و ان أحبّ بدأ بالعتمة ثمّ صلّى المغرب بعد.. الخبر» «27». بناء على أنّ المراد: مغرب اللّيلة السابقة، أو على القول المتقدّم من انتهاء وقت المغرب بدخول وقت العشاء، و دلالته حينئذ على جواز تقديم الحاضرة واضحة. و لا ينافيه الحكم باستحباب تقديم الحاضرة، و لا استحباب تقديم الفائتة، لإمكان حمل التخيير فيه على إرادة دفع توهّم تعيّن أحد الأمرين.

و منها: ما عن السيّد ابن طاوس في رسالة المواسعة عن كتاب الحسين ابن سعيد، عن صفوان، عن العيص ابن القاسم: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى؟ فقال: إن كانت صلاة الأولى فليبدأ بها، و إن كانت صلاة العصر صلّى العشاء ثمّ صلّى العصر» «28». بناء على أنّ المراد بصلاة الأولى هي مطلق الصلاة الّتي بعدها صلاة، فتعمّ المغرب، و يكون المراد بوقت الصلاة الأخرى: وقتها الّذي هو وقت اضطراريّ للأولى، فيكون حاصل الجواب: أنّ الصلاة الاولى مع بقاء وقتها الاضطراري يقدّم على الصلاة الأخرى، و أمّا مع فوات وقتها مطلقا فيقدّم عليها الحاضرة. و يمكن أن يراد من الصلاة الأولى صلاة الظهر، لشيوع إطلاقها عليها في الأخبار، و كونها أوّل صلاة صلّاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم لكن تخصيصه بالذكر من باب المثال، فيعمّ الحكم المغرب أيضا.

المكاسب، ج 4، ص 359

و يحتمل أن يراد ب «الاولى» خصوص الظهر، فيكون وجه تقديم الظهر المنسيّة على العصر أنّه: «لا صلاة بعد العصر» «1». و في الرواية احتمالات أخر باعتبار رجوع كلّ من الضمير في قوله: «و إن كانت» و قوله: «فليبدأ بها» إلى كلّ من الحاضرة و المنسيّة، إلّا أنّ الأظهر ما ذكرنا، مع أنّ دلالتها على تقديم العشاء الحاضرة على العصر المنسيّ واضحة على كلّ حال. و منها: المرويّة عن قرب الإسناد، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «قال: و سألته عن رجل نسي المغرب حتّى دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال: يصلّي العشاء ثمّ يصلّي المغرب. و سأله عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع الفجر؟ قال: يصلّي العشاء ثمّ يصلّي الفجر. و سأله عن رجل نسي الفجر حتّى حضرت الظهر. قال: يبدأ بالظهر ثمّ يصلّي الفجر، كذلك كلّ صلاة بعدها صلاة» «2». فإنّ صدرها و ذيلها كالصريح في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة. و أمّا الحكم فيها بتقديم العشاء المنسيّة على الفجر فعلى وجه الأولويّة، كالحكم بتقديم الحاضرة في الصورتين، لما ذكر من الضابط في ذيلها. لكن يرد عليها: أنّ ظاهرها فوات وقت المغرب للناسي مع سعة وقت العشاء، و هو خلاف المشهور و الأدلّة «3»، و إرادة آخر وقت العشاء يوجب الحكم بوجوب تقديم العشاء. هذا مع أنّ الضابط المذكور لا يخلو من إجمال، لأنّ المشبّه به المشار إليه بقوله: «كذلك كلّ صلاة بعدها صلاة» يحتمل أن يكون الفائتة، و يحتمل أن يكون الحاضرة، و وجه الشبه إمّا الحكم بالتقديم و إمّا الحكم بالتأخير، و المراد من ثبوت صلاة بعدها أمّا مشروعيّة صلاة بعدها- و لو نفلا- «4» و إمّا وجوب فريضة بعدها. نعم في بعض الأخبار ما يبيّن المراد منها، و هو ما عن الشيخ بإسناده عن الحسن الصيقل: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي الأولى حتّى صلّى ركعتين من العصر؟ قال: فليجعلهما «5» الاولى و ليستأنف العصر. قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر؟ قال: فليتمّ صلاته ثمّ ليقض بعد المغرب. قال: قلت له: جعلت فداك، قلت حين نسي الظهر ثمّ ذكر و هو في العصر يجعلها الاولى ثمّ يستأنف. و قلت: هذا يتمّ صلاته ثمّ ليقض بعد المغرب؟! قال: هذا ليس مثل ذلك، إنّ العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة» «6».

و في معناها ما عن دعائم الإسلام بزيادة قوله: «انّ العصر ليس بعدها صلاة، يعني لا يتنفّل بعدها، و العشاء الآخرة يصلّي بعدها ما يشاء» «7». و هذا التفصيل محمول على الأولويّة بشهادة التعليل- فإنّ قضاء الصلاة بعد العصر جائز إجماعا- أو على التقيّة، ففيه دلالة على المواسعة و تفسير لما سبق من التفصيل في رواية عليّ بن جعفر المتقدّمة «8»، إلّا أنّ ظاهره متروك عندنا- معاشر القائلين بعدم خروج وقت الظهر، خصوصا للناسي، إلّا إذا بقي مقدار صلاة العصر من وقتها- ، و حينئذ ففي غير ذلك الوقت يجب العدول، و فيه يحرم، فلا مورد للاستحباب، و هكذا الحكم المذكور للمغرب، فافهم. و منها: ما عن الشيخ، عن إسماعيل بن هشام، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الرجل يؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر، انّه يبدأ بالعصر ثمّ يصلّي الظهر» «9». و فيه ما تقدّم، من أنّه لا يناسب ما هو المعروف من عدم خروج وقت الظهر إلّا إذا بقي مقدار صلاة العصر. و منها: ما عن الصدوق و الشيخ بإسنادهما عن إسحاق بن عمّار «قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: «تقام الصلاة و قد صلّيت؟.

قال: صلّها و اجعلها لما فات» «10». و دعوى اختصاص الصلاة الّتي صلّاها أوّلا بصورة نسيان وجوب القضاء، بعيدة. نعم ظاهر الرواية الاستحباب، فيمكن حملها على محتمل الفوات.

الطائفة الثالثة: ما دلّ من الأخبار على جواز النفل أداء، و قضاء، لمن عليه فائتة.

فمن جملة ذلك: ما استفاض من قصّة نوم النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم عن صلاة الصبح حتّى طلعت الشمس، فقام فصلّى هو و أصحابه أوّلا نافلة الفجر ثمّ صلّى الصبح «11». و لا إشكال في سندها و دلالتها إلّا من جهة تضمّنها نوم النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم، بل في بعضها ما يدلّ على صدور السهو أيضا منه عليه السلام على ما يقوله الصدوق «12» تبعا لشيخه ابن الوليد، بل عن ظاهر الطبرسي في تفسير قوله تعالى: وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا «13» نسبة ذلك إلى الإماميّة في غير ما يؤدّونه عن اللَّه «14». لكنّ الظاهر شذوذ هذا القول و مهجوريّته، خصوصا فيما يتعلّق بفعل المحرّمات و ترك الواجبات. نعم قال في الذكرى- بعد ذكر رواية زرارة الدالّة على نوم النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم- : إنّه لم نقف على رادّ لهذا الخبر من حيث توهّم القدح بالعصمة فيه «15». و ظاهره أنّ قدح مضمونها في العصمة توهّم مخالف لما عليه الأصحاب ممّن تعرّض لذكر هذه الروايات. و يؤيّد ما ذكره ما عن رسالة نفي السهو للمفيد قدّس سرّه أنّه قال:

لسنا ننكر أن يغلب النوم على الأنبياء صلّى اللَّه عليهم في أوقات الصلاة حتّى يخرج الوقت فيقضوها بعد ذلك، و ليس عليهم في ذلك عيب و لا نقص «16»، لأنّه ليس ينفكّ بشر من غلبة النوم، و لأنّ النائم لا عيب عليه، و ليس كذلك السهو، لأنّه نقص عن الكمال في الإنسان، و هو عيب يخصّ به من اعتراه، و قد يكون من فعل الساهي تارة كما يكون من فعل غيره، و النوم لا يكون إلّا من فعل اللَّه و ليس من مقدور العباد على حال، و لو كان من مقدورهم لم يتعلّق عيب و لا نقص لصاحبه، لعمومه «17» جميع البشر، و ليس كذلك السهو، لأنّه يمكن التحرز منه، و لأنّا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم و أسرارهم من ذوي السهو و النسيان و لا يمنعون من إيداعها ممّن يغلبه النوم أحيانا، كما لا يمنعون من إيداعها ممّن يعرضه «18» الأمراض و الأسقام «19» (انتهى موضع الحاجة). و عن شيخنا البهائي- في بعض أجوبة المسائل- ما لفظه: «الرواية المتضمنة لنوم النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم صحيحة السند، و قد تلقّاه الأصحاب بالقبول، حتّى قال شيخنا في الذكرى: إنّه لم يجد لها رادّا، فقبول من عدا الصدوق من الأصحاب لها، شاهد صدق على أنّهم لا يعدّون فوات الصلاة بالنوم سهوا، و إلّا لردّوها كما ردّوا غيرها ممّا هو صريح في نسبة السهو، و من شدّة وثوقهم بها استنبطوا منها أحكاما كثيرة ذكرتها في حبل المتين، منها: قضاء النافلة، و منها: جواز النافلة لمن عليه فريضة «20» (انتهى). و عن والده في رسالة مفردة منسوبة إليه: إنّ الأصحاب تلقّوا أخبار نوم النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم بالقبول «21» (انتهى). و حينئذ نقول: إنّه لو لم نقل من جهة كثرة هذه الأخبار بجواز صدور ذلك عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم- وفاقا لظاهر من عرفت- لم يثبت بالعقل و لا بالنقل امتناع ذلك عليه، فلا يجوز ردّ الاستدلال بالأخبار بما لم يثبت امتناعه عقلا و لا نقلا و لا ادّعى أحد امتناعه. نعم

المكاسب، ج 4، ص 360

حكي عن العلّامة أنّه قال:- بعد ذكر بعض الأخبار في ذلك- : إنّ حديثهم باطل، لاستحالة صدور ذلك عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم «1». و عن رسالة نفي السهو المتقدمة «2»- بعد الاعتراف بعدم امتناعه عقلا على ما عرفت- ذكر أنّ الخبر في هذا المعنى من جنس الخبر في السهو و أنّه من الآحاد الّتي لا توجب علما و لا عملا. و عن السيّد ابن طاوس أنّه- بعد ما ذكر عن بعض طرق العامّة أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم نام هو و أصحابه آخر اللّيل إلى أن طلعت الشمس، فأوّل من استيقظ أبو بكر ثمّ عمر، فكبّر عمر تكبيرا عاليا فأيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم فأمرهم بالارتحال، و سار غير بعيد، فنزل فصلّى الصبح- قال: «انظر أيّها العاقل في وصفهم لعناية اللَّه سبحانه نبيّهم، و أنّه سبحانه لا يصحّ أن ينام، و أنّ جبرئيل عليه السلام ما كان شفقته على نبيّهم دون عناية عمر حتّى كان يوقظه اللَّه أو جبرئيل، فإذا نظرت إلى روايتهم عن محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلم أنّه تنام عينه و لا ينام قبله «3»، و تفسيرهم لذلك بأنّ نومه لا يمنعه عن معرفة الأحوال «4»، و نظرت في رواياتهم لوجوب قضاء ما فات عقيب ذكره، ثمّ يذكرون في هذه الرواية أنّه أخّر القضاء إلى بعد الارتحال، فإنّه قد نام قلبه حتّى لا يحسّ بخروج الوقت، فكلّ ذلك يشهد بالمناقضة في رواياتهم و مقالاتهم و تكذيب أنفسهم «5» (انتهى). و الإنصاف أنّ نوم النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم أو أحد المعصومين صلوات اللَّه عليهم عن الواجب- سيّما آكد الفرائض- نقص عليهم ينفيه ما دلّ من أخبارهم «6» على كمالهم و كمال عناية اللَّه تعالى بهم في تبعيدهم من الزلل، بل الظاهر بعد التأمّل أنّ هذا أنقص من سهو النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم عن الركعتين في الصلاة. و ما تقدّم «7» من صاحب رسالة نفي السهو ممنوع، بل العقل و العقلاء يشهدون بكون السهو عن الركعتين في الصلاة أهون من النوم عن فريضة الصبح، و أنّ هذا النائم أحقّ بالتعبير من ذلك الساهي، بل ذاك لا يستحقّ تعييرا. و كون نفس السهو نقصا دون نفس النوم، لا ينافي كون هذا الفرد من النوم أنقص، لكشفه عن تقصير صاحبه و لو في المقدّمات. و بالجملة، فصدور هذا مخالف لما يحصل القطع به من تتبّع متفرّقات ما ورد في كمالاتهم و عدم صدور القبائح منهم فعلا و تركا في الصغر و الكبر عمدا أو خطأ. و لعلّه لذا تنظّر في الأخبار «8» بعض المتأخّرين- على ما حكي عنهم- منهم: شيخنا البهائي «9» بعد اعترافه بأنّ المستفاد من كلام الشهيد المتقدّم عن الذكرى: تجويز الأصحاب لذلك «10» و عرفت أيضا ما عن المنتهى و غيره «11». اللّهمّ إلّا أن يقال بإمكان سقوط أداء الصلاة عنه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم في ذلك الوقت لمصلحة علمها اللَّه سبحانه، فإنّ اشتراكه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم مع غيره في هذا التكليف الخاصّ ليس الدليل عليه أوضح من الأخبار المذكورة حتّى يوجب طرحها، خصوصا بملاحظة بعض القرائن الواردة في تلك الأخبار، منها: قوله عليه السلام- في رواية سعيد الأعرج- : «إنّ اللَّه تعالى أنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم إلى أن قال: و أسهاه في صلاته فسلّم في الرّكعتين.. إلى أن قال: و إنّما فعل ذلك رحمة لهذه الأمّة، لئلا يعيّر الرّجل المسلم إذا هو نام على صلاته أو سها.. الخبر» «12» فتأمّل. و قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلم لأصحابه مخاطبا لهم: «نمتم بوادي الشيطان» «13». و لم يقل نمنا، فعلم أنّ النوم كان زللا منهم لا منه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم. ثمّ إنّ دلالة الأخبار المذكورة- بعد تسليمها- كغيرها من الأخبار المتضمّنة لجواز النفل لمن عليه قضاء، على نفي المضايقة و فوريّة القضاء. و أمّا دلالتها على نفي الترتيب فهي مبنيّة على عدم المدرك له إلّا الفوريّة أو انعقاد الإجماع المركّب على أنّ كلّ من قال بالمواسعة لم يقل بالترتيب، و كلاهما ممنوعان.

[الدليل الرابع: الإجماعات المنقولة]

الرابع من حجج القول بالمواسعة: الإجماعات المنقولة. منها: ما تقدّم عن الجعفي من نسبة ما يذكره في كتابه الفاخر إلى المجمع عليه «14». و منها: ما عن المعتبر من أنّ القول بالمضايقة يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة أن يأكل و أن ينام زائدا على الضرورة، و لا يشتغل إلّا لاكتساب قوت يومه له و لعياله، و أنّه لو كان له درهم حرم عليه الاكتساب حتّى يخلو يده، و التزام ذلك مكابرة صرفة و التزام سوفسطائي. ثمّ قال: و لو قيل: قد أشار أبو الصلاح الحلبي إلى ذلك، قلنا «15»: نعلم من المسلمين كافّة خلاف ما ذكرنا، فإنّ أكثر الناس يكون عليهم صلوات كثيرة فإذا صلّى الإنسان منهم شهرين في يومه استكثره الناس «16» (انتهى). و عن المختلف ما محصّله: أنّ القول بتحريم الحاضرة في أوّل وقتها مع القول بجواز غيرها من الأفعال ممّا لا يجتمعان، و الثاني ثابت بالإجماع على عدم إفتاء أحد من فقهاء الأمصار في جميع الأعصار بتحريم زيادة لقمة أو شرب جرعة، أو طلب الاستراحة من غير نصب شديد، أو المنع من فعل العبادات الواجبة، و المندوبة لمن عليه قضاء، فيلزم انتفاء الأوّل «17» (انتهى). و الجواب عن هذه الحجّة: أنّه إن أريد دعوى إجماع العلماء فهو واضح المنع، مع ما عرفت من كثرة القائلين بالمضايقة من القدماء و دعواهم الإجماع. و عبارة الجعفي يمكن حملها على أنّ ما ذكر في كتابه مضمون الروايات المجمع عليها، بل يمكن دعوى ظهور قوله: «لا نذكر فيه إلّا ما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمة عليهم السلام» فيما ذكرنا، فإنّ كلمة «من» بيان للموصول. و أمّا كلام المحقّق فمرجعها «18» إلى دعوى «19» سيرة المسلمين، و هي غير معلومة على وجه يجدي في المقام، مع احتمال كونها ناشئة عن قلّة مبالاتهم في الدين، و لذا تراهم يشتغلون بما ذكر من المباحات من اشتغال ذممهم بحقوق من يطالبهم مستعجلا- و لو بشاهد الحال، كمستحقّي الصدقات الواجبة- و مع اشتغال ذممهم بحقوق اللَّه الفوريّة، كتعلّم العلم و اكتساب الأخلاق الجميلة و دفع الأخلاق الرذيلة، و تراهم يعاملون- بيعا و شراء- مع الأطفال الغير المميّزة و المجانين، و لا يجتنبون عن النظر إلى غير المحارم زائدا على الوجه و الكفّين، كالشعر و الزند و الرجل إلى غير ذلك ممّا يطول الكلام بذكره. هذا مع أنّ استلزام المضايقة لتحريم الأمور المذكورة محلّ كلام في الأصول بين أعاظم الفحول، فلعلّ السيرة المذكورة دليل على عدم الاستلزام، كما تمسّك بها بعض الأعلام في هذا المقام. و منه يظهر ما في دعوى العلّامة في المختلف. مضافا إلى أنّ نفي القول من فقهاء الأمصار بحرمة ما ذكر مع اعترافه قدّس سرّه «20» بذهاب السيّد و جماعة إلى الحرمة كما ترى. و بالجملة فالتمسّك بالإجماع و السيرة في هذا المقام ليس إلّا لتكثير الأدلّة، مع أنّه لا ينفي الترتيب إلّا إذا كان منوطا بالفوريّة و مبنيّا عليها.

[الدليل الخامس: لزوم الحرج]

الخامس من حجج القائلين بالمواسعة: لزوم الحرج العظيم، الّذي يشهد بنفيه الأدلّة الثلاثة، بل الأربعة. و يرد عليه أنّ الحرج لا يلزم

المكاسب، ج 4، ص 361

إلّا مع كثرة الفوائت، و حينئذ فإن كان لزومه على وجه يرتفع به التكليف حكم بمقتضاه، كما يحكم القائل بالمواسعة عند ظنّ طروّ العجز، و كما يحكم بسقوط القيام في الصلاة عند تعسّره فلا يتعدّى إلى صورة عدم لزوم الحرج، لقلّة الفوائت. و ليس المقام ممّا يقضي لزوم الحرج بتشريع المواسعة في جميع الأفراد حتّى مع عدم الحرج، بأن يكون لزوم الحرج مؤسّسا للحكم، لأنّ ذلك إنّما هو فيما كان العسر في أغلب الموارد فيتبعها النادر، كما في تشريع القصر في السفر للحرج، و تشريع طهارة الحديد، و غير ذلك، و ليس كذلك ما نحن فيه قطعا «1». فاندفع ما يقال: إنّ غرض المستدلّ أنّ المشقّة النوعيّة الثابتة في فوريّة القضاء يقتضي- بحسب الحكمة المرعيّة في الشريعة السمحة السهلة- نفيها مطلقا، و إن انتفت المشقّة الشخصيّة في ثبوتها في بعض الأحيان. هذا مع إمكان معارضته بأنّ حكمه عدم وقوع المكلّف في تهلكة «2» بقائه مشغول الذمّة بالفوائت بعد الموت، اقتضت إيجاب المبادرة إليها إذ قلّما اتّفق للمكلّف أن يكون عليه فوائت كثيرة لم يبادر إليها في السعة إلّا و قد مات مشغول الذمّة بها أو بأكثرها. و كيف كان، فهذا الدليل- في الضعف- كسابقه، إلّا أنّه ينفي الترتيب أيضا و لو لم ينشأ من المضايقة، لأنّ مقتضاه وجوب الاشتغال بالفوائت تحصيلا للترتيب بين الحاضرة و بين ما يمكن تقديمه عليها من الفوائت، بل لو لم يشتغل بها أيضا كان في نفس تأخير الحاضرة حرج من جهة ضبط أواخر الأوقات بالساعات و العلامات إلّا إذا قلنا بأنّ الواجب تأخير الحاضرة عن مجموع الفوائت، لا عن كلّ فائتة حتّى يجب الاشتغال بها مهما أمكن، فافهم. و الحاصل: أنّ لزوم العسر على من كثر عليه الفوائت مسلّم، سواء قلنا بالمضايقة أم قلنا بلزوم الترتيب من دون المضايقة، لكنّ الحكم بنفيهما «3» عموما حتّى في مورد عدم الحرج يحتاج إلى دليل آخر. و التمسّك بالإجماع المركّب في غير موضعه، لأنّ الفصل في الأحكام التكليفيّة بين موارد الحرج و غيرها، لكثرة وقوعه في الشريعة لا يعلم مخالفته في هذه المسألة لقول الإمام عليه السلام، و إن كان القطع به في بعض الموارد ممكنا، «4» إلّا أنّ غلبة الفصل بين الموردين في المسائل ممّا يمنع القطع غالبا، فافهم، فإنّه نافع في كثير من الموارد. و هذا خلاصة أدلّة القول بالمواسعة، و قد عرفت ضعف أكثرها، مع عدم الدلالة على الترتيب خصوصا فيما عدا فوائت اليوم.

[أدلة القول بالمضايقة]
اشارة

و أمّا ما يمكن ان يستدلّ به للقول بالمضايقة فوجوه:

الأوّل: الأصل.

و المراد به: أصالة الاحتياط، إمّا من حيث الفوريّة، لتيقّن عدم المؤاخذة- على تقدير التعجيل- و عدم الأمن منه- على تقدير التأخير، مطلقا أو مع اتّفاق طروّ العجز. و إمّا من حيث تيقّن امتثال الحاضرة على تقدير تأخيرها عن الفائتة أو إيقاعها في ضيق الوقت و الشكّ في الامتثال لو قدّمها على الفائتة. و الجواب عنه: عدم وجوب الاحتياط لا من جهة الفوريّة و لا من جهة الترتيب، لما تقرّر في محلّه من دلالة العقل و النقل على عدم المؤاخذة عمّا لم يعلم كونه منشأ لها، سواء كان الشكّ في التكليف الأصليّ أم كان في التكليف المقدّميّ، كالجزء، و الشرط. ثمّ إنّه لو قلنا بأصالة الاحتياط في الوجوب المقدّميّ من قبيل الجزء، و الشرط- على ما هو مذهب جماعة «5»، و قد كنّا نقوّيه سابقا بدعوى اختصاص أدلّة البراءة- عقلا و نقلا- بالشكّ في التكليف المستقلّ، كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو غسل الجمعة، لكن وجوب الاحتياط في التكليف الوجوبيّ المستقلّ مما لم يقل به أحد من المجتهدين و الأخباريّين على ما ادّعاه بعض الأخباريين من اختصاص الخلاف بين الأخباريّين و المجتهدين في وجوب الاحتياط و عدمه بغير هذه الصورة من صور الشبهة في الحكم الشرعيّ. و على هذا فوجوب الاحتياط من جهة الفوريّة و وجوب المبادرة إلى القضاء لمجرّد احتمال العقاب على التأخير ممّا لم يقل به أحد. و أمّا أصالة الاحتياط من جهة الشكّ في اعتبار الترتيب- على ما هو مذهب جماعة في الشكّ في الشرطيّة و الجزئيّة- فهي أيضا غير جارية في المقام و إن قلنا بجريانها في غيره، لأنّ الترتيب عند أهل المضايقة من جهة لزوم المبادرة، فالشكّ في اعتبار الترتيب مسبّب عن الشك في لزوم المبادرة، و إذا كان المرجع عند الشك في لزوم المبادرة أصالة البراءة عنه بالإتّفاق على ما ذكر لم يجب الاحتياط عند الشكّ في اعتبار الترتيب. بل المرجع إلى أصالة البراءة الّتي هي الأصل في الشكّ، الّذي صار منشأ لهذا الشكّ، لما تقرّر في محلّه من أنّ أحد الأصلين إذا كان الشكّ في مجراه سببا للشكّ في مجرى الآخر، فهو حاكم على صاحبه، و لا يلتفت إلى صاحبه، و لذا لو شككنا في وجوب تقديم إخراج النجاسة عن المسجد على الصلاة فيه، لأجل الشكّ في وجوب إخراج النجاسة الغير الملوّثة منه لم يكن هناك موضع إجراء أصالة الاشتغال باتّفاق من القائلين بجريانها عند الشكّ في اعتبار شي ء في العبادة المأمور بها. و الحاصل أنّ أصالة البراءة حاكمة على أصالة الاشتغال، مع كون الشكّ في مجرى الثانية مسبّبا عن الشكّ في مجرى الأولى، و هذا هو الضابط في كلّ أصلين متعارضين، سواء كانا من جنس واحد، كاستصحابين أو من جنسين، كما فيما نحن فيه. و الظاهر أنّ تقديم البراءة على الاحتياط- في مثل ما نحن فيه- ممّا اتّفق عليه الموجبون للاحتياط، و إن اختلفوا في الاستصحابين المتعارضين إذا كانا من هذا القبيل. ثمّ إنّ ما نحن فيه ليس من الشك في شرطيّة شي ء لعبادة أو جزئيته لها، بل الشكّ في صحّة العبادة لأجل الشكّ في ثبوت تكليف آخر أهمّ منه، فإذا انتفى بأصالة البراءة فلا مسرح للاحتياط الواجب، فافهم و اغتنم. و اعلم أنّ جميع ما ذكرنا إنّما هو على تقدير تسليم الصغرى، و هي أنّ الاحتياط في تقديم الفائتة، و أمّا لو أخذنا بظواهر العبائر المحكيّة عن جماعة من القدماء «6» كظاهر بعض الأخبار من وجوب تقديم الحاضرة و إن كانت موسّعة «7»، أو لاحظنا قول جماعة كثيرة بثبوت الوقت الاضطراري «8» فلا احتياط في المقام.

الثاني: إطلاق أوامر القضاء

، بناء على كونها للفور أمّا لغة- كما عن الشيخ و جماعة «9»- ،

و إمّا شرعا- كما عن السيّد- مدعيا إجماع الصحابة و التابعين عليه «10»، و إمّا عرفا- كما يظهر عن بعض أدلة بعض المتأخرين. و الجواب: منع كونه للفور، لا

المكاسب، ج 4، ص 362

لغة و لا شرعا و لا عرفا.

الثالث: ما دل على وجوب المبادرة إلى القضاء

، فمن ذلك قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «1» فعن الطبرسي- بعد ذكر جملة من معانيه- و قيل: معناه أقم الصلاة متى ذكرت أنّ عليك صلاة، كنت في وقتها أم لم تكن- عن أكثر المفسرين- و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام «2». و عن القمي: إذا نسيت صلاة ثمّ ذكرتها، فصلّها «3». و في الذكرى: «قال كثير من المفسرين: إنّه في الفائتة، لقول النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها، إنّ اللَّه تعالى يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «إذا فاتتك صلاة ذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنّك صلّيت الّتي فاتتك، كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالّتي فاتتك إنّ اللَّه عزّ و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «4»» (انتهى). و مثلها- في تفسير الآية- : صحيحة أخرى لزرارة الواردة في حكاية نوم النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم، و فيها قوله عليه السلام:

«من نسي شيئا من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها، إنّ اللَّه تعالى يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» «5». و منها: الأخبار الدالّة على الأمر بالقضاء عند ذكره، مثل ما تقدّم في تفسير الآية، و مثل ما عن السرائر «6» في الخبر المجمع عليه بين جميع الأمة: «من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها» «7». و مثل رواية حمّاد، عن نعمان الرازي:

«قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكرها عند طلوع الشمس و عند غروبها؟ قال: فليصلّها عند ذكرها» «8». و رواية يعقوب بن شعيب: «عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ، أو ينتظر حتّى تنبسط الشمس؟ قال: يصلّي حين يستيقظ» «9»، إلى غير ذلك مما هو بهذا المضمون «10». و مثل ما دلّ من الأخبار «11» على أنّ عدّة صلوات يصلّين على كلّ حال، منها: صلاة فاتتك تقضى حين تذكر. و تقريب الاستدلال بالآية و الروايات: أنّ توقيت فعل الصلاة بوقت الذكر ظاهر في وجوب إيقاعها في ذلك الوقت، فهو وقت للواجب، لا لمجرّد الوجوب، كما في قول القائل: أدخل السوق عند طلوع الشمس أو الزوال، أو افعل كذا حين قدوم زيد، و نحو ذلك. و حملها على الاستحباب مخالف لظاهرها، خصوصا ظاهر الآية، حيث إنّ قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ «12» عطف على قوله فَاعْبُدْنِي الصريح في الوجوب، و كذا حملها على مجرد الإذن في المبادرة في مقام رفع توهّم الحظر عنها في بعض الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها تنزيها أو تحريما. و منها: ما دلّ على عدم جواز الاشتغال بغير القضاء، مثل صحيحة أبي ولّاد- الواردة في حكم المسافر القاصد للمسافة، الراجع عن قصده قبل تمامها- و في آخرها: «فإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا، فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صليتها بالقصر بتمام، من قبل أن تبرح من مكانك» «13». و صحيحة زرارة: «عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة أو نام عنها، قال: يقضيها إذا ذكرها، في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة و لم يتمّ ما فاته فليقض، ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة الّتي قد حضرت، و هذه أحقّ بوقتها، فإذا قضاها فليصلّ ما قد فاته ممّا قد مضى، و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» «14». و الجواب: أمّا عن الآية «15» فبأنّه إن أريد إثبات دلالتها بنفسها على فوريّة القضاء، فدونه خرط القتاد، إذ لا ظهور فيها إلّا في خطاب موسى عليه السلام بإقامة الصلاة، فإنّ قوله تعالى لِذِكْرِي يحتمل أن يكون قيدا لكلا الأمرين، أعني قوله فَاعْبُدْنِي- وَ أَقِمِ الصَّلاةَ خصوصا بعد ملاحظة أنّ في نسيان مثل موسى لصلاة الفريضة بل نومه عنها كلاما تقدّم شطر منه في نوم النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم «16» و «اللام» فيه يحتمل وجوها، و كذا «الذكر». و بالجملة، فعدم دلالة الآية بنفسها على المدّعي بحسب فهمنا ممّا لا يحتاج إلى بيان وجوه إجمال الآية أو بعضها: و لذا لم يحك عن أحد من المفسّرين من تفسيرها «17» بخصوص الفائتة، حتّى يمكن حمل الأمر فيها على الفور. و إن أريد دلالتها بضميمة ما ورد في تفسيرها- من الروايات المتقدّمة المستشهد بها فيها على وجوب القضاء عند الذكر- منعنا دلالتها، لأنّ الرواية الأولى عاميّة «18» و الصحيحة الآخرة «19» لزرارة «20» مع اشتمالها على نوم النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم و أصحابه عن منامهم بعد الاستيقاظ، و تقديم نافلة الفجر، بل الأذان و الإقامة. بل قد تدلّ مراعاة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم للتجنب عن وادي الشيطان و عدم تأخيره نافلة الفجر عن فريضتها و عدم ترك الأذان و الإقامة على عدم استحباب المبادرة إلى القضاء على وجه يكون له مزيّة على المستحبّات المذكورة. و أمّا الرواية الأولى لزرارة «21»، فلا دلالة فيها إلّا على تقدير كون الأمر للفور و قد عرفت منعه سابقا «22»، فهي لا تدلّ إلّا على الأمر بتقديم الفائتة الواحدة على الحاضرة، و أين هذا من القول بالمضايقة و وجوب المبادرة، و بطلان الحاضرة لو قدّمها على الفائتة و إن تعدّدت. و أمّا الأخبار «23»- غير صحيحي أبي ولّاد «24» و زرارة «25»- فهي بين مسوق لبيان أصل وجوب قضاء المتروك لعذر، و مسوق لبيان عدم اختصاص القضاء بوقت دون وقت في مقام رفع توهّم مرجوحيّته في بعض الأوقات. مع أنّه لو سلّم دلالتها على الفور، فهي بنفسها لا يستلزم «26»

الترتيب، إلّا إذا قلنا باستلزام الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه، أو عدم الأمر به، كما أنّ ما دلّ بظاهره على الترتيب لا يستلزم وجوب المبادرة، كما عرفت سابقا «27».

نعم لو ثبت إجماع مركّب أمكن الاستدلال بما دلّ على أحدهما على الآخر بضميمة الإجماع، و هو غير ثابت. و بهذا يمكن دفع الاستدلال بالصحيحتين الأخيرتين، أعني صحيحي أبي ولّاد و زرارة. مع أنّ دلالة صحيحة أبي ولّاد على المطلب موقوفة على القول بوجوب قضاء الصلوات المقصورة إذا بدا له عن السفر قبل إتمام المسافة، و هو- مع أنّه ممّا لم يقل به أحد- مخالف لصحيحة زرارة الأخرى «28» الصريحة في نفي الإعادة على من رجع عن قصد السفر بعد الصلاة قصرا، فالمتّجه حمل الرواية على الاستحباب، فلا تدل على وجوب المبادرة. و أما صحيحة زرارة «29» فهي- كبعض الأخبار الآتية «30»- عمدة أدلّة هذا القول. و ربّما يجاب عنها بأنّ إطلاق السؤال منها، فيها، يقتضي حمل القضاء- في الجواب- على مطلق الأداء، كما استعمل فيه في آخر الخبر، فلا يكون الغرض إلّا إيجاب الفعل وقت الذكر. و هو ضعيف لمخالفته ظاهر السؤال، فضلا عن ظواهر فقرأت الجواب، لأنّ النوم عن الصلاة، و نسيانها لا يصدق عرفا، بل و لا لغة، إلّا إذا نام أو نسي

المكاسب، ج 4، ص 363

في مجموع الوقت. و يتلوه في الضعف حمل السؤال على كونه عن وقت القضاء مع العلم بأصل وجوبه، فيكون الجواب لبيان الرخصة في القضاء في أيّ ساعة ذكر و لو في أوقات يكون فعل الصلاة فيها مطلقا أو في الجملة مرجوحة، كما إذا دخل وقت الفريضة، و كما بعد صلاة العصر و الفجر. و يؤيّده قوله عليه السلام في صحيحة أخرى لزرارة: «في أيّ ساعة ذكرتها و لو بعد صلاة العصر» «1». و وجه الضعف: أنّ دعوى كون السؤال عن وقت القضاء مع الفراغ عن أصل وجوبه ممنوعة، و مخالفة لظاهر السؤال، كما لا يخفى. فالأحسن تسليم ظهور الرواية- بنفسها- في وجوب المبادرة، و حملها على ما ذكرنا: من بيان تعميم وقت الرخصة، أو على الاستحباب بمعونة ظهور بعض ما تقدّم من أخبار المواسعة. و ربّما يشهد للأوّل كثرة الأخبار الواردة في أوقات قضاء النوافل و الفرائض في مقام السؤال عن تعيين وقت القضاء، و يظهر ذلك لمن لاحظ كتاب الوسائل في باب عدم كراهة القضاء في وقت من الأوقات «2». ثمّ لو سلّم دلالتها على المبادرة لم يكن فيه دلالة على الترتيب، إلّا إذا قلنا بكون الأمر بالشي ء مستلزما للنهي عن ضدّه الخاص، أو لعدم الأمر به، أو قام إجماع مركّب في البين و كلاهما ممنوعان.

الرابع: من أدلّة هذا القول: ما دلّ على الترتيب و تقديم الفائتة في الابتداء

و العدول من الحاضرة إليها في الأثناء مثل صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء أو «3» كان عليك قضاء صلوات، فابدأ بأوّلهن و أذّن لها و أقم، ثمّ صلّها، و ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة، إقامة لكلّ صلاة «4». و قال: قال أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها، فصلّ الغداة في «5» أيّ ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها «6». و قال: إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة، أو بعد فراغك فانوها الأولى، ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع. و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الأولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيتها «7» ركعتين، فانوها الأولى، ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم و صلّ العصر. و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخلت «8» المغرب و لم تخف فوتها، فصلّ العصر، ثمّ صلّ المغرب. و إن كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر. فإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمّ قم فأتمّها بركعتين، ثمّ تسلّم، ثم تصلّي المغرب. و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم و صلّ المغرب. و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين، أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة. و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة. و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى، أو الركعة الثانية من الغداة، فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم. و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلّي «9» الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء. فإن خشيت أن يفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب، ثمّ صلّ الغداة، ثمّ صلّ العشاء، فإن خشيت أن يفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء، ابدأ بأوّلهما، لأنّهما جميعا قضاء أيّهما ذكرت، فلا تصلّهما «10» إلّا بعد ذهاب شعاع الشمس. قلت: لم ذاك «11»؟ قال: «لأنّك لست تخاف فوتها» «12». و رواية صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن عليه السلام: «قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر. قال: قال «13» أبو جعفر عليه السلام: و «14» كان أبي يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب، ثمّ صلّاها» «15». و رواية أبي بصير: «عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر قال: يبدأ بالظهر، و كذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلّا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فيبدأ بالّتي أنت في وقتها، ثمّ تصلّي «16» الّتي نسيت» «17». و رواية زرارة- المتقدمة في تفسير الآية- «18». و رواية البصري: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى؟ فقال: إذا نسي صلاة أو نام عنها، صلّاها حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالّتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة، ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها.. الخبر» «19». و رواية معمّر بن يحيى: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام: عن رجل صلّى على غير القبلة، ثمّ تبيّن له القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى؟ قال: يصلّيها قبل أن يصلّي هذه الّتي دخل وقتها، إلّا أن يخاف فوت الّتي دخل وقتها» «20». و المحكيّ «21» عن دعائم الإسلام: «قال»: روينا عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: من فاتته صلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى، فإن كان في الوقت سعة بدأ بالّتي فاتت، و صلّى الّتي هو منها في وقت، و إن لم يكن من الوقت إلّا مقدار ما يصلّي الّتي هو في وقتها بدأ بها، و قضى بعدها الّتي فاتت» «22». و المحكيّ عن كتب الأصحاب «23»-

مرسلا- عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم أنّه قال: «لا صلاة لمن عليه صلاة» «24» و لا ريب في أنّه يصدق على المكلّف- قبل تنجّز الحاضرة عليه و مشروعيّتها له- أنّه عليه صلاة، فينفى مشروعيّة الحاضرة و تعلّقها في ذمّته بمقتضى الرواية، و لا يجوز قلب الاستدلال بها فيما إذا فرض تذكّر الفائتة بعد تنجّز الحاضرة عليه كما لا يخفى بأدنى التفات. و الجواب: أمّا عن صحيحة زرارة الطويلة «25» فبأنّ مواضع الدلالة فيها فقرأت: إحداها: قوله عليه السلام: «و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب.. الخبر». و لا يخفى- على المتأمّل فيها- ظهورها في تضيّق وقت المغرب و فواتها بزوال الحمرة، و إلّا لم يناسب التفصيل- في فرض نسيان العصر إلى دخول المغرب- بين خوف فوات المغرب و عدمه، و حينئذ فلا ينهض الرواية دليلا على المضايقة، بناء على ما هو المشهور بين المتأخّرين من كون زوال الحمرة آخر وقت الفضيلة دون الإجزاء، فتعيّن حمل الأمر على الاستحباب، و كون إدراك فضيلة المغرب أولى من المبادرة إلى الفائتة بحكم مفهوم القيد في قوله: «و لم تخف». الثانية: قوله عليه السلام: «و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين» و الظاهر أنّ الحكم بالعدول في هذه الفقرة مقيّد- كالحكم السابق- بعدم خوف فوات وقت المغرب. و حاصل الحكمين:

أنّه إذا لم يخف فوت المغرب قدّم العصر ابتداء و عدل إليها في أثناء المغرب، فيكون مفهوم القيد في قوله عليه السلام: «و لم يخف فوتها» مفيدا «26» لانتفاء الحكمين عند خوف

المكاسب، ج 4، ص 364

وقت فضيلة المغرب، فيكون الراجح- عند خوف فوت وقت الفضيلة- تقديم الحاضرة، و هذا مخالف للقول بالمضايقة، فلا محيص عن حمل الأمر بالعدول على الاستحباب.

الثالثة: قوله عليه السلام: «و إن كنت قد ذكرتها- يعني: العشاء الآخرة- و أنت في الركعة الأولى أو الثانية من الغداة.. إلخ». و الإنصاف ظهور دلالة هذه الفقرة- بنفسها- على وجوب العدول، لكنّه لا ينفع بعد وجوب حمل الأمر بالعدول عن المغرب إلى العصر على الاستحباب، إذ يتعيّن حينئذ- من جهة عدم القول بالفصل- حمل الأمر بالعدول من الفجر إلى العشاء أيضا على الاستحباب. اللَّهم إلّا أن يقال: إنّ الاستحباب «1» بعيد عن السياق من جهة أنّ الأمر في الصحيحة بالعدول من العصر إلى الظهر، و من العشاء إلى المغرب للوجوب قطعا، فرفع اليد عن الظهور المتقدّم في وقت المغرب أولى. الرابعة: قوله عليه السلام: «و إن كانت المغرب و العشاء فاتتاك.. إلى قوله: فابدأ بالمغرب». و حاله كحال الأمر بالعدول عن الغداة إلى العشاء في حمله على الاستحباب بقرينة ما سبق، لعدم القول بالفصل بين تذكّر فوات العصر في آخر وقت فضيلة المغرب و بين تذكّر العشاء فقط، أو مع المغرب في وقت صلاة الفجر. و حاصل الجواب عن هذه الصحيحة: أن الاستدلال بها مبنيّة على القول بكون آخر وقت إجزاء المغرب: زوال الحمرة، فإذا لم نقل بهذا سقط الاستدلال بجميع الفقرات الأربع، فتأمّل. هذا مع أن قوله عليه السلام في آخر الرواية «2» تعليلا لتأخير القضاء إلى ذهاب الشعاع ب «أنّك لست تخاف فوتها» ظاهر في عدم فورية القضاء، فلو تمّت دلالة الفقرات على الترتيب، فلا يستلزم الفورية، لمنع الإجماع المركّب. بل الظاهر أنّ جمع الإمام عليه السلام في الحكم بالترتيب بين الحاضرتين و بين حاضرة و فائتة أمارة على أنّ مناط الترتيب في الكلّ أمر واحد، فليس لفورية القضاء- لو قلنا بها- دخل في الترتيب، كما يزعمه أهل المضايقة. ثمّ لو سلّم الإجماع المركّب كان التعليل المذكور قرينة أخرى على استحباب الترتيب، فافهم. هذا مع أنّ الخبر مشتمل على بعض الأحكام المخالفة للإجماع، مثل العدول عن اللاحقة إلى السابقة بعد الفراغ عنها، و مثل النهي عن القضاء الّا بعد ذهاب شعاع الشمس. و بما ذكرنا في الجواب عن هذه الصحيحة- من ابتناء الاستدلال على ضيق وقت المغرب- يجاب عن رواية صفوان بن يحيى «3»، و بنظيره يجاب عن رواية أبي بصير «4»، فإنّ الظاهر من قوله: «نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر» ابتناء الجواب على تعدّد أوقات الظهرين و العشاءين و حينئذ فقوله: «يبدأ بالّتي نسيت إلّا أن يخاف أن يخرج وقت الصلاة» خروج الوقت المختصّ بها، فلو نسي العصر عند خوف وقت المغرب المغاير لوقت العشاء وجب البدأة بالمغرب ثمّ بالعصر، و هذا ممّا لا نقول به، و حمل وقت العصر على المقدار الّذي يسع الفعل عن آخر الوقت مخالف للظاهر قطعا. و أمّا رواية معمّر بن يحيى «5» فالأمر يدور بين تقييدها بصورة الا ستدبار و حملها على الاستحباب أو حمل الوقت على ما تقدّم في رواية أبي بصير. فلم يبق إلّا رواية زرارة «6» الضعيفة بالقاسم بن عروة و رواية البصري «7» الضعيفة بمعلّى بن محمّد، و رواية الدعائم «8» المجهولة السند، و النبوي المرسل «9». و الجواب عنها- بعد الإغماض عن سندها و عن سوابقها بعد تسليم ظهور دلالتها- : أنّها معارضة بما تقدّم من الأخبار الظاهرة في عدم اعتبار الترتيب، بل في الأمر بتقديم الحاضرة، و هي أكثر عددا و أصحّ سندا و أظهر دلالة، لإمكان حمل هذه على الاستحباب، و ليس في تلك الأخبار مثل هذا الحمل في القرب. ثمّ لو سلّمنا التكافؤ، فالمرجع إلى الإطلاقات و الأصول الدالّة على عدم اعتبار الترتيب و عدم وجوب المبادرة.

و ربّما رجّح القول بعدم الترتيب بمخالفته لأكثر الجمهور- على ما عن التذكرة- «10» و حكى أنّه مذهب الأربعة عدا الشافعي، بل له أيضا- بناء على أنّ المحكيّ عنه- أولوية الترتيب «11»

إن لم نقل بوجوبه. فالأخبار الدالّة على رجحان تقديم الحاضرة مخالف لفتوى الأربعة.

الخامس من الأدلّة: الإجماعات المنقولة

من أساطين القدماء، كالشيخ المفيد قدّس سرّه حيث حكي عنه أنه قال في رسالة نفي السهو: إن الخبر المروي- في نومه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم عن صلاة الصبح- «12» متضمّن خلاف ما عليه عصابة الحق، لأنّهم لا يختلفون في أنّ من فاتته صلاة فريضة، فعليه أن يقضيها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، ما لم يكن ما لم يكن الوقت مضيّقا لفريضة حاضرة، و إذا كان يحرم فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضا فإنّه كان حظر النوافل عليه أولى، مع الرواية عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم أنّه «لا صلاة لمن عليه صلاة» مريدا به: لا نافلة له لمن عليه فريضة «13» (انتهى). و كالشريف أبي الحسين الحسن «14»

بن محمّد بن ناصر الرسّي في المسألة التاسعة عشرة من الرسيّات الّتي سئل عنها السيّد المرتضى قال «15» إذا كان إجماعنا مستقرا على وجوب تقديم الفائت من فرائض الصلاة على الحاضرة منها إلى آخر ما ذكره و قد أقرّه السيّد على هذه الدعوى، و الشيخ في الخلاف «16» و السيّد في الغنية «17» و الحلّي في السرائر في بحث المواقيت «18». و حكى عنه «19» الشهيد في غاية المراد أنّه قال في رسالته المعمولة في هذه المسألة المسماة ب (خلاصة الاستدلال): إنّ ذلك مما أطبقت الإمامية عليه خلفا بعد سلف و عصرا بعد عصر و أجمعت عليه، و لا يعتدّ بخلاف نفر يسير من الخراسانيّين، فإنّ ابني بابويه و الأشعريين كسعد بن سعد و سعد بن عبد اللَّه صاحب كتاب الرحمة، و محمّد بن علي بن محبوب صاحب كتاب نوادر الحكمة، و القمّيّين أجمع عاملون بالأخبار المتضمّنة للمضايقة، لأنّهم ذكروا أنّه لا يحلّ ردّ الخبر الموثوق برواته و حفظهم «20» الصدوق ذكر ذلك في كتاب من لا يحضره الفقيه، و خرّيت هذه الصناعة و رئيس الأعاجم أبو جعفر الطوسي مودع أحاديث المضايقة في كتبه مفت بها، و المخالف إذا عرف باسمه و نسبه لا يضرّ خلافه «21» (انتهى). و هذه الإجماعات المحكية- مع كون كل منها- بمنزلة خبر صحيح عالي السند- معتضدة بالشهرة المطلقة كما عن كشف الالتباس «22» خصوصا بين القدماء كما عن الروض «23» و غيره «24» و عن التذكرة «25» و الدروس «26» و غيرهما «27» نسبته إلى الأكثر، و عن كشف الرموز «28» و غيره «29» نسبته إلى الثلاثة و أتباعهم. و الجواب: أن حكاية الإجماع- مع وجود القول بالخلاف ممّن عرفت من القدماء و المتأخّرين- لا تنهض حجّة إلّا على مدّعيها، لوهن احتمال صدقه حينئذ و قوّة احتمال استناد قطعه إلى ما لا ينبغي أن يوجب القطع، أو احتمال إرادته من الإجماع على الحكم: الإجماع على المبنى الذي يستنبط منه هذا الحكم بزعم المدّعي، كأن يكون دعوى السيّدين الإجماع على المضايقة باعتبار كون دلالة الأمر على الفور عندهم إجماعيا، أو باعتبار الإجماع على العمل بأخبار وجوب قضاء المنسيّ

المكاسب، ج 4، ص 365

إذا ذكرها، الدالّة بزعمهم على أنّ وقت الذكر متعيّن لوقت القضاء، فلا يجوز التأخير عنه، و لا يجوز فعل الحاضرة فيه، و قد أطلعنا على موارد من هذا القبيل إمّا بتنصيص مدّعي الإجماع، و إمّا بانفهام ذلك من مطاوي كلامه. و من الموارد التي علم استناد المدّعي إلى ما لا ينبغي أن يوجب «1» القطع: ما تقدّم «2» من كلام الحليّ- في هذا المقام- من دعواه إجماع القمّيّين و الأشعريّين على الحكم لأجل مقدّمتين: إحداهما: ذكر الثقات روايات المضايقة.

و الثانية: بناؤهم على وجوب العمل بما يروونه من أخبار الثقات. و يكفي في رده- بعد النقض بأنّ الثقات رووا أخبار المواسعة أيضا، بل ظاهر المحكيّ عن غاية المراد «3» أنّ هؤلاء المجمعين رووا أخبار المواسعة أيضا الحلّ بما عن المفيد: في جوابه عمّن سأله عن عمل من سدّ عليه طرق العلم بالأخبار المسندة «4»

في كتب الصدوق- من «5» أنّه إنما روى ما سمع و نقل ما حفظ و لم يضمن العهدة في ذلك، و أصحاب الحديث ينقلون الغثّ و السمين، و ليسوا بأصحاب نظر و تفتيش «6» (انتهى).

السادس: ما عن المحقّق في المعتبر

في مقام الاستدلال لهذا القول: من أنّ الفوائت تترتّب، فتترتّب على الحاضرة «7». و حكي في توجيهه وجهان:

أحدهما: أنّ الفوائت تترتّب في القضاء، لترتّب أزمنتها، و حيث تقدّم أزمنتها على أزمنة الحاضرة فيتقدّم «8» عليها أيضا. ثانيهما: أنّ الحاضرة لو كانت فائتة وجب تأخيرها عمّا فاتت قبلها، فكذا إذا كانت حاضرة. و قد يرد الوجهان بأنّه قد يكون لمساواتها في الفوات و عدم مزيّة بعضها على بعض من جهة الوقت مدخليّة في وجوب الترتيب، و لذلك يجب الحاضرة عند ضيقها، ثمّ يجب تأخيرها بعد فوتها المتأخّر عن ضيقها، فلا يكون ترتّب الأزمنة في اليومية سببا مستقلّا في وجوب رعاية الترتيب مطلقا، و مجرّد احتمال ذلك لا يكفي في الاستدلال. أقول: لا ريب في ضعف الوجهين لما ذكر و لغيره. نعم يمكن توجيهه بأنّ المراد: أنّ الترتيب بين الفوائت يكشف عن أنّ ذلك لأجل تقدّم كلّ فريضة على لاحقتها «9» قبل تحقّق فوت تلك اللاحقة، فحيث كانت اللاحقة حال حضور وقتها متأخّرة عن الفائتة انسحب هذا الاشتراط بعد فواتها، فمنشأ الترتيب بين الفوائت الترتيب بين الفائتة و الحاضرة. و لا ينافي ذلك تقديم الحاضرة عند ضيق وقتها، لأنّه تقديم عارضي لما هو مؤخّر بالذات. و يمكن الاستدلال لما ذكر بإطلاق أدلّة وجوب قضاء ما فات «10»، فإنّها تدلّ بإطلاقها على الاكتفاء بفعل الفائت، فلو اعتبر في الفائتة اللاحقة تأخّرها عن السابقة كان ذلك تقييدا لتلك الإطلاقات، بخلاف ما لو كان اعتبار تأخّرها لأجل اعتبار تأخّرها «11» حين كونها حاضرة، فإنّه لا يلزم من ذلك تقييد في تلك الإطلاقات، لأنّ فعل ما فات بجميع شروطه و أجزائه المعتبرة قبل الفوات لا يتحقّق إلّا بتأخيرها عن السابقة. هذا و لكن يندفع بأنّ التقييد لازم، إمّا في إطلاق الحاضرة فلا يحتاج إلى تقييد إطلاق أدلة القضاء، إذ لم يعتبر فيها حينئذ أمر زائد على ما اعتبر فيها حال الأداء، و إمّا تقييد أدلّة القضاء باشتراط تأخّر لاحقها عن سابقها من غير اعتبار هذا الشرط في القضاء. و حيث لم يثبت التقييد في أحدهما بالخصوص، و علم من الخارج وجوب الترتيب بين الفوائت بأنفسها اقتصر عليه، و يرجع في حكم الحاضرة إلى الأصول. نعم لو ثبت وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة أمكن الاستدلال في مسألة الترتيب بين الفوائت بأنفسها، بناء على ما ذكر من دلالة أدلّة وجوب قضاء ما فات على اعتبار جميع ما اعتبر في الأداء في القضاء. هذا خلاصة الكلام في أدلّة القولين المشهورين: المواسعة المطلقة، و المضايقة المطلقة. و قد عرفت أنّ القول بالمواسعة و عدم وجوب الترتيب لا يخلو عن قوّة، خصوصا فيما زاد على الفائتة الواحدة، إذ لم يكن فيما تقدّم من أخبار المضايقة ما يتضمّن لزوم ترتيب الحاضرة على الفائتة المتعدّدة، إلّا ذيل صحيحة زرارة الطويلة الآمرة بتقديم المغرب و العشاء الفائتين على الفجر.

بقي هنا أمور:
الأوّل:

أنّه على القول بعدم وجوب الترتيب، هل يستحبّ تقديم الفائتة أو تقديم الحاضرة؟ وجهان، بل قولان، و الأقوى: التفصيل بين صورة ضيق «12» وقت الفضيلة للحاضرة الّذي قيل بكونه هو الوقت للمختار، فالمستحبّ حينئذ تقديم الحاضرة، و بين غيرها، فيستحب تقديم الفائتة. أمّا استحباب تقديم الحاضرة في صورة ضيق وقت فضيلتها، فلعموم أدلّة تأكّد «13» عدم تأخير الحاضرة عن ذلك الوقت إلّا من عذر أو علّة، حتّى قيل «14» بتعيّنه للمختار من جهة ظاهر الروايات الدالّة على ذلك «15» و خصوص الصحيحة الطويلة المتقدّمة في مسألة تقديم المغرب الحاضرة على العصر الفائتة «16» بعد حمل الوقت فيها على وقت الفضيلة، و كذا رواية صفوان- المتقدّمة- فيمن نسي الظهر إلى أن غربت الشمس و أنّه يقدّم الظهر إن لم يخف فوت المغرب «17» و كذا رواية أبي بصير المتقدّمة فيمن نسي الظهر حتى دخل وقت العصر «18»، فراجع و لاحظ.

و لأجل هذه الأخبار الخاصة يحمل ما دلّ «19» بإطلاقه على الأمر بتقديم الفائتة في السعة، المحمول على الاستحباب- بناء على القول بالمواسعة- على إرادة سعة وقت الفضيلة، دون مطلق الوقت، فلا يوجد في المقام خبر يدلّ على الأمر بتقديم الفائتة مع ضيق وقت الفضيلة. و دعوى موافقته للاحتياط، للخروج به عن خلاف من أوجب التقديم. معارضة بموافقة تقديم الحاضرة في هذه للاحتياط، للخروج به عن خلاف من جعل وقت الفضيلة وقتا اختياريا. مع أنّ أهل المضايقة «20» قائلون بهذا القول كالشيخين «21» و العماني «22» و الحلبي «23» فهم قائلون بوجوب تقديم الحاضرة في هذه الصورة. مضافا إلى ما عرفت في نقل الأقوال من ظهور عبارة بعض القدماء بوجوب تقديم الحاضرة «24». و أمّا استحباب تقديم الفائتة مع سعة وقت الفضيلة أو بعد فواته، فلما تقدّم من الأخبار الّتي استدلّ بها أهل المضايقة «25» من الأمر بتقديم الفائتة، أو العدول من الحاضرة إليها، المحمول على الاستحباب. و أمّا ما تقدّم في بعض أخبار المواسعة من إطلاق تقديم الحاضرة «26» فمحمول على صورة ضيق وقت الفضيلة و خوف فواته. ثمّ إنّه لا ينافي ما ذكرنا- من

المكاسب، ج 4، ص 366

استحباب تقديم الفائتة- الأخبار الدالّة على استحباب المبادرة أوّل الوقت، لأنّها بين دالّة على استحباب إتيان الفريضة في الوقت الأوّل، و هذا يجامع تقديم الفائتة، و بين دالّة على استحباب المبادرة في أوّل الوقت، الأوّل فالأوّل الّتي ينافي تقديم الفائتة، إلّا أنّه لا بأس بالحكم باستحباب الأمرين المتنافيين، فإنّ جلّ المستحبات كثيرا ما يتّفق تنافيها. ثمّ إنّ المحكيّ «1» عن الصدوق من استحباب تقديم الحاضرة بقول مطلق «2» ينافي أخبار «3» العدول عنها إلى الفائتة، إذ الظاهر منها أنّ العدول راجح، و معناه رجحان تقديم الفائتة، إلّا أن يكون رجحانه مختصا بالتذكّر في الأثناء أو يكون الأمر لمجرّد بيان الجواز. و كيف كان فلا بدّ من حمله على التعبّد لا لإدراك رجحان تقديم الفائتة، و هو بعيد. و هذا ممّا يضعف القول باستحباب تقديم الحاضرة مطلقا، فإنّ حمل الأمر بتقديم الفائتة على مجرّد بيان جواز الاشتغال بالقضاء في وقت الفريضة دفعا لتوهّم عدم جوازه الناشئ عن بعض الأخبار المانعة للنافلة «4»

أو مطلق الصلاة «5» أو خصوص بعض الفرائض كالكسوفين في وقت اليوميّة، «6» إلّا أنّ حمل أخبار العدول على الجواز بعيد جدّا.

الثاني:

إذا قلنا بالفوريّة و الترتيب، فلا إشكال في وجوب الاشتغال بالحاضرة عند ضيق وقتها، و كذا بما هو ضروريّ التعيّش. و الظاهر أنّه لو كان للإنسان ضروريات يمكن الاشتغال بها بعد الحاضرة و قبلها لم يجب تأخير الصلاة عنها، لأنّ تأخيرها إلى وقت ضيقها ليس للتعبّد، و إنّما هو لئلّا يزاحم الفائتة، و المفروض سقوط التكليف بها حينئذ، لأنّ الوقت بقدر الفعل الضروري و الحاضرة، و كذا لو سقط عنه الفائتة بعذر آخر كما إذا بقي من وقت الظهر مقدار عشر ركعات و عليه رباعيّة، فإنّه لو اشتغل بها فات عنه ركعتان من العصر. نعم لو أخذ بإطلاق قوله- عليه السلام: «لا صلاة لمن عليه صلاة» «7» كان مقتضاه الاقتصار على المتيقّن من وقت الاشتغال.

الثالث:

أنّه لا إشكال في ترجيح الحاضرة على الفائتة في آخر وقتها المضروب لأدائها بالذات أو بالعرض، كطروّ حيض أو فقد طهور، و هل يرجّح عليها إذا ضاق وقت أصل الفعل بحيث إنّه يظنّ أنّه لا يتمكّن منها أصلا و لو قضاء كما إذا ظنّ دنوّ الوفاة أم لا؟ صرّح بعض محقّقي من عاصرناهم بالترجيح، و بأنّه ممّا لا كلام فيه، فجعله كضيق وقت الأداء. و فيه نظر، لأنّ الحاضرة إنّما رجّحت على الفائتة عند ضيق وقتها، للنصّ «8» المعتضد بما علم من أهميته الحاضرة بالنسبة إلى المبادرة إلى الواجبات الأخر، و تعيّن ترك المبادرة إليها. و أمّا ترجيح فعل الحاضرة على أصل فعل الفائتة، بأنّ يدور الأمر بين ترك الحاضرة أداء و قضاء، أو ترك الفائتة رأسا، فلم يعلم له وجه عدا إطلاق النصّ «9» الدالّ على أنّ الحاضرة أحقّ بوقتها، لكنّه من صرف إلى صورة التمكّن بعد ذلك من القضاء. و أمّا إذا علم أنّ عمره لا يفي إلّا بفعل أحدهما، فدعوى دخوله في الإطلاق قابلة للمنع. نعم لا يبعد أن يستفاد من الأدلّة أهميّة فعل الفرائض في وقتها من جميع ما عداها من حقوق اللَّه، مع أنّ الاحتياط يقتضيه، لدوران الأمر بين التعيين و التخيير، إذ ينبغي القطع بعدم وجوب ترجيح الفائتة في هذه الصورة.

الرابع:

صرّح بعض بأنّه لا كلام في أنّ تضيّق الفائتة- على القول به- ليس كتضيّق الحاضرة في وجوب الاقتصار على أقلّ ما يحصل به الامتثال. و التحقيق: أنّ أدلّة فوريّة القضاء إن استفيد منها وجوب الاشتغال بالقضاء عن غيره في مقابل الاشتغال بغيره عنه، فهو كما ذكر، فيجوز له الإتيان في الفائتة مطلقا بجميع المستحبّات الصلاتية كالقنوت و الأذان و الإقامة و غيرها ممّا يستحبّ في أثناء الصلاة، أو في أوّلها. و إن استفيد منها وجوب الاشتغال به مع التمكّن- عقلا و شرعا- فيجوز حينئذ الإتيان بجميع المستحبّات الصلاتيّة إذا لم يجب بعد هذه الصلاة فائتة اخرى، و إلّا لم يجز، لتفويتها المبادرة إلى الاشتغال بالفائتة المتأخّرة. و إن استفيد منها وجوب المبادرة إلى تحصيل المأمور به في أوّل أوقات إمكانه لم يجز الاشتغال بشي ء من المستحبّات، و وجب الاقتصار على أقلّ الواجب في الفائتة مطلقا. و حيث إنّ عمدة أدلّة المضايقة عند أهلها دلالة الأمر على الفور، فهو يقتضي الوجه الثالث، لأنّ فعل المستحبّات و الآداب في الفائتة السابقة يوجب التأخير في لاحقتها. مضافا إلى أنّ مقتضى فورية أصل الواجب: وجوب تحصيله في أوّل أوقات إمكان حصوله. إلّا أن يقال بعد ثبوت التخيير بين أفراد المأمور به «10» المختلفة في الطول و القصر، يكون المراد المسارعة إلى التلبّس بالفعل من غير التفات إلى زمان الفراغ عنه، الّذي هو زمان حصول المأمور به في الخارج، كما إذا وجبت الكفّارة المخيّرة بين الخصال فورا، فإنّ ذلك لا يوجب وجوب اختيار العتق على صوم شهرين إذا كان يحصل في زمان أقلّ من الصوم. و فيه: أنّه مسلّم إذا كان المأمور به في هي الأمور المخيّرة شرعا، أمّا إذا كان التخيير عقليا، فمنشأ حكم العقل به ملاحظة كون كلّ من الأفراد مما يتحقّق به إتيان المأمور به على الوجه الّذي أمر به، فإذا لم يتحقّق إتيانه على النحو الذي أريد في ضمن بعض الأفراد، فلا يحكم العقل بجواز اختيار ذلك البعض، و لذا لا يجوز إذا أمر المولى بإحضار شي ء فورا الاشتغال بمقدّمات الفرد الّذي لا يحصل إلّا بعد زمان طويل، و كذا التلبّس بفرد لا يحصل تمام وجوده في الخارج إلّا بعد زمان طويل. نعم لو قامت القرينة على أنّ الفورية راجعة إلى التلبّس بالمأمور به- لا إلى تحصيله في الخارج- صحّ الاكتفاء بالمبادرة إلى التلبّس و إن لم يفرغ إلّا بعد زمان يمكن الفراغ عن فرد آخر بأقلّ منه، لكنّه خلاف ظاهر الصيغة المفيدة للفور. نعم لو ادّعي ظهور هذا المعنى من الأخبار «11» الدالّة على وجوب الاشتغال بالفريضة الفائتة عند ذكرها، و أنّه إذا دخل وقت الحاضرة و لم يتمّها فليشتغل بها، بناء على تمامية دلالتها على الفور لم يكن بعيدا، خصوصا بعد ملاحظة تصريح الشارع بعدم سقوط الأذان و الإقامة «12» و عدم التعرّض لوجوب الاقتصار على أقلّ الواجب ردعا للقاضي عن اعتقاد اتّحاد الأداء و القضاء حتى في الآداب الخارجة و المستحبّات الداخلة، فافهم. و أولى من ذلك لو كان المستند في الفورية

المكاسب، ج 4، ص 367

الإجماع المحقق أو المحكيّ المنصرف إلى فوريّة الاشتغال فإنّه يسهل حينئذ دعوى عدم إخلال المستحبّات بالفورية المنعقد عليها الإجماع، هذا كلّه بالنسبة إلى المستحبّات. و أمّا الأجزاء و الشروط الاختيارية فليست منافية للفوريّة حتى يجب تركها مراعاة للتعجيل، لأنّ الواجب هو تعجيل الفعل المستجمع للأجزاء و الشرائط، إذ الطلب إنّما يعرض الفعل بعد ملاحظة تقييده بها، فلا يجوز ترك السورة- مثلا- مراعاة للفوريّة كما تترك عند ضيق الوقت، و كذا تطهير الثوب و البدن، بل التطهير بالماء، فلا يجوز التيمّم كما يجوز عند ضيق الوقت، و هكذا. هذا مع التمكّن منها. و أمّا لو لم يتمكّن منها، فإن لم يرج التمكّن، فلا إشكال في وجوب التعجيل.

أمّا مع ظنّ التمكّن فهل يراعى الفورية فيجب البدار أو يراعى تلك الأجزاء و الشروط فيجب الانتظار؟ وجهان، بل قولان: من أنّ الفورية لا صارف عنها، غاية الأمر عدم التمكّن في هذا الزمان من تلك الأجزاء و الشروط، فيسقط، لإطلاق ما دلّ على سقوطها عند العجز عنها «1»، بل لو قيل بعدم فورية القضاء كان مجرّد الأمر كافيا في صحة الفعل حين تعذّر الشروط، إذ لا صارف عنه بعد اختصاص أدلّة اعتبار تلك الشروط بحال التمكّن، و لذا صرّح في نهاية الإحكام «2»، و كشف الالتباس «3»، و الجعفرية «4»، و شرحها «5»، و إرشادها «6»- مع قولهم بعدم فوريّة القضاء- بجواز المبادرة حال التعذر. نعم عن الثلاثة الأخيرة: استثناء ما لو فقد الطهارة، فأوجبوا التأخير حينئذ، بل عن الأوّلين و الأخير عدم استحباب التأخير لما في المبادرة من المسارعة إلى فعل الطاعة «7». و من أنّ الواجب هو الفعل المستجمع للأجزاء و الشروط، و العجز المسقط لاعتبار الأجزاء و الشروط الاختيارية هو العجز عن امتثال الأمر الكلّي و عدم التمكّن رأسا من إتيانه بتلك الشروط، و هذا هو الذي يحكم العقل بخروجه عن الخطاب بإتيان الفعل المستجمع، فيحكم بكفاية الفعل الفاقد للشرط المتعذّر في حق هذا الفرد العاجز. و أمّا من يتمكّن من الإتيان بالفعل المستجمع في الزمان المستقبل، فهو داخل تحت القادرين، لا دليل على كفاية الفعل الفاقد لبعض الشرائط في حقّه، فيكون هذا الشخص- العاجز عن الشرط في الحال القادر عليه في الاستقبال- عاجزا عن المأمور به في الحال قادرا عليه في الاستقبال فيجب عليه ترقيب زمان القدرة على المأمور به. و دعوى أنّه يستكشف من إطلاق، الأمر الشامل لهذا الشخص كونه مكلّفا بالفعل في هذا الزمان، فيكشف عن سقوط الشرط بالنسبة إليه. مدفوعة بأنّ الأمر إذا تعلّق بالفعل المستجمع للشرائط، فإطلاقه نافع عند تمكّن المكلّف عن المأمور به، فإذا فرض عجزه في زمان خرج عن الإطلاق. نعم لو فرض دليل دالّ- و لو بالإطلاق- على أنّ مجرّد العجز عن الشرط- في جزء من أجزاء وقت الواجب- مسقط لاعتباره في ذلك الجزء، تعيّن بقاء التكليف بالفعل في ذلك الجزء من الزمان، فيأتي به بحسب الإمكان، لكن هذا لا ضابط له فقد يوجد في بعض الشروط و لا يوجد في الآخر، و الكلام في أنّ مجرّد العجز في جزء من الزمان يوجب سقوط اعتباره ليبقى إطلاق الأمر الشامل لذلك الجزء سليما عن التقييد بذلك الشرط.

الخامس:

أنّه لو كان عليه فوائت و لم يتّسع الوقت إلّا لمقدار الحاضرة و بعض تلك الفوائت، فقد عرفت أنّه يجب تقديم ذلك البعض على الحاضرة عند أهل المضايقة، بناء على أنّ اشتراط الترتيب ينحلّ إلى شروط متعدّدة عند تعدّد الفوائت، فالممكن منها لا يسقط بالتعذّر، لا أنّ الشرط تقديم المجموع من حيث المجموع حتى يسقط اعتباره عند تعذّر الجميع مع احتمال هذا أيضا و قد تقدّم ذلك في الجواب عن دليل العسر و الحرج «8» و حينئذ فهل يجب تقديم ما أمكن تقديمه و إن أفضى إلى اختلال الترتيب بين الفوائت، مثلا إذا كان عليه ظهر و صبح و ذكرهما في وقت لا يسع إلّا للحاضرة و صلاة الصبح، فهل يجب تقديم صلاة الصبح على الظهر و إن لزم اختلال الترتيب بينهما و بين الظهر الفائتة، أو يجب تقديم الحاضرة، ليوقع الفوائت على ترتيبها، فيدور الأمر بين إهمال الترتيب بين الحاضرة و بين الفوائت، و بين إهمال الترتيب بين نفس الفوائت. مقتضى القاعدة: الأوّل، لأنّ الترتيب إنّما يعتبر بين الحاضرة و بين الفائتة المستجمعة لجميع شرائطها الّتي منها ترتّبها على سابقتها، فالمقدّم على الحاضرة هي صلاة الصبح المتأخّرة شرعا عن سابقتها، فافهم. السادس: لو كانت الفائتة مردّدة بين اثنين أو أزيد بحيث يجب تكرارها من باب المقدّمة، و لم يتّسع الوقت إلّا للحاضرة و فعل بعضها، فهل يجب تقديم ما أمكن من المحتملات أم لا؟ وجهان، لا يخفى الترجيح بينهما على الخبير بالقواعد.

هذا آخر ما تيسّر تحريره على وجه الاستعجال مع تشويش البال. و الحمد للَّه أوّلا و آخرا على كلّ حال، و السلام على محمّد و آله خير آل.

المكاسب، ج 4، ص 368

5- رسالة في قاعدة من ملك

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللَّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين. و بعد، قد اشتهر في ألسنة الفقهاء من زمان الشيخ قدس سره إلى زماننا، قضيّة كلّية يذكرونها في مقام الاستدلال بها على ما يتفرّع عليها، كأنّها بنفسها دليل معتبر أو مضمون دليل معتبر، و هي: «إنّ من ملك شيئا ملك الإقرار به». فأحببت أن أتكلّم في مؤدّاها، و مقدار عمومها، و فيما يمكن أن يكون وجها لثبوتها. و المقصود الأصلي الانتفاع بها في غير مقام إقرار البالغ الكامل على نفسه، إذ يكفي في ذلك المقام ما أجمع عليه نصّا و فتوى من نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم «1»، لكن لا ينفع ذلك في إقرار الصبيّ فيما له أن يفعله، و إقرار الوكيل و الوليّ على الأصيل. فلا وجه لما تخيّله بعض من استناد هذه القاعدة إلى قاعدة إقرار العقلاء.

[كلمات الفقهاء في القاعدة]

و ينبغي أوّلا ذكر كلمات من ذكرها بعينها أو بما يرادفها، ثمّ نتبعه بذكر مرادهم منها بمقتضى ظاهرها، أو بمعونة قرينة استدلالهم بها في الموارد الخاصة، فنقول- مستعينا باللّه- : قال شيخ الطائفة قدس سره في مسألة إقرار العبد المأذون في التجارة «2»: و إن كان- يعني المال المقرّ به- يتعلق بالتجارة، مثل ثمن المبيع و أرش المعيب و ما أشبه ذلك، فإنّه يقبل إقراره، لأنّه من ملك شيئا ملك الإقرار به، إلّا أنّه ينظر فيه، فإن كان الإقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل، و قضي «3» منه، و إن كان أكثر كان الفاضل في ذمّته يتبع به إذا أعتق «4» (انتهى). و حكى هذا عنه الحلّي في السرائر ساكتا عليه «5» مع أنّ دأب الحلّي عدم المسامحة فيما لا يرتضيه. و عن القاضي في المهذّب: أنّه إذا أقرّ المريض المكاتب لعبده في حال الصحة بأنّه قبض مال الكتابة، صحّ إقراره و عتق العبد، لأنّ المريض يملك القبض فيملك الإقرار به، مثل الصحيح «6». و قال المحقّق في الشرائع: لو كان- يعني العبد- مأذونا في التجارة فأقرّ بما يتعلّق بها صحّ «7»، لأنّه يملك التّصرف فيملك الإقرار و يؤخذ ما أقرّ [به] «8»، ممّا في يده «9» (انتهى). و قد استدلّ على تقديم قول الوكيل في التصرّف: بأنّه أقرّ بما له أن يفعله «10». و نحوه العلّامة في القواعد في تلك المسألة «11»، و صرّح بهذه القضية في باب الإقرار «12» أيضا، و صرّح في جهاد التذكرة: بسماع دعوى المسلم أنّه أمّن الحربي في زمان يملك أمانه، و هو ما قبل الأسر، مدّعيا عليه الإجماع «13». و نحوه المحقّق في الشرائع «14» تبعا للمبسوط «15» من دون دعوى الإجماع. و ذكر فخر الدين في الإيضاح- في مسألة اختلاف الولي «16» و المولّى عليه- أنّ الأقوى أنّ كلّ من يلزم فعله أو «17» إنشاؤه غيره، كان إقراره بذلك ماضيا عليه «18». و هذه الكليّة و إن كانت أخصّ من القضية المشهورة إلّا أنّ الغرض من ذكرها الاستشهاد بتصريحهم على إرادة نفوذ إقرار المالك للتصرّف على غيره، و إلّا فقد صرّح بتلك القضية في غير هذا المقام. و ذكر الشهيد في قواعده: أنّ «19» كلّ من قدر على إنشاء شي ء قدر على الإقرار به إلّا في مسائل أشكلت: منها: أنّ وليّ المرأة الاختياري لا يقبل قوله، و كذا قيل في الوكيل إذا أقرّ بالبيع أو قبض الثمن أو الشراء أو الطلاق أو الثمن أو الأجل، و إذا أقرّ بالرجعة في العدة لا يقبل منه، مع أنّه قادر على إنشائها، و قيل يقبل «20» (انتهى). و في تقييد الوليّ بالاختياري احتراز عن الوليّ الإجباري، فإنّه لا إشكال في قبول إقراره عليها، و لا خلاف بين العامة و الخاصة، على ما يظهر من التذكرة «21»، و يلوح من الشيخ في المسألة دعوى الوكيل فعل ما وكّل فيه «22». نعم تأمّل فيه جامع المقاصد «23» على ما سيأتي. قال في التذكرة: لو أقرّ الوليّ بالنكاح فإن كانت بالغة رشيدة لم يعتدّ بإقراره عندنا، لانتفاء الولاية. و أما عند العامّة فينظر إن كان له إنشاء النكاح المقرّ به عند الإقرار من غير رضاها قبل إقراره، لقدرته على الإنشاء. و للشافعية وجه آخر: أنّه لا يقبل حتى تساعده «24» المرأة كالوكيل إذا ادّعى أنّه أتى بما هو وكيل فيه، و لو لم يكن له إنشاء النكاح المقرّ به عند الإقرار من غير رضاها لم يقبل «25» (انتهى). و يظهر منه الجزم بالتفصيل بين الوليّ الاختياري و غيره في مسألة ادّعاء «26» كلّ من العاقدين على الوليّ سبق عقده على المرأة، فيبطل اللاحق «27». هذا ما حضرني من موارد تعبير الفقهاء بهذه العبارة أو ما يرادفها أو ما هو أخص منها، و لا أظنّك ترتاب بعد ذلك في فساد ما يتخيّل من مساواة هذه القاعدة لحديث الإقرار، حتى يستدلّ عليها به.

[مفردات القاعدة و موارد جريانها]

فلنرجع إلى تفسير العبارة فنقول: إنّ المراد بملك الشي ء، السلطنة عليه فعلا، فلا يشمل ملك الصغير لأمواله، لعدم السلطنة الفعلية «28»، نعم يملك بعض التصرفات المالية، مثل الوصيّة و الوقف و الصدقة و هي داخلة في عموم القضية، و لهذا أطبقوا على الاستناد إليها في صحة إقرار الصغير بالأمور المذكورة. و الدليل على إرادة السلطنة الفعلية مضافا إلى اقتضاء اللغة- كما لا يخفى- هو عموم لفظ الشي ء للأعيان و الأفعال، مثل التصرّفات، فلا يمكن حمل الملك على ملك الأعيان ليشمل ملك الصغير لأمواله، بل الظاهر أنّ لفظ الشي ء يراد به خصوص الأفعال، أعني التصرّفات- على ما يقتضيه ظاهر «الإقرار به» لأنّ المقرّ به حقيقة لا يجوز أن يكون من الأعيان، و قولهم: الإقرار إخبار بحقّ لازم، معناه: الإخبار بثبوته، لا الإخبار بنفسه، إذ المخبر به لا يكون عينا. ثمّ التسلّط على التصرّف أعمّ من أن يكون أصالة أو وكالة أو ولاية. و المراد من «ملك الإقرار بذلك»: التسلّط عليه. و المراد من «الإقرار به»: إمّا معناه اللغويّ، و هو إثبات الشي ء و جعله قارّا، سواء أثبته على نفسه أو على غيره. و إمّا معناه الظاهر عند الفقهاء، و هو الإخبار بحقّ لازم على المخبر، فيختصّ بما أثبته على نفسه. و يخرج منه دعوى الوكيل «29» أو الوليّ حقّا على موكّله و المولّى عليه، أو شهادته لغيره عليهما، و على هذا المعنى فيساوي حديث الإقرار. و هذا المعنى و إن كان أوفق بظاهر الإقرار في كلمات المتكلّمين بالقضية المذكورة، إلّا أنّه خلاف صريح استنادهم إليها في موارد دعوى الوكيل و الوليّ و العبد المأذون على غيرهم كما سمعت مفصّلا، فلا بدّ من إرادة المعنى اللّغوي. مع أنّ الظهور المذكورة قابل للمنع، كما يشهد به استعمالهم الإقرار في الإقرار على الغير. ثمّ الظاهر من القضية: وقوع الإقرار بالشي ء المملوك حين كونه مملوكا، و أنّ ملك الإقرار بالشي ء تابع لملك ذلك الشي ء حدوثا و بقاء على ما يقتضيه الجملة الشرطية الدالّة- عند التجرّد عن القرينة- على كون العلّة في الجزاء هو نفس الشرط لا حدوثه و إن زال. و ما ذكرنا صريح جماعة،

المكاسب، ج 4، ص 369

منهم: المحقّق، حيث اختار في الشرائع عدم قبول إقرار المريض بالطلاق في حال الصحّة بالنسبة إلى الزوجة ليمنعها من الإرث «1». و نصّ في التحرير على عدم سماع إقرار العبد المأذون في التجارة بعد الحجر عليه بدين يسنده إلى حال الإذن «2». و قال- أيضا- : و كلّ من لا يتمكّن من إنشاء شي ء لا ينفذ إقراره فيه، فلو أقرّ المريض بأنّه وهب و أقبض حال الصحّة لم ينفذ من الأصل «3» (انتهى). و قد تقدّم منه في التذكرة التصريح بذلك في مسألة إقرار الوليّ بالنكاح في زمان ليس له إنشاؤه «4». و قد نصّ الشهيد رحمة اللَّه عليه على ذلك أيضا في المسالك «5» كما عن نهاية المرام، تقييد قبول إقرار العبد المأذون بما إذا كان حال الإذن «6»، و هو ظاهر الشيخ و من عبّر بعبارته في العبد المأذون من أنّه يقبل إقراره و يؤخذ الدين ممّا في يده «7» فإنّ ظاهره عدم زوال الإذن بل هو صريحه في مسألة الجهاد المتقدمة. و على هذا، فالحكم في مثل إقرار المريض بالهبة أو الطلاق البائن حال الصحّة «8» هو نفوذ إقراره بالنسبة إلى أصل الهبة و الطلاق، لأنّه المملوك له حال المرض، لا خصوص الهبة و الطلاق المقيّدين بحال الصحّة المؤثّرين في نفوذ الهبة من الأصل، و عدم إرث الزوجة منه. نعم، صرّح في المبسوط بعدم إرث الزوجة في مسألة الطلاق «9». و ظاهره تعميم قبول إقرار المالك لما بعد زوال الملك. و يمكن حمله على أنّ إقراره إذا قبل في أصل الطلاق قبل في قيوده، لأنّ الطلاق في حال المرض لم يقع باعترافه، فلا معنى للقبول «10» إلّا الحكم بوقوعه في زمان يحتمله. و يردّه: أنّ معنى ما ذكرنا، نفوذ الإقرار بالطلاق المقيّد بالصحة بالنسبة إلى بعض أحكامه و هي البينونة، دون بعض آخر مثل الإرث، لا الحكم بوقوع الطلاق في حال المرض. فالظاهر أنّ مستند الشيخ قدس سره عموم نفوذ إقرار المقرّ على ما «11» ملكه و لو في الزمان الماضي، لا عدم جواز التفكيك في الإقرار بين القيد و المقيّد. و ممن يظهر منه عموم القاعدة لما بعد زوال ملك التصرّف فخر الدين في الإيضاح- في مسألة اختلاف الوليّ و المولّى عليه بعد الكمال- حيث رجّح قول الوليّ و قال: إنّ الأقوى أنّ كلّ من يلزم فعله غيره يمضي «12» إقراره بذلك [الفعل] عليه «13». و ما أبعد ما بين هذا، و ما سيأتي منه من عدم نفوذ إقرار الزوج بالرجعة في العدة، و أنّ اعتباره من حيث كونه إنشاء لها لا إخبارا عنها «14». ثمّ معنى «ملك الشي ء» يحتمل أن يكون هي السلطنة المطلقة بأن يكون مستقلّا فيه، لا يزاحمه فيه أحد، فيختصّ بالمالك الأصيل و الوليّ الإجباري. و يحتمل أن يراد به مجرّد القدرة على التصرّف، فيشمل الوكيل و العبد المأذون، و هذا هو الظاهر من موارد ذكر هذه القضية في كلماتهم. و المراد ب «ملك الإقرار به» إذا كان أصيلا واضح، و إن كان غير أصيل- كالوليّ و الوكيل- فيحتمل أمورا: الأوّل: السلطنة على الإقرار به، بمعنى أنّ إقراره ماض مطلقا، و يكون كإقرار ذلك الغير الذي يتصرّف المقرّ عنه أو له، حتى أنّه لا يسمع منه بيّنة على خلافه فضلا عن حلفه على عدمه، و هذا المعنى و إن كان بحسب الظاهر أنسب بلفظ الإقرار إلّا أنّه يكاد يقطع بعدم إرادته. الثاني: إنّ إقراره به نافذ بالنّسبة إلى الأصيل، كنفوذ إقراره، و إن لم يترتّب عليه جميع آثار إقراره، فالتعبير بالإقرار من حيث إنّه لمّا كان في التّصرف نائبا عنه و كان كالتصرّف الصادر عن نفسه، فالإخبار به كأنّه- أيضا «15»- صادر عن نفسه، ففعله كفعله و لسانه كلسانه، و لا فرق- حينئذ- بين أن يقع هناك دعوى و بين أن لا يكون، و لا بين أن يكون الدعوى مع ذلك الأصيل أو مع ثالث. و حينئذ فلو أخبر الوكيل بقبض الدين من الغريم، فإخباره يكون بمنزلة البيّنة للغريم على الأصيل لو ادّعى عليه بقاء الدّين. و كذا أخبار الوليّ بالتّزويج إذا أنكرت المرأة على الزوج التزويج. و كذا لو ادّعى البائع على الأصيل شراء وكيله المتاع بأزيد مما يقرّ به الأصيل، فشهد له الوكيل. الثالث: أن يراد قبول قوله بالنّسبة إلى الأصيل لو أنكره، فيختصّ بالتداعي الواقع بينهما، فلا تعرّض فيه لقبول قوله بالنسبة إلى الأصيل لو كانت الدعوى ترجع على ثالث، حتّى يكون كالشاهد للثالث على الأصيل. و بهذا يجمع بين حكم المحقّق و العلّامة بتقديم قول الوكيل فيما إذا ادّعى على الموكّل إتيان ما وكّل فيه، معلّلين بأنّه أقرّ بما له أن يفعله «16»، و تقديم قول الموكّل فيما إذا ادّعى الوكيل شراء العبد بمائة و ادّعى الموكّل شراءه بثمانين، معلّلين بأنّ الموكّل غارم.. «17» (انتهى). و

معنى ذلك أنّ الوكيل لا يريد أن يدفع عن نفسه شيئا و إنّما يريد أن يثبت لغيره حقّا على موكّله، فهو بمنزلة الشاهد على الموكّل. و بعبارة اخرى: إنّما يعتبر إقراره بما له أن يفعله فيما يتعلّق بنفسه لا فيما يتعلّق بغيره. قال في المبسوط: إذا وكّل رجلا على قبض دين له من غريمه، فادّعى «18» أنّه قبضه منه و سلّمه إليه أو «19» تلف في يده، و صدّقه من عليه الدين، و قال الموكّل: لم يقبضه منه. قال قوم: ان القول قول الموكّل مع يمينه و لا يقبل قول الوكيل و لا المدين إلّا بيّنة، لأنّ الموكّل مدّع للمال على المدين، دون الوكيل، لأنّه يقول: أنا لا أستحقّ عليك شيئا، لأنّك لم تقبض المال و إنّ مالي باق على المدين. و لذا إذا حلف المدّعي طالب المدين، و لا يثبت بيمينه على الوكيل شي ء، فإذا كان كذلك كان بمنزلة أن يدّعي من عليه الدين دفع المال إليه و هو ينكره، فيكون القول قوله، فكذلك هنا، و هذا أقوى. و إذا وكّله بالبيع و التسليم و قبض الثمن فباعه و سلم المبيع و ادّعى قبض الثمن و تلفه في يده أو دفعه إليه فأنكر الموكّل أن يكون قبضه من المشتري، كان القول قول الوكيل مع يمينه، لأنّ الوكيل مدّعى عليه لأنّه يدّعي عليه أنه سلّم المبيع و لم يقبض الثمن، و صار ضامنا، فالقول قوله «20» لأنّ الأصل أنّه أمين و أنّه لا ضمان عليه. و يخالف المسألة الأولى لأنّ المدّعى عليه فيها هو الّذي عليه الدين و هو الخصم «21» فإذا جعلنا القول قول الموكّل لم نوجب على الوكيل غرامة، و في المسألة الثانية نوجب غرامة، فكان القول قول الوكيل (انتهى) «22». و المسألة الأولى نظير ما ذكره المحقّق «23» و العلّامة «24»- في اختلاف الوكيل و الموكّل في الثمن- من أنّ الوكيل ما يدّعى عليه بشي ء، بل يريد تغريم الموكّل. هذا، لكن المحقّق في الشرائع تنظّر في الفرق بين المسألتين الذي ذكره في المبسوط «25». قال في المبسوط: إذا أذن له في شراء عبد وصفه فاشتراه بمائة، ثمّ اختلف هو و الموكّل، فقال الموكّل: اشتريته بثمانين. و قال الوكيل: اشتريته بمائة و العبد يساوي مائة، قيل: فيه قولان: أحدهما: أنّه يقبل قول الوكيل كما يقبل قوله في التسليم و التلف. و الثاني: لا يقبل قوله عليه لأنّه يتعلّق بغيره. و كذلك كلّ ما اختلفا فيه مما يتعلّق بحقّ غيرهما من بائع أو مشتر أو صاحب حقّ، فإنّه على قولين، و الأوّل أصح.. «26» (انتهى). ثمّ إنّ معنى الملك- في الموضوع «27»- إمّا أن يكون هي السلطنة المستقلة، أو مجرّد أنّ له ذلك.

فعلى الأوّل: يختصّ بالمالك الأصيل و الوليّ الإجباري. و على الثاني: يشمل الوكيل و العبد المأذون أيضا. و لا يخفى أنّ مراد جلّ الفقهاء، بل كلّهم هو الثاني. و يؤيّده تعبيرهم بأنّ له

المكاسب، ج 4، ص 370

أن يفعل كذا فله الإقرار به. و قولهم: من يقدر على إنشاء شي ء يقدر على الإقرار به، و من يلزم فعله غيره يلزم إقراره به عليه. و أمّا ملك الإقرار، فيحتمل أن يراد به السلطنة المستقلّة المطلقة، بمعنى أنّه لا يزاحمه أحد في إقراره، و أنّه نافذ على كلّ أحد. و أن يراد به مجرّد أنّ له الإقرار به فلا سلطنة مطلقة له، فيمكن أن يزاحمه من يكون له- أيضا- سلطنة على الفعل، فيكون ملك الإقرار بالشي ء على نحو السلطنة على ذلك الشي ء، فليس للبنت البالغة الرشيدة- بناء على ولاية الأب عليها- مزاحمة الولي في إقراره، كما ليس لها مزاحمته في أصل الفعل. و كذا إذا قامت البيّنة على إقرار الأب حين صغر الطفل بتصرّف فيه أو في ماله، فليس له بعد البلوغ مزاحمته. و هذا بخلاف الموكّل فإنّه يزاحم الوكيل في إقراره كما يزاحمه في أصل التصرّف. إذا عرفت ما ذكرنا في معنى القضية، فاعلم أنّ حديث الإقرار لا يمكن أن يكون منشأ لهذه القاعدة: أمّا أولا- فلأنّ حديث الإقرار لا يدلّ إلّا على ترتيب الآثار التي يلزم على المقرّ دون غيرها مما يلزم «1» غيره، فإذا قال للكبير البالغ العاقل: إنّه ابني، فلا يترتّب عليه إلّا ما يلزم على المقرّ من أحكام الأبوّة، و لا يلزم على الولد شي ء من أحكام البنوّة. نعم لو ترتّب على الآثار اللازمة على المقرّ آثار لازمة على غيره ثبت على غيره، فلو كان الابن المذكور ممن ظاهره الرقيّة للمقرّ، فيسقط عنه حق «2» الغير المتعلّق بأمواله، مثل نفقة واجب النفقة و دين الغريم، لأنّ مثل ذلك تابع للمال حدوثا و بقاء، فهو من قبيل الوجوب المشروط بشي ء يكون المكلّف مختارا في إيجاده و إعدامه، لا من قبيل الحقّ المانع من الإعدام، كحقّ المرتهن و المفلّس و نحو ذلك، فإنّه حقّ لصاحبه، نظير الملكية للمالك، فذو الحقّ كالشريك. و الحاصل: أنّ دليل الإقرار لا ينفع في إقرار الوكيل و العبد و الوليّ على غيرهم. و أمّا ثانيا: فلأنّ جلّ الأصحاب قد ذكروا هذه القضية مستندا لصحّة إقرار الصبي بما يصحّ منه، كالوصيّة بالمعروف و الصدقة، و لو كان المستند فيها حديث الإقرار لم يجز ذلك، لبنائهم على خروج الصّبيّ من حديث الإقرار، لكونه مسلوب العبارة بحديث «رفع القلم» «3». و كيف كان فلا ريب في عدم استنادهم في هذه القضية إلى حديث الإقرار. و ربما يدّعى الإجماع على القضية المذكورة، بمعنى أنّ استدلال الأصحاب بها يكشف عن وجود دليل معتبر لو عثرنا به لم نعدل عنه، و إن لم يكشف عن الحكم الواقعي. و هذه الدّعوى إنّما تصحّ مع عدم ظهور خلاف أو تردّد منهم فيها «4»، لكنّا نرى من أساطينهم في بعض المقامات عدم الالتزام بها أو التّردّد فيها، فهذا العلّامة في التذكرة رجّح تقديم قول الموكّل عند دعوى الوكيل- قبل العزل- التصرّف «5». و تردّد في ذلك في التحرير «6»، و تبع المحقّق في تقديم دعواه نقصان الثمن عما يدّعيه الوكيل «7». و يظهر من فخر الدين في الإيضاح عدم قبول دعوى الزوج في العدّة الرجوع، و جعل نفس الدعوى رجوعا «8». و تردّد في ذلك في موضع من القواعد «9». و تقدّم عن الشهيد في القواعد: الاستشكال في دعوى الزوج الرجعة «10». و أنكر المحقّق «11» هذه القاعدة رأسا، حيث تردّد في قبول إقرار العبد المأذون «12» و في قبول قول الوليّ في تزويج بنته لو أنكرت، بل و لو لم تنكر لجهلها بالحال. قال في جامع المقاصد في شرح قول العلّامة رحمه اللَّه: لو قيل للوليّ زوّجت بنتك من فلان؟ فقال: نعم. فقال الزوج: قبلت.. إلخ بعد شرح العبارة ما لفظه:

و لو صرّح بإرادة الإقرار فلا زوجية في نفس الأمر إذا لم يكن مطابقا للواقع، و هل يحكم به ظاهرا بالنسبة إلى البنت؟ فيه احتمال، و ينبغي أن يكون القول قولها بيمينها ظاهرا إذا ادّعت كذب الوليّ في إقراره. و هل لها ذلك فيما بينها و بين اللَّه إذا لم تعلم بالحال؟ فيه نظر، ينشأ: من أصالة العدم، و أنّ الإقرار لا ينفذ في حقّ الغير، و لو لا ذلك لنفذ دعوى الاستدانة و إنشاء بيع أمواله. و من أنّ إنشاء النكاح في وقت ثبوت الولاية فعله و هو مسلّط عليه، فينفذ فيه إقراره، و ينبغي التأمّل لذلك.. «13» (انتهى). و قال في شرح قول العلّامة: «إنّ المقرّ قسمان مطلق و محجور، فالمطلق ينفذ إقراره في كل ما ينفذ تصرّفه» ما حاصله: إنّ هذه القضية لا تنقض بعدم سماع دعوى الوكيل فيما وكّل فيه، لأنّها شهادة و ليست بإقرار، إذ الإقرار إخبار بحقّ لازم للمخبر «14». «15» و ظاهر هذا الكلام: أنّ هذه الكلّية المرادفة لقضية «من ملك» مختصّة بإقرار المالك بما يتعلّق بنفسه لا غيره. هذا و لكنّ الإنصاف: أنّ القضية المذكورة في الجملة إجماعيّة، بمعنى أنّه ما من أحد من الأصحاب- ممّن وصل إلينا كلامهم- إلّا و قد عمل بهذه القضية في بعض الموارد، بحيث نعلم أن لا مستند له سواها، فإنّ من ذكرنا خلافهم إنّما خالفوا في بعض موارد القضية، و عملوا بها في مورد «16» آخر، فإنّ المحقّق الثاني و إن ظهر منه الخلاف فيما ذكرنا من الموارد إلّا أنّه وافق الأصحاب في إقرار الصبي بما له أن يفعله، مستندا في جامع المقاصد إلى هذه الكلّية «17»، مع أنّه لا يمكن الاستناد إلى غيرها، لأنّ حديث الإقرار مخصّص بالصبي و المجنون لعدم العبرة بكلامهما في الإنشاء و الإخبار. و العلّامة و ان ظهر منه المخالفة في بعض الموارد، حتّى في مسألة إقرار الصبي بماله أن يفعله «18» و إقرار العبد فيما يتعلّق بالتجارة- على ما في التذكرة «19»- إلّا أنّ صريحه في كثير من الموارد الاستناد إلى القاعدة، كما في إقرار الوليّ الإجباري بالعقد على المولّى عليه، و جزم بسماع الدعوى عليه معلّلا بأنّه لو أقرّ لنفع المدّعي لأنّ إقراره ماض «20». بل تقدّم منه دعوى الإجماع على قبول دعوى المسلم أمان الحربيّ في زمان ملك الأيمان «21». و كذا فخر الدين حيث أكثر العمل بهذه القاعدة «22»، فظهور المخالفة منه في مسألة الإقرار غير مضرّ، مع إمكان أن يكون مراده عدم الحاجة في تلك المسألة إلى تلك القاعدة، لأنّ مجرّد الإخبار بالرجعة رجوع، من غير حاجة إلى الحكم بمضيّ إقراره، فإنّ الشي ء مستند إلى أسبق سببية، فإذا كان أصل الأخبار بالشي ء إنشاء له في الحال، لم يحتج إلى إثبات صدق المخبر به بدليل خارج «23».

و كيف كان: فلم نجد فقيها أسقطه عن استقلال التمسّك، لكن الإجماع على الاستناد إليه في الجملة إنّما ينفع لو علمنا أنّ إهمالهم له في الموارد من حيث وجود المعارض.

أمّا إذا ظهر- أو احتمل- كون الإهمال من جهة تفسير القضية بما لا يشمل تلك الموارد أو «24» اختلفوا في التفسير على وجه لا يكون مورد متّفق عليه يتمسّك فيه بهذه القضيّة، لم ينفع الاتّفاق المذكور. فإنّ ظاهر العلّامة في التذكرة في مسألة إقرار الصبي عدم نفوذه و عدم العبرة بكلامه، حتّى فيما له أن يفعله «25». فالمراد بالموصول عنده في قضية «من ملك» هو البالغ العاقل. و كذا ظاهر فتواه في القواعد بأنّ المريض لو أقرّ بعتق أخيه و له عمّ فإنّه ينفذ إقراره من الثلث «26» فإنّ الظاهر أنّ مراده: حجب الأخ العمّ في مقدار الثلث

المكاسب، ج 4، ص 371 من التركة، لا مثل العتق. و هذا المحقّق الثاني يسلّم شمول القضيّة للصبيّ، لكن ينكر شمولها للإقرار على الغير كما تقدّم من عبارته «1»، حتى في الوليّ الإجباري الذي يظهر من العلّامة في التذكرة عدم المخالف فيه من العامّة و الخاصّة «2». فإذا لم يكن إقرار الصبي أو الإقرار على الغير مما اتّفق على شمول القضيّة و كان «3» إقرار البالغ العاقل على نفسه داخلا «4» في حديث الإقرار، لم ينفع القضية المجمع عليها في الجملة في مورد من موارد الحاجة، إلّا أن يبنى على عدم العبرة بمخالفة العلّامة في التذكرة في شمول القضيّة للصبيّ. مع أنّ عبارتها لا تخلو عن الحاجة إلى التأمّل، مع رجوعه عن هذا في سائر كتبه «5» مع دعواه الإجماع على قبول دعوى المسلم أمان الحربي في حال ملكه لأمانه «6»، و ظاهر ان ليس مستند له إلّا القضيّة المذكورة، و لذا يظهر من بعضهم دعوى الاتفاق على أن من صحّح صدقة الصبي و وصيّته حكم بمضيّ إقراره فيهما. و على عدم العبرة بمخالفة المحقّق الثاني في شمول القضيّة للإقرار على الغير، لأنّ الظاهر ثبوت الاتفاق من «7» غيره على سماع إقرار من ملك على غيره تصرّفا عليه، خصوصا إذا كان وليّا إجباريّا عليه بحيث لا يملك المولّى عليه التصرّف. و قد سمعت أنّ الظاهر من التذكرة اتّفاق العامّة و الخاصّة على سماع إقرار الوليّ الإجباري تزويج «8» المولّى عليه. و يؤيّده استقرار السيرة على معاملة الأولياء- بل مطلق الوكلاء- معاملة الأصيل في إقرارهم كتصرّفاتهم. هذا غاية التوجيه لتصحيح دعوى الإجماع في المسألة، و لا يخلو بعد عن الشبهة، فاللازم تتبّع مدرك آخر لها، حتى يكون استظهار الإجماع عليها مؤيّدا له و جابرا لضعفه أو وهنه ببعض الموهنات، و لا بدّ أن يعلم أنّ المدرك لها لا بدّ أن يكون جامعا لوجه اعتبار قول الصبيّ فيما له أن يفعل حتى يحكم على أدلّة عدم اعتبار كلام الصبيّ في الإنشاء و الإخبار الحاكمة على حديث الإقرار، و اعتبار إقرار الوكيل و الوليّ على الأصيل حتى يحكم على أدلّة عدم سماع إقرار المقرّ على غيره، لكونها دعوى محتاجة إلى البيّنة، لا إقرارا على النفس. و من هنا يظهر أنّ التمسّك بأدلّة قبول قول من ائتمنه المالك بالإذن أو الشارع بالأمر و عدم جواز اتّهامه غير صحيح، لأنّها لا ينفع في إقرار الصبيّ، و الرجوع فيه إلى دليل آخر- لا يجري في الوكيل و الوليّ- يخرج القضيّة عن كونها قاعدة واحدة، على ما يظهر من القضيّة: من أنّ العلّة في قبول الإقرار كونه مالكا للتصرّف المقرّ به. هذا مع أنّه لو كان مدرك القضيّة قاعدة الائتمان لم يتّجه الفرق بين وقوع الإقرار في زمان الائتمان أو بعده، مع أنّ جماعة صرّحوا بالفرق، فإنّ قولهم «إنّ من لا يتمكّن من إنشاء شي ء لا ينفذ إقراره فيه» ليس المراد منه عدم نفوذ إقراره بفعل ذلك في زمان عدم التمكّن، إذ لا معنى لعدم النفوذ هنا لعدم ترتّب أثر على المقرّ به، بل المراد: عدم نفوذ الإقرار بفعله حين يتمكّن من الفعل، و لذا فرّع في التحرير على القضيّة المذكورة: أنّه لو أقرّ المريض بأنّه وهب و أقبض حال الصحّة، نفذ من الثلث «9» و صرّح فيه أيضا و في غيره بعدم نفوذ إقرار العبد المأذون- بعد الحجر عليه- بدين أسنده إلى حال الإذن «10» و قد عرفت ما في جهاد التذكرة «11». و الحاصل: أنّ بين هذه القاعدة و قاعدة الائتمان عموما من وجه. و هنا قاعدة أخرى، أشار إليها فخر الدّين- على ما تقدم من الإيضاح- بأنّ كلّ ما يلزم فعله غيره يمضي إقراره بذلك الفعل على ذلك الغير «12» «13» و ظاهره- و لو بقرينة الاستناد إليها في قبول قول الوصيّ و أمين الحاكم إذا اختلفا مع المولّى عليه- إرادة مضيّ الإقرار على الغير و لو بعد زوال الولاية. فإن أريد من لزوم فعل المقرّ على الغير: مجرّد مضيّه و لو من جهة نصب المالك أو الشارع له كانت أعمّ مطلقا من القاعدتين، لشموله «14» لوليّ النكاح الإجباريّ النافذ إقراره على المرأة. و إن «15» أريد منه لزومه عليه ابتداء لسلطنة عليه كأولياء القاصرين في المال و النكاح كانت أعمّ من وجه من كلّ من القاعدتين، لاجتماع الكلّ في إقرار وليّ الصغير ببيع ماله، و افتراق «قاعدة الائتمان» عنهما «16»

في إقرار الوكيل بعد العزل، و افتراق قضية «من ملك» في إقرار الصبيّ بماله أن يفعل، و افتراق ما في الإيضاح بإقرار الوليّ الإجباري بعد زوال الولاية بالنكاح في حالها.

ثمّ إنّه يمكن أن يكون الوجه في القضيّة المذكورة، ظهور اعتبره الشارع، و بيانه: أنّ من يملك إحداث تصرّف فهو غير متّهم في الإخبار عنه حين القدرة عليه، و الظاهر صدقه و وقوع المقرّ به. و إن كان هذا الظهور متفاوت الأفراد قوّة و ضعفا بحسب قدرة المقرّ فعلا على إنشاء المقرّ به من دون توقّف على مقدّمات غير حاصلة وقت الإقرار، كما في قول الزوج: رجعت، قاصدا به الإخبار مع قدرته عليه بقصد الإنشاء، و عدم قدرته لفوات بعض المقدّمات، لكنّه قادر على تحصيل المقدّمات و فعلها «17» في الزمان المتأخّر، كما إذا أقرّ العبد بالدّين في زمان له الاستدانة شرعا لكنّه موقوف على مقدّمات غير حاصلة، فإنّ الظاهر هاهنا- أيضا- صدقه، و إن أمكن كذبه باعتبار بعض الدواعي. لكن دواعي الكذب فيه أقل بمراتب من دواعي الكذب المحتملة في إقرار العبد المعزول عن التجارة الممنوع عن الاستدانة. و لو تأمّلت هذا الظهور- و لو في أضعف أفراده- وجدته أقوى من ظهور حال المسلم في صحة فعله، بمعنى مطابقته للواقع. بل يمكن أن يدّعى أنّ حكمة اعتبار الشارع و العرف لإقرار البالغ العاقل على نفسه: أنّ الظاهر أنّ الإنسان غير متّهم فيما يخبره مما يكون عليه لا له، و في النبويّ: «إقرار العقلاء» «18» إشارة إليه، حيث أضاف الإقرار إلى العقلاء تنبيها على أنّ العاقل لا يكذب على نفسه غالبا، و إلّا فلم يعهد من الشارع إضافة الأسباب إلى البالغ العاقل، و إن اختص السبب به، إلّا أنّه اكتفى عن ذلك في جميع الأسباب القوليّة و الفعليّة بحديث «رفع القلم» «19» فالصبيّ لمّا جاز له بعض التصرّفات مثل الوقف و نحوه و لم يكن إقراره مظنّة للكذب كان مقبولا، و لمّا كان بعض الأقارير- بحسب نوعه- لا ظهور له في الصدق لم يعتبره الشارع، كما في الإقرار المتعارف لإقامة رسم القبالة، و كما في إقرار المريض مطلقا أو إذا كان متّهما. و يؤيّده: أنّ بعض الفقهاء قد يحكم بسماع الإقرار و ان تضمّن دفع دعوى الغير مستندا إلى عدم كونه متّهما، كما في إقرار مالك اللقيط [بعتقه] «20» بعد إنفاق الحاكم عليه بإعتاقه قبل ذلك، فإنّ الشيخ رحمة اللَّه عليه حكم في المبسوط بسماعه، لكونه غير متّهم، لأنّه لا يريد العبد و لا يريد الثمن «21» فيستمع دعواه و إن تضمّنت دفع النفقة عن نفسه. و ليس الغرض ترجيح هذا القول في هذه المسألة، بل الغرض تقريب أنّ عدم اتّهام المخبر في خبره يوجب تقديم قوله، و مرجعه إلى تقديم هذا الظاهر على الأصل، كما في نظائره من ظهور الصحّة في فعل المسلم و نحوه من الظواهر. هذا و لكنّ الظهور المذكور لا حجيّة فيه بنفسه حتى يقدّم على مقابله من الأصول و القواعد المقرّرة، بل يحتاج إلى قيام دليل عليه أو استنباطه من أدلة بعض القواعد الأخر.

المكاسب، ج 4، ص 372

6- رسالة في قاعدة لا ضرر

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم [و به ثقتي و اعتمادي] «1». الحمد للَّه ربّ العالمين. و الصلاة و السلام على محمّد و آله الطاهرين «2». و لعنة اللَّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين. و الكلام يقع تارة في معناها. و اخرى في مدركها و بيان حالها مع الأدلة المعارضة لها في الظاهر «3». و ثالثة في بعض ما يتفرّع عليها ممّا عنونه الفقهاء مستدلّين عليها بها. و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الّتي عثرنا عليها في حكم الضرر، فنقول و باللّه التوفيق: منها ما اشتهر عنه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم في قصّة سمرة بن جندب، و قد روي بألفاظ مختلفة: ففي موثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق «4» في حائط «5» رجل «6» من الأنصار. و كان منزل الأنصاريّ بباب البستان، و كان يمرّ إلى نخلته و لا يستأذن، فكلّمه الأنصاريّ أن يستأذن إذا جاء. فأبى سمرة. فجاء الأنصاريّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم فشكى إليه، فأخبره الخبر، فأرسل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم و خبّره بقول الأنصاريّ و ما شكاه و قال: إذا أردت الدخول فاستأذن. فأبى. فلّما أبى ساومه حتّى بلغ به من الثمن له ما شاء اللَّه، فأبى أن يبيعه. فقال: لك بها عذق في الجنّة فأبى أن يقبل. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم للأنصاري: اذهب فاقلعها و ارم بها إليه، فإنّه لا ضرر و لا ضرار» «7». و في رواية الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام نحو ذلك، إلّا أنّه قال لسمرة بعد الامتناع: «ما أراك يا سمرة إلّا مضارّا، اذهب يا فلان فاقلعها و ارم بها وجهه» «8». و في رواية ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام نحو ذلك بزيادة لا تغيّر المطلب، و في آخرها:

«إنّك يا سمرة رجل مضارّ. لا ضرر و لا ضرار على المؤمن. ثمّ أمر بها فقلعت، فرمى بها وجهه، و قال: انطلق فاغرسها حيث شئت» «9». و في هذه القصّة إشكال من حيث حكم النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم بقلع العذق، مع أنّ القواعد لا تقتضيه، و نفي الضرر لا يوجب ذلك، لكن لا يخلّ بالاستدلال. و منها: رواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام: «قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن. و قال: لا ضرر و لا ضرار» «10». و منها: ما عن التذكرة و نهاية ابن الأثير، مرسلا عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم: «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» «11». و منها:

رواية هارون بن حمزة الغنوي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «رجل شهد بعيرا مريضا يباع. فاشتراه رجل بعشرة دراهم، فجاء و أشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس و الجلد. فقضي أنّ البعير بري ء. فبلغ ثمنه دنانير. قال: فقال: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ. فإن قال: أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك. هذا الضرار. قد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس» «12».

و منها: رواية أخرى لعقبة بن خالد، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه: لا يمنع نقع البئر، و قضى بين أهل البادية أنّه:

لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء فقال: لا ضرر و لا ضرار» «13». هذه جملة ما عثرنا عليها من الروايات العامّة «14». و كثرتها تغني عن ملاحظة سندها. مضافا إلى حكاية تواتر نفي الضرر و الضرار عن فخر الدين في الإيضاح في باب الرهن. و لم أعثر عليه «15». فالمهمّ بيان معنى الضرر و الضرار. أمّا معنى الضرر فهو معلوم عرفا. ففي المصباح: الضرّ- بفتح الضاد- مصدر ضرّه يضرّه. من باب قتل، إذا فعل به مكروها و أضرّ به. يتعدّى بنفسه ثلاثيا و بالباء رباعيّا، و الاسم: الضرر، و قد يطلق على نقص في الأعيان. و ضارّه يضارّه مضارّة و ضررا بمعنى ضرّه. «16» (انتهى). و في النهاية: معنى قوله عليه السلام «لا ضرر»: لا يضرّ الرجل أخاه بأن ينقصه شيئا من حقوقه. و الضرار فعال من الضرّ. أي: لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. و الضرر فعل الواحد، و الضرار فعل الاثنين، و الضرر ابتداء الفعل، و الضرار الجزاء عليه. و قيل: الضرر أن تضرّ صاحبك و تنتفع أنت به، و الضرار أن تضرّه من غير أن تنتفع به. و قيل: هما بمعنى واحد. و الضرار للتأكيد «17» (انتهى). و كيف كان فالتباس الفرق بين الضرر و الضرار لا يخلّ بما هو المقصود من الاستدلال بنفي الضرر في المسائل الفرعية. فالأهمّ في ذلك بيان معنى النفي. فنقول: إنّ نفي الضرر ليس محمولا على حقيقته، لوجود الحقيقة في الخارج بداهة، فلا بدّ من حمله على محامل قال بكلّ منها «18» قائل: أحدها: حمله على النهي. فالمعنى تحريم الفعل «19». الثاني: الضرر المجرّد عن التدارك «20». فكما أنّ ما يحصل بإزائه نفع لا يسمّى ضررا، كدفع مال بإزاء عوض مساو له أو زائد عليه، كذلك الضرر المقرون بحكم الشارع بلزوم تداركه نازل منزلة عدم الضرر، و ان لم يسلب عنه مفهوم الضرر بمجرّد حكم الشارع بالتدارك. فالمراد نفي وجود الضرر المجرّد عن التدارك، فإتلاف المال بلا تدارك ضرر على صاحبه فهو منفيّ، فإذا وجد في الخارج فلا بدّ أن يكون مقرونا بلزوم التدارك. و كذلك تمليك الجاهل بالغبن ماله بإزاء ما دون قيمته من الثمن ضرر عليه فلا يوجد في الخارج إلّا مقرونا بالخيار. و هكذا.. الثالث: أن يراد به نفي الحكم الشرعي الذي هو ضرر على العباد، و أنّه ليس في الإسلام مجعول ضرري «21». و بعبارة أخرى: حكم يلزم من العمل به الضرر على العباد، مثلا يقال: إنّ حكم الشرع بلزوم البيع مع الغبن ضرر على المغبون، فهو منفيّ في الشريعة، و كذلك وجوب الوضوء مع إضرار المكلّف حكم ضرريّ منفي في الشريعة. ثمّ إنّ أردأ الاحتمالات هو الثاني، و ان قال به بعض الفحول «22»، لأنّ الضرر الخارجيّ لا ينزّل منزلة العدم بمجرّد حكم الشارع بلزوم تداركه، و إنّما المنزّل منزلته، الضرر المتدارك فعلا. و الحاصل:

إنّ إيصال الضرر إن كان لداعي النفع لا نضايق عن سلب الضرر عنه حقيقة، و ان كان قد يناقش فيه. و أمّا الضرر لا لداعي النفع و إن تعقّبه تدارك فهو ضرر حقيقيّ، لكن بعد أن اتّفق تداركه يمكن تنزيله منزلة ما لم يوجد، كما هو معنى التدارك. و أمّا ما لم يتعقّبه تدارك فعلا فلا وجه لتنزيله منزلة ما لم يوجد في الخارج بمجرّد حكم الشارع بوجوب تداركه. فمنشأ هذا الاحتمال، الخلط بين الضرر المتدارك فعلا و الضرر المحكوم بلزوم تداركه. و المناسب للمعنى الحقيقيّ- أعني نفي الماهيّة- هو الأوّل.

نعم لو كان حكم الشارع في واقعة بنفسه حكما ضرريا يكون تداركه بحكم آخر، كحكمه بجواز قتل مجموع العشرة المشتركين في قتل واحد، المتدارك بوجوب دفع تسعة أعشار الدية إلى كلّ واحد، و أمّا الضرر الواقع من المكلّف فلا يتدارك بحكم الشرع بلزوم التدارك لينزّل منزلة العدم. هذا مضافا إلى أنّ ظاهر قوله عليه السلام: «لا ضرر في الإسلام» كون الإسلام ظرفا للضرر، فلا يناسب أن يراد به الفعل المضرّ. و انّما المناسب الحكم الشرعي الملقي للعباد في الضرر في نظير قوله: «لا حرج في الدين «23»». هذا، مع أنّ اللازم من ذلك

المكاسب، ج 4، ص 373

عدم جواز التمسّك بالقاعدة لنفي الحكم الضرريّ المتعلّق بنفس المكلّف «1»، كوجوب الوضوء مع التضرّر به، فإنّ فعل الوضوء المضرّ حرام، و الواقع منه في الخارج لم يجعل له الشرع تداركا، مع أنّ العلماء لم يفرّقوا في الاستدلال بالقاعدة بين الإضرار بالنفس و الإضرار بالغير. و أمّا المعنى الأوّل فهو مناف لذكرها «2» في النصّ و الفتوى لنفي الحكم الوضعيّ، لا مجرّد تحريم الإضرار. نعم يمكن أن يستفاد منه تحريم الإضرار بالغير من حيث إنّ الحكم بإباحته حكم ضرريّ فيكون منفيّا في الشرع، بخلاف الإضرار بالنفس فإنّ إباحته- بل طلبه على وجه الاستحباب- ليس حكما ضرريّا، و لا يلزم من جعله ضرر على المكلّفين. نعم قد استفيد من الأدلّة العقليّة «3» و النقليّة «4» تحريم الإضرار بالنفس. فتبيّن ممّا ذكرناه: أنّ الأرجح في معنى الرواية بل المتعيّن هو المعنى الثالث، لكن في قوله: «لا ضرر و لا ضرار» من دون تقييد، أو مع التقييد بقوله: «في الإسلام».

و أمّا قوله: «لا ضرر و لا ضرار على مؤمن» فهو مختصّ بالحكم الضرريّ بالنسبة إلى الغير، فلا يشمل نفي وجوب الوضوء و الحجّ مع الضرر. و

ينبغي التنبيه على أمور:
[التنبيه] الأوّل

إنّ دليل هذه القاعدة حاكم على عموم أدلّة إثبات الأحكام الشامل لصورة التضرّر بموافقتها، و ليس معها من قبيل المتعارضين، فيلتمس الترجيح لأحدهما ثمّ يرجع إلى الأصول. خلافا لما يظهر من بعض من عدّهما من المتعارضين «5»، حيث إنّه ذكر في مسألة «تصرف الإنسان في ملكه مع تضرّر جاره»: إنّ عموم: «نفي الضرر» معارض بعموم: «الناس مسلّطون على أموالهم» «6». و ذكر نحو ذلك في مسألة جواز الترافع إلى حكّام الجور مع انحصار إنقاذ الحقّ في ذلك «7». و فيه ما تقرّر في محلّه من أنّ الدليل الناظر بدلالته اللفظية إلى اختصاص دليل عامّ ببعض أفراده حاكم عليه، و لا يلاحظ فيه النسبة الملحوظة بين المتعارضين، نظير حكومة أدلّة الحرج على ما يثبت بعمومه التكليف في موارد الحرج «8»، و عليه جرت سيرة الفقهاء في مقام الاستدلال في مقامات لا تخفى، منها: استدلالهم على ثبوت خيار الغبن «9» و بعض الخيارات الأخر بقاعدة «نفي الضرر» مع وجود عموم: «الناس مسلطون على أموالهم» «10» الدالّ على لزوم العقد و عدم سلطنة المغبون على إخراج ملك الغابن بالخيار عن ملكه «11». ثمّ إنّ اللازم مما ذكرنا، الاقتصار في رفع مقتضى الأدلّة الواقعية المثبتة للتكاليف، على مقدار حكومة القاعدة عليها، فلو فرض المكلّف معتقدا لعدم تضرره بالوضوء أو الصوم مثلا، فتوضأ ثمّ انكشف أنّه تضرر به، فدليل نفي الضرر لا ينفي الوجوب الواقعي المتحقّق في حقّ هذا المتضرّر. لأنّ هذا الحكم الواقعي لم يوقع المكلّف في الضرر، و لذا لو فرضنا انتفاء هذا الوجوب واقعا على هذا المتضرّر- كأن يتوضّأ هذا الوضوء لاعتقاد عدم تضرره و عدم دخوله في المتضرّرين- فلم يستند تضرّره إلى جعل هذا الحكم، فنفيه ليس امتنانا على المكلّف و تخليصا له من الضرر، بل لا يثمر إلّا تكليفا له بالإعادة بعد العمل و التضرّر. فتحصّل: أنّ القاعدة لا تنفي إلّا الوجوب الفعلي على المتضرّر العالم بتضرّره، لأنّ الموقع للمكلّف في الضرر هو هذا الحكم الفعلي، دون الوجوب الواقعي الّذي لا يتفاوت وجوده و عدمه في إقدام المكلّف على الضرر. بل نفيه مستلزم لإلقاء المكلّف في مشقّة الإعادة، فالتمسّك بهذه القاعدة على فساد العبادة للمتضرّر بها في دوران الفساد مدار اعتقاد الضرر الموجب للتكليف الفعلي بالتضرّر بالعمل، كالتمسّك على فسادها بتحريم الإضرار بالنفس في دورانه مدار الاعتقاد بالضرر الموجب للتحريم الفعلي، لأنّه الذي يمتنع اجتماعه مع الأمر، فلا يجري مع الضرر الواقعي و أن سلّم اجتماعه مع التحريم الشأني، كما تسالموا عليه في باب اجتماع الأمر و النهي من عدم الفساد مع الجهل بالموضوع أو نسيانه، و أنّ المفسد هو التحريم الفعليّ المنجّز.

[التنبيه] الثاني

إنّه لا إشكال- كما عرفت- في أنّ القاعدة المذكورة تنفي الأحكام الوجوديّة الضرريّة، تكليفيّة كانت أو وضعيّة، و أمّا الأحكام العدميّة الضرريّة- مثل عدم ضمان ما يفوت على الحرّ من عمله بسبب حبسه- ففي نفيها بهذه القاعدة، فيجب أن يحكم بالضمان، إشكال: من أنّ القاعدة ناظرة إلى نفي ما ثبت بالعمومات من الأحكام الشرعية، فمعنى نفي الضرر في الإسلام أنّ الأحكام المجعولة في الإسلام ليس فيها حكم ضرريّ. و من المعلوم أنّ حكم الشرع في نظائر المسألة المذكورة ليس من الأحكام المجعولة في الإسلام، و حكمه بالعدم ليس من قبيل الحكم المجعول، بل هو إخبار بعدم حكمه بالضمان، إذ لا يحتاج العدم إلى حكم به. نظير حكمه بعدم الوجوب أو الحرمة أو غيرهما. فإنّه ليس إنشاء منه بل هو إخبار حقيقة. و من أنّ المنفيّ ليس خصوص المجعولات بل مطلق ما يتديّن به و يعامل عليه في شريعة الإسلام، وجوديّا كان أو عدميّا، فكما أنّه يجب في حكمة الشارع نفي الأحكام الضّرريّة، كذلك يجب جعل الأحكام الّتي يلزم من عدمها الضرر. مع أنّ الحكم العدميّ يستلزم أحكاما وجوديّة، فإنّ عدم ضمان ما يفوته من المنافع يستلزم حرمة مطالبته و مقاصّته و التعرّض له، و جواز دفعه عند التعرّض له. فتأمّل. هذا كلّه، مضافا إلى إمكان استفادة ذلك من مورد رواية سمرة بن جندب، حيث إنّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم سلّط الأنصاريّ على قلع نخل سمرة معلّلا بنفي الضرر، حيث إنّ عدم تسلّطه عليه ضرر، كما أنّ سلطنة سمرة على ماله و المرور عليه بغير الإذن ضرر. فتأمّل. و يمكن تأييد دلالته بما استدلوا به على جواز المقاصّة مثل قوله تعالى جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.. وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «12». و قوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ «13»

فيقال: إنّ من فوّت على غيره منفعة- كأن حبسه عن عمله- جاز له أخذ ما يساوي تلك المنفعة منه. إلّا أنّ دلالة هذه الآيات على نفس ما استدلّوا بها عليه فضلا عن نظيره قاصرة جدّا.

[التنبيه] الثالث

ذكر بعض المعاصرين «14» جوابا عن إيراد أورده على الاستدلال بنفي الضرر لرفع التكاليف الثابتة بعموم أدلّتها في مورد الضرر، مثل وجوب الحجّ و الصلاة و الوضوء و الصوم على من تضرّر، و هو: أنّا قد حققنا أنّ الضرر ما لا يحصل في مقابله نفع، و أمّا ما يحصل في مقابله نفع دنيوي أو أخروي فلا يكون ضررا، فإذا ورد- مثلا- : حجّوا إذا استطعتم، أو صلّوا إذا دخل الوقت، أو صوموا إذا دخل شهر رمضان، دلّ على عمومه على وجوب هذه الأفعال و ان تضمّن ضررا كليّا. و الأمر يدلّ على العوض فلا يكون ضررا.

فأجاب بما لفظه: «إنّ الأمر إنّما «15» يتعلق بالصلاة و الحجّ. و لازمة تحقق الأجر المقابل لماهيّة الحجّ و الصلاة المتحقّقة في حال عدم الضرر أيضا، و أمّا حصول عوض في مقابل الضرر و أجر له، فلا دليل عليه. نعم لو كان نفس الضرر ممّا أمر به فيحكم بعدم التعارض و بعدم كونه ضررا. كما في قوله: إذا ملكتم النصاب فزكّوا، و أمثاله» (انتهى). أقول: لا يخفى ما في كلّ من السؤال و الجواب:

المكاسب، ج 4، ص 374

أمّا في السؤال فلأنّ المراد بالضرر هو خصوص الضرر الدنيويّ لا غير. و أمّا النفع الحاصل في مقابل الضرر الدنيويّ فهو إنّما يوجب الأمر بالتضرّر، لا خروجه عن كونه ضررا. فدليل وجوب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته الموجب للنفع الأخرويّ مخصّص لعموم نفي الضرر، لا رافع «1» لموضوعه. فجميع ما أثبت التكاليف الضرريّة مخصّص لهذه القاعدة، كيف! و لو كان الأمر كذلك لغت القاعدة. لأنّ كلّ حكم شرعيّ ضرريّ لا بدّ أن يترتّب على موافقته الأجر، فإذا فرض تدارك الضرر و خروجه بذلك عن الضرر فلا وجه لنفيه في الإسلام، إذ يكون حينئذ وجود الدليل العامّ على التكليف- الكاشف بعمومه عن وجود النفع الأخرويّ في مورد الضرر- مخرجا للمورد عن موضوع الضرر. و أمّا في الجواب «2»: فلأنّه لو سلّم وجود النفع في ماهيّة الفعل أو في مقدّماته- كأن تضرّر بنفس الصوم أو بالحجّ أو بمقدّماته- يكون الأمر بذلك الفعل نفسيّا أو مقدّمة أمرا بالتضرّر، فلا يبقى فرق بين الأمر بالزكاة و الأمر بالصوم المضرّ أو الحجّ المضرّ بنفسه أو بمقدّماته. فالتحقيق: أنّ المراد بالضرر خصوص الدنيويّ، و قد رفع الشارع الحكم في مورده امتنانا. فتكون القاعدة حاكمة «3» على جميع العمومات المثبتة للتكليف. نعم، لو قام دليل خاصّ على وجوب خصوص تكليف ضرريّ خصّص به عموم القاعدة.

[التنبيه] الرابع

إنّ مقتضى هذه القاعدة أن لا يجوز لأحد إضرار إنسان لدفع الضرر المتوجّه إليه، و أنّه لا يجب على أحد دفع الضرر عن الغير بإضرار نفسه، لأنّ الجواز في الأوّل، و الوجوب في الثاني، حكمان ضرريّان. و يترتّب على الأوّل ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز إسناد «4» الحائط المخوف وقوعه إلى جذع الجار، خلافا للشيخ رحمه اللَّه مدّعيا عدم الخلاف فيه «5». و قد حمل على ما إذا خاف من وقوعه إهلاك نفس محترمة، إذ يجب حفظ النفس المحترمة «6» غاية الأمر لزوم اجرة المثل للاستناد، كأخذ الطعام قهرا لسدّ الرّمق. و يمكن حمله على ما لم يتضرر أصلا بحيث يكون كالاستظلال بحائط الغير. فتأمل. و يترتّب على الثاني جواز إضرار الغير «7». إكراها أو تقيّة. بمعنى أنّه إذا أمر الظالم بإضرار أحد و أوعد على تركه الإضرار بالمأمور- إذا تركه- جاز للمأمور إضرار الغير، و لا يجب تحمّل الضرر لرفع الضرر عن الغير. و لا يتوهّم أنّ هذا من قبيل الأوّل- لأنّ المأمور يدفع الضرر عن نفسه بإضرار الغير- لأنّ المفروض أنّ الضرر يتوجّه إلى الغير أوّلا، لأنّ المكره مريد ابتداء تضرر الغير فيأمره و انّما يضرّه لأجل ترك ما أراده أوّلا و بالذات.

[التنبيه] الخامس

لا فرق في هذه القاعدة بين أن يكون المحقّق لموضوع الحكم الضرريّ من اختيار المكلّف «8» أو لا باختياره، و لا في اختياره بين أن يكون جائزا شرعا أو محرّما، فإذا صار المكلّف باختياره سببا لمرض أو عدوّ يتضرّر به سقط وجوب الصوم و الحجّ، لكونه حكما ضرريّا. و كذا إذا أجنب نفسه مع العلم بتضرّره بالغسل، أو قصّر «9» في الفحص عن قيمة ما باعه فصار مغبونا. نعم لو أقدم على أصل التضرّر- كالإقدام على البيع بدون ثمن المثل عالما- فمثل هذا خارج عن القاعدة، لأنّ الضرر حصل بفعل الشخص لا من حكم الشارع. فما ذكره بعض- في وجه وجوب ردّ المغصوب إلى مالكه و إن تضرّر الغاصب بذلك- من أنّه هو الّذي أدخل الضرر على نفسه بسبب الغصب «10»، لا يخلو عن نظر. و يمكن أن يوجّه ذلك بملاحظة ما ذكرنا في الأمر السابق من أنّ مقتضى القاعدة عدم جواز الإضرار بالغير لئلّا يتضرر الشخص، و عدم وجوب التضرّر لأجل دفع الضرر عن الغير.

فكما أنّ إحداث الغصب- لئلا يتضرر بتركه- حرام، و جوازه منفيّ بقاعدة [نفي] «11» الضرر، كذلك إبقاؤه حرام غير جائز، لأنّ دليل حرمة الإبقاء هو دليل حرمة الأحداث، لأن كلّا منهما غصب. فإن قلت: حرمة الإبقاء سبب لوجوب التضرّر فيجب تحمّل الضرر عن الغير، و هو منفيّ. قلت: لا ريب أنّ ملاحظة ضرر المالك و نفي الحكم بجواز «12» الإضرار به- و إن استضرّ الغاصب- أولى من تجويز الشرع الإضرار بالغير و نفي وجوب تضرّر الغاصب لرفع إضراره بالغير بإمساك ما غصبه، لأنه غير مناف للامتنان، بخلاف الأوّل، فكلّ من جواز الإضرار بالغير و وجوب تحمّل الضرر لرفع إضراره بالغير حكم ضرريّ. لكنّ ثبوت الأوّل في الشريعة مراعاة لنفي الثاني- بأن يجوز للمضرّ الإبقاء على إضراره لأنّه يتضرّر برفعه هو بنفسه- مناف للامتنان، و بناء الشريعة على التسهيل و رفع الضرر عن العباد. هذا كله، مع إمكان أن يقال: إنّه إذا تعارض الحكمان الضرريّان، و فرض عدم الأولويّة لإثبات أحدهما و نفي الآخر، كان المرجع أدلّة حرمة الإضرار بالغير، لأنّ حرمته كحرمة الإضرار بالنفس ثابتة بأدلّة أخر غير قاعدة نفي الحكم الضرريّ، و إن كانت هي من أدلّتها أيضا. فإذا تعارض فردان من القاعدة يرجع إلى عمومات حرمة الإضرار بالغير و النفس.

هذا كله مضافا إلى الرواية المشهورة: «ليس لعرق ظالم حقّ» «13». فإنّ هذه الفقرة كناية عن كلّ موضوع بغير حقّ. فكلّ موضوع بغير حقّ لا احترام له، فإذا كان المغصوب لوحا في سفينة كان ما ألصق باللّوح و ما ركّب عليه من الأخشاب موضوعا بغير حقّ، فلا احترام له، و كذا ما بني على الخشبة المغصوبة. نعم هذه الرواية لا تفي بجميع المراد لو فرضنا أنّ الردّ يتوقف على تضرّر الغاصب بغير ما وضع على المغصوب أو معه من الأمور الخارجة.

[التنبيه] السادس

لو دار الأمر بين حكمين ضرريين بحيث يكون الحكم بعدم أحدهما مستلزما للحكم بثبوت الآخر، فإن كان ذلك بالنسبة إلى شخص واحد فلا إشكال في تقديم الحكم الّذي يستلزم ضررا أقلّ ممّا يستلزمه الحكم الآخر، لأنّ هذا هو مقتضى نفي الحكم الضرريّ عن العباد، فإنّ من لا يرضى بتضرّر عبده لا يختار له إلّا أقلّ الضررين عند عدم المناص عنهما. و إن كان بالنسبة إلى شخصين فيمكن أن يقال أيضا بترجيح الأقلّ ضررا، إذ مقتضى نفي الضرر عن العباد في مقام الامتنان عدم الرضا بحكم يكون ضرره أكثر من ضرر الحكم الآخر، لأنّ العباد كلّهم متساوون في نظر الشارع، بل بمنزلة عبد واحد. فإلقاء الشارع أحد الشخصين في الضرر- بتشريع الحكم الضرريّ، فيما نحن فيه- نظير لزوم الإضرار بأحد الشخصين لمصلحته، فكما يؤخذ فيه بالأقلّ كذلك في ما نحن فيه. و مع التساوي فالرجوع إلى العمومات الأخر، و مع عدمها فالقرعة. لكن مقتضى هذا، ملاحظة الضررين الشخصيين المختلفين باختلاف الخصوصيّات الموجودة في كل منهما من حيث المقدار و من حيث الشخص، فقد يدور الأمر بين ضرر درهم و ضرر دينار مع كون ضرر الدرهم أعظم بالنسبة إلى صاحبه من ضرر الدينار بالنسبة إلى صاحبه، و قد يعكس حال الشخصين في وقت آخر. و ما عثرنا عليه في كلمات الفقهاء في هذا المقام لا يخلو عن اضطراب. قال في التذكرة: لو غصب دينارا فوقع في محبرة الغير- بفعل الغاصب أو بغير فعله- كسرت لردّه، و على الغاصب ضمان المحبرة، لأنه

المكاسب، ج 4، ص 375

السبب في كسرها. و إن كان كسرها أكثر ضررا من تبقيته الواقع [فيها]، ضمنه الغاصب و لم تكسر. «1» (انتهى). و ظاهره أنّه يكسر المحبرة مع تساوي الضررين، إلّا أن يحمل على الغالب من كثرة ضرر الدينار لو ضمنه. و في الدروس: لو أدخل دينارا في محبرته و كانت قيمتها أكثر و لم يمكن كسره، لم يكسر المحبرة و ضمن صاحبها الدينار مع عدم تفريط مالكه (انتهى). «2»

و لا بدّ أن يقيّد إدخال الدينار بكونه بإذن المالك على وجه يكون مضمونا، إذ لو كان بغير إذنه تعيّن كسر المحبرة و ان زادت قيمتها. و ان كان بإذنه على وجه «3» لا يضمن لم يتّجه تضمين صاحبها الدينار.

[التنبيه] السابع

إنّ تصرّف المالك في ملك إذا استلزم تضرر جاره، يجوز أم لا؟ الظاهر «4» أنّ المشهور على الجواز. قال في المبسوط في باب إحياء الموات: إن حفر رجل بئرا في داره، و أراد جاره أن يحفر بالوعة أو بئر كنيف بقرب هذه البئر لم يمنع منه و إن أدّى ذلك إلى تغيير ماء البئر، أو كان صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقربه الكنيف و البالوعة، لأنّ له أن يتصرّف في ملكه بلا خلاف «5». و قال في السرائر في باب حريم الحقوق: و إن أراد الإنسان أن يحفر في ملكه أو داره بئرا، و أراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا بقرب تلك البئر لم يمنع من ذلك بلا خلاف و إن نقص ماء البئر الأولى، لأنّ «الناس مسلّطون على أموالهم» «6». و قال «7» في مسألة «أن لا حريم في الأملاك»: إنّ كلّ واحد يتصرّف في ملكه على العادة كيف شاء، و لا ضمان إن أفضى إلى تلف، إلّا أن يتعدّى. و قد اختلف كلام الشافعي في أنّه لو أعدّ داره المحفوفة بالمساكن خانا أو إصطبلا أو طاحونة، أو حانوتا في صفّ العطّارين، حانوت حدّاد أو قصّار- على خلاف العادة- على قولين: أحدهما: أنّه يمنع. و به قال أحمد، لما فيه من الضرر. و أظهرهما عنده: الجواز. و هو المعتمد، لأنّه مالك للتصرّف في ملكه. و في منعه من تعميم التصرّفات إضرار به. هذا إذا احتاط و أحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده، فإن فعل ما يغلب على الظنّ أنّه يؤدّي إلى خلل في حيطان الجار فأظهر الوجهين عند الشافعيّة ذلك، و ذلك كأن يدقّ في داره الشي ء دقّا عنيفا يزعج به حيطان الجار، أو حبس الماء في ملكه بحيث ينشر النداوة إلى حيطان الجار. فإن قلنا لا يمنع في الصورة الأولى «8» فهنا أولى.. إلى أن قال: و الأقوى أنّ لأرباب الأملاك أن يتصرّفوا في أملاكهم كيف شاءوا، فلو حفر في ملكه بالوعة و فسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه، و لا ضمان بسببه. و لكن يكون قد فعل مكروها «9» (انتهى). و قريب من ذلك ما في القواعد «10» و التحرير «11». و قال في الدروس في إحياء الموات: و لا حريم في الأملاك، لتعارضها. فلكلّ أحد أن يتصرّف في ملكه بما جرت العادة به و إن تضرّر صاحبه و لا ضمان «12» (انتهى). و في جامع المقاصد في شرح مسألة تأجيج النّار و إرسال الماء في ملكه: إنّه لمّا كان الناس مسلّطين على أموالهم كان للمالك الانتفاع بملكه كيف شاء، فإن دعت الحاجة إلى إضرام نار في ملكه أو إرسال ماء، جاز فعله و إن غلب على ظنّه التعدّي إلى الإضرار بالغير «13». (انتهى موضع الحاجة). أقول: تصرّف المالك في ملكه إمّا أن يكون لدفع ضرر يتوجّه إليه، و إمّا أن يكون لجلب منفعة، و إمّا أن يكون لغوا غير معتدّ به عند العقلاء. فإن كان لدفع الضرر فلا إشكال، بل لا خلاف في جوازه، لأنّ إلزامه بتحمّل الضرر، و حبسه عن ملكه لئلّا يتضرّر الغير، حكم ضرريّ منفيّ. مضافا إلى عموم: «الناس مسلّطون [على أموالهم] «14»». و الظاهر عدم الضمان أيضا عندهم، كما صرّح به جماعة، منهم الشهيد «15» رحمه اللَّه. لكنّه صرّح بالضمان في تأجيج النار على قدر الحاجة مع ظنّ التعدّي. و هو مناف لتصريحه المتقدّم «16». فإن قلت: إذا فرض أنّه يتضرّر بالترك، فالضرر ابتداء يتوجّه إليه و يريد دفعه بالتصرف. و حيث فرض أنّه إضرار بالغير رجع إلى دفع «17» الضرر الموجّه على الشخص عن نفسه بإضرار الغير. و قد تقدّم عدم جوازه، و لذا لو فرضنا كون التصرّف المذكور لغوا كان محرّما لأجل الإضرار بالغير.

قلت: ما تقدّم من عدم جواز إضرار الغير لدفع الضرر عن النفس إنّما هو في تضرّر الغير الحاصل لغير المتصرّف في مال نفسه، و أمّا إذا كان دفع الضرر عن نفسه بالتصرّف في ماله المستلزم لتضرّر الغير «18» فلا نسلّم منعه، لأنّ دليل المنع هو دليل نفي الضرر، و من المعلوم أنّه قاض في المقام بالجواز، لأنّ منع الإنسان عن التصرّف في ماله لدفع الضّرر المتوجّه إليه بالترك ضرر عظيم، بل سيجي ء أنّ منعه عن التصرّف لجلب النفع أيضا ضرر و حرج منفيّ، كما تقدّم في كلام العلّامة «19» رحمه اللَّه. ثمّ إنّه يظهر من بعض من عاصرناه «20» وجوب ملاحظة ضرر «21» المالك و ضرر الغير، و هو ضعيف مخالف لكلمات الأصحاب. نعم لو كان تضرّر الغير من حيث النفس أو ما يقرب منه ممّا يجب على كلّ أحد دفعه و لو بضرر لا يكون حرج في تحمّله، فهذا خارج عن محلّ الكلام، لأنّ ما يجب تحمل الضرر لدفعه لا يجوز إحداثه لدفع الضرر عن النفس. و إن كان لغوا محضا، فالظاهر أنّه لا يجوز مع ظنّ تضرّر الغير، لأنّ تجويز ذلك حكم ضرريّ، و لا ضرر على المالك في منعه عن هذا التصرّف، و عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» محكوم عليه بقاعدة «نفي الضرر». و هو الذي يظهر من جماعة كالعلّامة في التذكرة «22» و الشهيد في الدروس «23»، حيث قيّدا «24» التصرّف في كلامهما بما جرت به العادة، و المحقق الثاني «25» حيث قيّد الجواز مع ظنّ تضرّر الغير بصورة دعاء الحاجة، بل العلّامة في التذكرة حيث استدلّ على الجواز- في كلامه المتقدّم- بأنّ منعه عن عموم التصرّف ضرر منفيّ، إذ لا شكّ أنّ منعه عن هذا التصرّف ليس ضررا «26» و قد قطع الأصحاب بضمان من أجّج نارا زائدا على مقدار الحاجة مع ظنّ التعدّي «27». اللَّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الضمان لا يدل على تحريم الفعل. فربّما كان مبنى الضمان على التعدّي العرفيّ و إن لم يكن محرّما، كما يظهر من كثير من كلماتهم. و أمّا ما كان لجلب المنفعة، فظاهر المشهور- كما عرفت من كلمات الجماعة- الجواز. و يدلّ عليه أنّ حبس المالك عن الانتفاع بملكه و جعل الجواز تابعا لتضرر الجار حرج عظيم لا يخفى على من تصوّر ذلك. و لا يعارضه تضرّر الجار، لما تقدّم من أنّه لا يجب تحمّل الحرج و الضرر لدفع الضرر عن الغير، كما يدل عليه تجويز الإضرار مع الإكراه. و أمّا الاستدلال بعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» بزعم أنّ النسبة بينه و بين نفي الإضرار عموم من وجه، و الترجيح مع الأوّل بالشهرة مع أنّ المرجع بعد التكافؤ أصالة الإباحة، فقد عرفت ضعفه، من حيث حكومة أدلّة نفي الضرر على عموم «الناس مسلّطون على أموالهم».

و الحمد لله أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّى اللَّه على النبيّ محمّد و آله أجمعين. و جاء في آخر النسخة المخطوطة ما يلي: هذا آخر كلام المصنف دام ظله العالي و قد فرغ من تحريره تراب الأقدام محمّد بن محمد تقي الدرزابي في يوم النوروز الواقع في أوائل العشر الثاني من شهر شوال المكرم من سنة 1280.

المكاسب، ج 4، ص 376

7- رسالة في الرضاع

[الخطبة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين. أجمع علماء الإسلام ظاهرا على أن من جملة أسباب تحريم النكاح الرضاع في الجملة و الأصل في هذا الحكم قبل الإجماع قوله ص فيما رواه الفريقان: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و روي عن الصادق ع أيضا بعده طرق صحيحة و رواه عبد الله بن سنان و أبو الصباح الكناني و عبيد بن زرارة عن مولانا الصادق ع مع تخالف يسير في المتن و معنى هذه العبارة أنه يحرم من جهة الرضاع نظير من يحرم من جهة النسب لا أن نفس من يحرم من جهة النسب يحرم من جهة الرضاع كما يتراءى من ظاهر العبارة و إنما عبر بهذا للتشبية على اعتبار اتحاد العنوان الحاصل بالرضاع. و الحاصل بالنسب في التحريم صنفا مثلا الأم محرمة من جهة النسب فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان حصل التحريم من جهة الرضاع و لو حصل بالرضاع ما يلازمه مثل أمومة أخيه لأبويه لم يحرم و كذا الأخت و البنت و غيرهما ممن يحرم نكاحه بواسطة النسب الحاصل بين شخصين أو بين أحدهما و زوج الآخر أو من في حكمه فإن أم الزوجة محرمة على الزوج من جهة نسب بينهما و بين الزوجة يحدث باعتباره المصاهرة بعد التزويج و كذلك الأم الرضاعية للزوجة فحاصل معنى هذا الحديث التسوية بين النسب و الرضاع في إيجاب التحريم و أن العلاقة الرضاعية تقوم مقام العلاقة النسبية و تنزل مكانها فلا يتوهم أن تحريم أم الزوجة من جهة المصاهرة فينبغي أن لا تحرم من جهة الرضاع. توضيح الدفع أن معنى هذه القضية السلبية و هي أن المحرم من جهة المصاهرة لا تحرم من جهة الرضاع على قياس تلك القضية الموجبة هو أن الرضاع لا يقوم مقام المصاهرة و لا ينزل منزلتها فإذا أرضعت ولدك امرأة فلا تحرم عليك أمها من حيث إنها جدة ولدك لأمه الرضاعية من جهة أن جده الولد لأمه إنما تحرم على الأب لأجل نسب بينهما و بين زوجته و لا شك أن الزوجية هنا منتفية و مجرد إرضاع ولد الرجل لا يصير المرضعة في حكم الزوجة لما عرفت من أن الرضاع لا يقوم مقام المصاهرة و أما أم الزوجة المرضعة لها في المثال الذي قدمناه فإنما قامت مقام أمها الوالدة لها فقد قام الرضاع مقام النسب لا مقام المصاهرة لأن زوجية الزوجة ثابتة بنفسها لم يبدل بالرضاع و إنما المبدل به النسب الحاصل بين الأم و الزوجة. و ملخص الكلام أنه لما كانت المصاهرة عبارة عن علاقة تحدث بين كل من الزوجين و أقارب الآخر توقفت وجودها على أمرين ثبوت الزوجية بين الرجل و المرأة و ثبوت القرابة بين شخص و بين أحدهما فكما يمكن استناد التحريم إلى المصاهرة الحاصلة بين المحرم و المحرم عليه من مجموع ذينك الأمرين و كذلك يمكن استناده إلى الأمر الأول من الأمرين بأن يقال إنه يحرم أم الزوجة على الزوج من جهة زوجية بنتهما و له كذلك يمكن استناده إلى الأمر الثاني فيقال إنه تحرم أم الزوجة على الزوج لأجل نسب بينها و بين زوجته و لا يوجب ذلك عدها في المحرمات النسبية من جهة قصرها على ما استند فيه التحريم إلى النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه قبالا للمصاهرة الحاصلة بينهما إذا عرفت ذلك فدخول الرضاع في المصاهرة إما بقيامه مقام الأمر الأول من الأمرين المذكورين مع بقاء الأمر الثاني بحاله كالأم النسبية للأم الرضاعية للولد النازلة منزلة الزوجة و إما بقيامه مقام الثاني منهما كالأم الرضاعية للزوجية الحقيقية. ففي الأول لا مجال لتوهم نشر التحريم بالرضاع إلا إذا دل دليل خاص عليه لأن حاصل أدلة النشر بالرضاع إلحاقه بالنسب و جعل كل عنوان حاصل بالرضاع في حكم ذلك العنوان الحاصل بالنسب و معلوم أنه لم ينتف هنا إلا الزوجية و لم يدل دليل النشر على تنزيل مرضعة الولد مقام الزوجة. و في الثاني لا ينبغي التأمل في التحريم لأنه إذا ألحق العنوان الرضاعي بالعنوان النسبي في التحريم و أقيم الرضاع مقام النسب في إناطة التحريم به فلا شك في أنه يكون الأم الرضاعية للزوجة بمنزلة الأم النسبية لها و لعل منشأ توهم عدم استفادة تحريم مثل هذا من الحديث المذكور توهم كون المراد بلفظ النسب فيه النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه على حد قولهم سبب التحريم إما نسب أو رضاع أو مصاهرة و هذا خبط فاسد فإنه تقييد للمطلق من غير دليل بل المراد منه هو مطلق النسب الموجب للتحريم سواء كان بين نفس المحرم

و المحرم عليه أم بين أحدهما و زوج الآخر أو غيره مثل المزني بها و الغلام و الموطوء و الملموسة و من هنا يصح التمسك بهذا الحديث في تحريم مرضعة الغلام الموقب و أخته و بنته الرضاعيتين على الموقب و إلا فأي نسب بينهما و بين الموقب و أما دعوى أن التحريم في غير المحرمات النسبية السبع ليس من جهة النسب بل هو مستند إلى المصاهرة فقد عرفت الحال فيها و أنه يجوز استناد التحريم فيه إلى نفس المصاهرة و إلى كل واحد من الأمرين اللذين يتوقف وجودها عليها.

ثم اعلم أن انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط
الشرط الأول أن يكون اللبن عن وطء صحيح

فلو در لا عن وطء أو عن وطء بالزنى لم ينشر على المعروف بين الأصحاب و حكى عليه الإجماع في المدارك عن جماعة منهم جده في المسالك للأصل فإن إطلاقات التحريم بالرضاع منصرفة إلى غير ذلك و صحيحة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله ع عن لبن الفحل قال هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى لا من حرام و مثلها حسنة ابن هشام ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخرى. و يستفاد من اشتراط كون اللبن عن الوطي أنه لا حكم للبن الرجل و في حكمه لبن الخنثى المشكل أمره بناء على أنه لو علم كون لبنه من الوطي فلا إشكال في كونها امرأة إلا على ما ورد في بعض الأخبار من أن خنثى ولدت في أيام أمير المؤمنين فألحقه بالرجال بعد عد أضلاعه و عد في التحرير هذا الخبر من الشواذ و لا حكم أيضا للبن المرأة الموطوءة الغير

المكاسب، ج 4، ص 377

الحاصل من الوطي فإن اللبن إنما يحصل عن الوطي بعد العلوق و الحمل و تخلق الولد. و قد استفيد جميع ذلك من الصحيحة المتقدمة و هل يعتبر انفصال الولد أو يكفي الحمل وجهان بل قولان اختار العلامة أولهما في التحرير و ثانيهما في القواعد و هو الأظهر للإطلاقات. و قول الصادق ع في صحيحة يزيد العجلي: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من غلام أو جارية فذلك الرضاع الذي قال رسول الله ص إلى غير ذلك مما دل من الصحاح و غيرها على إناطة التحريم بكون اللبن من الفحل كصحيحة الحلبي و موثقة جميل بن دراج بأحمد بن فضال و رواية أبي بصير و لا ينافيها قوله في صحيحة ابن سنان و حسنة المتقدمتين من لبن ولدك إذ يصدق على ذلك اللبن أيضا أنه ابن الولد كما يشهد به العرف و دعوى عدم صدق الولد مضافا إلى الأب على الحمل محل نظر مع أنها غير قادحة فيما نحن فيه لأن وجود الولد بالفعل لا يعتبر في إضافة اللبن إليه نعم في روايتي يونس بن يعقوب و يعقوب بن شعيب أن در اللبن من غير ولادة لا يوجب النشر لكنهما مع عدم صحتهما قابلتان للحمل على در اللبن من غير ولادة رأسا حتى في المستقبل بأن يكون الدر لا عن حمل كما قد يتفق فلا ينهضان لتقييد إطلاقات الكتاب و السنة إلا أن يمنع عمومها لدعوى انصرافها بحكم الغلبة إلى الإرضاع بعد الوضع فيرجع في غيره إلى أصالة الإباحة فتأمل. ثم إن الوطي الصحيح المعتبر كون اللبن عنه يشمل الوطي بالنكاح الدائم و المنقطع و ملك اليمين و التحليل و أما الوطي بالشبهة فالمشهور إلحاقه في النشر بالنكاح و أخويه كما في غالب الأحكام و تردد فيه المحقق في الشرائع و عن الحلي الجزم بعدم النشر أولا ثم النشر ثانيا ثم النظر و التردد ثالثا و المسألة محل إشكال من إطلاق الكتاب و السنة فإن الفحل في صحيحة يزيد المتقدمة و غيرها أعم من الزوج و يؤيده كون وطء الشبهة بمنزلة النكاح من لحوق النسب و من الأصل و من انصراف الإطلاقات إلى غير هذا الفرد. و قوله في صحيحة ابن سنان و حسنة السابقتين ما أرضعت امرأتك و لو بنى على دعوى ورود التقييد بالمرأة مورد الغالب جرى مثله في غيره من القيود فينسد باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط و تردد في المدارك و هو في محله إلا أن القول بالنشر لا يخلو عن قوة لأن دلالة المطلقات على الإطلاق أقوى من دلالة المقيد على الاختصاص مع أن تخصيص اللبن بالمرأة كما فرض استفادته من صحيحة ابن سنان و حسنته و نحوهما مخالف للإجماع للاتفاق على النشر بالارتضاع من المملوكة و المحللة فلا بد من حمل التقييد فيها على التمثيل بالفرد الغالب و إن احتيج في إخراج اللبن الحاصل من الزنى عن إطلاقهما لو سلم شمول الولد فيهما لولد الزنى إلى دعوى الإجماع على خروجه و يكشف عما ذكرنا عدم تصريح أحد من فقهائنا بعدم النشر في المسألة و لحوق وطء الشبهة بالنكاح في غالب الأحكام.

الثاني من الشروط كون شرب اللبن على وجه الامتصاص من الثدي

فلا ينشر الحرمة بوجور اللبن في حلق الرضيع على المعروف بين معظم الأصحاب لأن الارتضاع المنوط به النشر في الأدلة لا يتحقق عرفا إلا بالامتصاص فلا يقال لمن شرب اللبن المحلوب من البهائم إنه ارتضع منها بخلاف ما لو امتص من ثديها و لو فرض تسليم شمول الارتضاع لغير الامتصاص فلا مجال لإنكار انصرافه إليه فيكون ما عداه باقيا تحت أصالة الإباحة خلافا للمحكي عن ابن الجنيد فاكتفى بالوجور إما لدعوى صدق الإرضاع و إما لحصول ما هو المقصود منه من إنبات اللحم و شد العظم و إما للمرسل المروي في الفقيه عن أبي عبد الله ع: قال و جور الصبي بمنزلة الرضاع و في الكل نظر لخلو الدعوى المذكورة عن البينة كدعوى كون المناط في النشر مجرد إنبات اللحم و شد العظم و ضعف المرسلة و معارضتها برواية زرارة عن الصادق ع: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين بناء على جعل الحولين ظرفا لأصل الرضاع لا لقدره حتى يخالف الإجماع فالأقوى إذا القول المشهور إلا أن الأولى مراعاة الاحتياط.

الثالث حياة المرتضع منها

فلا اعتداد بما يرتضعه من المرأة بعد موتها على المشهور بل لم أعثر فيه على حكاية خلاف صريح قيل لقوله تعالى وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ الظاهرة في مباشرة المرأة للإرضاع المنفية في حق الميتة فيدخل في عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و لأصالة الإباحة إلى أن يثبت المزيل و قيل لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام فهي كالبهيمة المرضعة و بأن المتبادر من إطلاق الرضاع في الأدلة ما إذا حصل بالارتضاع من الحي فيبقى غيره داخلا في عموم أدلة الإباحة و في الجميع نظر. أما ظهور الآية في مباشرة الإرضاع فلا يجدي للقطع بخروج الميتة عن حكم الآية و لا يلزم منه دخولها في قوله وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ لعدم قابلية الميت للحكم عليه بالتحريم و لا التحليل فإن الكلام في الارتضاع من الميتة إنما هو في حدوث الحرمة بين الرضيع و غير الميتة ممن يتعلق به اللبن فيكفي لمدعي النشر عموم قوله تعالى وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ و قوله ص: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و لا ظهور لهما في مباشرة المرأة للإرضاع مع أن مباشرة المرأة للإرضاع و قصدها إليه غير شرط إجماعا كما ادعاه في المسالك بل لو سعى إليها الولد و هي نائمة أو التقم ثديها و هي غافلة تحقق الحكم. و ما قيل من أن الآية دالة بظاهرها على اعتبار الحياة و المباشرة و القصد و لا يلزم من عدم اعتبار الأخيرين لصارف عدم اعتبار الأول فاسد لأن دلالة لفظ الرضاع على الجميع دلالة واحدة فلا يمكن التفكيك في مدلولها و لهذا لم يتمسك بالأخبار الدالة على الإرضاع مع سلامتها عن بعض ما يرد على الآية و أما التمسك بالأصل فهو صحيح لو لا الإطلاقات و أما خروج الميتة عن قابلية الحكم عليها فهو أمر مسلم لا كلام فيه. و إنما الكلام في نشر الحرمة بين الرضيع و أصوله و فروعه و بين غير هذه المرأة من الفحل و أولاده و أولاد المرضعة و غيرهم و أما دعوى تبادر غير الارتضاع من الميتة من الإطلاقات فهي على إطلاقها ممنوعة فإنا لا نجد في السبق إلى الذهن تفاوتا بين من ارتضع منه جميع الرضعات حال الحياة و بين من ارتضع منه حال الحياة خمس عشرة رضعة إلا جزء واحد فأكملها بعد الموت.

نعم الإنصاف انصراف الإطلاقات إلى غير صورة ارتضاع جميع الرضعات حال الموت فالأحسن في الاستدلال على اعتبار الحياة هو أن بعض فروض الارتضاع من الميتة خارج عن إطلاق مثل قوله وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ لانصراف المطلق إلى غيره كما عرفت فيدخل تحت قوله وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ فيثبت عدم النشر في هذا

المكاسب، ج 4، ص 378

الفرد بالآية. و يجب إلحاق غيره من الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بها لعدم القول بالفصل و قلب هذا الدليل بأن يثبت التحريم في الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بها و يلحق الفرض الخارج منه بعدم القول بالفصل و إن كان ممكنا إلا أن غاية الأمر وقوع التعارض حينئذ بواسطة عدم القول بالفصل بين آيتي التحريم و التحليل فيجب الرجوع إلى أدلة الإباحة من العمومات و الأصول المعتضدة بفتوى معظم الفحول.

الرابع أن يقع مجموع الرضاع المعتبر من الرضيع في حولي رضاعه

فلا اعتداد بما يرتضع بعد الحولين على المعروف من مذهب الأصحاب و نقل عن التذكرة دعوى إجماعهم عليه و في المسالك نفي الخلاف عنه و يدل عليه حسنة الحلبي بابن هاشم عن أبي عبد الله ع قال: لا رضاع بعد فطام و نحوها رواية حماد بن عثمان عنه ع بزيادة قوله: قلت جعلت فداك و ما الفطام قال الحولين الذين قال الله عز و جل و نحوها رواية الفضيل بن عبد الملك: الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم و رواية منصور بن حازم ثم إن المراد بالفطام في الأخبار المطلقة هو زمان الفطام أعني الحولين كما دلت عليه رواية الفضيل و حماد فلا عبرة بنفس الفطام حتى أنه لو لم يفطم الرضيع إلى أن تجاوز الحولين ثم ارتضع بعدها قبل الفطام لم يثبت التحريم كما أنه لو فطم قبل الحولين ثم ارتضع قبلهما ثبت التحريم و حكي عن ابن جنيد المخالفة في الحكم الأول و ثبوت التحريم إذا وقع الرضاع بعد الحولين قبل الفطم و لعله لرواية داود بن الحصين المروية في الفقيه و التهذيب المردودة فيه بالمخالفة للأحاديث كلها. و في كلام محكي عن الشهيد أن هذه الفتوى مسبوقة بالإجماع و ملحوقة به و أما الحكم الثاني فلم يحك فيه الخلاف إلا عن موهم ظاهر كلام العماني حيث قال الرضاع الذي يحرم عشر رضعات قبل الفطام و عن المختلف الاستدلال له برواية الفضيل بن عبد الملك المتقدمة الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم و الجواب عنه بأن المراد قبل أن يستحق الفطم و هو حسن و جار في عبارة العماني أيضا فيرتفع الخلاف ثم إنه هل يعتبر في ولد المرضعة الذي يحصل اللبن من ولادته كونه في الحولين عند ارتضاع المرتضع من لبنه بحيث لا يقع شي ء من الارتضاع بعد تجاوزه إياهما أم لا فيه قولان المحكي عن أبي الصلاح و ابن زهرة و ابن حمزة الأول تمسكا بظاهر الخبر لإرضاع بعد فطام الشامل لفطام المرتضع و ولد المرضعة بل لم يفهم منه ابن بكير إلا فطام ولد المرضعة لما سأله ابن فضال عن امرأة رضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت لها سنتان أ يفسد ذلك بينهما قال لا لأنه رضاع بعد فطام و إنما قال رسول الله ص: لإرضاع بعد فطام أي أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج عن حد اللبن و لا يفسد بينه و بين من شرب منه و الأكثر على الثاني و هو الأظهر للأصل و الإطلاقات لظهور الخبر المذكور في فطام المرتضع أو عدم ظهوره في العموم الموجب للشك في تقييد المطلقات. و تفسير ابن بكير للخبر معارض بما فسره ثقة الإسلام و الصدوق في الكافي و الفقيه قال في الكافي معنى قوله لإرضاع بعد فطام أن الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما يفطم لا يحرم ذلك الرضاع التناكح و قريب منه ما قاله في الفقيه ثم اعلم أن شيخنا في المسالك ناقش المحقق في نسبة حديث لا رضاع بعد فطام إليه ص و قال إنه لم يرد إلا عن الصادق ع و لا يخفى أن إسناد الحديث إلى رسول الله ص مشهور و قد عرفت أن ابن بكير نسبه إليه ص و كذا رواه في الفقيه مرسلا عنه ص و أصدق من ذلك ما رواه في الكافي عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: لإرضاع بعد فطام و لا وصال في صيام و لا يتم بعد احتلام إلى آخر الحديث و مع ذلك فلا وجه للمناقشة المذكورة إلا أن يرجع إلى المناقشة في الإسناد إلى عدم ثبوت النسبة بطريق صحيح يجوز الإسناد على وجه الجرم ثم إن المعتبر في الحولين الأهلة و لو انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة و عشرون شهرا بعد المنكسر بالأهلة و إكمال المنكسر بالعدد من الشهر الخامس و العشرين كغيره من الآجال على أظهر الاحتمالات في نظائر المسألة و الله العالم.

الخامس أن يكون اللبن بحاله غير ممزوج بشي ء

فلو ألقي في فم الصبي شي ء جامد كالدقيق و فتيت السكر أو مائع كيسير من الأطعمة المائعة ثم ارتضع بحيث امتزج اللبن حتى يخرج عن كونه لبنا لم يعتد به و كذا لو جبن اللبن و الوجه في ذلك عدم صدق الإطلاقات مع الخروج عن اسم اللبن أو عدم انصرافها إلا الخالص.

السادس الكمية
اشارة

أي بلوغ الرضا حدا خاصا فإنه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في أن مسمى الرضاع و مطلقة غير كاف في النشر و الأخبار بذلك متواترة معنى يأتي الإشارة إلى أكثرها في بيان التقديرات. نعم قد يوهم الأخبار حصول الحرمة بالمسمى كما سيأتي ذكره في أدلة مذهب الإسكافي المكتفي بالرضعة التامة و خالف في المسألة بعض العامة فاكتفى بالمسمى و قدره بما يفطر الصائم و لم يقنع بذلك حتى ادعى إجماع أهل العلم عليه على ما حكى في المسالك

ثم إن أصحابنا قدروا المقدار الخاص الذي اعتبروه بثلاثة تقديرات
أحدها بالأثر

و هو ما أنبت اللحم و شد العظم و حصول النشر مع تحقق هذا الأثر مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام و يدل عليه مضافا إلى الإجماع الأخبار المستفيضة منها صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد الله ع: قلت ما يحرم من الرضاع قال ما أنبت اللحم و شد العظم قلت يحرم عشر رضعات فقال لا لأنها لا تنبت اللحم و لا تشد العظم و منها حسنة ابن أبي عمير عن زياد القندي عن عبد الله بن سنان عن أبي الحسن ع قال:

قلت له يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث قال لا يحرم من الرضاع إلا ما اشتد عليه العظم و أنبت اللحم و منها رواية هارون بن مسلم تارة عن أبي عبد الله ع و تارة عن مسعدة بن زياد عنه ص قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم و أنبت اللحم و منها رواية عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول: ما يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم و شد العظم و في غير واحد من الروايات وقع التقدير بإنبات اللحم و الدم مثل صحيحة عبيد بن زرارة و حسنة حماد بن عيسى بابن هاشم و لا يبعد تلازم التقديرين و مع الانفكاك فالأجود ثبوت النشر بتحقق كل منهما لاعتبار أدلة التقدير الثاني أيضا إلا أن الأصحاب لم يتعرضوا لتحقق الحكم به نفيا و إثباتا و لعله لعدم انفكاكه عن الأول فتدبر ثم إن مقتضى النصوص المذكورة اعتبار تحقق كلا الأمرين من إنبات اللحم و اشتداد العظم و هو المعروف

المكاسب، ج 4، ص 379

بين الأصحاب أيضا. و حكي عن بعض عبارات الشهيد قدس سره الاجتزاء بأحد الأمرين و نسبه في المسالك إلى الشذوذ و كيف كان فالتقدير بهذا الأثر و إن كان اعتباره في غاية القوة و المتانة بل مقتضى أدلته الحاصرة للرضاع المحرم فيه أنه أصل لأخويه الآتيين إلا أنه قليل الفائدة لأن ظهوره للحس في موضع الحاجة أمر لا يكاد يطلع عليه إلا بعض أهل الخبرة و قلما يتفق شهادة العدلين منهم بذلك و لعله لذا كشف عنه الشارع بأخويه و جعلهما طريقا إليه كما يومئ إليه صحيحة ابن رئاب المتقدمة.

و ثانيها بالزمان

و قدر بيوم و ليلة على المعروف بين الأصحاب و مستندهم فيه موثقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر ع هل للرضاع حد يؤخذ به فقال لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد و لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرهما فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحها و ليس فيها سوى عمار الذي نقل الشيخ عمل الأصحاب برواياته مع أن في السند ابن محبوب الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه مضافا إلى اعتضادها بعمل الأصحاب و موافقة الكتاب و لا ينافيها ما دل على حصر الرضاع المحرم فيما أنبت اللحم و شد العظم لفقد العلم بعدم كونه منه ثم إن ظاهر الرواية و الفتوى اعتبار الارتضاع في اليوم و الليلة كلما احتاج الرضيع إليه عادة أو طلبه و لا يعتبر في هذا التقدير إكمال الرضعة في كل مرة بل لو رضعته رضعة ناقصة ثم أكملتها مرة أخرى لم يقدح و لو أطعم في الأثناء طعاما فإن كان مما يغتذي به بدلا من اللبن فالظاهر أنه قادح في التقدير كما أن شرب الماء للعطش غير قادح لو وقع في الأثناء و كذا ما يوكل أو يسقى دواء و يشكل فيما اعتاده من يسير من طعام بحيث لا يغنيه عما اعتاد شربه من اللبن و هل يعتبر ابتداء الرضاع في ابتداء اليوم و انتهائه في آخر الليلة أو العكس أو يكفي الملفق لو ابتدأ في أثناء أحدهما وجهان أقواهما الثاني إما لصدق رضاع يوم و ليلة عرفا على رضاع الملفق و إما لأن الرضاع في الملفق لا يكون أقل من رضاع يوم و ليلة بل يكون مساويا له فلا يدل الرواية على انتفاء النشر به فيبقى داخلا تحت الإطلاقات الدالة على النشر و التعويل على الوجه الأول. و هل المعتبر في رضاع هذا الزمان حال متعارف أوساط الأطفال أو حال شخص ذلك الرضيع وجهان أقواهما الثاني لظاهر الرواية و تظهر الثمرة فيهما فيما إذا كان الطفل مريضا بمرض يحتاج إلى أزيد مما يحتاج إليه الصحيح كغلبة القي ء عليه لعارض أو عرضه ما يحتاج معه إلى الأقل مما يحتاج إليه الصحيح كما إذا أغمي عليه في أغلب اليوم و الليلة. و هل يعتبر احتمال تأثير اللبن في نبات لحمه و شد عظمه أم لا وجهان من إطلاق الرواية و من دلالة بعض الأخبار السابقة على عدم النشر بما لا ينبت اللحم و لا يشد العظم و تظهر الثمرة فيما لو كان بحيث يعلم عدم تحلل اللبن في معدته لعدم استقراره فيها لغلبة إسهال أو قي ء و هنا فروع أخر طوينا عن ذكرها كشحا و أعرضنا عنها صفحا.

و ثالثها بالعدد
اشارة

و قد اختلف فيه الأصحاب بسبب اختلاف الروايات ظاهرا فالمحكي عن ابن الجنيد الاكتفاء به برضعة واحدة تملأ جوف الصبي إما بالمص أو بالوجور لإطلاق الكتاب و السنة و خصوص قول أبي الحسن ع و مكاتبة علي بن مهزيار في جواب سؤاله عما يحرم من الرضاع قليله و كثيره حرام و مضمرة ابن يعفور قال: سألته عما يحرم من الرضاع قال إذا رضع حتى يمتلئ بطنه فإن ذلك ينبت اللحم و الدم و ذاك الذي يحرم و رواية السكوني و النبوي: يحرم بالرضعة ما يحرم الحولان و العلوي: الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له أبدا و في آخر: انهوا نساءكم أن يرضعن يمينا و شمالا فإنهن ينسين فإن الإرضاع يمينا و شمالا مع النسيان بعد حين إنما يناسب عدم التحديد بأكثر من رضعة و هذا القول ضعيف في الغاية لاستفاضة الأخبار كاشتهار الفتوى بعدم النص بما دون العشر فلا مجال للتمسك بالإطلاقات و لا بالمكاتبة و المضمرة لقصورهما عن المقاومة مع موافقة ظاهرهما لفتوى بعض العامة مضافا إلى إمكان حمل المكاتبة على تحريم أصل الارتضاع. و مما ذكرنا يظهر حال التمسك بالنبوي و العلويتين و لذا أعرض سائر الأصحاب عن هذا القول و اتفقوا على عدم النشر بما دون العشر و إن اختلف فتاويهم كالروايات فحكي عن أكثر المتقدمين كالمفيد و الديلمي و القاضي و التقي و ابن حمزة التحديد بالعشر و تبعهم الفاضل في المختلف و ولده و الشهيد في اللمعة و ذهب الشيخ و المحقق و الفاضل في غير المختلف إلى التحديد بالخمس عشرة رضعة و تبعهم أكثر المتأخرين و قد نسب هذا القول إلى الأكثر و المشهور بقول مطلق و كيف كان فهو الأظهر للأصل و عدم دليل على النشر بالعشر عدا الإطلاقات من الكتاب و السنة و خصوص رواية الفضيل الموصوفة بالصحة في كلام بعض عن الباقر ع قال: لا يحرم من الرضاع إلا المجبور قلت و ما المجبور قال أم تربي أو ظئر تستأجر أو أمة تشترى ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي و ينام و مفهوم موثقة عمر بن يزيد قال: سألت الصادق ع عن الغلام يرضع الرضعة و الثنتين فقال لا يحرم فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات فقال إذا كانت متفرقة فلا و نحوها مفهوم رواية هارون بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم و أنبت اللحم و أما الرضعة و الرضعتان و الثلاث حتى بلغ عشرا إذا كن متفرقات فلا بأس و في الجميع نظر أما في الإطلاقات فلأنها على فرض تسليم إفادتها العموم و عدم ورودها لبيان أصل نشر الحرمة بالرضاع في الجملة مقيدة بصحيحة علي بن رئاب عن الصادق ع قال: قلت ما يحرم من الرضاع قال ما أنبت اللحم و شد العظم قلت فيحرم عشر رضعات قال لا لأنها لا تنبت اللحم و لا تشد العظم و موثقة عبيد بن زرارة بعلي بن فضال عن أبي عبد الله ع قال: سمعته يقول عشر رضعات لا يحرمن شيئا و هذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس فيها إلا علي بن فضال و الظاهر أن الشيخ أخذ الرواية من كتابه حيث ابتدأ به في السند و كتب بني فضال مما أمر العسكري ع بالأخذ بها في رواية قريبة من الصحة مع ما ذكر في ترجمة علي بن فضال من مراتب وثاقته و احتياطه في الرواية و موثقة أخرى رواها الشيخ عن علي بن فضال عن أخويه عن أبيهما عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرم و هذه قريبة من سابقتها في اعتبار السند و إن كان جميع رجالها فطحيين و تخصيص هذه الأخبار المعتبرة برواية الفضيل التي هي أخص منها بعد إخراج

المكاسب، ج 4، ص 380

صورة تفرق الرضعات العشر عن عمومها و بمفهوم الموثقتين اللتين بعدها و إن أمكن إلا أن ذلك فرع سلامتها عن المعارضة موثقة زياد بن سوقة المتقدمة الصريحة في نفي النشر بالعشر و لو متوالية أو ترجيحها عليها و هو مسلم لو ثبت صحة رواية الفضيل بتوثيق محمد بن سنان الذي حكي عن غير المفيد من مشايخ الرجال تضعيفه و سلامتها من موهنات أخرى مثل مخالفة حصرها للإجماع و خلو الفقيه من زيادة رواها الشيخ في ذيلها أعني قوله ثم ترضع عشر رضعات مع سبق الصدوق على الشيخ زمانا بل و ضبط الأخبار كتابه فكيف يتصور في حقه أو في الكتب التي أخذ الحديث منها إهمال شطر من كلام المعصوم ع مربوط بما قبله غاية الارتباط و يحتاج إليه نهاية الاحتياج فلا يبعد أن يكون الزيادة المذكورة من تحريفات محمد بن سنان لأنه إنما وقع في التهذيب و ليس في سند الفقيه و حيث لم يثبت اعتبار الرواية سندا و سلامتها من الوهن و المفروض أن أخويها أيضا لا يبلغان حد الصحة بل صرح بضعف ثانيهما فترجيحها و إن كانت ثلاثا على موثقة زياد و إن كانت واحدة غير معلوم إذ ليس في سند الموثقة إلا عمار و اعتبار رواياته عند الأصحاب محكي عن الشيخ في عدته مع أن الراوي عنه بواسطة هشام بن سالم الحسن بن محبوب الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه من أن متنها أصرح دلالة لأن دلالتها على نفي النشر بالعشر المتوالي بالمنطوق و دلالة الموثقتين على ثبوته بها بالمفهوم مع احتمال مفهومها الحمل على ما إذا وقعت العشر المتوالية في يوم و ليلة فإن مفهومها بهذا الاعتبار أعم من منطوق موثقة زياد و إن كان تخصيصهما به بعيد كما يظهر ذلك كله بالتأمل. و أما ترجيح تلك الثلاث على موثقة ابن سوقة بموافقة الكتاب فحسن إن لم تجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد و إن كان صحيحا و إلا فموافقة الكتاب لتلك الروايات الثلاث بعد تخصيصه بصحيحة ابن رئاب و أخويها غير حاصلة إلا بعد ترجيح تلك الروايات المخصصة للصحيحة و أخويها على موثقة ابن سوقة و هو أول الكلام و يلزم الدور أيضا كما لا يخفى فإذا لم يثبت ترجيح تلك الأخبار على الموثقة بوجه فلا أقل من تكافؤهما الموجب بسلامة الأخبار النافية للنشر بالعشر عن المخصص فيجب الأخذ بعمومها المطابق لقاعدة الإباحة المستفادة من العمومات و الأصول وفاقا لجملة من تقدم و معظم من تأخر من الفحول و قد يستدل على إثبات النشر بالعشر بصحيحة عبيد بن زرارة بناء على سلامة علي بن الحكم الذي يروي عنه ابن عيسى قال: قلت لأبي عبد الله ع إنا أهل بيت كبير فربما كان الفرح و الحزن الذي يجتمع فيه الرجال و النساء فربما استحييت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها و بينه الرضاع و ربما استخف الرجل أن ينظر إلى ذلك فما الذي يحرم من الرضاع فقال ما أنبت اللحم و الدم فقلت و ما الذي ينبت اللحم و الدم قال كأن يقال عشر رضعات قلت فهل يحرم عشر رضعات فقال دع ذا و قال ما يحرم من النسب ما يحرم من الرضاع و أنت خبير بأنها لا دلالة فيها على تحريم العشر بوجه إذ لم يرد المعصوم ع إلا أن نسب القول بذلك إلى شخص مجهول و لم يعلم رضاه بذلك و إلا لم يكرر الراوي السؤال عنه بل الظاهر عدم رضاه بهذا القول كما يشهد به مضافا إلى نسبته إلى القيل إعراضه عنه بقوله دع هذا السؤال و لو كان المراد هذا القول كان من أوضح الأدلة على خلاف المطلق ثم اعلم أنه إذا ثبت عدم النشر بالعشر لما ذكرنا تعين القول بالنشر بالخمس عشرة لعدم القائل باعتبار أزيد منها من حيث العدد و إطلاق رواية عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول خمس عشرة رضعة لا تحرم بعد سلامة سندها محمول على صورة عدم التوالي للإجماع ظاهرا على النشر بهذا العدد مع التوالي. نعم في بعض الأخبار دلالة على التقدير بسنة أو سنتين مثل ما رواه العلاء بن رزين عن أبي عبد الله ع قال: سأله عن الرضاع فقال لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة و ما رواه زرارة عن أبي عبد الله ع قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد حولين كاملين لكنهما شاذان مخالفان للإجماع كما ادعاه في المسالك و رد الشيخ في التهذيب الرواية الأولى بالشذوذ و حمل الثانية على كون الحولين طرفا للرضاع لا قيدا لمقداره و هو على بعده حسن في مقام الجمع و

عدم الطرح

ثم إنه يعتبر في الرضعات العشر أو الخمس عشرة المحرمة أمور
الأول إكمال الرضعة

فالرضعة الناقصة لا تعد من العدد ما لم يكمل على وجه لا يقدح في الاتحاد فإذا لفظ الصبي الثدي فإن كان أعرض عنه إعراض ميل فهي رضعة كاملة و إن كان بغير ذلك كالنفس أو السعال أو الانتقال من ثدي أو الالتفات إلى ملاعب و نحوه ثم عاد في الحال فالمجموع رضعة و لو لم يعد إلا بعد مدة فالظاهر عدم احتساب مجموعهما من العدد و كذا لو أخرجت الثدي من فيه كرها فلم تلقمه إياه إلا بعد مدة ثم الدليل على اعتبار إكمال الرضعة هو أن المتبادر من الرضعة الواردة في الأخبار هي الكاملة و المرجع في كمالها إلى العرف لأنه المحكم في أمثاله و حكي عن بعض تحديده بأن يروى الولد و يصدر من قبل نفسه و ليس ببعيد عن التفسير الأول. و في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع: الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتى يتضلع و يمتلئ و ينتهي من نفسه

الثاني توالي الرضعات

بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة أخرى و الظاهر عدم الخلاف في اعتباره كما في المسالك و يدل عليه موثقة زياد بن سوقة المتقدمة حيث نص فيها على تقييد الرضعات بأن لا يفصل بينها رضعة من امرأة أخرى و يستفاد منها أن المعتبر في الفاصل القادح في التوالي أن يكون رضعة كاملة فلو فصل بينها رضعة ناقصة لم تخل بالتوالي خلافا للمحكي عن القواعد و ظاهر عبارة الشرائع فأبطل التوالي بفصل مطلق الرضاع و لعله لعدم صدق التوالي المقيد بالرضعات في رواية زياد بن سوقة عرفا إلا مع عدم فصل مسمى الرضاع و إن كان قوله ع فيها: لم يفصل بينها رضعة امرأة أخرى ظاهرا في اعتبار عدم فصل الرضعة الكاملة إلا أن قيد التوالي المذكور قبله أخص منه إلا أن يقال إن قوله لم يفصل إلخ تفسير للتوالي فلا يعتبر فيه أمر زائد على عدم الفصل بالرضعة الكاملة اللهم إلا أن يجعل تقييد الفصل المنفي بالرضعة واردة مورد الغالب حيث إن الفصل إذا اتفق لا يكون غالبا بأقل من رضعة كاملة و كيف كان فينبغي القطع بعدم قطع تخلل غير الرضاع في التوالي و ادعى الاتفاق عليه في الحدائق فلو اغتذى بينها بمأكول أو مشروب فالتوالي بحاله.

الثالث أن يكون كمال العدد المعتبر من امرأة واحدة

فلو ارتضع بعضها من امرأة و أكملها من امرأة أخرى لم ينشر الحرمة و لم تصر واحدة من المرضعتين أما للرضيع و لو كان الفعل واحدا و لم يصر الفحل أبا له أيضا و الظاهر عدم الخلاف في اعتبار ذلك بين من اعتبر تعدد الرضعات.

المكاسب، ج 4، ص 381

و عن التذكرة أن عليه علمائنا أجمع و لعل المراد العلماء المعتبرين لتعدد الرضعات و إلا فمثل ابن الجنيد القائل بالنشر برضعة واحدة لا يتأتى في حقه اعتبار هذا الشرط اللهم إلا في مجموع الرضعتين الناقصتين المعدودتين برضعة كاملة أو في اللبن المؤجور في حلق الصبي و يدل على اعتبار هذا الشرط موثقة زياد المتقدمة و يدل عليه أيضا كل ما دل على تحقق الحرمة برضاع امرأة ولد أخرى بعد تقييد الرضاع ببلوغه خمس عشرة فإن قوله ع في صحيحة يزيد العجلي: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من غلام أو جارية فذلك هو الرضاع الذي قال رسول الله ص بعد ما حكم بقرينة أدلة اعتبار العدد أن المراد منه أرضعت خمس عشرة رضعة فيكون من أدلة اعتبار اتحاد المرضعة و هكذا قوله ع في صحيحة عبد الله بن سنان و حسنته ما أرضعت امرأتك من لبنك إلخ و يدل عليه أيضا قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بعد تقييد قوله وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ بالإرضاع خمس عشرة رضعة. نعم في إطلاق بعض الأخبار دلالة على كفاية اتحاد الفحل و عدم اعتبار اتحاد المرضعة مثل قوله ع في رواية أبي بصير: ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه و صحيحة الحلبي و عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع: في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته و أم ولده قال تحرم فإن إطلاقها يشمل ما إذا وقع الرضاع المحرم من ارتضاع المرأة و أم الولد كليهما و مضمرة سماعة قال: سأله عن رجل كان له امرأتان فولدت كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدى المرأتين فأرضعت جارية من عرض الناس أ ينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية قال ص لا لأنها أرضعت بلبن الشيخ دلت بعموم التعليل على أن كل من أرضع بلبن الفحل سواء حصل الرضاع المعتبر من إحدى زوجاته أو من أكثر يحرم على أولاده لكن هذه كلها مطلقات يجب تقييدها بما ذكرنا مضافا إلى إمكان منع استفادة العموم منها نظرا إلى ورودها في مقام بيان حكم آخر فتدبر.

الرابع أن يكون كمال العدد المعتبر من لبن فحل واحد

فلو كان من لبن فحلين لم يحصل النشر و لم يصر واحد منهما أبا للمرتضع و إن اتحدت المرضعة و لا تصير أيضا أما له و يتصور ذلك في المرضعة بأن ترضع الطفل من لبن فحله بعض العدد ثم يطلقها ذلك الفحل و تتزوج بآخر و تحمل منه ثم ترضع الطفل المذكور من لبن هذا الفحل تكمله الرضعات من غير أن يتخلل بين الإرضاعين إرضاع امرأة أخرى بأن يستقل الولد في المدة الفاصلة بين الإرضاعين بالمأكول و المشروب بناء على عدم إخلال فصلهما بتوالي الرضعات العددية و إن أخل برضاع اليوم و الليلة كما سبق و الظاهر أن اعتبار هذا الشرط مما لا خلاف فيه و حكي عن التذكرة الإجماع عليه و يدل عليه موثقة ابن سوقة المتقدمة و قوله ع في صحيحة يزيد: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من غلام أو جارية فذلك الرضاع الذي قال رسول الله ص فإنه بعد ما قيد الإرضاع فيه بما بلغ العدد المعتبر فيعتبر في العدد المعتبر أن يكون من فحل تلك المرأة و الظاهر من قوله فحلها الواحد لا جنس فحلها كما يدل عليه قوله ع بعد ذلك: و كل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد فإن ذلك الرضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله ص و أظهر من هذه الصحيحة صحيحة عبد الله بن سنان و حسنة ابن هاشم في تفسير لبن الفحل ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام و تقريب الاستدلال فيهما كالسابقة و هذه الأخبار المعتضدة بعدم الخلاف يقيد إطلاقات الكتاب و السنة و اعلم أن هذا الشرط و سابقيه كما يعتبر في الرضاع المقدر بالعدد كذلك يعتبر في الرضاع المقدر بالزمان إلا أن معنى الشرط الأول و هو التوالي في العدد و عدم تخلل رضاع آخر و في اليوم و الليلة عدم تخلل غذاء آخر سواء كان لبن غير المرضعة أم غذاء آخر و إن كان الشرط الثالث لا يتصور تخلفه في المقدر بالزمان الأعلى فرض نادر بأن يبقى لبن الفحل الأول إلى زمان حصول اللبن من الثاني و لا يحصل من اللبن الأول وحدة الرضاع المقدر بل يحصل رضاع يوم من الأول و ليلته من الثاني.

ثم إن هذه خلاصة الكلام في شروط نشر الحرمة بالرضاع فكلما انتفى بعض هذه الشروط الستة لم ينشر الحرمة بين المرتضع أو أحد من قبله و بين الفحل و المرضعة أو أحد من قبلهما

و هنا شروط أخر اعتبرها الأكثر في نشر الحرمة
اشارة

بين كل من المرتضعين من مرضعة واحدة و بين الآخر و جعلوه منخرطا في سلك شروط الرضاع باعتبار أنه شرط للنشر في الجملة

و هو اتحاد الفحل الذي يرتضع المرضعتان من لبنه
اشارة

فلو ارتضع أحد من امرأة من لبن فحل و ارتضع آخر من تلك المرأة من لبن فحل آخر لم يحرم أحد المرتضعين أو أصوله أو فروعه على الآخر فالعبرة بالأخوة في الرضاع الأخوة من قبل الأب الرضاعي و هو الفحل و لا عبرة بالأم الرضاعي حتى أنه لو ارتضع عشرة من لبن فحل واحد كل واحد من إحدى أمهات أولاده صار الجميع إخوة يحرم بعضهم و فروعه على البعض الآخر و فروعه و هذا معنى قولهم اللبن للفحل.

و خالف الطبرسي صاحب التفسير في اعتبار هذا الشرط

و اكتفى باتحاد واحد من المرضعة و الفحل و ألحق الرضاع بالنسب في كفاية الأخوة من أحد الأبوين في نشر الحرمة تمسكا بعموم قوله تعالى وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ و قوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و شبه ذلك و خصوص رواية محمد بن عبيدة الهمداني: قال أبو الحسن الرضا ع ما يقول أصحابك قال قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما تحرم من النسب فرجعوا إلى قولك قال فقال و ذاك أن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة فقال لي اشرح لي لبن الفحل و أنا أكره الكلام فقال لي كما أنت حتى أسألك عنها ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا ليس كل شي ء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى يحرم على ذلك الغلام قال قلت بلى فقال أبو الحسن ع فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل و لا يحرم من قبل الأمهات و إنما الرضاع من قبل الأمهات و إن كان لبن الفحل أيضا يحرم

و الأظهر ما عليه الأكثر
اشارة

بل حكي الإجماع عليه عن بعض أصحابنا غير واحد ممن تأخر لضعف الرواية بعد تسليم ظهورها في المدعى و الإغماض عن اختصاصها بأولاد المرضعة نسبا و لا خلاف في تحريمهم على المرتضع و إن تعدد الفحل كما سيجي ء

و تقييد إطلاق الكتاب و السنة بالأخبار الدالة على اعتبار اتحاد الفحل.
منها صحيحة الحلبي

قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحل له أن يتزوجها أختها لأمها من الرضاعة فقال إن

المكاسب، ج 4، ص 382

كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس

و منها موثقة عمار الساباطي

الراوي عنه ابن محبوب بواسطة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله ع عن غلام رضع من امرأة أ يحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع فقال لا فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة قال فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة قال فقال لا بأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس و لا يضر دلالتها على اعتبار اتحاد المرضعة الذي ليس معتبرا بالإجماع. و منها صحيحة يزيد بن معاوية المتقدمة قريبا في الشرط الرابع من شروط الرضعات العددية و قد يرد استدلال الطبرسي على مطلبه بقوله تعالى وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ بمنع كون المرتضعة من امرأة بلبن فحل أختا أميا رضاعيا للمرتضع من تلك المرأة بلبن فحل آخر لكون الأخت الرضاعي أمرا شرعيا و كون المذكورة مندرجة فيه محل النزاع فلا بد من دليل يدل عليه. و فيه أن صدق العنوانات الحاصلة بالنسب على ما يحصل من الرضاع غير متوقف على التوقيف من الشارع بالخصوص كيف و لو كان كذلك لم يثبت نشر الرضاع الحرمة في أكثر الموارد و لم يكتف الشارع في بيان تحريم نظائر النسب الحاصلة من الرضاع بقوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لأن إلقاء هذا الكلام على هذا الفرض يصير من قبيل الإحاطة على المجهول مع أنه لا يرتاب المتتبع و المتأمل في أن كل من يسمع هذا الكلام من النبي ص و الأئمة ع أو من عالم فلا يحتاج في تشخيص نظائر العنوانات النسبية من بين العلائق الحاصلة بالرضاع إلى بيان و توقيف و يشهد بذلك ما في رواية محمد بن عبيدة الهمداني: حيث قال للرضا ع إن أصحابي كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك فليت شعري أي شي ء فهموا من هذا الكلام حتى رجعوا إلى القول بعدم اعتبار اتحاد صاحب اللبن في الإخوة الرضاعية و من هنا ترى فقهاء الخاصة و العامة يتمسكون بهذا الحديث من غير تأمل في معناه من هذه الحجة.

ثم اعلم أن اتحاد الفحل إنما يعتبر في حصول الأخوة بين المرتضعين

الذين يكونان كلاهما ولدين رضاعيين للمرضعة و أما إذا كان أحدهما ولدا نسبيا لها فلا يعتبر في إخوة ولدها الرضاعي لولدها النسبي اتحاد فحلهما فلو أرضعت ولدا حرم عليه أولادها النسبية كلا و إن كانوا من غير صاحب لبن المرتضع لأن اعتبار اتحاد الفحل أمر مخالف لإطلاق الكتاب و الأدلة المثبتة له مختصة بالولدين الرضاعيين كما سيظهر لمن راجعها مضافا إلى موثقة جميل بن دراج بأحمد بن فضال عن أبي عبد الله ع:

إذا ارتضع الرجل من لبن المرأة حرم عليه كل شي ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي أرضعته بلبنه و هي صريحة في المطلوب لكن يظهر من بعض الأخبار اتحاد الفحل هنا أيضا مثل صحيحة صفوان عن أبي الحسن ع: و فيها قلت له فأرضعت أمي جارية بلبني قال هي أختك من الرضاعة قلت فتحل لأخ لي من أمي لم ترضعها أمي بلبنه قال فالفحل واحد قلت نعم هو أخي لأبي و أمي قال اللبن للفحل صار أبوك أبوها و أمك أمها فإن استفصال الإمام ع عن اتحاد الفحل مع تصريح السائل بكون الأخ ولد المرضعة نسبا يدل على تغاير حكمه مع حكم صورة تعداد الفحل

[قول العلامة في المقام]
اشارة

بقي هنا شي ء و هو أنه قد حكي عن العلامة في القواعد أن أم المرضعة من الرضاع أو أختها منه أو بنات أخيها منه لا تحرمن على المرتضع لأن الرضاع الحاصل بين المرضعة و المرتضع بلبن فحل و الحاصل بينها و بين أمها أو أختها أو أخيها بلبن فحل آخر فلم يتحد الفحل فلا نشر و مثله عن المحقق الثاني في شرح هذه العبارة من القواعد و زاد على فروض المتن عدم تحريم عمة المرضعة و خالتها من الرضاع على المرتضع ثم نسب التحريم إلى القيل تمسكا بعموم الأدلة من الكتاب و السنة و أجاب عنه بأن ما دل على اعتبار اتحاد الفحل المخصص خاص فلا حجة في العام

[مناقشة المؤلف في قول العلامة]

أقول و لا يخفى ضعف هذا القول أما أولا فلما عرفت من أن الدال على اعتبار اتحاد الفحل المخصص لعموم الكتاب و السنة كان مختصا بالرضاع الموجب لإخوة المرتضعين بمعنى أنه لا يحدث علاقة الأخوة بين مرتضعين أجنبيين نسبا إلا إذا اتحد فحلهما فلم يكن فيه إطلاق يشمل ما نحن فيه و أما ثانيا فلأن صحيحة الحلبي المتقدمة التي هي عمدة أدلة اعتبار اتحاد الفحل قد صرح فيها بتحريم أخت المرضعة من الرضاع على المرتضع و هي أحد الموارد التي حكم في القواعد و شرحه بعدم التحريم تفريعا على تعدد الفحل. و مثلها موثقة عمار الساباطي المتقدمة أيضا المعلل فيها تحريم أخت المرضعة من الرضاع بأن الأختين أرضعتا من امرأة واحدة بلبن فحل واحد مع أنه لا ريب في مغايرة فحل المرتضع لفحل أخت المرضعة فيفهم من التعليل أنه إذا اتحد الفحل بين المرأتين و تحققت الأخوة بينهما كفى ذلك في حرمة كل منهما على فروع الآخر و لو من الرضاع

إذا ظهر ذلك فاعلم

أنه إذا حصل الرضاع المعتبر صارت المرضعة و الفحل أبوين للمرتضع

و فروعه لهما أحفادا و أصولهما له أجداد أو جدات و فروعهما له إخوة و أولاد إخوة و من في حاشية نسبهما عمومة و خئولة و تفصيل القول في ذلك يحصل ببيان اثنتين و ثلاثين مسألة حاصلة من ملاحظة كل من المرتضع و أصوله و فروعه و من في حاشية نسبه أو رضاعه مع كل من المرضعة و الفحل و أصولهما و فروعهما و من في حاشيتهما و قبل ذكر أحكامهما لا بد من بيان ضابطة للتحريم في الرضاع فنقول إن المستفاد من قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أن كل عنوان قد حمل عليه الشارع التحريم من جهة علاقة نسبية فهذا العنوان يحرم من جهة نظير تلك العلاقة من الرضاع و ذلك لا بمعنى أن كل شخص حرم من النسب فهو بعينه حرام من الرضاع إذ لا شك في عدم إرادة هذا المعنى لأن نفس المحرم بالنسب ليس محرما بالرضاع. فالمراد بما الموصولة في الحديث هو عنوان كلي مشترك بين ما يحصل بالنسب و بين ما يحصل بالرضاع تعلق التحريم به من جهة النسبية باعتبار بعض أفراده و هو الحاصل بالنسب و تعلق التحريم به من جهة الرضاع باعتبار بعض أفراده و هو الحاصل بالرضاع مثلا يصدق على عنوان الأم الذي هو شي ء واحد بالوحدة النوعية الغير المنافية مع تكثر الأشخاص أنها يحرم من جهة النسب و يحرم من جهة الرضاع و لا يقدح في هذا المطلب كون استعمال لفظ ذلك العنوان في الحاصل بالرضاع استعمالا مجازيا إذ لم يقع في الكلام لفظ أحد تلك العناوين حتى يقال إن المراد به خصوص الحاصل بعلاقة النسب بل نقول إنه اعتبر مثلا قدر مشترك بين الأم الرضاعية و النسبية و أريد من الموصول و إن أبيت إلا عن أن المراد بالموصول خصوص العنوانات النسبية فلا بد في الكلام من تقدير بأن يراد أنه يحرم من الرضاع نظير كل عنوان من العنوانات النسبية التي يحرم من جهة النسب و هذا القدر هو

المكاسب، ج 4، ص 383

الذي ارتكبه جمع كثير من الفقهاء المتأخرين في تفسير الحديث ثم إن العنوان الذي يحرم من جهة النسبة ليس إلا أحد العنوانات المتعلق بها التحريم في لسان الشارع كالأم و البنت و الأخت و غيرهن من المحرمات المذكورة في الكتاب و السنة و أما العنوان المستلزم لأحد هذه كأم الأخ للأبوين المستلزم لكونها أما أو كأم السبط المستلزمة لكونها بنتا و كأخت الأخ للأبوين المستلزمة لكونها أختا فليس شي ء منهن يحرم من جهة النسب إذ لا نسب بينهن من حيث هذا العنوان و بين المحرم عليه فإن أم أخ الشخص من حيث إنها أم أخ ليس نسبه له بل نسبته لأخيه و النسب الحاصل بين الشخص و بين نسيبه لم يثبت كونه جهة للتحريم و الشاهد على ذلك أدلة المحرمات فإن منها يستفاد جهة تحريم المحرمات إذ لا يستفاد من قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلا أن جهة التحريم أمومة الأم للشخص و أما أمومتها لأخيه أو بنوتها لجديه أو أخواتها لخالته فلم يستفد من دليل كونها جهة للتحريم فيثبت بهذا أن النسب الذي يصلح كونها جهة للتحريم ليس إلا ما يكون مبدأ لإحدى الصفات المعنونة بها المحرمات في الكتاب و السنة و على هذا فإذا أرضعت امرأة أخاك فلا تحرم عليك لأنها أم أخيك و لم يثبت حرمة أم الأخ من جهة النسب إذ لا نسب بينك و بينها من حيث إنها أم أخيك بل النسب بينها و بين نسبك و النسب بين شخص و بين نسيبه لم يثبت كونه جهة للتحريم. و من هنا يظهر فساد ما ذهب إليه شرذمة من المتأخرين من عموم التنزيل في الرضاع و عدم الفرق بين أن يحصل بالرضاع أحد العناوين المذكورة في أدلة التحريم و بين أن يحصل به ما يستلزم أحدها فكما أن المرتضعة لبنتك محرمة عليك من حيث إنه حصل بالرضاع بنوتها لك فكذلك مرضعة ولد بنتك حيث إنه حصل بالرضاع أمومتها لولد بنتك و أم ولد البنت محرمة نسبا لكونها بنتا فكذلك أم ولد بنتك رضاعا إلى غير ذلك و قد عرفت وجه فساد ذلك و حاصله أن الحديث النبوي: إنما حرم بالرضاع ما حرم من جهة النسب و أم ولد البنت لم تحرم من جهة النسب إذ لا نسب بينها بهذا العنوان بين الشخص بل النسب بينها و بين نسيب الشخص و لم يثبت كونه جهة للتحريم فإذا لم يحرم أم ولد البنت من جهة النسب فكيف يحرم من جهة الرضاع مع أن دعوى عموم الموصول لكل عنوان من العناوين المذكورة في لسان الشارع و لما يستلزمه من العناوين الغير المحصورة موجب للتكرار في شمول العام. فإن قلت إذا صدق على أم ولد البنت أنها بنت و صدق أن كل بنت محرمة من جهة النسب فلا مساغ لإنكار أن أم ولد البنت محرمة من جهة النسب فيضاف إلى ذلك قوله ع: كل ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع ينتج أن أم ولد البنت يحرم من جهة الرضاع. قلت لا يخفى أن المراد بالأم في قولنا أم ولد البنت بنت إما أن يكون هي خصوص الأم النسبية أو خصوص الرضاعية أو الأعم و كذلك المراد بالبنت فالاحتمالات تسعة و لا نسلم الصغرى إلا في احتمالين منها إحداهما أن يراد من الأم و البنت النسبيتان و الثاني أن يراد من الأم النسبية و من البنت الأعم فإن أريد الأول منهما فالصغرى و الكبرى إلا أن الحاصل منها ليس إلا قولنا إن الأم النسبية لولد البنت النسبية محرمة من جهة النسب لكن الأصغر في هذه الصغرى غير مندرج تحت الأوسط في كبرى قوله ع: كلما يحرم من النسب يحرم من الرضاع لما عرفت من أن المراد بالموصول في الحديث هو العنوان الكلي المشترك بين العنوان الحاصل من علاقة النسب و الحاصل من علاقة الرضاع لأنه الذي يعقل أن يحكم عليه بالتحريم من كلتا الجهتين أعني الرضاع و النسب و ليس المراد به خصوص العنوان النسبي إذ لا يعقل الحكم على نفس هذا العنوان بأنه يحرم من جهة الرضاع إلا أن يراد أنه يحرم نظيره كما ذكرنا سابقا و حينئذ نقول كون مرضعة ولد البنت نظيره للأم النسبية لولد البنت ممنوع لأن اللام النسبية لولد البنت كانت متصفة بالبنتية و باعتبارها ثبت لها التحريم و مرضعة ولد البنت ليست كذلك. نعم نظيره الأم النسبية لولد البنت النسبية الأم النسبية لولد البنت الرضاعية و الحاصل أن المحرم في النسب أم ولد البنت المقيدة بكونها بنتا فنظيرها المحرم في الرضاع أيضا أو ولد البنت المقيدة بذلك القيد غاية الأمر أن القيد المذكور في النسب من اللوازم للمقيد و في الرضاع قد يكون و

قد لا يكون فإذا كان فيثبت النظارة و إلا فلا نظارة فلا حرمة و إن أريد الثاني منهما فالمقدمتان مسلمتان و يستنتج منهما أن الأم النسبية لولد البنت مطلقا محرمة من جهة النسب و لو باعتبار بعض أفرادها و هي الأم النسبية فيصح أن يضم إليه قوله ع: كلما يحرم من النسب يحرم من جهة الرضاع فيصير حاصل هذا أن الأم النسبية لولد البنت مطلقا عنوان كلي مشترك بين أم ولد البنت النسبية و أم ولد البنت الرضاعية و هذا العنوان الكلي يصدق عليه أنه يحرم من جهة الرضاع كما يحرم من النسب و حينئذ فلا يستفاد من الحديث حكم مرضعة ولد البنت بوجه من الوجوه و بهذا تقدر على دفع ما يورد في نظائر هذا العنوان و إن كان تقدير الدفع مخالفا في الجملة فإذا قيل مثلا أم الأخ للأبوين أم و كل أم محرمة فأم الأخ للأبوين محرمة ثم يضم إلى ذلك قوله: كلما يحرم من جهة النسب يحرم من جهة الرضاع أجبنا عنه بأن أم الأخ لا يخلو من أن يراد به الاحتمالات التسعة المذكورة و على فرض إرادة ما عدا احتمالين منهما يكون الصغرى ممنوعة فإن التي يصدق عليها الأم ليس إلا الأم النسبية للأخ النسبي أو مرضعة الأخوين الرضاعيين فإن أريد بأم الأخ في الصغرى خصوص الأول دفع بما دفع الأول في أم ولد البنت و إن أريد به الأعم من الأول أعني العنوان الكلي الملازم لصدق الأم فلا يدل النتيجة الحاصلة بعد ضم الحديث إليها على تحريم مرضعة الأخ. و يمكن الجواب عن أصل الإيراد بمنع كون الموصول للعموم بل المتبادر منه الإشارة إلى العنوانات المعهودة المتداولة على لسان الشارع و تعلق التحريم بها في كلامه ثم اعلم أن المراد بالنسب في الحديث ليس هو خصوص النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه حتى يخص الحديث بتحريم نظائر العنوانات السبع النسبية من الرضاع بل المراد به هو الأعم منه و من الحاصل بين المحرم و زوج المحرم عليه أو ما ألحق بزوجة كالمزني بها و الموطوءة بالشبهة أو الغلام الموطوء و نحو ذلك لأن التحريم في العنوانات كما أنها موجبة بجهة النسب كذلك في هذه العنوانات مثلا قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ دال على تعلق التحريم بأم الزوجة من حيث أمومتها للزوجة فإذا ظهر نظير هذه الجهة من الرضاع حرمت. و الحاصل أنه لا فرق بين

المكاسب، ج 4، ص 384

تحريم الأم و تحريم أم الزوجة و تعلق التحريم في كل منهما بعنوان النسبي فيحرم نظيره من الرضاع و سيأتي زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالى

إذا عرفت هذا

فلنرجع إلى بيان تفاصيل المسائل المذكورة
اشارة

فنقول

المسألة الأولى لا شك في تحريم المرتضع على المرضعة

بالإجماع و الكتاب و السنة لأنها أمة.

الثانية لا تحرم أصول المرتضع المذكور على المرضعة من جهة إرضاعها إياه

سواء في ذلك أبواه و أجداده لأب كانوا أو لأم أما عدم التحريم على الأب فظاهر لأن المرضعة لم تزد على أن صارت أما لولده و أم الولد أولى بالتحليل من كل أحد و أما على أجداده لأبيه فلأنها لم تزد على أن صارت أما لولد ابنه و أم ولد الابن إنما تحرم على الجد لأنها زوجة ابنه و الزوجية للابن لا تحصل بإرضاع ولد الابن لأن الزوجية لا تثبت بالرضاع. و بتقرير أوضح أن التحريم تعلق على حليلة الابن و لا شك أن مرضعة ولد الابن ليست حليلة للابن و أما على أجداده لأمه فلأن غاية ما حصل بالرضاع كون المرضعة أما لولد بنته و أم ولد البنت إنما تحرم إذا كان بنتا بالنسب أو الرضاع و هذه لم تصر إحداهما و قد مر مشروحا في تفسير الحديث النبوي أنه لا يدل إلا على تحريم ما صدق عليه بعلاقة الرضاع أحد العناوين المحرمة على لسان الشارع فيجب الرجوع في غيرها إلى أدلة الحل. و الحاصل أنه إذا حصل بالرضاع عنوان مستلزم في النسب لأحد العناوين المعلق عليها التحريم غير ملازم له في الرضاع لا يثبت له التحريم لأن ذلك العنوان النسبي الملزوم إنما حرم لتقييده باللازم و إن كان هذا المقيد غير منفك عنه فإن حصل هذا القيد في العنوان الرضاعي حتى يتم كونه نظيرا للعنوان النسبي و كونها تحت عنوان كلي ينتزع من الحاصل بالنسب و الحاصل بالرضاع حصلت الحرمة و إلا فلا ثم إذا لم يحرم أصول المرتضع نسبا على المرضعة لم يحرم أصوله الرضاعية عليها بطريق أولى

الثالثة تحرم فروع المرتضع على المرضعة

لأنهم أحفادها و لا فرق بين الفروع النسبية و الرضاعية. نعم يأتي على قول العلامة و المحقق الثاني رحمهما الله في القواعد و شرحه عدم تحريم فروع المرتضع الرضاعية على المرضعة حيث حكما بأن مرضعة المرضعة لا تحرم على المرتضع فإن المرتضع من الفروع الرضاعية للمرتضعة من المرضعة و قد عرفت ضعف هذا القول و متمسكه.

الرابعة حواشي المرتضع أعني من في طبقته من الإخوة لا يحرمون على المرضعة من جهة ارتضاع أخيهم منها

لأنها لم تزد على أن صارت إما رضاعية لأخيهم و لا دليل على تحريم أم الأخ. نعم هي محرمة في النسب من جهة كونه أما أو زوجة أب و لم يحصل شي ء منهما بالرضاع و أما الإخوة من الرضاع للمرتضع فهم أولى بعدم التحريم عليها و قد يزيد في الاستدلال على ما ذكرنا بأن أمومة الأخ غير ملازمة للأمومة لتفارقهما في زوجة الأب و الأم التي ليس لها إلا ولد واحد و فيه أن لمتوهم التحريم أن يقول إن الأم النسبية للأخ من الأبوين محرم لأنها لا تنفك عن كونها إما فالأم الرضاعية له أيضا محرمة فالأجود الاقتصار على ما ذكرناه و أن الملازمة بين العنوانين في النسب و إن كانت مسلمة إلا أن التحريم هناك من جهة أحد المتلازمين الغير الحاصل بسبب الرضاع ثم إن حكم فروع حواشي المرتضع حكم نفس الحواشي في عدم التحريم على المرضعة لأن الفرع لا يزيد على الأصل في الحرمة.

الخامسة يحرم المرتضع على أصول المرضعة من النساء و يحرم المرتضعة على أصولها من الذكور

لأن المرتضع من أحفادهم و لا فرق بين أصولها بالنسب و أصولها بالرضاع و لا إشكال فيه و لا خلاف ظاهرا و حكم حواشي أصول المرضعة من العمومة و الخئولة حكم نفس الأصول في التحريم سواء كانت من النسب أو الرضاع.

السادسة لا تحرم أصول المرتضع على أصول المرضعة

لما تقدم في المسألة الثانية.

السابعة يحرم فروع المرتضع على أصول المرضعة

لأنهم جدودتهم.

الثامنة لا يحرم حواشي المرتضع و فروعهم على أصول المرضعة و حواشيهم

لما تقدم في المسألة الرابعة.

التاسعة يحرم المرتضع على فروع المرضعة نسبا

و هم المتولدون منها و إن نزلوا سواء كان أبوهم فحلا للمرتضع أم لا لثبوت الأخوة من قبل الأم بينه و بينهم من جهة الرضاع و لا يشترط اتحاد الفحل هنا بلا خلاف على الظاهر المصرح به في كلام غير واحد لإطلاق الكتاب و السنة مضافا إلى خصوص موثقة جميل بن دراج بأحمد بن الحسن بن فضال عن أبي عبد الله ع قال: إذا ارتضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شي ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه و يؤيدها رواية محمد بن عبيدة الهمداني المتقدمة في استدلال الطبرسي قدس سره و أما فروع المرضعة من حيث الرضاع و هم أولادها من الرضاع فيشترط في تحريم المرتضع عليهم اتحاد الفحل على المشهور خلافا للطبرسي و قد مر ضعفه لورود الخبر الصحيح و ما في حكمه على خلافه.

العاشرة تحرم أصول المرتضع على فروع المرضعة من النسب على الأظهر

و إن كانت القاعدة لا تقتضي ذلك نظرا إلى أن فروع المرضعة لا تزيد على أن تكون إخوة لولد أصول المرتضع و أخ الولد أو أخته لا دليل على تحريمه من حيث إخوة الولد و إنما يحرم حيث يحرم إما من حيث كونه ولدا و إما من حيث كونه ولدا لأحد الزوجين و لذا حكي عن جماعة منهم الشيخ في المبسوط عدم التحريم إلا أنه قد دل غير واحد من الأخبار المعتبرة على التحريم مثل ما رواه في التهذيب عن أيوب بن نوح في الصحيح قال: كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن ع عن امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز أن أتزوج بعض ولدها فكتب ع لا يجوز ذلك لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك و مثل ما رواه الكليني قدس سره عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر قال:

كتبت إلى أبي محمد ع امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا فوقع ع لا يحل. و اعلم أنه قد يتفرع على هذا القول أنه لو أرضعت ولدا جدته لأمه بلبن جده أو غيره حرمت أمه على أبيه لأن أمه من أولاد المرضعة فتحرم على أصول المرتضع و أما تحريم الجدة المرضعة على جده من جهة صيرورتها أما لولد بنته فقد تقدم في المسألة الثانية أنه لا وجه له هذا كله في فروع المرضعة نسبا و أما فروعها بالرضاع فلا دليل على تحريمهم على أصول المرتضع لأن الولد و البنت في الخبرين المتقدمين ظاهران في خصوص النسبي فيبقى حكم الرضاعي باقيا تحت أصالة الإباحة اللهم إلا أن يقال إنه إذا ثبت التحريم في الولد النسبي للمرضعة ثبت في الولد الرضاعي لها لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. و فيه أن الإمام ع حكم بتحريم ولد المرضعة على أب المرتضع لا من حيث هو ولدها

المكاسب، ج 4، ص 385

حتى يحرم ولدها الرضاعي أيضا بل لأجل كونه بمنزلة ولد أب المرتضع نسبا و هذا المعنى غير معلوم في ولدها الرضاعي فتأمل مع أن هذا الكلام لا يصح في ولدها الرضاعي الذي ارتضع بلبن فحل غير فحل المرتضع الذي يكون الكلام في أصوله لعدم الأخوة بين ذلك الولد و بين المرتضع على قول غير الطبرسي و من الظاهر بل المقطوع أن كون ولد المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع فرع الأخوة الرضاعية للمرتضع المفقودة مع تعدد الفحل و إنما يصح هذا الكلام لو صح في صورة اتحاد الفحل و حدوث الأخوة بين ذلك الولد و بين المرتضع و حينئذ فيكون هذا الولد من أولاد الفحل رضاعا و سيأتي الكلام فيه في مسألة تحريم أصول المرتضع على فروع الفحل. و اعلم أن الخبرين المذكورين و إن دلا على تحريم أولاد المرضعة نسبا على أب المرتضع لكن الظاهر تحريمهم على أم المرتضع أيضا لأن كونهم بمنزلة ولد أبيه يستلزم كونهم بمنزلة ولد أمه و لذا استفيد من تحريم الأولاد على الآباء تحريم الأبناء على الأمهات.

الحادية عشر فروع المرتضع و إن نزلوا نسبا و رضاعا يحرمون على فروع المرضعة في المرتبة الأولى

لأنهم خئولة لفروع المرتضع و لا فرق بين فروع المرضعة نسبا و فروعها رضاعا مع نشر الرضاع بينهم و بين نفس المرتضع و أما فروع المرضعة في غير المرتبة الأولى فلا يحرمون على فروع المرتضع مطلقا لأنهم ولد خئولة لهم.

الثانية عشر من في حاشية نسب المرتضع أو رضاعه أعني إخوته أو أخواته النسبية أو الرضاعية لا يحرمون لأجل ارتضاع أخيهم

على فروع المرضعة الرضاعية بلا إشكال و لا خلاف لأنهم لم يزيدوا على أنهم صاروا إخوة لأخي أولئك الحواشي أو أولادا لأم أخيهم و لم يتعلق التحريم في الشريعة بأحد العنوانين و كذا فروع المرضعة النسبية و هم المتولدون منها لا تحرم عليهم حواشي المرتضع الرضاعية لما ذكر و أما تحريم حواشي المرتضع من النسب على فروع المرضعة النسبية فاختلف فيه فالأشهر كما قيل عدم التحريم لما ذكر و هو الأظهر و قيل بالتحريم لأن فروع المرضعة إذا صاروا بمنزلة ولد أبوي المرتضع بحكم ما تقدم في المسألة العاشرة فقد صاروا إخوة لأولادهما الذين هم حواشي المرتضع. و فيه منع استلزام صيرورتهم إخوة لأولادهما إذ لا مستند له إلا تلازم عنواني البنوة للأبوين مع الأخوة لأولادهما و هو مسلم إذا حدثت بالرضاع نفس البنوة للأبوين كما إذا ارتضع شخص بلبنهما فإن بنوته لهما تستلزم إخوته لأولادهما و أما إذا حدث به شي ء آخر حكم الشارع بكونه بمنزلة البنوة للأبوين في أحكامها الشرعية فلا يلزم منه ثبوت الأخوة لأولادهما. و الحاصل أن العنوان الحاصل بارتضاع ولد الأبوين من امرأة ذات أولاد ليس إلا كون أولادها إخوة للمرتضع. و من المعلوم مما سبق في المسألة الثانية أن بمجرد هذا العنوان لا يحرم هؤلاء الأولاد على أبوي المرتضع و لا على إخوته لكن لما دل الدليل على كون الأولاد بمنزلة أولاد الأبوين في جميع الأحكام الشرعية التي من جملتها تحريمهم عليهما حكم به لكن لا يستلزم ذلك كونهم بمنزلة الإخوة لأولادهما حتى يحرموا عليهم و كذا ليس من الأحكام الشرعية لأولاد الأبوين تحريم بعضهم على بعض فإن التحريم في آية المحرمات إنما علق على عنوان الأخ و الأخت لا على ولد الأبوين أو أحدهما و من هنا ظهر ما في استدلال صاحب الكفاية على التحريم بأن كونهم بمنزلة الولد يقتضي أن يثبت لهم جميع الأحكام الثابتة للولد من حيث الولدية و من جملة أحكامه تحريم أولاد الأب عليه إذ لا يخفى أن تحريم أولاد الأب على الولد ليس من حيث الولدية للأب بل من حيث إخوته للأولاد اللهم إلا أن يقال إن الأخوة التي نيطت بها الحرمة في آية المحرمات ليس مفهومها العرفي بل الحقيقي إلا كون الشخصين ولدا لواحد فكونهم أولادا لأبيه أو لأمه عين كونهم إخوة له لا أنه عنوان آخر ملازم له و يشهد لذلك تعليل تحريم المرتضعة من لبن ولد على أخيه من أبيه في صحيحة صفوان المروية في الكافي بصيرورة أبيه أبا لها و أمه أما لها و ليس هذا إلا لأنه إذا ثبت أبوه الرجل لشخص و أمومة المرأة له ثبت إخوة أولادهما له فيحرمون عليه من هذه الجهة فالقول بالتحريم في المسألة لا يخلو عن قوة وفاقا للمحكي عن الشيخ و بعض المتأخرين.

الثالثة عشر يحرم المرتضع على من في حاشية نسب المرضعة

أعني إخوتها و أخواتها و كذا من في حاشية رضاعها و هم إخوتها و أخواتها من الرضاع بلا إشكال و لا خلاف و يدل على تحريم إخوتها من الرضاع المستلزم لتحريم إخوتها من النسب بالأولوية و عدم القول بالفصل صحيحة الحلبي المروية في الكافي و التهذيب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاع فقال إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس و نحوها موثقة عمار المتقدمة منها في أدلة القول المشهور باعتبار اتحاد الفحل في مقابل الطبرسي فتأمل و في حكم أولئك الحواشي فروعهم فيحرم المرتضع عليهم.

الرابعة عشر لا يحرم أصول المرتضع على من في حاشية نسب المرضعة

فيجوز لآباء المرتضع و إن علو التزويج في أخوات المرضعة و لإخوتها التزويج في أمهات المرتضع و لا يتوهم في الأول كون المرضعة في حكم الزوجة فلا يجوز العقد على أختها لعدم ثبوت الزوجية بالرضاع و لا في الثاني كون أم المرتضع أما لولد أخت إخوة المرضعة و أم ولد الأخت محرمة لكونها أختا لما مر من أن الحرمة إنما تعلقت على عنوان الأخت لا على أم ولد الأخت و إن تلازم العنوانان في النسب.

الخامسة عشر تحرم فروع المرتضع على حواشي نسب المرضعة و رضاعها

لكونهم خئولة لأبيهم بلا إشكال و لا خلاف و لا يحرمون على فروع أولئك الحواشي.

السادسة عشر لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع على من في حاشية نسب المرضعة

فيجوز لإخوة المرتضع التزويج في أخوات المرضعة و لإخوة المرتضع على نفس المرضعة فعدم تحريمهم على حواشيها أولى و المستند في الكل عدم الدليل إذ لم يحدث بينهم بالرضاع عنوان من العناوين المتعلق بها التحريم في النسب.

السابعة عشر يحرم المرتضع لو كانت أنثى على الفحل إجماعا

لأنها بنته من الرضاع.

الثامنة عشر لا يحرم أصول المرتضع الإناث عن أمهاته و إن علون على الفحل

أما أمة فواضح و أما جداته فكذلك على الأشهر لأن غاية ما حصل بالرضاع كونهن جدات لولده و جدات الولد لا يحرمن على الأب إلا من جهة كونهن جدات النفس الأب أو أمهات أزواجه و لم يحصل بالرضاع شي ء من العنوانين في المقام و نسب إلى ابن إدريس تحريم جدة المرتضع على الفحل و هو ضعيف ثم إذا لم تحرم المرتضع على الفحل لم يحرم فروع تلك الأصول عليه فعمة المرتضع و خالته لا تحرمان على الفحل فإن الفرع لا يزيد على الأصل.

التاسعة عشر يحرم فروع المرتضع و إن نزلوا على الفحل لكونهم بمنزلة أحفاده من غير فرق بين فروعه الرضاعية و النسبية

بلا خلاف و لا إشكال في ذلك.

المكاسب، ج 4، ص 386

العشرون لا تحرم من في حاشية نسب المرتضع

أعني أخواته على الفحل على الأشهر لعدم الدليل على التحريم عدا ما يتخيل من كونها أخوات لولده و لا يخفى أن التحريم لم يتعلق بهذا العنوان و إنما تعلق بعنوان البنت أو الربيبة اللذين لا ينفك أحدهما عن عنوان أخت الولد في النسب و نسب إلى الشيخ في الخلاف و ابن إدريس تحريم أخت المرتضع على الفحل و هو ضعيف.

الحادية و العشرون يحرم المرتضع على أصول الفحل

لكونهم جدودة له بلا خلاف و لا إشكال.

الثانية و العشرون لا يحرم أصول المرتضع على أصول الفحل

فيجوز لآباء المرتضع أن يتزوجوا في أمهات الفحل و كذا لآباء الفحل أن يتزوجوا في أمهات المرتضع لعدم الدليل إلا تخيل كون أمهات الفحل بمنزلة جدات المرتضع فيحرم على أبيه و على بعض أجداده و كذا أمهات المرتضع بالنسبة إلى آباء الفحل.

الثالثة و العشرون يحرم فروع المرتضع على أصول الفحل لأنهم جدودة له

و قد مر تحريمهم على الفحل لكونهم أحفادا له فيحرمون على آبائه أيضا لأن المحرم على شخص لأجل النسب محرم على آبائه أيضا فكذلك في الرضاع.

الرابعة و العشرون لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع على أصول الفحل

لما تقدم من عدم حرمتهم على نفس الفحل و يجري هنا الخلاف المنسوب إلى ابن إدريس في تلك المسألة.

الخامسة و العشرون يحرم المرتضع على فروع الفحل نسبا و رضاعا و إن نزلوا

لأنهم إخوة و أولاد إخوة بلا خلاف في ذلك و يدل عليه بعد الإجماع أخبار كثيرة و لا فرق في الفروع بين كونهم من مرضعة المرتضع أو من غيرها فلو كان لرجل عشر نساء و كان له من كل منها بنت و ابن من الولادة و أرضعت كل واحدة منهن غلاما أو جارية بلبن ذلك الفحل حرم الذكور العشرون على البنات العشرين.

السادسة و العشرون يحرم أصول المرتضع على فروع الفحل

أعني المتولدين منه و إن لم يقتضه القاعدة من جهة أن فروع الفحل لم يزيدوا على أن صاروا إخوة لولد أصول المرتضع و لا دليل على تحريم إخوة الولد من حيث إنهم إخوة الولد و لهذا قيل هنا بعدم التحريم إلا أن الأظهر التحريم لصحيحة علي بن مهزيار قال:

سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر ع الثاني عن امرأة أرضعت لي صبيا هل يحل أن أتزوج ابنة زوجها فقال ما أجود ما سألت من هنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل هذا لبن الفحل لا غيره فقلت له الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي بل ابنة غيرها فقال لو كن عشرا متفرقات ما يحل لك شي ء منهن و كن في موضع بناتك و الرواية و إن اختصت بتحريم ولد الفحل على أب المرتضع إلا أن تحريمهم على أمه أيضا ثابت بالإجماع المركب ظاهرا مع أن كونهم بمنزلة بنات أب المرتضع يستلزم كونهم بمنزلة أبناء أمه ثم إن ظاهر الرواية كما ترى مختص بفروع الفحل نسبا و يلحق بهم فروعه رضاعا و لعله لقاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فإذا حرم ولد الفحل نسبا على أصول المرتضع حرم ولده رضاعا و لأن منشأ صيرورتهم أولادا لأصول المرتضع إخوته لولدهم و لا فرق بين الأخوة النسبية و الرضاعية.

السابعة و العشرون يحرم فروع المرتضع نسبا و رضاعا و إن نزلوا على فروع الفحل نسبا و رضاعا

و المرتبة الأولى لأنهم عمومة لفروع المرتضع و أما فروع الفحل في غير المرتبة الأولى فلا يحرمون على فروع المرتضع.

الثامنة و العشرون لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع

و هم إخوته و أخواته على فروع الفحل لأنهم لم يزيدوا على أن صاروا بالرضاع إخوة لأخي أولئك و إخوة الأخ ليست موجبة للتحريم إذ قد يتزوج أخ الرجل لأبيه أخته لأمه و لو قيد بالأخ من الأبوين فلا يوجب التحريم و إنما يحرم إخوة الأخ للأبوين من جهة كونهم إخوة و لم يحصل بالرضاع هذا العنوان فالحاصل بالرضاع غير موجب للتحريم و الموجب للتحريم غير حاصل خلافا للشيخ و جماعة فحكموا بالتحريم لأن صيرورة الفروع بمنزلة الأولاد لأصول المرتضع بحكم صحيحة ابن مهزيار المتقدمة يستلزم كونهم إخوة لإخوة المرتضع فيحرمون عليهم و قد سبق في المسألة الثانية عشر أن هذا القول لا يخلو عن قوة.

التاسع و العشرون يحرم المرتضع على من في حاشية نسب الفحل أو رضاعه

لأنهم عمومة له و هذا مما لا إشكال فيه و لا خلاف

الثلاثون لا يحرم أصول المرتضع على من في حاشية نسب الفحل

إذ لا يحدث بينهم بالرضاع رابطة من الروابط المحرمة.

الواحد و الثلاثون يحرم فروع المرتضع نسبا و رضاعا و إن نزلوا

على من في حاشية الفحل نسبا أو رضاعا لأنهم عمومة لأبيهم و يحل لهم فروع أولئك الحواشي.

الثاني و الثلاثون لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع على من في حاشية نسب الفحل

لأن حواشي المرتضع لا تحرم على نفس الفحل فأولى بأن لا تحرم على حواشيه و يجي ء على القول المنسوب إلى ابن إدريس من تحريم أخت المرتضع على الفحل تحريمها على إخوته لكنه لا دليل عليه.

و ينبغي التنبيه على أمور
الأول حيث عرفت أن الضابط في حصول الحرمة بالرضاع ملاحظة الرابطة النسبية التي علق عليها التحريم

فإن حصل بالرضاع نظيرها ثبتت الحرمة و إلا فلا إلا ما خرج بالدليل كما عرفت في المسألة العاشرة و السادسة و العشرين و لا عبرة بأن يحصل بالرضاع رابطة مغايرة للرابطة المعلق عليها التحريم مقارنة معها في الوجود دائما أو في بعض الأحيان و ما دل على خروج المسألتين السابقتين أو نحوهما عن هذه الضابطة لا يعطي ضابطة كلية لتحريم كل عنوان ملازم في النسب لعنوانات التحريم بل يقتصر على مورده و التعدي قياس لا نقول به. فاعلم أنه لا فرق في الرابطة النسبية التي يكون نظيرها الحاصل بالرضاع محرما بين أن يكون التحريم المعلق عليها لأجل وجودها بين نفس المحرم و المحرم عليه و يسمى بالمحرم النسبي كما في المحرمات السبع النسبية و بين أن يكون التحريم لأجل وجودها بين المحرم و زوج المحرم عليه أو من في حكمه و يسمى بالمحرم لأجل المصاهرة و هي عبارة عن علاقة تحدث بين كل من الزوجين و أقرباء الآخر كأم الزوجة مثلا فإن التحريم علق على أمومة الزوجة و هي رابطة نسبية بين المحرم و هي الأم و بين زوجة المحرم عليه و كأم المزني بها و الموطوءة بالشبهة و غيرهما و تسمية الأول بالمحرم لأجل النسب و الثاني بالمحرم لأجل المصاهرة باعتبار ملاحظة العلاقة الكائنة بين نفس المحرم و المحرم عليه و أنها قد تكون نفس الرابطة النسبية المعلق عليها التحريم في المحرمات السبع و قد يكون أمرا حاصلا منها كما في المحرمات بالمصاهرة و لكن التحريم في الكل معلق على الرابطة

المكاسب، ج 4، ص 387

النسبية أما في المحرمات السبع فظاهر و أما في المحرمات بالمصاهرة فلأن تحريم أم الزوجة لم تتعلق في الكتاب و السنة على علاقة المصاهرة التي بينها و بين الزوج و إنما علق على الرابطة النسبية التي بينها و بين زوجة الزوج و هي الأمومة و كذا غيرها و من هنا ظهر فساد ما ربما يسبق إلى الوهم من أن قوله ص: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إنما يدل على تحريم نظائر المحرمات السبع الحاصلة بالرضاع و لا يدل على تحريم نظائر المحرمات بالمصاهرة إذا حصلت بالرضاع كمرضعة الزوجة و رضيعتها و نحوهما لأن هؤلاء لا يحرمون من النسب حتى يحرم نظائرها من الرضاع و إنما يحرم من أجل المصاهرة. توضيح الفساد مضافا إلى ما ذكر أن المصاهرة و هي العلاقة الحاصلة بين كل من الزوجين و أقرباء الآخر ليس مما علق عليها التحريم و إنما علق على الرابطة النسبية التي هي منشأ لانتزاعها فتحرم أم الزوجة على الزوج أيضا من جهة النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه بل النسب الحاصل بين المحرم و زوجة المحرم عليه و عمدة ما يوقع في هذا الوهم توهم أن المراد بالنسب في الحديث خصوص النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه نظير ما اصطلحوا عليه من قولهم سبب التحريم إما نسب و إما مصاهرة حيث يجعلون المصاهرة قسيما للنسب و لا يخفى أنه لا داعي إلى تقييد النسب في الحديث بهذا الفرد الخاص بل المراد به أن كل ما يحرم على شخص من جهة نسب حاصل بينهما أو من جهة نسب حاصل بين أحدهما و زوج الآخر و من في حكمه فيحرم نظيره من جهة الرضاع الحاصل بينهما أو بين أحدهما و زوج الآخر أو من في حكمه. و حاصل معناه بعبارة أضبط كل رابطة نسبية ثبت من جهتها تحريم شخص على آخر فيثبت التحريم أيضا من جهة نظيرها الحاصل بالرضاع فإذا ورد أمهات الأزواج محرمة فنقول إن التحريم تعلق بالنساء المتصفات بالأمومة للزوجات و هي رابطة نسبية علق عليها التحريم فإذا حصل نظيرها بالرضاع يحصل الحرمة للحديث المذكور فظهر أنه كما يصدق على أم الرجل أنها محرمة عليه من جهة النسب أي من جهة رابطة النسبية حيث إنها حرمت عليه بعنوان كونها أما له فكذلك يصدق على أم زوجته أنها محرمة عليه من جهة النسب حيث إنها حرمت عليه من جهة كونها أما لزوجته فالموضوع في كل من الحكمين معنون بعنوان الأمومة إلا أنها في الأول بين المحرم و المحرم عليه و في الثاني بين المحرم و زوج المحرم عليه و من هنا تراهم يتمسكون في تحريم مرضعة الغلام الموقب و رضيعته على الموقب بالحديث المذكور و إلا فأي نسب بين المرضعة و الموقب. و مما ذكرنا ظهر ما في استشكال صاحب الكفاية الحكم بإلحاق الرضاع بالنسب في الرابطة النسبية الموجودة بين أحد الزوجين و أقرباء الآخر الموجدة لعلاقة المصاهرة بين الزوجين في ثبوت أحكام المصاهرة بالنسبة إلى أحد الزوجين و بعض ذوي الرابط الرضاعية للآخر و أنه إن كان الإجماع على ذلك فهو و إلا ففي دلالة الحديث المشهور على ذلك إشكال و قد عرفت أنه لا إشكال في المسألة أصلا بحمد الله و سبحانه.

الثاني أن الرضاع كما يؤثر في ابتداء النكاح يؤثر في استدامته

فكل رضاع يمنع من النكاح إذا سبقه يبطله إذا لحقه بلا خلاف فيه على الظاهر و يدل عليه إطلاق الحديث المشهور:

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و خصوص بعض الأخبار الواردة في بعض فروع المسألة منها حسنة الحلبي بابن هاشم عن أبي عبد الله ع قال: لو أن رجلا تزوج جارية فأرضعتها امرأته فسد نكاحه و رواها في الفقيه بسند صحيح عن أبي جعفر ع بتفاوت يسير و نحوها حسنته الأخرى عنه ع و يترتب على ذلك أنه إذا تزوج برضيعة فأرضعتها بعض نساء آبائه و إن علو أو أولاده و إن نزلوا أو إخوته أو أخواته حرمت عليه و كذا لو أرضعتها زوجته الكبيرة بلبنه كما في الأخبار السابقة و تحرم الكبيرة أيضا مؤبدا و لو أرضعتها بلبن غيره فإن دخل بالكبيرة حرمت عليه أيضا و إن لم يدخل بها حرمت الكبيرة مؤبدا و حرمت الصغيرة جمعا بمعنى جواز تجديد العقد عليها بعد بطلان النكاح الأول و الوجه في بطلان نكاحهما عدم جواز الحكم بصحة نكاحهما و لا بصحة نكاح أحدهما لأنه ترجيح من غير مرجح. و استشكل في الحكم صاحب الكفاية من حيث احتمال القرعة و هو ضعيف و لو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين بلبنه ثم أرضعتها الأخرى حرمن جمع و حكي عن الإسكافي و الشيخ أنه تحرم المرتضعة و أولى المرضعتين و لعل وجهه أن أم الزوجة المحرمة هي من زوج ابنته بأن تتصف ابنته بالزوجية بمعنى تصادق عنوان البنتية و الزوجية في زمان من الأزمنة حتى يصدق على أمها في ذلك الزمان أم الزوجة و هاهنا ليس كذلك لأن المرضعة الثانية إنما صارت أما بعد ما انفسخ عقد الصغيرة فحصلت صفة البنتية للصغيرة بعد زمان الزوجية. و يؤيده ما رواه في الكافي بسند ضعيف بصالح بن أبي حماد عن علي بن مهزيار و رواه عن أبي جعفر ع: قيل له إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخرى فقال ابن شبرمة حرمت عليه الجارية و امرأتاه فقال أبو جعفر ع أخطأ ابن شبرمة حرمت عليه الجارية و امرأته التي أرضعتها أولا و أما الأخيرة فلا تحرم عليه نكاحها لأنها أرضعت ابنته و لا يبعد العمل بها لموافقتها للأصل ثم إنه كلما حكم بفساد عقد الصغيرة بالرضاع فإن كان الرضاع بسبب مختص بها بأن سعت إلى الكبيرة و هي نائمة و ارتضعت الرضاع المحرم. فقد صرح في الشرائع و التحرير و المسالك بسقوط مهرها و يحتمل عدم السقوط لأن المهر ثبت بالعقد و لا دليل على سقوطه بفعل الصغيرة الذي حصل منها من غير قصد و تمييز و إن كان بسبب مختص بالكبيرة بأن تولت إرضاعها و كان لها مهر مسمى غرمه الزوج و قيل يغرم نصفه كالطلاق و هو محكي عن الشيخ و جماعة و لا دليل عليه بناء على ملك الزوجة لكمال المهر بالعقد و في رجوع الزوج الغارم إلى المرضعة إشكال و لا يبعد عدم الرجوع فيها إذا كان الإرضاع واجبا عليها لفقد من يرضعها بما يسد رمقها لأنه حينئذ مأمور به فلا يتعقبه ضرر الضمان و الأقوى عدم الرجوع لعدم الدليل و نظائره كثيرة كما لو قتلت الزوجة أو ارتدت بعد الدخول أو أرضعت من ينفسخ نكاحها بإرضاعه فإن المهر ثابت في جميع الصور على الزوج و لا يرجع بعد غرامته إلى أحد نعم مقتضى قاعدة نفي الضرر رجوع الزوج بما يغرمه و إن لم نقل بضمان البضع فإن مقتضى ضمانه الرجوع إلى مهر المثل أو نحوه لا ما يغرمه و عدم الرجوع في الأمثلة المذكورة و لهذا يغرم الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بطلاق الزوج الأول للمرأة المهر للثاني. و يؤيدها ما رواه في الفقيه بسند ضعيف عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله ع قال: سألته عن رجل قال لآخر اخطب لي فلانة فما فعلت شيئا مما

المكاسب، ج 4، ص 388

قاولت من صداق أو ضمنت من شي ء أو شرطت فذلك لي رضا و هو لازم لي و لم يشهد على ذلك فذهب فخطب له و بذل عنه الصداق أو غيره مما طالبوه و سألوه فلما رجع إليه أنكر ذلك كله قال يغرم لها نصف الصداق عنه و ذلك أنه هو الذي ضيع حقها إذ لم يشهد عليه بذلك الذي قال دل بعموم التعليل على أن التضييع سبب للغرامة و قد حصل فيما نحن فيه من المرضعة الغرور.

الثالث [ما حكي عن المحقق الثاني عن بعض الطلبة القول بنشر الحرمة بالرضاع في صور كثيرة]
اشارة

اعلم أنه قد حكى شيخنا المحقق الثاني في رسالته الرضاعية عن بعض الطلبة القول بنشر الحرمة بالرضاع في صور كثيرة و نسب ذلك إلى اشتباههم و ذكر أنه لا مستند لهم في ذلك و أنهم زعموا أن ذلك من فتاوى شيخنا الشهيد و ليس لهم إسناد يتصل بشيخنا في هذا الفتوى ثم قال نعم اختلف أصحابنا في ثلاث مسائل قد يتوهم منه القاصر عن درجة الاستنباط أن يكون دليلا لشي ء من هذه المسائل أو شاهدا عليها إلى أن قال إن المسائل المتصورة في هذا الباب كثيرة لا تنحصر و الذي سنح لنا الآن ذكره خارجا عن المسائل الثلاث المشار إليها صور ثم ذكر الصور ثم عقبها بذكر المسائل الثلاث التي ذكر أنه اختلف فيها الأصحاب.

أقول إن هذا المتوهم قد استند في دعوى النشر إلى عموم المنزلة في الرضاع المشهور في الألسنة و حاصل تفسيره أنه إذا حصل بالرضاع عنوان مصادف لعنوان الذي تعلق به التحريم في النسب حكم بتحريمه و إن لم يحصل بالرضاع نفس ذلك العنوان المنوط به التحريم مثلا إذا أرضعت امرأتك ولد بنتك فقد صارت المرضعة أما لولد ابنتك و أم ولد البنت حيث إنه عنوان مصادف في النسب لعنوان البنت محرمة فإذا حصلت هذا العنوان بإرضاع امرأتك ولد بنتك تحقق التحريم و بطلان نكاح الجد و المرضعة و إن لم يتحقق عنوان البنتية و هكذا فها أنا أذكر المسائل الثلاث التي ذكر المحقق أنه مما تعرض له الأصحاب و اختلفوا فيها ثم أذكر غيرها من الصور التي ذكر أن القول بالتحريم فيها توهم و أنه ليس به قائل معروف بين الأصحاب و أن نسبته إلى الشهيد غير ثابتة فنقول

أما المسائل المختلف فيها
فإحداها حرمة جدات المرتضع على صاحب اللبن

اختلف فيها الأصحاب على قولين و قريب منه أم المرضعة وجدتها بالنسبة إلى أب المرتضع. و قد تقدم في المسألة الثانية عشر نسبة القول بتحريم جدات المرتضع على الفحل إلى ابن إدريس و عزي هذا القول إلى جماعة من الأصحاب و قد عرفت في تلك المسألة أنه لا وجد للتحريم عدا توهم صيرورة جدات المرتضع جدات لولد الفحل و جدة الولد محرمة لكونها أما أو أم زوجة و كلتاهما محرمتان و مثل هذا جار في أم المرضعة وجدتها بالنسبة إلى أب المرتضع و مرجع هذا الاستدلال إلى دعوى عموم المنزلة في الرضاع التي ذكرنا تفسيره قريبا و أثبتنا فساده لعدم الدليل عليه في المسألة الثانية من المسائل المتقدمة.

و ثانيتها أخوات المرتضع نسبا و رضاعا بشرط اتحاد الفحل هل يحللن للفحل أم لا

و قد حكي عن الشيخ و ابن إدريس القول بالتحريم و لعله لأنهن بمنزلة ولده كما أن أولاد الفحل بمنزلة ولد أب المرتضع لصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة. و قد عرفت في المسألة العشرين من المسائل المتقدمة ضعف هذا القول لأن الحكم بكون أولاد الفحل و المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع لا يقتضي الحكم بكون أولاد أبوي المرتضع بمنزلة أولاد الفحل بل غاية ما حصل من ارتضاع أخيهم بلبنه هو كون أخيهم بمنزلة ولده فهم إخوة ولده و أخ الولد لا يحرم إلا إذا كان ولدا.

و ثالثها أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا و أولاد المرضعة ولادة هل تحرم على أب المرتضع.

و قد عرفت في المسألة العاشرة و السادسة و العشرين أن الأصح التحريم للأخبار المتقدمة في المسألتين و إن كان القاعدة لا تقتضي التحريم نظرا إلى أنه لم يحصل بالرضاع إلا أخوة أولاد صاحب اللبن و المرضعة للمرتضع فهم إخوة ولد لأب المرتضع و أخ الولد لا يحرم إلا إذا صدق الولد عليه إما من النسب و إما من الرضاع لكن الأخبار المتقدمة قد دلت على أنهم بمنزلة ولده فهذه المسائل الخلافية التي ذكرها المحقق في الرسالة و صرح في غير الأخيرة بعدم التحريم. أقول هنا مسألة رابعة اختلف فيها و هي مسألة تحليل أولاد صاحب اللبن نسبا و رضاعا و أولاد المرضعة نسبا على إخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا بلبن ذلك الفحل.

و أما المسائل التي ذكرها و نسب القول بالتحريم فيها إلى الوهم
اشارة

فهي ثلاثة عشر مسألة

الأولى أن ترضع المرأة بلبن فحلها

الذي هي في نكاحه حين الإرضاع أخاها أو أختها لأبويها أو أحدهما فيقال إن ذلك موجب لتحريم المرضعة على زوجها من جهة أن المرتضع صار ولدا للفحل و المرضعة فهي أخت ولد الفحل و أخت الولد محرمة من النسب فكذا من الرضاع.

و بعبارة أخرى الفحل يصير أبا رضاعا لأخ الزوجة أو أختها و كما أن أباهما النسبي محرم عليها فكذا الرضاعي و الحق أنه توهم كما ذكره شيخنا المحقق لما مر في المسألة العشرين من المسائل المتقدمة من عدم تحريم من حاشية نسب المرتضع على الفحل و أن الخلاف هنا محكي عن الشيخ و ابن إدريس و هو ضعيف لكن يرد على شيخنا المحقق أن هذه المسألة هي ثانية المسائل التي ذكر فيها الخلاف بين الأصحاب فإن تحريم المرضعة في الفرض المذكور على زوجها مبني على تحريم أخوات المرتضع على الفحل و هي عين المسألة الثانية من الثلاث المتقدمة. نعم لو كان قولهم التحريم ناشئا عن غير ما ذكر في توجيهه مثل صيرورة المرضعة أما لأخ الزوجة من أمها و هي محرمة على الزوج أمكن كونها بهذا الاعتبار مسألة خارجة عن المسائل الثلاث.

الثانية

أن ترضع الزوجة المذكورة ولد أخيها.

الثالثة أن ترضع ولد أختها

فقد يتوهم التحريم في هاتين المسألتين من جهة صيرورة المرضعة عمه أو خالة لولد الفحل من الرضاع و عمة الولد محرمة جمعا و لأن الفحل في المسألة الأولى أب رضاعي لولد أخ المرضعة فكما أن الأب النسبي لولد أخيها محرمة عليها لأنه أخوها فكذا الأب الرضاعي له و لا يخفى أيضا فساد التوهمين لأن عمة الولد إنما يحرم لكونها أختا فإذا تحقق بالرضاع علاقة الأختية تحقق التحريم و قد عرفت ذلك في المسألة الثانية عشر و كذا الكلام في الأب النسبي لولد الأخ فإنه لا يحرم إلا لأجل عنوان الأخوة و أما خاله الولد فتحريمها على الأب مما لا يتفوه به أحد إذ لم يحصل الجمع بين الأختين الذي هو مناط تحريم خاله الولد. نعم يصدق على المرضعة أنها أم للمرتضع و خالته و الجمع بين الأختين المحرم هو أن يكون للشخص امرأتان يصدق على إحداهما أنها أم لولده و على الأخرى أنه خاله لولده لا أن يكون له امرأة واحدة يصدق عليها أنه أم ولده و خالته و قد حكي عن السيد الداماد الجزم بالتحريم في

المكاسب، ج 4، ص 389

هذه الصورة و هو بعيد

الرابعة أن ترضع الزوجة المذكورة ولد ولدها ابنا كان أو بنتا

و مثله ما لو أرضعت إحدى زوجيته و ولد ولد الأخرى فيقال هنا بتحريم المرضعة في الفرض الأول و ضرتها في الفرض الثاني على زوجهما من جهة صيرورتها جدة ولدها و جدة الولد محرمة على الأب لأنها إما أم و إما أم الزوجة و كلتاهما محرمتان و الأقوى في هذه أيضا عدم التحريم كما نبهنا عليه في المسألة الثانية عشر من أن أصول المرتضع لا يحرمن على الفحل ثم إن هذه المسألة أول المسائل الثلاث الخلافية التي ذكرها شيخنا المحقق أعني تحريم جدات المرتضع على الفحل و قد يستند التحريم في هذه المسألة مع كون المرتضع ولد بنت الفحل إلى صيرورة المرضعة أما لولد بنته و أم ولد البنت من النسب محرمة لكونها بنتا فكذا تحرم من الرضاع و فيه ما مر في المسألة الثانية.

الخامسة

أن ترضع الزوجة المذكورة عمها أو عمتها.

السادسة أن ترضع خالها أو خالتها

فيقال إن الزوجة تصير بالإرضاع إما لعمها أو لعمتها أو خالها أو خالتها و أم عم الزوجة أو عمتها أو خالها أو خالتها محرمة على الزوج لأنها جدة الزوجة لأمها أو لأبيها أو أن الزوجة تصير بإرضاع زوجته لهؤلاء أبا لهم من الرضاع و هذه الزوجة تحرم على أبيهم من النسب لأنه جدها فتحرم على أبيهم من الرضاع و يظهر الجواب عن الوجهين بما مر مرارا فإن أم عمومة الزوجة و خئولتها إنما حرمت على الزوج من جهة الدخول في أمهات النساء و لم يحصل هذا العنوان للمرضعة و كذا يحرم المرأة على أب عمومتها و خئولتها لأجل كونه جدا لها و لم يحصل عنوان الجدودة للفحل بالرضاع و اعلم أن هذه المسألة من فروع المسألة الأولى لأن أخوات المرتضع إذا حرمت على الفحل من جهة كونهن كالأولاد له حرمت عليه أولادهن و هذه المرضعة تصير من أولاد الإخوة و قد عرفت أن تلك المسألة من المسائل الخلافية فلا وجه لعد هذه المسألة مسألة أخرى غير المسألة الأولى كما لا وجه لعد كلتيهما خارجة عن المسائل الخلافية.

السابعة

أن ترضع الزوجة المذكورة ولد عمها أو عمتها.

الثامنة أن ترضع ولد خالها أو خالتها

فقال في صورة إرضاع ولد العم أو الخال إن الفحل يصير أبا لهذا الولد فيحرم على المرضعة لأنه إما أبو ولد عمها أو أبو ولد خالها و كلاهما محرمان عليها و إن الأول عمها و الثاني خالها و أما إرضاع الزوجة ولد خالتها أو عمتها فلم أعثر فيه على ما يوجب توهم التحريم فيه إلا إذا قلنا بحرمة الجمع بين المرأة و ابنة أخيها أو أختها مطلقا حتى مع إذنها و حينئذ فيجري فيه التوهم الذي جرى في المسألة الثالثة من إرضاع الزوجة ولد أختها فراجع. و قد صرح بعض من جزم بالنشر في صورة إرضاع ولد العم و الخال بعدم النشر في إرضاع ولد العمة و الخالة و يظهر الكلام في فساد توهم الحرمة هنا مما مر مرارا.

التاسعة أن ترضع الزوجة المذكورة أخ الزوج أو أخته

فيقال إن المرضعة صارت أم أخيه لأبويه أو أخته كذلك و هي محرمة لكونها أما و فيه أن حرمة أم الأخ للأبوين في النسب لعلاقة الأمومة بينهما و نظيرها لم يحصل بالرضاع و إنما حصل به أمومة الأخ و لم يتعلق التحريم بالنسب به.

العاشرة أن ترضع ولد ولد الزوج فيقال إنها صارت أما لولد ولده

و أم ولد الولد محرمة لكونها إما بنتا و إما زوجة ابن و فيه أن شيئا من عنواني البنت و زوجة الابن لم يحصل بالرضاع مع أن حصول زوجية الابن لا يجدي لأن الزوجية لا تثبت بالرضاع إجماعا.

الحادية عشر أن ترضع ولد أخيه أو ولد أخته

و لا يخفى أنه ليس في إرضاع ولد الأخ هنا ما يوجب التوهم لأن المرضعة لم تزد على أن صارت أما لولد أخي زوجته و أم ولد الأخ ليس حراما على الشخص. نعم يقال في فرض إرضاع ولد الأخت إنما تصير أم ولد الأخت و هي محرمة لكونها أختا و فيه أن أم ولد الأخت ليست محرمة إلا لعنوان الأخوة الغير الحاصلة بالرضاع.

الثانية عشر

أن ترضع عم الزوج أو عمته.

الثالثة عشر أن ترضع خال الزوج أو خالته

فيقال إن المرضعة حيث إنها صارت إما لعمومه الزوج أو خئولته حرمت عليه لكونها جدة له و فيه ما مر غير مرة و حاصله أنه لم يثبت من أدلة إلحاق الرضاع بالنسب إلا أن الرضاع فرع النسب فكل علاقة حصلت بالرضاع إنما توجب الحرمة إذا كان نظيرها الحاصل بالنسب موجبا للحرمة إذ لا يعقل أن يثبت الحرمة لأجل علاقة رضاعية و لو فرض حصولها بالنسب لم يوجب التحريم لأن هذا مناف لفرعية الرضاع و أصالة النسب فنقول في هذه الصورة الثالثة عشر لم يحصل بالرضاع إلا علاقة الأمومة بين المرضعة و عمومة الزوج أو خئولته و نظيرها الحاصل بالنسب ليس موجبا للتحريم لأن الأم النسبية للعمومة و الخئولة لا تحرم على الشخص من حيث أمومتها لعمومته أو خئولته بل من حيث علاقة جدودتها له فلا يحكم بالحرمة في الرضاع إلا إذا حصلت هذه العلاقة لا علاقة مستلزمة لها لا دخل لها في التحريم و لو حصلت من جهة النسب كما مر مرارا فراجع. الحمد لله أولا و آخرا

المكاسب، ج 4، ص 390

8- رسالة في التحريم من جهة المصاهرة

الباب الأول في المصاهرة

و هي علاقة تحدث بين كل من الزوجين و أقرباء الآخر توجب حرمة النكاح من عقد على امرأة حرم عليه أمها و إن علت تحريما مؤبدا و إن لم يدخل بالمعقودة على المشهور بل عن الروضة أنه كاد يكون إجماعا. و في الرياض أن عن الناصريات و الغنية دعوى الإجماع عليه لعموم قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ السليم عن معارضة ما يصلح لتخصيصه عدا ما يتراءى من احتمال كون القيد في قوله مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ راجعا إلى هذه الجملة كما يرجع إلى الربائب اتفاقا فيسقط ذلك عن الحجية و ما يتوهم من الاتكال على بعض الروايات في تخصيص الآية و شي ء منهما لا يقدح في ظهورها أما القيد الراجع إلى الربائب فلأن إرجاعه إلى قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ موجب لاستعمال كلمة من في معنيين لأنها بالنسبة إلى الربائب ابتدائية و بالنسبة إلى قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ لو رجع إليه بيانية و هو غير جائز و لو استعملت في القدر المشترك و هو مطلق الاتصال كان به مخالفا لظهورها في الابتداء و أما الرواية فلا تصلح مخصصة لمعارضتها بأكثر منها و أشهر و أقوى.

و منها المحكي عن تفسير العياشي عن أبي حمزة عن مولانا الباقر ع: أنه سئل عن رجل تزوج امرأة و طلقها قبل أن يدخل بها أ تحل له ابنتها قال فقال قد قضى في ذلك أمير المؤمنين ع لا بأس به إن الله يقول وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ و لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها قال قلت له أ ليس هما سواء قال فقال لا ليس هذه مثل هذه إن الله عز و جل يقول وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ لم يستثن في هذه كما اشترط في ذلك هذا هنا مبهمة ليس فيها شرط و ذلك فيها شرط فكذلك و قد استنهض بعض المعاصرين بهذه الرواية على رجوع القيد الواقع عقيب الجمل المتعددة إلى الأخيرة نظرا إلى استدلال المصنف بإطلاق غير الأخيرة و فيه نظر لجواز كون الوجه في إطلاقها عدم صلاحيته برجوع القيد إليها كما عرفت. و محل النزاع في المسألة الأصولية فيما إذا صلح القيد لغير الأخيرة أيضا و كيف كان فالمحكي عن العماني من اشتراط الدخول في المعقودة في تحريم أمها ضعيف جدا و إن صحت روايته و يحرم أيضا بالعقد عليها بناتها و إن نزلن لكن مع عدم الدخول إنما تحرم جمعا بمعنى تحرم الجمع بينها و بينهن لا عينا فإن دخل بالأم حرمن مؤبدا بقوله تعالى وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ و يدل عليه الروايات المستفيضة و تحرم المعقود عليها و إن لم يدخل بها على أب العاقد و إن علا لعموم وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ و على ابنه و إن نزل و يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم و فيها بعد الاستدلال على حرمة أزواج النبي ص على الحسن و الحسين ع بقوله و لا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إنه لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده و لو وطئ أحدهما زوجة الآخر لشبهة لم تحرم الموطوءة على الزوج لأصالة بقاء الحل و فحوى ما في الروايات من أن الحرام لا يحرم الحلال و للرواية فيمن عقد على أم زوجته و وطئها بشبهة و قيل يحرم على الابن زوجته إذا وطئها أبوه بشبهة لعموم قوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ بناء على أن النكاح هو الوطي و كذا لا تحرم الزانية على أب الزاني و ابنه و له النكاح مطلقا على رأي نسب إلى الأكثر لاستصحاب صحة العقد عليها قبل الزنى و لا يعارضه استصحاب حرمة الوطي و النظر قبل العقد لأنا إذا ثبتنا صحة العقد بالاستصحاب لزمها ترتيب الآثار و لعموم قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و لما دل من الروايات على عدم تحريم أم المزني بها و بنتها على الزاني بناء على عدم الفرق بين أصول الزاني و المزني بها و فروعهما في نشر الحرمة و عدمه خلافا للمحكي عن الأكثر فيحرم لرواية ابن أبي عمير عن أبي بصير و رواية علي بن جعفر عن أخيه ع و موثقة عمار و كذا لا تحرم أم المزني بها و لابنتها و إن تقدم لما مر من الأصل.

و العموم مضافا إلى رواية هشام بن المثنى و حسن بن سدير و حنان بن أسد و رواية سعيد بن يسار و مرسلة ابن رباط و الأوليان تقبلان الحمل على ما إذا وقع الفجور بعد العقد بخلاف الأخيرتين لكنهما معارضتان بغيرهما مما دل على التحريم كصحاح محمد بن مسلم و عيص بن القسم و منصور بن حازم فلا بأس بحملهما على ما إذا لم يحصل الزنى و يراد بلفظ الفجور فيهما مثل اللمس و القبلة و نحوهما على ما ذكره الشيخ في التهذيب و استثنى من قال بعدم تحريم بنت المزني بها صورتين أشار إليهما المصنف قدس سره بقوله على أن يزني بعمته أو خالته فإن بنتها تحرمان أبدا بلا خلاف و لكن النص مختص بالخال ثم إن الخلاف المتقدم فيما أن سبق الزنى على العقد و إن لم يسبق على الوطي و إلا يسبق على العقد و إن سبق على الوطي فلا يحرم إجماعا للأخبار المستفيضة الدالة على أنه لا يحرم الحرام و الحلال. نعم في بعض الروايات اشتراط عدم التحريم بتأخر الزنى عن الوطي كرواية أبي الصباح و مفهوم الحصر في رواية عمار و كذا لا يحرم لأجل الوطي بالشبهة تزويج الموطوءة على أب الواطئ و ابنه و لا على الواطئ أمها و بنتها على رأي المصنف و جماعة قدس أسرارهم و إن لحق به النسب للأصل و عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ. نعم من قال بالنشر في الزنى فالقول به هنا أولى و النظر إلى ما يحرم على غير المالك للنظر لأجل الملك أو العقد أو التحليل النظر إليه و كذا لمسه لا ينشر الحرمة و إن كان الناظر أبا أو ابنا على رأي المصنف و شيخه المحقق قدس سرهما للأصل و العموم و خصوص رواية علي بن يقطين و عن الشيخ و أتباعه النشر على الأب و الابن لعموم وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ و لصحيحة ابن بزيع: إن جردها فنظر إليها بشهوة حرمت على أبيه و ابنه و نحوها المحكية عن الفقيه. و عن المفيد تخصيص الحرمة بمنظورة الأب لصحيحة محمد بن مسلم: إذا جرد الرجل الجارية و وضع يده عليها فلا تحل لابنه و لا يخفى قصورها عن إفادة الاختصاص و عن الإسكافي و الشيخ في الخلاف تحريم أم المنظورة و الملموسة و بنتها على الفاعل لعموم النبويين: لا

المكاسب، ج 4، ص 391

ينظر الله إلى من نظر إلى فرج امرأة و بنتها و في الآخر: من كشف قناع امرأة حرمت عليه أمها و بنتها و الصحيحة يدل على أنه إذا رأى من المعقودة ما يحرم على غيره حرمت عليه بنتها و الكل ضعيف سندا و إفادة و القول الثاني لا يخلو عن قوة و حكم الرضاع في جميع ذلك الذي ذكرنا من موارد الوفاق و الخلاف كالنسب بلا خلاف ظاهر لعموم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فإن معناه كما مر أن العلاقة الحاصلة بسبب الرضاع كالحاصلة بالنسب و كما أن العلاقة النسبية الثابتة بين الزوجة و أمها أوجبت حرمة الأم على الزوج فكذلك الرضاعية الحاصلة بين الزوجة و بين مرضعتها و الحاصل أن العلاقة الحاصلة من الرضاع بمنزلة نظيرها الثابت بالنسب فمرضعة الزوجة أم و بناتها أخوات و كذا مرضعة الزوج و أصولها فلا يقال إن حرمة هؤلاء النسوة بالمصاهرة لا يوجب حرمتها في الرضاع لأن الرضاع إنما حرم منه ما حرم من النسب لا من المصاهرة. نعم نظير المصاهرة في الرضاع أم المرتضع بالنسبة إلى الفحل حيث إنه إذا صار المرتضع ولدا له فأمه بمنزلة زوجته و جدته بمنزلة أم الزوجة فربما يتوهم تحريمها عليه من هذه الجهة و هو غلط فإن المصاهرة لا تحصل بالرضاع و قد يتوهم التحريم هنا من جهة عموم المنزلة بأن يقال إن جده الولد النسبي محرمة كذلك جدة الولد الرضاعي و فيه ما مر في باب الرضاع و تحرم أخت الزوجة جمعا بالكتاب و السنة و الإجماع من غير فرق بين الدائمة و المنقطعة و كذا ملك اليمين و كذا تحرم مع بقاء علاقة الزوجية و لو بجواز الرجوع في المطلقة الرجعية العقد على بنت أختها و أخيها إلا أن يجيز الخالة أو العمة و يدل عليه الأخبار المستفيضة خلافا للمحكي عن القديمين فجوزاه مطلقا لبعض الروايات و للمحكي عن الصدوق فمنعه مطلقا و لو مع الإذن لبعض آخر و هما ضعيفان لتقييد أوليهما بما دل على اختصاص الجواز بصورة الإذن و عليه فإن عصى في موضع و فعل بطل النكاح على رأي المحقق قدس سره و وقف على الإجازة على رأي كثير من المتأخرين أما البطلان منجزا فهو إما لرواية علي بن جعفر الدالة على البطلان و إما للنهي عنه في الأخبار المقتضي للفساد و إما لأن الصحة في مثل هذا العقد المنهي عنه يحتاج إلى دليل خاص غير قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ لعدم ثبوت وجوب الوفاء و الحلية مع الحكم بالحرمة أما الحكم بالحلية فواضح و أما وجوب الوفاء فلأن ما كان ابتداؤه و إحداثه مبغوضا يكون البقاء عليه كذلك و إما لما يستفاد من الروايات الدالة على صحة نكاح العبد بدون إذن مولاه و وقوفه على الإجازة المعللة بأنه لم يعص الله و إنما عصى سيده و في بعضها أن هذان كإتيان من حرم الله من النكاح في العدة و اشتباهه. و أما الوقوف على الإجازة فلعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مع ضعف رواية علي بن جعفر و منع دلالة النهي على الفساد و لعدم منافاة الحرمة قبل الرضا لوجوب الوفاء إلا إذا ادعي أن النهي هنا لعدم قابلية المعقود عليها للعقد كسائر المحرمات في النكاح و غيره مثل تحريم الأصول و الفروع و تحريم بيع الخمر و شبهه و هو غير ثابت بل لا يبعد أن يكون النهي هنا لعارض و هو رضاء العمة و الخالة و هذا العارض يندفع بالإذن. و أما حكاية الأخبار الواردة في وقوف نكاح المملوك على الإجازة معللا بأنه لم يعص الله و إنما عصى سيده فالمراد به معصية الله سبحانه في نكاح النساء المحرمات عليه لا مطلق المعصية لتحققها في نكاح المملوك قطعا و هنا قول ثالث و هو تخيير العمة و الخالة بين فسخ عقد أنفسهما و فسخ عقد البنت و إمضائهما لوقوع كليهما صحيحين أما عقد العمة و الخالة فواضح و أما عقد البنت فلأنه عقد صدر من أهله في محله فإذا وقع كلاهما صحيحا و كان الجمع بين العقدين موقوفا على رضاهما تخيرتا بين الرضا بالجمع و دفعه بفسخ أي عقد شاءتا و هو ضعيف لأن العقد الأول وقع لازما و الأصل يقتضي بقاءه و دفع الجميع يحصل بفسخ العقد الطاري و لا يعلم قابلية العقد الأول للفسخ حتى يرتفع الجمع به فيبقى على أصالة اللزوم. و هنا قول رابع يحكى عن الحلي و هو بطلان العقد اللاحق و تزلزل العقد السابق و هو ضعيف إذ مع بطلان اللاحق و صيرورته كالعدم لا وجه لتزلزل العقد السابق و القولان الأولان مترتبان في القوة و ثانيهما أقوى

و الأخيران مترتبان في الضعف كذلك و الاحتياط غير خفي و له إدخال العمة أو الخالة على بنت أخيها أو أختها و إن كرهت المدخول عليها و لو تزوج الأختين و إن ترتب صح السابق لوجود المقتضي و عدم المانع و بطلان اللاحق لحرمة الجمع و إن اقترنا مع تعدد العقد أو اتحد العقد عليهما بطل الكل لأن صحة الكل ممتنعة شرعا و صحة أحدهما ترجيح من غير مرجح كما إذا عقد المرأة و أمها و بنتها في عقد واحد خلافا للمحكي عن الشيخ و أتباعه فيتخير في إمساك أحدهما لرواية جميل المرمية بالإرسال و الضعف على رواية التهذيب و الكافي و الموصوفة بالصحة على رواية الفقيه. و لو تزوج أخت الأمة الموطوءة بالملك حرمت المملوكة ما دامت الثانية زوجة أو في حكمها أما صحة التزويج فلعموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و لأن الجمع بين الأختين مطلقا ليس بمحرم و لهذا يجوز الجمع بينهما في الملك و أما أنه إذا حصل التزويج حرم وطء المملوكة دون المتزوجة فلأن الوطي بالنكاح أقوى من الوطي بملك اليمين لكثرة ما يتعلق به من الأحكام التي لا تتعلق بالوطء بالملك مع أن الغرض الأصلي من الملك المالية دون الوطي و من المتزوجة الوطي و لهذا يجوز تملك الأختين و لا يجوز تزويجها فيرجح المتزوجة في جواز الوطي و في التعليل تأمل. و اعلم أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في الوطي بملك اليمين كما لا يجوز الجمع في النكاح فعلى هذا لو وطئ إحدى الأختين بالملك حرمت الثانية أي تبقى على حرمة الوطي كما كانت كذلك قبل وطئها بعد وطء الأول سواء أبقاها على ملكه أو أخرجها و سواء كان عالما أو جاهلا إلا أن يخرج الأول عن ملكه فيحل الثانية أما حرمة الثانية و حلية الأولى فلاستصحابهما و أن الحرام لا يحرم الحلال و أما حليتها بإخراج الأولى من الملك فلعدم صدق الجمع حينئذ فلا مقتضى للحرمة. و في المسألة أقوال أخر أقواها دليلا ما تضمنته حسنة الحلبي بابن هاشم: في أختين وطئ المالك إحداهما ثم وطئ الأخرى فقد حرمت الأولى حتى تموت الأخرى قلت أ رأيت إن باعها أ تحل له الأولى قال إن كان يبيعها لحاجة و لا يخطر على قلبه من الأخرى شي ء فلا أرى لك بأسا و إن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا كراهة و نحوها رواية الكناني إلا أن فيها سقطا لا يخل بالمقصود فإن الظاهر اتحاد متنها مع متن رواية الحلبي و ظاهرهما و إن عم صورة الجهل إلا أن في بعض المكاسب، ج 4، ص 392

الأخبار تخصيص ذلك بصورة العلم و لا يجوز للرجل أن يعقد على أمته إجماعا و للتفصيل في قوله إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ و معنى عدم الجواز هنا اللغوية و لا يجوز للحرة أي يحرم عليها أن تنكح عبدها إجماعا أيضا: و قد حد أمير المؤمنين ع امرأة أمكنت نفسها من عبدها

الثاني الكفر
اشارة

و فيه بحثان

الأول يحرم على المسلم نكاح غير الكتابية
اشارة

من النساء الكوافر دائما و متعة و ملك يمين بلا خلاف كما صرح به غير واحد و إجماعا كما ادعاه آخرون للكتاب و السنة المستفيضة و فيها أي في الكتابية قولان من حيث حرمة مطلق النكاح أو خصوص الدوام و إلا فقد حكي في المسألة أقوال ستة و يحتمل أن يكون القولان المذكوران أشهر الأقوال في المسألة ثم الأشهر منهما و أقربهما عند المصنف و جماعة قدس سرهم حرمة الدائم و جواز المنقطع و ملك اليمين أما حرمة الدائم فلقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ و قوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ مضافا إلى بعض الروايات كرواية الحسن بن الجهم و المحكي من نوادر الراوندي و أما جواز المنقطع فلبعض الروايات المصرحة بالجواز المنجبر ضعفها لو كان بحكاية الإجماع عن غير واحد مضافا إلى ما دل على جواز النكاح بملك اليمين كآية أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ و خصوص الصحيحة في المجوسية إذا كانت أمه بعد ما استفيد من غير واحدة من الروايات أن المتمتعة بمنزلة الأمة كل ذلك مضافا إلى عموم قوله وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ خرج منها نكاحهن دواما و ليس في مقابل المذكور عدا إطلاق الآيتين السابقتين و الروايات و تخصيصها بما ذكرنا طريق الجمع فالقول بالمنع مطلقا ضعيف و أضعف منه القول بالجواز مطلقا لعموم وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ و عموم بعض الأخبار الصحيحة و بعض الروايات و الآية نسخت بقوله لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ كما في بعض الروايات و بقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ كما يظهر عن بعض آخر و الأخبار مقيدة بالمتعة مع موافقة عمومها لمذهب العامة على ما حكي

و المجوسية كالكتابية

إما لما ورد من ثبوت كتاب لهم و نبي فقتلوا نبيهم و حرقوا كتابهم و إما للنبوي سنوا بهم سنة أهل الكتاب و إما لما ورد بالخصوص من جواز التمتع بالمجوسية مؤيدا بما في مصححة محمد بن مسلم من جواز نكاح المجوسية بملك اليمين بعد ضم كون المنقطعة بمنزلة الأمة و الصابئون و هم كما قيل طائفة من النصارى كما أن السامرة طائفة إن كانوا ملحدة الأولى منهم عند النصارى و الثانية عند اليهود فكالوثني لخروجهما حينئذ عن كلتا الملتين فلا يشار كأنهما في الحكم للاختلاف في أصول الملة و إن كانوا مبتدعة متوافقة معهم في أصل الملة فكالكتابي. و عن مجمع البحرين عن الصادق ع: أنه ليس للصابئة دين و لا كتاب و مقتضاه أنهم غير كتابيين و عن الشيخ التصريح بذلك و عن المصباح المنير أنهم يدعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم ع و عن الصحاح أنهم من أهل الكتاب و حكي عن المحقق الثاني في شرح القواعد أن الصابئة فرقتان فرقة توافق النصارى في أصول الدين و الأخرى تخالفهم و يعبدون الكواكب السبعة و تسند الآثار إليها و تنفي الصانع المختار قال و كلام المفيد قريب من هذا و قال إن جمهور الصابئين توحد الصانع في الأزل و منهم من تجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل و يعتقدون في الفلك و ما فيه الحياة و النطق و أنها المدبر لما في هذا العالم الدائر عليه و عظموا الكواكب و عبدوها من دون الله و سماها بعضهم ملائكة و بعضهم آلهة و بنوا لها بيوتا للعبادات انتهى و عن تفسير القمي الصابئون قوم لا مجوس و لا يهود و لا نصارى و لا مسلمون و لكنهم يعبدون الكواكب و النجوم و عن التبيان و المجمع للطوسي و الطبرسي أنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية من الصابئة لأنهم ليسوا من أهل الكتاب و كيف كان فجوز النكاح منهم في غاية الإشكال إذ لم يخرج من عموم أدلة التحريم إلا اليهود و النصارى و المجوس و كونهم منهم يحتاج إلى دليل إلا أن يقال إن الشك في دخولهم فيهم يوجب الشك في شمول العموم لهم فيبقى على أصل الإباحة لكن الإنصاف أن المتبادر من اليهود و النصارى الخارجين عن العمومات هو ما يقابل الصابئة فالصابئة لو كانت منهم فرضا نشك في شمول الخاص لهم فيبقى تحت العام ثم اعلم أنه قال في المسالك لا فرق في الكتابي بين الذمي و هو القائم بشرائط الذمة منهم و الحربي و هو الناقض لها لعموم الأدلة و فيه إشكال لانصراف اليهود و النصارى إلى الذمي و الله العالم

[البحث الثاني] لو أسلم زوج المرأة الكتابية و المجوسية بقي على نكاحه و إن لم يدخل
اشارة

بغير خلاف بين العلماء حتى المانعين من نكاح الكتابي ابتداء كما يظهر من غير واحد و يدل عليه ما سيأتي في من أسلم على أكثر من أربع و إن أسلمت المرأة دونه أي دون الرجل فإن كان إسلامها قبل الدخول انفسخ النكاح لحرمة نكاح الكافر على المسلمة وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا و لا عدة عليها هنا حتى يتوقف الانفساخ على بقائه على الكفر حتى تنقضي العدة كما فيما بعد الدخول و لا مهر لها أيضا لأن الحدث جاء من قبلها و يدل على ذلك كله مضافا إلى أن الظاهر أنه المعروف من مذهب الأصحاب كما حكي الصحيح: في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها قال قد انقطعت عصمتها و لا مهر لها و لا عدة عليها منه و في رواية السكوني: وجوب نصف المهر لأن الإسلام لم يزدها إلا عزا و هو شاذ و إن كان إسلامها بعده أي بعد الدخول ينتظر العدة عدة الطلاق فإن أسلم فالزوجية باقية و إلا بطلت من حين إسلامها و هذا الحكم في غير الزوج الكتابي و المجوسي مما لا خلاف فيه ظاهرا كما يظهر من جماعة و أما الكتابي و المجوسي فحكمه أيضا كذلك عند المشهور بل عن الشيخ في الخلاف دعوى الوفاق و لكنه خالفه في التهذيبين و النهاية على ما حكي عنه فحكم ببقاء النكاح و إن لم يسلم الكتابي إلا أنه لا يقربها و لا يتمكن من الخلوة بها لرواية محمد بن مسلم و فيها إرسال لكن عن ابن أبي عمير و مرسلة جميل بن دراج و فيها علي بن حديد: و لو أسلم أحد الحربيين قبل الدخول انفسخ العقد و لو كان المسلم هو الزوج لعدم جواز نكاح غير الكتابية ابتداء و لا استدامة إجماعا و عليه نصف المهر إن كان الإسلام منه و قيل عليه جميع المهر لثبوته بالعقد و لا دليل على سقوطه و إلحاقه بالطلاق قياس و إلا لم يكن الإسلام منه بل كان الإسلام منها فلا شي ء لما تقدم و إن كان إسلام أحدهما

المكاسب، ج 4، ص 393

بعده أي بعد الدخول ينتظر العدة فإن أسلم الآخر بقي النكاح و إلا يسلم انفسخ بلا خلاف ظاهرا كما صرح به في الرياض و فيه أنه حكي عليه الإجماع. و يدل على حكم المسألة مع إسلام المرأة أولا المستلزم لثبوته مع العكس بالإجماع و الأولوية و رواية محمد بن مسلم عن ابن أبي عمير و على كل تقدير عليه المهر لاستقراره بالدخول و إن كان الإسلام من المرأة لأن مطلق تفويت البضع لا يوجب الضمان و لهذا لو قتلت نفسها لم يسقط مهرها و كذا لا يضمن المهر من قتلها و لو انتقلت زوجة الذمي الذمية إلى غير الإسلام انفسخ النكاح في الحال و إن عادت قيل لقوله وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ و عموم قوله: فمن بدل دينه فاقتلوه فيجب عليه بعد التبديل القتل أو تدخل في الإسلام و تنظر في ذلك في المسالك من وجهين الأول أنه لا يجوز أن ينتقل إلى دين يصح عندهم التناكح فيه فلا ينفسخ ما دامت فيه الثاني أنها إن قتلت فالانفساخ بالقتل لا بالانتقال و إن أسلمت فينبغي هنا مراعاة انقضاء العدة و عدمه إذا كان بعد الدخول و على كل تقدير لا يعد الفسخ الحاصل باختلاف الدين طلاقا كما هو واضح فإن كان قبل الدخول من المرأة فلا مهر كما تقدم و إن كان من الرجل فعليه من المهر على ما حكي عن المشهور نصفه و قد تقدم أنه محل نظر و إن كان بعد الدخول فالمسمى من أيهما كان موجب الفسخ لاستقراره بالدخول و لو كان المهر المسمى فاسدا.

فمهر المثل مع الدخول

و إن كان أسلم قبله فعليه المتعة حملا له على طلاق المفوضة و فيه نظر لعدم كونه طلاقا و لا المرأة مفوضة و لو ارتد من الزوجين أحدهما قبل الدخول انفسخ العقد في الحال لأن المرتد إن كان هو الزوج وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا و إن كانت الزوجة فلا يجوز البقاء على نكاح غير الكتابية و المجوسية إجماعا و لا عدة قبل الدخول حتى ينتظر و حينئذ فإن كان الارتداد من الزوجة فلا مهر لها لأن الحدث جاء من قبلها و إلا يكن منها كان على الزوج المرتد نصفه إلحاقا له بالطلاق كما تقدم مع النظر فيه و الخلاف و إن كان ارتداد أحدهما بعد الدخول فالجميع لازم لها لاستقراره و ينفسخ العقد في الحال إن كان المرتد هو الزوج و كان ارتداده عن فطرة لعدم قبول الإسلام فيه حتى ينتظر العدة كما في غيره من الكفار و إن كان ارتداده عن غيرها أو كانت المرتدة هي الزوجة وقف الانفساخ على انقضاء العدة مع بقاء المرتد عنهما على ارتداده و هذا الحكم و إن خلا عن النص بل في بعض الأخبار البينونة بمجرد الردة إلا أن وقوفه على انقضاء العدة الظاهر أنه لا خلاف فيه. و صرح به في الرياض و حكي التصريح بالاتفاق عن بعض مضافا إلى أن الأصل بقاء النكاح فإن وطئها الزوج لشبهة في العدة قال الشيخ عليه مهران كما لو وطئ مطلقة في العدة البائنة هذا مع عدم الإسلام في العدة فيكشف ذلك عن بينونتها من حين الردة فتكون أجنبية كالمطلقة و فيه نظر لأنها بحكم الزوجة و لهذا لا يحتاج إلى تجديد نكاح بعد الإسلام فليست كالمطلقة

الباب الثالث العقد و الوطي

إذا عقد الحر غبطة أي دواما على أربع حرائر أو حرتين أو أمتين حرم الزائد إجماعا على الظاهر كما يظهر من جماعة و به روايات كحسنة زرارة و محمد بن مسلم: إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة في ظاهر المرأة التي طلق و قال لا يجمع ماءه في خمسة و نحوها روايتا علي بن حمزة و محمد بن قيس و لا خلاف أيضا كما قيل في أنه لا يحل له ثلاث إماء و إن لم يكن معهن حرة. و في الرياض أنه حكى جماعة الإجماع عليه و استدل له في الرياض و الحدائق برواية أبي بصير: لا يصلح أن يتزوج ثلاث إماء و لكن تنظر فيه الرياض و لا خلاف أيضا ظاهرا من غير واحد أنه يحرم على العبد تزويج ما زاد على الحرتين أو حرة أو أمتين أو أربع إماء و يدل عليه رواية محمد بن مسلم عن العبد يتزوج حرتين و إن شاء تزوج أربع إماء قيل و المعتق بعضه كالحر في حق الإماء كما يظهر فلا يزيد على أمتين و كالعبد في حق الحرائر فلا يزيد على حرتين و المعتق بعضها كالحرة في حق العبد و كالأمة في حق الحر قيل و لعله لتغليب الحرام إذا اجتمع مع الحلال و العبد و الحر لو استكملا العدد في الدائم حل لهما بملك اليمين و المتعة ما أرادا أما عدم الحصر في ملك اليمين فموضع وفاق كما صرح في المسالك لعموم قوله تعالى أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و أما في المنقطع فهو المشهور و عن الحلي الإجماع عليه للروايات الكثيرة. و عن القاضي تحريم ما زاد على الأربع لما ورد في بعض الروايات أنها أي المنقطعة عن الأربع و حمل على الاستحباب لأنه متى جعلها من الأربع و اطلع عليه المخالفون أمكن أن يدعى أنها دائمات بخلاف ما إذا زاد و يدل عليه قول أبي الحسن ع لصفوان إنه قال أبو جعفر ع: اجعلوهن من الأربع قلت على الاحتياط قال نعم و المراد به الاحتياط من المخالفين و اعلم أنه لو طلق واحدة من كمال العدد بائنا جاز له نكاح غيرها و أختها على كراهية في الحال أما الجواز فلانقطاع عصمة المطلقة على ما يستفاد من الروايات و أما الكراهة فلورود النهي عن الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة الشامل لغير الرجعية و كذا عن الأخت على كراهة و لو كان الطلاق رجعيا حرمت الأخرى و الأخت إلا بعد العدة لأنها بحكم الزوجة ما دامت في العدة ثم المحكي عن الأكثر بل المشهور إلحاق عدة المتعة بعده البائن و يشهد له تعليل الجواز في عدة البائن بانقطاع عصمتها الجاري في المنقطع أيضا. و في بعض الأخبار وجوب التربص إلى انقضائها فيتزوج أختها و حكي القول به عن المقنع و هو أحوط و قول المشهور أقوى و لو تزوج خمسا في عقد واحد أو تزوج اثنتين و معه ثلاث أو تزوج أختين في عقد واحد بطل العقد بالنسبة إلى كليهما للزوم الترجيح بلا مرجح و قيل يتخير و يدل عليه حسنة جميل و قد مر نظيره في الأختين أيضا و إذا طلقت الحرة ثلاثا بينهما رجعتان بالرجوع أو باستيناف العقد حرمت المطلقة إلا بالمحلل الذي يأتي تفصيله في باب الطلاق سواء كان المطلق حرا أو عبدا و الأمة تحرم بطلقتين سواء كانت تحت حر أو عبد بلا خلاف كما يظهر لما دل من أن الاعتبار في الطلاق و العدة بالزوجة دون الزوج فإن طلقت المرأة تسعا للعدة ينكحها بينهما رجلان بأن طلقها فراجعها في العدة و وطئها ثم طلقها ثم راجعها و وطئها ثم طلقها فتزوجها المحلل ثم بعد فراقه تزوجها فطلقها ثلاثا بينهما رجعتان مع الوطي ثم تزوجها المحلل ثم بعد فراقها تزوجها الأول فطلقها ثلاثا بينهما رجعتان مع الوطي حرمت أبدا. و إطلاق طلاق العدة على المطلقات التسع مجاز لأن طلاق العدة ليس إلا ستة منها ثم إن غير واحدة من الروايات ليس فيها تقييد الطلقات بكونها للعدة كرواية أبي بصير المحكية عن الكافي

المكاسب، ج 4، ص 394

و رواية جميل المحكية عن المشايخ الثلاثة و رواية أديم بن بياع الهروي المروية في التهذيب و المحكية عن الكافي و عن كتاب الحسين بن سعيد. نعم حكي عن الخصال في رواية عد المحرمات من الأزواج قول الصادق ع و تزويج الرجل امرأة طلقها للعدة تسع تطليقات و نحو ذلك حكي عن الفقه الرضوي و حيث إنهما في مقام البيان تدلان على نفي الغير بالمفهوم مع أن في الرضوي دلالة بالمنطوق ظاهر و نحوهما فتوى علي بن إبراهيم الكاشفة عن وجود النص فيصلح هذا كله بعد اشتهار مضمونها لتقييد تلك المطلقات مضافا إلى رواية معتبرة رواها عبد الله بن بكير في عدم احتياج المطلقة ثلاثا إذا تزوجت بعد انقضاء عدة كل طلاق إلى المحلل. فإن قوله ع فيها له أن يتزوجها أبدا معناه إلى أنه لا تصير المرأة عليه محرمة أبدا بل يجوز تزويجه أبدا بعد المحلل في كل ثلاث ثم بناء على اختصاص الحرمة الأبدية بالمطلقة للعدة فلو كان في كل من الأدوار الثلاثة طلاق واحد للعدة لم يحصل التحريم الأبدي و كذا لو كان في بعض الأدوار طلاقان للعدة و في بعض آخر واحد هذا كله في الحرة و أما في الأمة فالحكم فيه بتحريمها مؤبدا محل نظر من أن الطلقات الست فيها بمنزلة التسع في الحرة حيث إنها تحرم بعد كل طلقتين حتى تنكح زوجا غيره و من أن حكم النص معلق على تسع طلقات بينها محللان فإذا طلقت الأمة بين كل طلقتين محلل يصدق عليها أنها طلقت تسعا و نكحت بينها رجلان و إن كان قد نكحها بينها أكثر حينئذ إلا أن ذلك لا ينفي صدق الرجلين و من أن الظاهر المتبادر من النص هي الحرة. فينبغي أن تبقى الأمة على أصالة الإباحة مع أن ظاهر تحلل الرجلين نفي الزائد فيصير هذا قرينة لإرادة الحرة و اعلم أن عقد على امرأة في عدتها الرجعية أو البائنة دواما أو انقطاعا أو للوفاة عالما بالحكم و الموضوع حرمت المرأة عليه أبدا و إن لم يدخل بها و كذا إن جهل العدة و التحريم أو أحدهما و لكن دخل و لو لم يدخل بطل العقد و له استينافه بعد الانقضاء اتفاقا في الجميع كما يظهر من غير واحد و يدل عليها أخبار منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال: إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها و دخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا و إن لم يدخل بها حلت للجاهل و لم تحل للآخر و إطلاق التحريم بالدخول مع الجهل يشمل ما لو وقع الدخول في العدة أو بعدها. و حسنته الأخرى عن أبي عبد الله ع قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع و تتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر و عشرا قال إن كان دخل بها فرق بينهما ثم لم تحل له أبدا و اعتدت بما بقي عليها من الأول و استقلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء و إن لم يكن دخل بها فرق بينهما و اعتدت بما بقي عليها من الأول و هو خاطب من الخطاب و صريحها الدخول في العدة و نحوها في الصراحة موثقة محمد بن مسلم لكن لا يخفى أن اختصاص موردها بصورة الدخول في العقد لا تقتضي اختصاص الحكم بذلك فبقي إطلاق رواية الحلبي السابقة و نحوها على حالها. و صرح في المسالك باشتراط الدخول في العدة في التحريم و لعل وجهه أن الدخول مع الجهل إنما يوجب التحريم إذا وقع في زمان لا يصلح الزوجة للنكاح و بعد الدخول لا فرق بين الدخول بها و بغيرها فمن لم يعقد عليها العدة و جوابه واضح لاحتمال مدخلية العقد في ذلك مضافا إلى أنه اجتهاد في مقابلة إطلاق النص إلا أن يدعى ظهور ذلك من النص ثم إن بعضهم صرحوا بلحوق عدة الشبهة بعده الطلاق و المتمتعة و في دلالة النصوص عليه تأمل لانصراف العدة إلى غيرها ثم إذا كان الدخول بالمعقودة في العدة لشبهة استحقت المهر مع جهلها و هل هو المسمى أو مهر المثل قولان أقواهما الثاني لفساد المسمى بفساد العقد و اعتدت من وطء الشبهة بعد إتمام عدتها الأولى للحسنة الثانية و رواية محمد بن مسلم المتقدمتين.

و في بعض الأخبار ما يدل على الاكتفاء بعده واحدة و هل يلحق مدة استبراء الأمة فيه إشكال الأقوى العدم اقتصارا على مورد الدليل و هل يلحق بالمعتدة ذات البعل قيل فيه وجهان من مساواتها لها في المعنى و من انتفاء العدة التي هي مورد النص و في الوجهين نظر لا يخفى إذ السماوات لا تصلح دليلا للحكم الشرعي حتى يتعدى و لا النص مختص بالمعتدة حتى يقتصر بل الأقوى الإلحاق أما التحريم مع العقد عليها عالما لموثقة أديم بن بياع الهروي قال قال أبو عبد الله ع: التي تتزوج و لها زوج يفرق بينهما ثم لا يتعاودان خرج منه ما لو جهل و لم يدخل بقي ما لو علم أو دخل و نحوها مرفوعة أحمد بن محمد و عبارة الرضوي و يدل على التحريم مع الدخول مضافا إلى الموثقة المذكورة موثقة زرارة: في المرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك ثم طلقها زوجها أو مات عنها قال تعتد عنهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ليس للآخر أن يتزوجها أبدا و نحوها خبر آخر و لا يعارضها الصحيح الآتي بالعموم من وجه لظهورها في صورة الجهل مع وجوب الرجوع على هذا الفرض إلى عموم موثقة أديم بن بياع الهروي و نحوها مضافا إلى الأولوية الجلية فإن بقاء النكاح لو لم يؤكد التحريم لم ينفه قطعا. و أما عدم التحريم مع الجهل و عدم الدخول فالظاهر أنه مما لا خلاف فيه و صرح بدعوى الإجماع في الرياض و في الحدائق ليس فيه خلاف يعرف و يدل عليه أيضا الصحيح: عمن تزوج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الآخر أ يراجعها قال لا حتى تنقضي عدتها و أما التحريم مع الدخول و العلم فهو اتفاقي لأنه زنى بذات البعل و يدل عليه غير واحد من الأخبار و على كل حال فإن دخل بها مع الجهل لحق به الولد إن جاء لستة أشهر منذ وطئها لأن وطء الشبهة بمنزلة الصحيح و فرق بينهما و عليه المهر مع جهلها لا علمها إذ لا مهر لبغي و تتم عدة الأولى لكونها فيها و تقدم سببها و تستأنف أخرى كل ذلك علم مما سبق و لو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت المزني بها على الزاني أبدا بلا خلاف فيه ظاهرا.

و حكى في الرياض الإجماع عليه عن جماعة و في الحدائق عن غير واحد و يدل عليه فحوى ما تقدم من الحكم بالحرمة مع العقد عالما بدون الدخول و كذا الدخول مع الجهل مضافا إلى صريح المحكي عن الرضوي في تحريم الزنى بذات البعل و أنه لا يحل للزاني تزويجها أبدا و أنه يقال لزوجها يوم القيامة خذ من حسناته ما شئت و يدل على حكم المعتدة رجعيا بانضمام ما دل على أنها بمنزلة الزوجة و قد يستدل بما تقدم من الدليل على التحريم بالعقد و الدخول الشامل بصورة العلم و هو الزنى و فيه نظر إذ لعل للزنى المستند إلى العقد تغليظ عقوبة حيث استند في العمل القبيح إلى الأسباب الشرعية فجعلها واسطة في خلاف ما وضع لأجله و لذا عد معصية الله سبحانه فيما يكون بصورة العبادة أغلظ من غيرها و لهذا لو زنى بغيرها من المعتدات لم تحرم عليه عند المصنف و غيره مع أن العقد عليها مع الدخول بها محرم

المكاسب، ج 4، ص 395

إجماعا كما تقدم. نعم ربما يحتمل التحريم هنا من جهة فحوى حكم الدخول بها مجردا و العقد المجرد عليها عالما و فيه تأمل و في حكم المعتدات غيرها الخالية عن الزوج و الموطوءة بشبهة و الموطوءة بالملك و كذا الحكم فيما لو أصرت امرأته عليه أي على الزنى فإنه لا يوجب حرمتها عليه و إن عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت مؤبدا و إن لم يدخل بها إجماعا حكاه في الرياض عن جماعة و يدل عليه المحكي عن الخصال و بعض الروايات و إن كان جاهلا فسد عقده إجماعا و لكن لا تحرم على الأشهر بل عن التذكرة و المنتهى الإجماع عليه و يدل عليه المحكي عن كتاب الحسين بن سعيد و مفهوم الخبر المحرم إذا تزوج و هو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا خلافا للمحكي عن المقنع و سلار فحكموا بالتحريم لعموم ما دل عليه. و من أوقب غلاما أو رجلا و لو بإدخال بعض الحشفة الغير الموجب للغسل على تأمل فيه من جهة انصراف النصوص و الفتاوى إلى غيرها حرمت عليه أمه و إن علت و بنته و إن نزلت و أخته لا بناتها اتفاقا في جميع ذلك على الظاهر المصرح به في كلام بعض و المحكي في كلام آخرين و لا تحرم واحدة من هؤلاء لو سبق العقد عليها اللواط بشرط وقوعه حال الزوجية أما لو عقد على إحداهن ففارقها ففعل ذلك القبيح فالظاهر حرمة تزويج المفارقة لأن عموم قوله: لا يحرم الحرام الحلال في الحلال بالفعل و هكذا حكم غير المسألة من مسائل المصاهرة و ما يلحقها ثم إن أصل الحكم في صورة العقد اتفاقي لا مخالف فيه فتوى و رواية إلا ما يظهر من بعض الروايات: من أن من أتى أخا امرأته حرمت عليه امرأته و هي محمولة على إرادة أخ من صدق عليها أنها امرأته في الحال دون زمان الإتيان و إن كان مخالفا للظاهر لأن ظاهر الموضوعات المتصفة بعنوان ثبوت الوصف العنواني فيها حال عروض المحمول لها حال الإخبار عن وقوعها. و ظاهر إطلاق العبارة كسائر العبائر عدم الفرق في الفاعل بين الصغير و الكبير إلا أن المذكور في الأخبار هو الرجل و حمله على كونه رجلا لها حال الحكاية بعيد كما عرفت و يؤيده الحكم بالتحريم عليه حيث إنه من عوارض أفعال البالغين اللهم إلا أن يقال إن المراد بالتحريم في هذه المقامات هو مجرد الفساد كما أن صيغة النهي قد تستعمل لمحض ذلك فكذا مادة التحريم و اعلم أن المشهور أنه لا يحرم على المفعول بسبب هذا العمل أحد من أقارب الفاعل. و حكي عن شرح النافع حكاية نقل القول بإلحاقه بالفاعل عن بعض و من لا عن امرأة حرمت عليه أبدا بلا خلاف في ذلك ظاهرا كما صرح به غير واحد و سيأتي الكلام فيه و كذا لو قذفها صما أو خرسا فيما يجب اللعان لو لا خرسها أو صمها بأن يرميها بالزنى مع دعوى المشاهدة و عدم البينة قيل و الحكم بالرواية مختص بجامعة الوصفين لكن المحكي عن الأكثر الاكتفاء بأخذ الأمرين و عن الغنية و السرائر الإجماع قيل و في بعض مواضع من التهذيب ذكر الرواية بعطف أحدهما على الآخر بلفظ أو بدل الواو و الموجود عندي هو ذكر لفظ أو في الرواية المروية في التهذيب عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير و ذكر عبارة الفقيه قبل هذه الرواية بلفظ أو أيضا. نعم في بعض الروايات الاكتفاء بالخرس وحده و يثبت الاكتفاء بالصمم وحده بعدم القول بالفصل. و حكي عن الصدوق تعدي الحكم إلى ما لو قذف الزوجة زوجها الأصم للمرسل و كل مقام ثبت الحرمة فالواجب تمام المهر و إن كان قبل الدخول لأن إلحاقه بالطلاق قياس لا نقول به ثم هل ينفى بذلك الولد عن أبيه الملاعن أم لا وجهان و لو دخل الزوج بصبية لم تبلغ تسعا و تزوجها فعل محرما بلا خلاف كما يظهر من كلام بعضهم و لم يحرم عليه بذلك ما لم يفضها على المعروف ممن عدا الشيخ و له إطلاق بعض الروايات فلو أفضاها بجعل مسلك البول و الحيض واحدا و ربما فسر بجعل مسلك الحيض و الغائط واحد و هو بعيد الوقوع حرمت عليه أبدا لمرسلة زيد بن يعقوب و عليه الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما لرواية الحلبي و هل تبين منه بغير طلاق أم لا ظاهر رواية يزيد بن معاوية و رواية حمران المحكية عن الفقيه بل صريحهما الثاني و ظاهر المرسلة المتقدمة الأول و هو المحكي عن ابن حمزة و أيده في المسالك تبعا للمحقق الثاني على ما حكي

بأن التحريم المؤبد ينافي النكاح إذ ثمرته حل الاستمتاع و لأنه يمنع النكاح سابقا فيقطعه لاحقا كالرضاع و اللعان و القذف للزوجة الصماء و الخرساء. و فيه أن انحصار ثمرة النكاح في حل الاستمتاع إنما توجب عدم جواز ابتداء النكاح على من يحرم الاستمتاع منه لا بقاءه و أما حرمة النكاح بالرضاع السابق الموجب لانفساخ اللاحق فلوجود الدليل. و الحاصل أن الخروج من أصالة بقاء النكاح حرمة الزوجة للغير لا بد له من دليل قاطع و لا اعتبار بالاعتبار قد طعن ابن إدريس على هذا القول بما لا مزيد عليه بل ظاهره ثبوت الاتفاق على عدم بينونتها بغير الطلاق على ما حكي عنه ثم لو طلقها أو قلنا بأنه تبين منه بغير طلاق لو تزوجت فهل يجب على المفضي الإنفاق عليها أيضا أم لا الأظهر الثاني و إن كان مقتضى إطلاق رواية الحلبي الأول و فيها يجب الإجراء عليها ما دامت حية لانصرافها على صورة عدم تزوجها حيث إن الغالب عدم رغبة الأزواج فيها بعد الإفضاء كما تدل عليه الرواية القابلة بأنه قد أفسدها و أبطلها على الأزواج مضافا إلى ما دل على وجوب نفقة الزوجة على زوجها الشامل لهذه الزوجة و ليس إطلاق تلك الأدلة أدون من إطلاق هذه الرواية فيتعارضان حيث يدل كل منهما على وجوب الاتفاق عينا و يترجح تلك الأدلة باعتبار موافقتها للقواعد الشرعية من كون النفقة في مقابل التمكين و غير ذلك مما لا يخفى

الباب الرابع في موجب الخيار و هو العيب و التدليس
الأول في العيب
العيوب المجوزة لفسخ النكاح في الرجل أربعة الجنون و الخصي و الجب و العنة

و سيأتي الدليل على كونها عيوبا و تفصيل أحكامها و هل الجذام و البرص عيب في الرجل فيه قولان الأشهر لا و المحكي عن القاضي و الإسكافي و الشهيد الثاني نعم لعموم الصحيح: إنما يرد النكاح من البرص و الجنون و الجذام و الفعل و لأدائه إلى الضرر لأنهما من الأمراض المتعدية باتفاق الأطباء. و في الخبر: فر من الجذام فرارك من الأسد مع أنها عيب في المرأة مع طريق التخلص للرجل إلى فراقها بالطلاق فثبوته في الرجل بطريق أولى حيث لا طريق للمرأة إلى فراقه بوجه آخر و رد باختصاص الصحيح بالمرأة بحكم سياقه و السؤال المذكور له في غير التهذيب و التخلص يمكن مع التضرر بإجبار الحاكم له على الطلاق لو تضررت بالمباشرة و المعاشرة مضافا

المكاسب، ج 4، ص 396

إلى أنه مستلزم لثبوت الفسخ بجميع الأمراض المعدية و هل يرد بالعمى المحكي عن القاضي و الإسكافي. نعم و ألحق الثاني به العرج و الزمن الثابت قبل العقد أو بعده و حكي عن الشيخ في المبسوط أنه عد من العيوب ما لو ظهر الزوج خنثى. و في المسالك أن موضع الخلاف ما إذا كان محكوما بالذكورية بالأمارات للتنفر عنه و عدم حصول الاطمئنان بالأمارات أما لو كان مشكلا تبين فساد النكاح و عيوب المرأة سبعة الجنون و الجذام و البرص و القرن بسكون الراء و هو العفل و هو لحم ينبت في قبل المرأة أو شي ء يخرج من قبل المرأة شبه الأدرة للرجل أعني انتفاخ الخصيتين أو عظم كالسن في قبل المرأة. و اتحاد العفل و القرن هو المحكي عن أكثر أهل اللغة و الفقهاء و يدل عليه الصحيح: المرأة ترد من أربعة أشياء البرص و الجذام و الجنون و القرن و هو العفل ما لم يقع فإذا وقع عليها فلا و نحوها خبر آخر كما قيل ثم إنه لا خلاف نصا و فتوى في أن هذه الأربعة عيوب في المرأة توجب الفسخ و لا فرق في الجنون بين المطبق و الأدواري و هل القرن عيب مطلقا أو بشرط كونه مانعا عن الجماع بسهولة و لذا أطلق في كلام جماعة من أهل اللغة أنه يمنع الوطي و لكن يستفاد من غير واحد من الأخبار إمكان وطئها و على كل حال فالمحكي عن الشيخ و الأكثر هو عدم ثبوت الخيار مع إمكان الوطي للأصل و عدم ثبوت المقتضي للخيار فإنه إنما نشأ من حيث المنع عن الوطي و حكي عن الشيخ و الأكثر عدم ثبوت الخيار أيضا و مال إليه المحقق في الشرائع لإطلاق الأخبار و تصريح بعضها بالخيار و لو مع الدخول ثم إن الخيار إنما يثبت بالجذام و البرص إذا تحققا بشهادة أهل الخبرة و يظهر من بعض اعتبار التعدد فيه لأنها شهادة و في اعتبار العدالة نظر و قد يشتبه البهق بالبرص.

و الخامس من العيوب الإفضاء

و هو جعل المسلكين واحدا و لا خلاف ظاهرا في ثبوت الخيار به كما يظهر من غير واحد و يدل عليه مصححة الحذاء.

و السادس العمى

و لا خلاف فيه ظاهرا إلا ما يحكى عن ظاهر المقنع و المبسوط و يدل عليه مصححة داود بن سرحان و موثقة ابن مسلم.

و السابع العرج مطلقا

على ما حكي عن الشيخين و الإسكافي و الحلبي و أكثر الأصحاب لمصححة داود بن سرحان و موثقة محمد بن مسلم أو بشرط كونه بينا كما ذهب إليه آخرون منهم المصنف قدس سره في المختلف و التحرير و يمكن أن يراد به ما كان كثيرا متفاحشا لبعد كون اليسير جدا عيبا بل الأخبار أيضا منصرفة إلى البين و قيل ليس بعيب مطلقا و قيل إنه عيب إن بلغ الإقعاد و الأول أقوى

و هل يثبت الخيار بالرتق

و هو على ما حكي من أهل اللغة التحام الفرج بحيث لا يكون للذكر فيه مدخل و عن التحرير أنه لحم ينبت في الفرج فيرادف العفل فيه قولان أظهرهما نعم لعموم التعليل في رواية أبي الصباح: عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا قال هي لا تحبل و لا يقدر زوجها على مجامعتها ترد و هي صاغرة قلت فإن كان دخل بها قال إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها يعني الجامعة ثم جامعها فقد رضي بها و إن لم يعلم إلا بعد ما جامعها فإن شاء طلق بعد و إن شاء أمسك و نحوها رواية الحسن بن صالح عن الفقيه و الكافي و المراد بالطلاق هو الطلاق اللغوي بالفسخ لا الطلاق الشرعي

و اختلف في المحدودة في الفجور

ففي كثير من المتقدمين بل عن أكثرهم أنها ترد للعار على الزوج و لم أجد في الروايات ما يدل على هذا الحكم. نعم في بعض الروايات عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها قد كانت زنت قال إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها و لها الصداق بما استحل من فرجها و إن شاء تركها و هذا يدل على جواز الرجوع على وليها بالصداق أو ليس إلا كونه عيبا يفسخ به و عن الشيخ أنه حكم بضمان الولي مع عدم الخيار و عن المختلف رده بأنهما لا يجتمعان و إثبات مثل هذا الحكم بمثل هذا المستند مشكل

و تفسخ المرأة نكاحها بالجنون الحاصل للرجل

و إن كان أدوارا سواء تجدد بعد الوطي أو كان سابقا عليه أو على العقد بلا خلاف صريح إذا كان لا يعقل أوقات الصلاة و إن كان يعقل فإن كان قبل العقد أو مقارنا له فالمعروف عمن عدا ابن حمزة الفسخ أيضا و إن كان متأخرا عن العقد فالمحكي عن أكثر المتقدمين عدم الفسخ خلافا لكثير من المتأخرين و لهم إطلاق رواية علي بن حمزة عن أبي إبراهيم ع: عن المرأة يكون لها زوج و قد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض لها جنون فقال لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت و أضاف إليها في المسالك إطلاق صحيحة الحلبي أنه إنما يرد النكاح من البرص و الجذام و العفل و الجنون و اعترض بأن ظاهر السؤال المذكور في هذه الرواية في غير التهذيب هو حكم المرأة. نعم أورد في التهذيب من غير سؤال و استدل للقدماء بالمحكي عن الفقه الرضوي و المسألة محل إشكال

و تفسخ المرأة نكاحها بالخصاء

و هو سل الأنثيين و إخراجهما و في معناه حكما الوجاء و هو رض الخصيتين و حكي عن بعض أنه أفراد الخصاء فيعمه كلما دل على ثبوت خيار الفسخ بالخصاء من الأخبار الكثيرة و ظاهر اتفاق الفتاوى. نعم حكي عن الشيخ في الخلاف و المبسوط أن الخصاء ليس بعيب لأنه يقدر على الوطي و يبالغ فيه أكثر من غيره من جهة عدم الإنزال و هو ضعيف في مقابلة النصوص و إن لم يكن من أفراده فإلحاقه به مشكل و هذا الحكم في الخصاء ثابت إن كان حصوله سابقا على العقد و إلا يكن سابقا فلا خيار لها لأصالة بقاء النكاح و اختصاص أدلة الفسخ بصورة تدليس الخصي و هو ظاهر بل صريح في تقدم خصائه على العقد

و تفسخ المرأة أيضا نكاحها بالعنة

و هو كما قيل مرض يعجز معه من الإيلاج لضعف الذكر عن الانتشار من دون تقييد بعدم إرادة النساء و ربما حكي عن المصباح المنير عن بعض أهل اللغة اعتباره. و حكي عن الفقهاء الاكتفاء بالأول و يشهد بذلك رواية الكناني و رواية أبي بصير المعبرتان عن العنن بعدم القدرة على النساء من دون تقييد بعدم إرادتهن و ثبوت الفسخ بها ثابت بالإجماع ظاهرا كما يظهر من غير واحد و يدل عليه الأخبار المستفيضة و إطلاق غير واحد منهما يدل على ثبوت الخيار و إن تجددت بعد العقد قبل الوطي و أما لو تجددت بعد الوطي و لو مرة كما في روايتي السكوني و إسحاق أو عن عنها خاصة أو عن القبل خاصة فلا خيار خلافا في الأول للمحكي عن المصنف و جماعة لإطلاق بعض النصوص و قد عرفت أنها مقيدة بالروايتين المنجبرتين بفتوى الأكثر و حكاية الإجماع عن المعتبر و في الثاني عن المفيد خاصة فاكتفى بالعنة عنها خاصة لبعض الأخبار و يقيد

المكاسب، ج 4، ص 397

بما في بعض آخر من اعتبار العجز عن إتيان النساء و لو ادعى الزوج الوطي لها أو لغيرها بعد ثبوت العنة صدق المدعي باليمين و علل بأنه فعله فلا يعرف إلا من قبله و تعذر الإشهاد عليه فكان كالعدة في النساء و قيل إن المرأة لو كانت بكرا نظر إليها من يوثق بها من النساء و إن كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا حيث لا يعلم فإن ظهر شي ء منه على العضو صدق ثم مع ثبوت العنة بإقراره أو بما في حكمه إن صبرت المرأة فلا فسخ و إلا تصبر رفعت أمره إلى الحاكم فيؤجله سنة من حين المرافعة بلا خلاف ظاهر كما ادعي للمحكي عن قرب الإسناد و رواية البختري عن علي ع أنه كان يقضي في العنين أنه يؤجل سنة من يوم مرافعة المرأة فإن وطئها أو غيرها كما مر مع خلاف المفيد فلا فسخ و إلا فسخت و لها نصف المهر لمصححة أبي حمزة و المحكي عن الفقه الرضوي و إلا فليس الفسخ طلاقا يوجب تنصيف المهر بل مقتضى الفسخ عدم المهر أصلا و لهذا لا شي ء لها لو فسخت لغيره أي غير العنن قبل الدخول. و في احتساب مدة السفر من السنة إشكال و لو رضيت بأن يقيم معها فطلقها ثم جدد العقد عليها فلا خيار لها مع العلم بأنه الزوج السابق أما لو وطئها في العقد الأول ثم عن في الثاني فلها الخيار و وجهه واضح. و أما الجب و هو قطع الذكر فإن استوعب العضو فسخت المرأة به و إلا يستوعبه بل بقي مقدار الحشفة فلا فسخ أما الفسخ في الأول فقد حكي عن المبسوط و الخلاف عدم الخلاف فيه و يدل عليه عموم رواية الكناني الدالة على ثبوت الفسخ في امرأة ابتلي زوجها فلم يقدر على الجماع مضافا إلى فحوى ثبوت الخيار في الخصي مع إمكان الوطي فيه بل قيل إنه يبالغ فيه أكثر من غيره. و في العنن مع إمكان زواله مضافا إلى نفي الضرر و أما عدم الفسخ لو بقي مقدار الحشفة فادعى عليه الإجماع مضافا إلى لزوم الاقتصار في مخالفة الأصل على موضع النص و لهذا لو تجدد الجب بعد العقد فلا خيار و قيل بثبوته لعموم مصححة الكناني و رواية ابن مسكان عن أبي بصير في امرأة ابتلي زوجها فلم يقدر على الجماع و فحوى ثبوته في العنن و كذا يتحقق الخيار مع الرتق و قد تقدم الكلام فيه هذا إذا لم يكن إزالته بشق موضع الالتحام أو غيره و أما إذا أمكن فإن لم يمتنع المرأة عن الإزالة فلا خيار للأصل و اختصاص ما سبق من الدليل بغير الفرض و لو امتنعت فالذي اختاره المصنف قدس سره هنا هو ثبوت الخيار و فيه إشكال بل لا يبعد أن يقال بإجبارها على الإزالة مع عدم تضررها بها زائدا على ألم الإزالة لأن حق الزوج في الاستمتاع ثابت لإمكانه و ما تقدم من دليل الخيار لا ينصرف إليه لأن التعليل المذكور في القرن أعني عدم القدرة على مجامعتها يراد به عدم القدرة مع إمكان العلاج و إزالة المرض كما هو الظاهر المتبادر و الله العالم.

و اعلم أن الخيار في الفسخ و العيب و التدليس على الفور

بلا خلاف يعرف كما صرح به جماعة هذا مع العلم بالخيار و الفورية و لو جهل أحدهما فلا يبعد معذوريته إلى زمان العلم لإطلاق الأخبار و استصحاب الخيار و نفي الضرر و إن كان العيب مما يحتاج إثباته إلى المرافعة كان المرافعة فورية فإذا ثبت العيب كان الفسخ فوريا و كذا مرافعة العنن إلى الحاكم و ما يتجدد من عيوب المرأة بعد العقد لا يفسخ به و إن كان تجدده قبل الوطي لأصالة اللزوم و اختصاص أكثر الأخبار كما قيل بصورة سبقها على العقد. نعم بعضها مطلقة و لكن لا تنافي بين المطلقات و المقيدات حتى يحمل عليها إلا أن يدعى انصراف المطلقات إلى صورة تقدمها على العقد كما ادعاه في الرياض و المسألة لذلك محل إشكال و يمكن أن يستدل على ذلك بأن الأخبار و فتاوى الأصحاب أطبقت على استحقاق الزوجة بشي ء من المسمى إذا فسخ قبل الدخول و لا يتأتى ذلك إلا مع سبق العيب على العقد حتى يكون الصداق من أصله متزلزلا أما لو تجددت بعد العقد و المفروض تملك الصداق بالعقد و استقرار ملكها على المشهور فإذا حصل العيب الحادث بعد العقد يحكم بثبوت المهر كلا لأن الفسخ ليس طلاقا و لا أقل من ثبوت نصف المهر لاستقراره بالعقد و عدم وجود عيب حين العقد حتى يوجب تزلزله اللهم إلا أن يقال إن استقرار نصف المهر المجمع عليه إنما هو بالإضافة إلى عدم اشتراطه بالدخول فلا ضرر في التزام تزلزله بالنسبة إلى العيب الحادث قبل الوطي فتأمل أما إذا تجددت بعد الدخول فينبغي القطع بعدم الخيار بل ادعي الوفاق عليه و يدل عليه كثير من الأخبار.

و حكي عن الشيخ ثبوت الخيار هنا أيضا و لا يشترط في الفسخ شرط من شروط الطلاق لأنه ليس طلاقا شرعيا و إن أطلق عليه التطليق في غير واحد من الأخبار و المراد الإطلاق و لا التلفظ بصيغة خاصة و لا أن تكون بحضور الحاكم خلافا للمحكي عن شاذ منا إلا في العنة فإنه لا بد من رفع الأمر إليه ليضرب الأجل و هذا الاستثناء منقطع لأن الفسخ في العنة لا يتوقف على الحضور عند الحاكم إذ لها الفسخ بعد انقضائه أي بدون الحاكم و كما لا يشترط الحضور عند الحاكم لا يشترط حضور شاهدين لما عرفت من أن الفسخ ليس بطلاق و إذا اختلف الزوجان في العيب كان القول قول منكر العيب مع عدم البينة لأصالة السلامة و لزوم العقد و على المنكر اليمين فإن نكل أحلف المدعي و يثبت العيب و إذا فسخت المرأة بالعيب أو التدليس قبل الدخول فلا شي ء بلا خلاف فتوى و نصا إلا في الخصي. فقد حكي عن الشيخ و جماعة ثبوت جميع المهر عليه بالخلوة و عن أخرى ثبوت نصف المهر مع عدم الدخول مطلقا لروايتي قرب الإسناد و الفقه الرضوي إلا في فسخها لأجل العنة فإن لها النصف و إن كان فسخها بعده أي بعد الدخول كان لها المسمى لاستقراره بالدخول قال في المسالك و مقتضى القواعد أنه لا فرق بين الفسخ بالعيب الحادث قبل العقد و بعده لأن الفسخ لا يبطله من أصله و لهذا لا يرجع عليها بالنفقة الماضية و قال الشيخ في المبسوط إن كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمى لأن الفسخ إنما يستند إلى العيب الطاري بعد استقراره و إن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل لأن الفسخ و إن كان في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب فيكون كأنه وقع مفسوخا حين حدوث العيب فيصير كأنه وقع فاسدا فيلحقه أحكام الفاسد فإن كان قبل الدخول فلا مهر و لا متعة و إن كان بعده فلا نفقة للعدة و يجب مهر المثل. ثم قال في المسالك و لا يخفى ضعفه لأن النكاح وقع صحيحا و الفسخ و إن كان بسبب العيب السابق لا يبطله من

المكاسب، ج 4، ص 398

أصله بل من حين الفسخ خصوصا إذا كان العيب حادثا بعد العقد فإن دليله لا يجي ء انتهى و إن فسخ الرجل قبله أي قبل الدخول فلا مهر لها و لا عدة عليها بلا خلاف نصا و فتوى و ادعى الإجماع في الرياض و إن كان بعده فلها المسمى و يرجع الزوج به على المدلس كما يظهر من الحدائق و ادعى الإجماع عليه في الرياض و للأخبار فإن كان المدلس هي سقطت إلا أقل ما يمكن أن يكون مهرا لئلا تخلو البضع عن عوض و قيل أقل مهر مثلها و الأخبار خالية عن هذا الاستثناء و لهذا أنكره جماعة كما في الرياض و ارتضاه و لو لم تكن هي المدلس بأن خفي عيب المرأة عليها و على وليها فلا رجوع للزوج على أحد.

الثاني في التدليس

و هو إظهار صفة كمال في المرأة مع انتفائها عنها أو إخفاء صفة نقص و الفرق بينه و بين العيب أن منشأ الخيار في العيب مجرد ثبوته في الواقع و في التدليس اشتراط الصفة بحيث لو لا الاشتراط لم يثبت فلو تزوجها على أنها حرة باشتراط ذلك في متن العقد لفظا أو ذكره قبله بحيث أجريا العقد على ذلك فخرجت أمة فله الفسخ عملا بمقتضى الشرط إذ ليس فائدته إلا التسلط على الفسخ مع عدمه و حكي عن الشيخ في الخلاف و المبسوط البطلان و علل تارة بعموم: المؤمنون عند شروطهم حيث إن مقتضى وجوب الوفاء بمقتضى الشرط عدم بقاء التزويج بدونه ثم رده المعلل باختصاص العموم بغير المستحق أما المستحق فلا يجب عليه الوفاء إذ له إسقاطه لأنه من حقوقه و أخرى بأن نكاح الأمة بدون إذن المولى باطل و رده المعلل بأنه مختص بما إذا لم يكن التزويج بإذن مولاها و كيف كان فهذا القول ضعيف مع إذن المولى و عدمه أما مع إذن المولى فلعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ خرج منه الوفاء بالعقد قبل الإمضاء و بقي الباقي و منه هذا العقد بعد الإمضاء و أما مع عدم الإذن فلما تقدم من عدم وقوع العقد باطلا بل موقوفا على إجازة المولى. و مما ذكرنا من الدليل و عمومه يظهر ثبوت خيار الفسخ و إن دخل بها فإن التصرف مع الجهل لا يزيل خيار الشرط فإن لم يفسخ الزوج فلا كلام و إن فسخ فإن كان قبل الدخول فلا مهر بلا خلاف ظاهر إلا أن سبب الفسخ حصل من قبلها كذا علل و إن كان بعد الدخول فإن كانت المرأة قد دلست نفسها بإذن المولى لها في التزويج فتزوجت مدلسة دفع المهر إلى المولى لأنه مالك بضع الجارية فله عوضه و لا يسقط حقه بتدليس غيره و تبعها به بعد عتقها إذ في جعلها في ذمتها قبله إضرار بالمولى و في الحكم بعدم استحقاق الزوج شيئا إضرار بالزوج مع إمكان تداركه بما ذكر و اتباعها بالمهر بعد العتق ليس منافيا لحق المولى. نعم لا يقدر المملوك لأن يشغل ذمته و لو على هذا الوجه لأنه مملوك لا يقدر على شي ء و لا ينافي ذلك تعلق شي ء بذمته قهرا و إن كان سببه اختياريا كما لو أقرض بدون إذن مولاه فلأنه إتلاف اختياري موجب لضمانه قهرا و إن دلسها مولاها فلا مهر لأن المملوكة لا يستحق مهرا و المولى هو المدلس و ثبوت الرجوع على المدلس ينافي الحكم بوجوب الدفع إلى المولى ثم الارتجاع منه ما هو مسبب لغرامة ما يغترمه الزوج فلا معنى لاستحقاقه له ثم الرجوع به عليه و لا يستثني في مقابل الوطي شي ء من مهر المثل أو أقل يتمول و وجهه في المسالك بعموم الدليل الدال على الرجوع به على المدلس. و ينبغي أن يراد بالدليل عموم التعليل في بعض الأخبار المتقدمة في العيب ففي بعضها في مقام بيان علة الرجوع إلى ولي المرأة المعيبة إذا دلسها قال ع: و إنما جاز عليه المهر لأنه دلسها و يستفاد هذا من غيره أيضا كما لا يخفى على من راجعها و تعتق عليه أي على مولى الجارية المدلسة لو تلفظ عند التدليس بما يقتضي إنشاء العتق أو الإخبار به على وجه الإقرار و حينئذ فصح العقد مع إذن المرأة سابقا أو إجازتها لاحقا و لها المهر و لا خيار له و الولد حر و على أبيه المغرور قيمته يوم سقط حيا للمولى و يرجع به على الغار و لو كان الغار هو المولى فلا يستحق شيئا لأن الرجوع عليه لمكان غروره ينافي استحقاقه و لو كان الغار عبدا أتبع بالقيمة بعد العتق. و لو انعكس الفرض بأن تزوجت الحرة رجلا على أنه حر فبان عبدا فلها الفسخ فإن كان قبل الدخول فلا شي ء لها لأن الحدث جاء من قبلها و إن كان بعده ثبت لها المهر على السيد إن أذن في العقد لأن إذنه يستلزم تعلق عوض الوطي بذمته و إن كان بغير إذنه أتبع العبد به بعد العتق و اليسار و مستند الخيار في هذا الفرض مضافا إلى أنه مقتضى الشرط مصححة محمد بن مسلم و لو شرط كون المرأة المعينة المعقود عليها بنت مهيرة أي حرة لأن ذات مهر دائما دون الأمة فإنها قد توطأ بالملك كما قد توطأ بالمهر فبانت بنت أمة كان له الخيار في ردها فإن رد قبل الدخول فلا شي ء و إن رد بعده فلها مهر المثل بما استحل من فرجها و يرجع به على المدلس. و لا خيار هنا بدون ذكر الشرط في متن العقد و تبع المصنف قدس سره هنا المحقق

رحمه الله في الشرائع حيث أطلق الحكم بالخيار في السابق بحيث يمكن أن يعمم لما إذا ذكر الشرط سابقا و أجري العقد عليه و هنا قيد الحكم بما إذا شرط في متن العقد. و ذكر في المسالك الفرق بين هذه و السابقة من وجهين الأول إطلاق النص هناك حيث ورد السؤال فيها عن رجل تزوج حرة فوجدها أمة دلست نفسها الثاني أن الحرية أمر مهم ففواتها نقص بين يصلح لتسلط من قدم عليه على الرد إذا ظهر خلافه بخلاف الحرة التي أمها حرة أو أمة فإن التفاوت بينهما ليس كالتفاوت بين الحرة و الأمة و لا قريبا منهما بل ربما لا يظهر التفاوت بينهما أو يكون الكمال في جانب بنت الأمة مع اشتراكهما في الوصف بالحرية فلم يكن لفواته أثر إلا مع الشرط في ضمن العقد عملا بعموم الوفاء بالشرط و بفواته يظهر تزلزل العقد هذا كله إذا وقع العقد على المرأة معينة و شرط كونها بنت مهيرة فظهرت بنت أمة أما لو زوجه بنت مهيرة و أدخل عليه امرأة أخرى هي بنت أمة لم يعقد عليها ردت وجوبا بمجرد العلم فإن رد قبل الدخول فلا شي ء لها عليه و إن كان بعده مع جهل الزوجة بعدم العقد عليها كان عليه مهر المثل لأجل وطء الشبهة و عليها العدة و يرجع الرجل به أي بالمهر على السابق المدلس و مع علم الزوجة بالحال فلا شي ء لها لأنها بغي و لا عدة عليها مع علم الرجل لعدم احترام ماء الزنى و كذا الحكم في كل من سبق إليه غير زوجته و قد ورد به غير واحد من الأخبار و لو شرط البكارة فظهرت ثيبا فلا فسخ لاحتمال زوال البكارة بعد العقد و الأصل تأخر الحادث و مع الشك في تاريخهما لا سبب للفسخ و إن لم يمكن الحكم بتأخر الثيبوبة عن العقد لأن الخيار لا يثبت إلا ذا علم سببه و هو تقدم الثيبوبة على العقد و لو فرض حصول العلم بتاريخ الثيبوبة و شك في زمان العقد فلا خيار أيضا و إن

المكاسب، ج 4، ص 399

كان الأصل تأخر العقد لأن أصالة تأخر العقد لا يثبت تقدم العيب و إن كانا متلازمين عقلا لأن ثبوت أحد المتلازمين عقلا بالأصول الشرعية الظاهرية لا يثبت الآخر كما قرر في محله. و بالجملة لا يحكم بالخيار إلا أن يعلم سبق الثيبوبة على العقد ثم على تقدير عدم الفسخ لعدم العلم بسبقها على العقد أو اختيار البقاء في موضع له الفسخ هل له أن ينقص عن المسمى بنسبته ما بين المهرين أو لا ينقص مطلقا أو ينقص شي ء و لم يرد من الشارع تقديره و قد يفسد بالسدس قياسا على الوصية بالشي ء أو تقديره موكول إلى نظر الحاكم أقوال و على الأول بأن الرضا بالمهر المعين إنما حصل على تقدير اتصافها بالبكارة فيلزم التفاوت كأرش ما بين الصحة و المعيب و ضعف بأن ذلك إنما يكون حيث تثبت فواته قبل العقد أما مع إمكان تجدده بعده فلا دليل على سقوط شي ء من المسمى و هذا الإيراد يبنى عن تسليم النقص مع تحقق سبق الثيبوبة. و وجه القول الثالث بوروده فإنه ينقص بقول مجمل فإما أن يحمل على مسمى الشي ء أو يحمل على السدس أو يفوض إلى الحاكم و وجه العدم مطلقا هو أن النقص على خلاف الأصل فإن مقتضى العقد وجوب جميعه فإن أمضى العقد وجب العمل بمقتضاه و ليس للشرط تأثير إلا الخيار بين الرد و الإمساك و لهذا لا يحكم بشي ء مع فوات الوصف المشروط في المبيع و هذا أقوى لو لا الرواية المصححة الواردة في النقص و معها فيوجه وكوله إلى نظر الحاكم و حينئذ فالأولى أن يقال إن على الحاكم أن ينظر في نفس هذه المسألة الخلافية و يحكم بما يؤدي إليه نظره بل قد يقال إن وكول ما ينقص إلى الحاكم لا دليل عليه لأن تعيين ما أبهمه الشارع ليس موكولا إلى الحاكم و يمكن أن يقال إن الظاهر من الرواية حيث لم يبين مقدار النقص هو نقص التفاوت لأنه المتعارف في تدارك الفائت و قد وكله الشارع إلى التعارف بل مقصود السائل أيضا السؤال عن نقص التفاوت كما لا يخفى على من تأمل قليلا و لو شرط إسلامها فبانت كتابية فإن قلنا بجواز ابتداء النكاح الكتابية فله الفسخ قضية للشرط و لا خيار مع عدم ذكر الشرط في متن العقد لأصالة اللزوم كما في كل عقد لم يذكر في متنه شرط و لو تزوجت على أنه حر فبان مملوكا فلها الفسخ و قد تقدم أن لها المهر مع الدخول و لو أدخلت امرأة كل من الزوجين على الآخر فلها مهر المثل على الواطئ بشبهة و المسمى على الزوج و ترد زوجة كل منهما إليه و لكن لا يطأها إلا بعد العدة

مسألة لا خلاف بين الأصحاب كما صرح به جماعة في وجوب القسم بين الزوجات في الجملة
اشارة

و يدل عليه الأخبار المستفيضة أيضا و إنما الإشكال و الخلاف في أنه هل يجب بنفس العقد و التمكين فيجب للزوجة الواحدة ليلة من أربع ليال و للاثنين ليلتان و للثلاث ثلاث و الفاضل عن تمام الأربع له يضعه حيث يشاء فإن كن أربعا فليس له شي ء للفاضل من الليالي و كلما فرغ دوره من القسمة يجب عليه الشروع في دوره أخرى أم يتوقف وجوبه على الشروع في القسمة و يتفرع عليه كما ذكره جماعة و نسبه بعض إلى الأصحاب عدم الوجوب للزوجة الواحدة و عدم وجوب الابتداء بها للمتعددة.

نعم لو بات عند واحدة ليلا يجب عليه المبيت عند غيرها فإذا انقضت دوره القسمة يجب عليه استيناف دوره أخرى إلى أن يبيت عند بعضهن فيجب عليه إيفاء القسمة للباقيات ثم لا يجب عليه الاستيناف و هكذا و المشهور كما صرح به جماعة على الأول و حكي عن الشيخ في المبسوط و المحقق في الشرائع و العلامة في التحرير الثاني و اختاره الشهيد و سبطه و صاحب الكفاية و صاحب الحدائق و قواه في الرياض.

و يمكن أن يستدل للمشهور بجملة من الآيات و الأخبار
فمن الآيات

قوله تعالى وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ دل على وجوب معاشرة النساء في الجملة و لا يصدق عرفا بمجرد الاتفاق و لا بانضمام وطئها في كل أربعة أشهر مرة واحدة بأقل مما يوجب الغسل فدل على وجوب آخر يوجب صدق المعاشرة و ليس غير المضاجعة بالإجماع فتعين وجوبها و أورد عليه في المسالك بأن المعاشرة تتحقق بدون المضاجعة بل بالإيناس و الإنفاق و تحسين الخلق و الاستمتاع بالنهار أو بالليل مع عدم استيعاب الليلة بالمبيت بل مع عدم المبيت على الوجه الذي أوجبه القائل بل يمكن تحصيل المعاشرة بالمعروف زيادة في الأوقات مع عدم مبيته عندهن. و فيه ما عدا الإنفاق من هذه الأمور التي ذكرها غير واجب إجماعا و قد عرفت أيضا عدم تحقق المعاشرة عرفا بمجرد الإنفاق أو بانضمام أقل الواجب من الوطي فلم يبق هنا ما يصلح أن يكون واجبا إلا المضاجعة مع أن مثل هذا الإيراد لو توجه لم يمكن الاستدلال بالآية على وجوب المضاجعة و القسمة في الجملة الذي لا خلاف فيه مع أنه قدس سره كغيره استدل بها عليه. و منها قوله تعالى فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أي لا تميلوا إلى تقديم إحدى الزوجتين حتى تذروا الأخرى كالمعلقة لا ذات بعل و لا مطلقة فدلت على تحريم الميل لأجل العلة المذكورة و هي أن تذرها كالمعلقة و لا ريب في تحقق هذه الغاية في ترك القسمة ابتداء فيتحقق التحريم. و منها وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا دل على جواز الهجرة في المضاجع مع خوف النشوز أو مع علمها على اختلاف في التفسير فيدل بمفهومه المعتبر هنا اتفاقا ظاهرا و إن كان مفهوم الوصف على عدم جوازه مع عدم خوف النشوز و وجه اعتبار مفهوم الوصف هنا أنه في مقام تحديد الصنف الذي يجوز هجره من النساء مضافا إلى وجود القرينة في ذيل الآية و هو قوله فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا

و أما الأخبار

فمنها موثقة محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال: إذا كانت الأمة عنده قبل نكاح الحرة على الأمة قسم للحرة الثلثين من ماله و نفسه يعني النفقة و للأمة الثلث من ماله و نفسه و ردها في المسالك تارة بضعف الدلالة حيث إنها بظاهرها تدل على وجوب ما ليس بواجب إجماعا لعدم وجوب قسم الحرة بالثلثين من تمام الأوقات و الأمة الثلث و أخرى بضعف السند. أقول أما الإيراد بضعف الدلالة فضعيف لأن دلالتها على وجوب ما ليس بواجب إجماعا لا يوجب طرح الرواية فإن التقييد و التخصيص في المطلقات و العمومات بواسطة الإجماع ليس بعزيز فكما أن المراد بالمال في الرواية خصوص النفقة كما فسره الإمام ع فكذا المراد من النفس

المكاسب، ج 4، ص 400

المضاجعة إذ ليس غيرها واجبا إجماعا و أما الإيراد بضعف السند فإن كان بواسطة محمد بن قيس حيث إنه مشترك بين الثقة و الضعيف ففيه أن الظاهر كما استظهره غير واحد هو وثاقة من يروي عنه عاصم بن حميد كما في هذه الرواية مع أن ما سيجي ء من الرواية في العمل بكتب بني فضال كان في هذا المجال حيث إن الرواية مأخوذة ظاهرا من كتاب علي بن الحسن بن فضال و إن كان ضعفه بواسطة نفس علي بن فضال حيث إنه فطحي ففيه أنه غاية الوثاقة و الورع في دينه كما يظهر من ملاحظة ترجمته مضافا إلى أن الشيخ أخذ الرواية من كتابه كما هو الظاهر من عادته فيمن يبتدئ به في السند. و قد ورد رواية حسنة كالصحيحة: في شأن علي بن فضال و أبيه و أخويه و كتبهم عن العسكري ع قال خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا مضافا إلى انجبار الرواية بالشهرة. نعم هذا الإيراد منهم حسن على قاعدته من التأمل في الضعيف المنجبر و لو كان موثقا حيث قال في مقام آخر و لا أذكره إلا أن العمل بالموثق خروج عن قيد الإيمان و جبر الضعف بالشهرة مجبور بالشهرة. و منها موثقة عبد الرحمن بابن فضال و أبان عن أبي عبد الله ع و فيها: للحرة ليلتان و للأمة ليلة و منها صحيحة ابن مسكان: فإن تزوج الحرة على الأمة فللحرة يومان و للأمة يوم و نحوها المحكي عن الفقيه مرسلا و رواية أبي بصير. و منها صحيحة الحلبي أو حسنة بابن هاشم قال: سألت أبا عبد الله ع عن قوله تعالى وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً قال هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها إني أريد أن أطلقك فتقول لا تفعل إني أكره أن تشمت بي و لكن أنظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت و ما كان سوى ذلك من شي ء فهو لك و دعني على حالي فهو قوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً و هذا هو الصلح فإن الرواية كما ترى ظاهره في كون الليلة حقا للزوجة و لهذا لها إسقاطها و المصالحة بها كسائر الحقوق على ترك الطلاق و نحوها رواية أبي بصير و رواية زيد الشحام و المروي في تفسير العياشي عن البزنطي عن مولانا الرضا ع و رواية زرارة الواردة كلها في تفسير الآية الشريفة المذكورة و أظهر من الجميع رواية علي بن حمزة الواردة في تفسير الآية عن أبي الحسن ع قال: إذا كانت كذلك فهم بطلاقها فقالت له أمسكني و أدع بعض ما عليك و أحلك من يومي و ليلتي حل له ذلك و لا جناح عليهما و لا يقدح في هذه الرواية و في غيرها اشتمالها على ذكر اليوم مع الليلة مع أن اليوم ليس حقا لها على المشهور لأن ترك ظاهر الرواية في بعض موارده لا يوجب طرحها بالنسبة إلى الباقي مع أن كون الزوج عند الزوجة في صبيحة ليلتها من الحقوق المستحبة و قيلولته عندها من الحقوق الواجبة عند الإسكافي على ما حكي عنه فليس شي ء من الرواية مخالفا للإجماع هذا كله مضافا إلى أن في هجر الزوجة في المضاجع ضرر عظيم عليها نفي بعموم لا ضرر و لا ضرار الذي تمسكوا بها كثيرا في موارد خيار الفسخ للزوجين و غيرها و بخصوص ما يستفاد من بعض الروايات من حرمة مضارة الرجل المرأة و المرأة الرجل ثم إن هذه الأدلة و إن اختص بعضها بوجوب القسمة مع تعدد الزوجة إلا أن بعضها يشمل صورة اتحادها مضافا إلى ما يظهر من المسالك من عدم القول بعدم الوجوب في الواحدة و الوجوب المتعددة و يمكن أن يستفاد من كلام غيره أيضا. نعم حكى في الرياض عن ابن حمزة التصريح باشتراط التعدد في وجوب القسمة قال بعده و حكي أيضا عن ظاهر جماعة كالمقنعة و النهاية و المهذب و الجامع انتهى كلامه رفع مقامه و يحتمل قويا أن يكون مراد ابن حمزة من القسمة التي اشترط فيها تعدد الزوجة هي القسمة بين الزوجات و لا ريب في اعتبار تعدد الزوجة في مفهومها و أما القسم للواحدة بمعنى إعطائها قسما أو حظا من الليالي أو نصيبا من المعاشرة فلا يعتبر فيه التعدد و كيف كان فلعل مستند التفصيل اختصاص ما اعتبر سنده و دلالته من الأدلة المذكورة بصورة التعدد و عدم ثبوت الإجماع المركب و ضعف ما دل منها على العموم سندا و دلالة على سبيل منع الخلو فيرجع في صورة الاتحاد إلى أصالة البراءة و من ذلك يظهر مستند القائلين بعدم الوجوب مطلقا حيث إنهم ضعفوا دلالة ما اعتبر

سنده و سند ما اعتبر دلالته و لم يزيدوا على ما في المسالك و قد ذكرنا و قد استدل له في المسالك مضافا إلى الأصل بقوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال إن الآية تدل على أن الواحدة كالأمة لا حق لها في القسمة المعتبر فيها العدل و لو وجبت لها ليلة من الأربع لساوت غيرها و كل من قال بعدم الوجوب للواحدة قال بعدمه للأزيد إلا مع الابتداء انتهى. و فيه أنه لا دلالة في الآية على كون الواحدة كالأمة و عطفها عليها لا يدل على اتحادهما بل المراد و الله العالم فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بين الزوجات فانكحوا واحدة فتسلموا من الميل و الحيف أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و لو كانت متعددة و لأن منافعها مملوكة للمولى فلا يلزم ظلم عليهن و لو ترك المولى استيفاء المنفعة من بعضهن لأن ترك الرجل الحق المختص به ليس ظلما و كيف كان فليس في الآية دلالة على المطلوب و لا إشعار. نعم يمكن أن يتمسك لهم بما دل من الأخبار على حصر الحق الواجب للمرأة في أن يكسوها من العري و يطعمها من الجوع كموثقة إسحاق بن عمار و رواية عمر ابن جبير العزرمي و رواية شهاب بن عبد ربه و نحوها و يمكن الجواب عنها بأن المراد بحق الزوجة في تلك الأخبار حقها المختص بها و لا ضير في حصره فيما ذكر فيها فإن القسم عند من يوجبه إنما هو من الحقوق المشتركة بين الزوجين و ليس مختصا بالزوجة فتأمل. و بالجملة فالمسألة محل التأمل و إن كان ما ذهب إليه المشهور لا يخلو عن قوة مع أنه أحوط

المكاسب، ج 4، ص 401

9- رسالة في المواريث

مسألة «1» [1] المقتضي للإرث أمران: نسب، و سبب.

و المراد بالنسب: علاقة بين شخصين تحدث من تولّد أحدهما من الآخر، أو تولدهما من ثالث. و السبب أربعة: الزوجية، و ولاء العتق، و ولاء ضمان الجريرة، و ولاء الإمامة. و النسب ثلاث مراتب. المرتبة الأولى: الأبوان و الأولاد. و لا يرث معهم أحد عدا الزوج و الزوجة: بإجماع الإماميّة، و السنّة المتواترة معنى عن أهل البيت عليهم السلام. فللأب المنفرد المال، و كذا الأم المنفردة. و لو كان معهما أو مع أحدهما ابن، فلكلّ واحد منهما السّدس، و الباقي للابن. و لو كانت «2» بنت أعطيت من الباقي نصف المال، و ردّ الباقي منه إليها و إليهما أو إلى أحدهما على حسب السهام، بالإجماع، و الأخبار المستفيضة. و لو كان للميّت إخوة بالشّروط الآتية- في حجبهم الامّ عن الثلث- فالمعروف- الّذي ادعي عليه الاتّفاق في المسالك «3»، و عدم معرفة الخلاف في الكفاية «4»- : أنّهم يحجبونها هنا عن حصّتها من الفاضل المردود، و لم أجد عليه دليلا. و استدلّ عليه بقوله تعالى فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «5». و فيه: إنّ الظاهر كونه تتمّة لقوله تعالى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ «6» فيختصّ بصورة فقد الولد، مع أنّ إثبات السّدس لها بالفرض لا يستلزم نفي الزائد بالردّ، كما أنّ قوله تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «7» لا يوجب نفي الردّ في صورة كون الولد بنتا «8» و لهذا يردّ الاستدلال للمطلب بهذه الآية بدعوى: أن ظهورها عرفا في نفي استحقاق الزائد، خرج من عمومها ما اتّفق فيه على الردّ عليها، و بقي الباقي. و استدلّ عليه أيضا: بأنّ الإخوة إذا حجبوها عن فرضها الأصلي- و هو الثلث- فلأن يحجبوها عن المردود عليها بالقرابة أولى. و في الأولويّة منع. و استدلّ عليه- أيضا- بعموم ما علّل به حجبهم إيّاها عن الثلث من التوفير على الأب لكون الإخوة عيالا له «9». و فيه: إنّه ظاهر فيما إذا كان المحجوب عنه «10» موفّرا بتمامه على الأب، فلا يشمل ما إذا كان الموفّر عليه جزءا «11» قليلا من المحجوب عنه، كما هو المشهور بين القائلين بالحجب. نعم ذهب معين الدين المصري «12» منهم [إلى] اختصاص المحجوب عنه بالأب، و أنّه لا تعطى البنت منه شيئا، و قوّاه في الدروس «13». و يضعّف بما دلّ على وجوب كون الردّ على ذوي السهام المفروضة بقدر سهامهم، كعموم التعليل في رواية حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام في رجل ترك ابنته و امه: «إنّ الفريضة من أربعة أسهم لأنّ للبنت ثلاثة أسهم، و للأمّ السّدس سهم، و بقي سهمان فهما أحقّ بهما من العمّ و ابن الأخ «14»، لأنّ البنت و الامّ سمّي «15» لهما، و لم يسمّ لهم، فيردّ عليهما بقدر سهامهما» «16». دلّت على أنّ كلّ من سمّي له فيردّ عليه بقدر سهمه، و في الطريق موسى بن بكر «17» الواسطي الواقفي، إلّا أنّ الظاهر كونه ثقة لما عن الفهرست من رواية صفوان عنه «18»، مع اعتضادها بالشّهرة، و برواية بكير «19» الموافقة لها من حيث المضمون. و بأنّ تخصيص الأب بالرّد دون البنت- مع كونها أكثر نصيبا منه- ترجيح من غير مرجّح، و إنّما انفرد بالردّ مع عدم الأولاد «20» لعدم قريب آخر معه. اللَّهمّ إلّا أن تعارض الروايتان بعموم ما دلّ على حكم حجب الإخوة للأمّ «21» حيث إنّها ظاهرة في اختصاص المردود بالأب. و لو كان مع الأبوين أو أحدهما زوج أو زوجة كان لأحد الزوجين- مع عدم الولد- نصيبه الأعلى، و معه نصيبه الأدنى، و الباقي للولد، فإن فضل عن فريضته «22» شي ء- كما لو كانت بنتا واحدة- ردّ عليها و على أحد الأبوين، و لو لم يف الباقي بفريضته «23»- كما لو كانتا بنتين- دخل النقص عليهما دون الأبوين و أحد الزوجين، بالإجماع، و الأخبار المستفيضة الدالة على بطلان العول «24»، و المصرحة بأنّ الأبوين و الزوجين لا يدخل عليهم النقص عن سهامهم النازلة أبدا «25».

مسألة [2] للزوج من تركة زوجته الربع إن كان لها ولد، و إلّا فالنصف،

و الباقي لسائر ورثتها بالنسب أو السبب. و لو لم يوجد منهم عدا الإمام ردّ الباقي على الزوج، على المعروف من غير سلّار «26» من علمائنا، و عن الشيخين «27» و السيّدين «28» و الحلّي «29» دعوى الإجماع، و به أخبار مستفيضة «30»، و بذلك يخصص عموم قوله: «لا يردّ على الزوج و الزوجة» «31» و مع توجّه احتمال حمله على التقيّة، أو وروده فيما إذا جامع أحد الزوجين لذي «32» فرض من اولي الأرحام- بحيث تزيد التركة على فرضهما- كأحد الزوجين مع الأم «33» أو الأخ «34» [لها] «35».

مسألة [3] للزوجة من تركة زوجها الثمن إذا كان له ولد، و إلّا فالربع، و الباقي لسائر الورثة.

و مع عدمهم- عدا الإمام- ففي ردّ الباقي عليها، أو كونه للإمام، أقوال: ثالثها: الأوّل مع غيبة الإمام عليه السلام، و الثاني مع حضوره عليه السلام. و خيرها أوسطها للأصل، لأنّ ثبوت الزائد عمّا فرض لها في الكتاب يحتاج إلى دليل، و لا يعارض بأصالة عدم ثبوته للإمام عليه السلام لأنّه إذا ثبت- و لو بحكم الأصل- عدم ثبوت وارث و مستحق لهذا المال، ثبت كونه للإمام عليه السلام، لما دلّ على أنّه وارث مع عدم الوارث «36»، و للأخبار المستفيضة «37» المعتضدة بفتوى الأكثر، إذ لم يحك الأوّل إلّا عن المفيد «38»، [و يدلّ عليه الصحيح] «39»: «عن رجل مات و ترك امرأته؟ قال: المال لها» «40» و يردّ بالشذوذ لأنّ القول به «41» مختصّ بالمفيد فيما وجدنا و مع ذلك فرجوعه عنه محكيّ عن الحلّي «42». و عن الانتصار: عدم عمل الطائفة بالرواية الدالّة على الردّ على الزوجة «43». و عن الحلّي: إنّه لا خلاف فيه بين المحصلين «44».

و القول الثالث «45» للصدوق قدّس سرّه «46» و جماعة من المتأخّرين، و لا مستند لهم سوى الجمع بين الأخبار، بتقييد مستند المفيد «47» بزمان غيبة الإمام عليه السلام و هو بعيد. و أفرط الحلّي- فيما حكي عنه «48»- في تبعيده «49» حيث إنّ قوله: «رجل مات» بصيغة الماضي، فحمله على زمان غيبة الإمام عليه السلام المتأخّر عن زمان صدور هذا الكلام بأزيد من مائة عام لا وجه له [في المقام] «50»

مسألة [4] توارث الزوجين لا يتوقف على الدخول،

بالإجماع- ظاهرا- و غير واحد من الأخبار «51»، مضافا إلى ظاهر الآية. و يثبت التوارث بين الزوج و مطلّقته

المكاسب، ج 4، ص 402

رجعيّا في العدّة بلا خلاف، و في المسالك «1» و الرياض «2»: الإجماع عليه على الظاهر لغير واحد من الأخبار «3»، و لأنّها بحكم الزوجة. و لا توارث بين الزوج و مطلّقته بائنا، إلّا أن يطلّق المريض رجعيّا أو غيره، فترث منه لو مات في المرض ما بينه و بين سنة إذا لم تتزوّج المرأة.

مسألة [5] المعروف من غير الإسكافي أنّ الزوجة غير ذات الولد من زوجها الذي مات لا ترث من جميع أمواله،

بل تحرم عن أشياء «4». و عن نكت الشهيد و غيره: دعوى الإجماع عليه «5»، و أنّه من متفردات «6» الإماميّة «7».

ثمّ اختلفوا فيما يحرم منه على أقوال: أقواها: ما نسب إلى المشهور، من أنّها لا ترث من الأرض مطلقا عينا و لا قيمة، و ترث من قيمة البناء و الآلات المثبتة فيه من الأبواب و الأخشاب و الجذوع و القصب، و من «8» قيمة الشجر، لصحيحة مؤمن الطاق المرويّة في الفقيه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئا، و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل، يعني بالبناء: الدور، و إنّما عنى من النساء: الزوجة» «9». و ليس في السند- عدا محمّد بن موسى المتوكّل- من يتأمّل فيه، و هو و إن لم يحك عن الشيخ و النجاشي توثيقه، إلّا أنّه وثّقه العلّامة «10» و ابن داود «11»، و قد ترضّى الصدوق عليه «12» و كان من مشايخه «13». و بالجملة، لا يقصر حاله عن إبراهيم بن هاشم، مضافا إلى أنّ عمل الأكثر على الرواية. و أمّا ذات الولد من الزوج «14»، فظاهر الكليني «15» و المحكي عن المفيد «16»، و الشيخ في الاستبصار «17»، و السيد «18»، و أبي الصلاح «19»، و ابن إدريس «20» إلحاقها «21» بغيرها، و هو ظاهر المحقق في النافع «22»، و المحكي عن تلميذه مصنف كشف الرموز «23»، و ذهب إليه كثير من متأخري المتأخّرين، و قوّاه في المسالك «24».

خلافا لجماعة، منهم: الصدوق «25»، و الشيخ في النهاية «26»، و القاضي «27» و ابن حمزة «28»، و المحقق في الشرائع «29»، و الفاضل «30» و ولده «31»، و الشهيد في اللمعة «32»، و الفاضل المقداد في كنز العرفان «33»، و نسب إلى المشهور- سيّما بين المتأخرين «34»- فحكموا بتوريثها من أعيان جميع التركة، للجمع بين أخبار كثيرة مانعة بقول مطلق أو عام «35»، و صحيحة ابن أبي يعفور الدالة على مذهب الإسكافي «36»، و مقطوعة ابن أذينة: «في النّساء، إذا كان «37» لهنّ ولد أعطين من الرباع» «38». و الجمع خال عن الشاهد لحمل «39» رواية ابن أبي يعفور على التقيّة، و المقطوعة لا تصلح لتخصيص عمومات كثيرة.

مسألة [6] إذا مات شخصان متوارثان، و لم يعلم تقدّم موت أحدهماعن الآخر،

فإن كان موتهما أو أحدهما حتف الأنف، فالأظهر عدم إرث واحد منهما عن الآخر لأنّ هذا الإرث مخالف للأصل الدالّ على توقّف الإرث على تحقّق حياة الوارث عن الموروث «40»، فيقتصر فيه على مورد الدليل- و ليس في المقام- مضافا إلى دعوى الإجماع في المسالك، و نقله «41» فيه عن جماعة «42». و كذا إن كان موتهما بسبب غير الغرق و الهدم لما ذكر، خلافا لجماعة، فألحقوه بهما، و لم أجد لهم دليلا تطمئنّ إليه النفس. و إن كان موتهما بسبب الغرق و الهدم، فلا إشكال في توريث كل منهما عن الآخر لو ترك شيئا. و الظاهر عدم الخلاف فيه، مضافا إلى الأخبار المستفيضة. منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام: «عن رجل سقط عليه «43» و على امرأته بيت، فقال: تورّث المرأة من الرجل و الرجل من المرأة» «44». و ظاهر هذه الصحيحة تقديم الأقل نصيبا في التوريث لو «45» ثبت عدم الفصل بين موردها و غيره، و قال به جماعة «46»، و استنبط منه المفيد و الديلمي قدّس سرّهما: أنّ كلّ واحد منهما يرث ممّا ورث من صاحبه، و لا يختصّ توارثهما بصلب «47» أموالهما «48»، و إلّا «49» كان تقديم الأقل نصيبا غير مفيد. و فيه- بعد تسليم دلالة الصحيحة على وجوب التقديم- منع انحصار فائدته في توريث كلّ ممّا «50» ورث صاحبه منه، فلعلّه أمر «51» تعبديّ لا نعلمه. و لمّا ثبت أنّ هذا التوريث مخالف للأصل، فالمتيقن الخروج عنه هو «52» توريث كلّ عن «53»

صلب مال صاحبه، لا عمّا «54» ورث منه، وفاقا لغير هذين الجليلين من الأجلّاء المتقدّمين و المتأخّرين. مضافا إلى رواية حمران بن أعين، عمّن ذكره، عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوم غرقوا جميعا؟ قال: «يورّث هؤلاء من هؤلاء، و هؤلاء من هؤلاء، و لا يورّثوا هؤلاء ممّا ورّثوا شيئا» «55». و يدلّ على هذه- أيضا- صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج في أخوين غرقا، لأحدهما مال، قال: «المال لورثة الّذي ليس له مال» «56». و نحوها غيرها. و اللَّه العالم.

مسألة [7] «57» المحكيّ عن الأكثر: أنّ التركة لا تنتقل إلى ورثة «58» الميّت مع اشتغال ذمته بدين يحيط بها «59»،

بل عن السرائر: إنّه لا خلاف في أنّ التركة لا تدخل في ملك الورثة و لا الغرماء، بل تبقى موقوفة على قضاء الدين «60».

و عنه «61»- أيضا- أنّه الذي تقتضيه أصول المذهب «62». للأصل، و قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ «63». و الأخبار الظاهرة في توقّف الإرث على براءة الميّت، مثل ما ورد في دية المقتول: إنّه يرثها «64» أولياؤه ما لم يكن عليه دين «65». و قوله عليه السلام في رواية عبّاد بن صهيب «66» المرويّة في زكاة الكافي: «إنما هو بمنزلة الدين «67»، ليس للورثة شي ء حتّى يؤدّوا «68» ما أوصى من الزكاة» «69» و نحو ذلك من الأخبار. و لأنّه لو انتقل إلى الوارث لأعتق عليه محارمه المملوكة للمورّث بمجرّد موته، و التالي باطل بلا خلاف. و لاستمرار طريقة الناس على دفع النماء في الدين. خلافا للمحكيّ عن جماعة منهم الفاضل «70»، و الشهيد «71» و المحقّق الثانيان «72»، فقالوا بالانتقال إلى الوارث، و عن التذكرة: إنّه الحقّ عندنا «73» و إن تعلّق به حقّ الديّان لإطلاق الآيات مثل قوله إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «74» دلّ «75»

على سببية هلاك المورّث لتملك الوارث، و قوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.. «76» الآية، و قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «77». و لأنّه لو لم ينتقل إلى الوارث لزم إمّا كونه ملكا بلا مالك، أو بقاؤه على ملك الميت، أو انتقاله إلى غير الوارث، و الأوّل باطل [إذ يترتّب عليه ما يتوقّف على الملك، كورود البيع و الإجارة عليه، و ضمانه بالمثل و القيمة، و منه يظهر بطلان الثاني، مضافا إلى أنّ الملك من الإضافات المتوقفة على تحقّق أطرافها، مضافا إلى ظهور الاتّفاق عليه كما عن حجر جامع المقاصد «78»] «79» و إن حكي عن الخلاف أنّه حكم بأنّ من أوصى بعبد ثمّ مات قبل هلال شوّال و لم يقبل الموصى له إلّا بعد الهلال، إنه لا يلزم فطرته على أحد «80». و ظاهره- كما فهم الحلّي في محكي السرائر «81»- بقاء العبد بلا مالك، فتأمّل. و أمّا الميت فغير قابل للملك، مع أنّه لا يترتّب عليه أحكام المالك كانعتاق أقاربه، و انتقال عوض ماله إليه عند المعاوضة عنه، مع أن الإجماع على عدم بقائه على ملكه حقيقة، و انتقاله إلى غير الوارث مخالف للإجماع. و به يندفع احتمال انتقاله إلى اللَّه تعالى- كما صرّح به بعض «82» فيها- مع أنّ ملكيّته تعالى بالملكيّة المتعارفة بين الناس محلّ نظر، و إن قال به جماعة في الوقف العامّ «83». و لأنّه لو لم ينتقل إلى الوارث لم يشارك ابن

المكاسب، ج 4، ص 403

الابن عمّه في ميراث جدّه [إذا مات أبوه قبل إيفائه دين جده] «1»، و التالي باطل إجماعا. و لأنّه لو لم «2» ينتقل إليه لم يجز له الحلف لإثبات مال لمورّثه على غيره لظهور النصوص و الفتاوى في أنّ اليمين المنضمّة إلى الشّاهد الواحد هو يمين صاحب الحق.

مسألة [8] المحكيّ عن الأكثر: أنّ مال الميّت باق على حكم ماله إذا كان عليه دين مستوعب،

بل عن موضع من السرائر- في مقام النقض على من استدلّ على انتقال الموصى به إلى الموصى له بموت الموصي، بأنّه لولاه لزم بقاء الملك بلا مالك- : إنّه لا خلاف في أنّ التركة لا تدخل في ملك الورثة و لا الغرماء، بل تبقى موقوفة على قضاء الدين «3». و عن موضع آخر: أنّه الذي تقتضيه أصول مذهبنا «4». للأصل، و قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ «5»، و الأخبار «6» المستفيضة الواردة في توقّف الإرث على براءة ذمّة الميت، كصحيحة سليمان «7» بن خالد: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في دية المقتول: إنّه يرثها الورثة على كتاب اللَّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين» «8». و في المصحّح عن عباد بن صهيب- الّذي قيل فيه: إنّه ثقة جليل «9»- عن أبي عبد اللَّه عليه السلام «في رجل فرّط في «10»

إخراج الزكاة، فلمّا حضره الموت حسب جميع ما كان فرّط فيه ممّا يلزمه من الزكاة، ثمّ أوصى أن يخرج ذلك فيدفع ذلك إلى من يجب له ذلك، فقال عليه السلام: جائز، يخرج ذلك «11» من جميع المال، إنّما هو بمنزلة دين لو كان عليه، ليس للورثة شي ء حتى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة» «12». و موثّقة زرارة الواردة «في عبد أذن له سيّده في التجارة، فاستدان العبد فمات المولى «13»، فاختصم الغرماء و ورثة الميّت في العبد و ما في يده، قال عليه السلام: ليس للورثة سبيل على رقبة العبد و ما في يده من المال و المتاع، إلّا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا، فيكون العبد و ما في يده من المال للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يده من المال للغرماء، يقوّم العبد و ما في يده من المال ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد و ما في يده عن دين الغرماء رجعوا إلى الورثة فيما بقي لهم إن كان الميّت ترك شيئا «14»، و إن فضل «15» قيمة العبد و ما في يده عن دين الغرماء ردّ على الورثة» «16». إلى غير ذلك من الأخبار. و لأنّه لو انتقل المال إلى الوارث لا نعتق عليه من لا يستقرّ ملكه عليه من الأقارب بمجرّد موت المورّث إن كان عليه دين مستوعب. و التالي باطل بلا خلاف، كما عن الخلاف «17». و لاستمرار سيرة المسلمين على دفع نماء التركة في الدين، و الإنكار على من اقتصر على دفع الأصل في الدين و إن قصر عن الدين، و هو كاشف عن بقاء الأصل في حكم مال الميّت، فيتبعه النماء. و للنظر في هذه الوجوه مجال لاندفاع الأصل بما يجي ء من أدلّة الانتقال إلى الوارث، و إمكان دعوى ظهور الآيات في تأخّر قسمة الإرث عن الوصيّة و الدّين لدفع توهّم مزاحمته لهما بتقسيط التركة على الثلاثة، فمساق الآية مساق ما ورد من أنّه يبدأ بالكفن، ثمّ الدّين، ثمّ الوصيّة، ثمّ الإرث «18»، و ليس في مقام تأسيس حكم تملّك الورثة حتّى يقيّد بكونه بعد الوصيّة و الدين [و لو سلم ظهورها في تقييد أصل التملك، لوجب حملها على تقييد استقرار الملك و استقلال الملك بالتأخّر عن الوصية و الدين، جمعا بينها و بين ما سيأتي] «19». و بهذا «20»

يمكن الجواب عن الأخبار، مضافا إلى أنّ ظاهرها تأخّر التملّك مطلقا عن الدين و لو لم يستوعب، و هو خلاف المعروف من الأصحاب، فيجب إمّا تقييد الدّين بالمستوعب، أو إرجاع القيد إلى الاستقرار و الاستقلال، بل هو ظاهر نفي السبيل في موثقة زرارة المذكورة «21». نعم، هذا لا يتوجّه على ظاهر الآيات حيث إنّ المقيّد فيها بالتأخّر هو تملك الورثة سهامهم من مجموع ما ترك، و لا ريب في توقّفه على عدم الدين و لو كان غير مستوعب. و أما لزوم انعتاق [القريب على الوارث فبمنع الملازمة فإنّ عمومات أدلّة انعتاق] «22» بعض أقارب الرجل عليه معارض بما دلّ من النصوص و الفتاوى «23» على تعلّق حق الديان بالتركة، و اختصاص التركة بالديّان إذا أبى الوارث عن ضمان الدين للغرماء، كما هو صريح موثقة زرارة المتقدّمة. و أما التمسك بالسيرة المذكورة ففيه: إنها مجرّد عادة مستحسنة عند العقل أو الشرع استقرّ بناء أهل المروءة عليها، مع أنّ الملازمة بين تملّك الوارث للأصل و استقلاله في النماء محلّ نظر، و إن كان ظاهرهم الفراغ عن هذه الملازمة، كما سيجي ء جعله من ثمرات المسألة. و لأجل ما ذكرنا من ضعف بعض «24» هذه الوجوه و إمكان رفع اليد عن بعضها، ذهب جمع- كما عن الخلاف «25»- إلى انتقال التركة إلى الوارث. و حكي ذلك عن المبسوط «26»، و جامع الشرائع «27»، و حكي عن الشهيد في محكي حواشي القواعد «28»، و تبعهم الفاضل في كثير من «29»

كتبه «30»، و الشهيد و المحقّق الثانيان «31»، و فخر الدين في حجر الإيضاح «32»، و كاشف اللّثام في شرح ميراث القواعد «33»، بل ظاهر بعض أنّه المشهور «34» و عن التذكرة: إنه الحق عندنا «35». و يدلّ عليه- مضافا إلى إطلاق آية الإرث مثل قوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «36» دلّ على سببية الهلاك للإرث، و قوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.. الآية «37» و آية أولوا الأرحام «38»- : أنّه لو لا ذلك لم يشارك ابن الابن عمّه في ميراث جدّه إذا مات أبوه قبل إيفاء الدّين، و التّالي باطل إجماعا. و أنّه لو لم «39» ينتقل المال إليه لم يجز له الحلف لإثبات دين لمورّثه إذا أقام شاهدا واحدا به إذ لا يمين لإثبات مال الغير، كما يظهر من النّصوص «40» و الفتاوى «41». و أنّه لو لم ينتقل إليه لزم إمّا خروج التركة عن الملك، أو بقاؤه بلا مالك، أو كون الميّت مالكا له «42»، و انتقاله إلى غير الوارث، و الكلّ باطل بالعقل و النقل. و يمكن الجواب عن الإطلاقات: بما ذكر من الآيات المقيّدة. و عن مشاركة ابن الابن: بأنّه لأجل وراثته لما «43» ترك أبوه من استحقاق الإرث لو لا الدّين، كمشاركة البعيد للقريب فيما ينتقل بالخيار، كما إذا باع الميّت بخيار فمات عن اثنين، فمات أحدهما عن ابن، فإن ابن الابن يشارك عمّه في المبيع لأجل وراثته الخيار عن أبيه. و عن جواز حلف الوارث: بأنّه لأجل الإجماع «44» على كون المحاكمة للوارث فهو الدّليل على جواز حلفه لإثبات مال مورّثه. و عن الوجه الأخير: بمنع عدم قابليّة الميت للملك، و إلّا بقي الكفن و مئونة التجهيز بلا مالك، أو خرج عن الملكيّة، و كذا دية الجناية عليه «45» بعد موته، و كذا العين الذي أوصى بدفعه اجرة للعبادة، و كذا تركة الحرّ إذا لم يخلّف «46» سوى قريب مملوك حيث حكموا بوجوب شرائه و عتقه ليرث الباقي. و لو التزم فيما عدا الأخير بانتقاله إلى الوارث- إلّا أنّه يتعين عليه صرفه إلى الوجه الخاص و محجور عما عداه من التصرّفات، كما حكي عن جامع المقاصد «47»، و التزم ذلك في الثلث الموصى به «48»- لم يتأتّ ذلك في الأخير إذ المفروض أنّ المملوك قبل العتق لا يرث. و احتمال انتقاله إلى اللَّه- كما في الوقف العام «49»- مشترك. اللَّهم إلّا أن يقال بانتقاله إلى الإمام عليه السلام، بمقتضى عموم ما دلّ على أنّ الإمام يرث من لا وارث له «50» فإنّ وجود القريب الممنوع عن الإرث كعدمه، فالقريب المملوك كالقاتل و ولد الملاعنة و الكافر «51»، فيكون حكم الإمام عليه السلام بشراء المملوك و عتقه و إعطائه

المكاسب، ج 4، ص 404

الباقي «1» تفضّلا منه عليه السلام على المملوك، فهو حكم شرعي ثانوي، و ليس من باب الإرث بالنسب حتى يكون مخصصا بالعمومات «إنّه لا يرث عبد حرا» «2»، فتأمّل. و أمّا احتمال كونه ملكا للَّه، فهو- مع أنّ الظّاهر كما ادعي الاتفاق على عدمه- مناف لعموم ما دلّ على أنّ ما كان للَّه فهو للإمام عليه السلام «3»، مع أنّ نسبة الملكيّة بالمعنى المتعارف- أعني: الربط الخاص الموجود بين الأملاك و الملّاك- إلى اللَّه تعالى شأنه محل تأمّل و نظر، و أن قال به جماعة في الوقف العام «4». و أمّا احتمال انتقاله إلى الديّان أو أجنبيّ آخر فهو مخالف للإجماع،- كما ادعي «5»- فلم يبق من مقدمات الدليل المذكور إلّا إبطال خروج المال عن الملك، أو جواز بقاء الملك بلا مالك. و إن أبيت عن إبطالهما «6» بالاتّفاق كما ادّعاه على ثانيهما ثاني المحققين، قال «7» في محكي المقاصد: فيكفي في إبطالهما صحة ورود عقود المعاوضات عليه، كالبيع و الإجارة و نحوهما، مما يتوقف على ملكيّة مورده، و وجود مالك ينتقل إليه عوضه «8». و يمكن تقرير الدّليل المذكور بوجه آخر أسهل في إبطال اللوازم المذكورة، و هو أنّه لا ريب في تحقّق الوراثة الفعليّة شرعا و عرفا لجميع التركة بعد إيفاء الدين من الخارج، أو إبراء الدّيّان، أو تبرّع الأجنبيّ، و ليس معنى الوراثة شرعا و عرفا إلّا انتقال المال من الموروث إلى الوارث، فلو خرج المال بموت المورث عن الملكية لم يتحقق [الانتقال، و لو بقي بلا مالك لم يكن الانتقال من الميّت، و لو انتقل إلى اللَّه أو إلى غير الوارث لم يكن الانتقال من الميّت إلى الوراث] «9» لأن الوراثة هي الانتقال بلا واسطة، و لذا لا يسمّى انتقال بعض التركة من الموصى له «10» إلى الوارث بالابتياع وراثة. و كيف كان، فالظاهر تماميّة مقدّمات الدليل المذكور، و به يثبت صحّة القول الثاني و إن سلّمنا مخالفته لظاهر الآيات، إلّا أنّ الوجه المذكور قابل لصرفها عن ظاهرها، و لكن المسألة مشكلة جدا، و اللَّه العالم.

هذا كله في الدين المستوعب، و أمّا ما لا يستوعب التركة، فتارة يقع الكلام فيما قابل الدين منها، و اخرى في الفاضل عنه. أمّا الأوّل: فالظّاهر أنّ الخلاف فيه كما في الدّين المستوعب، و تدلّ عليه الأدلّة المتقدّمة. و أمّا الثاني: فملكيّته للوارث ممّا لا خلاف فيه على الظاهر- كما يظهر من غير واحد- و إن كان ظاهر الأخبار المتقدّمة خلافه. و أمّا جواز تصرّفه فيه و عدم حجره عنه، ففيه قولان: أحدهما: نعم- و هو للفاضل «11»، و المحكي عن الجامع «12»، و الشهيد في حواشيه على ميراث القواعد «13»، و المسالك «14»، و الكفاية «15»، و بعض آخر، بل ظاهر عبارة المناهل ظهور عدم الخلاف فيه «16»- لأصالة تسلّط المالك على ملكه إلّا أن يثبت الحجر «17». و الثاني: لا «18»- و هو المحكي عن ميراث القواعد «19»، و رهن الإيضاح «20» و حجره «21»، و حجر جامع المقاصد «22»، و كتاب الدين من إيضاح النافع «23»، و ظاهر المبسوط «24» و السرائر، مدعيا عدم الخلاف فيه «25»، كما عرفت من عبارته المتقدّمة «26»- للأخبار المتقدّمة «27» الظاهرة في أنّ [الورثة لا يملكون شيئا إلّا بعد الأداء أو الضمان خرجنا عن ظاهرها في أصل الملكية بالنسبة إلى الفاضل] «28». و قد يتمسك- أيضا- بالآية المتقدّمة، و فيه نظر لأنّ التّقييد في الآية بما بعد الدين إمّا للتملّك، و إمّا [ل] «29» جواز التّصرف. و على كل حال، فمفادها تقييد تملّك مجموع ما ترك الميّت أو التصرّف فيه بما بعد الدّين، و لا خلاف في ذلك. فالعمدة هي الأخبار، إلّا أنّها معارضة بما يخالفها مثل مرسلة البزنطي المصحّحة إليه: «عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: إذا استيقن أنّ الّذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» «30». و في معناها ما عن ثقة الإسلام و الشيخ في الموثّق عن ابن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام «31». و لعلّه «32» يجوز الإنفاق مع الشك في الإحاطة للبناء على أصالة عدمها. فالأقوى الجمع بين هذين و بين الأخبار المتقدّمة بتقييد جواز التصرّف، بصورة ضمان الورثة أو وليّهم دين الغرماء، كما هو صريح موثّقة زرارة المتقدّمة «33». لكن «34» يأباه التفصيل في هذين بين صورتي الإحاطة و عدمها إذ مع الضّمان لا فرق بينهما في جواز التّصرف. فالأولى حملها على الإنفاق بعد عزل القدر المتيقّن من الدين، و إنّ وليّ الميّت أو الورثة يجب عليه مع عدم الإحاطة أن لا يحبس حقّ الورثة لأجل الغرماء، بل يعزل حقّهم و ينفق الباقي.

فالأظهر- حينئذ- ما دلّت عليه الموثّقة المتقدّمة من عدم جواز التّصرف قبل الضمان. و أمّا ما دلّ بظاهره منها على توقّف التصرّف على الأداء، فمع وروده مورد الغالب من إقدام الوارث على الأداء «35» من قيمة العين، لا ضمان الدين في الذمة، يجب تقييد مفهومه الغائي بمنطوق الموثقة. ثمّ لا يبعد أن يراد من الضّمان فيها هو مجرد التعهّد بالمال، مع إذن الغرماء صريحا، أو رضاهم بشاهد الحال، بحسب مقتضى حال الوارث من عزمه على الأداء و وفائه بما يعزم عليه. و على ما ذكرنا «36» ينطبق ما يشاهد «37» من استمرار سيرة المسلمين على عدم الامتناع من التّصرف في مال مورّثهم- من بيته «38» و أثاث البيت و غير ذلك- إلى أن يستأذنوا الغريم الّذي له على الميت ما يفي به جزء من مائة ألف جزء من تركة الميت. و حينئذ فالوارث إذا علم من نفسه- في خصوص أداء دين الميّت- حالة يعلم برضى الغريم بتصرّفه في التركة لو اطّلع على ما في عزمه «39»، فالظاهر جواز التّصرف و إن استوعب الدين. و على أيّ تقدير، فلو تصرّف الوارث في موضع الجواز فتلف باقي التركة قبل إيفاء الدين، فالظاهر رجوع الغرماء إلى الوارث، لعموم ما دلّ على أنّه يبدأ «40» بالدين قبل الإرث «41»، و إطلاق ذيل موثّقة زرارة المتقدمة الآمرة برجوع الغرماء فيما بقي من حقوقهم إلى الورثة إن كان الميّت ترك شيئا «42». و لو أعسر الوارث حينئذ، فلا يبعد أن يكون للغريم نقض تصرفه فيما تصرّف فيه «43» من بعض التركة- كما ذكره في القواعد «44»- لكشف تلف بعض التركة عن عدم استحقاق الوارث لما تصرّف فيه، فتأمّل. نعم، لو عزل دين الميت فقبضه وليّ الميت- وصيّا «45» أو غيره- و تمكن من دفعه إلى الغريم فلم يدفع ثم تلف، كان عليه «46» ضمانه لا على الورثة للأخبار «47»

الدّالة على ضمان من اوصي إليه بإيصال حق فتمكّن منه و لم يفعل، و قد ورد بعضها في باب من تمكّن من إيصال الزكاة فلم يفعل «48»، كمصحّحة الحلبي [عن أبي عبد اللَّه: «أنه قال] «49» في رجل توفّي فأوصى إلى رجل- و على الرجل «50» المتوفّى دين- فعمد الذي اوصي إليه فعزل الذي للغرماء، فرفعه في «51» بيته و قسّم الّذي بقي بين الورثة، فسرق «52» الذي للغرماء من الليل، ممن يؤخذ «53»؟ قال: هو ضامن حين عزله في بيته يؤدي من ماله» «54». و ما عن المشايخ الثلاثة عن أبان عن رجل [قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام] «55» عن رجل أوصى إلى رجل «56» أنّ عليه دينا، فقال: يقضي الرجل ما عليه من دينه و يقسّم ما بقي بين الورثة، قلت: فسرق ما كان أوصى به من الدّين، ممن يؤخذ [الدين، أ] «57» من الورثة أم من الوصيّ؟ [قال: لا يؤخذ من الورثة] «58» و لكن الوصيّ ضامن لها «59»» «60». و قريب منها رواية عبد اللَّه الهاشميّ المحكيّة عن التهذيبين في وصيّ أعطاه الميّت زكاة ماله فذهبت «61».

مسألة [9] «62» إذا مات المديون فالمحكي عن الأكثر: بقاء المال المقابل للدين على حكم [مال] الميّت،

و لا ينتقل من حين الموت إلى الوارث إلّا الفاضل عن الدين «63». و عن جماعة منهم العلّامة «64» و الشهيد الثاني «65»: [الذهاب] «66» إلى انتقال المال بالموت إلى الوارث و إن استغرق الدين التركة. للأوّلين: ظاهر قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ «67» بناء على أنّ ظاهر اللّام في آيات الإرث التمليك، فمقتضى القيد توقف الملك على إيفاء الوصيّة و الدين. و ظاهر الأخبار الكثيرة، مثل قوله في الدية: «يرثها أولياء المقتول إذا لم يكن على الميّت دين» «68». و قوله في الرواية المرويّة في باب الزكاة: «إنّما هو بمنزلة الدين لو كان عليه، ليس للورثة شي ء حتى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة «69». و قوله عليه السلام في موثّقة زرارة: «في عبد أذن له سيّده في التجارة، فاستدان العبد فمات المولى فاختصم الغرماء و الورثة فيما في يد العبد، قال: ليس للورثة سبيل على رقبة العبد و ما في يده من المال و المتاع، إلّا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا، فيكون العبد و ما في يده من المال للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يده من المال للغرماء، يقوّم العبد و ما في يده من المال، ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد و ما في يده عن أموال الغرماء رجعوا إلى الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئا، و إن فضل قيمة العبد و ما في يده عن دين الغرماء رد على الورثة» «70». و ممّا استدلّ به الشيخ في المبسوط لهذا القول أيضا: إنّه لو انتقل المال إلى الورثة لانعتق قريب الوارث عليه بمجرّد موت المورث و إن كان عليه دين مستوعب، و التالي باطل بلا خلاف «71». و للآخرين: إنه لو لم ينتقل إلى الوارث لبقي مالا بلا مالك، و هو محال عقلا. و إنّه لو لم ينتقل لم يشارك ابن الابن عمّه في ميراث جده إذا مات أبوه قبل إيفاء الدين. و التالي باطل إجماعا. و للنظر في كل من أدلّة الطرفين مجال، إلّا أنّ الأقوى هو القول الثاني لأن كون التركة ملكا ممّا لا يقبل الإنكار، لما قد ثبت له من الأحكام المتوقّفة على الملك، كالبيع و الإجارة، و ضمانه عينا و منفعة عند التلف، إلى غير ذلك، و توقّف الملك على المالك- أيضا- كذلك لأن الملكيّة من الإضافات المتوقّفة على تحقّق أطرافها، و ليس هنا من يملك إلّا الوارث لأنّ مالكيّة الديّان منتفية إجماعا «72». و أورد عليه النقض ب: ثمن الكفن، و مئونة التجهيز، و الزكاة، و دية الجناية على الميت- التي ورد النص بأنّها ليست للورثة بل يتصدّق [بها] للميّت في وجوه البر «73»- و بالوقف العام. فإن قيل: إنّه ملك للَّه تعالى. قلنا بمثله في مال الميّت، إلّا أنّ الفارق وجوب صرف هذا في ديون الميّت. و يمكن الجواب- فيما عدا النقض بالوقف- : بالتزام ملكيّة الكفن و نحوه للورثة، و نحوه المال الموصى به في مصرف مخصوص كاستئجار العبادة و نحوه، و دية الجناية للفقراء، و الزكاة لهم أو لكافّة المسلمين. و أمّا احتمال كونه كالوقف ملكا للَّه، فهو مخالف للإجماع على أنّ الملك هنا ليس للَّه تعالى لأنّ أصحابنا بين قائل بانتقاله إلى الوارث، و بين قائل بكونه في حكم مال الميّت «74»، مع أنّ ثبوت الملك بالمعنى المتعارف للَّه تعالى محلّ تأمّل، و إن قيل به في الوقف العام، مع أنّ انتقال الملك إلى اللَّه ليس بناقل اختياريّ، و الاضطراري غير ثابت. فإن قلت: الانتقال إلى الوارث- أيضا- غير ثابت. قلت: انتقاله إليه في الجملة ثابت، إنّما الكلام في كون ذلك قبل إيفاء الدين أو بعده، فيحكم بثبوت الانتقال قبل الإيفاء بأصالة عدم الانتقال إلى غيره، نظير ما إذا ثبتت الحقيقة العرفيّة للفظ و شكّ في كونه في اللّغة كذلك، فإنّه يحكم بثبوت الحقيقة العرفية في اللّغة- أيضا- بأصالة عدم النقل، و لا يجري هنا أصالة تأخّر الوارث «75». فحاصل الاستدلال: أنّ الأمر دائر بين تملك الميت، أو تملك الوارث، أو كون الملك للَّه تعالى. و الأوّل باطل قطعا، فيدور الأمر بين الأخيرين و حيث إنّ تملك الوارث ثابت في الزمان المتأخّر، و يشك في ثبوته عند الموت، فيحكم بثبوته هناك، نظير ما ذكر في الحكم بسبق المعنى العرفي و عدم مسبوقيّته لوضع آخر، هذا، و لكنّ العمدة في نفي احتمال ملكيته للَّه هو الإجماع المركّب كما عرفت، و إلّا فإثبات سبق التملّك بهذا الأصل غير صحيح، و المعتمد في إثبات سبق الحقيقة العرفيّة عند الشكّ على أمور أخر، فتدبّر. نعم، يمكن أن يوجّه الاستدلال المذكور بأنّ الإرث عرفا و شرعا هو انتقال ما كان للميت من مال أو حق منه إلى الوارث، و لا يتحقق هذا المعنى إلّا بعد عدم توسّط مالك ثالث بين الميت و الوارث، و إلّا لانتقل المال إلى الوارث منه لا من الميّت، فحينئذ فيدور الأمر- قبل إيفاء الدين- بين تملك الميّت و تملك الوارث، و الأوّل باطل لكونه خرقا للإجماع، و لأن الميت إمّا أن يراد به نفس الجسد، و لا يخفى عدم قابليته للتملك، و إمّا أن يراد به النفس الباقية بعد الموت، و هو و إن تصوّر فيه الملك نظير ما يقال في حصول الملكيّة للَّه تعالى في الوقف العام، إلّا أنّ ملاحظة أحكام الملك و المالك يكشف كشفا قطعيّا عن بطلانه، كيف و لو كان كذلك لزم انتقال عوض التركة إليه إذا باعها الوارث، و انعتق عليه من يعتق عليه إذا انتقل إليه، إلّا أن يمنع ذلك من أجل الحجر عليه و إن كان مالكا، و لجاز الربا في المعاملة الواقعة من الوارث إذا كان مع ولد الميت أو زوجته، و لجاز نقل الملك إليه، و الوقف عليه، إلى غير ذلك مما هو متّفق البطلان. و لو فرض تسليم قابليّة النفس الناطقة للملك، لكن نقول: لا بد من التزام انتقال المال من الإنسان لأنّ المالك في حال الحياة ليس خصوص النفس الناطقة- كما لا يخفى- و قد علمت أنّ الإرث انتقال المال من الميت إلى الحيّ لا إلى النفس، و منه إلى الوارث. و كيف كان، فهذا الوجه هو المعتمد في الاستدلال. و أمّا ما ذكر من اشتراك ابن الابن لعمّه إذا مات أبوه قبل الإيفاء فهو أعم من المطلوب لاحتمال كونه لأجل انتقال تأهّل الملكيّة بعد الدين إليه من أبيه، و انتقال سبب الملك كاف في استحقاق النصيب، كما لو كان للميّت خيار، فإن ابن الابن يرث الخيار من أبيه فيشارك مع عمّه في البيع المستردّ بالخيار، و نحوه ورثة الموصي له، فإنهم إذا قبلوها تنتقل إلى ورثة الموصي له حين موته لا حين قبولهم لأنّهم إنّما ورثوا قابليّة الملك و القبول للموصى به. و كذا الوقف المنقطع الآخر الذي قيل: إنّه يرجع بعد الانقطاع إلى ورثة الواقف، بناء على انتقاله إلى ورثته حين الموت لا حين انقراض الموقوف عليهم، و يحتمل الانتقال إلى ورثته حين الانقراض، بناء على أنّه يقدّر انتقاله إلى الميت من ذلك الحين، و الفرق بينه و بين الخيار و الوصيّة أنّهما إنّما ينتقلان من الميت إلى وارثه، ثمّ منه إلى وارثه، و هكذا، و انتقال المال تابع للخيار و الوصيّة، بخلاف الوقف فإنّه يقدّر انتقاله إلى الميت من حين الانقراض. و وجه الاحتمال الأوّل: هو أن الواقف له تأهّل انتقال الوقف إليه لو انقرض الموقوف إليه «76». و بهذا المعنى ينتقل إلى وارثه، ثم إلى وارثه، و هكذا، فيكون انتقال المال تابعا لانتقال ذلك التأهّل، كانتقال المال في الخيار و الوصيّة. و يدلّ على تملّك الوارث- مضافا إلى ما ذكرنا- إطلاقات الإرث، مثل قوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.. الآية «77». و قوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «78». دل على سببيّة الهلاك لتملّك الوارث. و يؤيّدها آية اولي الأرحام «79» و قوله تعالى وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «80». و تقييدها بما بعد الوصيّة و الدين لوجود الآيات المقيّدة ممنوع، أوّلا: بما سيجي ء من عدم دلالة تلك الآيات إلّا على كون القسمة بين الورثة بعد الدين، لا أنّ التملك بعده. و ثانيا: لو سلمنا دلالتها على ذلك لكن نقول: لا يمكن تقييد الآيات المطلقة بها لأنّا إن قلنا بظهور اللّام- وضعا أو انصرافا- في الملكيّة المستقرة السليمة عن مزاحمة الغير، فلا يخفى أنّ تقييد هذه الملكيّة بما بعد الدين- كما تضمنته الآيات- متفق عليه. [على أن التقييد في هذه] «81» الآيات ليس بأولى من حمل الملكية- المستفادة من اللام- و الأولوية و المولوية على ما لا ينافي مزاحمة حقّ الغير المانع من التصرف المنافي له، و إن كانت ظاهرة في غير ذلك «82». إلّا أنّ الآيات المطلقة المذكورة كما يمكن تقييد الملكيّة المذكورة المستفادة منها بما بعد الدين بقرينة الآيات المقيّدة، كذلك يمكن أن يراد من الملكيّة فيها- الظاهرة في الفرد المستقر- مطلق الملكيّة المجامع مع عدم الاستقرار و مزاحمة الغير. و دعوى أولويّة تقييد المطلق من إرادة الإطلاق من المطلق المنصرف إلى بعض أفراده، ممنوعة. و إن قلنا بعدم ظهور في أزيد من مطلق الملكيّة فيدور الأمر بين تقييد الآيات المطلقة بما بعد الدين، لشهادة الآيات المقيدة، و بين تقييد الملكيّة المقيّدة بما بعد الدين- في الآيات المقيّدة- على خصوص الملك المستقرّ المستقلّ السليم عن مزاحمة الغير في التصرّف، فبقي إطلاق ثبوت أصل الملك في الآيات المطلقة غير مقيّد بشي ء، و كيف [كان] «83» فلا يتعيّن تقييد الآيات المطلقة بالآيات المقيّدة. و أمّا ما استدلّ به الأكثر على عدم الملك من الوجوه الثلاثة: فأمّا أصالة عدم الانتقال إلّا بعد الإيفاء و إن كانت جارية هنا و لا تعارضها أصالة عدم الانتقال إلى مالك آخر فضلا عن أن تقدّم عليها، و إنّما تقدّم عليها في تعيين أوضاع الألفاظ لوجوه أخر- كما عرفت سابقا- إلّا أنّ الأصل يخرج عنه بما ذكرنا من الدليل. و أمّا التمسك بلزوم انعتاق من ينعتق على الوارث بمجرّد الموت مع إحاطة الدين، فيرد عليه: منع عموم الدّليل على الانعتاق بمجرّد الملك، حتّى فيما إذا كان متعلّقا لحق الغير و كان المالك ممنوعا من التصرّف. و عموم ما دلّ على أنّه لا يملك الرجل محارمه معارض بعموم ما تقدّم من الدليل، على أنّ الورثة إذا أبوا عن ضمان الدين كان التركة للغرماء يقوّمونه و يأخذون حقّهم «84». و أمّا التمسك بالآيات المتضمّنة لقوله مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ.. أَوْ دَيْنٍ «85» ففيه: أوّلا: انّ الظاهر من الآية سوقها لبيان كيفيّة القسمة- بعد كون مالكيّة الورثة و استحقاقهم في الجملة مفروغا عنه- لا لتأسيس الحكم بأصل التملّك، فالمتأخر عن الوصيّة و الدين هي قسمة الإرث بين الورثة على النحو المذكور في الآيات، فالمراد: أنّ الورثة لا يزاحمون الموصى له و لا الديّان. فمساق الآية مساق ما ورد من أنّ أوّل شي ء يبدأ به من المال: الكفن، ثم الدين، ثم الوصيّة، ثم الميراث «86». و ربما يظهر ما ذكرنا من بعض فقرأت الآيات، مثل قوله تعالى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ.. إلخ «87»، فإنّ قوله وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ دل على أنّ قوله فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ و قوله فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مسوق لبيان كيفيّة القسمة، فالمقيّد بقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ هي القسمة بين الأبوين، لا أصل إرث الأبوين لمال الميت. فالمقصود من القيد بيان عدم مزاحمة إيفاء الوارث للوصيّة و الدين. و ثانيا- سلّمنا أنّ القيد يرجع إلى الملكيّة لكن نقول: لمّا كان الظاهر من الملكيّة المستفادة من اللّام- الموضوعة للاختصاص المطلق- هو استقلال المالك و عدم مزاحمته في التصرّف، فالقيد راجع إلى الملكيّة على هذا النهج، و تأخّرها عن الدين ممّا لا خلاف فيه. اللَّهمّ إلّا أن يقال: إنّ خصوصيّة الاستقلال في الملك و التسلّط، و عدم تسلّط الغير ليس من الأمور المستفادة من «لام التمليك»، بل و لا «لام الاختصاص» لأنّ غاية الاختصاص المطلق المستفاد من اللّام هو الاستقلال، بمعنى عدم مدخليّة الغير في الملكيّة و نفي تشريك الغير.

و أمّا عدم مدخلية الغير في مزاحمة المالك و منعه عن التصرّف، فهو من الأحكام الشرعيّة الثابتة للأملاك لو خلّيت و أنفسها، و أظهر من ذلك- في الخروج عن مدلول اللّام- استقرار الملك و عدم تزلزله بتسلط الديّان على إبطاله عند امتناع الوارث من أداء الدين، فإنّ هذا ليس من أحكام الملك- فضلا عن مدخليّته في نفس الملك- ليكون داخلا في مفاد اللّام، بل هو مقتضى استصحاب الملك. و أمّا تنجّز الملك و عدم مراعاته بضمان الدين، أو مقتضى إطلاق الحكم بالملكيّة، فاتّضح إنّ شيئا من الخصوصيّات المذكورة للملك- اعني الاختصاص بمعنى عدم مدخليّة الغير في المنع عن التصرّف، و استقرار الملك و تنجّزه- ليس مستفادا من نفس اللفظ حتّى يرد عليه التقييد، فيكون مؤدّاه توقّف الملك الخاص على إيفاء الدين، فلا ينافي حصول أصل الملك قبل الإيفاء. نعم، لو سلّم عدم دلالة اللّام على أكثر من مطلق الملك- لكن ادعي أنّ المراد من المطلق: الملك الخاص، اعني المنجّز المستقرّ السليم عن المزاحمة، فالتقييد وارد على هذا المقيّد المراد من المطلق- كان حسنا بشرط إثبات الدليل من الخارج على ثبوت أصل الملك، حتى لهذا التقييد المذكور. نعم، يمكن أن يقال- كما أشرنا سابقا- : إنّ إبقاء الملكيّة- المقيّدة في هذه الآيات بما بعد الدين- على إطلاقها موجب لتقييد الآيات المطلقة المتقدّمة «88» بهذه الآيات، فيدور الأمر بين تقييد الملكيّة المطلقة- في آيات الدين- بالملكيّة المستقرة السليمة عن مزاحمة الغير في التصرّف، و بين تقييد أصل الملكيّة- في تلك الآيات المطلقة- بما بعد الدين، و لو لم نرجّح التقييد الأوّل، فلا نرجّح الثاني. لكنّ الإنصاف إنّ التقييد الثاني أرجح، و حينئذ فمع الإجمال في الآيات المطلقة و الآيات المقيّدة، فالمرجّح ما ذكرنا من الدليل العقلي، لا إطلاقات الآيات المتقدّمة، مضافا إلى قوّة احتمال ورودها في مقام بيان استحقاق الأقارب في مقابل الحرمان بالكلية، و يشهد له: أنّ الآية الأولى إنّما نزلت في ورثة بعض الأنصار حيث إنّ إخوة الميّت أخذوا المال و حرموا أولاده الصغار و امرأته «89»، فيكون مساقها مساق جميع الإطلاقات الواردة في أنّ للأبوين كذا، و للأخ كذا، و للخال كذا، و للعمّ كذا، إذ لا يرتاب أحد في ورودها في مقام تشخيص المستحقّين إذا فرض ثبوت الإرث و الاستحقاق لأصل الوارث في وقت. و يؤيّده إطلاقهم- ظاهرا- على أنّ الوارث له حقّ المحاكمة، بمعنى أنّه لو ادّعى لمورّثه مالا على أحد، فأقام شاهدا واحدا، فله الحلف و أخذ الحقّ، و إن كان على الميت دين يحيط بالحقّ. و قد دلّت النصوص «90» و الفتاوى على أن اليمين المثبتة هي اليمين لإثبات مال لنفسه، و لا يمين لإثبات مال للغير بلا خلاف ظاهرا «91»، مع صراحة النصوص في أنّ المعتبر في جزء البيّنة يمين صاحب الحق، و مشروعيّة الحلف من الوارث، مع ما ثبت من أنّه لا يمين لإثبات مال للغير يدلّ على أنّ التركة مال الوارث. و اعلم أنّ الظاهر إنّ حكم الوصيّة و حكم الدين واحد، كما صرّح به بعض، حاكيا له عن جمع الجوامع «92» و فقه الراوندي «93» و غيرهما من مصنّفي آيات الأحكام «94». ثم إنّ الثمرة بين القولين تظهر في مواضع: منها: وجوب فطرته- لو كان عبدا- على الوارث، بل وجوب زكاة المال، على أحد الوجوه كما سيجي ء. و منها: استحقاق الوارث لنمائه لأنّه نماء ملكه، و في تعلق حقّ الديّان بالنماء- كما في فوائد الرهن على أحد القولين- احتمال، و إن نسب إلى الأصحاب القطع بخلافه في المدارك «95». و يؤيد هذا الاحتمال: عموم قوله عليه السلام في الرواية المتقدّمة: «ليس شي ء للورثة حتى يؤدوا ما عليه» «96»، و قوله: «ليس للورثة سبيل على رقبة العبد و ما في يده» «97»، و قوله عليه السلام في ولد المكاتب المطلق: «ليس له شي ء حتى يؤدي ما على أبيه» «98» فإنّ الظاهر.. «99». نعم، مقتضى الأصل و قاعدة «تسلّط الناس على أموالهم» ما نسب إلى الأصحاب. و منها: جواز بيع التركة قبل الإيفاء، ذكره في الدروس «100»، فإن أراد الجواز مع عدم الضمان، و عدم إذن الغرماء، فهو مناف لما سبق من الأخبار «101»- و حكي عليه الإجماع في الإيضاح «102» و المسالك «103» و كشف اللثام «104»- من عدم استقلال الوارث بالتصرف. نعم، حكم الفاضل بجواز رهن التركة «105»، و لعلّه لأنّه يرى كون تعلق الدين بالتركة تعلق الرهن، لكن صرح بعض بأنّه لم يعهد ذلك من قائل عدا ما حكاه الشهيد في قواعده عن السيد رضي الدين قدّس سرّهما «106». نعم ظاهر محكي جامع المقاصد موافقة الفاضل في باب الرهن «107»، لكنّه عدل في باب الحجر «108» كما عرفت. و إن أراد الجواز مع الضمان أو إذن الديّان، فالظاهر جوازه على القولين لأنّه و إن لم يكن مالكا- على قول الأكثر- إلّا أنّ له ولاية التصرف بإذن الغرماء، إلّا أن يمنع الولاية. بل له إمّا إعطاء الأعيان بإزاء الدين بعد التقويم أو ضمان الدين ثم التصرف فيها بما يشاء، كما يظهر من قوله عليه السلام: «ليس للورثة سبيل على العبد و ما في يده حتّى يضمنوا للغرماء» «109». و منها: وجوب الزكاة على الوارث و عدمه، و توضيحه: إنّه إذا مات المالك و عليه دين و ترك نخيلا- مثلا- فإمّا أن يكون موته بعد ظهور الثمرة و تعلّق الزكاة بها، أو قبله. و الأوّل سيجي ء حكمه. و على الثاني: فإمّا أن تكون التركة فاضلا عن الدين. و إمّا أن يكون الدين محيطا بالتركة. و على التقديرين: فإمّا أن يكون الموت بعد الظهور أو قبله. فالأقسام أربعة: فعلى الأوّل يحسب الزكاة في الفاضل إذا بلغ نصابا، لانتقاله إلى الوارث. و ممنوعيته عن التصرّف فيه- على أحد القولين المتقدّمين في الفاضل عن الدين «110»- لا يوجب نفي الزكاة إذ غايته انّه كالمرهون المقدور على فكه و لو ببيعه، بل هو أولى. نعم، لو قيل بعدم الزكاة في ما تعلّق به حقّ الغير كالرهن و لو تمكّن من فكّه، كما هو أحد الأقوال في الرهن، لم تجب الزكاة. و كذلك الحكم على الثاني، و كذلك على الثالث، إن قلنا بملك الوارث. و الكلام في حجره عن التصرّف كما تقدّم من أنّه لا يزيد عن الرهن المقدور على فكّه، الذي صرّح الشهيدان في الروضة «111» و البيان «112» بوجوب الزكاة فيه، فما في المسالك- من أنّ التركة المحاطة بالدين لا تجب زكاتها على الوارث و لو على الانتقال، لمنعه عن التصرّف «113»- لا يخفى ما فيه. ثمّ إنّه إذا أخرج الوارث الزكاة من العين فهل يغرم بدلها للديّان؟ الظاهر ذلك إذ لم يجب عليه دفع الزكاة من العين، و لا دفع الدين منها، فالوجوب في كل منهما تخييري الأداء من العين و غيره، فلا يلزم من العمل بخطابي أداء الزكاة و أداء الدين محذور لعدم التعارض، و تعلق الزكاة بالعين لا ينافي كون الخطاب تخييريّا. نعم لو قلنا: إنّ دفع القيمة مسقط للتكليف بالإخراج من العين حيث إنّه لولايته الشرعية نقل العين المستحقة للفقراء إلى نفسه فسقط تكليفه بإخراج العين لا أنّ دفع العين أحد طرفي التخيير، أمكن القول بأنّ تعلق حق الفقراء بالعين بمنزلة تلف بعض التركة بغير اختيار الوارث، فلا يجب عليه الغرامة، مع إمكان القول بالوجوب حينئذ نظرا إلى عموم ما دل على أنّه لا يجوز للوارث التصرّف ما لم يضمن للغرماء حقهم، كما في الرواية المتقدّمة في قوله عليه السلام: «ليس للورثة سبيل على رقبة العبد و ما في يده حتى يضمنوا للغرماء» «114». و حينئذ فوجوب التصرف بدفع الزكاة لا ينافي توقف هذا التصرف على الضمان. و إن كان واجبا- أيضا- فيجب الضمان من باب المقدّمة، و مجرّد الحكم بوجوب إخراجه من العين لا يوجب كون الإخراج مجّانا و من غير عوض، كما أنّ وجوب أخذ مال الغير في الاضطرار لا ينافي ضمانه الثابت بالقاعدة. فنتيجة القاعدة هي وجوب الأخذ بعد الضمان. فإن قلت: بعد تسليم تعلّق الزكاة به و اشتراك الفقراء فإخراج الزكاة ليس تصرفا في متعلّق حقّ الغرماء لأنّه خارج عن الإرث، فلا يشمله ما دل على منعه على التصرّف في الميراث إلّا بعد الضمان. قلت: مع أنّ هذا مبنيّ على تعلّق الشركة فيه، إنّه إنّما يستقيم لو كان تعلّق التكليف بأداء الزكاة متأخرا عن مشاركة الفقراء، نظير التكليف بأداء حصّة الشريك إليه في سائر الأموال المشتركة، و هو ممنوع. و كذا على الرابع، إن قلنا بملك الوارث، و ليس هنا مانع الحجر لأنّ الثمرة تظهر في ملك الوارث، و قد تقدّم أنّ المنسوب إلى الأصحاب القطع بعدم حجره عن التصرّف في النماء «115». ثمّ لو قلنا: بأنّ التركة في حكم مال الميّت فظهرت الثمرة و زادت التركة و دخلت المسألة في الصورة الثانية. و لو زادت التركة عند بلوغ حدّ الوجوب في الصورة الثالثة، اتحد زمان تملّك الوارث للفاضل و زمان نفي الوجوب، و الظاهر وجوب الزكاة على الوارث للعمومات. و لو كان موت المالك بعد تعلّق الوجوب، فلا إشكال في وجوب الزكاة في هذا المال و إن كان الميّت مديونا لأنّ الدين لا يمنع الزكاة. و لو ضاقت التركة عن الدين و الزكاة، فإن كان عين المال الزكوي تالفا، بأن كانت الزكاة في ذمة الميّت فهي كأحد الديون يوزّع المال على الجميع، و إن كانت العين باقية فالظاهر دفع الزكاة أوّلا، أمّا على تقدير تعلّق الشركة فواضح، و أمّا على تقدير تعلّقه كتعلّق الدين بالرهن و دية الجنابة بالعبد الجاني فلسبق تعلّق ذلك الحقّ، فيكون حقّ الغرماء بعد الموت تعلّق بمال تعلّق حقّ الغير به، فلا بدّ من فكّ الحقّ المتقدّم. ثمّ على القول بالانتقال إلى الوارث فالظاهر منعه من التصرّف مع مطالبة الورثة «116» مطلقا و لو كان الدين غير مستوعب- وفاقا للإيضاح «117»، و المحكيّ عن الكركي «118»- لعموم الروايتين المتقدّمتين في قوله: «ليس للورثة شي ء» «119»، و قوله: «ليس للورثة سبيل على رقبة العبد و ما في يده» «120». و ربّما يستدلّ لذلك بالآية، و يقال: إنّ مقتضاها أنّ تسلّط الورثة من جميع الوجوه متأخّر عن الدين و الوصيّة، خولف ذلك في أصل الملك لما دلّ عليه من الدليل العقلي و النقلي فيبقى الباقي على المنع. و فيه: انّ مقتضى الآية تأخّر التسلّط المطلق عن الدين، لا تأخر مطلق التسلط، فالعموم في قوله: التسلّط من جميع الوجوه، مجموعي لا أفرادي. و كيف كان، فمقتضى تلك الروايات هو المنع مطلقا، إلّا أنّ في بعض الأخبار دلالة على جواز التصرف إذا لم يحط الدين بالتركة، نحو مرسلة البزنطي- المصحّحة إليه- : «عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: إذا استيقن أن الّذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» «121». و ما سيجي ء من صحيحة الحلبي الدالّة على أنّ الوصيّ إذا عزل الدين و قسّم الباقي بين الورثة ثم تلف المعزول غرمه «122» إذ لو لم تجز القسمة قبل إيفاء الدين إلى صاحبه لكان حقّ الديان. و في معناها ما عن الكليني و الشيخ في الموثّق عن ابن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام «123» أن ينفق على الورثة مع عدم الاستغراق، و يوفّى الدين- أيضا- لوجوب إيصال حقّ كل من الورثة و الديان إليهم، لكن لا يخفى أنّه ليس في الرواية ما يوجب اختصاص ذلك بالوصيّ للميت- الولي الشرعي للصغار- بل ظاهر مطلق المتولي لأمور الميت و الورثة، فلا يبعد جواز ذلك لنفس الوارث، فيجوز له التصرف في بعض التركة مع حفظ بعضها الآخر للديان إلى زمان إمكان الأداء. نعم، لو اتّفق تلف ما للديّان بعد الإنفاق على الورثة فالضمان على الولي المتصرف إذا تمكّن من إيصال حقّ الدّيان إليهم فلم يفعل لما ورد في ضمان من اوصي إليه دفع مال إلى مستحقه فتمكّن و لم يفعل، المروي في باب: من تمكّن من إيصال الزكاة فلم يفعل «124». و لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أنّه قال: في رجل توفّي فأوصى إلى رجل، و على الرجل المتوفّى دين، فعمد الذي اوصي إليه فعزل الذي للغرماء فرفعه في بيته، و قسّم الذي بقي بين الورثة، فسرق الذي للغرماء من اللّيل، ممّن يؤخذ؟ قال: هو ضامن حين عزله في بيته، يؤدي من ماله» «125». و رواية أبان- المحكيّة عن الفقيه بطريق موثّق «126»، و عن الشيخ بطريق صحيح إليه مرسل «127»، و عن الكليني بسند ضعيف مرسل «128»- أنّه سأل رجل، أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل أوصى إلى رجل أنّ عليه دينا، فقال: «يقضي الرجل ما عليه من دينه و يقسّم ما بقي بين الورثة، قلت: فسرق ما كان أوصى به في الدين، ممن يؤخذ؟ أمن الورثة أم من الوصي؟ قال: لا يؤخذ من الورثة و لكن الوصيّ ضامن له» «129». و قريب منها رواية عبد اللَّه الهاشمي المحكية عن الاستبصار «130» و التهذيب «131» في وصيّ أعطاه الميت زكاة ماله فذهبت. و لا بد من حمل هذه الروايات- وفاقا للمحكيّ عن الشيخ في التهذيبين- على صورة تمكّن الوصيّ «132» لما تقدّم من التقييد في رواية الوصيّ الذي أمر بدفع مال إلى غيره، المرويّة في باب الزكاة «133». و لو لم يتمكّن من الدفع، فالظاهر المطابق للقاعدة أن الضمان على الورثة إذ لا يستقر ملك الرجل على شي ء من التركة قبل إيفاء الدين، لما تقدّم من الروايتين الظاهرتين في المنع من التصرف «134»، المحمولتين- بقرينة رواية الإنفاق «135» و هذه الروايات- على أنّه ليس لهم شي ء على سبيل الاختصاص المستقرّ و الملكيّة الثابتة حتى يؤدوا الدين. و لو أفلس الوصي، فالظاهر رجوع الغرماء إلى الورثة، بل لا يبعد رجوعهم من أوّل الأمر إلى الورثة. و

المراد بضمان الوصيّ وجوب غرامته فيكون ما يغرمه كأصل مال الميّت، لا أنّ الوصيّ ضامن للديان بمعنى عدم تسلّطهم على الورثة. فقوله عليه السلام في الرواية الثانية: «لا يؤخذ من الورثة» و إن كان ظاهرا في ذلك إلّا أنّه لا يبعد حمله على أنّ الضمان لا يستقرّ على الورثة، بمعنى أن لا يرجع أحدهما إلى الوصيّ، بل الضمان يستقرّ على الوصيّ، فإن أخذ الديّان منه فهو، و إن أخذوا من الوارث رجع الوارث إلى الوصيّ، كلّ ذلك لما تقرّر من أنّ الإرث لا يستقرّ ما لم يبرئ ذمة الميّت.

دراية : اصول الحديث و احكامه

مقدمه

مقدمه

مقدمه

أن كتابنا هذا يشتمل علي مقدمة وفصول.

أما المقدمة ففي بيان امور:

الأول:أول من ألف في علم الدراية:

1- أن أوّل من ألف من أصحابنا في علم الدراية __ كما هو المشهور _ هو جمال الدين أحمد بن موسي بن جعفر بن طاووس المتوفي عام 673 ه_،وهو والد عبد الكريم بن أحمد بن موسي ابت طاووس، المتوفي عام 693 ه_،واستاذ العلامة الحل_ّي (ت726ه_)،وابن داود الحل_ّي (ت 707 ه_) وهو واضع للاصطلاح الجديد لللإماميّة في في تقسيم الأحاديث _كما سيوافيك بيانه،فالرجل من محققي علي الرجال والدراية، حتي أنّ كتابه «حل الإشكال» مصدر لما جاء به العلامة الحل_ّي في خلاصته،وابن داود في رجاله،وصاحب المعالم في التحرير الطاوسي،وله كتب اخري تناهز الاثنين والثمانين مجلدا(1).

----------

1- راجع في ترجمة :الطهراني:الأنوار الساطعة في المائة السابغة، ص13و14.

9نعم السيد ابن طاووس هو أوّل من ألف حسب ما عثرنا عليه ويمكن أن قد سبقه أعلام آخرون لم نقف عليهم.

نعم ذكر السيد الصدر:إن أوّل من أل_ّف في دراية الحديث من الشيعة هو أبو عبدالله الحاكم النيسابوري الإمامي الشيعي،قال في كشف الظنون في باب حرف الميم مانصّه:

«معرفة علوم أول من تصدي له الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ الحافظ النيسابوري المتوفي سنة 405 ه_،وهو فيخمسة أجزاء ومشتمل علي خمسين نوعا ً،وتبعه في ذلك ابن الصلاح،فذكر من أنواع الحديث خمسة وستّين نوعاً(1).

أقول: لو كان الملاك في القضاء علي كون الحاكم النيسابوري شيعيّا ً،إماميا ً،هو متابه المستدرك __ الذي استدرك فيه أحاديث كثيرة فات ذكرها البخاري ومسلم مع وجود شروطهما فيها __ فالحاكم شيعيّ بالمعني الأعم،أي بنعني أنّه مبغض لخصوم علي،ومحبّ لأهل بيته، حتي أنه أل_ّف كتاب «فضائل فاطمة الزهراء»- عليه السلام _واسترك علي الشيخين أحاديث كثيرة تعد من اصول فضائل الإمام كحديث الغدير وحديث الطير المشويّ،ولا يظهر من ثنايا الكتاب تقديم علي -عليه السلام-علي الخفاء في الخلافة والولاية،وأنّه كان منصوصا ً عليه من قبل النبي لقيادة الام_ّة بعده،وعلي ذلك فهو شيعيّ بمعني أنّه محب لعلي ومبغض لأعدائه،لا أنّه شيعي بمعني

----------

1- السيد حسن الصدر:تأسيس الشيعة ، ص 294. وتوجد منه نسخة في مكتبه اياصوفيا في استنبول برقم 4044 (لاحظ ريحانة الأدب لشيخنا المدرس :5/278)،قد طبع أيضا ً عام 1937 م في القاهرة بتقديم الدكتور السيد معظم حسين (راجع علم الحديث ،ص 100 ،كما في دراية الحديث للأستاذ كاظم مدير شانه چي ، ص 18).

10

تقديمه علي غيره في الخلافه والولاية،والاقتفاء في الصول والفروع بأئمّة أهل البيت -عليه السلام-

ولو كان الملاك في في القضاء علي الحاكم في ذلك المجال ما ذكره أصحاب المعاجم حقّه،فلا شك أن_ّه مرمي بالتشيّع،ومتّهم به عند بعضهم، فقد نقل الذهبي في «تذكرة الحافظ» عن ابن طاهر أنّه قال:كان الحاكم يظهر التسنّن في التقديم والخلافة (1).

وقد عدّ الشيخ الحرّ العاملي،كتاب تاريخ نيسابور من كتب الشيعة في آخرالوسائل وقال:إنه من تأليف الحاكم (2) كما عدّه ابن شهر آشوب في معالم العلماء من مؤل_ّفي الشيعة وذكر له كتاب الإمالي كتاب مناقب الرضا -عليه السلام- (3). وعقد صاحب الرياض له ترجمة في القسم المختص بعلماء الشيعة(4).

ولأجل عدم وضوح الحال لا يصحّ لنا عدّه ممن ألف من الشيعة في هذا المضمار فضلا ً عن كونه أول المؤلفين فيه، فالقدر المتيقّن أنّ أول من أل_ف هو أحمد بن طاووس الحل_ّي،وإليك ما ألف بعده إلي القرن الحادي عشر.

2- علي بن عبدالحميد الحسيني الذي يروي عنه الشهيد الأول(ت 786 ه_) وأبو العباس أحمد بن فهد (757 __ 841 ه_)، صاحب نسبه إليه السيد الصدر في

----------

1- الذهبي: تذكرة الحفاظ :2/1045 برقم 961.

2- الحر العاملي:وسائل الشيعة :20/48،ولم ينسبه إلي الحاكم بل ذكر اسم الكتاب مصدرا ًلكتابه، وانّه من المتب التي روي عنها مع الواسطة.

3- ابن شهر آشوب :معالم العلماء ص 133 برقم 903.

4- عبدالله الأفندي :رياض العلماء :5/477 ويصرّح بأن ماعنونه ابن شهرآشوب ، هو هذا.

11

تأسيس الشيعة(1)

3- الشيخ الشيهد زين الدين العاملي (911-966ه_) وهو - قدس الله سره-قد بذل جهده في ذلك العلم وأل_ّف كتبا ً ثلاثه:

أ __ البداية في علم الدراية.

ب- شرح البداية،وقد منه عام 959ه_ وقد طبع هذا الكتاب تكرارا، وطبع أخيرا ًباسم «الرعاية في علم الدراية» محققة(2)، وأضفي محقق الكتاب عليه ثوبا ً جديدا ًوعل_ّق عليه تعليقات نافعة رفعته وجعلته في مستوي عال ٍ - شكرالله مساعيه -.

ج- غنية القاصدين في معرفة الصطلاحات المحدثين،أامح إليه في خاتمة شرح البداية، وقال:ومن أراد الاستقصاء فيها مع ذكر الأمثلة الموضحة لمطابه فعليه بكتابنا «غنية القاصدين في معرفة الصطلاحات المحدّثين» فإنه قد بلغ في ذلك الغاية(3).

4- الشيخ حسين بن الصمد العاملي (918- 984 ه_)، فله «وصول الأخيار إلي اصول الإخبار» الذي طبع مرّتين والمرّة الثانية طبع محققا.

5- الشيخ حسن بن زين الدين (ت 1010 ه_) المعروف بصاحب المعالم، فله أشواط في علمي الرجال والدراية، فألف «التحرير الطاوسي»

----------

1- تأسيس الشيعة ، ص295.

2- أثبت محقق الكتاب ومصحّحه انه الاسم الواقعي للكتاب ، لاحظ ص 168__ لذكل آثرناه عند التسمية.

3- الشهيد الثاني :الرعاية في علم الدراية :ص 404.

12

و«منتقي الجمان» وفي كلا الكتابين من أصول علم الدراية شئ كثير.

6- بهاءالدين العاملي (953 __ 1030ه_) فله «الوجيزة» فيعلم الدراية،وهو المتن كان محور الدراسة طلية أعوام، وقد شرحه السيد حسن الصدر وأسماء بنهاية الدراية،وهو مطبوع،وله أكثر من خمسة شروح كما نعرف،ولشيخنا بهاءالدين العاملي كتابا «الحبل المتين ومشرق الشمسين»وقد أدرج فيهما بعض مايمت إلي علم الدراية بصلة.

7- السيد المحقق المعروف ب_ «ميرداماد»(ت 1040 ه_) فقد أودع في كتابه «الرواشح السماوية» كثيرا ً من مسائل علم الدراية وأورد في مقدمته مصطلحات ذلك العلم.

هذه هي الكتب المؤلفة إلي نهاية القرن العاشر أو بقليل بعده، ثم نوالي التأليف تعد هؤلاء بين أصحابنا الإمامية،فألفوا كتبا ًورسائل بين مختصر، ومتوسط،ومنسوط،ذكر أسماءها شيخنا المجيز الطهراني في ذريعته،وقد طبع قليل منها(1).

هذا وقد قام لفيف من المحققين بتأليف كتب قيّمة في العصر الحاضر، فيها بغية الطالب وضال_ّة المحدث، ونشير إلي كتابين قيّمين منها:

1- نهاية الدراية في شرح الوجيزة،لبهاء الدين العاملي، تأليف السيد حسن الصدر،(1272 __ 1354ه_) فرغ منه عام 1314 ه_،وطبع في الهند أولا ً عام 1324 ه_ هذا ماذكره شيخنا في الذرية وطبع أخيرا ًفي إيران طبعة محققة.

----------

1- الطهراني :الذرية :8/54و55.

13

2- مقباس الهداية في علم الدراية، للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني (1290 __ 1351 ه_) مؤلف تنقيح المقال في علم الرجال.طبع في النجف عم 1345 ه_.

ثم طبع في آخر المجلدالثالث من كتاب الرجال مع إضافات وزيادات من المصنّف طاب ثراه.

الثاني:التعريف علم الدراية:

الثاني:التعريف علم الدراية:

الدراية في اللغة بمعني العلم والاط_ّلاع،ولعل_ّها أخص من مظلق العلم،وهي عبارة عن العلم بدقّة وإمعان، قال سبحانه:«وَما تدرِي نَفسٌ ماذَاتَكسِبُ غدا ً وما تَدري نفسٌ بأيِّ أرض ٍتموتُ إنَّ الله َعليم ٌخبيرٌ»(لقمان /34)،وقال سبحانه:«مَا كُنتَ تَدري ما الكِتاب ُولا الإيمان...»(الشوري /52).

وفي الإصطلاح عبارة عن العلم الذي يبحث فيه عن متن الحديث وسنده وطرقه،من صحيحها وسقيمها وعليلها،وما يحتاج إليه ليعرف المقبول منه من المردود(1).

وعرّفه شيخنا بهاءالدين العاملي في وجيزته «بأنه:علم يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه وكيفيّة تحمله وآداب نقله(2).

وثاني التعريفين أولي من أوّلهما،لاشتماله علي كيفيّة التحمّل وآداب نقل الحديث،وهما من مسائل هذا العلم أو من توابعه.

ولك أن تعرّفه بالنحو الثاني:»هو العلم الباحث عن الحالات العارضة

----------

1- الشهيد الثامي :شرح البداية ، ص45،و قد سبق منّا أنها طبعت باسم الرعاية في علم الدراية.

2- بهاءالدين العاملي :الوجيزة:ص1.

14

على الحديث من جانب السند أو المتن».

والمراد من السند ، طريق الحديث جملة واحدة لا آحاد رواة الحديث على وجه التفصيل ، وإنّما يبحث عن الأحوال العارضة على الآحاد في علم الرجال ، وأمّا في علم الدراية فإنّما يبحث عن الأحوال العارضة على الحديث أو على ( السند بما أنّه طريق للحديث ) ، والطريق هو المجموع لا كل واحد من الإفراد ، ولأجل التوضيح نقول :

الأحوال العارضة على الحديث باعتبار طريقه ، مثل ما يقال : إن كان رجال السند ثقال إماميّين فالحديث صحيح ، وإن كانوا ثقات غير إماميّين جميعهم أو واحداً منهم فالحديث موثّق ، وإن كانوا إماميّين ممدوحين فالحديث حسن ، وإلاّ فالحديث ضعيف ، فهذه هي الأحوال العارضة على الحديث من جانب السند كلها يبحث عنها في علم الدراية .

ونظير ذلك الأحوال العارضة على الحديث من جانب المتن ، مثل تقسيمه إلى النصّ والظاهر ، أو المجمل والمبين ، أو المحكم والمتشابه ، أو المضطرب وغيره ، فهذه المحمولات هي الأحوال العارضة للحديث من جانب المتن ، وكل هذه العوارض هي من مسائل هذا العلم .

وممّا ذكر يظهر النظر فيما ذكره شيخنا الطهراني في تعريف علم الدراية فقال : « هو العلم الباحث عن الأحوال والعوارض اللاحقة لسند الحديث أي الطريق إلى متنه ، المتألّف ذلك الطريق من عدّة أشخاص مرتّبين في التناقل ، يتلقّى الأوّل منهم متن الحديث عمّن يرويه له ، ثمّ ينقله عنه لمن بعده حتى يصل المتن إلينا بذلك الطريق ، فإنّ نفس السند المتألّف من هؤلاء المتناقلين ، تعرضه حالات مختلفة مؤثّرة في اعتبار السند وعدمه ، مثل كونه

----------

1- أي من حيث الألفاظ وأمّا من حيث المعنى فهو من مسائل علم الكلام.

15

متصلا ً ومنقطعا ً،ومسند ا ًومرسلا ً،معنعنا ً،مسلسلا ً،عاليا ً،قريبا ً، صحيحا ً،حسنا ً،موثّقا ً، ضعيفا، إلي غير ذلك من العوارض التي لها مدخليّة في اعتبار السند وعدمف،فعلم دراية الحديث كافل للبحث عن تلك العوارض»(1).

ولقد أجاد فيما أفاد،لكنّه خصّ العوارض اللاحقة للحديث بجانب السند،وقد عرفت أنها تعرض تارة من ناية السند،اخري من ناحية المتن وإن كان الغالب هو الأول.

وبذلك يظهر الفرق بين علمي الرجال والدراية،فإن علم الرجال يبحث عن آحاد رواة السند علي وجه التفصيل جرحا ً وتعديلاً،ووثاقة ً وضعفا ً،كما يبحث عن طبقة الراوي،وتمييزه عن مشتركاته في الاسم، هذا بخلاف علم الدراية، فإنه يبحث عن الإحوال الطارئة علي الحديث باعتبار مجموع السند أو المتن.

وبعبارة اخري:البحث عن الأحوال الشخصيّة التي تعرض لأجزاء السند وأعضائه أي الآشخاص المرتّبين في التناقل، المعبّر عنهم ب_:الرواة،والمزايا التي توجد في كلّ واحدمنهم من المدح والذم، وغير ذلك مما لها الدخل في جواز القبول عنهم وعدمه، فهو موكول إلي علم الرجال وهو فنّ آخر.

وبذلك يظهر ضعف ماربّمايقال:من أن ّعلم الرجال يبحث عن السند،والدراية عن المتن،أو غير ذلك من الممييّزات،أو أن كليهما يبحثان عن سند الحديث لكتّ جهة البحث تخلف، فالدراية تبحث عن أحوال نفس السند،وعلم يبحث عن أحوال أجزائه،وعضائة التي يتأل_ّف

----------

1- الطهراني :الذريعة:8/54.

16

منها السند(1)،لاحظ وتأمل فإن كلامه صحيح في غالب مسائل علم الدراية لافي جميعها كما عرفت.

الثالث:في موضوعه ومسائله وغايته:

الثالث:في موضوعه ومسائله وغايته:

قد ظهر من التعريف السابق أنّ موضوع هذا العلم هو سند الحديث ومتنه،وإن شئت قلت:هو الحديث باعتبار اشتماله علي السند والمتن، فإن موضوع كل علن ما يبحث فيه عن عوارضه وحالاته،والحالات الطارئة علي الموضوع في هذا العلم كونه صحيحا ً أو ضعيفا ً،أو كونه محكما ً أومتشابها ً، إلي غيرذلك من الطواريء.نعم اتّصاف الحديث بهذه الحالات أمّا باعتبار سنده وطريقه،أو متنه ومضمونه،وقد عرفت التوضيح.

وبذلك علمت مسائله،فنفس تلك الأحوال ونظائرها من مسائله،فالكل يعرض الحديث أما من ناحية السند أومن ناحية المتن.

وأما غايته فربما يقال:أن غاية هذا العلم هي معرفة الاصلاحات المتوقفة عليها معرفة كلمات الأصحاب، واستنباي الأحكام،وتمييز المقبول من الأخبار ليعمل به،عن المردود ليجتنب عنه(2).

والظاهر أنّ معرفة الاصلاحات وكلما الأصحاب غاية ثانوية تترتّب علي ذلك العلم،والغاية الاولي الحقيقة هي ما جاء في آخر كلامه،وهي تمييز الراويات المعتبرة عن غيرها كما هي الغاية في علي الرجال أيضا ً،غير أن ّ الوصول إليه ا في علم الرجال يتحقق بمعرفة آحاد رجال الحديث،

----------

1- الطهراني الذريعة:8/54.

2- عبدالله المامقاني :مقباس الهداية في علم الدراية :ص 4.

17

ولكنه في علم الدراية يتحقق بالتعرّف علي مايطرأ علي الحديث من الطوارئ من جانب السند أو المتن،فكلا العلمين يخدمان علم الحديث ليعرف الإنسان الحجة ويميّزها عن غيرها،والمقبول عن المردود.

الرابع: في معرفة بعض الاصطلاحات الرائجة:

الرابع: في معرفة بعض الاصطلاحات الرائجة:

في معرفة بعض الاصطلاحات الرائجة:

أن من الاصطلاحات الرائجة في هذا الفن هو:السند،والمتن،والسنّة،والحديث،والخبر،والأثر،وما شابه ذلك فلا بأس بتوضيحها وإن كانت واضحة ًإجمالا ً:

1- السند:

هو طريق المتن،والمراد هنا مجموع من رووه واحدا ً عن واحد حتب يصل إلي صاحبه،وهو مأخوذ من قولهم فلان سند أي يستند إليه في الامور،ويعتمد عليه،فسمّي الطريق سندا ً لاعتماد المحدّثين والفقهاء في صحّة الحديث وضعفه علي ذلك.

وأما الإسناد،فهو ذكر طريقه حتي يرتفع إلي صاحبه.

وقد يطلق «الإسناد»علي «السند»ويقال إسناد هذا الحديث صحيح أوضعيف(1).

2- المتن:

هو في الأصل ما اكتنف الصلب،ومتن كل شئ ما يتقوم به ذلك الشئ ويتقوّ ي به،كما أن الإنسان يتقوّم بالظهر،ويتقوّي به،وفي الاصطلاح «لفظ الحديث الذي يتقوّم به معناه،وهومقول النبيّ،أو الئمة المعصومين»(2).

----------

1- حسين بن عبدالصمد العاملي:وصول الأخيار إلي أصول الأخبار:ص 90.

2- الشهيد الثاني :الرعاية في علن الدراية:ص 52.

18

3- السنة:

في اللغة هي الطريقة المحمودة أو الإسم منها،وفي الاصطلاح نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره،وبهذا المعني ليس له إلا قسم واحد وهو الصحيح المصون عن الكذب والخطأ.

4- الحديث:

هو كلام يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره،بهذا الاعتبار ينقسم إلي الصحيح ومقابله،وبهذا علم أن مالا ينتهي إلي المعصوم ليس حيثا ً،وأما العامّة فاكتفوا فيه بالانتهاء إلي النبي (ص)أو أحد الصحابة والتابعين بالأثر.

5- الخبر:

وهو في اصطلاح المحدّثين يرادف الحديث،وربّما يطلق في كثير من العلوم ويراد مايقابل الإنشاء.ثم توصيف المحدّث بالأخباري إنما هو بالمعني الأول __ أي من يمارس الخبر الحديث ويتّخذه مهنة__.

وربما يستعمل الأخباري في مقابل الاصولي،وذلك لأنه لا يعتمد علي بعض الاصول التي يعتمد عليها الصولي،علي ضوء ذلك فبقسيم الفقها إلي الأخباري والاصولي بهذا الملاك لا بالملاك الأول __ أي من يمارس الخبر والحديث ويشتغل به __.

ويظهرمن العلامة(1) وجود هذا الاصطلاح (الأخباري في مقابل الاصولي) في عصره.

----------

1- العلامة الحلي ،النهاية في الاصول (مخطوط)نقله عنه في المعالم عند البحث عن حجية الخبر الواحد في ضمن الدليل الثالث ،إليك نصّ عبارته :أما الإمامية فالأخباريون منهم لم يعوّلوا في اصول الدين وفروعه ،إلا علي أخبار الآحاد المرويّة عن الأئمة - علهم السّلام _ ،والاصوليون منهم كأبي جعفر الطوسي وغيره وافقوا علي قبول خبر الواحد .

19

وأما الأثر:فربما يختصص بماورد عن غير المعصوم منالصحابي أو التابعي،وربّما يستعمل مرادفا ً للحديث وهو الأكثر.

6- الحديث القدسي:

هو كلام الله المنزل __ لا علي وجه الإعجاز __،الذي حكاه أحد الأنباء أو أحد الأوصياء، مثل ماروي أن الله تعلي قال:«الصوم لي وأنا اجزي به»، ومن الفوارق بينه وبين القران:أن القرآن هو المنزّل للتحدي والإعجاز بخلاف الحديث القدسي.

إذ كان رسول الله (ص) يلقي أحيانا ً علي أصحابه مواعظ يحكها عن ربّه عزّوجل ولم يكن وحيا ًمنزلا ً حتي يسمّوها بالقدآن،ولا قولا ً صريحا ً يسنده (ص)إسنادا ً مباشرا ً حتي يسمّوها حديثا ً،وإنما كانت أاديث يحرص النبيّ علي تصديرها بعبارة تدّل علي نسبتها إلي الله لكي يشير إلي أن عمله الأوحد فيها،حكايتها عن الله باسلوب يختلف اختلافا ً ظاهرا ًعن عالم الغيب،وهيبة من ذي الجلاب والاكرام، تلك هي الأحاديث القدسيِ التي تسمّي أيضا ً:إلهيّة،وربّانية.

مثلا ًأخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر(رضي الله عنه)عن النبي (ص) _ يرويه عن الله عز ّوجل __:«يا عبادي إني حرّمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرّما ّ فلا ب تظالموا...»(1).

إذا عرفت هذه الامور فلند خل فيصلب الموضوع ونبحث عن امّهات المسائل وذلك في فصول:

----------

1- مسلم :الصحيح ج 8كتاب البرّ ،الباب الحديث 1.وقد أل_ّف الشيخ الحرّ العاملي كتابا ً باسم «الجواهر السنية في الأحاديث القدسيّة ».

الفصل الأول:

الفصل الأول:

تقسيم الخبر إلي المتواتر و الآحاد.

الخبرينقسم إلي:

الخبر المعلوم الصدق ضرورة أو نظراً.

أو معلوم الكذب كذلك.

أو ما لا يعلم صدقه و لا كذبه.

والقسم الاخير إما يظن صدقه، أو كذبه، أو يتساويان.

فهذه أقسام خمسة.

والملاك في هذا التقسيم هو مفاد الخبر و مضمونه، و بهذا الاعتبار ينقسم إلي متواتر و آحاد، و الخبر المتواتر من اقسام معلوم الصدق دون الآحاد كما سيتضح، و إليك البحث في كل واحد منهما.

الخبر المتواتر و فيه مباحث:

الخبر المتواتر و فيه مباحث:

المبحث الاول: في حد التواتر

«التواتر» في اللغة: هو مجيء الواحد بعد الآخر علي وجه الترتيب، و منه

23

قوله سبحانه:(ثُمَّ ارْسَلْناه رُسُلَنا تَتْرا كُلَّما جاءَ اُمَّةً رَسولُها كَذَّبُوهُ فَاتْبَعَْنَا بَعضَهُمْ بَعضاً وَجَعلْناهُمْ أحاديثَ فَبُعداً لِقَومٍ لا يومِنون)(المومنون/44).

إن قوله «تترا» مصدر كدعوي و ذكري و شوري، و هو من التواترة، و هي أن يتبع الخبر الخبر، والكتاب الكتاب، فلايكون بينهما فصل كثير. (1)

و إما في الاصطلاح فقد عرف بوجوه:

أ- خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه (2).

و إن قوله «بنفسه» يخرج ما أفاد اليقين بمعونة القرائن.

توصيحه: أن القرائن علي قسمين:

الاول:القرائن الداخلية، و هي ما لا ينفك الخبر عن جميعها أو بعضها عادة، و هي:

إما تتعلق بحال المخبر، ككونه موسوماً بالصدق و عدمه.

أو بالسامع، ككونه خالي الذهن و عدمه.

أو بالمخبر به، ككونه قريب الوقع و عدمه.

أو نفس الخبر كالهيئات الواردة في الخبر كاشتماله علي نون التاكيد و القسم و نحو ذلك.

الثاني:القرائن الخارجية الحافة بالخبر، و هذا هو المسمي بالخبر المحفوف بالقرينة، كما إذا جاء المخبر بموت أحد، و قورن بسماع النوح من بيته فذلك مما يفيد علمنا بصحته.

قالوا: أن التقييد بقوله بانفسه الاخراج القسم الثاني من الخبر، فانه

----------

1- الطبرسي: مجمع البيان: 4/107.

2- القمي : قوانين الاصول: 1/20.

24

ليس مفيدا للعلم بنفسه بل بمعونة القرائن.

يلاحظ علي هذه التعريف: أنه غير مطرد، لصدقه علي ما ليس بمتواتر، كما إذا أخبر ثلاثة بواقعة، و حصل العلم بها من جهة خصوص الواقعة لا نصراف الدواعي عن تعمد الكذب فيه و ملاحظة مكانة المخبرين، و خلو ذهن السامع من الشبهة، فيلزم أن يكون مثل هذا الخبر متواتراً و ليس منه بالضرورة.

ب- خبر جماعة يومن تواطؤهم علي الكذب عادة و إن كان للوازم الخبر دخل في إفادة تلك الكثرة العلم(1).

ج- جمع بهاء الدين العاملي بين التعرفين و قال: فإن بلغت سلاسله في كل طبقة حداً يومن معه تواطؤهم علي الكذب فتواتر. و يرسم بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه، و إلا فخبر آحاد(2).

ففي هذا التعريف ركز علي الكثرة و أنه يجب أن يبلغ عدد المخبرين إلي حد من الكثرة يمنع عن تواطئهم علي الكذب.

يلاحظ عليه: أن العلم بامتناع تواطئهم علي الكذب أو العلم بعدم تواطئهم عليه لا يكون دليلا علي صدق الخبر و عدم تعمد المخبرين الكذب، لان للكذب أسباباً و دواعي اخر غير التواطؤ عليه، فإن الحب و البغض في الأفراد ربما يجران الي التقول علي الافراد بكثرة من دون تواطؤ هناك، خصوصاً إذا كانوا أصحاب هوي و دعاية.

و هذه هي القوي الكبري العالمية التي تلعب أيديها تحت الستار في

----------

1- المحقق القمي: قوانين الاُصول: 1/421.

2- بعاء الدين العاملي: الوجيزه: ص2.

25

مجال الإعلام العالمي، فربما تنطق جماعة كثيرة في أرجاء مختلفة بكلام واحد بإشارة من السلطات، من دون أن يطلع واحد منهم علي الآخر، فمجرد علمه بعدم التواطؤ لا يكفي في رفع الشك في تعمد الكذب، إلا أنه يكفي التواطؤ بين أصحاب السياسة في البلدان و إن لم يكن التواطؤ موجوداًفي دونها.

فالاولي أن يضاف إلي التعريف قولنا: يومن معه من تعمدهم الكذب، و يحرز ذلك بكثرة المخبرين و وثاقتهم، أو كون الموضوع (1) مصروفاً عنه دواعي الكذب أو غير ذلك.

ولنقتصر علي ما ذكرناه في تعريفه، و فيه مباحث شريفة و مفصلة، و هي بعلم الاصول إحري و أولي.

المبحث الثاني: في إمكان وقوعه و حصول العلم به:

المبحث الثاني: في إمكان وقوعه و حصول العلم به:

لا يشك ذو مسكه في أمكانه و وقوعه. قال الغزالي: لا يستريب عاقل في أن في الدنيا بلدة تسمي بغداد و إن لم يدخلها، و لا يشك في وجود الانبياء، و المخالف إنما هو بعض الهنود المعروفين ب «سمينة» الذين حصروا العلوم في الحواس و أنكروا هذا.

----------

1- ولقد وقف بعضهم علي هذه النكته وإن كانت عبارته ناقصة. قال الغزالي: «شرط قوم: أن لا يكونوا محمولين بالسيف علي الأخبار»، ثم رد عليه بقوله: و هو فاسد، لأنهم إن حملوا علي الكذب لم يحصل العلم لفقد الشرط و هو الأخبار عن علم ضروري.

والظاهر أن الغزالي لم يقف علي مغزي الكلام، لأنّ البحث فيما إذا احتمل حملهم علي السيف بالكذب لا ما إذا علم حملهم عليه، فلا يرد قوله عليهم، لأنهم إن حملوا علي كذب لم يحصل العلم.

26

هذا ما يذكره القدماء في إثبات إمكانه و وقوعه، و أما اليوم فنحن نسمع من أجهزة الاعلام العالمية، اخباراً كثيرة علمية و اجتماعية و سياسية، نجزم بصحة قسم خاص منها و هي ما إذا كانت عيدة عن أطار دواعي الكذب فيها.

و كل إنسان منا ربما يواجه الخبر المتواتر طيلة عمره، خصوصا في اول الشهور و آخرها، فربما تتقاطر الاخبار من بلدان نائية من مختلف الطبقات، تحكي عن رؤية الهلال في الليلة المعينة، فيحصل العلم للقلوب السليمة، البعيدة عن الزيع و الانحراف.

ثم إن المحقق القمي اعترض علي الاستدلال المعروف- أعني الجزم بوجود البلدان النايئة كالهند و الصين و المم الخالية كقوم فرعون و قوم موسي- بأن العلم هنا ليس من جهة التواتر لانا لا نسمع إلا من أهل عصرنا، و هم لم يرووا لنا ذلك عن سلفهم اصلاً، ففضلاً عن عدد يحصل به التواتر، و هكذا، بل حصول العلم من جهة أن أهل العصر مجمعون علي ذلك قاطبة، أما بالتصريح أو بظهور أن سكوتهم مبني علي عدم بطلان هذا النقل(1).

و يلا حظ عليه: أنا إذا وجدنا أهل زماننا متفقين علي الإخبار صريحاً أو التزلما بوقوع واقعة مثلاً في سالف الزمان، فربما نقطع بملاحظة العادة في تلك الواقعة أن اتفاقهم علي ذلك لا يكون إلا عن اتفاق مثله علي الاخبار بذلك، إلي أن تنتهي السلسلة إلي المشاهدين الذين نقطع بمقتضي العادة في تلك الواقعة بلوغهم درجة التواتر، فيكون علمنا بالواقعة مستنداً إلي التواتر المتاخر، الكاشف عن التواتر المتقدم المعلوم لنا بطريق الحس (2).

----------

1- المحقق القمي: قوانين الاصول: 1/421.

2- محمد حسين الاصفهاني: الفصول في الاصول: ص270-271.

27

و علي كل تقدير، فسواء صح ذلك الكلام ام لم يصح، فالمثال غير عزيز.

ثم إن للمنكرين شبهات واهية ربما تبلغ ستا لا حاجة لنقلها، ذكر بعضها الغزالي كما ذكر أكثرها صاحب المعالم في مقدمته و المحقق القمي في القوانين (1).

البمحث الثالث: في كيفية العلم الحاصل بالتواتر:

هل العلم الحاصل من التواتر علم الضروري -كما هو المشهور-، أو نظري كما نقل عن الكعبي و أبي الحسين البصري، و الجويني، و إمام الحرمين؟ أو لا ضروري ولا نظري بل هناك واسطة بينهما؟ كما نقل عن الغزالي (و إن كان كلامه لا يؤيد تلك النسبة)؟ أو التوقف فيه - كما نسب إلي السيد المرتضي-؟ أو التفضيل بين الاخبار عن البلدان و أمثالها فضروري و ألا فنظري- كما نسب إلي شيخ في العدة، و اختاره المحقق القمي-؟ أقوال:

احتج المشهورة بوجوه:

1- لو كان نظريا لتوقف علي توسط المقدمتين و اللازم منتف لانا نعلم علماً قطعياً بالمتواترات، مثل وجود مكة والهند و غيرهما مع انتفاء ذلك.

2- لو كان نظرياً لما حصل لمن لا قدرة له علي النظر، كالعوام

----------

1- الشيخ حسن: معالم الاصول: ص177، المحقق القمي: قوانين الاصول: ج1، ص421، وشبهاتهم لا تهدف إلي أمر واحد بل بعضها يهدف إلي إنكار حصول العلم من التواتر، و بعضها يهدف ذلي إنكار كون العلم الحاصل من التواتر ضرورياً.

28

و الصبيان.

3- لو كان نظرياً للزم أن لا يعلمه من ترك النظر عمداً، إذ كل علم نظري فإنّ العالم به يجد نفسه أولا شاكا ثم طالباً، و نحن لا نجد انفسنا طالبين لوجود مكة (1).

احتج القائل بكونه نظرياً بانه لو كان ضروريا لما احتاج ذلي توسط المقدمتين، و التالي باطل لانه يتوقف علي العلم بان المخبر به محسوس، و أن هذه الجماعة لا يتواطؤون علي الكذب.

و قد ناقش كل من الطرفين أدلة الآخر، و الكلام الحاسم للخلاف هو أن يقال:

إنه إن اريد من الضروري ما لا يحتاج الي مقدمة من المقدمات علي وجه الاجمال و التفضيل، فالعلم الحاصل من الخبر المتواتر ليس بضروري، لعدم استغنائه عن بعض المقدمات الاجمالية المخزونة في الذهن، ولكنه لو كان هذا هو ملاك العلم الضروري، فقلما يتفق أن يتصف خبر بالضروري حتي قولنا الكل اعظم من الجزء، فأن التصديق بذلك متوقف علي القول بأن الكل يشتمل علي الجزء و غيره، و ما هو كذلك فهو أعظم.

و إن اريد من الضروري ما هو دعم من ذلك و ما يتوقف حصول العلم فيه علي بعض المقدمات المخزونة في الذهن أو المترتبة فيه بالسرع، و الاجمال، فالعلم الحاصل من التواتر ضروري، و لعله إلي ذلك يشير كلام الغزالي لا إلي القول بالواسطة. قال:

----------

1- المحقق القمي: قوانين الاصول: 1/422، الغزالي: المستصفي 1/132.

29

فإن عنيتم بكونه نظرياً، أن مجرد قول الخبر لا يفيد العلم، ما لم تنتظم في النفس مقدمتان:

إحداهما:أن هؤلاء مع اختلاف احوالهم و تباين أغزاضهم، و مع كثرتهم علي حال لا يجمعهم علي الكذب جامع، ولا يتفقون إلا علي الصدق.

و ثانيهما:أنهم اتفقوا علي الذخبارعن الواقعة فيبتني العلم بالصدق علي مجموع المقدمتين، فهذا مسلم، و لا بد أن تشعر النفس بهاتين المقدمتين حتي يحصل لها و التصديق، و إن تشكل في النفس هذه المقدمات بلفظ منظوم، فقد شعرت به حتي حصل التصديق، و إن لم يشعر بشعورها... (1)

والحاصل أن الميزان في كون العلم نظريا هو حاجة القضية إلي الإمعان، والدقة و الفكر و النظر، و الاستدلال و البرهنة، و أما ما يحصل بعد الاخبار بسرعة -وإن كان معتمداً علي قضايا مسلمة في الذهن من دون استشعار بها و بالاعتماد عليها- فهو ضروري.

المبحث الرابع: في شروط التواتر:

المبحث الرابع: في شروط التواتر:

إن القوم ذكروا شروطا للتواتر، ولكنها ليست علي نسق واحد، بل هي

----------

1- ذكر صاحب الفصول: إنّ ما يتوقف عليه العلم هو المقدمة الثانية و هي اتفاقهم علي الإخبار عن هذه الواقعة، وأما المقدمة الاولي أعني لا يجمعهم علي الكذب جامع فهو عين النتيجة أو في مرتبتها، فلا يتوقف العلم بها عليه، وليس مجرد إمكان تأليف قياس ينتج المطلوب ملاكاً لكون النتيجة نظرية بل لا بد معه من كونه مستفاداً منها، و إلا لأمكن تأليفه في كل ضروري، كقولنا الكل مشتمل علي الجزء وزيادة.

1- لاحظ المستصفي: 1/134 للغزالي فقد اكتفي بشروط أربعة، وأضاف القمي في قوانينه: 1/424و 425 شروطاً اخر، فلاحظ.

2- الغزالي: المستصفي: 1/134.

30

بين ما هو شرط لتحقق التواتر و يعد من مقدماته، و ما هو شرط لحصول العلم.

أما القسم الاول فذكروا له شروطاً (1):

1- كون المخبرين يالغين في الكثرة حدّاً يمنع معه في العادة تواطوهم علي الكذب، و قد عرفت أنه غير كاف بل يجب أن يضاف اليه قولنا «يؤمن معه من تعمدهم علي الكذب» كما إذا نطقوا بشيء واحد و كانوا مختلفي الهوي، متباعدي المسلك و المشرب.

2- كون علمهم مستنداً إلي الحس، فإنه في مثل حدوث العالم لا يفيد قطعاً، لكثرة الاشتباه في المسائل النظرية.

3- استواء الطرفين و الوسط بمعني أن يبلغ كل واحد من الطبقات حد الكثرة المذكورة، و ذلك فيما لو حصل هناك أكثر من طبقة، و إلا فلا واسطة و لا تعدد في الطبقات.

يلاحظ علي هذا الشرط: أنه إذا حصل التواتر في الطبقة الاولي، ولكن و صل إلينا ذلك الخبر المتواتر بخبر الواحد المخفوف بالقرينة المفيدة للعلم، فيحصل العلم بلا حاجة إلي تحقق التواتر في الطبقة الثانية و هكذا.

4- كون ذخبارهم عن علم، فلو أخبر أهل بغداد عن طائر أنهم ظنوه حماماً عن شخص أنهم ظنوه زيداً لم يحصل لنا العلم بكونه حماماً أو بكونه زيداً، و ليس هذا معللاً بل حال المخبر لا تزيد علي حال المخبر (2).

31

واكتفي المحقق القمي بكون الباقين عالمين و إن كان بعضهم ظانين.

يلاحظ علي القولين:

أنه إذا صار كل واحد مبدءاً لحصول درجة من الظن، فربما يحصل العلم، لأن العلم لا يحصل في التواتر دفعة واحدة، بل الخبر الاول يوجد ظناً ما، ثم يدعمه الثاني، والثالث إلي أن يتحول إلي العلم.

و اما القسم الثاني: أعني: ما هو شرط لحصول العلم منها:

فقالوا: يشترط كون السمع غير عالم بما اُخبر به، لاستحالة تحصيل الحاصل، كما يشترط أن لا يكون قد سبق بشبهة أو تقليد إلي اعتقاد نفي موجب الخبر، ذكره السيد المرتضي، و بذلك يجاب عن كل من خالف الاسلام و مذهب الذمامية في انكارهم حصول العلم بما تواتر من معجزات النبي صلي الله عليه وآله وسلم والنص علي النص، و كذلك كل من اُرب قلبه حب خلاف ما اقتضاه المتواتر، فلا يحصل له العلم إلا العلم إلا مع تخليه عما شغله عن ذلك إلا نادراً (1).

و قد ذكر الغزالي في خاتمة بحثه بأنه قد ذكر القوم للتواتر شروطاً اخر و هي فاسده و هي عبارة عن:

1- أن لا يحصرهم عدد و لا يحويهم بلد.

2- أن تختلف أنسابهم فلا يكونون بني أب واحد، و تختلف أوطانهم.

3- أن يكونوا أولياء مومنين.

4- أن لا يكونوا محمولين بالسيف علي الاخبار.

----------

1- المحقق القمي: قوانين الاصول: 1/425-426، السيد المرتضي: الذريعة: 2/491.

32

5- أن يكون الامام المعصوم في جملة المخبرين، قال: شرطه الروافض، ثم أورد علي الأخير أن هذا يوجب العلم باخبار الرسول عن جبرئيل لانه معصوم، فأي حاجة إلي إخبار غيره؟ و يجب أن لا يحصل بنقلهم علي التواتر النص علي علي (رض) إذ ليس فيهم معصوم (1).

و مما يوخذ عليه هنا: أنه تقول علي الشيعة و ليس في كتبهم أثر من هذا الشرط، فإنما شرطه بعضهم في حجية الإجماع علي فتوي نظرية مستنبطة من الكتاب والسنة، و أين هذا من الخبر المتواتر عن أمر محسوس؟ و كم للقوم في كتبهم من تقولات علي الشيعة، و هم يكتبون كل شيء عنهم و لا يعذفون إلا الشيء إلا الشيء الضئيل

المبحث الخامس: في أقل عدد التواتر:

المبحث الخامس: في أقل عدد التواتر:

اختلفوا في أقل عدد يتحقق معه التواتر، والحق أنه لا يشترط فيه عدد، فالمقياس هو اخبار جماعة يومن من تعمدهم الكذب و هو يختلف و يتخلف باختلاف الموارد، فرب مورد يكفي فيه عدد إذا كان الموضوع بعيداً عن الهويوالكذب، ورب موضوع لا يكفي فيه ذلك العدد، و بذلك يظهر أن تقديره بالخمسة أو العشرة أو العشرينأو الأربعين أو السبعين لا أساس له (2).

----------

1- الغزالي: المستصفي: 1/139-140.

2- وإليك الأقوال:

(1) فعن القاضي أبي بكر الباقلاني: «يشترط أن يكونوا أزيد من أربعة، لعدم إفادة خبر الأربعة العدول الصادقين العلم، كما هو الحال في البيّنة علي الزنا وغيرها، و توقف في الخمسة لعدم اطراد الدليل المذكور فيها».

(2) و عن الاصطخري: إن أقله عشرة لأنه أول جموع الكثرة.

(3) و عن جمع: إنّه اثنا عشر، عدد نقباء بني اسرائيل، لقوله سبحانه: «و بعثنا منهم اثني عشر نقيباً» (المائدة/12).

(4) و عن أبي هذيل العلّاف: إنّ أقلة عشرون لقوله تعالي: «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين» (انفال/65) خصّهم بذلك لحصول العلم بما يخبرون.

(5) إنّ أقلّة اربعون لقوله تعالي: «يا ايها النبي حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين» (الانفال/64)، حيث نزلت في الاربعين.

(6) إنّ أقلة سبعون لقوله تعالي: «و اختار موسي قومه سبعون رجلا لميقاتنا» (الاعراف/155)، و إنما كان كذلك ليحصل اليقين باخبارهم أصحابهم ما يشاهدون من المعجرات.

(7) من أنّ أقلّه ثلاثمائة و بضعة عشر، عدد أهل بدر. (الرعاية في علم الدراية، ص62، ومقباس الهداية ص14).

ولا يخفي سخافة هذه الاقوال وأي صلة بين هذه الآيات الواردة في مقامات خاصه وبين العدد الذي يومن معه من التعمد علي الكذب.

هذا، وإنّ حصول العلم من العوارض النفسانيّة، فهو يختلف حسب اختلاف روحيات الأشخاص ونفسياتهم و حسب اختلاف الموضوعات و الظروف مع وجود دواعي الكذب و عدمه، و كون المخبرين أصحاب هوي أم لا، فلا يصح لعاقل تحديد حصول العلم بشيء قطعي علي وجه يطرد في جميع المقامات بحيث لا ينقص و لا يزيد.

33

وختاماً:ذكر النووي (1) في مبحث المتواتر: «ولا يذكره المحدثون، و هو قليل لا يكاد يوجد في رواياتهم، و هو ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من أوله إلي آخره، و حديث «من كذب علي متعمداً فليتبوا مقعده من النار» متواتر لا حديث «إنما الأعمال بالنيات» (2)».

----------

1- و في غلاف المطبوع «النواوي» ولعل لرعاية السجع في الاسم وإلا هو يحيي بن شرف بن حري الخراهي الشافعي النووي شيخ الاسلام محي الدين أبو زكريا ولد في «نوي» فنسب إليها: النووي وهي بلدة بحوران 631هجري -676هجري.

لا حظ طبقات الشافعية للسبكي 5/165، النجوم الزاهرة 7/278، الإعلام 9/185، أسماء الرجال الناقلين عن الشافعي: 68، طبقات النحاة واللغويين: 529، معجم المؤلفين 13/202.

2- النووي: التقريب والتيسير: 2/159-160.مع شرحه: تدريب الراوي.

تقسيم المتواتر إلي اللفظي والمعنوي:

تقسيم المتواتر إلي اللفظي والمعنوي:

المتواتر علي قسمين: لفظي و معنوي.

فالأول:ما إذا اتحدث ألفاظ المخبرين في أخبارهم، كقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» علي القول بتواتره، و قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، و قوله: «إني تارك فيكم الثقلين» والفرق بين الاول و بين الثاني والثالث أن تمام الحديث في الاول متواتر، و في الثاني و الثالث بعضه، لوجود اختلف في النقل في سائر ألفاظهما التي لم نذكرها.

والثاني:ما إذا تعددت ألفاظ المخبرين و لكن اشتمل كلمنها علي معني مشترك بينهما بالتضمن وأو الالتزام و حصل العلم بذلك القدر المشترك بسبب كثرة الأخبار.

ثم أن اختلافهم في ألفاظ الحديث ربما يكون في واقعة واحدة، كما إذا قال رجل: «ضرب زيد عمراً باليد»، و قال آخر: «ضربه بالدرة»، و قال الثالث: «ضربه بالعصا»، و قال رابع: «ضربه بالرجل» إلي غير ذك، فالكل يتضمن صدور الضرب، و اُخري في وقائع متعددة كما في الاخبار الورودة في بطولة علي -عليه السلام- في غزواته التي تدل بالدلالة الالتزامية علي شجاعته و بطولته.

تقسيم آخر للتواتر:

تقسيم آخر للتواتر:

ثم إن المحقق القمي قسم التواتر ذلي أقسام لا بأس بنقلها إجمالاً:

1- أن تتواتر الأخبار باللفظ الواحد سواء كان المتواتر تمام الحديث أو

35

بعضه.

2- أن تتواتر بلفظين مترادفين أو الفاظ مترادفة، مثل ما إذا ورد: «الهر طاهر» و «السنور طاهر» و «الهر نظيف».

3- أن تتواتر الأخبار بدلالتها علي معني مستقل و إن كانت دلالة بعضها بالمفهوم و الاخري بالمنطوق و إن اختلفت ألفاظها، كما إذا ورد: «الماء القليل ينجس بالملاقاة»، و ورد: «الأنقص من الكر ينجس بالملاقاة»، و في ثالث: «إذا كان الماء قدر كر ينجسه شيء» فيدل الكل علي نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة.

ومثله ما إذا ورد: «لا تشرب سؤر الكلب إلا أن يكون حوضاً كبيراً يستسقي منه الماء»، وورد ايضاً قوله حين سئل عن التؤضؤ في ماء دخلته الدجاجة التي وطأت العذرة: «إلا أن يكون الماء كثيراً» فينتزع من الكل انفعال الماء القليل.

4- أن تتواتر بدلالة تضمنية علي شيء، و يكون المدلول التضمني قدراً مشتركاً بين تلك الآحاد، كما في المثال الذي عرفته من صدور الضرب من زيد.

5- أن تتواتر الأخبار بدلالة التزامية، و يكون ذلك قدراً مشتركاً بينها، مثل مكا إذا نهانا الشارع عن التؤضو من مطلق الماء القليل إذا لاقته العذرة، و عن الشرب منه إذا ولغ فيه الكلب، و عن الإغتسال منه إذا لاقته الميتة، فالكل يدل علي نجاسة الماء القليل بذلك.

6- أن تتكاثر الأخبار بذكر أشياء تكون لوازم لملزوم واحد(1)، مثل

----------

1- وفي المصدر تكون ملزومات للازم، والصحيح ما ذكرناه، نبه عليه المحقق السيد علي القزويني.

36

الأخبار الواردة في غزوات علي -عليه السلام- .

ثم أنه -قدس سره- فصل في ذلك بما لا حاجة لذكره (1).

و لا يخفي أن ما ذكره من تقسيم التئاتر، إنما يرجع إلي مطلق التواتر لا خصوص التواتر المعنوي كما صرح به المحقق الما مقاني(2)، لوضوح أن القسم الأولوالثاني من أقسام التواتر اللفظي.

التواتر التفضيلي والاجمالي:

التواتر التفضيلي والاجمالي:

ثم إن هناك تقسيماً آخر ربما يعبر عنه بالتواتر الاجمالي والتفضيلي، أما الثاني فقد عرفته، و أما الاول فهو إذا ما وردت أخبار متضافرة تبلغ حد التواتر في موضوع واحد تختلف دلالتها سعة وضيقاً، ولكن يوجد بينها قدر مشترك يتفق الجميع عليه، فيؤخذ به، و مثل لذلك بالاخبار الواردة حول حجية خبر الواحد، فقد اختلفت مضامينها من حيث كثرة الشرائط و قلتها، فيؤخذ بالاخص ذلالة لكونه المتفق عليه و هو خبر العدل الإمامي الضابط الذي عدله اثنان، و ليس مخالفاً للكتاب والسنة، و ذلك لأنا نعلم بصدور واحد من هذه الأخبار حول حجية خبر الواحد، غير أنا لا نعرفه، فالصادر إما الأعم مضمونا أو الأخص أو المتوسط بينهما، و علي كل تقدير فقد صدر منهم الأخص مضموناً أو الأخص أو المتوسط بينهما، و علي كل تقدير فقد صدر منهم الأخص مضموناً باستقلاله أو في ضمن واحد منهما.

ثم إذا وجدنا بين هذه الاخبار رواية تجمع هذه الشروط، أي كان رواتها

----------

1- المحقق القمي: قوانين الاصول: 1/426-427.

2- عبدالله الماقاني: مقباس الهداية: ص16، قال: وربما صور بعض المحققين التواتر المعنوي علي وجوه.

37

عدولا إمامين صدقهم العدلان، فيعمل بمضمون خبرهم، وربما يكون مضمون خبرهم حجية مطلق قول الثقة و إن لم يكن عدلاً إمامياً مصدقاً بعدلين، و ربما يكون مضمونه غيره.

و قد عاجلنا الموضوع بهذا الترتيب في ابحاثنا الاصولية حيث وقفنا علي خبر اتفق الكل علي حجية مثله بأن يكون جامعا لكل الشرائط من حيث السند، ثم أخذنا بمضمونه كايناً ما كان.

هذا كله حول التواتر بأقسامه. بقي الكلام في المستفيض و خبر الواحد.

المستفيض والعزيز والغريب (1)

المستفيض والعزيز والغريب (1)

إذا كان المتواتر هو الخبر المفيد بنفسه العلم، فكل خبر لم يبلغ إلي هذا الحد فهو خبر واحد، غير أنه إذا تجاوز عدد رواته عن ثلاثة فهو مستفيض، و ما لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين فهو عزيز- سمي عزيزاً لقلة وجوده، واصبح عزيزاً لكونه قوياً-.

و أما الخبر الذي انفرد واحد بروايته (أي موضع وقع التفرد في السند) فهو غريب و إن تعددت الطرق اليه، أو تعددت الطرق منه، و فسره المحقق

----------

1- ذكره الشهيد في المقام، كما ذكره في الفصل المختص ببيان ما تشترك فيه الإقسام الأربعة. ولعل وجه التكرار أنّ الغرض تعلق في المقام ببيان درجات خبر الواحد، فلا محيص من بيانه لأن من درجاته: المستفيض، والعزيز، والغريب، ولكن الغرض في البحث الاتي تعلق بتبيين ما هو المقبول والمرفوع ببيان ما تشترك فيه الأقسام الأربعة أو بعضها في الصفات والأحكام، و من صفات خبر الواحد بأقسامه الأربعة كونه غريباً، كسائر صفاته من كونه مسنداً، متصلاً، مرفوعاً، و.....فاقتضت تلك المناسبة تكراره.

38

الداماد (ت 1040ه) بالروايتة التي يرويها راو واحد في الطبقه الاولي، واثنان في طبقات اللاحقة(1).

ثم إن كان الانفراد في اصل سنده فهو الفرد المطلق و إلا فالفرد النسبي لأن التفرد حصل بالنسبة إلي شخص معين، مثال الأخير:

إذا روي الكليني تارة عن طريق أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن ابن محبوب، واخري عن طريق علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، و ثالثة عن طريق أبراهيم بن هاشم عنه، فهذا الخبر غريب لأن الحسن بن محبوب الذي انتهت اليه المسانيد راوٍ واحد، سواء نقل هو عن واحد ايضاً أو نقل عن الكثير، و بذلك ظهر معني قولنا «وإن تعدد الطريق اليه و منه».

تقسيم خبر الواحد إلي المحفوف بالقرينة و عدمه:

تقسيم خبر الواحد إلي المحفوف بالقرينة و عدمه:

الخبر الذي لم يبلغ حد التواتر يكون مجردا عن القرائن فلا يفيد العلم غالباً، واخري يكون محفوفا بها كما إذا اخبر شخص بموت زيد، ثم ارتفع النياح من بيته و تقاطر الناس الي منزله، فهو يفيد القطع واليقين، وقد كثر النقاش في إفادته اليقين بما لا يرجع إلي محصل، و كأن المناقشين بعداء عن الاحوال الاجتماعية التي تطرأ علينا كل يوم، فكم من خبر تويده القارائن فيصبح خبراً ملموساً لا يشك فيه احد.

إلي هنا خرجنا ببيان اقسام الخبر من حيث هو خبر، فحان حين بيان اصوله التي يدور عليها قبوله و رفضه، و هي الاربعة المعروفة.

----------

1- المحقق الداماد: الرواشح السماويّة ص130.

39

وذلك ببيان مقدمة وهي: أن الخبر المنقول لا يخرج عن كونه مقبولاً أو مردوداً أو مشتبهاً، فما اجتمعت فيه شرائط الحجية فهو المقبول، و أما ما لم تجمع فيه شرائطها فإما أن يعلم فقدانه لها فهو مردود، و ما لم يحرز حاله فهو المشتبه، و في الحقيقة هذا القسم الأخير ملحق بالمردود.

ثم إنهم اختلفئا في سعة الحجية و ضيقها، فمنهم من يعمل بالصحيح لاأعلائي، و آخر يعمل بالصحيح فقط، أو هو مع الحسن فقط، و منهم من يعمل بهما وبالمؤثق، ولذلك يجب علينا تبيين مفاهيمها و حقائقها حتي يتميز كل قسم عن مقابله، واللمعروف أن احمد ابن طاووس (ت 637ه) هو واضح ذلك الإصطلاح، قال صاحب المعالم: «ولا يكاد يعلم وجود هذا الإصطلاح قبل زمن العلامة إلا من السيد جمال الدين ابن طاووس- رحمه الله-» (1) و منهم من ينسب التقسيم إلي العلامة، والحق إن هذا التقسيم علي وجه الإجمال كان موجوداًد بين محدثي العامة، فالحديث عندهم إ ما صحيح أو غير صحيح، غير أن التقسسيم علي وجه التربيع و تبيين خصوصية كل قسم منها حدث من زمان السيد ابن طاووس ودعمه تلميذاه: العلامة الحلي وابن داود، و هذا يدفعنا إلي افراد فصل لهذا.

نعم توجد بعض المصطلحات في كلمات الشيخ الصدوق والسيد المرتضي في الذريعة، والطوسي في العدة، ولعلها صارت ذريعة للسيد ابن طاووس للقيام بهذا التقسيم.

----------

1- حسن بن زين الدين: منتقي الجمان: 1/13.

الفصل الثاني: في بيان اصول الحديث

الفصل الثاني: في بيان اصول الحديث

اصطلح المتأخرون من أصحابنا علي تقسيم خبر الواحد باعتبار اختلف أحوال رواته إلي الأقسام الأربعة المشهورة و هي: الصحيح، والحسن، والمؤثق، والضعيف. فيقع الكلام في عدة جهات:

الجهة الاولي: لماذا أحدثوا هذه المصطلحات؟

المعروف أنه لم يكن من تلك المصطلحات أثر بين أصحابنا، و إنما حدثت في أثناء القرن السابع، و قد عرفت حقيقة الحال، واللازم بيان ما هو الدافع إلي اصطناعها، فقد اشبع بهاء الدين العاملي الكلام في ذلك فنحن نأتي به برمته، يقول:

«هذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا - قدس الله أرواحهم- كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم. بل كان المتعارف بينهم اطلاق الصحيح علي كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به، والركون اليه، وذلك الامور:

منها:وجود الخبر في كثير من الاصول الأربعمائة التي نقلوها عن

43

مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة -صلوات الله عليهم- وكانت متداولة لديهم في تلك الأعصار، مشتهرة فيما اشتهار الشمس في رابعة النهار.

ومنها:تكرره في اصول أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.

ومنها:وجوده في أصل معروف لاانتساب إلي أحد الجماعة الذين أجمعوا علي تصديقهم كزرارة، و محمد بن مسلم، والفضيل بن يسار، أو علي تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيي، و يونس بن عبدالرحمان، وأحمد بن محمد ابن ابي نصر، أو علي العمل بروايتهم كعمار الساباطي و نظرائه ممن عدهم شيخ الطايفة في كتاب العدة كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح من المعتبر (1).

ومنها:اندراجه في الكتب التي عرضت علي أحد الأئمة - عليهم صلوات الله- فأثنوا علي مولفيها ككتاب عبيدالله الحلبي الذي عرض علي الصادق- عليه السلام-، وكتاب يونس بن عبدالرحمان، والفضل بن شاذان المعروضين علي العسكري -عليه السلام- .

ومنها:أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها من الفرقة الناجية الإمامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبدالله لسجستاني و كتب بني سعيد و علي بن مهزيار، و من غير الإمامية ككتاب حفض بن غياث القاضي، و حسسين بن عبيدالله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

و قد جري رئيس المحدثين محمد بن بابويه - قدس سره- علي متعارف

----------

1- المحقق الحلي: -أبوالقاسم- : المعتبر 1/60.

44

المتقدمين في اطلاق الصحيح علي ما يركن اليه و يعتمد عليه، فحكم بصحة جميع ما أورده من الأحاديث في كتاب من لا يحضره الفقيه، وذكر أنه استخرجها من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع .

و كثير من تلك الأحاديث بمعزل عن الاندراج في الصحيح علي مصطلح المتاخرين، و منخرط في سلك الحسان والمؤثقات بل الضعفات، وقد سلك علي هذا المنوال جماعة من أعلام علماء الرجال، فحكموا بصحة حديث بعض الرواة - غير الإماميين- كعلي بن محمد بن رباح و غيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية الوثوق بهم، والاعتماد عليهم، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الذين انعقد الإجماع علي تصحيح ما يصح عنهم.

والذي بعث المتاخرين -نور الله مراقدهم- علي العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد، هو أنه لما طالت المدة بينهم و بين الصدر السالف، وآل الحال إلي اندراس بعض كتب الاصول المعتمدة لتسلط حكام الجور والضلال والخوف من اظهارها واستنساخها، وانضم إلي ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الاصول، المشهورة في هذا الزمان (الكتب الأربعة) فالتبست الأحاديث المأخوذة من اصول المعتمدة، بالمأخوذة من غير المعتمدة، واشتبهت المتكررة، و خفي عليهم - قدس الله اسرارهم- كثير من تلك الامور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الاحاديث، و لم يمكنهم الجري علي أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه، فاحتاجوا إلي قانون تتكيز به الاحاديث المعتبرة عن غيرها والوثوق بها عما سواها.

فقروا لنا - شكرالله سعيهم- ذلك الاصطلاح الجديد، وقربوا إلينا البعيد،

45

ووصفوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحة والحسن والتوثيق.

وأول من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي (1).

ثم إنهم -أعلي الله مقامهم- ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان، فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير و صفوان بن يحيي بالصحة لما شاع من أنهم لا يرسلون إلا عمن يثقون بصدقه، بل يصفون بعض الأحاديث- التي في سندها من يعتقدون أنه فحطي أو ناووسي- بالصحة، نظراً إلي اندراجه فيمن أجمعوا علي تصحيح ما يصح عنهم.

و علي هذا جري العلامة -قدس الله روحه- في المختلف حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة: إن حديث عبدالله بن بكير صحيح، و في الخلاصة حيث قال: إن طريق الصدوق إلي أبي الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان مستنداً في الكتابين إلي إجماع العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

و قد جري شيخنا الشهيد الثاني - طاب ثراه- علي هذا المنوال أيضاً، كما وصف في بحث الرده من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحة.

وأمثال ذلك في كلامهم كثير، فلا تغفل» (2).

----------

1- الصحيح دنّ واضع ذلك الاصطلاح هو السيد جمال الدين بن طاووس المتوفي عام 873هجري، وقد عرفت تنصيص صاحب المنتفي لذلك.

2- بهاء الدين العاملي: مشرق الشمسين: ص3و4.

46

وقال صاحب المعالم: إن القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً لاستغنائهم عنه الغالب بكثرة القرائن الدلالة علي صدق الخبر و إن اشتمل طريقه علي ضعف، فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التمييز باصطلاح أو غيره، فلما اندرست تلك الآثار، واستقلت الأسانيد بالأخبار، اضطر المتأخرون إلي تمييز الخالي من الريب فاصطلحوا علي ما قدمنا بيانه، ولايكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمان العلامة إلا من جهة السيد جمال الدين ابن طاووس - رحمه الله- (1).

أقول:إن التقسيم الصحيح بين القدماء كان هو تقسيمه إلي الصحيح والضعيف والمقبول و غير المقبول (2).

و أما هذا التقسيم الرباعي فيمكن أن يكون مأخوذاً مما ورد في كتب قدمائنا كالشيخ الصدوق، والسيد المرتضي في ذريعته، والشيخ الطوسي في عدته، كما يمكن مأخوذاً من التقسيم الثلاثي الرائج بين أهل الحديث من أهل السنة، فإن الحديث عندهم إما صحيح و أما حسن و أما ضعيف، (3) ولكلٍ تعريف نذكره في محله، و قد اتفقوا علي أن مبدأ توصيف الحديث باحسن هو الترمذي صاحب السنن (4) المتوفي عام 280 ه.

----------

1- الحسن بن زين الدين العاملي: منتفي الجمان 1/13.

2- نعم نقل النووي أن البغوي قسم الأحاديث إلي حسان وصحاح، مريداً بالصحاح ما في الصحيحين، وبالحسان ما في السنن، ولكنه تقسيم نسبي، لا يراد منه تقسيم جميع الأخبار إليهما، بل تقسيم كتابه الخاص باسم المصابيح إليهما، الذي جمع فيه ما في الصحاح و السنن. لاحظ: التقريب و التيسير: 1/132. و لايخفي ما للترمذي في سنن من اصطلاحات خاصّة فيها الحسن و غيره.

3- النووي: التقريب و التيسير: 1/42، المطبوع مع شرحه باسم تدريب الرواوي للسيوطي.

4- المصدر نفسه: ص 133.

47

نعم التقسسيم الرباعي باسم الموثق مع الثلاثة من مبتكرات علمائنا في القرن السابع كما علمت.

الجهة الثانية: في تعريف الأقسام الأربعة حتي يتميز

الجهة الثانية: في تعريف الأقسام الأربعة حتي يتميز كل قسم عن الآخر.

تعريف الشهيد الاول:

1- الصحيح :ما اتصلت روايته إلي المعصوم بعدل إمامي.

2- الحسن:ما رواه الممدوح من غير نص علي عدالته.

3- الموثق:ما رواه من نص علي توفيقه مع فساد عقيدته، و يسمي القوي.

4- والضعيف:ما يقابل الثلاثة (1).

و أما اهل الحديث من السنة فعرفوا «الصحيح» بأنه:

«ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة».

و قالوا : إن أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري ثم مسلم، و إذا قيل: صحيح، فهذا معناه لا دنه مقطوع به (2)، فإذا قيل: غير صحيح، فمعناه لم يصح إسناده. ثم عرفوا الحسن بانه: «هو ما عرف مخرجه

----------

1- محمد بن مكي-الشهيد الأول-: الذكري: ص4، و قد ذكرنا ملخص كلامه و حذفنا ما لاصلة له بنفس المصطلحات، و سيوافيك ما حذفنا منه في بحث مفرد، و تقسيم الخبر إلي الموثق من خواصّ علمائنا، و العامة يدخلونه في قسم الصحيح كما نبّه عليه والد شيخنا البهائي في «وصول الأخيار إلي اصول الأخبار» ص97.

2- و إن كانوا عملا يعاملونه معاملة المقطوع به لو كان في الصحيحين.

48

واشتهر رجاله، و يقبله أكثر العلماء، واستعمله عامة الفقهاء» (1).

و عرفه بعض آخر بانه: «هو ما اتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط و سلم من الشذوذ والعلة»، والفرق بين الحسن والصحيح علي هذا التعريف هو: أن العدل في الاول خفيف الضبط و في الثاني تامه (2).

و عرفوا الضعيف بأنه ما لم يجمع فيه صفة الصحيح أو الحسن، ويتفاوت ضعفه كصحة الصحيح (3).

إذا وقفت علي تعريفات الفريقين فلنرجع إلي تحليل تعريف الصحيح عن طريق أصحابنا، فنقول:

أورد الشهيد الثاني علي تعريف الصحيح بان إطلاق الاتصال بالعدل الإمامي يتناول الحاصل في بعض الطبقات و ليس بصحيح قطعاً، حيث قال: فإن اتصاله بالعدل المذكور لا يلزم إن يكون في جميع الطبقات بحسب إطلاق اللفظ، و إن كان ذلك مراداً (4).

توصيحه: أنه لو اتصلت الرواية في آخرها بعدل إمامي بالإمام لصدق أنه اتصلت روايته إلي المعصوم بعدل إمامي مع دنه لا يطلق عليه الصحيح، بل يجب أن يكون جميع رواته متصفين بهذا الوصف.

وأورد علي تعريف الحسن والمؤثق، بأنه يشمل ما كان في طريقه واحد كذلك، و إن كان الباقي ضعيفاً، فضلاً عن غيره.

----------

1- النووي: التقريب و التيسير: 1/43 و 122 و 144.

2- القاسمي-جمال الدين-: قواعد التحديث: ص59.

3- النووي: التقريب و التيسير: 1/144.

4- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 77-78.

49

أضف إليه: أنه لم يقيد الحسن بكون الممدوح إمامياً مع أنه مراد.

تعريف الشهيد الثاني:

الصحيح:ما اتصل سنده إلي المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات و إن اعتراه شذوذ.

الحسن:ما اتصل سنده كذلك بإمامي ممدوح بلا معارضة ذم مقبول، من غير نص علي عدالته في جميع مراتبه أو بعضها مه كون الباقي بصفة رجال الصحيح.

الموثق:ما دخل في طريقه من نص الأصحاب علي توثيقه، مع فساد عقيدته، و لم يشتمل باقيه علي ضعف.

الضعيف:ما لا تجتمع فيه شروط أحد الثلاثة (1).

مناقشة صحب المعالم كلام الشهيدين:

إن صاحب المعالم ناقش كلامهما بالبيان التالي:

1- يرد علي الوالد (الشهيد الثاني): أن قيد العدالة مغن عن التقييد بالإمامي، لأن فاسد المذهب لا يتصف بالعدالة حقيقة، كيف والعدالة حقيقة عرفية في معني معروف لا يجامع فساد العقيدة قطعاً، وادعاء والدي - رحمه الله- في بعض كتبه توقف صدق وصف الفسق بفعل المعاصي المخصوصة علي اعتقاد الفاعل كونها معصية، عجيب، و لم أقف للشهيد

----------

1- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 77-86.

50

(الاول) علي ما يقتضي موافقة الوالد عليه ليكون التفاته أيضاً إليها، فلا ندري إلي اعتبار نظر.

2- ويرد عليهما (الشهيدين): أن الضبط شرط في قبول خبر الواحد، فلا وجه لعدم التعرض له التعريف، و قد ذكره العامة في تعريفهم و سيأتي حكايته، ولوالدي -رحمه الله- كلام في بيان أوصاف الرواي ينبه علي المقتضي لتركه، فأنه لما ذكر وصف الضبط قال: وفي الحقيقة اعتبار العدالة يغني عن هذا، لأن العدل لا يجازف ما ليس بمضبوط علي الوجه المعتبر، فذكره تأكيد أو جري علي العادة -إلي أن قال-:

و في هذا الكلام نظر ظاهر، فإن منع العدالة من المجازفة التي ذكرها لا ريب فيه، وليس المطلوب بشرط المطلوب بشرط الضبط الأمن منها، بل المقصود منه السلامة من غلبة السهو والغفلة الموجبة لوقوع الخلل علي سبيل الخطأ، كما حقق في الاصول، و حينئذ فلابد من ذكره. غاية الأمر أن القدر المعتبر منه يتفاوت بالنظر إلي أنواع الرواية، فما يعتبر في الرواية من الكتاب قليل، بالنسبة إلي ما يعتبر في الرواية من الحفظ (1).

ما هو المراد من الإمامي؟

المراد من الإمامي هو: المعتقد بإمامة إمام عصره، و إن لم يعتقد بإمامة من يأتي بعده لجهله بشخصه واسمه، فتخرج الفطحية والواقفية واضرابهما، فانهم لم يعتقدوا بإمامة إمام عصرهم، فالفطحية جنحوا إلي إمامة عبدالله الأفطح، والواقفية توقفوا علي الامام الكاظم و هكذا، ولو فسرنا الإمامي

----------

1- الحسن بن زين الدين: منتقي الجمان: 1/5-6.

51

بإمامة الأئمة الاثني عشر، تخرج كثير من الأخبار الصحيحة عن تلك الضابطة، لأن الشيعة في تلك الظروف لم تكن واقفة علي أسماء الءئمة و خصوصياتهم و إن كان الخواص منهم عارفين بها.

التوسع في اطلاق الصحيح:

قال الشهيد الأول: وقد يطلق الصحيح علي سليم الطريق من الطعن و إن اعتراه إرسال أو قطع (1).

وقال الشهيد الثاني: و قد يطلق الصحيح عندنا علي سليم الطريق من الطعن بما ينافي الأمرين، وهما: كون الراوي -باتصال- عدلا إمامياً، و إن اعتراه مع ذلك الطريق السالم إرسال أوقطع.

و بهذا الاعتبار يقولون كثيراً: روي ابن عمير في الصحيح كذا أو في صحيحه كذا، مع كون روايته المنقولة كذلك مرسلة.

ومثله وقع لهم في المقطوع كثيراً.

وبالجملة، يطلقون الصحيح علي ما كان رجال طريقه المذكورون فيه عدولاً إمامين، و إن اشتمل علي أمر آخر بعد ذلك حتي أطلقوا الصحيح علي بعضالأحاديث المروية عن غير إمامي بسبب صحة السند اليه، وقالوا في صحيحة فلان: وجدناها صحيحة بمن عداه.

و في الخلاصة: إن طريق الفقيه إلي معاوية بن ميسرة (2)، و إلي عائذ

----------

1- محمد بن مكي-الشهيد الأول-: الذكري: ص4.

2- اين شريح بن الحارث الكندي القاضي. روي عن أبي عبدالله-عليه السلام-.

52

الأحمسي (1)، و إلي خالد بن نجيح (2)، و إلي عبد الأعلي مولي آل سام (3) صحيح مع أن الثلاثة الاول لم ينص عليهم بتوثيق ولا غيره والرابع لم يوثق، وكذلك نقلوا الإجماع علي تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان (4) مع كونه فطحياً (5).

يلاحظ عليه بامور:

1- لو صح ما ذكر من الاصطلاح الأخير، لزم نقض الغرض من التقسيم، فإن الغاية منه هو تمييز الصحيح عن غيره، فلو أطلق علي ما ليس بصحيح حقيقة كما إذا اشتمل آخر السند علي الإرسال أو علي راوٍ مجهول، لغي التقسيسم وانتفت الغاية وحصلت التعمية لكثير من المحدثين، ولا أظن إحداً يرضي بذلك، ولأجل الصيانة للغرض المطلوب، يجب أن لا يوصف السند أو المتن بالصحة إلا إذا كان جميع السند صحيحاً.

2- إن ما استشهد به علي وجود الاصطلاح الثاني «من أنهم يقولون روي ابن أبي عمير في الصحيح كذا أو في صحيحة كذا مع كون روايته المنقولة كذلك مرسلة أو مقطوعة» مما لم يعثر عليه كما اعترف به ولده في منتفي الجمان (6)، وإنما يقال: روي الشيخ أو غيره في الصحيح عن ابن أبي عمير، وبين الصورتين فرق واضح، فإن الموصوف بالصحة طريق الشيخ إلي ابن أبي عميردون ابن أبي عمير ولا من بعده، ولو دخل ابن أبي عمير فإنما هو لقرينة خارجية، ولكن العبارة غير دالة عليه، و أما حال من

----------

1و2و3و4- من أصحاب الصادق-عليه السلام-.

5- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 79-80

6- الحسن بن زين الدين: منتقي الجمان: 1/14.

53

بعد ابن أبي عميرفالعبارة ساكتة عنه، و هذا بخلاف ما إذا قيل: روي ابن أبي عميرفي الصحيح، فالصحة تقع فيها وصفاً لمجموع الطريق من ابن أبي عمير ومن بعده مع اشتماله علي موجب الضعف، و ما هذا إلا تلبيس وتعمية.

3- إن ما استشهد به بما جاء في الخلاصة من أن طريق الفقيه إلي معاوية بن ميسرة، وعائذ الأحمسي، وخالد بن نجيح، و عبد الأعلي، صحيح، مع أن الثلاثة الأول لم ينص عليهم بتوثيق والرابع ضعيف، غير تام، لأن الصحة وصف للطريق ذلي هؤلاء، فالمفروض أنه صحيح، و دما نفس هؤلاء فخارج عن مدلول الكلام.

4- كما أن ما استشهد به علي وجود الاصطلاح الثاني: «من أنهم نقلوا الأجماع علي تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحياً» غير تام، لأن هذه العبارة للكشي، وهو الناقل لهذا الإجماع ومعقده و هو تلميذ العياشي، ومعاصر للكليني، فلا يدل إطلاقه الصحيح علي رواية الفطحي، نقضاً للضابطة لأنه من القدماء، والاصطلاح للمتءخرين و لم يكن للقدماء علم به لاستنادهم فيه غالباً علي القرائن الدالة علي صدق الخبر و إن اشتمل طريقه علي ضعف.

5- ثم إن صاحب المعالم اعتذر عن إطلاق الصحيح علي ما ليس بصحيح واقعاً، بوجهين:

الأول:«إن بعض المتقدمين من المتءخرين أطلق الصحيح علي ما فيه إرسال أو قطع، نظراً منه إلي ما اشتهر بينهم في قبول المراسيل التي لا يروي

54

مرسلها إلا عن ثقة، لم ير إرسالها منافياً لوصف الصحة». (1)

وعلي ضوء ذلك كانت الرواية صحيحة واقعاً غير صحيحة ظاهراً، فلا يكون الاصطلاح الثاني مناقضاً للأول، حيث إنه كان مختصاً بروايات المشايخ الذين التزموا علي أن لايرووا إلا عن ثقة، فإذا أرسلوا، كشف - ببركة هذه الضابطة- أن المحذوف كان ثقة.

الثاني:إن جمعاً من الأصحاب تؤهموا القطع في أخبار كثيرة وليست بمقطوعة، فربما اتفق وصف بعضها بالصحة في كلام من لم يشاركهم في تؤهم القطع، ورأي ذلك من لم يتفطن للوجه فيه فحسبه اصطلاحاً واستعمله علي غير وجه مع ثم زيد عليه استعماله فيما إذا اشتمل علي ضعف ظاهر من حيث مشاركته للإرسال والقطع في منافاة الصحة بمعناها الأصلي، فإذا لم يمنع وجود ذينك المنافيين [الإرسال و القطع] من إطلاق الصحيح في استعمال الطارئ، فكذا ما جاء في معناهما، وجري هذا الاستعمال بين المتأخرين وضيعوا به الاصطلاح (2).

والعجب من السيد الصدر في شرح الوجيزة حيث ادعي أن توصيف رواية ابن أبي عميربالصحة حسب مصطلح القدماء لا المتأخرين (3)، مع أن كلام الشهيد صريح في خلافه و أن توصيفها بالصحة حسب اصطلاح المتأخرين.

----------

1و2- الحسن بن زين الدين: منتقي الجمان: 1/12.

3- السيد حسن الصدر، نهاية الدراية.

55

اعتبار عدم الشذوذ والعلة في الصحيح وعدمه

ثم إن الشهيد الثاني بعد ما فسر الصحيح بما عرفت، قال: وإن اعتراه شذوذ. علي خلاف ما اصطلح عليه العامة من تعريفه حيث اعتبروا سلامته من الشذوذ، وقالوا في تعريفه: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله وسلم عن شذوذ وعلة (1).

اقول: المراد من الشاذ - كما عرفه هو في ثنايا الكتاب - مارواه الرواوي الثقة مخالفاً لما رواه الجمهور أي الأكثر، سمي شاذاً باعتبار ما قابله فإنه مشهور(2).

وعرف المعلل بقوله: ما فيه من أسباب خفية غامضة قادحة في نفس الأمر، وظاهره السلامة منها، بل الصحة، وإنما يتمكن من معرفة ذلك أهل الخبرة بطريق الحديث، ومتونه، ومراتب الضابطة لذلك، وأهل الفهم الثاقب في ذلك (3).

هذا، مع أن الظاهر لزوم التفريق بين الشذوذ والعلة، فالشذوذ غير مانع عن اتصاف الخبر بالصحة، وإن كان غير حجة، وذلك لأن الشذوذ بالتفسير الذي عرفته (ما روي الناس خلافه) لا ينافي الصحة.

نعم وجود الرواية المخالفة يوجب الدخول في باب التعارض و طلب المرجح، والظاهر أن رواية الأكثر من جملة المرحجات، فيطرح الشاذ بهذا

----------

1- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص115.

2- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص78.

3- المصدر نفسه: ص141.

56

الإعتبار، وهو أمر خارج عن الجهة التي قلنا إنها مناط وصف الصحة.

و أما العلة، فالظاهر أنها تنافي توصيف الخبر بالصحة، وذلك لأن فرض غلبة الظن بوجود الخلل دو تساوي احتمالي وجوده ينافي الجزم بذلك، فحينئذ يقوي اعتبار انتفاء العلة في مفهوم الصحة.

والذي يدعم ذلك ما ذكره نفس الشهيد في باب الحديث المعلل حيث قال:

ويستعان علي إدراكها - أي العلل المذكورة- بتفرد الراوي بذلك الطريق، أو المتن الذي تظهر عليه قرائن العلة - أي المرض والنقص- وبمخالفة غيره له في ذلك، مع انضمام قرائن تنبه العارف علي تلك العلة من إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم، أو غير ذلك من أسباب العلة للحديث بحيث يغلب علي الظن ذلك ولا يبلغ اليقين، وإلا لحقه بحكم ما يتيقن من إرسال أو غيره، فيحكم به أو يتردد في ثبوت تلك العلة، من غير ترجيح يوجب الظن فيتوقف (1).

***

قد عرفت فيما مضي أنه ربما يعبر عن الموثق بالقوي، قال والد بهاء الدين العاملي: وقد يراد بالقوي مروي الإماميغير الممدوح ولا المذموم، أو مروي المشهور في التقدم غير الموثق، والاول (كونه مرادفاً للموثق) هو المتعارف بين الفقهاء (2).

أما إطلاق القوي علي فلأجل قوة الظن بجانبه بسبب توثيق

----------

1- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 141.

2- حسين بن عبدالصمد العاملي: وصول الأخيار الي اصول الاخبار: ص 95.

57

رواته، ولكن الأليق حصر إطلاقه علي المعني الثاني، وعندئذ يكون قسماً خامساً خارجاً عن الاقسام الأربعة، ويمكن أن يكون من أقسام الضعيف إذا قلنا بعمومية الضعيف لمن لم يرد فيه مدح ولا ذم، و أما خصصناه بمن ورد فيه الذم فيكون قسماً خامساً.

النتيجة تابعة لأخس المقدمات:

إذا كان الرواة حسب الصفات علي نسق واحد، فالتوصيف حسب صفات الكل، و أما إذا كانوا محتلفين في الصفات كما إذا كان واحد منهم إمامياً ممدوحاًلا موصوفاً بالوثاقة والعدالة وإن كانت البقية كذلك، فالنتيجة تابعة لأخسها، فيوصف بالحسن دون الصحيح وهكذا في غيره.

الخبر الصحيح واضطراب الحديث:

قال الشهيد الثاني: إن اضطراب الحديث يلحق الخبر الصحيح بالضعيف.

أقول:إن الاضطراب تارة يقع في السند و اخري في المتن.

أما الاول:بأن يرويه الراوي تارة عن ابيه عن جده، وتارة عن جده بلا واسطة، وثالثة عن ثالث غير هما، كما اتفق ذلك في روايه أمرالنبي بالخط للمصلي سترة لا يجد العصا (1).

----------

1- روي أبو داود، عن أبي هريرة: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: إذا صلي أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاء فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطّا ثم لايضره مامرّ أمامه(أبو داود: السنن ج1 كتاب الصلاة، باب الخط إذا لم يجد عصاء، ص 183-184)، و قد ذكر صاحب المعالم اضطراب السند في منتقي الجمان، لاحظ: ج1/9، و للوقوف علي كيفيّة الاضطراب راجع سند الرواية في كتاب: الرعاية في علم الدراية، قسم التعليق.

58

واما الثاني: كاعتبار الدم عند اشتباهه بالقرحه بخروجه من الجانب الأيمن فيكون حيضاً،أو بالعكس، فرواه (ج3، ص94) بالأول وكذا في التهذيب في كثير من النسخ، وفي بعضها بالثاني واختلفت الفتوي بسبب ذلك حتي من الفقيه الواحد (1).

هذا هو حقيقة الاضطراب، ولكنه هل يمنع عن التوصيف بالصحة، أو يسقطه عن الحجية و إن كان صحيحاً؟ فله وجهان، الأقرب هو الأول، لأن الاضطراب في السند أو المتن يدل علي عدم كون الراوي ضابطاً، وقد عرفت اشتراط الضبط في توصيف الخبر بالصحة.

تقسيم الصحيح إلي ثلاثة أقسام:

إن جمعاً قد قسموا الصحيح إلي ثلاثة أقسام: أعلي وأوسط و أدني.

فالأعلي:ما كان اتصاف الجميع بالصحة بالعلم أو بشهادة عدلين أو في البعض بالأول و في البعض الآخر بالثاني.

والأوسط:ما كان اتصاف الجميع بما ذكر بقول عدل يفيد الظن المعتمد، أو كان اتصاف البعض به بأحد الطرق المزبورة في الأعلي، والبعض الآخر بقول البعض المفيد للظن المعتمد.

والأدني:ما كان اتصاف الجميع بالصحة بالظن الإجتهادي، وكذا إذا كان صحة بعضه بذلك والبعض الآخر بالظن المعتمد أو العلم أو العلم أو شهادة عدلين.

----------

1- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 147 و 148 وسيوافيك تفصيله في محله.

59

وربما يقال: إن كلا من الحسن والموثق يقسم إلي أعلي وأوسط وأدني، علي نحو ما مر في الصحيح.

ما هو الحجة من الاقسام الأربعة؟

اختلفت كلمات فقهائنا في حجية خبر الواحد، فذهب السيد المرتضي إلي عدم جواز العمل به، و علي ذلك تنتفي فائدة التقسيم، لأنه مقدمة للعمل، و هو يرفض خبر الواحد علي الإطلاق.

وأما علي القول بجواز العمل به - كما هو الحق- فمنهم من خصه بالصحيح، ومنهم من أضاف الحسن، ومنهم من أضاف الحسن، ومنهم من أضاف الموثق، ومنهم من أضاف الضعيف علي بعض الوجوه. والسعة والضيق في هذا المجال تابعان لدلالة مااستدل به علي حجية خبر الواحد، فمن خص نتيجة الأدلة بحجية قول العدل فخص العمل بالصحيح، وأما من قال بعمومية النتيجة فأضاف إليها المؤثق، إلي غير ذلك مما يمكن أن يكون وجهاً لهذا الاختلاف.

وقد اخترنا في أبحاثنا الاصولية انه لا دليل علي حجية خبر الواحد ذلا سيرة العقلاء التي أمضاها الشارع، وهي كانت بمراة ومسمعه، والسيرة كما تدل علي حجية قول الثقة كذلك تدل علي حجية كل خبر حصل الوثوق بصدره عن المعصوم، سواء احرزت وثاقته أم لم تحرز، بل إحراز وثاقة الراوي مقدمة لحصول الوثوق بصدورالخبر، هذا هو المختار، وليس المراد من الوثوق هو الوثوق الشخصي بل النوعي -كما سيظهر-، وعلي ذلك فيعمل بالصحيح والموثق، وأما العمل بالحسن والضعيف فهو رهن حصول الوثوق بصدوره، ولأجل ذلك ربما يكون تضافر الحديث، وإن كان حسناً أو ضعيفاً

الفصل الثالث:فيما تشترك فيه الأقسام الأربعة

الفصل الثالث:فيما تشترك فيه الأقسام الأربعة

قد عرفت المعاني الأربعة التي هي اصول علم الحديث وبقيت هنا أقسام.

منها: ما تشترك فيها الاقسام الأربعة جميعاً.

ومنها: ما يختص ببعضها- وقد ذكر الشهيد من جملة المشترك ثمانية عشر نوعاً ومن المختص ثمانية- ونحن نذكر من المشترك سبعة و ثلاثين نوعاً ومن المختص بالضعيف أربعة عشر نوعاً.

وإن هذا التقسيم منها ما يرجع إلي سند خاصة كالمسند والمتصل و المرفوع و غيرها.

ومنها: ما يرجع إلي المتن خاصة، كالنص والظاهر والمؤول و... ما شاكلها.

ومنها: ما يرجع لهما معاً، كالمتروك والمطروح ... فتدبر.

وإليك الكلام في المشترك أولاً ثم المختص.

1- المسند:

1- المسند:

الخبر المسند اصطلاحاً: ما اتصل سنده من أوله إلي آخره و لم يسقط منه أحد، سواء أكان المروي عنه معصوماً أم غيره، ويطلق عليه المتصل

65

والموصول، ويقابله المنقطع.

و في مصطلح علم الدراية ما اتصل سنده مرفوعاً من روايه إلي منتهاه إلي المعصوم، والعامة لا تستعمله إلا تستعمله إلا فيما اتصل بالنبي (1) لانحصار المعصوم -حسب زعمهم- فيه، وعندنا: ما اتصل بالمعصوم نبياً كان أو إماماً من الائمة المعصومين -عليهم السلام-.

2- المتصل:

2- المتصل:

المتصل: ما اتصل إسناده إلي المعصوم أو غيره، وكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه أو ما هو في معني السماع كالإجاتزة والمناولة، فالمتصل في الحقيقة هو المسند لكن لما خص المسند بما اتصل بالمعصوم اصطلحوا في الأعم بلفظ المتصل أو المتصل أو الموصول.

قال النووي: المتصل و يسمي الموصول، وهو: ما اتصل اسناده مرفوعاً كان (إلي المعصوم) أو موقوفاً علي من كان (2).

وبذلك يعلم أن النسبة بين المتصل والمسند بالمعني المصطلح عموم وخصوص مطلق، و قد قيل غير ذلك.

3- المرفوع: وفيه اصطلاحان:

3- المرفوع: وفيه اصطلاحان:

أ- يطلق علي ما أُضيف إلي المعصوم من قول بأن يقول في الرواية انّه

----------

1- النووي: التقريب و التيسير: 1/147، نقلا عن الخطيب البغدادي.

2- النووي: التقريب و التيسير: 1/149.

66

-عليه السلام- قال كذا، أو فعل بأن يقول فعل كذا، أو تقرير بأن يقول فعل فلان بحضرته كذا ولم ينكره عليه، فإنه يكون قد أقره عليه، وأولي منه ما لو صرح بالتقرير.

قال والد بهاء الدين العاملي: وهو ما أضيف إلي النبي صلي الله عليه و آله وسلم أو أحد الأئمة -عليهم السلام- من دي الأقسام كان متصلاً كان أو منقطعاً، قولاً كان أو فعلاً أو تقريراً (1)، فمقوم المرفوع إضافته إلي المعصوم سواء كان له اسناد أو لا، وعلي فرض وجوده كان كاملاً أو ناقصاً، ولأجل ذلك ينقسم المرفوع إلي المتصل و إلي غيره. قال الشهيد: سواء كان إسناده متصلاً بالمعصوم أم منقطعاً بترك بعض الرواة أو إيهامه، أو رواية بعض رجال سنده عمن لم يلقه.

و علي هذا فالمرفوع في مقابل الموقوف، فإن اضيف إلي المعصوم بإسناد أولا فهو مرفوع، و إذا اضيف إلي مصاحب المعصوم بإسناد أو لا فهو موقوف، فالملاك في التسمية هو الإضافة إلي المعصوم أو مصاحبه سواء أكان مسنداً أم لا.

وقال النووي: المرفوع هو ما اضيف إلي النبي صلي الله عليه و آله وسلم خاصة، لايقع مطلقه علي غيره، متصلاً كان أم منقطعاً (2).

ب- وقد يطلق علي ما اضيف إلي اضيف المعصوم بإسناد منقطع، قال والد الشيخ بهاء الدين العاملي: واعلم أن من المرفوع قول الراوي يرفعه أو ينميه [ينسبه] أو ينبلغ به إلي قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمة عليهم السلام، فمثل هذا

----------

1- حسين بن عبد الصمد: وصول الأخيار: ص 103.

2- التقريب و التيسير: 1/149.

67

يقال له الآن: مرفوع، و أن كان منقطعاً أو مرسلاً أو معلقاً (1) بالنسبة إلينا الدن (2).

وكان سيد الطائفة المحقق البروجردي، يقول: المرفوع ما اشتمل علي لفظ الرفع، مثلاً إذا روي الكليني وقال: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير يرفعه إلي الصادق -عليه السلام- فهو مرفوع.

ولكن الحديث في الواقع يمكن متصلاً بالنسبة إلي محمد بن يعقوب، أو علي بن إبراهيم إلا أن أحد الشخصين حذف السند فقطعه و عبر مكانه لفظة«رفعه».

4- المعنعن:

4- المعنعن:

هو الخبر الذي جاء في سنده كلمة«عن».

توضيح ذلك:أن الكليني تارة يقول: علي ابن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، واخري يقول: حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثني إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني ابن أبي عمير، قال: حدثني ابن اذيني ابن اذينة عن الصادق -عليه السلام-.

والمعنعن هو القسم الدول لاستفادة الراوي في إبداء اتصال السند بهذا الحرف دون غيره.

وهل هو من قبيل المرسل حتي يتبين اتصاله بغيره؟ لأن العنعنة أعم من الاتصال لغة، أو من قبيل المتصل؟ قال الشهيد: الصحيح إنه من قبيل

----------

1- سيوافيك تفسير هذه المصطلحات الثلاثة.

2- حسين بن عبدالصمد: وصول الأخيار ص104.

68

المتصل (بشرطين):

أ-إذا أمكن اللقاء، أي ملاقاة الراوي بالعنعنة لمن روي عنه.

ب-مع براءته من التدليس أي بأن لا يكون معروفاً به، وإلا لم يكف اللقاء، لأن من عرف بالتدليس قد يتجوز في العنعنة مع عدم الإتصال (1).

لاشك أن العبارة ظاهرة في الاتصال وإن لم يكن نصاً فيه، فهو يفيد أنه لقي المروي عنه وأخذه منه فلا يحتاج إلي إحراز اللقاء، بل المانع هو إحراز عدم اللقاء، وأما الأمن من التدليس فتكفي وثاقة الراوي، وبذلك يظهر أنه من قبيل المتصل لا من قبيل المرسل والمنقطع (2).

5- المعلق:

5- المعلق:

المعلق: مأخوذ من تعليق الجدار أو الطلاق، وهو ما حذف من مبدأ إسناده واحد أو أكثر كما إذا روي الشيخ عن الكليني وقال: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه... و من المعلوم أن الشيخ لا ينقل عن الكليني بلا واسطة، إنما ينقل عنه بالسند التالي مثلاً يقول: الشيخ المفيد، عن جعفر بن قولويه، عن الكليني.

إن جل روايات الشيخ في كتابي التهذيب والاستبصار روايات معلقة، ومثله الصدوق في الفقيه لأنهما أخذا الروايات من الاصول والكتب، وذكرا طريقيهما إلي أصحابهما في المشيخة، فربما يحذفان من مبدأ سند الحديث أكثر

----------

1- الشهيد الثاني(زين الدين العاملي): الرعاية في علم الدارية: ص 99.

2- لاحظ: مقباس الهداية في علم الدراية: ص 38.

69

من اثنين.

ولكن المعلق لا يخرج عن الصحيح إذاعرف المحذوف، وعلم أنه عادل، وأما إذا لم يعرف القائل، أو عرف ولم تعلم عدالته فيلحق بالضعيف (1).

وأما التعليق في الكافي فقليل جداً، لانه التزم بذكر جميع السند، نعم قد يحذف صدر السند في خبر بقرينة الخبر الذي قبله، مثلاً يقول: «علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي عمير، عن منصور بن يونس».

و يقول في الخبر الثاني: «ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطيه، عن عمر بن زيد» (2).

فقد حذف صدر السند اعتماداً علي السند المتقدم، ولأجل ذلك لونقل المحدث الحديث الثاني من الكافي يجب أن يخرجه عن التعليق و يذكر تمام السند، لأن الكليني إنما حذفه اعتماداً علي الخبر السابق.

و إلي ذلك يشير صاحب المعالم و يقول: إعلم أنه اتفق لبعض الدصحاب توهم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي، لغغفلتهم عن ملاحظة بنائه في كثير منها علي طرق سابقة، و هي طريقة معروفة بين القدماء.

والعجب أن الشيخ -رحمه الله- ربما غفل عن مراعاتها فأورد الأسناد من

----------

1- إنّ عدم التعلق من الصفات المشتركة بين الأقسام الاربعة، لأجل أنّه ربما يعرف المحذوف من اوّل السند، كتعاليق الشيخ و الصدوق في التهذيب و الفقيه. لأنهما ذكرا طريقهما إلي أصحاب الكتب، التي إخذا الحديث منها، و الحق إنّ مثل هذا، متصلا، لامعلق، فالازم تخصيص المعلق، بالمحذوف غير المعلوم من اول السند، و علي ذلك يختص بالخبر الضعيف. و لاجل ذلك نأتي به في الفصل الآتي المنعقد لبيان صفات الخبر الضعيف.

2- الكليني، الكافي: 2/96- حديث 16 و 17.

70

الكافي بصورته ووصله بطرقه عن الكليني من غير ذكر للواسطة المتروكة، فيصير الاسناد في رواية الشيخ له منقطعاً ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله، ومنشأ التوهم الذي أشرنا إليه فقد الممارسة المطلقة علي التزام تلك الطريقة (1).

6-المفرد:

6-المفرد:

وهو الخبر الذي ينفرد بنقله إما راوٍ واحد نحلة واحدة، أو أهل بلد خاص (2).

فالأول:مثل ما رواه أبوبكر عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم:«نحن معاشر الأنبياء لانورث ديناراً ولادرهماً، ما تركناه صدقة»فقد تفرد بروايته أبوبكر و لم يروه عن النبي غيره.

ونظيره في رواياتنا ما تفرد بنقله أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي (3) ومثله ما تفرد بنقله الحسن بن الحسين اللؤلؤي (4).

والثاني:ما تفرد به الفطحية، فهناك روايات كثيرة بهذا السند: «أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بم سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن

----------

1- الحسن بن زين الدين: منتقي الجمان: 1/24-25.

2- و الفرق بين الغريب و المفرد هو أنّ الاول جزء من الثاني لاختصاص الغريب بما إذا رواه راوٍ واحد فقط، بخلاف المفرد فإنّه يعمّ القسمين الآخرين المذكورين في المتن.

3- ولد عم 180 و توفي 267، قال الشيخ: كان مغاليا متهما في دينه، و قد روي أكثر اصول أصحابنا، لاحظ رجال النجاشي: 1/218 برقم 197، و ج 2/243 برقم 940.

4- و هو غير ما عنونه النجاشي: 1 برقم 82، بل هو ما استثناه ابن الوليد من رجال كتاب نوادر الحكمة، لاحظ رجال النجاشي: 2/243 برقم 940.

71

عمار السباطي»، وهؤلاء كلهم فطحية.

والثالث:كما إذا تفرد بنقله أهل بلد معين كمكة والبصرة والكوفة.

ثم إن الحديث المفرد ليس مرادفاً للشاذ و إنما يوصف بالشاذ إذا أعرض عنه الأصحاب، أو كان مخالفاً للكتاب والسنة القطعية.

7- المدرج:

7- المدرج:

وهو ماأدرج فيه كلام بعض الرواة فيظن أنه من الحديث، و هو علي أقسام يجمعها، ادراج الاروي أمراً في الحديث، والإدراج إما أن يكون في السند أو في المتن، وإليك بيانهما.

أ-أن يكون عنده متنان بإسنادين فينقلهما بسند واحد.

ب- أن يسمع حديثاً واحداً من جماعة مختلفين في سنده بأن رواه بعضهم بسند و رواه غيره بغيره.

ج- أو يسمع حديثاً واحداً من جماعة مختلفين في متنه مع اتفاقهم علي سنده. فيدرج روايتهم جميعاً علي الاتفاق في المتن أو السند و لايذكر الاختلاف.

و قال الشهيد: وتعمد كل واحد من الأقسام الثلاثة حرام (1).

8- المشهور:

8- المشهور:

وهو ما شاع عند أهل الحديث خاصة دون غيرهم، بأن نقله منهم رواة كثيرون، و لايعرف هذا القسم إلاأهل الصناعة.

----------

1- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 104، و النووي: التقريب و التيسير: 1/231.

72

أو ما كان مشهوراً عند المحدثين وغيرهم، كحديث «إنما الأعمال بالنيات» الذي هو من الروايات المشهورة بين المحدثين والمفسرين والفقهاء والعرفاء.

وأما إذا كان مشهوراً عند غير المحدثين ولاأصل له، فهو داخل في الضعيف، و هذا كالنبويات المعروفة في كتب العبادات والمعاملات من الفقه، أعني قوله:

أ-إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز.

ب-لا يحل مال امري مسلم إلا بطيب نفسه.

ج-الصلاة لا تترك بحال.

إلي غير ذلك من الأحاديث المشهورة التي هي مراسيل معروفة، ولا سند لها، نعم ورد في ذيل صحيحة زرارة في حق المستحاضة أن أبا جعفر قال: ... وإلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء، ثم تصلي ولاتدع الصلاة علي حال، فإن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال:«الصلاة عماد دينكم»(1)، فجرد الحديث من الرواية و حرف وصار كما سعت (2).

وهل لمجرد شهرة الرواية -مع كونها مسندة- قيمة في مقام الإفتاء، أو أنه يشترط أن يضم إليها عمل المحدثين والمفتين؟ وإلا فلو نقلوا بلا إفتاء علي مضمونها فهو يورث شكاً في صحتها، بل يوجب -علي التحقيق- خروجها عن الحجية، وفيه بحث طويل و قد استوفيناه في البحوث الاصولية من قسم حجية الشهرة.

----------

1- الحر العاملي: وسائل الشيعة: 2، الباب 1 من ابواب الاستحاضة الحديث 5.

2- لاحظ: الرعاية في علم الدراية-قسم التعليق-: ص 105.

9- الغريب(1):

9- الغريب(1):

قد عرفت معني الغريب وهو المتفرد في الرواية، وله أقسام نذكرها:

أ - الغريب اسناداً ومتناً، وهو ما تفرد برواية متنه واحد من الرواة، ويليق أن يوصف بالغريب المطلق أي الفريد من الجهتين: السند والمتن.

ب - الغريب اسناداً خاصة لا متناً: وعرفه الشهيد بقوله: كحديث يعرف متنه عن جماعة من الصحابة مثلاً.... إذا انفرد واحد بروايته عن اخر غيرهم(2).

و إن شئت قلت: إذا اشتهره الرواية عن جماعة معينة من الصحابة، ولكن نقله الراوي بسند آخر لا ينتهي إلي تلك الجماعة، بل عن صحابي غير معروف بنقلها.

وهذا ما يسمي بأنه غريب من هذا الوجه أي من هذا الطريق، وقد أكثر الترمذي في سننه، وابن الجوزي في كتاب الموضوعات من هذا التعبير.

ج-ما تفرد واحد برواية متنه، ثم يرويه عنه جماعة كثيرة، فيشتهرنقله عن المتفرد، فيعبر عنه للتمييز عن سائر الأقسام بالغريب المشهور، لاتصافه بالغرابة في طرفه الاول، وبالشهرة في طرفه الآخر، واليه يشير الشهيد بقوله: «أو غريب متناً لا اسناداً بالنسبة إلي أحد طرفي الاسناد» فإن اسناده متصف بالغرابة في طرفه الاول وبالشهرة في طرفه الآخر، وحديث:«إنما الأعمال بالنيات»من هذا الباب، غريب في طرفه الاول لأنه مما تفرد به من الصحابة عمر، مشهور في طرفه الآخر.

----------

1- مرّ وجه التكرار و قد ذكره الشهيد في هذا المقام مستوفيا، كما و أجمله في المقام السالف.

2- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 107.

74

والحديث قد ورد في طرقنا عن أئمتنا -عليهم السلام- عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم (1).

و قد يطلق الغريب علي غير المتداول في الألسنة والكتب المعروفة و يخص ذلك باسم الشاذ، ولكن الاصطلاح جري علي تسمية الشاذ في مقابل الغريب، فإن الشاذ ما يكون في مقابله رواية مشهوره بخلاف الغريب (2).

10- الغريب لفظاً:

10- الغريب لفظاً:

و هو في عرف الرواة والمحدثين عبارة عن الحديث المشتمل متنه علي لفظ غامض بعيد عن الفهم، لقلة استعماله في الشائع من اللغة.

هذا، وإن فهم الحديث الغريب لفظاً جزء من علوم الحديث، لانتشار اللغة وقلة تمييز معاني الألفاظ الغريبة، فربما ظهر معني مناسب للمراد، والمقصود في الواقع غيره مما لم يصل إليه.

و قد صنف فيه جماعة من العلماء، و أول من صنف فيه هو: النضر بن شميل، أوأبوعبيده معمر بن المثني، و بعد هما أبوعبيد القاسم بن سلام، ثم ابن قتيبة، ثم الخطابي، فهذه اُمهاته.

ثم تبعهم غيرهم بزوائد و فوائد كابن الأثير، فانه قد بلغ «بنهايته» النهاية، ثم الزمخشري، ففاق في «الفائق» كل غاية، ثم الهروي، فزاد في «غريبه» غريب القرآن مع الحديث. هذا ما لدي السنة الذي ذكره الشهيد، وأما عند الشيعة فمن ألف فيه:

----------

1- الحر العاملي: وسائل الشيعة: 1/35، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10

2- الأنسب ذكر قسم «الغريب لفظا» في المقام ذيلا لمطلق الغريب كما فعلناه، و لكن الشهيد عنونه مستقلا و فصل بينهما بذكر بعض الاقسام.

75

1- هو الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه (المتوفي سنة381)،ألف ما أسماء ب«معاني الأخبار».

2- الشيخ الجليل فخرالدين محمد النجفي الطريحي (المتوفي عام1085) فألف ما أسماه ب «غريب الحديث» و هو مطبوع منتشر.

3- ثم أردفه بكتاب آخر اسماه مجمع البحرين لغريب القرآن والحديث.

4- العلامة الحجة نادرة عصره السسيد محمود الطباطبائي (المتوفي عام 1310) (1).

11- المتفق عليه:

11- المتفق عليه:

إذا اتفق المحدثان أو أزيد علي نقل خبر يطلق عليه «المتفق عليه» كما إذا اتفق البخاري و مسلم علي نقل رواية أو اتفق الثلاثة كما إذا اتفق معهما النسائي أو الترمذي علي نقله، فيطلق عليه «المتفق عليه».

قال النووي: و إذا قالوا صحيح متفق عليه، أو علي صحته فمرادهم اتفاق الشيخين (2).

السلام-، كزارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية و أمثالهم، فيطلق عليها رواية الفضلاء أو المتفق عليها بين

----------

1- و قد رأيت جزئين كبيرين من هذا الكتاب عند بعض أحفاده عندما جاء بهما إلي قم المشرفة ليقوم المحقق البروجردي بطبعهما، و كانت الظروف قاسية فلم يتحقق أمله. عسي أن يبعث الله أهل الخير إلي نشرهما. و كانت النسخة بيد حجة الاسلام السيد علي أصغر المعروف بشيخ الاسلام(ره).

2- التقريب و التيسير: 1/104.

76

ومثله ما إذا اتفق الكليني والصدوق علي نقل رواية بسند واحدأو بسندين، وأعلي منها ماإذا اتّفق المشايخ الثلاثه علي نقلها كالكليني والصدوق والشيخ الطوسي، فإن للاتّفاق مزيّه واضحه لا تنكر.

12-المصحّف :

12-المصحّف :

التصحيف:هوالتغيير، يقال: تصحّفت عليه الصحيفه أي غيّرت عليه فيها الكلمه، ومنه: تصحّف القاري أي أخطأ في القراءة، فإن الخطأ رهن التغيير.

ومن التغيير في المتن قوله صلي الله عليه وآله وسلم : «من صام رمضان وأتبعه ستّاًَ من شوال» فقد صحّف فقري «وأتبعه شيئاً».

ثمّ إنّ منشأ التصحيف إمّا البصر، أواسمع.

أما الأول:فيحصل فيما إذا تقاربت الحروف، كما عرفت من الأمثلة.

----------

1- زين الدين (الشهيد الثاني): الرعاية في علم الدراية: ص 109-110.

77

وأما الثاني:فإنما يحصل إذا كانت الكلمتان متشابهتين عند السمع كما في تصحيف عاصم الأحول، بواصل الأحدب فإن ذلك لا يشتبه في الكتابة علي البصر.

ثم إن بعضهم خص اسم المصحف بما غيرت فيه النقط مع الحفاظ علي الشكل، كما تقدم.

وأما ما لوغير فيه الشكل -هيئة الكلمة- مع بقاء الحروف، فسماه بالمحرف، كما في قولهم جبة البرد، جنة البرد، فلو قرئت كلتا الكلمتين (البرد-البرد) علي نسق واحد إما بضم الباء أو بفتحها فهو محرف، ومثله «الجاهل إما مفرط أو مفرط» فلو قري «المفرط» علي نسسق واحد ذما بالتخفيف أو بالتشديد فهو محرف (1).

13- العالي سنداً:

13- العالي سنداً:

وعرف بقليل الواسطة مع اتصاله إلي المعصوم، قال النووي: الإسناد خصيصة لهذه الامة وسنة بالغة مؤكدة، وطلب العلو فيها سنة، ولهذا استحبت الرحلة، ثم ذكر أقسامه حسب منهجه (2)

لاشك أنه كلما قلت الوسائط في نقل الخبر، قل الخطأ والاشتباه، وعلي العكس كلما كثرت الوسائط زاد احتمال الخطأ، ولأجل ذلك يعد علو الاسناد وقلة الوسائط من مرجحات الخبر ومزاياه، وقد كان طلب علو

----------

1- الخطيب القزويني: تلخيص المفتاح: 2/194، مع شرح سعد الدين-طبع المكتبة المحمودية الأزهر-، و عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ص 43.

2- النووي: التقريب و التيسير: 2/145-147.

78

الاسناد سنة عند أكثر السلف، وكانوا يرحلون إلي المشايخ في أقصي البلاد لأجل ذلك، حتي أن جماعة من أصحابنا الإمامية دونوا الأحاديث العالية باسم «قرب الإسناد»، منهم الثقة الجليل عبدالله بن جعفر الحميري (1).

و في الوقت نفسه ربما ينعكس الحال فيما إذا كان قلة الوسائط علي خلاف المتعارف كما إذا روي المتأخر عن شيخ متقدم يبعد أنه أدركه ولاقاه وأخذ منه الحديث، وفيما إذا وجدت مزية في الجانب المقابل كأن يكون الرواة أوثق وأحفظ وأضبط من عالي الإسناد.

وبما أن الخبر العالي الإسناد اكتسب في أوساط المحدثين مكانة، صار مطمحاً للمدلسين، فربما يروون الحديث بوسائط قليلة حتي يكتسب قيمة بين المحدثين مع أن الراوي لم يدرك المروي عنه.

----------

1- و قد ذكر شيخنا الجليل في موسوعته الذريعة إلي تصانيف الشيعة: ما سمي باسم «قرب الإسناد» و إليك نصه بتلخيص منا:

(1) قرب الاسناد لأبي الحسين الكرخي ابن معمر، حكاه الشيخ في الفهرست عن ابن النديم.

(2) قرب الاسناد، لشيخ القميين أبي العباس عبدالله بن جعفر الحميري، سمع منه أهل الكوفة في سنة نيف و تسعين و مائتين، و قد جمع الاسانيد العالية إلي كل امام في جزء، و الموجود بعض منها.

(3) قرب الاسناد للشيخ الجليل، والد الصدوق، الشيخ أبي الحسن علي بن حسين بن موسي بن بابوية القمي يروي عنه النجاشي بواسطة شيخه عباس بن عمر الكلوذاني، و هذا سند عال لان النجاشي توفي سنة 450 هجري و روي عن والد الصدوق المتوفي سنة 329 هجري بواسطة واحدة.

(4) قرب الاسناد لمحمد بن جعفر بن بطّة، أبي جعفر المؤدب القمي، كثير الادب و العلم و الفضل.

(5) قرب الإسناد لأبي جعفر محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، صاحب بعد الاسناد.

(6) قرب الاسناد لابي جعفر محمد بن أبي عمران الكاتب القزويني، رآه النجاشي و لم يتفق له السماع منه (الذريعة: 17/67-70).

و المظنون أنّ الاول و الاخير في غير الحديث.

79

فهذه الوجوه تدفعنا إلي التثبيت والتبين، حتي لا نغتر بقلة الوسائط.

وأما أقسامه:

1- أعلاها وأشرفها هو قرب الإسناد من المعصوم بالنسبة إلي سند آخر يروي به ذلك الحديث بعينه بوسائط كثيرة وهو العلو المطلق،فإن اتفق مع ذلك أن يكون سنده صحيحاً ولم يرجح غيره عليه بما تقدم، فهو الغاية القصوي.

2- ثم بعد هذه المرتبة في العلو، قرب الإسناد لا بالنسبة إلي المعصوم بل إلي أحد أئمة الحديث، ك «حسين بن سعيد الأهوازي»(1)، مولف كتاب الثلاثين، ومحمد بن أحمد بن يحيي الأشعري (2)، مولف نوادر الحكمة، والكليني والصدوق والشيخ وأضرابهم.

3- ما يتقدم زمان سماع دحد الروايين في الإسنادين علي زمان سماع الآخر، و إن اتفقا في العدد الواقع في الإسناد، أو في عدم الواسطة بأن كانا قد رويا عن واحد في زمانين مختلفين. فأولها سماعاً أعلي من آخر لقرب زمانه من المعصوم بالنسبة إلي الآخر، والعلو بهذين المعنيين، يعبرعنه ب: العلو النسبي.

4- وزاد بعضهم للعلو معني رابعاً و هو تقدم وفاة راوي أحد السندين

----------

1- من أصحاب الامام الرضا و الجواد والهادي-عليه السلام- كوفي انتقل إلي الأهواز ثم إلي قم فتوفّي فيها يروي عن عدة مثل صفوان بن يحيي(ت 210هجري) و حمّاد بن عيسي(ت 209هجري).

2- و هو ممن لم يرو عنهم-عليه السلام- توفي حوالي 293 هجري، فلو روي أحد الراويين عن الحسين بن سعيد، و الآخر عن الاشعري، فللاول مزية علو السند.

80

المتساويين في العدد علي من في طبقته من راوي السند الآخر، فإن المتقدم عال بالنسبة إلي المتأخر (1).

هذه هي الصور الأربعة التي وردت في كتب وردت في كتب الدراية، ولكن الاهتمام بعلو الإسناد لأجل كونها أقرب إلي الواقع، وليس هذا الملاك موجوداً في جميع الصور، وإنما الموجود في بعضها يظهر بالتأمل (2)، و هذا ما يعبر عنه ب: العلو المعنوي، وليس هو مرداً في هذا المقام.

و يقابل هذا العالي سنداً- تعريفاً وتحديداً، وشروطاً وأقساماً- النازل سنداً، وقد عدوه قسماً برأسه.

وكان الأنسب في المقام ذكر بعض الأقسام مثل رواية الأقران أو المدبج أو رواية الأكابر عن الأصاغر، وسيجيئ في محلها تبعاً للشهيد.

14- الشاذ:

14- الشاذ:

و هو ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه المشهور، ويقابل للطرف الراجح: المحفوظ أيضاً، هذا إذا كان الراوي ثقة، و لو كان غير ثقة فهو منكر.

واختلفت الدقوال في قبول الشاذ، فمنهم من قبله نظراً إلي كون روايه ثقة، فيرجع في مقام العلاج إلي قواعد التعارض.

----------

1- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 115، عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ص 44.

2- ثم إنهم ذكروا لعلو الاسناد صورا مختلفة من «الموافقة» و «الابدال» و «المساواة» و «المصافحة» لا طائل تحتها، و لعلها نادرة في روايتنا، توجد أمثلتها، ذكرناها في محلها، و من أراد التفصيل فليرجع إلي «مقباس الهداية 44، من مولفات أصحابنا، و شرح النخبة لابن حجر العسقلاني (ت852): ص 51، و تدريب الراوي لجلال الدين السيوطي (ت 911): 2/150».

ومن التسلسل ما يتعلق بالزمان، مسماع جميع آحاد السند في يوم الخميس أويوم العيد.

ومنه ما يتعلق بالمكان كسماع كل عن صاحبه في المسجد أوالمدرسة أوالبلد الفلاني.

و قد يقع التسلسل في معظم السند دون جميعه، ويقال للأول: المسلسل التام، مقابل الثاني الذي هو ناقص أو في بعض السند.

و من نماذج المسلسل في الروايات أصحابنا الإمامية: ما نقله الصدوق في الخصال عن الإمام الرضا -عليه السلام- بالنحوالتالي: حدثني أبي: موسي بن جعفر، قال: حدثني أبي: جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي: محمد بن علي، قال: حدثني أبي: علي بن الحسين، قال: حدثني أبي: الحسين، قال: حدثني أخي: الحسن بن علي، قال: حدثني أبي: علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «خلقت أنا وعلي من نور واحد» (1).

قال الشهيد:

والتسلسل ليس له مدخل في قبول الحديث وعدمه وإنما هو فن من فنون الرواية، وضروب المحافظة عليها والاهتمام بها. وفضيلته اشتماله علي مزيد الضبط، والحرص علي أداء الحديث بالحالة التي اتفقت بها من النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأفضله ما دلّ علي اتصال السماع لأنه أعلي مراتب الرواية. وقلما

----------

1- الصدوق: الخصال: ص 31.

83

تسليم المسلسلات عن ضعف في الوصف بالتسلسل،فقد طعن في وصف كثير منها في أصل المتن (1).

وقال والد بهاءالدين العاملي: وقد اعتني العامة بهذا القسم وقل أن يسلم لهم منه شيء إلا بتدليس أوتجوز أوكذب يزينون به مجالسهم وأحوالهم، وهو مع ندرة اتفاقه عديهم الجدوي (2).

16- المزيد:

16- المزيد:

و هو المشتمل علي زيادة في المتن أوالسند، ليست في غيره، أما المتن، فبأن يروي فيه كلمة زائدة تتضمن معني لايستفاد من غيره، وأما السند؛ فبأن يرويه بعضهم بإسناد مشتمل علي ثلاثة رجال معينين مثلاً، فيرويهم المزيد بأربعة يتخلل الرابع بين الثلاثة فالأول هو المزيذ في المتن، والثاني هو المزيد في الإسناد.

أما الزيادة في المتن فهي مقبولة إذا وقعت الزيادة من الثقة، لأن ذلك لايزيد علي نقل حديث مستقل حيث لا يقع المزيد علي نقل حديث مستقل حيث لا يقع المزيد منافياً لمارواه غيره من الثقات (3).

نعم لوأوجبت الزيادة صيرورة الروايتين متضادتين تعاملان معاملة المتعارضتين أوالمختلفتين.

وأما الزيادة في السند، فهي كما إذا أسنده المزيد وأرسله الآخرون، أو

----------

1- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 120.

2- الشيخ حسين العاملي: وصول الاخيار الي اصول الاخبار: ص 101، و لاحظ مقباس الهداية: ص47.

3- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 121.

84

وصله وقطعه الآخرون، أورفعه إلي المعصوم ولكن الآخرين وقفوه علي من دونه، و هي مقبولة إذا كان الراوي ثقة لعدم المنافاة إذ يجوز اطلاع المسند والموصل والرافع علي ما لم يطلع عليه غيره أوتحريره لما لم يحرره الاخرون، فهو كالزيادة غير المنافية فتقبل، و لو احتمل كون النقص من باب السهو، فيقدم المزيد أيضاً وذلك لانه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة، فالنقيصة أولي، لأن النقيصة السهوية ليست ببعيدة عن الإنسان الذي خلق ضعيفاً، بخلاف الزيادة السهوية التي هي أقل بالنسبة إليها.

قال والد شيخنا بهاءالدين العاملي: «وأما النقص فبأن يروي الرجل عن آخر وعلم أنه لم يلحقه أو لحقه ولم يروعنه، فيكون الحديث مرسلاً أو منقطعاً و إنما يتفطن له المتضلع بمعرفة الرجال و مراتبهم ونسبة بعضهم إلي بعض، ومما يعين علي ذلك معرفة أصحاب الأئمة واحداً واحداً ومن لحق من رواة الائمة ومن يلحقهم(1).

17__ المختلف:

17__ المختلف:

إنما يوصف الحديث بالمختلف إذا قيس إلي غيره فعندئذتتجلي إحدي النسب الإربعة، فتارة تكون النسبة بينهما التساوي، واُخروي التباين، وثالثة العموم والخصوص مطلقاً، ورابعة العموم والخصوص من وجه(2).

----------

1- الشيخ حسين العاملي: وصول الاخيار: ص117.

2- و من أمثلته ما روي: إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا. و ما روي: خلق الله الماء طهورا لاينجسه شيء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه، فإنّ الاول ظاهر في طهارة القلتين تغيّرا أم لا، و الثاني ظاهر في طهارة غير المتغير سواء كان قلتين او أقل.

85

والمراد من المختلف هو غير القسم الأول. وعرفه الشهيد بقوله: أن يوجد حديثان متضادان في المعني ظاهراًسواء تضادا واقعاً، كأن لا يمكن التوفيق بينهما بوجه، أو ظاهراًفقط كأن يمكن الجمع بينهما، فالمختلفان في اصطلاح الدارية هما المتعارضان في اصطلاح الأُصوليين، والمتوافقان خلافه. وقد ورد التعبير بالا ختلاف عن التعارض في أكثر روايات الباب(1).

وأما ما هي الوظيفة تجاه الخبرين المختلفين فقد قررفي علم الأُصول في مبحث التعادل و الترجيح فلا نطيل الكلام فيه. و أول من جمع من أصحابنا الأخبار المختلفة هو الشيخ الطوسي (385 __ 460 ه_) فقد ألف كتاب الإستبصار في ذلك المضمار، وقد ذكر النجاشي والشيخ الطوسي رسائل للأصحاب في اختلاف الحديث(2).

قال النووي:«معرفة مختلف الحديث و حكمه، فن من أهم الأنواع، ويضطرإلي معرفته جميع العلماء من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعني، فيوفق بينهما أو يرجح أحد هما، وصنف فيه الإمام الشافعي ولم يقصد استيفاءه، بل ذكر جملةينبه بها علي طريقه .

ثم صنف فيه ابن قتيبة، فأتي بأشياء حسنة وأشياء غير حسنة وترك

----------

1- الحر العاملي: وسائل: 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1، 5، 11، 21، 29، 30، 34، 36، 40، 48، و لم يرد لفظ التعارض إلا في مرفوعة زرارة التي رواها ابن ابي جمهور مرسلا عن العلامة، وهو رفعها إلي زرارة، و نقلها الانصاري بطولها في رسالة التعادل و الترجيح.

2- النجاشي: الرجال: ص 207 برقم 888 في ترجمة ابن أبي عمير، الطوسي: الفهرست: 211 برقم 810 في ترجمة يونس بن عبد الرحمن، و كتاب اختلاف الحديث و مسائله عن أبي الحسن موسي بن جعفر-عليهما السلام-.

86

معظم الاختلاف»(1).

18 __ الناسخ والمنسوخ :

18 __ الناسخ والمنسوخ :

ورد النسخ في اللغة لمعان منها: الإزالة والنقل،وفي الإصطلاح: رفع الحكم السابق بدليل مثله علي وجه لولاه لكان ثابتاً.

والنسخ وإن كان رافعاً للحكم السابق ظاهراً إلا أنه في الشرع بيان لانتهاء أمده، وألا استلزم البداء وهو حقه سبحانه.

ثم إن اليهود منعوا إمكانه والبعض الاخر منع وقوعه، والنظر الموضوعي إلي تاريخ الشرائع السالفة والشريعة المقدسة الإسلامية يدل بوضوح علي وقوعه فضلاً عن أمكانه .

اتفقوا علي نسخ القرآن وبالسنة القطعية، و إنما اختلفوا في جوازه بخبرالواحد إلا أنهم لم يختلفوا في نسخ السنة بمثلها . إنما الكلام في طريق معرفة الناسخ والمنسوخ، فذكر الشهيد الطرق التالية:

1_ النص من النبي(ص) كقوله:«كنت نهيتكم عن زيارة القبور،فزوروها».

2_ نقل الصحابي مثل :«كان آخرالأمرين من رسول الله ترك الوضوءمما مست النار».

3_ التاريخ فإن المتأخرمنهما يكون ناسخاً للمتقدم .

4_ الإجماع، كحديث قبل شارب الخمر في المرة الرابعة نسخه الإجماع

----------

النووي: التقريب و التيسير: 2/175-176.

87

علي خلافه، حيث لا يتخلل الحد(1).

نعم لا يثبت النسخ بقول مطلق الصحابي وإنما يشترط فيه كل ما يشترط في حجية خبر الواحد، وأما ثبوته بالتأريخ فيشترط ثبوت تأخر الثاني عن الأول بالدليل، وقد ورد في أحاديث أهل البيت(ع) ما يؤيد ذلك :

روي محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله(ع) قال: قلت له ما بال أقوام يروون عن فلان، عن فلان، عن رسول الله(ص) لا يتهمون بالكذب فيجي ء منكم خلافه؟ قال(ع):«إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن»(2).

وروي منصوربن حازم، قال قلت لأبي عبدالله (ع) اخبرني عن أصحاب محمد(ص) صدقوا علي محمد أم كذبوا؟ قال(ع): بل صدقوا، قلت: فما بالهم اختلفوا؟ قال (ع) :«أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً»(3).

وعلي كل تقدير، فالحديق التأخر الصادر عن الأئمة ليس ناسخاً، بل كاشف عن الناسخ الوارد علي لسان عالنبي، لا نقطاع الوحي بعد رحلة الرسول (ص)(4).

----------

النووي: التقريب و التيسير: 2/170و 172، الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 128، و القسم الرابع من أقسام تقييد إطلاق الخبر بالاجماع و ليس نسخاً.

2 و 3- الكليني: الكافي: 1/65.

4- قال أمير المومنين عليه السلام عند تغسيل رسول الله و تجهيزه: بأبي أنت و أمي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة و الانباء و أخبار السماء. نهج البلاغة: الخطبة 235.

19_ المقبول :

19_ المقبول :

هو الحديث الذي تلقاه الأصحاب بالقبول والعمل بمضونه، وهل هو من الأقسام المشتركة بين الصحيح وغيره، أولا ؟ الظاهر هو الثاني لأن الصحيح لا ينقسم إلي المقبول وغير المقبول، بل هو مقبول مطلقاً عند الأكثر، أو إذا لم يكن شاذاً علي ما هو التحقيقِ، أو لم تكن فيه علة _ كما عليه جمهورأهل السنة _ وأما الضعيف فينقسم إلي المقبول ومقابله .

نعم يمكن جعله من الأقسام المشتركة بين الصحيح وغيره، ومن الطوارئ عليهما جميعاً إذا خصصنا جواز العمل بالصحيح ولم يعم الموثق والحسن، فعندئذ تنقسم الأقسام الثلاثةإلي المقبول وعدمه.

والمثال الواضح للمقبول هو حديث عمر بن حنظلة الوارد في حال المتخاصمين من أصحابنا الذي رواه المشايخ الثلاثة في جوامعهم (1) وإليك سنده :

«محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين،عن محمدبن عيسي،عن صفوانبن يحيي،عن داود بن الحصين،عن عمر بن حنظلة،قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحا كما إلي السلطان وإلي القضاة، إيحل ذلك ؟..»(2).

قد تلقاه الأصحاب بالقبول في باب القضاء وعليه المدار في ذلك

----------

1- الكليني: الكافي: 1/67 الحديث 10، الصدوق: الفقيه: 2/5، الشيخ الطوسي: التهذيب: 6/301 الحديث52.

2- الحر العاملي: وسائل الشيعة: 18/98- الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث1.

89

الباب، وقد ورد في طريقه ثلاثة أشخاص :

1_ محمد بن عيسي اليقطيني، ضعفه ابن الوليد عند استثنائه27 شخصاًمن رجال نوادر الحكمة، وقد ثبت وثاقته وإن تضعيقه موهون (1).

2_ داودبن الحصين، وهو كوفي ثقة، وأن ضعفه الشهيد الثاني في درايته.

3_ عمر بن حنظلة، لم ينص الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل، قال الشهيد: لكن أمره عندي سهل لأني حققت توثيقه من محل آخر وإن كانوا قدأهملوه (2).

قال صاحب المعالم: و من عجيب ما اتفق لوالدي _ رحمةالله _ في هذا الباب أنه قال في شرح بداية الدارية:إن عمر بن حنظله لم ينص الأصحاب عليه بتعديل ولا جرح، ولكنه حقق توثيقه من محل آخر، وجدت بخطه _ رحمة الله _ في بعض مفردات فوائده ماصورته:

عمربن حنظله غير مذكور بجرح ولا تعديل، ولكن الأقوي عندي أنه ثقة لقول الصادق(ع) في حديث الوقت :«إذا لا يكذب علينا».

والحال أن الحديث الذي أشار إليه ضعيف الطريق، فتعلقه به في هذا الحكم مع ما علم من انفراد به غريب، ولولا الوقوف علي الكلام الأخير لم

----------

النجاشي: الرجال: 2 برقم 939 و نقل عن أبي العباس بن نوح أنّه صدّق ابن الوليد في جميع من استثناء إلا في محمد بن عيسي فقال: فلا أدري ما رابه فيه لانه كان علي ظاهر العدالة و الثقة.

الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 131.

90

ويختلج في الخاطر أن الاعتماد في ذلك علي هذه الحجة.(1)

أقول: رواه الكيني، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس عن يزيد بن خليفة، قال قلت

لأبي عبدالله (ع): إن عمربن حنظلة أتاناعنك بوقت، فقال أبوعبدالله (ع): «أذاً لايكذب علينا»(2).

فالسند لأباس به إلا يزيد بن خليفة فإ نه واقفي لم يوثق، قال النجاشي: روي عن أبي عبدالله(ع) له كتاب، وذكره الشيخ تارة من أصحاب الإمام الصادق(ع)واُخري من أصحاب الإمام الكاظم(ع) وعنونه الكشي

برقم(160)، ولم يظهرمنه توثيق ولكنّه يروي عنه صفوان بن يحيي، وقد ادّعي الشيخ أنّ صفوان لايروي ولايرسل إلّاعن ثقة مثل ابن أبي عميروالبزنطي، وقد أثبتنا في أبحاثنا الرجالية أنّ الضابطة غيرمنتقضة(3).

إلي هنا تمّ ماذكره الشهيد حول الصفات المشتركة بين الأقسام الأربعة، وهناك صفات اُخري لم يذكرها الشهيد، فلابأس بالإشارة إليها.

20- المعتبر

20- المعتبر

وهوما عمل الجميع أوالأكثربه أواُقيم الد ليل علي اعتباره لصحة اجتهادية أو وثاقة أو حسن،هو بهذا التفسير أعم من المقبول.

----------

حسن بن زين الدين، منتقي الجمان: 1/19.

الكليني: الكافي: 3، الباب الخامس من أبواب وقت صلاة الظهر و العصر، الحديث1.

لاحظ في الوقوف علي آراء الرجاليين في حقّه: معجم رجال الحديث: 20، برقم 13653 و 13654.

91

92

24- المشتبه المقلوب:

و هو اسم للسند الذي يقع الإشتباه فيه في الذهن لا في الخطّ، ويتّفق ذلك في الرواة المتشابهين في الاسم بأن يكون اسم أحد الراويين كاسم أب الآخرخطّاً ولفظاً، واسم الآخر كاسم أب الأول كذلك، وذلك مثل أحمد ابن محمد بن يحيي، المشبته ب محمد بن أحمد بن يحيي، فإنّ الأوّل هو أحمد بن محمد بن يحيي العطّارالقمّي والثاني هو محمد بن أحمد بن يحيي صاحب نوادر الحكمة، وأمثلته كثيرة.

25- المشترك:

و هوماكان أحد رجاله أو أكثرهم مشتركاً بين الثقة وغيره، ولابدّ من الرجوع الي تمييزالمشتركات، والتمييز يحصل بقرائن الزمان، وأُخروي بالراوي، وثالثة بالمروي عنه، وأحسن ما اُلّف في هذا الباب هو كتاب تمييز المشتركات للكاظمي، وهناك طريق آخر لتمييز المشتركات وهوممارسة الأسانيد حتي يتعرّف المحدّث علي الطبقات وعندئذ يتعرف علي الراوي المشترك وتحصل عنده ملكة التمييز بسهولة.

والطريق الأوّل تقليدي، والثاني اجتهادي وهوالذي سلكه سيد المحققين البروجردي- قدس سره-

26- المؤتلف والمختلف:

ومجموعهما اسم لسند اتفق فيه اسمان فما زاد خطّاً واختلفا نطقاً سواء

93

أكان مرجع الاختلاف إلي النقط أم الشكل، وذكروا لذلك أمثله فمنها جرير وحريز، فالأول اسم لجرير بن عبدالله البجلي الصحابي والثاني اسم لحريز بن عبدالله السجستاني - الذي يروي عن الصادق(ع) ومنها الهمداني والهمداني،الاول بسكون الميم والدال المهملة، والثاني بفتح الميم والذال المجمعة،فالأول نسبة إلي همدان قبيلة في ا ليمن والثاني اسم لمدينة في إيران، فمن الأول محمد بن ا لحسين بن أبي الخطاب، ومحمد بن الأصبغ، وسندي بن عيسي، ومحفوظ بن نصر وخلق كثير. بل كثير من الرواة منسوبون إلي هذا الاسم، لإنها قبيلة صالحة موالية لأميرالمؤمنين(ع)، من الثاني محمد بن يحيي، ومحمد بن الوليد، وعلي بن الفضيل، وإبراهيم بن سليمان، وأحمد بن النضر، وعمروبن عثمان، وعبدالكريم بن هلال الجعفي.

27-المدبّج ورواية الأقران:

إنّ الراوي والمروي عنه إن تقارنا في السنّ أو في الإسناد و اللقاء - وهو الأخذ من المشايخ -فهو النوع الذي يقال: له رواية الأقران، لأنّه حيئذ يكون راوياً عن قرينه وذلك كالشيخ أبي جعفر الطوسي(385ه_ -460ه_) والسيد المرتضي(355ه_ 436ه_) فإنهما قرينان في طلب العلم والقراءة علي الشيخ المفيد، و إن كان السيد متقدماً عليه ميلاداً. و إن روي كلّ عن الآخر فمدبّج.

28-رواية الأكابر عن الأصاغر:

هذا إذا كان المروي عنه دون الراوي في السنّ أو في اللقاء، فروي عمّن دونه فهو النوع المسمّي براوية الأكابرعن الأصاغر، كروايةالصحابي عن

94

التابعي، والتابعي عن تابعي التابعي.

29-السابق واللاحق:

وهو ما اشترك اثنان في الأخذ عن شيخ وتقدّم موت أحد هما علي الآخر. قال الشهيد: وأكثر ما وقفنا عليه في عصرنا من ذلك ستّ وثمانون سنة، فإن شيخنا المبرور نور الدين علي بن عبدالعالي الميسي والشيخ الفاضل ناصر بن إبراهيم البويهي الإحسائي، ما ذكرناه، لأنّ الشيخ ناصر البهويهي توفّي سنة اثنتين و خمسين وثمانمائة وشيخنا الميسي توفّي سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة(1).

30-المطروح:

وهو ما كان مخالفاً للد ليل القطعي ولم يقبل التأويل، وربّما يتّحد مع الشاذّ في النتيجة وإن لم يتحدا في الاسم.

31-المتروك:

مايرويه من يتّهم بالكذب ولا يعرف ذلك الحديث إلّا من جهته، ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة.

----------

1- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 366.

95

96

35-المؤوّل:

وهواللفظ المحمول علي معناه المرجوح بقرينة حالية أو مقالية.

36-المجمل:

وهوما كان غير ظاهرالدلالة علي المقصود، وإن شئت قلت: اللفظ الموضوع الذي لم يتّضح معناه. هذا إذا جعلنا الإجمال صفة للمفرد، فربّما يقع وصفاً للجملة، فيكون المراد مالم يتّضح المقصودمن الكلام فيه.

37-المبيِّن:

وهو خلاف المجمل، وقد أشبع الاُصوليون الكلام في المجمل والبيّن بل النصّ والظاهروهي من صفات مطلق اللفظ سواء أكان في الحديث أم في غيره واتّصاف الحديث بهما لأجل اشتماله عليه.

هذه هي أسماء الحديث المشتركة بين الصحيح وغيره، فلا بدّ من الكلام في الإقسام المختصّة بالضعيف ممّا يدور في ألسنةالمحد ّثين(1).

----------

1- أخذنا هذه التعاريف الأخيرة غير المذكورة في الرعاية للشهيد من كتاب مقباس الهداية في علم الدراية: ص 51-58.

97

الفصل الرابع:فيما يختصّ من الأوصاف

الفصل الرابع:فيما يختصّ من الأوصاف

بالضعيف :

1- الموقوف 2- المقطوع

3- المنقطع 4- المعضل

5- المعلّق 6- المضمر

7- المرسل، حجيةالمرسل، مراسيل الفقيه،

8- المعلّل 9- المدلّس

10- المضطرب 11- المقلوب

12- المهمل 13- المجهول

14- الموضوع، ما هوالسبب لشيوع

الأحاديث الموضوعة،في تعريف

الصحابي،عددالصحابة، المولي.

99

100

1- الموقوف:

و هو علي قسمين: مطلق ومقيّد، جاء مطلقاً فالمراد ما روي عن مصاحب المعصوم من نبي أو إمام، فعل، أوغيرهما، سواء أكان السند متصلاً إلي المصاحب أم منقطعاً، وأما إذا أأُخذ من غير المصاحب للمصوم فلا يستعمل إلّا مقيّداً، فيقال وقفه فلان علي فلان إذا كان الموقوف عليه غير مصاحب، وقد تقدّم أنّه ربّما الأثر علي المروي عن الصحابي كما يطلق الخبرعلي المرفوع إلي المعصوم، ولكنّه اصطلاح ليس بشائع.

قال النووي: الموقوف هو المروي عن الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أونحوه، متصلاً كان أو منقطعاً، ويستعمل في غيرهم مقيّداًً، فيقال: وقفه فلان علي الزهري ونحوه، فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثروالمرفوع بالخبر(1).

وأكثرما رواه المحّدثون في تفسير الآيات عن الصحابة موقوف

----------

1- التقريب و التيسير: 2/149.

101

غير مرفوع إلي النبي(ص) اللّهم إلّا إذا كان مبيّناً لشأن نزول الآية. فربّما يكون مرفوعاً لبّاً وإن لم يكن مرفوعاً لفظاً، كقول جابر:كانت اليهودتقول: من أتي امرأته من دبرها في قبلها،جاء الولد أحول فأنزل الله تعالي:(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّي شئتم)(البقرة /223).

فإن مثل هذا يعدّ مرفوعاً، ومثله ما إذا حكي عن اُمور غيبيّة ترجع إلي الحياة الأخرويّة التي ليس للعقل إليها طريق، فطبع الحال يقتضي أخذه لها عن المعصوم فهو مرفوع لاموقوف، ونظيره ما إذا حكي المصاحب للمعصوم فعله بمرأي ومنظر منه، ويعد مرفوعاً، بخلاف ما إذا لم يكن بمرأي ومنظر منه، وعلي كل تقدير فالموقوف ليس لحجة وإن صحّ سند الحديث إلي الموقوف، لأنّ الحجّة هو قول المعصوم، والمصاحب ليس بمعصوم، وبذلك تعلم قيمة ما روي عن الصحابة حول تفسيرالآيات، وقد حشّد الطبري تفسيرة بالموقوفات، ومثله السيوطي فقد جمع في تفسيره أقوال الصحابة حول الآيات.

2-المقطوع:

المقطوع يستعمل علي ثلاثة أوجه:

أ-إذا روي عن التابعي، أي مصاحب مصاحب النبي.

قال النووي: هوالموقوف علي التابعي قولاً له أوفعلاً(1).

وبماأنّ المعصوم غير منحصر عندنا في النبي(ص) فيعمّ ما إذا روي عن

----------

1- التقريب و التيسير: 1/159

102

والنسبة بين المقطوع بهذا المعني والموقوف هوالتباين، لاختصاص الثاني بما إذا روي عن مصاحب المعصوم بلا رفع إلي النبي، والأوّل بما إذا روي عن التابع لمصاحب النبي.

هذا إذا قيس المقطوع إلي الموقوف بالمعني الأخصّ، وأمّا إذا قيس إلي الموقوف بالمعني الأعم أي الموقوف علي غير الصحابي تابعيّاً كان أو غيره، فالنسبة أخص مطلقاً لاختصاصه بالتابعي وشمول الموقوف له ولغيره.

ب-وقد يطلق ويرادمنه الموقوف بالمعني الأعمّ، أي الموقوف علي غير الصحابي، سواء أكان تابعيّاً أم لا(1).

ج-وقد يطلق علي ما سقط واحد من أسناده(2).

3-المنقطع:

وقد اضطراب كلامهم في تفسيره.

فعرّفه النووي بقوله: الصحيح الذي ذهب إليه الفقهاء والخطيب وابن عبد البرّ وغيرهم من المحدثين هو: أنّ النقطع ما لم يتصل إسناده علي أيّ وجه كان.

وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابي كمالك بن أنس الفقيه، عن عبدالله بن عمر.

وقيل هو ما اختلّ منه راو قبل التابعي محذوفاً كان أو مبهماً كرجل.

----------

1- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 135 و 137.

2- نفس المصدر، و هذا يعرب عن وجود الفوضي في اصطلاح الموقوف و نظير ذلك لفظ «المنقطع».

103

وقيل: هو ماروي عن تابعي أو من دونه قولاً له أو فعلاً(1).

عرّفه الشهيد الثاني بإسقاط شخص واحد من أسناده، وفي موضع آخر بأنّه يطلق علي ما جاء عن التابعين - وعلي حسب تعبيرنا - تابع مصابح المعصوم، وعند ذلك يتحد مع المقطوع بالمعني الأوّل(2).

وقسّمه والد شيخنا بهاء الدين العاملي إلي المنقطع بالمعني الأعم(يدخل فيه المعلّق والمرسل أيضاً) وإلي المنقطع بالمعني الأخص. قال:

«وهو مالم يتصل إسناده إلي معصوم علي أيّ وجه كان، وهوستّة أقسام، لأنّ الحذف إمّا من الأوّل أو من الوسط أو من الآخر،(والمحذوف) إما واحداً أو أكثراً».

1-2 : ما حذف من أوّل أسناده واحد أو أكثر، وهو المعلّق، كما تقدّم عند البحث عن الصفات المشتركة.

3-4 : المنقطع بالمعني الأخصّ: وهو ما حذف وسط إسناده واحد أو أكثر.

5-6 : المرسل(3)(وسنبحث عنه مستقلّاً).

وعلي ذلك فالمنقطع ما حذف من وسط إسناده واحد أكثر، وقال بهاءالدين العاملي: أو سقط من وسطه واحدا فمنقطع(4).

فامنقطع بالمعني الأخصّ أعمّ من يكون المحذوف واحداً أو أكثر

----------

1- النووي: التقريب و التيسير: 1/171.

2- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 135.

3- حسين بن عبد الصمد: وصول الاخيار إلي اصول الاخبار: ص 105 و 106.

4- بهاء الدين العاملي: الوجيزة: ص 3.

104

عند والد بهاءالدين العاملي، ولكنه عند ولده يختصّ بما إذا كان المحذوف واحداً، ولعله الأولي حتي يتميّزعن المعضل الذي يليه.

4- المعضل:

4- المعضل:

عرّفه الشهيد بأنّه: ماسقط من سنده أكثر من واحد، قيل: إنّه مأخوذ من قولهم أمر معضل أمرمعضل، أي مستغلق شديد(1)، وقال والد بهاءالدين العاملي: ماسقط من إن سناده اثنان أو أكثر من الوسط أو الآخر فهو عبارة عن الأقسام الثلاثة من الستّة المذكورة في المنقطع(2).

والأولي ما ذكره بهاءالدين العاملي حيث خصّه بسقوط أكثرمن واحد من وسط السند فقال: أو في وسطها واحد فمنقطع أو أكثر فمعضل(3).

هذاالاختلاف في تفسيره هذه المصطلحات تعرب عن وجود الفوضي في وضعها، وإنّ الاختلاف في الاصطلاح يشوّش ذهن القارئ، ولواكتفي في كل واحد بالقدر المتيقّن كان أولي.

5- المعلّق:

وهو ما حذف من أوّل إسناده واحد فأكثر(4) علي التوالي، ونسب الحديث إلي من فوق المحذوف من رواته، فإن علم المحذوف كما هو الحال

----------

1- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 137.

2- حسين بن عبد الصمد: وصول الاخيار إلي اصول الاخبار: ص 108.

3- بهاء الدين العاملي: الوجيزة: ص 3.

4- النووي: التقريب و التيسير: 1/181.

105

في أغلب روايات الفقيه والتهذيبين فهو من الصفات المشتركة بين الأقسام الأربعة للخبر، والمعلّق بهذا المعني هو الذي ذكرناه في الفصل الماضي، وأمّا إذا لم يعلم المحذوف فهو من صفات الخبر الضعيف وهو المقصود في المقام. فعلي ذلك فالمصطلحات التالية:1- الموقوف، 2- المقطوع، 3- المنقطع، 4- المعضل، 5- المعلّقاصطلاحات متقاربة المعني، متميّزات باُمورجزئية، فيجب علي القارئ ممارسة المتميّزات حتي لايشتبه أحدهما علي الآخر، ونكمل تلك الاصطلاحات بسادسها وسابعها، وهما المضمروالمرسل، وإليك بيانهما:

6- المضمر:

وهو ما يقول فيه الصحابي أو أحد أصحاب الأئمة(ع): سألته عن كذا، فقال: كذا، أو أمرني بكذا، أو ما أشبه ذلك، ولم يسمّ المعصوم، ولا ذكر ما يدل علي أنّه المراد، و هذا القسم غير معروف بين العامّة، كثيراً ما كان يفعله أصحابنا للتقية، لعلم المخاطب بالإمام في ذلك الخطاب(1).

وقال المامقاني: وهو ما يطوي فيه ذكر المعصوم في ذلك المقام بالضمير الغائب إما لتقيّة أوسبق ذكره في اللفظةأو الكتابة، ثم عرض القطع لداع، كمالو قال: سألته، أوسمعته يقول، أو عنه، أو نحوذلك(2).

والمعروف من المضمرات هي مضمرة سماعة، وربّما يري الإضمار في أخبار زرارة ومحمد بن مسلم، وسبب الإضمار هو التقيّة، ولذلك يعبّرون عن

----------

1- الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي، وصول الاخيار: ص 101.

2- عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ص 47.

106

الإمام: بالعبد الصالح، والفقيه، والشيخ، وأمّا عروض الإضمارلأجل تقطيع الأخبار بمعني أنّ سماعة كتب في صدر سؤالاته اسم الإمام المسؤول، ثمّ عطف عليه بقيّة الأسئلة، قوله:سألته عن كذا، ولمّا قام المحمدون الثلاثة بجمع الروايات، نقلوها بنفس النصّ الموجود في أصل سماعة من دون أن يصرّحوا بالحقيقة، فهذا أمر بعيد عن المشايخ العارفين بوظيفة التحديث، وأنّ هذا الإضمار بدون التعريف به يوجب سقوط الرواية عن الحجيّة، ولو كان الأمر كذلك كان عليهم التصريح بذلك في ديباجة كتبهم، أو قلب الإضمارإلي التصريح كما هو الحال في نظائرها كمضمرات عبدالله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد، فقد روهاالمشايخ في كتبهم مصرّحة.

7-المرسل:

وهو مأخوذ من إرسال الدابّة، بمعني رفع القيد والربط عنها، فكأنّ المحدّث بإسقاط الراوي رفع الربط الذي بين رجال السند بعضهم ببعض، وفسّره الشهيد بقوله: مارواه عن المعصوم من لم يدركه سواء أكان الراوي تابعيّاً أم غيره، صغيراً أم كبيراً، وسواء أكان الساقط واحداً أم أكثر، وسواء رواه بغيرواسطة بأن قال التابعي: قال رسول الله(ص) مثلاً، أو بواسطة نسيها بأن صرّح بذلك أو تركها مع علمه بها،أو أبهمها كقوله عن رجل أوبعض أصحابنا أو نحو ذلك، وهذا هو المعني العامّ للمرسل المتعارف بين أصحابنا(1).

ولايخفي أنّ المرسل بهذا الاعتبار يشمل المرفوع بالمعني الأوّل من

----------

1- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 136.

107

108

مطلقاً، وإلّا فيشترط أن لايكون له معارض من المسانيد الصحيحة، وهوخيرة الشيخ الطوسي.

5-التوقف؛ وهوالظاهرمن المحقّق(1).

6-التفريق بين حذف الواسطة وإسقاطه مع العلم به، وبين ذكره مبهماً، فيقبل في الاُولي دون الثانية.

7-تلك الصورة ولكن مع اسنادها إلي المعصوم جزماً؛ كماعليه الصدوق في الفقيه حيث يقول: قال الصادق(ع)(2).

استدلّ القائل بالقبول مطلقاً بأنّ رواية العدل عن الأصل المسكوت عنه تعديل له، لأنّه لوروي عن غيرالعدل ولم يبيّن حاله لكان ذلك غشّاً وهومناف للعدالة، ولكن ضعفه ظاهر، لأنّه إنّما يتمّ لوانحصرأمرالعدل أوعن الموثوق بصدقه وهوممنوع، وبذلك ظهردليل المانع مطلقاً.

وأمّا دليل الثالث فهوماذكرالقمّي وقال: «إنّ الإرسال ممّن عرف بأنّه لايرسل إلِِِّا عن ثقة»، كاشف عن اعتماده علي صدق الواسطة والوثوق بخبره، ولاريب أنّ ذلك يفيد ظنّاً بصدق خبره وهولايقصرعن الظنّ الحاصل بصدق خبرالفاسق بعد التثبّت.

يلاحظ عليه:أنّه مبني علي مبناه من حجيّة مطلق الظنّ، وهوخلاف التحقيق.ثم الظنّ في المقيس عليه، أي الظنّ بصدق الفاسق بعدالتثبّت ليس بحجّة مالم يبلغ درجة التبيّن والإطمئنان العرفي.

وأمّاالرابع؛ فضعفه ظاهربالإمعان في الردعلي دليل الثاني.

----------

1- المحقق: المعارج: ص 92 طبعة طهران عام 1310 هجري قمري.

2- القمي: القوانين: 1/478، و النووي: المستدرك: 3/718.

109

وأمّاالخامس؛ فهوكاشف عن تكافؤالأدلّة في القائل وعدم ترجيح أحدالطرفين علي الآخر، والمهم هوالسادس والسابع وموردهمامراسيل الفقيه، فقدذهب غير واحد من المحققين إلي حجّيتها فلا بأس بإفاضلة كلام فيها فنقول :

مراسل الفقية :

إنّ كتاب «من لا يحضره الفقيه» :يشتمل علي ثلاثة آلاف و تسعمائة وثلاثة عشر حديثاً مسنداً، وعلي الفين وخمسين حديثاً مرسلاً، والمراد من المرسل أعم ممّا لم يذكر فيه اسم الراوي بأن قال: روي، أو قال: قال عليه السلام، أو ذكر الراوي، أو صاحب الكتاب، ونسي أن يذكر طريقه إليه في المشيخة، وقد أحصي المجلسي الأوّل(قدس سره) هذا القسم الأخير في شرحه علي الفقيه فبلغ أزيدمن مائة وعشرين رجلاً، وأنّ أخبارهم تزيد علي ثلاثمائة حديث، فربّما يقال: بحجيّة القسم الثاني أعني مانسبه إلي المصوم بصورة الجزم وقال: قال الصادق(ع).

قال الفاضل التفريشي:إنّ قول العدل: قال رسول الله(ص) يشعر بإذعانه بمضمون الخبربخلاف ما لو قال حدّثني فلان.

وقال السيد بحر العلوم، قيل: إنّ مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عميرفي الحجّيه والإعتبار، و إنّ هذه المزيّة من خواصّ هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الأصحاب.

وقال بهاءالدين العامليفي شرح الفقيه - عند قول المصنّف: وقال الصادق جعفربن محمّد(ع) : كل ماء طاهر حتي تعلم أنّه قذر: هذا

110

الحديث كتاليه من مراسيل المؤلّف(رحمةالله) وهي كثيرة في هذا الكتاب، تزيد علي ثلث الأحاديث الموردة فيه، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد علي مسانيده من حيث تشريكه علي النوعين في كونه ممّا يفتي به ويحكم بصحّتة، ويعتقد أنّه حجة بينه وبين ربّه سبحانه، بل ذهب جماعة من الأصولييّن إلي ترجيح مرسل العدل علي مسانيده علي محتجّين بأنّ قول العدل: قال رسول الله كذا، يشعر بإذعانه بمضمون الخبر، بخلاف مالو قال حدّثني فلان عن فلان، أنّه(ص) كذا.

وقال المحقّقالدامادفي الرواشح- في ردّ من استدل علي حجّية المرسل مطلقاً-: بأنّه لو لم يكن الوسط الساقط عدلاً عند المرسل لما ساغ له إسناد الحديث إلي المعصوم... قال: إنّما يتمّ ذلك إذا كان الإرسال بالإسقاط رأساً والإسناد جزماً، كما لو قالو المرسل: قال النبي(ص) أو قال الامام(ع) ذلك، وذلك مثل قول الصدوق في الفقيه، قال(ع): الماء يطّهر ولا يطهر، إذ مفاده الجزم أو الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم فيجيب أن تكون الوسائط عدولاً في ظنّه، و إلّا كان الحكم الوسائط عدولاً في ظنّه، وإلّا كان الحكم الجازم بالإسناد هادماً لجلالته وعدالته.

وقال المحقّق سليمان البحرانيفي البلغة __ في جملة كلام له في اعتبار روايات الفقيه __: بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحة،ويقولون: إنّها لا تقصر عن مراسيل ابن أبي عمير، منهم العلّامة في المختلف والشهيد في شرح الإرشاد والسيّد المحقق الداماد(1).

ولعلّ التفصيل الأخيرأقرب.

----------

1- المحدث النووي: مستدرك الوسائل: 3/718.

111

هذا هو المرسل لدي الشيعة: وعليه أهل السنّة أيضاً، فعرّفوه بأنّه ما سقط منه الصحابي، كقول نافع: قال رسول الله(ص) كذا، أو«فعل كذا»، أو«فعل بحضرته كذا»، ونحو ذلك(1) وفي الحقيقة إنّ مرفوع التابعي هو المرسل عندهم، وقد عدّوه من أقسام الضعيف، واتّفقو علي أنّه ليس حجّة في الدين، قالوا:

«هذا هو الرأي الذي استقرّ عليه حفّاظ الحديث، ونقّاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم».

ومع ذلك نري أنّهم يحتجّون بمراسيل الصحابة، فلا يرونها ضعيفة بحجّة أنّ الصحابي الذي يروي حديثاً لم يتيسّر له سماعه بنفسه من رسول الله(ص) غالباً ما تكون روايته له عن صحابي آخر قد تحقّق أخذه عن الرسول، فسقوط الصحابي الآخر من السند لايضرّ، كما أنّ جهل حاله لا يضعّف الحديث، فثبوت شرف الصحبة له كاف في تعديله.

وفي الصحيحين من مراسيل الصحابة ما لا يحصي،لأنّ أكثر رواياتهم عن الصحابة، وكلّهم عدول(2).

يلاحظ عليه:أنّ القول بأنّ الصحابة كلّهم عدول مخالف للذكر الحكيم، والسنّة المتواترة عن النبي الأكرم(ص) حول أصحابه، فقد كان في الصحابة منافقون، ومرضي القلوب، والسّماعون لكلّ ناعق وإلي غير ذلك ممّا يجده الإنسان في الذكر الحكيم. وقد أخبر النبي الأكرم(2) بذلك حسب ما رواه البخاري في صحيحه: انّ رسول الله(ص) قال:«بينما أنا قائم علي

----------

1- القاسمي جمال الدين الشامي: قواعد الحديث: ص 114.

2- السيوطي: تدريب الراوي: 1/171، صبحي الصالح: علوم الحديث و مصطلحه: ص 168.

112

الحوض إذا زمرة، حتي إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، فقال هلمّ! فقلت:أين؟ فقال: إلي الناروالله، فقلت: ما شأنهم ؟ قال: إنّهم قد ارتدّو علي أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة اُخري، حتي إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ! فقلت: إلي النار والله، قلت: ما شأنهم ؟ قال: إنّهم قد ارتدوا علي أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم إلّا همل النعم»(1).

إنّ أهل السنّة بنوا مذهبهم في الاُصول والفروع علي أقوال الصحابة والتابعين، فأدّاهم القول بذلك الي تنزيه الصحابة كلّهم، وسيوافيك أنّ عددهم يزيد علي مائة ألف، فمعني ذلك أنّ روّية النبي كانت إكسيراً محوّلاً لكل إنسان وإن كان في الدرجة السافلة من الدين والخلق وسائرالمثل، إلي إنسان عادل مثالي، هو شئء عجيب، وليس لهم مناص عن ذلك، لأنّ القول بخلافه يستلزم انهيار المذهب السنّي، فأسّسوا ذلك الأصل، لصيانً مذهبهم!(2).

8- المعلّل:

8- المعلّل:

وله إطلاقان:

أحدهما:ما يختصّ بالفقهاء وهو ما ذكر فيه علّة الحكم كتعليل حرمة الخمر بالإسكار، وعسل الجمعة برفع روائح الاباط، وهو خارج عن المقصود

----------

1- الجزري-ابن الأثير-: جامع الأصول: 11 ص 121، و «همل النعم» كناية عن أنّ الناجي عدد قليل، و قد اكتفينا من الكثير بالقليل، و من أراد الوقوف علي ما لم نذكره فليرجع إلي «جامع الاصول».

2- و الحق تصنيف الصحابة إلي أصناف مختلفة بين صالح و طالح، وعادل و غيره.

1- النووي: التقريب و التيسير: 1/211.

2- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 141-142، و لو صح ما ذكره في التهذيب لزم عدم جواز العمل برواية إلا بعد الفحص عن سنده و متنه.

113

أ -أن يروي عمّن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه، علي وجه يوهم أنّه سمعه منه، كأن قول: قال فلان أو عن فلان، والتقييد باللقاء والمعاصرة لإخراج مالو يلقه و لم يعاصره، فإنّ الرواية ليست تدليساً لوجود القرينة وهي عدم التعاصر إذا كان واضحاً.

ب-أن لايسقط شيخه الذي أخبره ولا يوقع التدليس في أول السند، ولكن يسقط من بعده رجلاً ضعيفاً أو صغير السن ليحسن الحديث بإسقاطه(1)، هذا إذا لم يذكر ما هو صريح في السماع بلا والسطة، كما إذا قال حدّثنا أو أخبرنا. فإنّه يكون كذباً و المحدّث كذّاباً.

ثم إنّ للتدليس قسماً آخريسمّي التدليس في الشيوخ، لافي نفس الإسناد، بأن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه، ولكن لايحبّ معرفة ذلك الشيخ لغرض من الأغراض، فيسمّيه أويكنّيه باسم أكنيةغيرمعروف بهما، وهذاأخفُّ ضرراًمن الأوّل وربّما يكون معذوراًفي ترك التسمية.

وقدعرف سفيان بن عيينة فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه هذا؟ قال: حدّثني به عبدالرزاق عن معمّر عنه، فسيفان قد اصر الزهري ولقيه، ولكنه لم يأخذ عنه فيصحّ سماعه منه، وإنّما أخذ عن عبدالرزاق وعبدالرزاق أخذ عن معمّرومعمّر أخذ عن الزهري، فالتدليس هنا إسقاط سفيان شيخيه بإيراده الحديث بصيغة توهم سماعه من الزهري مباشرة(2).

114

115

وعلي كلّ تقدير؛ فهل يقبل حديث المدلّس أم لا؟ فيه تفصيل(1).

إذ لاشكّ أنّ القسم الأوّل من التدليس مذموم جداً لما فيه إيهام اتصال السند مع كونه مقطوعاً حتي قال بعضهم: التدليس أخو الكذب، إنّما الكلام في جرح فاعله بذلك، بمعني أ نّه إذا عرف بالتدليس ثم روي : حدّثتا (في غيرما دلّس به) ففي قبوله قولان :

1- لا يقبل مطلقاً، وقيل لايجرح بذلك بل ما علم فيه التدليس يردّ ومالم يعلم فلا،لآنّ المفروض كونه ثقة بدونه، والتدليس ليس كذباً بل تمويهاً .

2- التفصيل،وهوقبول حديثه إن صرّح بما يقتضي الإ تصال كحدّ ثنا أوأخبرنا، دون المحتمل للأمرين،كما إذاقال:عن فلان،أو قال فلان،بل حكمه حكم المرسل.

ومرجع هذا التفصيل إلي أنّ التد ليس غير قادح في العدالة ولكن تحصل الربية في إسناده

لأجل الوصف، فلا يحكم باتصال سنده إلّا مع إتيانه بلفظ لا يحتمل التد ليس بخلاف غيره، فإنّه يحكم علي سنده بالاتصال عملاً بالظاهر حيث لا معارض له.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كثر التدليس من راو واحد في مظانّ مختلفة، فهذا ربّما يسلب ثقة الإنسان بالراوي، فلأجل ذلك ربّمما تكون أدّلة حجّية الخبر منصرفة عن ذلك، و هذا بخلاف ما إذا قلّ التدليس، فالتفصيل هو المتّبع، لكن بهذا المعني.

وأمّا القسم الثاني، فقال الشهيد: إنّ فيه تضييعاً لحقّ المروي عنه

----------

1- لاحظ الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 145، و المامقاني: مقباس الهداية: ص 66.

116

وتوعيراً لطريق معرفة حاله فلا ينبغي للمحدّث فعل ذلك، ونقل: إنّ الحامل لبعضهم علي ذلك كان منافرة بينهما اقتضته ولم يسع له ترك حديثه صوناً للدين- وقال الشهيد-: و عذرغير واضح.

ولعلّ الوجه في وضوحه أنّ الخبر لوكان متضمّناً لحكم الله، وكانت التعمية بالمروي عنه سبباً لردّ الخبر، فإنّ ذلك ينجرّ إلي إخفاء حكم الله، خصوصاض فيما إذ كان الشيخ ثقة عند الناس(1) ومن حسن الحظّ ندرته وندرظ القسم الأوّل في أخبارنا معاشرالإمامية.

10 - المضطرب:

وهو كلّ حديث الختلف في متنه أو سنده فروي مرة علي وجه، واُخري علي وجه آخر مخالف له، سواء أوقع الاختلاف من راو واحد أم من رواة متعدّدين أم من المؤلّفين أم من ناسخي الكتب بحيث يشتبه الواقع.

قال النووي: هو الذي يروي علي أوجه مختلفه متقاربة، ويقع في الإسناد تارة وفي المتن اخري، وفيهما من راو واحدأوجماعة(2).

ثم إنّ الإضطراب يقع تارة في السند واخري في المتن، أمّا الأوّل: فبأن يرويه الراوي تارة عن أبيه عن جده، و اخري عن جدّه بلا واسطة، وثالثة عن ثالث غيرهما.

وأمّا الثاني: فبأن يروي حديث بمتنين مختلفين، و مثاله في رواياتنا خبرالختبار الدم عند اشتباهه بالقرحة، بخروجه من الججاني الأيمن فيكون

----------

1- عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ص 66.

2- النووي: التقريب و التيسير: 1/220.

117

حيضاً،أو بالعكس، فرواه في الكافي بالأوّل(1) ورواه الشيخ علي ما في بعض نسخ التهذيب- بالثاني(2).

والعجب أنّ السيد أحمدابن طاووس مؤلّف«البشري» سمّاه تدليساً، وهو ليس منه قطعاً. ومن المضطرب قسم لم يذكره علماء الدراية، وهوأن تكون الوراية غير منسجمة من حيث التعبير عن المرام، بمعني أنّه قدّم ما حقّه التأخير وأخّر ما حقه التقديم، في الرواة البعداء عن العربية وعن الثقافة المعروفة في ذلك الزمان.

11- المقلوب:

وهو يتحّقق فيما ورد حديث بطريق معلوم، ولكن ربّما يرويه راو بغير ذلك الطريق، إ مّ بمجموع الطريق أو ببعض رجاله بأن يقلب بعض رجاله خاصّة حتّي يكون أجود منه ليرغب فيه(3).

12- المهمل:

وهو الحديث المروي بسند فيه راو معنون في كتب الرجال ولكن لم يحكم علي بشئءمن المدح والذم.

----------

1- الكليني: الكافي: 3/94. قال: فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة.

2- الطوسي: التهذيب: 1/385. قال: فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهومن القرحة.

3- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 150.

118

وفسرّه المامقاني بقوله:«وهو ما لم يذكر بعض رواته في كتب الرتجال ذاتاً أو وصفاً»، والظاهر أنّ القسم الأوّل داخل في المجهول الذي نشيرإليه.

13- المجهول:

13- المجهول:

وهو مالم يعنون في كتب الرجال، أوعنون ولكن لم يعرف ذاته وحكم عليه بالجهالة، وعرّفه المامقاني بقوله:«وهو ما ذكر رجاله في كتاب الرجال، ولكن لم يعلم لم يعلم حال البعض أو الكلّ من حيث العقيدة».

ولأجل كون المقصود ما ذكرناه لا ما ذكره انتقدعلي الشيخ المامقاني الكثاره في كتابه تنقيح المقال في علم الرجال من قوله:«مجهول» لا سيّما في فهرس تنقيح المقال،فإنّ الناظر فيه لا يري إلبا المجاهيل، مع أنّ المحققّ الداماد عقد الراشحة الثالثة عشرة من رواشحه في معني المجهول وأثبت أنّه لايجوز إطلاق المجهول الاصطلاحي إلّا من حكم بجهالته أئمّة علم الرجال، فمع عدم الظفر بشئء من ترجمة إحواله، لا يجوز التسارع علي الراوي بالحكم بالجهالة(1) و عليه فالمحهول مختصّ بمن حكم عليه بالجهالة بالخمل الشائع بأنه لم يعرف رأساً.

إلّاأن يكون للمحقق المامقاني الصطلاح خاصّ في المجهول كما ربّما يدّعي.

14- الموضوع:

و هو المكذوب المختلق المصنوع وهو شرّ الضعيف(2)، بمعني أنّ

----------

1- الطهراني، الذريعة: 4/466 برقم 2070.

2- النووي: التقريب و التيسير: 1/231.

119

الراوي اختلفه، لا مطلق حديث الكذوب، فإنّ الكذوب قديصدق،ولا تحل ّروايته للعالم بوضعه، من غير فرق بين الأحكام والمواعظ، ألّا بالتصريح بكونه مختلفاً بخلاف غيره من الضعيف، فإنّه تجوز روايته مع التصريح بالمصدر إجمالاً أوتفصلاً.

ثم إنّ السبب لوضع الحديث لا ينحصر في أمر أو أمرين، فربّما يكون السبب كسب الشهرة والمكانة بين الناس، و اخري نصرة المذهب، وثالثة التقرّب إلي الملوك وأبناء الدنيا، فقد روي أنّ غياث بن إبراهيم دخل علي المهديّ بن المنصور، وكان يعجبه لاحمام، فروي حديثاً عن النبي إنّه قال:«لا سبق إلّا في خففّ أو حافر أو نصل أوجناح»(1) إلي غيرذلك من الدوافع إلي الكذب والجعل. بقيت هنا كلمة هي:

ما هو السبب في شيوع الأحاديث الموضوعة؟

أنّ أصحاب الصحاح والسنن صرّحو بأنّهم أخرجوأحاديثهم من بين أحاديث كثيرة هائلة، فقد أتي أبو داود في سننه بأربعة آلاف وثمانمائة حديث، وقال: انتخبتها من خمسمائة ألف حديث، ويحتوي صحيح البخاري من الخالص بلا تكرار ألف حديث وسبعمائة وواحد وستين حديثاً اختاره من زهاء ستمائة ألف حديث، وفي صحيح مسلم أربعة آلاف حديث اصول دون المكرّرات، صنّفهامن ثلاثمائة ظدلف حديث، و ذكر أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثين ألف حديث، وقد انتخبها من أكثر من سبعمائة

----------

1- عبدالله المامقاني: تنقيح المقال في علم الرجال، حاكيا عن «ربيع الابرار» للزمخشري، و «جامع الاصول» لابن الأثير.

120

وخمسين ألف حديث، وكان يحفظ ألف ألف حديث! وكتب أحمد ابن الفرات المتوفّي عام 258 ه_، ألف ألف وخمسمائة ألف حديث، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام و الفوائد وغيرها(1).

هذه الكمّيات الهائلةتعرب عن كثرة الدسّ والوضع والكذب والتقوّل علي رسول الله بعد رحلته، وأنّ أعداء الدين - خصوصاً اليهود والنصاري والمستسلمة منهم - أدخلوفي الشريعة الأسلاميةما ليس منها، وكان لليهود المتظاهرين بالإسلام دور كبير في بثّ هذه الروايات، كما كان للمتزلّفين إلي أصحاب السلطة دور عظيم.

إنّ المنع عن كتابة الحديث قرابة قرن ونصف، ثمّ الندفاع العالم الإسلامي فجأة إلي كتابتها أوجد أرضيّةصالحة للكذب والوضع، وفسح للأحباروالرهبان التحدّث ببدع يهوديّة وسخافات مسيحيّةوأساطير مجوسيّة إلي أن اغترّ السذّج من المسلمين، فزعم أحمدبن حنبل أنّ الكرامة وهوحفظ ألف ألف حديث، وتخيّل البخاري أنّ الفضيلة في حفظ خمسمائة ألف حديث. و من أمعن في حياة الرسول(ص) في مكّةالمعظّمة والمدينة المنوّرة وما كان يقوم به من أعباء الرسالة، والجهادضد المشركين والمنافقين، وعقد المواثيق مع القبائل ورؤساء البلدان، يقف علي أنّ الزمان الذي كان للنبي التحدّث فيه، أقل بكثير من أن يسعه التحدث بهذه الأباطيل، بل لا يبلغ لبيان معشارها.

«وقد كانت الكتب قبل تدوين الصحاح مجموعة ممزوجاً فيها الصحيح بغيره، وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدوّنة

----------

1- عبدالحسين الأميني: الغدير: 5/292-293، و قد ذكر مصادر هذه النقول في كتابه.

121

ولا مرتّبة، ولأنهم كانو نهوا أوّلا عن كتابتها - كماثبت في صحيح مسلم- خشية اختلاطها بالقرآن، ولأنّ أكثرهم كان لا يحسن الكتابة، فلمّا انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع دوّنت ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوي التابعين وغيرهم، فأوّل من جمع ذلك ابن جريج بمكّة، وابن اسحاق أو مالك بالمدينة...»(1).

وقد أشار في كلامه إلي بعض أسباب الجعل، ولم يشر إلي وجود الأحباروالرهبان بين المسلمين الذين أشاعو الأكاذيب والأباطيل،وصرّح بأنّ التدوين كان في عصر ابن جريج ومن بهده، وهو من محدّثني القرن الثاني في العصر العباسي توفّي عام 150ه_.

وليس الموضوع مختصّاً بأحاديث أهل السنّة وإن كان الوضع فيها أكثر، فقد وضع الغلاة من فرق الشيعة أحايدث باطلة ذكرها أصحاب الرجال في معاجمهم كمحمد بن أبي زينب المعروف بأبي الخطاب، حتّي قال أبو عمروالكشّي: قال الفضل بن شاذان في بعض كتبه: الكذّابون المشهورون: أبو الخطاب ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ وأبو سميّه(2).

لأجل تمحيص السنّة النبويّة عن الموضوعات، قام غير واحد من المحقّقين بتأليف كتب حول الموضوعات، فقام الحسن بن محمد المعروف بالصاغاني(577 -650 ه_) بتأليف كتاب أسماه«الدّر الملتقط في تبيين الغلط» كما قام أبو الفرج ابن الجوزي(508-597 ه_) بذكرأحاديث موضوعة أثبت وضعها، أسماه ب«كتاب الموضوعات»، كما قام بعدهما

----------

1- السيوطي: تدريب الراوي: 1/66.

2- الشهيد الثاني: الرعاية في علم الدراية: ص 160 مع التعليق.

122

جلال الدين السيوطي(849 __ 911ه__)فألّف كتابه المعروف ب__ «اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة»وقدطبع في جزئين.

والعجب أنّ السيوطي يصف الموضوع المختلق علي لسان رسول الله باللؤلؤ، وهذايدل علي حرص الرجل علي جمع الخبروالأثر، وإن ثبت كذبه ووضعه.

وقام شيخنا المجيز الشيخ محمدتقي التستري -دام ظله-بتأليف كتاب حول الروايات الدخيلة في كتب أصحاب الإماميّة أسماه ب__ «الأحاديث الدخيلة».

قال النووي: والواضعون أقسام أعظمهم ضرراً قوم ينسبون إلي الزهد وضعوه حسبة- في زعمهم- فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم، وجوّزت الكرامية الوضع في الترغيب والترهيب، ووضعت الزنادقة جملاً، ومن الموضوع الحديث المروي عن أبي بن كعب في فضل القرآن سورة سورة، وقد أخطأمن ذكره من المفسّرين وقال السيوطي: قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين ذلك؟ عن عكرمة؟ عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ وليس عند أصحاب عكرمة هذا، فقال: إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة(1).

«من أصحاب الأهواء الفقهاء الذين يتصدّون للدفاع عن مذاهبهم

----------

1- السيوطي-جلال الدين-: تدريب الراوي و هو شرح للتقريب و التيسير للنواوي: 1/238-241.

123

زوراً وبهتاناً فيشحنون كتبهم بالموضوعات سواء الختلفوها بأنفسهم أم اختلقها الوضّاعون خدمة لهم وتأييداً لهواهم، وقد تبلغ بهم الجرأة حدّ الخلط بين أقسيتهم وأحاديث الرسول، فيضعون فيها عبارات أقيستهم التي وصلوا إليها باحتهادهم، فغالباً ما يكون هؤلاء الفقهاء من مدرسة الرأي التي تعتني بالقياس عناية خاصة. قال القرطبي: استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دلّ عليه القياس الجليّ إلي رسول الله(ص)، ولهذا تري كتبهم مشحونة بأحاديث تشهدمتونها بأنها موضوعة، لأنّها تشبه فتاوي الفقهاء، ولأنّهم لا يقيمون لها سنداً»(1).

اكمال:

اكمال:

إذا وجدت حديثاً بإسناد ضعيف فلك أن تقول: هذا الحديث ضعيف سنداً أو متناً، وليس لك أن تصفه بأنّه موضوع، أو مختلق،للفرق الوضح بين المكذوب ومطلق الضعيف، فالمختلق لا يجوزنقله بخلاف الضعيف، وإنّ الأخبار الضعيفة ربّما تكون قرينة لفهم الصحاح كما ربّما يحصل من تراكمها اطمئنان بالمضمون... إلي غير ذلك من الفوائد المحرّرة في محلّها.

خاتمة المطاف في تفسير الصحابة والموالي:

تكرّرلفظ«الصحابة» في التقسيمات الرائجة، فالأولي تعريفه وتحديده.

----------

1- صبحي الصالح: علوم الحديث و مصطلحه: ص 287.

124

1- من هو«الصحابي»؟

اختلف في حدّ الصحابي فالمعروف عند المحدّثين: إنّه كلّ مسلم رأي رسول الله(ص)، وقال بعضهم: إنّه من طاعت مجالسة علي طريق التبع.

وعن سعيد بن المسيب: إنّه لا يعدّ صحابياً إلّا من أقام مع رسول الله(ص) سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أوغزوتين، فان صحّ عنه فضعيف، ومقتضي ذلك أن لا يعدّ جرير البجلي وشبهه صحابياً ولاخلاف أنّهم أصحابه.

ثم تعرف صحبته بالتواتروالاستفاضة، أو قول صحابي أوقول إذا كان عدلاً.

وأكثر الصحابة حديثاً: أبوهريرة ثم ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، عائشه(1).

قال السيوطي: روي أبو هريرة 5374 حديثاً وهو أحفظ الصحابة، وروي عبدالله بن عمر 2630 حديثاً، وروي ابن عباس 2660 حديثاً، وروي جابر بن عبدالله 2540 حديثاً، وروي مالك 2286 حديثاً، وروت عائشة 2210 أحاديث.

وقال: وليس في الصحابة من يزيد حديثه علي ألف غير هؤلاء إلّا أبا سعيد الخدري فإنّه روي 2170 حديثاً.

ثم قال النووي: وأكثرهم فتياتروي: ابن عباس.

----------

1- النووي: التقريب و التيسير: 2/186-192.

125

و عن مسروق قال: انتهي علم الصحابة إلي ستة: عمر، وعلي، وأبّي، وزيد، أبي الدرداء، وابن مسعود، ثم انتهي علم الستة إلي علي وعبدالله.

ومن الصحابه العبادلة وهم: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمروبن العاص، وليس ابن مسعود منهم، وكذا سائرمن يسمّي عبدالله، وهم نحو مائتين وعشرين(1).

2- عدد الصحابة:

قال أبو زرعة الرازي: قبض رسول الله(ص) عن(114000) ممن روي عنه وسمع منه، واختلف في عدد طبقاتهم باعتبار السبق إلي الإسلام أوالهجرة، فجعلهم ابن سعد خمس طبقات،وجعلهم ابن سعد خمس طبقات وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة(2).

ولاشك أنّ عليّاً صحب النبي(ص) منذ نعومة أظفاره إلي أنفارق الحياة وهو في حجر علي(ع) وهو أحفظ الصحابة وأعلمهم باتفاق من الصحابة وغيرهم، ومع ذلك لا يتجاوز عدد رواياته في كتب أهل السنّة عن500 حديثاً تقريباً(3). فما هو السبب في قلّة رواياته وكثرة روايات أبي هريرة الدوسي الذي لم يصاحب النبي إلّا ثلاث سنوات وبضعة أشهر؟ نحن لا ندري ولكن القارئ أدري!!

----------

1- السيوطي: تدريب الراوي: 2/192.

2- النووي: التقريب و التيسير مع شرحه: 2/194-195. و من أراد الوقوف علي تلك الطبقات فليرجع إلي شرحه تدريب الراوي.

3- شرف الدين: أبو هريرة.

126

3- المولي:

قد استعلمت كلمة«المولي» في الكتب الرجالية فنقول:

إنّ كلمة المولي تستعمل ويراد منها من له ولاء مع غيره لواحدمن أقسام الولاء:

1- ولاء العتق، يقال مولي فلان ويراد مولي عتاقه وهو الغالب.

2- ولاء الاسلام، كالبخاري مولي الجعفيين لأنّ جدّه كان مجوسيّاً فأسلم علي يد اليمان الجعفي، وكذلك الحسن الماسرجسي مولي عبدالله بن المبارك، كان نصرانيّاً فأسلم علي يديه.

3- ولاء الحلف، كمالك بن أنس و هو وعدّة معه(الاصبحيون) موالي لتيم قريش بالحلف.

4-ولاء القبيلة، كأبي التختري الطائي التابعي مولي طي، وأبو العالية الرياحي التابعي مولي امرأة من بني رياح(1).

5- وقد يطلق ويراد منه غير العرب، وهو أيضاً كثيراالاستعمال في لسان الرجالييّن فيقولون:«العرب والموالي».

----------

1- النووي: التقريب و التيسير: 2/333-334.

الفصل الخامس:من تقبل روايته ومن تردّ

الفصل الخامس:من تقبل روايته ومن تردّ

شرائط قبول الرواية:

1- الإسلام 2- العقل

3- البلوغ 4- الإيمان

5- العدالة 6- الضبظ

ادلائل الثلاثة علي حجّية خبر الواحد:

بناء العقلاء آية البنأء الأخبار التي تدلّ علي

حجّية قول الثقة، إرجال الناس إلي أشخاص

ثقات، مادلّ علي وجوب الرجوع إلي الثقات

والصادقين،مايتضمّن عرض كتب الأصحاب

علي الإمام وهويترحّم علي الكاتب ويمضي

العمل به.

129

130

إنّ معرفة من تقبل روايته ومن تردّ من أهمّ مباحث علم الحديث و أتّنها نفعاً، لأنّ بها يحصل التمييز بين الحجّة واللاحجّة، والكافل لها أمران:

1- تبيين الضابطة الكليّظ في المقام.

2- تطبيق تلك الضابطة علي مواردها.

والمتكفّل لبيان الأمر الأوّل هو علم الدراية، وللثاني علم الرجال، ولأجل ذلك نبحث هنا عن الضابطة الكلّية للحجّية.

أقول: إنّهم شرطوا لقبول خبر الواحد في الراوي شروطاً نأتي بها إجمالاً:

1- الإسلام:

المشهور اعتبارهف وقال الشهيد: اتّفق أئمّظ الحديث و الاصول الفقهية عليه، فلاتقبل رواية الكافرمطلقاً سواء أكان من غير أهل القبلة كاليهود والنصاري، أم من أهل القبلة كالمجسّمة والخوراج و الغلاة، وقبول شهادة

131

الذمّي(1) في باب الوصيّة في حق المسلم خرج بالدليل(2).

واستدلّو علي ذلك بأنّه يجب التثبيت عند الخبر الفاسق، وهو من خرج عن طاعة الله فيعم ّ الكافر.

2- العقل:

فلا يقبل خبر المجنون، خصوصاً المطبق دون الإدواري حال إفاقته التامّة، وهو ممّا اتّفق عليه عقلاء العالم إذلا عبرة بقوله.

3- البلوغ:

فلا يعتبر خبر الصبي غير المميّز و أمّا ففي قبول خبره قولان، والمشهور عدم القبول.

4- الإيمان:

والمراد به كونه إماميّاً اثني عشريّاً، واشتراطه هو المشهور(3) وقد اعتبر هذا الشرط جمع منهم الفاضلان والشهيدان، وصاحبي المعالم(4) والمدارك، وغيرهم، ومقتضاه عدم جواز العمل بخبر المخالفين ولاسائز فرق الشيعة،

----------

1- لقوله سبحانه: «يا ايها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن انتم ضربتم في الارض» (المائدة/106)، فقد فسرت الروايات قوله «أو آخران من غيركم» بالذمي.

2- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 181-182.

3- حسن بن زين الدين: المعالم: ص 200

4- المصدر نفسه.

132

خلافاً للشيخ الطوسي (قدس سره) حيث جوّزالعمل بخبرالمخالفين إذا رووا عن أئمّتنا (ع) إذا لم يكن في روايات الأصحاب ما يخالفه،ولا يعرف لهم قول فيه، لما روي عن الصادق (ع)أنه قال :إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيها روي عنّا، فانظروا إلي مارووه عن علّي (ع)، أنّه قال : ولأ جل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمّتنا (ع) فيها لم يكن ينكروه،

ولم يكن عندهم خلافه .

وأمّا إذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحيّة،والواقفيّة، والنا ووسية وغيرهم، نظر فيها يرويه، فإن كان هناك قرينة تعضده أوخبر آخر من جهة المو ثوقين بهم، وجب العمل به، وإن كان هناك خبر آخريخالفه من طريق الموثوقين وجب طرح ما اختصّو بروايته، والعمل بما رواه الثقة .وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضاً العمل به، إذا كان متحرّجاً في روايته، موثوقاً في أمانته، وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد، فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة، مثل عبدالله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمانبن عيسي، ومن بعد هؤلاء،وبما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطاطرّيون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه(1).

أمّا عند أهل السنّة فقال النووي: أجمعت الجماهير من أئمّة الحديث و الفقه أنّه يشترط فيه أن يكون عدلاً ضابطاً، بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً، سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، يقظاً حافظاً إن حدّث من حفظه،

----------

1- الطوسي-محمد بن الحسن-: عدة الاصول: 1/379-381، طبع مؤسسة آل البيت 1403 هجري.

133

ضابطاً لكتابه إن حدّث منه، عالماً بما يحيل المعني إن روي به(1).

5- العدالة:

اختلفت الأقوال في مفهومها واشتراطها، فالمشهور أنّها عبارة عن ملكة نفسانيّة راسخة باعثة علي ملازمة التقوي، وترك ارتكاب الكبائر وعدم الإصرار علي الصغائر، وترك ارتكاب منافيات المروءة(2) التي يكشف ارتكابها عن قلّة المبالاة بالدين، بحيث لا يوثق منه التحرّز عن الذنوب.

ويستظهر هذا المعني من رواية عبدالله بن يعفور.

وأمّا اشتراطها بمعني عدم قبول رواية غير العدل، فهو المشهور(3) وخيرة المعارج والنهاية والتهذيب وغيرها، وقال الشهيدان:«عليه جمهور أئمّة الحديث، واصول الفقه»، وخالفهم الشيخ في عدّته، وإنّ قول من يوصف بتحرّزه عن الكذب هو الحجة. قال: فأمّا من كان مخطئاً في بعض الأفعال أو فاسقاً بأفعال الجوارح وكان ثقة فيروايته، متحرّزاً فيها، فإنّ ذلك لا يوجب ردّ خبره، ويجوز العمل به، لأنّ العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته، وليس بمانع من قبول خبره، ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم(4).

----------

1- التقريب و التيسير: 1/253-254.

2- حسن بن زين الدين: المعالم: ص 201.

3- الطوسي: العدة: ص 382.

4- نفس المصدر: ص 382، و قد ناقشة المحقق في المعارج ص 91، بإنّا لم نعلم إلي الآن أنّ الطائفة عملت بأخبار هؤلاء، و تبعه صاحب المعالم في معالمه فلاحظ، و المناقشة في غير محلها، فإنّ إنكار عمل الطائفة بأخبار غير العدول لاينطبق علي الواقع، و يتضح ذلك لمن مارس الفقه، و إنكاره من المحقق عجيب جدا.

134

6- الضبط:

والمراد منه أن يكون حافظاً للحديث إن حدّث من حفظه، ضابطاً لكتابه، حافظاً له من الغلط والتصحيف والتحريف إن حدّث منه، عارفاً بمايختل به المعني حيث يجوز له ذلك، وقد صرّح باشتراطه جمع لأنّه لا اعتماد ولا وثوق إلّا مع الضبط.

هذه الشروط التي العتبرها القائلون بحجيّة خبر الواحئ وأمّا المنكرون لها، فهم في فسحة من البحث عنها.

نعم لاتشترط أمور مثل الذكورة فتقبل رواية الأنثي، و لاالحرّية فتقبل رواية العبد، ولا البصرفتقبل رواية الأعمي، ولا عدم القرابة فتقبل رواية الولد عن والده وبالعكس، ولا القدرة علي الكتابة فتقبل رواية الأمّيّ إذا كان ضابطاً، ولا العلم بالفقه و العربية إذا كان ضابطاً(1)

ما تعرّفت عليه هو خلاصة آراء القوم في من تقبل روايته ومن لا تقبل، ولكنّي أري أنّ البحث عن كلّ واحد من هذه الشروط ليس بحثاً موضوعيّاً ولا الأدلّة القائمة علي الشتراطها أو علي نفي اشتراطها مقنعة، وإنّما يتعرّف حالها إذا درسنا أدلّة حجّية خبر الواحد، ودرسنا سعة نطاقها أو ضيقها من حيث النتيجة، قبذلك يعلم مدي صحّة اشتراط هذه الشروط، وأنّه هل يشترط الجميع أو لا يشترط واحد منها أو يفصّل؟

فنقول: إنّ أوثق ما استدلّ به علي حجّيه خبرالواحد امور ثلاثه:

أ- بناء العقلاء.

ب- آية النبأمن حيث المنطوق والمفهوم والتعليل الوارد فيها.

----------

1- للاطلاع في هذا المجال لاحظ الرعاية: ص 186-187، و مقباس الهداية: ص 74-78.

135

ج- الأخبار التي يستفاد منها حجّية أخبار الثقات.

فبدراسة هذه الأدلّة و الوقوف علي نتائجها سعة وضيقاً نتعرّف علي حال هذه الشروط إثباتاً أونفياً.

أ- بناءالعقلاء:

أ- بناءالعقلاء:

لايشكّ من له إلمام بالأمور الاجتماعية في أنّ العقلاء قديماً وحديثاً قبل الإسلام وبعده يعلمون بخبر الواحد، وإنّ عليه تور رحي الحياة إذا كان الاوي ثقة- بل بكلّ خبر الوثوق بصدقه وإن لم يكن الراوي ثقة- من دون التزام علي أن يكون الراوي صاحب نحلة وعقيدة أو من طائفة دون طائفة، وإنّما الملاك الوثوق بقوله والوقوف علي تحرّزه عن الكذب، والتقوّل بلا دليل، وبما أنّ إحراز الوثوق طريق إلي الوثوق بصدور الخبر يعملون بكل خبر حصل الوثوق بصدقه، وانطباقه علي الواقع. هذه هي سيرة العقلاء لايشك، فيها من خالطهم، وعلي ذلك بنوا الحضارات والعلاقات الاجتماعية، ولم يلتزموا بحصول العلم بصدق الراوي كما لم يلتزموا بقيام الخبر المتواتر أو المخوف بالقرينة، نعم ربّما يحتاطون في عظائم الأمور فيتوقّفون عند خبرالثقة إلي أن يحصلوا العلم بالحقيقة، فإن ّلكل أمر شأناً، وليست جيمع الامور علي نسق واحد، فلا تسكن النفس في كبار الامور علي قول أحد الناس وإن كان ثقة ولا علي مطلق حصول الوثوق، بل تتطلّب في بعض الموضوعات شيئاً أزيد من الوثوق بالراوي أو الرواية.

وهذه السيرة قد كانت بمرأي ومسمع من النبي الأكرم والأئمّة(س) فلم يردعوا عنها وهذا أقوي حجّيه قول الثقة أو الخبر

136

الموثوق بصدوره.

وقد كانت حياة النبي والوصي، وحياة سائرالأئمّة مشحونة بالعمل بقئل الثقة، وبعث الثقات إلي الأكناف، وكانرسول الله قدبعث سفراء إلي الملوك والسلاطين، وقدحمل كلّواحدرسالة من ساحته، وبعث دعاة إلي الإطراف لتعليم القرآن، كما بعث عيوناً وجواسيس للتطلّع علي حركات العدوّالعسكرية...إلي غير ذلك من المواردالتي كان النبي فيها يعمل بأقوالهم إذاكانوا ثقات، ولم يكن عمله بذلك إلّا لأجل سيرة جاريةبين العقلاء وهو منهم، وقد جري علي تلك السيرة و أمضاها، وإن قيّد بعض الموضوعات بقيام عدلين، أوقيّدهابكون الراوي رجلاً لاامرأة...إلي غيرذلك من ألوان التقييد للسيرة.

نعم هناك روايات وآيات ربّما يتوهّم أنّها رادعة عن السيرة، والتوهّم في غيرمحلّه، وكفانافي إفاضة القول فيها ماحققّه الأصحاب في كتبهم الأٌصولية حول حجّيّة خبر الواحد، فلا نطيل.

ب-آيةالنبأوسعةدلالتها:

إنّ أهم ما استدلّ به علي حجّية خبر الواحد هوقوله سبحانه:«ان جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين»(الحجرات/6). سواء أقلنا إنّ لصدر الآية مفهوم الوصف أو الشرط، أم قلنا بعمده لعدم حجّية مفهوم الوصف، خصوصاً إذا كان غيرمعتمدعلي موصوف، وسواء قلنابأنّ القضية الشرطية سيقت لتحققّ الموضوع، أو قلنا إنّ القضية الشرطية إنّما تتضمّن مفهوماً إذا تقدّم الجزاء

137

و تأخّر الشرط لا في غيره كما في المقام.

أقول:سواء أقلنا بهذا أم ذاك فإنّ ذيل الآية يحدّد الموضوع ويشتخّص التكليف في مجال العمل بأخبار الآحاد ويبيّن أنّ الممنوع هو العمل بالخبر الذي يصدق عليه أنّه عمل جاهلي لا عقلائي، ويترتب عليه قوله:«أن تصيبوا قوماً فتصبحوا علي فعلتم نادمين».

فيجب علينا التركيز علي تحديد الجهالة في الآية:

إنّ الجهل قد يطلق ويراد منه ضد العلم كما هو الشائع، وقد يطلق ويراد منه ضد العقل، قال سبحانه:«إنّما التّوبة علي الله للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم و كان الله عليماً حكيماً»(النساء/ 17).

وقال سبحانه:«كتب ربّكم علي نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفور رحيم»(الانعام/54).

وقال سبحانه:«ثمّ ربّكم علي نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفوررحيم»(النحل/119). فإنّ الجهالة في هذه الآيات ليست بمعني ضدّالعلم، بل المراد هو العمل الجاريعلي غيرالنظام الصحيح وكلّ ما كان كذلك فهو عمل جاهلي. قال سبحانه:«قالوا أتتّخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين»(البقرة/67). فجعل فعل الهزو جهلاً، و علي ذلك جاء حديث جنود العقل وجنود الجهل في الكافي(1)، فما في اللسان(2) من تفسير الجهالة بقوله«أن

----------

1- الكليني: الكافي: 1/20 برقم 14.

2- ابن منظور: لسان العرب: 11/129، مادة «جهل».

138

تفعل فعلاً بغير العلم» ليس تفسيراً كاملاً، والصحيح أن يقال: كلّ عمل صدر عن خفّة وطيش، كما هو المراد في الآيات المتقدمة، ومنه الحديث:«من استجهل مؤمناً فعليه إثمه» أي من حمله علي شئء ليس من خلقه فيغضبه فإنّما إثمه علي من أحوجه إلي ذلك(1)، ومنه تسمية الفقرة بين المسيح والنبي الأكرم بالجهاليّة لبعد أهلها عن الأخلاق المحمودة والسيرة الحسنة، ولأجل المبالغة في ذلك يقولون: الجاهليّة الجهلاء مثل قولهم: ليلة ليلاء، وورد في الحديث:«إنّك امرؤ فيك جاهليّة» أي فيك طيش وخفة.

كلّ ذلك يصدّنا عن تفسير الآية بمطلق عدم العلم، وإنّما المراد هو العمل الجاري علي غير النظام الذي يستحسنه الطبع، وتدعو إليه الفطرة، ويشجّع عليه العقلاء.

وعلي ضوء ذلك فالعمل بالخبر الذي يتّسم بأنّه عمل عقلائي وأنّه جار علي النظام المطلوب، فالآية غير ناهية عنه بل داعية إلي العمل به.

ومن المعلوم أنّ العمل بالخبر الذي يورث الاطمئنان وسكون النفس يعدّعملاً عقلائيّا، خصوصاً إذا لم يكن الموضوع من جلائل الامور التي تحتاج إلي تثبّت وتفحّص أكثر، كالنفوس والأعراض العامّة، فالعمل بخبر الثقة، أي المتحرّز عن الكذب، أو العمل بخبر تسكن النفس إليه، ويحصل الوثوق بصدقه، عمل عقلائي لا عمل جاهلي.

ولوسلّمنا- تبعاً للسان العرب-: أنّ الجهالة هي مطلق غير العلم، والتعليل بصدد النهي عن كلّ عمل بغيره، فنقول: إنّ الإطمئنان العرفي وإن كان ظنّاً حسب التحديد المنطقي، ولكنّه علم في نظر العرف، فهو علي طرف

----------

1- ابن الاثير: النهاية: 1/322 مادة «جهل».

139

النقيض ممّا جاء في الآية :«ولا تقف ما ليس لك به علم»(الاسراء/36).

وقد أوضحنا في مبحث الاستصحاب: أنّ اليقين الوارد في رواياته، ليس هو اليقين المنطقي أي الاعتقاد الجازم المطابق للواقع- بل المراد هو الحجّة الشرعيّة وإن لم تصل إلي هذا الحدّ، فعلي ذلك فكلّما يورث الاطمئنان عند العقلاء بصدق الخبر بحيث تسكن النفس إليه فهو عمل بالعلم فلا يشمله التعليل سواء أكان مسلماً أم كافراً، مؤمناً أم فاسقاً، إمامياً أم غير إمامي، اللّهم إلّا أن يدّل دليل قطعي علي عدم حجّيظ قول الكافر سواء أكان من غير أهل القبلة كاليهود والنصاري أم منهم ولكن كان محكوماً بالكفر كالمجسمة والغلاة، نعم خروج الكافر عن السيرة الموجودة بين العقلاء بدليل شرعي ليس بأمر بعيد، إذ لم يعهد من الفقهاء والمحدثين العمل بقول الكافر إلّا في باب الأيصاء و شهادة الذمّي علي الذمّي ونظائره.

ج- الأخبار الّتي يستفاد منها حجّية أخبار الثقات:

لقد تضافرت الروايات من أئمّة أهل البيت(ع) بل تواترت علي جواز العمل بقول الثقة أو الصادق، وهي علي حدّ لا يمكن إنكار استفاضتها بل تواترها، وهذا واضح لمن رجع إلي مظانّها، وقد جمعها سيد الطائفة المحقّق البروجردي في«جامع أحاديث الشيعة» ولايسعنا نقل أكثرها فكيف جميعها، فقد أورد فط ذلك المقام 116 حديثاً، ولكنا نقتطف بعضها ومن أراد التوسّع فليرجع إليه، وهي علي أقسام:

140

أ- إرجاع الناس إلي أشخاص ثقات:

أ- إرجاع الناس إلي أشخاص ثقات:

1- روي عبدالله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله(ع) إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ويمكن القدوم، يجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه. قال(ع): فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي؟ فانّه قد سمع من أبي وكان عنده مرضيّاً وجيهاً(1).

2- روي المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يوماً وقد دخل علي الفيض بن المختار فذكرله آية من كتاب الله عزوجل- إلي أن قال له-: فإذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس- وأومأ إلي رجل من أصحابه- فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين(2).

3- وروي يونس بن يعقوب، قال: كنّا عندأبي عبدالله، فقال: أما لكم من مفزع؟ أمالكم من مستراح تستريحون إليه؟ ما يمنعكم من الحارث ابن مغيرة البصري؟(3).

4- وروي علي بن المسيب قال: قلت للرضا(ع) شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: من زكريا بن آدم القمي المأمون علي الدين والدنيا(4).

5- روي عبدالعزيز بن المهتدي: قال: سألت الرضا(ع) فقلت: إنّي لا ألقاك في كلّ وقت فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: خذ بن يونس بن

----------

1- الكشّي: الرجال/145 برقم 67، طبع الأعلمي.

2- الكشّي: الرجال/123 برقم 62.

3- المصدر نفسه: ص 287 برقم 168.

4- المصدر نفسه: ص 496 برقم 487.

141

عبدالرحمان(1).

6- روي محمّد بن عيسي قال: وجدت الحسن بن علي بن يقطين(يحدّث) بذلك أيضاً، قال: قلت لأبي الحسن الرضا(ع): جعلت فداك إنّي لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم(2).

7- روي الكليني،عن عبدالله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو(رحمةالله)

عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف- إلي أن قال-: وقد أخبرني أبو علي أخمد بن إسحاق عن أبي الحسن(ع)، قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمّن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقفتي فما أدّي إليك عنّي فعنّي يودّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون.

وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمد(ع) عن مثل ذلكف فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وماقالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فانّهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيافيك(3).

8- روي الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان(عج):

----------

1- الكشّي: الرجال، ص 409 برقم 351.

2- المصدر نفسه: ص 414 برقم 351.

3- الكليني: الكافي: 1/330.

142

وأمّا محمّد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنّه ثقتي وكتابه كتابي(1).

9- روي أبو حمّادالرازي، يقول: دخلت علي علي بن محمد(ع) ب_«سرّ من رأي» فسألته عن أشياء من الحلال والحرام، فأجابني فيها، فلمّا ودّعته قال لي: ياحماد! إذا أشكل عليك شئء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبدالعظيم بن عبدالله الحسني واقرأه منّي السلام(2). والاستدال به لأجل اشتهاره بالوثاقة، وما أمرالإمام بالرجوع إليه إلّا لأجلها.

ب- ما دلّ علي وجوب الرجوع إلي الثقات والصادقين:

10- روي الكشي، عن القاسم بن علاء، عن صاحب الزمان(عج) أنّه قال: لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روي عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم بسرّنا ونحمله إياه إليهم، وعرّفنا ما يكون من ذلك إن شاءالله تعالي(3).

11- وروي البرقي، عن أبي عبدالله(ع) قال: حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا، من ذهب أو فضة(4).

12- وروي المفيد، عن ميسر بن عبدالعزيز قال: قال أبو عبدالله(ع): حديث يأخذه صادق عن صدق خير من الدنيا ومافيها(5).

----------

1- الصدوق: كمال الدين: ص 485 باب ذكر التوقيعات.

2- السيد البروجردي: جامع أحاديث الشيعة: 1/224 برقم 322.

3- الكشّي: الرجال: ص 450 برقم 413 طبع الأعلمي.

4- البرقي: المحاسن: 1/229 برقم 166.

5- المفيد: الاختصاص: ص 61.

143

13- وروي البرقي، عن أبي جعفر(ع) قال: قال لي: يا جابر! والله لحديث تصيبه من صادق في حلال أو حرام خير لك ممّا عليه الشمس حتي تغرب(1).

ج- مايتضمّن عرض كتب الأصحاب علي الإمام وهويترحّم علي الكاتب ويمضي العمل به:

14- روي أحمد بن أبي خلف، عن أبي جعفر(ع) قال: كنت مريضاً، فدخل عليّ أبو جعفر(ع) يعودني عند مرضي، فإذا عند رأسي كتاب«يوم وليلة» لجعل يتصفّح ورقه حتي أتي عليه من أوّله إلي آخره وجعل يقول: رحم الله يونس، رحم الله يونس، رحم الله يونس(2).

15- روي أبو هاشم الجعفري، قال: عرضت علي أبي محمد صاحب العسكر(ع)، كتاب«يوم وليلة» ليونس، فقال لي: تصنيف من هذا؟ فقلت: تصنيف يونس آل يقطين، فقال: أعطاه الله بكل حرف نوراً يوم القيامة(3).

16- روي محمد بن إبراهيم الوراق السمرقندي في حديث:... خرجت إلي سرّ من رأي ومعي كتاب«يوم وليلة»(4) فدخلت علي أبي محمد(ع) وأريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك إنّي رأيت أن تنظر فيه، فلمّا نظر فيه وتصفّحه ورقة، فقال: هذا صحيح ينبغي أن

----------

1- البرقي: المحاسن: 1/227.

2- الكشّي: الرجال: ص 409 برقم 351.

3- النجاشي: الرجال: ص 422 برقم 309.

4- ليونس بن عبد الرحمن.

144

يعمل به(1).

17- روي حامد بن محمد الأزدي عن الملقّب ب_«فوراء»: إنّه دخل علي أبي محمد، فلمّا أراد أ«يخرج سقط منه كتاب في حضنه، ملفوف في ردائه، فتناوله أبومحمئ ونظرفيه، وكان الكتاب من تصنيف الفضل بن شاذان، فترحّم عليه وذكر أنّه(ع) قال: اغبط أهل خراسان بمكان الفضل شاذان وكونه بين أظهرهم(2).

18- روي سعدبن عبدالله الأشعري، قال: عرض أحمدبن عبدالله كتابه علي مولانا أبي محمد الحسن بن علي بن محمد صاحب العسكر(ع)، فقرأه وقال: صحيح فاعملوابه(3).

19- روي عبدالله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح(رضي الله) قال: سئل الشيخ يعني أباالقاسم(رضي الله عنه)عن كتب ابن أبي العزاقر(4) بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللّعنة، فقال له:فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال : أقول فيها ما قال أبو محمد الحسن بدن علي(ص) وقد سئل عن كتب بني فضّال فقالوا: كيف نعمل بكتيهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا(5).

20- روي ابن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، قال: هذه نسخة

----------

1- الكشّي: الرجال: ص 451 في ترجمة الفضل بن شاذان برقم 416.

2- المصدر نفسه: ص 454.

3- البروجردي: جامع الاحاديث الشيعة: 1/229 برقم 343.

4- المراد: محمد بن علي الشلمغاني، و كان يدّعي أنّ اللاهوت حلّ فيه، صلب ببغداد عام 322 هجري، لاحظ تنقيح المقال: 3/156 برقم 11114.

5- الطوسي: الغيبة/239 طبعة النجف.

145

سليم بن قيس العامري ثم الهلالي وأنّه قرأ علي علي بن الحسين(ع) قال: صدق سليم(رحمةالله عليه) هذا حديث نعرفه(1).

هذه عشرون حديثاً اقتطفتها من المأثورات الثلاثة المذكورة وتعرب عن:

أولاً:أنّ العمل بخبر الثقة كان أمراً مفروغاً منه، وكانت الغاية من السؤال الاهتداءإلي الصغري للكبري المسلّمظ سواء أكان الثقة محدّثاً بلفظه ولسانه، أم بكتابه وتحريره.

وثانياً:أنّ تمام الموضوع لجواز الأخذ والعمل كون الراوي ثقة لا كونه عدلاً إماميّاً، أو عدلاً شيعيّاً، وذلك لأنّ مورد الروايات وإن كان هو العدل الإمامي أو الشيعي كما هو الحال في كتب بني فضال إلّا أنّ ذلك لأجل أنّ روايات أهل البيت كانت مخزونة عندهم، وهؤلاء كانوا هم البطانة لعلومهم ومعارفهم، ولأجل ذلك أمروا بالرجوع إليهم، ولوفرض في نفس الحال أنّ وغيرهم كالنوفلي والسكوني وأضرابهما، وعوا علومهم ومعارفهم وكانوا أمثالهم، لعمّهم الإرجاع بحجّة وثاقتهم وضبطهم إذ ليست الغاية من الإرجاع إلي الراوي إلّا الوصول إلي أحاديثهم ومعارفهم، وهي موجودة في كلا الصنفين.

وتحقيق الحال يقتضي الإسهاب في الكلام ودفع ما ربّما يكون ذريعة لاختصاص الحجية بخبر العدل الإمامي فإليك المحتملات:

1- إنّ الثقة في مصطلح الأئمّة وأصحابهم حقيقة في الإمامي العادل، وعلي ذلك فيختصّ الاحتجاج بهذه الروايات بقسم خاصّ وهو الإمامي

----------

1- الكشّي: الرجال: ص 90 برقم 44.

146

147

الثقة من دون خصوصية لكون الراوي أهل ملّة أونحلة، فاحتمال أنّ الكبري المسلّمة عند الراوي شيء وراء هذايتوقّّف علي دعوي فرض الراوي صاحب منهج ومسلك في العمل بخبر الواحد.

3-إنّ آية النبأ التي تحكم بردّ خبر الفاسق إلي أن يتبيّن، مقيّدة لهذه الروايات الإرجاعيّة وذلك بأمرين:

أ-المرادمن الفاسق من خرج عن طاعة الله وحدوده فيعمّ المخالف مطلقاً شيعياً كان أوغيره، فيختصّ مفاد الروايات بالإمامي العادل.

ب-إنّ المرادمن التبيّن هوالتبيّن القطعي، (خرج العدل الإمامي بالدليل)وهوغيرموجودفي مطلق خبر الواحد إذا كان الراوي خارجاً عن طاعة الله كجميع الفرق المخالفة للإماميّة.

والجواب:إنّ التبيّن الواردفي الآية لايراد منه العلم القطعي الذي يبحث عنه في علم المنطق، بل المرادمن التبيّن هوالظهور والوضوح عند العقلاء، ويكفي في ذلك كون الدليل مفيداً للاطمئنان عندهم، ويدل علي ذلك قوله سبحانه:

«وكلواواشربواحتّي يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الاسودمن الفجر»(البقره/187).

وقال سبحانه:

«ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدي ويتّبع غيرسبيل المؤمنين نولّه ماتولّي ونصله جهنّم وساءت مصيراً»(النساء/115).

والمرادبعدما تّمت الحجّة عليه، كما هو المرادفط قوله سبحانه: «ام

148

آتيناهم كتاباً فهم علي بيّنت منه»(فاطر/40).أي علي حجّة منه.

فالحجّة عبارة عمّا يحتّج به العقلاء بعضهم علي بعض، وهي الأدوات التي تفيد الاطمئنان لنوع العقلاء، ويسكن إليها كلّ إنسان في حياته، ومن المعلوم أنّ هذه الغاية في خبر الثقة والخبر الموثوق بصدوره.

نعم العمل بخبرالفاسق المتّهم بالكذب والوضع والدسّ يتوقّف علي التبيّن والغاية فيه غير حاصلة عند الإخبار، ويحتاج في حصولها إلي الفحص بعد الإخبار.

أضف إلي ذلك: أنّ صدق الفاسق علي أصحاب الآراء الباطلة إ ذاورثوا العقائد والنحل من آبائهم من غير تقصير بل عن قصور-كما هوالحال في أكثرالفرق المخالفة للإمامية-موضوع تأمّل.

4-إنّ هناك روايات ربّما يمكن أن تقع ذريعة لردّ الإطلاق المستفاد من هذه الروايات أوللسيرة العقلائية، وهي مارواه الكشي عن علي بن سويد السائي، قال كتب إليّ أبوالحسن الأوّل-وهوفي السجن-: وأمّاماذكرت- ياعلي- ممّن تأخذمعالم دينك، لاتأخذنّ معالم دينك من غيرشيعتنا، فإنّك إن تعدّ يتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أمانتهم . إنّهم ائتمنوا علي كتاب الله فحرّفوه وبدلّوه، فعليهم لعنة الله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام ولعنتي ولعنة شيعتي إلي يوم القيامة(1).

وروي أيضاً عن أحمدبن حاتم بن ماهويه، قال: كتبت إلي أبي الحسن الثالث أسأله عمّن آخذ معالم ديني؟ وكتبت أخوه أيضاً بذلك، فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما، فاعتمدا في دينكما علي من كبرحبّنا وكان كثير التقدّم

----------

1- الكشّي: الرجال: باب فضل الرواية: ص 10، طبع الأعلمي.

149

في أمرانا،فانّهم كافوكما إن شاء الله تعالي (1).

ولا يتوهّم أنّ الراوية الاولي تنهي عن العمل بقول المخالف علي وجه الإطلاق، وذلك لأ نّها

ناظرة إلي المخالف الذي يروي غير ما عليه أئمّة أهل البيت من المعارف والأحكام بقرينة قوله: ائتمنوا علي كتاب الله فحرّ فوه وبدّلوه، وإلّا فلوكان أخذمن مستقي الوحي وبيت العصمة والطهارة كانت الرواية منصرفة عنه.

وأماالرواية الثانية فهي قضيّة في واقعة ولم يذكر أحد ما جاء منها في الشرط في حجيّة خبرالثقة،ولعلّ في زمن الراوي وبيئته كان الثقات منحصرين في واجدي هذاالوصف إلي غيرذلك ممّايمكن إن يكون وجهاً للاشتراط.

إلي هنا خرجنا بهذه النتيجة: إنّ تمام الموضوع للحجّية حصول الوثوق من قول الراوي بصدور الخبرعن الإمام، ولوشرط الأصحاب أوبعضهم كونه إماميّاً أوشيعيّاً أوضابطاً فلأجل أنّ توفّرهذه الشرائط يستلزم توفّر الوثوق.

نعم لايشترط الوثوق الشخصي بل يكفي الوثوق النوعي كماعليه عمل العقلاء في حياتهم ومعاشهم .

أضف إلي ذلك: أنّ من البعيد أن يحصل لكلّ أحد الوثوق الشخصي من خبرالثقة، خصوصاً في الخبرالمتعارضين، وبالأخصّ فيها إذاوقف الإنسان علي مافي الأحاديث من التشويش والاختلال في السندوالمتن، فلوعلّق جواز العمل علي الوثوق الشخصي لزم الفوضي في العمل بالروايات كماهو واضح لمن تتّبع، ولما استقرحجرعلي حجر.

----------

1- الكشّي: الرجال: باب فضل الرواية: ص 11.

الفصل السادس:الألفاظ المستعملة

الفصل السادس:الألفاظ المستعملة

في التعديل والجرح

المقام الأول في ألفاظ التزكية والمدح:

1- هو عدل أو ثقة، 2- قوله حجّة،

3- هو صحيح الحديث، في تحديد دلالة لفظ«ثقة»

وفي دلالتها علي كون الراوي إماميّاً عادلاً ضابطاً،

4- وجه، عين، وكيل الإمام...، سائر ألفاظ المدح.

المقام الثاني في ألفاظ الجرح والذم:

*تحقيق للمحدّث النوري في استفادة العدالة من

المدائح الواردة في حقّ بعض الرواة، رواية الأجلاء

عن الضعفاء.

* بعض ألفاظ المدح التي يستفاد منها الوثاقة.

151

152

قد استعمل المحدّثون وعلماء الرجال ألفاظاً في التزكية والمدح وألفاظاً في الجرح والذّمّ لا بدّ من البحث عنها لتبيين مفادها، ويقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل في ألفاظ التزكية والمدح:

قسّم الشهيد الثاني ما يدلّ علي كون الراوي عادلاً إلي: صريح وغير صريح، فمن الصريح الألفاظ التالية:

1- قول المعدل:«هو عدل أو ثقة»

قال: هذه اللفظة [ثقة] و إن كانت مستعملة في أبواب الفقه أعمّ من العدالة لكنّها هنا لم تستعمل إلاّ في معني العدل، بل الأغلب استعمالها خاصّة، وقد يتّفق في بعض الرواظ أن يكرّر في تزكيتهم لفظة «الثقة» وهي تدل علي زيادة المدح.

153

2- قوله«حجّة»:

أي من يحتجّ بحديثه، وفي إطلاق اسم المصدر مبالغة ظاهرة في الثناء عليه بالثقة، والاحتجاج بالحديث وإن كان أعمّ من الصحيح كما يتّفق بالحسن والموثقّ، بل بالضعيف...، لكن الاستعمال العرفي لأهل هذا الشأن لهذه اللفظة يدلّ علي ما هو أخصّ من ذلك وهو التعديل وزيادة، نعم لو قيل يحتجّ بحديثه ونحوه لم يدلّ علي التعديل، لما ذكرناه بخلاف إطلاق هذه اللفظة علي نفس الراوي بدلالة العرف الخاصّ.

3- قوله«هو صحيح الحديث»:

فإنّه يقتضي كونه ثقة ضابطاً، ففيه زيادة تزكية.

وأمّا غير الصريح، فهو عبارة عن قوله: متقن، ثبت، حافظ، ضابط، يحتجّ بحديثه، صدوق يكتب حديثه -لا بأس به بمعني أنّه ليس بظاهرالضعف.

ومنه: شيخ جليل، صالح الحديث، مشكور، خير، فاضل، صالح، مسكون إلي روايته(1).

وقال بهاءالدين العاملي: ألفاظ التديل... ثقة، حجّة، عين وماأدّي مؤدّاها، أمّا متقن، حافظ، ضابط، صدوق، مشكور، مستقيم، زاهد، قريب

----------

1- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 203-204.

154

الأمر ونحوذلك فيقيد المدح المطلق(1).

أقول:إنّ اتّخاذ الموقف في مقدار ما تدلّ عليه هذه الألفاظ يحتاج إلي دراسة معمّقة، فلنبحث عن مفاد بعض هذه الألفظ، ونحيل البعض الآخر إلي جهد القارئ.

1-«عدل إمامي ضابط»، أو«عدل من أصحابنا الإماميّة ضا

1-«عدل إمامي ضابط»، أو«عدل من أصحابنا الإماميّة ضابط»:

وهذه أحسن العبارات وأصرحها في جعل رواية الرجل من الصحاح، وهي تفيد التزكية التي يترتّب عليها كون الرواية صحيحة باصطلاح المتأخّرين، فلا يراد من العدل إلّا ما وقع عليه الاتّفاق في معناه، لا الإسلام و الإيمان فقط، كما أنّه لا يراد من الإمامي إلاّ من يعتقد بإمامة إمام عصره وهو يلازم كونه اثني عشرياً إذا كان الراوي في عصرالغيبة(2) وأمّا الضابط فقد مرّ تفسيره فلا نعيد.

2- ثقة:

و هذه اللفظة كثيرة الدوران في الكتب الرجاليّة لا سيّما في رجالي النجاشي وفهرس الشيخ ومن بعد هما، فقد عرفت تنصيص الشهيد علي كونها صريحة في العدل، وقال المامقاني: إنّ هذه اللفظة حينما تستعمل في كتب الرجال مطلقاً من غير تعقيبها بما يكشف عن فساد المذهب، يكفي في

----------

1- بهاء الدين العاملي: الوجيزة: ص 4.

2- و لاعبرة بتقسيم أبي منصور البغدادي: الاماميِّة خمس عشرة فرقة و عدّ منهم: الناووسية و الفطحية و الواقفية، لاحظ: الفرق بين الفرق: ص 53، لأنّ الرجل في بيان فرق الشيعة خلط بين الغث و السمين، و أهل البيت أدري بما فيه.

155

إفادتها التزكية المترتّب عليها التصحيح باصطلاح المتأخّرين، لشهادة جمع باستقرار اصطلاحهم علي إرادة العدل الإمامي الضابط من قولهم «ثقة».

وأمّا السرّ في عدولهم عن قولهم عدل إلي قولهم ثقة، فقد أشار إليه بهاء الدين العاملي في مشرق الشمسين، وقال: فإن قلت: كيف يتمّ لنا الحكم بصحّة الحديث بمجرّد بوثيق علماء الرجال رجال سنده، من غيرنقصّ علي ضبطهم؟ فأجاب بقوله: إنّهم يريدون بقولهم: فلان ثقة، أنّه عدل ضابط، لأنّ لفظه الثقة من الوثوق ولاوثوق بما يتساوي سهوه مع ذكره، أو يغلب سهوه علي ذكره، وهذا هو السرّ في عدولهم عن قولهم «عدل» إلي قولهم «ثقة».

وقال الشيخ محمد ابن صاحب المعالم: إذا قال النجاشي ثقة، ولم يتعرّض لفساد المذهب، فظاهره أنّه عدل إمامي لأنّ ديدنه التعرّض للفساد فعدمه ظاهر في عدم ظفره، لشدّة بذل جهده وزيادة معرفته.

وقال المحقّق البهبهاني: إنّ الرواية المتعارفة المسلّمة المقبولة أنّه إذا قال الرجالي:«عدل إمامي» أو فلان «ثقة»، يحكمون بمجرّد هذا القول أنّه عدل إمامي، لأنّ الظاهرمن الرواة التشيّع والظاهر من الشيعة حسن العقيدة، أو لأنّهم وجدوا منهم أنّهم اصطلحوذلك في اماميّة، وإن كانوا يطلقون علي غيرهم مع القرينة(1).

يقع الكلام في دلالة لفظ«ثقة» علي اُمورثلاثة:

1-كونه ضابطاً.

2-كونه إماميّاً.

----------

1- عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ص 108.

156

3-كونه عادلاً بالمعني المتّفق عليه:

أمّا الأوّل:فلا شكّ في دلالتها عليه، لأنّ الوثوق لايجتمع مع كثرة النسيان وغلبته علي الذكر، وليس الغرض من توصيف الرجل بكونه ثقة مجرّد مدحه، بل الهدف إيقاف القارئ علي أنّه ممّا يمكن أن يسكن إليه في الحديث، و معلوم أنّ السكون إنّما يحصل إذا نضمّ إلي صدق اللهجة الضبط، وغلبة الذكر علي النسيان.

أماالثاني:كونه دالّاً علي أنّ الرجل إمامي فمشكل من جهات:

أ- إنّ هذه اللفظة من الألفاظ المتداولة بين الرجاليّين من الخاصّة والعامّة، فالظاهر كون اللفظ مشتركاً بينهم في المعني من دون أن يكون للخاصّة اصطلاح خاصّ فيه، وهذا الصطلاح كسائر الاصطلاحات الدارجات بينهم في علمي الرجال والدارية، والموثّق في مصطلجنا هو الصحيح في مصطلحهم، ولو كان المذهب داخلاً في مفهوم الثقة عندنا يلزم أن يكون مشتركاً لفظيّاً بين الفريقين، وهو كما تري.

ب- إنّ الشيخ المفيد استاذ النجاشي، والشيخ يصف أصحاب الصادق(ع) بقوله: فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه (ع) من الثقات علي الختلافهم في الآراء و المقالات فكانوا أربعة آلاف رجل(1).

تري أنّه جمع بين قوله من «الثقات» وقوله «علي اختلافهم في الآراء والمقالات» ونقله بهذا النصّ ابن شهر آشوب في مناقبة(2) وشيخنا الفتّال في

----------

1- المفيد: الارشاد: ص 282.

2- ابن شهر آشوب: المناقب: 4/274.

أخبار عدّة هذه صفتهم»(1).

فإذا كان ما نسبه الشيخ إلي الأصحاب صحيحاً، كان ذلك قرينة علي أنّ المراد من الثقة فز توصيف الراوي هو وجود ما هو اللازم في حجّية خبر الواحد، أعني:التحرّز عن الكذب.

ومع ذلك كلبه يمكن أن يقال: إنّ التفريق الواضح في توصيف الراوي بين كونه ثقة، وكونه ثقة في الحديث أو في الرواية، يعرب عن أنّ الأوّل يعطي ويفيد أزيد ممّا يفيده الثاني، خصوصاً إنّ أحد التعبيرات الواضحة لتبيين مكانة المشايخ إنّما هو كلمة ثقة، أعني الذين لايشكّ الإنسان في عدالتهم.

غاية الأمر، إنّه إذا وصف بها الإمي تكون العدالة الواصفة عدالة مطلقة، وإذا كان غيره تكون العدالة عدالة نسبية، أعني ما يقتصيه مذهب الرجل من التجنّب عن المعاصي.

3و4 - وجه، عين:

قال المحقّق القمي، قيل: إنّهما يفيدان التوثيق، و أقوي منهما:«وجه من وجوه أصحابنا» وأوجه منه:«أوجه من فلان» إذا كان المفضّل عليه ثقة(2).

والسابر في الكتب الرجالية يقف علي أنّ اللفظين يدلان علي جلالة الرجل أزيد من كونه إمامياً عادلاً، وأنّهم يستعملون هذين الوصفين في موارد يعدّ الرجل من الطبقة المثلي في الفضل والفضيلة معربين عن أنّ مكانة

----------

1- الطوسي- محمد بن الحسن-: عدة الاصول: 1/382، طبع مؤسسة آل البيت.

2- القمي- ابوالقاسم-: قوانين الاصول: 1/485.

162

الرجل بين الطائفة مكانه الوجه والعين في كونهما محورالجمال والبهاء.

5- وكيل:

قال المحقق المقمي:كون الراوي وكيلاً لأحد من الأئمّة(ع) أمارة الوثاقة لما قيل: إنّهم لايجعلون الفاسق وكيلاً(1).

وقال المامقاني :كونه وكيلاً لأحد الأئمّة(ع) من أقوي أمارات المدح بل الوثاقة و العدالة، لأنّ من الممتنع عادة جعلهم(ع) غير العدل وكيلاً، سيّما إذا كان وكيلاً علي الزكوات وغيرها من حقوق الله تعالي. وقال المحقق البهبهاني في ترجمة إبراهيم بن سلام: بأنّ قولهم وكيل من دون اضافة ذلي أحد الأئمة أيضا، يفيد ذلك، لأنّ من الاصطلاح المقرّر بين علماء الرجال أنّهم إذا قالوا: فلان وكيل، يريدون أنّه وكيل أحدهم(ع) فلا يحتمل كونه وكيل بني اميّة(2).

نعم ذهب شيخنا المحقق التستري إلي أنّ الوكالة عن الإمام لاتفيد شيئاً، واستدلّ علي ذلك بوجهين:

1- إنّ صاح بن محمد بن سهل الهمداني كان يتولّي للجواد(ع) وإنّه دخل عليه وقال له: اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فقال(ع) له: أنت في حلّ، فلما خرج، قال(ع): يثب أحدهم علي مال آل محمد وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فيأخذه ثم يقول: اجعلني في حلّ، أتري أنّه ظنّ بي أنّي أقول له: لا أفعل؟ والله يسألنّهم عن ذلك يوم

----------

1- القمي- ابوالقاسم-: قوانين الاصول: 1/485

2- عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ص 130.

163

القيامة سؤالاً حثيثاً(1).

3-أنّ الشيخ الطوسي في الغيبة عدّ علي بن أبي حمزه البطائني، وزياد ابن مروان القندي، وعثمان بن عيسي الرواسي من وكلاء الإمام الكاظم(ع)وكانت عندهم أموال جزيلة، فلمّا مضي(ع)وقفوا طمعاً في الأموال ودفعوا إمامة الرضا(ع)وجهلوه(2).

يلاحظ علي الدليلين:

أمّا الأوّل:فإنّ إجازة الإمام صريحاً دلّت علي أنّ العمل الصادرمن وكليه كان عملاً مكروهاً لاحراماً، وإلّافلا يتصوّرأن يجيز الإمام مالاً حراماً للسائل، وعلي ضوءذلك فالسؤال يوم القيامة لايتجاوزعن هذاالحدّ.

ويؤيّد ذلك: أنّ الإمام لم يعزله بعد هذا بل أبقاه علي ولايته.

وأما الثاني:فلأنّ وقفهم ودكلهم مال الإمام بعد رحلته لايدّل علي كونهم كذلك حين الوكالة، فربّ صالح يغترّ بالدنيا فيعود طالحاً، وعلي ذلك فالوكالة في عظائم الامور كتبليغ الأحكام وأخذ الأموال ومايشابهما دليل الوثاقة، نعم الوكالة في أمرجزئي كبيع الضيعة أودفع الثمن أو ما أشبههما لا يكون دليلاً علي شيء.

6- حجّة:

والمراد منه من يحتجّ بحديثه،فلا يدلّ علي كونه إماميّاً عدلاً بل ظاهراً

----------

1- الطوسي: الغيبة: ص 213. و الحثيث بمعني السريع. قال سبحانه: «يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا» (الأعراف/54).

2- المصدر نفسه.

164

في الثناء عليه بالثقة، وقد عرفت معناه، ولعلّ الثاني هو المتبادر.

نعم هذه الألفاظ قدانسلخت عن معانيها الحقيقة في أعصارنا هذه، ولكن مشايخ علم الرجال الورعين لا يستعملونها إلّا في مواضعها.

وهذه هي الألفاظ التي يستدلّ بها علي كون الرجل عدلاً إماميّاً أوعدلاً فقط، وليس للفقيه أن يقتصرعلي هذه الألفاظ بل عليه السعي الحثيث والتدبّرفي القرائن الواردة في كلام الرجاليّين، فربّما يستفاد منه كون الرجل عدلاً إمامياً ضابطاً.

7-شيخ الإجازة:

وممّا يستدلّ به وثاقة الرجل كونه شيخ الإجازة، فلا بأس بإفاضة البحث فيه ونظائره، فيكون البحث مشتملاً علي هذه الاُمورالثلاثة:

1-شيخ الإجازة.

2-رواية الثقة عن شخص.

3-كثرة تخرج الثقة عنه.

أمّا الأوّل:فقد قال الشهيد فيه: إنّ مشايخ الإجازة لايحتاجون إلي التنصيص علي تزكيتهم __ إلي أن قال-: إنّ مشايخنا من الكليني إلي زماننا لا يحتاجون إلي التنصيص لما اشتهرفي كلّ عصر من ثقتهم وورعهم.

وقال الاسترابادي في رجاله الكبير:في ترجمة الحسن بن علي بن زياد: ربّما يستفاد توثيقه من استجازة أحمدبن محمّد بن عيسي.

وقال البهبهاني: إذا كان المستجيزممّن يطعن علي الرجال في روايتهم

165

عن المجاهيل والضعفاء وغيرالموثّثين(كأحمد بن محمّدبن عيسي)فدلالة استجازته علي الوثاقة في غاية الظهور،لاسيّما إذاكان المجيز من المشاهير(1).

أقول:أمّا مشايخ الإجازة من زمان الكليني أوبعده بزمن إلي عصرنا هذا، فكلّهم علماء معروفون بالجلالة والعظمة، وليس للبحث ثمرة في حقّ هؤلاء، وإنّما تظهر الثمرة في مشايخ الإجازة بالنسبة إلي مؤلفي الكتب الأربعة.

توضيحه:إنّ لأصحاب الأئمّة وأصحاب وأصحابهم اُصولاً ومصنّفات اُلّفت في أعصارهم ويعبّر عنها تارة بالاُصول واُخري بالمصنّفات وثالثة بالكتب(2)، فإذا أرادالمحدّث مثل الكليني نقل حديث من هذه الاُصول يحتاج إلي تحقيق ثبوت الكتاب للمؤلّف، وصحّته عنده، ولأجل ذلك احتاج في النقل عنها إلي سند يوصله إلي هذه الكتب حتي يكون النقل جامعاً للشرائط، وهذا السند هوالمعروف بشيخ الإجازة ومشايخها، مثلاً يروي الكليني كتب ابن أبي عميربواسطة علي بن إبراهيم،وهوعن أبيه إبراهيم بن هاشم، وهو عن ابن أبي عمير، وهو عن ابن أُذينة، عن الإمام الصادق(ع)وعندئذ يقع الكلام في أنّ الاستجازة في النقل عن المشايخ هل تعدّ دليلاً علي وثاقتهم أولا؟ الحق هو التفصيل الآتي:

1- إنّ شيخ الإجازة تارة يجيز كتاب نفسه، فهذا لا يدلّ علي وثاقته،

----------

1- عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: 124.

2- قد أوضحنا الفرق بين هذه المصطلحات في خاتمة كتاب «كليات في علم الرجال» فلاحظ ص 474-486.

166

بل لا يتجاوز مثل ذلك عن رواية الثقة عن شخص آخر، فكما أنّه لا يدلّ الثاني علي الوثاقة فكذا الأوّل. وهذا النوع من شيخوخة الإجازة خارج عن موضوع البحث.

2- أن يجيز رواية كتاب غيره فهذا علي قسمين:

أ- أن يجييز ما ثبتت نسبته إلي مصنّفه كالكتب الأربعة بالنسبة إلي مؤلّفيها، وهذه هي«الإجازة» المعروفة في أعصارنا وما قلبها، فالمحصّلون يستجيزون المشايخ، وهم يستجيزون مشايخهم لأجل أن يتّصل إسنادهم إلي مؤلفي الكتب الأربعة، والهدف من ذلك خروج الرواية عن الإرسال إلي الإسناد أوّلا، والتبرّك فرعا الوثوق بقول المجيز ثانياً، وعلي كلا التقديرين فإحراز عدم إحراز الوثوق؟ فهذا لو لم يدلّ علي كونه عادلا فعلي الأقل يدلّ علي أنّه ثقة في الحديث، وقد عرفت أنّ البحث فيه عديم الثمرة.

ب- أن يجيز ما لا تكون نسبته متيقّنه إلي مؤلّفها فيحتاج في جواز العمل بالكتاب إلي الإجازة، فلا شكّ أنّ مثل هذه تدلّ علي أنّ المستجيز أحرز وثاقة المجيز، ولولا الإحراز لما حصلت الغاية المنشودة من الإستجازة.

وأمّا الثاني:وهي رواية الثقة عن شخص فلا تدلّ علي وثاقة المروي عنه، لأنّ الثقات كما يروون عن أمثالهم كذلك يروون عن الضعاف، غير أنّ الإكثار في النقل عن الضعاف كان يعدّ قدحاً في الشيخ بين القدماء، نعم لو ثبت أنّ ذلك الثقة(الشيخ) لا يروي إلّا عن ثقة نظير أحمدبن محمد بن عيسي، وجعفربن بشير البجلي، ومحمد بن ذسماعيل الميمون الزعفراني، وعلي بن حسن الطاطري و غيرهم دلّت رواية كلّ واحد عن شخص علي

167

كونه موصوفاً باوثاقة، كما نبّه علي ذلك المحقّق البهبهاني وغيره.

وأمّا الثالث:وهو كثرة تخريج الثقة عن شخص؛ ظاهر في وثاقة المروي عنه، لأنّ الغاية المطلوبة من الرواية هي الأخذ والعمل علي أساسها و دعوة الناس اليها، فلو لم يكن المروي عنه ثقة لعدّ هذا التخريج الهائل شيئاً قليل الفائدة، اللهمّ إلّا إذا ثبت من الخارج أنّ لمخرّج يروي عن الضعفاء، فلا تكون كثرة تخريجه عن ضخث دليلاً علي وثاقظ ذلك الشخص، لأنّ اشتهاره بالرواية عن الضعفاء حاكم علي هذا الظهور.

هذا، وإنّ صاحب المستدرك- أعني المحدّث النوري- قد أفرط في تكثير أسباب التوثيق حتي جعل نقل الثفة عن شخص مطلقاً آية كون المروي عنه ثقة،وتمسّك بوجوه غير نافعة.

ثم إنّ لإثبات الوثاقة طرق اخري:

منها: الاستفاضة والشهرة في حقّ الراوي كعلمنا بعدالة المحمدين الثلاثة والسيّدين والشهيدين والشيخ الأنصاري.

ومنها: شهادة القرائن الكثيرة و المتعاضدة الموجبة للإطمئنان بعدالته.

ومنها: تنصيص عدلين أو تزكيظ العدل الواحد علي ما هو الحقّ في كفايته. هذا كلّه حول ما يدلّ علي وثاقة الراوي وعدالته، وهناك ألفاظ يستفاد منها المدح نشيرإلي بعضها:

168

ألفاظ المدح:

1- «من أصحابنا» ولعلّه صريح في كون الراوي إماميّاً مقبولاً عند الأصحاب.

2- «ممدوح» ولا ريب في إفادته المدح دون الوثاقة فضلاً عن كونه إماميّآً.

3- «صالح خيّرّ» وهو كالسابق.

4- «مضطلع بالرواية» ومعناه: أنّه قوي فيها، يفيدالمدح والتوثيق لا كونه إماميّاً.

إلي غير ذلك من الألفاظ الواردة في حقّ الرواة نظير«مسكون إلي روايته» وبصير«بصير بالحديث»، «ديّن»(1)، «جليل»(2)، «يكتب حديثه»، «ينظر في حديثه» إلي غير ذلك.

المقام الثاني: في ألفاظ الجرح والذم:

المقام الثاني: في ألفاظ الجرح والذم:

قال الشهيد: وألفاظ الجرح مثل«ضعيف»، «كذّاب»، «وضّاع للحديث من قبل نفسه»، «غال»، «مضطرب الحديث»، «منكر»، «ليّن الحديث» - أي يتساهل في روايته عن غير الثقة- «متروك في نفسه»، أو «متروك الحديث»، «مرتفع القول» __ أي لايعتبر قوله ولا يعتمد عليه __، «متّهم بالكذب أو الغلوّ»... أو نحو هما من الأوصاف القادحة، «ساقط في

----------

1- و لعله أظهر في الوثاقة لا في خصوص المدح.

2- و لعله ايضا كسابقه فلاحظ.

169

نفسه أو حديثه»، «واه»، «لا شئء» أو «لا شئء معتدّ به»(1).

هذا ما ذكره الشهيد، ثمّ إنّه(قدس سره) عقد بحثاً فيمن اختلط وخلطف ففسّره بمن عرضه الحمق وضعف العقل تارة، ومن عرض له الفسق بعد الاستقامة تارة أخري، كالواقفه بعد استفامتهم في زمن الكاظم(ع) والفطحيّة كذلك في زمن الصادق(ع).

ولكن الظاهرأنّ هذا المصطلح- أعني مخلط أو فيه تخليط - ليس ظاهراً في فساد العقيدة، بل المراد من لايبالي عمّن يروي وعمّن يأخذ، فيجمع بين الغثّ والمسلمين، وهذا ما استظهره المحقق المامقاني واستشهد عليه بوجوه:

1- إنّ الشيخ سديد الدين محمود الحمصي يعدّ ابن إدريس مخلطاً.

2- إنّ الشيخ الطوسي يعدّ علي بن أحمد العقيقي مخلطاً مع كونه إماميّاً.

3- إنّ النجاشي يعرّف محمدبن وهبان بقوله: ثقة من أصحابنا واضح الرواية، قليل التخليط(2).

ونكمل المقال بذكر أمرين:

1- إنّ كثرة الرواية عن الضعفاء والمجاهيل كان ذمّاً عند القمّيين وابن الغضائري، ولم يكن كذلك عندغيرهم، ولأجل ذلك أخرج أحمد بن محمد ابن عيسي زميله، أعني أحمدبن محمد بن خالد عن قم، بكثرة روايته عن

----------

1- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص 209.

2- عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ج 2، ص 302، و لاحظ النجاشي: 2/323 برقم 1060.

170

الضعفاء(1). ولم يرو عن سهل بن زياد كذلك(2)، ولكن الحقّ أن كثرة الرواية عن الضعفاء مع التصريح بالأسماء ليس بقادح.

2- إنّ ابن أبي حاتم رتّب ألفاظ التعديل والجرح وإليك مراتب التعديل حسب مارتب:

أوّلها:ثقة، أو متقن، أوثبت، أوحجّة، أوعدل حافظ، أوضابط.

ثانيها:صدوق، أو محلّه الصدق، أولا بأس به، هو ممّن يكتب حديثه وينظر فيه، لا بأس به فهو ثقة.

ثالثها:شيخ، فيكتبف وينظر.

رابعها:صالح الحديث، يكتب للاعتبار.

وأما ألفاظ الجرح فإليك:

1- ليّن الحديث يكتب حديثه وينظراعتباراً.

2- ليس بقوي يكتب حديثه، وهو دون ليّن.

3- ضعيف الحديث، وهو دون«ليس بقوي» وعندئذ لايطرح بل يعتبربه.

4- متروك الحديث، أو واهيه، أو كذّاب، وعندئذ فهو ساقط لا يكتب حديثه.

ومن ألفاظهم: فلان روي عن الناس، وسط،مقارب الحديث، مضطرب، لايحتجّ به، مجهول، لا شئء، ليس بذلك، ليس بذاك القوي، فيه

----------

1- العلامة الحلي، خلاصة الأقوال في علم الرجال: القسم الاول/14 برقم 7.

2- المصدر نفسه: القسم الثاني/228 برقم 2.

171

أو في حديثه ضعف، ماأعلم به بأساً(1).

هذا إجمال البحث في المقامين وتبيين لمدي دلالة ألفاظ التعديل والجرح علي مكانة الرجل من الوثاقة والضعف.

خاتمة المطاف:

خاتمة المطاف:

إنّ للمحدث النوري في الفائدة التاسعة من خاتمة مستدركه (2) تحقيقاً ربّما يخرج به كثير من الأخبار الحسان إلي عداد الأخبار الصحاح، فاستظهر من أكثر المدائح التي وردت في حقّ الرواة، دلالتها علي العدالة، فبما أنّ فيما ذكره فائدة للقارئ نأتي بها برمتها، وإن كانت الموافقة معه في جميع ما ذكره يحتاج إلي الإمعان والتدبّر.

المدائح التي يستدلّ بها علي العدالة:

العدالة:ملكة الاجتناب عن الكبائر، وعدم الإصرار علي الصغائر،

غير أنّه جعل حسن الظاهرمن طرق معرفتها تعبّداً أو عقلاً كسائر الملكات النفسانيِة التي لها آثار خارجيّة، وعلائم ظاهريّة تعرف بها غالباً، كالشجاعة والسخاء والجبن والبخل وغيرها، فمن ثبت عنده حسن الظاهر وجداناً أو بالشهادة عليه، تثبت عنده العدالة، وأمّا إذا ثبت حسن الظاهر بالوجدان فظاهر، وأمّا إذا ثبت حسن الظاهر من طريق الشهادةفيكون من قبيل الشهادة علي الطريق(حسن الظاهر)، فيثبت ذو الطريق لما قرّر من حجّية

----------

1- النووي: التقريب و التيسير: 1/291-295.

2- المستدرك: 3/773.

172

الشهادة مطلقاً سواء قامت علي الشيء نفسه، أو علي طريقه.

فعلي ذلك لو نقل العدول من الرجاليّين جملاً وكلمات تدلّ بوضوح علي كون الرجل ذا حسن ظاهر بين المجتمع، بحيث يكشف ذلك الحسن نوعاً عن عدالة الشخص، نأخذه بهذه الكلمات ونحكم بعدالة الرجل.

وعلي ذلك لا فرق بين أن يقول النجاشي أو الشيخ بأنّ فلاناً ثقة، أو عدل ضابط، أو ينقل في حق الرجل ألفاظاً تكشف عن حسن ظاهره في المجتمع، الذي يلازم العدالة.

وبذلك يظهر: أنّ استكشاف عدالة الراوي لا يختصّ بقولهم: ثقة، أو عدل مطلقاً، أو مع انضمام: ضابط، بل كثير من الألفاظ التي عدّوها ممّا تدلّ علي المدح يمكن أن تيتكشف بها العدالة، وبذلك يدخل كثير من الحسان في عداد الصحاح.

لأجل الإقتصار في استكشاف العدالة علي لفظي «ثقة» أو «عدل» آل أمرالرجاليّين إلي عدّ أحاديث إبراهيم بن هاشم، ونظرائه من الأعاظم في عداد الحسان، معتذرين بعدم التنصيص عليهم بالوثاقة من أئمّة التعديل والجرح، مع أنّ كثيراً من ألفاظ المدح تدلّ علي حسن الظاهر، أو تلازمه بدلالة واضحة، فلا مجال لإنكار عدالة كثير ممن مدحوه بما يلازمها.

ونحن نذكر كثيراً من هذه الالفاظ التي جعلوها ممّا يمدح به الراوي، مع أنّه مما تثبت به عدالته علي الطريق الذي أوضحناه:

1- هذا إبراهيم بن هاشم، قالو في حقّه:«إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم» وهذه الجملة يستكشف منها حسن ظاهره في مجتمع القميين، إذ النشر متوقّف علي علمه أوّلاً، وتلقّي القمّيين عنه ثانياً، ورواية عدّة من

173

أجلّاء القمّيين عنه ثالثاً، فقد روي عنه محمد بن الحسن الصفار المتوفّس عام 290ه__ وسعدبن عبدالله بن أبي الخلف الأشعري المتوفّي عام 301 أو 299 ه__ وعبدالله بن جعفر الحميري الذي قدم الكوفة سنة تسع وتسعين ومائتين، و(محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدالمتوفّي عام 345ه_) ومحمد بن علي ابن محبوب ومحمد بن يحيي العطاروأحمد بن إسحاق القمي وعلي بن بابويه وغيرهم من الذين رووا عنه وقبلوا منه وحفظوا وكتبوا وحدّثوا بكل ما أخذوا عنه.

أو ليس كلّ هذا يلازم كون ظاهر إبراهيم ظاهراً مأموناً، وكونه معروفاً عندهم باجتناب الكبائر وأداء الفرائض، إذ لو فيه خلاف بعض ذللك لاستبان، لأنّ نشر الحديث لاينفك عن المخالطة المظهرة لكّل خيروسوء، ولو كان فيه بعضّ ذلك لم يجتمع هؤلاء الأعاظم علي التلقّي منه، والتحدّث عنه فهذه العبارة مع هذه القرائن تفيد العدالة عي الطريق الذي أوضحناه.

أضف إلي ذلك: أنه كان يعيش في عهد أحمدبن محمد بن عيسي رئيس المقمّيين في وقته، وهو الذي أخرج أحمدبن محمد بن خالد من قم لروايته عن الضعفاء، أوليست هذه القرائن لمنزلة قول النجاشي«ثقة» أو«عدل» أو«ضابط»، وبذلك يظهر أنّ قولهم حسنة إبراهيم بن هاشم أو صحيحته، لا وجه له بل المتعيّن هو الثاني.

نري أنّ الرجاليّين يعدّون الالفاظ التالية من المدائح مع أنّها تدلّ بوضوح علي حسن الظاهر الكاشف عن الملكة فلا حظ قولهم :صالح، زاهد، خيّر، ديّن، فقيه أصحا بنا، شيخ جليل،أومقّدم أصحابنا،أومايقرب من ذلك فهل تجد من نفسك إطلاق هذه الألفاظ علي غير من

174

اتّصف بحسن الظاهر ؟ كلّا، وكيف يكون الرجل صالحاً و يعّد من الصلحاءإذا تجاهرببعض المعاصي مع أنّه سبحانه يستعمل الصالح في الطبقة العليا من الناس، قال سبحانه :

«فاولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصّدّيقين والشهداء والصّالحين وحسن اولئك رفيقاً»(النساء/69)

وقال سبحانه:

«وسيّداً وحصوراً ونبيّاً من الصّالحين»(آل عمران/39). ولأجل ذلك قال الشهيد في شرح الدراية بعد عدّ الوصف بالزهد والعلم والصلاح من أصحاب المدح ما لفظه:«مع احتمال دلالة الصلاح علي العدالة وزيادة».

وكيف يجتمع الزهد الحقيقي مع الفسق في الظاهر، هل يصحّ لعالم رجالي توصيف الرجل بأنّه شيخ جليل أو فقيه أصحابنا، أو وجههم، أوعينهم، مع أنّه لم يكن عند الوصف متّصفاً بحسن الظاهر؟ وإذاضمّ إلي حسن الظاهر الذي تكشف عنه هذه العبارات عدم طعن أحد فيه بشيء أو وصف بأنّه صاحب «أصل» أو«كتاب» ثمّ ذكروا طرقهم إليه، يكون الرجل حسب هذه القرائن آخذاً بمجاميع الحسن في الظاهر، الكاشف عن حسن السرائر.

3-إنّا لانجد القدماء فرّقوا في مقام العمل وفي موارد الترجيح عند التعارض بين من قيل في حقّه بعض تلك المدائح وبين من وثّقوة صريحاً، ولم نرمورداً قدّموا الصحيح باصطلاح المتأخّرين علي حسنهم عند التعارض، مع تقديمهم إياّه علي الموثّق والضعيف، فهذا الشيخ يطعن في التهذيب والإستبصار عند التعارض بأنّ فيه فلاناً وهو عامّي أوفطحي أو واقفي أو

175

ضعيف، ولم نجده طعن فيه بأنّ فيه فلاناً الممدوح، وهذا يثبت أنّ الممدوح عند القدماء يقرب من العادل، وأنّهما من صنف واحد، وأنّ توصيف بعضهم بالوثوقة وآخر بالصلاح والزهد أو الديانة أوغيرها تفنّن في العبارة.

4-إنّا نري كثيراً من الأصحاب مشهورترين بالعدالة والوثاقة مع أنّه لم يرد في حقّهم إلّا المدائح الواضحة الملازمة لحسن الظاهر، الكاشف عن ملكة الإجتناب، وإليك نزراً يسيراً منهم:

أ-هذا هو النجاشي يعرّف زرارة بن أعين بقوله: شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم وكان قارئاً، فقيهاً، متكلّماً، شاعراً، أديباً، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين، صادقاً في ما يرويه(1).

ب-وقال في ترجمة أبان بن تغلب: عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي علي ابن الحسين وأباجعفر وأبا عبدالله (ع)روي عنهم له عندهم منزلة وقدم(2).

ج-وقال في ترجمة بريد بن معاوية ما هذا لفظة: وجه من وجوه أصحابنا وفقيه أيضاً، له محلّ عند الأئمة(3).

د-وقال في ترجمة البزنطي: لقي الرضا وأبا جعفر(ع)، وكان عظيم المنزلة عندهما(4).

ه_- وعرّف ثعبلة أبا إسحاق النحوي بقوله: كان وجهاً في أصحابنا،

----------

1- النجاشي: الرجال: 1/397 برقم 461.

2- النجاشي: الرجال: 1/73 برقم 6.

3- النجاشي: الرجال: 1/281 برقم 285.

4- النجاشي: الرجال: 1/202 برقم 178.

176

قارئاً، فقيهاً، نحويّاً، لغويّاً، راوية، وكان حسن العمل، كثيرالعبادةوالزهد(1).

و- عرّف أحمدبن محمّدبن عيسي بقوله: شيخ القمّيين ووجههم وفقيههم(2).

ز- وعرّف شيخة الحسين بن عبيدالله بن الغضائري بقوله: شيخنا رحمةالله(3).

ح- كماعرّف أبويعلي الجعفري خليفة الشيخ المفيدبقوله: متكلّم فقيه(4).

ط- كما اكتفي في ترجمة الحسين بن سعيد بذكركتبه(5).

ي- كما عرّف الرجاليّون موسي بن الحسن بن محمّدالمعروف بابن كبرياء بقولهم: كان مفوّهاً، عالماً، متديّناً، حسن الإ عتقاد ومع حسن معرفته بعلم النجوم، حسن العبادة والدين (6) فهذه الألفاظ الدالّة علي المدائح إن لم تدلّ علي حسن ظاهرالشخص، فهو كإنكار البديهي ومع الدلالة تثبت العدالة ثمّ إن بعض المحققين من الرجاليين قدنبّه علي هذه النكتة قبل صاحب المستدرك فمنهم: السيّد الأجلّ بحرالعلوم، قا ل في ترجمة إبراهيم.

----------

1- النجاشي: الرجال: 1/294 برقم 300.

2- النجاشي: الرجال: 1/216 برقم 196.

3- النجاشي: الرجال: 1/190 برقم 164.

4- النجاشي: الرجال: 2/333 برقم 1071.

5- النجاشي: الرجال: 1/171 برقم 135.

6- النجاشي: الرجال: 2/338 برقم 1081.

177

ابن هاشم:«فلأنّ التحقيق أنّ (الحسن) يشارك (الصحيح) في أصل العدالة، وإنّما يخالفه في الكاشف عنها، فإنّه في الصحيح هو التوثيق أو ما يستلزمه بخلاف الحسن فإنّ الكاشف فيه هو حسن الظاهر المكتفي به في ثبوت العدالة علي أصحّ الأقوال، وبهذا يزول الإشكال في القول بحجّية الحسن مع القول باشتراط عدالة الراوي كما هو المعروف بين الأصحاب»(1).

وممّن نبّه علي هذه النكتة السيّد المحقّق الكاظمي في شرح العدّة فقال - بعد ذكر تلك الألفاظ -:وكذلك قولهم من«خواصّ الشيعة» كما قال أبوجعفر(ع) لحمدان الحضيني - أخي محمّد بن إبراهيم الحضيني -:رحم الله أخاك - يعني محمّد- فإنّه من خصّيصي شيعتي. ومن اكتفي في العدالة بحسن الظاهر- ولوتعريفها - هان عليه الخطب(2).

وقال أيضاً:

«وعلي ما ذكر(دلالة كثير من المدائح علي حسن الظاهرالكاشف عن العدالة) يمكن دعوي اتّحاد اصطلاح القدماء مع المتأخّرين في الصحيح، أو أعمّيّة الأوّل من جهة دخول الموثّق فيه».

ومن جميع ذلك ظهرأنّه لايجوزللمستنبط الإتّكال علي تصحيح الغير وتحسينه وتضعيفه، بل الواجب عليه النظر والتأمّل في ألفاظ المدح المذكورة في التراجم، والنظر في مداليلها، وما تكتنفها من القرائن حتي

----------

1- بحر العلوم: الرجال: 1/460.

2- النوري: المستدرك: 3/775، روي الكشي عن حمدان الحضيني قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ أخي مات. فقال: رحم الله أخاك فإنّه كان من خصيصي شيعتي. الكشي: الرجال/471 برقم 446.

178

يستكشف منها حسن الظاهر الكاشف عن الملكة فيصير الممدوح المصطلح ثقة، والخبرالحسن صحيحاً، وكيف يجوز الإعتماد علي المداليل حتي آل أمرهم في بعضها إلي الحكم بطرفي الضدّ، كقول بعضهم في قولهم«لابأس به»: إنّه توثيق، وآخر: إنّه لايفيد المدح أيضاً، وقال بعضهم: إنّ في نفي البأس بأساً... وغير ذلك.

رواية الأجلّاء عن الراوي المجهول:

هذا كلّه في الشهادة القوليّة والألفاظ المعودة المذكورة في التراجم، وأمّا الشهادة الفعليّة واستظهارحسن الظاهر، بل الوثاقة ابتداء منها نظيرالوثوق بعدالة الراوي الإمام، من جهة صلاة العدول معه، فأحسنها وأتقنها وأجلّها فائدة في المقام رواية الأجلّاء عن أحد، فإنّ التتّبع والاستقراء في حال المشايخ يشهد بأنّ روايتهم عن أحد، واجتماعهم في الأخذ عنه، قرينة علي وثاقته، وما كانوا يحتمعون علي الرواية إلّا عمّن كان مثلهم، وإن روي أحدهم عن ضعيف في مقام شهّروا به وصرّحوا باسمه، ورموه بنبال الضعف، وربّما وثّقوه،ثم يقولون: إنّه يروي عن الضعفاء، بحيث يستفاد منه أنّ الطريقة علي خلافه، فيحتاج النادرإلي التنبيه، فإذا كثرت الرواية من الأجلّة الثقات عن أحد، فدلالتها علي الوثاقة واضحة، ولنذكربعض الشواهد من كلماتهم:

هذا هو النجاشي يذكر في ترجمة عبدالله بن سنان بعد ذكركتبه: إنّه روي هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمه في الطائفة وثقته

179

وجلالته(1).

وهذه العبارة تشير إلي إكثارالرواية، وكثرة النقل عن شخص ممّا يدلّ علي الوثاقة.

وقال الكشي في ترجمة محمّد بن سنان: قد روي عنه الفضل بن شاذان، وأبوه، ويونس، ومحمّدبن عيسي العبيدي، ومحمّدبن الحسين بن أبي الخطاب، والحسن والحسين ابناسعيد الأهوازيّان، وأيّوب بن نوح وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم (2).

وهذانصّ في أنّ رواية الأجلاء عن أحد تنافي القدح فيه. إذ الكشّي إنّما ذكر هذه العبارة في مقام الدفاع عن محمد بتن سنان حيث طعنوا فيه وقدحوه، فدافع عنه برواية العدول من أهل العلم عنه، وهذا يعرب عن أنّ رواية العدول لا تجتمع إلّا مع كون الرجل ثقة.

ولأجل أنّ رواية الثقاة لا تجتمع مع القدح في الراوي، ذكر النجاشي في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسي، قال أحمدبن الحسين[ ابن الغضائري]، كان يضع الحديث وضعاً، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضاً قاسد المذهب والرواية ولا أدري كيف روي عنه شيخنا النبيل الثقة: أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة: أبوغالب الزراري، وليس هذا موضع ذكره(3).

قال صاحب المعالم في منتقي الجمان: ولو لا وقوع الرواية من بعض

----------

1- النجاشي: الرجال: 2/8 برقم 556.

2- الكشّي: الرجال ص 428.

3- النجاشي: الرجال: 1/302 برقم 311.

180

الأجلّاء عمّن هومشهور بالضعف، لكان الاعتبار يقتضي عدّ رواية من هو مشهور ومعروف بالثقة والفضل وجلالة القدر عمّن هو مجهول الجال ظاهراً، من جملظ القرائن القوّية علي انتفاء الفسق عنه(1).

وقد اعتذر المحدّث النوري عمّا ذكره صاحب المنتقي بقوله:«إنّ رواية الجليل عن المشهور بالضعف المقدوح بالكذب و الموضع و التدليس ممّا ينافي الوثاقة، نادرة جداً، وهي لا توجب الوهن في الأمارة المستخرجة من سيرتهم وعملهم»(2).

ولعلّه لأجل ذلك يكثر البرقي في رجاله في حقّ المجاهيل بقوله: روي عنه فلان- يعني أحد الأجلّاء- و لا داعي له إلّا بيان اعتباره و الإعتماد عليه برواية الجليل عنه.

ثمّ إ«ّه من المعلوم أنّ أحمدبن عيسي رئيس القمّيين أخرج الشيخ الجليل أحمدبن محمد بن خالد البرقي من قم لروايته عن الضعفاء(3).

وترك الرواية عن سهل بن زياد لاتّهامه بالغلو(4) ولم يرو عن الحسن بن محبوب لأجل اتّهامه بالرواية عن أبي حمزة الثمالي أو ابن أبي حمزة(5).

أتري أنّ مثل هذا الشيه وأضرابه يروون عن غير الثقة؟ وهذه سيرتهم مع الأجلّاء الذين رموا بالنقل عن الضعيف فكيف غيرهم.

----------

1- الحسن بن زين الدين: منتقي الجمان: 1/36 في الفائدة التاسعة.

2- النوري المستدرك: 3 الفائدة التاسعة: ص 776.

3- الخلاصة: ص 14، و في النجاشي: 1/417 برقم 488 إنّه أخرج سهل بن زياد من قم.

4- النجاشي: الرجال: 1/417 برقم 488.

5- النجاشي: الرجال: 1/217 برقم 196، و في الأخير «إبن أبي حمزة» و لذلك أثبتنا في المتن كلا الاحتمالين. نقله عن الكشي.

181

وقال النجاشي- في ترجمة جعفر بن بشيرالبجلي الوشاء-: إنّه من زهّاد أصحابنا وعبّادهم ونساكهم، وكان ثقة وله مسجد بالكوفة- إلي أن قال-: كان أبو العباس بن نوح يقول: كان يلقّب ب_«فقحة العلم»(1) روي عن الثقات ورووا عنه، فإنّ هذه العبارة مشعرة بما نتبنّاه(2).

ولأجل أنّ الرواية عن الضعفاء من أعظم المطاعن عندهم نري أنّ النجاشي يذكر في حقّ عبدالله بن سنان قوله: ثقة من أصحابنا جليل لا يطعن عليه في شيء(3).

ويقول في حقّ أحمدبن محمد(أبي عليي الجرجاني): كان ثقة في حديثه ورعاً لا يطعن عليه(4).

ويقول في حقّ علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين: كان ورعاًثقة فقيهاً لا يطعن عليه في شيء(5).

وهذه العبارات تقيد أنّ أصحاب هذه التراجم كانوا براء من الرواية عن الضعفاء لأنّ الرواية عنهم من أعظم المطاعن، ودليل قولهم في حقّ المترجم: صحيح الحديث، إشارة إلي أنّه لا يروي عن الضعفاء.

وقد استظهر المحدّث النوري أنّ سيرة الرجاليّين التعرّض للمذهب: كالعامّيّة و الفطحيّة و الواقفيّة... كما أنّ سيرتهم التعرّض للرواية عن

----------

1- فقحة العلم: أي زهرة العلم.

2- النجاشي: الرجال: 1/297 برقم 302.

3- النجاشي: الرجال: 2/80 برقم 556، و في الخلاصة: ص 32 بعد هذه الكلمة لأنّه كان كثير العلم.

4- النجاشي: الرجال: 1/226 برقم 206.

5- النجاشي: الرجال: 2/86 برقم 678.

182

الضعاء، فعدم التعرّض لحال الراوي بشيء من الأمرين يفيد براءة الرجل من هذا الطعن.

ثمّ استشهد بما ذكره الشهيد في الذكري في بيان تصحيح الخبر من جهة وجود الحكم بن مسكين في طريقه وقال: إنّ«الحكم» ذكره الكشّي ولم يتعرّض له بذمّ، وظاهره أنّ بناءهم علي ذكر الطعن لو كان فيه، فعدمه يدلّ علي عدمه(1).

وقال العلّامة في الخلاصة في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة بن عبد الله(أبوعلي البجلي): عربي من أهل قم، من أهل الفضل والأدب و العلم- إلي أن قال:- ولم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل ولم يرو فيه جرح، فالأقوي قبول روايته مع سلامتها عن المعارض.

وهذده العبارة ترشد إلي أنّ الأصل- إذا لم نجد فط ترجمة الرجل ما يدلّ علي الذمّ- كونه ثقة.

وهذه إحدي الطرق لتشخيص وثاقة الراوي.

بعض المدائح الاخر التي يستفاد منها الوثاقة:

ثمّ إنّ هناك مدائح في حقّ كثير من الرواة لم يعتن بها الرجاليون ولم يتلقّوها إلّا كونها مدائح للراوي، مع أنّ دقّة النظر يرشدنا إلي أنّ كثيراً من هذه العبارات يستفادمنها العدالة والوثاقة، فإليك نماذج منها:

----------

1- النوري: المستدرك: 3، الفائدة التاسعة ص 776.

183

1- إسماعيل بن عبد الرحمان الجعفي:

إنّ الأصحاب لم يذكروه من الثقات مع أنّ المدائح الواردة في حقّه تفيد كونه منهم، وإليك ما ذكروه فيه:

قال العلّامة في الخلاصة: وكان فقيهاً، وروي عن أبي جعفر الباقر(ع)، ونقل ابن عقدة أنّ الصادق(ع) ترحّم عليه، وحكي عن أبي نمير أنّه قال: إنّه ثقة، وبالجملة فإنّ حديثه أعتمد عليه(1).

وقال النجاشي في حقّ بسطام بن الحصين بن عبد الرحمان الجعفي: كان وجهاً في أصحابنا وأبوه وعمومته، وكان أوجههم إسماعيل، وهم بيت بالكوفة من جعفي يقال لهم: بنو أبي سبرة(2).

فإنّ هذه العبارات تفيد الطمأنينة بوثاقة الرجل، فلو لم يحصل فقاهته وجاهته وترحّمه(ع) عليه وتوثيق ابن نمير إيّاه وذن كان عامّياً: الوثوق بحسن ظاهره، فما الطريق إلي تحصيله؟ ولأجل ذلك عدب في الوجيزة(3) حديثه كالصحيح.

2- إسحاق بن إبراهيم الحضيني:

قال الكشي في ترجمة الحسن بن سعيد: هو الذي أدخل إسحاق بن إبراهيم الحضيني وعلي بن ريّان بعد إسحاق إلي الرضا(ع) وكان سبب

----------

1- العلامة الحلي: الخلاصة: ص 8.

2- النجاشي: الرجال: 1/276 برقم 279.

3- المجلسي: الوجيزة كما في المستدرك: 3/777.

184

معرفتكم لهذا الأمر، ومنه سمعواالحديث وبه عرفوا، وكذالك فعل بعبدالله بن محمّدالحضيني وغيرهم حتّي جرت الخدمة علي أيديهم وصنّفوا الكتب الكثيرة (1).

روي الشيخ في التهذيب بإسناده عن علي بن مهزيار، قال :كتبت إلي أبي جعفر(ع)اععلمه أن إسحاق بن إبراهيم وقف ضيعة علي الحج وأمر ولده و ما فضل منها للفقراء ...، فكتب -عليه السلام-: فهمت يرحمك الله ما ذكرت من وصيّة إسحاق بن إبراهيم -رضي الله عنه- (2)، فإنّ ترضية الإمام عنه وحسن عمله- كوقف الضيعة- كاشف عن حسن ظاهره المفيد لوثاقته.

3- أحمد بن علي البلخي:

قال العلامة: «الرجل الصالح أجاز التلعكبري» (3) فلو لم يدل الصلاح علي حسن ظاهرة و لم تكشف سجيته بالذجازة لمثل الشيخ الجليل (التلعكبري) فبماذا يستدل عليه؟!

4-أحمد بن علي بن حسن بن شاذان القمي:

قال النجاشي: شيخنا الفقيه حسن المعرفة، صنّف كتابين لم يصنّف غيرهما: كتاب «زاد المسافر» و كتاب «الأمالي»، أخبرنا بهما ابنه أبوالحسن -رحمهما

----------

1- الكشّي: الرجال: ص 461 برقم 423.

2- الطوسي: التهذيب: 9/238 برقم 925 باب في الزيارات.

3- العلامة الحلي: الخلاصة: ص 19: برقم 35.

185

الله تعالي-.(1).

5-أحمد بن موسي المعروف ب «شاه جراغ»المدفون في شيراز يعرّفه الشيخ المفيد في إرشاده بقوله:

كان كريماً جليلاً ورعاً، وكان أبو الحسن موسي -عليه السلام- يجبه و يقدّمه، ووهب له ضعيته المعروفة باليسيرة، يقال أنّه -رضي الله عنه- أعتق ألف مملوك (2).

وهذه الأوصاف والمناقب لا تنفك عن الوثاقة فكيف تنفك عن حسن الظاهر!

وأنت إذا سبرت الكتب الرجاليّة تجد عشرات من هذه الدوصاف والمناقب في حقّ الرواة الذين لم يعدّوهم من الثقات العدول، بل حملوا علي المدح و جعلوا رواياتهم من القسم الحسن، مع أنّ الدقّة بل الإنصاف يحكم بكونهم من العدول والثقات، و بذلك تدخل كثير من الروايات الحسان في عداد الصحاح(3).

اكمال للمحقق التستري:ولإكمال البحث نأتي بما ذكره المحقق التستري في المقام، قال: إنّ قولهم فلان صاحب الإمام الفلاني مدح ظاهراً، بل هو فوق الوثاقة، فإنّ المرء علي دين خليله و صاحبه، فمن الضروري أنّ الأئمة -عليهم السلام- لا يتّخذون صاحباً لهم إلّا من كان ذا نفس قدسيّة، ويشهد بذلك أن غالب من وصف بذلك من الأجلة كمحمد بن مسلم

----------

1- النجاشي: الرجال: 1/222 برقم 202.

2- المفيد: الارشاد: ص 303 باب ذكر عدد أولاده.

3- قد اقتطفنا هذه النكات من الفائدة التاسعة للمحقق النوري، و طلبا للاطمئنان راجعنا المصادر التي أشار إليها مع ضبط رقم صفحاتها و أرقام أحاديثها.

186

وأبان بن تغلب صاحبي الباقر والصادق -عليهم السلام- ، وزكريا بن إدريس صاحب الكاظم -عليه السلام-، والبزنطي و زكريا بن آدم صاحبي الرضا -عليه السلام-، وأحمد بن محمد بن مطهر صاحب أبي محمد العسكري -عليه السلام-.

و كذلك قولهم فلان خاصيّ، فإنّ الظاهر أنّ المراد من خواصّ الشيعة لا أنّه إمامي في قبال قولهم عاميّ، فالشيخ وصف به محمد بن أحمد الصفواني الثقة الفقيه الجليل الذي باهل قاضي الموصل بين يدي ابن حمدان، فانتفخت يد القاضي لمّا قام ومات من غده.

و كذلك قول الشيخ في رجاله في كثير من عناوين (من لم يرو): فلان من أصحاب العياشي، أو من غلمان العياشي، و منها في ترجمة الكشي، و أحمد ابن يحيي بن أبي نصر الذي وثقه في الكني، دالّ علي أنّه من العلما، الذين تخرجوا علي يديه، فكان أبو عمرو الزاهد معرفاً بغلام ثعلب لأنّه كان ملازمه و مرباه، و كان عضد الدولة يقول أنا غلام أبي علي الفارسي في النحو، و غلام أبي الحسين الرازي في النجوم، و قال النجاشي في أحمد بن إسماعيل ابن عبدالله: «وكان إسماعيل بن عبدالله من غلمان أحمد بن أبي عبدالله و ممّن تأدب عليه»(1).

----------

1- محمد تقي التستري: قاموس الرجال: ص 68-69ب، الطبعة الحديثة.

187

الفصل السابع:في فرق المسلمين

الفصل السابع:في فرق المسلمين

رؤوس فرق أهل السنّة:

1- أهل الحديث

2- الخوارج

3- المرجئة

4- المعتزلة، الأصول الخمسة للمعتزلة

فرق الشيعة:

1- الكيسانيّة

2- الزيديّة (طوائف الزيديّة)

3- المغيريّة

4- المحمدية

5- الناووسيّة

6- الإسماعيليّة

7- السميطيّة

8- الفطحيّة

9- الواقفيّة

10-الخطّابيّة

11- النصريّة

12- الغلاة

13- الفرقة الحقّة الإثناعشريّة.

189

190

لقد تعرفت علي أنّ الفرق بين الموثّق والصحيح -بعد اشتراكهما في الوثاقة- إنما هو بالمذهب، فإذا كان الراوي معتقداً بالمذهب الصحيح، فالرواية صحيحة، وإلّا فلو كان ثقة معتنقاً لمذهب غير صحيح فالرواية موثقة، و هذا يلزمنا علي أن نورد الفرق الإسلامية في إطار ما جاء عنهم في الكتب الرجالية (1) حتّي يقف المحدّث علي أصحاب هذه المذاهب و عقائدها علي وجه الإجمال، وإلّا فالتفصيل في دصل الفرق و عقائدها و كتبها و أصحابها موكول إلي كتب الملل والنحل(2).

----------

1- البحث عن الفرق و المذاهب علم مستقل يتكفله علم الملل و النحل، ومن أراد التوسع في معرفتها فعليه الرجوع إلي مصادرها، غير أنّه لمّا وصف الرواة في غير واحد من الكتب الرجالية بما ينبئ عن نحلته و مذهبه، فلم نجد محيصا عن الإشارة إلي تلك المذاهب التي ورد ذكرها في ترجمة الرواة، و لأجل ذلك طوينا الصفح عن المذاهب التي لاصلة لها برواة الأحاديث.

2- و كفي القارئ في هذا المجال موسوعتنا المنتشرة باسم «بحوث في الملل و النحل».

191

رؤوس فرق دهل السنة (1):

إنّ النوبختي -و هو من أعلام القرن الثالث- ذكرأنّ جميع اصول الفرق الإسلامية أربع:

1- الشيعة.

2- المعتزلة.

3- المرجئة.

4- الخوارج(2).

و علي ضوء هذا التقسيم: فأهل السنّة عبارة عن الفرق الثلاث الأخيرة، مع أنّ أهل السنة في الأجيال المتأخرة عن عصر النوبختي لا يعترفون بذلك، بل يعدّون أنفسهم وراء الفرق الثلاث، و علي كل تقديرفنحن نأتي بفرقهم علي وجه يلائم كلمات المتأخرين المولّفين في الفرق الإسلامية كأبي الحسن الأشعري (260-324 هجري) مولف «مقالات الإسلاميين و اختلاف المصلّين»، أبي منصور البغدادي (ت429هجري) مولف «الفَرْق بين الفِرَق»، وابن حزم الظاهري الأندلسي (ت456هجري) مؤلف «الفصل»، والشهرستاني (ت548هجري) مولف «الملل والنحل» وإليك كلماتهم أجمالاً.

----------

1- إنّ أهل الحديث و السلفيين عن تسمية المعتزلة و الخوارج و المرجئة بل و الأشاعرة بأهل السنة و يخصونها بأهل الحديث فقط، ولسنا في هذا التقسيم ملتزمين باصطلاحاتهم، بل نطلقها في مقابل الشيعة الذين يرون الإمامة بعد رسول الله مقاما تنصيبيّاً، مقابل من يراها مقاما انتخابيّاً، فأصحاب هذا القول كلهم أهل السنة و لا مشاحة في الاصطلاح.

2- النوبختي-أبو محمد الحسن-: فرق الشيعة: ص 36، و ظاهره: «إنّ اصول الفرق الإسلامية -ناجية كانت أم لا-هي الأربعة» و لكن البغدادي خصّها ب «فرق أهل الأهواء» لاحظ الفرق بين الفرق: ص28.

192

1- أهل الحديث:

أهل الحديث هم الذين يعملون في الاصول و الفروع بظواهرها، ويرفضون العقل و يعدمونه في مجال العقائد والمعارف، فالأصل عندهم هو السنّة، وافق العقل أم خالف، ولأجل ذلك اغترّوا ببعض الظواهرحتي أثبتوا لله وجهاً، وعيناً، و كفّاً، وأصابع، و قدماً، ونفساً، وساقاً...! لورودها في السنّة من دون أن يمحّصوا سند الحديث ودلالته.

و قد كان أهل الحديث علي فرق مختلفة -ذكرها السيوطي في «تدريب الراوي»(1) فكانوا: بين مرجِي يري أنّ العمل ليس جزء من الإيمان، و أنّه لاتضرّ معه معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

و إلي ناصبي يتجاهر بعداء علي -عليه السلام- وأهل بيته.

وإلي متشيّع يحب علياً وأولاده، و يري الولاء فريضة نزل بها الكتاب، أو يري الفضيلة لعلي في الإمامة والخلافة.

وإلي قدري ينسب محاسن العباد و مساوئهم و معاصيهم إلي أنفسهم ولا يسند أفعالهم إلي الله سبحانه.

وإلي جهمي ينفي كل صفة عن الله سبحانه، و يعتقد بخلق القرآن وحدوثه.

وإلي خارجي ينكر علي علي أمير المؤمنين -عليه السلام- مسألة التحكيم و يتبرّأ منه و من عثمان وطلحة والزبير و عائشة و معاوية.

وإلي واقفي لا يقول في التحكيم دو في حدوث القرآن وقدمه بشيء.

----------

1- السيوطي: تدريب الراوي: 1/278 بتلخيص، و قد ذكرنا تفصيل أسمائهم في الجزء الاول من كتابنا(بحوث في الملل و النحل).

193

وإلي متقاعد يري لزوم الخرئج علي أئمة الجور و لا يباشره بنفسه.

إلي غير ذلك من ذوي الأهواء والآراء الذين قضي عليهم الدهر و قضي علي آرائهم و مذاهبهم، و عندما وصل أحمد بن حنبل إلي قمّة الإمامة في العقائد صار أهل الحديث فرقة واحدة مجتمعين تحت لوائه، و تحت الأصول التي طرحها، واستخرجها من الكتاب والسنّة.

لقد نجم بين أهل الحديث القول بالتجسيم والتشبيه، كما نجم بينهم القول بالجبر وسلب الاختيار عن الإنسان، و من أراد أن يقف علي آراء أهل الحديث فعليه الرجوع إلي المصادر التالية:

1- رسالة أحمد بن حنبل في عقائد أهل الحديث، طبعت باسم «السنّة».

2- رسالة الأشعري في عقيدة أهل الحديث، و قد جاءت الرسالة في الباب الثاني من كتاب

الإبانه، وهي تشتمل علي 51 أصلاً، و قد أدرجها في كتابه الآخر أعني «مقالات الإسلاميين» ص320-325 أيضاً.

3- ما ذكره أبوالحسين الملطي (ت377هجري) من الأصول في كتابه المعروف «التنبيه والرّد».

4- «العقيدة الطحاويّة» التي ألّفها أبوجعفر المعروف بالطحاوي المصري، و هي تشتمل علي 105 أصلاً.

2- الخوارج:

كل من خرج علي الإمام الحقّ يسمي خارجيّاً، سواء أكان الخروج في أيّام الصحابة أم كان بعدهم، و قد غلبت هذه التسمية علي الذين خرجوا علي أمير المؤمنين -عليه السلام- أثناء حرب صفّين بعد مسألة التحكيم، وأشدّهم

194

خروجاً عليه و مرقاً من الدين: الأشعث بن قيس الكندي، و مسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الصائي، حينما راواً أنّ جيش معاوية رفعوا المصاحف علي رؤوس الرماح، ودعوا عليّا -عليه السلام-: «القوم يدعوننا إلي كتاب الله، وأنت تدعونا إلي السيف!، لترجنّ عن قتالهم وإلاّ فعلنا بك مثل ما فعلنا بعثمان!» فاضطرّإلي ردّ الأشتر عن ساحة القتال بعد أن شارف جيش معاوية علي الهزيمة و لم يبق منهم إلاّ شرذمة قليلة فيهم حشاشة، فامتثل الأشتر أمره.

إنّ الخوارج حملوا الذمام علي قبول التحكيم بأن يبعث رجلاً من أصحابه و يبعث معاوية مثله من أصحابه حتّي يتحاكما إلي القرآن و يعملا بحكمه وأمره، وعندما أراد الإمام أن يبعث عبدالله بن عباس منعوه عن اختياره، وقالوا هو منك، و حملوه علي بعث أبي موسي الأشعري، فجري الأمر علي خلاف ما رضي به.

ثمّ إنّ هولاء الذين أصروا علي التحكيم، خرجوا عليه ثانياً بحجة أنّ الإمام حكّم الرجال و لا حكم إلّا لله، و هم المارقة الذين اجتمعوا بالنهروان ويقال لهم «الحرويّة».

وكبار الفرق من الخوارج عبارة عن: المحكمة، الأزارقة، النجدات، البيهسية، العجاردة، الثعالبة، الصفريّة، الإباضيّة، و قد أكل عليهم الدهروشرب وأفناهم، ولم يبق منهم إلّا الفرقة الأخيرة، و هم المعتدلة من بين فرق الخوارج، و هم -في هذه الأعوام الأخيرة- يتبرأون من تسميتهم بالخوارج، ويدّعون أنّهم ليسوا منهم وأنهم من أتباع عبدالله بن اباض.

ويجمع الفِرَق، القول بالتبري من عثمان و علي و يقدمون ذلك علي كل

195

طاعة، ولا يصحّحون المناكحات إلّا علي ذلك، و يكفّرون أصحاب الكبائر، ويرون الخروج علي الذمام إذا خالف السنّة حقّاً واجباً(1).

3- المرجئة:

الإرجاء بمعني التأخير والإمهال، قال سبحانه: (ارجه واخاه وارسل في المدائن حاشرين) (الأعراف/111). ثم غلبت هذه اللفظة علي الذين يهتمون بالنيّة والإيمان القلبي ولا يهتمون بالعمل، ويفسرون الإيمان بأنه قول بلا عمل، فكأنّهم يقدمون القول ويؤخرون العمل، فالإنسان يكون ناجياً بإيمانه و لو لم يصلّ و لم يصم، وقد اشتهرت منهم هذه الكلمة:

«لا تضرّ مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة».

فقد كانت المرجئة من أخطر الطوائف علي الامة الإسلامية، وقد نشأت بين السنّة والشيعة فكانوا يستهدفون الإباحيّة المطلقة في الأخلاق والأعمال.

هذا مجمل القول في المرجئة، والتفضيل موكول إلي محله.

4- المعتزلة:

اتّفقت أصحاب الملل والنحل علي أنّ اساس الاعتزال يرجع إلي واصل بن عطا، وكان يحضر مجلس الحسن البصري، واليك التعرّف علي الأستاذ والتلميذ.

----------

1- الشهرستاني-محمد بن عبد الكريم-: الملل و النحل: ص 114-115.

196

أما الاستاذ فهو الحسن بن يسار المكنّي أبوه بأبي الحسن من سبي ميسان (1) وانتقل هو وزوجته إلي المدينة وولد الحسن لهما بسنين بقيتا من خلافة عمربن الخطاب، و قد طعن عمربن الخطاب،يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة «23هجري» و دفن يوم الأحد صباح هلال محرم سنّة «24هجري»(2).

و علي ذلك فالحسن من مواليد أوائل عام «22هجري» أومن مواليد أواخر سنة«21هجري» وتوفّي في البصرة مستهلّ رجب سنة «110هجري»(3) و علي ذلك فقد توفي عن عمريتجاوزعن ثمانية وثمانين بعدة أشهر.

و من المظنون جدّاً أن الشبهات التي نبتت في قلوب المسلمين من الصحابة والتابعين قد نقلها هؤلاء السبايا من مواليدهم إلي دار هجرتهم، فقد كان العراق والشام ملتقي الحضارتين: الرومانيّة والفارسية، و كان العراقيّون متأثرون بالفلسفة الفارسية الزرادشتية، كما كان الشاميّون متأثرين بأفكار الرومانيّين وأصحاب الكنائس، فصارت العشرة والإختلاط بين المسلمين سبباً لطرح كثير من المسائل والشبهات التي لم يكن المسلمون الأوائل واقفين عليها، وليس من البعيد تأثر الحسن البصري أبي الحسن -أسير ميسان- في بعض المجالات(4).

----------

1- قال الياقوت في مراصد الاطلاع: ميسان كورة واسعة كثيرة القري و النخل بين البصرة و واسط، قصبتها ميسان، ففي هذه القرية قبر عزير مشهور معروف يقوم بخدمة اليهود.

2- ابن سعد: الطباقت الكبري: 2/365

3- محمد باقر الخوانساري: روضات الجنات: 2/36.

4- لاحظ في ترجمة الرجل علي وجه البسط و التفصيل كتاب حلية الأولياء: 2/131-169 لأبي نعيم الاصفهاني.

197

و أمّا التلميذ، فقد تضافرت النصوص علي أنه دخل رجل علي الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين! لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر، و الكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة (و هم وعيديّة الخوارج)، و جماعة يرجئون أصحاب الكبائر، و الكبيرة عندهم لاتضرّ الايمان، بل العمل علي مذهبهم ليس ركناً من الايمان، و يقولون: لاتضرّ مع الايمان معصية كما لاتنفع مع الكفر طاعة (وهم المرجئة)، فكيف تحكم لنا في ذلك؟

فتفكّر الحسن في ذلك، و قبل أن يجيب بجواب، قال واصل بن عطاء: أنا لاأقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلق، و لاكافر مطلق، بل منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن و لاكافر، ثم اعتزال إلي اسطوانات المسجد يقرّر ما أجاب به علي جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن، اعتزل عنّا واصل، فسمّي هو و أصحابه «معتزلة»(1).

هذا مايقوله الشهرستاني مؤلف (الملل و النحل)، و يمكن أن يكون صحيحاً، لكنّ آراء المعتزلة فيما يرجع إلي التوحيد و العدل و نفي الصفات الزائدة مأخوذة من خطب الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) و قد أثبتنا ذلك في كتابنا «بحوث في الملل» و إجمال ذلك: إنّ واصل بن عطاء كان تلميذاً لأبي هاشم بن علي؟ فقال: إذا أردت أن تعلم ذلك، فانظر إلي أثره واصل(2).

----------

1- عبد الكريم الشهرستاني: الملل و النحل: 1/48.

2- القاضي عبد الجبار: فضل الإعتزال: ص 234.

198

و أبو هاشم أخذ من أبيه المدعو محمّد بن الحنفية و هو عن علي-عليه السلام- و هؤلاء ينتمون كلّهم إلي علي-عليه السلام- و يصدرون عن رأيه و خطبه و كلمه(1).

الاصول الخمسة للمعتزلة:

الاصول الخمسة للمعتزلة:

1- التوحيد: و يراد منه إمّا نفي الصفات الزائدة عن الله تبارك و تعالي بمعني عينيّتها لها، أو نيابة الذات عن الصفات، علي الفرق المعهود بينهما.

2- العدل و نفي الجبر عنه سبحانه.

3- المنزلة بين المنزلتين: بمعني أنّ مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً و لاكافراً بل منزلة بينهما.

4- الوعد و الوعيد: بمعني لزوم العمل بالوعد و الوعيد، فلايصح له سبحانه و تعالي أن يعد العباد و لايفي، و يوعد و لايعاقب.

5- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ثم إنّ المعتزلة تشعّبت إلي فرق مختلفة، منها: الواصلية، الهذليّة، الخاطبيّة، البشريّة، المعمّريّة، المرداريّة، الثماميّة، الهشاميّة، الجاحظيّة، الخياطيِّة، الجبائيِّة، و البهشميّة(2).

إنّ هذه الطوائف التي جاء بها الشهرستاني و أضرابه إنما هي مسالك منسوبة إلي مشايخ المعتزلة، و لايصح أن تعد كل واحدة فرقة و طائفة، لأنّ الاختلاف بين المشايخ طفيف، والحق تقسيم المعتزلة إلي مدرستين:

----------

1- لاحظ مفاهيم القرآن: 4/378-381.

2- محمد بن عبدالكريم الشهرستاني: الملل و النحل: 1/46-85.

199

1- بغدادية

2- البصرية

والاختلاف بين المدرستين بعد الاشتراك في الاصول الخمسة ليس بقليل.

5-الإشعرية:

والأشاعره أصخاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري و هو من ذريّة أبي موسي الأشعري ولد عام 260هجري و توفي عام 324هجري وقيل ثلاث و ثلاثين.

كان معتزليّا تلميذاً للجبائي، ولكنّة رجع عن الذعتزال وأعلن اقتفاءه لمذهب أهل الحديث و في مقدّمتهم مذهب أحمد بن خنبل.

روي أنّه يوم الجمعة كرسيساً في جامع البصرة و نادي بأعلي صوته: من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وأنّ تراه الأبصار، وأنّ أفعال الشرّ أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع معتقد بالردّ علي المعتزلة. فخرج بفضائحهم و معايبهم(1).

وقد أعلن أبوالحسن الأشعري عقيدته في كتاب الإبانة و قال: «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي نتديّن بها: التمسّك بكتاب الله وسنّة نبيّه، و ما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ئنحن بذلك معتصمون، و بما كان عليه أحمد بن حنبل -نضّر الله وجهه و رفع درجته وأجزل مثوبته -قائلون، ولمن خالف قوله، قوله مجانبون، لأنّه الإمام الرئيس الكامل

----------

1- ابن خلكان: وفيات الأعيان: 2/447.

200

الذي أبان به الحق عند الظهور الضلال» (1).

والشيخ الأشعري وإن أبان الالتحاق بمذهب أهل الحديث ولكنّه لم يقف آثارهم في كل ما يقولون ويرون، بل اسّس منهجاً بين مذهب أهل الحديث والمعتزلة، و تصّرف في الأراء التي تضادّ العقل السليم من عقائد أهل الحديث. مثلاً كان أهل الحديث يقولون بقدم القرآن المتلوّ، و هو قال بقدم الكلام النفسي، فإشتراك معهم في قدم كلام الله ولكن فسّره بالنفس دون المقروء والمتلوّ.

وأهل الحديث كانوا يثبتون الله الصفات الخبرية بنفس معانيها، والمراد بذلك: ما أخبر عنه الوحي من أنّ الله وجهاً و عيناً و يداً فصارت النتيجة حسب عقيدتهم هي التجسيم، والشيخ الأشعري أثبتها لله سبحانه لكن متقيّداً بقوله «بلا كيف»، فاشتراك معهم في حمل الصفات الخبريّة علي الله سبحانه بمعانيها، ولكن افترق عنهم بأنّ وجه الله تعالي أو يدالله أو عين الله مجرّده عن الكيف، فليس له وجه كوجه الانسان، أو عين كعين الإنسان، وبذلك أضفي علي مذهب أهل الحديث صبغة التنزيه، ولوّنه حسب الظاهر وإن كان حسب الحقيقة ليس كذلك بل مذهبه بين الإبهام والتشبيه.

و مع ذلك فقد أثبت الرؤية لله يوم القيامة، وأقرببها في «مقالات الإسلامييّن» حيث قال: «إنّ الله سبحانه يري بالأبصاريوم القيامة كما يري القمر ليلة البدر، يراه المومنون ولا يراه الكافرون!»(2).

----------

1- الاشعري: الإبانة: ص 18- و في نسخة «و لما خالف قوله مخالفون».

2- الاشعري: الإبانة: ص 12 (طبعة الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة)، و مقالات الإسلاميين: ص322.

201

هذه هي رؤوس فرق أهل السنّة وإن كان دهل الحديث لا يعدّون المعتزلة و لا المرجئة بل حتي الأشاعرة من فرق أهل السنّة، و قد تقدّم منّا أنّ احتكار هذا الاسم لجماعة خاصّة بخس بحقوق جميع المسلمين و لا أقلّ بالنسبة إلي الفرق التي تقول في مسألة الإمامة بالانتخاب، والرجوع إلي أهل الحلّ والعقد، في مقابل الشيعة الذين يقولون بالتنصيب من الله سبحانه و تعالي، فالطائفة الاوليبجميع مسالكهم -حسب تعبيرنا- يعدّون من أهل السنّة وإن كان ذلك مرّاً في ذائقة طائفة منهم.

***

فرق الشيعة:

فرق الشيعة:

ونذكر في المقام الفرق التي وردت أسماؤها في الكتب الرجاليّة، وأما الإحاطة بجميع الفرق وعقاودهم فهي موكولة إلي كتب الملل والنحل. فنقول:

شيعة الرجل: أتباعه وأنصاره، ويقع علي الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم علي من يتولّي عليّاً وأهل بيته -عليهم السلام- حتي صار لهم اسماً خاصاً، والجمع أشياع وشيع (1).

ثمّ إنّ الشيعة قد تطلق ويراد منها هذا المعني الذي ذكره ذلك اللغوي، و قد تطلق علي من يشايع عليّاً في دينه و مذهبه، ويأخذ عنه و عن أولاده رخصهم و عزائمهم، ويري أنّه الإمام المنصوص من جانب النبي

----------

1- الفيروز آبادي: قاموس الغة: مادة «شيع».

202

الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم علي الأمة في يوم غدير خمّ وفي مواطن اخري حفظها التاريخ وذكرها المحدّثون وغيرهم (1).

والتشيّع بالمعني الأول يعّم المسلمين قاطبة ما عدا الخوارج والنواصب فإنّ المسلمين جميعاً- إلاّ من اشير إليه- يحب عليّاً وأولاده، وكيف لا يكون كذلك فإنّ مودته و مودة أهل بيت النبي من فروض الكتاب وواجباته.

قال سبحانه: (قل اسالكم عليه اجراً إلّا المؤدة في القربي)(الشوري/23).نعم تختلف درجات حبّهم وولائهم لأهل البيت حسب اختلاف معرفتهم بكمالاتهم و مقاماتهم. فمن بلغ إلي ما بلغ إليه الإمام الشافعي من المعرفة بمقاماتهم. يتهالك ويتفائي في حبهم ويقول الشافعي:

يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصل عليكم لا صلاة له(2)

المقصود من الشيعة في المقام ليس كل من يجب عليّاً وأهل بيته بل المراد من يبليع علياً بالإمامة ويري أنّه الوصي المختار للنبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم لاغير، وأن من تقدم عليه في الحكم إنما تقدم بوجه غير مشروع، فهؤلاء هم الشيعة في اصطلاح أصحاب المقامات والفرق.

و قد افترق المسلمون بعد رسول الله ثلاث فرق، وذابت إحدي الفرق وبقيت فرقتان، يقول النوبختي -من أعلام القرن الثالث- (ذلك البحاثة

----------

1- نعم شذت الجارودية من الزيدية حيث قالوا: إنّ النبي نصّ علي عليّ عليه السلام بالوصف لا بالاسم.

2- نسب هذين البيتين إلي الامام الشافعي غير واحد من الاعلام منهم: الامام الحافظ ابن حجر في صواعقه، والنبهاني في شرفه، لاحظ الفصول المهمة لشرف الدين العاملي ص229.

203

الكبيرالعارف بالفرق والمقامات) قبض رسول الله وهو ابن ثلاث وستين سنة، و كانت نبوّته صلي الله عليه وآله وسلم ثلاثاً وعشرين سنة، فافترقت الامّة ثلاث فرق:

1- فرقة منها سمِت الشيعة، و هم شيعة علي بن أبي طالب، فاتّبعوه ولم يرجعوا إلي غيره، و منهم افترقت صنوف الشيعة كلها.

2- وفرقة ادعت الإمرة و هم الأنصار، دعوا إلي عقد الأمر لسعد بن عبادة الخزرجي.

3- وفرقه مالت إلي أبي بكر بن أبي قحافة وتأوّلت فيه: أنّ النبي لم ينص علي خليفة بعينه و أنّه جعل الأمر إلي الامة تختار لنفسها من رضيت -إلي أن قال- فأول الفرق: الشيعة، و هم فرقة علي بن أبي طالب المسمّون بشيعة علي في زمان النبي و بعده، معرّفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبوذر الغفاري، وعماربن ياسر، و من وافق مودّته مودّة علي -عليه السلام- وهم أول من سمّي باسم التشيّع من هذه الامة، لأنّ اسم التشيع قديم مثل شيعة إبراهيم و موسي وعيسي والأنبياء صلوات الله عليهم اجمعين (1).

و كانت الشيعة تري عليّاً إماماً مفترض الطاعة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنه يجب علي الناس القبول منه، والأخذ عنه، ولايجوز الأخذ عن غيره، و هو الذي وضع عنده النبي صلي الله عليه وآله وسلم من العلم ما يحتاج إليه الناس من الدين والحلال والحرام و جميع منافع دينهم ونياهم و مضارّها، و جميع العلوم جليلها و دقيقها، واستودعه ذلك كله، واستحفظه إياها، ولذا استحق الإمامة و [الجلوس] مقام النبي، لعصمته وطهارة مولده وسابقته وعلمه وسخائه

----------

1- أبو محمد حسن بن موسي-النوبختي-: فرق الشيعة: ص22.

204

وزهده و عدالته في رعيّته، و أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم نصّ عليه وأشار اليه باسمه، ونسبه، و عيّنه، وقلّد الامة إمامته ونصبه لهم علماً، و عقد له عليهم إمرة المومنين، و جعله أوليالناس منهم بأنفسهم في مواطن كثيرة مثل غدير خم و غيره، وأعلمهم أنّ منزلته هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعده، فهذا دليل إمامته ...(1).

كانت الشيعة كتلة واحدة -بعد رحلت رسول اللهصلي الله عليه وآله وسلم - يشايعون عليّاً وأهل بيته إلي أن وقعت رزيّه الططف فاستشهد الإمام الطاهر الحسين بن علي -عليهما السلام- بيد الطغمة الغاشمة من بني اميّة، فقال جمهور الشيعة: بأنّ الإمام المنصوص بعد الحسين هو ولده زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين-عليهما السلام- (36-95هجري).

وقال قليل منهم: إنّ الإمام بعده هو محمد ابن الحنيفة ابن الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- و هم المعروفون بالكيسانية، وإليك التعريف بهم:

1- الكيسانيّة:

1- الكيسانيّة:

و هم القائلون بإمامة محمد بن الحنفية (2)، ولكن أصحاب المقالات يذكرون أنّ الكيسانيّة اختلفت في سبب إمامه محمد ابن الحنفيّة، فزعم بعضهم: أنه كان إماماً بعد أبيه علي بن أبي طالب -عليه السلام- واستدل علي ذلك بأنّ عليّاً -عليه السلام- دفع إليه الراية يوم الجمل، وقال له:

----------

1- النوبختي: فرق الشيعة: ص 37 لاحظ ذيل كلامه.

2- هو أبو عبدالله محمد بن علي بن أبي طالب، و امّه خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة، و قد كان محمد عالما فاضلا شجاعا، و توفي سنة 81 هجري (تهذيب التهذيب: 9/354).

205

إطعنهم طعن أبيك تحمد لا خير في الحرب إذا لم تزبد(1)

وقال آخرون منهم: إنّ المامة بعد علي -عليه السلام- كانت لابنه الحسن، ثم للحسين بعد الحسين، ثم صارت إلي محمد ابن الحنفية بعد أخيه الحسين بوصيّة أخيه الحسين إليه، حين خرج من المدينه إلي مكة حينما طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية.

ثمّ إنّ الكيسانيّة اختلفوا في إمامة محمد ابن الحنفية بوجه آخر، فقال أصحاب أبي الكرد الضرير:إنّ محمد ابن الحنفية حي لم يمت، وإنّه في جبل رضوي و عنده عين من الماء، و عين من العسل، يأخذ منها رزقه، و عن يمينه أسد، و عن يساره نمر يحفظانه من أعدائه إلي وقت خروجه، و هو المهدي المنتظر، و من القائلين بهذا القول كثير الشاعر و في ذذلك يقول:

ألا إنّ الأئمة من قريش ولاة الحقّ أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبرّ وسبط غيبته كربلاء

وسبط لايذوق الموت حتي يقود الخيل يقدمهم لواء

تغيّب لا يري فيهم زماناً برضوي عنده عسل وماء

وذهب الباقون من الكيسانية إلي الإقراربموت محمد ابن الحنفية، واختلفوا في الإمام بعده، فمنهم من زعم: أنّ الإمامة بعده رجعت إلي ابن

----------

1- لايدل هذا البيت علي مبدأ اعتقادي، و من البعيد أن تتشبّث فرقة به و تعتقد بخلافته بعد علي، مع رجوع جماهير المسلمين إلي الحسن بن علي ثم إلي الحسين، و قد كان محمد بن الحنفية أطوع الناس لأخيه حسين من طاعة الظل لذي الظل، و هذه الفرقة لم تكن لها وجود إلا في مخيلة كتّاب الفرق و المقالات.

206

أخيه علي بن الحسين زين العابدين، و منهم من قال: برجوعها بعده إلي أبي هاشم عبدالله بن محمد ابن الحنفية.

هذه هي الكيسانيّة و عقائدها، وقد ذكر الشيخ الأشعري فرقاً كثيرة لهم أنهاهم إلي إحدي عشره فرقه (1). ولا يهمّنا في المقام التفصيل.

2- الزيدية:

2- الزيدية:

و هم أتباع زيد بن علي بن الحسين (79-121هجري) الذي اتفق علماء الإسلام علي جلالته و وثاقته و ورعه وعلمه وفضله، قال شيخنا المفيد: «كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر -عليه السلام- وأفضلهم، وكان ورعاً عابداً فقيهاً سخياً شجاعاً ظهر بالسيف، يأمربالمعروف وينهي عن المنكر، ويطلب ثارات الحسين».

وقد عدّه الشيخ في رجاله تارة من أصحاب أبيه السجاد، واخري من أصحاب ال مام الباقر، وثالثة من أصحاب الإمام الصادق، وقال: مدني تابعي قتل سنة 121هجري وله 42 سنّة (2)، ولمّا بلغه قتل عمّه بكي، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب عمّي، إنّه كان نعم العمّ، إنّ عمّي كان لدنيانا وآخرتنا، مضي عمّي شهيداً كالشهداء الذين استشهدوا مع النبي و علي والحسن والحسين.

هذا موقف أئمتنا وعلمائنا مع زيد المجاهد الثائر، ولا يعتدّ بإغراء

----------

1- أبو الحسن الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 18-23 (الطبعة الثالثة)، و أبو منصور عبد القاهر البغدادي (ت429): الفرق بين الفرق: 38-39، النوبختي: فرق الشيعة: ص 41-59.

2- الطوسي: الرجال ص 89 و 122 و 195.

207

المفسدين وإرجاف المرجفين الذين يتّهمون الشيعة الإماميّة بعدم الولاء والودّ لزيد الثائر، مع أنه لم يشك أحد من علمائنا في زهده وورعه وخلوصه وجهاده ونضاله في سبيل الله، وأنّه لم تكن الغاية لديه إلاّ أخذ لحق من المتغلبين عليه وتسليمه إلي أهله، ولأجل ذلك خرج باسم الرضا من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم ، فظنّ الجهّال أنّه يريد نفسه.

و هذا ابنه يحيي بن زيد يصف أباه ويقول: إنّ أبي لم يكن بإمام ولكن كان من السادة الكرام وزهادهم، وكان من المجاهدين في سبيل الله. قال الراوي: قلت ليحيي: إنّ أباك قد ادّعي الإمامة، و خرج مجاهداً وجاء عن رسول الله في من ادعي الإمامة كاذباً، فقال: مه! إنّ أبي كان أعقل من أن يدّعي ما ليس بحقّ له، وأنما قال: أدعوا إلي الرضا من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم عني بذلك عمّي جعفراً -عليه السلام-. قال الراوي: فهو اليوم صاحب الأمر(1).

وأما شهادته فقد خرج زيد أيام هشام بن عبدالملك، وبايعه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خرج بهم علي والي العراقي، و هو يوسف بن عمر الثقفي، عامل هشام بن عبداللملك، وخذله المبايعون في الحرب، ولم يبق معه إلاّ نفرقليل، وقاتلوا جند يوسف بن عمر حتي قتلوا عن آخرهم، وقتل زيد، و دفن ليلاً ثمّ نبش قبره وصلب ثمّ احرق(2).

وقال يحيي بن زيد في رثاء أبيه زيد لمّا تل بالكوفة:

خليلي عنّي بالمدينة بلّغا بني هاشم أهل النهي والتجارب

----------

1- لاحظ في الوقوف علي مصادر هذه النصوص و غيرها مما تعرب عن موقف أئمة الشيعة تجاه قيام زيد الشهيد، تنقيح المقال: 1/467-469.

2- الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 65.

208

فحتي متي مروان يقتل منكم خيارككم والدهر جمّ العجائب

و حتي متي ترضون بالخسف منهم و كنتم اباة الخسف عند التجارب

لكلّ قتيل معشر يطلبونه وليس لزيد بالعراقين طالب

ثمّ خرج ابنه يحيي بن زيد بعده في أياّم الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فوجّه إليه نصر بن سيّار صاحب خراسان برئيس شرطته سلم بن احوز المازني فقتله.

و هذا دعبل الخزاعي يرثي يحيي بن زيد بقوله:

قبور بكوفان واخري بطيبة واخري بفخّ نالها صلواتي

واخري بأرض الجوزجان محلها واخري بباخمري لدي الغربات

ويريد بالقبور التي بأرض الجوزجان يحيي بن زيد ومن قتل معه.

ثمّ توالي الخروج بعدهما، ذكر أسماء هم الشيخ الأشعري في «مقالاته» كما ذكر للزيدية ستّ فرق، هي:

الجاروديّة، والسليمانيّة، والبتريّة، والنعيميّة، واليعقوبيّة، وفرقه سادسة ذكر عقيدتهم من دون أن يسمّيهم باسم (1).

ولمّا كان الفارق أو الفوارق بين أكثر هذه الفرق الستّ طفيفاً لا يصح أن يعدّ كل فارق مسلكاً، وأصحابه فرقة، ولأجل ذلك امتفي البغدادي بذكر فرق ثلاث، و نحن نقتفي أثره:

----------

1- الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 66-69.

أ- الجارودية:

أ- الجارودية:

أتباع أبي الجارود، و هو زيادبن المنذر، وقال النجاشي: الهمداني الخارفي الأعمي، كوفي من أصحاب أبي جعفر، وتغيّرلمّا خرج زيد(1).

وقال النوبختي: زياد بن المنذر هو الذي يسمي أبا الجارود، ولقّبه محمد بن علي الباقر -عليهما السلام-: سرحوباً، وكان أبو الجارود أعمي البصر، أعمي القلب(2).

وافترقت الجارودية فرقتين، فرقة قالت: أنّ عليّاً نصّ علي إمامة ابنه الحسن ثم نصّ الحسن علي إمامة أخيه الحسين بعده، ثم صارت الإمامة بعد الحسن والحسين شوري في أولاده احسن والحسين، فمن خرج منهم شاهراً سيفه، وداعياً إلي دينه و كان عالماً و عارفاً فهو الإمام.

وزعمت الفرقة الثانية: أن النبي نصّ علي إمامة الحسن بعد علي، وإمامة الحسين بعد الحسن.

قال أبوالحسن الأشعري: إنّ الجارودية يزعمون أنّ النبي نصّ علي علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية، فكان هو الإمام من بعده، وإنّ الناس ضلّوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم (3).

ب- السليمانية أو الجريرية:

هولاء أتباع سليمان بن جرير الزيدي الذي قال: إنّ الإمامة شوري

----------

1- النجاشي: الرجال: 1/388 برقم 446.

2- النوبختي: فرق الشيعة: ص 55

3- الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 67.

210

وأنّها تنعقد رجلين من خيار الامة، وأجاز إمامة المفضول، وأثبت إمامة أبي بكر وعمر، وزعم أنّ الأمة تركت الأصلح في البيعة لهما، لأنّ عليّاً كان اولي بالإمامة منهما إلّا أنّ بيعتهما لم يوجب كفراً ولا فسقاً، و كان سليمان ابن جرير يقدم علي عثمان و يكفره عند الأحداث التي نقمت عليه.

ج- البتريّة:

هؤلاء أتباع رجلين أحدهما الحسن بن صالح بن حيّ (100-168هجري) والآخر كثير النوّاء المقلّب بالأبتر، و قولهم كقول سليمان بن جرير في هذا الباب غير أنهم توقفوا في عثمان ولم يقدموا علي مدحه ولا علي ذمّه.

وبالجملة: أنّ البترية والسليمانية من الزيدية علي طرفي النقيض من الجارودية، لأنّ الأخيرة تكفر الخليفتين دونهما.

3-المغيريّة:

3-المغيريّة:

اتفقت جماهير الشيعة علي أ‹ّ الإمام بعد السجاد هو ابنه أبو جعفر الباقر، و بعده ولده جعفر صادق -عليهم السلام- ، وفي هذه المرحلة نشأت فرقة

----------

1- عبدالقاهر البغدادي: الفرق بين الفرق: ص 30-33، و ماذكره في حق الفرق تلخيص لما ذكره أبو الحسن الأشعري في مقالات الاسلاميين: ص 66-69، و البغدادي وضع كتابه علي أساس مقالات الإسلاميين لكن بتلخيص و تغيير في التعبير.

211

باسم المغيرية.

و هم أصحاب المغيرة بن سعيد من أصحاب الإمام الباقر -عليه السلام- يقولون: إنّ أبا جعفر-عليه السلام- أوصي إليه يأتمون به إلي أن يخرج المهدي، والمهدي عندهم هم محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضوان الله عليهم- زعموا أنه حيّ مقيم بجبال ناحية حاجر، وأنه لا يزال مقيماً هناك إلي أوان خروجه، وقد نضافرت الروايات من طرقنا في ذمّ المغيرة ابن سعيد.

روي الكشي عن أبي يحيي الواسطي، قال: لي أبو الحسن الرضا -عليه السلام- كان المغيرة بن سعيد يكذب علي أبي جعفر فأذاقه الله حرّ الحديد، وتنصّ الروايات علي أنه كان من الغلاة، فروي عبداللله بم مسكان مرسلاً عن الصادق -عليه السلام- أنه قال: لعن الله المغيرة بن سعيد إنه كان يكذب علي أبي فأذاقه الله حرّ الحديد، و لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا، ولعن الله من أزالنا عن العبوديّة لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا.

روي هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبدالله -عليه السلام- يقول: لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبيّنا، فإنا إذا حدّثنا قلنا: -عزّوجل- وقال رسول الله.

وروي هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبدالله -عليه السلام- يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكدب علي أبي، ويأخذ كتب أصحابه، و كان أصحابه -المستترون بأصحاب أبي- يأخذون الكتب من أصحاب أبي

212

فيدفعونها إلي المغيرة، فكان يدّس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلي أبي -عليه السلام- ثمّ يدفعها إلي أصحابه فيأمرهم أنّ يبثّوها في الشيعة، فكلّما كان في كتب أصحاب أبي من الغلوّ فذاك ممّا دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم(1).

وذكره الطبري في تاريخه تحت عنوان «خروج المغيرة بن سعيد في نفر» أنه خرج بظاهر الكوفة في إمارة خالد بن عبدالله القسري، فظفر به فأحرقه وأحرق أصحابه سنة 119هجري(2).

و من ذذلك يعلم أنّ الأخبار المدسوسة في كتب أصحاب الأئمة كانت راجعة إلي العقائد والمعارف لا الأحكام، و هذا يفيدنا في حجبّة خبر الواحد في المجال الفروع، وأنّ الطرف للعلم الإجمالي بالدسّ والكذب هو ما يرجع إلي مقامات الأنبياء والأئمة لا الأحكام العلمية

4- المحمدية:

4- المحمدية:

قال أبو المنصور: هؤلاء ينتظرون محمد بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ولا يصدقون بقتله ولا بموته، ويزعمون أنه في جبل حاجر من ناحية نجد، وكان المغيرة مع ضلالاته في التشبيه يقول لأصحابه: إنّ المهدي المنتظر محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن.

ثمّ إنّ إبراهيم بن عبدالله -أخو محمد- استولي علي البصرة واستولي أخوهما الثالث -وهو إدريس بن عبدالله- علي بعض بلاد المغرب، وكان

----------

1- الكشّي: الرجال: 196 برقم 103، و قد جمع المامقاني مجموع ما ورد من الذم في حق الرجل في رجاله، لاحظ: تنقيح المقال: 3/235-237.

2- أبو جعفر الطبري: التاريخ: 5/456.

213

ذلك في زمان الخليفة أبي جعفر المنصور، فبعث المنصور إلي حرب محمد بن عبدالله بعيس بن موسي في جيش كثيف، وقاتلوا محمداً بالمدينة وقتلوه في المعركة، ثم أنفذ بعيسي بن موسسي إلي حرب إبراهيم بن عبدالله فقتلوه بباخمري علي سته عشر فرسخاً من الكوفة، ومات إدريس بن عبدالله بأرض المغرب، و مات عبدالله بن الحسن والد اولئك الإخوة الثلاثة في سجن المنصور، وقبره بالقادسية، و هو مشهد معروف يزار.

فهذه الطائفة يقال لهم: المحمدية لانتظارهم محمد بن عبدالله بن الحسن(1).

وفيهم يقول أبوالحسن الأشعري: إنّ من الرافضة من يقول: إنّ الإمام بعد أبي جعفر، محمد بن عبدالله بن الحسن الخارج بالمدينة، وزعموا أنّه المهدي(2) ويظهر نمن العلّامة في الخلاصة: أنّ المغيرة بن سعيد كان يدعوا إلي محمد بن عبدالله بن الحسن في أول أمره(3).

أقول: عدّ الشيخ -في رجاله- محمد بن عبدالله من أصحاب الصادق -عليه السلام-، قتل سنة 145هجري بالمدينة و هو الملقب ب : النفس الزكيّة، وأما عبدالله بن الحسن فعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق -عليه السلام-، وعدّه ابن داوود من أصحاب الباقر والصادق-عليهما السلام-. وفي عمدة الطالب: إنّ عبدالله هذا هو المحض(4)، وهؤلاء من أهل بيت النبّوة ثاروا علي المتغلّبين علي الحقّ و قد كثرت القالة في حقّهم، وأنّهم ادعوا الإمامة والقيادة، لكن

----------

1- البغدادي: الفرق بين الفرق: ص 57-58.

2- الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 30.

3- العلامة الحلي: الخلاصة ص 261 القسم الثاني الباب الثامن عشر برقم 9.

4- جمال الدين بن مهنّا: عمدة الطالب: ص 101.

214

القضاء القطعي يحتاج إلي استقصاء وافٍ و هو خارج عن موضوع البحث.

5- الناووسية:

5- الناووسية:

و هم اتباع رجل من أهل البصرة يقال له فلان بن فلان الناووس، و هم يعتقدون بإمامة جعفرالصادق -عليه السلام- غير أنهم زعموا أنّه لم يمت وأنه المهدي، ورووا عنه -عليه السلام- أنه قال: إن جاءكم من يخبركم عنّي أنه غسّلني وكفنّني فلا تصدقوه فإني صاحبكم صاحب السيف (1).

وقال الأشعري: إنّ هؤلاء يعتقدون أنّ جعفر بن محمد حيّ لم يمت ولا يموت حتي يظهره أمره، و هو القائم المهدي، . هذه الفرقة تسمي الناووسية، لقّبوا يرئيس لهم يقال له عجلان بن ناووس من أهل البصرة(2).

ويظهر من مؤلف «الحور العين» أنّهم نسبوا ذلي قريّة ناووس(3).

إنّ جماهير الشيعة قالوا بأنّ الإمام بعد جعفر الصادق هو ابنه موسي الكاظم -عليه السلام- غير أنه في تلك المرحلة تكونت عدّة فرق في موضوع الإمامة بعد الإمام الصادق، وإليك الإشارة إليها:

6-الإسماعيلية:

6-الإسماعيلية:

قالت الإسماعيلية بأنّ الإمام بعد جعفر الصادق -عليه السلام- هو ابنه إسماعيل، وافترق هؤلاء فرقتين: فرقة منتظرة لإسماعيل بن جعفر مع اتفاق

----------

1- النوبختي: فرق الشيعة: ص 67.

2- البغدادي: الفرق بين الفرق: ص 61، و الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 25.

3- سعيد بن نشوان الحميري: الحور العين ص 162، و لاحظ المامقاني: مقباس الهداية: ص141.

215

أصحاب التواريخ علي موت إسماعيل في حياة أبيه.

قال النوبختي: «الإسماعيلية»: فرقة زعمت أنّ الإمام بعد جعفر بن محمد، ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه وقالوا: كان ذلك علي جهة التلبيس من أبيه علي الناس لأنه خاف [عليه] فغيبه عنهم، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتي يملك الأرض ويقوم بأمر الناس، وأنه هو القائم، لأنّ أباه أشاراليه بالإمامة بعده وقلّد ذلك له، وأخبرهم أنّه صاحبه، والإمام لا يقول إلاّ الحقّ، فلمّا ظهر موته علمنا أنه قد صدق، وأنه القائم، وأنه لم يمت، و هذه الفرقة هي: الإسماعيلية الخالصة (1).

وفرقة قالت: كان الإمام بعد جعفر حفيده محمد بن إسماعيل بن جعفر، حيث إنّ جعفراً نصّب ابنه إسماعيل للإمامة بعده، فلمّا مات إسماعيل في حياة أبيه علمنا أنه إنما نصّبابنه إسماعيل للدلالة علي إمامة ابنه محمد بن إسماعيل، وإلي هذا القول مالت الباطنية من الإسماعيليّة(2) و هو القرامطة.

7- السميطية:

7- السميطية:

و هم القائلون: أنّ الإمام بعد جعفر، محمد بن جعفر ثم هي في ولده من بعده، و هم السميطية، نسبوا إلي لهم يقال له: يحيي بن أبي سميط(3).

----------

1- النوبختي: فرق الشيعة: ص 68.

2- البغدادي: الفرق بين الفرق: ص 62-63، و الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 26-27 و أضاف أنّ هذا الصنف يدعون المباركية.

3- الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 27، و البغدادي: الفرق بين الفرق: ص 61، و المامقاني: مقباس الهداية: ص141.

8- الفطحيّة:

8- الفطحيّة:

و هم القائلون بإمامة الأيمة الإثني عشر مع عبدالله بن الأفطح بن الصادق -عليه السلام- يدخلونه بين أبيه وإخيه (الإمام الكاظم)، و عن الشهيد -رحمه الله-: إنهم يدخلونهم بين الكاظم والرضا -عليهما السلام- ، وقد كان أفطح الرأس، وقيل أفطح الرجلين، وإنما دخلت عليهم الشبهة لما رووا عن الإئمة: الإمامة في الأكبر من ولد الإمام، ثمّ منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنوه بمسائل من الحلال والحرام و لم يكن عنده جواب، ولما ظهرت منه الأشياء التي لا تنبغي أن تظهر من الإمام، ثم أنّ عبدالله مات بعد ابيه بسبعين يوماً، فرجع الباقون -الشذاذ منهم- عن القول بإمامته إلي القول بإمامة أبي الحسن موسي -عليه السلام- وبقي شذّاذ منهم علي القول بإمامته، و بعد أن مات قالوا بإمامة أبي الحسن موسي -عليه السلام- (1).

وقد أسماهم أبوالحسن الأشعري ب: العماريّة وقال: وأصحاب هذه المقالة منسوبون إلي زعيم منهم يسمي: عماراً (2)، ولعلّ المراد منه هو: عمار بن موسي الساباطي من رؤساء الفطحية. قال الشيخ الطوسي: عمار بن موسي الساباطي و كان فطحياً له كتاب كبير جيّد معتمد(3).

9- الواقفية:

9- الواقفية:

و هم الذين وقفوا علي الإمام الكاظم-عليه السلام- وربما يطلق عليهم

----------

1- النوبختي: فرق الشيعة: ص 88-89.

2- عبدالله المامقاني: مقباس الهداية: ص 141.

3- الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 28، عبدالله المامقاني: تنقيح المقال: 2/319.

217

«الممطورة»، وإنما وقفوا علي الكاظم بزعم أنه القائم المنتظر.

قال النوبختي: إنّ وجوه أصحاب أبي عبدالله ثبتوا علي إمامة موسي ابن جعفر -عليهما السلام-، حتي رجعإلي مقالاتهم عامة من كان يقول بإمامة عبدالله بن جعفر (الفطحية)، فاجتمعوا جميعاً علي إمامة موسي بن جعفر، ثم إنّ جماعة من المومنين بموسي ين جعفر بعد مامات في حبس الرشيد صاروا خمس فرق، فمن قال مات ورفعه الله ذليه وأنّه يردّه عند قيامة، فسموا هولاء: الواقفية(1).

وقد كان بدء الواقفة انه اجتمع عند بعض الشيعة ثلاثون ألف دينار زكاة أموالهم و ما كان يجب عليهم فيها، فحملّوها إلي وكيلين لموسي الكاظم -عليه السلام- أحدهما: حيّان السراج وآخر كان معه، وكان موسي الكاظم -عليه السلام- في الحبس، فاتخذوا بذلك دوراً وعقاراً واشتروا الغلات، فلما مات موسي وانتهي الخبر إليهما أنكراً موته، وأذاعا في الشيعة أنه لا يموت لأنه القائم، فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة، وانتشر قولهما في الناس، حتي كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلي ورثة موسي الكاظم -عليه السلام-، واستبان للشيعة أنهما قالا ذلك حرصاً علي المال(2).

وقال الأشعري: هذا الصنف يدعون الواقفة لأنهم وقفوا علي موسي ابن جعفر ولم يجاوزوه إلي غيره، وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعوهم بالممطورة، وذلك أن رجلاً منهم ناظر يونس بن عبدالرحمان فقال له يونس: أنتم أهون علي من الكلاب الممطورة، فلزمهم هذا النبز. وربما يطلق عليهم:

----------

1- النوبختي: فرق الشيعة: ص 89-91.

2- الكشّي: الرجال: 390 برقم 329.

218

الموسويّة(1).

10- الخطابية:

10- الخطابية:

و هم أتباع محمد بن مقطاص، أبو زينب الأسدي الكوفي يكنّي أبا إسماعيل، وأبا ظبيان، وأبا الخطّاب، كان من أصحاب الصادق -عليه السلام- مستقيماً في أمره، ثم ادعي القبائح و ما يستوجب الطرد واللعن من دعوي النبوة وغيرها، واجتمع معه بعض الأشقياء، فاطّلح الناس علي مقالاتهم فقتلوه مع تابعيه، والخطابية منسوبون إليه، وقد ورد الذم في حقه كثيراً.

روي الكشي عن ذبراهيم بن أبي اسامة، قال: رجل لأبي عبدالله -عليه السلام- اوخر المغرب حتي تستبين النجوم؟ فقال: خطابية؟! إنّ جبرئيل أنزلها علي رسول الله حين سقط القرص(2).

قال الشهرستاني: إنّ أبا الخطاب عزي نفسه إلي أبي عبدالله جعفربن محمد الصادق -عليه السلام- ، ولما وقف الصادق علي غلوّه الباطل في حقه تبرا منه ولعنه وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدّد القول في ذلك، وبالغ في التبري منه واللعن عليه، فلمّا اعتزل عنه ادّعي الإمامة لنفسه(3). ثم ذكر قسماً من آرائه الفاسدة والفرق المنتمية إليه.

----------

1- الأشعري: مقالات الاسلاميين: ص 28-29، و البغدادي: الفرق بين الفرق: ص 63.

2- الكشّي: الرجال: ص 246 برقم 135، المامقاني: تنقيح المقال: 3/189، برقم 11393، و قد جمع الروايات الواردة في ذمّه في كتابه.

3- الشهرستاني: الملل و النحل: 1/179-181

219

11- النصيرية:

11- النصيرية:

و هم أصحاب محمد بن نصير الفهري -لعنه الله-، كان يعتقد بربوبية علي بن محمد العسكري -عليه السلام- وأباح المحارم.

و عن الكشي: إنهم قالوا بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري، لكن المعروف عند الشيعة إطلاق النصيري علي من قال بربوبية علي -عليه السلام- .

12- الغلاة:

12- الغلاة:

و هم الذين غالوا في حق النبي وآله وأخرجوهم من حدود الخليقة، والمغيرية، والخطابية، والنصيرية من هذا الصنف، ثم إنّ لهم أصنافاً اخري قد أكل عليهم الدهر وشرب، وقد ذكر الشهرستاني أسماءهم وعقائدهم (1) و منهم:

المفوضة:

و هم من أصناف الغلاة، وللتفويض معان، و عليه فللموضة أصناف ذكرنا تفصيلها في كتاب «كليّات في علم الرجال» فراجعه(2).

***

هذه فرق الشيعة التي ذكرها أصحاب المقالات والفرق، وقد انقرضت أكثرها وبادت وتشتتت آراؤها وطويت في سجل الزمان، وصارت في خبر

----------

1- الشهرستاني: الملل و النحل: 1/174-190.

2- جعفر السبحاني: كليات في علم الرجال: ص 419.

220

كان، ولم يبق منها إلا ثلاث: الإمامية، والزيدية، والإسماعيلية.

فعلي تقدير وجود شيء من هذه الفرق، فالشيعة الإمامية الإثنا عشرية التي تمثل الشيعة بتمام معني الكلمة، تكفّر كثيراً من هذه الفرق وترد آراء الباقين، فلا يصح أخذ الشيعة الإمامية بآراء غيرهم، فمن الجناية علي العلم والدين شنّ الغارة علي الشيعة الإمامية بآراء سائرالفرق خصوصاً الهالكة والبائدة التي لم يبق منها أثر ولا تبع، فكأنّ الشيعة تترنم بقول الشاعر:

غيري جني وأنا المعاقب فيكم فكأنني سبابة المتندم

علي أنّ السابر في تاريخ الملل والنحل ربما يتردد فيي وجود أتبع لبعض هذه الإسماء، ولعل أتباع بعض هذه الفرق لم يتجاوز عدد الأصابع، و لم تكن لبعضهم دولة إلا بضع ليال وأيام، فغاب نجمهم المنحوس، ولكن أصحاب المقالات كبروها ودضفوا عليها صبغة فرق مستقلة كانت لهم دعاة وأتباع في الأجيال والأزمان.

221

فلا غِنى لوجود ممكنٍ - سواء كان مادّياً أم مجرّداً - عن العلّة الفاعليّة. فمَنْ رام قَصْرَ العِلَل في العلّة المادّيّة ونفي العلّة الفاعليّة فقد رام إثباتَ فعلٍ لا فاعل له، فاستسمَن ذاورمٍ.

الفصل السابع في أقسام العلّة الفاعليّة

الفصل السابع في أقسام العلّة الفاعليّة

ذكروا للفاعل أقساماً، أنهاها بعضهم إلى ثمانية. ووجه ضَبْطِها على ما ذكروا أنّ الفاعل إمّا أن يكون له عِلْمٌ بفعله ذو دَخلٍ في الفعل أو لا، والثاني إمّا أن يلائم فعلُه طبعه وهو «الفاعل بالطبع» أو لا يلائم فعله طبعه وهو «الفاعل بالقسر». والأوّل - أعني الذي له عِلمٌ بفعله ذو دَخلٍ فيه - إمّا أن لا يكون فعله بإرادته وهو «الفاعل بالجبر»، أو يكون فعله بإرادته، وحينئذ إمّا أن يكون علمه بفعله في مرتبة فعله بل عين فعله وهو «الفاعل بالرضا»، وإمّا أن يكون علمه بفعله قبل فعله؛ وحينئذٍ إمّا أن يكون علمه بفعله مقروناً بداع زائد على ذاته وهو «الفاعل بالقصد»، وإمّا أن لا يكون مقروناً بداع زائد بل يكون نفس العلم منشأ لصدور المعلول، وحينئذٍ فإمّا أن يكون علمه زائداً على ذاته وهو«الفاعل بالعناية»، أو غير زائد وهو «الفاعل بالتجلّي»، والفاعل - كيف فرض - إن كان هو وفعله المنسوب إليه فعلاً لفاعل آخر كان «فاعلاً بالتسخير».

فللعلّة الفاعليّة ثمانية أقسام:

الأوّل: الفاعل بالطبع، وهو الذي لا عِلْمَ له بفعله مع كون الفعل ملائماً لطبعه،

222

كالنفس في مرتبة القوى الطبيعيّة البدنيّة، فهي تفعل أفعالها بالطبع.

الثاني: الفاعل بالقسر، وهو الذي لا عِلْمَ له بفعله ولا فعله ملائمٌ لطبعه، كالنفس في مرتبة القوى الطبيعيّة البدنيّة عند انحرافها لمرض، فإنّ الأفعال عندئذٍ تنحرف عن مجرى الصحّة لعواملٍ قاسرة.

الثالث: الفاعل بالجبر، وهو الذي له علم بفعله وليس بإرادته، كالإنسان يُكْرَه على فعل ما لايريده.

الرابع: الفاعل بالرّضا، وهو الذي له إرادةٌ لفعله عن علمٍ، وعلمُهُ التفصيليّ بفعله عينُ فعله، وليس له قبل الفعل إلّا علمٌ إجماليٌّ به بعلمه بذاته المستتبع لعلمه الإجماليّ بمعلوله، كالإنسان يفعل الصور الخياليّة وعلمه التفصيليّ بها عينُ تلك الصور وله قبلها علمٌ إجماليٌّ بها لعلمه بذاته الفعّالة لها، وكفاعليّة الواجب (تعالى) للأشياء عند الإشراقيّين.

الخامس: الفاعل بالقصد، وهو الذي له علمٌ وإرادة، وعلمُه بفعله تفصيليٌّ قبل الفعل بداع زائد، كالإنسان في أفعاله الإختياريّة، وكالواجب عند جمهور المتكلّمين.

السادس: الفاعل بالعناية، وهو الذي له علمٌ سابقٌ على الفعل، زائد على ذاته، نفسُ الصورة العلميّة منشأ لصدور الفعل من غير داع زائد، كالإنسان الواقع على جذع عالٍ، فإنّه بمجرّد توهّم السقوط يسقط على الأرض، وكلواجب (تعالى ) في إيجاده الأشياء عند المشّائين.

الفصل الثامن: في كيفية تحمل الحديث وطرق نقله

الفصل الثامن: في كيفية تحمل الحديث وطرق نقله

1- السماع من الشيخ.

2- القراءة علي الشيخ.

3- الإجازة مشافهة وكتابة.

4- المناولة.

5- الكتابة.

6- الإعلام.

7- الإيصاء.

8- الوجادة.

أقسام الكتب الروائية:

1- الجامع.

2- المسند.

3- المعجم.

4- المستدرك.

5- المستخرج.

6- الجزء.

الكتب الحديثية لدي أهل السنة والشيعة،ألقاب المحدثين كالمسند، والمحدّث، والحافظ، والحاكم.

استجازة المؤلف من مشايخه و نقل إجازة شيخه العلامة الطهراني.

224

لا بدّ لراوي الحديث من مستند يصح من جهة رواية الحديث، فهو دما أن يروي عن المعصوم -مباشرة- قوله أو فعله أو تقديره، فلا كلام فيه، وإما أن يروي عن الراوي، فله وجوه ثمانية ندرج أسماءها إجمالاً ثم نفسرها:

1- السماع من الشيخ.

2- القراءة علي الشيخ.

3- الإجازة مشافهة وكتابة.

4- المناولة.

5- الكتابة.

6- الإعلام.

7- الإيصاء.

8- الوجادة(1).

وإليك تبيين مفاهيمها:

الأول: سماع لفظ الشيخ من حفظه أو كتابه،

ويطلق عليه الإملاء، و هو

----------

1- النووي: التقريب و التيسير: 2/8. قال: ومجامعها ثمانية اقسام...

225

أرفع الإقسام، لانّ الشيخ أعرف بوجوه تأدية الحديث، والسامع أوعي قلباً وأربط جاشاً، وشغل القلب وتوزع الفكر إلي القاري أسرع. روي عن عبدالله ابن سنان بسند صحيح، قال: قلت لأبي عبدالله -عليه السلام- : يجيئني القوم فيسمعون عني حديثكم فأضجر ولا أقوي.

قال: فاقرأ عليهم من أوله حديثاً و من وسطه حديثاً و من آخره حديثاً(1).

ولعل مراد الذمام: فاقرأ من أول كتاب الحديث حديثاً، و من وسطه حديثاً و من آخره حديثاً، حتي يصح لهم النقل منك، فعدوله -عليه السلام- إلي هذا النحو من القراءة يدل علي أولويته علي قراءة الراوي، وإلا لأمر بها(2).

ثم أنّ هذا القسم علي وجوه:

1- أن يقرأه الشيخ من كتاب مصحح علي خصوص الراوي عنه،بأن يكون هو المخاطب المللقي إليه الكلام.

2- قراءته منه مع كون الراوي أحد المخاطبين.

3- قراءته منه كون الخطاب إلي غير الراوي عنه، فيكون الراوي عنه مستمعاً.

4،5،6-ما ذكر آنفاً مع كون قراءته من حفظه.

الثاني: القراءة علي الشيخ،

الثاني: القراءة علي الشيخ،

ويسميها أكثر المحدثين: عرضاً لأنّ

----------

1- الكليني: لكافي: 1/52: كتاب العلم، الباب 17الحديث5.

2- ذكر المحقق القمي في قوانينه: 1/488 أن في دلالة الرواية علي المدعي تأمل ظاهر، وتبعه المامقاني: مقباس الهداية: ص161 فلاحظ.

226

القاري يعرض الرواية علي الشيخ، ويشترط في كفايته أن يكون السكوت سائداً علي المجلس مع توجه الشيخ إلي القراءة، علي وجه تشهد القرائن الحاليّة برضاه بالحديث، ويعبر عنه في مقام النقل: «قرأت علي فلان فأقر به واعترف»، وربما يقال: «حدثنا أو أخبرنا فلان قراءة عليه»، و لا يصح التعبير ب «حدثنا» بلا ضمّ قراءة عليه، وأمّا فائدة القراءة علي الشيخ فمعلومة، إذ بها يعرف الصحيح من المصحف و هكذا.....

الثالث: الإجازة:

و هي مأخوذ من جواز الماء الذي تسقاه الماشية أو الحرث، تقول استجزته فأجازني: إذا سقاك ماء لما شيتك أوأرضك، و هكذا طالب العلم يستجيز الحديث فيجيزه نقله، فعلي هذا يجوز أن يقول: اخبرت فلاناً مسموعاتي، أو أجزت له رواية مسموعاتي، أو أجرت الكتاب الفلاني.

و هي علي أقسام:

1- أن يجيز معيناً لمعيّن، كما إذا قال: أجزتك كتاب الكافي.

2- أن يجيز معيناً لمعيّن، كما إذا قال: أجزتك مسموعاتي.

3- أن يجيز معيناً لمعيّن، كما إذا قال: أجزت رواية هذا الحديث لأهل زماني.

4- أن يجيز معيناً لمعيّن، كما إذا قال: أجزت كلّ أحد مسموعاتي.

و له أقسام اخري لا يهمّنا ذكرها.

قال المحقق القمي: وإنما تظهر فائدة الإجازة في [إثبات] صحة الأصل الخاص المعين، و حصول الاعتماد عليه، أو ما لم يثبت تواترها من

227

المروي عنه، وإلاّ فلا فائدة فيها في المتواترات كمطلق الكتب الأربعة عن مؤلفيها. نعم يحصل بها اتصال سلسلة الإسناد ذلي المعصوم، وذلك أمر مطلوب للتيمّن والتبرّك(1).

الرابع: المناولة،

الرابع: المناولة،

و هي ضربان: مقرونة بالإجازة، و مجردة عنها.

فالأول: كما إذا دفع الشيخ إلي الطالب أصل سماعه أو مقابلاته ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان، فاروهعني، أو اجزت لك روايته عني، ثم يملكه أو يجيز نسخه، و هذه هي المناولة مقرونة بالإجازة.

وإما الثاني: فكما إذا ناوله الكتاب مقتصراً علي قوله: هذا سماعي من فلان. و هل يجوز حينئذٍ روايه هذا القسم عنه أو لا؟ فيه خلاف، والظاهر جواز الرواية لحصول العلم بكونها مروية عنه مع إشعارها بالإذن له في الرواية، ويؤيده ما رواه محمد بن يعقوب بإسناده عن أحمد بن عمر الخلال، قال: قلت لأبي الحسن الرضا -عليه السلام- : الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول: إروه عني، يجوز لي أن أرويه؟ قال: فقال: -عليه السلام- : إذا علمت أنّ الكتاب له، فاروه عنه(2).

الخامس: المكاتبة:

و هي أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو يأمر ثقة بكتابته، و هي ضربان: مجرده عن الإجازة، و مقرونة بها، كما إذا كتب للراوي: أجزتك ما كتبت ذليك، والظاهر جواز الرواية بشرط معرفة الخطّ والأمن من التزوير حتي وإن خلا عن ذكر الإجازة.

السادس: الإعلام:

و هو أن يعلم الشيخ الطالب أنّ هذا الحديث أو

----------

1- القمي: القوانين: 1/489.

2- الكليني: الكافي: 1/52.

228

الكتاب سماعه مقتصراً عليه، والظاهر جواز الرواية عنه تنزيلاً له منزلة القراءة علي الشيخ، و ما سبق من الرواية يويد جواز الرواية به، و هو أشبه بالقسم الرابع غير أنه لا مناولة فيه.

السابع: أن يوصي عند سفره أو موته بكتاب يروي عنه فلان بعد موته، وقد جوّز بعض السلف للموصي له روايته عنه، لأنّ فيه نوعاً من الإذن وشبهاً إلي العرض والمناولة.

الثامن: الوجادة، و هي مصدر «وجد» و هو أن يقف الانسان علي أحاديث بخطّ راويها معاصراً كان له أو لا، فلا يجوز له أن يروي عنه إلا أن يقول: وجدت أو قرأت بخط الفلان، أو في كتابه، و يجوز العمل به عند حصول الوثوق بأنّ الكتاب بخطه أو أنّ الكتاب المطبوع من تأليفه، و قد قلت العناية بالطرق السابقة، واكتفي القوم بالطريق الثامن، ولعل لهذا التساهل علة طبيعية.

قال الدكتور صبحي الصالح: «أخذت الرحلة في طلب الحديث تضعف شيئاً فشيئاً، وبات الرحالون أنفسهم لا يستطيعون أن يعولوا علي المشافهة والتلقي المباشر، فقد يضربون أكباد المطي إلي إمام عظيم حتي إذا أصبحوا تلقاء وجهه قنعوا منه بكتاب يعرضونه عليه أو بإجازة يخصهم بها، أو بأجزاء حديثية يناولهم إياها، مع إذنه لهم بروايتها، وقد يتطوع هذا الإمام نفسه بإعلامهم بمرويّاته أو الوصيّة لهم ببعض مكتوباته، فيتلقفونها تلفقاً، ويروونها مطمئنين، كما لو كان صاحبها قد أجازهم بها بعبارة صريحة لا لبس فيها ولا إبهام.

بل لقد أمسي المنتأخرون لا يجدون حاجة للرحلة ولا لتحمل مشاقها

229

مذ أصبح حقاً لهم ولغيرهم أن يرووا كل ما يجدون من الكتب والمخطوطات سواء ألقوا أصحابها أم لم يلقوهم»(1).

روي محمد بن الحسن بن أبي خالد قال: قلت لأبي جعفر الثاني-عليه السلام- : جعلت فداك إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبدالله -عليهما السلام- و كانت التقيّة شديدة، فكتبوا كتبهم، فلم نرو عنهم، فلما ما توا صارت الكتب إلينا. فقال: حدثوا بها فإنها حق(2).

***

وقد استدل العماد بن الكثير للعمل بالوجادة بقولهصلي الله عليه وآله وسلم -في الحديث الصحيح-: «أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا يومنونو هم عند ربهم؟ قالوا: فالأنبياء، فقال: كيف لا يومنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن، قال: قوم يأتون بعدكم يجدون صحفاً يومنون بها».

فاستدل بهذا الحديث علي مدح من عمل بالكتب المتقدّمة بمجرد الوجادة(3).

و لا يخفي ضعف الاستدلال، فإنّ الاستدلال بها يتوقف علي صحة العمل بالرواية بمجرد الوجادة، مع أنّ الكبريلا تثبت بهذه الرواية إلا أن تصل إلينا هذه الرواية بطريق الإسناد، و هو غير ثابت، أضف إلي ذلك أنّ الميزان في جواز العمل هو ثقة المكلف بالحديث، فلو وجد ذلك الملاك في

----------

1- صبحي الصالح: علوم الحديث و مصطلحه: ص84.

2- الكليني: الكافي: 1/53.

3- ابن الكثير: التفسير: 1/74-75، السيوطي: تدريب الراوي: 2/60.

230

الوجادة لكفي في العمل، ولا يحتاج في إثبات الجواز إلي تجشم الاستدلال بهذا الحديث.

ثم ذنّ القوم ذكروا التحمل الحديث آداباً و شرائط، وأطنبوا الكلام فيها، كما ذكروا آداب كتابه الحديث، و قد استغني المحدث عن الثاني في هذا الزمان بظهور صناعة الطبا؛ة، فمن أراد التفصيل في المجالين فليرجع إلي الكتب المبسوطة(1).

خاتمة المطاف: نذكر فيها اموراً:

خاتمة المطاف: نذكر فيها اموراً:

1- الجامع، المسند، المعجم، المستدرك، المستخرج، والجزء.

ربما يقف الإنسان في التعريف بالكتب الروائية علي التوصيفات المذكورة، فنقول:

1-الجامع من كتب الحديث:هو ما يشتمل علي جميع أبواب الحديث التي اصطلحوا علي أنها ثمانية و هي: باب العقائد، باب الإحكام، باب الرقاق، باب آداب الطعام والشراب، باب التفسيروالتاريخ والسير، باب السفروالقيام والعقود (ويسمي باب الشمائل أيضاً)، باب الفتن، وأخيراً باب المناقب والمثالب، فالكتاب المشتمل علي هذه الأبواب الثمانية يسمي جامعاً، كجامع البخاري و جامع الترمذي.

----------

1- زين الدين العاملي: الرعاية في علم الدراية: ص261، العاملي-بهاءالدين-: الوجيزة: ص6، حسين بن عبدالصمد: وصول الأخيار إلي اصول الأخبار: ص126.

231

2- المسند:

و هو ما تذكر فيه الأحاديث علي ترتيب الصحابة علي حروف التهجي، وأحياناً حسب السوابق الذسلامية، أو تبعاً للانساب، منها مسند أبي داود الطيالسيس المتوفي 104هجري ، و هو أول من ألف في المسانيد(1)، وأوفي تلك المسانيد وأوثقها مسند أحمد بن حنبل، وفيه أحاديث صحيحة كثيرة لم تخرج في الكتب الستّة، و قد جمعه من أكثر من 000/750حديث.

3- المعجم:

و هو ما تذكر فيه الأحاديث علي ترتيب الصحابة حسب السوابق الإسلامية أو الشيوخ أو البلدان، وأشهر المعاجم: معجم الطبراني الكبير والمتوسط والصغير.

4- والمستدرك:

وهو ما استدرك فيه ما فات المؤلف في كتابه علي شرطه، وأشهرها مسترك الحاكم النيسابوري علي الصحيحين، علي شرطي البخاري (المعاصرة والسماع).

5- المستخرج:

و هو أن ياتي المصنف إلي الكتاب فيخرج دحاديثه بأحاديث نفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه، من ذلك مستخرج أبي بكر الإسماعيل علي البخاري، و مستخرج أبي عوانه علي مسلم، و مستخرج أبي علي الطوسي علي الترمذي، و مستخرج محمد بن عبدالملك علي سنن أبي داوود.

قال النووي: الكتب المخرجة علي الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتها في الألفاظ، فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعني(2).

----------

1- السيوطي: تدريب الراوي: 1/140نقلا عن العراقي.

2- التقريب والتيسير: 1/84.

232

6- الجزء:

و هو عند هم تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم كجزء أبي بكر، أو الأحاديث المتعلقة بمطلب من المطالب كجزء في قيام الليل للمروزي،و جزء في صلاة الضحي للسيوطي(1).

قال النووي: وللعلماء في تصنيف الحديث طريقان:

أجودهما تصنيفه علي الأبواب؛ فيذكر في كل باب ما حضره فيه.

والثانية تصنيفه علي المسانيد، فيجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه: صحيحه و ضعيفه، علي هذا له أن يرتبة علي الحروف، أو علي القبائل ، فيبدأ ببني هاشم ثم باأقرب فالأقرب نسباً إلي رسول الله، أو علي السوابق فبالعشرة، ثم أهل بدر، ثم الحديبية، ثم المهاجرين، ثم بينها و بين الفتح، ثم أصاغر الصحابة، ثم النساء بدءاً بأمهات المومنين.... يجمعون ايضاً أحاديث الشيوخ كل شيخ علي انفراده كمالك وسفيان و غيرهما(2).

***

2- الكتب الحديثية لدي أهل السنة:

قد ذكرنا الكتب امعتمده لدي الشيعة في كتابنا «كليات في علم الرجال» ولا نعيد، و أما ما هو المعتمد لدي السنة ففي الدرجة الاولي: الصحاح، و هي تشمل الكتب الستّة: البخاري، و مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه إلا أنّ العلماء اختلفوا في ابن ماجة، فجعلوا الكتاب السادس مؤطاً الإمام مالك، كما قال رزين وابن الإثير، أو مسند

----------

1- صبحي صالح: علوم الحديث و مصطلحه: ص305-308.

2- التقريب والتيسير: 2/104-142 مع شرح السيوطي له.

233

الدارمي كما قال ابن حجر العسقلاني، و علي ذلك فمن الواضح أنّ عبارة «الكتب الخمسة»: تصدق علي كتب الأئمة الذين ذكروا قبل ابن ماجة، فإذا قرأنا في ذيل بعض الأحاديث مثل هذه العبارة: «رواه الخمسة» فمعني ذلك أنّ البخاري و مسلماً وأبا داود والترمذي والنسائي قد اتفقوجميعاً علي رواية هذا الحديث.

و عبارة الصحيح تطلق علي كتابي البخاري و مسلم، و يقال في الحديث الذي روياه: «رواه الشيخان» وإنما سميت الكتب الستّة بالصحاح علي سبيل التغليب، فإنّ كتب «السنن» الأربعة للترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجة هي دون الصيحيحين منزلة، وأقل منهما دقة وضبطاً.

ثم إنّ الصحيح لدي البخاري و مسلم بمعني واحد، و هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط حتي ينتهي إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ،غير أنّ البخاري اشترط في اخراجه الحديث شرطين: أحدهما: معاصرة الراوي لشيخه.

والثاني: ثبوت سماعه، بينما اكتفي مسلم بمجرد شرط المعاصرة(1).

3- ألقاب المحدّثين:

أطلق العلماء علي الرحالين في طلب الحديث ألقاباً مختلفة تبعاً لنشاطهم في رحلة والتجوال، وأشهر الإلقاب التي نبهوا علي التمييز بينهما ثلاثة: المسند والمحدث والحافظ. وربما يطلق علي من لم تكن له رحلة في الحديث و إنما أخذ الحديث في موطنه عن المشايخ.

----------

1- صبحي الصالح: علوم الحديث و مصطلحه: ص299-301.

234

فالمسند:هو من يروي الحديث بإسناده، سواء أكان عنده علم به أم ليس له إلا مجرد روايته.

والمحدث:أرفع منه، بحيث عرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال، والعالي والمنازل، وحفظ مع ذلك جملة وافرة من المتون، و سمع الكتب الستّة، و مسند أحمد وسنن البيهقي و معجم الطبراني.

الحافظ:أعلي درجة وأرفعهم مقاماً، فمن صفاته أن يكون عارفاً بسنن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، بصيراً بطرقها، مميزاً لأسانيدها، يحفظ منها ما أجمع أهل المعرفة علي صحته، و ما اختلفوا فيه للاجتهاد في حال نقله، يعرف فرق ما بين قولهم: فلان حجة وفلان ثقة، و مقبول، ووسط ولا بأس به، وصدوق، وصالح، وشيخ، وليّن، وضعيف، ومتروك، وذاهب الحديث، إلي غير ذلك من الامور التي توجب بصيرة في معرفة الحديث، و من العلماء من يقول: العدد المحفوظمن الحديث الذي يستحق جامعه أن يسمي حافظاً هو أن يحفظ 000/500حديث، ورأي بعضهم أنّ الحد الأدني ينبغي أن لا يقل عن 000/20، إلي غير ذلك من الأقوال، هنا وفي تعريف الثلاثة.

وقال فتح الدين بن سيد الناس: يلاحظ أن هذه القضية نسبية، وأن لكل زمن اصطلاحاً و تحديداً، فيقول: أما ما يحكي عن بعض المتقدمين من قولهم: كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب 000/20حديث في الإملاء، فذلك بحسب أزمنته(1).

4- إن طروء التصحيف علي كتب الأخبار، و حصول الاضطراب في

235

الإسناد والمتون -بلا فرق بين الكتب الأربعة و غيرها- أنما هو لأجل اندراس علم الحديث في العصور الأخيرة علي الوجه المألوف بين القدماء، فإنهم كانوا يصرفون أعمارهم في قراءة الحديث استاذاً و تلميذاً، و في ظل ذلك كانوا ييقنون سند الكتاب و متنه، و يجيدون نقل صحيحه و عليله، ولكن يا للأسف، إنّ هذه الطريقة فقدت مكانتها بعد عصر الشهيد الأول، واكتفي العلماء في نقل الحديث في عصرنا بالإجازة والوحجادة من دون قراءة الكتاب علي الشيخ أو قراءته عليهم، فخسر العلم وأهله من هذه الناحية خسارة كبيرة، فلا محيص عن جبر هذه الخسارة إلّا بإحياء علم الحديث بالطريقة المألوفة، و ذلك بتعيين لجان خاصة بالحديث ودراسته و تربية جيل لمعرفة الحديث و كتبه و رجاله و درايته معرفة تامة بحيث لا يكون لهم شأن إلا دراسة الحديث سنداً و متناً، و مقابلة وقراءة، وإعداد النسخ الصحيحة العتيقة التي قوبلت بيد العلماء المحققين، و هذه امنية كبري لا تتحقق إلا بإحياء التخصصات في الجامعات العلمية الشيعية، و من حسن الحظ أنّ «لجنة إدارة الحوزة العلمية» شعرت بمسؤوليتها تجاة هذه الأمر.

5- إنّ لكاتب هذه السطورإجازات من مشايخه، فقد استجزت سسيدي الاستاذ العلامة آيه الله العظمي السيد محمد الحجة -قدس سره- (1310-1372هجري) فأجازني بطرقه المألوفة في إجازاته: منها: روايته بالإجازة عن شيخه السيد أبي تراب الخوانساري (ت1346هجري) عن عمه السيد حسين الكوه كمري (ت1299هجري) عن شيخه شريف العلماء (ت1245هجري) عن السيد صاحب الرياض (ت1231هجري) بطرقة المعروفة.

واستجزت الإمام الراحل السيد روح الله الخميني -قدس سره - (1320-

236

1409هجري) فدجازني قائلاً بانه يروي -كتاب المستدرك- عن شيخه المحدث الخبير الشيخ عباس القمي (1294-1359هجري) و هو يروي عن المحدث النوري (1254-1320هجري) مولفه بطرقه المعروفة.

كما استجزت شيخي العلامة محمد محسن المدعو بآقا بزرگ الطهراني -قدس سره- (1293-1389هجري) فأجازني، وإليك نصّ كتابه الذي بعثه إلي من النجف الإشرف عام 1368هجري قمري:

«الحمدالله الذي وفقنا لأخذ معالم ديننا عن العترة الطاهرة، بطرق صحيحة متصلة، وأسانيد قويّة مسلسلة، والصلاة والسلام علي سيدنا و نبينا محمد المصطفي و علي آله الإئمة المعصومين أهل الصدق والوفاء، صلاة متواصلة من الآن إلي يوم اللقاء.

أما بعد؛ فإنّ الشيخ الفاضل، البارع، الكامل، المشار اليه بالأنامل من بين الأقران والآماثل، مولانا «الميرزا جعفر بن العالم الجليل الورع التقي الشيخ محمد حسين التبريزي الخياباني» دامت بركاتهما.

ممن وفقه الله تعالي للأخذ عن العترة الطاهرة، إطاعة لما أمر به أمير المؤمنين -عليه السلام- لصاحب سره كميل بن زياد، فقال: «يا كميل! أن الله تعالي أدب رسوله صلي الله عليه وآله وسلم ، و هو أدبني و أنا اؤدب الناس، يا كميل! ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلي نمعرفة، يا كميل! لا تأخذ إلا عنا، تكن منّا»، وطريق الأخذ عنهم بعد ارتحالهم هو الأخذ من القري الظاهرة الذين جعلهم الله تعالي واسطة بيننا و بينهم، و هم القري المباركة المذكورة في سورة الإسراء من كتابه الكريم كما نطقت بها الأحاديث المستفيضة المروية في تفسير البرهان و غيره، وتلك القري الظاهرة تتصل بعضها ببعض، إلي أن يظهر الحجة -عليه

237

لسلام- فوفقه الله تعالي للدخول في هذه السلسلة.

فاستجاز من هذا المسيء بحسن ظنّه، ولا أري نفسي كما ظنّة، لكن دجابة مسؤولة دعتني إلي أن استخرت الله تعالي، وأجزته أن يروي عني جميع ما صحت لي روايته عن جميع مشايخي والعامة بجميع طرقهم وأسانيدهم، ولكثرتها و تشتتها نقتصر بذكر طريق واحد هو من أعالي الأسانيد، وأقواها، وأقواها، وأمتنها، و هو ما أرويه بحق الإجازة العامة عن شيخي و ملاذي و أول من ألحقني بالمشايخ ثالث المجلسيين الشيخ العلامة الحاج ميرزا حسين النوري المتوفي والمدفون في الغري السري في (1320هجري) فأنا أروي عنه و عن جميع مشايخه المذكورين في خاتمة المستدرك، أولهم: الشيخ العلامة المرتضي الأنصاري التستري المدفون بباب القبلة من الصحن الغروي في (1281هجري) و هو يروي عن العلامة الأوحد المولي دحمد النراقي المدفون في النجف في (1245هجري)، و هو يروي عن أجل مشايخه آية الله السيد محمد مهدي بحرالعلوم الطباطبائي البروجردي النجفي المسكن والمدفن، في مقبرته الخاصّة الشهيرة في (1212هجري)، و هو يروي عن الشيخ الفقيه المحدث الشيخ يوسف صاحب الحدائق المتوفي والمدفون بالحائر الشريف الحسيني في (1186هجري)، و هو يروي عن العلامة المدرس المعمر البالغ إلي مائة سنة المجاور للمشهد الرضوي حيّا و ميتاً توفي بها (بعد سنة 1150هجري) أعني المولي محمد رفيع بن فرج الجيلاني، و هو يروي عن شيخه العلامة المجلسي مؤلف بحارالانوار مولانا محمد باقر المتوفي في (1111هجري)، و هو يروي عن والده العلامة المولي محمد تقي المجلسي المتوفي في (1070هجري)، عن شيخه و شيخ الإسلام الشيخ بهاء الدين محمد العاملي الاصفهاني المدفون بالمشهد الرضوي في (1030هجري)، و هو

238

يروي عن والده الشيخ عزب الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي الجبعي المتوفي في البحرين في (984هجري)، و هو يروي عن الشيخ السعيد زين الدين العاملي الشهيد في (966هجري)، و هو يروي عن الشيخ الفقيه علي بن عبد العالي الميسي المجاز من سميّة: الكركي، و هو يروي عن الشيخ محمد بن محمد بن محمد بن داود المؤذن الجزيني -ابن عمّ الشهيد- و هو يروي عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشيخ الشهيد -قدس سره-، و هو يروي عن والده الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي الجزيني الشهيد ظلماًفي (786هجري)، و هو يروي عن فخر المحققين الشيخ أبي طالب محمد بن الحسن الحلي المتوفي (771هجري)، و هو يروي عن والده آيه الله العلامة الحلي الشيخ جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي المتوفي (726هجري)، و هو يروي عن خاله واستاذه الشيخ أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيي بن سعيد الحلي المتوفي (676هجري)، و هو يروي عن الشيخ تاج الدين الحسن بن علي الدربي، و هو يروي عن الشيخ رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المتوفي عن ما يقرب مائة سنة (588هجري)، و هو يروي عن السيد عماد الدين أبي الصمصام ذي الفقاربن محمد بن معبد الحسيني، و هو يروي عن السيد الشريف المرتضي علم الهدي المتوفي (436هجري) و عن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفي (460هجري)، و عن الشيخ أبي العباس المتوفي (450هجري)، وكلهم يروون عن الشيخ السعيد أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد المتوفي (413هجري)، و هو يروي عن الشيخ أبي القاسم جعفربن محمد بن قولويه القمي المتوفي (368هجري)، و هويرويعن الشيخ ثقة الإسلام الكليني محمد بن يعقوب المتوفي (328هجري) أو(329هجري)، و هو يروي كثيراً في كتابه الكافي عن الشيخ الجليل علي بن إبراهيم

239

ابن هاشم القمّي المتوفّى بعد سنة ( 307 ه_ ) كما يظهر من إجازته لجمع ممّن يروون عنه غير الكليني في هذا التاريخ ، وأكثر روايات علي بن إبراهيم عن والده إبراهيم بن هاشم القمّي ، وبقية الإسناد إلى الأئمّة المعصومين _ عليه السلام _ مذكورة في الكتب الأربعة .

فليرو دامت بركاته عنّي بهذا الإسناد لمن شاء وأحبّ ، والرجاء من مكارمه أن يذكرني بالدعاء في خلواته وأعقاب صلواته ، وأن يلازم الإحتياط في سائر الحالات فإنّه طريق النجاة .

وفي الختام نحمد الله تعالى على مننه ، ونشكره على نعمائه ، ونصلّي ونسلّم على خاتم أنبيائه وآله المعصومين الطيّبين الطّاهرين ، حرّره فقير عفو ربّه المسيء المسمّى بمحسن ، والمدعو بآقا بزرگ الطهراني غفر له ولوالديه ، وذلك في العشرين من جمادي الآخرة 1358 ه_ . ق .

فعلى روّاد العلم وبغاة الفضيلة أن يرووا عنّي ما صحّت لي روايته بهذا الطريق ، وعلى المولى سبحانه أجرهم .

بلغ الكلام إلى هنا عشية يوم الأحد ، الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك من عام 1411 ه_ ، كتبه مؤلّفه جعفر السبحاني ابن الفقيه الشيخ محمد حسين السبحاني المعروف بالخياباني التبريزي _ غفر الله لهما يوم الحساب _ .

قم المشرّفة

مؤسّسة الإمام الصادق (ع)

تفسير سوره كهف

اشاره

(18)سوره كهف مكى است و 110 آيه دارد ..... ص : 325

[سوره الكهف (18): آيات 1 تا 8] ..... ص : 325

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4)

ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (8)

ترجمه آيات ..... ص : 325

به نام خداى بخشاينده مهربان،

ستايش خاص خدايى است كه اين كتاب استوار را به بنده خويش فرو فرستاد و در آن انحراف ننهاد (1).

تا از جانب خويش از عذابى سخت بترساند و مؤمنان را كه كارهاى شايسته كنند نويد دهد كه پاداشى نيك دارند (2).

و هميشه در آن بسر مى برند (3).

و نيز كسانى را كه گويند خدا فرزندى گرفته بيم دهد (4).

در اين باب چيزى ندانند پدرانشان نيز نمى دانستند، كلمه اى كه از دهانشان بيرون مى شود بزرگ است، و جز دروغ نمى گويند (5).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 326

شايد تو از پى ايشان از غم اينكه چرا قرآن را باور ندارند خويشتن را هلاك كنى (6).

ما اين چيزها را كه روى زمين هست آرايش آن كرده ايم تا ايشان را بيازماييم كه كدامشان از جهت عمل بهترند (7).

و ما آنچه را روى زمين هست خاك باير مى كنيم (8).

بيان آيات [آهنگ و مفاد كلى اين سوره مباركه ] ..... ص : 326

اشاره

اين سوره با انذار و تبشير دعوت مى كند به اعتقاد حق و عمل صالح هم چنان كه از دو آيه اولش هم بوى اين معنا استشمام مى شود. و نيز از آيه آخر سوره كه مى فرمايد" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً".

و در اين سوره مساله نفى فرزند داشتن خدا مورد عنايت و توجه زيادى واقع شده است نظير اينكه مى بينيم تهديد و انذار را به كسانى اختصاص مى دهد كه براى خدا فرزند قائل شده اند، يعنى بعد از آنكه مى فرمايد:" لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ" مجددا مى فرمايد:" وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً".

پس در اين آيه روى سخن با دوگانه پرستان است، كه قائل به فرزندى ملائكه و جن و مصلحين بشر براى خدا هستند، و همچنين خطاب به نصارى است كه قائل به فرزندى مسيح براى اويند. و بعيد نيست كه روى سخن به يهود هم باشد، چون خود قرآن از يهود نقل كرده كه گفته اند" عزير پسر خدا است".

و بعيد نيست كسى بگويد كه غرض از نزول اين سوره بيان سه داستان عجيب است كه در قرآن كريم جز در اين سوره ذكر نشده، يكى قصه اصحاب كهف و ديگرى داستان موسى و آن جوانى كه در راه به سوى مجمع البحرين ديدار نمود، و سوم حكايت ذى القرنين، و آن گاه از اين سه داستان در غرض سوره كه اثبات نفى شريك و تشويق بر تقوى و ترس از خدا است استفاده كند.

و اين سوره به طورى كه از سياق آياتش استفاده مى شود در مكه نازل شده است. اما بعضى از مفسرين آيه" وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ..." را از مكى بودن استثناء كرده اند و به زودى در باره آن بحث مى كنيم.

[توضيح مقصود از اينكه قرآن عوج (كجى) نداشته، قيم است و اشاره به اقوال مختلف مفسرين در ذيل جمله:" لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ..."] ..... ص : 326

" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً".

كلمه" عوج"- به فتح عين و به كسر آن- به معناى انحراف است. در مجمع البيان

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 327

مى گويد:" عوج- به فتحه عين- در كجى چيزهايى كه محسوس و قابل ديدن هستند- چون نيزه و چوب- استعمال مى شود، و با كسره عين در امور ناديدنى چون اعتقادات و سخن گفتن «1».

و شايد منظور از چيزهاى مرئى آنهايى باشند كه به سهولت ديده مى شوند و مقصود از چيزهاى نامرئى آنهايى باشند كه به آسانى مشهود نيستند كما اينكه راغب در مفردات چنين گفته است:" عوج" به فتحه عين كجى هايى را گويند كه با چشم به آسانى ديده مى شوند، مانند كجى چوبى كه در زمين نصب شده باشد، ولى" عوج" به كسره عين در كجى هايى است كه با فكر و بصيرت تشخيص داده مى شوند، مانند انحراف و انحنايى كه در زمين مسطح است كه تنها متخصصين مى توانند آن را تشخيص دهند، و نيز مانند انحراف در دين و زندگى «2».

پس بنا به گفته وى ديگر اشكالى به آيه شريفه" لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً" «3» وارد نمى شود- دقت بفرمائيد.

خداى تعالى در اين سوره كلامش را با ذكر ثناى خود افتتاح فرموده، و به اين نحو خود را ستوده كه: قرآنى بر بنده اش نازل كرده كه هيچ انحرافى از حق در آن نيست، و آن كتاب قيم مصالح بندگانش در زندگى دنيا و آخرت است، و از عهده اين كار به خوبى برمى آيد، پس همه حمدها كه در ترتب خيرات و بركات آن از روز نزولش تا روز قيامت هست، همه براى خدا است.

پس سزاوار نيست كه هيچ دانشمند اهل بحثى ترديد كند در اينكه: آنچه از صلاح و سداد در جوامع بشرى به چشم مى خورد همه از بركات انبياى كرام است كه در بشر منتشر كرده اند، و تخمى است كه آنان با دعوت خود به سوى حق و حسن خلق و عمل صالح افشانده اند، و اينكه قرآن كريم در چهارده قرنى كه از نزولش مى گذرد تمدنى به بشر داده و ارتقايى بخشيده و علم نافع و عمل صالحى در بشر به وجود آورده كه مخصوص خود آن است و به همين جهت دعوت نبوى منتهايى بزرگ بر بشر دارد، پس همه حمدها براى خدا است.

و با اين بيان روشن مى شود اينكه بعضى از مفسرين در تفسير اين آيه، يعنى جمله

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 448.

(2)مفردات راغب، ماده" عوج".

(3)روز قيامت در زمين كجى و جاى خالى نمى بينى. سوره طه، آيه 107.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 328

" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ ..." گفته اند: يعنى" بگوييد الحمد للَّه الذى نزل" صحيح نيست.

" وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً"- ضمير در" له" به كتاب برمى گردد، و جمله مورد بحث جمله حاليه است از كتاب. و كلمه" قيما" آن گونه كه از كتاب فهميده مى شود حال بعد از حال است، زيرا خداى تعالى در مقام ستايش خويش است از اين جهت كه كتابى نازل كرده و به صفت نداشتن اعوجاج متصف است، و از اين جهت كه آن كتاب بر تامين مصالح جامعه بشرى قيم است. پس به هر دو صفت بذل عنايت شده، آن هم بطورى مساوى، و همين اقتضاء مى كند كه جمله مزبور حاليه باشد، و" قيم" نيز حال دوم باشد.

بعضى «1» از مفسرين گفته اند: جمله" وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً" عطف است بر صله، و كلمه" قيما" حال از ضمير در" له" است، و معنايش اين است كه" و حمد آن خداى را كه براى كتاب در حالى كه قيم است اعوجاج قرار نداده" «2» و يا" قيما" منصوب به مقدرى است و معنايش اين است كه" و حمد آن خدايى را كه براى كتاب اعوجاج قرار نداده و آن را قيم قرار داده" و لازمه اين دو وجه اين است كه عنايت ميان اصل نزول و قيم بودن و بى اعوجاج بودن كتاب تقسيم شود، و بر شما خواننده عزيز روشن شد كه اين خلاف عنايتى است كه مستفاد از سياق است.

بعضى «3» ديگر از مفسرين گفته اند: در آيه شريفه تقديم و تاخير به كار رفته و تقدير آن" نزل الكتاب قيما و لم يجعل له عوجا" است و اين بدترين نظريه اى است كه در باره آيه ابراز شده، وجه رد نظريه فوق اين است كه نفى اعوجاج در قرآن، مقدم بر اثبات قيموميت است.

زيرا عدم اعوجاج كمالى است كه قرآن فى نفسه دارد، و قيموميت كمالى است كه قرآن به ديگران مى دهد و معلوم است كمال بر تكميل تقدم دارد.

و اينكه كلمه" عوج" كه نكرده است و در سياق نفى قرار گرفته خود افاده عموميت مى كند، پس قرآن كريم در تمامى احوال و از همه جهات مستقيم و بدون اعوجاج است. و در لفظش فصيح و در معنايش بليغ و در هدايت نمودنش موفق و حتى در حجت ها و براهينش قاطع و در امر و نهيش خيرخواه، و در قصص و اخبارش صادق و بدون اغراق و در قضاوتش فاصل ميان حق و باطل است. و همچنين از دستبرد شيطانها محفوظ و از اختلاف در

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 200.

(2)كشاف، ج 2، ص 702.

(3)روح المعانى، ج 15، ص 201.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 329

مضامينش به دور است. نه در عصر نزولش دستخوش باطل شده و نه بعد از آن.

كلمه" قيم" به معناى كسى است كه مصلحت چيزى را تامين نموده، امور آن را تدبير نمايد، مانند قيم خانه كه قائم به مصالح خانه است، و اهل خانه در امور خانه به او مراجعه مى كنند. و كتاب قيم، آن كتابى است كه مشتمل بر معانى قيمى باشد، و آنچه كه قرآن كريم متضمن آن است اعتقاد حق و عمل صالح است، هم چنان كه خداى تعالى در باره قرآن مى فرمايد:" يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ" «1» و دين صحيح اسلام هم همين است، چنانچه خداى سبحان در مواضعى از كتابش دين خود را به قيم بودن توصيف كرده، از آن جمله فرموده:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ" «2».

بنا بر اين، پس توصيف كتاب به وصف قيمومت به خاطر اين است كه متضمن دين قيم مى باشد دينى كه قائم به مصالح عالم بشرى است، چه مصالح دنيايى، و چه آخرتى.

و چه بسا از مفسرين كه قضيه را بر عكس معنا كرده و گفته اند: قيمومت، اول وصف كتاب است و سپس وصف دين. (به عبارت ديگر ما گفتيم كتاب به خاطر اينكه متضمن دين قيم است خودش هم قيم شده، ولى بعضى گفته اند كتاب قيم است و دين به خاطر قيم بودن كتاب، قيم شده است) و در باره اش گفته شده:" وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" «3» كه ظاهر معنايش: دين كتاب هاى قيم است. ولى اين قسم تفسير نوعى مجاز گويى است.

بعضى «4» گفته اند: مقصود از قيم، مستقيم است يعنى معتدل كه نه افراط در آن باشد و نه تفريط. بعضى «5» ديگر گفته اند: قيم، به معناى مدبر ساير كتابهاى آسمانى است، يعنى ساير كتابها را تصديق و حفظ نموده، شرايعش را نسخ مى كند. و اينكه به دنبال كلمه قيم فرموده:

" لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ ..." مؤيد معنايى است كه ما ذكر كرديم.

" لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ".

بعضى «6» آيه را اينطور معنا كرده اند: اين كتاب را فرستاد تا كافران را از عذابى شديد كه از ناحيه خدا صادر مى شود، انذار نمايد، ولى ظاهر آيه به قرينه اينكه مؤمنين را مقيد

__________________________________________________

(1)به سوى حق و به سوى راه مستقيم راهنمايى مى كند. سوره احقاف، آيه 30.

(2)روى خود متوجه دين قيم بساز. سوره روم، آيه 43.

(3)سوره بينه، آيه 5.

(4)روح المعانى، ج 15، ص 201.

(5)مجمع البيان، ج 6، ص 449.

(6)تفسير فخر رازى، ج 21، ص 76. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 330

مى كند به آن مؤمنينى كه عمل صالح مى كنند، اين است كه تقدير آيه:" لينذر الذين لا يعملون الصالحات- تا بترساند كسانى را كه عمل صالح نمى كنند" بوده باشد، حال چه آنهايى كه اصلا ايمان نمى آورند، و يا اگر ايمان مى آورند در عمل خود مرتكب فسق و تباهى مى شوند.

در هر حال، اين جمله بيان مى كند كه چرا كتاب را قيم و مستقيم بر بنده اش نازل كرده، زيرا پر واضح است كه اگر كتاب خودش مستقيم و براى غير خودش قيم نمى بود نمى توانست انذار و بشارت باشد.

و مراد از" اجر حسن" بهشت است، به قرينه اينكه در آيه بعدى فرموده:" ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً" و معناى آيه روشن است." وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً".

مقصود از اينان عموم كسانى هستند كه بت پرستيده معتقد بودند كه ملائكه پسران يا دختران خدايند، و چه بسا از اينان كه در باره جن و مصلحين از بشر، چنين اعتقادى داشته اند.

و نيز مقصود نصارى هستند كه مسيح را پسر خدا مى دانستند. هر چند كه از نظر اينكه قرآن كريم به يهود نسبت داده كه عزيز را پسر خدا مى دانسته اند يهود نيز مشمول آيه هست.

انذار را در خصوص كسانى كه گفتند خدا براى خود فرزند گرفته، تكرار كرد تا مزيد اهتمام را در خصوص ايشان افاده نمايد.

" ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ ...".

از آيه شريفه" أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ" «1» استفاده مى شود كه مورد بحث آيه معتقد بوده اند خدا حقيقتا فرزند گرفته و فرزنددار شده است.

لذا در آيه مورد بحث آن را با دو جواب رد مى كند: يكى اينكه اين سخن را از روى نادانى زده اند، و علمى بدان ندارند، دوم اينكه دروغ مى گويند.

جمله:" ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ" رد بر همگى ايشان از خلف و سلفشان است، و ليكن چون ايشان علم به اين نظريه را به پدران خود احاله داده مى گفتند" اين دين، دين پدران ما است، و آنها بهتر از ما مى انديشيده اند، و ما جز اينكه پيروى ايشان كنيم حق اظهار نظرى نداريم" لذا خدا ميان آنان و پدرانشان فرق گذاشته، ابتدا از ايشان نفى علم نموده و سپس از

__________________________________________________

(1)از كجا براى او فرزند مى شود و حال آنكه زن ندارد چون هر چه از زن و مرد و هر مخلوق ديگر كه هست او خلق كرده. سوره انعام، آيه 101.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 331

پدرانشان كه به آنان اعتماد كرده بودند، تا بدين وسيله هم نظريه ايشان را رد كرده باشد و هم دليلشان را.

[قول و اعتقاد به فرزند داشتن خدا چه به نحو حقيقى و چه به نحو مجاز باطل و ممنوع است ] ..... ص : 331

و اينكه فرمود:" كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ" براى مذمت آنان و بزرگ شمردن سخن باطل ايشان است كه گفته بودند:" اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً" براى اينكه جرأت بزرگى بر خداى سبحان كرده شريك و تجسم و تركيب و احتياج به كمك و جانشين را به او نسبت داده اند- تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرا.

البته اين را هم نبايد از نظر دور داشت كه بعضى از كسانى كه قائل به فرزنددار بودن خدا بودند، منظورشان فرزند حقيقى نبوده، بلكه به عنوان احترام و تشريف و براى اينكه قرب به خدا و خصوصيت آن شخص مورد علاقه شان را برسانند اطلاق پسر خدا بر او مى كرده اند، مانند يهود كه- به طورى كه قرآن از ايشان حكايت كرده- عزيز را پسر خدا مى دانسته اند، و يا مى گفته اند:" نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ- ما پسران و دوستان خداييم" و همچنين در كلمات بعضى از قدماى ايشان آمده كه بر بعضى از مخلوقات اوليه اطلاق" پسر خدا" مى كرده اند، به اين عنوان كه اينها اولين خلق خدا هستند كه خدايشان آفريده و صادر كرده، همانطور كه پسر از پدر صدور مى يابد و بر آن موجوداتى كه واسطه اين صدور بودند اطلاق همسر و زوج مى كرده اند.

و اين دو اطلاق هر چند كه شامل آنچه كه اطلاق اول مى شده نمى شود چون اين اطلاق از باب مجاز و به عنوان احترام بوده، و ليكن هر دو از نظر شرع ممنوع است. نه صحيح است گفته شود فلان موجود فرزند واقعى خدا است آن طور كه ما فرزندان پدران خود هستيم، و نه صحيح است بگوئيم فلان موجود آن قدر داراى شرافت است كه اگر ممكن بود خدا فرزند دار شود جز اين موجود كسى فرزند او نمى بود، و ملاك ممنوعيت اين دو اطلاق همين بس كه هر دو باعث مى شود عامه مردم گمراه گشته رفته رفته از مجاز، حقيقت را بفهمند و به شقاوت دائمى و هلاكت جاودانه گرفتار گردند.

" فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً".

كلمه" بخوع" و" بخع" به معناى كشتن و هلاك كردن است. و" آثار" به معناى علامت هاى پا و اثر قدمهاى كسى است كه از زمين نرم عبور كرده باشد، و كلمه" اسف" به معناى شدت اندوه است، و مراد از" بِهذَا الْحَدِيثِ" همين قرآن كريم است.

اين آيه و دو آيه بعدش در مقام خرسندى و تسلى خاطر رسول خدا (ص) است، و حرف" فاء" كه بر سر آيه آمده براى تفريع كلام بر كفر و انكار ايشان به آيات

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 332

خدا است كه از آيات قبلى استفاده مى شد. و معناى آيه چنين است: مثل اينكه بوى اين مى آيد كه از شدت اندوه بر اعراض كفار از قرآن و انصرافشان از شنيدن دعوتت، خودت را از بين ببرى.

البته ما مساله اعراض و انصراف را از كلمه" آثار" در آورديم كه خود استعاره است.

[هدف از خلق زينت بر روى زمين آزمايش انسان ها و تميز نيك و بد بر اساس اعتقاد و عمل است ] ..... ص : 332

" إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ... صَعِيداً جُرُزاً".

كلمه" زينت" به معناى هر امر زيبايى است كه وقتى منضم به چيزى شود، جمالى به او مى بخشد به طورى كه رغبت هر كسى را به سوى آن جلب مى كند. و كلمه" صعيد" به معناى قشر زمين است و كلمه" جرز" به طورى كه مجمع البيان گفته، زمينى است كه گياه نروياند، گويى تخم گياهان را مى خورد «1».

در اين دو آيه، بيان عجيبى در حقيقت زندگى بشر در زمين ايراد شده، و آن اين است كه نفوس انسانى- كه در اصل جوهرى است علوى و شريف- هرگز مايل نبوده كه به زمين دل ببندد و در آنجا زندگى كند، ولى عنايت خداوند تبارك و تعالى چنين تقدير كرده كه كمال و سعادت جاودانه او از راه اعتقاد و عمل حق تامين گردد، به همين جهت تقدير خود را از اين راه به كار بسته كه او را در موقف اعتقاد و عمل نهاده، به محك تصفيه و تطهيرش برساند و تا مدتى مقدر در زمينش اسكان داده ميان او و آنچه كه در زمين هست علقه و جذبه اى برقرار كند و دلش به سوى مال و اولاد و جاه و مقام شيفته گردد. اين معنا را از اين جاى آيه استفاده كرديم كه مى فرمايد: آنچه در زمين هست ما زينت زمين قرارش داديم. و زينت بودن ماديات فرع بر اين است كه در دل بشر و در نظر او محبوب باشد، و دل او به آنها بستگى و تعلق يافته در نتيجه سكونت و آرامش يابد.

آن گاه وقتى آن مدت معين كه خدا براى سكونتشان در زمين مقرر كرده به سر آمد، و يا به عبارتى آن آزمايشى كه خدا مى خواست از فرد فرد آنان به عمل آورد و تحقق يافت، خداوند آن علاقه را از بين آنها و ماديات محو نموده آن جمال و زينت و زيبايى كه زمين را از آن مى گيرد، و زمين به صورت خاكى خشك و بى گياه مى شود، آن سرسبزى و طراوت را از آن سلب مى كند، و نداى رحيل و كوس كوچ را براى اهلش مى كوبد، از اين آشيانه بيرون مى روند، در حالى كه چون روز تولدشان منفرد و تنها هستند.

اين سنت خداى تعالى در خلقت بشر و اسكانش در زمين و زينت دادن زمين و لذائذ

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 450.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 333

مادى آن است تا بدين وسيله فرد فرد بشر را امتحان كند و سعادتمندان از ديگران متمايز شوند.

و به همين منظور نسلها را يكى پس از ديگرى به وجود مى آورد و متاعهاى زندگى را كه در زمين است، در نظرشان جلوه مى دهد، آن گاه آنان را به اختيار خود وا مى گذارد تا آزمايش تكميل گردد. بعد از اتمام آن، ارتباط مزبور را كه ميان آنان و آن موجودات بود بريده، از اين عالم كه جاى عمل است به آن نشاه كه سراى حساب است، منتقلشان مى كند، هم چنان كه فرموده:

" وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ... وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" «1».

پس حاصل معناى آيه اين شد كه: اعراض ايشان از دعوت و انذار و تبشيرت باعث تاسف بيش از حد تو نشود، و اگر مى بينى كه سرگرم تمتع از امتعه حيات مادى اند، ناراحت مباش، زيرا اينها اولين مردمى نيستند كه چنين هستند و كارى هم نمى توانند بكنند، بلكه نه تنها نمى توانند كارى صورت دهند بلكه همين اعراض و سرگرمى به متاع دنيا خود آزمايش الهى است كه ايشان را مسخر كرده است. آرى اين ماييم كه بشر را در روى زمين منزل و متاعهاى آن را در نظرش جلوه داديم، كه بينندگان را مفتون خود كند تا نفوسشان مجذوب گشته امتحان ما صورت گيرد و معلوم شود كه كدامشان بهتر عمل مى كنند، و آن گاه پس از اتمام امتحان، به تحقيق كه همين ما زمين و آنچه را كه در آن است به صورت سرزمين خشك و فاقد چيزى كه مايه رغبت باشد، در مى آوريم.

پس ناگفته پيداست كه خداى سبحان از همه بشر ايمان نخواسته تا ايمان نياوردن عده اى به معناى شكست خوردنش باشد، و استمرارشان در كفر و ضلالت به معناى مغلوب شدن خدا باشد، و از اين جهت تو ناراحت شوى، بلكه همين سرنوشت را، خود او برايشان تنظيم نموده تا امتحانشان كند پس در هر حال خدا در آنچه خواسته غالب است.

از آنچه گذشت اين معنا روشن گرديد كه جمله" وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً" از باب استعاره به كنايه است، و مراد از آن، قطع رابطه تعلق بين انسان و متاعهاى زندگى زمينى است.

__________________________________________________

(1)يعنى اگر ببينى كه ستمكاران در گردابهاى مرگند و فرشتگان دستهاى خويش را گشوده كه جانهاى خويش بر آريد ... شما تك تك همانطور كه نخستين بار خلقتان كرديم پيش ما آمده ايد و آنچه را به شما عطا كرده بوديم پشت سر گذاشته ايد واسطه هايتان را كه مى پنداشتيد در عبادت شما شريكند با شما نمى بينم، روابط شما گسيخته و آنچه مى پنداشتيد نابود شده است. سوره انعام، آيه 93 و 94.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 334

و چه بسا از مفسرين «1» كه گفته اند: منظور از اين تعبير حقيقت معناى صعيد جرز است، نه معناى كنايه اى، و معنايش اين است كه و هر آن زينتى كه بر زمين است را مجددا با خاك يكسان خواهيم كرد و زمين را به نحوى قرار خواهيم داد كه نه چيزى روئيدنى در آن باشد، و نه چيزى بر زمين موجود باشد.

و جمله" ما عَلَيْها- آنچه بر روى آن است" از قبيل به كار بردن اسم ظاهر در جاى ضمير است و گرنه جا داشت بفرمايد" و انا لجاعلوه" شايد خواسته است عنايت بيشتر به وصف بودنش بر زمين را افاده كند.

بحث روايتى [(رواياتى در تفسير جملات" لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً"،" فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ..." و" لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا")] ..... ص : 334

در تفسير عياشى از برقى روايت كرده كه او بدون ذكر سند از ابى بصير از امام باقر (ع) روايت كرده كه در ذيل جمله" لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ" فرموده: مقصود از" باس شديد" على (ع) است كه از طرف رسول خدا (ص) مامور به كشتن دشمنانش گرديد «2».

مؤلف: اين روايت را ابن شهر آشوب «3» هم از امام باقر و امام صادق (ع) نقل كرده است، ليكن معنايش اين نيست كه آيه شريفه در اين خصوص نازل شده، بلكه منظور اين است كه يكى از عذابهاى شديد داستان على (ع) است.

و در تفسير قمى در حديث ابى الجارود از امام باقر (ع) آورده كه در تفسير آيه" فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ" فرموده: يعنى بكشى خود را در اثر مخالفت ايشان، و در باره كلمه" اسفا" فرموده: يعنى از حزن و اندوه «4» و در الدر المنثور است كه ابن جرير، ابن ابى حاتم، ابن مروديه و حاكم در تاريخ از ابن عمر روايت كرده اند كه رسول خدا (ص) آيه" لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" را تلاوت فرمود، من پرسيدم: يا رسول اللَّه معناى آن چيست؟ فرمود: يعنى تا آنكه شما

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 207 و مجمع البيان، ج 6، ص 450.

(2)تفسير عياشى، ج 2، ص 321.

(3)مناقب ابن شهر آشوب.

(4)تفسير قمى، ج 2، ص 31.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 335

را بيازماييم كه كداميك عقل بهتر و ورع بيشتر از محارم خدا داريد و كداميك سريع تر در اطاعت خدائيد «1».

و در تفسير قمى در روايت ابى الجارود از ابى جعفر (ع) نقل كرده كه در معناى" صَعِيداً جُرُزاً" فرمود: زمينى كه گياه ندارد «2».

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 211.

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 31.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 336

[سوره الكهف (18): آيات 9 تا 26] ..... ص : 336

اشاره

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً (13)

وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18)

وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23)

إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 337

ترجمه آيات ..... ص : 337

مگر پنداشته اى از ميان آيه هاى ما اهل كهف و رقيم شگفت انگيز بوده اند (9).

وقتى آن جوانان به غار رفتند و گفتند: پروردگارا ما را از نزد خويش رحمتى عطا كن و براى ما در كارمان صوابى مهيا فرما (10).

پس در آن غار سالهاى معدود به خوابشان برديم (11).

آن گاه بيدارشان كرديم تا بدانيم كداميك از دو دسته مدتى را كه درنگ كرده اند بهتر مى شمارند (12).

ما داستانشان را براى تو به حق مى خوانيم. ايشان جوانانى بودند كه به پروردگارشان ايمان داشتند و ما بر هدايتشان افزوديم (13).

و دلهايشان را قوى كرده بوديم كه بپا خاستند و گفتند: پروردگار ما، پروردگار آسمانها و زمين است و ما هرگز جز او پروردگارى نمى خوانيم، و گرنه باطلى گفته باشيم (14).

اينان، قوم ما كه غير خدا خدايان گرفته اند چرا در مورد آنها دليل روشنى نمى آورند، راستى ستمگرتر از آن كس كه دروغى در باره خدا ساخته باشد كيست؟ (15).

اگر از آنها و از آن خدايان غير خدا را كه مى پرستند گوشه گيرى و دورى مى كنيد پس سوى غار

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 338

برويد تا پروردگارتان رحمت خويش را بر شما بگسترد و براى شما در كارتان گشايشى فراهم كند (16).

و خورشيد را بينى كه چون بر آيد از غارشان به طرف راست مايل شود و چون فرو رود به جانب چپ بگردد، و ايشان در فراخنا و قسمت بلندى غارند، اين از آيه هاى خداست هر كه را خدا هدايت كند او هدايت يافته است و هر كه را خدا گمراه كند ديگر دوستدار و دلسوزى و رهبرى برايش نخواهى يافت (17).

چنان بودند كه بيدارشان پنداشتى ولى خفتگان بودند. به پهلوى چپ و راستشان همى گردانديم و سگشان بر آستانه دستهاى خويش را گشوده بود، اگر ايشان را مى ديدى به فرار از آنها روى مى گرداندى و از ترسشان آكنده مى شدى (18).

چنين بود كه بيدارشان كرديم تا از همديگر پرسش كنند، يكى از آنها گفت: چقدر خوابيديد؟

گفتند روزى يا قسمتى از روز خوابيده ايم. گفتند پروردگارتان بهتر داند كه چه مدت خواب بوده ايد، يكيتان را با اين پولتان به شهر بفرستيد تا بنگرد طعام كدام يكيشان پاكيزه تر است و خوردنيى از آنجا براى شما بياورد، و بايد سخت دقت كند كه كسى از كار شما آگاه نشود (19).

زيرا محققا اگر بر شما آگهى و ظفر يابند شما را يا سنگسار خواهند كرد و يا به آيين خودشان بر مى گردانند و هرگز روى رستگارى نخواهند ديد (20).

بدينسان كسانى را از آنها مطلع كرديم تا بدانند كه وعده خدا حق است، و در رستاخيز ترديدى نيست، وقتى كه ميان خويش در كار آنها مناقشه مى كردند، گفتند بر غار آنها بنائى بسازيد پروردگار به كارشان داناتر است، و كسانى كه در مورد ايشان غلبه يافته بودند گفتند بر غار آنها عبادت گاهى خواهيم ساخت (21).

خواهند گفت: سه تن بودند چهارميشان سگشان بود. و گويند پنج تن بودند ششم آنها سگشان بوده اما بدون دليل و در مثل رجم به غيب مى كنند. و گويند هفت تن بودند هشتمى آنها سگشان بوده. بگو پروردگارم شمارشان را بهتر مى داند و جز اندكى شماره ايشان را ندانند، در مورد آنها مجادله مكن مگر مجادله اى به ظاهر، و در باره ايشان از هيچ يك از اهل كتاب نظر مخواه (22).

در باره هيچ چيز مگو كه فردا چنين كنم (23).

مگر آنكه خدا بخواهد، و چون دچار فراموشى شدى پروردگارت را ياد كن، و بگو شايد پروردگارم مرا به چيزى كه به صواب نزديكتر از اين باشد هدايت كند (24).

و در غارشان سيصد سال بسر بردند و نه سال بر آن افزودند (25).

بگو خدا بهتر داند چه مدت بسر بردند دانستن غيب آسمانها و زمين خاص او است چه او بينا و شنوا است، جز او دوستى ندارند و هيچكس را در فرمان دادن خود شريك نمى كند (26).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 339

بيان آيات [وجه اتصال و رابطه آياتى كه داستان اصحاب كهف را حكايت مى كنند با آيات قبل ] ..... ص : 339

اشاره

اين آيات داستان اصحاب كهف را ذكر مى كند كه يكى از سه سؤالى است كه يهود به مشركين ياد دادند تا از رسول خدا (ص) بپرسند و بدين وسيله او را در دعوى نبوتش بيازمايند. و دو سؤال ديگر- به طورى كه در روايات آمده- يكى داستان موسى و آن جوان همسفر او است، و ديگرى داستان ذى القرنين است. چيزى كه هست در اين آيات داستان كهف را مانند آن دو داستان ديگر طورى نقل نفرموده كه صريح باشد در اين كه آن را از رسول خدا (ص) پرسيده اند، همانطور كه در آن دو دارد:" يَسْئَلُونَكَ". گو اين كه در آخر آيات مربوط به داستان كهف نيز چيزى كه اشاره به اين معنا داشته باشد هست، و آن اين است كه مى فرمايد:" در باره هيچ چيز مگو اين كار را فردا مى كنم مگر آنكه دنبالش بگويى ان شاء اللَّه".

سياق آيات سه گانه اى كه داستان مزبور با آنها شروع شده اشعار به اين دارد كه قصه كهف قبلا به طور اجمال در بين مردم معروف بوده، مخصوصا اين اشعار در سياق آيه" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً" بيشتر به چشم مى خورد، و مى فهماند كه نزول اين آيات براى تفصيل قضيه است كه از جمله" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ..." شروع مى شود.

و وجه اتصالش به آيات قبل اين است كه با اشاره به اين داستان و اينكه جاى تعجب در آن نيست همان مطالب گذشته را تاييد مى كند، كه اگر خداى تعالى موجودات روى زمين را در نظر بشر جلوه داده، و دلهاى آدميان را مجذوب آنها نموده تا بدانها ركون و اطمينان كنند، و توجه خود را بدانها معطوف دارند، همه به منظور امتحان است. و همچنين اگر پس از گذشتن اندك زمانى همه آنها را با خاك يكسان نموده، از نظر انسان مى اندازد و به صورت سرابى جلوه مى دهد، همه و همه آياتى است الهى نظير آيتى كه در داستان اصحاب كهف هست، كه خدا خواب را بر آنان مسلط نمود و در كنج غارى سيصد سال شمسى به خوابشان برد و وقتى بيدار شدند جز اين به نظرشان نرسيد كه يا يك روز در خواب بوده اند و يا پاره اى از روز پس مكث هر انسان در دنيا و اشتغالش به زخارف و زينت هاى آن و دلباختگى اش نسبت به آنها و غفلتش از ماسواى آن، خود آيتى است نظير آيتى كه در داستان اصحاب كهف است. همانطور كه آنها وقتى بيدار شدند خيال كردند روزى و يا پاره اى از روز خوابيده اند،

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 340

انسانها هم وقتى روز موعود را مى بينند خيال مى كنند يك روز و يا پاره اى از يك روز در دنيا مكث كرده اند، و چنانچه از اصحاب كهف سؤال شد" كَمْ لَبِثْتُمْ" و آنها گفتند:" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" از همه انسانها نيز در روز موعود سؤال مى شود:" كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" «1» و نيز مى فرمايد:" كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ" «2».

پس آيت اصحاب كهف در بين ساير آيات الهى پيشامدى نوظهور و عجيب نيست، بلكه داستانى است كه همه روزه، و تا شب و روزى هست، تكرار مى گردد.

پس گويا خداى تعالى بعد از آنكه فرمود:" فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ... صَعِيداً جُرُزاً" رسول گرامى خود را خطاب مى كند كه: گويا تو متوجه نشدى كه اشتغال مردم به دنيا و ايمان نياوردنشان به اين داستان به خاطر تعلقى كه به زينت هاى زمين دارند، خود آيتى است نظير آيت خوابيدن اصحاب كهف در غار، و به همين جهت اندوهناك شدى تا حدى كه خواستى از غصه خودت را بكشى، و خيال كردى كه داستان اصحاب كهف يك داستان استثنايى و نوظهور و عجيب است، و حال آنكه اين داستان عين داستان زندگى مردم دنياپرست است.

و اگر صريحا رسول گرامش را خطاب نكرد خواست تا نسبت غفلت به ساحت مقدس او نداده باشد، علاوه بر اينكه كنايه از تصريح رساتر است.

اين آن معنايى است كه با تدبر در وجه و چگونگى اتصال اين داستان با آيات قبلش به دست مى آيد. و به همين منوال آيات بعدى هم- كه مربوط به آن دو مرد است كه يكى از آنها صاحب دو باغ بود و آيات بعد از آن، كه مربوط است به قصه موسى و همسفرش- معنا مى شود كه به زودى بيانش خواهد آمد. البته مفسرين ديگر در وجه اتصال آيات اين قصه به ما قبل خود وجوه ديگرى ذكر كرده اند كه موجه نيستند، و فائده اى در نقل آنها نيست.

" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً".

" حسبان" به معناى پندار و مظنه است، و" كهف" به معناى مغاره اى است كه در كوه باشد، و فرق آن را با" مغاره" از نظر لغت اين است كه كهف از مغاره وسيع تر و بزرگتر

__________________________________________________

(1)پرسيده مى شود چند سال در زمين درنگ كرديد؟ (در پاسخ) گويند درنگ كرديم يك روز يا قسمتى از يك روز. سوره مؤمنون، آيات 112 و 113.

(2)روزى كه مى بينند وعده الهى را، چنين به نظرشان مى رسد كه در زمين مكث نكردند مگر ساعتى از يك روزى را. سوره احقاف، آيه 35.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 341

است. و غار همان كهف است، ليكن در صورتى كه كوچك باشد و كلمه" رقيم" از" رقم" است كه هم به معناى نوشتن است و هم به معناى خط. پس" رقيم" در واقع به معناى" مرقوم" است، چون در موارد بسيارى وزن فعيل به معناى مفعول مى آيد، مانند" جريح" كه به معناى" مجروح" و" قتيل" كه به معناى" مقتول" است. و كلمه" عجب" مصدر و به معناى" تعجب" است كه اگر به صورت وصف (عجب) تعبير شده نه به صورت فعل (تعجب) به منظور مبالغه است.

[بيان اينكه اصحاب رقيم نام ديگر اصحاب كهف است ] ...... ص : 341

و از ظاهر سياق اين داستان بر مى آيد كه اصحاب كهف و رقيم جماعت واحدى بوده اند كه هم اصحاب كهف ناميده شدند، و هم اصحاب رقيم. اصحاب كهف ناميده شدند به خاطر اينكه در كهف (غار) منزل كردند، و اصحاب رقيمشان ناميدند زيرا- بطورى كه گفته «1» شده داستان و سرگذشتشان در سنگنبشته اى در آن ناحيه پيدا شده است، و يا در موزه سلاطين ديده شده «2»، به همين جهت اصحاب رقيم ناميده شدند. بعضى «3» ديگر گفته اند" رقيم" نام كوهى در آن ناحيه بوده كه غار مزبور در آن قرار داشته است. و يا نام واديى بوده كه كوه مزبور در آنجا واقع بوده»

. و يا نام آن شهرى بوده كه كوه نامبرده در آنجا بوده است، و اصحاب كهف اهل آن شهر بوده اند «5». و يا نام سگى بوده كه همراه آنان به غار در آمده است «6».

اين پنج قول است كه در باره معناى اصحاب رقيم گفته شده و به زودى در بحثى كه پيرامون داستان كهف مى آيد، خواهيد ديد كه قول اول مؤيد دارد.

بعضى «7» ديگر گفته اند: اصحاب رقيم مردمى غير از اصحاب كهف بوده اند، و داستانشان غير از داستان ايشان است، و خداى تعالى نام آنان را با اصحاب كهف ذكر كرده است، ولى فقط تفصيل داستان اصحاب كهف را فرموده است. اين عده از مفسرين براى داستان اصحاب رقيم روايتى هم نقل كرده اند كه به زودى در بحث روايتى خواهد آمد.

ليكن اين قول بسيار بعيد است، زيرا خداى تعالى در كلام فصيح و بليغش هرگز به

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 452، نقل از سعيد بن جبير.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 452.

(3)مجمع البيان، ج 6، ص 452 به نقل از حسن. [.....]

(4)مجمع البيان، ج 6، ص 452، به نقل از ابن عباس.

(5)كشاف، ج 2، ص 705.

(6)كشاف، ج 2، ص 704.

(7)روح المعانى، ج 15، ص 210.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 342

داستان دو طايفه از مردم اشاره نمى فرمايد مگر آنكه تفصيل هر دو را بيان كند، نه اينكه اسم هر دو را ببرد و آن وقت تنها به داستان يكى پرداخته، ديگرى را مسكوت بگذارد، و مورد توجه اجمالى يا تفصيلى قرار ندهد.

علاوه بر اينكه آن داستانى كه گفتيم در روايت راجع به اصحاب رقيم آمده با سياق آيات سابق سازگار نيست و آن مناسبتى را كه داستان اصحاب كهف با آن سياق دارد، ندارد.

پس از آنچه كه در وجه اتصال آيات قصه كهف با آيات قبل گفتيم چنين بر مى آيد كه معناى آيه اين است كه" تو گمان كرده اى داستان اصحاب كهف و رقيم- كه خدا صدها سال به خوابشان برد و سپس بيدارشان نموده و گمان كردند يك روز و يا پاره اى از يك روز خوابيدند- آيت عجيبى از آيات ما است؟ نه هيچ عجيب و غريب نيست، زيرا آنچه كه بر عامه خلق مى گذرد، كه سالها فريفته زندگى مادى و زرق و برق آن شده غافل و بى خبر از معاد به سرمى برند و ناگهان به عرصه قيامت در آمده زندگى چند ساله دنياى خود را يك روز و يا ساعتى از يك روز مى پندارند، دست كمى از سرگذشت اصحاب كهف ندارند.

و ظاهر سياق- همانطور كه قبلا هم اشاره كرديم- اين است كه قصه اصحاب كهف قبل از نزول اين آيات بطور اجمال براى رسول خدا (ص) معلوم بوده، و در اين آيات عنايت در بيان تفصيل آن است، مؤيد اين استظهار اين است كه بعد از اين آيه و سه آيه ديگر آمده كه اجمال قصه را در بردارد و مجددا مى فرمايد:" نَحْنُ نَقُصُّ ..." يعنى ما تفصيل داستان ايشان را برايت ذكر مى كنيم.

" إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ... مِنْ أَمْرِنا رَشَداً".

كلمه" اوى" از" اوى" است كه به معناى برگشتن است، البته نه هر برگشتنى، بلكه برگشتن انسان و يا حيوان به محل اقامت و زندگى اش تا در آنجا دوباره استقرار يابد. و كلمه" فتية" جمع سماعى" فتى" است، و" فتى" به معناى جوان است، و اين كلمه خالى از شائبه مدح نيست و تقريبا منظور از آن، جوان خوب مى باشد.

كلمه" هيئ" از ماده تهيه و آماده كردن است. بيضاوى گفته است كه اصل تهيه هر چيزى پديد آوردن هيات آن است «1». و كلمه" رشد"- به فتحه را و شين- و همچنين كلمه" رشد"- به ضمه را و سكون شين- راه يافتن به سوى مطلوب است. راغب گفته:" رشد" و

__________________________________________________

(1)تفسير بيضاوى، ج 2، ص 5.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 343

" رشد" در مقابل" غى" است كه در جاى كلمه هدايت استعمال مى شود «1».

[مقصود از" رحمت" و" رشد" در دعاى اصحاب كهف:" رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً"] ..... ص : 343

و جمله" فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً" تفريع دعاى ايشان است بر بازگشتن ايشان، گويا وقتى ناتوانى و بيچارگى خود را ديدند مضطر به اين شدند كه از درگاه خدا مسئلت نمايند، و اين تفريع را كلمه" من لدنك" تاييد مى كند، زيرا اگر دستشان از هر چاره اى قطع نشده باشد، و ياس و نوميدى از هر طرف احاطه شان نكرده باشد رحمتى را كه درخواست كردند مقيد به قيد" لدنك" نمى كردند، بلكه مى گفتند" آتنا رحمة- خدايا به ما رحمتى فرست" هم چنان كه ديگران مى گويند:" رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً" «2» و يا مى گويند:

" رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ" «3» پس مراد از رحمت سؤال شده تاييد الهى بوده در جايى كه مؤيدى غير او نيست.

ممكن هم هست مراد از رحمت سؤال شده از ناحيه پروردگار پاره اى مواهب و نعمتهاى مختص به خدا باشد از قبيل هدايت كه در مواضعى از كلام مجيدش آن را از ناحيه خودش به تنهايى دانسته است، تقييد به جمله" من لدنك" هم خالى از اشعار به اين معنا نيست. و ورود نظير اين قيد در دعاى راسخين در علم كه در قرآن آمده باز اين احتمال را تاييد مى كند، چنانچه فرموده:" رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً" «4» كه مى دانيم در اين درخواست جز هدايت چيزى را نخواسته اند.

و در جمله" وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً" مراد از" أمرنا" آن وصفى است كه مخصوص به خود آنان بوده. و به خاطر همان وضع از ميان قوم خود بيرون آمده و فرار كرده اند و حتما آن قوم در پى مردم با ايمان بوده اند تا هر جا يافتند آنها را به قتل برسانند، و يا بر پرستش غير خدا مجبورشان كنند. و اين عده پناهنده به غار شدند در حالى كه نمى دانستند سرانجام كارشان به كجا مى رسد، و چه بر سرشان مى آيد، و غير از پناهندگى به غار هيچ راه نجات ديگرى نداشتند، و از همين جا معلوم مى شود كه مراد از رشد همان راه يافتن و اهتداء به روزنه نجات است.

پس اين جمله، يعنى جمله" وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً" بنا بر احتمال اول- از دو

__________________________________________________

(1)مفردات راغب، ماده" رشد".

(2)سوره بقره، آيه 201.

(3)سوره آل عمران، آيه 194.

(4)پروردگارا دلهاى ما را از حق منحرف مكن بعد از آنكه هدايتمان كردى و از ناحيه خودت رحمتى بر ما ارزانى دار. سوره آل عمران، آيه 8.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 344

احتمالى كه در سابق در معناى رحمت گذشت- عطف تفسير بر جمله" آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً" خواهد بود، و بنا بر احتمال دوم درخواست ديگرى غير درخواست رحمت خواهد شد.

[معناى جمله:" فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً"] ..... ص : 344

" فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً".

زمخشرى در تفسير كشاف خود گفته: يعنى پرده اى بر آن غار زديم تا ديگر گوشهايشان صداهاى خارج را نشنود و از خواب بيدار نگردند. و به عبارت ديگر: خواب سنگينى بر آنان مسلط كرديم كه هيچ صدايى بيدارشان نكند هم چنان كه اشخاصى كه سنگين خواب هستند همينطورند، هر چه بيخ گوششان فرياد بزنى بيدار نمى گردند، بنا بر اين، مفعول" ضربنا" كه همان حجاب باشد در كلام حذف شده هم چنان كه در عبارت معروف:" فلان بنى على امرأته" مفعول" بنى" حذف شده، و نمى گويند چه بنا كرد، چون مقصود معلوم است، همه مى دانند كه اطاقى بنا كرد «1».

و در مجمع البيان گفته: معناى" فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ" اين است كه ما خواب را بر گوشهاى آنان مسلط كرديم، و اين تعبير نهايت درجه فصاحت را دارد، هم چنان كه مى گويند:

" ضربه اللَّه بالفالج" يعنى خدا او را مبتلاى به فلج كرد. قطرب گفته: اين تعبير نظير تعبير عرب است كه مى گويد:" ضرب الامير على يد فلان" و منظور از اين تعبير اين است كه امير دست فلانى را از فلان كار كوتاه نمود. اسود بن يعفر كه مردى نابينا بود گفته است:

و من الحوادث لا ابا لك اننى ضربت على الارض بالاسداد

يعنى: از حوادث بى پدر! از حوادث روزگار اينكه من بر زمين زدم (يعنى جايى نمى روم).

آن گاه قطرب اضافه كرده كه اين از تعابير فصيح قرآنى است كه به طور زيرنويسى نمى شود ترجمه اش كرد. اين بود كلام صاحب مجمع البيان «2».

اين معنايى كه وى براى جمله مورد بحث كرده از معناى زمخشرى بليغ تر است.

البته معناى سومى هم مى توان كرد، هر چند مفسرين آن را نگفته اند و آن اين است كه مقصود از زدن بر گوش اشاره به آن رفتارى باشد كه زنان هنگام خواباندن بچه هاى خود انجام مى دهند، و آن اين است كه يا با كف دست و يا با سر انگشت به گوش بچه آرام مى زنند تا حواسش از همه جا جمع شده در يك جا متمركز شود، و به اين وسيله خوابش ببرد، پس جمله مذكور كنايه از اين است كه خداى تعالى با شفقت و مدارا آنان را به خواب برد

__________________________________________________

(1)تفسير كشاف، ج 2، ص 705.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 451.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 345

همانطور كه مادر مهربان با بچه شيرخوار خود عمل مى كند.

" سِنِينَ عَدَداً"- اين جمله ظرف است براى" ضرب" و" عدد" مانند عد مصدر به معناى معدود است، و بنا بر اين معناى جمله مزبور سنين معدودا است، و بعضى گفته اند: مضافى در اين ميان حذف شده، و تقدير كلام" سنين ذوات عدد، يعنى سالهايى داراى عدد" بوده است.

ولى زمخشرى در كشاف گفته توصيف سنين به عدد احتمال دارد به منظور تكثير و يا تقليل بوده باشد، و در هر حال معنا:" سالهاى بسيار" باشد چون به منظور تقليل هم كه باشد كثير نزد ما نزد خدا قليل است هم چنان كه عمر دنياى ما را يك ساعت از روز خوانده و فرموده:

" لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ- در دنيا مكث نكردند مگر ساعتى از روزى" زجاج گفته: اين توصيف به منظور تكثير است، چون هر چيزى وقتى زياد باشد محتاج به شمردن و عدد است و اما اندكش احتياج به عدد ندارد، اين هم خلاصه كلام زمخشرى بود «1».

و چه بسا عنايت در اين توصيف به اين بوده كه كمى مقدار سالها را برساند، چون هر چيزى وقتى زياد شد ديگر قابل شمردن نيست و عادتا آن را نمى شمارند، پس اينكه فرموده سالهايى معدود، يعنى اندك و قابل شمار، هم چنان كه همين قرآن كريم اين عنايت را در داستان بفروش رفتن يوسف (ع) به بهاى اندك به كار برده و فرموده:" وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ" «2» يعنى درهم هايى اندك.

بعلاوه اگر منظور از اين توصيف تقليل باشد با سياق مناسب تر است، زيرا در سابق هم گفتيم كه زمينه كلام افاده اين معنا است كه سرگذشت اصحاب كهف امر عجيبى نيست، و با اين زمينه تقليل سازگارتر است نه تكثير. و معناى آيه روشن است، و از آن استفاده مى شود كه اصحاب كهف در اين مدت طولانى در خواب بوده اند نه اينكه مرده باشند.

" ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً".

مراد از" بعث" در اينجا همان بيدار كردن است، نه زنده كردن. به قرينه آيه قبلى كه دلالت داشت بر اينكه در اين مدت در خواب بودند نه اينكه مرده باشند. راغب گفته:

كلمه" حزب" به معناى جماعت است اما جماعتى كه يك نوع فشردگى داشته باشند «3».

و نيز در باره كلمه" امد" گفته: اين كلمه با كلمه" ابد" در معنا نزديك به همند، با اين تفاوت كه ابد مدت زمانى را گويند كه حد محدودى نداشته باشد و مقيد به حدى نشده

__________________________________________________

(1)تفسير كشاف، ج 2، ص 705.

(2)او را بفروختند به بهايى ناچيز و درهم هايى معدود. سوره يوسف، آيه 20.

(3)مفردات راغب، ماده" حزب". [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 346

باشد، و لذا هيچ وقت نمى گويند:" ابد، چند سال" به خلاف" امد" كه به معناى مدت زمانى است كه محدود باشد، اگر حدش در كلام آمده باشد كه معين خواهد بود، ولى اگر به طور مطلق ذكر شده باشد زمان محدودى است كه حدش مجهول است. و فرق ميان امد و زمان اين است كه امد به اعتبار آخر زمان و نهايت آن به كار مى رود ولى زمان عام است، هم در ابتداى مدت استعمال مى شود و هم در آخر آن، و به همين جهت است كه بعضى از علماى لغت گفته اند" مدى" و" امد" قريب المعنايند «1».

مراد از اينكه فرمود" لنعلم- تا بدانيم" آن معناى معروف اين كلمه نيست تا كسى بگويد مگر خدا هم جاهل است، بلكه به معناى علم فعلى است. و علم فعلى عبارت است از حضور معلوم و ظهورش با وجود مخصوص به خودش در نزد خداى سبحان و در قرآن كريم علم به اين معنا زياد آمده، مانند آيه" لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ" «2» و آيه" لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ" «3».

برگشت توجيه بعضى «4» از مفسرين هم كه گفته اند معناى" لنعلم" عبارت است از:

" تا معلوم خود را اظهار كنيم" به همين معنايى است كه ما كرديم.

[معناى اينكه فرمود: سپس اصحاب كهف را بيدار كرديم" لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى "] ..... ص : 346

و جمله" لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ..." تعليل براى بعث است، و لام آن لام غايت و مراد از" دو حزب" دو طائفه از اصحاب كهف است كه با هم اختلاف كردند يكى پرسيد" كَمْ لَبِثْتُمْ" ديگرى پاسخ داد:" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" گفتند پروردگارتان بهتر مى داند كه چقدر خوابيديد.

جمله" وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ" كه در آيات بعدى است همين معنا را تاييد مى كند كه غرض از به خواب كردن اصحاب كهف همين بوده كه وقتى بيدار مى شوند اختلاف كنند و معلوم شود آيا به ذهن فردى از آنان مى رسد كه چقدر خوابيده اند، يا نه؟.

و اما اين احتمال كه بعضى «5» داده اند كه منظور از" دو حزب"" دو طائفه از مردم بوده اند كه در باره خواب اصحاب كهف اختلاف كرده اند، كفار به خطا نظر مى دادند، و مؤمنين به صواب، خدا خود اصحاب كهف را بيدار كرد تا حق مطلب را بگويند، و معلوم شود كه كدام طائفه خطا كرده اند" معناى بعيدى است.

__________________________________________________

(1)مفردات راغب، ماده" امد".

(2)سوره حديد، آيه 25.

(3)سوره جن، آيه 28.

(4 و 5)مجمع البيان، ج 6، ص 452.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 347

كلمه" احصى" در جمله" أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً" فعل ماضى است كه از باب افعال گرفته شده. و كلمه" امدا" مفعول آن است و ظاهرا جمله" لِما لَبِثُوا" قيد است براى" امدا" و" ما" در آن مصدريه است، و به آيه چنين معنا مى دهد: كداميك از دو طائفه مدت مكثشان را شمرده اند.

بعضى «1» ديگر از مفسرين كلمه" احصى" را اسم تفضيل از احصاء دانسته و گفته اند كه كلمه مذكور اسم تفضيل است كه زوائدش حذف شده، هم چنان كه مى گويند:" فلان احصى للمال و افلس من ابن المذلق" «2» و كلمه" امدا" منصوب به فعلى است كه كلمه" احصى" بر آن دلالت دارد. ليكن اين طرز معنا كردن تكلف و بيهوده به خود زحمت دادن است. البته بعضى ديگر از مفسرين معناى ديگرى كرده اند.

و معناى آيات سه گانه يعنى آيه" إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ ... أَمَداً" اين است: وقتى جوانان در غار جا گرفتند از پروردگار خود در همان موقع درخواست كردند كه پروردگارا به ما از ناحيه خودت رحمتى عطا كن كه ما را به سوى راه نجاتمان هدايت كند. پس سالهاى معدودى ايشان را در غار بخوابانديم و آن گاه بيدارشان كرديم تا معلوم شود كداميك از دو طائفه مدت خواب خود را مى داند، و آن را شمرده است.

و اين آيات سه گانه به طورى كه ملاحظه مى فرماييد اجمال داستان اصحاب كهف را يادآورى نموده و تنها جهت آيت بودن آن را و غرابت امر ايشان را بيان مى كند. آيه اولى اشاره مى كند كه چگونه به غار درآمدند، و درخواست راه نجات كردند، و در دومى به خواب رفتن آنان را در سالهايى معدود بيان نموده در آيه سوم به بيدار شدن و اختلافشان در مقدار زمانى كه خوابيدند اشاره شده است.

پس اجمال قصه سه ركن دارد كه هر يك از اين آيات سه گانه يكى را بيان نموده است. و بر همين منوال است آيات بعدى كه تفصيل داستان را بيان مى كند، جز اينكه آن آيات مطلب ديگرى را هم اضافه مى كند، و آن پاره اى از جزئيات است كه پس از علنى شدن داستان ايشان رخ داده، و آيه" كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ ..."- تا آخر آيات قصه- متضمن آن جزئيات است.

__________________________________________________

(1)كشاف، ج 2، ص 705.

(2)فلانى از همه بهتر مال مى شمارد، و فلانى از ابن مذلق مفلس تر است- اين جمله يك مثل مشهور است.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 348

" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ...".

از اينجا تفصيل نكات مهم داستان شروع مى شود، و معناى اينكه فرمود:" إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ" اين است كه اصحاب كهف جوانانى بودند كه به پروردگار خود ايمانى آوردند كه مورد رضايت او بود. و اگر منظور افاده چنين ايمانى نبود مسلما ايمان را به آنان نسبت نمى داد و نمى فرمود: ايمان آوردند به پروردگارشان.

" وَ زِدْناهُمْ هُدىً"- هدايت بعد از اصل ايمان ملازم با ارتقاى درجه ايمانى است كه باعث مى شود انسان به سوى هر چيزى كه منتهى به خشنودى خدا است هدايت گردد، هم چنان كه فرموده:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ" «1».

" وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا ... عَلَى اللَّهِ كَذِباً".

كلمه" ربط" به معناى محكم بستن است. و" ربط بر دلها" كنايه از سلب اضطراب و قلق از آنها است. و كلمه" شطط" به معناى خروج از حد و تجاوز از حق است. و كلمه" سلطان" به معناى حجت و برهان است.

[اقرار به توحيد پروردگار و نفى ربوبيت ارباب و آلهه در گفتگوى اصحاب كهف با خود] ..... ص : 348

اين آيات سه گانه قسمت اول از گفتگوى اصحاب كهف را حكايت مى كند، كه وقتى عليه بت پرستى قيام نمودند و با آن به مبارزه برخاستند با يكديگر گفتند." إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً- هنگامى كه قيام كردند گفتند پروردگار ما پروردگار آسمانها و زمين است، ما به غير او اله ديگرى را نمى خوانيم، چرا كه اگر بخوانيم در اين هنگام از راه حق تجاوز كرده ايم ببين كه مردم ما چگونه غير خدا خدايانى گرفته اند، اينها اگر دليل قاطعى بر ربوبيت ايشان نياورند ستمكارترين مردمند، زيرا ستمكارتر از كسى كه بر خدا افتراء و دروغ ببندد كيست؟".

اين قسمت از گفتگوى اصحاب كهف مملو از حكمت و فهم است، و در اين فراز از گفتگوى خود خواسته اند ربوبيت ارباب بتها از ملائكه و جن و مصلحين بشر را كه فلسفه وثنيت الوهيت آنها را اثبات كرده باطل كنند، نه ربوبيت خود بتها را كه مشتى مجسمه و تصويرى از آن ارباب و خدايان است. شاهد بر اين معنا كلمه" عليهم" است كه مى رساند

__________________________________________________

(1)اى كسانى كه ايمان آورده ايد از خدا بترسيد و به رسول او ايمان بياوريد تا از رحمت خود دو چندان به شما بدهد و به شما نورى ارزانى دارد كه با آن نور آمد و شد كنيد. سوره حديد، آيه 28.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 349

منظورشان ابطال ربوبيت ملائكه و جن و كملين از بشر بوده، و گرنه اگر منظورشان ابطال ربوبيت مجسمه ها بود مى فرمود:" عليها- اگر دليل قاطعى بر ربوبيت آنها نياورند".

آرى، اصحاب كهف در اين قسمت از محاوره خود ابتداء با جمله" رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" توحيد را اثبات نموده و ربوبيت تمامى عالم را منحصر به رب واحدى كرده اند كه شريك ندارد، و اين غير آن چيزى است كه وثنيت مى گويد. وثنيت براى هر نوع از انواع مخلوقات، اله و ربى قائل هستند. الهى براى آسمانها و الهى براى زمين و ربى براى انسانها و همچنين براى هر قسم از موجودات ربى جداگانه قائلند.

آن گاه براى تاكيد توحيد اضافه كرده اند كه:" لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً- ما به غير او اله ديگرى نمى خوانيم" و فائده اين تاكيد نفى آلهه ايست كه وثنيت آنها را اثبات مى كرد، و آن آلهه را ما فوق رب النوع ها مى دانست مانند عقول كليه اى كه صابئين عبادت مى كردند، و مانند برهما و سيوا و شنوكه براهمه و بودائيان آنها را مى پرستيدند. اصحاب كهف براى نفى الوهيت آنها آن تاكيد را آورده مجددا تاكيد ديگرى آوردند كه:" لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً- اگر چنين كنيم از راه حق تجاوز كرده ايم" و با اين جمله فهماندند كه خواندن غير خدا تجاوز از حد و غلو در حق مخلوق و بالا بردن آن تا حد خالق است.

آن گاه به مردم عصر خود در پرستش غير خداى سبحان و اتخاذ آلهه حمله كرده گفته اند:" هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ" و عقيده آنان را چنين رد كرده اند كه اينان دليل روشنى بر آنچه ادعاء مى كنند ندارند.

و اين دليلى كه بت پرستان آورده اند كه" خداى سبحان بزرگتر از آن است كه ادراك خلق بر او احاطه يافته توجهش به سوى او متوجه گردد، و يا عبادت خود به سويش تقرب جويد و لا جرم راه ديگرى جز اين نيست كه مخلوق او بعضى از موجودات شريف و محترم را عبادت كند تا آن موجود عبادت وى را به خدا برساند و او را به خدا نزديك كند" دليلى است كه به ضرر خود آنان است، زيرا اولا احاطه نيافتن ادراك بشر به خداى تعالى اشكالى است كه ميان همه ما افراد بشر و آنچه عبادتش مى كنند مشترك است.

به علاوه ما هم كه يكتاپرستيم تنها او را به اسماء و صفاتش مى شناسيم آن هم هر كس به قدر طاقتش به اسماء و صفات او آشنايى دارد. پس هر كس به قدر معرفتش بايد او را بپرستد.

علاوه بر اينكه تمامى صفاتى كه معبود را مستحق عبادت مى كند از قبيل خلقت كردن، رزق دادن و مالكيت و تدبير عالم و امثال آن همه منحصرا صفات خداى تعالى است، ترجمه الميزان، ج 13، ص: 350

و غير خدا چيزى از آن صفات را از خود ندارد، پس مشركين هم تنها او را بايد بپرستند.

[جزئياتى از داستان اصحاب كهف كه از آيات استفاده مى شود] ..... ص : 350

آن گاه گفتار گذشته، يعنى جمله" لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ" را با اين كلام ديگر خود" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً": رديف كردند تا حجت و برهانى كه در رد كلام كفار اقامه كرده بودند تمام گردد. و معنايش اين است كه: بر مشركين است كه برهانى قاطع بر صحت گفتارشان اقامه كنند كه اگر اقامه نكنند سخنشان سخنى بدون دليل و علم بوده، دروغ و افترايى خواهد بود كه به خدا بسته اند، و افتراء ظلم است، و ظلم بر خدا بزرگترين ظلمها است.

پس با اين كلام خود به ما فهمانده اند كه مردمى عالم و خداشناس و داراى بصيرت بوده اند و وعده خداى تعالى را كه در باره شان فرموده:" وَ زِدْناهُمْ هُدىً" در حقشان عملى شده است.

در اين كلام با همه اختصارش قيودى است كه از تفصيل نهضت آنان و جزئيات آن در ابتداى امر خبر مى دهد، مثلا از قيد" وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ" فهميده مى شود كه گفتار بعديشان را كه گفتند:" رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ..." از مشركين پنهان نمى داشته اند، بلكه علنى در ميان آنان مى گفتند، در موقعيتى مى گفتند كه دل شير در آن آب مى شد، و از وحشت دلها به لرزه درمى آمده، پوست بدنها جمع مى شده، در ميان جمعى از دشمنان اظهار مى داشتند كه مى دانستند دنبال اظهاراتشان خونريزى و عذاب و شكنجه و تطميع در كار است.

و از قيد،" إِذْ قامُوا فَقالُوا" استفاده مى شود كه اين عده از جوانان ابتداى مخالفتشان در مجلسى بوده كه دستور به عبادت و پرستش بتها از آنجا صادر مى شده و اعضاى آن محفل مردم را مجبور به بت پرستى نموده از عبادت خدا باز مى داشتند و حتى استفاده مى شود كه خداپرستان را شكنجه و آزار هم مى كردند، مى كشتند، عذاب مى دادند، حال اين مجلس يا مجلس سلطان بوده يا مجلسى كه از وزراء سلطان تشكيل مى شده، و يا مجلس عمومى بوده است، على اى حال اين چند جوان برمى خيزند، و علنا مخالفت خود را اعلام داشته از آن مجلس بيرون مى آيند، و از مردم شهر كناره گيرى مى كنند، و در حالى اين قيام را كردند كه در خطر عظيمى بودند، از هر سو مردم به ايشان حمله ور شدند، چون در آيه شريفه دارد كه به غار پناهنده شدند، و فرموده:" وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ- و چون از ايشان و آنچه كه به غير خدا مى پرستيدند كناره گيرى نموديد، به غار پناهنده شويد".

و اين خود مؤيد رواياتى است كه در داستان اصحاب كهف آمده و به زودى خواهد آمد كه اصلا شش نفر از آنان جزء خواص سلطان بوده اند و شاه در امور خود با آنان مشورت مى كرده، همانها بودند كه از مجلسش برخاسته اعلان اعتقاد به توحيد نموده هر شريكى را از خدا نفى كردند.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 351

و اين با مضمون رواياتى كه مى گويد اصحاب كهف ايمان خود را پنهان مى داشتند و با تقيه رفتار مى كردند منافاتى ندارد، زيرا ممكن است عمرى اين چنين بسر برده و سپس به طور ناگهانى تقيه را شكسته ايمان به توحيد را اعلام نموده از مردم خود كناره گيرى نمودند، و ديگر مجالى برايشان نمانده كه تظاهر به ايمان بكنند، زيرا اگر چنين مجالى بود قطعا كشته مى شدند.

و چه بسا احتمال داده اند، كه مراد از قيام اصحاب كهف قيامشان براى يارى حق بوده، و اينكه گفته اند" رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" گفتارى بوده كه در دل زمزمه مى كرده اند. و جمله" وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ" گفتار ايشان در هنگام خروجشان از شهر بوده. و يا ممكن است مقصود از قيامشان قيام براى خدا باشد، و همه اقوالى كه از ايشان نقل شده گفتگوهايى بوده ميان خودشان كه بعد از بيرون شدن از شهر و دور شدن از مردم به ميان آورده اند. و بنا بر دو وجهى كه ذكر شد منظور از ربط بر قلوب ايشان، اين است كه ايشان از عاقبت بيرون شدن از ميان مردم و فرار از شهر و دورى از مردم نهراسيده اند.

و ليكن از دو وجه مذكور وجه اولى روشن تر است.

" وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ...".

كلمه" اعتزال" و همچنين" تعزل" به معناى دورى از چيزى است، و كلمه" نشر" به معناى گستردن است و" مرفق"- به كسره ميم و فتحه فاء، و همچنين بالعكس، و نيز به فتحه هر دو حرف- به معناى رفتار به نرمى و معامله به لطف است.

اين آيه فراز دوم از محاوره آنان را بعد از بيرون شدن از ميان مردم و اعتزالشان از آنان و از خدايان آنان حكايت مى كند، كه بعضى از ايشان پيشنهاد كرده كه داخل غار شوند و خود را از دشمنان دين پنهان كنند. و اينكه اين پيشنهاد خود الهامى الهى بوده كه به دل ايشان انداخته كه اگر چنين كنند خدا به لطف و رحمت خود با آنان معامله مى كند، و راهى كه منتهى به نجاتشان از زورگوئيهاى قوم و ستمهاى ايشان باشد پيش پايشان مى گذارد. و ما اين معنا را از جمله" فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ..." استفاده كرديم، چون اصحاب كهف در اين جمله به طور جزم گفتند:" پروردگارتان از رحمتش براى شما مى گستراند"، و نگفتند" اميد است پروردگارتان چنين كند" و نيز نگفتند" شايد پروردگارتان چنين كند" و اين دو مژده، يعنى نشر رحمت و تهيه مرفق، كه بدان ملهم شدند همان دو خواهشى بود كه بعد از دخول در كهف از درگاه خداى خود نموده- و به حكايت قرآن

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 352

كريم- گفتند:" رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً".

استثناء در جمله" وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ" استثناء منقطع است، زيرا وثنى ها، خدا را با ساير خدايان خود نمى پرستيدند تا در نتيجه استثناء متصل باشد، و بعضى افرادى كه داخل در مستثنى منه بوده بيرون كند. پس اينكه بعضى «1» از مفسرين گفته اند كه مردم آن روز مثل ساير مشركين هم خدا را مى پرستيده اند و هم آلهه را. و همچنين اينكه بعضى «2» ديگر گفته اند ممكن است كه در ميان آن مردم بعضى بوده اند كه خدا را با آلهه مى پرستيدند، و بدين جهت استثناء در آيه متصل است، سخنى بيجا است، زيرا هيچ وقت سابقه نداشته و معهود نبوده كه وثنى ها خداى سبحان را با بتهاى خود پرستيده باشند. و اصولا فلسفه وثنيت چنين اجازه اى نمى دهد، و ما در صفحات گذشته به فلسفه و حجت آنها اشاره كرديم.

" وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ ...".

كلمه" تزاور" به معناى تمايل است كه از ماده" زور" به معناى ميل گرفته شده. و كلمه" قرض" به معناى قطع و بريدن است. و كلمه" فجوه" به معناى زمين پهناور و وسيع و فضاى خانه است، و مراد از" ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ" طرف دست راست و طرف دست چپ است، و يا طرفى است كه به خود آن راست و چپ گفته مى شود، و به هر حال همين طرف راست و چپ معروف است.

[وضعيت جغرافيايى غار اصحاب كهف و كيفيت قرار گرفتن اصحاب كهف در آن ] ..... ص : 352

اين دو آيه، غار اصحاب كهف و اوضاع جغرافيايى آن را و منزل كردن ايشان را در آن مجسم مى سازد، و مى فهماند كه اصحاب كهف در غار در آن روزگارى كه آنجا بودند چه حال و وضعى داشتند و وقتى به خواب رفتند چگونه بودند.

خطاب در آيه به رسول خدا (ص) است، البته آن جناب شنونده خطاب شده نه اينكه مخصوص به خطاب باشد، بلكه روى سخن با همه مردم است، و از اينگونه خطابها شايع است كه يك نفر را مخاطب قرار داده ولى همه را اراده مى كنند.

پس، اينكه آيه شريفه فرموده" وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ" محل غار را وصف و تعريف مى كند، و مى فهماند كه اصحاب كهف بعد از به خواب رفتن چه وضعى داشتند و اما اينكه چطور شد كه

__________________________________________________

(1)كشاف، ج 2، ص 707.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 454.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 353

به خواب رفتند، و چقدر خوابشان طول كشيد بيان نكرده، و به همان اشاراتى كه در آيات قبل بود، و به اشاراتى كه به زودى در ذيل جمله" وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ" خواهد آمد، اكتفاء نموده است. و اگر به اين خصوصيات نپرداخته به منظور اختصار بوده است.

و معناى آيه اين است كه: تو مى بينى، و هر بيننده اى هم كه فرض شود از كار آنان خبر داشته مى بيند، آفتاب را كه وقتى طلوع مى كند از طرف غار آنان به سمت راست متمايل مى شود، و در نتيجه نورش به داخل غار مى افتد و وقتى غروب مى كند به طرف چپ غار را قطع مى كند و در نتيجه شعاعش به داخل غار مى افتد، و اصحاب غار در فضاى وسيع غار قرار دارند كه آفتاب به آنان نمى رسد.

خداى سبحان با همين بيان كوتاه اين معانى را فهمانده كه اولا غار اصحاب كهف شرقى و غربى قرار نگرفته بوده كه از شعاع آفتاب فقط يك وعده، يا صبح و يا بعد از ظهر، استفاده كند، بلكه ساختمانش قطبى بوده، يعنى درب غار به طرف قطب جنوبى بوده كه هم در هنگام طلوع و هم در هنگام غروب شعاع آفتاب به داخل آن مى تابيده.

و ثانيا آفتاب به خود آنان نمى تابيده، چون از در غار دور بودند، و در فضاى وسيع غار قرار داشتند. خداوند به اين وسيله ايشان را از حرارت آفتاب و دگرگون شدن رنگ و رويشان و پوسيدن لباسهايشان حفظ فرموده.

و ثالثا در خواب خود راحت بوده اند، زيرا هواى خوابگاهشان حبس نبوده، بلكه همواره در فضاى غار از طرف شرق و غرب در جريان بوده، و اصحاب غار هم در گذرگاه اين گردش هوا قرار داشته اند.

و بعيد نيست كه از نكره آمدن" فجوة" نيز اين يعنى دور بودن از شعاع آفتاب استفاده و گفته شود كه نكره بودن" فجوة" دليل بر اين است كه چيزى در كلام حذف شده و تقديرش اين بوده:" و هم فى فجوة منه لا يصيبهم فيه شعاعها" كه معنايش گذشت.

مفسرين «1» گفته اند كه در غار روبروى قطب شمال بوده كه هم جهت با ستاره هاى بنات النعش است، و قهرا دست راست آن به طرف مغرب نگاه مى كند، و شعاع آفتاب در هنگام طلوعش بدانجا مى افتد، و طرف چپش به مشرق نگاه مى كند، و آفتاب در هنگام غروبش بدانجا مى تابد.

البته اين در صورتى صحيح است كه مقصود از طرف راست و چپ غار راست و چپش

__________________________________________________

(1)تفسير فخر رازى، ج 21، ص 99 و روح المعانى، ج 15، ص 223 و مجمع البيان، ج 6، ص 456.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 354

براى كسى باشد كه مى خواهد وارد آن شود، نه كسى كه در داخل آن نشسته است، و به نظر مى رسد اين تحديدى كه مفسرين كرده اند، روى اعتمادى بوده كه به شهرتى در اين باب داشته اند، زيرا معروف بوده كه غار اصحاب كهف همان غارى است كه در شهر افسوس از شهرهاى روم شرقى قرار دارد، و آن غار همين طور است كه مفسرين گفته اند، يعنى دهانه اش قطبى است و در آن مقابل قطب شمال است- و به طورى كه گفته اند- كمى به طرف مشرق متمايل است.

ليكن معمول در اعتبار چپ و راست در خصوص غار و خانه و خيمه و هر چيز ديگرى كه داراى در است اين است كه چپ و راست شخصى را كه از آن بيرون مى شود در نظر بگيرند نه شخصى كه وارد آن مى شود، و صحيح هم همين است، براى اينكه اولين احساسى كه انسان نسبت به احتياج اعتبار جهات (بالا و پائين، چپ و راست، و عقب و جلو) دارد، احتياج خودش به اين جهات است، آنچه كه بالاى سرش قرار دارد بالا، و آنچه پائين پايش است پائين، و آنچه پيش رويش قرار دارد جلو و آنچه پشت سرش است عقب و آنچه در سمت قوى تر بدنش يعنى سمت راست او قرار دارد، يمين (راست) و آنچه در طرف مخالف آن قرار گرفته يسار (چپ) ناميده شده است، اين اولين بارى است كه احتياج به اين اعتبارات را احساس مى كند.

بعد از اين احساس اگر احتياج پيدا كرد به اينكه جهات مذكور را در چيز ديگرى اعتبار نموده تعيين كند، خودش را جاى آن چيز قرار داده آنچه از اطراف آن چيز با اطراف خود منطبق مى شود همان را جهت آن مى نامد مثلا جلو و نماى آن چيز را با روى خود منطبق كرده پشت خود را پشت آن و راستش را راست آن و چپش را چپ آن اعتبار مى كند.

و چون روى خانه و نماى خيمه و هر چيزى كه در دارد همان طرفى است كه در، در آن طرف قرار گرفته، قهرا دست چپ و راست خانه هم چپ و راست كسى خواهد بود كه از خانه بيرون مى آيد، نه كسى كه داخل مى شود. و بنا بر اين، غار اصحاب كهف با آن توصيفى كه قرآن كريم از وضع جغرافيايى آن كرده، جنوبى خواهد بود، يعنى در غار به طرف قطب جنوب بوده است، نه آن طور كه مفسرين گفته اند. البته اين بحث تتمه اى دارد كه به زودى خواهد آمد- ان شاء اللَّه.

و به هر حال، اين وضعى كه اصحاب كهف به خود گرفتند از عنايت الهى و لطف او نسبت به ايشان بوده تا به همين حالت ايشان را زنده نگهدارد تا وقتى كه منظور بوده به سر رسد، و لذا دنبال آيه فرموده:" ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً"

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 355

" وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ"- كلمه" ايقاظ" جمع" يقظ" و" يقظان" (بيدار)، و كلمه" رقود" جمع" راقد" (خواب رفته) است. و در كلام اشاره است به اينكه در حال خواب چشمهايشان باز بوده است، زيرا مى فرمايد: تو آنان را بيدار خيال مى كنى ولى خوابند.

" وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ" مقصود اين است كه آنان را يك بار از طرف شانه چپ به راست و بارى ديگر از راست به چپ مى گردانيم تا بدنهايشان كه به زمين چسبيده نپوسد، و زمين لباسها و بدنهايشان را نخورد، و قواى بدنيشان در اثر ركود، و خمود و بى حركتى در مدتى طولانى از كار نيفتد.

" وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ"- كلمه" وصيد" به معناى درگاه خانه است و بعضى «1» گفته اند به معناى آستانه خانه است، و معناى آيه اين است كه: اصحاب كهف كه وضعشان را گفتيم، در حالى آن وضع را داشتند كه سگشان ذراع دست خود را روى زمين پهن كرده بود، اين جمله در ضمن از اين معنا هم خبر مى دهد كه سگ اصحاب كهف همراه ايشان بوده، و ما دام كه آنان در كهف بوده اند آن حيوان نيز با ايشان بوده است.

" لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً"- اين جمله از اين معنا خبر مى دهد كه وضع اصحاب كهف در همين حالى كه به خواب رفته اند آن قدر هائل و وحشتناك بوده كه اگر كسى از نزديك ايشان را مى ديد از ترس و از خطرى كه از ايشان احساس مى كرد پا به فرار مى گذاشت، تا خود را از مكروهى كه گفتيم از ناحيه آنان احساس مى كند دور بدارد. و خلاصه قلب آدمى از ديدن آنان سرشار از وحشت و ترس مى گردد، و از قلب به سراسر وجود انسان دويده، سراپاى او را پر از رعب و وحشت مى كند.

سخنى كه ما در خطاب" لوليت" و" لملئت" داريم همان حرفى است كه در خطاب" وَ تَرَى الشَّمْسَ" گفتيم، و ديگر تكرار نمى كنيم.

از توضيحى كه گذشت دو نكته روشن گرديد، يكى اينكه چرا فرمود" از ترس از ايشان پر مى شوى" و نفرمود" دلت پر از ترس مى شود". دوم اينكه چرا اول فرمود" لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً" و سپس فرمود:" وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً" نكته اولى احتياج به تكرار ندارد، ولى در باره دومى مى گوييم" فرار" به معناى دور كردن خويش است، از مكروه. و فرار معلول توقع رسيدن مكروه است، نه معلول ترس كه حالتى است درونى و تاثرى است كه در قلب پيدا

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 226.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 356

مى شود، (چه بسيار مواقع كه قلب دچار ترس مى شود، ولى انسان فرار نمى كند و چه بسيار مى شود كه بدون ترس بايد فرار كرد). آرى، مكروهى كه بنا است برسد بايد از آن بر حذر بود يعنى بايد فرار كرد، چه اينكه ترسى در دل ايجاد شده باشد و يا نشده باشد.

پس اينكه فرار را از ترس و رعب جلوتر آورده از باب تقديم مسبب بر سبب نيست، بلكه از باب تقديم حكم خوف است، بر حكم رعب، چون خوف و رعب دو حالت متغاير قلبى هستند، و اگر به جاى كلمه" رعب" كلمه" خوف" را به كار مى برد حق كلام اين مى شد كه جمله دومى را اول و اولى را دوم بياورد يعنى بفرمايد:" لملئت منهم خوفا و لوليت منهم فرارا". و اما بنا بر آنچه ما گفتيم هر چند خوف و رعب- هر دو اثر اطلاع يافتن بر منظره اى وحشتناك است ليكن بليغ تر و بهتر است، زيرا كلمه فرار دلالتش بر اين معنا روشن تر از كلمه مملو شدن از رعب است.

[بيان غايت و هدف از بعث (بيدار كردن) اصحاب كهف و اشاره به همانند بودن خواب آنان و مرگ اهل دنيا] ..... ص : 356

" وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ ...".

كلمه" يتساءلوا" از مصدر تسائل است كه به معنى پرسش عده اى از يكديگر است، و كلمه" و رق"- به فتحه حرف اول و كسره حرف دوم- به معناى پول است، بعضى «1» گفته اند به معناى پول نقره است، چه سكه دار باشد و چه بى سكه. و معناى جمله" إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ"،" اگر اطلاع يافتند بر شما" و يا:" اگر ظفر يافتند بر شما" مى باشد.

و اشاره به" كذلك" اشاره به خواباندن اصحاب كهف به صورتى است كه آيات سابق بيان نمود، يعنى همانطور كه نام بردگان را روزگارى طولانى به آن صورت عجيب و مدهش كه خود يكى از آيات ما به شمار مى رود خوابانديم همانطور ايشان را مبعوث مى كنيم، و بيدار مى سازيم تا از يكديگر پرسش كنند.

اين تشبيه و همچنين اينكه پرسش از يكديگر را هدف بيدار كردن قرار داده با در نظر گرفتن دعائى كه در هنگام ورودشان به غار كردند، و بلافاصله به خواب رفتند، خود دليل بر اين است كه اصحاب كهف براى اين از خواب بيدار شدند، تا پس از پرسش از يكديگر حقيقت امر بر ايشان مكشوف گردد، و اصلا به خواب رفتنشان در اين مدت طولانى براى همين بوده. آرى، اصحاب كهف مردمى بودند كه كفر بر جامعه شان استيلاء يافته بود، و باطل در ميان آنان غلبه كرده بود، و زورگويى اقوياء از هر سو مردم را احاطه كرده، سپاه ياس و نوميدى از ظهور كلمه حق و آزاد شدن اهل دين بر دلهاى آنان يورش برده بود. حوصله ها از طول

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 229.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 357

كشيدن عمر باطل و نيامدن دوران ظهور حق سر آمده بود، و مى خواستند دچار شك و ترديد شوند كه خدا نجاتشان داد. و بعد از آنكه وارد غار شدند از خداى تعالى درخواست رحمتى از ناحيه خودش و اهتدايى آماده نسبت به امر خود نمودند كه در هر چه زودتر از اين دو دلى و سرگردانى نجات يابند. خداوند نيز دعايشان را مستجاب نموده اينطور هدايتشان كرد.

هم چنان كه آن شخصى را كه از خرابه دهى مى گذشت و ناگهان اين سؤال به نظرش رسيد كه آيا خدا بار ديگر اينان را زنده مى كند و آيا چنين چيزى ممكن است؟ خداى تعالى براى اينكه از آن سرگردانى نجاتش دهد او را براى صد سال ميراند، و مجددا زنده اش كرد.

سخن كوتاه اينكه، از آنجايى كه اين پندار (كه ديگر حق ظاهر شدنى نيست) در نظرشان قوت گرفت و از زوال غلبه باطل مايوس شدند، خداوند سالهاى متمادى به خوابشان برده آن گاه بيدارشان كرد تا از يكديگر بپرسند چقدر خوابيده ايم، يكى بگويد يك روز، ديگرى بگويد پاره اى از يك روز، آن گاه پيرامون خود نگريسته ببينند اوضاع و احوال دنيا طور ديگرى شده و كم كم بفهمند كه صدها سال است كه به خواب رفته اند و اين چند صد سال كه به نظر ديگران چند صد سال بوده به نظر ايشان يك روز و يا بعضى از يك روز مى آيد. از همين جا كه طول عمر دنيا و با كمى آن چنان نيست كه بتواند حقى را بميراند يا باطلى را زنده كند و اين خداى سبحان است كه زمينى ها را زينت زمين كرده، و دلهاى آدميان را مجذوب آنها ساخته قرنها و روزگارها جريان داده تا آنان را بيازمايد كه كدام نيكوكارترند، و دنيا جز اين سمتى ندارد كه طالبان خود را با زر و زيور خود بفريبد، و آنهايى را كه پيرو هوى و هوس اند و دل به زندگى زمينى داده اند گول بزند.

و اين خود حقيقتى است كه همواره براى انسانها هر وقت كه به عمر رفته خود نظر بيفكنند روشن و مبرهن مى شود و مى فهمند آن هفتاد سالى كه پشت سر گذاشته و آن حوادث شيرين و تلخى كه ديده اند تو گويى يك رؤيا بوده كه در خواب و چرت خود ديده و مى بينند.

چيزى كه هست مستى هوى و هوس و گرمى و بازى با امور مادى دنيوى نمى گذارد آنان متوجه حق بگردند، و پس از تشخيص حق آن را پيروى كنند.

ليكن براى خدا روزى است كه در آن روز اين شواغل، ديگر آدمى را به خود سرگرم نمى كند و اين دنيا و زرق و برقش آدمى را از ديدن حق بازنمى دارد، و آن روز مرگ است.

هم چنان كه از على (ع) نقل شده كه فرمود" مردم در خوابند تا بميرند، وقتى مردند بيدار مى شوند" روز ديگرى نيز هست كه خداوند در آن روز بساط دنيا و زندگى هايش را بر مى چيند، و با فرمان قضايش بشر را به سوى انقراض سوق مى دهد.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 358

[چند وجه ديگر در باره غايت بعث اصحاب كهف (لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ ...)] ..... ص : 358

از آنچه گذشت معلوم شد كه چرا جمله" لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ" غايت و هدف از بيدار شدن آنان قرار گرفته، و لام غايت بر سر آن آمده آرى، لام غايت در آمده تا غايت را تعليل كند، و اين غايت را با غايتى كه در جمله" ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً" بود منطبق سازد.

بعضى «1» از مفسرين گفته اند: در جمله مورد بحث بعضى از غايت در جاى همه غايت قرار گرفته، يعنى مساله پرسش از يكديگر غايت منحصر نيست، بلكه غايتهاى بسيار ديگرى نيز هست كه خود به خود دنبال آن غايتى كه ذكر شده بروز مى كند، مثلا تنها پرسش از يكديگر را اسم برده ولى به دنبال آن پى بردن به حقيقت مطلب نيز هست، علم به قدرت كامله خدا نيز هست. ليكن علاوه بر اينكه از ظاهر لفظ آيه دليلى بر اين تفسير نيست مستلزم تكلف نيز هست هم چنان كه بر كسى پوشيده نيست «2».

بعضى «3» ديگر گفته اند: لام در جمله" ليتسائلوا" لام عاقبت است، نه لام غايت، چون استبعاد كرده اند از اينكه تسائل كه يك مساله پيش پا افتاده است هدف از جريان اصحاب كهف بوده باشد. ليكن به فرض هم كه لام، لام عاقبت باشد باز استبعاد او به حال خود باقى است، براى اينكه همانطور كه يك امر پيش پا افتاده بعيد است غايت و هدف از صحنه اصحاب كهف باشد عاقبت بودن آن هم بعيد است، معقول نيست كه چنين امر بى ارزشى منظور از يك صحنه اى بس خطير و معجزه اى بس عظيم بوده باشد. علاوه بر اينكه شما خواننده محترم ملتفت شديد كه غايت قرار گرفتن تسائل براى داستان اصحاب كهف هيچ بعدى نداشته بلكه امرى طبيعى است.

" قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ"- اين جمله دليل بر اين است كه يك نفر از ايشان بوده كه از ديگران از مدت مكث در غار پرسيده كه چقدر خوابيده ايم. و از آن برمى آيد كه گويا سائل خودش احساس طولانى بودن مدت مكث را كرده، چون آن كسالتى را كه معمولا بعد از خوابهاى طولانى به آدمى دست مى دهد در خود ديده، لذا حد اقل به شك افتاده و پرسيده:

" كَمْ لَبِثْتُمْ".

[معناى جمله:" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ"] ..... ص : 358

" قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ"- در جواب وى مردد شده گفتند: يا يك روز يا بعضى از يك روز، و گويا اين ترديدى كه در جواب از خود نشان دادند بدين جهت بوده كه ديده اند

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 229 و تفسير فخر رازى، ج 21، ص 102.

(2)به نظر مى رسد كه هيچ اشكالى در آن نباشد و وجه تكلف در آن كاملا پوشيده است. مترجم. [.....]

(3)روح المعانى، ج 15، ص 229.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 359

جاى آفتاب تغيير كرده، مثلا اگر صبح به خواب رفته بودند، وقتى بيدار شدند ديده اند آفتاب در اواسط آسمان و يا اواخر آن است آن گاه شك كردند در اينكه در اين بين شبى را هم در خواب گذرانده اند، تا در نتيجه خوابشان يك روز طول كشيده باشد، و يا چنين نبوده، و در نتيجه پاره اى از روز را در خواب بوده اند، بدين جهت جواب خود را با ترديد دادند كه يا يك روز در خواب بوده ايم و يا پاره اى از يك روز، و به هر حال جوابى كه دادند يك جواب است.

ولى بعضى «1» از مفسرين گفته اند دو جواب است. برخى از آنها نظرشان اين بوده كه يك روز در خواب بوده اند و برخى ديگر آن شق ديگر را تشخيص داده اند، دليل اين مفسرين اين است كه اگر جواب يكى بوده به آن بيانى كه گذشت بايد گفته باشند كه ما پاره اى از روز خواب بوده ايم و يا يك روز و اندى، نه يك روز، به همين دليل كلمه" او" بايد براى تفصيل باشد نه ترديد، يعنى از آن فهميده مى شود كه يكى از آنان گفته يك روز در خواب بوده ايم، و ديگران گفته اند بعضى از يك روز را.

ليكن اين سخن، سخن قابل توجهى نيست: اولا براى اينكه از سياقى چون" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" به هيچ وجه چنين معنايى استفاده نمى شود. صرفنظر از سياق، اصلا در قرآن كريم عين اين عبارت از شخص واحد نقل شده كه گفته است:" لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" «2» كه پر واضح است در آن عبارت معنا ندارد كلمه" او" براى تفصيل باشد.

و ثانيا، براى اينكه ترديد اصحاب كهف ناشى از استدلالى بوده كه از شواهد و قرائن مشهود گرفتند، و چنين مردانى بزرگ شانشان اجل از اين است كه از روى تحكم و هوى و هوس و گزافه گويى حرفى بزنند. و شواهد و قرائن خارجى كه انسان به وسيله آن استدلال مى كند از قبيل آفتاب و سايه و نور و ظلمت و امثال آن آنهم از كسانى كه تازه از خواب برخاسته اند امورى نيست كه مقدار دقيق زمانى كه به خواب رفته اند را مشخص سازد، حال چه اينكه ما كلمه" او" را براى ترديد بدانيم يا براى تفصيل. پس مقصود از كلمه" يوم" در هر دو حال زيادتر از يك شبانه روز است، و استعمال كلمه" يك روز" در يك روز و اندى شايع است، و تازگى ندارد.

" قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ"- يعنى بعضى ديگر ايشان در رد آنهايى كه گفتند" يك روز و يا پاره اى از يك روز خوابيديم" گفتند:" پروردگار شما بهتر مى داند كه چقدر

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 229، به نقل از ابو حيان.

(2)سوره بقره، آيه 259.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 360

خوابيده ايد" چون اگر منظورشان رد آن كلام نبوده باشد جا داشت بگويند:" پروردگار ما بهتر مى داند".

اين را بدان جهت گفتيم تا روشن گردد كه عبارت مذكور صرفا براى رعايت ادب نسبت به خداى تعالى نبوده- آن طور كه بعضى «1» از مفسرين پنداشته اند- بلكه براى بيان حقيقتى از حقايق معارف توحيد بوده است، و آن اين است كه اصولا علم- به معناى حقيقى كلمه- جز علم خدا نيست، زيرا انسان، گذشته از خودش، محجوب از هر چيز ديگرى است حتى نه تنها مالك نفس خود نيست، بلكه احاطه به خويش هم ندارد، مگر آنكه خدايش اجازه داده باشد، و اگر به غير خود احاطه اى پيدا كند و علمى به هم رساند به آن مقدار مى تواند كه امارت و نشانه هاى خارجى برايش كشف نموده پرده بردارى كند، و اما احاطه به عين موجودات و عين حوادث كه علم حقيقى هم همان است علمى است مخصوص خداى تعالى كه محيط به هر چيز و شاهد و ناظر بر هر چيز است، و آيات قرآنى هم كه بر اين معنا دلالت كند بسيار زياد است.

پس شخص موحد اگر عارف به مقام پروردگار خود باشد بايد در هر امرى تسليم او گردد، و علم را از آن او بداند، و به خودش نسبت علم ندهد، نه تنها علم بلكه هيچ كمالى چون علم و قدرت را به خود نسبت ندهد مگر در جايى كه ناچار شود كه در آن صورت حقيقت علم و قدرت را به خدا نسبت مى دهد و آن گاه آن مقدارى را براى خود اثبات مى كند كه خداى تعالى تمليكش كرده، و اجازه اش داده، هم چنان كه خودش فرموده:" عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ"»

و نيز فرموده:" قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا" «3» و نيز آياتى ديگر.

[جمله:" رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ" انحصار علم حقيقى به معناى احاطه بر عين موجودات و حوادث، به خداى تعالى را افاده مى كند] ..... ص : 360

از همين جا مى توان فهميد كه گويندگان جمله" رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ" در مقام معرفت و خداشناسى از گويندگان جمله" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" برتر بوده اند، و مقصودشان از گفته خود تنها اظهار ادب نبوده، بلكه همانطور كه گفتيم به يكى از معارف توحيد آشنايى داشته اند، و گرنه ممكن بود بگويند:" ربنا اعلم بما لبثنا- پروردگار ما بهتر مى داند كه چقدر خوابيده ايم"، آن وقت اين دسته آن عده اى نمى بودند كه خداى تعالى در باره شان فرمود:" ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً- آنان را مبعوث كرديم تا بدانيم كدام طائفه بهتر تشخيص مى دهند كه چقدر خوابيده اند"، براى اينكه صرف اظهار ادب ملازم با بهتر

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 229.

(2)و به آدم آنچه را كه نمى دانست با الهام خود تعليم داد. سوره علق، آيه 5.

(3)گفتند منزهى تو، ما علمى نداريم مگر همان مقدار كه تو به ما دادى. سوره بقره آيه 32.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 361

تشخيص دادن نيست، و اظهار كردن ادب غير از تشخيص دادن و گفتن است.

و ظاهر امر اين است كه گويندگان" رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ" غير گويندگان" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" است، زيرا سياق- همانطور كه ديگران «1» هم گفته اند- سياق محاوره و پاسخ و پرسش است كه لازمه اش اين است كه يك عده بپرسند و عده اى ديگر پاسخ گويند. پس گويندگان جمله دومى غير از گويندگان جمله اولى هستند، و اگر هر دو كلام از يك عده مى بود جاى آن داشت كه بفرمايد:" ثم قالوا ربنا اعلم بما لبثنا- پس خودشان در جواب خود گفتند پروردگار ما داناتر است به اينكه چقدر خوابيده ايم" نه اينكه بفرمايد:" پروردگار شما بهتر مى داند ...".

از اينجا استفاده مى شود كه اصحاب كهف هفت نفر يا بيشتر بوده اند، نه كمتر، زيرا در حكايت گفتگوى ايشان يك جا تعبير به" قال" آمده، و دو جا:" قالوا" و چون كمترين عدد جمع سه است نتيجتا عددشان از هفت نفر كمتر نبوده و حد اقل سه نفر سؤال كرده اند و حد اقل سه نفر جواب داده اند، و يك نفر هم صاحب كلامى است كه كلمه" قال" در آغازش آمده.

[گفتگوى اصحاب كهف بعد از بيدار شدن در باره رفتن به شهر] ..... ص : 361

" فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ"- اين جمله نيز تتمه محاوره و گفتگوى ايشان است، كه پيشنهاد مى كند يك نفر را به شهر بفرستند تا طعامى برايشان بخرد، و غذايى تهيه كند. ضمير در كلمه" ايها" به مدينه بر مى گردد، و مقصود اهل مدينه است، يعنى كدام يك از اهل شهر طعام بهترى دارد از او بخرد و بياورد، و اين قسم اضمار را استخدام گويند.

كلمه" ازكى: پاكيزه تر" از ماده زكات است، و زكات طعام پاكيزه آن است. بعضى «2» گفته اند: يعنى حلال تر آن. بعضى «3» ديگر گفته اند يعنى پاك تر آن، و ليكن اينكه كلمه را به صيغه افعل تفصيل (ازكى) آورده خالى از اين اشعار و اشاره نيست كه مقصود از كلمه مذكور همان معناى اول باشد.

ضمير در" منه" به طعامى برمى گردد، كه از جمله" أَزْكى طَعاماً" استفاده مى شود بعضى «4» گفته اند به كلمه" أَزْكى طَعاماً" برمى گردد و كلمه" من" در" منه" براى ابتداء و يا تبعيض است كه اگر تبعيض باشد معناى جمله اين مى شود كه" يكى را بفرستيد در شهر بگردد و ببيند كداميك از فروشگاهها جنس پاكيزه تر مى فروشد و مقدارى از آن برايتان

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 229.

(2 و 3)روح المعانى، ج 15، ص 230 و تفسير فخر رازى، ج 21، ص 103.

(4)روح المعانى، ج 15، ص 231.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 362

خريدارى كند تا با آن ارتزاق كنيد" بعضى «1» ديگر گفته اند ضمير به كلمه" و رق" بر مى گردد، آن گاه حرف" من" را بدلى گرفته و گفته اند: معناى آيه اين است كه" بياورد رزقى بدل از پول"، ولى اين احتمال بعيد است، چون مستلزم تقدير گرفتن ضمير ديگرى است كه به جمله قبلى برگردد، علاوه بر اينكه ضمير مورد گفتگو ضمير مذكر است، و اگر به و رق بر مى گشت بايد مؤنث آورده مى شد، به شهادت اينكه خود آيه قبلا و رق را مؤنث دانسته در باره اش اشاره مؤنث به كار برده و فرموده" بِوَرِقِكُمْ هذِهِ".

[نگرانى اصحاب كهف از فاش شدن رازشان و دست يافتن كفار به آنان ] ..... ص : 362

" وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً"-" تلطف" به معناى اعمال لطف و رفق و اظهار مدارات است، پس اينكه فرمود:" وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً" عطفى است تفسيرى، كه مى خواهد همان جمله قبلى را معنا كند، و مقصود از اين كلام به طورى كه از سياق برمى آيد اين است كه بايد اين شخص كه مى فرستيد در اعمال نازك كارى و لطف با اهل شهر در رفتن و برگشتن و معامله كردن خيلى سعى كند، تا مبادا خصومتى يا نزاعى واقع شود كه نتيجه اش اين شود كه مردم از راز و حال ما سردرآورند.

بعضى «2» ديگر اينطور معنا كرده اند كه در معامله بسيار نازك كارى به خرج دهد. ولى كلام مطلق است و قيدى براى خصوص معامله در آن نيست.

" إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً".

اين آيه امر به تلطف را تعليل نموده و مصلحتش را بيان مى كند.

جمله" يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ" به معناى" يطلعوا عليكم- بر شما اطلاع يابند" است، چون ظهور بر هر چيز اطلاع از آن و علم يافتن بدان و همچنين ظفر يافتن بر آن است، و آيه شريفه به هر دو معنا هم تفسير شده، و كلمه مذكور به طورى كه راغب «3» گفته از كلمه" ظهر" گرفته شده كه به معناى پشت و گرده آدمى است، در مقابل شكم آدمى، پس از آن بطور استعاره در خصوص گرده زمين استعمال نموده گفتند:" ظهر الارض- پشت زمين" در مقابل" بطن الارض- دل زمين"، آن گاه" ظهور" از آن گرفته شده كه به معناى پيدايى و هويدايى است، در مقابل" بطون" كه به معناى ناپيدايى است.

چون بودن شخص در روى زمين ملازم است با ديدن و اطلاع يافتن و همچنين ميان بودن در روى زمين و ظفر يافتن و نيز ميان آن و غلبه يافتن ملازمه عادى هست، و لذاست كه

__________________________________________________

(1 و 2)روح المعانى، ج 15، ص 231.

(3)مفردات راغب، ماده" ظهر".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 363

گفته «1» شده" ظهر عليه" در معناى" اطلاع يافتن بر آن" و" مكان او را شناخت" و" بر او ظفر يافت" و" بر او غلبه كرد" استعمال مى شود، و از اين گذشته در اشتقاقش هم توسعه اى قائل شده اند، به طورى كه هم باب افعال از آن گرفته اند و هم باب مفاعله و باب تفاعل و باب استفعال و ابوابى ديگر.

و از سياق برمى آيد كه جمله" يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ" در خصوص اين داستان به معناى همان اطلاع يافتن از مخفى گاه كسى سر درآوردن است، زيرا از ساير معانى جامع تر است، چون اصحاب كهف قبلا مردمانى نيرومند و متنفذ بوده اند، و حال فرار نموده و خود را پنهان كرده اند، لذا سفارش مى كنند كه چون ما مردمى سرشناسيم سعى كن كسى از مخفى گاه ما خبردار نشود و اگر مطلع شوند بر آنچه كه مى خواهند ظفر مى يابند.

و اينكه فرمود:" يرجموكم" معنايش كشتن با سنگ است كه بدترين كشتن ها است، زيرا علاوه بر كشتن منفوريت و مطروديت كشته را هم همراه دارد و در اين كه خصوص رجم را از ميان همه اقسام قتل اختيار نمود خود مشعر بر اين است كه اهل شهر عموما با اصحاب كهف دشمنى داشته اند، زيرا اينان از دين آنان بيرون آمده بودند، با حرصى عجيب مى خواستند با ريختن خون ايشان دين خود را يارى كنند، بنا بر اين اگر دستشان به ايشان برسد بى درنگ خونشان را مى ريزند، و چون همه افراد مى خواهند در اينكار شركت جويند لا جرم جز با سنگسار ميسر نمى شود.

و اينكه فرمود" أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ" ظاهرش اين است كه كلمه" اعاده" متضمن معناى داخل كردن باشد، چون مى بينيم كلمه مذكور با لفظ" فى" متعدى شده است. با اينكه اين كلمه همواره بايد با" الى" متعدى شود.

آرى، برداشتى كه اصحاب كهف كردند طورى نبوده كه مردم دست از سر آنان بردارند، يا به صرف ادعاى اينكه بگويند ما از دين توحيد دست برداشته ايم از ايشان بپذيرند و جرمشان را ببخشند بلكه به خاطر اينكه جرمشان تظاهر به دين توحيد و خروج از دين بت پرستى بوده و علنا بت پرستى را خرافى و موهوم و افتراء بر خدا معرفى مى كردند عادتا نبايد به صرف اعتراف به حقانيت بت پرستى قناعت كنند، بلكه بايد آن قدر تعقيبشان كنند و رفتارشان را زير نظر بگيرند تا نسبت به صدق ادعايشان اطمينان پيدا كنند، و قهرا در بت پرستى يكى از بت پرستان شده و تمامى وظائف دينى ايشان را انجام داده از انجام مراسم و شرايع دين الهى

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 231.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 364

محروم شوند، حتى به يك كلمه از دين توحيد لب نگشايند.

البته هيچ يك از اينها نسبت به كسى كه در زير فشار كفار قرار گرفته و از هر سو او را محصور خود نموده مانند يك اسير زير دست و مستضعف در ميان آنان زندگى مى كند مانعى ندارد، هم عقل آن را تجويز مى كند، و هم نقل، حتى قرآن كريم صريحا تجويز نموده و فرموده:" إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ" «1» و نيز فرموده:" إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً" «2» كه چنين كسانى مى توانند به زبان انكار حق نموده و در دل ايمان داشته باشند، ليكن همه اينها براى كسى است كه گفتيم در زير فشار كفار و زير نظر آنان و در چنگالشان قرار گرفته باشد، نه مانند اصحاب كهف كه از ميان كفار نجات يافتند، و آزادى در عمل و اعتقاد به دست آوردند، براى آنان ديگر جائز نيست خود را در مهلكه ضلالت افكنده و دست بسته تحويل اجتماع كفر شوند آن وقت نتوانند به كلمه حق لب بگشايند، و خود را از انجام وظائف دينى و انسانى محروم كنند، كه اگر چنين كنند سعادت را بر خود حرام نموده ديگر هرگز روى رستگارى را نمى بينند، هم چنان كه خداى تعالى فرموده:" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً" «3».

[با اينكه تقيه و تظاهر به كفر از روى اضطرار جايز است سبب نگرانى و بيم اصحاب كهف چه بوده است؟] ..... ص : 364

و با همين بيان وجه ترتب جمله" وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً" بر جمله" أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ" كاملا روشن مى گردد، و نيز اشكالى كه در اينجا به نظر مى رسد رفع مى شود، و آن اشكال اين است كه اظهار كفر از روى اكراه و پنهان داشتن ايمان در قلب و بين خود و خدا هميشه بخشوده است، و منحصر به زمانى معين نيست، پس چرا فرموده:" و هرگز تا ابد رستگار نمى شوند" و با اينكه مجبور بودن اصحاب كهف از حالشان هويدا بوده چرا برگشتن به كفر ملتشان را هلاكت ابدى خوانده؟ جوابى كه گفتيم از كلام ما به دست مى آيد اين است كه اگر خود را بر مردم عرضه مى كردند و يا ايشان را به نحوى به مخفى گاه خود راهنمايى

__________________________________________________

(1)مگر كسى كه مجبورش كنند به زبان كفر بگويد، در حالى كه قلبش مطمئن به ايمان باشد.

سوره نحل، آيه 106.

(2)مگر آنكه از شر آنان تقيه كنيد. سوره آل عمران، آيه 28. [.....]

(3)كسانى كه ملائكه جانشان را در حال كفر و ظلم به نفس گرفتند مى پرسند در دنيا چه وضعى داشتيد (چرا كافر بوديد؟) مى گويند ما در دنيا جزو طبقه ضعيف بوديم (اقويا به كفر مجبورمان كردند) ملائكه مى گويند: مگر زمين خدا فراخ نبود چرا مهاجرت نكرديد؟ اين دسته از مردم جايشان جهنم است كه بد سرانجامى است. سوره نساء، آيه 97.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 365

مى نمودند خود را به اختيار گرفتار كفر و شرك نموده و عذرشان موجه نمى شد (آرى ناچارى و اضطرار به اختيار منافاتى با اختيار ندارد مثلا كسى كه خود را به اختيار از هواپيما پرتاب مى كند ديگر در بين زمين و آسمان اختيارى ندارد، نه مى تواند برگردد و نه مى تواند از سقوط و متلاشى شدن خود جلوگيرى كند ولى اين نتوانستن رفع ملامت از او نمى كند).

البته ديگران هم جوابهاى ديگرى از اين اشكال داده اند كه قانع كننده نيست، مثلا يكى «1» گفته: اكراه بر كفر گاهى سبب مى شود شيطان آدمى را به تدريج استدراج نموده و نظر او را برگرداند و راستى به كفر معتقدش كند، و در اين اعتقاد باطل پا بر جايش سازد.

و ليكن اين جواب صحيح نيست، براى اينكه اگر چنين خوفى بود مى بايست بفرمايد:

" و يخاف عليكم ان لا تفلحوا ابدا" يعنى در اين صورت ترس آن هست كه هرگز رستگار نشويد، نه اينكه بطور قطع بفرمايد هرگز رستگار نمى شويد.

بعضى «2» ديگر از اشكال اينطور جواب داده اند كه ممكن است منظور اين باشد كه كفار از راه دوستى و خواهش شما را به دين خود برگردانند. ولى سياق با اين توجيه سازگارى ندارد.

بعضى «3» ديگر جواب داده اند كه ممكن است در آن روز تقيه جائز نبوده، و به هيچ وجه كسى نمى توانسته اظهار كفر كند، قهرا در چنين فرضى عود به ملت كفر هر چند تقيتا باشد عدم فلاح ابدى را مستلزم است، اين جواب نيز ناتمام است، براى اينكه دليلى بر آن نيست و صرف احتمال، كافى در رفع اشكال نمى باشد.

و سياق محاوره اى كه از ايشان حكايت شده يعنى از جمله" قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ"- تا آخر دو آيه- سياق عجيبى است كه از كمال محبتشان به يكديگر در راه خداى تعالى و برادريشان در دين و مساواتشان در بين يكديگر و خيرخواهى و اشفاق نسبت به هم خبر مى دهد.

همانطور كه قبلا هم گفتگويش گذشت در جمله" رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ" بر موقفى از توحيد اشاره كرده اند كه نسبت به صاحبان و گويندگان جمله" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" رفيع تر و كامل تر است.

و اما برادرى و مواساتشان از اينجا فهميده مى شود كه يكى از ايشان وقتى مى خواهد پيشنهاد كند كه كسى را بفرستيم شهر به يكى از رفقايش نمى گويد تو برخيز برو، مى گويد

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 232.

(2 و 3)مجمع البيان، ج 6، ص 457.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 366

يكى را بفرستيد، و نيز نگفت فلانى را بفرستيد. و وقتى هم خواست اسم پول را ببرد نگفت پولمان را و يا از پولمان به او بدهيد برود، بلكه گفت:" پولتان را بدهيد به يك نفرتان" و و رق را به همه نسبت داد، همه اينها مراتب برادرى و مواسات و ادب آنان را مى رساند.

بعلاوه، جمله" فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً ..." و جمله" وَ لْيَتَلَطَّفْ ..." مراتب خيرخواهى آنان نسبت به هم را مى رساند. و جمله" إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ..." اشفاق و مهربانى آنان را نسبت به يكديگر مى رساند كه چقدر نسبت به نفوسى كه داراى ايمان بودند مشفق بودند، و براى آن نفوس ارزش قائل بودند.

و در جمله" بِوَرِقِكُمْ هذِهِ" با در نظر گرفتن اضافه پول به آنان و به كار رفتن اشاره" هذه" كه و رق مشخصى را تعيين مى كند اشعار دارد بر اينكه عنايت خاصى داشته اند بر اينكه بدان اشاره كنند و بگويند" پولتان كه اينست" و گرنه سياق بيش از اين استدعا نداشت كه چون گرسنه اند شخصى را بفرستند قدرى غذا تهيه كند. و اما اسم پول بردن و بدان اشاره كردن بعيد نيست براى اين بوده كه ما بدانيم جهت بيرون افتادن راز آنان همان پول بوده، چون وقتى فرستاده آنان پول را در آورد تا به فروشنده جنس بدهد فروشنده ديد سكه اى است قديمى و مربوط به سيصد سال قبل. و در آيات اين داستان غير از اين پول چيز ديگرى باعث كشف اين راز معرفى نشده است.

" وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ".

در مفردات «1» گفته: ماده" عثر" به معناى سقوط است. وقتى مى گويند" فلان عثر" معنايش اين است كه فلانى افتاد، ولى مجازا در مورد كسى هم كه به مطلبى اطلاع پيدا مى كند بدون اينكه در پى آن باشد استعمال مى كنند، و مى گويند:" عثرت على كذا" يعنى به فلان مطلب اطلاع يافتم. در قرآن كريم يك جا فرموده:" فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً" و يك جا فرموده:" وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ" يعنى اين چنين ايشان را بر جاى آنان واقف نموديم بدون اينكه خودشان در جستجوى آنان باشند.

و تشبيهى كه در جمله" وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ" است مانند تشبيهى است كه در جمله" كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ" قرار دارد، و معنايش اين است: همانطور كه قرنها به خوابشان كرديم و سپس بيدارشان نموديم همين طور چنين و چنان كرديم. و به همين منوال جمله اولى معنا

__________________________________________________

(1)مفردات راغب، ماده" عثر".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 367

مى شود. و مفعول" أَعْثَرْنا" در آن جمله كلمه" اناس" است كه سياق بر آن دلالت دارد، و ذيل آيه هم كه مى فرمايد:" لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" شاهد بر اين دلالت است.

و جمله" رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ" به بيانى كه خواهد آمد اين وجه را تاييد مى كند.

بعضى «1» از مفسرين بر اين وجه اعتراض كرده اند، اولا به اينكه مستلزم اين است كه تنازع و سر و صداى مردم بعد از واقف شدن بر حال اصحاب باشد، و حال آنكه چنين نيست، و ثانيا به اينكه تنازع و سر و صدا قبل از وقوف بر حال آنان بوده، و بعد از وقوف ديگر سر و صدا برطرف شده است، و بنا بر وجه بالا تنازع و وقوف در يك وقت بوده و صحيح نيست.

از اين اعتراض پاسخ مى دهيم به اينكه بنا بر اين وجه، تنازع مردم تنازع در خصوص اصحاب كهف است كه زمانا بعد از اعثار و وقوف بوده، و آن تنازعى كه قبل از وقوف بوده تنازع در مساله قيامت بوده است كه بنا بر اين وجه مقصود از تنازع آن نيست.

[توضيح آيه:" فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً ..." كه گفتگوى و مجادله مردم را در باره اصحاب كهف حكايت مى كند] ..... ص : 367

گويندگان اين حرف مشركين هستند به دليل اينكه دنبال آن چنين نقل فرموده:" قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ- گفتند آنهايى كه بر امر ايشان اطلاع يافتند". و مراد از" بناء" بنيان بر ايشان است- و به طورى كه بعضى «2» گفته اند منظور اين است كه ديوارى كشيده شود تا اصحاب كهف پشت آن قرار گرفته از نظر مردم پنهان شوند، و كسى بر حال آنان واقف نگردد، هم چنان كه گفته مى شود:" بنى عليه جدارا" يعنى آن را پشت ديوار قرار داد.

اين قسمت از آيات داستان اصحاب كهف به انضمام قسمت هاى قبل، از آنجا كه فرمود:" وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ" و" كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ" اشاره به تماميت داستان مى كند، گويا فرموده است: بعد از آنكه فرستاده اصحاب كهف به شهر آمد و اوضاع و احوال شهر را دگرگونه يافت و فهميد كه سه قرن از به خواب رفتن آنان گذشته (البته اين را نفهميد كه ديگر شرك و بت پرستى بر مردم مسلط نيست و زمان به دست دين توحيد افتاده) لذا چيزى نگذشت كه آوازه اين مرد در شهر پيچيده خبرش در همه جا منتشر شد، مردم همه جمع شدند و به طرف غار هجوم و ازدحام آوردند و دور اصحاب كهف را گرفته حال و خبر پرسيدند، و بعد از آنكه دلالت الهيه و حجت او به دست آمد خداوند همه شان را قبض روح كرد، پس بعد از بيدار شدن بيش از چند ساعت زنده نماندند، فقط به قدرى زنده بودند تا شبهه هاى مردم در امر قيامت برطرف

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 233.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 460.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 368

گردد، بعد از آن همه مردند، و مردم گفتند بنائى بر غار آنان بسازيد، كه پروردگارشان اعلم است.

و در اينكه گفتند:" پروردگارشان اعلم است" اشاره است به اينكه آن جمعيت وقتى آنان را در غار ديدند باز بين خود اختلاف كردند و اختلافشان هر چه بوده بر سر امرى مربوط به اصحاب كهف بوده است، زيرا كلام، كلام كسى است كه از علم يافتن به حال آنان و استكشاف حقيقت حال مايوس باشد. و گويا بعضى از ديدن آن صحنه شبهه شان نسبت به قيامت زايل گشته آرامش خاطر يافتند، و بعضى ديگر آن طور كه بايد قانع نشدند، لذا طرفين گفته اند: بالأخره يا حرف ما است يا حرف شما، هر كدام باشد سزاوار است ديوارى بر آنان بكشيم كه مستور باشند خدا به حال آنان آگاهتر است.

پس جمله" رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ" از نظر هر يك از اين دو وجه معناى جداگانه اى به خود مى گيرد، براى اينكه به هر حال اين جمله نسبت به جمله" إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" كه دو وجه در معنايش آورديم تفرع دارد، به طورى كه هر معنايى كه آن جمله به خود بگيرد در اين هم اثر مى گذارد، اگر تنازع مستفاد از جمله" إِذْ يَتَنازَعُونَ ..." تنازع و اختلاف در باره قيامت باشد يكى اقرار و يكى انكار كرده باشد، قهرا معناى جمله مورد بحث ما نيز اين مى شود كه مردم در باره قيامت اختلاف نموده سر و صدا را انداخته بودند كه ناگهان ايشان را از داستان اصحاب كهف مطلع كرديم تا بدانند كه وعده خدا حق است و قيامت آمدنى است، و شكى در آن نيست، و ليكن مشركين با اينكه آيت الهى را ديدند دست از انكار برنداشتند و گفتند ديوارى بر آنان بسازيد تا مردم با آنان ارتباط پيدا نكنند چه از امر آنان چيزى براى ما كشف نشد و يقين پيدا نكرديم پروردگار آنان به حال آنان داناتر است.

موحدين گفتند امر ايشان ظاهر شد، و آيت آنان روشن گرديد، و ما به همين آيت اكتفاء نموده ايمان مى آوريم، و بر بالاى غار آنان مسجدى مى سازيم كه هم خدا در آن عبادت شود و هم تا آن مسجد هست اسم اصحاب كهف هم زنده بماند، تا بدانند وعده خدا حق است، و مراد از وعده خدا به طورى كه از سياق استفاده مى شود مساله معاد و قيامت است، پس در حقيقت جمله" وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها" عطف تفسيرى آن است.

و ظرف" اذ" در جمله" إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" ظرف براى" اعثرنا" و يا براى" ليعلموا" است. و كلمه" تنازع" به معناى تخاصم و دشمنى است. بعضى «1» گفته اند: اصل

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 233.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 369

اين كلمه به معناى تجاذب است كه در تخاصم استعمال مى شود. و به همين جهت به اعتبار معناى اصلى اش متعدى به نفس به كار مى رود، هم چنان كه به اعتبار معناى تخاصم به وسيله" فى" نيز متعدى مى شود، مانند تنازع در جمله" فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ".

و مراد از" تنازع مردم در بين خود و در باره امر خود" تنازعشان در مساله قيامت است.

و اگر قيامت را به ايشان نسبت داده به خاطر اعتناء زيادى است كه در باره آن داشتند. اين بود حال آيه مورد بحث از نظر مفردات آن، و دلالت و شهادتى كه بعضى كلمات آن بر معناى بعضى ديگر دارد.

و معنايش بنا بر آنچه گذشت اين مى شود: همانطور كه ما آنان را به خواب كرديم و سپس براى منظورى چنين و چنان بيدارشان نموديم همچنين مردم را از حال آنان با خبر كرديم تا در باره قيامت كه در باره آن با هم نزاع داشتند روشن گشته بدانند كه وعده خدا به آمدن قيامت حق است. و در فرا رسيدن آن شك و ريبى نيست.

و يا معنايش اين مى شود كه: ما مردم را بر جاى آنان واقف ساختيم تا مردم مقارن نزاعى كه بين خود در باره قيامت داشتند بدانند كه وعده خدا حق است.

[وجه دلالت بيدار شدن اصحاب كهف بعد از خواب چند صد ساله، بر حق بودن معاد و قيامت ] ..... ص : 369

خواهى پرسيد كه از خواب بيدار شدن اصحاب كهف چه دلالتى دارد بر اينكه قيامت حق است؟ در جواب مى گوئيم: از اين جهت كه اصحاب كهف در عالم خواب جانشان از بدنهايشان كنده شد، و در اين مدت طولانى مشاعرشان به كلى تعطيل گشته بود و حواس از كار باز ايستاده و آثار زندگى و قواى بدنى همه از كار افتاد، يعنى بدنها ديگر نشو و نما نكرد، موى سر و رويشان و ناخن هايشان ديگر بلند نشد شكل و قيافه شان عوض نگرديد اگر جوان بودند پير نشدند و اگر سالم بودند مريض نگشتند، ظاهر بدنها و لباسهايشان پوسيده نشد، آن وقت پس از روزگارى بس طولانى يك بار ديگر كه داخل غار شده بودند برگشتند، و اين خود بعينه نظير قيامت است، و نظير مردن و دوباره زنده شدن است، و هر دو در اينكه خارق العاده اند شريكند، كسى كه آن را قبول داشته باشد نمى تواند اين را قبول نكند، و هيچ دليلى بر نفى آن جز استبعاد ندارد.

و اين قضيه در زمانى رخ داده كه دو طائفه از انسانها با هم اختلاف داشته اند يك طائفه موحد بوده اند كه مى گفتند روح بعد از مفارقتش از بدن دوباره در روز قيامت به بدنها بر مى گردد طائفه ديگر مشرك بودند و مى گفتند روح اصلا مغاير بدن است، و در هنگام مرگ از بدن جدا مى شود، و ليكن به بدن ديگرى مى پيوندد، آرى عموم بت پرستان اعتقادشان اين است كه آدمى با مرگ دستخوش بطلان و نابودى نمى گردد، و ليكن به بدن ديگرى ملحق مى شود و اين همان تناسخ است.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 370

پس در چنين عصرى حدوث چنين حادثه اى جاى هيچ شك و ريبى باقى نمى گذارد كه اين داستان آيتى است الهى كه منظور از آن از بين بردن شك و ترديد دلها است، در خصوص امر قيامت، و منظور آوردن آيتى است تا بفهمند كه آن آيت ديگر (قيامت) نيز ممكن است و هيچ استبعادى ندارد.

از همين جا است كه در نظر، قوى مى آيد كه اصحاب كهف بعد از چند ساعتى كه مردم از حال آنان واقف شدند از دنيا رفته باشند، و منظور خداى تعالى همين بوده باشد كه آيتى از خود نشان داده دهان به دهان در بشر منتشر شود تا در باره قيامت تعجب و استبعاد نكنند.

از اينجا وجه ديگرى براى جمله:" إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" پيدا مى شود، و آن اين است كه بگوئيم در ضمير جمع اول، يعنى آنكه در يتنازعون است و آنكه كلمه" بين" بر آن اضافه شده به ناس برمى گردد، و سومى يعنى آنكه" امر" بر آن اضافه شده به اصحاب كهف برمى گردد و كلمه:" اذ" در اين صورت ظرف براى:" ليعلموا" خواهد بود، و معنايش اين مى شود كه مردم را به داستان اصحاب كهف آگاه كرديم تا بدانند وعده ما حق است، و در آن ترديدى نيست، و اين دانستنشان وقتى باشد كه در ميان خود در خصوص اصحاب كهف سر و صدا مى كردند.

و اگر تنازع مزبور تنازع در باره اصحاب كهف بوده باشد، و ضمير در" امرهم" به اصحاب كهف برگردد معناى آيه چنين مى شود: ما بعد از آنكه اصحاب كهف را بيدار كرديم مردم را بر حال آنان مطلع ساختيم تا بدانند كه وعده خدا حق است و قيامت ترديدى ندارد، و مردم در باره آنان بين خود نزاع كردند كه آيا اينها خوابند يا مرده اند و آيا لازم است دفن شوند و برايشان قبر درست كنيم و يا به حال خودشان واگذاريم تا در فضاى غار هم چنان بمانند، مشركين گفتند: بنائى بر آنان بنيان كنيم و به حال خودشان واگذاريم، پروردگارشان داناتر به حالشان است كه آيا زنده اند و خواب و يا آنكه مرده اند، ولى موحدين گفتند: مسجدى را بالاى آنان بنا مى كنيم.

اين دو معنا بود كه احتمال مى رفت و ليكن سياق مؤيد معناى اول است، زيرا ظاهر سياق اين است كه اينكه موحدين گفتند" لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً" در حقيقت رد كلام مشركين است كه گفته اند:" ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً ..." و اين دو قول به طور يقين از دو طايفه است، و بايد با هم مختلف باشد، و اين اختلاف تنها بنا بر معناى اول تصور دارد، و همچنين جمله" رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ" آن هم با اين تعبير كه بگويند:" ربهم" و نگويند:" پروردگار ما" با

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 371

معناى اول مناسب تر است.

[مقصود از:" الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ" در آيه:" قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ ..."] ..... ص : 371

" قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً".

اين جمله نقل كلام موحدين است، شاهدش اين است كه گفتند مسجدى بنا كنيم، و نگفتند معبدى. چون مسجد در عرف قرآن محلى را گويند كه براى ذكر خدا و سجده براى او مهيا شده است، و قرآن بتكده و يا ساير معابد را مسجد نخوانده هم چنان كه خداوند در سوره حج، مسجد را در مقابل صومعه و بيع و صلوات قرار داده و فرموده:" وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ" «1».

و اگر مى بينيد جمله مورد بحث با فصل و بدون عطف آمده بدين جهت است كه كلام به منزله جواب از سؤالى مقدر است، گويا سائلى پرسيده: غير مشركين چه گفتند؟ در جوابشان گفته شد آنها كه بر امر اصحاب كهف غلبه كردند چنين گفتند. و منظور از" غلبه بر امر ايشان" اگر مقصود از" امر ايشان" همان مساله مورد مشاجره در جمله" يَتَنازَعُونَ ..." باشد و ضمير" هم" به ناس برگردد مراد غلبه موحدين خواهد بود به وسيله پيروزى خود با معجزه كهف. و اگر ضمير به" فتيه" برگردد مقصود از غلبه بر امر ايشان (فتيه)، غلبه از نظر به دست گرفتن كار ايشان خواهد بود كه باز در اين صورت همان موحدين بودند كه متصدى امر كهف و ساختن مسجد بر بالاى آن بودند.

بعضى «2» گفته اند: غالبين بر امر ايشان پادشاه زمان و دستيارانش بودند، نه موحدين، بعضى «3» ديگر گفته اند: اولياء و فاميلهاى خود اصحاب كهف بودند. و اين قول از هر قولى ديگر سخيف تر است.

و اگر منظور از امر ايشان امر مذكور در" يَتَنازَعُونَ ..." نبوده باشد در اين صورت اگر ضمير به" ناس" برگردد معناى غلبه عبارت از زمامدارى خواهد بود، و معناى" قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ"،" آنهايى كه زمام امر مردم را در دست داشتند چنين و چنان گفتند" خواهد بود.

و اين زمامدارى هم با حاكم زمان قابل انطباق است و هم با موحدين، هم ممكن است حاكم اين حرف را زده باشد، و هم موحدين و اگر ضمير به موصول (الذين ...- آنهايى كه غلبه كردند) برگردد ديگر منظور از غالبون خيلى روشن است، و مقصود از غلبه زمامداران بر امر خويش اين است كه ايشان هر كارى را بخواهند مى كنند. اين بود وجوه محتمل در اين آيه ولى از همه

__________________________________________________

(1)مساجدى كه در آن نام خدا برده مى شود. سوره حج، آيه 40.

(2 و 3)مجمع البيان، ج 6، ص 460.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 372

وجوه بهتر همان وجه اول است.

اين آيه از آياتى است كه معركه آراء مختلف مفسرين شده، اختلافات زيادى در مفردات آيه دارند، اختلاف هايى در مرجع ضمير جمع در آن و در ضمن اختلافات عجيبى در باره جملات آيه از ايشان ديده مى شود كه اگر اين اختلافات را با آن اختلافات در هم ضرب كنيم آن وقت مى توان گفت در اين آيات هزاران قول پيدا شده و از اين اقوال آنچه كه با سياق آيه مناسب بود آورديم چنانچه خواننده عزيز بخواهد به همه آن اقوال پى ببرد بايد به كتب تفسيرى مطول مراجعه نمايد.

[حكايت اختلاف مردم در عدد اصحاب كهف و بيان اينكه ايشان هفت نفر بوده اند] ..... ص : 372

" سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ... وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ".

خداى تعالى در اين آيه اختلاف مردم را در عدد اصحاب كهف و اقوال ايشان را ذكر فرموده، و بنا به آنچه كه خداوند در قرآن نقل كرده- و قوله الحق- مردم سه قول داشته اند كه هر يك مترتب بر ديگرى است، يكى اينكه اصحاب كهف سه نفر بوده اند كه چهارمى سگ ايشان بوده. دوم اينكه پنج نفر بوده اند و ششمى سگشان بوده كه قرآن كريم بعد از نقل اين قول فرموده:" رجم به غيب مى كردند" يعنى بدون علم و اطلاع سخن مى گفتند.

و اين توصيفى است بر هر دو قول، زيرا اگر مختص به قول دوم به تنهايى بود حق كلام اين مى بود كه قول دومى را اول نقل كند و آن گاه اين رد خود را هم دنبالش بياورد بعدا قول اول و بعد سوم را نقل كند.

قول سوم اينكه هفت نفر بوده اند كه هشتمى سگ ايشان بوده، خداى تعالى بعد از نقل اين قول چيزى كه اشاره به ناپسندى آن كند نياورده، و اين خود خالى از اشعار بر صحت آن نيست. قبلا هم كه در پيرامون محاوره اصحاب كهف در ذيل آيه" قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ" بحث مى كرديم گفتيم كه اين صيغه هاى جمع و آن يك صيغه مفرد نه تنها اشعار بلكه دلالت دارد بر اينكه حد اقل عدد ايشان هفت نفر بوده و كمتر از آن نبوده است.

و از جمله لطائفى كه در ترتيب شمردن اقوال مذكور به كار رفته اين است كه از عدد سه تا هشت را پشت سر هم آورده با اينكه سه عدد را شمرده شش رقم را نام برده، فرموده" سه نفر، چهارمى سگشان، پنج نفر، ششمى سگشان، هفت نفر هشتمى سگشان".

و اما كلمه" رجما" تميزى است كه به وصف دو قول اول به عبارت" قول بدون علم" مى پردازد و" رجم" همان سنگسار كردن است و گويا مراد از" غيب" غايب باشد، يعنى قولى كه معنايش از علم بشر غايب است و قائلش نمى داند راست است يا دروغ، آن گاه ترجمه الميزان، ج 13، ص: 373

گوينده كلامى را كه چنين شانى و چنين وضعى دارد به كسى تشبيه فرموده كه مى خواهد با سنگ كسى را بزند، خم مى شود چيزى را برمى دارد كه نمى داند سنگ است يا چيز ديگر و نمى داند كه به هدف مى خورد يا خير؟ و شايد در مثل معروف هم كه مى گويند:" فلانى رجم به غيب كرد" همين باشد، يعنى به جاى علم با مظنه رجم كرد، چون مظنون هم هر چه باشد تا حدى از نظر صاحبش غائب است.

بعضى «1» در معناى" رجم به غيب" گفته اند" ظن به غيب" ولى قول بعيدى است.

خداى تعالى در اين سه جمله مورد بحث، در وسط دو جمله اول آن واو نياورد، ولى در سومى آورده فرموده:" ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ"،" خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ"،" سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ".

در كشاف «2» گفته در اين سه جمله" ثلاثة" و" خمسة" و" سبعة" هر سه خبرهايى هستند براى مبتداى حذف شده، و تقدير كلام چنين است:" هم ثلاثة"" هم خمسة"" هم سبعة" هم چنان كه هر سه جمله" رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ" و" سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ" و" ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ" مبتداء و خبرهايى هستند كه صفت خبر قبلى قرار گرفته اند.

خواهى پرسيد اين كه دليل بى واو آمدن آن دو جمله و با واو آمدن اين جمله نشد؟ در جواب مى گوييم واو مزبور واوى است كه هميشه بر سر جمله اى در مى آيد كه آن جمله صفت نكره اى باشد، هم چنان كه بر سر جملاتى هم در مى آيد كه حال از معرفه باشد مانند صفت نكره در جمله" جاءني رجل و معه آخر- نزد من مردى آمد كه با او ديگرى هم بود" و صفت معرفه مانند" مررت بزيد و بيده سيف- زيد را در راه ديدم در حالى كه در دستش شمشيرى بود" و او در جمله" وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ" نيز از همين باب است.

فائده اين واو هم در نكره و هم در معرفه تاكيد و يا به عبارتى بهتر چسبيدن صفت به موصوف و دلالت بر اين است كه اتصاف موصوف به اين صفت امرى است ثابت و مستقر.

همين واو است كه در جمله سوم به ما مى فهماند كه اين حرف صحيح است، زيرا مى رساند گويندگان اين سخن از روى علم و ثبات و اطمينان نفس سخن گفته اند، نه چون آن دو طائفه كه رجم به غيب كرده بودند. دليل بر اين استفاده اين است كه خداى تعالى بعد از دو جمله اول فرمود:" رَجْماً بِالْغَيْبِ" و بعد از جمله سوم فرمود:" ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ" ابن عباس هم گفته در دو جمله اول واو نيامد چون هنوز جاى شمردن بود، زيرا يك قول ديگر باقى مانده بود، ولى در جمله سوم واو آورد تا بفهماند قول ديگرى در دنبال نيست، همين

__________________________________________________

(1 و 2)كشاف، ج 2، ص 713.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 374

روايت هم خود دليل قاطع و ثابت است بر اينكه عدد اصحاب كهف هفت نفر بوده، و هشتمى آنان سگشان بوده است «1».

و در مجمع البيان در ذيل خلاصه اى از كلام ابى على فارسى گفته: و اما كسى كه گفته اين واو، واو ثمانيه است، و استدلال كرده به آيه:" حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها" كه چون درهاى بهشت هشت عدد است لذا واو آورده سخنى است كه علماى نحو معنايش را نمى فهمند، و از نظر علمى اعتبارى ندارد «2».

" قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ...".

در اين جمله به رسول خدا (ص) فرمان مى دهد كه در باره عدد اصحاب كهف صحيح ترين نظريه را اعلام بدارد و آن اين است كه خدا به عدد آنان داناتر است. در كلام سابقش نيز به اين نظريه اشاره كرده، نظير اينكه در جمله اى كه از محاوره آنان حكايت كرده بود، و آن را كلامى صحيح هم دانسته بود يكى گفته بود: چه قدر خوابيدند؟ گفتند:" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" و در آخر حكايت كرده كه گفتند، پروردگارتان بهتر مى داند كه چقدر خوابيديد؟ با اين حال در كلام دلالتى است بر اينكه بعضى از كسانى كه با رسول خدا (ص) مخاطب به اين خطاب يعنى خطاب" رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ" بودند اطلاعى از عدد آنان داشته اند، چون در اين كلام فرموده:" ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ- نمى داند آن را مگر عده اى اندك" و نفرموده:" لا يعلمهم الا قليل" چون ميان" ما" و" لا" فرق است اولى نفى حال را افاده مى كند و در نتيجه استثناء" الا قليل" بعد از آن اثبات در حال را مى رساند.

و از اين كلام چنين به نظر مى آيد كه آن عده كمى كه قضيه را مى دانستند از اهل كتاب بوده اند.

كوتاه سخن، مفاد كلام اين است: سه قولى كه در باره عدد اصحاب كهف ارائه شد در عهد رسول خدا (ص) معروف بوده، و بنا بر اين، اينكه در جمله" سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ ...- به زودى مى گويند سه نفر بوده اند" كه مى فهماند در آينده اين نظريه ارائه مى شود، همچنين دو نظريه ديگر در صورتى كه عطف به مدخول" سين"" در:" سيقولون" باشند آينده نزديك به زمان نزول اين آيات و يا نزديك به زمان وقوع حادثه را مى رساند- دقت

__________________________________________________

(1)تفسير كشاف، ج 2، ص 713.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 459.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 375

فرماييد.

" فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً"- راغب گفته: كلمه" مرية" به معناى تردد در چيزى است، و معناى آن از معناى كلمه" شك" اخص است، و شك از مريه عمومى تر است. آن گاه گفته:" امتراء" و" ممارات" به معناى محاجه در آن امرى است كه مورد تردد باشد. سپس گفته: اصل كلمه" مرية" از اصطلاح" مريت الناقة" گرفته شده كه معنايش" به پستان ماده شتر جهت دوشيدن شير دست كشيدم" است «1».

پس اگر" جدال" را" ممارات" خوانده اند براى اين است كه شخص مجادله كننده با كلام خود مى خواهد همه حرفهاى طرف خود را از او بدوشد و رد كند.

و مقصود از" ظاهر بودن مراء" اين است كه در آن تعمق و دقت ننموده به همان مقدارى كه قرآن از قصه اصحاب كهف آورده اكتفاء كند. ولى بعضى «2» آن را طورى ديگر معنا كرده اند كه از آن توهين و رد شنونده فهميده مى شود. و بعضى «3» ديگر گفته اند مقصود از ظاهر بودن مراء اين است كه مراء حجت طرف مقابل را از بين ببرد، و ظهور در اينجا به معناى رفتن است، هم چنان كه در شعر شاعر كه گفته:" و تلك شكاة ظاهر عنك عارها- و اين شكوه اى است كه عارش از تو خواهد رفت" به اين معنا است.

و معناى آيه اين است: وقتى پروردگار تو داناتر به عدد ايشان است، و او است كه داستان ايشان را براى تو بيان كرده، پس ديگر با اهل كتاب در باره اين جوانان محاجه مكن مگر محاجه اى كه در آن اصرار نباشد، و يا محاجه اى كه حجت آنان را از بين ببرد، و از هيچ يك از آنان در باره عدد اين جوانان نظريه مخواه، پروردگارت تو را كفايت كند.

[توضيح در مورد اينكه بايد كار فردا را به مشيت خدا (ان شاء اللَّه) مشروط كرد و بيان اينكه هر عملى از هر عاملى موقوف به اذن و مشيت خداى تعالى است ] ..... ص : 375

" وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ".

اين آيه شريفه چه خطابش را منحصر به رسول خدا (ص) بدانيم و چه اينكه بگوييم خطاب به آن حضرت و به ديگران است متعرض امرى است كه آدمى آن را كار خود مى داند، و به طرف مقابل خود وعده مى دهد كه در آينده اين كار را مى كنم.

قرآن كريم در تعليم الهى خود تمامى آنچه كه در عالم هستى است چه ذوات و چه آثار و افعال ذوات را مملوك خدا به تنهايى مى داند، كه مى تواند در مملوك خود هر قسم تصرفى نموده و هر حكمى را انفاذ بدارد، و كسى نيست كه حكم او را تعقيب كند، و غير

__________________________________________________

(1)مفردات راغب، ماده" مرى".

(2 و 3)روح المعانى، ج 15، ص 247. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 376

خدا هيچ كس هيچ چيز را مالك نيست، مگر آنچه را كه خدا تمليكش كرده، و او را بر آن توانا نموده، تازه بعد از تمليك هم باز خود او مالك و قادر بر آن است (و مانند تمليك ما به يكديگر نيست كه وقتى چيزى به كسى تمليك كنيم ديگر خودمان مالك نيستيم). آيات قرآنى كه بر اين حقيقت دلالت كند بسيار زياد است، كه حاجتى به ايراد آنها نيست.

پس تمامى ذواتى كه در عالم است كه داراى افعال و آثارى هستند و ما آنها را سبب و فاعل و علت آن افعال و آثار مى ناميم هيچ يك مستقل در سببيت خود نيستند، و هيچكدام در فعل و اثر خود بى نياز از خدا نيست، هيچ عملى و اثرى از آنها سر نمى زند مگر آنكه خدا بخواهد، زيرا او است كه آن را قادر بر آن فعل كرده و در عين حال سلب قدرت از خود ننموده، تا آن فاعل بر خلاف اراده خدا اراده اى كند.

و به عبارت ديگر هر سببى از اسباب عالم هستى سبب از پيش خود نيست و سببيتش به اقتضاء ذاتش نمى باشد، بلكه خداى تعالى او را قادر بر فعل و اثرش كرده و هر جا كه فعل و اثرى از خود نشان دهد مى فهميم كه خدا خلاف آن را اراده نكرده است.

و اگر بخواهى مى توانى بگويى خداى تعالى راه رسيدن به اثر را برايش آسان و هموار كرده. و باز اگر خواستى بگو اثر خود را به اذن خدا بروز مى دهد، زيرا برگشت همه اين تعبيرات به يكى است. اذن خدا همان اقدار خدا است، اذن خدا همان رفع موانع نمودن خدا است، و آيات داله بر اين كه هر عملى از هر عاملى موقوف بر اذن خداى تعالى است بسيار زياد است از آن جمله مى فرمايد:" ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ" «1» و نيز مى فرمايد:" ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ" «2» و نيز مى فرمايد:" وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ" «3» و نيز مى فرمايد:" وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ" «4» و نيز فرموده:" وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ" «5» و همچنين آيات زياد ديگرى از اين قبيل.

پس انسان عارف به مقام پروردگار خود و كسى كه خود را تسليم پروردگار خويش ساخته مى بايستى هيچ وقت خود را سبب مستقل در امرى و در كارى نداند، و خود را در آن

__________________________________________________

(1)هيچ درخت خرمايى را قطع نمى كنيد و يا به حال خود نمى گذاريد مگر به اذن خدا. سوره حشر، آيه 5.

(2)هيچ مصيبتى نمى رسد مگر به اذن خدا. سوره تغابن، آيه 11.

(3)سرزمين پاك روئيدنيش نمى رويد مگر به اذن خدا. سوره اعراف آيه 58.

(4)هيچ كسى نمى تواند ايمان بياورد مگر به اذن خدا. سوره يونس، آيه 100.

(5)هيچ رسولى نفرستاديم مگر براى اينكه به اذن خدا اطاعت شود. سوره نساء، آيه 64.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 377

كار مستغنى از خدا نپندارد، و بداند كه اگر مالك آن عمل و قادر بر آن است خداى تعالى تمليكش فرموده. و او بر آن كار قادرش ساخته. و ايمان داشته باشد به اينكه:" أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً- نيروها همه از خدا است" لا جرم هر وقت تصميم مى گيرد كه عملى را انجام دهد بايد عزمش توأم با توكل بر خدا باشد هم چنان كه خودش فرموده:" فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ" «1» و هر وقت به كسى وعده اى مى دهد و يا از عملى كه در آينده انجام دهد خبر مى دهد، بايد مقيدش كند به اذن خدا، و يا به عدم مشيت خدا خلاف آن را، و بگويد اين كار را مى كنم اگر خدا غير آن را نخواسته باشد. و همين معنا يعنى نهى از مستقل پنداشتن، خود معنايى است كه از آيه شريفه به ذهن مى رسد، مخصوصا با سابقه ذهنى كه از قرآن كريم در باره اين حقيقت داريم وقتى مى شنويم:" وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ"، آن هم با در نظر گرفتن آيات قبل كه وحدانيت خدا را در الوهيت و ربوبيت بيان مى كرد و همچنين آيات ما قبل اين قصه را كه آنچه در روى زمين است زينت داده خدا معرفى مى نمود، و مى فرمود:

" خدا به زودى آنها را به صورت خاكى خشك و بى علف در مى آورد". و نيز با در نظر گرفتن اينكه يكى از چيزهايى كه در روى زمين است افعال آدمى است كه خدا براى انسان زينتش داده و با آن آدميان را امتحان مى كند، كه آيا خود را مالك آن افعال مى دانند يا خير.

از همه اينها استفاده مى شود كه منظور از جمله" وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً" اين نيست كه شما كارهاى خودتان را به خود نسبت ندهيد، و اين كارها مال شما نيست، قطعا منظور اين نيست، براى اينكه ما مى بينيم بسيارى از موارد خدا كارهاى پيغمبرش و غير پيغمبرش را به خود آنان نسبت داده، و اصلا امر مى كند كه كارهايى را به خودش نسبت دهد:" فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ" «2» و يا" لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ" «3».

پس قرآن كريم اصل نسبت دادن افعال به فاعل را انكار نمى كند آن چيزى را كه انكار كرده اين است كه كسى براى خود و يا براى كسى و يا چيزى ادعاى استقلال در عمل و بى نيازى از مشيت خدا و اذن او كند، اين است آن نكته اى كه جمله استثنايى:" إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ" در مقام افاده آن است.

از همين جا روشن مى شود كه در جمله مذكور بايى به معناى ملابسه در تقدير است، و استثناء هم استثناء مفرغ است كه مستثنى را از همه احوال و از همه زمانها بيرون مى كند و

__________________________________________________

(1)پس هر گاه تصميمى گرفتى با توكل بر خدا انجام ده. سوره آل عمران، آيه 159.

(2)پس بگو عمل من براى من و عمل شما براى شما است. سوره يونس، آيه 41.

(3)كارهاى ما براى خودمان و كارهاى شما براى خودتان. سوره شورى، آيه 15.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 378

تقديرش اين است كه" به هيچ چيز مگو- يعنى در باره هيچ چيز تصميم مگير- كه من آن را فردا انجام مى دهم، اين حرف را در هيچ حالى از احوال و در هيچ زمانى از ازمنه مزن، مگر در يك حال و يك زمان، و آن حال و زمانى است كه كلام خود را معلق بر مشيت خدا كرده باشى به اينكه گفته باشى: من اين كار را فردا انجام مى دهم اگر خدا بخواهد كه انجام دهم و يا اگر خدا نخواهد كه انجام ندهم" و بالأخره معناى" ان شاء اللَّه" مقيد ساختن عمل خويش است به مشيت خدا.

[وجوه ديگرى كه در باره استثناء در آيه:" وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ" گفته شده است ] ..... ص : 378

اين است آن معنايى كه دقت در آيه افاده اش مى كند، و ذيل آيه نيز مؤيد آن است، البته مفسرين در آن توجيهات ديگرى دارند كه ذيلا از نظر خوانندگان مى گذرد:

يكى «1» اينكه معناى آيه همان معنايى است كه شد الا اينكه در كلام، كلمه" قول" در تقدير است، و تقدير كلام اين است كه:" الا ان تقول ان شاء اللَّه- مگر اينكه بگويى ان شاء اللَّه" و چون كلمه" تقول" حذف شده، تعبير" ان شاء اللَّه" هم به عبارت مستقبل يعنى" أَنْ يَشاءَ اللَّهُ" تغيير يافته است، و اين خود تاديبى است از خدا براى بندگانش، و تعليم ايشان است تا آنچه خبر مى دهند اينطور خبر دهند تا از حد قطع و يقين بيرون آيد، و در نتيجه دروغ نگفته باشند. و اگر قسم خورده اند در صورت برخورد با موانع قسمشان نشكند. مثلا در خبر بگويند فردا ان شاء اللَّه فلانى مى آيد، اگر فرضا نيامد دروغ نگفته، چون گفته اگر خدا بخواهد، و همچنين در قسم بگويد و اللَّه فلان كار را مى كنم ان شاء اللَّه، تا اگر به موانعى برخورد نمود سوگندش نشكند، و كفاره به گردنش نيايد- اين وجه را به اخفش نسبت داده اند.

ليكن وجهى است با تكلف آن هم تكلفى بى جهت، علاوه بر اينكه تقدير قول آن طور كه گفته شده معناى آيه را به كلى به هم مى زند، و اين مساله بر خواننده پوشيده نيست.

وجه ديگرى كه آورده اند «2» اين است كه در كلام چيزى در تقدير نيست الا اينكه مصدرى كه پس از تاويل جمله" ان شاء اللَّه" استفاده مى شود، مصدرى است به معناى مفعول و معناى جمله اين است كه: به چيزى مگو كه من فردا انجامش مى دهم، مگر آن چيزى كه خدا خواسته باشد و اراده كرده باشد، مثلا اطاعت خدا باشد. پس گويا گفته شده در باره هيچ عملى مگو كه به زودى انجامش مى دهم مگر آن عملى كه از طاعات باشد. و نهى" مگو" هم نهى كراهتى است نه حرمتى تا بر آن اعتراض شود كه پس انجام كارهاى مباح و يا خبر دادن از آن كه بعدها مى كنم جائز نيست، و حال آنكه جائز است.

__________________________________________________

(1 و 2)مجمع البيان، ج 6، ص 461، به نقل از فراء.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 379

اين وجه نيز صحيح نيست، زيرا وقتى صحيح است كه مقصود از مشيت خدا اراده تشريعى" طاعت" بوده باشد، و كسى چنين سندى نداده، و هيچ دليلى بر آن دلالت ندارد، حتى در يك مورد از قرآن هم سراغ نداريم كه مشيت به معناى اراده تشريعى خدا باشد در حالى كه مواردى سراغ داريم كه مشيت در آن در مشيت تكوينى استعمال شده، هم چنان كه از قول حضرت موسى (ع) نقل فرموده كه به خضر گفت:" سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً" «1» و از شعيب نقل فرموده كه به موسى گفت:" سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ" «2» و از اسماعيل (ع) حكايت كرده كه به پدرش گفت:" سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" «3» و در وعده اى كه به رسول خدا (ص) داده مى فرمايد:" لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" «4» و همچنين آياتى ديگر.

وجه مزبور بيشتر با اصول عقايد معتزله وفق مى دهد، چون معتزله مى گويند: خداى تعالى پس از خلقت بندگان، ديگر مشيتى در كارهاى آنان ندارد تنها دخل و تصرفى كه در بندگان دارد از راه تشريع و اراده تشريعى و خلاصه جعل قانون است، كه اين كار را بكنيد و اين كار مكنيد. و ليكن اين نظريه از نظر عقل و نقل باطل است.

يكى «5» از وجوه ديگرى كه در توجيه آيه شريفه آورده اند اين است كه استثناء مزبور از" فعل" است نه از" قول" كه اگر اينطور توجيه كنيم ديگر احتياجى به تقدير پيدا نمى كنيم، و معنا اين مى شود: و به هر چيز مگو كه" من فردا انجامش مى دهم، مگر آنكه خدا خلافش را اراده كرده باشد، و مانعى جلو من بگذارد" و اين حرف، نظير حرف معتزله است كه مى گويند بنده در افعالش فاعل مستقل است مگر اينكه خداوند مانعى بزرگتر در جلو او قرار دهد، و خلاصه برگشت كلام به اين مى شود كه در باره افعال بندگان راه معتزله را مرو، نظريه آنان باطل است.

اشكالى كه ما در اين توجيه داريم اين است كه استثناء را به فعل زدن نه به قول، به آن بيانى كه ما گذرانديم بى اشكالتر و تمامتر است، و ديگر نهى از تعليق استثناء بر فعل وجهى ندارد، چون تعليق استثناء بر فعل در موارد متعددى در كلام خداى تعالى واقع شده، و

__________________________________________________

(1)به زودى ان شاء اللَّه مرا مردى شكيبا خواهى يافت. سوره كهف، آيه 69.

(2)به زودى ان شاء اللَّه مرا از صالحين خواهى يافت. سوره قصص، آيه 27.

(3)به زودى مرا ان شاء اللَّه از صابرين خواهى يافت. سوره صافات، آيه 102.

(4)به زودى ان شاء اللَّه با امنيت تمام وارد مسجد الحرام خواهيد شد. سوره فتح، آيه 27.

(5)روح المعانى، ج 15، ص 248. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 380

آن را رد نكرده مانند كلامى كه از ابراهيم حكايت كرده كه گفت:" وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً" «1» و كلامى كه از شعيب نقل كرده كه گفت:" وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ" «2» و نيز مانند آيه" ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ" «3» كه كلام خود خداى تعالى است، و همچنين آيات ديگر. پس آيه مورد گفتگوى ما نيز بايد بر معنايى حمل شود كه با اين مطلب موافق در آيد.

يكى «4» ديگر از وجوهى كه در معناى استثناء مورد بحث گفته اند اين است كه استثناى مزبور از اعم اوقات است، چيزى كه هست مفعول كلمه" يشاء" عبارت از قول است، و معناى آيه اين است كه: هيچ وقت اين حرف را نزنيد مگر آنكه خدا بخواهد كه شما بزنيد. و مراد از خواستن خدا اذن او است، يعنى حرفى نزنيد كه خدا اذن خود را در آن اعلام نكرده باشد.

اشكال اين وجه اين است كه وقتى درست است كه چيزى در آن تقدير بگيريم، و تقدير گرفتن دليل مى خواهد و در الفاظ آيه چيزى كه دلالت كند بر تقدير اعلام وجود ندارد، و اگر هم تقدير نگيريم تكليف در آيه تكليف به مجهول خواهد بود.

وجه ديگر «5» اين است كه استثناء مزبور براى ابدى كردن مطلب است، نظير استثنايى كه در آيه" خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" «6» و بنا بر اين معناى آيه مورد بحث اين مى شود كه: ابدا چنين حرفى مزن.

ليكن اين وجه با آيات بسيارى كه قبلا نقل كرديم كه افعال گذشته و آينده انبياء و ساير مردم را به خود ايشان نسبت داده منافات دارد، بلكه در آن آيات پيغمبر خود را دستور مى دهد كه اعمال خود را به خودش نسبت دهد مثل اينكه فرموده:" فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ" «7» و مانند آيه" قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً" «8».

__________________________________________________

(1)من از آنچه به خدا شرك مى ورزيد نمى ترسم مگر آنكه خداى من چيزى بخواهد. سوره انعام آيه 80.

(2)ما را نمى رسد كه دو باره بدان برگرديم مگر آنكه خدا بخواهد. سوره اعراف، آيه 89.

(3)هرگز نمى توانند ايمان بياورند مگر آنكه خدا بخواهد. سوره انعام، آيه 111.

(4 و 5)روح المعانى، ج 15، ص 248.

(6)جاودانه در آن هستند ما دام كه آسمانها و زمين برقرارند مگر آنكه پروردگار تو عطائى غير مقطوع بخواهد. سوره هود، آيه 108.

(7)سوره يونس، آيه 41.

(8)بگو بزودى ذكرى از آن را برايتان مى خوانم. سوره كهف، آيه 83.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 381

[معناى آيه:" وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ..." و وجوهى كه در معناى آن گفته شده است ] ..... ص : 381

" وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً".

اتصال اين آيه به ما قبل و اشتراكش با آنها در سياق تكليف" بياد آر" چنين اقتضاء مى كند كه مراد از نسيان فراموش كردن استثناء باشد. و بنا بر اين مراد از" ذكر پروردگار" فراموش نكردن مقام پروردگار است. همان مقامى كه به ياد آن بودن موجب استثناء مى شود، و آن اين است كه خداى تعالى قائم بر هر نفسى، و هر كارى است كه آن نفس مى كند، و خدا است كه كارهاى نفوس را به آنها تمليك كرده و نفوس را بر آن قدرت داده.

و معناى آيه اين است كه: هر وقت در اثر غفلت از مقام پروردگارت فراموش كردى كه در كلام خود استثناء مذكور را به كار برى به محضى كه يادت آمد مجددا به ياد پروردگارت باش، آن گاه ملك و قدرت خود را تسليم او بدار و از او بدان و افعال خويش را مقيد به اذن و مشيت او كن.

و از آنجايى كه امر به يادآورى مطلق آمده، و معلوم نكرده كه چه نحو و با چه عبارتى به ياد خدا بيفتيد، لذا استفاده مى شود كه منظور ذكر خداى تعالى است به شان مخصوص به او، حال چه اينكه به لفظ باشد و چه به ياد قلبى، و لفظ هم چه ان شاء اللَّه باشد و يا استغفار و چه اينكه ابتداء آن را بگويد، و يا اگر يادش رفت هنوز كلامش تمام نشده آن را بگويد، و يا به منظور گفتن آن كلام را دو باره تكرار كند، و يا آنكه اگر اصلا يادش نيامد تا كلام تمام شد همان كلام را در دل بگذراند، و ان شاء اللَّه را بگويد، چه اينكه فاصله زياد شده باشد، يا كم، هم چنان كه در بعضى از روايات «1» آمده كه وقتى آيه شريفه نازل شد رسول خدا (ص) فرمود:" ان شاء اللَّه". و چه اينكه به لفظ استغفار و امثال آن باشد.

از آنچه گذشت اين معنا روشن گرديد كه گفتار بعضى «2» از مفسرين كه گفته اند آيه مستقل از آيات قبل است، و مراد از فراموشى، فراموشى خدا و يا مطلق فراموشى است، و معنايش اين است كه" هر وقت خدا را فراموش كردى و يا هر چيز ديگرى را فراموش كردى سپس يادت آمد به ياد خدا، بيفت" گفتار صحيحى نيست.

و همچنين كلام بعضى «3» ديگر كه بنا بر وجه سابق اضافه كرده كه مراد از ذكر خداى تعالى، هر ذكرى نيست، بلكه همان كلمه" ان شاء اللَّه" است هر چند كه فاصله ميان گفتن آن و فراموشى زياد باشد، و يا خصوص استغفار و يا پشيمانى بر تفريط و كوتاهى كردن

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 217.

(2)تفسير فخر رازى، ج 21، ص 111.

(3)روح المعانى، ج 15، ص 249 و مجمع البيان، ج 6، ص 461.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 382

است، و همچنين وجوه ديگرى كه در اين باره ارائه شده وجوه سديدى نيست.

مساله اتصال به سياق آيات قبل و اشتراكش با آنها در سياق تكليف اقتضاء مى كند كه اشاره به كلمه" هذا" اشاره به ذكر خدا بعد از فراموشى باشد، و معنايش اين باشد: اميدوار باش كه پروردگارت تو را به امرى هدايت كند كه رشدش از ذكر خدا بعد از نسيان بيشتر باشد، و آن عبارت است از ذكر دائمى و بدون نسيان. در نتيجه آيه شريفه از قبيل آياتى خواهد بود كه رسول خدا (ص) را به دوام ذكر دعوت مى كند، مانند آيه" وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ" «1» چون به ياد چيزى افتادن بعد از فراموش كردن و بياد آوردن و به خاطر سپردن كه ديگر فراموش نشود خود از اسباب دوام ذكر است.

و عجب از مفسرينى «2» است كه كلمه" هذا" را در آيه شريفه اشاره به داستان اصحاب كهف گرفته و گفته اند: معناى آيه اين است كه" بگو اميد است خداوند از آيات داله بر نبوتم معجزاتى به من بدهد كه از نظر ارشاد مردم به دين توحيد مؤثرتر از داستان اصحاب كهف باشد" ولى خواننده ضعف اين توجيه را خود مى فهمد.

و از اين عجيب تر كلامى است كه از بعضى «3» از مفسرين نقل شده كه گفته اند اشاره" هذا" به فراموش شده است، و معناى آيه اين است كه" از خدا بخواه كه وقتى چيزى را فراموش كردى به يادت بياورد، و اگر به يادت نياورد بگو اميد است پروردگارم مرا به چيزى هدايت كند، كه از آن فراموش شده ام بهتر و نفعش از آن بيشتر باشد".

باز از اين هم عجيب تر كلام بعضى «4» ديگر از آنان است كه گفته اند جمله" وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ ..." عطف تفسيرى بر جمله" وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ" مى باشد و معنايش اين است كه اگر نسيانى از تو سر زد به سوى پروردگارت توبه ببر، و توبه ات اين است كه بگويى" اميد است پروردگارم مرا به نزديك تر از اين به رشد هدايت فرمايد".

ممكن هم هست بگوييم وجه دوم و سوم يك وجه است و به هر حال چه يكى باشد و چه دو تا بناء هر دو بر اين است كه مراد از جمله" نسيت" مطلق نسيان باشد، و حال آنكه خواننده عزيز اشكالش را فهميد.

__________________________________________________

(1)خداى خود را با تضرع و پنهانى و بى آنكه آواز بركشى در دل خود در صبح و شام ياد كن و از غافلان مباش. سوره اعراف، آيه 205.

(2)كشاف، ج 2، ص 715. و روح المعانى، ج 15، ص 251.

(3 و 4)روح المعانى، ج 15، ص 251.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 383

[توضيح آيه:" وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً" كه عدد سالهاى اقامت اصحاب كهف را در غار حكايت مى كند] ..... ص : 383

" وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً".

اين جمله مدت اقامت اصحاب كهف در غار را بيان مى كند كه در اين مدت همه در خواب بودند، و چون طولانى بودن اين خواب مورد عنايت بوده، در اول آيات داستان نيز اشاره اى اجمالى به اين مدت كرده و فرموده:" فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً".

مؤيد اين حرف اين است كه دنبال جمله مورد بحث در آيه بعدى فرموده:" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا"، آن گاه اضافه كرده است:" وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ ..." و سپس فرموده:" وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ". و جز در جمله مورد بحث عدد سالهاى مكث ايشان را بيان نكرده، پس با اينكه در جمله مورد بحث عدد مذكور را معلوم كرده و سپس فرموده:" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا" و در جاى ديگر فرموده:" قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ- بگو پروردگار من داناتر به عده آنان است" اين خود اشاره به اين است كه عدد مذكور صحيح است.

پس ديگر نبايد توجهى به اين حرف «1» نمود كه جمله" وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ" حكايت كلام اهل كتاب و جمله" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا" جواب و رد آن است. و همچنين به اين گفته «2» نيز نبايد اعتناء كرد كه جمله" لبثوا ..." كلام خدا و جمله" وَ ازْدَادُوا تِسْعاً" اشاره به قول اهل كتاب و ضمير" هم" راجع به ايشان است، و معناى آيه اين است كه، اهل كتاب نه سال بر عدد واقعى افزوده اند، و آن گاه جمله" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا" رد آن است.

زيرا علاوه بر ناسازگارى آن با مطالب گذشته آنچه از اهل كتاب در باره سالهاى مكث اصحاب كهف نقل شده دويست سال و يا كمتر از آن است و هيچ يك از اهل كتاب سيصد و نه سال و حتى سيصد سال را نگفته است.

كلمه" سنين" تميز عدد نيست و گرنه بايد مى فرمود:" ثلاث مائة سنة" چون تميز از صد به بالا مفرد و منصوب است، بلكه به طورى كه گفته اند بدل از" ثلاثمائة" است، و در اين كلام شباهتى با جمله:" سِنِينَ عَدَداً" كه اجمال قصه را در صدر آيات بيان مى كرد رعايت شده است.

و بعيد نيست نكته تبديل كلمه" سنة" به" سنين" زياد جلوه دادن مدت لبث باشد و بنا بر اين آن وقت جمله" وَ ازْدَادُوا تِسْعاً" خالى از يك معنا و بويى از اضراب نخواهد بود، گويا كسى گفته:" در غارشان سيصد سال، آرى اين همه سالهاى متمادى خوابيدند، بلكه نه سال

__________________________________________________

(1)كشاف، ج 2، ص 716. [.....]

(2)روح المعانى، ج 15، ص 253.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 384

هم اضافه كردند" و اضراب بودن جمله مزبور منافاتى با گفته سابق ما در" سِنِينَ عَدَداً" ندارد، كه گفتيم اين تعبير براى اين است كه عدد را اندك نشان دهد، زيرا در آنجا مقام مقام ديگرى بود، و اينجا مقام ديگرى است. و در هر يك از دو مقام غرض خاصى در بين است كه در آن ديگرى نيست. غرض در آن مقام اين بود كه بفهماند خواباندن اصحاب كهف در مدتى به اين طولانى و سپس بيدار كردن آنان در مقام قدرت خداى تعالى چيزى نيست و در قبال زينت دادن موجودات زمين در نظر بشر امرى عجيب نيست، به خلاف اين مقام كه مى خواهد حجتى را عليه منكرين بعث اقامه كند كه در چنين مقامى هر چه عدد سالهاى خواب آنان را بيشتر جلوه دهد حجت، دل نشين تر خواهد شد. پس همين يك مدت دو نسبت به خود مى گيرد، يكى نسبتى به خدا دارد كه امرى آسان است و يكى نسبت به ما كه مدتى بسيار طولانى است.

و اضافه كردن نه سال به سيصد سال چنين اشاره مى كند كه اصحاب كهف سيصد سال شمسى در غار بوده اند چون تفاوت سيصد سال شمسى با قمرى تقريبا همين مقدارها مى شود، و ديگر جا ندارد كه كسى شك كند در اينكه مراد از" سنين" در آيه شريفه سالهاى قمرى است. براى اينكه سال در عرف قرآن به قمرى حساب مى شود كه از ماههاى هلالى تركيب مى يابد و در شريعت اسلامى هم همين معتبر است.

و در تفسير كبير «1» به خاطر اينكه اين دو عدد به طور تحقيق با هم منطبق نمى شود با شدت هر چه تمامتر به اين حرف حمله كرده، و در باره روايتى هم كه از على (ع) در اين موضوع نقل شده مناقشه كرده است، با اينكه فرق ميان دو عدد يعنى سيصد سال شمسى و سيصد و نه سال قمرى از سه ماه كمتر است، و در مواردى كه عددى را به طور تقريب مى آورند اين مقدار از تقريب را جائز مى شمارند. و بدون هيچ حرفى در كلام خود ما هم معمول است.

" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ...".

در داستان اصحاب كهف به طور اشاره گذشت كه مردم در باره اصحاب كهف اختلاف داشتند و قرآن كريم حق داستان را اداء نموده آنچه حقيقت داشته بيان فرموده است.

پس جمله" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا" مشعر به اين است كه مدتى را كه در آيه قبلى براى لبث اصحاب كهف بيان نموده نزد مردم مسلم نبوده، لذا رسول خدا (ص)

__________________________________________________

(1)تفسير فخر رازى، ج 21، ص 112.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 385

مامور شده است، با ايشان احتجاج كند، و در احتجاج خود به علم خدا تمسك جسته بفهماند كه خدا از ما مردم بهتر مى داند.

جمله" لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" تعليل و بيان اين جهت است كه چطور خدا داناتر به مدت لبث ايشان است. و لام در آن مفيد اختصاص ملكى است، و مراد اين است كه خداى تعالى تنها مالك آنچه در آسمانها و زمين است مى باشد، و تنها او است كه مالك غيب است و چيزى از او فوت نمى شود، هر چند كه آسمان و زمين از بين بروند. و وقتى كه مالك غيب عالم باشد و ملكيتش هم به حقيقت معناى ملكيت باشد و وقتى داراى كمال بصر و سمع است، پس او از هر كس ديگر داناتر به مدت لبث اصحاب كهف است كه خود يكى از مصاديق غيب است.

و بنا بر اين، اينكه فرمود:" أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ" با در نظر گرفتن اينكه صيغه" افعل به" صيغه تعجب است، معنايش اين است كه: چقدر بينا و شنوا است. و اين خود كمال سمع و بصر خداى را مى رساند، و جمله اى است كه تعليل را تتميم مى كند. گويا گفته است چطور داناتر به لبث آنان نباشد در حالى كه مالك ايشان كه يكى از مصاديق غيبند مى باشد، و حال ايشان را ديده و مقالشان را شنيده است.

از اينجا معلوم مى شود اينكه بعضى «1» گفته اند" لام" در جمله" لَهُ غَيْبُ" لام اختصاص علمى است، يعنى براى خداى تعالى است علم به اين مطلب، و علم به تمام مخلوقات را هم مى رساند، چون وقتى كسى عالم به غيب و امور خفى عالم است امور ديگر را به طريق اولى مى داند"، نظريه درستى نيست، براى اينكه ظاهر جمله" أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ" اين است كه منظور از آن تاسيس مطلب باشد، نه تاكيد آن و همچنين ظاهر لام" له" مطلق ملك است، نه تنها ملك علمى.

و اينكه فرمود:" ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ..." مراد از آن اين است كه ولايت مستقل غير خداى را انكار نمايد. و مراد از جمله بعديش يعنى جمله" وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً" ولايت ديگرى را به نحو اشتراك با خدا نفى مى كند. و خلاصه معناى آن دو اين است كه غير خدا نه ولايت مستقل دارند و نه با خدا در ولايت شريكند.

و بعيد نيست از نظم آيه كه در جمله دوم يعنى جمله" وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً" تعبير به فعل آورده نه به وصف، و در نفى ولايت مستقله كلمه" فى حكمه" را نياورده و در

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 254.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 386

مساله شرك در ولايت آن را آورد. استفاده شود كه جمله اولى ولايت غير خدا را انكار مى كند، چه ولايت مستقل آنها را و چه شركت در ولايت خداى را، و جمله دومى شركت غير خدا را در حكم، و همچنين قضاء در حكم را نفى مى كند، يعنى ولايت همه انسانها را منحصر در خدا مى داند، ولى اين ولايت را به ديگران هم تفويض مى كند، يعنى سرپرستى مردم را به ديگران نيز واگذار مى كند تا در ميان آنان طبق دستور حكم نمايند، آن چنان كه واليان امر حكام و عمالى در نواحى مملكت نصب مى كنند تا كار خود والى را در آنجا انجام دهند، و حتى امورى را كه خود والى از آن اطلاع ندارد فيصله دهند.

و برگشت معنا به اين مى شود كه: چگونه خدا داناتر به لبث آنان نباشد، با اينكه او به تنهايى ولى ايشان است، و مباشر حكم جارى در ايشان و احكام جاريه بر ايشان است.

ضمير در" لهم" به اصحاب كهف و يا به جميع آنچه در آسمانها و زمين است (كه از جمله قبلى به خاطر تغليب جانب عقلداران بر ديگران استفاده مى شد) برمى گردد و يا به عقلداران در آسمانها و زمين برمى گردد، و اين وجه از نظر اعتبار مترتب با وجوه قبلى است، يعنى از همه بهتر و معتبرتر وجه اولى سپس دومى و در آخر سومى است.

و بنا بر اين آيه شريفه متضمن حجت است بر اينكه خدا داناتر به مدت لبث ايشان است، يكى حجت عمومى است نسبت به علم خدا به اصحاب كهف و غير ايشان كه جمله" لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ" متعرض آن مى باشد، و يكى ديگر حجتى است خاص كه علم خداى را به خصوص سرگذشت اصحاب كهف اثبات مى نمايد، كه آيه" ما لَهُمْ ..." متضمن آن است و مى فهماند وقتى خداى تعالى ولى ايشان و مباشر در قضاى جارى بر ايشان است آن وقت چگونه ممكن است از ديگران عالم تر به حال ايشان نباشد؟ و چون هر دو جمله جنبه عليت را مى رساند لذا هر دو را مفعول و بدون حرف عطف آورد.

بحث روايتى [روايتى در شرح داستان اصحاب كهف ] ..... ص : 386

اشاره

در تفسير قمى در ذيل آيه" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ" از امام (ع) روايت آورده كه فرمود: ما به تو آيت ها و معجزه هايى داديم كه از داستان اصحاب كهف مهم تر بود، آيا از اين داستان تعجب مى كنى كه جوانانى بودند در قرون فترت كه فاصله نبوت عيسى بن مريم و محمد (ص) بود، زندگى مى كرده اند. و اما" رقيم" عبارت از دو لوح مسى بوده كه داستان اصحاب كهف را روى آن حك نموده اند كه دقيانوس، پادشاه

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 387

آنها چه دستورى به ايشان داده بود، و آنان چگونه از دستور او سر پيچيده اسلام را پذيرفته بودند، و سرانجام كارشان چه شد «1».

و باز در همان كتاب از ابن ابى عمير از ابى بصير از امام صادق (ع) روايت كرده كه فرمود: سبب نزول سوره كهف اين بود كه قريش سه نفر را به قبيله نجران فرستادند تا از يهوديان آن ديار مسائلى را بياموزند و با آن رسول خدا (ص) را بيازمايند، و آن سه نفر نضر بن حارث بن كلده و عقبة بن ابى معيط و عاص بن وائل سهمى بودند.

اين سه نفر به سوى نجران بيرون شده جريان را با علماى يهود در ميان گذاشتند.

يهوديان گفتند سه مساله از او بپرسيد اگر آن طور كه ما مى دانيم پاسخ داد در ادعايش راستگو است، و سپس از او يك مساله ديگر بپرسيد اگر گفت مى دانم بدانيد كه دروغگو است.

گفتند: آن مسائل چيست؟ جواب دادند كه از احوال جوانانى بپرسيد كه در قديم الايام بودند و از ميان مردم خود بيرون شده غايب گشتند. و در مخفيگاه خود خوابيدند، چقدر خوابيدند؟ و تعدادشان چند نفر بود؟ و چه چيز از غير جنس خود همراهشان بود؟ و داستانشان چه بود؟.

مطلب دوم اينكه از او بپرسيد داستان موسى كه خدايش دستور داد از عالم پيروى كن و از او تعليم گير چه بوده؟ و آن عالم كه بوده؟ و چگونه پيرويش كرد؟ و سرگذشت موسى با او چه بود؟.

سوم اينكه از او سرگذشت شخصى را بپرسيد كه ميان مشرق و مغرب عالم را بگرديد تا به سد ياجوج و ماجوج برسيد، او كه بود؟ و داستانش چگونه بوده است. يهوديان پس از عرض اين مسائل جواب آنها را نيز به فرستادگان قريش داده گفتند: اگر اينطور كه ما شرح داديم جواب داد صادق است و گرنه دروغ مى گويد.

پرسيدند آن يك سؤال كه گفتيد چيست؟ گفتند از او بپرسيد قيامت چه وقت به پا مى شود، اگر ادعا كرد كه من مى دانم چه موقع به پا مى شود دروغگو است، و اگر گفت جز خدا كسى تاريخ آن را نمى داند راستگو است.

فرستادگان قريش به مكه برگشتند و نزد ابو طالب جمع شدند و گفتند: پسر برادرت ادعا مى كند كه اخبار آسمانها برايش مى آيد، ما از او چند مساله پرسش مى كنيم اگر جواب داد مى دانيم كه راستگو است و گرنه مى فهميم كه دروغ مى گويد. ابو طالب گفت: بپرسيد

__________________________________________________

(1)تفسير قمى، ج 2، ص 31.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 388

آنچه دلتان مى خواهد. آنها، آن مسائل را مطرح كردند.

رسول خدا (ص) فرمود: فردا جوابهايش را مى دهم و در اين وعده اى كه داد" ان شاء اللَّه" نگفت. به همين جهت چهل روز وحى از او قطع شد تا آنجا كه رسول خدا (ص) غمگين گرديد و يارانش كه به وى ايمان آورده بودند به شك افتادند، و قريش شادمان شده و شروع كردند به استهزاء و آزار، و ابو طالب سخت در اندوه شد.

پس از چهل شبانه روز سوره كهف بر وى نازل شد، رسول خدا (ص) از جبرئيل سبب تاخير را پرسيد؟ گفت ما قادر نيستيم از پيش خود نازل شويم جز به اذن خدا.

سپس در اين سوره فرمود: اى محمد تو گمان كرده اى داستان اصحاب كهف و رقيم از آيات ما امرى عجيب است آن گاه از آيه" إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ" به بعد داستان ايشان را شروع نموده و بيان فرمود.

آن گاه امام صادق (ع) اضافه كرد كه اصحاب كهف و رقيم در زمان پادشاهى جبار و ستمگر زندگى مى كردند كه اهل مملكت خود را به پرستش بتها دعوت مى كرد و هر كه سر باز مى زد او را مى كشت، و اصحاب كهف در آن كشور مردمى با ايمان و خداپرست بودند. پادشاه مامورينى در دروازه شهر گمارده بود تا هر كس خواست بيرون شود، اول به بتها سجده بكند، اين چند نفر به عنوان شكار بيرون شدند، و در بين راه به شبانى برخوردند او را به دين خود دعوت كردند نپذيرفت ولى سگ او دعوت ايشان را پذيرفته به دنبال ايشان به راه افتاد.

سپس امام فرمود: اصحاب كهف به عنوان شكار بيرون آمدند، اما در واقع از كيش بت پرستى فرار كردند. چون شب فرا رسيد با سگ خود داخل غارى شدند خداى تعالى خواب را بر ايشان مسلط كرد، هم چنان كه فرموده:" فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً" پس در غار خوابيدند تا روزگارى كه خدا آن پادشاه و اهل آن شهر را هلاك نمود و آن روزگار را سپرى كرد و روزگارى ديگر و مردم ديگرى پيش آورد.

در اين عصر بود كه اصحاب كهف از خواب بيدار شده يكى از ايشان به ديگران گفت: به نظر شما چقدر خوابيديم؟ نگاه به آفتاب كردند ديدند بالا آمده گفتند: به نظر ما يك روز و يا پاره اى از يك روز خواب بوده ايم. آن گاه به يكى از نفرات خود گفتند اين پول را بگير و به درون شهر برو اما به طورى كه تو را نشناسند پس در بازار مقدارى خوراك برايمان خريدارى كن زنهار كه اگر تو را بشناسند، و به نهانگاه ما پى ببرند همه ما را مى كشند و يا به دين خود برمى گردانند. آن مرد پول را برداشته وارد شهر شد ليكن شهرى ديد بر خلاف آن

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 389

شهرى كه از آن بيرون آمده بودند و مردمى ديد بر خلاف آن مردم هيچ يك از افراد آنان را نشناخت و حتى زبان ايشان را هم نفهميد، مردم به وى گفتند: تو كيستى و از كجا آمده اى؟

او جريان را گفت اهل شهر با پادشاهشان به راهنمايى آن مرد بيرون آمده تا به در غار رسيدند، و به جستجوى آن پرداختند بعضى گفتند سه نفرند كه چهارمى آنان سگ ايشان است. بعضى گفتند پنج نفرند كه ششمى آنان سگشان است. بعضى ديگر گفتند: هفت نفرند كه هشتمى آنان سگشان مى باشد.

آن گاه خداى سبحان با حجابى از رعب و وحشت ميان اصحاب كهف و مردم شهر حائلى ايجاد كرد كه احدى قدرت بر داخل شدن بدانجا را ننمود غير از همان يك نفرى كه خود از اصحاب كهف بود. او وقتى وارد شد ديد رفقايش در هراس از اصحاب دقيانوس اند و خيال مى كردند اين جمعيت همانهايند كه از مخفيگاه آنان با خبر شده اند، مردى كه از بيرون آمده بود جريان را به ايشان گفت كه در حدود چند صد سال است كه ما در خواب بوده ايم و سرگذشت ما معجزه اى براى مردم گشته، آن گاه گريسته از خدا خواستند دوباره به همان خواب اوليشان برگرداند.

سپس پادشاه شهر گفت جا دارد ما بر بالاى اين غار مسجدى بسازيم كه زيارتگاهى برايمان باشد، چون اين جمعيت مردمى با ايمان هستند، پس آنان در سال دو نوبت اين پهلو و آن پهلو مى شوند شش ماه بر پهلوى راست هستند و شش ماه ديگر بر پهلوى چپ و سگ ايشان دستهاى خود را گسترده و دم در غار خوابيده است، كه خداى تعالى در باره داستان ايشان در قرآن كريم فرموده:" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ..." «1».

مؤلف: اين روايت از روشن ترين روايات اين داستان است كه علاوه بر روشنى متن آن تشويش و اضطرابى هم در آن نيست. با اين وصف، اين نكته را هم متضمن است كه مردمى كه در عدد آنها اختلاف كردند و يكى گفت سه نفر و يكى گفت پنج نفر و ديگرى گفت هفت نفر، همان اهل شهر بوده اند كه در غار اجتماع كرده بودند، و اين خلاف ظاهر آيه است. و نيز متضمن اين نكته است كه اصحاب كهف براى بار دوم نيز به خواب رفتند و نمردند و نيز سگشان هنوز هم در غار دستهايش را گسترده و اصحاب كهف در هر سال دو نوبت اين پهلو، آن پهلو مى شوند، و هنوز هم به همان هيات سابق خود هستند، و حال آنكه بشر تا كنون در روى زمين به غارى كه در آن عده اى به خواب رفته باشند برنخورده است.

__________________________________________________

(1)تفسير قمى، ج 2، ص 31.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 390

بعلاوه در ذيل اين روايت عبارتى است كه ما آن را نقل نكرديم، چون احتمال داديم جزو روايت نباشد بلكه كلام خود قمى و يا روايت ديگرى باشد، و آن اين است كه جمله" وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً" جزو كلام اهل كتاب است، و جمله" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا" رد آن است، و حال آنكه در بيان سابق ما اين معنا از نظر خواننده گذشت كه سياق آيات با اين حرف مخالف است و نظم بليغ قرآنى آن را نمى پذيرد.

[موارد و جهات اختلاف در روايات راجع به داستان اصحاب كهف ] ..... ص : 390

در بيان داستان اصحاب كهف از طريق شيعه و سنى روايات «1» بسيارى وجود دارد و ليكن خيلى با هم اختلاف دارند، به طورى كه در ميان همه آنها حتى دو روايت ديده نمى شود كه از هر جهت مثل هم باشند.

مثلا يك اختلافى كه در آنها هست اين است كه در بعضى از آنها مانند روايت بالا آمده كه پرسش هاى قريش از آن جناب چهار تا بوده: يكى اصحاب كهف دوم داستان موسى و عالم و سوم قصه ذو القرنين چهارم قيام قيامت. و در بعضى ديگر آمده كه پرسش از سه چيز بوده: اصحاب كهف و ذو القرنين و روح. در اين روايات آمده كه علامت صدق دعوى رسول خدا (ص) اين است كه از اصحاب كهف و ذو القرنين جواب بگويد، و از آخرى يعنى روح جواب ندهد، و آن جناب از آن دو جواب داد و در پاسخ از روح آيه آمد:" قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ..." و از آن جواب نداد. و شما خواننده محترم در بيان آيه مذكور متوجه شديد كه آيه در مقام جواب ندادن نبود و نخواسته از جواب دادن طفره برود بلكه حقيقت و واقع روح را بيان مى كند پس نبايد گفت كه آن جناب از سؤال در باره روح جواب نداد.

و از جمله اختلافاتى كه در بيشتر روايات هست اين است كه اصحاب كهف و اصحاب رقيم يك جماعت بوده اند. و در بعضى ديگر آمده كه اصحاب رقيم طايفه ديگرى بوده اند كه خداى تعالى نامشان را با اصحاب كهف آورده. ولى از توضيح داستان اصحاب رقيم اعراض نموده. آن گاه روايت مزبور قصه اصحاب رقيم را چنين آورده كه سه نفر بودند از خانه بيرون شدند تا براى خانواده هاى خود رزقى تهيه كنند، در بيابان به رگبار باران برخوردند، ناچار به غارى پناهنده شدند، و اتفاقا در اثر ريزش باران سنگ بسيار بزرگى از كوه حركت كرده درست جلو غار آمد و آن را بست و اين چند نفر را در غار حبس كرد.

يكى از ايشان گفت: بياييد هر كس كار نيكى دارد خداى را به آن سوگند دهد تا اين

__________________________________________________

(1)تفسير قمى، ج 2، ص 31 و الدر المنثور، ج 4، ص 210، مجمع البيان، ج 6، ص 415 روح المعانى، ج 15، ص 210.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 391

بلا را از ما دفع كند. يكى كار نيكى كه داشت بيان كرد و خداى را به آن قسم داد سنگ قدرى كنار رفت به طورى كه روشنايى داخل غار شد. دومى كار نيك خود را گفت و خداى را به آن سوگند داد سنگ كنار رفت، به قدرى كه يك ديگر را مى ديدند. سومى كه اين كار را كرد سنگ به كلى كنار رفت و بيرون آمدند. اين روايت را الدر المنثور از نعمان بن بشير نقل كرده كه او بدون سند از رسول خدا (ص) روايت كرده است.

ليكن آنچه از قرآن كريم مانوس و معهود است اين است كه هيچ وقت اشاره به داستانى نمى كند مگر آنكه آن را توضيح مى دهد و معهود نيست كه اسم داستانى را ببرد و اصلا در باره آن سخنى نگويد، و يا اسم دو داستان را ببرد و آن وقت يكى را بيان نموده دومى را به كلى فراموش كند.

و از جمله اختلافات اين است كه در پاره اى روايات دارد: پادشاه مزبور كه اصحاب كهف از شر او فرار كردند اسمش دقيانوس (ديوكليس 285 م- 305 م) پادشاه روم بوده. و در بعضى ديگر آمده كه او ادعاى الوهيت مى كرده. و در بعضى آمده كه وى دقيوس (دسيوس 249 م- 251 م) پادشاه روم بوده، و بين اين دو پادشاه ده سال فاصله است، و آن پادشاه اهل توحيد را مى كشته و مردم را به پرستش بتها دعوت مى كرده. و در بعضى از روايات آمده كه مردى مجوسى بوده كه مردم را به دين مجوس مى خوانده در حالى كه تاريخ نشان نمى دهد كه مجوسيت در بلاد روم شيوع يافته باشد. و در بعضى روايات آمده كه اصحاب كهف قبل از مسيح (ع) بوده اند.

و از جمله اختلافات اين است كه در بعضى از روايات دارد: رقيم اسم شهرى بوده كه اصحاب كهف از آنجا بيرون شدند. و در بعضى ديگر آمده اسم بيابانى است. و در بعضى ديگر آمده اسم كوهى است كه غار مزبور در آن قرار گرفته. و در بعضى ديگر آمده كه اسم سگ ايشان است. و در بعضى آمده كه اسم لوحى است از سنگ. و در بعضى ديگر گفته شده از قلع و در بعضى ديگر از مس و در بعضى ديگر آمده كه از طلا بوده و اسامى اصحاب كهف در آن حك شده و همچنين اسم پدرانشان و داستانشان، و اين نوشته را دم در كهف نصب كرده اند. بعضى ديگر از روايات مى گويد در داخل كهف بوده و در بعضى ديگر آمده كه بر سر در شهر آويزان بوده، و در بعضى ديگر آمده كه در خزانه بعضى از ملوك يافت شده، و در بعضى آن را دو لوح دانسته است.

اختلاف ديگرى كه در روايات آمده در باره وضع جوانان است، در بعضى از روايات آمده كه ايشان شاهزاده بوده اند در بعضى ديگر آمده كه از اولاد اشراف بوده اند. و در بعضى

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 392

ديگر آمده كه از فرزندان علماء بوده اند. و در بعضى ديگر آمده كه خودشان شش نفر بوده و هفتمى ايشان چوپانى بوده كه گوسفند مى چرانده كه سگش هم با او آمده. و در حديث وهب بن منبه كه هم الدر المنثور «1» آن را آورده و هم ابن اثير در كامل «2» نقل كرده مى گويد كه:

اصحاب كهف حمامى بوده اند كه در بعضى از حمامهاى شهر كار مى كرده اند، وقتى شنيدند كه سلطان مردم را به بت پرستى وادار مى كند از شهر بيرون شدند. و در بعضى ديگر از روايات آمده كه ايشان از وزراء پادشاه آن عصر بوده اند كه همواره در امور و مهمات مورد شور او قرار مى گرفته اند.

يكى ديگر از اختلافات اين است كه: در بعضى از روايات آمده كه اصحاب كهف قبل از بيرون آمدن از شهر مخالفت خود را علنى كرده بودند، و شاه هم فهميده بود. و در بعضى ديگر دارد كه شاه ملتفت نشد تا بعد از آنكه از شهر بيرون رفتند. و در بعضى ديگر آمده كه اين عده با هم توطئه كردند براى بيرون آمدن. و در بعضى ديگر آمده كه نفر هفتمى آنان چوپانى بوده كه به ايشان پيوسته است، و در بعضى ديگر آمده كه تنها سگ آن چوپان ايشان را همراهى كرد.

باز از موارد اختلاف يكى اين است كه بعد از آنكه فرار كردند، و پادشاه فهميد در جستجوى ايشان برآمد ولى اثرى از ايشان نيافت. و در بعضى روايات ديگر آمده كه پس از جستجو ايشان را در غار پيدا كرد كه خوابيده بودند، دستور داد در غار را تيغه كنند تا در آنجا از گرسنگى و تشنگى بميرند، و زنده به گور شوند تا كيفر نافرمانى خود را دريابند. اين بود تا روزگارى كه خدا مى خواست بيدارشان كند، چوپانى را فرستاد تا آن بنيان را خراب كرده تا زاغه اى براى گوسفندان خود درست كند، در اين موقع خداى تعالى ايشان را بيدار كرد، و سرگذشتشان از اينجا شروع مى شود.

مورد اختلاف ديگر اين است كه: در بعضى از روايات آمده كه دوباره به خوابشان كرد و تا روز قيامت بيدار نمى شوند، و در هر سال دو نوبت از اين پهلو به آن پهلويشان مى كند.

يكى ديگر اختلافى است كه در مدت خوابشان شده. در بيشتر روايات آمده همان سيصد و نه سال كه قرآن كريم فرموده، است. و در بعضى ديگر آمده كه سيصد و نه سال حكايت قول اهل كتاب است و جمله" قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا" رد آن است. و در بعضى ديگر

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 315، ط بيروت.

(2)كامل ابن اثير، ج 2، ص 255، ط بيروت.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 393

آمده كه سيصد سال بوده و نه سال را اهل كتاب اضافه كرده اند.

و از اين قبيل اختلافات كه در روايات آمده بسيار است، و بيشتر آنچه كه از طرق عامه روايت شده در كتاب الدر المنثور «1» و بيشتر آنچه از طرق شيعه نقل شده در كتاب بحار «2» و تفسير برهان «3» و نور الثقلين «4» جمع آورى شده، اگر كسى بخواهد به همه آنها دست يابد بايد به اين كتابها مراجعه كند. تنها مطلبى كه مى توان گفت اين روايات در آن اتفاق دارند اين است كه اصحاب كهف مردمى موحد بودند، و از ترس پادشاهى جبار كه مردم را مجبور به شرك مى كرده گريخته اند و به غارى پناه برده در آنجا به خواب رفته اند- تا آخر آنچه كه قرآن از داستان ايشان آورده.

[روايات ديگرى پيرامون داستان اصحاب كهف ] ..... ص : 393

و در تفسير عياشى از سليمان بن جعفر همدانى روايت كرده كه گفت: امام صادق (ع) به من فرمود: اى سليمان مقصود از" فتى" كيست؟ عرض كردم فدايت شوم نزد ما جوان را" فتى" گويند، فرمود: مگر نمى دانى كه اصحاب كهف همگيشان كامل مردانى بودند و مع ذلك خداى تعالى ايشان را فتى ناميده. اى سليمان فتى كسى است كه به خدا ايمان بياورد و پرهيزكارى كند «5».

مؤلف: در معناى اين روايت مرحوم كلينى در كافى «6» از قمى روايت مرفوعه اى از امام صادق (ع) آورده، ليكن از ابن عباس «7» روايت شده كه او گفته اصحاب كهف جوانانى بودند.

و در الدر المنثور است كه ابن ابى حاتم از ابى جعفر روايت كرده كه گفت:

اصحاب كهف همه" صراف" بودند «8».

مؤلف: قمى نيز به سند خود از سدير صيرفى از امام باقر (ع) روايت كرده كه گفت: اصحاب كهف شغلشان صرافى بوده «9». و ليكن در تفسير عياشى از درست از امام

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 111- 218.

(2)بحار الانوار، ج 14، ص 407- 437.

(3)تفسير برهان، ج 2، ص 456- 465.

(4)نور الثقلين، ج 3، ص 243- 256.

(5)تفسير عياشى، ج 2 ص 323.

(6)نور الثقلين، ج 3، ص 245، به نقل از روضه كافى. [.....]

(7 و 8)الدر المنثور، ج 4، ص 212- 216.

(9)بحار الانوار، ج 14، ص 429، به نقل از كافى.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 394

صادق (ع) روايت كرده كه در حضورشان گفتگو از اصحاب كهف شد فرمود:

صراف پول نبودند، بلكه صراف كلام و افرادى سخن سنج بودند «1».

[چند روايت حاكى از اينكه اصحاب كهف مدتى تقيه مى كرده اند] ..... ص : 394

و در تفسير عياشى از ابى بصير از امام صادق (ع) روايت كرده كه گفت:

اصحاب كهف ايمان به خدا را پنهان و كفر را اظهار داشتند و به همين جهت خداوند اجرشان را دو برابر داد «2».

مؤلف: در كافى «3» نيز در معناى اين حديث روايتى از هشام بن سالم از آن جناب نقل شده. و نيز در معناى آن عياشى «4» از كاهلى از آن جناب و از درست در دو خبر از آن جناب آورده كه در يكى از آنها آمده كه: اصحاب كهف در ظاهر زنار مى بستند و در اعياد مردم شركت مى كردند.

و نبايد به اين روايات اشكال كرد كه از ظاهر آيه" إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً" برمى آيد كه اصحاب كهف تقيه نمى كرده اند. و اينكه مفسرين «5» در تفسير حكايت كلام ايشان كه گفته اند" أَوْ يُعِيدُوكُمْ ..." احتمال تقيه داده اند صحيح نيست، براى اينكه اگر به ياد خواننده باشد گفتيم كه بيرون شدن آنان از شهر، هجرت از شهر شرك بوده كه در آن از اظهار كلمه حق و تدين به دين توحيد ممنوع بوده اند. چيزى كه هست تواطى آنان كه شش نفر از معروفها و اهل شرف بوده اند، و اعراضشان از اهل و مال و وطن جز مخالفت با دين وثنيت عنوان ديگرى نداشته. پس اصحاب كهف در خطر عظيمى بوده اند، به طورى كه اگر بر آنان دست مى يافتند يا سنگسار مى شدند و يا آنكه مجبور به قبول دين قوم خود مى گشتند.

و با اين زمينه كاملا روشن مى شود كه قيام ايشان در اول امر و گفتن:" رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً" اعلام علنى مخالفت با مردم و تجاهر بر مذمت بت پرستى و توهين به طريقه مردم نبوده، زيرا اوضاع عمومى محيط، چنين اجازه اى به آنان نمى داد، بلكه اين حرف را در بين خود گفته اند.

و به فرضى هم كه تسليم شويم كه جمله" إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" دلالت دارد بر اينكه ايشان تظاهر به ايمان و مخالفت با بت پرستى مى كرده اند و تقيه

__________________________________________________

(1 و 2)تفسير عياشى، ج 2، ص 321 و 322.

(3)اصول كافى، ج 1، ص 448، ح 28.

(4)تفسير عياشى، ج 2، ص 322 و 323.

(5)مجمع البيان، ج 6، ص 457.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 395

را كنار گذاشته بودند، تازه مى گوييم اين در آخرين روزهايى بوده كه در ميان مردم بوده اند، و قبل از اينكه چنين تصميمى بگيرند در ميان مردم با تقيه زندگى مى كرده اند. پس معلوم شد كه سياق هيچ يك از دو آيه منافاتى با تقيه كردن اصحاب كهف در روزگارى كه در شهر و در ميان مردم بودند ندارد.

و در تفسير عياشى نيز از ابى بكر حضرمى از امام صادق (ع) روايت كرده كه فرمود: اصحاب كهف نه يكديگر را مى شناختند و نه با هم عهد و ميعادى داشتند بلكه در صحرا يكديگر را ديده با هم عهد و پيمان بستند، و از يكديگر، يعنى دو به دو عهد گرفتند، آن گاه قرار گذاشتند كه يك باره مخالفت خود را علنى ساخته به اتفاق در پى سرنوشت خود بروند «1».

[روايت مشهورى از ابن عباس در نقل داستان ] ..... ص : 395

مؤلف:در معناى اين روايت خبرى است از ابن عباس كه ذيلا نقل مى شود:

در الدر المنثور است كه ابن ابى شيبه و ابن منذر و ابن ابى حاتم از ابن عباس روايت كرده اند كه گفت: ما با معاويه در جنگ مضيق كه در اطراف روم بود شركت كرديم و به غار معروف كهف كه اصحاب كهف در آنجا بودند و داستانشان را خدا در قرآن آورده برخورديم.

معاويه گفت: چه مى شد در اين غار را مى گشوديم و اصحاب كهف را مى ديديم. ابن عباس به او گفت: تو نمى توانى اين كار را بكنى خداوند اين اشخاص را از نظر كسانى كه بهتر از تو بودند مخفى داشت و فرمود:" لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً- اگر آنان را ببينى پا به فرار مى گذارى و پر از ترس مى شوى" معاويه گفت: من از اين كار دست بر نمى دارم تا قصه آنان را به چشم خود ببينيم، عده اى را فرستاد تا داخل غار شده جستجو كنند، و خبر بياورند. آن عده وقتى داخل غار شدند خداوند باد تندى بر آنان مسلط نمود تا به طرف بيرون پرتابشان كرد. قضيه به ابن عباس رسيد پس او شروع كرد به نقل داستان اصحاب كهف و گفت كه اصحاب كهف در مملكتى زندگى مى كردند كه پادشاهى جبار داشت و مردمش را به تدريج به پرستش بتها كشانيد، و اين چند نفر در آن شهر بودند، وقتى اين را ديدند بيرون آمده خداوند همه شان را يك جا جمع كرد بدون اينكه قبلا يكديگر را بشناسند. وقتى به هم برخوردند از يكديگر پرسيدند قصد كجا داريد، در جواب نيت خود را پنهان مى داشتند چون هر يك ديگرى را نمى شناخت تا آنكه از يكديگر عهد و ميثاق محكم گرفتند كه نيت خود را بگويند. بعدا معلوم شد كه همه يك هدف دارند و منظورشان پرستش پروردگار و فرار از شرك

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 322.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 396

است، همه با هم گفتند:" رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ... مِرفَقاً".

آن گاه ابن عباس اضافه مى كند كه دور هم نشستند، از سوى ديگر زن و بچه ها و قوم و خويش ها به جستجويشان برخاستند ولى هر چه بيشتر گشتند كمتر خبردار شدند تا خبر به گوش پادشاه وقت رسيد. او گفت اين عده در آينده شان مهمى خواهند داشت، معلوم نيست به منظور خيانت بيرون شده اند يا منظور ديگرى داشته اند. و به همين جهت دستور داد تا لوحى از قلع تهيه كرده اسامى آنان را در آن بنويسند آن گاه آن را در خزينه سلطنتى خود جاى داد و در اين باره خداى تعالى مى فرمايد:" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً" چون مقصود از رقيم همان لوحى است كه اسامى اصحاب كهف در آن مرقوم شده. و اما اصحاب كهف، از آنجا كه بودند به راه افتاده داخل غار شدند، و خدا به گوششان زد و خواب را برايشان مسلط كرد، و اگر در غار نبودند آفتاب بدنهايشان را مى سوزانيد، و اگر هر چند يك بار از اين پهلو به آن پهلو نمى شدند زمين بدنهايشان را مى خورد، و اينجا است كه خداى تعالى فرموده" وَ تَرَى الشَّمْسَ ...".

آن گاه مى گويد: پادشاه مزبور دورانش منقضى گشت و پادشاهى ديگر به جايش نشست. او مردى خداپرست بود، و بر خلاف آن ديگرى عدالت گسترد، در عهد او خداوند اصحاب كهف را براى آن منظورى كه داشت بيدار كرد، يكى از ايشان گفت: به نظر شما چقدر خوابيده ايم؟ آن ديگرى گفت: يك روز، يكى ديگر گفت دو روز، سومى گفت بيشتر خوابيده ايم تا آنكه بزرگشان گفت: بى جهت اختلاف مكنيد كه هيچ قومى اختلاف نكردند مگر آنكه هلاك شدند، شما يك نفر را با اين پول روانه كنيد تا از شهر طعامى خريدارى كند.

وقتى وارد شهر شد لباسها و هيات ها و منظره هايى ديد كه تا كنون نديده بود. مردم شهر را ديد كه طور ديگرى شده اند آن مردم عهد خود نيستند. نزديك نانوايى رفت پول خود را كه سكه اش به اندازه كف پاى بچه شتر بود نزد او انداخت نانوا پول را بيگانه يافت، و پرسيد اين را از كجا آورده اى؟ اگر گنجى پيدا كرده اى مرا هم راهنمايى كن و گرنه تو را نزد امير خواهم برد. گفت: آيا مرا به امير مى ترسانى، هر دو به نزد امير شدند، امير پرسيد پدرت كيست؟ گفت: فلانى، امير چنين كسى را نشناخت، پرسيد پادشاهت نامش چيست؟

گفت: فلانى او را هم نشناخت، رفته رفته مردم دورش جمع شدند، خبر به گوش عالم ايشان رسيد. عالم شهر به ياد آن لوح افتاده دستور داد آن را آوردند آن گاه اسم آن شخص را پرسيد، و ديد كه يكى از همان چند نفرى است كه نامشان در لوح ضبط شده، اسامى رفقايش را پرسيد،

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 397

همه را با اسامى مرقوم در لوح مطابق يافت. به مردم بشارت داد كه خداوند شما را به برادرانتان كه چند صد سال قبل ناپديد شدند راهنمايى كرده برخيزيد. مردم همه حركت كردند تا آمدند نزديك غار چون نزديك شدند جوان گفت شما باشيد تا من بروم و رفقايم را خبر كنم و آن گاه آرام وارد شويد، و هجوم نياوريد، و گرنه ممكن است از ترس قالب تهى كنند، و خيال كنند شما لشگريان همان پادشاهيد، و براى دستگيريشان آمده ايد. گفتند: حرفى نداريم ليكن به شرطى كه قول بدهى باز هم بيرون بيايى، او هم قول داد كه ان شاء اللَّه بيرون مى آيم. پس داخل غار شد و ديگر نفهميدند به كجا رفت، و از نظر مردم ناپديد گرديد، مردم هر چه خواستند وارد شوند نتوانستند، لا جرم گفتند بر بالاى غارشان مسجدى بنا كنيم، و چنين كردند، و هميشه در آن مسجد به عبادت و استغفار مى پرداختند «1».

مؤلف: اين روايت مشهور است، و مفسرين در تفاسير خود آن را نقل كرده و خلاصه تلقى به قبولش كرده اند، در حالى كه خالى از چند اشكال نيست: يكى اينكه از ظاهرش بر مى آيد كه اصحاب كهف هنوز در حال خواب هستند و خداوند بشر را از اينكه بخواهند كسب اطلاعى و جستجويى از ايشان بكنند منصرف نموده، و حال آنكه كهفى كه در ناحيه مضيق و معروف به غار افسوس است امروز هم معروف است، و در آن چنين چيزى نيست.

و آيه اى هم كه ابن عباس بدان تمسك جسته حالت خواب ايشان را قبل از بيدار شدن مجسم مى سازد، نه بعد از بيداريشان را. علاوه بر اينكه از خود ابن عباس روايت ديگرى رسيده كه مخالف با اين روايت است. و آن روايتى است كه الدر المنثور «2» از عبد الرزاق و ابن ابى حاتم از عكرمه نقل كرده و در آخر آن آمده كه" پادشاه با مردم سوار شده تا به در غار آمدند، جوان گفت مرا رها كنيد تا رفقايم را ببينم و جريان را برايشان بگويم، چند قدمى جلوتر وارد غار شد، او رفقايش را ديد و رفقايش هم او را ديدند، خداوند به گوششان زد خوابيدند، مردم شهر چون ديدند دير كرد وارد غار شدند و جسدهايى بى روح ديدند كه هيچ جاى آنها پوسيده نشده بود، شاه گفت: اين جريان آيتى است كه خداى تعالى براى شما فرستاده.

ابن عباس با حبيب بن مسلمه به جنگ رفته بود، در راه به همين غار برخوردند، و در آن استخوانهايى ديدند مردى گفت: اين استخوانهاى اصحاب كهف است، ابن عباس گفت

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 213.

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 214.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 398

استخوانهاى ايشان در مدتى بيش از سيصد سال قبل از بين رفته است".

اشكال مهم تر اين روايت اين است كه از عبارت" استخوانهاى ايشان در مدتى بيش از سيصد سال قبل از بين رفته" برمى آيد كه از نظر اين روايت داستان اصحاب كهف در اوائل تاريخ ميلادى و يا قبل از آن رخ داده، و اين حرف با تمامى روايات اين داستان مخالف است، جز آن روايتى كه تاريخ آن را قبل از مسيح دانسته.

اشكال ديگرى كه به روايت ابن عباس وارد است اين است كه در آن آمده: يكى گفت يك روز خوابيديم يكى گفت دو روز، و اين حرف با قرآن كريم هم مخالف است، براى اينكه قرآن نقل مى كند كه گفتند:" لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" و اتفاقا كلام قرآن كريم با اعتبار عقلى هم سازگار است، زيرا كسى كه نفهميده چقدر خوابيده نهايت درجه اى كه احتمال دهد بسيار خوابيده باشد يك روز يا كمى كمتر از يك روز است، و اما دو شبانه روز آن قدر بعيد است كه هيچ از خواب برخاسته اى احتمالش را نمى دهد.

از اين هم كه بگذريم در روايت داشت: بزرگترشان گفت اختلاف مكنيد، كه اختلاف مايه هلاكت هر قومى است. و اين يكى از سخنان باطل است، زيرا آن اختلافى مايه هلاكت است كه در عمل به چيزى باشد، و اما اختلاف نظرى امرى نيست كه اجتناب پذير باشد، و هرگز مايه هلاكت نمى شود.

اشكال ديگرى كه به آن وارد است اين است كه: در آخرش داشت: وقتى جوان وارد غار شد مردم نفهميدند كجا رفت، و از نظرشان ناپديد گشت. گويا مقصود ابن عباس اين بوده كه وقتى جوان وارد غار شد دهنه غار از نظرها ناپديد شد نه خود آن جوان، خلاصه خدا غار مزبور را ناپديد كرد، ولى اين حرف با آنچه در صدر خود آيه هست نمى سازد كه از ظاهرش بر مى آيد كه غار مزبور در آن ديار معروف بوده. مگر اينكه بگويى آن روز غار را از چشم و نظر پادشاه و همراهانش ناپديد كرده و بعدها براى مردم آشكارش ساخته است.

و اما اينكه در صدر روايت از قول ابن عباس نقل شده كه گفت:" رقيم لوحى از قلع بوده كه اسامى اصحاب كهف در آن نوشته شده بود" مطلبى است كه در معنايش روايات ديگرى نيز آمده، از آن جمله روايتى است كه عياشى در تفسير «1» خود از احمد بن على از امام صادق (ع) آورده، و در روايت ديگرى انكار آن از خود ابن عباس نقل شده، چنانچه در الدر المنثور از سعيد بن منصور و عبد الرزاق و فارابى و ابن منذر و ابن ابى حاتم و زجاجى

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 321.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 399

(در كتاب امالى) و ابن مردويه از ابن عباس روايت كرده اند كه گفت: من نمى دانم معناى رقيم چيست، از كعب پرسيدم او گفت نام قريه اى است كه از آنجا بيرون شدند «1».

و نيز در همان كتاب آمده كه عبد الرزاق از ابن عباس روايت كرده كه گفت: تمامى قرآن را مى دانم مگر معناى چهار كلمه را اول كلمه" غسلين" كه اختلاف اعراب در آن به خاطر اختلافى است كه در حكايت لفظ قرآن هست. دوم كلمه" حنانا" سوم" اواه" چهارم" رقيم" «2».

و در تفسير قمى مى گويد: در روايت ابى الجارود از ابى جعفر (ع) آمده كه در ذيل آيه" لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً" فرمود: يعنى اگر بگوييم خدا شريك دارد بر او جور كرده ايم «3».

[رواياتى متضمن ذكر اسماء اصحاب كهف ] ..... ص : 399

و در تفسير عياشى از محمد بن سنان از بطيخى از ابى جعفر (ع) آورده كه در ذيل آيه" لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً" فرموده: مقصود خداى تعالى شخص رسول خدا (ص) نيست، بلكه منظور مؤمنين هستند. گويا مؤمنين دارند اين حرف را به يكديگر مى زنند، و حال مؤمنين چنين است كه اگر اصحاب كهف را ببينند سرشار از ترس و رعب شده پا به فرار مى گذارند «4».

و در تفسير روح المعانى اسماء اصحاب كهف بر طبق روايت صحيحى از ابن عباس چنين آمده: 1- مكسلينيا 2- يمليخا 3- مرطولس 4- ثبيونس 5- دردونس 6- كفاشيطيطوس 7- منطونواسيس- كه همان چوپان بوده و اسم سگشان قطمير بوده است.

راوى مى گويد از على (كرم اللَّه وجهه) روايت شده كه اسماى ايشان را چنين برشمرده:

1- يمليخا 2- مكسلينيا 3- مسلينيا، كه اصحاب دست راستى پادشاه بوده اند 4- مرنوش 5- دبرنوش 6- شاذنوش كه اصحاب دست چپش بوده اند و همواره با اين شش نفر مشورت مى كرده و هفتمى اصحاب كهف همان چوپانى بوده كه در اين روايت اسمش نيامده ولى در اينجا نيز اسم سگ را قطمير معرفى نموده.

و اما اينكه آيا اين روايت به على نسبت داده اند صحيح است، يا صحيح نيست گفتار ديگرى است كه علامه سيوطى در حواشى بيضاوى نوشته كه طبرانى اين روايت را در معجم" اوسط" خود به سند صحيح از ابن عباس آورده. و آنچه كه در الدر المنثور است

__________________________________________________

(1 و 2)الدر المنثور، ج 4، ص 212.

(3)تفسير قمى، ج 2، ص 34.

(4)تفسير عياشى، ج 2، ص 324.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 400

نيز همين روايت طبرانى در" اوسط" است كه گفتيم به سند صحيح از ابن عباس روايت كرده. البته در بعضى روايات ديگرى اسامى ديگرى براى آنان نقل كرده اند كه حافظ ابن حجر در شرح بخارى «1» نوشته. گفتگو در باره اسامى اصحاب كهف بسيار است كه هيچ يك

__________________________________________________

(1)اين را هم بايد خاطر نشان سازيم كه روايات در داستان اصحاب كهف به طورى كه علماى غرب آن را خلاصه نموده اند چهار دسته اند كه در اصل قصه متفق و در جزئيات آن مختلفند.

1- روايات سريانى كه به زبان سريانى ضبط شده، و از همه قديم تر آنها روايتى است كه (متوفى سال 125 ميلادى) آورده.

2- روايت يونانى كه سندش به قرن دهم ميلادى و به شخصى به نام منتهى مى شود.

3- روايت لاتينى داستان است كه از همان روايت سريانى از گرفته شده است.

4- روايت اسلامى داستان است كه آن نيز به سريانى منتهى مى گردد.

البته روايات ديگرى در متون تاريخى قبطى ها و حبشى ها و ارمنى ها نيز هست كه همه آنها به همان اصل سريانى برمى گردد.

اسماء اصحاب كهف در روايات اسلامى از روايات ديگران گرفته شده، و همانطور كه گفته بعضى از اين اسماء، اسمايى قبل از اين كه به دين خدا (كه آن روز دين نصارى بوده) درآيند و غسل تعميد كنند بوده.

و اسامى ايشان به زبانى يونانى و سريانى چنين است:

مكس منيانوس امليخوس- مليخا مرتيانوس- مرطلوس- مرطولس ()- ذوانيوس- دوانيوانس- دنياسيوس ينيوس- يوانيس- نواسيس اكساكدثودنيانوس- كسقسططيونس- اكسقوسطط- كشفوطط انطونس (افطونس) اندونيوس- انطينوس قطمير و اما اسامى آنان به زبان لاتين مكسميانوس امليخوس مرتيانوس ذيووانيوس ينيوس قسطنطيوس ساريبوس- ساريبون و اسامى ايشان قبل از اينكه به دين مسيح در آيند عبارت بود از:

ارشليدس- ارخليدس ديوماديوس اوخانيوس استفانوس- اساطونس ابروفاديوس صامنديوس كيوياكوس البته بعضى نظرشان اين است كه اسماء عربى از قبطى گرفته شده و قبطى هم از سريانى. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 401

هم مضبوط و مستند و قابل اعتماد نيست و در كتاب بحر آمده كه اسامى اصحاب كهف عجمى (غير عربى) بوده كه نه شكل معينى و نه نقطه داشته، و خلاصه سند در شناختن اسامى آنان ضعيف است «1».

و روايتى كه به على (ع) نسبت داده اند همان است كه ثعلبى هم در كتاب عرائس و ديلمى در كتاب خود به طور مرفوع آورده و در آن عجائبى ذكر شده.

و در الدر المنثور است كه ابن مردويه از ابن عباس روايت كرده كه گفت: رسول خدا (ص) فرمود: اصحاب كهف، ياران مهدى اند «2».

و در برهان از ابن الفارسى آورده كه گفت امام صادق (ع) فرموده: قائم (ع) از پشت كوفه خروج مى كند، با هفده نفر از قوم موسى كه به حق راه يافته و با حق عدالت مى كردند، و هفت نفر از اهل كهف و يوشع بن نون و ابو دجانه انصارى و مقداد بن اسود و مالك اشتر كه اينان نزد آن جناب از انصار و حكام او هستند «3».

و در تفسير عياشى از عبد اللَّه بن ميمون از ابى عبد اللَّه (ع) از پدرش از على بن ابى طالب روايت كرده كه فرمود: وقتى كسى به خدا سوگند مى خورد تا چهل روز مهلت

__________________________________________________

(1)روح المعانى ج 15، ص 246، ط بيروت.

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 215، ط بيروت.

(3)تفسير برهان، ج 2، ص 460.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 402

ثنيا دارد، براى اينكه قومى از يهود از رسول خدا (ص) از چيزى پرسش كردند حضرت بدون اينكه بگويد" ان شاء اللَّه" و استثناء مزبور را به كلام خود ملحق سازد گفت فردا بيائيد تا جواب بگويم، به همين جهت چهل روز خداوند وحى را از آن حضرت قطع كرد، بعد از آن جبرئيل آمد و گفت:" وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ" «1».

مؤلف:كلمه:" ثنيا"- به ضمه ثاء و سكون نون و در آخرش الف مقصوره- اسم است براى استثناء. و در معناى اين روايت روايات ديگرى نيز از امام صادق و امام باقر (ع) رسيده كه از بعضى آنها برمى آيد كه مراد از سوگند وعده قطعى دادن و كلام مؤكد آوردن است، هم چنان كه استشهاد امام (ع) در اين روايت به كلام رسول خدا (ص) با اينكه آن جناب سوگندى ياد نكرده بود كاملا دلالت بر اين معنا دارد. و اما اين سؤال كه اگر كسى سوگندى ياد كند و ان شاء اللَّه هم بگويد، ولى پس از انعقاد سوگند آن را بشكند آيا حنث شمرده مى شود و كفاره به عهده اش مى آيد يا نه، بحثى است فقهى.

گفتارى در چند فصل پيرامون اصحاب كهف و سر گذشت ايشان ..... ص : 402

1- داستان اصحاب كهف در تعدادى از روايات [دو سبب عمده وجود اختلاف شديد در مضامين روايات راجع به اصحاب كهف ]: ..... ص : 402

از صحابه و تابعين و از ائمه اهل بيت (ع) به طور مفصل حكايت شده مانند روايت قمى و ابن عباس و عكرمه و مجاهد كه تفسير الدر المنثور همه آنها را آورده و روايت اسحاق در كتاب عرائس كه آن را تفسير برهان نقل كرده و روايت وهب بن منبه كه الدر المنثور و كامل آن را بدون نسبت نقل كرده اند، و روايت نعمان بن بشير كه در خصوص اصحاب رقيم وارد شده و الدر المنثور آن را آورده.

و اين روايات كه ما در بحث روايتى گذشته مقدارى از آنها را نقل كرديم و به بعضى ديگرش اشاره اى نموديم آن قدر از نظر مطلب و متن با هم اختلاف دارند كه حتى در يك جهت هم اتفاق ندارند. و اما اختلاف در روايات وارده در بعضى گوشه هاى داستان مانند رواياتى كه متعرض تاريخ قيام آنان است، و يا متعرض اسم آن پادشاه است كه معاصر با ايشان

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 324.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 403

بوده يا متعرض نسب و سمت و شغل و اسامى و وجه ناميده شدنشان به اصحاب رقيم و ساير خصوصيات ديگر شده بسيار شديدتر از روايات اصل داستان است و دست يافتن به يك جهت جامعى كه نفس بدان اطمينان داشته باشد دشوارتر است.

و سبب عمده در اين اختلاف علاوه بر دست بردها و خيانتها كه اجانب در اين گونه روايات دارند دو چيز است:

يكى اينكه اين قصه از امورى بوده كه اهل كتاب نسبت به آن تعصب و عنايت داشته اند، و از روايات داستان هم برمى آيد كه قريش اين قصه را از اهل كتاب شنيده اند و با آن رسول خدا (ص) را امتحان كردند، بلكه از مجسمه ها نيز مى توان عنايت اهل كتاب را فهميد به طورى كه اهل تاريخ آن مطالب را از نصارى و از مجسمه هاى موجود در غارهاى مختلف كه در عالم هست غارهاى آسيا و اروپا و آفريقا گرفته شده و آن مجسمه ها را بر طبق شهرتى كه از اصحاب كهف به پا خاسته گرفته اند، و پر واضح است كه چنين داستانى كه از قديم الايام زبان زد بشر و مورد علاقه نصارى بوده هر قوم و مردمى آن را طورى كه نماياننده افكار و عقايد خود باشد بيان مى كنند، و در نتيجه روايات آن مختلف مى شود.

و از آنجايى كه مسلمانان اهتمام بسيار زيادى به جمع آورى و نوشتن روايات داشتند، و آنچه كه نزد ديگران هم بود جمع مى كردند و مخصوصا بعد از آنكه عده اى از علماى اهل كتاب مسلمان شدند، مانند وهب بن منبه و كعب الاحبار، و آن گاه اصحاب رسول خدا (ص) و تابعين يعنى طبقه دوم مسلمانان همه از اينان اخذ كرده و ضبط نموده اند، و هر خلفى از سلف خود مى گرفته و با آن همان معامله اخبار موقوفه «1» را مى كرده كه با روايات اسلامى مى نمودند و اين سبب بلوا و تشتت شده است.

دوم اينكه دأب و روش كلام خداى تعالى در آنجا كه قصه ها را بيان مى كند بر اين است كه به مختاراتى و نكات برجسته و مهمى كه در ايفاى غرض مؤثر است، اكتفاء مى كند، و به جزئيات داستان نمى پردازد. از اول تا به آخر داستان را حكايت نمى كند، و نيز اوضاع و احوالى را كه مقارن با حدوث حادثه بوده ذكر نمى نمايد جهتش هم خيلى روشن است، چون قرآن كريم كتاب تاريخ و داستان سرايى نيست بلكه كتاب هدايت است.

اين نكته از واضح ترين نكاتى است كه شخص متدبر در داستانهاى مذكور در كلام خدا درك مى نمايد، مانند آياتى كه داستان اصحاب كهف و رقيم را بيان مى كند، ابتداء

__________________________________________________

(1)رواياتى كه سندهاى آنها تا به آخر مى رسد ولى به رسول خدا نسبت داده نشده، روايات موقوفه گويند.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 404

محاوره و گفتگوى ايشان را نقل مى كند، و در آن به معنا و علت قيام آنان اشاره مى نمايد و آن را توحيد و ثبات بر كلمه حق معرفى مى كند، سپس اعتزال از مردم و دنبال آن وارد شدن به غار را مى آورد كه چگونه در آنجا به خواب رفتند در حالى كه سگشان هم همراهشان بود، و روزگارى بس طولانى در خواب بودند.

آن گاه بيدار شدن و گفتگوى بار دوم آنان را در خصوص اينكه چقدر خوابيده اند بيان نموده، و در آخر نتيجه اى را كه خدا از اين پيش آورد خواسته است بيان مى كند. و سپس اين جهت را خاطر نشان مى سازد كه از چه راهى مردم به وضع آنان خبردار شدند، و چه شد كه دو باره بعد از حصول غرض الهى به خواب رفتند. و اما ساختن مسجد بر بالاى غار ايشان جمله اى است، كه كلام بدانجا كشيده شده، و گرنه غرض الهى در آن منظور نبوده.

و اما اينكه اسامى آنان چه بوده و پسران چه كسى و از چه فاميلى بوده اند. و چگونه تربيت و نشو و نما يافته بودند، چه مشاغلى براى خود اختيار كرده بودند، در جامعه چه موقعيتى داشتند، در چه روزى قيام نموده و از مردم اعتزال جستند. و اسم آن پادشاهى كه ايشان از ترس او فرار كردند چه بوده، و نيز اسم آن شهر چه بوده، و مردم آن شهر از چه قومى بوده اند؟ و اسم آن سگ كه همراهى ايشان را اختيار كرد چه بوده، و اينكه آيا سگ شكارى بوده يا سگ گله، و چه رنگى؟ متعرض نشده است، در حالى كه روايات با كمال خرده بينى متعرض آنها و نيز ساير امورى كه در غرض خداى تعالى كه همان هدايت است هيچ مدخليتى ندارد شده، چرا كه اينگونه خرده ريزها در غرض تاريخ دخالت دارد و به درد دقت هاى تاريخى مى خورد.

مطلب ديگر اينكه مفسرين گذشته وقتى شروع در بحث از آيات قصص مى كرده اند، در صدد برمى آمده اند كه وجه اتصال آيات داستان را بيان نموده و براى اينكه داستانى تمام عيار و مطابق سليقه خود از آب در آورند از دو رو بر آيات نكات متروكى را استفاده نمايند، و همين جهت باعث اختلاف تفسيرها شده، چون نظريه و طرز استفاده آنان از دور و بر آيات مختلف بوده است، و در نتيجه اين اختلاف كار به اينجا كه مى بينيم كشيده شده است.

2- داستان اصحاب كهف از نظر قرآن: ..... ص : 404

آنچه از قرآن كريم در خصوص اين داستان استفاده مى شود اين است كه پيامبر گرامى خود را مخاطب مى سازد كه" با مردم در باره اين داستان مجادله مكن مگر مجادله اى ظاهرى و يا روشن" و از احدى از ايشان حقيقت مطلب را مپرس. اصحاب كهف و رقيم ترجمه الميزان، ج 13، ص: 405

جوانمردانى بودند كه در جامعه اى مشرك كه جز بتها را نمى پرستيدند، نشو و نما نمودند.

چيزى نمى گذرد كه دين توحيد محرمانه در آن جامعه راه پيدا مى كند، و اين جوانمردان بدان ايمان مى آورند. مردم آنها را به باد انكار و اعتراض مى گيرند، و در مقام تشديد و تضييق بر ايشان و فتنه و عذاب آنان برمى آيند، و بر عبادت بتها و ترك دين توحيد مجبورشان مى كنند. و هر كه به ملت آنان مى گرويد از او دست برمى داشتند و هر كه بر دين توحيد و مخالفت كيش ايشان اصرار مى ورزيد او را به بدترين وجهى به قتل مى رساندند.

قهرمانان اين داستان افرادى بودند كه با بصيرت به خدا ايمان آوردند، خدا هم هدايتشان را زيادتر كرد، و معرفت و حكمت بر آنان افاضه فرمود، و با آن نورى كه به ايشان داده بود پيش پايشان را روشن نمود، و ايمان را با دلهاى آنان گره زد، در نتيجه جز از خدا از هيچ چيز ديگرى باك نداشتند. و از آينده حساب شده اى كه هر كس ديگرى را به وحشت مى انداخت نهراسيدند، لذا آنچه صلاح خود ديدند بدون هيچ واهمه اى انجام دادند. آنان فكر كردند اگر در ميان اجتماع بمانند جز اين چاره اى نخواهند داشت كه با سيره اهل شهر سلوك نموده حتى يك كلمه از حق به زبان نياورند. و از اينكه مذهب شرك باطل است چيزى نگويند، و به شريعت حق نگروند. و تشخيص دادند كه بايد بر دين توحيد بمانند و عليه شرك قيام نموده از مردم كناره گيرى كنند، زيرا اگر چنين كنند و به غارى پناهنده شوند بالأخره خدا راه نجاتى پيش پايشان مى گذارد. با چنين يقينى قيام نموده در رد گفته هاى قوم و اقتراح و تحكمشان گفتند:" رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً" آن گاه پيشنهاد پناه بردن به غار را پيش كشيده گفتند:" وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً".

آن گاه داخل شده، در گوشه اى از آن قرار گرفتند، در حالى كه سگشان دو دست خود را دم در غار گسترده بود. و چون به فراست فهميده بودند كه خدا نجاتشان خواهد داد اين چنين عرض كردند:" بار الها تو در حق ما به لطف خاص خود رحمتى عطا فرما و براى ما وسيله رشد و هدايت كامل مهيا ساز". پس خداوند دعايشان را مستجاب نمود و سالهايى چند خواب را بر آنها مسلط كرد، در حالى كه سگشان نيز همراهشان بود." آنها در غار سيصد سال و نه سال زيادتر درنگ كردند. و گردش آفتاب را چنان مشاهده كنى كه هنگام طلوع از سمت راست غار آنها بركنار و هنگام غروب نيز از جانب چپ ايشان به دور مى گرديد و آنها كاملا از حرارت خورشيد در آسايش بودند و آنها را بيدار پنداشتى و حال آنكه در خواب بودند و ما آنها

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 406

را به پهلوى راست و چپ مى گردانيديم و سگ آنها دو دست بر در آن غار گسترده داشت و اگر كسى بر حال ايشان مطلع مى شد از آنها مى گريخت و از هيبت و عظمت آنان بسيار هراسان مى گرديد".

پس از آن روزگارى طولانى كه سيصد و نه سال باشد دو باره ايشان را سر جاى خودشان در غار زنده كرد تا بفهماند چگونه مى تواند از دشمنان محفوظشان بدارد، لا جرم همگى از خواب برخاسته به محضى كه چشمشان را باز كردند آفتاب را ديدند كه جايش تغيير كرده بود، مثلا اگر در هنگام خواب از فلان طرف غار مى تابيد حالا از طرف ديگرش مى تابد، البته اين در نظر ابتدايى بود كه هنوز از خستگى خواب اثرى در بدنها و ديدگان باقى بود. يكى از ايشان پرسيد: رفقا چقدر خوابيديد؟ گفتند: يك روز يا بعضى از يك روز. و اين را از همان عوض شدن جاى خورشيد حدس زدند. ترديدشان هم از اين جهت بود كه از عوض شدن تابش خورشيد نتوانستند يك طرف تعيين كنند. عده اى ديگر گفتند:" رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ" و سپس اضافه كرد" فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ" كه بسيار گرسنه ايد،" و ليتلطف" رعايت كنيد شخصى كه مى فرستيد در رفتن و برگشتن و خريدن طعام كمال لطف و احتياط را به خرج دهد كه احدى از سرنوشت شما خبردار نگردد، زيرا" إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ" اگر بفهمند كجائيد سنگسارتان مى كنند" أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً". اين جريان آغاز صحنه اى است كه بايد به فهميدن مردم از سرنوشت آنان منتهى گردد، زيرا آن مردمى كه اين اصحاب كهف از ميان آنان گريخته به غار پناهنده شدند به كلى منقرض گشته اند و ديگر اثرى از آنان نيست. خودشان و ملك و ملتشان نابود شده، و الآن مردم ديگرى در اين شهر زندگى مى كنند كه دين توحيد دارند و سلطنت و قدرت توحيد بر قدرت ساير اديان برترى دارد. اهل توحيد و غير اهل توحيد با هم اختلافى به راه انداختند كه چگونه آن را توجيه كنند. اهل توحيد كه معتقد به معاد بودند ايمانشان به معاد محكم تر شد، و مشركين كه منكر معاد بودند با ديدن اين صحنه مشكل معاد برايشان حل شد، غرض خداى تعالى از برون انداختن راز اصحاب كهف هم همين بود.

آرى، وقتى فرستاده اصحاب كهف از ميان رفقايش بيرون آمد و داخل شهر شد تا به خيال خود از همشهرى هاى خود كه ديروز از ميان آنان بيرون شده بود غذايى بخرد شهر ديگرى ديد كه به كلى وضعش با شهر خودش متفاوت بود، و در همه عمرش چنين وضعى نديده بود، علاوه مردمى را هم كه ديد غير همشهرى هايش بودند. اوضاع و احوال نيز غير آن اوضاعى بود

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 407

كه ديروز ديده بود. هر لحظه به حيرتش افزوده مى شود، تا آنكه جلو دكانى رفت تا طعامى بخرد پول خود را به او داد كه اين را به من طعام بده- و اين پول در اين شهر پول رايج سيصد سال قبل بود- گفتگو و مشاجره بين دكاندار و خريدار درگرفت و مردم جمع شدند، و هر لحظه قضيه، روشن تر از پرده بيرون مى افتاد، و مى فهميدند كه اين جوان از مردم سيصد سال قبل بوده و يكى از همان گمشده هاى آن عصر است كه مردمى موحد بودند، و در جامعه مشرك زندگى مى كردند، و به خاطر حفظ ايمان خود از وطن خود هجرت و از مردم خود گوشه گيرى كردند، و در غارى رفته آنجا به خواب فرو رفتند، و گويا در اين روزها خدا بيدارشان كرده و الآن منتظر آن شخصند كه برايشان طعام ببرد.

قضيه در شهر منتشر شد جمعيت انبوهى جمع شده به طرف غار هجوم بردند. جوان را هم همراه خود برده در آنجا بقيه نفرات را به چشم خود ديدند، و فهميدند كه اين شخص راست مى گفته، و اين قضيه معجزه اى بوده كه از ناحيه خدا صورت گرفته است.

اصحاب كهف پس از بيدار شدنشان زياد زندگى نكردند، بلكه پس از كشف معجزه از دنيا رفتند و اينجا بود كه اختلاف بين مردم در گرفت، موحدين با مشركين شهر به جدال برخاستند. مشركين گفتند: بايد بالاى غار ايشان بنيانى بسازيم و به اين مساله كه چقدر خواب بوده اند كارى نداشته باشيم. و موحدين گفتند بالاى غارشان مسجدى مى سازيم.

3- داستان از نظر غير مسلمانان ..... ص : 407

بيشتر روايات و سندهاى تاريخى بر آنند كه قصه اصحاب كهف در دوران فترت ما بين عيسى و رسول خدا (ص) اتفاق افتاده است، به دليل اينكه اگر قبل از عهد مسيح بود قطعا در انجيل مى آمد و اگر قبل از دوران موسى (ع) بود در تورات مى آمد، و حال آنكه مى بينيم يهود آن را معتبر نمى دانند. هر چند در تعدادى از روايات دارد كه قريش آن را از يهود تلقى كرده و گرفته اند. و ليكن مى دانيم يهود آن را از نصارى گرفته چون نصارى به آن اهتمام زيادى داشته آنچه كه از نصارى حكايت شده قريب المضمون با روايتى است كه ثعلبى در عرائس از ابن عباس نقل كرده. چيزى كه هست روايات نصارى در امورى با روايات مسلمين اختلاف دارد:

اول اينكه مصادر سريانى داستان مى گويد: عدد اصحاب كهف هشت نفر بوده اند، و حال آنكه روايات مسلمين و مصادر يونانى و غربى داستان آنان را هفت نفر دانسته اند.

دوم اينكه داستان اصحاب كهف در روايات ايشان از سگ ايشان هيچ اسمى نبرده است. ترجمه الميزان، ج 13، ص: 408

سوم اينكه مدت مكث اصحاب كهف را در غار دويست سال و يا كمتر دانسته و حال آنكه معظم علماى اسلام آن را سيصد و نه سال يعنى همان رقمى كه از ظاهر قرآن برمى آيد دانسته اند.

و علت اين اختلاف و تحديد مدت مكث آنان به دويست سال اين است كه گفته اند آن پادشاه جبار كه اين عده را مجبور به بت پرستى مى كرده و اينان از شر او فرار كرده اند اسمش دقيوس بوده كه در حدود سالهاى 249- 251 م زندگى مى كرده، و اين را هم مى دانيم كه اصحاب كهف به طورى كه گفته اند در سال 425 و يا سال 437 و يا 439 از خواب بيدار شده اند پس براى مدت لبث در كهف بيش از دويست سال يا كمتر باقى نمى ماند، و اولين كسى كه از مورخين ايشان اين مطالب را ذكر كرده به طورى كه گفته است" جيمز" ساروغى سريانى بوده كه متولد 451 م و متوفاى 521 م بوده و ديگران همه تاريخ خود را از او گرفته اند، و به زودى تتمه اى براى اين كلام از نظر خواننده خواهد گذشت.

4- غار اصحاب كهف كجا است؟ ..... ص : 408

در نواحى مختلف زمين به تعدادى از غارها برخورد شده كه در ديوارهاى آن تمثالهايى چهار نفرى و پنج نفرى و هفت نفرى كه تمثال سگى هم با ايشان است كشيده اند. و در بعضى از آن غارها تمثال قربانيى هم جلو آن تمثال ها هست كه مى خواهند قربانيش كنند.

انسان مطلع وقتى اين تصويرها را آن هم در غارى مشاهده مى كند فورا به ياد اصحاب كهف مى افتد، و چنين به نظر مى رسد كه اين نقشه ها و تمثالها اشاره به قصه آنان دارد و آن را كشيده اند تا رهبانان و آنها كه خود را جهت عبادت متجرد كرده اند و در اين غار براى عبادت منزل مى كنند با ديدن آن به ياد اصحاب كهف بيفتند، پس صرف يادگارى است كه در اين غارها كشيده شده نه اينكه علامت باشد براى اينكه اينجا غار اصحاب كهف است.

غار اصحاب كهف كه در آنجا پناهنده شدند و اصحاب در آنجا از نظرها غايب گشتند، مورد اختلاف شديد است كه چند جا را ادعا كرده اند:

غار اول: كهف افسوس- افسوس- به كسر همزه و نيز كسر فاء و بنا به ضبط كتاب" مراصد الاطلاع" كه مرتكب اشتباه شده به ضمه همزه و سكون فاء- شهر مخروبه اى است در تركيه كه در هفتاد و سه كيلومترى شهر بزرگ ازمير قرار دارد، و اين غار در يك كيلومترى- و يا كمتر- شهر افسوس نزديك قريه اى به نام" اياصولوك" و در دامنه كوهى به نام" ينايرداغ" قرار گرفته است.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 409

و اين غار، غار وسيعى است كه در آن به طورى كه مى گويند صدها قبر كه با آجر ساخته شده هست. خود اين غار هم در سينه كوه و رو به جهت شمال شرقى است، و هيچ اثرى از مسجد و يا صومعه و يا كليسا و خلاصه هيچ معبد ديگرى بر بالاى آن ديده نمى شود.

اين غار در نزد مسيحيان نصارى از هر جاى ديگرى معروف تر است، و نامش در بسيارى از روايات مسلمين نيز آمده.

و اين غار على رغم شهرت مهمى كه دارد به هيچ وجه با آن مشخصاتى كه در قرآن كريم راجع به آن غار آمده تطبيق نمى كند.

اولا براى اينكه خداى تعالى در باره اينكه در چه جهت از شمال و جنوب مشرق و مغرب قرار گرفته مى فرمايد آفتاب وقتى طلوع مى كند از طرف راست غار به درون آن مى تابد و وقتى غروب مى كند از طرف چپ غار، و لازمه اين حرف اين است كه درب غار به طرف جنوب باشد، و غار افسوس به طرف شمال شرقى است (كه اصلا آفتاب گير نيست مگر مختصرى).

و همين ناجورى مطلب باعث شده كه مراد از راست و چپ را راست و چپ كسى بگيرند كه مى خواهد وارد غار شود نه از طرف دست راست كسى كه مى خواهد از غار بيرون شود، و حال آنكه قبلا هم گفتيم معروف از راست و چپ هر چيزى راست و چپ خود آن چيز است نه كسى كه به طرف آن مى رود.

بيضاوى در تفسير خود گفته: در غار در مقابل ستارگان بنات النعش قرار دارد، و نزديك ترين مشرق و مغربى كه محاذى آن است مشرق و مغرب رأس السرطان است و وقتى كه مدار آفتاب با مدار آن يكى باشد آفتاب به طور مائل و مقابل در طرف چپ غار مى تابد و شعاعش به طرف مغرب كشيده مى شود، و در هنگام غروب از طرف محاذى صبح مى تابد و شعاع طرف عصرش به جاى تابش طرف صبح كشيده مى شود، و عفونت غار را از بين برده هواى آن را تعديل مى كند، و در عين حال بر بدن آنان نمى تابد و با تابش خود اذيتشان نمى كند و لباسهايشان را نمى پوساند «1». اين بود كلام بيضاوى. غير او نيز نظير اين حرف را زده اند.

علاوه بر اشكال گذشته مقابله در غار با شمال شرقى با مقابل بودن آن با بنات النعش كه در جهت قطب شمالى قرار دارد سازگار نيست، از اين هم كه بگذريم گردش آفتاب آن طور

__________________________________________________

(1)تفسير بيضاوى، ج 2، ص 6.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 410

كه ايشان گفته اند با شمال شرقى بودن در غار نمى سازد، زيرا بنائى كه در جهت شمال شرقى قرار دارد و در طرف صبح، آفتاب به جانب غربى اش مى تابد ولى در موقع غروب در ساختمان و حتى پيش خان آن در زير سايه فرو مى رود، نه تنها در هنگام غروب، بلكه بعد از زوال ظهر آفتاب رفته و سايه گسترده مى شود.

مگر آنكه كسى ادعا كند كه مقصود از جمله" وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ" اين است كه آفتاب به ايشان نمى تابد، و يا آفتاب در پشت ايشان قرار مى گيرد- دقت فرمائيد.

و اما ثانيا براى اينكه جمله" وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ" مى گويد اصحاب كهف در بلندى غار قرار دارند، و غار افسوس به طورى كه گفته اند بلندى ندارد، البته اين در صورتى است كه" فجوة" به معناى مكان مرتفع باشد، ولى مسلم نيست، و قبلا گذشت كه" فجوة" به معناى ساحت و درگاه است. پس اين اشكال وارد نيست.

و اما ثالثا براى اينكه جمله" قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً" ظاهر در اين است كه مردم شهر مسجدى بر بالاى آن غار بنا كردند، و در غار افسوس اثرى حتى خرابه اى از آن به چشم نمى خورد، نه اثر مسجد نه اثر صومعه و نه مانند آن. و نزديك ترين بناى دينى كه در آن ديار به چشم مى خورد كليسايى است كه تقريبا در سه كيلومترى غار قرار دارد، و هيچ جهتى به ذهن نمى رسد كه آن را به غار مرتبط سازد.

از اين هم كه بگذريم در غار افسوس اثرى از رقيم و نوشته ديده نشده كه دلالت كند يك يا چند تا از آن قبور، قبور اصحاب كهف است، و يا شهادت دهد و لو تا حدى كه چند نفر از اين مدفونين مدتى به خواب رفته بودند، پس از سالها خدا بيدارشان كرده و دو باره قبض روحشان نموده است.

غار دوم: دومين غارى كه احتمال داده اند كهف اصحاب كهف باشد غار" رجيب" است كه در هشت كيلومترى شهر عمان پايتخت اردن هاشمى نزديك دهى به نام رجيب قرار دارد. غارى است در سينه جنوبى كوهى پوشيده از صخره، اطراف آن از دو طرف يعنى از طرف مشرق و مغرب باز است كه آفتاب به داخل آن مى تابد، در غار در طرف جنوب قرار دارد، و در داخل غار طاقنمايى كوچك است به مساحت 5: 2 3 متر در يك سكويى به مساحت تقريبا 3 3 و در اين غار نيز چند قبر هست به شكل قبور باستانى روم و گويا عدد آنها هشت و يا هفت است.

بر ديوار اين غار نقشه ها و خطوطى به خط يونانى قديم و به خط ثموديان ديده مى شود كه چون محو شده خوب خوانده نمى شود، البته بر ديوار عكس سگى هم كه با رنگ قرمز و زينت هاى ديگرى آراسته شده ديده مى شود.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 411

و بر بالاى غار آثار صومعه" بيزانس" هست كه از گنجينه ها و آثار ديگرى است كه در آنجا كشف گرديده است و معلوم مى شود بناى اين صومعه در عهد سلطنت" جوستينوس" اول يعنى در حدود 418- 427 ساخته شده و آثار ديگرى كه دلالت مى كند كه اين صومعه يك بار ديگر تجديد بنا يافته است و مسلمانان آن را پس از استيلا بر آن ديار مسجدى قرار داده اند. چون مى بينيم كه اين صومعه محراب و ماذنه و وضوخانه دارد، و در ساحت و فضاى جلو در اين غار آثار مسجد ديگرى است كه پيداست مسلمين آن را در صدر اسلام بنا نهاده و هر چندى يك بار مرمت كرده اند و پيداست كه اين مسجد بر روى خرابه هاى كليسايى قديمى از روميان ساخته شده، و اين غار على رغم اهتمامى كه مردم بدان داشته و عنايتى كه به حفظش نشان مى دادند و آثار موجود در آن از اين اهتمام و عنايت حكايت مى كند غارى متروك و فراموش شده بوده، و به مرور زمان خراب و ويران گشته تا آنكه اداره باستان شناسى اردن هاشمى اخيرا در صدد برآمده كه در آن حفارى كند و نقب بزند و آن را پس از قرنها خفاء از زير خاك دو باره ظاهر سازد «1».

__________________________________________________

(1)اين حفارى و اكتشاف در سال 1963 ميلادى مطابق با 1342 هجرى شمسى اتفاق افتاد، و در باره آن كتابى به قلم بانى آن كار، فاضل ارجمند آقاى" رفيق وفا دجانى" به نام كتاب" اكتشاف كهف اهل كهف" در سال 1964 منتشر شد كه در آن مساعى اداره باستان شناسى اردن و مشقاتى كه در نقب و جستجو تحمل نمودند به تفصيل بيان نموده. خصوصياتى كه در اثر اين حفارى به دست آورده و آثارى را كه كشف كرده همه تاييد مى كند كه اين غار غار اصحاب كهف مى باشد كه داستانشان در قرآن كريم آمده است. و نيز امارات و قرائنى را كه ذكر كرده با كهف اصحاب كهف تطبيق نموده و با ادله اى اثبات كرده كه غار اصحاب كهف همين غار رجيب است، نه غار افسوس و نه آن غارى كه در دمشق است، و نه آنكه در بتراء قرار دارد، و نه آنكه در اسكانديناوى است.

مؤلف: در اين كتاب اين احتمال را كه طاغى آن روز كه اصحاب از گزند او فرار كرده اند، و به داخل غار پناهنده شده اند" طراجان" پادشاه (98- 117 م) بوده نه دقيوس (249- 251 م) كه مسيحيان و بعضى از مسلمين احتمال داده اند، و نه دقيانوس (285- 305) كه بعضى ديگر از مسلمين در رواياتشان آورده اند تقويت كرده و چنين استدلال كرده كه پادشاه صالحى كه خداى تعالى در عهد او اصحاب كهف را آفتابى كرده سرگذشتشان را برملا ساخت به اجماع تمامى مورخين مسيحى و مسلمان اسمش" تئودوسيوس" (408- 450) بوده است. و اگر ما دوران فترت اصحاب صالح كهف را كه در آن دوران در خواب بوده اند از دوره سلطنت وى كم كنيم و به عبارت روشن تر: اگر از اواسط سلطنت اين پادشاه صالح يعنى حدود 421 كه وسط دو رقم 408 و 450 است سيصد و نه سال كم كنيم به سال 112 مى رسيم كه مصادف با زمان حكومت او است. اين را هم مى دانيم كه وى فرمان صادر كرده بود كه هر مسيحى كه عبادت بت ها را قبول نداشته باشد، و از پرستش آنها سر باز زند خائن به دولت شناخته مى شود، و محكوم به اعدام است.

همين حرف اعتراض بعضى از مورخين مسيحى از قبيل چيبون در كتاب" انحطاط و سقوط امپراطورى روم" را بر مدت مكث اصحاب كهف كه آن طور كه قرآن گفته نيست و كمتر از آن است دفع مى كند. او گفته اصحاب كهف در زمان پادشاه صالح يعنى تئودوسيوس (408- 451 م) از خواب بيدار شدند، و در زمان حكومت دقيوس (249- 251 م) از شهر گريخته و داخل غار شده اند و فاصله اين دو تاريخ دويست سال و يا چيزى كمتر است نه 309 سال كه قرآن گفته. جوابش هم روشن شد كه پنهان شدن ايشان در غار در زمان دقيوس نبوده بلكه زمان طراجان بوده است، و اين استدلال از اين بزرگوار كه خدا زحماتش را پاداش خير دهد استدلالى است تمام الا اينكه چند اشكال بدان متوجه است:

اول اينكه قرآن كريم سيصد و نه سال را سال قمرى گرفته و ايشان آن را شمسى حساب كرده اند قهرا اين نه سال بايد از ميان برداشته شود.

دوم اينكه ايشان از مورخين اسلام و مسيحيت ادعاى اجماع كرده بر اينكه برملا شدن جريان اصحاب كهف در زمان حكومت تئودوسيوس بوده و حال آنكه چنين اجماعى نداريم، زيرا بسيارى از مورخين رواياتشان از اسم اين سلطان ساكت است، و جز عده قليلى به اسم او تصريح نكرده اند، و بعيد نيست كه همانهايى هم كه تصريح كرده اند از روايات مسيحيت گرفته باشند، و مسيحيان هم آن را به حدس قوى از كتابى كه به جيمس ساروغى (452- 521 م) نسبت مى دهند و در تاريخ 474 تاليف شده گرفته باشند، و پيش خود فكر كرده باشند پادشاهى كه در اين حدود از تاريخ باشد بايد همان تئودوسيوس باشد.

به علاوه، از آن اجماع مركبى كه ادعا كرده اند كه پادشاه طاغى معاصر اصحاب كهف دقيوس يا دقيانوس بوده برمى آيد كه على اى حال" طراجان" نبوده.

اشكال ديگرش اين است كه ايشان گفته اند صومعه اى كه بر بالاى كهف ساخته شده شواهد باستانى اش شهادت مى دهد بر اينكه در زمان حستينوس اول (518- 527 م) ساخته شده و لازمه اين حرف اين است كه ساختمان آن تقريبا بعد از صد سال از ظهور و كشف داستان اصحاب كهف ساخته شده باشد، و حال آنكه ظاهر قرآن عزيز اين است كه ساختمان آن مقارن همان روزهايى بوده كه داستان ايشان برملا شده است. و بنا بر اين بايد معتقد شد كه بنائى كه ايشان در نظر دارند بناء مجددى بوده كه بعد از آن ساخته شده و آن بناى اولى نيست.

و بعد از همه اين حرفها و احتمالات، مشخصاتى كه قرآن كريم براى كهف ذكر كرده انطباقش با همين غار رجيب روشن تر از ساير غارها است.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 412

در آثارى كه از آنجا استخراج كردند شواهدى يافت شده كه دلالت مى كند كه اين غار همان غار اصحاب كهف است كه داستانش در قرآن كريم آمده.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 413

در تعدادى از روايات مسلمين هم چنان كه بدان اشاره شد نيز همين معنا آمده است كه غار اصحاب كهف در اردن واقع شده. و ياقوت آنها را در معجم البلدان خود آورده است. و رقيم هم اسم دهى است نزديك به شهر عمان كه قصر يزيد بن عبد الملك در آنجا بوده است.

البته قصر ديگرى هم در قريه اى ديگر نزديك به آن دارد كه نامش موقر است و شاعر كه گفته:

يزرن على تنانيه يزيدا با كناف الموقر و الرقيم

يعنى آن زمان بر بالاى آن كاخ يزيد را ديدار مى كنند در حالى كه موقر و رقيم در چشم انداز ايشان است. و شهر عمان امروزى هم در جاى شهر فيلادلفيا كه از معروفترين و زيباترين شهرهاى آن عصر بوده ساخته شده است، و اين شهر تا قبل از ظهور دعوت اسلامى بوده، و خود آن شهر و پيرامونش از اوائل قرن دوم ميلادى در تحت استيلاى حكومت روم بود تا آنكه سپاه اسلام سر زمين مقدس را فتح كرد.

و حق مطلب اين است كه مشخصات غار اصحاب كهف با اين غار بهتر انطباق دارد تا غارهاى ديگر.

غار سوم: غارى است كه در كوه قاسيون قرار دارد و اين كوه در نزديكى هاى شهر صالحيه دمشق است كه اصحاب كهف را به آنجا نيز نسبت مى دهند.

غار چهارم: غارى است كه در بتراء يكى از شهرهاى فلسطين است كه اصحاب كهف را به آنجا نيز نسبت مى دهند.

غار پنجم: غارى است كه به طورى كه گفته اند در شبه جزيره اسكانديناوى در شمال اروپا كشف شده و در آنجا به هفت جسد سالم برخوردند كه در هيات روميان بوده احتمال داده اند كه همان اصحاب كهف باشند.

و چه بسا غارهاى ديگرى كه اصحاب كهف را به آنها نيز نسبت مى دهند، هم چنان كه مى گويند نزديكيهاى شهر نخجوان يكى از شهرهاى قفقاز غارى است كه اهالى آن نواحى احتمال داده اند كه غار اصحاب كهف باشد، و مردم به زيارت آنجا مى روند.

و ليكن هيچ شاهدى كه دلالت كند بر اين كه يكى از اين غارها همان غارى باشد كه در قرآن ياد شده در دست نيست، علاوه بر اينكه مصادر تاريخى اين دو غار آخرى را تكذيب مى كند، چون قصه اصحاب كهف على اى حال قصه اى است رومى و در تحت سلطه و سيطره روميان اتفاق افتاده، و روميان حتى در بحبوحه قدرت و مجد و عظمتشان تا حدود قفقاز و اسكانديناوى تسلط نيافتند.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 414

[سوره الكهف (18): آيات 27 تا 31] ..... ص : 414

اشاره

وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)

ترجمه آيات ..... ص : 414

از كتاب پروردگارت آنچه به تو وحى آمده بخوان، كلمات وى تغييرپذير نيست، و هرگز جز او پناهى نخواهى يافت (27).

با كسانى كه بامداد و شبانگاه پروردگار خويش را مى خوانند و رضاى او را مى جويند با شكيبايى قرين باشد و ديدگانت به جستجوى زيور زندگى دنيا از آنها منصرف نشود. اطاعت مكن كسى را كه دلش را از ياد خويش غافل كرده ايم و هوس خود را پيروى كرده و كارش زياده روى است (28).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 415

بگو اين حق از پروردگار شما است هر كه خواهد ايمان بياورد و هر كه خواهد منكر شود كه ما براى ستمكاران آتشى مهيا كرده ايم كه سراپرده هاى آن در ميانشان گيرد، و اگر فريادرسى خواهند به آبى چون مس گداخته كمكشان دهند، كه چهره ها را بريان مى كند. چه بد شربتى و چه بد جاى آسايشى است (29).

آنان كه (به خدا) ايمان آوردند و نيكوكار شدند ما هم اجر نيكوكاران را ضايع نخواهيم گذاشت (30).

بلكه (أجر عظيم) بهشت هاى عدن كه نهرها از زير درختانش جارى است خاص آنها است در حالى كه در آن بهشت برين زيورهاى زرين بيارايند و لباسهاى سبز حرير و ديبا پوشند و بر تخت ها تكيه زنند (كه آن بهشت) نيكو اجرى و خوش آرامگاهى است (31).

بيان آيات [مفاد كلى اين آيات و ربط آنها با آيات قبل ] ..... ص : 415

اشاره

در اين آيات رجوع و انعطافى به ما قبل هست به آن جايى كه گفتار قبل از داستان اصحاب كهف بدانجا منتهى گرديد، يعنى به تاسف خوردن و ناشكيبايى رسول خدا (ص) از اينكه چرا مردم ايمان نمى آورند و به كتابى كه برايشان نازل شده نمى گروند. و چرا دعوت حقه او را قبول نمى كنند. آيات مورد بحث عطف بدانجا است كه رسول خدا (ص) را تسليت مى داد به اينكه سراى دنيا بلاء و امتحان است، و آنچه زينت دارد به زودى به صورت خاك خشك در مى آيد، پس ديگر سزاوار نيست به خاطر اين مردم خود را ناراحت كنى و دلتنگ شوى كه چرا دعوتت را نمى پذيرند و به كتاب خدا ايمان نمى آورند.

آنچه بر تو واجب است صبر و حوصله كردن با اين مشت فقرايى است كه ايمان آورده اند و مدام پروردگار خود را مى خوانند، و هيچ توجهى به اين توانگران كافر كيش كه همواره به ثروت خود و زينت حيات دنيايشان مى بالند ندارند، چون مى دانند اين زينتها به زودى به صورت خاكى خشك مبدل مى شود، لذا همواره دنياداران را به سوى پروردگارشان مى خوانند، و ديگر كارى به كارشان ندارند. هر كه مى خواهد ايمان بياورد و هر كه مى خواهد كفر بورزد، چيزى به عهده رسول خدا (ص) نيست، آنچه وظيفه او است كه بايد در مواجهه با آنان رعايت كند اين است كه در صورت ايمان آوردن، با شادمانى، و در صورتى كه ايمان نياورند، با تاسف با آنان مواجه نشود، بلكه همان ثواب و عقاب خداى را تذكر دهد.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 416

[وظيفه پيامبر (صلى اللَّه عليه و آله) تلاوت آيات و تبليغ وحى است و جز خدا مرجعى ندارد] ..... ص : 416

" وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ ..."

در مجمع البيان گفته است: جمله" لحد اليه" و همچنين" التحد" از ماده" لحد" به معناى ميل كردن است، يعنى ميل كرد به سوى او «1».

و بنا به گفته وى كلمه" ملتحد" اسم مكان از" التحاد" (ميل كردن) است، يعنى محل ميل كردن. و مراد از" كِتابِ رَبِّكَ" قرآن و يا لوح محفوظ است. و گويا دومى با جمله" لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ" مناسب تر است. همانطور كه قبلا هم گفتيم گفتار در اين آيات معطوف به ما قبل داستان اصحاب كهف است، به همين جهت مناسب تر اين است كه بگوييم جمله" و اتل ..." عطف است بر جمله" إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ ..." و معنايش اين مى شود كه: تو اى رسول گرامى ام خودت را بر اثر كفر ورزيدن مردم و از تاسف خوردن بر آنان به هلاكت مينداز، آنچه از كتاب پروردگارت به تو وحى مى شود تلاوت كن، زيرا هيچ چيز كلمات او را تغيير نمى دهد، چون كلمات او حق و ثابت است. و نيز براى اينكه تو غير از خدا و كلمات او ديگر جايى ندارى كه دل به سوى آن متمايل سازى.

از اينجا روشن مى شود كه هر يك از دو جمله" لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ" و جمله" وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً" براى تعليلى جداگانه است و در حقيقت دو حجت جداى از همند براى تعليل آن امرى كه در جمله" و اتل" بود و شايد به همين جهت است كه خطاب در جمله" وَ لَنْ تَجِدَ ..." مخصوص رسول خدا (ص) شده است. با اينكه حكم در آن عمومى است و مخصوص به آن جناب نيست، چون به غير از خدا هيچ ملتحدى براى احدى نيست نه تنها براى پيغمبر.

ممكن هم هست كه منظور از جمله" وَ لَنْ تَجِدَ ..." اين باشد كه: تو، آرى، شخص تو، به خاطر اينكه رسول هستى، مانند ديگران مراجع متعدد ندارى. تو جز يك نفر كه آن هم فرستنده تو است ملتحد ديگرى ندارى. و بنا بر اين، مناسبتر اين است كه بگوييم جمله" لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ" يك حجت است و سفارش اين است كه: اين آيات را كه مشتمل بر دستور خدا به تبليغ است براى ايشان بخوان چون كلمه اى است الهى كه تغيير و دگرگونى نمى پذيرد، و تو فرستاده اويى، و جز اينكه به سوى فرستنده ات تمايل نموده رسالت او را اداء كنى وظيفه ديگرى ندارى.

مؤيد اين معنا كلام ديگر خداى تعالى است كه در جاى ديگر مى فرمايد:

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 464.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 417

" قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَ رِسالاتِهِ" «1».

[معناى" صبر" و" وجه" و مراد از" اراده و طلب وجه خدا" و" دعاى صبح و شام" در آيه:" وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ ..."] ..... ص : 417

وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ..."

.راغب در مفردات گفته: كلمه" صبر" به معناى امساك و خوددارى در تنگنا است.

وقتى كسى مى گويد:" صبرت الدابة" معنايش اين است كه من فلان حيوان را در جايى بدون علف حبس كردم. و نيز وقتى كسى مى گويد:" صبرت فلانا" معنايش اين است كه بلائى بر سرش آوردم كه بعدا مى فهمد، بلائى كه از آن خلاصى نخواهد يافت. كلمه" صبر" به طور كلى به معناى حبس و نگهدارى نفس است در برابر عمل به مقرراتى كه عقل و شرع معتبر مى شمارند و يا ترك چيزهايى كه عقل و شرع اقتضاء مى كنند كه نفوس را از ارتكاب آن حبس كرد «2».

كلمه" وجه" از هر چيز به معناى آن رويى است كه به طرف ماست، و ما به سويش مى رويم. و اصل در معناى وجه همان وجه آدمى و صورت او است كه يكى از اعضاى وى است، و وجه خداى تعالى همان اسماء حسنى و صفات عليايى است كه متوجهين به درگاهش با آنها متوجه مى شوند، و به وسيله آنها خدا را مى خوانند و عبادت مى كنند، هم چنان كه خودش فرمود:" وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها" «3» و اما ذات متعالى خدا به هيچ وجه راهى بدان نيست، و قاصدين آن درگاه و مريدين اگر قصد او را مى كنند بدين جهت است كه او اله و رب و على و عظيم و رحيم و صاحب رضوان است و صاحب صدها اسماء و صفات ديگر.

كسى كه خدا را مى خواند و وجه او را مى خواهد اگر صفات فعلى او نظير رحمت و رضا و انعام و فضل را منظور دارد آن وقت اراده وجه خدا به معناى اين مى شود كه خدا او را به لباس مرحوميت و مرضى بودن در آورد. و اگر منظور او صفات غير فعلى خدا مانند علم و قدرت و كبرياء و عظمت او است، پس منظورش اين است كه با اين صفات عليا به درگاه او تقرب جويد. و اگر خواستى مى توانى به عبارت ديگرى بگويى: مى خواهد خود را در جايى قرار دهد كه صفت الهى اقتضاى آن را دارد، مثلا آن قدر خود را ذليل جلوه دهد كه عزت و عظمت و كبريايى او اقتضاء آن را دارد، و آن چنان خود را در موقف، جاهل عاجز ضعيف قرار دهد كه

__________________________________________________

(1)بگو غير از خدا كسى مرا از عذاب خدا پناه نمى دهد و من ابدا به غير او متمايل نمى شوم و تنها مأمن و پناه من ابلاغ احكام خدا و رسانيدن پيغام الهى است. سوره جن آيه 22 و 23.

(2)مفردات راغب، ماده" صبر".

(3)براى خدا اسماء حسنايى است پس او را با آن اسماء بخوانيد. سوره اعراف، آيه 18.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 418

علم و قدرت و قوت خدا آن را اقتضاء مى كند، و همچنين ساير صفات- دقت فرمائيد.

از اينجا معلوم مى شود عدم صحت قول بعضى «1» كه گفته اند: منظور معناى مجازى وجه خدا يعنى رضايت خدا و اطاعت مرضى، رضاى او است، چون وقتى كسى از كسى راضى شد بدو روى مى آورد، خدا هم وقتى از ما راضى شد به ما روى مى آورد، هم چنان كه وقتى خشم كرد روى مى گرداند. و نيز اينكه بعضى «2» ديگر گفته اند: منظور از وجه ذات است و در حقيقت مضاف آن حذف شده و تقدير" ذات وجه" بوده، و معناى آيه اين است كه مى خواهند به ذاتى داراى وجه تقرب جويند. و همچنين اينكه بعضى «3» گفته اند: مراد از آن توجه است.

و اينكه فرمود:" پروردگارشان را صبح و شام مى خوانند" مقصود از خواندن به صبح و شام استمرار بر دعا و عادت كردن به آن است به طورى كه دائما به ياد خدايند و او را مى خوانند، چون دوام هر چيزى، به تكرر صبح بعد از شام و شام بعد از صبح آن چيز است، پس در حقيقت جمله مورد بحث بر طريق كنايه آمده است.

بعضى «4» گفته اند: مراد از دعاى صبح و شام، نماز صبح و شام است. و بعضى «5» ديگر گفته اند: فرائض يوميه است، و ليكن هيچ يك به نظر درست نمى آيد.

و در جمله" وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا" اصل معناى" عدو" به طورى كه راغب «6» تصريح كرده تجاوز است. و اين تجاوز معنايى است كه در تمامى مشتقات و موارد استعمال اين ماده وجود دارد.

در قاموس گفته:" عدا الامر" به معناى" از اين امر تجاوز كرد" مى باشد و" عدا عن الامر به معناى" ترك اين امر كرد" است «7». و بنا بر اين، معناى جمله مورد بحث اين مى شود كه: ديدگانت را از آنان مبر (يعنى رهايشان مكن) و ديدگانت تركشان نكند، و خلاصه براى خاطر زينت حيات دنيا اينان را رها مكن.

و ليكن بعضى «8» گفته اند: اگر كلمه مزبور يعنى" تعد" به معناى تجاوز بود هرگز با حرف" عن" متعدى نمى شد، زيرا تجاوز هيچ وقت با اين حرف متعدى نمى شود، مگر آنكه به معناى عفو باشد، و لذا زمخشرى در كشاف گفته: در جمله" وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ" چون

__________________________________________________

(1 و 2 و 3)روح المعانى، ج 15، ص 262.

(4 و 5)روح المعانى، ج 15، ص 262.

(6)مفردات راغب، ماده" عدا". [.....]

(7)قاموس، ماده" عدا".

(8)روح المعانى، ج 15، ص 263.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 419

متضمن معناى نبا و علاء است كه وقتى گفته مى شود" نبت عنه عينه و علت عنه عينه" معنايش اين است كه" چشمش خواست آن را ببيند نتوانست" لذا به اين مناسبت و براى افاده اين معناى ضمنى با لفظ" عن" متعدى گرديد، و اگر اين نبود جا داشت بفرمايد:" و لا تعدهم عيناك" «1».

[بيان عدم دلالت جمله:" لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ" بر جبر و اشاره به اينكه جبر مجازاتى ناشى از اختيار، با اختيار منافات ندارد] ..... ص : 419

و در جمله:" وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا" مراد از اغفال قلب، مسلط كردن غفلت بر قلب است، به اينكه ياد خداى سبحان را فراموش كند، كه البته اين اغفال بر سبيل مجازات است، چون ايشان با حق در افتادند و عناد ورزيدند، و لذا خداى تعالى چنين كيفرشان داد كه ياد خود را از دلشان ببرد. آرى، زمينه كلام در آيات مورد بحث چنين كسانى هستند، نظير بيانى كه به زودى در ذيل آيات مى آيد و مى فرمايد:" إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً".

بنا بر اين، ديگر جايى براى اين حرف نمى ماند كه بعضى گفته اند: آيه شريفه از ادله مساله جبر است، و مى فهماند اين خدا است كه بندگان را مجبور به كفر و معصيت مى كند، براى اينكه مجبور كردن به عنوان مجازات اجبار به اختيار است كه با اختيار منافات ندارد، و نظير اجبارى است كه شخص سقوط كننده از هواپيما نسبت به افتادن دارد در آغاز به اختيار خود را انداخت ولى در وسط راه ديگر مجبور به افتادن است، و اين جبر منافات با اين كه ما معتقد به اختيار باشيم ندارد، آن جبرى منافى با اختيار است كه ابتدايى باشد.

و ديگر هيچ حاجتى نيست به اينكه آيه را به خاطر اينكه سر از جبر در نياورد تاويل كنيم، و مانند بعضى بگوييم منظور از جمله" أَغْفَلْنا قَلْبَهُ"" عرضنا قلبه للغفلة" است، يعنى قلبش را در معرض غفلت قرار داديم. و يا بگوييم: معناى آن" صادفناه غافلا- به او در حالى كه غافل بود برخورديم" و يا" نسبناه الى الغفلة- او را به غفلت نسبت داديم" و يا بگوييم غفلت دادن به معناى اين است كه او را غفل يعنى بى علامت كند. و مراد از اينكه قلب او را بى علامت كرديم اين است كه مانند علامت قلوب مؤمنين آن را علامت نزديم و يا علامت قلوب مؤمنين را در آن نگذاشتيم و به همين جهت ملائكه كه همه مؤمنين را با آن علامت مى شناسند او را نمى شناسند، هيچ يك از اين حرفها نه حرف خوبى است و نه لزوم دارد، بلكه اغفال همان معناى خودش را دارد، و با اختيار هم منافات ندارد.

" وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"- در مجمع البيان گفته: كلمه" فرط" به معناى تجاوز

__________________________________________________

(1)تفسير كشاف، ج 2، ص 717.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 420

از حق و خروج از آن است و از كلام عرب گفته شده كه:" افرط، افراطا" را در مورد اسراف و زياده روى به كار مى برند «1». و پيروى هوى و افراط، از آثار غفلت قلب است، و به همين جهت عطف دو جمله بر جمله" اغفلنا" به منزله عطف تفسير است.

[اى پيامبر! حق را بگو و از ايمان نياوردن مردم تاسف مخور كه ظالمان را آتش و مؤمنان صالح العمل را پاداش است ] ..... ص : 420

" وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ".

اين جمله عطف بر مطلبى است كه جمله" وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ" و جمله" وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ" عطف به آن شده است. پس سياق سياق شمردن وظائف رسول خدا (ص) در قبال كفر كفار نسبت به قرآن و اصرارشان بر كفر است، و معنايش چنين است: بر وضع كفار تاسف مخور و آنچه كه بر تو وحى شده تلاوت كن و نفس خويش را بردبار ساز تا با اين مؤمنين فقير بسازد و به كفار بگو حق از ناحيه پروردگارتان است و بيش از اين كارى صورت مده، هر كه خواست ايمان آورد بياورد، و هر كس خواست كافر شود بشود. آرى، ايمان ايشان سودى به ما نمى رساند، و كفرشان ضرر نمى زند، بلكه آنچه سود و زيان و ثواب و عذاب دنبال كفر و ايمانشان هست، به خودشان عايد مى گردد. بنا بر اين بايد هر يك را مى خواهند خودشان انتخاب كنند، براى ظالمين عذابى چنين و چنان، و براى صالحين و مؤمنين پاداشى چنين و چنان آماده كرده ايم.

از همين جا روشن مى شود كه جمله" فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ" تتمه كلام خداى تعالى در خطاب به رسول خدا (ص) است، نه اينكه داخل در مقول قول باشد، و رسول خدا (ص) مامور باشد اين را هم بگويد، پس ديگر اعتنايى نمى شود نمود به گفته كسى كه گفته است: جمله مذكور تتمه سخنى است كه رسول خدا (ص) مامور به گفتن آن شده.

و نيز روشن مى شود كه جمله" إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً" در مقام تعليل مختار بودن ايشان در ايمان و كفر است كه قبلا آن را به صورت تهديد بيان نمود. و معنايش اين است كه:

اگر ما تو را نهى كرديم از اينكه به حال كفار تاسف بخورى و به تو دستور داديم كه به تبليغ اكتفاء كن و به همين كه بگويى" الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ" قناعت كن، و اصرار و التماس مكن، براى اين بود كه ما براى دعوت تو پيامد و آثارى تهيه ديده ايم، آثارى براى كسانى كه دعوتت را قبول كنند، و آثارى براى كسانى كه آن را رد نمايند. و همان آثار كافى است كه آنان را از كفر باز بدارد، و محرك اينان به سوى ايمانشان باشد، و ديگر بيش از اين هم لازم نيست

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 465.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 421

زيرا كه بيش از اين آنها را از حد اختيار به اضطرار و اجبار مى كشاند.

" إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً ..."

در مجمع البيان «1» گفته است: كلمه" سرادق" به معناى فسطاط و خيمه اى است كه نسبت به آنچه كه در آن است محيط باشد. بعضى ديگر گفته اند: سرادق، آن پارچه اى است كه دور خيمه از طرف پائين مى كشند كه فاصله خيمه و زمين را بپوشاند. و در باره كلمه" مهل" گفته است: به معناى خلط و درد زيتون است. بعضى هم گفته اند: به معناى مس مذاب است. و در معناى كلمه" مرتفق" گفته است، به معناى متكا است كه از ماده" مرفق" گرفته شده و در اصل معناى" ارتفق" اين بوده كه فلانى به مرفق خود تكيه زده «2» و كلمه" شي ء" به معناى پخته شدن است، مى گويند:" شوى، يشوى شيئا".

و اگر به جاى" اعتدنا للكافرين" فرموده:" أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ" براى اين بوده كه بفهماند عذاب مذكور از تبعات ظلم ظالمين است كه در آيه" الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ" «3» آن را بيان نموده و مى فرمايد:" ظالمين كسانى اند كه از راه خدا جلوگيرى مى كنند، و راه خدا را معوج مى خواهند و نسبت به زندگى آخرت كافرند".

بقيه الفاظ آيه مورد بحث ظاهر است و احتياج به بيان ندارد.

" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا".

اين جمله بيان جزاى مؤمنين و مزد ايشان در ازاى ايمان و عمل صالحشان است. و اگر در آخر فرمود:" ما ضايع نمى كنيم ..." و نفرمود:" ما براى اين دسته چنين و چنان تهيه كرده ايم" براى اين است كه عنايت خداى تعالى و شكر او را نسبت به اين طائفه برساند و گرنه ممكن بود بفرمايد ما چنين و چنان مزد مى دهيم ولى فرمود ما مزد چنين كسانى را ضايع نمى كنيم.

و جمله" إِنَّا لا نُضِيعُ" در جاى خبر" ان" قرار گرفته و در حقيقت سبب در جاى مسبب نشسته و تقدير آن چنين است:" ان الذين امنوا و عملوا الصالحات سنوفيهم اجرهم فانهم محسنون و انا لا نضيع ..." يعنى كسانى كه ايمان آورده عمل صالح كردند، ما اجرشان را مى دهيم براى اينكه اينان نيكوكارند، و ما هم كسى نيستيم كه اجر نيكوكار را ضايع بگذاريم.

__________________________________________________

(1 و 2)مجمع البيان، ج 6، ص 465.

(3)سوره اعراف، آيه 45.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 422

و چون در آيه، عقاب، اثر ظلم و در مقابلش ثواب، اثر ايمان و عمل صالح ناميده شده ما از آن چنين استفاده مى كنيم كه ايمان به تنهايى و بدون عمل صالح ثواب ندارد، بلكه چه بسا آيه اشعار داشته باشد بر اينكه ايمان بدون عمل ظلم هم هست.

" أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ...".

كلمه" عدن" به معناى اقامت است، و جنات عدن يعنى بهشت هاى اقامت و زندگى. بعضى «1» گفته اند: كلمه" اساور" جمع" اسورة" است و" اسورة" هم جمع" سوار"- به كسر سين- است كه دستبند زنان را گويند. ولى راغب گفته اين كلمه فارسى است، و اصل آن دستواره است،" سندس" به معناى پارچه ابريشمى نازك است، و" استبرق" پارچه ابريشمى ضخيم را گويند، و" ارائك" جمع" اريكه" به معناى تخت است و معناى آيه روشن است.

بحث روايتى [رواياتى در باره تقاضاى مشركين از پيامبر مبنى بر دور ساختن افراد فقير از خود، و رواياتى ديگر در ذيل آيات گذشته ] ..... ص : 422

در الدر المنثور است كه ابن مردويه از طريق جويبر از ضحاك از ابن عباس روايت كرده كه در ذيل آيه" وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا" گفته است: اين آيه در باره امية بن خلف نازل شده كه به رسول خدا (ص) مى گفت: بايد فقراء را از دور خودت برانى تا ما اشراف و صناديد قريش با تو رابطه و آمد و شد برقرار كنيم. خداى تعالى اين آيه را فرستاد كه" گوش به حرف كسى كه قلبش را غفلت زده كرده ايم مده" يعنى كسى كه مهر بر دلش زده ايم و معناى" ذكرنا" همان توحيد است، و مقصود از هوى در جمله" وَ اتَّبَعَ هَواهُ" شرك است" وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" يعنى دستورى كه اين مرد مى دهد نادانى نسبت به خدا است «2».

و در همان كتاب است كه ابن مردويه و ابو نعيم- در كتاب حليه- و بيهقى- در كتاب شعب الايمان- از سلمان فارسى روايت آورده اند كه گفت: آن عده اى كه رسول خدا (ص) مى خواست با به دست آوردن دلهايشان آنها را به سوى اسلام بكشاند آمدند نزد آن جناب كه دو نفر از ايشان عيينة بن بدر و اقرع بن حابس نام داشتند، و گفتند: يا

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 270

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 220.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 423

رسول اللَّه (ص) اگر براى خود مجلسى ترتيب دهى بالا و پائين داشته باشد و خودت بالاى مجلس بنشينى و اينقدر در دسترسى اين فقراء و قاطى با اين ژنده پوشها نباشى بسيار خوبست و منظورشان از ژنده پوش سلمان و ابو ذر و فقراى مسلمين بود كه غالبا جبه پشمى مى پوشيدند. و آن گاه گفتند: اگر چنين كنى ما با تو نشست و برخاست مى كنيم و با تو به گفتگو مى پردازيم و از تو استفاده مى نماييم. خداى تعالى در جوابشان اين آيه را فرستاد:" وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ" تا آنجا كه مى فرمايد:" أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً" و ايشان را به آتش تهديد نمود «1».

مؤلف: نظير اين روايت را قمى در تفسير «2» خود آورده ليكن او تنها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر فزارى را آورده و لازمه اين روايت اين است كه آيه شريفه مورد بحث و اين آيه ديگر هر دو در مدينه نازل شده باشد. و بر طبق روايت مزبور روايات ديگرى نيز هست كه اين داستان را آورده اند. و ليكن سياق آيات با مدنى بودن آن نمى سازد.

و در تفسير عياشى از حضرت ابى جعفر و ابى عبد اللَّه (ع) روايت كرده كه در ذيل آيه" وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ" فرموده است: مقصود از دعا همان نماز است «3».

و در همان كتاب از عاصم كوزى از امام صادق (ع) روايت كرده كه گفت: من از آن حضرت شنيدم كه در تفسير آيه" فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ" فرمود:

منظور تهديد و وعيد است. «4»

و در كافى «5» و تفسير عياشى «6» و غير آن از ابى حمزه از امام باقر (ع) روايت شده كه فرمود: آيه" وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ" در باره ولايت على (ع) است.

مؤلف: اين از باب تطبيق عام بر مصداق است.

و در الدر المنثور است كه احمد و عبد بن حميد و ترمذى و ابى يعلى و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن حيان و حاكم (وى سند حديث را صحيح دانسته) و ابن مردويه و بيهقى- در كتاب شعب- از ابى سعيد خدرى از رسول خدا (ص) روايت كرده اند كه در

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 219.

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 34.

(3 و 4)تفسير عياشى ج 2 ص 326 ح 25 و 26.

(5)تفسير عياشى، ج 2، ص 326.

(6)تفسير عياشى ج 2 ص 326.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 424

ذيل جمله" بِماءٍ كَالْمُهْلِ" فرمود: مانند درد زيت آن قدر سوزاننده است كه وقتى نزديكش مى شود كه بخورد پوست صورتش مى افتد «1».

و در تفسير قمى در ذيل جمله" بِماءٍ كَالْمُهْلِ" گفته است: امام (ع) فرمود:

" مهل" آن چيزى را گويند كه در ته زيت مى ماند «2».

و در تفسير عياشى از عبد اللَّه بن سنان از امام صادق (ع) روايت كرده كه فرمود: فرزند آدم، تو خالى خلق شده، و چاره اى از خوردن طعام و نوشيدنى ندارد، و خداى تعالى در اين باب فرموده:" وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ" «3».

__________________________________________________

(1)الدر المنثور ج 4 ص 220. [.....]

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 35.

(3)تفسير عياشى ج 2 ص 327.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 425

[سوره الكهف (18): آيات 32 تا 46] ..... ص : 425

اشاره

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً (34) وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36)

قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَ وَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41)

وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً (43) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً (44) وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً (45) الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً (46)

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 426

ترجمه آيات ..... ص : 426

براى ايشان مثلى بزن: دو مرد كه يكى را دو باغ داده بوديم از تاكها و آن را به نخل ها احاطه كرده بوديم و ميان آن زرع كرده بوديم (32).

هر دو باغ ميوه خويش را مى داد و به هيچ وجه نقصان نمى يافت، و ميان باغها نهرى بشكافتيم (33).

و ميوه ها داشت پس به رفيق خود كه با وى گفتگو مى كرد گفت: من از جهت مال از تو بيشتر و به عده از تو نيرومندترم (34).

و به باغ خود شد در حالى كه ستمگر به نفس خويش بود گفت گمان ندارم كه هيچ وقت اين باغ نابود شود (35).

گمان ندارم رستاخيز به پا شود، و اگر به سوى پروردگارم برند سوگند كه در آنجا نيز بهتر از اين خواهم يافت (36).

رفيقش كه با او گفتگو مى كرد گفت: مگر به آنكه تو را از خاك آفريد و آن گاه از نطفه و سپس به صورت مردى بپرداخت كافر شده اى (37).

ولى او خداى يكتا و پروردگار من است و هيچ كس را با پروردگار خود شريك نمى كنم (38).

چرا وقتى به باغ خويش در آمدى نگفتى هر چه خدا خواهد همان شود كه نيرويى جز به تاييد خدا نيست، اگر مرا بينى كه به مال و فرزند از تو كمترم (39).

باشد كه پروردگارم بهتر از باغ تو به من دهد، و به باغ تو از آسمان صاعقه ها فرستد كه زمين باير شود (40).

يا آب آن به اعماق فرو رود كه جستن آن ديگر نتوانى (41).

و ميوه هاى آن نابود گشت و بنا كرد دو دست خويش به حسرت آن مالى كه در آن خرج كرده بود زير و رو مى كرد كه تاكها بر جفته ها سقوط كرده بود، و مى گفت اى كاش هيچ كس را با پروردگار خويش شريك نپنداشته بودم (42).

و او را غير خدا گروهى نباشد كه يارى اش كنند، و يارى خويش كردن نتواند (43).

در آنجا يارى كردن خاص خداى حق است كه پاداش او بهتر و سرانجام دادن او نيكتر است (44).

براى آنها زندگى اين دنيا را مثل بزن، چون آبى است كه از آسمان نازل كرده ايم و به وسيله آن گياهان زمين پيوسته شود، آن گاه خشك گردد و بادها آن را پراكنده كند، و خدا به همه چيز توانا است (45).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 427

مال و فرزندان زيور زندگى اين دنيا است و كارهاى شايسته نزد پروردگارت ماندنى و داراى پاداشى بهتر و اميد آن بيشتر است (46).

بيان آيات [مثلى بيانگر حال دنيا طلبان كه به مالكيت كاذب خود دل بسته اند] ..... ص : 427

اشاره

اين آيات متضمن دو مثل است كه حقيقت ملكيت آدمى را نسبت به آنچه در زندگى دنيا از اموال و اولاد- كه زخارف زندگى اند و زينت هاى فريب دهنده و سريع الزوال اند و آدمى را از ياد پروردگارش غافل و مشغول مى سازند، و واهمه او را تا حدى مجذوب خود مى سازد كه به جاى خدا به آنها ركون و اعتماد مى كند و به خيالش مى قبولاند كه راستى مالك آنها است- بيان مى كند، و مى فهماند كه اين فكر جز وهم و خيال چيز ديگرى نيست، به شهادت اينكه وقتى بلايى از ناحيه خداى سبحان آمد همه را به باد فنا گرفته براى انسان چيزى جز خاطره اى كه بعد از بيدارى از عالم رؤيا به ياد مى ماند، و جز آرزوهاى كاذب باقى نمى گذارد.

پس برگشت اين آيات به توضيح همان حقيقتى است كه خداى سبحان در آيه" إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها ... صَعِيداً جُرُزاً" بدان اشاره مى كند.

" وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ ...".

يعنى براى اين مردمى كه فرو رفته در زينت حيات دنيا شده اند، و از ذكر خدا روى گردان گشته اند مثلى بزن تا برايشان روشن گردد كه دل جز به سراى خالى از حقيقت نداده اند، و آنچه كه بدان فريفته شده اند خيالى بيش نيست و واقعيتى ندارد.

بعضى «1» از مفسرين گفته اند: مطلبى كه اين مثل متضمن است تنها يك مثل است كه ممكن است صرف فرض باشد، و دلالت ندارد بر اينكه مثل مزبور يك واقعيت خارجى بوده است. ولى ديگران «2» گفته اند كه مثل مذكور يك قضيه واقعى است كه در خارج اتفاق افتاده، چون اصولا هر مثلى بايد واقعيتى خارجى داشته باشد. و در خصوص اين مثل قصه هاى مختلفى روايت شده كه متاسفانه به هيچ يك نمى توان اعتماد نمود، آنچه كه تدبر در سياق قصه دست مى دهد اين است كه دو باغ بوده و منحصرا درختان آن دو انگور و خرما بوده

__________________________________________________

(1 و 2)روح المعانى، ج 15، ص 273.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 428

و در بين آن دو، زراعت بوده و شواهد ديگر تاييد مى كند كه قضيه يك قضيه خارجى بوده نه صرف فرض.

و اينكه فرمود:" جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ" يعنى از درخت مو، چون بسيار مى شود كه ميوه را بر درختش اطلاق مى كنند (مثلا مى گويند من يك باغ زردآلو دارم و مقصود درخت زردآلو است).

و اينكه فرمود:" وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ" يعنى ما درختهاى خرما را دور آن باغ قرار داديم. و اينكه فرمود:" وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً" يعنى ما ميان و فاصله دو باغ را زراعت قرار داديم، و به وسيله اين زمينهاى زراعتى دو باغ مذكور به هم وصل مى شوند، و با يك نظام اداره مى شدند، و مجموع اين دو باغ و زمينهايش هم ميوه صاحبش را تامين مى كرده و هم آذوقه اش را.

" كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها ..."

كلمه" اكل"- به ضم دو حرف اول- به معناى ماكول است، و مراد از آوردن ماكول آن، به ثمر نشاندن درختان آن دو، يعنى انگور و خرما، است.

" وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً"-" ظلم" در اينجا به معناى نقص است. و ضمير" منه" به" اكل" برمى گردد، يعنى از خوردنى آن چيزى كم ننهاد" وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً" يعنى وسط آن دو باغ نهرى از آب كنديم كه به وسيله آن نهر باغها آبيارى مى شدند، و از نزديك ترين راه احتياجشان به آب برآورده مى شد و حاجت نبود كه از راه دور آب بياورند.

" وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ" ضمير در اين جمله به كلمه" رجل" برمى گردد. و مقصود از" ثمر" انواع مال است، هم چنان كه در صحاح «1» آمده و از قاموس «2» نقل شده است. و بعضى «3» گفته اند ضمير به نخل بر مى گردد، و ثمر هم ثمر نخل است. و بعضى «4» گفته اند: منظور اين است كه آن مرد علاوه بر داشتن اين دو باغ، ثمر زيادى نيز داشت. و ليكن از همه اين چند معنا، معناى اول موجه تر است، و از آن گذشته معناى دوم. ممكن هم هست كه مراد از" آوردن دو بهشت ميوه خود را بدون اينكه ظلم كند" اين باشد كه درختان به حدى از رشد و نمو رسيده بودند كه ديگر اوان ميوه آوردنشان شده بود (و به اصطلاح به بار نشسته بود). و نيز ممكن است مقصود از جمله

__________________________________________________

(1)صحاح، ج 2، ماده" ثمر".

(2)قاموس، ج 1، ماده" ثمر".

(3 و 4)مجمع البيان، ج 7، ص 468.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 429

" وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ" اين باشد كه نه تنها درختان به حد ميوه دار شدن رسيده بودند، بلكه نظير تابستان بالفعل هم ميوه بر درختان وجود داشت. اين وجه وجه روبراه و بى دردسرى است.

[فخر فروشى و تكبر مرد توانگر و ثروتمند غافل از مالكيت مطلقه خداوند، در برابر رفيق مؤمن خود] ..... ص : 429

فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً"

." محاورة" به معناى مخاطبه و رو در روى يكديگر گفت و شنود كردن است. و كلمه" نفر" به معناى اشخاصى است كه به نوعى ملازم با كسى باشند، و اگر نفرشان ناميده اند، چون اگر آن شخص كوچ كند اينها نيز مى كنند (چون كلمه" نفر" به معناى كوچ كردن است) و به همين جهت بعضى «1» از مفسرين كلمه مذكور را در آيه به معناى خدم و اولاد گرفته اند بعضى «2» ديگر به قوم و عشيره معنا كرده اند. ولى معناى اولى با مطلبى كه خداى تعالى از رفيق صاحب باغ حكايت مى كند كه گفت:" إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً" سازگارتر است، چون در اينجا در قبال مال به جاى نفر، اولاد را ذكر كرده، و معنايش اين مى شود كه: آن شخص كه برايش باغها قرار داديم به رفيقش در حالى كه با او گفتگو و بحث مى كرد گفت:" من از تو مال بيشترى دارم، و عزتم از نظر نفرات يعنى اولاد و خدم از عزت تو بيشتر است".

و اين سخن خود حكايت از پندارى مى كند كه او داشته و با داشتن آن از حق منحرف گشته، چون گويا خود را در آنچه خدا روزيش كرده- از مال و اولاد- مطلق التصرف ديده كه احدى در آنچه از او اراده كند نمى تواند مزاحمش شود، در نتيجه معتقد شده كه به راستى مالك آنها است، و اين پندار تا اينجايش عيبى ندارد، و ليكن او در اثر قوت اين پندار فراموش كرده كه خدا اين املاك را به وى تمليك كرده است، و الآن باز هم مالك حقيقى همو است، و اگر خداى تعالى از زينت زندگى دنيا كه فتنه و آزمايشى مهم است به كسى مى دهد، براى همين است كه افراد خبيث از افراد طيب جدا شوند. آرى اين خداى سبحان است كه ميان آدمى و زينت زندگى دنيا اين جذبه و كشش را قرار داده تا او را امتحان كند، و آن بى چاره خيال مى كند كه با داشتن اين زينت ها حاجتى به خدا نداشته منقطع از خدا و مستقل به نفس است، و هر چه اثر و خاصيت هست، در همين زينتهاى دنيوى و اسباب ظاهرى است كه برايش مسخر شده.

در نتيجه خداى سبحان را از ياد برده به اسباب ظاهرى ركون و اعتماد مى كند، و اين خود همان شركى است كه از آن نهى شده. از سوى ديگر وقتى متوجه خودش مى شود كه

__________________________________________________

(1 و 2) مجمع البيان، ج 6، ص 468.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 430

چگونه و با چه زرنگى و فعاليتى در اين ماديات دخل و تصرف مى كند به اين پندارها دچار مى شود كه زرنگى و فعاليت از كرامت و فضيلت خود او است، از اين ناحيه هم دچار مرضى كشنده مى گردد، و آن تكبر بر ديگران است.

و اين اختلاف دو وصفى كه در آيه است، يعنى وصف ملك را به اين تعبير كه:

" جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ ..." و وصف آن شخص خويشتن را به اينكه:" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً" با اينكه ممكن بود در اولى بفرمايد:" كان لاحدهما جنتان- يكى از آن دو نفر دو قطعه باغ داشت" به همين حقيقت كه گفتيم برمى گردد، يعنى شخص مذكور جز خودش كسى را نمى ديده و پروردگارش را كه او را بر حظوظ مادى اش مسلط كرده و به نفراتى كه ارزانيش داشته عزتش بخشيده به كلى فراموش كرده، و با چنين دركى بوده كه به رفيقش گفته:" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً" و اين همانند درك و فهمى است كه قارون را واداشت تا به كسى كه نصيحتش مى كرد (كه از داشتن مال زياد خرسندى مكن و با آن به ديگران احسان كن) بگويد:" إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ" «1».

آرى گفتن اينكه" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا ..." كشف از اين مى كند كه گوينده اش براى خود كرامتى نفسى و استحقاقى ذاتى معتقد بوده و به خاطر غفلت از خدا دچار شرك گشته و به اسباب ظاهرى ركون نموده و وقتى داخل باغ خود مى شود، هم چنان كه خداى تعالى حكايت نموده مى گويد:" ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً".

" وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ... مِنْها مُنْقَلَباً".

چهار ضميرى كه در اين آيه است به كلمه" رجل" برمى گردد. و مقصود از اينكه فرمود:" داخل باغش شد" با اينكه دو تا باغ داشت، جنس باغ است، و بدين جهت كلمه" جنت" را به صيغه تثنيه نياورده. بعضى گفته اند: از اين جهت تثنيه نياورده كه انسان هر چند باغ متعدد داشته باشد در هنگام وارد شدن به يك يك آنها وارد مى شود و در آن واحد نمى تواند داخل دو تا باغ شود.

و در كشاف گفته: اگر كسى اشكال كند كه چرا كلمه" جنت" را بعد از آنكه تثنيه آورده بود مفرد آورد، در جوابش مى گويم معناى اين مفرد آوردن اين است كه اين شخص چون در آخرت بهره اى از بهشت ندارد بهشت او تنها همين است كه در دنيا دارد، و ديگر از بهشتى كه مؤمنين را بدان وعده داده اند نصيب ندارد، و در افاده اين معنا يك جنت و دو جنت

__________________________________________________

(1)خودم با زرنگى و علم خود اين مال را به دست آورده ام. سوره قصص، آيه 78.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 431

مورد نظر نيست «1» و حقا نكته اى است لطيف.

و اينكه فرمود:" وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ" از اين جهت ظالم بوده كه نسبت به رفيقش تكبر ورزيده كه گفته است:" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا" چون اين كلام كشف مى كند از اينكه وى دچار عجب به خويشتن و شرك به خدا و تكبر به رفيقش و نسيان خدا و ركون به اسباب ظاهرى بوده كه هر يك از اينها به تنهايى يكى از رذائل كشنده اخلاقى است.

و در جمله" قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً" كلمه" بيد" و" بيدودة" به معناى هلاكت و نابودى است، و كلمه" هذه" اشاره به جنت است. و اگر جمله را به طور فصل آورد براى اين است كه در واقع جواب از سؤالى تقديرى است، گويا بعد از آنكه فرمود:" وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ- داخل باغش شد" شخصى پرسيده: آن گاه چه كرد؟ در جوابش فرموده: گفت گمان نمى كنم تا ابد اين باغ از بين برود.

و اينكه از بقاى باغ خود و فناناپذيرى آن اينطور تعبير كرده (كه گمان نمى كنم اين باغ از بين برود) از باب كنايه است، و خواسته است بگويد: فرض نابودى آن فرضى غير قابل اعتناء است كه حتى گمان آن هم نمى رود. پس معناى جمله مزبور اين مى شود كه بقاى اين باغ و دوام آن از چيزهايى است كه نفس بدان اطمينان دارد، و در آن هيچ ترديدى نمى كند تا به فكر نابودى آن بيفتد و احتمالش را بدهد.

[آدمى بالفطرة به چيزى كه آن را باقى و ماندگار بداند دل مى بندد و چشم خود را بر فرض فناى محبوب خود مى بندد.] ..... ص : 431

و اين جريان نمودار حال آدمى است و مى فهماند كه به طور كلى دل آدمى به چيزى كه فانى مى شود تعلق نمى گيرد، و اگر تعلق نگيرد نه از آن جهت است كه تغيير و زوال مى پذيرد، بلكه از اين جهت است كه در آن بويى از بقاء استشمام مى كند، حال هر كسى به قدر فهمش نسبت به بقاء و زوال اشياء فكر مى كند، در هر چيزى هر قدر بقاء ببيند به همان مقدار مجذوب آن مى شود و ديگر به فروض فنا و زوال آن توجه نمى كند، و لذا مى بينى كه وقتى دنيا به او روى مى آورد دلش بدان آرامش و اطمينان يافته سرگرم بهره گيرى از آن و از زينت هاى آن مى شود و از غير آن يعنى امور معنوى منقطع مى گردد، هواها يكى پس از ديگرى برايش پديد مى آيد آرزوهايش دور و دراز مى گردد، تو گويى نه براى خود فنايى مى بيند، و نه براى نعمتهايى كه در دست دارد زوالى احساس مى كند و نه براى آن اسبابى كه به كام او در جريان است انقطاعى سراغ دارد. و نيز او را مى بينى كه وقتى دنيا پشت به او مى كند دچار ياس و نوميدى گشته هر روزنه اميدى كه هست از ياد مى برد، و چنين مى پندارد كه اين

__________________________________________________

(1)تفسير كشاف، ج 2، ص 721.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 432

بدبختى و نكبتش زوال نمى پذيرد، اين نيز هميشه و تا ابد هست.

و سبب همه اينها آن فطرتى است كه خدا در نهاد او به وديعه گذاشته كه نسبت به زينت دنيا علاقه مند باشد تا او را از اين راه آزمايش كند. اگر آدمى به ياد خدا باشد البته دنيا و آنچه را كه در آن است آن طور كه هست مى بيند، ولى اگر از ياد پروردگارش اعراض كند به خودش و به زينت دنيوى كه در دست دارد و به اسباب ظاهرى كه در پيرامون او است دل بسته و به وضع حاضرى كه مشاهده مى كند دل مى بندد، و جاذبه اى كه در اين امور مادى هست كار او را بدينجا منتهى مى كند كه نسبت به آنها جمود به خرج داده ديگر توجهى به فنا و زوال آنها نمى نمايد. تنها بقاى آنها را مى بيند، و هر قدر هم فطرتش به گوش دلش نهيب بزند كه روزگار به زودى با تو نيرنگ مى كند، و اسباب ظاهرى به زودى تو را تنها مى گذارند، و لذات مادى به زودى با تو خدا حافظى خواهند كرد، و زندگى محدود تو به زودى به پايان مى رسد گوش نمى دهد، و پيروى هوى و هوسها و طول آمال نمى گذارد كه گوش دهد، و به اين نهيب فطرتش از خواب خرگوشى بيدار گردد.

اين وضع مردم دنيا زده است كه همواره آراى متناقض از خود نشان داده. به اين معنا كه كارهايى مى كنند كه هوى و هوسشان آن را تصديق مى كند، و عقل و فطرتشان آن را تكذيب مى كند، و آنان هم چنان به رأى هوا و هوس خود ركون و اعتماد دارند، و همين اعتماد ايشان را از التفات به آنچه عقل اقتضاء مى كند باز مى دارد.

اين است معنا و جهت اينكه اسباب ظاهرى را باقى و زينت حيات دنيا را دائمى مى پندارند، و لذا خداى تعالى كلام ايشان را اينطور حكايت كرده كه او گفت:" ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً" و چنين حكايت نكرده كه او گفت:" هذه لا تبيد ابدا- اين باغ ابدا فانى نمى شود" هم چنان كه از او حكايت كرده كه در باره قيامت گفته:" ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً- گمان نمى كنم قيامت آمدنى باشد" و اين طرز حرف زدن مبنى بر همان اساسى است كه در نفى ابدى در جمله" ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً" بيان نموديم و گفتيم كه تعلق به امور مادى باعث مى شود كه آدمى تغيير وضع موجود و قيام قيامت را استبعاد كند. خداى سبحان هر جا كه استدلال مشركين بر نفى معاد را حكايت مى كند همه را مبنى بر اساس استبعاد مى داند، مثل اينكه گفته:" مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ" «1» و يا گفته اند:

__________________________________________________

(1)چه كسى اين استخوانها راى كه پوسيده است زنده مى كند. سوره يس، آيه 78.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 433

" أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ" «1».

[توانگر غافل از خدا، خود را محق و شايسته بر خوردارى و تنعم مى داند حتى در قيامت!] ..... ص : 433

وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً"- اين كلام مبنى بر همان اساس گذشته است كه گفتيم چنين افرادى براى خود كرامت و استحقاقى براى خيرات معتقد مى شوند، كه خود باعث اميد و رجائى كاذب نسبت به هر خيرى و سعادتى مى گردد، يعنى چنين كسانى آرزومند مى شوند كه بدون سعى و عمل به سعادتهايى كه منوط به عمل است نائل آيند. آن وقت از در استبعاد مى گويند چطور ممكن است قيامت قيام كند؟ و به فرضى هم كه قيام كند و من به سوى پروردگارم برگردانده شوم در آنجا نيز به خاطر كرامت نفسانى و حرمت ذاتى كه دارم به باغ و بهشتى بهتر از اين بهشت و به زندگيى بهتر از اين زندگى خواهم رسيد.

اين گوينده بى نوا در اين ادعايى كه براى خود مى كند آن قدر خود را فريب داده كه در سخن خود سوگند هم مى خورد. چون حرف" لام" كه بر سر جمله" و لئن رددت" در آمده لام قسم است. و به علاوه، گفتار خود را با لام تاكيد در اول كلمه" لاجدن" و نون تاكيد در آخرش مؤكد مى كند.

و اگر به جاى اينكه بگويد:" خدا مرا به زندگى بهترى مى رساند" گفت" به زندگى بهتر مى رسم" و به جاى اينكه بگويد" خدا مرا باغ بهترى مى دهد" گفت" باغ بهترى خواهم داشت" همه به علت آن كرامتى است كه براى خود قائل شده.

اين دو آيه مورد بحث همان مضمونى را افاده مى كند كه آيه شريفه" وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى " «2» آن را مى رساند.

" قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا".

اين آيه شريفه و ما بعدش تا آخر آيه چهارم پاسخ رفيق آن شخص را در رد گفتار وى حكايت مى كند، كه يك جا گفته بود:" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً" و جاى ديگر هنگامى

__________________________________________________

(1)آيا بعد از آنكه در زمين گم شديم دو باره خلقت تازه اى به خود مى گيريم؟ سوره الم سجده، آيه 10.

(2)و اگر از جانب خويش از پس محنتى كه بدو مى رسد رحمتى به او دهيم، گويد اين از خود من است و گمان ندارم رستاخيز به پا شود، و اگر به سوى پروردگارم برند مرا نزد وى نكويى هست. سوره فصلت، آيه 50.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 434

كه وارد باغش شده بود گفته بود" ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً".

[توضيح جواب رفيق مؤمن آن مرد توانگر مغرور، به او كه از دو جهت سخنان غرور آميز او را رد و ابطال مى كند] ..... ص : 434

رفيق او سخن وى را تجزيه و تحليل نموده و از دو جهت مورد اشكال قرار داده است، جهت اول اينكه بر خداى سبحان استعلاء ورزيده و براى خود و آنچه كه از اموال و نفرات دارد دعوى استقلال نموده و خود را با داشتن قدرت و قوت از قدرت و نيروى خدا بى نياز دانسته است.

جهت دوم استعلاء و تكبرى كه نسبت به خود او ورزيده و او را به خاطر كم پولى اش خوار شمرده است. بعد از رد اين دو جهت با يك جمله زير آب هر دو جهت را يكباره زده است، و ماده پندارهاى وى را از ريشه قطع كرده است.

در جمله" أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ" تا آنجا كه فرمود:" إِلَّا بِاللَّهِ" دعوى اول او را رد كرده، و در جمله" إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ" تا كلمه" طلبا" دعوى دوم را.

و اگر جمله" وَ هُوَ يُحاوِرُهُ" را اعاده كرده و دو بار ذكر نموده براى اشاره به اين جهت است كه آن شخص از شنيدن سخنان غرورآميز آن شخص ديگر تغيير حالتى نداده و سكينت و وقار ايمان خود را از دست ننهاده همانطور كه در بار اول رعايت ادب و رفق و مداراى با وى را داشته بعد از شنيدن سخنان ياوه او باز هم به نرمى و ملاطفت جواب داده است، نه به خشونت، و نه به طرزى كه نفرين به او تلقى شود و ناراحتش كند، بلكه به همين مقدار قناعت كرده كه به طور رمز به او برساند كه ممكن است روزى اين باغهاى تو به صورت بيابانى لخت و عور درآمده چشمه آن نيز خشك گردد.

و اينكه گفت:" أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ" استفهامى است انكارى كه مضامين كلام او را انكار نموده است، چون كلام او همان طور كه گفتيم متضمن شرك به خداى سبحان و دعوى استقلال براى خود و براى اسباب و مسببات بود كه از فروع شرك او همان استبعاد او نسبت به قيام قيامت و ترديد در آن بود.

و اما اينكه زمخشرى در كشاف گفته كه" آن شخص رفيقش را به خاطر اينكه در مساله معاد شك ورزيده كافر دانسته همانطور كه منكر نبوت و تكذيب كننده يك پيامبر كافر است" «1» حرف صحيحى نيست. چگونه مى شود اينطور باشد و حال آنكه اگر تكفير به خاطر شك در معاد بود آن شخص در مقام دفاع از خود نمى گفت:" من براى خدا هيچ شريكى قائل نيستم" بلكه مى گفت:" من ايمان به معاد دارم" و اگر بگويى آيات مورد بحث صراحت دارد

__________________________________________________

(1)تفسير كشاف، ج 2، ص 721.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 435

در اينكه شخص مزبور مشرك بوده است، و مشركينند كه منكر معادند، در جوابت مى گوييم فرد مورد نظر مشرك به معناى بت پرست نبوده، چون خودش در خلال گفتارش حرفهايى زده كه با اصول بت پرستى هيچ سازش ندارد مثلا از خداى تعالى به كلمه" ربى- پروردگارم" تعبير كرده و بت پرستان خدا را پروردگار انسان و اله و معبود او نمى دانند بلكه او را پروردگار پروردگاران (رب الارباب) و معبود خدايان خويش مى دانند.

از سوى ديگر همانطور كه قبلا هم اشاره كرديم وى به طور صراحت اصل معاد را انكار نكرده بلكه در آن ترديد نموده است، و چون در باره آن فكر نكرده بود و از تفكر در باره معاد اعراض داشته لذا در وجود آن ترديد نموده است، چون اگر انكار مى داشت مى گفت:" و لو رددت" و اينطور نگفت بلكه گفت:" وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي".

و توبيخى كه در آيه به وى شده، اين است كه وى دچار مبادى شرك شده بود، يعنى در نتيجه نسيان پروردگار معتقد به استقلال خود و استقلال اسباب ظاهرى شده بود كه همين خود مستلزم عزل خداى تعالى از ربوبيت و زمام ملك و تدبير را به دست غير او دانستن است، و اين خود ريشه و اصلى است كه هر فساد ديگرى از آن سر مى زند، حال چه اينكه چنين شخصى به زبان موحد باشد و يا منكر آن، و معتقد به الوهيت آلهه هم باشد.

زمخشرى در ذيل جمله" قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً" گفته- و چه خوب هم گفته:

بيشتر اغنياء و توانگران از مسلمين را مى بينى كه اگر به زبان اقرار به شرك نمى كنند بارى زبان حالشان گوياى اين حقيقت است كه در دل ايمانى به خداى يگانه ندارند «1».

[وجه اينكه مرد فقير در جمله:" أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ" رفيق توانگر خود را كافر خواند] ..... ص : 435

اين مرد با ايمان ادعاى رفيقش را با جمله" أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا" از اين راه باطل كرده كه وى را متوجه به اصل او كه همان خاك است نمايد، و اينكه پس از خاك بودن به صورت نطفه، و پس از آن به صورت انسانى تمام عيار و داراى صفات و آثارى گشته است. و همه اين اطوار به موهبت خداى تعالى بوده، چون اصل او، يعنى خاك، هيچ يك از اين اطوار را نداشته و غير اصلش هيچ چيز ديگرى از اسباب ظاهرى مادى نيز چنين آثارى ندارد، زيرا اسباب ظاهرى هم مانند خود انسان نه مالك خويشتن است، و نه مالك آثار خويشتن، هر چه دارد به موهبت خداى سبحان است.

پس آنچه كه آدمى يعنى يك انسان تمام عيار و تام الخلقه از علم و قدرت و حيات و تدبير دارد، و با تدبير خود اسباب هستى و طبيعى عالم را در راه رسيدن به مقاصدش تسخير

__________________________________________________

(1)تفسير كشاف، ج 2، ص 722. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 436

مى كند همه و همه تنها مملوك خداى سبحان است، و خدا آنها را به انسان داده و از ملك خودش بيرون نياورده، و هر چه را كه به انسان داده و آدمى را متلبس بدان نموده با مشيت خود نموده، كه اگر نمى خواست انسان خودش مالك هيچ چيز نبود، پس انسان نمى تواند مستقل از خداى سبحان باشد، نه در ذاتش، و نه در آثار ذاتش، و نه در چيزى از اسباب هستى كه در اختيار دارد.

مرد مؤمن در پاسخ رفيقش مى گويد: تو مشتى خاك و سپس قطره اى نطفه بودى كه بويى از انسانيت و مردانگى و آثار مردانگى را مالك نبودى و خداى سبحان هر چه را كه دارى به تو داد، و به مشيتش تمليك كرد، و هم اكنون نيز مالك حقيقى آنچه دارى همو است، و با اين حال چگونه به او كفر مى ورزى و ربوبيت او را مى پوشانى؟ تو كجا و استقلال كجا؟.

" لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً" در قرائت مشهور كلمه" لكن" با تشديد و بدون الف وصل قرائت شده كه در هنگام وقف بى حركت خوانده مى شود، و به طورى كه گفته اند: اصل آن" لكن انا" بوده كه همزه" انا" بعد از نقل فتحه اش به نون حذف شده، و دو نون در يكديگر ادغام گرديده كه در حالت وصل با نون مشدده و با صداى بالا و بدون الف قرائت مى شود، و در حالت وقف با الف، مانند كلمه" انا" كه ضمير تكلم است و در حالت وصلى به صورت" ان"، يعنى الف و نون بدون همزه، و در حالت وقفى با همزه قرائت مى شود.

در آيه مورد بحث لفظ" ربى" مكرر شده كه در نوبت دوم از باب بكار بردن ظاهر در جاى ضمير آمده، و گرنه حق سياق اين بود كه به صورت ضمير و به عبارت:" لا اشرك به احدا" آمده باشد، و از اين جهت اسم ظاهر آمده كه به علت حكم اشاره كرده باشد، چون تعليق حكم بر وصف عليت را مى رساند، گويى كه گفته است:" لا اشرك به احدا لانه ربى- من احدى را شريك او قرار نمى دهم چون او پروردگار من است" و جائز نيست كسى را شريك او بدانم، و اين بيان حال هر مرد مؤمنى است كه در قبال كفار و ادعاهايى كه ايشان بر خود مى كنند بايد خاطر نشان سازد.

" وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".

اين جمله تتمه كلام مرد مؤمن در خطاب به رفيق كافرش مى باشد كه او را توبيخ و ملامت مى كند كه در هنگام ورود به باغش دچار غرور گشته و گفت: گمان نمى كنم ابدا اين باغ نابود شود، و به وى مى گويد: چرا در آن هنگام نگفتى" ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" و

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 437

چرا با گفتن اين دو كلمه همه امور را به خدا نسبت ندادى، و حول و قوه را منحصر به او نكردى، با اينكه برايت گفتم كه همه نعمت ها به مشيت او وابسته است، و هيچ حول و قوه اى جز به عنايت او نيست.

كلمه معروف" ما شاءَ اللَّهُ" به ظاهرش كلمه ناتمامى است كه ناگزير بايد چيزى را تقدير گرفت يا بايد گفت تقديرش" الامر ما شاء اللَّه" است. و يا تقديرش" ما شاء اللَّه كان" است. و در اينجا موافق تر به سياق كلام همان وجه اول است، چون زمينه كلام بيان بازگشت همه امور به مشيت خداى عز و جل است تا دعوى مدعى استقلال و استغناء از خدا باطل گردد.

جمله" لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" انحصار هر نيرويى در خداى تعالى را افاده مى كند، يعنى مى فهماند آنچه نيرو كه مى بينيم قائم به مخلوقات خدا است بعينه همان نيرو قائم به خود خداى تعالى است، بدون اينكه از خدا منقطع شده باشد و مخلوق خود، مستقل در آن نيرو باشد، هم چنان كه در جاى ديگر فرموده:" أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً" «1».

در اينجا جواب از گفتار آن شخص كافر به رفيقش و همچنين گفتار او به خودش در هنگام ورودش به باغ جواب داده شد.

" إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً فَعَسى ... لَهُ طَلَباً".

در مجمع البيان گفته: كلمه" حسبان" در اصل نام تيرهاى كوچكى بوده كه چند عدد آن را با يك زه مى انداختند، و اين در سواران فارس مرسوم بوده، و ماده اصلى آن" حساب" است و اگر آنها را" حسبان" مى ناميدند بدين مناسبت بوده كه حساب را زيادتر مى كرده. و در باره كلمه" زلق" گفته: به معناى زمين صاف و هموارى است كه نه گياه در آن باشد نه چيز ديگر، و اصل آن از" زلق" به معناى زمين ليز گرفته شده كه پاى آدمى بر آن استوار نمى ماند «2».

ما در سابق در باره كلمه" صعيد" گفتيم كه آن نيز به معناى زمين هموار بى علف است، و مقصود از اينكه گفت" آب آن غور شود" اين است كه آبش در زمين فرو رود و از جريان بيفتد.

اين دو آيه همانطور كه قبلا بدان اشاره شد سخن مرد مؤمن در رد كلام رفيق كافرش

__________________________________________________

(1)بدرستى تمامى نيروها از خداى تعالى است، سوره بقره، آيه 165.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 471.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 438

است كه بر او استعلاء و تكبر ورزيد، و اين ردش از بيان سابقش استخراج شده كه حاصلش اين است كه: وقتى جريان همه امور به مشيت خداى تعالى و حول و قوه او باشد، پس او تو را داراى مال و فرزند و نفرات بيشترى كرده، و اين كار مربوط به او است نه به تو، تا باعث به خود باليدنت شود و مجوزى باشد كه بر من تكبر ورزى. وقتى مربوط به او شد ممكن است او باغى بهتر از باغ تو به من بدهد و باغ تو را ويران كند و مرا به حالتى بهتر از حالت امروز تو، و تو را به حالتى بدتر از حالت امروز من در آورد، و مرا غنى تر از تو گردانيده تو را فقيرتر از من كند. و ظاهر كلام چنين مى نمايد كه كلمه" ترن" در جمله" إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ ..." از ماده" رأى" به معناى اعتقاد باشد. و بنا بر اين، فعل مذكور از افعال قلوب خواهد بود. و ضمير" انا" ضمير فصلى است كه ميان دو مفعول فعل مزبور كه در اصل مبتداء و خبر بوده اند فاصله شده است. ممكن هم هست از ماده رؤيت به معناى ديدن باشد، و آن وقت ضمير نامبرده ضمير فاعلى است كه مفعول را كه در ظاهر لفظ حذف شده تاكيد مى كند.

و معناى آيه شريفه اين است كه اگر اعتقاد دارى (و يا اگر مى بينى) كه من از جهت مال و فرزند دست كمى از تو دارم، و تو در اين جهت از من جلوترى، بارى زمام امر به دست پروردگار من است، و چون چنين است هيچ بعدى ندارد، و بلكه اميد آن هست كه پروردگار من جنتى بهتر از جنت تو به من بدهد، و جنت تو را هدف تيرهاى بلاى خود قرار داده بلائى آسمانى چون سرما و يا باد داغ هلاك كننده و يا صاعقه و امثال آن بر آن بفرستد، و به صورت زمينى خشك و خالى از درخت و زراعت در آورد، و يا بلائى زمينى بر آن مسلط ساخته آب چشمه اش را قبل از آنكه به زمين تو برسد در زمين فرو برد و چشمه را خشك كند.

" وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ..."

احاطه به ثمر و يا به هر چيز ديگر كنايه از نابود كردن آن است، و اين از احاطه دشمن و محاصره كردن او از همه اطراف گرفته شده كه در چنين مواقعى ديگر اميد آدمى از هر يار و ياورى قطع گشته هلاك حتمى مى شود، هم چنان كه فرموده:" وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ" «1» و اينكه فرمود:" فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ..." كنايه از ندامت است، چون شخص نادم بيشتر اوقات حالت درونى خود را با پشت و رو كردن دستها مجسم مى سازد. و اينكه فرمود:" وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها" به طورى كه گفته اند «2» كنايه است از كمال خرابى، زيرا خانه وقتى

__________________________________________________

(1)و پنداشتند كه بلاء بر آنان احاطه كرده است. سوره يونس، آيه 22.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 472.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 439

خراب مى شود اول سقف آن فرو مى ريزد، و سپس ديوارها به روى سقف مى افتد. و كلمه" خوى" به معناى سقوط است. بعضى «1» هم گفته اند: اصل در معناى آن" خلو" يعنى خالى بودن است.

و معناى اينكه فرمود:" وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً" اين است كه: اى كاش به آنچه دل بسته بودم، دل نمى بستم و ركون و اعتماد نمى كردم و اين اسباب ظاهرى را كه مستقل در تاثير پنداشته بودم، مستقل نمى پنداشتم و همه امور را از خدا مى دانستم. هزار حيف و تاسف كه يك عمر سعى و كوششم را بى نتيجه كردم و خود را هلاك نمودم.

و معناى آيه اين مى شود: انواع مالهايى كه در آن باغ داشت همه نابود گرديد، و يا همه ميوه هاى باغش از بين رفت، پس بر آن مالى كه خرج كرده و آن باغى كه احداث نموده بود پشيمانى مى خورد، و مى گفت: اى كاش به پروردگارم شرك نمى ورزيدم، و احدى را شريك او نمى پنداشتم، و به آنچه كه اعتماد كرده بودم اعتماد نمى كردم، و مغرور آنچه شدم نمى شدم، و فريب اسباب ظاهرى را نمى خوردم.

" وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً".

كلمه" فئة" به معناى جماعت و كلمه" منتصر" به معناى ممتنع است.

همانطور كه آيات پنجگانه اول يعنى از جمله" قالَ لَهُ صاحِبُهُ" تا كلمه" طلبا" بيان زبانى بود براى خطاى مرد كافر در كفر و شركش، همچنين اين دو آيه يعنى از جمله" وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ" تا جمله" وَ ما كانَ مُنْتَصِراً" حكايت بيان عملى آن است. آرى خطاى آن شخص تا بود يكى اظهار غرورش در هنگام ورود به باغ بود كه گفتارش يعنى جمله" ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً" حكايت گر آن بود كه بعد از بيان زبانى خطا. بودن آن عملا نيز متوجهش كردند كه آن طور كه تو خيال مى كردى نبود بلكه از بين بردن باغ تو براى خدا كارى ندارد، اينك ببين كه چگونه زير و رو شد.

خطاى دومش اين بود كه از در سكون به اسباب ظاهرى و ركون و اعتماد بر آنها به رفيقش تفاخر كرده گفت:" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً" كه بعد از بيان زبانى، خطا بودن آن را عملا هم با اين قولش:" وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ" به او فهماند كه اشتباه كرده است و اما اين ادعايش كه خود را مستقل مى دانست با بيان" ما كانَ مُنْتَصِراً" جهت بطلان آن را بيان كرد.

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 472.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 440

[بيان اينكه در فرض مقايسه، نسبت به اسباب ظاهرى، ولايت از آن خداى حق است و خدا از نظر ثواب و فرجام بهتر است ] ..... ص : 440

" هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً".

قرائت مشهور كلمه" الولاية" را با فتح واو قرائت كرده، و بعضى «1» آن را به كسره خوانده اند. از حيث معنا تفاوتى ندارد. بعضى «2» گفته اند: تفاوت دارد زيرا ولايت به فتحه واو به معناى نصرت و به كسره آن به معناى سلطنت و قدرت است، ولى سخن وى ثابت نشده.

كلمه" حق" را بايد به كسره خواند تا صفت" اللَّه" باشد. و كلمه" ثواب" به معناى مطلق اثر و نتيجه است، چه نيك و چه بد چه كيفر و چه پاداش، و ليكن استعمالش در اجر نيك غلبه دارد. و كلمه" عقب" به ضمه عين و سكون قاف و همچنين" عقب" به دو ضمه به معناى سرانجام و عاقبت است.

مفسرين گفته اند: اشاره به" هنالك" اشاره به معنايى است كه از جمله" وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ" استفاده مى شود، يعنى در اينجا كه بلاها از هر سو احاطه مى كند، و يا در اين هنگام كه بلاها از هر سو احاطه مى كند ولايت تنها از آن خدا است. و ولايت در اينجا به معناى نصرت است. پس معنا چنين مى شود: در اينجا و يا در اين هنگام كه همه اسباب از كار مى افتد تنها ياور انسان خدا است.

و اين معنا هر چند در جاى خودش معنايى صحيح و حق است، و ليكن با غرضى كه سياق آيات در مقام ايفاى آن است مناسب نيست، زيرا سياق آيات مورد بحث بيان اين حقيقت است كه زمام تمامى امور به دست خدا است، و او است كه خالق و مدبر هر امرى است، و غير از او هر چه هست جز سراب و وهم چيزى ديگرى نيست. و اگر خداى سبحان اين سراب موهوم را در نظر آدميان زينت جلوه داده به منظور آزمايش ايشان است. افاده اين معنا غرض آيات مورد بحث است. و اگر آن معنا كه مفسرين گفته اند مورد نظر بود، بايد به جاى توصيف خدا به حق در جمله" لِلَّهِ الْحَقِّ" خدا را به قدرت و قوت و عزت و غلبه و امثال آن وصف مى كرد، نه به حق كه در مقابل باطل است، و نيز اگر آن معنا مورد نظر بود ديگر محل مناسبى براى جمله" هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً" نبود.

حق مطلب- و خدا داناتر است- اين است كه: ولايت به معناى نصرت نيست، بلكه به معناى مالكيت تدبير است كه معنايى عمومى است، و در تمامى مشتقات اين كلمه جريان دارد كه بيانش در تفسير آيه" إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ" «3» گذشت.

__________________________________________________

(1 و 2)روح المعانى، ج 15، ص 284.

(3)سوره مائده، آيه 55.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 441

و بنا بر اين، معناى آيه اين مى شود كه: در هنگام احاطه هلاكت و از كار افتادن اسباب نجات از سببيت و تاثير و روشن گشتن عجز و زبونى انسانى كه خود را مستقل و مستغنى از خدا مى پنداشت كاملا روشن مى شود كه ولايت همه امور انسانها و هر موجود ديگرى و ملك تدبير آن تنها از آن خدا است، چون او يگانه معبود حق است، و معبود حق است كه تمامى تدابير و تاثيراتش همه بر اساس حق و واقع است، و ساير اسباب ظاهرى كه بشر گمراه آنها را شركاى خدا در مساله تدبير و تاثير مى پندارند، در ناحيه ذات خودشان باطلند و مالك هيچ اثرى از آثار خود نيستند. تنها آن اثرى را دارا هستند و از خود بروز مى دهند كه خداى سبحان اذن داده باشد، و تمليكشان كرده باشد. و از استقلال جز اسمى كه بشر از آن برايش توهم كرده ندارد، پس هر سببى از ناحيه خودش باطل و به وسيله خدا حق است، و خدا در ناحيه ذاتش حق و مستقل و غنى بالذات است.

و اگر خداى تعالى را- هر چند كه او منزه از قياس به غير است- نسبت به اسباب ظاهرى قياس كنيم خداى تعالى از همه سبب هايى كه تاثير دارند خوش ثواب تر است، و ثواب خدا از همه بهتر است، زيرا خدا نسبت به كسى كه براى او كار مى كند ثواب حق مى دهد، و اسباب ديگر ثواب باطل و زائل مى دهند. و تازه همان را هم كه مى دهند از خدا و به اذن خدا است، و نيز با در نظر گرفتن آن مقايسه فرضى خدا عاقبت ساز بهترى است، يعنى عاقبت بهترى به انسان مى دهد چون او خودش حق و ثابت است و فناء و زوال و تغيير نمى پذيرد و جلال و اكرامش دستخوش تغيير نمى گردد. ولى اسباب ظاهرى، همه امورى فانى و متغير هستند كه خدا رنگ و آبى به آنها داده و اينطور دل آدمى را مى برند، و قلب آدمى را مسخر خود مى كنند، ولى وقتى مدت آدمى سر آيد مى فهمد كه گول خورده و آنها جز خاك خشكى بيش نبوده اند.

و وقتى انسان چاره اى جز اين نداشت كه دل به مقامى ببندد كه تدبير همه امور عالم از آنجا است، و از آنجا توقع و انتظار اصلاح امورش را دارد، پس پروردگارش از هر چيز ديگرى سزاوارتر براى اين تعلق است، چون ثواب و عاقبتى كه او مى دهد ربطى به ثواب و عاقبت غير او ندارد.

بعضى «1» از مفسرين گفته اند: اشاره" هنالك" به روز قيامت است، و مراد از ثواب و عاقبت هم ثوابهاى آن روز است. ولى همانطور كه خود شما خواننده ملاحظه مى فرماييد اين

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 472 به نقل از قتيبى، كشاف، ج 2، ص 724.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 442

تفسير با سياق آيه سازگار نيست.

[مثلى ديگر براى بيان حقيقت زندگى دنيا و زينت هاى سريع الزوال آن و اينكه" باقيات صالحات" بهتر است ] ..... ص : 442

" وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ..."

اين دومين مثلى است كه در سابق بدان اشاره كرديم و گفتيم كه براى بيان حقيقت زندگى دنيا و زينتهاى سريع الزوال، آن دو مثل را آورده.

كلمه:" هشيم" كه بر وزن فعيل است، به معناى" مهشوم" بر وزن مفعول است، و به طورى كه راغب «1» گفته به معناى شكسته شدن چيزهاى سست و بى دوام از قبيل گياهان است. و كلمه" تذروه" از" ذرأ" به معناى تفريق و جدا كردن است. بعضى گفته اند: به معناى آوردن و بردن است (مانند گياه شكسته و خشكى كه بادها از اين طرف به آن طرفش مى برند).

و اگر فرمود:" فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ- پس گياه زمين با آن مختلط شد" و نفرمود:

" فاختلط بنبات الارض- با گياه زمين مختلط شد" براى اشاره به اين نكته است كه در تكوين گياهان آب از ساير عناصر بيشتر است، و اگر با آب آسمان ساير آبها يعنى آب چشمه- سارها و نهرها را ذكر نكرد بدين جهت است كه مبدأ هر آب ديگرى همان آب آسمان است.

و كلمه" اصبح" در آيه شريفه به طورى كه گفته اند به معناى" صار- شد" مى باشد، نه اينكه بخواهد خبرى را كه داده مقيد به هنگام صبح كند.

و معناى آيه اين است كه: براى اين فرو رفتگان در زينت حيات دنيا و روى گردانان از ياد پروردگار خود زندگى دنيا را به آبى مثل بزن كه ما از آسمان نازلش كرديم و گياهان زمين با اين باران مختلط گشته سبز و خرم گرديد و طراوت و بهجت يافت و به زيباترين شكلى نمودار گشت، سپس هشيمى (گياه خشكى) شكسته شد كه بادها شاخه هاى آن را از هم جدا نموده به اين سو و آن سو مى برد، و خدا بر هر چيزى مقتدر است.

" الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ...".

اين آيه به منزله نتيجه گيرى از مثلى است كه در آيه قبل آورد، و حاصلش اين است كه: هر چند كه دلهاى بشر علاقه به مال و فرزند دارد و همه، مشتاق و متمايل به سوى آنند و انتظار انتفاع از آن را دارند و آرزوهايشان بر اساس آن دور مى زند و ليكن زينتى زودگذر و فريبنده هستند كه آن منافع و خيراتى كه از آنها انتظار مى رود ندارند، و همه آرزوهايى را كه آدمى از آنها دارد برآورده نمى سازند بلكه صد يك آن را واجد نيستند. پس در اين آيه شريفه به

__________________________________________________

(1)مفردات راغب- ماده" هشم".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 443

طورى كه ملاحظه مى فرماييد انعطافى به آغاز كلام يعنى آيه شريفه" إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها" و آيه بعدى اش وجود دارد.

و مراد از" باقيات الصالحات" در جمله" وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا" اعمال صالح است، زيرا اعمال انسان، براى انسان نزد خدا محفوظ است و اين را نص صريح قرآن فرموده. پس اعمال آدمى براى آدمى باقى مى ماند. اگر آن صالح باشد" باقيات الصالحات" خواهد بود، و اينگونه اعمال نزد خدا ثواب بهترى دارد، چون خداى تعالى در قبال آن به هر كس كه آن را انجام دهد جزاى خير مى دهد. و نيز نزد خدا بهترين آرزو را متضمن است، چون آنچه از رحمت و كرامت خدا در برابر آن عمل انتظار مى رود و آن ثواب و اجرى كه از آن توقع دارند بودن كم و كاست و بلكه صد در صد به آدمى مى رسد.

پس اين گونه كارها، از زينت هاى دنيوى و زخارف زودگذر آن كه برآورنده يك درصد آرزوها نيست، آرزوهاى انسان را به نحو احسن برآورده مى سازند، و آرزوهايى كه آدمى از زخارف دنيوى دارد اغلب آرزوهاى كاذب است، و آن مقدارش هم كه كاذب نيست فريبنده است.

از طرق شيعه «1» و سنى «2» از رسول خدا (ص) و از طرق شيعه «3» از ائمه اهل بيت (ع) روايت شده كه منظور از" باقيات الصالحات" تسبيحات چهارگانه يعنى" سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا اله الا اللَّه و اللَّه اكبر" است. و در بعضى «4» ديگر آمده كه مراد از آن نماز است. و در بعضى «5» ديگر آمده كه مقصود از آن مودت اهل بيت است، و همه اينها از باب ذكر مصاديق آيه است كه جامعش اين مى شود كه منظور از" باقيات الصالحات" اعمال صالح است.

__________________________________________________

(1)نور الثقلين، ج 3، ص 264 ح، 98.

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 225 و تفسير طبرى، ج 15، ص 166.

(3)تفسير برهان، ج 2، ص 270، ح 5.

(4)تفسير برهان، ج 2، ص 470، ح 4 و منهج الصادقين، ج 5، ص 357.

(5)منهج الصادقين، ج 5، ص 358. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 444

[سوره الكهف (18): آيات 47 تا 59] ..... ص : 444

اشاره

وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47) وَ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48) وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51)

وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلاً (54) وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَ يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (55) وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً (56)

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَ نَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) وَ تِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59)

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 445

ترجمه آيات ..... ص : 445

روزى كه كوه ها را به راه اندازيم و زمين را (از زير آن) نمودار بينى و محشورشان كنيم، و يكى از آنها را وا نگذاريم (47).

به صف، به پروردگارت عرضه شوند (گويد) چنان كه اول بارشان خلق كرده بوديم باز پيش ما آمده ايد ولى پنداشتيد كه هرگز براى شما موعدى ننهاده ايم (48).

و نامه ها پيش آرند و گنه كاران را از مندرجات آن هراسان بينى و گويند: اى واى بر ما اين نامه چيست كه گناه كوچك و بزرگى نگذاشته مگر آن را به شمار آورده و هر چه كرده اند حاضر يابند كه پروردگارت به هيچ كس ستم نمى كند (49).

و چون به فرشتگان گفتيم: آدم را سجده كنيد همه سجده كردند مگر ابليس كه از جنيان بود و از فرمان پروردگارش بيرون شد، چرا او و فرزندانش را كه دشمن شمايند سواى من اولياى خود مى گيرند؟ براى ستمگران چه عوض بدى است (50).

آفرينش آسمانها و زمين را با حضور آنها نكردم و نه آفرينش خودشان را، كه من گمراه كنندگان را به كمك نمى گيرم (51).

به خاطر بياوريد روزى را كه خدا مى گويد شريكهايى را كه براى من مى پنداشتيد صدا بزنيد (تا به كمك شما بشتابند) ولى هر چه آنها را مى خوانند جوابشان نمى دهند و ما در ميان اين دو گروه كانون هلاكتى قرار داده ايم (52).

و گنهكاران جهنم را ببينند و يقين كنند كه در آن افتادنى هستند و گريزگاهى نيابند (53).

در اين قرآن همه قسم مثل براى مردم بيان كرده ايم و انسان از همه چيز بيشتر مجادله مى كنند (54).

مانع اين مردم هنگامى كه هدايت بر ايشان آمد از اينكه مؤمن شوند و از پروردگارشان آمرزش بخواهند جز اين نبود كه (انتظار داشتند) طريقه گذشتگان تكرار شود يا عذاب از پيش به آنها در آيد (55).

ما پيغمبران را جز نويد بخش و بيم رسان نمى فرستيم كسانى كه كافرند به باطل مجادله كنند كه حق را بدان باطل سازند و آيه هاى مرا و آن بيم كه به آنها داده اند را مسخره گرفته اند (56).

كيست ستمگرتر از آنكه به آيه هاى پروردگارش اندرزش داده اند و از آن روى بگردانيده و اعمالى

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 446

را كه به دستش از پيش كرده از ياد برده و ما بر دلهايشان پوشش ها نهاده ايم كه آيه هاى ما را نمى فهمند و گوشهايشان را گران كرديم، بنا بر اين اگر به سوى هدايتشان بخوانيم هرگز و هيچ وقت هدايت نيابند (57).

پروردگارت آمرزگار رحيم است، اگر آنان را به اعمالى كه كرده اند مؤاخذه مى كرد در عذابشان تعجيل مى كرد (چنين نيست) بلكه موعدى دارند كه هرگز در قبال آن گريزگاهى نيابند (58).

اين دهكده ها هنگامى كه ستم كردند هلاكشان كرديم و براى هلاك كردنشان موعدى نهاديم (59).

بيان آيات ..... ص : 446

اشاره

اين آيات متصل به آيات قبل است و در پى همان آيات سير مى كند و به بيان اينكه" اين اسباب ظاهرى و زخارف فريبنده دنيوى كه زينت حيات هستند به زودى زوال و نابودى بر آنها عارض مى شود" مى پردازد، و براى انسان روشن مى كند كه مالك نفع و ضرر خويش نيست، و آنچه براى انسان مى ماند همان عمل او است كه بر طبقش كيفر و يا پاداش مى بيند.

در اين آيات ابتدا، مساله قيام قيامت مطرح شده، و بيان مى فرمايد كه هر انسانى تك و تنها بدون اينكه كسى به غير از عملش همراه او باشد محشور مى گردد، و سپس مساله امتناع ابليس از سجده بر آدم و فسقش نسبت به امر پروردگار را ذكر مى كند كه پيروانش او و ذريه او را اولياى خود مى گيرند، و به جاى خدا او را كه دشمن ايشان است سرپرست خود اتخاذ مى كنند. آن گاه دو باره مساله قيامت را عنوان مى كند كه در آن روز خداوند خود پيروان شيطان و نيز شيطانها را كه شريك خدايش گرفته بودند احضار مى كند، در حالى كه رابطه ميان آنان قطع شده باشد. و در آخر آياتى چند در خصوص وعده و وعيد آمده و مجموع آيات از نظر هدف با آيات قبل متصل است.

" وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً".

ظرف" يوم" متعلق به مقدرى است، و تقدير كلام" و اذكر يوم نسير- بياد آر روزى را كه به راه مى اندازيم" مى باشد، و به راه انداختن كوه ها به اين است كه آنها را از جاى خود بركند.

و خداى تعالى اين معنا را در چند جا با تعبيراتى مختلف بيان فرموده، يك جا فرموده: ترجمه الميزان، ج 13، ص: 447

" وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا" «1» جايى ديگر فرموده:" وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ" «2» و در جايى ديگر فرموده:" فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا" «3» و جايى ديگر چنين تعبير كرده كه" وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً" «4».

و آنچه از سياق برمى آيد اين است كه مساله بروز زمين، مترتب بر به راه انداختن كوه ها است، يعنى وقتى كوه ها و تلها تكان مى خورند و فرو مى ريزند زمين همه جايش بروز و ظهور مى كند، و ديگر چيزى حائل از ديدن كرانه افق نيست، و يك ناحيه زمين حائل از ناحيه ديگرش نمى شود. و چه بسا احتمال داده اند كه آيه شريفه مى خواهد به مضمون آيه" وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها" «5» اشاره كند.

و معناى" وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً" اين است كه ما احدى از بشر را ترك نمى كنيم و همه را زنده مى كنيم.

[ياد آورى قيام قيامت و عرضه گشتن مشركين و همه مردم بر پروردگار، همراه با اعمالشان و ديگر هيچ ] ..... ص : 447

وَ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ..."

.سياق، شهادت مى دهد بر اينكه ضمير جمع در" عرضوا" و همچنين ضمير جمع در آيه قبل به مشركين برمى گردد كه به نفس خود و به اسباب ظاهرى كه مربوط به زندگى ايشان است ركون و اعتماد كردند، و دل را يك جا به زينت زندگى دنيا دادند، آن چنان كه دل به امرى دائم و باقى مى بندند، و همين خود قطع رابطه با پروردگارشان بود، و همين خود انكار بازگشت به سوى او و بى مبالاتى نسبت به كارهايشان بود، چه آن كار مايه رضاى خدا باشد يا مايه خشم او.

اين وضع و حال ايشان است ما دام كه اساس اين امتحان الهى بر جا است، و زينت زودگذر دنياى مادى در اختيار آنان است، و اسباب ظاهرى دور و بر ايشان قرار دارد، تا آنكه اين دور سپرى شود و اسباب ظاهرى از كار بيفتد و آرزوها بر باد رود، و خداوند آنچه كه زينت در روى زمين بود و دلهاى مردم روى زمين را مى ربود به صورت خاكى خشك در آورد، آن وقت است كه جز پروردگارشان و خودشان و نامه اعمالشان چيزى برايشان نمى ماند، آن وقت است كه بر پروردگار خود- كه او را پروردگار خود نمى دانستند و بندگيش

__________________________________________________

(1)كوه ها به صورت تلهايى ريگ در مى آيد. سوره مزمل، آيه 14.

(2)كوه ها مانند پشم حلاجى شده مى باشد. سوره قارعه، آيه 5.

(3)زمين غبارى افشان مى شود. سوره واقعه، آيه 6.

(4)كوه ها را به حركت درآورده به صورت سرابى شكل مى گيرد. سوره نبا، آيه 20.

(5)و روشن گشت زمين به نور پروردگارش. سوره زمر، آيه 69.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 448

نمى كردند- به صف واحد عرضه مى شوند، به طورى كه هيچ يك بر ديگرى برترى نداشته باشد. آرى آن روز نه حسب و نسب مايه برترى است، و نه مال و نه جاه دنيوى، در آن روز عرضه مى شوند تا ميان همه داورى شود، در اين حال همه به رأى العين مى بينند و مى فهمند كه خدا يگانه حق مبين بوده بتها و هر چيزى ديگر كه مى پرستيدند تنها اوهام و خرافاتى بوده كه حتى به قدر سر سوزنى خدايى نداشته و از خدا بى نيازشان نمى كرده اند. نه نفسشان آن استقلالى را كه برايش مى پنداشته اند، داشته و نه اسباب ظاهرى كه در دستشان بوده و دلهايشان را مسخر خود كرده بود.

آرى، آن روز مى فهمند كه در اين پندارها به خطا رفته اند و راهى كه رفتند- يعنى دل بستگيشان به دنيا و اعراضشان از راه پروردگار و عمل نكردن بر طبق دستورات وى- راهى خطا بوده، بلكه همين وضع آن روزشان كه عرضه بر پروردگار مى شوند نيز از خود ايشان بوده است، چون ايشان بودند كه توهم كرده بودند كه چنين موقفى ندارند، و روزى به حسابشان رسيدگى نمى شود.

[اشاره به چند نكته و خصوصيت در باره قيامت ] ..... ص : 448

از اين بيان روشن مى گردد كه جملات چهارگانه آيه، يعنى جمله:َ عُرِضُوا ..."

و جملهَ قَدْ جِئْتُمُونا ..."

و جملهَ لْ زَعَمْتُمْ"

و جمله" وَ وُضِعَ الْكِتابُ ..." چهار نكته اساسى را افاده مى كنند كه از تفصيل جريانات روز قيامت خلاصه گيرى شده، و اجمال آنچه را كه بين آنان و پروردگارشان از هنگام خروج از قبر تا فيصله يافتن حساب رخ مى دهد ذكر مى فرمايد: و اگر به ذكر اجمال آن اكتفاء نموده براى اين است كه همين اجمال كفايت مى كرد، و غرض حاصل مى شد.

پس جملهَ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا"

اشاره به سه نكته است، اول اينكه خلائق ناگزير از حشر به سوى پروردگار خويشند، و به حكم اجبار، بدون اينكه خود اختيارى داشته باشند عرضه بر پروردگار خود مى شوند. و ثانيا اينكه كفار در آن روز و در آن لقاء كرامت و حرمتى نخواهند داشت كه تعبير جملهَ لى رَبِّكَ"

نيز اشعار به اين معنا دارد، و گرنه مى فرمود:" على ربهم" هم چنان كه در باره مؤمنين فرموده:" جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ" «1» و نيز فرموده:" إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ" «2» و يا سياق سابق را كه سياق تكلم بود رعايت مى كرد و مى فرمود" عرضوا علينا".

__________________________________________________

(1)پاداش ايشان نزد پروردگار جنت هاى عدن است. سوره بينه، آيه 8.

(2)ايشان ديدار خواهند كرد پروردگار خويش را. سوره هود، آيه 29.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 449

سوم اينكه انواع تفاضل و برترى ها و احترامات دنيوى كه خود مردم به اوهام و افكار كوتاه مادى خود تراشيده اند و مثلا يكى را به خاطر دودمانش و يكى را به خاطر ثروتش و يكى را به خاطر مقامش از ديگران برتر مى شمرند، همه از بين مى رود و آن روز همه در يك صف و يك رديف و بدون اينكه والايى نسبت به زير دستى و غنيى نسبت به فقيرى و مولايى از غلامى امتيازى داشته باشد، محشور مى گردند. امتياز تنها بر ملاك عمل است، و در اين هنگام است كه مى فهمند در زندگى دنيا خطا كردند و به بيراهه رفتند لا جرم به امثال" لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ..." خطاب مى شوند جملهَ قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ"

مقول قول تقديرى است، و تقدير آن" و قال لهم" و يا" و قلنا لهم لقد ..." است، و در اين جمله خطا و ضلالت آنان در دنيا و اينكه اشتغال به زخارف دنيا از سلوك راه خدا و پيروى دينش بازشان داشته بيان مى شود.

[از ياد بردن قيامت سبب اصلى اعراض از هدايت و فساد اعمال است ] ..... ص : 449

و جملهَ لْ زَعَمْتُمْ

«1»لَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً" از نظر معنا نظير آيه" أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ" «2» مى باشد و اين جمله اگر به خاطر كلمه" بل" و به ظاهر سياق اعراض از جمله قبل باشد تقدير آن از نظر معنا چنين مى شود: زينت دنيا و تعلق دلهايتان به اسباب ظاهرى، شما را از عبادت ما و سلوك راه هدايت ما باز داشته، بلكه از اين هم بالاتر، پنداشته ايد كه ما براى شما موعدى كه در آن ما را ديدار كنيد، و ما به حسابتان برسيم مقرر نكرده ايم. و به عبارت ديگر: اشتغالتان به دنيا و علاقه دلهايتان به زينت آن هر چند كه سبب شده از ياد ما اعراض كنيد و خطايا و گناهانى را مرتكب گرديد ليكن در اين ميان يك سبب ديگرى براى اعراض شما هست كه از سبب مذكور قديمى تر و اصلى است و آن اين است كه شما پنداشته ايد كه ما برايتان موعدى مقرر نكرده ايم. آرى، از ياد بردن قيامت سبب اصلى اعراض از طريقه هدايت و فساد اعمال شما است.

هم چنان كه در آيه ديگر به اين معنا تصريح شده، مى فرمايد:" إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ" «3».

__________________________________________________

(1)آيا پنداشته ايد كه ما شما را بيهوده آفريده ايم و شما به سوى ما برنمى گرديد. سوره مؤمنون، آيه 115.

(2)مرحوم علامه طباطبائى اين آيه را به اشتباه" بل ظننتم ..." ضبط نموده و به شرح و توضيح آن پرداخته است كه صحيح آنَ لْ زَعَمْتُمْ ..." است.

(3)كسانى كه از راه خدا گمراه شدند عذاب دردناكى دارند به خاطر اينكه روز حساب را از ياد بردند. سوره ص، آيه 26.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 450

و وجه اينكه پندار و ظن به نبودن قيامت را به ايشان نسبت داده اين است كه كارهايى كه مى كنند شبيه كار چنين كسانى است، يعنى اينكه با خاطر جمع و آسوده به كلى دل به دنيا و زينت آن داده اند، و به جاى خدا غير خدا را معبود خود كرده اند، اين عمل عمل كسى است كه مى پندارد الى الابد باقى است، و هرگز به سوى خدا بازگشتى ندارد.

پس اين ظن، ظن درونى نيست، بلكه ظن حالى و عملى است، به اين معنا كه وضع اينان و حال و عملشان وضع و حال و عمل كسى است كه در دل چنين پندارى دارد. ممكن هم هست كنايه از بى اعتنايى شان به خدا و به تهديدهاى او باشد، نظير آيه" وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ" «1» كه ظن در آن كنايه از بى اعتنايى است.

احتمال هم دارد كه جملهَ لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً"

اعراضى باشد از اعتذار تقديرى آنان از جهل و امثال آن، گويا در تقدير عذرخواهى كرده اند به اينكه ما نمى دانستيم، در جوابشان مى فرمايد: چنين نيست، بلكه آنچه كرديد از اين جهت بود كه پنداشتيد كه ...-

و خدا داناتر است.

" وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ...".

" وُضِعَ الْكِتابُ" به معناى نصب آن است تا بر طبقش حكم كنند. و كلمه" مشفقين" مشتق از" شفقت" است، و اصل شفقت رقت است. راغب در مفردات مى گويد: اشفاق عنايت آميخته با ترس را گويند، چون مشفق كسى را گويند كه نسبت به مشفق عليه محبت و علاقه دارد، و از آثار سوء عملش نسبت به جانش مى ترسد، و اين محبت آميخته با ترس اشفاق است، و در آيه" وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ" به همين معنا است، و چون با كلمه" من" متعدى شود معناى ترس در آن روشن تر مى شود، مانند آيه مورد بحث و آيه" مُشْفِقُونَ مِنْها" و چون با كلمه" فى" متعدى گردد معناى عنايت در آن روشن تر مى گردد، مانند آيه" إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ" «2».

كلمه" ويل" به معناى هلاكت است، و- به طورى كه گفته شده- اينكه در هنگام مصيبت" ويل" را" يا ويلاه" ندا مى كنند و يا مى گويند" يا ويلتاه" از اين باب است كه به طور كنايه برسانند كه مصيبت وارده آن قدر سخت است كه از هلاكت دشوارتر است، لذا در برابر آن" ويل" را مى خواهد و صدا مى زند، و از آن استغاثه مى كند كه او وى را از مصيبت

__________________________________________________

(1)و ليكن پنداشتيد كه خدا بسيارى از كارهايى را كه مى كنيد نمى داند. سوره حم سجده، آيه 22.

(2)مفردات راغب، ماده" شفق".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 451

وارده نجات دهد. هم چنان كه گاهى در هنگام مصيبت، آدمى آرزوى مرگ مى كند، چون آن را از مصيبت وارده آسان تر مى بيند، مانند گفتار مريم كه گفت:" يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا" «1».

[" وضع كتاب" در قيامت، كتابى كه هيچ صغيره و كبيره اى را فرو گذار نكرده و مجرمان (چه مشرك و چه غير مشرك) از آن بيمناكند] ..... ص : 451

از ظاهر سياق استفاده مى شود كه" كتاب" در جمله" وَ وُضِعَ الْكِتابُ" كتاب واحدى است كه اعمال تمامى خلايق در آن ضبط شده، و آن را براى حساب نصب مى كنند، نه اينكه هر يك نفر يك كتاب جداگانه اى داشته باشد، و اين با آياتى كه براى هر انسانى و هر امتى كتابى جداگانه اى سراغ مى دهد منافات ندارد، مانند آيه" كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً ..." «2» كه در محل خودش تفسيرش گذشت. و نيز مانند آيه" كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا" «3» و آيه" هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ" «4» به زودى تفسير اين دو آيه خواهد آمد- ان شاء اللَّه تعالى.

بعضى «5» گفته اند: مراد از" كتاب" نامه هاى اعمال است، و الف و لام در" الكتاب" براى استغراق است (يعنى تمامى كتابها) و ليكن سياق آيه مساعد آن نيست.

" فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ"- اين جمله تفريع بر وضع كتاب و نصب آن است، و اين تفريع و همچنين ذكر اشفاق آنان خود دليل بر اين است كه مقصود از كتاب، كتاب اعمال است، و يا كتابى است كه اعمال در آن است. و اگر از آنان به" مجرم" تعبير كرده براى اشاره به علت حكم است، و اينكه اشفاقشان از آن حالى كه به خود گرفته اند به خاطر اين است كه مجرم بودند. پس اين حال و روزگار مخصوص به آنان نيست، هر كس در هر زمانى مجرم باشد هر چند كه مشرك نباشد چنين روزگارى خواهد داشت.

" وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها"- دو كلمه" صغيرة" و" كبيرة" وصف اند كه در جاى موصوف خود كه همان خطيئه و يا معصيت و يا زشتكارى و امثال آن است نشسته اند.

و اينكه گفتند:" واى بر ما اين چه كتابى است كه هيچ كوچك و بزرگى را فروگذار نكرده و همه را شمرده است" خود اظهار وحشت و فزع از تسلط كتاب در احصاء و شمردن گناهان و يا تسلطش بر مطلق حوادث و از آن جمله گناهان است، كه اين اظهار وحشت را به

__________________________________________________

(1)اى كاش قبل از اين مرده بودم. سوره مريم، آيه 23.

(2)سوره اسرى، آيه 13. [.....]

(3)هر امتى به سوى كتاب خودش خوانده مى شود. سوره جاثيه، آيه 28.

(4)اين كتاب ما است كه عليه شما به حق گويايى دارد. سوره جاثيه، آيه 29.

(5)مجمع البيان، ج 6، ص 474.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 452

صورت استفهام تعجبى اداء كرده اند، و از آن به دست مى آيد كه چرا اول صغيره را گفتند بعد كبيره را با اينكه جا داشت بگويند:" هيچ گناه بزرگ و هيچ گناه كوچكى را هم فروگذار نكرده" چون در كلام مثبت وقتى مطلب را ترقى مى دهند از بزرگ گرفته به كوچك ختم مى كنند. و وجه آن اين مى باشد- و خدا داناتر است- كه هيچ گناه كوچكى را به خاطر اينكه كوچك است، و مهم نيست، از قلم نينداخته، و هيچ گناه بزرگى را به خاطر اينكه واضح است، و همه مى دانند فروگذار نكرده. و چون مقام، مقام تعجب است مناسب اين است كه از كوچكتر شروع شود.

" وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً"- از ظاهر سياق برمى آيد كه جمله مورد بحث مطلب تازه اى باشد نه عطف تفسير براى جمله" لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً".

و بنا بر اين، از آن برمى آيد كه آنچه را حاضر نزد خود مى يابند خود اعمال است، كه هر يك به صورت مناسب خود مجسم مى شود نه كتاب اعمال و نوشته شده آنها، هم چنان كه از امثال آيه" يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" «1» نيز همين معنا استفاده مى شود، و جمله" وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" نيز كه در ذيل آيه مورد بحث است همين معنا را تاييد مى كند چون ظلم نكردن بنا بر تجسم اعمال روشنتر است، زيرا وقتى پاداش انسان خود كرده هاى او باشد و احدى در آن دخالت نداشته باشد ديگر ظلم معنا ندارد- دقت فرمائيد.

" وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ..."

در اين جمله براى بار دوم ماجراى ميان خدا و ابليس را ياد آورى مى كند. آن زمان كه به ملائكه دستور داد تا بر آدم پدر آنان، سجده كنند، همه سجده كردند مگر ابليس كه از جن بود پس از امر پروردگارش تمرد كرد.

و معناى آن اين است كه: به ياد آر اين واقعه را تا براى مردم روشن شود كه ابليس- كه از جن بود- و همچنين ذريه او دشمنان ايشانند و خير ايشان را نمى خواهند، پس سزاوار نيست كه فريب او را كه لذات مادى دنيا و شهوات، و نيز اعراض از ياد خدا را براى ايشان زينت مى دهد بخورند. و نيز سزاوار نيست كه او را اطاعت كنند، و به سوى باطلى كه او دعوتشان مى كند قدم نهند.

__________________________________________________

(1)اى كسانى كه كفر ورزيديد امروز عذرخواهى مكنيد كه كيفر آنچه كرديد خود آن كرده هاى شماست. سوره تحريم، آيه 7.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 453

[مراد از ولايت شيطان در جمله:" أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ"] ..... ص : 453

" أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ"- اين جمله تقرير بر ما حصل واقعه ابليس و آدم است كه به استفهام انكارى تعبير شده است، و معنايش اين است:

نتيجه اى كه مى توانيد از داستان آدم و ابليس بگيريد اين است كه نبايد ابليس و ذريه او را اولياى خود بگيريد، چون آنها دشمنان شما بنى نوع بشرند. و بنا بر اين، پس مراد از ولايت، ولايت اطاعت خواهد بود، چون كفار شيطانها را در آنچه كه به سويش دعوت مى كنند اطاعت مى كنند، و خدا را در آنچه به سويش مى خواند اطاعت نمى كنند. همه مفسرين نيز آيه را اينطور تفسير كرده اند.

و بعيد هم نيست كه مراد از ولايت، ولايت ملك و تدبير باشد كه عبارت ديگر ربوبيت است، زيرا بت پرستان همانطور كه ملائكه را به طمع خيرشان مى پرستيدند، جن را نيز به خاطر ترس از شرشان مى پرستيدند، و خدا هم كه تصريح كرده كه ابليس از جن است، و داراى ذريه اى است، و ضلالت آدمى در راه سعادتش و همچنين همه بدبختى هاى ديگرش همه به اغواى شيطان است. پس با در نظر گرفتن اين جهات، معناى آيه چنين مى شود: آيا باز هم او و ذريه او را اولياء و آلهه و ارباب خود مى گيريد و به جاى من آنها را مى پرستيد و به سويشان تقرب مى جوييد، با اينكه دشمنان شمايند؟. مؤيد اين معنا آيه بعدى است، زيرا شاهد اينكه خدا در خلقت، شيطانها را شاهد نگرفت مناسب با نداشتن ولايت تدبيرست، نه، نداشتن ولايت اطاعت، و اين پر واضح است.

خداوند آيه مورد بحث را با تقبيح مشركين در قائل شدن به ولايت شيطانها ختم نموده و فرموده" بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا"، چون عمل مشركين در حقيقت همان بدل گرفتن شياطين است به جاى خدا، و چقدر اين كار زشت است و هيچ صاحب خردى مرتكب آن نمى شود. و به منظور روشنتر كردن اين زشتى التفاتى به كار برده، يعنى فرموده:" مِنْ دُونِي" با اينكه جا داشت كه بر اساس سياق صدر آيه كه فرموده بود" وَ إِذْ قُلْنا" بفرمايد:" من دوننا"، هم چنان كه همين التفات را قبل از اين در جمله" عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" به كار برده و نفرموده" عن امرنا".

در اينكه چرا امر به ملائكه شامل ابليس هم شده با اينكه او از جن بوده، و نيز در اينكه چطور ابليس ذريه پيدا كرده، مفسرين بحثهايى عنوان كرده اند كه پاره اى از اقوال آنها را در تفسير سوره اعراف نقل كرديم.

" ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً".

از ظاهر سياق برمى آيد كه دو ضمير جمع" اشهدتهم" و" انفسهم" به ابليس و

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 454

ذريه اش برمى گردد، و منظور از" اشهاد" احضار و اعلام بالعيان است، هم چنان كه مشهور به معناى معاينه حضورى به چشم خود ديدن است. و" عضد" به معناى ما بين مرفق و شانه آدمى است كه به طور استعاره در ياور نيز به كار مى رود هم چنان كه در كلمه" يد" نيز اين استعاره معمول است، و در اينجا همين معناى استعاره اى مقصود است.

[دو برهان كه در آيه" ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ..." براى نفى ولايت ابليس و ذريه اش اقامه شده است ] ..... ص : 454

اين آيه در نفى ولايت ابليس و ذريه اش مشتمل بر دو برهان است: اول اينكه ولايت تدبير امور هر چيزى موقوف است بر اينكه دارنده ولايت احاطه علمى به آن امور داشته باشد، آنهم به تمام معناى احاطه، آن جهتى كه از آن جهت تدبير امور آن را مى كند و روابط داخلى و خارجى كه ميان آن چيز و آن امور است، و مبدأ آن چيز و مقارناتش و به آنچه منتهى مى شود همه را بداند كه معلوم است كه چنين احاطه اى مستلزم احاطه داشتن به تمامى اجزاى عالم است، چون اجزاى عالم همه به هم مربوطند.

و اينان يعنى ابليس و ذريه اش از مبدأ خلقت آسمانها و زمين و بلكه از مبدأ پيدايش خودشان خبرى نداشتند، چون خدا ايشان را در هنگام خلقت آسمانها و زمين و خود آنان شاهد بر كار خود نگرفت، و كار خود را در پيش چشم ايشان انجام نداد، پس ابليس و ذريه اش شاهد جريان خلقت عالم نبودند، چون خلقت آن، عملى آنى بود كه به آسمان ها و زمين فرمود" كن" و آنها موجود گشتند، و آن روز شيطانها كجا بودند كه اين جريان را مشاهده كرده باشند؟ كجا بودند وقتى كه به آنها فرمود" كن" و آنها موجود گشتند؟ پس ابليس و ذريه اش جاهل به حقيقت آسمانها و زمين اند، و از آنچه كه هر يك از موجودات در ظرف وجودى خود از اسرار خلقت دارا هستند بى خبرند، حتى حقيقت صنع خويشتن را هم نمى دانند، با اين حال چگونه اهليت اين را دارند كه متصدى تدبير امور عالم و يا تدبير امور قسمتى از آن باشند، و در نتيجه در مقابل خدا آلهه و اربابى باشند، با اينكه نسبت به حقيقت خلقت آنها و حتى خلقت خود جاهلند.

و اما اينكه فرمود" خداوند اين بتها را شاهد در امر خلقت نگرفت" براى اين است كه هر يك از بتها و آلهه موجوداتى محدود هستند كه نسبت به ما وراى حد خود احاطه و راه ندارند و ما وراى آنها براى آنها غيب است و اين خود حقيقت روشنى است كه خداى سبحان در مواضعى از كلام خود بدان اشاره فرموده است. و همچنين هر يك از آن آلهه نسبت به اسبابى كه قبل از هستى آنها در كار بود و آن اسبابى كه بعد از هستى آنان در جريان خواهند افتاد محجوب هستند.

و اين خود حجتى است برهانى و خالى از جدل كه برهانى بودن آن محتاج به دقت

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 455

نظر و امعان در تدبر است، و گرنه بازيچه هاى دروغين كه ما آن را تدبير مى ناميم با تدبير حقيقى هستى كه خالى از خطا و ضلال است در نظرش خلط و مشتبه گشته نمى تواند پندارها و گمان هاى واهى كه هميشه گرفتار آنيم و به آنها دلبستگى و ركون داريم از علم عيانى كه همان حقيقت علم است جدا سازد، و نيز علم به امور غيبى از راه امارات اغلبى (كه اغلب با واقع مطابقت مى نمايد) را با علم به غيب كه غايب را براى دارنده اش مبدل به مشهود مى سازد اشتباه مى كند.

حجت دوم كه آيه مورد بحث مشتمل بر آن است اين است كه هر نوع از انواع مخلوقات به فطرت خود متوجه به سوى كمال خويش است كمالى كه مختص به او است. و اين براى كسى كه در وجود انواع موجودات تتبع و در احوال آنها امعان نظر كرده باشد ضرورى و واضح است. پس هدايت الهى هدايتى است عمومى كه تمام موجودات را در برگرفته است، هم چنان كه در كلام خود فرموده:" الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى " «1» و شيطانها اشرارى هستند مفسد و گمراه كننده كه فرض مدبر بودن آنها در آسمانها و زمين و يا انسانها- كه اگر چنين تدبيرى داشته باشند لا جرم به اذن خدا خواهند داشت- فرضى است كه با فرض نقض غرض كردن خدا مساوى است، به اين معنى كه اگر خدا چنين اجازه اى به شيطانها بدهد سنت خود را در خصوص عموميت هدايت نقض كرده و براى اصلاح امر انسانها و هدايت آنان به كسى متوسل شده كه كارش درست ضد اصلاح و هدايت است يعنى افساد و اضلال است و چنين فرضى محال است.

و همين است معناى جمله" وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً" كه ظاهر در اين مى باشد كه سنت خداى عز و جل اين است كه" گمراه كنندگان را كارگردان و ياور خود نگيرد" دقت فرماييد.

و اينكه فرمود" ما أَشْهَدْتُهُمْ" و نفرمود" ما شهدوا" و نيز فرمود" وَ ما كُنْتُ" و نفرمود" و ما كانوا" خود دليل بر اين است كه خداى سبحان در هر حال قاهر و مهيمن بر آنان است.

و حتى قائلين به اينكه شياطين يا ملائكه يا غير آنها شركاء خدا هستند نيز اقرار دارند بر اينكه خدا بر همه آنها قاهر است و آنها مستقل در كار خود و تدبير خود نيستند و هر چه دارند از خدا دارند و اگر آنها ارباب و آلهه هستند خدا رب الارباب و اله الالهه است.

و معنايى كه براى آيه كرديم مبنى بر اين است كه اشهاد را حمل بر معناى

__________________________________________________

(1)آن كسى كه هر موجودى را خلق كرده و سپس هدايت فرموده. سوره طه، آيه 5.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 456

حقيقى اش كنيم، و ضمير در" ما أَشْهَدْتُهُمْ" و در" انفسهم" را به ابليس و ذريه اش برگردانيم هم چنان كه ظاهر و متبادر از سياق هم همين است ولى مفسرين اقوال ديگرى دارند.

[وجوه مختلف ديگرى كه مفسرين در باره معنى و مفاد آيه فوق گفته اند] ..... ص : 456

يكى قول بعضى «1» از ايشان است كه گفته: مراد از" اشهاد" در خلقت ايشان مشورت كردن است كه به طور مجاز از آن تعبير به اشهاد فرموده. چون كمترين مراتب ولايت بر چيزى همين است كه در خصوص آن چيز با وى مشورت كنند و منظور از نفى اعتضاد نفى ساير مراتب استعانت است كه به وجهى مستلزم داشتن ولايت و سلطنت بر مولى عليه باشد. پس گويا فرموده: من در امر خلقت عالم با ايشان مشورت نكردم و از ايشان كمك نطلبيدم و هيچ نوع استعانت نكردم، پس با اين حال ديگر از كجا اولياى مردم شدند؟.

و اين تفسير اشكال دارد، زيرا دليلى بر مجاز بودن اشهاد نيست و هيچ مانعى از حمل بر معناى حقيقى وجود ندارد تا بگوييم چون نمى شود بر معناى حقيقى حمل نمود لذا بر معناى مجازى حمل مى كنيم، علاوه بر اينكه رابطه اى ميان مشاور بودن و ولايت، به نظر نمى رسد تا مشاوره يكى از مراتب توليت و يا اظهار نظر يكى از درجات ولايت باشد.

بعضى «2» از مفسرين اين معنا را چنين توجيه كرده اند كه مراد از اشهاد به طور كنايه، مشاورت است و لازمه مشاورت آن است كه بر طبق خواست ايشان خلق كند و ايشان را آن طور كه دوست مى دارند يعنى كامل بيافريند. پس مراد از اينكه فرمود شيطانها شاهد و ناظر خلقت خود نبوده اند اين است كه خلقتشان آن طور كه دوست مى داشته اند كامل نبوده تا بتوانند داراى ولايت تدبير امور باشند.

اشكال اين توجيه علاوه بر اشكال بر وجه سابق اين است كه اولا برگشت آن به اطلاق لفظ و اراده لازمه آن است آن هم لازمه اى كه واسطه برمى دارد، زيرا اشهاد به ادعاء مفسر مذكور مستلزم مشاوره است، و مشاوره مستلزم خلقت بر طبق خواست مشير است، و خلقت بر طبق خواست مشير مستلزم آن است كه آنچه مشير دوست مى دارد خلق كند، و خلقت آنچه مشير دوست دارد مستلزم آن است كه او را كامل خلق كند و كمال خلقت مستلزم صحت ولايت است، پس اطلاق لفظ اشهاد و اراده كمال خلقت و يا صحت ولايت از قبيل كنايه از لازم معنا است آن هم لازمه اى كه در ما وراى چهار يا پنج لازمه ديگر قرار دارد، و كتاب مبين اجل از اينگونه لغو گويى ها است.

و ثانيا اين توجيه اگر صحيح باشد تنها در اشهاد آنان نسبت به خلقت خودشان درست

__________________________________________________

(1 و 2)روح المعانى، ج 15، ص 296.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 457

است نه نسبت به خلقت آسمانها و زمين (براى اينكه خلقت كامل آسمان و زمين هيچ ربطى به ربوبيت آنها ندارد) پس لازمه اين توجيه تفكيك بين دو اشهاد است.

و ثالثا اين توجيه اگر صحيح باشد لازمه آن صحت ولايت كسى است كه در خلقت كامل باشد مثل ملائكه مقربين و اين خود اعتراف به امكان ولايت ملائكه و جواز ربوبيت ايشان است، و حال آنكه قرآن كريم با صريح ترين بيان خود آن را دفع مى كند. آرى، ممكن الوجودى كه در ذاتش محتاج به خداى سبحان است، كجا و استقلال در تدبير خود و يا تدبير غير خود كجا؟ و اما امثال آيه" فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً" «1» كه ظاهرش اثبات تدبير براى غير خدا است توضيح معنايش به زودى خواهد آمد.

بعضى ديگر چنين گفته اند كه مقصود از اشهاد همان معناى حقيقى آن است، و دو ضمير به شياطين برمى گردد، ليكن مراد از اشهاد آنان بر خلقت اين است كه بعضى شاهد و ناظر خلقت بعضى ديگر باشند، نه شاهد خلقت خودشان.

جواب اين توجيه اين است كه بايد ديد منظور و نتيجه اى كه از نفى اشهاد در نظر است چيست؟ منظور اين است كه از نفى مزبور انتفاء ولايت را نتيجه بگيرد، خداى تعالى مى خواهد بفرمايد به دليل اينكه اينان خلقت خود را ناظر و شاهد نبوده اند پس ولايت ندارند، نه اينكه چون يكى از آنها ناظر خلقت ديگرى نبوده پس به آن ديگرى ولايت ندارد، مگر مشركين مى گفتند: شياطين بعضى بر بعضى ولايت دارند تا خدا با استدلال مذكور بخواهد آن را نفى كند تازه غرضى هم از آن به دست نمى آيد تا آيه شريفه را حمل بر اشهاد بعضى بر خلقت بعضى ديگر كنيم.

يكى ديگر از توجيهاتى كه در اين آيه كرده اند اين است كه: ضمير اول در آيه به شياطين برمى گردد، و دومى آن به كفار و يا به كفار و به غير آنان از ساير مردم، و معنايش اين است كه من شياطين را در خلقت آسمانها و زمين و خلقت كفار و يا مردم گواه نگرفتم تا در نتيجه شياطين اولياى آنها باشند.

اشكال اين وجه اين است كه مستلزم تفكيك دو ضمير از جهت مرجع مى شود، و اين صحيح نيست.

وجه ديگرى كه بعضى گفته اند اين است كه هر دو ضمير به كفار برگردد، از آن جمله فخر رازى در تفسيرش گفته: اقرب در نظر من اين است كه هر دو ضمير به كفار برگردد، البته

__________________________________________________

(1)سوره نازعات، آيه 5.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 458

به كفارى كه به رسول خدا (ص) گفته بودند" اگر اين فقراء را از پيرامون خود طرد نكنى ما به تو ايمان نمى آوريم" پس گويا فرموده است: اينهايى كه اين پيشنهاد را مى كنند و چنين هوس باطلى در سر مى پرورانند شركاى من در تدبير عالم نيستند، به دليل اينكه من آنها را ناظر بر خلقت آسمانها و زمين و نيز ناظر بر خلقت خودشان نگرفته ام و در امر تدبير دنيا و آخرت از ايشان كمك نگرفتم كه چنين توقعاتى دارند، و با اينكه آنان با ساير مخلوقات يكسانند، اين چه توقعى است كه مى كنند؟ نظير اين كه شما به كسى كه توقعات بزرگى از شما مى كند بگويى مگر تو اختياردار مملكتى؟ كه هر چه توقع مى كنى قبول كنيم.

آن گاه گفته: مؤيد اين وجه اين است كه ضمير بايد به نزديك ترين مرجع ممكن برگردد، و آن در آيه شريفه، كفارند، زيرا مقصود از ظالمين در جمله" بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا" كفارند «1».

اين قول نيز بى اشكال نيست، زيرا با اين توجيه به كلى سياق آيه به هم مى خورد، زيرا گفتيم كه مضمون آيه مربوط به همان مطلبى است كه جمله" وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا"، يعنى 23 آيه قبل به طور اشاره متعرض آن بود، و گفتيم كه آيات سوره هر چند يك بار معطوف به اول سوره گشته همان مطلب با ايراد مثالى بعد از مثال و تذكيرى بعد از تذكير خاطرنشان مى شود، و معنايى كه فخر رازى كرده از نظر اين سياق در نهايت بعد است.

علاوه بر اينكه اقتراحى كه كفار كردند كه اگر اين فقراء را از پيرامون خود نرانى ما به تو ايمان نمى آوريم، اقتراحى نبوده كه ربطى به تدبير عالم داشته باشد، تا در پاسخش گفته شود: مگر ما آنان را ناظر بر خلقت قرار داديم، بلكه تنها ايمان خود را مشروط به شرط مزبور نموده اند. آرى اگر تنها گفته بودند: اين فقراء را از مجلست دور كن، براى توجيه مزبور وجهى بود ولى چنين نگفتند.

و شايد بعضى «2» ديگر از مفسرين كه مرجع دو ضمير را كفار گرفته و گفته اند" مراد اين است كه اينان به آنچه قلم در خصوص امر سعادت و شقاوت جارى شده جاهلند، چون ناظر بر خلقت نبوده اند، پس چطور پيشنهاد مى كنند كه تو آنان را به خود نزديك و فقراء را از خود دور كنى؟" به همين جهت است كه به اشكال بالا توجه داشته اند.

و نظير اين توجيه قول ديگر مفسرانى «3» است كه گفته اند: منظور اين است كه ما ايشان

__________________________________________________

(1 و 2)تفسير فخر رازى، ج 21، ص 138.

(3)تفسير ابو الفتوح رازى، ج 7، ص 347 به نقل از كلبى.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 459

را بر اسرار خلقت مطلع نكرديم، و از ديگران نزد ما امتيازى نگرفته اند تا در ايمان آوردن به تو مقتداى مردم باشند، پس تو خيلى به يارى آنان طمع مبند. سزاوار به ساحت من هم نيست كه دين خود را به وسيله گمراهان تاييد كنم.

و اين دو وجه اخير از آن وجهى كه فخر رازى ذكر كرده به وجهى بعيدتر است، آيه كجا بر اين معنا كه ايشان ساخته و پرداخته اند دلالت مى كند؟.

يكى از وجوه «1» ديگر اين است كه: هر دو ضمير به ملائكه برگردد، و معناى آيه اين باشد كه من خلقت عالم را و خلقت خود ايشان را زير نظر ملائكه انجام نداده ام تا به جاى من ملائكه را بپرستند. و جا دارد اين نكته نيز خاطرنشان شود كه جمله" وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً" هم متعرض نفى ولايت شيطانها است، پس آيه شريفه هم صدرش و هم ذيلش دلالت بر نفى ولايت هر دو طائفه مى كند، چه اگر اين را اضافه نكنيم ذيل آيه دلالت صدر را از بين مى برد.

اين وجه نيز اشكال دارد و آن اشكال اين است كه آيه قبلى رد بر اعتقاد كفار به ولايت شياطين بود كه در آخر اضافه كرد:" وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ- شيطانها دشمنان شمايند" و هيچ تعرضى نسبت به اعتقاد ولايت ملائكه نداشت، پس برگرداندن هر دو ضمير به ملائكه مستلزم تفكيك سياق است، و پرداختن به امرى است كه سياق احتياج به آن ندارد، و مقام هم اقتضاى آن را نمى كند.

" وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ..."

اين تذكر سومى است كه ظهور بطلان رابطه ميان مشركين و شركاء را در روز قيامت خاطر نشان مى سازد، و به اين وسيله تاكيد مى كند كه شركاء چيزى نيستند، و هيچ يك از ادعاهاى مشركين در آنها نيست.

پس ضمير در" يقول ..." به شهادت سياق به خداى تعالى برمى گردد، و معنايش اين است كه: به يادشان بياور روزى را كه خداى تعالى خطابشان مى كند، كه آن شركاء را كه شما شريك من مى پنداشتيد صدا بزنيد تا بيايند، اينان صدا مى زنند ولى اجابتى نمى شنوند، آن وقت برايشان روشن مى گردد كه آنها بدانگونه كه مشركين مى پنداشته اند، نبوده اند.

[معناى اينكه فرمود:" در قيامت ما بين مشركين و شركاء محل هلاكت قرار داده ايم"] ..... ص : 459

" وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً"- كلمه" موبق"- به كسر باء- اسم مكان از ماده" وبق" است كه مصدرش" وبوق" به معناى هلاكت است، و معناى جمله اين است كه بين مشركين

__________________________________________________

(1)تفسير ابو الفتوح رازى، ج 7، ص 347 به نقل از كلبى.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 460

و شركاى ايشان محل هلاكتى قرار داديم. و مفسرين آن را به آتش يا محلى از آتش كه مشركين و شركاء در آن هلاك مى شوند تفسير كرده اند. و ليكن دقت در كلام خداى تعالى با اين تفسير نمى سازد، زيرا آيه شريفه شركاء را مطلق آورده كه خواه ناخواه شامل ملائكه و بعضى از انبياء و اولياء نيز مى شود، و مخصوصا با در نظر گرفتن اينكه ضمير" هم: ايشان" را كه ضمير ذوى العقول است در چند جا به شركاء برگردانيده، ديگر چطور ممكن است بگوييم خداوند انبياء و اولياء و ملائكه را در آتش مى برد، و هيچ دليلى نداريم كه دلالت كند بر اينكه مقصود از ضميرهاى مذكور طاغيان از جن و انس است، و اگر بگويى همين كه فرموده" ميان مشركين و شركاء موبق قرار داديم" دليل بر اين اختصاص است، مى گوييم اين دليل همان مدعا است.

لا جرم بايد گفت: شايد مراد از قرار دادن موبق ميان آنها اين باشد كه ما رابطه ميان آنان را باطل كرديم، و آن را برداشتيم، چون مشركين در دنيا مى پنداشتند كه ميان آنان و شركاء رابطه ربوبيت و مربوبيت و يا رابطه سببيت و مسببيت برقرار است، لذا بطلان اين پندار را به طور كنايه تعبير به جعل موبق كرده و فرموده ميان آن دو هلاكت قرار داديم، نه اينكه خود آن دو طرف را هلاك كرده باشد.

همين معنا را با اشاره لطيفى بيان نموده از دعوت نخستين ايشان به نداء تعبير كرده و فرموده:" نادُوا شُرَكائِيَ" زيرا از آنجايى كه كلمه نداء صدا زدن از دور است معلوم مى شود فاصله دورى ميان اين دو طرف مى افتد.

و به مثل همين معنا اشاره مى كند خداوند در كلام خود در آيه" وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" «1» و آيه" ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَ قالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ" «2».

" وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً".

در اينكه از مشركين به مجرمين تعبير فرموده فهميده مى شود كه حكم عام است و همه صاحبان گناهان و جرائم را شامل مى شود و مراد از" ظن" به طورى كه گفته اند علم

__________________________________________________

(1)شفيعان شما را كه آنها را با خدا شريك در ملك خود مى پنداشتيد نمى بينم. آرى، امروز رابطه ميان شما قطع شد و آنچه مى پنداشتيد سراب گرديد. سوره انعام آيه 94.

(2)سپس به آنان كه شرك ورزيدند مى گوييم به جاى باشيد شما و شركايتان، پس ما بينشان جدايى مى افكنيم شركاءشان هم گفتند: شما ما را نمى پرستيديد. سوره يونس آيه 28.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 461

است. جمله" وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً- و از آن مفرى نمى يابند" به اين گفته شهادت مى دهد.

و مقصود از" مواقعه نار"- به طورى كه گفته شده- واقع شدن در آتش است. و بعيد نيست كه مراد وقوع از دو طرف باشد يعنى وقوع مجرمين در آتش و وقوع آتش در مجرمين و آتش زدن آنان.

كلمه" مصرف"- به كسر راء- اسم مكان از" صرف" است، يعنى نمى يابند محلى كه به سويش منصرف شوند، و از آتش به سوى آن فرار كنند.

" وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلًا".

گفتار در نظير صدر اين آيه، در سوره اسرى آيه 89 گذشت كلمه" جدل" به معناى گفتار بر طريق منازعت و مشاجره است، و آيه شريفه پس از تذكرات سابق، تا شش آيه بعد در سياق تهديد به عذاب است.

" وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَ يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ" كلمه" يستغفروا" عطف است بر جمله" يؤمنوا". يعنى چه چيز مردم را از ايمان و استغفار باز داشته بعد از آنكه هدايت خدا به سويشان آمده است.

" إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ"- يعنى مگر طلب اينكه سنت جارى در امتهاى نخستين برايشان جارى شود، يعنى همان عذابها كه ايشان را منقرض كرد.

" أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا"- اين جمله عطف بر سابق است، و معنايش اين مى شود كه منتظر چه هستند؟ منتظر اينكه سنت اولين آنان را بگيرد؟ يا آنكه عذابى در مقابل چشم خود و به عيان مشاهده كنند، كه در چنين صورتى ديگر ايمانشان سودى نمى بخشد، چون ايمان بعد از مشاهده عذاب الهى است. و خداى تعالى در جاى ديگرى هم فرموده:" فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ" «1» پس خلاصه معناى آيه چنين مى شود كه مردم در پى به دست آوردن ايمانى كه به دردشان بخورد نيستند، چيزى را كه مى خواهند اين است كه عذاب استيصال بر طبق سنت خدا در امتهاى نخستين بر ايشان نازل گشته هلاكشان سازد، و ايمان نمى آورند مگر به شرطى كه عذاب را به چشم خود ببينند، كه آن ايمان هم به درد خور نيست، چون اضطرارى است.

__________________________________________________

(1)وقتى عذاب ما را ديدند ديگر ايمان آوردنشان سودى به حالشان نداشت و اين عذاب همان سنتى است كه در بندگان او گذشته است. سوره مؤمن، آيه 85.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 462

و اين منع و اقتضاء در آيه شريفه امرى است ادعايى كه مقصود از آن اين است كه ايشان كه از حق اعراض مى كنند به خاطر سوء سريره ايشان است، و چون مقصود روشن است ديگر لزومى نديديم كه مانند ديگر مفسرين در باره درستى توجيه و تقدير قبلى اشكال و رفعى ايراد نموده سخن را به درازا بكشيم.

" وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ ..."

اين آيه رسول خدا (ص) را تسليت مى دهد كه از انكار منكرين ناراحت نشود، و از اعراض آنان از ذكر خدا تنگ حوصله نگردد، زيرا وظيفه رسولان به جز بشارت و انذار نيست، و غير از اين مسئوليتى ندارند، بنا بر اين در اين آيه انعطافى به مطلب ابتداى سوره است كه مى فرمود:" فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً" و نيز نوعى تهديد كفار است در برابر استهزايشان.

كلمه:" دحض" به معناى هلاكت و كلمه:" ادحاض" به معناى هلاك كردن و ابطال است، و كلمه:" هزؤ" به معناى استهزاء، و مصدر به معناى اسم مفعول است، و معناى آيه روشن است.

" وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَ نَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ...".

در اين آيه ظلم كفار را بزرگ جلوه مى دهد، چون ظلم بر حسب متعلقش بزرگ و كوچك مى شود، و چون متعلق ظلم مشركين خداى سبحان و آيات او است پس از هر ظلم ديگر بزرگتر خواهد بود.

و مقصود از" نسيان پيش فرستاده ها" بى مبالاتى در اعمالى- از قبيل اعراض از حق و استهزاء به آن- است كه مى دانند حق است. و جمله" إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً" به منزله تعليل براى اعراض آنان از آيات خدا و يا هم براى آن و هم براى نسيانشان از پيش فرستاده هاى خويش را است.

و در سابق در چند جا، معناى قرار دادن" اكنه" را در دلهاى كفار و" وقر" را در گوش هاى آنان توضيح داديم.

" وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً"- در اين جمله رسول خدا (ص) را از ايمان آوردن آنان مايوس مى كند، چون پرده در گوشها و دلهايشان افكنده، و ديگر بعد از اين نمى توانند خود را به سوى هدايت بكشانند، و ديگر نمى توانند در باره حق تعقل نموده با هدايت غير خود و پيروى و شنوايى از غير خود رشد يابند. دليل بر اين معنا جمله" وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً" است كه دلالت بر نفى ابدى اهتداى ايشان

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 463

مى كند، و اين معنا را مقيد به قيد" اذا" نموده كه جزاء و جواب باشد.

در تفسير روح المعانى گفته: جبرى مذهبان با اين آيه بر مذهب خود استدلال كرده اند، و قدريه آيه قبل را دليل مذهب خود گرفته اند «1».

امام فخر رازى گفته: به طور كلى كمتر آيه اى از قرآن كريم ديده مى شود كه دلالت بر يكى از اين دو مذهب كند و دنبالش آيه ديگرى به آن مذهب ديگر دلالت نكند، و اين جز امتحانى از ناحيه خدا نيست، تا علماى راسخون در علم از مقلدين متمايز گردند «2».

مؤلف: اين دو آيه هر دو حق است و لازمه حق بودن آن دو ثبوت اختيار براى بندگان در اعمال و نيز اثبات سلطنت گسترده اى براى خداى تعالى است در ملكش كه يكى از ملك هاى او اعمال بندگانش است و همين است مذهب امامان اهل بيت (ع).

[معناى جمله:" وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ" و معنايى كه در سياق آيات تهديد افاده مى كند] ..... ص : 463

" وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ..."

اين آيات همانطور كه بيان شد در مقام تهديد كفار است، كفارى كه فساد اعمالشان به حدى رسيده كه ديگر اميد صلاح از ايشان منتفى شده است. و اين قسم فساد مقتضى نزول عذاب فورى و بدون مهلت است، چون ديگر فائده اى غير از فساد در باقى ماندنشان نيست، ليكن خداى تعالى در عذابشان تعجيل نكرده هر چند كه قضاى حتمى به عذابشان رانده.

چيزى كه هست آن عذاب را براى مدتى معين كه به علم خود تعيين نموده تاخير انداخته است.

و به همين مناسبت بود كه آيه تهديد را كه متضمن صريح قضاى در عذاب است با جمله" وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ" افتتاح نموده تا به وسيله آن دو وصفى كه در آن است عذاب معجل را تعديل نمايد و اصل عذاب را مسلم كند تا حق گناهان مقتضى عذاب رعايت شده باشد و حق رحمت و مغفرت خدا را هم رعايت كرده باشد و به آن خاطر عذاب را تاخير اندازد.

پس اين جمله، يعنى جمله" الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ" با جمله" لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ" به منزله دو نفر متخاصم اند كه نزد قاضى حاضر شده داورى مى خواهند. و جمله" بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا" به منزله حكم صادر از قاضى است كه هر دو طرف را راضى نموده حق هر دو طرف را رعايت كرده است. اصل عذاب را به اعمال نارواى مردم و به انتقام الهى داده و مساله مهلت در عذاب را به صفت مغفرت و رحمت خدا داده است، اينجا است كه مغفرت الهى اثر آن اعمال را كه عبارت است از فوريت عذاب برمى دارد- و محو مى كند و صفت رحمت حياتى و دنيايى را به آنها افاضه مى فرمايد.

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 15، ص 304. [.....]

(2)تفسير كبير، فخر رازى، ج 21، ص 142.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 464

و خلاصه معنا اين است كه: اگر پروردگار تو مى خواست ايشان را مؤاخذه كند، عذاب را بر آنان فورى مى ساخت، و ليكن عجله نكرد، چون غفور و داراى رحمت است، بلكه عذاب را براى موعدى كه قرار داده و از آن به هيچ وجه گريزى ندارند حتمى نمود، و به خاطر اينكه غفور و داراى رحمت است، از فوريت آن صرفنظر فرمود، پس جمله" بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ ..." كلمه اى است كه به عنوان حكم صادر گفته شده نه اينكه خيال شود صرف حكايت است، زيرا اگر حكايت بود جا داشت بفرمايد:" بل جعل لهم موعدا ..."- دقت فرمائيد.

كلمه" غفور" صيغه مبالغه است كه بر كثرت مغفرت دلالت مى كند و الف و لام در" الرحمة" الف و لام جنس است، يعنى همه قسم رحمت را دارد، و" غفور ذو الرحمة" معنايش اين است كه رحمت خدا شامل هر چيز هست. بنا بر اين، كلمه" ذو الرحمة" عموميتش از دو كلمه" رحمان" و" رحيم" بيشتر است با اينكه اين دو نيز دلالت بر كثرت و يا ثبوت و استمرار دارد. پس" غفور" به منزله خادم براى" ذى الرحمة" است، يعنى غفور مشمولين ذو الرحمة را بيشتر مى كند، و موانعى را كه نمى گذارد رحمت خدا شامل مشمول شود برطرف مى سازد و وقتى برطرف ساخت صفت ذو الرحمة كار خود را مى كند و آن را نيز شامل مى گردد.

پس غفور كوشش و كثرت عمل دارد، و ذى الرحمة انبساط و شمول بر هر چيز كه مانعى در آن نيست، و به خاطر همين نكته است كه مغفرت را به صيغه مبالغه و رحمت را به ذى الرحمة كه شامل جنس رحمت است تعبير آورده- دقت بفرمائيد- و به كلامهاى طولانيى كه در اين زمينه گفته شده وقعى نگذاريد.

" وَ تِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً".

مقصود از" قرى" اهل قريه ها است كه مجازا به خود قريه ها نسبت داده شده، به دليل اينكه سه بار ضمير اهل يعنى ضمير" هم" را به آن برگردانيده. و كلمه مهلك- به كسر لام- اسم زمان است. معناى آيه روشن است، و در اين مقام است كه بفهماند تاخير هلاكت كفار و مهلت دادن از خداى تعالى كار نوظهورى نيست، بلكه سنت الهى ما در امم گذشته نيز همين بوده كه وقتى ظلم را از حد مى گذراندند هلاكشان مى كرديم، و براى هلاكتشان موعدى قرار مى داديم. از همين جا روشن مى شود كه عذاب و هلاكى كه اين آيات متضمن آن است عذاب روز قيامت نيست بلكه مقصود عذاب دنيايى است، و آن عبارت است از عذاب روز بدر- اگر مقصود تهديد بزرگان قريش باشد- و يا عذاب آخر الزمان- اگر مقصود تهديد همه امت اسلام بوده باشد- كه تفصيلش در سوره يونس گذشت.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 465

بحث روايتى [(چند روايت در ذيل آيات گذشته)] ..... ص : 465

در تفسير عياشى در ذيل آيه" يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ ..." از خالد بن نجيح از امام صادق (ع) روايت كرده كه فرمود: وقتى روز قيامت مى شود كتاب آدمى را به او مى دهند و مى گويند" بخوان" خالد مى گويد: عرض كردم آيا آنچه بخواند مى شناسد؟

فرمود: همه را به ياد مى آورد، هيچ لحظه و نگاه زير چشمى هيچ كلمه اى و هيچ گامى و هيچ عمل ديگرى انجام نداده مگر آنكه با خواندن آن كتاب همه را به ياد مى آورد، به طورى كه گويا همان لحظه آن را انجام داده است، و به همين جهت مى گويند" واى بر ما اين چه كتابى است كه هيچ كوچك و بزرگى را نگذاشته مگر آنكه آن را برشمرده است" «1».

مؤلف: اين روايت به طورى كه ملاحظه مى كنيد آنچه را از كتاب شناخته مى شود عين آن چيزى دانسته كه در كتاب نوشته شده است، و بايد هم همين طور باشد، زيرا اگر عمل آدمى در آنجا حاضر نباشد حجت تمام نگشته امكان انكار هست.

و در تفسير قمى در ذيل جمله" وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" روايت آورده كه هر كس هر چه كرده در آن كتاب نوشته مى بيند «2».

و در تفسير برهان از ابن بابويه به سند خود از ابى معمر سعدان از على (ع) روايت مى كند كه در ذيل جمله" وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها" فرموده: مظنه در اين جمله به معناى يقين است، يعنى وقتى يقين كردند كه به عذاب در آمدنى هستند «3».

و در الدر المنثور است كه احمد و ابو يعلى و ابن جرير و ابن حبان و حاكم- وى حديث را صحيح دانسته- و ابن مردويه از ابى سعيد خدرى از رسول خدا (ص) روايت كرده كه فرمود: روز قيامت كافر را پنجاه هزار سال سر پا نگه مى دارند، به خاطر اينكه او در دنيا عمل نكرد. و كافر جهنم را از فاصله چهل سال راه مى بيند، و يقين مى كند در وى قرار خواهد گرفت «4».

مؤلف: اين حديث مؤيد گفتار قبلى ما است كه گفتيم مواقعه در آيه بين طرفين است، چون در اين روايت دارد كه آتش در وى واقع مى شود.

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 328.

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 37.

(3)تفسير برهان، ج 2، ص 472.

(4)الدر المنثور، ج 4، ص 228.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 466

[سوره الكهف (18): آيات 60 تا 82] ..... ص : 466

اشاره

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64)

فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74)

قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79)

وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً (81) وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82)

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 467

ترجمه آيات ..... ص : 467

و (ياد كن) چون موسى به شاگرد خويش گفت: آرام نگيرم تا به مجمع دو دريا برسم، يا مدتى دراز بسربرم (60).

و همين كه به جمع ميان دو دريا رسيدند ماهيشان را از ياد بردند، و آن ماهى راه خود را به طرف دريا پيش گرفت (61).

و چون بگذشتند به شاگردش گفت: غذايمان را پيشمان بيار كه از اين سفرمان خستگى بسيار ديديم (62).

گفت خبر دارى كه وقتى به آن سنگ پناه برديم من ماهى را از ياد بردم و جز شيطان مرا به فراموش كردن آن وا نداشت، كه يادش نكردم و راه عجيب خود را پيش گرفت (63).

گفت اين همان است كه مى جستيم، و با پى جويى نشانه قدمهاى خويش بازگشتند (64).

پس بنده اى از بندگان ما را يافتند كه از جانب خويش رحمتى بدو داده بوديم و از نزد خويش دانشى به او آموخته بوديم (65).

موسى بدو گفت: آيا تو را پيروى كنم كه به من از آنچه آموخته اى كمالى بياموزى (66).

گفت تو به همراهى من هرگز شكيبايى نتوانى كرد (67).

چگونه در مورد چيزهايى كه از راز آن واقف نيستى شكيبايى مى كنى (68).

گفت: اگر خدا خواهد مرا شكيبا خواهى يافت و در هيچ باب نافرمانى تو نمى كنم (69).

گفت: اگر به دنبال من آمدى چيزى از من مپرس تا در باره آن مطلبى با تو بگويم (70).

پس برفتند و چون به كشتى سوار شدند آن را سوراخ كرد، گفت: آن را سوراخ كردى تا مردمش را غرق كنى حقا كه كارى ناشايسته كردى (71).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 468

گفت: مگر نگفتم كه تو تاب همراهى مرا ندارى (72).

گفت: مرا به آنچه فراموش كرده ام بازخواست مكن و كارم را بر من سخت مگير (73).

پس برفتند تا پسرى را بديدند و او را بكشت. گفت: آيا نفس محترمى كه كسى را نكشته بود بيگناه كشتى حقا كارى قبيح كردى (74).

گفت: مگر به تو نگفتم كه تو به همراهى من هرگز شكيبايى نتوانى كرد (75).

گفت اگر بعد از اين چيزى از تو پرسيدم مصاحبت من مكن كه از جانب من معذور خواهى بود (76).

پس برفتند تا به دهكده اى رسيدند و از اهل آن خوردنى خواستند و آنها از مهمان كردنشان دريغ ورزيدند، در آنجا ديوارى يافتند كه مى خواست بيفتد، پس آن را به پا داشت و گفت: كاش براى اين كار مزدى مى گرفتى (77).

گفت اينك (موقع) جدايى ميان من و تو است و تو را از توضيح آنچه كه توانايى شكيبايى اش را نداشتى خبردار مى كنم (78).

اما كشتى براى مستمندانى بود كه در دريا كار مى كردند خواستم معيوبش كنم، چون كه در راهشان شاهى بود كه همه كشتى ها را به غصب مى گرفت (79).

اما آن پسر، پدر و مادرش مؤمن بودند ترسيدم به طغيان و انكار دچارشان كند (80).

و خواستم پروردگارشان پاكيزه تر و مهربانتر از آن عوضشان دهد (81).

اما ديوار از دو پسر يتيم اين شهر بود و گنجى از مال ايشان زير آن بود، و پدرشان مردى شايسته بود، پروردگارت خواست كه به رشد خويش رسند و گنج خويش بيرون آرند، رحمتى بود از پروردگارت، و من اين كار را از پيش خود نكردم، چنين است توضيح آن چيزها كه بر آن توانايى شكيبايى آن را نداشتى (82).

بيان آيات ..... ص : 468

[آنچه از داستان موسى (عليه السلام) و همراه او و ملاقات با عالم به تاويل احاديث (خضر عليه السلام) استفاده مى شود و آنچه در باره اين داستان گفته شده است ] ..... ص : 468

در اين آيات داستان موسى و برخوردش در مجمع البحرين با آن عالمى كه تاويل حوادث را مى دانست براى رسول خدا (ص) تذكر مى دهد، و اين چهارمين تذكرى است كه در اين سوره دنبال امر آن جناب به صبر در تبليغ رسالت تذكار داده مى شود تا هم سرمشقى باشد براى استقامت در تبليغ و هم تسليتى باشد در مقابل اعراض مردم از ذكر خدا و اقبالشان بر دنيا، و هم بيانى باشد در اينكه اين زينت زودگذر دنيا كه اينان بدان

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 469

مشغول شده اند متاعى است كه رونقش تا روزى معين است، بنا بر اين، از ديدن تمتعات آنان به زندگى و بهره مندى شان به آنچه كه اشتهاء كنند دچار ناراحتى نشود، چون در ما وراى اين ظاهر يك باطنى است و در ما فوق تسلط آنان بر مشتهيات، سلطنتى الهى قرار دارد.

پس، گويا يادآورى داستان موسى و عالم براى اشاره به اين است كه اين حوادث و وقايعى هم كه بر وفق مراد اهل دنيا جريان مى يابد، تاويلى دارد كه به زودى بر ايشان روشن خواهد شد، و آن وقتى است كه مقدر الهى به نهايت اجل خود برسد و خداى اذن دهد تا از خواب غفلت چندين ساله بيدار شوند، و براى يك نشاة ديگرى غير نشاة دنيا مبعوث گردند. در آن روز تاويل حوادث امروز روشن مى شود، آن وقت همانهايى كه گفتار انبياء را هيچ مى انگاشتند مى گويند: عجب! رسولان پروردگار، سخن حق مى گفتند و ما قبول نمى كرديم.

و اين موسى كه در اين داستان اسم برده شده همان موسى بن عمران، رسول معظم خداى تعالى است كه بنا به روايات وارده از طرق شيعه و سنى يكى از انبياء اولوا العزم و صاحب شريعت است.

بعضى «1» هم گفته اند: اين موسى غير موسى بن عمران بلكه يكى از نواده هاى يوسف بن يعقوب (ع) بوده است، و اسمش موسى فرزند ميشا فرزند يوسف بوده، و خود از انبياى بنى اسرائيل بوده است. و ليكن اين احتمال را يك نكته تضعيف مى كند، آن چنان كه ديگر نبايد بدان وقعى نهاد، و آن نكته اين است كه قرآن كريم نام موسى را در حدود صد و سى و چند مورد برده، و در همه آنها مقصودش موسى بن عمران بوده است، اگر در خصوص اين يك مورد غير موسى بن عمران منظور بود، بايد قرينه مى آورد تا ذهن به جاى ديگرى منتقل نگردد.

بعضى ديگر گفته اند: داستانى است فرضى و تخيلى كه براى افاده اين غرض تصوير شده كه كمال معرفت، آدمى را به سرچشمه حيات رسانيده از آب زندگى سيرابش مى كند، و در نتيجه حياتى ابدى مى يابد كه دنبالش مرگ نيست، و سعادتى سرمدى به دست مى آورد كه ما فوقش هيچ سعادتى نيست.

ليكن اين وجه جز با تقدير گرفتن درست نمى شود، و تقدير هم دليل مى خواهد، و ظاهر كتاب عزيز مخالف آن است، و در آن هيچ خبرى از قضيه چشمه حيات نيست، و جز

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 480.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 470

گفته بعضى از مفسرين و قصه سرايان از اهل تاريخ ماخذى اصيل و قرآنى كه بتوان به آن استناد جست ندارد. و جدان حسى هم آن را تاييد نكرده و در هيچ ناحيه از نواحى كره زمين چنين چشمه اى يافت نشده است.

و در باره آن جوانى كه همراه موسى (ع) بوده بعضى «1» گفته اند وصى او يوشع بن نون بوده، و اين معنا را روايات هم تاييد مى كند. و بعضى «2» گفته اند: از اين جهت" فتى" ناميده شده كه همواره در سفر و حضر همراه او بوده است، و يا از اين جهت بوده كه همواره او را خدمت مى كرده است.

و اما آن عالمى كه موسى ديدارش كرد و خداى تعالى بدون ذكر نامش به وصف جميلش او را ستوده و فرموده:" عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً" اسمش- به طورى كه در روايات آمد- خضر يكى از انبياء معاصر موسى بوده است. و در بعضى «3» ديگر آمده كه خدا خضر را طول عمر داده و تا امروز هم زنده است. و اين مقدار از مطالب در باره خضر عيبى ندارد، و قابل قبول هم هست، زيرا عقل و يا دليل نقل قطعى بر خلافش نيست، و ليكن به اين مقال اكتفاء نكرده اند، و در باره شخصيت او در ميان مردم حرفهايى طولانى در تفاسير مطول آمده و قصه ها و حكاياتى در باره اشخاصى كه او را ديده اند نقل شده كه روايات راجع به آن خالى از اساطير قبل از اسلام و مطالب جعلى و دروغى نيست.

" وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً".

ظرف" اذ" متعلق به مقدر است، و جمله، عطف است بر همان نقطه عطفى كه تذكيرهاى سه گانه سابق بدانجا عطف مى شد. و كلمه" لا ابرح" به معناى" لا ازال" است، و اين كلمه از افعال ناقصه است كه خبرش به منظور اختصار حذف شده، چون جمله" حَتَّى أَبْلُغَ" بر آن دلالت مى كند، و تقدير آن چنين است:" لا ابرح امشى- مدام خواهم رفت، و يا سير خواهم كرد".

و در باره اينكه مجمع البحرين كجاست؟ بعضى «4» گفته اند: منتهى اليه درياى روم (مديترانه) از ناحيه شرقى، و منتهى اليه خليج فارس از ناحيه غربى است، كه بنا بر اين مقصود از مجمع البحرين آن قسمت از زمين است كه به يك اعتبار در آخر شرقى مديترانه و به اعتبار

__________________________________________________

(1 و 2)تفسير ابو الفتوح رازى، ج 7، ص 355.

(3)روح المعانى، ج 15، ص 320.

(4)منهج الصادقين، ج 5، ص 365.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 471

ديگر در آخر غربى خليج فارس قرار دارد، و به نوعى مجاز آن را محل اجتماع دو دريا خوانده اند.

كلمه" حقب" به معناى دهر و روزگار است، و اگر نكرده آمده بدين جهت است كه بر وصفى محذوف دلالت كند چه تقدير كلام:" حقبا طويلا- روزگارى دراز" است.

و معناى آيه- و خدا داناتر است- اين است: به ياد آر آن زمانى را كه موسى به جوان ملازم خود گفت مدام راه مى پيمايم تا به مجمع البحرين برسم و يا روزگارى طولانى به سير خود ادامه دهم.

" فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً".

ظاهرا اضافه" مجمع" بر كلمه" بينهما" اضافه صفت به موصوف است و اصل آن چنين است: بين دو دريا كه اينچنين صفت دارد كه مجمع آن دو است.

" نَسِيا حُوتَهُما"- از دو آيه بعد استفاده مى شود كه ماهى مذكور ماهى نمك خورده و يا بريان شده بوده و آن را با خود برداشته اند كه در بين راه غذايشان باشد، نه اينكه ماهى زنده اى بوده. و ليكن همين ماهى بريان شده در آن منزل كه فرود آمدند زنده شده و خود را به دريا انداخته است و جوان همراه موسى نيز زنده شدن آن را و شنايش را در آب دريا ديده.

چيزى كه هست يادش رفته بود كه به موسى بگويد و موسى هم فراموش كرده بود كه از او بپرسد ماهى كجاست، و بنا بر اين اينكه فرموده" نَسِيا حُوتَهُما- هر دو، ماهى خود را فراموش كردند" معنايش اين مى شود كه موسى فراموش كرد كه ماهى در خورجين است و رفيقش هم فراموش كرد كه به وى بگويد ماهى زنده شد و به دريا افتاد.

اين آن معنايى است كه مفسرين هم استفاده كرده اند ولى بايد دانست كه آيات مورد بحث صريح نيست در اينكه ماهى مزبور بعد از مردن زنده شده باشد، بلكه تنها از ظاهر" فراموش كردند ماهيشان را" و از ظاهر كلام رفيق موسى كه گفت:" من ماهى را فراموش كردم" اين معنا استفاده مى شود كه ماهى را روى سنگى لب دريا گذاشته بوده اند و به دريا افتاده و يا موج دريا آن را به طرف خود كشيده است و در اعماق دريا فرو رفته و ناپديد شده است. اين معنا را روايات تاييد مى كند، زيرا در آنها آمده كه قضيه گم شدن ماهى علامت ديدار با خضر بوده نه زنده شدن آن- و خدا داناتر است.

" فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً"- كلمه" سرب" به معناى مسلك و مذهب است.

" سرب" و" نفق" عبارت است از راهى كه در زير زمين كنده شده و از نظر عموم پنهان است. گويا راهى را كه ماهى موسى پيش گرفته و به دريا رفت تشبيه به نقبى كرده كه كسى پيش بگيرد و ناپديد شود.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 472

" فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً".

در مجمع البيان گفته:" نصب"، و" صب" و" تعب" هر سه نظير همند و عبارتند از آن سستى كه از ناحيه خستگى دست مى دهد «1».

و مراد از" غداء" عبارت است از هر چه كه با آن چاشت كنند. و از همين كلمه فهميده مى شود كه موسى اين سخن را در روز گفته.

و معنايش اين است: بعد از آنكه از مجمع البحرين گذشتند موسى به جوان ملازم خود فرمود تا چاشتشان كه عبارت از همان ماهيى بوده كه با خود برداشته بودند بياورد زيرا از مسافرت خود خسته شده به تجديد نيرو نيازمند شده اند.

" قالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ ..."

اين جمله حكايت پاسخ آن جوان به موسى (ع) است كه به ياد آن جناب مى اندازد آن ساعتى را كه در كنار صخره، منزل كردند. و دلالت مى كند بر اينكه صخره در همان منزل و در كنار آب قرار داشته چون جلوتر فرمود:" ماهى راه خود را به سوى دريا پيش گرفت" و در اينجا مى فرمايد" آنجا كه كنار صخره نشسته بوديم" و با در نظر گرفتن جمله اى كه گذشت كه اين جريان در مجمع البحرين بوده حاصل پاسخى كه به موسى داده اين مى شود كه غذايى نداريم تا با آن سد جوع كنيم، چون غذاى ما همان ماهيى بود كه زنده شد و در دريا شناور گشت. آرى، وقتى به مجمع البحرين رسيديم و در كنار آن صخره منزل كرديم (ماهى به دريا رفت) و من فراموش كردم به شما خبر دهم.

بنا بر اين، جمله" أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ" به ياد آن جناب مى آورد آن حالى را كه نزد صخره منزل كردند تا اندكى استراحت كنند. و در جمله" فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ" حال در تقدير است، و تقدير كلام" من حال ماهى را فراموش كردم" است. دليل اين تقدير به طورى كه ديگران هم گفته اند جمله" وَ ما أَنْسانِيهُ" است، و تقديرش" و ما انسانى ذكر الحوت لك الا الشيطان- يادآورى ماهى را براى تو از يادم نبرد مگر شيطان" مى باشد. پس معلوم مى شود وى خود ماهى را فراموش نكرده بوده، بلكه ذكر آن را فراموش كرده، يعنى يادش رفته كه براى موسى تعريف كند.

[اشاره به اينكه انبياء (عليهم السلام) از مطلق آزار و ايذاء شيطان مصون نيستند] ..... ص : 472

و اگر مساله فراموشى را به شيطان و تصرفات او نسبت داده عيبى و اشكالى ندارد، و

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 479.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 473

با عصمت انبياء از تصرف شيطان منافات ندارد، زيرا انبياء (ع) از آنچه برگشتش به نافرمانى خدا باشد (از آن جمله سهل انگارى در اطاعت خدا) معصومند، نه مطلق ايذاء و آزار شيطان حتى آنهايى كه مربوط به معصيت نيست، زيرا در نفى اينگونه تصرفات دليلى در دست نيست، بلكه قرآن كريم اينگونه تصرفات را براى شيطان در انبياء اثبات نموده است.

آنجا كه مى فرمايد:" وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ" «1».

" وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً"- يعنى راه خود را در دريا گرفت و رفت اما گرفتنى عجيب. بنا بر اين، كلمه" عجبا" وصفى است كه در جاى موصوف خود كه مطلق" اتخاذ" باشد نشسته است. بعضى «2» گفته اند: جمله" وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ" كلام رفيق موسى (ع) بوده، و كلمه" عجبا" كلام خود آن جناب است، ولى سياق اين قول را نمى پذيرد.

باقى مى ماند اين نكته كه بايد دانست آن احتمالى كه در جمله" نَسِيا حُوتَهُما ..."

داديم در اين جمله نيز مى آيد- و خدا داناتر است.

" قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً".

كلمه" بغى" به معناى طلب كردن است. و جمله" فارتدا" از مصدر ارتداد به معناى برگشتن به نقطه نخستين است. و مقصود از آثار جاى پاها است. و كلمه" قصص" به معناى دنبال جاى پا را گرفتن و رفتن است. معناى آيه اين است كه موسى گفت: اين جريان كه در باره ماهى اتفاق افتاد همان علامتى بود كه ما در جستجويش بوديم، لا جرم از همانجا برگشتند، و درست از آنجا كه آمده بودند (با چه دقتى) جاى پاى خود را گرفته پيش رفتند.

از جمله" ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا" كشف مى شود، كه موسى (ع) قبلا از طريق وحى مامور بوده كه خود را در مجمع البحرين به عالم برساند، و علامتى به او داده بودند، و آن داستان گم شدن ماهى بوده، حال يا خصوص قضيه زنده شدن و به دريا افتادن و يا يك نشانى مبهم و عمومى ترى از قبيل گم شدن ماهى و يا زنده شدن آن- و يا مرده زنده شدن، و يا امثال آن بوده است، و لذا مى بينيم حضرت موسى به محضى كه قضيه ماهى را مى شنود مى گويد:" ما هم در پى اين قصه بوديم" و بى درنگ از همانجا برگشته خود را به آن مكان كه آمده بود مى رسانند، و در آنجا به آن عالم برخورد مى نمايند.

__________________________________________________

(1)به ياد آر بنده ما ايوب را كه پروردگار خود را ندا كرد كه شيطان مرا به شكنجه و عذاب مبتلا كرد. سوره ص، آيه 41.

(2)روح المعانى، ج 15، ص 318.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 474

[ملاقات موسى (عليه السلام) با بنده اى از بندگان خدا خضر (عليه السلام) كه به او رحمت و علم داده شده و تقاضاى تعليم از او و گفتگوى بين آن دو] .... ص : 474

" فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا ..."

هر نعمتى، رحمتى است از ناحيه خدا به خلقش، ليكن بعضى از آنها در رحمت بودنش اسباب عالم هستى واسطه است، مانند نعمتهاى مادى ظاهرى، و بعضى از آنها بدون واسطه رحمت است، مانند نعمت هاى باطنى از قبيل نبوت و ولايت و شعبه ها و مقامات آن.

و از اينكه رحمت را مقيد به قيد" من عندنا" نموده كه مى فهماند كسى ديگر غير خدا در آن رحمت دخالتى ندارد، فهميده مى شود كه منظور از رحمت مذكور همان رحمت قسم دوم يعنى نعمت هاى باطنى است.

و از آنجايى كه ولايت مختص به ذات بارى تعالى است هم چنان كه خودش فرموده" فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ" «1» ولى نبوت چنين نيست، زيرا غير خدا از قبيل ملائكه كرام نيز در آن دخالت داشته، وحى و امثال آن را انجام مى دهند، لذا مى توان گفت منظور از جمله" رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا"- كه با نون عظمت (من عندنا) آورده شده و نفرموده" من عندى- از ناحيه من"- همان نبوت است، نه ولايت. و به همين بيان تفسير آن كسى «2» كه كلمه مذكور را به نبوت معنا كرده تاييد مى شود.

" وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً"- اين علم نيز مانند رحمت علمى است كه غير خدا كسى در آن صنعى و دخالتى ندارد، و چيزى از قبيل حس و فكر در آن واسطه نيست. و خلاصه، از راه اكتساب و استدلال به دست نمى آيد. دليل بر اين معنا جمله" من لدنا" است كه مى رساند منظور از آن علم، علم لدنى و غير اكتسابى و مختص به اولياء است. و از آخر آيات استفاده مى شود كه مقصود از آن، علم به تاويل حوادث است.

" قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً" كلمه" رشد" در معنا مخالف" غى" است، آن به معناى اصابت به واقع و صواب و اين به معناى خطا رفتن است. كلمه" رشد" در آيه شريفه، مفعول له و يا مفعول به است. و معناى آيه اين است كه: موسى گفت آيا اجازه مى دهى كه با تو بيايم، و تو را بر اين اساس پيروى كنم كه آنچه خدا به تو داده براى اينكه من هم به وسيله آن رشد يابم به من تعليم كنى؟ و (يا) آنچه را كه خدا از رشد به تو داده به من هم تعليم كنى؟.

" قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً".

در اين جمله خويشتن دارى و صبر موسى را در برابر آنچه از او مى بيند با تاكيد نفى

__________________________________________________

(1)سوره شورى، آيه 9.

(2)مجمع البيان، ج 6، ص 483. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 475

مى كند، و خلاصه مى گويد: تو نمى توانى آنچه را كه در طريق تعليم از من مى بينى تحمل كنى و دليل بر اين تاكيد چند چيز است، اول كلمه" ان". دوم آوردن كلمه صبر است به صورت نكره در سياق نفى، چون نكره در سياق نفى، افاده عموميت مى كند. سوم اينكه گفت: تو استطاعت و توانايى صبر را ندارى و نفرمود" نسبت به آنچه كه تو را تعليم دهم صبر ندارى".

چهارم اينكه قدرت بر صبر را با نفى سبب قدرت كه عبارت است از احاطه و علم به حقيقت و تاويل واقع نفى مى كند پس در حقيقت فعل را با نفى يكى از اسبابش نفى كرده، و لذا مى بينيم موسى در هنگامى كه آن عالم معنا و تاويل كرده هاى خود را بيان كرد تغيرى نكرد، بلكه در هنگام ديدن آن كرده ها در مسير تعليم بر او تغير كرد، و وقتى برايش معنا كرد قانع شد. آرى، علم حكمى دارد و مظاهر علم حكمى ديگر.

نظير اين تفاوتى كه در علم و در مظاهر علم رخ داده داستان موسى (ع) است در قضيه گوساله كه در سوره اعراف آمده، با اينكه خداى تعالى در ميقات به او خبر داد كه قوم تو بعد از آمدنت به وسيله سامرى گمراه شدند، و خبر دادن خدا از هر خبر ديگرى صادق تر است، با اين وصف آنجا هيچ عصبانى نشد ولى وقتى به ميان قوم آمد و مظاهر آن علمى را كه در ميقات به دست آورده بود با چشم خود ديد پر از خشم و غيظ شده الواح را انداخت، و موى سر برادر را گرفت و كشيد.

پس جمله" إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ..." اخبار به اين است كه تو طاقت روش تعليمى مرا ندارى، نه اينكه تو طاقت علم را ندارى.

" وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً".

كلمه" خبر" به معناى علم است، و علم هم به معناى تشخيص و تميز است، و معنا اين است كه: خبر و اطلاع تو به اين روش و طريقه احاطه پيدا نمى كند.

" قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً".

موسى (ع) در اين جمله وعده مى دهد كه به زودى خواهى ديد كه صبر مى كنم و تو را مخالفت و عصيان نمى كنم، ولى وعده خود را مقيد به مشيت خدا كرد تا اگر تخلف نمود دروغ نگفته باشد. و جمله" وَ لا أَعْصِي ..." عطف است بر كلمه" صابرا" چون كلمه مزبور هر چند وصف است، ولى معناى فعل را مى دهد، و بنا بر اين وعده" لا اعصى" هم مقيد به مشيت هست. پس اگر نهى او را از سؤال مخالفت كرد بارى وعده" لا اعصى" را خلف نكرد، چون اين وعده نيز مقيد بوده.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 476

" قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً".

ظاهر اين است كه كلمه" منه" متعلق به كلمه" ذكرا" باشد، و احداث ذكر از هر چيز به معناى ابتداء و آغاز به ذكر آن است بدون اينكه از طرف مقابل تقاضايى شده باشد. و معناى جمله اين است كه: اگر پيروى مرا كردى بايد از هر چيزى كه ديدى و برايت گران آمد سؤال نكنى تا خودم در بيان معنا و وجه آن ابتداء كنم. و در اين جمله اشاره است به اينكه به زودى از من حركاتى خواهى ديد كه تحملش بر تو گران مى آيد، ولى به زودى من خودم برايت بيان مى كنم. اما براى موسى مصلحت نيست كه ابتداء به سؤال و استخبار كند، بلكه سزاوار او اين است كه صبر كند تا خضر خودش بيان كند.

[ادب و تواضع فراوان موسى (عليه السلام) در برابر استاد (خضر- عليه السلام)] ..... ص : 476

مطلب عجيبى كه از اين داستان استفاده مى شود رعايت ادبى است كه موسى (ع) در مقابل استادش حضرت خضر نموده، و اين آيات آن را حكايت كرده است، با اينكه موسى (ع) كليم اللَّه، و يكى از انبياى اولوا العزم و آورنده تورات بوده، مع ذلك در برابر يك نفر كه مى خواهد به او چيز بياموزد چقدر رعايت ادب كرده است!.

از همان آغاز برنامه تا به آخر سخنش سرشار از ادب و تواضع است، مثلا از همان اول تقاضاى همراهى با او را به صورت امر بيان نكرد، بلكه به صورت استفهام آورده و گفت: آيا مى توانم تو را پيروى كنم؟ دوم اينكه همراهى با او را به مصاحبت و همراهى نخواند، بلكه آن را به صورت متابعت و پيروى تعبير كرد. سوم اينكه پيروى خود را مشروط به تعليم نكرد، و نگفت من تو را پيروى مى كنم به شرطى كه مرا تعليم كنى، بلكه گفت: تو را پيروى مى كنم باشد كه تو مرا تعليم كنى. چهارم اينكه رسما خود را شاگرد او خواند. پنجم اينكه علم او را تعظيم كرده به مبدئى نامعلوم نسبت داد، و به اسم و صفت معينش نكرد، بلكه گفت" از آنچه تعليم داده شده اى" و نگفت" از آنچه مى دانى". ششم اينكه علم او را به كلمه" رشد" مدح گفت و فهماند كه علم تو رشد است (نه جهل مركب و ضلالت). هفتم آنچه را كه خضر به او تعليم مى دهد پاره اى از علم خضر خواند نه همه آن را و گفت:" پاره اى از آنچه تعليم داده شدى مرا تعليم دهى" و نگفت" آنچه تعليم داده شدى به من تعليم دهى". هشتم اينكه دستورات خضر را امر او ناميد، و خود را در صورت مخالفت عاصى و نافرمان او خواند و به اين وسيله شان استاد خود را بالا برد. نهم اينكه وعده اى كه داد وعده صريح نبود، و نگفت من چنين و چنان مى كنم، بلكه گفت: ان شاء اللَّه به زودى خواهى يافت كه چنين و چنان كنم.

و نيز نسبت به خدا رعايت ادب نموده ان شاء اللَّه آورد.

خضر (ع) هم متقابلا رعايت ادب را نموده اولا با صراحت او را رد نكرد، ترجمه الميزان، ج 13، ص: 477

بلكه به طور اشاره به او گفت كه: تو استطاعت بر تحمل ديدن كارهاى مرا ندارى. و ثانيا وقتى موسى (ع) وعده داد كه مخالفت نكند امر به پيروى نكرد، و نگفت:" خيلى خوب بيا" بلكه او را آزاد گذاشت تا اگر خواست بيايد، و فرمود:" فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي- پس اگر مرا پيروى كردى". و ثالثا به طور مطلق از سؤال نهيش نكرد، و به عنوان صرف مولويت او را نهى ننمود بلكه نهى خود را منوط به پيروى كرد و گفت:" اگر بنا گذاشتى پيرويم كنى نبايد از من چيزى بپرسى" تا بفهماند نهيش صرف اقتراح نيست بلكه پيروى او آن را اقتضاء مى كند.

[صبر نياوردن موسى (عليه السلام) به سكوت در برابر اعمال خضر (عليه السلام)] ..... ص : 477

" فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً".

كلمه" امر"- به كسر همزه- به معناى داهيه عظيم و مصيبت بزرگ است. و جمله" فانطلقا" تفريع بر مطلب قبلى است، و مقصود از آن- روانه شدن- موسى و خضر است. از اين جمله برمى آيد كه از اينجا به بعد ديگر جوان همراه موسى با آن دو روانه نشده است. لام در جمله" لِتُغْرِقَ أَهْلَها" لام غايت است، زيرا هر چند كه عاقبت سوراخ كردن كشتى غرق شدن است و قطعا خضر منظورش به دست آمدن اين غايت و نتيجه نبوده، و ليكن بسيار مى شود كه عاقبت قهرى و ضرورى از باب ادعا و مجازا غايت منظور نظر گرفته مى شود، چون شنونده و يا خواننده خود مى داند كه اين عاقبت منظور نظر نيست هم چنان كه بسيار مى شود كه مى گويى: فلانى، آيا مى خواهى با انجام اين كار خودت را هلاك كنى؟.

" قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً".

در اين جمله سؤال موسى (ع) را بيجا قلمداد نموده مى گويد: آيا نگفتم كه تو توانايى تحمل با من بودن را ندارى؟ و با اين جمله همين گفته خود را كه در سابق نيز خاطر نشان ساخته بود مستدل و تاييد مى نمايد.

" قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً".

كلمه" رهق" به معناى احاطه و تسلط يافتن به زور است، و" ارهاق" به معناى تكليف كردن است. و معناى جمله اين است كه مرا به خاطر نسيانى كه كردم و از وعده اى كه دادم غفلت نمودم مؤاخذه مكن و در كار من تكليف را سخت مگير. و چه بسا «1» نسيان را به ترك تفسير كنند، ليكن تفسير اول روشن تر است، و به هر حال جمله مورد بحث عذرخواهى موسى (ع) است.

__________________________________________________

(1)مجمع البيان ج 6 ص 484 و روح المعانى ج 15 ص 337.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 478

" فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً".

قبل از اين جمله مطلبى به منظور اختصار حذف شده، و تقدير كلام اين است كه:

موسى و خضر از كشتى بيرون شده به راه افتادند.

كلمه" فقتله" در جمله" حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ" با حرف فاء عطف شده بر شرط" اذا" و كلمه" قال" جزاء شرط است. اين آن نكته اى است كه از ظاهر كلام استفاده مى شود، و از همين جا معلوم مى شود كه عمده مطلب و نقطه اتكاء كلام بيان اعتراض موسى است، نه بيان قضيه قتل، و نظير اين نكته در آيه بعد كه مى فرمايد:" فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ ... لَوْ شِئْتَ" نيز به چشم مى خورد، بر خلاف آيه قبلى كه مى فرمود:" فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ" كه جزاء" اذا" در آن، جمله" خرقها" است. و جمله" قال ..." كلامى جداگانه و جديد است.

و بنا بر اين، پس اين آيات مى خواهد يك داستان را بيان كند كه موسى سه مرتبه يكى پس از ديگرى به خضر اعتراض كرده است نه اينكه خواسته باشد سه داستان را بيان كرده باشد كه موسى در هر يك اعتراضى نموده، پس كانه گفته شده: داستان چنين و چنان شد و موسى بر او اعتراض كرد، دوباره اعتراض كرد، بار سوم هم اعتراض كرد. پس غرض و نقطه اتكاء كلام، بيان سه اعتراض موسى است، نه عمل خضر و اعتراض موسى تا سه داستان بشود.

اين را بدان جهت گفتيم كه وجه فرق ميان اين سه آيه روشن شود كه چرا در اولى" خرقها" جواب" اذا" قرار گرفته ولى جمله" قتله" و" وجدا" و جمله" اقامه" در آيه دوم و سوم جواب قرار نگرفته بلكه جزء شرط و معطوف بر آن شده است؟- دقت فرمائيد.

كلمه" زكية" در جمله" أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً" به معناى طاهره است، و مراد، طهارت و پاكى او از گناه است، چون آن كسى كه به دست خضر كشته شد كودكى بوده كه به طورى كه از كلمه" غلاما" استفاده مى شود به سن بلوغ نرسيده بوده، و اين پرسش موسى پرسش انكارى بوده است.

و جمله" بغير نفس" معنايش اين است كه" بدون اينكه او كسى را كشته باشد تا مجوز كشته شدنش به قصاص باشد" چون اين بچه غير بالغ كسى را نكشته بود. و چه بسا از جمله" بغير نفس" استفاده شود كه مقصود از نفس اولى هم جوانى بالغ است يعنى آنكه به دست خضر كشته شده نيز بالغ بوده، و كلمه" غلام" هم مطلق است، يعنى هم جوان نابالغ را شامل مى شود و هم بالغ را، و بنا بر اين احتمال، معنا چنين مى شود" آيا بدون قصاص نفس برى از گناه مستوجب قتل را كشتى؟".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 479

" لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً"- يعنى كارى بس منكر و زشت كردى، كه طبع آن را ناشناس مى داند، و جامعه بشرى آن را نمى شناسد. و اگر سوراخ كردن كشتى را" امر" يعنى كارى خطرناك خواند كه مستعقب مصائبى است و كشتن جوانى بى گناه را كارى منكر خواند بدين جهت است كه آدم كشى در نظر مردم كارى زشت تر و خطرناكتر از سوراخ كردن كشتى است. گو اينكه سوراخ كردن كشتى مستلزم غرق شدن عده زيادى است، و ليكن در عين حال چون به مباشرت نيست، و آدم كشى به مباشرت است، لذا آدم كشى را" نكر" خواند.

" قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً".

معناى اين جمله روشن است، و زيادى كلمه" لك" يك نوع اعتراضى است به موسى كه چرا به سفارشش اعتناء نكرد. و نيز اشاره به اين است كه گويا نشنيده كه در اول امر به او گفته بود:" إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً". و يا اگر شنيده خيال كرده كه شوخى كرده است، و يا با او نبوده، و لذا گويا مى گويد: اينكه گفتم" إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً" با تو بودم، و غير از تو منظورى نداشتم.

" قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً".

ضمير در" بعدها" به" هذه المرة" و يا" هذه المسالة" كه در تقدير است برمى گردد، و معنايش اين مى شود كه: اگر بعد از اين دفعه و يا بعد از اين سؤال بار ديگر سؤالى كردم ديگر با من مصاحبت مكن، يعنى ديگر مى توانى با من مصاحبت نكنى.

" قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً" يعنى به عذرى كه از ناحيه من باشد رسيدى، و به نهايتش هم رسيدى.

" فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها ...".

آن كلامى كه در آيه قبل در باره" فَانْطَلَقا" و" فَقَتَلَهُ" گذشت عينا در اين آيه نيز در جملات" فانطلقا"" فابوا"" فوجدا"" فاقامه" مى آيد.

جمله" اسْتَطْعَما أَهْلَها" صفت آن قريه است، و اگر فرمود:" تا آمدند به آن دهى كه (اين صفت داشت كه) از اهلش غذا خواستند" و نفرمود" بدهى كه از ايشان غذا خواستند" براى اين است كه تعبير" دهى كه از ايشان غذا خواستند" تعبير بدى است، به خلاف اينكه اول گفته شود آمدند نزد دهى و اهل در تقدير گرفته شود، چون قريه هم نصيبى از آمدن به سويش

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 480

دارد، لذا جائز است مجازا همان قريه را در جاى اهل بگذاريم، به خلاف غذا خواستن از قريه كه مخصوص اهل قريه است، و بنا بر اين كلمه" اهلها" از باب به كار بردن اسم ظاهر در جاى ضمير نيست.

و اگر نفرمود:" حتى اذا اتيا قرية استطعما اهلها" بدين جهت بود، هر چند كه اگر اينطور فرموده بود كلمه" قرية" در معناى حقيقيش استعمال شده بود، و ليكن از آنجايى كه غرض عمده از اين كلام مربوط به جزاء يعنى جمله" قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً" بوده، و گرفتن مزد از قريه معنا نداشته، لذا فرموده:" حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ".

و همين خود دليل بر اين است كه اقامه جدار در حضور اهل ده بوده، و به همين جهت احتياجى نبوده كه بفرمايد" لو شئت لتخذت عليه منهم اجرا" و يا" من اهلها اجرا" يعنى چه مى شد كه از ايشان (و يا از اهل اين ده) در برابر اين عمل مزدى مى گرفتى، و كلمه:" از ايشان" و يا" از اهل ده" را انداخته است- دقت فرمائيد.

و مراد از" استطعام" طلب طعام است به عنوان ميهمانى و لذا دنبالش فرمود:" فابوا- پس از اينكه ميهمانشان كنند مضايقه نمودند". معناى" انقضاض" در جمله" فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ" سقوط و فرو ريختن است، و اينكه فرموده: مى خواست سقوط كند معنايش اين است كه در شرف سقوط بود.

و اينكه فرموده:" فاقامه" معنايش اين است كه خضر آن را درست كرد ولى ديگر نفرمود: چگونه درستش كرد، آيا به طور معجزه و خرق عادت بوده يا از طريق معمولى خرابش كرده و از نو بنيانش نهاده، و يا با بكار بردن ستون از سقوطش جلوگيرى نموده است. چيزى كه هست از اينكه موسى به وى گفت: چرا مزد از ايشان نگرفتى شايد استفاده شود كه از راه ساختمان آن را اصلاح كرده اند، نه از راه معجزه، چون معهود از مزد گرفتن در صورت عمل كردن معمولى است.

در جمله" لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ «1» عَلَيْهِ أَجْراً" كلمه" تخذ" به معناى اخذ است، و ضمير در" عليه" به اقامه اى برمى گردد كه از مفهوم" فاقامه" استفاده مى شود، چون اقامه مصدر است، هم ضمير مذكر به آن برمى گردد، و هم مؤنث، و سياق گواهى مى دهد بر اينكه موسى و خضر گرسنه بوده اند. و مقصود موسى از اينكه گفت" خوب است در برابر عملت اجرتى بگيرى" اين بوده كه با آن اجرت غذايى بخرند تا سد جوع كنند.

__________________________________________________

(1)اين كلمه هم با تشديد خوانده شده و از" اتخذ" گرفته شده و هم با تخفيف و از" تخذ".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 481

" قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً".

كلمه" هذا" اشاره است به گفته موسى، يعنى اين حرف تو سبب فراق ميان من و تو شد. و يا به قول بعضى «1» اشاره به وقت است، يعنى حالا ديگر وقت فراق ميان من و تو رسيد. و ممكن است اشاره به خود فراق باشد، يعنى اين فراق ميان من و تو است كه فرا رسيد. كانه فراق، امرى غايب بوده حالا يعنى به محض گفتن موسى" كه خوب است مزدى بگيرى" فرا رسيده است.

و اگر گفت:" فراق بين من و بين تو" و نفرمود:" فراق بين ما" به خاطر تاكيد بوده.

و اگر خضر اين حرف را بعد از سؤال سوم موسى گفت و جلوتر نگفت براى اين بوده كه در آن دو نوبت موسى (ع) يا عذرخواهى مى كرده هم چنان كه در نوبت اول چنين كرده و يا از او مهلت مى خواسته هم چنان كه در نوبت دوم چنين كرد. خود موسى خضر را براى نوبت سوم معذور داشت و گفت بعد از سؤال دوم اگر بار سوم از چيزى پرسيدم ديگر با من مصاحبت مكن. بقيه جملات آيه روشن است.

[جدا شدن موسى و خضر (عليهما السلام) و اخبار خضر (عليه السلام) موسى (عليه السلام) را به تاويل اعمال خود (سوراخ) كردن كشتى، قتل نوجوان و بناى ديوار)] ..... ص : 481

" أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ ...".

از اين جمله شروع كرده به تفصيل آن وعده اى كه اجمالا داده و گفته بود به زودى تو را خبر مى دهم.

جمله" ان اعيبها" يعنى آن را معيوب كنم. و همين خود قرينه است بر اينكه مقصود از" كُلَّ سَفِينَةٍ" هر سفينه سالم و غير معيوب بوده است.

" وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ"- كلمه" وراء" به معناى پشت سر است، و ظرفى است در مقابل ظرفى ديگر كه همان روبروى آدمى است كه به آن" قدام" و" امام" مى گويند، و ليكن گاهى كلمه" وراء" بر جوى كه در آن جو دشمنى خود را پنهان كرده و آدمى از آن غافل باشد اطلاق مى شود، هر چند كه پشت سر نباشد، بلكه روبرو باشد. و نيز بر جهتى كه در آن چيزى باشد كه آدمى از آن روگردان است و يا در آن چيزى باشد كه آدمى را از غير خودش به خودش مشغول مى كند، هر چند كه پشت سر نباشد. كانه آدمى روى خود را از آن چيز به طرف خلاف آن برمى گرداند، هم چنان كه خداى تعالى هر سه معنا را استعمال كرده و فرموده:" فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ" «2» و نيز فرموده:

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 6، ص 487.

(2)هر كس ما وراء اين راى بخواهد چنين كسانى تجاوزكارانند. سوره مؤمنون. آيه 7.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 482

" وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ" «1» و نيز فرموده:" وَ اللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ" «2».

و خلاصه معناى آيه اين است كه: كشتى مزبور مال عده اى از مستمندان بوده كه با آن در دريا كار مى كردند، و لقمه نانى به دست مى آوردند، و در آنجا پادشاهى بود كه كشتى هاى دريا را غصب مى كرد، من خواستم آن را معيوب كنم تا آن پادشاه جبار بدان طمع نبندد، و از آن صرفنظر كند.

" وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً".

از نظر سياق و از نظر جمله" وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" كه خواهد آمد بطور روشن چنين به نظر مى رسد كه مراد از" خشيت" به طور مجاز پرهيز از روى رأفت و رحمت باشد، نه معناى حقيقيش كه همان تاثر قلبى خاص است.

چون خداى تعالى در آيه" وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ" «3» معناى حقيقى خشيت را از انبياى عظامش نفى كرده است.

و نيز بطور روشن چنين به نظر مى رسد كه منظور از جمله" أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً" اين باشد كه پدر و مادر خود را اغواء نموده و از راه تاثير روحى وادار بر طغيان و كفر كند، چون پدر و مادر محبت شديد نسبت به فرزند خود دارند. ليكن جمله" وَ أَقْرَبَ رُحْماً" كه در آيه بعدى است تا حدى تاييد مى كند كه دو كلمه" طغيانا" و" كفرا" دو تميز باشند براى" ارهاق" يعنى در حقيقت دو وصف باشند براى غلام نه براى پدر و مادرش.

" فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً".

مقصود از اينكه فرمود" ما خواستيم خدا به جاى اين فرزند فرزندى ديگر به آن دو بدهد كه از جهت زكات (طهارت) بهتر از او باشد" اين است كه از جهت صلاح و ايمان بهتر از او باشد، چون در مقابل طغيان و كفر كه در آيه قبلى بود همان صلاح و ايمان است، اصل كلمه" زكات" به طورى كه گفته شده طهارت و پاكى است.

و مراد از اينكه فرمود" نزديك تر از او از نظر رحم باشد" اين است كه از او بيشتر صله رحم كند، و بيشتر فاميل دوست باشد، و به همين جهت پدر و مادر را وادار به طغيان و كفر نكند. و اما اگر بگوييم" يعنى مهربان تر به پدر و مادر باشد" با جمله" اقرب منه" مناسب

__________________________________________________

(1)هيچ بشرى را نمى رسد كه خدا با او تكلم كند، مگر از راه وحى، يا از وراى حجاب. سوره شورى، آيه 51.

(2)و خدا از وراى ايشان است. سوره بروج، آيه 20.

(3)از احدى جز خدا نمى ترسند. سوره احزاب، آيه 39.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 483

نيست، چون معمولا نمى گويند در مهر و محبت نزديكتر باشد، و معناى قبلى مناسب تر است.

و اين معنا همانطور كه از نظر خواننده گذشت تاييد مى كند كه منظور از جمله" أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً" كه در آيه قبلى بود اين باشد كه فرزند نامبرده پدر و مادر را با طغيان و كفر خود ارهاق كند، يعنى طاغى و كافر كند، نه اينكه به آنها تكليف كند كه طاغى و كافر شوند.

و اين آيه به هر حال اشاره به اين دارد كه ايمان پدر و مادرش نزد خدا ارزش داشته، آن قدر كه اقتضاى داشتن فرزندى مؤمن و صالح را داشته اند كه با آن دو صله رحم كند، و آنچه در فرزند اقتضاء داشته خلاف اين بوده، و خدا امر فرموده تا او را بكشد، تا فرزندى ديگر بهتر از او و صالح تر و رحم دوست تر از او به آن دو بدهد." وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً".

بعيد نيست كه از سياق استظهار شود كه مدينه (شهر) مذكور در اين آيه غير از آن قريه اى بوده كه در آن ديوارى مشرف به خرابى ديده و بنايش كردند، زيرا اگر مدينه همان قريه بوده ديگر زياد احتياج نبوده كه بفرمايد: دو غلام يتيم در آن بودند، پس گويا عنايت بر اين بوده كه اشاره كند بر اينكه دو يتيم و سرپرست آن دو در قريه حاضر نبوده اند.

ذكر يتيمى دو پسر، و وجود گنجى متعلق به آن دو در زير ديوار، و اين معنا كه اگر ديوار بريزد گنج فاش گشته از بين مى رود، و اينكه پدر آن دو يتيم مردى صالح بوده، همه زمينه چينى براى اين بوده كه بفرمايد:" فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما"، و جمله" رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ" تعليل اين اراده است.

پس رحمت خداى تعالى سبب اراده او است به اينكه يتيم ها به گنج خود برسند، و چون محفوظ ماندن گنج منوط به اقامه ديوار روى آن بوده، لا جرم خضر آن را به پا داشت، و سبب برانگيخته شدن رحمت خدا همان صلاح پدر آن دو بوده كه مرگش رسيده و دو يتيم و يك گنج از خود به جاى گذاشته است.

در موافقت دادن ميان صلاح پدر ايتام و دفينه كردنش گنج را براى فرزندان بحثهايى طولانى كرده اند با اينكه خداى تعالى دفينه كردن پول را مذمت نموده و فرموده:" وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ" «1».

__________________________________________________

(1)كسانى كه طلا و نقره را دفينه مى كنند و در راه خدا انفاقش نمى كنند به عذاب دردناكى نويدشان ده. سوره توبه، آيه 34.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 484

لكن آيه مورد بحث متعرض بيش از اين نيست كه در زير ديوار گنجى از براى آن دو يتيم بوده، و ديگر دلالت ندارد بر اينكه پدرشان آن را دفن كرده باشد. علاوه بر اينكه به فرضى هم كه پدر آنان دفن كرده باشد توصيف پدر آنان به اينكه مردى صالح بوده خود دليل بر اين است كه گنج مزبور هر چه بوده مذموم نبوده. از اين هم كه بگذريم ممكن است پدر صالح آن دو گنجى را به ملاك جايزى براى فرزندانش دفن كرده باشد. اين كار بالاتر از سوراخ كردن كشتى نيست، چطور آن دو كار با تاويل امر الهى جائز باشد اينهم لا بد تاويلى داشته است، البته در اين ميان روايتى هست كه در بحث روايتى آينده خواهد آمد- ان شاء اللَّه تعالى.

اين آيه دلالت دارد بر اينكه صلاح انسان گاهى در وارث انسان اثر نيك مى گذارد، و سعادت و خير را در ايشان سبب مى گردد، هم چنان كه آيه شريفه" وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ ..." «1» نيز دلالت دارد بر اينكه صلاح پدر و مادر در سرنوشت فرزند مؤثر است. و اينكه فرمود" وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" كنايه است از اينكه حضرت خضر هر كارى كه كرده به امر ديگرى يعنى به امر خداى سبحان بوده نه به امرى كه نفسش كرده باشد.

" ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً".

كلمه" تستطع" از" استطاع، يسطيع" به معناى" استطاع، يستطيع" است. در اول سوره آل عمران هم گذشت كه تاويل در عرف قرآن عبارت است از حقيقتى كه هر چيزى متضمن آن است و وجودش مبتنى بر آن و برگشتش به آن است، مانند تاويل خواب كه به معناى تعبير آن است، و تاويل حكم كه همان ملاك آن است، و تاويل فعل كه عبارت از مصلحت و غايت حقيقى آن، و تاويل واقعه علت واقعى آن است، و همچنين است در هر جاى ديگرى كه استعمال شود.

پس اينكه فرمود:" ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ ..." اشاره اى است از خضر به اينكه آنچه براى وقايع سه گانه تاويل آورد و عمل خود را در آن وقايع توجيه نمود سبب حقيقى آن وقايع بوده نه آنچه كه موسى از ظاهر آن قضايا فهميده بود، چه آن جناب از قضيه كشتى تسبيب هلاكت مردم، و از قضيه كشتن آن پسر، قتل بدون جهت، و از قضيه ديوار سازى سوء تدبير در

__________________________________________________

(1)بايد بترسند كسانى كه اگر بعد از خود وارثى و ذريه صغيرى باقى مى گذارد، و از ناملايمات به جان آنان مى ترسند ... سوره نساء، آيه 9.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 485

زندگى را فهميده بود.

بعضى «1» از مفسرين گفته اند: خضر (ع) در كلام خود ادبى زيبا نسبت به پروردگار خود رعايت كرده و آن قسمت از كارها را كه خالى از نقص نبوده به خود نسبت داده مثلا گفته است:" فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها" و آنچه انتسابش هم به خود و هم به خدا جائز بوده با صيغه متكلم مع الغير تعبير كرده، و مثلا گفته است:" فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما" و يا فرموده:

" فخشينا" و آنچه كه مربوط به ربوبيت و تدبير خداى تعالى بوده به ساحت مقدس او اختصاص داده، و فرموده:" فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما".

بحثى تاريخى در دو فصل ..... ص : 485

1- داستان موسى و خضر در قرآن ..... ص : 485

خداى سبحان به موسى وحى كرد كه در سرزمينى بنده اى دارد كه داراى علمى است كه وى آن را ندارد، و اگر به طرف مجمع البحرين برود او را در آنجا خواهد ديد به اين نشانه كه هر جا ماهى زنده- و يا گم- شد همانجا او را خواهد يافت.

موسى (ع) تصميم گرفت كه آن عالم را ببيند، و چيزى از علوم او را فرا گيرد، لا جرم به رفيقش اطلاع داده به اتفاق به طرف مجمع البحرين حركت كردند و با خود يك عدد ماهى مرده برداشته به راه افتادند تا بدانجا رسيدند و چون خسته شده بودند بر روى تخته سنگى كه بر لب آب قرار داشت نشستند تا لحظه اى بياسايند و چون فكرشان مشغول بود از ماهى غفلت نموده فراموشش كردند.

از سوى ديگر ماهى زنده شد و خود را به آب انداخت- و يا مرده اش به آب افتاد- رفيق موسى با اينكه آن را ديد فراموش كرد كه به موسى خبر دهد، از آنجا برخاسته به راه خود ادامه دادند تا آنكه از مجمع البحرين گذشتند و چون بار ديگر خسته شدند موسى به او گفت غذايمان را بياور كه در اين سفر سخت كوفته شديم. در آنجا رفيق موسى به ياد ماهى و آنچه كه از داستان آن ديده بود افتاد، و در پاسخش گفت: آنجا كه روى تخته سنگ نشسته بوديم ماهى را ديدم كه زنده شد و به دريا افتاد و شنا كرد تا ناپديد گشت، من خواستم به تو بگويم ولى شيطان از يادم برد- و يا ماهى را فراموش كردم در نزد صخره پس به دريا افتاد و رفت.

__________________________________________________

(1)تفسير فخر رازى، ج 21، ص 162.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 486

موسى گفت: اين همان است كه ما، در طلبش بوديم و آن تخته سنگ همان نشانى ما است پس بايد بدانجا برگرديم. بى درنگ از همان راه كه رفته بودند برگشتند، و بنده اى از بندگان خدا را كه خدا رحمتى از ناحيه خودش و علمى لدنى به او داده بود بيافتند. موسى خود را بر او عرضه كرد و درخواست نمود تا او را متابعت كند و او چيزى از علم و رشدى كه خدايش ارزانى داشته به وى تعليم دهد. آن مرد عالم گفت: تو نمى توانى با من باشى و آنچه از من و كارهايم مشاهده كنى تحمل نمايى، چون تاويل و حقيقت معناى كارهايم را نمى دانى، و چگونه تحمل توانى كرد بر چيزى كه احاطه علمى بدان ندارى؟ موسى قول داد كه هر چه ديد صبر كند و ان شاء اللَّه در هيچ امرى نافرمانيش نكند. عالم بنا گذاشت كه خواهش او را بپذيرد، و آن گاه گفت پس اگر مرا پيروى كردى بايد كه از من از هيچ چيزى سؤال نكنى، تا خودم در باره آنچه مى كنم آغاز به توضيح و تشريح كنم.

موسى و آن عالم حركت كردند تا بر يك كشتى سوار شدند، كه در آن جمعى ديگر نيز سوار بودند موسى نسبت به كارهاى آن عالم خالى الذهن بود، در چنين حالى عالم كشتى را سوراخ كرد، سوراخى كه با وجود آن كشتى ايمن از غرق نبود، موسى آن چنان تعجب كرد كه عهدى را كه با او بسته بود فراموش نموده زبان به اعتراض گشود و پرسيد چه مى كنى؟

مى خواهى اهل كشتى را غرق كنى؟ عجب كار بزرگ و خطرناكى كردى؟ عالم با خونسردى جواب داد: نگفتم تو صبر با من بودن را ندارى؟ موسى به خود آمده از در عذرخواهى گفت من آن وعده اى را كه به تو داده بودم فراموش كردم، اينك مرا بدانچه از در فراموشى مرتكب شدم مؤاخذه مفرما، و در باره ام سخت گيرى مكن.

سپس از كشتى پياده شده به راه افتادند در بين راه به پسرى برخورد نمودند عالم آن كودك را بكشت. باز هم اختيار از كف موسى برفت و بر او تغير كرد، و از در انكار گفت اين چه كار بود كه كردى؟ كودك بى گناهى را كه جنايتى مرتكب نشده و خونى نريخته بود بى جهت كشتى؟ راستى چه كار بدى كردى! عالم براى بار دوم گفت: نگفتم تو نمى توانى در مصاحبت من خود را كنترل كنى؟ اين بار ديگر موسى عذرى نداشت كه بياورد، تا با آن عذر از مفارقت عالم جلوگيرى كند و از سوى ديگر هيچ دلش رضا نمى داد كه از وى جدا شود، بناچار اجازه خواست تا به طور موقت با او باشد، به اين معنا كه مادامى كه از او سؤالى نكرده با او باشد، همين كه سؤال سوم را كرد مدت مصاحبتش پايان يافته باشد و درخواست خود را به اين بيان اداء نمود: اگر از اين به بعد از تو سؤالى كنم ديگر عذرى نداشته باشم.

عالم قبول كرد، و باز به راه خود ادامه دادند تا به قريه اى رسيدند، و چون گرسنگيشان ترجمه الميزان، ج 13، ص: 487

به منتها درجه رسيده بود از اهل قريه طعامى خواستند و آنها از پذيرفتن اين دو ميهمان سر باز زدند. در همين اوان ديوار خرابى را ديدند كه در شرف فرو ريختن بود، به طورى كه مردم از نزديك شدن به آن پرهيز مى كردند، پس آن ديوار را به پا كرد. موسى گفت: اينها كه از ما پذيرايى نكردند، و ما الآن محتاج به آن دستمزد بوديم.

مرد عالم گفت: اينك فراق من و تو فرا رسيده. تاويل آنچه كردم برايت مى گويم و از تو جدا مى شوم، اما آن كشتى كه ديدى سوراخش كردم مال عده اى مسكين بود كه با آن در دريا كار مى كردند و هزينه زندگى خود را به دست مى آوردند و چون پادشاهى از آن سوى دريا كشتى ها را غصب مى كرد و براى خود مى گرفت، من آن را سوراخ كردم تا وقتى او پس از چند لحظه مى رسد كشتى را معيوب ببيند و از گرفتنش صرفنظر كند.

و اما آن پسر كه كشتم خودش كافر و پدر و مادرش مؤمن بودند، اگر او زنده مى ماند با كفر و طغيان خود پدر و مادر را هم منحرف مى كرد، رحمت خدا شامل حال آن دو بود، و به همين جهت مرا دستور داد تا او را بكشم، تا خدا به جاى او به آن دو فرزند بهترى دهد، فرزندى صالح تر و به خويشان خود مهربانتر و بدين جهت او را كشتم.

و اما ديوارى كه ساختم، آن ديوار مال دو فرزند يتيم از اهل اين شهر بود و در زير آن گنجى نهفته بود، متعلق به آن دو بود، و چون پدر آن دو، مردى صالح بود به خاطر صلاح پدر رحمت خدا شامل حال آن دو شد، مرا امر فرمود تا ديوار را بسازم به طورى كه تا دوران بلوغ آن دو استوار بماند، و گنج محفوظ باشد تا آن را استخراج كنند، و اگر اين كار را نمى كردم گنج بيرون مى افتاد و مردم آن را مى بردند.

آن گاه گفت: من آنچه كردم از ناحيه خود نكردم، بلكه به امر خدا بود و تاويلش هم همان بود كه برايت گفتم: اين بگفت و از موسى جدا شد.

2- شخصيت خضر [(عليه السلام) در روايات ] ..... ص : 487

در قرآن كريم در باره حضرت خضر غير از همين داستان رفتن موسى به مجمع البحرين چيزى نيامده و از جوامع اوصافش چيزى ذكر نكرده مگر همين كه فرموده:" فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً" «1».

از آنچه از روايات نبوى و يا روايات وارده از طرق ائمه اهل بيت (ع) در داستان خضر رسيده چه مى توان فهميد؟ از روايت محمد بن عماره كه از امام صادق

__________________________________________________

(1)پس برخوردند به بنده اى از بندگان ما كه ما به وى رحمتى از خود داده و از ناحيه خود به وى علمى آموختيم. سوره كهف، آيه 65.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 488

(ع)نقل شده و در بحث روايتى آينده خواهد آمد، چنين برمى آيد كه آن جناب پيغمبرى مرسل بوده كه خدا به سوى قومش مبعوثش فرموده بود، و او مردم خود را به سوى توحيد و اقرار به انبياء و فرستادگان خدا و كتابهاى او دعوت مى كرده و معجزه اش اين بوده كه روى هيچ چوب خشكى نمى نشست مگر آنكه سبز مى شد و بر هيچ زمين بى علفى نمى نشست مگر آنكه سبز و خرم مى گشت، و اگر او را خضر ناميدند به همين جهت بوده است و اين كلمه با اختلاف مختصرى در حركاتش در عربى به معناى سبزى است، و گرنه اسم اصلى اش تالى بن ملكان بن عابر بن ارفخشد بن سام بن نوح است ...

مؤيد اين حديث در وجه ناميدن او به خضر مطلبى است كه در الدر المنثور از عده اى از ارباب جوامع حديث از ابن عباس و ابى هريره از رسول خدا (ص) نقل شده كه فرمود: خضر را بدين جهت خضر ناميدند كه وقتى روى پوستى سفيد رنگ نماز گزارد، همان پوست هم سبز شد «1».

و در بعضى از اخبار مانند روايت عياشى «2» از بريد از يكى از دو امام باقر يا صادق (ع) آمده كه: خضر و ذو القرنين دو مرد عالم بودند نه پيغمبر. و ليكن آيات نازله در داستان خضر و موسى خالى از اين ظهور نيست كه وى نبى بوده، و چطور ممكن است بگوييم نبوده در حالى كه در آن آيات آمده كه حكم بر او نازل شده است.

و از اخبار متفرقه اى كه از امامان اهل بيت (ع) نقل شده برمى آيد كه او تا كنون زنده است و هنوز از دنيا نرفته. و از قدرت خداى سبحان هيچ دور نيست كه بعضى از بندگان خود را عمرى طولانى دهد و تا زمانى طولانى زنده نگهدارد. برهانى عقلى هم بر محال بودن آن نداريم و به همين جهت نمى توانيم انكارش كنيم.

علاوه بر اينكه در بعضى روايات از طرق عامه سبب اين طول عمر هم ذكر شده. در روايتى كه الدر المنثور از دارقطنى و ابن عساكر از ابن عباس نقل كرده اند چنين آمده كه: او فرزند بلا فصل آدم است و خدا بدين جهت زنده اش نگه داشته تا دجال را تكذيب كند «3». و در بعضى ديگر كه در الدر المنثور از ابن عساكر از ابن اسحاق روايت شده نقل گرديده كه آدم براى بقاى او تا روز قيامت دعا كرده است «4».

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 234.

(2)تفسير عياشى، ج 2، ص 303.

(3 و 4)الدر المنثور، ج 4، ص 234. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 489

و در تعدادى از روايات كه از طرق شيعه «1» و سنى «2» رسيده آمده كه خضر از آب حيات كه واقع در ظلمات است نوشيده، چون وى در پيشاپيش لشكر ذو القرنين كه در طلب آب حيات بود قرار داشت، خضر به آن رسيد و ذو القرنين نرسيد. و اين روايات و امثال آن روايات آحادى است كه قطع به صدورش نداريم، و از قرآن كريم و سنت قطعى و عقل هم دليلى بر توجيه و تصحيح آنها نداريم.

قصه ها و حكايات و همچنين روايات در باره حضرت خضر بسيار است و ليكن چيزهايى است كه هيچ خردمندى به آن اعتماد نمى كند. مانند اينكه در روايت الدر المنثور از ابن شاهين از خصيف آمده كه: چهار نفر از انبياء تا كنون زنده اند، دو نفر آنها يعنى عيسى و ادريس در آسمانند و دو نفر ديگر يعنى خضر و الياس در زمينند، خضر در دريا و الياس در خشكى است «3».

و نيز مانند روايت الدر المنثور از عقيلى از كعب كه گفته: خضر در ميان درياى بالا و درياى پائين بر روى منبرى قرار دارد، و جنبندگان دريا مامورند كه از او شنوايى داشته باشند و اطاعتش كنند، و همه روزه صبح و شام ارواح بر وى عرضه مى شوند «4».

و مانند روايت الدر المنثور از ابى الشيخ در كتاب" العظمة" و ابى نعيم در حليه از كعب الاحبار كه گفته: خضر پسر عاميل با چند نفر از رفقاى خود سوار شده به درياى هند رسيد- و درياى هند همان درياى چين است- در آنجا به رفقايش گفت: مرا به دريا آويزان كنيد، چند روز و شب آويزان بوده آن گاه صعود نمود گفتند: اى خضر چه ديدى؟ خدا عجب اكرامى از تو كرد كه در اين مدت در لجه دريا محفوظ ماندى! گفت: يكى از ملائكه به استقبالم آمده گفت: اى آدمى زاده خطاكار از كجا مى آيى و به كجا مى روى؟ گفتم:

مى خواهم ته اين دريا را ببينم. گفت: چگونه مى توانى به ته آن برسى در حالى كه از زمان داود (ع) مردى به طرف قعر آن مى رود و تا به امروز نرسيده. با اينكه از آن روز تا امروز سيصد سال مى گذرد «5». و رواياتى ديگر از اين قبيل روايات كه مشتمل بر نوادر داستانها است.

__________________________________________________

(1)تفسير برهان، ج 2، ص 480، ح 6.

(2، 3، 4)الدر المنثور، ج 4- ص 239.

(5)الدر المنثور، ج 4، ص 239.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 490

بحث روايتى [رواياتى در باره داستان مصاحبت و مفارقت موسى و خضر (عليهما السلام) و اختلاف فراوان روايات در جهات و جزئيات اين داستان ] ..... ص : 490

اشاره

در تفسير برهان از ابن بابويه و او به سند خود از جعفر بن محمد بن عماره از پدرش از جعفر بن محمد (ع) روايت كرده كه در ضمن حديثى فرمود: خدا وقتى با موسى تكلم كرد، تكلم كردنى، و تورات را بر او نازل كرد و در الواح برايش از همه چيز موعظه و تفصيل بنوشت و معجزه اى در دست او و معجزه اى در عصاى او قرار داد، و معجزه هايى در جريان طوفان و ملخ و قورباغه و سوسمار و خون و شكافته شدن دريا و غرق فرعون و لشگرش به دست او جارى ساخت طبع بشرى او بر آنش داشت كه در دل بگويد: گمان نمى كنم خدا خلقى آفريده باشد كه داناتر از من باشد، به محضى كه اين خيال در دلش خطور نمود خداى عز و جل به جبرئيلش وحى كرد، بنده ام را قبل از آنكه (در اثر عجب) هلاك گردد درياب و به او بگو كه در محل تلاقى دو دريا مرد عابدى است، بايد او را پيروى كنى و از او تعليم بگيرى.

جبرئيل بر موسى نازل شد و پيام خداى را به او رسانيد. موسى (ع) فهميد كه اين دستور به خاطر آن خيالى است كه در دل كرده، لا جرم با همراه خود يوشع بن نون به راه افتاد تا به مجمع البحرين رسيدند. در آنجا به خضر برخوردند كه مشغول عبادت خداى عز و جل بود و قرآن كريم در اين باره فرموده" فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ..." «1».

مؤلف: اين حديث داستان را مفصل آورده و جزئيات مصاحبت موسى و خضر را كه قرآن كريم هم بازگو كرده شرح داده است.

و عياشى داستان را در تفسيرش «2» به دو طريق و قمى «3» نيز به دو طريق يكى با سند و يكى بى سند روايت كرده اند. و الدر المنثور «4» آن را به طرق زيادى از ارباب جوامع از قبيل بخارى، مسلم، نسايى، ترمذى و غير ايشان از ابن عباس و از ابى بن كعب از رسول خدا (ص) روايت كرده است.

همه احاديث در آن مضمونى كه ما از حديث محمد بن عماره آورديم متفقند. و نيز در

__________________________________________________

(1)تفسير برهان، ج 2، ص 472.

(2)تفسير عياشى، ج 2، ص 330 و 332.

(3)تفسير قمى، ج 2، ص 37 و 38.

(4)الدر المنثور، ج 4، ص 229.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 491

اينكه آن ماهى كه با خود داشته اند در روى تخت سنگ زنده شده و راه خود را در دريا گرفته و ناپديد شده، اتفاق دارند. ليكن در بسيارى از جزئيات كه زائد بر آنچه از قصه در قرآن آمده است اختلاف دارند.

يكى آن مطلبى است كه از روايت ابن بابويه و قمى به دست مى آيد كه مجمع البحرين در سرزمين شامات و فلسطين واقع بوده، به قرينه اينكه در روايت، اين دو بزرگوار آن قريه اى كه در كنار آن ديوار ساختند ناصره ناميده شده كه نصارى منسوب به آنند و ناصره در اين سرزمين است. ولى در بعضى از روايات، مجمع البحرين را اراضى آذربايجان دانسته. اين معنا را الدر المنثور هم از سدى نقل كرده كه گفته است: آن دو بحر عبارت بوده از" كر" و" رس" كه در دريا مى ريختند و قريه نامبرده در داستان" باجروان" ناميده مى شده كه مردمش بسيار لئيم و پست بوده اند. و از ابى روايت شده كه آن قريه" افريقيه" بوده و از قرظى نقل شده كه گفته است" طنجه" بوده. و از قتاده نقل شده كه مجمع البحرين محل تلاقى درياى روم و درياى فارس است «1».

اختلاف ديگرى كه وجود دارد در باره آن ماهى است. در بعضى «2» آمده كه ماهى بريان بوده. و در بيشتر روايات «3» آمده كه ماهى شور بوده، و در مرسله قمى «4» و در روايات «5» مسلم و بخارى و نسايى و ترمذى و ديگران آمده كه نزد تخته سنگ چشمه حيات بوده. حتى در روايت مسلم و غير او آمده كه آن آب، آب حيات بوده كه هر كس از آن بخورد هميشه زنده مى ماند و هيچ مرده بى جانى به آن نزديك نمى شود مگر آنكه زنده مى گردد، به همين جهت بوده كه وقتى موسى و رفيقش نزديك آن آب نشستند ماهى زنده شد ... و در غير اين روايت آمده: رفيق موسى از آن آب وضو گرفت، از آب وضويش يك قطره به آن ماهى چكيد و زنده اش كرد. و در ديگرى آمده كه يوشع از آن آب خورد در حالى كه حق خوردن نداشت پس خضر چون او را با موسى بديد به جرم اينكه از آن آب نوشيده او را در يك كشتى بست و رهايش كرد او در نتيجه در ميان امواج دريا سرگردان هست تا قيامت قيام كند.

و در بعضى ديگر آمده: نزديك صخره، چشمه حيات بوده، همان چشمه اى كه خود

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 235.

(2)منهج الصادقين، ج 5، ص 366.

(3)نور الثقلين، ج 3، ص 270، ح 128.

(4)تفسير قمى، ج 2، ص 37.

(5)الدر المنثور، ج 4، ص 231.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 492

خضر از آن نوشيد- اين قسمت را ساير روايات ندارند.

و از جمله اختلافاتى كه در اين داستان هست اين است كه در چهار روايت صحيح مسلم، بخارى، نسايى، و ترمذى، و غير آنها آمده كه: ماهى به دريا افتاد و راه خود را پيش گرفت كه برود، پس خداوند متعال آب را بر آن ماهى از جريان انداخت، در نتيجه ماهى در قطعه اى از آب كه به صورت اطاقى درآمده بود محبوس شد ... و در بعضى ديگر آمده كه موسى بعد از آنكه از سفر با خضر برگشت اثر حركت ماهى را ديد، و آن را دنبال كرد، هر جا كه مى رفت موسى هم روى آب مى رفت تا به جزيره اى از جزائر عرب رسيدند.

و در حديث طبرى از ابن عباس آمده كه: او، يعنى موسى، برگشت تا نزد تخته سنگ رسيد، در آنجا ماهى را ديد، ماهى فرار كرد و در آب به اين سو و آن سو مى رفت و خود را به دريا مى زد. موسى هم او را دنبال نمود، با عصاى خود به آب مى زد و آب كنار مى رفت تا او را بگيرد، از اين به بعد ماهى هر جا كه از دريا مى گذشت خشك مى شد و مانند تخته سنگ مى گرديد «1» ... بعضى از روايات هم اين قسمت را ندارد.

اختلاف ديگر، در محل ملاقات با خضر است، در بيشتر روايات آمده كه موسى خضر را نزد تخته سنگ ديد. و در بعضى آمده كه ماهى را دنبال كرد تا بگيرد، به جزيره اى از جزائر دريا رسيد، آنجا خضر را ديدار كرد. و در بعضى آمده كه او را ديد كه روى آب نشسته، و يا تكيه داده است.

اختلاف ديگر در اين است كه آيا رفيق موسى هم با موسى و خضر بود يا آن دو وى را رها نموده پى كار خود رفتند؟.

اختلاف ديگر در كيفيت سوراخ كردن كشتى و كيفيت كشتن آن كودك و در كيفيت بر پا داشتن ديوار و در گنج نهفته در زير آن است، ليكن اكثر روايات دارد كه گنج مذكور لوحى از طلا بوده كه در آن مواعظى چند نوشته شده بوده. و در خصوص پدر صالح ظاهر بيشتر روايات اين است كه پدر بلافصل آن دو كودك بوده ولى در بعضى ديگر آمده كه جد دهمى و در بعضى هفتمى بوده. و در بعضى آمده كه ميان آن كودك و آن پدر صالح هفتاد پدر فاصله بوده. و در بعضى از روايات آمده كه هفتصد سال فاصله بوده. و اختلافات ديگرى از اين قبيل كه در جهات مختلف اين داستان وجود دارد.

و در تفسير قمى از محمد بن بلال از يونس در نامه اى كه به حضرت رضا (ع)

__________________________________________________

(1)تاريخ طبرى، ج 1، ص 370.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 493

نوشته اند از آن جناب پرسيده اند از موسى و آن عالمى كه نزدش رفت كدام عالم تر بودند؟

ديگر اينكه آيا جائز است كه پيغمبرى چون موسى كه خودش حجت خدا بوده حجتى ديگر در زمان خود او بوده باشد؟ حضرت فرموده است: موسى نزد آن عالم رفت و او را در جزيره اى از جزاير دريا ديدار نمود كه يا نشسته بود و يا تكيه داده بود، موسى سلام داد، و او معناى سلام را نفهميد، چون در همه روى زمين سلام دادن معمول نبود.

پرسيد تو كيستى؟ گفت: من موسى بن عمرانم، پرسيد تو آن موسى بن عمرانى كه خدا با او تكلم كرده؟ گفت آرى. پرسيد چه حاجت دارى؟ گفت: آمده ام تا مرا از آن رشدى كه تعليم داده شده اى تعليمم دهى. گفت: من موكل بر امرى شده ام كه تو طاقت آن را ندارى، هم چنان كه تو موظف به امرى شده اى كه من طاقتش را ندارم،- تا آخر حديث «1».

مؤلف: اين معنا در اخبار ديگرى، هم از طرق شيعه و هم سنى روايت شده.

و در الدر المنثور است كه حاكم- وى حديث را صحيح دانسته- از ابى روايت كرده كه رسول خدا (ص) فرمود: وقتى موسى خضر را ديد مرغى آمد و منقار خود را در آب فرو برد، خضر به موسى گفت: مى بينى كه اين مرغ با اين عمل خود چه مى گويد؟

گفت: چه مى گويد. گفت مى گويد: علم تو و علم موسى در برابر علم خدا در مثل مانند آبى مى ماند كه من با منقارم از دريا برمى دارم «2».

مؤلف: داستان اين مرغ در اغلب روايات اين داستان آمده.

و در تفسير عياشى از هشام بن سالم از ابو عبد اللَّه (ع) روايت كرده كه فرمود: موسى عالمتر از خضر بود «3».

و در همان كتاب از ابو حمزه از امام باقر (ع) روايت شده كه فرموده:

جانشين موسى يوشع بن نون بوده و مقصود از" فتى" كه در قرآن كريم آمده همو است «4».

باز در آن كتاب از عبد اللَّه بن ميمون قداح از امام صادق از پدرش (ع) روايت آورده كه فرمود: روزى موسى در ميان جمعى از بزرگان بنى اسرائيل نشسته بود، مردى به او گفت: من احدى را سراغ ندارم كه به خدا عالم تر از تو باشد. موسى هم گفت: من نيز سراغ ندارم. خدا بدو وحى فرستاد كه چرا، بنده ام خضر از تو به من داناتر است. موسى تقاضا كرد تا

__________________________________________________

(1)تفسير قمى، ج 2، ص 38. [.....]

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 234.

(3 و 4)تفسير عياشى، ج 2، ص 330، ح 42 و 43.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 494

بدو راهش بنمايد. قضيه ماهى، نشانى ميان موسى و خدا بود براى يافتن خضر كه داستانش را قرآن كريم آورده «1».

مؤلف: اين روايت با روايتى كه آن دو را برابر مى دانست مخالف است، و لذا بايد حمل شود بر اينكه نوع علم آن دو مختلف بوده.

[چند روايت در مورد اينكه خداوند بعد از مرگ بنده صالح، جانشين او در مال و اولاد او مى شود] ..... ص : 494

و در همان كتاب از ابى بصير از امام صادق (ع) آمده كه در ذيل جمله" فخشينا" فرموده: ترسيد از اينكه آن پسرك بزرگ شود، و پدر و مادر خود را به كفر دعوت كند و آن دو به خاطر شدت محبتى كه به وى داشتند دعوتش را بپذيرند «2».

باز در آن كتاب از عثمان از مردى از امام صادق (ع) روايت كرده كه در ذيل جمله" فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً" فرموده: همين طور هم شد، زيرا صاحب دخترى شدند كه آن دختر پيغمبرى زائيد «3».

مؤلف: در اكثر روايات آمده كه از آن دختر هفتاد پيغمبر- البته با واسطه- به دنيا آمد.

و نيز در آن كتاب از اسحاق بن عمار روايت كرده كه گفت: من از امام صادق (ع) شنيدم كه مى فرمود: خداوند به خاطر صلاح مردى مؤمن فرزند او را هم اصلاح مى كند، و خاندان خودش و بلكه اطرافيانش را حفظ مى فرمايد. و در سايه كرامت خدا مدام در حفظ خدا هستند. آن گاه به عنوان شاهد مثال داستان" لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ" را ذكر كرد و فرمود:

نمى بينى چگونه خدا صلاح پدر و مادر آن دو را با لطف و رحمت نسبت به آن دو شكر گذاشت؟ «4».

و در همان كتاب از مسعدة بن صدقه از جعفر بن محمد از پدرانش (ع) روايت كرده كه رسول خدا (ص) فرمود: خداوند، بعد از مرگ بنده صالح جانشين او در مال و اولاد او مى شود، هر چند كه اهل و اولاد او اهل و اولاد بدى باشند، آن گاه اين آيه را:" وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً" تا به آخرش تلاوت فرمود «5».

و در الدر المنثور است كه ابن مردويه از جابر روايت كرده كه گفت: رسول خدا (ص) فرمود: خدا به خاطر صلاح آدمى، امر اولاد و اولاد اولاد و امر اهل خانه هاى پيرامون او را اصلاح مى كند، و ما دام كه در ميان آنان است ايشان را حفظ

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 334، ح 48.

(2 و 3)تفسير عياشى، ج 2، ص 336، ح 56 و 59.

(4)تفسير عياشى، ج 2، ص 337، ح 63.

(5)تفسير عياشى، ج 2، ص 339، ح 68.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 495

مى فرمايد «1».

مؤلف: روايات در اين معنا بسيار زياد است.

و در كافى به سند خود از صفوان جمال روايت مى كند كه گفت: از امام صادق (ع) از قول خداى عز و جل پرسيدم كه مى فرمايد:" وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما" فرمود: اما آن گنج طلا و نقره نبود، بلكه چهار كلمه بود: 1- لا اله الا اللَّه 2- كسى كه به مرگ يقين دارد چطور به خود اجازه خنده مى دهد؟ 3- كسى كه يقين به حساب دارد هرگز قلبش خوشحال نمى گردد. 4- كسى كه به قدر، يقين دارد جز از خدا نمى هراسد «2».

مؤلف: روايات از طرق شيعه و اهل سنت زياد رسيده كه گنجى كه در زير ديوار بود لوحى بوده كه در آن چهار كلمه نقش شده بود. و در بيشتر آن روايات آمده كه لوحى از طلا بوده، و اين منافات با روايت صفوان كه داشت:" آن گنج از طلا و نقره نبود" ندارد، چون مقصود امام در روايت مزبور اين است كه آن گنج از سنخ پول و درهم و دينار نبوده، متبادر از عبارت هم همين است.

روايات مختلفى در تعيين كلماتى كه گفتيم بر آن لوح مكتوب بوده وجود دارد، و ليكن بيشتر آنها در كلمه توحيد و دو مساله قدر و مرگ اتفاق دارند. و در بعضى از آنها شهادت به رسالت خاتم الانبياء (ص) هم ذكر شده، مانند روايتى كه الدر المنثور از بيهقى در- كتاب شعب الايمان- از على بن ابى طالب نقل كرده كه در تفسير جمله" وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما" فرمود: لوحى از طلا بوده كه در آن نوشته بوده" لا اله الا اللَّه محمد رسول اللَّه، عجب است كار كسى كه مى گويد مرگ حق است و خوشحالى هم به خود راه مى دهد، عجب است از كسى كه مى گويد آتش حق است و با اينحال مى خندد، و عجب است از كار كسى كه مى گويد قدر حق است و غمگين مى شود؟ و عجب است از كار كسى كه مى بيند وضع دنيا و دست به دست شدن و دگرگونى هايش را كه در اهل خود دارد و به آن دل مى بندد و اعتماد مى كند؟.

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 235.

(2)اصول كافى.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 496

[سوره الكهف (18): آيات 83 تا 102] ..... ص : 496

اشاره

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87)

وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92)

حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97)

قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102)

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 497

ترجمه آيات ..... ص : 497

از تو از ذو القرنين پرسند. بگو: براى شما از او خبرى خواهم خواند (83).

ما به او در زمين تمكين داديم و از هر چيز وسيله اى عطا كرديم (84).

پس راهى را تعقيب كرد (85).

چون به غروبگاه آفتاب رسيد آن را ديد كه در چشمه اى گل آلود فرو مى رود و نزديك چشمه گروهى را يافت. گفتيم اى ذو القرنين يا عذاب مى كنى يا ميان آن طريقه اى نيكو پيش مى گيرى (86).

گفت: هر كه ستم كند زود باشد كه عذابش كنيم و پس از آن سوى پروردگارش برند و سخت عذابش كند (87).

و هر كه ايمان آورد و كار شايسته كند پاداش نيك دارد و او را فرمان خويش كارى آسان گوييم (88).

و آن گاه راهى را دنبال كرد (89).

تا به طلوع گاه خورشيد رسيد و آن را ديد كه بر قومى طلوع مى كند كه ايشان را در مقابل آفتاب پوششى نداده ايم (90).

چنين بود و ما از آن چيزها كه نزد وى بود به طور كامل خبر داشتيم (91).

آن گاه راهى را دنبال كرد (92).

تا وقتى ميان دو كوه رسيد مقابل آن قومى را يافت كه سخن نمى فهميدند (93).

گفتند: اى ذو القرنين ياجوج و ماجوج در اين سرزمين تباهكارند آيا براى تو خراجى مقرر داريم كه ميان ما و آنها سدى بنا كنى (94).

گفت: آن چيزها كه پروردگارم مرا تمكن آن را داده بهتر است مرا به نيرو كمك دهيد تا ميان شما و آنها حائلى كنم (95).

قطعات آهن پيش من آريد تا چون ميان دو ديواره پر شد گفت: بدميد تا آن را بگداخت گفت:

روى گداخته نزد من آريد تا بر آن بريزم (96).

پس نتوانستند بر آن بالا روند، و نتوانستند آن را نقب زنند (97).

گفت: اين رحمتى از جانب پروردگار من است و چون وعده پروردگارم بيايد آن را هموار سازد و وعده پروردگارم درست است (98).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 498

در آن روز بگذاريمشان كه چون موج در هم شوند و در صور دميده شود و جمعشان كنيم جمع كامل (99).

آن روز جهنم را كاملا به كافران نشان دهيم (100).

همان كسان كه ديدگانشان از ياد من در پرده بوده و شنيدن نمى توانسته اند (101).

مگر كسانى كه كافرند پندارند كه سواى من بندگان مرا خدايان توانند گرفت كه ما جهنم را براى كافران محل فرود آمدنى آماده كرده ايم (102).

بيان آيات [بيان آيات مربوط به شرح حال و بيان داستان ذو القرنين ] ..... ص : 498

اشاره

اين آيات راجع به داستان ذو القرنين است و در خلال آن پيشگويى هايى از قرآن نيز به چشم مى خورد.

" وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً".

يعنى از تو از وضع ذو القرنين مى پرسند. چون اگر مقصود معرفى شخص او بود جا داشت در جواب اسمش را معرفى كند و به ذكر لقبش كه همان ذو القرنين است اكتفاء ننمايد.

پس معلوم مى شود سائل از سرگذشت او پرسش نموده. و كلمه" ذكر" در پاسخ" بزودى ذكرى از او را براى شما مى خوانم" يا مصدر به معناى مفعول است و معنايش اين است كه" بگو به زودى از سرگذشت ذو القرنين مقدارى مذكور را مى خوانم"، و يا مراد از ذكر قرآن است كه در خود قرآن موارد زيادى به همين معنا آمده است، و در نتيجه معنايش چنين مى شود" بگو به زودى از او، يعنى از ذو القرنين، و يا از خداى تعالى قرآنى كه همان آيات بعدى است مى خوانم". و معناى دومى روشن تر است.

" إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً".

" تمكين" به معناى قدرت دادن است. وقتى گفته مى شود" مكنته" و يا" مكنت له" معنايش اين است كه من او را توانا كردم. پس" تمكن در زمين" به معناى قدرت تصرف در زمين است، تصرفى مالكانه و دلخواه، و چه بسا گفته شود كه مصدرى است ريخته و قالب گرفته شده از ماده" كون" نه از" مكن" به توهم اصالت ميم. پس تمكين به معناى استقرار و ثبات دادن است ثباتى كه باعث شود ديگر از مكانش كنده نشود و هيچ مانعى مزاحمتش نتواند كند.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 499

كلمه" سبب" به معناى وصله و وسيله است. پس معناى ايتاء سبب از هر چيز اين مى شود كه از هر چيزى كه معمولا مردم به وسيله آن متوسل به مقاصد مهم زندگى خود مى شوند، از قبيل عقل و علم و دين و نيروى جسم و كثرت مال و لشگر و وسعت ملك و حسن تدبير و غير آن. جمله مورد بحث منتى است از خداى تعالى كه بر ذو القرنين مى گذارد و با بليغ ترين بيان امر او را بزرگ مى شمارد. نمونه هايى كه خداوند تعالى از سيره و عمل و گفتار او نقل مى كند كه مملو از حكمت و قدرت است شاهد بر همين است كه غرض بزرگ شمردن امر او است.

" فَأَتْبَعَ سَبَباً".

" اتباع" به معناى لاحق شدن است، يعنى ملحق به سببى شد. و به عبارتى ديگر وصله و وسيله اى تهيه كرد كه با آن به طرف مغرب آفتاب سير كند و كرد.

" حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً".

كلمه" حتى" دلالت مى كند بر اينكه فعلى در تقدير است و تقدير كلام" فسار حتى اذا بلغ- و سير كرد تا به مغرب آفتاب رسيد" مى باشد. و مراد از مغرب آفتاب، آخر معموره آن روز از ناحيه غرب است، به دليل اينكه مى فرمايد:" نزد آن مردمى را يافت".

مفسرين گفته اند: منظور از" عين حمئة" چشمه اى داراى گل سياه يعنى لجن است، چون حماة به معناى آن است و مقصود از عين دريا است، چون بسيار مى شود كه اين كلمه به دريا هم اطلاق مى گردد. و مقصود از اينكه فرمود" آفتاب را يافت كه در دريايى لجن دار غروب مى كرد" اين است كه به ساحل دريايى رسيد كه ديگر ما وراى آن خشكى اميد نمى رفت، و چنين به نظر مى رسيد كه آفتاب در دريا غروب مى كند چون انتهاى افق بر دريا منطبق است. بعضى هم گفته اند: چنين چشمه لجن دارى با درياى محيط، يعنى اقيانوس غربى، كه جزائر خالدات در آن است منطبق است و جزائر مذكور همان جزائرى است كه در هيات و جغرافياى قديم مبدأ طول به شمار مى رفت، و بعدها غرق شده و فعلا اثرى از آنها نمانده است.

جمله" فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" به صورت" عين حامية" يعنى حاره (گرم) نيز قرائت شده و اگر اين قرائت صحيح باشد درياى حار با قسمت استوايى اقيانوس كبير كه مجاور آفريقا است منطبق مى گردد، و بعيد نيست كه ذو القرنين در رحلت غربيش به سواحل آفريقا رسيده باشد.

" قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً".

قول منسوب به خداى عز و جل در قرآن كريم، در وحى نبوى و در ابلاغ به وسيله وحى ترجمه الميزان، ج 13، ص: 500

استعمال مى شود، مانند آيه" وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ" «1» و آيه" وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ" «2» و گاهى در الهام هم كه از نبوت نيست به كار مى رود، مانند آيه" وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ" «3».

و با اين بيان روشن مى شود كه جمله" قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ ..." دلالت ندارد بر اينكه ذى القرنين پيغمبرى بوده كه به وى وحى مى شده، چون همانطورى كه گفتيم قول خدا اعم از وحى مختص به نبوت است. جمله" ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ ..." از آنجا كه نسبت به خداى تعالى در سياق غيبت آمده خالى از اشعار به اين معنا نيست كه مكالمه خدا با ذو القرنين به توسط پيغمبرى كه همراه وى بوده صورت گرفته، و در حقيقت سلطنت از او نظير سلطنت طالوت در بنى اسرائيل بوده كه با اشاره پيغمبر معاصرش و هدايت او كار مى كرده.

" إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً"- يعنى يا اين قوم را شكنجه كن و يا در آنان به رفتار نيكويى سلوك نما. پس كلمه" حسنا" مصدر به معناى فاعل و قائم مقام موصوف خود خواهد بود. ممكن هم هست وصفى باشد كه تنها به منظور مبالغه آورده شده. بعضى «4» گفته اند: مقابله ميان عذاب و اتخاذ حسن (خوشرفتارى) اشاره دارد بر اينكه اتخاذ حسن بهتر است، هر چند كه ترديد خبرى اباحه را مى رساند. پس جمله مزبور انشايى است، در صورت اخبار، و معنايش اين است كه: تو مخيرى كه يا عذابشان كنى و يا مشمول عفو خود قرارشان دهى و ليكن ظاهرا حكم تخييرى نباشد بلكه استخبارى باشد از اينكه بعدها با ايشان چه معامله اى كند عذاب يا احسان و اين با سياق جواب يعنى جمله" أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ..."

كه مشتمل بر تفصيل به تعذيب و احسان است موافق تر و مناسب تر است، زيرا اگر جمله" إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ ..." حكم تخييرى بود جمله" أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ..." تقريرى براى آن مى بود و معنايش اعلام به قبول بود كه در اين صورت فائده زيادى افاده نمى كند.

و خلاصه معناى آيه اين است كه: ما از او پرسش كرديم كه با اينان چه معامله اى مى خواهى بكنى، و حال كه برايشان مسلط شده اى از عذاب و احسان كداميك را در باره آنان اختيار مى كنى؟ و او در جواب گفته است ستمكاران ايشان را عذاب مى كنيم، سپس

__________________________________________________

(1)و گفتيم اى آدم سكونت كن. سوره بقره، آيه 35.

(2)و چون گفتيم در اين قريه داخل شويد. سوره بقره، آيه 58.

(3)و به مادر موسى وحى كرديم كه او را شير بده. سوره قصص، آيه 7.

(4)روح المعانى، ج 16، ص 34.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 501

وقتى كه به سوى پروردگار خويش بازگردند او عذاب نكر به ايشان مى دهد، و ما به مؤمن صالح احسان نموده و به آنچه مايه رفاه او است تكليفش مى كنيم.

در جمله" إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ" مفعول را نياورده و در جمله" وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً" آورده و اين بدان جهت است كه همه آنان ظالم نبودند و معلوم است كه مردمى كه وضعشان چنين باشد تعميم عذاب در باره شان صحيح نيست، بخلاف تعميم احسان كه مى شود هم صالح قومى را احسان كرد و هم طالحشان را.

[ظالمان را عذاب مى كنيم و مؤمنان صالح العمل را جزاى حسنى است ] ..... ص : 501

" أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً".

كلمه:" نكر" به معناى منكر و غير آشنا و غير معهود است، يعنى خدا ايشان را عذابى بى سابقه كند كه هيچ گمانش را نمى كردند و انتظارش را نداشتند.

مفسرين، ظلم در اين آيه را به ارتكاب شرك تفسير نموده، و تعذيب را عبارت از كشتن دانسته اند. بنا بر اين، معناى جمله چنين مى شود: اما كسى كه ظلم كند، يعنى به خدا شرك بورزد، و از شركش توبه نكند به زودى او را مى كشيم. و گويا اين معنا را از مقابل قرار گرفتن ظلم با ايمان و عمل صالح در جمله" مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً" استفاده كرده اند، و ليكن ظاهر از اين مقابله اين است كه مراد از ظلم اعم از اين است كه ايمان به خدا نياورد و شرك بورزد، و يا ايمان بياورد و شرك هم نورزد و ليكن عمل صالح نكند و به جاى آن، عمل فاسد كند يعنى فساد در زمين كند. و اگر مقابل، ظلم را مقيد به ايمان نكرده بود آن وقت ظهور در اين داشت كه اصلا مقصود از ظلم فساد انگيزى در زمين باشد بدون اينكه هيچ نظرى به شرك داشته باشد، چون معهود از سيره پادشاهان اين است كه وقتى دادگسترى كنند سرزمين خود را از فساد مفسدين پاك مى كنند، (نه از شرك) اين نظريه ما بود در تفسير ظلم به شرك و عين همين نظريه را در تفسير تعذيب، به قتل داريم.

" وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى ..."

كلمه" صالحا" وصفى است كه قائم مقام موصوف خود شده، و همچنين كلمه" حسنى". و كلمه" جزاء" حال و يا تميز و يا مفعول مطلق است، و تقدير چنين است: اما كسى كه ايمان آورد و عمل كند عملى صالح، براى اوست مثوبت حسنى در حالى كه جزاء داده مى شود، و يا از حيث جزاء، و يا جزايش مى دهيم جزاى حسنى.

" وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً"- كلمه" يسر" به معناى ميسور يعنى آسان است، و وصفى است، كه در جاى موصوف نشسته، و ظاهرا منظور از امر در" امرنا" امر تكليفى است، و تقدير كلام چنين است: به زودى به او از امر خود سخنى مى گوييم آسان، يعنى به او تكليفى مى كنيم آسان كه بر او گران نيايد.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 502

" ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ...".

يعنى در آنجا وسائلى براى سفر تهيه ديد، و به سوى مشرق حركت كرد تا به صحرايى از طرف مشرق رسيد، و ديد كه آفتاب بر قومى طلوع مى كند كه براى آنان وسيله پوششى از آن قرار نداديم.

و منظور از" ستر" آن چيزى است كه آدمى با آن خود را از آفتاب مى پوشاند و پنهان مى كند، مانند ساختمان و لباس و يا خصوص ساختمان، يعنى مردمى بودند كه روى خاك زندگى مى كردند، و خانه اى كه در آن پناهنده شوند، و خود را از حرارت آفتاب پنهان كنند نداشتند. و نيز عريان بودند و لباسى هم بر تن نداشتند. و اگر لباس و بنا را به خدا نسبت داد و فرموده:

" ما براى آنان وسيله پوششى از آن قرار نداديم" اشاره است به اينكه مردم مذكور هنوز به اين حد از تمدن نرسيده بودند كه بفهمند خانه و لباسى هم لازم است و هنوز علم ساختمان كردن و خيمه زدن و لباس بافتن و دوختن را نداشتند.

" كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً".

ظاهرا كلمه" كذلك" اشاره به وضعى باشد كه در كلام ذكر كرد. و اگر چيزى را به خودش تشبيه كرده به اعتبار مغايرت ادعايى است، كه وقتى مى خواهند مطلبى را در حق چيزى تاكيد كنند اين تشبيه را به كار مى برند. ديگر مفسرين، مشار اليه به" كذلك" را چيزهاى ديگرى دانسته اند كه از فهم بعيد است.

ضمير در كلمه" لديه" به ذو القرنين برمى گردد، و جمله" وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً" جمله حاليه است، و معنايش اين است كه: او وسيله اى براى سير و سفر تهيه ديده به راه افتاد، تا به محل طلوع آفتاب رسيد، و در آنجا مردمى چنين و چنان يافت در حالى كه ما احاطه علمى و آگاهى از آنچه نزد او مى شد داشتيم. از عده و عده اش از آنچه جريان مى يافت خبردار بوديم. و ظاهرا احاطه علمى خدا به آنچه نزد وى صورت مى گرفت كنايه باشد از اينكه آنچه كه تصميم مى گرفت و هر راهى را كه مى رفت به هدايت خدا و امر او بود، و در هيچ امرى اقدام نمى نمود مگر به هدايتى كه با آن مهتدى شده، و به امرى كه به آن مامور گشته بود. هم چنان كه جمله" قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ ..." كه مربوط به موقع حركتش به طرف مغرب است اشاره به اين معنا دارد.

آيه شريفه" وَ قَدْ أَحَطْنا ..." در معناى كناييش نظير آيه" وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا"ترجمه الميزان، ج 13، ص: 503

«1» و آيه" أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ" «2» و آيه" وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ" «3» مى باشد، يعنى هر چه مى كرد بدون اطلاع ما نبود.

بعضى «4» از مفسرين گفته اند: آيه مورد بحث در مقام تعظيم امر ذو القرنين است، مى خواهد بفرمايد جز خدا كسى به دقائق و جزئيات كار او پى نمى برد، و يا در مقام به شگفتى واداشتن شنونده است از زحماتى كه وى در اين سفر تحمل كرده، و اينكه مصائب و شدائدى كه ديده همه در علم خدا هست و چيزى بر او پوشيده نيست. و يا در مقام تعظيم آن سببى است كه دنبال كرده. ولى آنچه ما در معنايش گفتيم وجيه تر است.

[ساختن سد به وسيله ذو القرنين ] ..... ص : 503

" ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ..."

كلمه" سد" به معناى كوه و هر چيزى است كه راه را بند آورد، و از عبور جلوگيرى كند. و گويا مراد از" دو سد" در اين آيه دو كوه باشد. و در جمله" وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً" مراد از" من دونهما" نقطه اى نزديك به آن دو كوه است. و جمله" لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا" كنايه از سادگى و بساطت فهم آنان است. و چه بسا گفته اند: كنايه از عجيب و غريب بودن لغت و زبان آنان باشد، كه گويا از لغت ذو القرنين و مردمش بيگانه بوده اند ولى اين قول بعيد است.

" قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ ...".

ظاهر اين است كه گويندگان اين حرف همان قومى باشند كه ذو القرنين آنان را در نزديكى دو كوه بيافت. و ياجوج و ماجوج دو طائفه از مردم بودند كه از پشت آن كوه به اين مردم حمله مى كردند، و قتل عام و غارت راه انداخته اسير مى نمودند. دليل بر همه اينها سياق آيه است كه تماما ضمير عاقل به آنان برگردانده شده و (نيز) عمل سد كشيدن بين دو كوه، و غير از اينها.

" فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً"- كلمه" خرج" به معناى آن چيزى است كه براى مصرف شدن در حاجتى از حوائج، از مال انسان خارج مى گردد. قوم مذكور پيشنهاد كردند كه مالى را از ايشان بگيرد و ميان آنان و ياجوج و ماجوج سدى ببندد كه مانع از تجاوز آنان بشود.

" قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً".

اصل كلمه" مكنى"،" مكننى" بوده و دو نون در هم ادغام شده به اين صورت در

__________________________________________________

(1)كشتى را زير نظر ما و به وحى ما بساز. سوره هود، آيه 37.

(2)به علم خود نازلش كرد، سوره نساء آيه 166. [.....]

(3)به آنچه نزد ايشان است احاطه دارد. سوره جن، آيه 28.

(4)روح المعانى، ج 16، ص 36.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 504

آمده است. و كلمه:" ردم" به معناى سد است. و بعضى گفته اند به معناى سد قوى است.

بنا بر اين، تعبير به" ردم" در جواب آنان كه درخواست سدى كرده بودند براى اين بوده كه هم خواهش آنان را اجابت كرده، و هم وعده ما فوق آن را داده باشد.

و اينكه فرمود:" آن مكنتى كه خدا به من داده بهتر است" براى افاده استغناء ذو القرنين از كمك مادى ايشان است كه خود پيشنهادش را كردند. مى خواهد بفرمايد:

ذو القرنين گفت آن مكنتى كه خدا به من داده، و آن وسعت و قدرت كه خدا به من ارزانى داشته، از مالى كه شما وعده مى دهيد بهتر است، و من به آن احتياج ندارم.

" فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ..." كلمه" قوه" به معناى هر چيزى است كه به وسيله آن آدمى بر چيزى نيرومند مى شود. جمله مزبور تفريع بر مطلبى است كه از پيشنهاد آنان به دست مى آيد، و آن ساختن سد بوده، و حاصل معنا اين است كه: من از شما خرج نمى خواهم و اما سدى كه خواستيد اگر بخواهيد بسازم بايد كمك انسانيم كنيد، يعنى كارگر و مصالح ساختمانى بياوريد، تا آن را بسازم- و از مصالح آن آهن و قطر و نفخ با دميدن را نام برده است- و به اين معنايى كه كرديم اين مطلب روشن مى گردد كه مراد ايشان از پيشنهاد خرج دادن اجرت بر سد سازى بوده در حقيقت خواسته اند به ذو القرنين مزد بدهند كه او هم قبول نكرده است." آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ..."

كلمه" زبر"- به ضمه زاء و فتحه باء- جمع" زبرة" است، هم چنان كه" غرف" جمع" غرفة" است. و" زبره" به معناى قطعه است. و كلمه" ساوى" به طورى كه گفته اند به معناى تسويه است، و همين عبارت" سوى" نيز قرائت شده. و" صدفين" تثنيه" صدف" است كه به معناى يك طرف كوه است. و بعضى گفته اند اين كلمه جز در كوهى كه در برابرش كوه ديگرى باشد استعمال نمى گردد. و بنا بر اين كلمه مذكور از كلمات دو طرفى مانند زوج و ضعف و غير آن دو است. و كلمه" قطر" به معناى مس و يا روى مذاب است، و" افراغ قطر" به معناى ريختن آن به سوراخ و فاصله ها و شكاف ها است.

" آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ"- يعنى بياوريد برايم قطعه هاى آهن را تا در سد به كار ببرم. اين آوردن آهن همان قوتى بود كه از ايشان خواست. و اگر تنها آهن را از ميان مصالح سد سازى ذكر كرده و مثلا اسمى از سنگ نياورده بدين جهت بوده كه ركن سد سازى و استحكام بناى آن موقوف بر آهن است. پس جمله" آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ" بدل بعض از كل جمله" فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ" است. ممكن هم هست در كلام تقديرى گرفت و گفت تقدير آن:" قالَ آتُونِي ..."

مى باشد، و تقدير در قرآن بسيار است.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 505

و در جمله" حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا" اختصار به حذف به كار رفته، و تقدير آن:" فاعانوه بقوة و آتوه ما طلبه منهم فبنى لهم السد و رفعه حتى اذا سوى بين الصدفين قال انفخوا- او را به قوه و نيرو مدد كرده، و آنچه خواسته بود برايش آوردند، پس سد را برايشان بنا كرده بالا برد، تا ميان دو كوه را پر كرد و گفت حالا در آن بدميد".

و ظاهرا جمله" قالَ انْفُخُوا" از باب اعراض از متعلق فعل به خاطر دلالت بر خود فعل است. و مقصود اين است كه دم هاى آهنگرى را بالاى سد نصب كنند، تا آهن هاى داخل سد را گرم نمايند، و سرب ذوب شده را در لابلاى آن بريزند.

و در جمله" حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ ..." حذف و ايجازى به كار رفته، و تقدير آن اين است كه:" فنفخ حتى اذا جعله نارا- دميد تا آنكه دميده شده را و يا آهن را آتش كرد" بدين معنى كه: آن را مانند آتش سرخ و داغ كرد. و بنا بر اين، عبارت" آن را آتش كرد" از باب استعاره است.

" قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً"- يعنى براى من" قطر" بياوريد تا ذوب نموده روى آن بريزم و لابلاى آن را پر كنم، تا سدى تو پر شود، و چيزى در آن نفوذ نكند.

" فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً".

كلمه" اسطاع" و" استطاع" به يك معنا است. و" ظهور" به معناى علو و استيلاء است. و" نقب" به معناى سوراخ كردن است. راغب در مفردات گفته: نقب در ديوار و پوست به منزله نقب در چوب است «1»، (يعنى نقب در سوراخ كردن ديوار و پوست، و نقب در سوراخ كردن چوب به كار مى رود). ضميرهاى جمع به ياجوج و ماجوج برمى گردد. در اين جمله نيز حذف و ايجاز به كار رفته و تقدير آن:" فبنى السد فما استطاع ياجوج و ماجوج ان يعلوه لارتفاعه و ما استطاعوا ان ينقبوه لاستحكامه" مى باشد، يعنى بعد از آنكه سد را ساخت ياجوج و ماجوج نتوانستند به بالاى آن بروند، چون بلند بود، و نيز به سبب محكمى نتوانستند آن را سوراخ كنند.

" قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا" كلمه" دكاء" از" دك" به معناى شدت كوبيدن است. و در اينجا مصدر و به معناى اسم مفعول است. بعضى گفته اند: مراد" شتر دكاء" يعنى بى كوهان است، و اگر اين باشد آن وقت به طورى كه گفته شده استعاره اى از خرابى سد خواهد بود.

__________________________________________________

(1)مفردات راغب، ماده" نقب".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 506

" قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي"- يعنى ذو القرنين- بعد از بناى سد- گفت: اين سد خود رحمتى از پروردگار من بود، يعنى نعمت و سپرى بود كه خداوند با آن اقوامى از مردم را از شر ياجوج و ماجوج حفظ فرمود.

" فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ"- در اين جمله نيز حذف و ايجاز به كار رفته، و تقدير آن چنين است: و اين سد و اين رحمت تا آمدن وعده پروردگار من باقى خواهد ماند، وقتى وعده پروردگار من آمد آن را در هم مى كوبد و با زمين يكسان مى كند.

و مقصود از وعده يا وعده اى است كه خداى تعالى در خصوص آن سد داده بوده كه به زودى يعنى در نزديكى هاى قيامت آن را خرد مى كند، در اين صورت وعده مزبور پيشگويى خدا بوده كه ذو القرنين آن را خبر داده. و يا همان وعده اى است كه خداى تعالى در باره قيام قيامت داده، و فرموده: كوه ها همه در هم كوبيده گشته دنيا خراب مى شود. هر چه باشد قضيه را با جمله" وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا" تاكيد فرموده است.

" وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ..."

از ظاهر سياق برمى آيد كه ضمير جمع" هم" به" ناس" برگردد، و مؤيد اين احتمال اين است كه ضمير در" جمعناهم" نيز به طور قطع به" ناس" برمى گردد، و چون همه ضميرها يكى است پس آن نيز بايد به" ناس" برگردد.

در جمله" بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ" استعاره اى به كار رفته، و مراد اين است كه: در آن روز از شدت ترس و اضطراب آن چنان آشفته مى شوند كه دريا در هنگام طوفان آشفته مى شود، و مانند آب دريا به روى هم مى ريزند و يكديگر را از خود مى رانند، در نتيجه نظم و آرامش جاى خود را به هرج و مرج مى دهد، و پروردگارشان از ايشان اعراض نموده رحمتش شامل حالشان نمى شود و ديگر به اصلاح وضعشان عنايتى نمى كند.

پس اين آيه به منزله تفصيل همان اجمالى است كه ذو القرنين در كلام خود اشاره كرده و گفته بود:" فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ" و نظير تفصيلى است كه در جاى ديگر آمده كه:" حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ" «1» و بهر تقدير

__________________________________________________

(1)تا روزى كه راه ياجوج و ماجوج باز شود و آنان از هر جانب پست و بلندى زمين شتابان در آيند، آن گاه وعده حق بسيار نزديك شود و ناگهان چشم كافران از حيرت فرو ماند و فرياد كنند اى واى بر ما كه از اين روز غافل بوديم و سخت به راه ستمكارى شتافتيم. سوره انبياء، آيات 96 و 97.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 507

اين جمله از ملاحم يعنى پيشگوييهاى قرآن است.

از آنچه گفتيم به خوبى روشن گرديد كه" ترك" در جمله" و تركنا" به همان معناى متبادر از كلمه است، كه مقابل گرفتن و اخذ است، و هيچ جهتى ندارد كه مانند بعضى بگوييم: ترك به معناى جعل و از لغات اضداد است.

و اين آيه از كلام خداى عز و جل است، نه تتمه كلام ذو القرنين، به دليل اينكه در آن، سياق از غيبت به تكلم با غير كه سياق كلام سابق بر اين خداى تعالى بود و در آن مى فرمود:

" إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ"" قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ"، تغيير يافته، و اگر تتمه كلام ذو القرنين بود جا داشت چنين بيايد:" ترك بعضهم ..." در مقابل جمله ديگر كه فرمود" جَعَلَهُ دَكَّاءَ".

و مقصود از" وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ" نفخه دومى قبل از قيامت است كه با آن همه مردگان زنده مى شوند، به دليل اينكه دنبالش مى فرمايد:" فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً".

" الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً".

اين آيه تفسير كافرين است، و آنان همانهايى هستند كه خداوند ميان آنان و ذكرش سدى قرار داده و پرده اى كشيده- و به همين مناسبت بعد از ذكر سد متعرض حال آنان شده- ديدگان ايشان را در پرده اى از ياد خدا كرده و استطاعت شنيدن را از گوششان گرفته در نتيجه راهى كه ميان آنان و حق فاصله بود آن راه كه همان ياد خدا است، بريده شده است.

آرى، انسان يا از راه چشم به حق مى رسد، و از ديدن و تفكر در آيات خداى عز و جل به سوى مدلول آنها راه مى يابد، و يا از طريق گوش و شنيدن كلمات حكمت و موعظه و قصص و عبرتها، و اينان نه چشم دارند و نه گوش.

[وجوهى كه در بيان مراد آيه شريفه:" أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ ..." گفته شده است ] ..... ص : 507

استفهامى است انكارى. در مجمع البيان گفته: معنايش اين است كه آيا كسانى كه توحيد خداى را انكار مى كنند خيال مى كنند اگر غير از خدا اولياى ديگرى اتخاذ كنند ايشان را يارى خواهند نمود، و عقاب مرا از ايشان دفع توانند كرد؟ آن گاه بر گفته خود استدلال نموده مى گويد: جمله" إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا"، بر اين حذف دلالت مى كند «1».

البته وجه ديگرى از ابن عباس نقل شده كه وى گفته معناى آيه چنين است: آيا اينان كه كافر شدند مى پندارند كه اگر بغير من آلهه اى بگيرند من براى خود و عليه ايشان غضب نخواهم كرد و عقابشان نمى كنم؟.

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 4، ص 213.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 508

وجه سومى نيز هست، و آن اين است كه جمله" أَنْ يَتَّخِذُوا ..." مفعول اول براى" حسب" است كه به معناى" ظن" مى باشد، و مفعول دومش محذوف و تقديرش چنين است:" ا فحسب الذين كفروا اتخاذهم عبادى من دونى اولياء نافعا لهم او دافعا للعقاب عنهم- آيا كسانى كه كافر شده اند پنداشته اند كه اگر غير از من اوليائى بگيرند براى ايشان نافع و يا دافع عقاب از ايشان است؟".

و فرق ميان اين وجه و دو وجه قبلى اين است كه در آن دو وجه، كلمه" أن" وصله اش قائم مقام دو مفعول است، و آنچه حذف شده بعضى از صله است، به خلاف وجه سومى كه آن" أن" وصله اش مفعول اول براى حسب است و مفعول دوم آن حذف شده.

وجه چهارمى كه هست اين است كه بگوييم" أن" وصله اش به جاى دو مفعول آمده، و عنايت كلام و نقطه اتكاء در آن متوجه اين است كه بفهماند اتخاذ آلهه، اتخاذ حقيقى نيست، و اصلا اتخاذ نيست، چون اتخاذ هميشه از دو طرف است و آلهه اتخاذ شده اينان خودشان تبرى مى جويند و مى گويند:" سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ"، يعنى منزهى تو اى خدا جز به تو دل نداديم.

و اين وجوه چهارگانه از نظر ترتيب در وجاهت هر يك در رتبه خود قرار دارد، و از همه وجيه تر وجه اول است كه سياق آيات هم با آن مساعد است، براى اينكه آيات مورد بحث بلكه تمامى آيات سوره در اين سياق است كه بفهماند كفار به زينت زندگى دنيا مفتون گشته، امر بر ايشان مشتبه شده است و به ظاهر اسباب اطمينان و ركون كردند، و در نتيجه غير خداى را اولياى خود گرفتند و پنداشتند كه ولايت اين آلهه كافى و نافع براى آنان است و دافع ضرر از آنها است. و حال آنكه آنچه بعد از نفخ صور و جمع شدن خلايق خواهند ديد مناقض پندار ايشان است، پس آيه شريفه مورد بحث نيز همين پندار را تخطئه مى كند.

اين را هم بايد بگوييم كه قائم مقام شدن" أن" وصله اش به جاى هر دو مفعول" حسب" با اينكه در كلام خدا زياد آمده، و از آن جمله فرموده:" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا"

«1» و امثال آن حاجتى باقى نمى گذارد كه مفعول دوم آن را محذوف بدانيم. علاوه بر اينكه بعضى از نحويين هم آن را جائز ندانسته اند.

آيات بعدى هم اين وجه اول را تاييد مى كنند، كه مى فرمايند:" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا ..."، و همچنين قرائتى كه منسوب به على (ع) و عده اى ديگر از

__________________________________________________

(1)آيا پنداشتند آنان كه كسب كردند بديها را اينكه قرار مى دهيم آنان را مثل كسانى كه ايمان آوردند؟. سوره جاثيه، آيه 21.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 509

قراء است كه خوانده اند:" ا فحسب"- سين را ساكن و باء را مضموم خوانده اند. يعنى آيا اولياء گرفتن بندگان مرا براى خود بس است ايشان را.

پس مراد از" عباد" در جمله" أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ" هر چيزى و هر كسى است كه مورد پرستش بت پرستان قرار بگيرد، چه ملائكه باشد و چه جن، و چه كملين از بشر.

و اما اينكه مفسرين گفته اند كه مراد از عباد مسيح و ملائكه و امثال ايشان از مقربين درگاه خدا است، نه شيطان ها، چون كلمه" عباد" در اكثر موارد وقتى اضافه به ياى متكلم مى شود تشريف و احترام منظور است، صحيح نيست زيرا اولا مقام مناسب تشريف نيست و اين ظاهر است، و ثانيا قيد" من دونى" در كلام، صريح در اين است كه مراد از" الَّذِينَ كَفَرُوا" بت پرستان هستند كه اصلا خدا را عبادت نمى كنند، با اينكه اعتراف به الوهيت او دارند، بلكه شركاء را كه شفعاء مى دانند عبادت مى كردند. و اما اهل كتاب مثلا نصارى در عين اينكه مسيح را ولى خود گرفتند ولايت خداى را انكار نكردند، بلكه دو قسم ولايت اثبات مى كردند و آن گاه هر دو را يكى مى شمردند- دقت بفرمائيد.

پس حق اين است كه جمله" عبادى" شامل مسيح و مانند او نمى شود، بلكه تنها شامل آلهه بت پرستان مى شود و مراد از جمله" الَّذِينَ كَفَرُوا" تنها وثنى ها هستند.

" إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا"- يعنى جهنم را آماده كرده ايم تا براى كفار در همان ابتداى ورودشان به قيامت وسيله پذيرائيشان باشد. تشبيه كرده خداوند خانه آخرت را به خانه اى كه ميهمان وارد آن مى شود و تشبيه كرده جهنم را به" نزل" يعنى چيزى كه ميهمان در اول ورودش با آن پذيرايى مى شود.

و با در نظر گرفتن اينكه بعد از دو آيه مى فرمايد" اينان در قيامت توقف و مكثى ندارند" فهميده مى شود كه اين تشبيه چقدر تشبيه لطيفى است. گويا كفار غير از ورود به جهنم، ديگر كارى ندارند، و معلوم است كه در اين آيه چه تحكم و توبيخى از ايشان شده و كانه اين تحكم را در مقابل تحكمى كه از آنان در دنيا نقل كرده و فرموده:" وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً" قرار داده.

بحث روايتى [اختلافاتى كه از جهات متعدد در روايات مربوط به ذو القرنين وجود دارد] ..... ص : 509

اشاره

در تفسير قمى مى گويد: بعد از آنكه رسول خدا (ص) مردم را از

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 510

داستان موسى و همراهش و خضر خبر داد، عرض كردند داستان آن شخصى كه دنيا را گرديد و مشرق و مغرب آن را زير پا گذاشت بگو ببينم چه كسى بوده. خداى تعالى آيات" وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ..." را نازل فرمود «1».

مؤلف: تفصيل اين روايت را در آنجا كه داستان اصحاب كهف را آورديم نقل نموديم، و در اين معنا در الدر المنثور «2» از ابن ابى حاتم از سدى از عمر مولى غفره نيز روايتى آمده.

خواننده عزيز بايد بداند كه روايات مروى از طرق شيعه و اهل سنت از رسول خدا (ص) و از طرق خصوص شيعه از ائمه هدى (ع) و همچنين اقوال نقل شده از صحابه و تابعين كه اهل سنت با آنها معامله حديث نموده (احاديث موقوفه اش مى خوانند) در باره داستان ذى القرنين بسيار اختلاف دارد، آن هم اختلافهايى عجيب، و آن هم نه در يك بخش داستان، بلكه در تمامى خصوصيات آن. و اين اخبار در عين حال مشتمل بر مطالب شگفت آورى است كه هر ذوق سليمى از آن وحشت نموده، و بلكه عقل سالم آن را محال مى داند، و عالم وجود هم منكر آن است. و اگر خردمند اهل بحث آنها را با هم مقايسه نموده مورد دقت قرار دهد، هيچ شكى نمى كند در اينكه مجموع آنها خالى از دسيسه و دستبرد و جعل و مبالغه نيست. و از همه مطالب غريب تر رواياتى است كه علماى يهود كه به اسلام گرويدند- از قبيل وهب ابن منبه و كعب الاحبار- نقل كرده و يا اشخاص ديگرى كه از قرائن به دست مى آيد از همان يهوديان گرفته اند، نقل نموده اند. بنا بر اين ديگر چه فائده اى دارد كه ما به نقل آنها و استقصاء و احصاء آنها با آن كثرت و طول و تفصيلى كه دارند بپردازيم؟.

لا جرم به پاره اى از جهات اختلاف آنها اشاره نموده مى گذريم، و به نقل آنچه كه تا حدى از اختلاف سالم است مى پردازيم.

از جمله اختلافات، اختلاف در خود ذو القرنين است كه چه كسى بوده. بيشتر روايات بر آنند كه از جنس بشر بوده، و در بعضى «3» از آنها آمده كه فرشته اى آسمانى بوده و خداوند او را به زمين نازل كرده، و هر گونه سبب و وسيله اى در اختيارش گذاشته بود. و در كتاب خطط مقريزى از جاحظ نقل كرده كه در كتاب الحيوان خود گفته ذو القرنين مادرش از

__________________________________________________

(1)تفسير قمى، ج 2، ص 40.

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 240.

(3)اين قول را الدر المنثور (ج 4، ص 241) از احوص بن حكيم از پدرش از رسول خدا (ص) و از شيرازى از جبير بن نفير از رسول خدا (ص) و از عده اى از خالد بن معدان از رسول خدا (ص) و نيز از عده اى از عمر بن خطاب روايت كرده.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 511

جنس بشر و پدرش از ملائكه بوده. و از آن جمله اختلاف در اين است كه وى چه سمتى داشته. در بيشتر روايات آمده كه ذو القرنين بنده اى از بندگان صالح خدا بوده، خدا را دوست مى داشت، و خدا هم او را دوست مى داشت، او خيرخواه خدا بود، خدا هم در حقش خيرخواهى نمود. و در بعضى «1» ديگر آمده كه محدث بوده يعنى ملائكه نزدش آمد و شد داشته و با آنها گفتگو مى كرده. و در بعضى «2» ديگر آمده كه پيغمبر بوده.

و از آن جمله، اختلاف در اسم او است. در بعضى «3» از روايات آمده كه اسمش عياش بوده، و در بعضى «4» ديگر اسكندر و در بعضى «5» مرزيا فرزند مرزبه يونانى از دودمان يونن فرزند يافث بن نوح. و در بعضى «6» ديگر مصعب بن عبد اللَّه از قحطان. و در بعضى «7» ديگر صعب بن ذى مرائد اولين پادشاه قوم تبع ها (يمنى ها) كه آنان را تبع مى گفتند، و گويا همان تبع، معروف به ابو كرب باشد. و در بعضى «8» عبد اللَّه بن ضحاك بن معد. و همچنين از اين قبيل

__________________________________________________

(1)اين روايت الدر المنثور (ج 4، ص 241) از ابن ابى حاتم و ابى الشيخ از امام باقر (ع) و در تفسير برهان (ج 2، ص 483) از جبرئيل بن احمد از اصبغ بن نباته از على (ع) و در نور الثقلين (ج 3، ص 294، ح 201) از اصول كافى از حارث بن مغيرة از ابى جعفر (ع) روايت كرده.

(2)تفسير عياشى (ج 2، ص 340 ح 75) از ابى حمزه ثمالى از ابى جعفر (ع)، و الدر المنثور (ج 4، ص 241) از ابى الشيخ از ابى الورقاء از على (ع) روايت كرده و در آن معنا روايات ديگرى نيز هست.

(3)تفسير عياشى (ج 2، ص 341 ح 79) از اصبغ بن نباته از على (ع) و در برهان (ج 2، ص 486 ح 27) از ثمالى از امام باقر (ع) نقل شده.

(4)اين معنا از روايت قرب الاسناد حميرى از امام كاظم (ع) و از روايت الدر المنثور (ج 4، ص 241) از عده اى از عقبة بن عامر از رسول خدا (ص) و نيز روايت ديگرش از عده اى از وهب استفاده مى شود.

(5)در الدر المنثور (ج 4، ص 242) است كه ابن منذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ از طريق ابن اسحاق از بعضى از اهل كتاب كه مسلمان شده اند روايت كرده. [.....]

(6)البداية و النهاية، ج 2، ص 104 ط بيروت.

(7)البداية و النهاية، ج 2، ص 105 نقل از ابن هشام از كتاب تيجان.

(8)خصال (ص 255، ط جامعه مدرسين)، از محمد بن خالد بطور رفع او در البداية و النهاية ص، از زبير بن بكار از ابن عباس نقل شده.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 512

اسامى ديگر كه آنها نيز بسيار است.

و از آن جمله اختلاف در اين است كه چرا او را ذو القرنين خوانده اند؟ در بعضى «1» از روايات آمده كه قوم خود را به سوى خدا دعوت كرد، او را زدند و پيشانى راستش را شكافتند پس زمانى از ايشان غايب شد، بار ديگر آمد و مردم را به سوى خدا خواند، اين بار طرف چپ سرش را شكافتند، بار ديگر غايب شد پس از مدتى خداى تعالى اسبابى به او داد كه شرق و غرب زمين را بگرديد و به اين مناسبت او را ذو القرنين ناميدند. و در بعضى «2» ديگر آمده كه مردم او را در همان نوبت اول كشتند، آن گاه خداوند او را زنده كرد، اين بار به سوى قومش آمد و ايشان را دعوت نمود، اين بار هم كتكش زدند و به قتلش رساندند، بار ديگر خدا او را زنده كرد و به آسمان دنياى بالا برد، و اين بار با تمامى اسباب و وسائل نازلش كرد.

و در بعضى «3» ديگر آمده كه: بعد از زنده شدن بار دوم در جاى ضربت هايى كه به او زده بودند دو شاخ بر سرش روئيده بود، و خداوند نور و ظلمت را برايش مسخر كرد، و چون بر زمين نازل شد شروع كرد به سير و سفر در زمين و مردم را به سوى خدا دعوت كردن. مانند شير نعره مى زد و دو شاخش رعد و برق مى زد، و اگر قومى از پذيرفتن دعوتش استكبار مى كرد ظلمت را بر آنان مسلط مى كرد، و ظلمت آن قدر خسته شان مى كرد تا مجبور مى شدند دعوتش را اجابت كنند.

و در بعضى «4» ديگر آمده كه: وى اصلا دو شاخ بر سر داشت، و براى پوشاندنش همواره عمامه بر سر مى گذاشت، و عمامه از همان روز باب شد، و از بس كه در پنهان كردن آن مراقبت داشت هيچ كس غير از كاتبش از جريان خبر نداشت، او را هم اكيدا سفارش كرده بود كه به كسى نگويد، ليكن حوصله كاتبش سر آمده به ناچار به صحرا آمد، و دهان خود را به

__________________________________________________

(1)در كتاب برهان (ج 2، ص 487، ح 33) از صدوق از اصبغ از على (ع) و در تفسير قمى (ج 2، ص 41) از ابى بصير از امام صادق (ع) و در خصال از ابى بصير از امام صادق (ع) آمده.

(2)در تفسير عياشى (ج 2، ص 341 ح 79) از اصبغ از على (ع) و در الدر المنثور (ج 4، ص 241) از ابن مردويه از طريق ابى الطفيل از على (ع) نقل شده و عياشى (ج 2، ص 340 ح 73) نيز آن را نقل كرده و در معناى آن روايت ديگرى نيز هست.

(3)تفسير عياشى (ج 2، ص 341 ح 79) از اصبغ از على (ع) و در الدر المنثور از عده اى از وهب ابن منبه چيزى نظير آن نقل شده.

(4)در الدر المنثور (ج 4، ص 242) از ابى الشيخ از وهب ابن منبه.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 513

زمين گذاشته، فرياد زد كه پادشاه دو شاخ دارد، خداى تعالى از صداى او دو بوته نى رويانيد.

چوپانى از آن نى ها گذر كرد خوشش آمد، و آنها را قطع نموده مزمارى ساخت كه وقتى در آن مى دميد از دهانه آنها اين صدا درمى آمد،" آگاه كه براى پادشاه دو شاخ است"، قضيه در شهر منتشر شد ذو القرنين فرستاد كاتبش را آوردند، و او را استنطاق كرد و چون ديد انكار مى كند تهديد به قتلش نمود. او واقع قضيه را گفت. ذو القرنين گفت پس معلوم مى شود اين امرى بوده كه خدا مى خواسته افشاء شود، از آن به بعد عمامه را هم كنار گذاشت.

بعضى «1» گفته اند: از اين جهت ذو القرنينش خوانده اند كه او در دو قرن از زمين، يعنى در شرق و غرب آن، سلطنت كرده است و بعضى «2» ديگر گفته اند: بدين جهت است كه وقتى در خواب ديد كه از دو لبه آفتاب گرفته است، خوابش را اينطور تعبير كردند كه مالك و پادشاه شرق و غرب عالم مى شود، و به همين جهت ذو القرنينش خواندند.

بعضى «3» ديگر گفته اند: بدين جهت كه وى دو دسته مو در سر داشت. و بعضى «4» گفته اند: چون كه هم پادشاه روم و هم فارس شد. و بعضى «5» گفته اند: چون در سرش دو برآمدگى چون شاخ بود. و بعضى «6» گفته اند: چون در تاجش دو چيز به شكل شاخ از طلا تعبيه كرده بودند. و از اين قبيل اقوالى ديگر.

و از جمله، اختلافى كه وجود دارد در سفر او به مغرب و مشرق است كه اين اختلاف از ساير اختلافهاى ديگر شديدتر است. در بعضى «7» روايات آمده كه ابر در فرمانش بوده، سوار بر ابر مى شده و مغرب و مشرق عالم را سير مى كرده. و در رواياتى «8» ديگر آمده كه او به كوه قاف

__________________________________________________

(1)در الدر المنثور از عده اى از ابى العاليه و ابن شهاب.

(2)نور الثقلين (ج 3، ص 296 ح 211) از ضرائح و جرائح از امام عسكرى (ع) از على (ع).

(3)الدر المنثور از شيرازى از قتاده (ج 4، ص 242).

(4)الدر المنثور از عده اى، از وهب (ج 4، ص 242).

(5)در الدر المنثور (ج 4، ص 241) است كه ابن منذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ از طريق ابن اسحاق از بعضى از اهل كتاب كه مسلمان شده اند روايت كرده.

(6)اين روايت را روح المعانى نقل كرده. (ج 16، ص 25).

(7)در تعدادى از روايات عامه و خاصه و در الدر المنثور (ج 4، ص 246) و تفسير برهان (ج 2، ص 483، ح 24) و نور الثقلين و بحار آمده. [.....]

(8)در برهان (ج 2، ص 486، ح 28) از جميل از امام صادق (ع) و در الدر المنثور (ج 4، ص 246) از عبد بن حميد و غير او از عكرمه.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 514

رسيد، آن گاه در باره آن كوه دارد كه كوهى است سبز و محيط بر همه دنيا، و سبزى آسمان هم از رنگ آن است. و در بعضى «1» ديگر آمده كه: ذو القرنين به طلب آب حيات برخاست به او گفتند كه آب حيات در ظلمات است، ذو القرنين وارد ظلمات شد در حالى كه خضر در مقدمه لشگرش قرار داشت، خود او موفق به خوردن از آن نشد و خضر موفق شد حتى خضر از آن آب غسل هم كرد، و به همين جهت هميشه باقى و تا قيامت زنده است. و در همين روايات آمده كه ظلمات مزبور در مشرق زمين است.

و از آن جمله اختلافى است كه در باره محل سد ذو القرنين هست. در بعضى «2» از روايات آمده كه در مشرق است. و در بعضى «3» ديگر آمده كه در شمال است. مبالغه روايات «4» در اين مورد به حدى رسيده كه بعضى گفته اند: طول سد كه در بين دو كوه ساخته شده صد فرسخ، و عرض آن پنجاه فرسخ، و ارتفاع آن به بلندى دو كوه است. و در پى ريزى اش آن قدر زمين را كندند كه به آب رسيدند، و در درون سد صخره هاى عظيم، و به جاى گل مس ذوب شده ريختند تا به كف زمين رسيدند از آنجا به بالا را با قطعه هاى آهن و مس ذوب شده پر كردند، و در لابلاى آن رگه اى از مس زرد به كار بردند كه چون جامه راه راه رنگارنگ گرديد.

و از آن جمله اختلاف روايات است در وصف ياجوج و ماجوج. در بعضى «5» روايات آمده كه از نژاد ترك از اولاد يافث بن نوح بودند، و در زمين فساد مى كردند. ذو القرنين سدى را كه ساخت براى همين بود كه راه رخنه آنان را ببندد. و در بعضى «6» از آنها آمده كه اصلا از جنس بشر نبودند. و در بعضى «7» ديگر آمده كه قوم" ولود" بوده اند، يعنى هيچ كس از زن و مرد

__________________________________________________

(1)در تفسير قمى (ج 2، ص 42) از على (ع) و در تفسير عياشى (ج 2، ص 340، ح 77) از هشام از بعضى از آل محمد (ع) و در الدر المنثور از ابن ابى حاتم و غير او از امام باقر (ع).

(2)الدر المنثور (ج 4، ص 444) از ابن اسحاق و غير او از وهب.

(3)الدر المنثور از ابن اسحاق از ابن عباس.

(4)الدر المنثور (ج 4، ص 444) از ابن اسحاق و غير او از وهب.

(5)الدر المنثور از ابن اسحاق از ابن منذر از على (ع) و از ابن ابى حاتم از قتاده و در (ج 3، ص 307، ح 227) نور الثقلين از علل الشرائع از عسكرى.

(6)نور الثقلين (ج 3، ص 307، ح 228) از روضه كافى از ابن عباس.

(7)طبرى (ج 16، ص 19، با اختلاف سند) از عبد اللَّه بن عمير و از عبد اللَّه بن سلام و در الدر المنثور (ج 4، ص 250) از نسايى و ابن مردويه از اوس از رسول خدا (ص) و در الدر المنثور (ج 4، ص 251) از ابن ابى حاتم از سدى از على (ع).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 515

آنها نمى مرده مگر آنكه داراى هزار فرزند شده باشد، و به همين جهت آمار آنها از عدد ساير بشر بيشتر بوده. حتى در بعضى «1» روايات آمار آنها را نه برابر همه بشر دانسته. و نيز روايت «2» شده كه اين قوم از نظر نيروى جسمى و شجاعت به حدى بوده اند كه به هيچ حيوان و يا درنده و يا انسانى نمى گذشتند مگر آنكه آن را پاره پاره كرده مى خوردند. و نيز به هيچ كشت و زرع و يا درختى نمى گذشتند مگر آنكه همه را مى چريدند، و به هيچ نهرى برنمى خورند مگر آنكه آب آن را مى خوردند و آن را خشك مى كردند. و نيز روايت «3» شده كه ياجوج يك قوم و ماجوج قومى ديگر و امتى ديگر بوده اند، و هر يك از آنها چهار صد هزار امت و فاميل بوده اند، و به همين جهت جز خدا كسى از عدد آنها خبر نداشته.

و نيز روايت «4» شده كه سه طائفه بوده اند، يك طائفه مانند ارز بوده اند كه درختى است بلند. طائفه ديگر طول و عرضشان يكسان بوده و از هر طرف چهار زرع بوده اند، و طائفه سوم كه از آن دو طائفه شديدتر و قوى تر بودند هر يك دو لاله گوش داشته اند كه يكى از آنها را تشك و ديگرى را لحاف خود مى كرده، يكى لباس تابستانى و ديگرى لباس زمستانى آنها بوده اولى پشت و رويش داراى پرهايى ريز بوده و آن ديگرى پشت و رويش كرك بوده است. بدنى سفت و سخت داشته اند. كرك و پشم بدنشان بدنهايشان را مى پوشانده. و نيز روايت «5» شده كه قامت هر يك از آنها يك وجب و يا دو وجب و يا سه وجب بوده. و در بعضى «6» ديگر آمده كه آنهايى كه لشكر ذو القرنين با ايشان مى جنگيدند صورتهايشان مانند سگ بوده.

__________________________________________________

(1)در الدر المنثور (ج 3، ص 249) از عبد الرزاق و غير او از عبد اللَّه بن عمر.

(2)الدر المنثور (ج 4، ص 242) از ابن اسحاق و غير او از وهب.

(3)در الدر المنثور (ج 4، ص 250) از ابن منذر و ابى الشيخ از حسان بن عطيه و از ابن ابى حاتم و غير او از حذيفه از رسول خدا (ص) و نيز در مبالغه از جهت آمار اين امت آمده كه از رسول خدا (ص) روايت شده كه فرمود ياجوج و ماجوج معادل هزار برابر مسلمانان هستند [البداية و النهاية از صحيح بخارى و مسلم از ابى سعيد از رسول خدا (ص)] در حالى كه مى گويند مسلمانان پنج يك اهل زمينند و لازمه اين حرف اين مى شود كه ياجوج و ماجوج دويست برابر جمعيت روى زمين باشند.

(4)در الدر المنثور (ج 4، ص 244) از ابن منذر و ابن ابى حاتم از كعب الاحبار.

(5)در الدر المنثور (ج 4، ص 250) از ابن منذر و حاكم و غير آن دو از ابن عباس.

(6)در الدر المنثور (ج 4، ص 242) از ابن منذر و از عده اى از عقبة بن عامر از رسول خدا (ص). [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 516

و از جمله آن اختلافات اختلافى است كه در تاريخ زندگى سلطنت ذو القرنين است، در بعضى از روايات «1» آمده كه بعد از نوح، و در بعضى «2» ديگر در زمان ابراهيم و هم عصر وى مى زيسته، زيرا ذو القرنين حج خانه خدا كرده و با ابراهيم مصافحه نموده است، و اين اولين مصافحه در دنيا بوده. و در بعضى «3» ديگر آمده كه وى در زمان داوود مى زيسته است.

باز از جمله اختلافاتى كه در روايات اين داستان هست اختلاف در مدت سلطنت ذو القرنين است. در بعضى «4» از روايات آمده كه سى سال، و در بعضى «5» ديگر دوازده سال، و در روايات ديگر مقدارهايى ديگر گفته شده.

اين بود جهات اختلافى كه هر كه به تاريخ مراجعه نمايد و اخبار اين داستان را در جوامع حديث از قبيل الدر المنثور، بحار، برهان و نور الثقلين از نظر بگذراند به آنها واقف مى گردد.

و در كتاب كمال الدين به سند خود از اصبغ بن نباته روايت كرده كه گفت: ابن الكواء در محضر على (ع) هنگامى كه آن جناب بر فراز منبر بود برخاست و گفت:

يا امير المؤمنين ما را از داستان ذو القرنين خبر بده، آيا پيغمبر بوده و يا ملك؟ و مرا از دو قرن او خبر بده آيا از طلا بوده يا از نقره؟ حضرت فرمود: نه پيغمبر بود، و نه ملك. و دو قرنش نه از طلا بود و نه از نقره. او مردى بود كه خداى را دوست مى داشت و خدا هم او را دوست داشت، او خيرخواه خدا بود، خدا هم برايش خير مى خواست، و بدين جهت او را ذو القرنين خواندند كه قومش را به سوى خدا دعوت مى كرد و آنها او را زدند و يك طرف سرش را شكستند، پس مدتى از مردم غايب شد، و بار ديگر به سوى آنان برگشت، اين بار هم زدند و طرف ديگر سرش را شكستند، و اينك در ميان شما نيز كسى مانند او هست «6».

مؤلف: ظاهرا كلمه" ملك" در اين روايت به فتح لام (فرشته) باشد نه به كسر آن (پادشاه)، براى اينكه در رواياتى كه به حد استفاضه از آن جناب و از ديگران نقل شده همه او

__________________________________________________

(1)در تفسير عياشى (ج 2، ص 351، ح 87) از اصبغ از على (ع).

(2)الدر المنثور (ج 4، ص 242) از ابن مردويه و غير او از عبيد بن عمير، و در نور الثقلين (ج 3، ص 288، ح 181) از امالى شيخ از امام باقر (ع) و در عرائس ابن اسحاق.

(3)الدر المنثور از ابن ابى حاتم و ابن عساكر از مجاهد.

(4)برهان (ج 2، ص 479، ح 2) از برقى از موسى بن جعفر (ع).

(5)الدر المنثور (ج 4، ص 247) از ابن ابى حاتم از وهب.

(6)اكمال الدين، ط انتشارات اسلامى، ص 393.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 517

را سلطانى جهان گير معرفى كرده اند. پس اينكه در اين روايت آن را نفى كرده و همچنين پيغمبر بودن او را نيز نفى كرده به خاطر اين بوده كه روايات وارده از رسول خدا را كه در بعضى آمده كه پيغمبر بوده، و در بعضى ديگر فرشته اى از فرشتگان كه همين قول عمر بن خطاب است هم چنان كه اشاره به آن گذشت، تكذيب نمايد.

و اينك فرمود" اينك در ميان شما مانند او هست" يعنى مانند ذو القرنين در دو بار شكافته شدن فرقش، و مقصودش خودش بوده، چون يك طرف فرق سر ايشان از ضربت ابن عبد ود شكافته شد و طرف ديگر به ضربت عبد الرحمن ابن ملجم (لعنة اللَّه عليه) كه با همين ضربت دومى شهيد گرديد. و نيز به دليل روايت كمال الدين كه از روايات مستفيضه از امير المؤمنين (ع) است و شيعه و اهل سنت به الفاظ مختلفى از آن جناب نقل كرده اند و مبسوطتر از همه از نظر لفظ همين نقلى است كه ما آورديم. چيزى كه هست دست نقل به معنا با آن بازيها كرده و آن را به صورت عجيب و غريب و نهايت تحريف در آورده است.

و در الدر المنثور است كه ابن مردويه از سالم بن ابى الجعد روايت كرده كه گفت:

شخصى از على (ع) از ذو القرنين پرسش نمود كه آيا پيغمبر بوده يا نه؟ فرمود: از پيغمبرتان شنيدم كه مى فرمود: او بنده اى بود معتقد به وحدانيت خدا و مخلص در عبادتش، خدا هم خيرخواه او بود «1».

و در احتجاج از امام صادق (ع) در ضمن حديث مفصلى روايت كرده كه گفت: سائل از آن جناب پرسيد مرا از آفتاب خبر ده كه در كجا پنهان مى شود؟ فرمود: بعضى از علما گفته اند وقتى آفتاب به پائين ترين نقطه سرازير مى شود، فلك آن را مى چرخاند و دوباره به شكم آسمان بالا مى برد، و اين كار هميشه جريان دارد تا آنكه به طرف محل طلوع خود پائين آيد، يعنى آفتاب در چشمه لايه دارى فرو رفته سپس زمين را پاره نموده، دوباره به محل طلوع خود برمى گردد، به همين جهت زير عرش متحير شده تا آنكه اجازه اش دهند بار ديگر طلوع كند، و همه روزه نورش سلب شده، هر روز نور ديگرى سرخ فام به خود مى گيرد «2».

مؤلف: اينكه فرمود:" به پائين ترين نقطه سرازير مى شود" تا آنجا كه فرمود" به محل طلوع خود برمى گردد" بيان سير آفتاب است از حين غروب تا هنگام طلوعش در مدار آسمان بنا بر فرضيه معروف بطلميوسى، چون آن روز اين فرضيه بر سر كار بود كه اساسش مبنى بر سكون

__________________________________________________

(1)الدر المنثور، ج 4، ص 240.

(2)احتجاج طبرسى، ج 2، ص 99، ط نجف.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 518

زمين و حركت اجرام سماوى در پيرامون آن بود، و به همين جهت امام (ع) اين قضيه را نسبت به بعضى علماء داده است. و اينكه داشت" يعنى آفتاب در چشمه لاى دارى فرو رفته سپس زمين را پاره مى كند و دوباره به محل طلوع خود برمى گردد" جزء كلام امام نيست، بلكه كلام بعضى از راويان خبر است، كه به خاطر قصور فهم، آيه" تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" را به فرو رفتن آفتاب در چشمه لاى دار، و غايب شدنش در آن، و چون ماهى شنا كردن در آب، و پاره كردن زمين، و دو باره به محل طلوع برگشتن، و سپس رفتن به زير عرش، تفسير كرده اند. به نظر آنها عرش، آسمانى است فوق آسمانهاى هفتگانه، و يا جسمى است نورانى كه ما فوق آن نيست، و آن را بالاى آسمان هفتم گذاشته اند، و آفتاب شبها در آنجا هست تا اجازه اش دهند طلوع كند، آن وقت است كه نورى قرمز به خود مى گيرد و طلوع مى كند.

[رواياتى در ذيل برخى جملات آيات راجع به ذو القرنين ] ..... ص : 518

و همين راوى در جمله" پس در زير عرش متحير شده، تا آنكه اجازه اش دهند طلوع كند" به روايت ديگرى اشاره كرده كه از رسول خدا (ص) روايت شده كه ملائكه آفتاب را بعد از غروبش به زير عرش مى برند، و نگاه مى دارند در حالى كه اصلا نور ندارد، و در همانجا هست در حالى كه هيچ نمى داند فردا چه ماموريتى به او مى دهند، تا آنكه جامه نور را بر تنش كرده، دستورش مى دهند طلوع كند. فهم قاصر او در عرش همان اشتباهى را مرتكب شده كه در تفسير غروب در اينجا مرتكب شده بود، در نتيجه قدم به قدم از حق دورتر شده است.

و در تفسير" عرش" به فلك نهم و يا جسم نورانى نظير تخت، در كتاب و سنت چيزى كه قابل اعتماد باشد وجود ندارد. همه اينها مطالبى است كه فهم اين راوى آن را تراشيده. و ما بيشتر روايات عرش را در اوائل جزء هشتم اين كتاب نقل نموديم.

و همين كه امام (ع) مطلب را به بعضى از علماء نسبت داده خود اشاره به اين است كه آن جناب مطلب را صحيح ندانسته، و اين امكان را هم نداشته كه حق مطلب را بيان فرمايد، و چگونه مى توانسته اند بيان كنند در حالى كه فهم شنوندگان آن قدر ساده و نارسا بوده كه يك فرضيه آسان و سهل التصور در نزد اهل فنش را اينطور كه ديديد گيج و گم مى كردند. در چنين زمانى اگر امام حق مطلب را كه امرى خارج از احساس به خواص ظاهرى و بيرون از گنجايش فكر آن روز شنونده بود بيان مى كردند شنوندگان چگونه تلقى اش نموده، و چه معانى برايش مى تراشيدند؟.

و در الدر المنثور است كه عبد الرزاق، سعيد بن منصور، ابن جرير، ابن منذر و ابن ابى ترجمه الميزان، ج 13، ص: 519

حاتم از طريق عثمان بن ابى حاضر، از ابن عباس روايت كرده اند كه به وى گفته شد:

معاوية بن ابى سفيان آيه سوره كهف را" تغرب فى عين حامية" قرائت كرده. ابن عباس مى گويد: من به معاويه گفتم: ما اين آيه را جز به لفظ" حمئة" قرائت نكرده ايم، (تو اين قرائت را از كه شنيدى؟). معاويه به عبد اللَّه عمر گفت: تو چه جور مى خوانى؟ گفت:

همانطور كه تو خواندى.

ابن عباس مى گويد: به معاويه گفتم قرآن در خانه من نازل شده، (تو از اين و آن مى پرسى؟) معاويه فرستاد نزد كعب الاحبار و احضارش نموده، پرسيد در تورات محل غروب آفتاب را كجا دانسته؟ كعب گفت: از اهل عربيت بپرس، كه آنان بهتر مى دانند، و اما من در تورات مى يابم كه آفتاب در آب و گل غروب مى كند،- و در اينجا با دست اشاره به سمت مغرب كرد- ابن ابى حاضر به ابن عباس گفت: اگر من با شما دو نفر بودم چيزى مى گفتم كه سخن تو را تاييد كند، و معاويه را نسبت به كلمه" حمئة" بصيرت بخشد. ابن عباس پرسيد: چه مى گفتى؟ گفت اين مدرك را ارائه مى دادم كه تبع در ضمن خاطراتى كه از ذو القرنين و از علاقه مندى او به علم و پيروى از آن نقل كرده گفته است.

قد كان ذو القرنين عمر مسلما ملكا تدين له الملوك و تحشد

فاتى المشارق و المغارب يبتغى اسباب ملك من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها فى عين ذى خلب و ثاط حرمد «1»

ابن عباس پرسيد" خلب" چيست؟ اسود گفت: در زبان قوم تبع به معناى گل است، پرسيد" ثاط" به چه معنا است؟ گفت: به معناى لاى است، پرسيد" حرمد" چيست؟ گفت:

سياه. ابن عباس غلامى را صدا زد كه آنچه اين مرد مى گويد بنويس «2».

مؤلف: اين حديث با مذاق جماعت كه قائل به تواتر قراءتها هستند آن طور كه بايد سازگارى ندارد.

__________________________________________________

(1)ذو القرنين مردى مسلمان بود كه عمرى را به اسلام گذارنده و پادشاهى بود كه پادشاهان خدمتش كردند و نزدش جمع شدند.

پس به مشارق و مغارب عالم سفر كرد و در جستجوى اسباب ملك بود كه حكيمى مرشد بيابد و از او بپرسد.

پس محل غروب آفتاب را در هنگام غروب ديد كه در چشمه اى گل آلود و سياه رنگ فرو مى رفت.

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 248.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 520

و از تيجان ابن هشام همين حديث را نقل كرده، و در آن چنين آمده كه: ابن عباس اين اشعار را براى معاويه خواند، معاويه از معناى" خلب" و" ثاط" و" حرمد" پرسيد، و در جوابش گفت: خلب به معناى لايه زيرين است، و حرمد شن و سنگ زير آن است، آن گاه قصيده را هم ذكر كرده. و همين اختلاف خود شاهد بر اين است كه در اين روايت نارسايى وجود دارد.

و در تفسير عياشى از ابى بصير از ابى جعفر (ع) روايت كرده كه در ذيل اين كلام خداى عز و جل:" لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً" فرمود: چون هنوز خانه ساختن را ياد نگرفته بودند «1».

و در تفسير قمى در ذيل همين آيه نقل كرده كه امام فرمود: چون هنوز لباس دوختن را نياموخته بودند «2».

و در الدر المنثور است كه ابن منذر از ابن عباس روايت كرده كه در ذيل جمله" حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ" گفته: يعنى دو كوه كه يكى كوه ارمينيه و يكى كوه آذربيجان است «3».

و در تفسير عياشى از مفضل روايت كرده كه گفت از امام صادق (ع) از معناى آيه" أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً" پرسش نمودم، فرمود: منظور تقيه است كه" فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً" اگر به تقيه عمل كنى در حق تو هيچ حيله اى نمى توانند بكنند، و خود حصنى حصين است، و ميان تو و اعداء خدا سدى محكم است كه نمى توانند آن را سوراخ كنند «4».

و نيز در همان كتاب از جابر از آن جناب روايت كرده كه آيه را به تقيه تفسير فرموده است «5».

مؤلف: اين دو روايت از باب جرى است نه تفسير.

و در تفسير عياشى از اصبغ بن نباته از على (ع) روايت كرده كه روز را در جمله" وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ" به روز قيامت تفسير فرموده «6».

مؤلف: ظاهر آيه به حسب سياق اين است كه اين آيه مربوط به علائم ظهور قيامت باشد، و شايد مراد امام هم از روز قيامت همان مقدمات آن روز باشد، چون بسيار مى شود كه

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 350، ح 84.

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 41.

(3)الدر المنثور، ج 4، ص 249.

(4 و 5 و 6)تفسير عياشى، ج 2، ص 351. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 521

قيامت به روز ظهور مقدماتش هم اطلاق مى شود.

و در همان كتاب از محمد بن حكيم روايت شده كه گفت: من نامه اى به امام صادق (ع) نوشتم، و در آن پرسيدم: آيا نفس قادر بر معرفت هست يا نه؟ مى گويد:

امام فرمود نه. پرسيدم خداى تعالى مى فرمايد:" الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً" و از آن برمى آيد كه ديدگان كفار بينايى داشته و بعدا دچار غطاء شده. امام فرمود: اين آيه" ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ" كنايه است از نديدن و نشنيدن، نه اينكه مى بينند ولى غطاء جلو ديد آنان را گرفته است. مى گويد عرض كردم: پس چرا از آنان عيب مى گيرد؟ فرمود: از آن جهت كه خدا با آنان معامله كرده عيب نمى گيرد، بلكه از آن جهت كه خود چنين كردند از آنها عيب مى گيرد و اگر منحرف نمى شدند و تكلف نمى كردند عيبى بر آنان نبود «1».

مؤلف: يعنى كفار، خود مسبب اين حجاب اند و به همين جهت به آثار و تبعات آن گرفتار مى شوند.

و در تفسير قمى در ذيل آيه مذكور از امام روايت كرده كه فرمود: كسانى هستند كه به خلقت خدا و آيات ارضى و سماوى او نظر نمى افكنند «2».

مؤلف: و در عيون «3» از حضرت رضا (ع) روايت كرده كه آيه را بر منكرين ولايت تطبيق فرموده، و اين همان تطبيق كلى بر مصداق است.

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 351.

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 46.

(3)عيون اخبار الرضا (ع)، ج 1، ص 136، ح 33.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 522

گفتارى پيرامون داستان ذو القرنين بحثى قرآنى و تاريخى در چند فصل ..... ص : 522

1- داستان ذو القرنين در قرآن ..... ص : 522

قرآن كريم متعرض اسم او و تاريخ زندگى و ولادت و نسب و ساير مشخصاتش نشده.

البته اين رسم قرآن كريم در همه موارد است كه در هيچ يك از قصص گذشتگان به جزئيات نمى پردازد. در خصوص ذو القرنين هم اكتفاء به ذكر سفرهاى سه گانه او كرده، اول رحلتش به مغرب تا آنجا كه به محل فرو رفتن خورشيد رسيده و ديده است كه آفتاب در" عَيْنٍ حَمِئَةٍ" و يا" حاميه" فرو مى رود، و در آن محل به قومى برخورده است. و رحلت دومش از مغرب به طرف مشرق بوده، تا آنجا كه به محل طلوع خورشيد رسيده، و در آنجا به قومى برخورده كه خداوند ميان آنان و آفتاب ساتر و حاجبى قرار نداده.

و رحلت سومش تا به موضع بين السدين بوده، و در آنجا به مردمى برخورده كه به هيچ وجه حرف و كلام نمى فهميدند و چون از شر ياجوج و ماجوج شكايت كردند، و پيشنهاد كردند كه هزينه اى در اختيارش بگذارند و او بر ايشان ديوارى بكشد، تا مانع نفوذ ياجوج و ماجوج در بلاد آنان باشد. او نيز پذيرفته و وعده داده سدى بسازد كه ما فوق آنچه آنها آرزويش را مى كنند بوده باشد، ولى از قبول هزينه خوددارى كرده است و تنها از ايشان نيروى انسانى خواسته است. آن گاه از همه خصوصيات بناى سد تنها اشاره اى به رجال و قطعه هاى آهن و دمهاى كوره و قطر نموده است.

اين آن چيزى است كه قرآن كريم از اين داستان آورده، و از آنچه آورده چند خصوصيت و جهت جوهرى داستان استفاده مى شود:

اول اينكه صاحب اين داستان قبل از اينكه داستانش در قرآن نازل شود بلكه حتى در زمان زندگى اش ذو القرنين ناميده مى شده، و اين نكته از سياق داستان يعنى جمله" يَسْئَلُونَكَ ترجمه الميزان، ج 13، ص: 523

عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ"

و" قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ" و" قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ" به خوبى استفاده مى شود، (از جمله اول برمى آيد كه در عصر رسول خدا (ص) قبل از نزول اين قصه چنين اسمى بر سر زبانها بوده، كه از آن جناب داستانش را پرسيده اند. و از دو جمله بعدى به خوبى معلوم مى شود كه اسمش همين بوده كه با آن خطابش كرده اند).

خصوصيت دوم اينكه او مردى مؤمن به خدا و روز جزاء و متدين به دين حق بوده كه بنا بر نقل قرآن كريم گفته است:" هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا" و نيز گفته:" أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ..." گذشته از اينكه آيه" قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً" كه خداوند اختيار تام به او مى دهد، خود شاهد بر مزيد كرامت و مقام دينى او مى باشد، و مى فهماند كه او به وحى و يا الهام و يا به وسيله پيغمبرى از پيغمبران تاييد مى شده، و او را كمك مى كرده.

خصوصيت سوم اينكه او از كسانى بوده كه خداوند خير دنيا و آخرت را برايش جمع كرده بود. اما خير دنيا، براى اينكه سلطنتى به او داده بود كه توانست با آن به مغرب و مشرق آفتاب برود، و هيچ چيز جلوگيرش نشود بلكه تمامى اسباب مسخر و زبون او باشند. و اما آخرت، براى اينكه او بسط عدالت و اقامه حق در بشر نموده به صلح و عفو و رفق و كرامت نفس و گستردن خير و دفع شر در ميان بشر سلوك كرد، كه همه اينها از آيه" إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً" استفاده مى شود. علاوه بر آنچه كه از سياق داستان بر مى آيد كه چگونه خداوند نيروى جسمانى و روحانى به او ارزانى داشته است.

جهت چهارم اينكه به جماعتى ستمكار در مغرب برخورد و آنان را عذاب نمود.

جهت پنجم اينكه سدى كه بنا كرده در غير مغرب و مشرق آفتاب بوده، چون بعد از آنكه به مشرق آفتاب رسيده پيروى سببى كرده تا به ميان دو كوه رسيده است، و از مشخصات سد او علاوه بر اينكه گفتيم در مشرق و مغرب عالم نبوده اين است كه ميان دو كوه ساخته شده، و اين دو كوه را كه چون دو ديوار بوده اند به صورت يك ديوار ممتد در آورده است. و در سدى كه ساخته پاره هاى آهن و قطر به كار رفته، و قطعا در تنگنايى بوده كه آن تنگنا رابط ميان دو قسمت مسكونى زمين بوده است.

2- داستان ذو القرنين و سد و ياجوج و ماجوج از نظر تاريخ ..... ص : 523

قدماى از مورخين هيچ يك در اخبار خود پادشاهى را كه نامش ذو القرنين و يا شبيه به ترجمه الميزان، ج 13، ص: 524

آن باشد اسم نبرده اند. و نيز اقوامى به نام ياجوج و ماجوج و سدى كه منسوب به ذو القرنين باشد نام نبرده اند. بله به بعضى از پادشاهان حمير از اهل يمن اشعارى نسبت داده اند كه به عنوان مباهات نسبت خود را ذكر كرده و يكى از پدران خود را كه سمت پادشاهى" تبع" داشته را به نام ذو القرنين اسم برده و در سروده هايش اين را نيز سروده كه او به مغرب و مشرق عالم سفر كرد و سد ياجوج و ماجوج را بنا نمود، كه به زودى در فصول آينده مقدارى از آن اشعار به نظر خواننده خواهد رسيد- ان شاء اللَّه.

و نيز ذكر ياجوج و ماجوج در مواضعى از كتب عهد عتيق آمده. از آن جمله در اصحاح دهم از سفر تكوين تورات:" اينان فرزندان دودمان نوح اند: سام و حام و يافث كه بعد از طوفان براى هر يك فرزندانى شد، فرزندان يافث عبارت بودند از جومر و ماجوج و ماداى و باوان و نوبال و ماشك و نبراس".

و در كتاب حزقيال اصحاح سى و هشتم آمده:" خطاب كلام رب به من شد كه مى گفت: اى فرزند آدم روى خود متوجه جوج سرزمين ماجوج رئيس روش ماشك و نوبال، كن، و نبوت خود را اعلام بدار و بگو آقا و سيد و رب اين چنين گفته: اى جوج رئيس روش ماشك و نوبال، عليه تو برخاستم، تو را برمى گردانم و دهنه هايى در دو فك تو مى كنم، و تو و همه لشگرت را چه پياده و چه سواره بيرون مى سازم، در حالى كه همه آنان فاخرترين لباس بر تن داشته باشند، و جماعتى عظيم و با سپر باشند همه شان شمشيرها به دست داشته باشند، فارس و كوش و فوط با ايشان باشد كه همه با سپر و كلاهخود باشند، و جومر و همه لشگرش و خانواده نوجرمه از اواخر شمال با همه لشگرش شعبه هاى كثيرى با تو باشند".

مى گويد:" به همين جهت اى پسر آدم بايد ادعاى پيغمبرى كنى و به جوج بگويى سيد رب امروز در نزديكى سكناى شعب اسرائيل در حالى كه در امن هستند چنين گفته: آيا نمى دانى و از محلت از بالاى شمال مى آيى".

و در اصحاح سى و نهم داستان سابق را دنبال نموده مى گويد:" و تو اى پسر آدم براى جوج ادعاى پيغمبرى كن و بگو سيد رب اينچنين گفته: اينك من عليه توام اى جوج اى رئيس روش ماشك و نوبال و اردك و اقودك، و تو را از بالاهاى شمال بالا مى برم، و به كوه هاى اسرائيل مى آورم، و كمانت را از دست چپت و تيرهايت را از دست راستت مى زنم، كه بر كوه هاى اسرائيل بيفتى، و همه لشگريان و شعوبى كه با تو هستند بيفتند، آيا مى خواهى خوراك مرغان كاشر از هر نوع و وحشى هاى بيابان شوى؟ بر روى زمين بيفتى؟ چون من به كلام سيد رب سخن گفتم، و آتشى بر ماجوج و بر ساكنين در جزائر ايمن مى فرستم، آن وقت است كه مى دانند منم رب ...".

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 525

و در خواب يوحنا در اصحاح بيستم مى گويد:" فرشته اى ديدم كه از آسمان نازل مى شد و با او است كليد جهنم و سلسله و زنجير بزرگى بر دست دارد، پس مى گيرد اژدهاى زنده قديمى را كه همان ابليس و شيطان باشد، و او را هزار سال زنجير مى كند، و به جهنمش مى اندازد و درب جهنم را به رويش بسته قفل مى كند، تا ديگر امتهاى بعدى را گمراه نكند، و بعد از تمام شدن هزار سال البته بايد آزاد شود، و مدت اندكى رها گردد".

آن گاه مى گويد:" پس وقتى هزار سال تمام شد شيطان از زندانش آزاد گشته بيرون مى شود، تا امتها را كه در چهار گوشه زمينند جوج و ماجوج همه را براى جنگ جمع كند در حالى كه عددشان مانند ريگ دريا باشد، پس بر پهناى گيتى سوار شوند و لشگرگاه قديسين را احاطه كنند و نيز مدينه محبوبه را محاصره نمايند، آن وقت آتشى از ناحيه خدا از آسمان نازل شود و همه شان را بخورد، و ابليس هم كه گمراهشان مى كرد در درياچه آتش و كبريت بيفتد، و با وحشى و پيغمبر دروغگو بباشد، و به زودى شب و روز عذاب شود تا ابد الآبدين".

از اين قسمت كه نقل شده استفاده مى شود كه" ماجوج" و يا" جوج و ماجوج" امتى و يا امتهايى عظيم بوده اند، و در قسمت هاى بالاى شمال آسيا از آبادى هاى آن روز زمين مى زيسته اند، و مردمانى جنگجو و معروف به جنگ و غارت بوده اند.

اينجاست كه ذهن آدمى حدس قريبى مى زند، و آن اين است كه ذو القرنين يكى از ملوك بزرگ باشد كه راه را بر اين امتهاى مفسد در زمين سد كرده است، و حتما بايد سدى كه او زده فاصل ميان دو منطقه شمالى و جنوبى آسيا باشد، مانند ديوار چين و يا سد باب الأبواب و يا سد داريال و يا غير آنها.

تاريخ امم آن روز جهان هم اتفاق دارد بر اينكه ناحيه شمال شرقى از آسيا كه ناحيه احداب و بلنديهاى شمال چين باشد موطن و محل زندگى امتى بسيار بزرگ و وحشى بوده امتى كه مدام رو به زيادى نهاده جمعيتشان فشرده تر مى شد، و اين امت همواره بر امتهاى مجاور خود مانند چين حمله مى بردند، و چه بسا در همانجا زاد و ولد كرده به سوى بلاد آسياى وسطى و خاورميانه سرازير مى شدند، و چه بسا كه در اين كوه ها به شمال اروپا نيز رخنه مى كردند. بعضى از ايشان طوائفى بودند كه در همان سرزمين هايى كه غارت كردند سكونت نموده متوطن مى شدند، كه اغلب سكنه اروپاى شمالى از آنهايند، و در آنجا تمدنى به وجود آورده، و به زراعت و صنعت مى پرداختند. و بعضى ديگر برگشته به همان غارتگرى خود ادامه مى دادند.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 526

بعضى از مورخين گفته اند كه ياجوج و ماجوج امتهايى بوده اند كه در قسمت شمالى آسيا از تبت و چين گرفته تا اقيانوس منجمد شمالى و از ناحيه غرب تا بلاد تركستان زندگى مى كردند اين قول را از كتاب" فاكهة الخلفاء و تهذيب الاخلاق" ابن مسكويه، و رسائل اخوان الصفاء، نقل كرده اند.

و همين خود مؤيد آن احتمالى است كه قبلا تقويتش كرديم، كه سد مورد بحث يكى از سدهاى موجود در شمال آسيا فاصل ميان شمال و جنوب است.

3- ذو القرنين كيست و سدش كجا است؟ [اقوال مختلف در اين باره ] ..... ص : 526

مورخين و ارباب تفسير در اين باره اقوالى بر حسب اختلاف نظريه شان در تطبيق داستان دارند:

الف- به بعضى از مورخين نسبت مى دهند كه گفته اند: سد مذكور در قرآن همان ديوار چين است. آن ديوار طولانى ميان چين و مغولستان حائل شده، و يكى از پادشاهان چين به نام" شين هوانك تى" آن را بنا نهاده، تا جلو هجومهاى مغول را به چين بگيرد. طول اين ديوار سه هزار كيلومتر و عرض آن 9 متر و ارتفاعش پانزده متر است، كه همه با سنگ چيده شده، و در سال 264 قبل از ميلاد شروع و پس از ده و يا بيست سال خاتمه يافته است، پس ذو القرنين همين پادشاه بوده.

و ليكن اين مورخين توجه نكرده اند كه اوصاف و مشخصاتى كه قرآن براى ذو القرنين ذكر كرده و سدى كه قرآن بنايش را به او نسبت داده با اين پادشاه و اين ديوار چين تطبيق نمى كند، چون در باره اين پادشاه نيامده كه به مغرب اقصى سفر كرده باشد، و سدى كه قرآن ذكر كرده ميان دو كوه واقع شده و در آن قطعه هاى آهن و قطر، يعنى مس مذاب به كار رفته، و ديوار بزرگ چين كه سه هزار كيلومتر است از كوه و زمين همين طور، هر دو مى گذرد و ميان دو كوه واقع نشده است، و ديوار چين با سنگ ساخته شده و در آن آهن و قطرى به كارى نرفته.

ب- به بعضى ديگرى از مورخين نسبت داده اند كه گفته اند: آنكه سد مذكور را ساخته يكى از ملوك آشور «1» بوده كه در حوالى قرن هفتم قبل از ميلاد مورد هجوم اقوام" سيت" «2» قرار مى گرفته، و اين اقوام از تنگناى كوه هاى قفقاز تا ارمنستان آن گاه ناحيه غربى

__________________________________________________

(1)اين نظريه از كتاب" كيهان شناخت" تاليف حسن بن قطان مروزى طبيب و منجم متوفى سنه 548 ه- نقل شده، و در آن اسم آن پادشاه را" بلينس" و نيز اسكندر دانسته.

(2)اين اقوام به طورى كه گفته اند: در اصطلاح غربى ها" سيت" ناميده مى شدند، كه نامى از ايشان در بعضى از سنگنبشته هاى زمان داريوش نيز آمده، ولى در نزد يونانى ها" ميگاك" ناميده شده اند.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 527

ايران هجوم مى آوردند، و چه بسا به خود آشور و پايتختش" نينوا" هم مى رسيدند، و آن را محاصره نموده دست به قتل و غارت و برده گيرى مى زدند، بناچار پادشاه آن ديار براى جلوگيرى از آنها سدى ساخت كه گويا مراد از آن سد" باب الأبواب" باشد كه تعمير و يا ترميم آن را به كسرى انوشيروان يكى از ملوك فارس نسبت مى دهند. اين گفته آن مورخين است و ليكن همه گفتگو در اين است كه آيا با قرآن مطابق است يا خير؟.

ج- صاحب روح المعانى نوشته: بعضى ها گفته اند او، يعنى ذو القرنين، اسمش فريدون بن اثفيان بن جمشيد پنجمين پادشاه پيشدادى ايران زمين بوده، و پادشاهى عادل و مطيع خدا بوده. و در كتاب صور الاقاليم ابى زيد بلخى آمده كه او مؤيد به وحى بوده و در عموم تواريخ آمده كه او همه زمين را به تصرف در آورده ميان فرزندانش تقسيم كرد، قسمتى را به ايرج داد و آن عراق و هند و حجاز بود، و همو او را صاحب تاج سلطنت كرد، قسمت ديگر زمين يعنى روم و ديار مصر و مغرب را به پسر ديگرش سلم داد، و چين و ترك و شرق را به پسر سومش تور بخشيد، و براى هر يك قانونى وضع كرد كه با آن حكم براند، و اين قوانين سه گانه را به زبان عربى سياست ناميدند، چون اصلش" سى ايسا" يعنى سه قانون بوده.

و وجه تسميه اش به ذو القرنين" صاحب دو قرن" اين بوده كه او دو طرف دنيا را مالك شد، و يا در طول ايام سلطنت خود مالك آن گرديد، چون سلطنت او به طورى كه در روضة الصفا آمده پانصد سال طول كشيد، و يا از اين جهت بوده كه شجاعت و قهر او همه ملوك دنيا را تحت الشعاع قرار داد «1».

اشكال اين گفتار اين است كه تاريخ بدان اعتراف ندارد.

د- بعضى ديگر گفته اند: ذو القرنين همان اسكندر مقدونى است كه در زبانها مشهور است، و سد اسكندر هم نظير يك مثلى شده، كه هميشه بر سر زبانها هست. و بر اين معنا رواياتى هم آمده، مانند روايتى كه در قرب الاسناد «2» از موسى بن جعفر (ع) نقل شده، و روايت عقبة بن عامر «3» از رسول خدا (ص)، و روايت وهب بن منبه «4» كه هر دو در الدر المنثور نقل شده.

و بعضى از قدماى مفسرين از صحابه و تابعين، مانند معاذ بن جبل- به نقل

__________________________________________________

(1)روح المعانى، ج 16، ص 25.

(2)قرب الاسناد.

(3 و 4)الدر المنثور، ج 4، ص 293.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 528

مجمع البيان «1»- و قتاده- به نقل الدر المنثور «2» نيز همين قول را اختيار كرده اند. و بو على سينا هم وقتى اسكندر مقدونى را وصف مى كند او را به نام اسكندر ذو القرنين مى نامد، فخر رازى هم در تفسير كبير خود «3» بر اين نظريه اصرار و پافشارى دارد.

و خلاصه آنچه گفته اين است كه: قرآن دلالت مى كند بر اينكه سلطنت اين مرد تا اقصى نقاط مغرب، و اقصاى مشرق و جهت شمال گسترش يافته، و اين در حقيقت همان معموره آن روز زمين است، و مثل چنين پادشاهى بايد نامش جاودانه در زمين بماند، و پادشاهى كه چنين سهمى از شهرت دارا باشد همان اسكندر است و بس.

چون او بعد از مرگ پدرش همه ملوك روم و مغرب را برچيده و بر همه آن سرزمينها مسلط شد، و تا آنجا پيشروى كرد كه درياى سبز و سپس مصر را هم بگرفت. آن گاه در مصر به بناى شهر اسكندريه پرداخت، پس وارد شام شد، و از آنجا به قصد سركوبى بنى اسرائيل به طرف بيت المقدس رفت، و در قربانگاه (مذبح) آنجا قربانى كرد، پس متوجه جانب ارمينيه و باب الأبواب گرديد، عراقيها و قبطى ها و بربر خاضعش شدند، و بر ايران مستولى گرديد، و قصد هند و چين نموده با امتهاى خيلى دور جنگ كرد، سپس به سوى خراسان بازگشت و شهرهاى بسيارى ساخت، سپس به عراق بازگشته در شهر" زور" و يا روميه مدائن از دنيا برفت، و مدت سلطنتش دوازده سال بود.

خوب، وقتى در قرآن ثابت شده كه ذو القرنين بيشتر آبادى هاى زمين را مالك شد، و در تاريخ هم به ثبوت رسيد كه كسى كه چنين نشانه اى داشته باشد اسكندر بوده، ديگر جاى شك باقى نمى ماند كه ذو القرنين همان اسكندر مقدونى است «4».

اشكالى كه در اين قول است اين است كه:" اولا اينكه گفت" پادشاهى كه بيشتر آبادى هاى زمين را مالك شده باشد تنها اسكندر مقدونى است" قبول نداريم، زيرا چنين ادعايى در تاريخ مسلم نيست، زيرا تاريخ، سلاطين ديگرى را سراغ مى دهد كه ملكش اگر بيشتر از ملك مقدونى نبوده كمتر هم نبوده است.

و ثانيا اوصافى كه قرآن براى ذو القرنين برشمرده تاريخ براى اسكندر مسلم نمى داند، و بلكه آنها را انكار مى كند. مثلا قرآن كريم چنين مى فرمايد كه" ذو القرنين مردى

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 4، ص 199.

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 242.

(3)تفسير كبير، ج 21، ص 165.

(4)تفسير فخر رازى، ج 21، ص 165.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 529

مؤمن به خدا و روز جزا بوده و خلاصه دين توحيد داشته" در حالى كه اسكندر مردى وثنى و از صابئى ها بوده، هم چنان كه قربانى كردنش براى مشترى، خود شاهد آن است.

و نيز قرآن كريم فرموده" ذو القرنين يكى از بندگان صالح خدا بوده و به عدل و رفق مدارا مى كرده" و تاريخ براى اسكندر خلاف اين را نوشته است.

و ثالثا در هيچ يك از تواريخ آنان نيامده كه اسكندر مقدونى سدى به نام سد ياجوج و ماجوج به آن اوصافى كه قرآن ذكر فرموده ساخته باشد.

و در كتاب" البداية و النهايه" در باره ذو القرنين گفته: اسحاق بن بشر از سعيد بن بشير از قتاده نقل كرده كه اسكندر همان ذو القرنين است، و پدرش اولين قيصر روم بوده، و از دودمان سام بن نوح بوده است. و اما ذو القرنين دوم اسكندر پسر فيلبس بوده است. (آن گاه نسب او را به عيص بن اسحاق بن ابراهيم مى رساند و مى گويد:) او مقدونى يونانى مصرى بوده، و آن كسى بوده كه شهر اسكندريه را ساخته، و تاريخ بنايش تاريخ رايج روم گشته، و از اسكندر ذو القرنين به مدت بس طولانى متاخر بوده.

و دومى نزديك سيصد سال قبل از مسيح بوده، و ارسطاطاليس حكيم وزيرش بوده، و همان كسى بوده كه دارا پسر دارا را كشته، و ملوك فارس را ذليل، و سرزمينشان را لگدكوب نموده است.

در دنباله كلامش مى گويد: اين مطالب را بدان جهت خاطرنشان كرديم كه بيشتر مردم گمان كرده اند كه اين دو اسم يك مسمى داشته، و ذو القرنين و مقدونى يكى بوده، و همان كه قرآن اسم مى برد همان كسى بوده كه ارسطاطاليس وزارتش را داشته است، و از همين راه به خطاهاى بسيارى دچار شده اند. آرى اسكندر اول، مردى مؤمن و صالح و پادشاهى عادل بوده و وزيرش حضرت خضر بوده است، كه به طورى كه قبلا بيان كرديم خود يكى از انبياء بوده. و اما دومى مردى مشرك و وزيرش مردى فيلسوف بوده، و ميان دو عصر آنها نزديك دو هزار سال فاصله بوده است، پس اين كجا و آن كجا؟ نه بهم شبيهند، و نه با هم برابر، مگر كسى بسيار كودن باشد كه ميان اين دو اشتباه كند «1».

در اين كلام به كلامى كه سابقا از فخر رازى نقل كرديم كنايه مى زند و ليكن خواننده عزيز اگر در آن كلام دقت نمايد سپس به كتاب او آنجا كه سرگذشت ذو القرنين را بيان مى كند مراجعه نمايد، خواهد ديد كه اين آقا هم خطايى كه مرتكب شده كمتر از خطاى فخر رازى نيست، براى اينكه در تاريخ اثرى از پادشاهى ديده نمى شود كه دو هزار سال قبل از

__________________________________________________

(1)البدايه و النهايه، ط بيروت، ج 2، ص 105.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 530

مسيح بوده، و سيصد سال در زمين و در اقصى نقاط مغرب تا اقصاى مشرق و جهت شمال سلطنت كرده باشد، و سدى ساخته باشد و مردى مؤمن صالح و بلكه پيغمبر بوده و وزيرش خضر بوده باشد و در طلب آب حيات به ظلمات رفته باشد، حال چه اينكه اسمش اسكندر باشد و يا غير آن.

ه- جمعى از مورخين از قبيل اصمعى در" تاريخ عرب قبل از اسلام" و ابن هشام در كتاب" سيره" و" تيجان" و ابو ريحان بيرونى در" آثار الباقيه" و نشوان بن سعيد در كتاب" شمس العلوم" و ...- به طورى كه از آنها نقل شده- گفته اند كه ذو القرنين يكى از تبابعه اذواى يمن «1» و يكى از ملوك حمير بوده كه در يمن سلطنت مى كرده.

آن گاه در اسم او اختلاف كرده اند، يكى گفته: مصعب بن عبد اللَّه بوده، و يكى گفته صعب بن ذى المرائد اول تبابعه اش دانسته، و اين همان كسى بوده كه در محلى به نام" بئر سبع" به نفع ابراهيم (ع) حكم كرد. يكى ديگر گفته: تبع الاقرن و اسمش حسان بوده. اصمعى گفته وى اسعد الكامل چهارمين تبايعه و فرزند حسان الاقرن، ملقب به ملكى كرب دوم بوده، و او فرزند ملك تبع اول بوده است. بعضى هم گفته اند نامش" شمر يرعش" بوده است.

البته در برخى از اشعار حميرى ها و بعضى از شعراى جاهليت نامى از ذو القرنين به عنوان يكى از مفاخر برده شده. از آن جمله در كتاب" البداية و النهاية" نقل شده كه ابن هشام اين شعر اعشى را خوانده و انشاد كرده است:

__________________________________________________

(1)مملكت يمن در قديم به هشتاد و چهار مخلاف تقسيم مى شده- مخلاف به منزله قضاء و مديريت عرف امروز بوده- و هر مخلافى مشتمل بر تعدادى قلعه بوده كه هر قلعه اش را قصر و يا" محفد" مى ناميدند و در آن جماعتى از امت زندگى نموده بزرگشان بر آنها حكم مى رانده، و صاحب قصر را" ذى" مى ناميدند مانند ذى غمدان و ذى معين يعنى صاحب غمدان و صاحب معين، آن گاه جمعى" ذى" را" اذواء" و" ذوين" استعمال نموده اند، و آن كسى كه متصدى امر مخلاف بوده" قيل" و جمع آن را" اقيال" مى آوردند و آن كسى كه متولى امر همه مخلاف ها بوده" ملك" مى خواندند و اگر اين ملك حضرموت و شحر را هم با يمن ضميمه مى كرده در همه آنها حكم مى رانده چنين كسى را" تبع" مى خواندند. و اگر تنها بر يمن حكم مى راند او را" ملك" مى گفتند.

تاريخ تا كنون به اسم پنجاه و پنج نفر از اذواء دست يافته است و ليكن از پادشاهان تنها به هشت نفر كه از اذواء و ملوك حمير بودند. و ملوك حمير از همان ملوك دولت اخبره حاكمه در يمن بودند كه چهارده نفر آنها را از ملوك شمرده اند، و آنچه از تاريخ ملوك يمن از طريق نقل و روايت به دست مى آيد آن قدر مبهم و پيچيده است كه هيچ اعتمادى به تفاصيل آن نمى توان كرد. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 531

و الصعب ذو القرنين اصبح ثاويا بالجنوفى جدث اشم مقيما «1»

و در بحث روايتى سابق گذشت كه عثمان بن ابى الحاضر براى ابن عباس اين اشعار را انشاد كرد:

قد كان ذو القرنين جدى مسلما ملكا تدين له الملوك و تحشد

و دو بيت ديگر كه ترجمه اش نيز گذشت.

مقريزى در كتاب" الخطط" خود مى گويد: بدان كه تحقيق علماى اخبار به اينجا منتهى شده كه ذو القرنين كه قرآن كريم نامش را برده و فرموده:" وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ..."

مردى عرب بوده كه در اشعار عرب نامش بسيار آمده است، و اسم اصلى اش صعب بن ذى مرائد فرزند حارث رائش، فرزند همال ذى سدد، فرزند عاد ذى منح، فرزند عار ملطاط، فرزند سكسك، فرزند وائل، فرزند حمير، فرزند سبا، فرزند يشجب، فرزند يعرب، فرزند قحطان، فرزند هود، فرزند عابر، فرزند شالح، فرزند ارفخشد، فرزند سام، فرزند نوح بوده است.

و او پادشاهى از ملوك حمير است كه همه از عرب عاربه «2» بودند و عرب عرباء هم ناميده شده اند. و ذو القرنين تبعى بوده صاحب تاج، و چون به سلطنت رسيد نخست تجبر پيشه كرده و سرانجام براى خدا تواضع كرده با خضر رفيق شد. و كسى كه خيال كرده ذو القرنين همان اسكندر پسر فيلبس است اشتباه كرده، براى اينكه كلمه" ذو" عربى است و ذو القرنين از لقب هاى عرب براى پادشاهان يمن است، و اسكندر لفظى است رومى و يونانى.

ابو جعفر طبرى گفته: خضر در ايام فريدون پسر ضحاك بوده البته اين نظريه عموم علماى اهل كتاب است، ولى بعضى گفته اند در ايام موسى بن عمران، و بعضى ديگر گفته اند در مقدمه لشگر ذو القرنين بزرگ كه در زمان ابراهيم خليل (ع) بوده قرار داشته است. و اين خضر در سفرهايش با ذو القرنين به چشمه حيات برخورده و از آن نوشيده است، و به ذو القرنين اطلاع نداده. از همراهان ذو القرنين نيز كسى خبردار نشد، در نتيجه تنها خضر جاودان شد، و او به عقيده علماى اهل كتاب همين الآن نيز زنده است.

ولى ديگران گفته اند: ذو القرنينى كه در عهد ابراهيم (ع) بوده همان فريدون پسر ضحاك بوده، و خضر در مقدمه لشگر او بوده است.

ابو محمد عبد الملك بن هشام در كتاب تيجان كه در معرفت ملوك زمان نوشته بعد از

__________________________________________________

(1)صعب ذو القرنين سرانجام در محل جنو در قبر خوابيد در حالى كه قبرش ظاهر است.

(2)عرب قبل از حضرت اسماعيل را، عرب عاربه گويند، و به اسماعيل و فرزندانش عرب مستعربه اطلاق مى شود.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 532

ذكر حسب و نسب ذو القرنين گفته است: وى تبعى بوده داراى تاج. در آغاز سلطنت ستمگرى كرد و در آخر تواضع پيشه گرفت، و در بيت المقدس به خضر برخورده با او به مشارق زمين و مغارب آن سفر كرد و همانطور كه خداى تعالى فرموده همه رقم اسباب سلطنت برايش فراهم شد و سد ياجوج و ماجوج را بنا نهاد و در آخر در عراق از دنيا رفت.

و اما اسكندر، يونانى بوده و او را اسكندر مقدونى مى گفتند، و" مجدونى" اش نيز خوانده اند، از ابن عباس پرسيدند ذو القرنين از چه نژاد و آب خاكى بوده؟ گفت: از حمير بود و نامش صعب بن ذى مرائد بوده، و او همان است كه خدايش در زمين مكنت داده و از هر سببى به وى ارزانى داشت، و او به دو قرن آفتاب و به رأس زمين رسيد و سدى بر ياجوج و ماجوج ساخت.

بعضى به او گفتند: پس اسكندر چه كسى بوده؟ گفت: او مردى حكيم و صالح از اهل روم بود كه بر ساحل دريا در آفريقا منارى ساخت و سرزمين روم را گرفته به درياى عرب آمد و در آن ديار آثار بسيارى از كارگاه ها و شهرها بنا نهاد.

از كعب الاحبار پرسيدند كه ذو القرنين كه بوده؟ گفت: قول صحيح نزد ما كه از احبار و اسلاف خود شنيده ايم اين است كه وى از قبيله و نژاد حمير بوده و نامش صعب بن ذى مرائد بوده، و اما اسكندر از يونان و از دودمان عيصو فرزند اسحاق بن ابراهيم خليل (ع) بوده. و رجال اسكندر، زمان مسيح را درك كردند كه از جمله ايشان جالينوس و ارسطاطاليس بوده اند. و همدانى در كتاب انساب گفته: كهلان بن سبا صاحب فرزندى شد به نام زيد، و زيد پدر عريب و مالك و غالب و عميكرب بوده است. هيثم گفته: عميكرب فرزند سبا برادر حمير و كهلان بود. عميكرب صاحب دو فرزند به نام ابو مالك فدرحا و مهيليل گرديد و غالب داراى فرزندى به نام جنادة بن غالب شد كه بعد از مهيليل بن عميكرب بن سبا سلطنت يافت. و عريب صاحب فرزندى به نام عمرو شد و عمرو هم داراى زيد و هم يسع گشت كه ابا الصعب كنيه داشت. و اين ابا الصعب همان ذو القرنين اول است، و همو است مساح و بناء كه در فن مساحت و بنائى استاد بود و نعمان بن بشير در باره او مى گويد:

فمن ذا يعادونا من الناس معشرا كراما فذو القرنين منا و حاتم «1»

__________________________________________________

(1)اين كيانند كه از ميان مردم با ما دشمنى مى كنند با اينكه ما گروهى بزرگواريم و ذو القرنين و حاتم از ماست.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 533

و نيز در اين باره است كه حارثى مى گويد:

سموا لنا واحدا منكم فنعرفه فى الجاهلية لاسم الملك محتملا

كالتابعين و ذى القرنين يقبله اهل الحجى فاحق القول ما قبلا

و در اين باره ابن ابى ذئب خزاعى مى گويد:

و منا الذى بالخافقين تغربا و اصعد فى كل البلاد و صوبا

فقد نال قرن الشمس شرقا و مغربا و فى ردم ياجوج بنى ثم نصبا

و ذلك ذو القرنين تفخر حمير بعسكر قيل ليس يحصى فيحسبا

همدانى سپس مى گويد: (علماى همدان مى گويند: ذو القرنين اسمش صعب بن مالك بن حارث الاعلى فرزند ربيعة بن الحيار بن مالك، و در باره ذو القرنين گفته هاى زيادى هست «1».

و اين كلامى است جامع، و از آن استفاده مى شود كه اولا لقب ذو القرنين مختص به شخص مورد بحث نبوده بلكه پادشاهانى چند از ملوك حمير به اين نام ملقب بوده اند، ذو القرنين اول، و ذو القرنين هاى ديگر.

و ثانيا ذو القرنين اول آن كسى بوده كه سد ياجوج و ماجوج را قبل از اسكندر مقدونى به چند قرن بنا نهاده و معاصر با ابراهيم خليل (ع) و يا بعد از او بوده- و مقتضاى آنچه ابن هشام آورده كه وى خضر را در بيت المقدس زيارت كرده همين است كه وى بعد از او بود، چون بيت المقدس چند قرن بعد از حضرت ابراهيم (ع) و در زمان داوود و سليمان ساخته شد- پس به هر حال ذو القرنين هم قبل از اسكندر بوده. علاوه بر اينكه تاريخ حمير تاريخى مبهم است.

بنا بر آنچه مقريزى آورده گفتار در دو جهت باقى مى ماند.

يكى اينكه اين ذو القرنين كه تبع حميرى است سدى كه ساخته در كجا است؟.

دوم اينكه آن امت مفسد در زمين كه سد براى جلوگيرى از فساد آنها ساخته شده چه امتى بوده اند؟ و آيا اين سد يكى از همان سدهاى ساخته شده در يمن، و يا پيرامون يمن، از قبيل سد مارب است يا نه؟ چون سدهايى كه در آن نواحى ساخته شده به منظور ذخيره ساختن آب براى آشاميدن، و يا زراعت بوده است، نه براى جلوگيرى از كسى. علاوه بر اينكه در هيچ يك آنها قطعه هاى آهن و مس گداخته به كار نرفته، در حالى كه قرآن سد ذو القرنين را

__________________________________________________

(1)الخطط.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 534

اينچنين معرفى نموده.

و آيا در يمن و حوالى آن امتى بوده كه بر مردم هجوم برده باشند، با اينكه همسايگان يمن غير از امثال قبط و آشور و كلدان و ... كسى نبوده، و آنها نيز همه ملتهايى متمدن بوده اند؟.

يكى از بزرگان و محققين معاصر «1» ما اين قول را تاييد كرده، و آن را چنين توجيه مى كند: ذو القرنين مذكور در قرآن صدها سال قبل از اسكندر مقدونى بوده، پس او اين نيست، بلكه اين يكى از ملوك صالح، از پيروان اذواء از ملوك يمن بوده، و از عادت اين قوم اين بوده كه خود را با كلمه" ذى" لقب مى دادند، مثلا مى گفتند: ذى همدان، و يا ذى غمدان، و يا ذى المنار، و ذى الاذغار و ذى يزن و امثال آن.

و اين ذو القرنين مردى مسلمان، موحد، عادل، نيكو سيرت، قوى، و داراى هيبت و شوكت بوده، و با لشگرى بسيار انبوه به طرف مغرب رفته، نخست بر مصر و سپس بر ما بعد آن مستولى شده، و آن گاه هم چنان در كناره درياى سفيد به سير خود ادامه داده تا به ساحل اقيانوس غربى رسيده، و در آنجا آفتاب را ديده كه در عينى حمئة و يا حاميه فرو مى رود.

سپس از آنجا رو به مشرق نهاده، و در مسير خود آفريقا را بنا نهاده. مردى بوده بسيار حريص و خبره در بنائى و عمارت. و هم چنان سير خود را ادامه داده تا به شبه جزيره و صحراهاى آسياى وسطى رسيده، و از آنجا به تركستان، و ديوار چين برخورده، و در آنجا قومى را يافته كه خدا ميان آنان و آفتاب ساترى قرار نداده بود.

سپس به طرف شمال متمايل و منحرف گشته، تا به مدار السرطان رسيده، و شايد همانجا باشد كه بر سر زبانها افتاده كه وى به ظلمات راه يافته است. اهل اين ديار از وى درخواست كرده اند كه برايشان سدى بسازد تا از رخنه ياجوج و ماجوج در بلادشان ايمن شوند، چون يمنى ها- و مخصوصا ذو القرنين- معروف به تخصص در ساختن سد بوده اند، لذا ذو القرنين براى آنان سدى بنا نهاده است.

حال اگر محل اين سد همان محل ديوار چين باشد، كه فاصله ميان چين و مغول است، ناگزير بايد بگوئيم قسمتى از آن ديوار بوده كه خراب شده، و وى آن را ساخته است، و اگر اصل ديوار چنين نباشد، چون اصل آن را بعضى از ملوك چين قبل اين تاريخ ساخته بوده اند كه ديگر اشكالى باقى نمى ماند. و به طورى كه مى گويند از جمله بناهايى كه

__________________________________________________

(1)علامه سيد هبة الدين شهرستانى.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 535

ذو القرنين كه اسم اصليش" شمر يرعش" بود ساخته شهر سمرقند بوده است.

اين احتمال كه وى پادشاهى عربى زبان بوده تاييد شده به اينكه مى بينيم اعراب از رسول خدا (ص) از وى پرسش نموده و قرآن كريم، داستانش را براى تذكر و عبرت گيرى آورده است، زيرا اگر از نژاد عرب نبود جهت نداشت از ميان همه ملوك عالم تنها او را ذكر كند. پس چون اعراب نسبت به نژاد خود تعصب مى ورزيدند سرگذشت او در آنان مؤثرتر بوده، چون ملوك روم و عجم و چين از امتهاى دورى بوده اند كه اعراب خيلى به شنيدن تاريخشان و عبرت گيرى از سرگذشتشان علاقمند نبودند، به همين جهت مى بينيم كه در سراسر قرآن اسمى از آن ملوك به ميان نيامده است. اين بود خلاصه كلام شهرستانى «1».

اشكالى كه به گفته وى باقى مى ماند اين است كه ديوار چين نمى تواند سد ذو القرنين باشد، براى اينكه ذو القرنين به اعتراف خود او قرنها قبل از اسكندر بوده، و ديوار چين در حدود نيم قرن بعد از اسكندر ساخته شده، و اما سدهاى ديگرى كه غير از ديوار بزرگ چين در آن نواحى هست هيچ يك از آهن و مس ساخته نشده و همه با سنگ است.

صاحب تفسير جواهر بعد از ذكر مقدمه اى بيانى آورده كه خلاصه اش اين است كه:

با كمك سنگنبشته ها و آثار باستانى از خرابه هاى يمن به دست آمده كه در اين سرزمين سه دولت حكومت كرده است: يكى دولت معين بود كه پايتختش قرناء بوده، و علماء تخمين زده اند كه آثار اين دولت از قرن چهاردهم قبل از ميلاد آغاز و در قرن هفتم و يا هشتم قبل از ميلاد خاتمه يافته است، و از ملوك اين دولت به شانزده پادشاه مثل" اب يدع" و" أب يدع ينيع" دست يافته اند.

دولت سبا كه از قحطانيان بوده اول اذواء بوده و سپس اقيال. و از همه برجسته تر سبا بوده كه صاحب قصر صرواح در قسمت شرقى صنعا است، كه بر همه ملوك اين دولت غلبه يافته است. اين سلسله از سال 850 ق م تا سال 115 ق م در آن نواحى سلطنت داشته اند، و معروف از ملوك آنان بيست و هفت پادشاه بوده كه پانزده نفر آنان لقب" مكرب" داشته اند مانند مكرب" يثعمر" و مكرب" ذمرعلى" و دوازده نفر ايشان تنها لقب ملك داشته اند مانند ملك" ذرح" و ملك" يريم ايمن".

و سوم سلسله حميريها كه دو طبقه بوده اند اول ملوك سبا و ريدان كه از سال 115 ق م تا سال 275 ب م سلطنت كرده اند. اينها تنها ملوك بوده اند. طبقه دوم ملوك سبا و ريدان

__________________________________________________

(1).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 536

و حضرموت و غير آن كه چهارده نفر از اين سلسله سلطنت كرده اند، و بيشترشان تبع بوده اند اول آنان" شمر يرعش" و دوم" ذو القرنين" و سوم" عمرو" شوهر بلقيس «1» بود كه آخرشان منتهى به ذى جدن مى شود و آغاز سلطنت اين سلسله از سال 275 م شروع شده در سال 525 خاتمه يافته است.

[سخن صاحب تفسير" جواهر" در اثبات اينكه ذو القرنين، كورش، پادشاه هخامنشى ايران، و ياجوج و ماجوج، اقوام مغول بوده اند] ..... ص : 536

آن گاه صاحب جواهر مى گويد: پيشوند" ذى" در لقب ملوك يمن اضافه شده، و هيچ ملوك ديگرى از قبيل ملوك روم سراغ نداريم كه اين كلمه در لقبشان اضافه شده باشد، به همين دليل است كه مى گوئيم ذو القرنين از ملوك يمن بوده، و قبل از شخص مورد بحث اشخاص ديگرى نيز در يمن ملقب به ذو القرنين بوده اند، و ليكن آيا اين همان ذو القرنين مذكور در قرآن باشد يا نه قابل بحث است.

اعتقاد ما اين است كه: نه، براى اينكه ملوك يمن قريب العهد با ما بوده اند و از آنها چنين خاطراتى نقل نشده مگر در رواياتى كه نقالهاى قهوه خانه با آنها سر و كار دارند، مثل اينكه" شمر يرعش" به بلاد عراق و فارس و خراسان و صغد سفر كرده و شهرى به نام سمرقند بنا نهاده كه اصلش" شمركند" بوده و اسعد ابو كرب در آذربايجان جنگ كرده، و حسان پسرش را به صغد فرستاده و يعفر پسر ديگرش را به روم و برادر زاده اش را به فارس روانه ساخته، و اينكه بعد از جنگ او با چين از حميريها عده اى در چين باقى ماندند كه هم اكنون در آنجا هستند.

ابن خلدون و ديگران اين اخبار را تكذيب كرده اند، و آن را مبالغه دانسته و با ادله جغرافيايى و تاريخى رد نموده اند.

پس مى توان گفت كه ذو القرنين از امت عرب بوده و ليكن در تاريخى قبل از تاريخ معروف مى زيسته است. اين بود خلاصه كلام صاحب جواهر «2».

و- و بعضى ديگر گفته اند: ذو القرنين همان كورش يكى از ملوك هخامنشى در فارس است كه در سالهاى" 539- 560 ق م" مى زيسته و همو بوده كه امپراطورى ايرانى را تاسيس و ميان دو مملكت فارس و ماد را جمع نمود. بابل را مسخر كرد و به يهود اجازه مراجعت از بابل به اورشليم را صادر كرد، و در بناى هيكل كمك ها كرد و مصر را به تسخير خود درآورد، آن گاه به سوى يونان حركت نموده بر مردم آنجا نيز مسلط شد و به طرف مغرب رهسپار گرديده

__________________________________________________

(1)اين بلقيس غير از ملكه سبا مى باشد كه گفته مى شود با سليمان بن داوود بعد از آنكه او را از سبا فرا خواند ازدواج كرد، و اين داستان قريب هزار سال قبل از ميلاد مى باشد.

(2)الجواهر.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 537

آن گاه رو به سوى مشرق نهاد و تا اقصى نقطه مشرق پيش رفت.

اين قول را يكى از علماى نزديك به عصر «1» ما ذكر كرده و يكى از محققين هند «2» در ايضاح و تقريب آن سخت كوشيده است. اجمال مطلب اينكه: آنچه قرآن از وصف ذو القرنين آورده با اين پادشاه عظيم تطبيق مى شود، زيرا اگر ذو القرنين مذكور در قرآن مردى مؤمن به خدا و به دين توحيد بوده كورش نيز بوده، و اگر او پادشاهى عادل و رعيت پرور و داراى سيره رفق و رأفت و احسان بوده اين نيز بوده و اگر او نسبت به ستمگران و دشمنان مردى سياستمدار بوده اين نيز بوده و اگر خدا به او از هر چيزى سببى داده به اين نيز داده، و اگر ميان دين و عقل و فضائل اخلاقى وعده و عده و ثروت و شوكت و انقياد اسباب براى او جمع كرده براى اين نيز جمع كرده بود.

و همانطور كه قرآن كريم فرموده كورش نيز سفرى به سوى مغرب كرده حتى بر ليديا و پيرامون آن نيز مستولى شده و بار ديگر به سوى مشرق سفر كرده تا به مطلع آفتاب برسيد، و در آنجا مردمى ديد صحرانشين و وحشى كه در بيابانها زندگى مى كردند. و نيز همين كورش سدى بنا كرده كه به طورى كه شواهد نشان مى دهد سد بنا شده در تنگه داريال ميان كوه هاى قفقاز و نزديكيهاى شهر تفليس است. اين اجمال آن چيزى است كه مولانا ابو الكلام آزاد گفته است كه اينك تفصيل آن از نظر شما خواننده مى گذرد.

اما مساله ايمانش به خدا و روز جزا: دليل بر اين معنا كتاب عزرا (اصحاح 1) و كتاب دانيال (اصحاح 6) و كتاب اشعياء (اصحاح 44 و 45) از كتب عهد عتيق است كه در آنها از كورش تجليل و تقديس كرده و حتى در كتاب اشعياء او را" راعى رب" (رعيت دار خدا) ناميده و در اصحاح چهل و پنج چنين گفته است:" (پروردگار به مسيح خود در باره كورش چنين مى گويد) آن كسى است كه من دستش را گرفتم تا كمرگاه دشمن را خرد كند تا برابر او درب هاى دو لنگه اى را باز خواهم كرد كه دروازه ها بسته نگردد، من پيشاپيشت رفته پشته ها را هموار مى سازم، و دربهاى برنجى را شكسته، و بندهاى آهنين را پاره پاره مى نمايم، خزينه هاى ظلمت و دفينه هاى مستور را به تو مى دهم تا بدانى من كه تو را به اسمت مى خوانم خداوند اسرائيلم به تو لقب دادم و تو مرا نمى شناسى".

و اگر هم از وحى بودن اين نوشته ها صرفنظر كنيم بارى يهود با آن تعصبى كه به مذهب خود دارد هرگز يك مرد مشرك مجوسى و يا وثنى را (اگر كورش يكى از دو مذهب را داشته) مسيح پروردگار و هدايت شده او و مؤيد به تاييد او و راعى رب

__________________________________________________

(1)سر احمد خان هندى.

(2)مولانا ابو الكلام آزاد.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 538

نمى خواند.

علاوه بر اينكه نقوش و نوشته هاى با خط ميخى كه از عهد داريوش كبير به دست آمده كه هشت سال بعد از او نوشته شده- گوياى اين حقيقت است كه او مردى موحد بوده و نه مشرك، و معقول نيست در اين مدت كوتاه وضع كورش دگرگونه ضبط شود.

و اما فضائل نفسانى او: گذشته از ايمانش به خدا، كافى است باز هم به آنچه از اخبار و سيره او و به اخبار و سيره طاغيان جبار كه با او به جنگ برخاسته اند مراجعه كنيم و ببينيم وقتى بر ملوك" ماد" و" ليديا" و" بابل" و" مصر" و ياغيان بدوى در اطراف" بكتريا" كه همان بلخ باشد و غير ايشان ظفر مى يافته با آنان چه معامله مى كرده، در اين صورت خواهيم ديد كه بر هر قومى ظفر پيدا مى كرده از مجرمين ايشان گذشت و عفو مى نموده و بزرگان و كريمان هر قومى را اكرام و ضعفاى ايشان را ترحم مى نموده و مفسدين و خائنين آنان را سياست مى نموده.

كتب عهد قديم و يهود هم كه او را به نهايت درجه تعظيم نموده بدين جهت بوده كه ايشان را از اسارت حكومت بابل نجات داده و به بلادشان برگردانيده و براى تجديد بناى هيكل هزينه كافى در اختيارشان گذاشته، و نفائس گرانبهايى كه از هيكل به غارت برده بودند و در خزينه هاى ملوك بابل نگهدارى مى شده به ايشان برگردانيده، و همين خود مؤيد ديگرى است براى اين احتمال كه كورش همان ذو القرنين باشد، براى اينكه به طورى كه اخبار شهادت مى دهد پرسش كنندگان از رسول خدا (ص) از داستان ذو القرنين يهود بوده اند.

علاوه بر اين مورخين قديم يونان مانند" هردوت" و ديگران نيز جز به مروت و فتوت و سخاوت و كرم و گذشت و قلت حرص و داشتن رحمت و رأفت، او را نستوده اند، و او را به بهترين وجهى ثنا و ستايش كرده اند.

و اما اينكه چرا كورش را ذو القرنين گفته اند: هر چند تواريخ از دليلى كه جوابگوى اين سؤال باشد خالى است ليكن مجسمه سنگى كه اخيرا در مشهد مرغاب در جنوب ايران از او كشف شده جاى هيچ ترديدى نمى گذارد كه همو ذو القرنين بوده، و وجه تسميه اش اين است كه در اين مجسمه ها دو شاخ ديده مى شود كه هر دو در وسط سر او در آمده يكى از آن دو به طرف جلو و يكى ديگر به طرف عقب خم شده، و اين با گفتار قدماى مورخين كه در وجه تسميه او به اين اسم گفته اند تاج و يا كلاه خودى داشته كه داراى دو شاخ بوده درست تطبيق مى كند.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 539

در كتاب دانيال «1» هم خوابى كه وى براى كورش نقل كرده را به صورت قوچى كه دو شاخ داشته ديده است.

در آن كتاب چنين آمده: در سال سوم از سلطنت" بيلشاصر" پادشاه، براى من كه دانيال هستم بعد از آن رؤيا كه بار اول ديدم رؤيايى دست داد كه گويا من در" شوشن" هستم يعنى در آن قصرى كه در ولايت عيلام است مى باشم و در خواب مى بينم كه من در كنار نهر" اولاى" هستم چشم خود را به طرف بالا گشودم ناگهان قوچى ديدم كه دو شاخ دارد و در كنار نهر ايستاده و دو شاخش بلند است اما يكى از ديگرى بلندتر است كه در عقب قرار دارد. قوچ را ديدم به طرف مغرب و شمال و جنوب حمله مى كند، و هيچ حيوانى در برابرش مقاومت نمى آورد و راه فرارى از دست او نداشت و او هر چه دلش مى خواهد مى كند و بزرگ مى شود. در اين بين كه من مشغول فكر بودم ديدم نر بزى از طرف مغرب نمايان شد همه ناحيه مغرب را پشت سر گذاشت و پاهايش از زمين بريده است، و اين حيوان تنها يك شاخ دارد كه ميان دو چشمش قرار دارد. آمد تا رسيد به قوچى كه گفتم دو شاخ داشت و در كنار نهر بود سپس با شدت و نيروى هر چه بيشتر دويده، خود را به قوچ رسانيد با او در آويخت و او را زد و هر دو شاخش را شكست، و ديگر تاب و توانى براى قوچ نماند، بى اختيار در برابر نر بز ايستاد. نر بز قوچ را به زمين زد و او را لگدمال كرد، و آن حيوان نمى توانست از دست او بگريزد، و نر بز بسيار بزرگ شد.

آن گاه مى گويد: جبرئيل را ديدم و او رؤياى مرا تعبير كرده به طورى كه قوچ داراى دو شاخ با كورش و دو شاخش با دو مملكت فارس و ماد منطبق شد و نر بز كه داراى يك شاخ بود با اسكندر مقدونى منطبق شد.

و اما سير كورش به طرف مغرب و مشرق: اما سيرش به طرف مغرب همان سفرى بود كه براى سركوبى و دفع" ليديا" كرد كه با لشگرش به طرف كورش مى آمد، و آمدنش به ظلم و طغيان و بدون هيچ عذر و مجوزى بود. كورش به طرف او لشگر كشيد و او را فرارى داد، و تا پايتخت كشورش تعقيبش كرد، و پايتختش را فتح نموده او را اسير نمود، و در آخر او و ساير ياورانش را عفو نموده اكرام و احسانشان كرد با اينكه حق داشت كه سياستشان كند و به كلى نابودشان سازد.

و انطباق اين داستان با آيه شريفه" حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ

__________________________________________________

(1)كتاب دانيال، اصحاح هشتم، 1- 9.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 540

- كه شايد ساحل غربى آسياى صغير باشد- وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً" از اين رواست كه گفتيم حمله ليديا تنها از باب فساد و ظلم بوده.

آن گاه به طرف صحراى كبير مشرق، يعنى اطراف بكتريا عزيمت نمود، تا غائله قبائل وحشى و صحرانشين آنجا را خاموش كند، چون آنها هميشه در كمين مى نشستند تا به اطراف خود هجوم آورده فساد راه بيندازند، و انطباق آيه" حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً" روشن است.

و اما سد سازى كورش: بايد دانست سد موجود در تنگه كوه هاى قفقاز، يعنى سلسله كوه هايى كه از درياى خزر شروع شده و تا درياى سياه امتداد دارد، و آن تنگه را تنگه" داريال" مى نامند كه بعيد نيست تحريف شده از" داريول" باشد، كه در زبان تركى به معناى تنگه است، و به لغت محلى آن سد را سد" دمير قاپو" يعنى دروازه آهنى مى نامند، و ميان دو شهر تفليس و" ولادى كيوكز" واقع شده سدى است كه در تنگه اى واقع در ميان دو كوه خيلى بلند ساخته شده و جهت شمالى آن كوه را به جهت جنوبى اش متصل كرده است، به طورى كه اگر اين سد ساخته نمى شد تنها دهانه اى كه راه ميان جنوب و شمال آسيا بود همين تنگه بود. با ساختن آن اين سلسله جبال به ضميمه درياى خزر و درياى سياه يك حاجز و مانع طبيعى به طول هزارها كيلومتر ميان شمال و جنوب آسيا شده.

و در آن اعصار اقوامى شرير از سكنه شمال شرقى آسيا از اين تنگه به طرف بلاد جنوبى قفقاز، يعنى ارمنستان و ايران و آشور و كلده، حمله مى آوردند و مردم اين سرزمينها را غارت مى كردند. و در حدود سده هفتم قبل از ميلاد حمله عظيمى كردند، به طورى كه دست چپاول و قتل و برده گيريشان عموم بلاد را گرفت تا آنجا كه به پايتخت آشور يعنى شهر نينوا هم رسيدند، و اين زمان تقريبا همان زمان كورش است.

مورخان قديم- نظير هردوت يونانى- سير كورش را به طرف شمال ايران براى خاموش كردن آتش فتنه اى كه در آن نواحى شعله ور شده بود آورده اند. و على الظاهر چنين به نظر مى رسد كه در همين سفر سد مزبور را در تنگه داريال و با استدعاى اهالى آن مرز و بوم و تظلمشان از فتنه اقوام شرور بنا نهاده و آن را با سنگ و آهن ساخته است و تنها سدى كه در دنيا در ساختمانش آهن به كار رفته همين سد است، و انطباق آيه" فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ..." بر اين سد روشن است.

و از جمله شواهدى كه اين مدعا را تاييد مى كند وجود نهرى است در نزديكى اين سد كه آن را نهر" سايروس" مى گويند، و كلمه" سايروس" در اصطلاح غربيها نام كورش

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 541

است، و نهر ديگرى است كه از تفليس عبور مى كند به نام" كر".

و داستان اين سد را" يوسف"، مورخ يهودى در آنجا كه سرگذشت سياحت خود را در شمال قفقاز مى آورد ذكر كرده است. و اگر سد مورد بحث كه كورش ساخته عبارت از ديوار باب الأبواب باشد كه در كنار بحر خزر واقع است نبايد يوسف مورخ آن را در تاريخ خود بياورد، زيرا در روزگار او هنوز ديوار باب الأبواب ساخته نشده بود، چون اين ديوار را به كسرى انوشيروان نسبت مى دهند و يوسف قبل از كسرى مى زيسته و به طورى كه گفته اند در قرن اول ميلادى بوده است.

علاوه بر اين كه سد باب الأبواب قطعا غير سد ذو القرنينى است كه در قرآن آمده، براى اينكه در ديوار باب الأبواب آهن به كار نرفته.

و اما ياجوج و ماجوج: بحث از تطورات حاكم بر لغات و سيرى كه زبانها در طول تاريخ كرده ما را بدين معنا رهنمون مى شود كه ياجوج و ماجوج همان مغوليان بوده اند، چون اين دو كلمه به زبان چينى" منگوك" و يا" منچوك" است، و معلوم مى شود كه دو كلمه مذكور به زبان عبرانى نقل شده و ياجوج و ماجوج خوانده شده است، و در ترجمه هايى كه به زبان يونانى براى اين دو كلمه كرده اند" گوك" و" ماگوك" مى شود، و شباهت تامى كه ما بين" ماگوك" و" منگوك" هست حكم مى كند بر اينكه كلمه مزبور همان منگوك چينى است هم چنان كه" منغول" و" مغول" نيز از آن مشتق و نظائر اين تطورات در الفاظ آن قدر هست كه نمى توان شمرد.

پس ياجوج و ماجوج مغول هستند و مغول امتى است كه در شمال شرقى آسيا زندگى مى كنند، و در اعصار قديم امت بزرگى بودند كه مدتى به طرف چين حمله ور مى شدند و مدتى از طريق داريال قفقاز به سرزمين ارمنستان و شمال ايران و ديگر نواحى سرازير مى شدند، و مدتى ديگر يعنى بعد از آنكه سد ساخته شد به سمت شمال اروپا حمله مى بردند، و اروپائيان آنها را" سيت" مى گفتند. و از اين نژاد گروهى به روم حمله ور شدند كه در اين حمله دولت روم سقوط كرد. در سابق گفتيم كه از كتب عهد عتيق هم استفاده مى شود كه اين امت مفسد از سكنه اقصاى شمال بودند.

اين بود خلاصه اى از كلام ابو الكلام، كه هر چند بعضى از جوانبش خالى از اعتراضاتى نيست، ليكن از هر گفتار ديگرى انطباقش با آيات قرآنى روشن تر و قابل قبول تر است.

ز- از جمله حرفهايى كه در باره ذو القرنين زده شده مطلبى است كه من از يكى از ترجمه الميزان، ج 13، ص: 542

مشايخم شنيده ام كه مى گفت:" ذو القرنين از انسانهاى ادوار قبلى انسان بوده" و اين حرف خيلى غريب است، و شايد خواسته است پاره اى حرفها و اخبارى را كه در عجائب حالات ذو القرنين هست تصحيح كند، مانند چند بار مردن و زنده شدن و به آسمان رفتن و به زمين برگشتن و مسخر شدن ابرها و نور و ظلمت و رعد و برق براى او و با ابر به مشرق و مغرب عالم سير كردن.

و معلوم است كه تاريخ اين دوره از بشريت كه دوره ما است هيچ يك از مطالب مزبور را تصديق نمى كند، و چون در حسن ظن به اخبار مذكور مبالغه دارد، لذا ناگزير شده آن را به ادوار قبلى بشريت حمل كند.

4- مفسرين و مورخين در بحث پيرامون اين داستان دقت و كنكاش زيادى كرده و سخن در اطراف آن به تمام گفته اند، و بيشترشان بر آنند كه ياجوج و ماجوج امتى بسيار بزرگ بوده اند كه در شمال آسيا زندگى مى كرده اند، و جمعى از ايشان اخبار وارد در قرآن كريم را كه در آخر الزمان خروج مى كنند و در زمين افساد مى كنند، بر هجوم تاتار در نصف اول از قرن هفتم هجرى بر مغرب آسيا تطبيق كرده اند، زيرا همين امت در آن زمان خروج نموده در خون ريزى و ويرانگرى زرع و نسل و شهرها و نابود كردن نفوس و غارت اموال و فجايع افراطى نمودند كه تاريخ بشريت نظير آن را سراغ ندارد.

مغولها اول سرزمين چين را در نور ديده آن گاه به تركستان و ايران و عراق و شام و قفقاز تا آسياى صغير روى آورده آنچه آثار تمدن سر راه خود ديدند ويران كردند و آنچه شهر و قلعه در مقابلشان قرار مى گرفت نابود مى ساختند، از آن جمله سمرقند و بخارا و خوارزم و مرو و نيشابور و رى و غيره بود، در شهرهايى كه صدها هزار نفوس داشت در عرض يك روز يك نفر نفس كش را باقى نگذاشتند و از ساختمانهايش اثرى نماند حتى سنگى روى سنگ باقى نماند.

بعد از ويرانگرى اين شهرها به بلاد خود برگشتند، و پس از چندى دوباره به راه افتاده اهل" بولونيا" و بلاد" مجر" را نابود كردند و به روم حمله ور شده و آنها را ناگزير به دادن جزيه كردند فجايعى كه اين قوم مرتكب شدند از حوصله شرح و تفصيل بيرون است.

مفسرين و مورخين كه گفتيم اين حوادث را تحرير نموده اند از قضيه سد به كلى سكوت كرده اند. در حقيقت به خاطر اينكه مساله سد يك مساله پيچيده اى بوده لذا از زير بار تحقيق آن شانه خالى كرده اند، زيرا ظاهر آيه" فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ..." به طورى كه خود ايشان تفسير كرده اند اين است كه اين امت مفسد و

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 543

خونخوار پس از بناى سد در پشت آن محبوس شده اند و ديگر نمى توانند تا اين سد پاى بر جاست از سرزمين خود بيرون شوند تا وعده خداى سبحان بيايد كه وقتى آمد آن را منهدم و متلاشى مى كند و باز اقوام نامبرده خونريزيهاى خود را از سر مى گيرند، و مردم آسيا را هلاك و اين قسمت از آبادى را زير و رو مى كنند، و اين تفسير با ظهور مغول در قرن هفتم درست در نمى آيد.

لذا ناگزير بايد اوصاف سد مزبور را بر طبق آنچه قرآن فرموده حفظ كنند و در باره آن اقوام بحث كنند كه چه قومى بوده اند، اگر همان تاتار و مغول بوده باشند كه از شمال چين به طرف ايران و عراق و شام و قفقاز گرفته تا آسياى صغير را لگدمال كرده باشند، پس اين سد كجا بوده و چگونه توانسته اند از آن عبور نموده و به ساير بلاد بريزند و آنها را زير و رو كنند؟.

و اين قوم مزبور اگر تاتار و يا غير آن از امت هاى مهاجم در طول تاريخ بشريت نبوده اند پس اين سد در كجا بوده، و سدى آهنى و چنان محكم كه از خواصش اين بوده كه امتى بزرگ را هزاران سال از هجوم به اقطار زمين حبس كرده باشد به طورى كه نتوانند از آن عبور كنند كجا است؟ و چرا در اين عصر كه تمامى دنيا به وسيله خطوط هوايى و دريايى و زمينى به هم مربوط شده، و به هيچ مانعى چه طبيعى از قبيل كوه و دريا، و يا مصنوعى مانند سد و يا ديوار و يا خندق برنمى خوريم كه از ربط امتى با امت ديگر جلوگيرى كند؟ و با اين حال چه معنا دارد كه با كشيدن سدى داراى اين صفات و يا هر صفتى كه فرض شود رابطه اش با امت هاى ديگر قطع شود؟

ليكن در دفع اين اشكال آنچه به نظر من مى رسد اين است كه كلمه" دكاء" از" دك" به معناى ذلت باشد، هم چنان كه در لسان العرب گفته:" جبل دك" يعنى كوهى كه ذليل شود «1». و آن وقت مراد از" دك كردن سد" اين باشد كه آن را از اهميت و از خاصيت بيندازد به خاطر اتساع طرق ارتباطى و تنوع وسائل حركت و انتقال زمينى و دريايى و هوايى ديگر اعتنايى به شان آن نشود.

پس در حقيقت معناى اين وعده الهى وعده به ترقى مجتمع بشرى در تمدن و نزديك شدن امتهاى مختلف است به يكديگر، به طورى كه ديگر هيچ سدى و مانعى و ديوارى جلو انتقال آنان را از هر طرف دنيا به هر طرف ديگر نگيرد، و به هر قومى بخواهند بتوانند هجوم آورند.

__________________________________________________

(1)لسان العرب، ج 10، ص 424.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 544

مؤيد اين معنا سياق آيه:" حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ" است كه خبر از هجوم ياجوج و ماجوج مى دهد و اسمى از سد نمى برد.

البته كلمه" دك" يك معناى ديگر نيز دارد، و آن عبارت از دفن است كه در صحاح گفته:" دككت الركى" اين است كه من چاه را با خاك دفن كردم «1». و باز معناى ديگرى دارد، و آن اين است كه كوه به صورت تلهاى خاك در آيد، كه باز در صحاح گفته:

" تدكدكت الجبال" يعنى كوه ها تلهايى از خاك شدند، و مفرد آن" دكاء" مى آيد «2». بنا بر اين ممكن است احتمال دهيم كه سد ذو القرنين كه از بناهاى عهد قديم است به وسيله بادهاى شديد در زمين دفن شده باشد، و يا سيلهاى مهيب آب رفتهايى جديد پديد آورده و باعث وسعت درياها شده در نتيجه سد مزبور غرق شده باشد كه براى بدست آوردن اينگونه حوادث جوى بايد به علم ژئولوژى مراجعه كرد. پس ديگر جاى اشكالى باقى نمى ماند، و ليكن با همه اين احوال وجه قبلى موجه تر است- و خدا بهتر مى داند.

__________________________________________________

(1 و 2)صحاح، ج 4، ص 1584.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 545

[سوره الكهف (18): آيات 103 تا 108] ..... ص : 545

اشاره

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107)

خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (108)

ترجمه آيات ..... ص : 545

بگو آيا شما را از آنهايى كه از جهت عمل زيانكارترند خبر دهيم (103).

همان كسان كه كوشش ايشان در زندگى اين دنيا تلف شده و پندارند كه رفتار نيكو دارند (104).

آنها همان كسانند كه آيت هاى پروردگارشان را با معاد انكار كرده اند، پس اعمالشان هدر شده و روز قيامت براى آنها ميزانى بپا نمى كنيم (105).

چنين است، و سزاى ايشان جهنم است براى آنكه انكار ورزيده و آيت هاى من و پيغمبرانم را به مسخره گرفته اند (106).

كسانى كه ايمان آورده و كارهاى شايسته كرده اند منزلشان باغهاى بهشت است (107).

جاودانه در آنند و تغيير يافتن از آن را نخواهند (108).

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 546

بيان آيات [معرفى زيانكارترين زيانكاران (اخسرين اعمالا) كه كارهاى بى نتيجه خود را نيكو مى پندارند و اعمالشان حبط شده، در قيامت وزنى ندارد] ..... ص : 546

اين آيات شش گانه به منزله استنتاج از آيات گذشته در اين سوره است كه دلباختگى مشركين را نسبت به زينت حيات دنيا و ركون و اطمينان به اوليائى غير از خدا و ابتلاءشان به تاريك بينى و ناشنوايى و آثار اينها در سوء عاقبت را شرح مى داد. و علاوه بر اينكه از آن آيات نتيجه گيرى مى كند، تمهيد و مقدمه اى است نسبت به آيه آخر سوره كه مى فرمايد:" قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...".

" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا".

ظاهر سياق مى رساند كه خطاب در اين آيه به مشركين باشد، و با لحن كنايه مى فرمايد:" بگو مى خواهيد بگوييم چه كسى در عمل خاسرتر از هر كس است ..." با اينكه منظور خود مخاطبين است، ولى بعد از يك آيه لحن سخن را عوض كرده نزديك به صراحت مى فرمايد:" أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ". پس معلوم مى شود كه منكرين نبوت و معاد كه كفر به آيات خدا و لقاء او معرف ايشان است همان مشركين هستند.

بعضى «1» از مفسرين گفته اند: اگر نفرمود:" بالاخسرين عملا" با اينكه اصل در تميز اين است كه مفرد آورده شود، و با اينكه مصدر هم شامل قليل و هم كثير مى شود، براى اين است كه اعلام كند، خسران اختصاص به يك نوع اعمال ايشان ندارد، بلكه تمامى انواع كارهاى ايشان را شامل است.

" الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً".

اين آيه خبر مى دهد از آنهايى كه در عمل از هر زيانكارى زيانكارترند. و آنها كسانى هستند كه در آيه قبلى پيشنهاد كرد كه به مشركين معرفى شان كند و حال معرفى مى كند و مى فرمايد كسانى هستند كه در زندگى دنيا نيز از عمل خود بهره نگرفتند، چون" ضلال سعى" همان خسران و بى نتيجگى عمل است، آن گاه دنبالش اضافه فرموده كه" وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً- در عين حال گمان مى كنند كه كار خوبى انجام مى دهند"، و همين پندار است كه مايه تماميت خسران ايشان شده است.

توضيح اينكه: خسران و خسارت در كسب و كارهايى صورت مى گيرد كه به منظور

__________________________________________________

(1)تفسير روح المعانى، ج 16، ص 47. [.....]

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 547

استفاده و سود انجام مى شود و وقتى خسران تحقق مى يابد كه كاسب از سعى و كوشش خود به غرضى كه داشته، نرسد، بلكه نتيجه عمل اين شود كه مثلا چيزى از سرمايه هم از بين برود، و يا حد اقل منفعتى عايد نگردد در نتيجه سعيش بى نتيجه شود. و اين همان است كه آيه شريفه آن را" ضلال سعى" خوانده، كانه راه استفاده گم شده، و راهى كه پيموده به خلاف آن هدفى كه داشته است منتهى گرديده. حال كه اين مطلب روشن گرديد مى گوييم: چه بسيار مى شود كه انسان در كسب و كارش خاسر مى شود و به خاطر استاد نبودن در كسب و يا در راه آن و يا به خاطر عواملى ديگر كه احيانا اتفاق مى افتد از نتيجه بى بهره مى شود. و اين خسرانى است كه اميد زوالش هست، چون معمولا پس از يكى دو بار اشتباه، تجربه مى آموزد و ما فات را جبران مى كند. و چه بسا مى شود كه آدمى خاسر مى گردد ولى به خيال خود نتيجه گرفته است. ضرر مى كند و به خيال خود سود برده است. اينچنين خسران و ضررى اميدى به زوال و جبرانش نيست.

آدمى در زندگى دنيا جز سعى براى سعادت خود كارى نمى كند، و جز كوشش براى رسيدن به چنين هدفى همى ندارد، و اين انسان اگر طريق حق را بپيمايد و به غرض خود نائل شود و سعادتمند بشود كه هيچ، و اگر راه خطا را برود و نفهمد كه دارد خطا مى رود خاسر است ليكن همين خاسر خسرانش قابل زوال است و اميد نجات دارد. اما اگر راه خطا رفت و به غير حق اصابت كرد و همان باطل را پذيرفت تا آنجا كه وقتى هم كه حق برايش جلوه كرد از آن اعراض نمود، و دلباخته استكبار و تعصب جاهلانه خود بود، چنين كسى از هر خاسرى خاسرتر است و عملش از عمل هر كس ديگرى بى نتيجه تر، زيرا اين خسرانى است كه زايل نمى شود، و اميد نمى رود كه روزى مبدل به سعادت شود و به همين جهت است كه خداى تعالى مى فرمايد:" الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً".

و اينكه كسى با روشن شدن بطلان اعمالش، باز هم آن را حق بپندارد از اين جهت است كه دلش مجذوب زينت هاى دنيا و زخارف آن شده، و در شهوات غوطه ور گشته لذا همين انجذاب به ماديت او را از ميل به پيروى حق و شنيدن داعى آن و پذيرفتن نداى منادى فطرت باز مى دارد، هم چنان كه در جاى ديگر قرآن آمده:" وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ" «1» و نيز آمده:" وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ" «2» پس پيروى هواى نفس و از در عناد و

__________________________________________________

(1)حق را انكار كردند در حالى كه دلهايشان بدان يقين داشت. سوره نمل آيه 14.

(2)و چون به او گفته شود از خدا بترس غرورش او را به گناه و لجبازى وا مى دارد. سوره بقره آيه 206.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 548

استكبار و عشق به شهوات نفس به اعراض از حق ادامه دادن همان خشنودى از باطل خويش بودن و آن را نيكو پنداشتن است.

" أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ".

اين جمله تعريف دومى براى" بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا" و تفسيرى بعد از تفسير آن است. و منظور از" آيات"- به طورى كه اطلاق كلمه اقتضاء مى كند- آيات آفاقى و انفسى خداى تعالى و معجزاتى است كه انبياء براى تاييد رسالت خود مى آورند. پس كفر به آيات، انكار نبوت است. علاوه بر اينكه خود پيغمبر از آيات است. و مراد از كفر به لقاء خدا، كفر به معاد و بازگشت به سوى او است.

پس برگشت تعريف" بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا" به اين است كه آنان منكر نبوت و معادند، و اين از خواص بت پرستان است.

" فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً".

وجه اينكه چرا اعمالشان حبط (بى اجر) مى گردد اين است كه آنها هيچ عملى را براى رضاى خدا انجام نمى دهند، و ثواب دار آخرت را نمى جويند و سعادت حيات آخرت را نمى طلبند و محركشان در هيچ عملى ياد روز قيامت و حساب نيست. ما، در مباحث اعمال در جلد دوم اين كتاب راجع به حبط بحثى ايراد كرديم.

و اينكه فرمود:" فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً" تفريعى است بر حبط اعمال، زيرا سنجش و وزن در روز قيامت به سنگينى حسنات است، به دليل اينكه مى فرمايد:" وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ" «1».

و نيز به دليل اينكه با حبط عمل ديگر سنگينى باقى نمى ماند و در نتيجه ديگر وزنى معنا ندارد.

" ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً".

كلمه" ذلك" اشاره به همان وصفى است كه از اوصاف آنان ذكر كرد، و اين اشاره خبر است براى مبتدايى كه حذف شده و تقدير كلام اين است:" الامر ذلك" يعنى حال و وضع ايشان بدين سان است كه ما گفتيم. و اين خود تاكيدى است براى مطلب و جمله" جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ" كلامى است نو و تازه كه از عاقبت امر ايشان خبر مى دهد. و جمله

__________________________________________________

(1)سنگ سنجش امروز حق است پس هر كس ميزان اعمالش سنگين شد آنان رستگارند و كسانى كه ميزان اعمالشان سبك گشت آنها كسانى خواهند بود كه زيان كردند. سوره اعراف، آيه 8 و 9.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 549

" بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً" در معناى اين است كه فرموده باشد:" بما كفروا و ازدادوا كفرا باستهزاء آياتى و رسلى" يعنى به خاطر كفرى كه ورزيدند، و آن را با مسخره كردن آيات و رسولان من دو چندان نمودند.

" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا".

به كلمه" فردوس" هم ضمير مذكر برمى گردد و هم مؤنث و به طورى كه گفته شده كلمه اى است رومى به معناى" بستان" و بعضى هم گفته اند كلمه اى است سريانى به معناى تاكستان و اصل آن" فرداس" بوده، و بعضى ديگر گفته اند كلمه اى است سريانى و به معناى باغ انگور. و بعضى گفته اند كلمه اى است حبشى و بعضى گفته اند عربى است و به معناى باغ پر درختى است كه بيشتر درختانش انگور باشد.

بعضى خواسته اند از اينكه" جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ" را" نزل" خوانده، آن چنان كه قبلا جهنم را براى كافران نزل خوانده بود استفاده كنند كه در ما وراى بهشت و دوزخ، ثواب و عقاب ديگرى است كه به وصف در نمى آيد. و چه بسا اين مفسرين استفاده مذكور خود را با امثال:

" لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ" «1» و آيه" فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ" «2» و آيه" وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ" «3» تاييد مى كنند.

" خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا".

كلمه" بغى" به معناى طلبيدن است. و كلمه" حول" به معناى تحول است. و باقى آيه روشن است.

بحث روايتى [(رواياتى در باره" بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا" و" جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ")] ..... ص : 549

در الدر المنثور است كه ابن مردويه از ابى الطفيل روايت كرده كه گفت: من از على بن ابى طالب شنيدم كه در پاسخ ابن الكواء كه از آيه" هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا" پرسيده بود فرمود: مقصود فاجران قريش است «4».

__________________________________________________

(1)در بهشت براى ايشان است هر چه را كه بخواهند، و نزد ما بيش از آن است. سوره ق، آيه 35.

(2)هيچ كس نمى داند كه چه چيزهايى كه مايه روشنى چشمها است برايش پنهان كرده ايم.

سوره الم سجده، آيه 17.

(3)و از ناحيه خدا چيزهايى ديدند كه هيچ احتمالش را نمى دادند. سوره زمر، آيه 47.

(4)الدر المنثور، ج 4، ص 253.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 550

و در تفسير عياشى از امام بن ربعى روايت كرده كه گفت: ابن الكواء در مجلس امير المؤمنين (ع) برخاست و عرض كرد مرا خبر ده از معناى قول خدا كه مى فرمايد:" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ... صُنْعاً" حضرت فرمود: مقصود اهل كتابند كه به پروردگار خود كفر ورزيدند و در دين خود بدعت نهادند، خداوند هم اعمالشان را حبط كرد و اهل نهروان از ايشان دور نيستند «1».

مؤلف: و نيز روايت شده كه مقصود از آنها نصارى هستند، و راوى آن قمى از ابى جعفر (ع) است «2» و طبرسى هم در احتجاج از على (ع) روايت كرده كه منظور اهل كتابند «3». و در الدر المنثور آمده كه ابن منذر و ابن ابى حاتم از ابى خميصه، عبد اللَّه بن قيس از على (ع) روايت كرده كه مقصود راهب ها هستند كه خود را در ديرها حبس كردند «4».

و همه اين روايات از باب جرى است، و دو آيه مذكور در روايات در سياق مفصلى قرار دارند كه روى سخن در آن سياق با مشركين است، و آيه سوم يعنى" أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ ..." كه تفسير آيه دومى است انطباقش بر وثنى ها همانطور كه گذشت روشن تر است تا بر غير ايشان.

پس روايتى كه از قمى در تفسيرش در ذيل آيه مورد بحث آمده كه در باره يهود نازل شد و در باره خوارج جريان يافته صحيح نيست.

در تفسير برهان از محمد بن عباس به سند خود از حارث از على (ع) روايت آورده كه فرمود: براى هر چيزى نقطه برجسته اى است و نقطه برجسته بهشت فردوس است كه اختصاص به محمد و آل محمد (ع) دارد «5».

و در الدر المنثور است كه بخارى، مسلم و ابن ابى حاتم از ابى هريره روايت كرده اند كه گفت رسول خدا (ص) فرمود:" وقتى از خدا درخواست مى كنيد فردوس را بخواهيد كه در وسط بهشت و بر نقطه بلند آن قرار دارد كه فوق آن عرش رحمان است، و نهرهاى بهشت از آنجا مى جوشد «6».

__________________________________________________

(1)تفسير عياشى، ج 2، ص 352، ح 89.

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 46.

(3)احتجاج طبرسى، ج 1 ص 227 چاپ بيروت.

(4)الدر المنثور، ج 4، ص 253.

(5)تفسير برهان، ج 4، ص 253.

(6)الدر المنثور، ج 4، ص 254.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 551

و در مجمع البيان است كه عبادة بن صامت از رسول خدا (ص) روايت كرده كه فرمود: بهشت صد درجه است كه ما بين هر دو درجه آن به قدر ما بين آسمان و زمين است، و فردوس بالاترين درجه آن است كه نهرهاى چهارگانه بهشت از آنجا مى جوشد، پس هر وقت خواستيد از خدا درخواستى كنيد فردوس را بخواهيد «1».

مؤلف: و در اين معنا روايات ديگرى است.

و در تفسير قمى از جعفر بن احمد از عبيد اللَّه بن موسى از حسن بن على بن ابى حمزه از پدرش از ابى بصير از ابى عبد اللَّه (ع) روايت كرده كه در ضمن حديثى گفت از آن جناب از آيه" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا" پرسيدم، فرمود: در باره ابو ذر و سلمان و مقداد و عمار بن ياسر نازل شده كه خداى تعالى جنات فردوس را منزل و ماواى ايشان كرده است «2».

مؤلف: جا دارد كه اين روايت را حمل بر جرى كنيم و بگوئيم مراد اين است كه آيه شريفه در باره مؤمنين حقيقى نازل شده كه چهار نفر مذكور از روشن ترين مصاديق آنند، و گرنه اگر بگوييم در خصوص ايشان نازل شده باشد، اين اشكال متوجه مى شود كه سلمان از كسانى بود كه در مدينه ايمان آورد، و آيه شريفه در مكه و قبل از هجرت به مدينه نازل شده، علاوه بر اينكه سند حديث هم خالى از سستى نيست.

__________________________________________________

(1)مجمع البيان، ج 4، ص 216. [.....]

(2)تفسير قمى، ج 2، ص 46.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 552

[سوره الكهف (18): آيه 109] ..... ص : 552

اشاره

قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)

ترجمه آيه ..... ص : 552

بگو اگر دريا مركب كلمات پروردگار من باشد پيش از آنكه كلمات پروردگارم تمامى گيرد دريا تمامى پذيرد و گر چه نظير آن را نيز به كمك آوريم (109).

بيان آيه ..... ص : 552

اشاره

اين آيه بيان مستقلى است براى وسعت كلمات خداى تعالى، و اينكه كلمات او نابودى پذير نيست، و به همين جهت بعيد نيست كه تنها نازل شده باشد نه در ضمن آيات قبل و بعدش، ليكن اگر در ضمن آيات ديگرى نازل شده باشد، آن وقت مربوط به تمامى مطالبى است كه در اين سوره مورد بحث قرار گرفته است.

بدين خاطر كه در اول اين سوره اشاره شده كه حقايقى الهى را خاطرنشان مى سازد، و نخست پيغمبر خود را كه از اعراض مردم از ذكر ناراحت شده بود تسليت داد كه همگى نسبت به تنبه به اين حقايق در خواب و غفلتند و به زودى از خواب خود بيدار مى شوند، و براى ايضاح اين معنا مثالى از داستان اصحاب كهف آورد.

آن گاه امور ديگرى را خاطرنشان ساخته و براى مزيد ايضاح در ذيل آن، داستان موسى ترجمه الميزان، ج 13، ص: 553

و خضر را آورد كه چگونه موسى از او اعمال عجيبى مشاهده كرد و نتوانست تاويل كند، و ظاهر آن اعمال وى را از باطن آنها غافل ساخت تا آنكه خود خضر تاويل كارهاى خود را شرح داده اضطراب موسى را از بين برد. و سپس داستان ذو القرنين و سدى كه به امر خدا و براى جلوگيرى از مفسدين- از قبيل ياجوج و ماجوج- ساخته بيان كرد.

و به طورى كه ملاحظه مى كنيد اينها امورى است كه در ذيلش حقايق و اسرارى قرار دارد، و در حقيقت كلماتى است كاشف از مقاصدى، و بياناتى است كه از حقايقى نهفته كه ذكر حكيم به سوى آنها دعوت مى كند پرده برمى دارد. و اين آيه، از اين امور كه كلمات خدا است خبر مى دهد و كلمات خدا از مقاصدى كه زوال ناپذير است خبر مى دهد، و آيه شريفه در اينكه در جايى قرار گرفته كه غرض سوره استيفاء شده و بيانش تمام گشته و مثالهايش زده شده نظير گفتار كسى مى ماند كه خيلى حرف زده و در آخر گفته باشد حرفهاى ما تمامى ندارد لذا به همين مقدار كه گفتيم اكتفاء مى كنيم- و خدا داناتر است.

[اشاره به معناى" كلمه خدا" و بيان مقصود از اينكه اگر درياها مركب باشد كلمات خدا را با آن نتوان نوشت ] ..... ص : 553

" قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ...".

لفظ" كلمة" هم بر جمله اطلاق مى شود و هم بر مفرد نظير آيه شريفه" قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ" «1» و در قرآن كريم بيشتر در گفتار خدا و حكم او استعمال شده مانند آيه" وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا" «2» و آيه" كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" «3» و آيه" وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ" «4» و آيات بسيار زياد ديگرى از اين قبيل.

و معلوم است كه خداى تعالى تكلمش به دهان باز كردن نيست، بلكه تكلم او همان فعل او است و افاضه وجودى است كه مى كند، هم چنان كه فرموده:" إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" «5».

__________________________________________________

(1)بگو اى اهل كتاب همه بيائيد بر يك كلمه اتفاق كنيم و آن كلمه عبارت است از اينكه جز خدا را نپرستيم. سوره آل عمران، آيه 64.

(2)كلمه حسناى پروردگارت بر بنى اسرائيل تمام شد چون صبر كردند. سوره اعراف آيه 137.

(3)اين چنين كلمه پروردگارت عليه كسانى كه فسق كردند مسلم شد كه ايمان نمى آورند. سوره يونس آيه 32.

(4)اگر كلمه از پروردگارت نگذشته بود كار ايشان يكسره مى شد. سوره يونس، آيه 19.

(5)قول ما به هر چيزى كه بخواهيمش اين است كه بگوييم بباش و او بدون درنگ موجود مى شود. سوره نحل آيه 40.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 554

و اگر قرآن فعل خدا را" كلمه" ناميده براى اين است كه فعل او بر وجود او دلالت مى كند. از همين جا است كه مسيح، كلمه خدا ناميده مى شود، و قرآن كريم مى فرمايد:" إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ" «1» و نيز از اينجا روشن مى شود كه هيچ عينى از اعيان خارجى و هيچ واقعه اى از وقايع به وجود نمى آيد مگر آنكه از اين جهت كه بر ذات خداى تعالى دلالت دارد، كلمه او است. چيزى كه هست در عرف و اصطلاح قرآن كريم مخصوص امورى شده كه دلالتش بر ذات بارى عز اسمه ظاهر باشد، و در دلالتش خفاء و بطلان و تغييرى نباشد، هم چنان كه فرموده:" وَ الْحَقَّ أَقُولُ" «2» و نيز فرموده:" ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ" «3» و چنين موجودى مثال روشنش عيسى بن مريم (ع) و موارد قضاى حتمى خدا است. و نيز از همين جا روشن مى شود اينكه مفسرين «4»" كلمات" در آيه را حمل بر معلومات و يا مقدورات و يا ميعادهايى كه به اهل ثواب و اهل عقاب داده شده نموده اند، صحيح نيست.

پس معناى اينكه فرمود:" قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي" اين است كه اگر درياها مركب باشد و با آن، كلمات خدا را كه دلالت به خدا مى كنند بنويسم هر آينه آب دريا تمام مى شود و كلمات پروردگار تمام نمى شود.

و معناى" وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً" اين است كه حتى اگر غير درياهاى دنيا درياى ديگرى هم تهيه كنيم آن نيز خشك خواهد شد، قبل از اينكه كلمات پروردگار من تمام شود.

بعضى «5» از مفسرين گفته اند: مراد از" بمثله" جنس مثل است، نه يك مثل، چون كلمه" مثل" هر وقت اضافه به اصل شود از تناهى بيرون نمى رود، و چون كلمات خداى تعالى- يعنى معلوماتش- غير متناهى است، لذا متناهى نمى تواند غير متناهى را ضبط كند- اين خلاصه گفتار مفسر مذكور است.

اين گفته در جاى خود صحيح است ليكن نه به خاطر تناهى و عدم تناهى، و اينكه كلمات خدا غير متناهى است. بلكه به اين جهت است كه حقايقى كه كلمات بر آن دلالت مى كند از حيث دلالتش غلبه بر مقادير دارد، و چگونه چنين نباشد با اينكه هر ذره از ذرات دريا هر قدر هم بسيار فرض شود وافى نيست كه دلالتهايش را بر جمال و جلال خدا در طول

__________________________________________________

(1)جز اين نيست كه مسيح، عيسى بن مريم رسول اللَّه و كلمه او است. سوره نساء، آيه 171.

(2)سوره ص، آيه 84.

(3)گفتار نزد من دگرگونه نمى شود. سوره ق، آيه 29.

(4)مجمع البيان، ج 6، ص 498.

(5)روح المعانى، ج 16، ص 51.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 555

وجود خودش ثبت كند تا چه رسد به اينكه غير درياها از موجودات ديگر هم به درياها اضافه شود.

و اينكه كلمه" بحر" در آيه شريفه تكرار شده، و همچنين كلمه" ربى" كه اسم ظاهر است در جاى ضمير به كار رفته تثبيت و تاكيد را مى رساند. و همچنين اينكه از اسامى خداى تعالى فقط" رب" ذكر شده و به ضمير متكلم اضافه گرديده نيز تاكيد را مى رساند به اضافه اينكه به مضاف اليه شرافت هم مى دهد.

بحث روايتى [(روايتى در ذيل آيه گذشته)] ..... ص : 555

در تفسير قمى به سند خود از ابى بصير از امام صادق (ع) روايت آورده كه در ذيل اين آيه فرموده: به تو خبر مى دهم كه كلام خدا نه آخر دارد و نه غايت، و تا ابد انقطاع نمى پذيرد «1».

مؤلف: اينكه كلمات خداى را به كلام تفسير فرموده گفتار گذشته ما را تاييد مى كند.

__________________________________________________

(1)تفسير قمى، ج 2، ص 46.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 556

[سوره الكهف (18): آيه 110] ..... ص : 556

اشاره

قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)

ترجمه آيه ..... ص : 556

بگو من فقط بشرى هستم همانند شما، كه به من وحى مى شود، حق اين است كه خداى شما يگانه است پس هر كه اميد دارد كه به پيشگاه پروردگار خويش رود بايد عمل شايسته كند و هيچكس را در عبادت پروردگارش شريك نكند (110).

بيان آيه [بيان آخرين آيه سوره، كه به سه اصل: توحيد، نبوت و معاد اشاره دارد] ..... ص : 556

اين آيه آخرين آيه سوره است كه غرض از بيان سوره را خلاصه مى كند، و در آن اصول سه گانه دين را كه توحيد و نبوت و معاد است جمع كرده. جمله" أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ" مساله توحيد را، و جمله" إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ" و جمله" فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ..."

مساله نبوت را، و جمله" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ" مساله معاد را متعرض است.

" قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ".

كلمه" انما" ى اولى رسول خدا (ص) را منحصر در بشريت و در مانندى ساير بشرها مى سازد، به طورى كه هيچ چيزى زائد بر آنچه آنان دارند ندارد و هيچ زيادتى براى خود ادعا نمى كند. و اين در حقيقت رد پندار مردم است كه خيال مى كنند هر

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 557

كه ادعاى نبوت كرد ادعاى الوهيت و قدرت غيبى كرده است، و بر اساس همين پندار است كه از انبياء توقع هايى دارند كه جز خدا كسى علم و قدرت بر آنها را ندارد. در انحصار اول به امر خدا همه اينها را از خود نفى مى كند، و براى خود اثبات نمى كند مگر تنها و تنها مساله وحى را.

و انحصار دوم معبود را كه معبود ايشان هم هست منحصر در يكى مى كند، و اين همان توحيد است كه مى گويد اله تمامى عالم يك اله است.

جمله" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ ..." مشتمل بر اجمال دعوت دينى است كه همان عمل صالح براى رضاى خداى واحد بى شريك است، و آن گاه اين معنا را متفرع كرده بر رجاء لقاء پروردگار متعال و بازگشت به سوى او چون اگر حساب و جزائى در كار نباشد هيچ داعى و ملزمى نيست كه افراد را به پيروى از دين و به دست آوردن اعتقاد و عمل صحيح وادار سازد هم چنان كه خود خداى تعالى فرموده:" إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ" «1».

و اگر عمل صالح و شرك نورزيدن در عبادت رب را متفرع بر اعتقاد به معاد نموده بدين جهت است كه اعتقاد به وحدانيت خدا با شرك در عمل جمع نمى شوند، و با هم متناقضند. پس اگر اله واحد باشد در همه صفاتش كه يكى هم معبوديت است واحد است، و در آن نيز شريك ندارد.

و اگر پيروى از دين را متفرع بر رجاء معاد كرد نه بر يقين به معاد بدين جهت بوده كه تنها احتمال بودن معاد كافى است كه آدمى را به پيروى از دين وادار سازد چون دفع ضرر محتمل واجب است، هر چند بعضى ها گفته اند: كه مراد از لقاء، لقاء كرامت و ثواب است و اين تنها مورد رجاء است نه مورد قطع.

و اگر رجاء لقاى خداى را متفرع بر جمله" أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ" كرد بدين جهت بود كه بازگشت بندگان به سوى خداى سبحان از تماميت معناى الوهيت است، زيرا خداى تعالى هر كمال مطلوب و هر وصف جميلى را دارد كه يكى از آنها فعل حق و حكم به عدل است و اين دو اقتضاء مى كند كه دوباره بندگان را به سوى خود بازگرداند و ميان آنان حكم كند هم چنان كه خودش فرموده:

__________________________________________________

(1)كسانى كه از راه خدا گمراه مى شوند عذابى شديد دارند به خاطر اينكه روز حساب راى از ياد بردند. سوره ص، آيه 26.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 558

" وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ" «1».

بحث روايتى [(رواياتى در باره اخلاص در عمل و پرهيز از ريا كارى)] ..... ص : 558

در الدر المنثور است كه ابن منذر و ابو نعيم- در كتاب صحابه- و ابن عساكر از طريق سدى صغير از كلبى از ابو صالح از ابن عباس روايت كرده اند كه گفت: جندب بن زهير را عادت چنين بود كه وقتى نماز مى خواند يا روزه مى گرفت يا تصدق مى داد، و مردم تعريفش مى كردند خيلى خوشحال مى شد و به همين جهت اين كارها را بيشتر مى كرد تا مردم بيشتر تعريفش كنند. خداى تعالى در مذمتش اين آيه را فرستاد:" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" «2».

مؤلف: نظير اين روايت روايات ديگرى بدون ذكر اسم شخص معينى وارد شده، و جا دارد كه همه آنها حمل بر انطباق آيه بر مورد شود نه اينكه نزول آيه را در خصوص مورد بدانيم، زيرا بعيد به نظر مى رسد كه خاتمه يك سوره از سوره هاى قرآنى به خاطر سبب خاصى نازل شده باشد.

و در همان كتاب از ابن ابى حاتم از سعيد بن جبير روايت شده كه در تفسير آيه مورد بحث گفته است: رسول خدا (ص) فرمود پروردگار شما مى فرمايد: من بهترين شريكم، پس هر كس در عمل خودش احدى از خلق مرا شريك من قرار دهد من همه عمل او را به شريكم واگذار مى كنم تا همه اش مال او باشد و هيچ عملى را از بنده ام قبول نمى كنم مگر آنچه را كه خالص براى من بياورد، آن گاه اين آيه را خواندند:" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" «3».

و در تفسير عياشى از على بن سالم از امام صادق (ع) روايت كرده كه فرمود:

__________________________________________________

(1)ما آسمان و زمين و آنچه بين آن دو است باطل نيافريديم، اين پندار كسانى است كه كافر شدند پس واى بر آنان كه كافر شدند از آتش. آيا ما كسانى كه ايمان آورده و عملهاى صالح مى كنند، مثل مفسدين در ارض قرار مى دهيم. و يا مردم با تقوى را مانند فجار قرار مى دهيم. سوره ص، آيات 27 و 28. [.....]

(2)الدر المنثور، ج 4، ص 255.

(3)الدر المنثور، ج 4، ص 255.

ترجمه الميزان، ج 13، ص: 559

خداى تبارك و تعالى فرموده: من بهترين شريكم، هر كس در عمل خويش كسى را شريك من كند من آن را قبول نمى كنم، مگر آنچه را كه خالص براى من آورده باشد «1».

عياشى مى گويد: در روايت ديگرى از آن جناب آمده، كه خداى تعالى فرموده: من بهترين شريكم، هر كس عملى را هم براى من و هم براى غير من بجا آورد آن عمل مال آن كسى است كه وى با من شريكش كرده «2».

و در الدر المنثور است كه احمد و ابن ابى الدنيا و ابن مردويه و حاكم (وى حديث را صحيح دانسته) و بيهقى از شداد بن اوس روايت كرده اند كه گفت: من از رسول خدا (ص) شنيدم كه فرمود: هر كس نماز بخواند و رياء كند شرك كرده و هر كه روزه بگيرد و رياء كند شرك ورزيده و هر كه صدقه دهد و رياء كند شرك ورزيده آن گاه اين آيه را خواند:

" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ..." «3».

و در تفسير عياشى «4» از زراره و حمران از امام باقر و امام صادق (ع) روايت كرده كه فرمودند: اگر بنده اى عملى كند كه با آن رحمت خدا و خانه آخرت را طلب كند آن گاه رضاى احدى از مردم را هم در آن دخالت دهد مشرك است.

مؤلف: روايات در اين باب از طرق شيعه و اهل سنت آن قدر زياد است كه نمى توان شمرد. و البته مراد از شرك در آنها شرك خفى است كه با اصل ايمان منافات ندارد بلكه با كمال آن منافى است هم چنان كه خداى تعالى فرموده:" وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ" «5» پس آيه شريفه با باطن خود شامل شرك خفى مى شود نه به ظاهرش.

و در الدر المنثور است كه طبرانى و ابن مردويه از ابى حكيم روايت كرده اند كه گفت: رسول خدا (ص) فرمود: اگر از قرآن غير از آيه آخر سوره كهف بر من نازل نشده بود همان يك آيه براى امت من كافى بود «6».

مؤلف: وجه اين روايت در سابق گذشت.

__________________________________________________

(1 و 2)تفسير عياشى، ج 2، ص 353.

(3)الدر المنثور، ج 4، ص 256.

(4)تفسير عياشى، ج 2، ص 353.

(5)ايمان به خدا نمى آورند مگر آنكه بيشترشان مشركند. سوره يوسف، آيه 106.

(6)الدر المنثور، ج 4، ص 257.

نهاية الحكمة از المرحلة الثامنة تا پايان كتاب

المرحلة الثامنة في العلة والمعلول وفيها خمسة عشر ف

اشارة

المرحلة الثامنة في العلة والمعلول وفيها خمسة عشر فصلا

الفصل الأول في إثبات العلية والمعلولية وأنهما في الوجود

قد تقدم أن الماهية في حد ذاتها لا موجودة ولا معدومة فهي متساوية النسبة إلى الوجود والعدم فهي في رجحان أحد الجانبين لها محتاجة إلى غيرها الخارج من ذاتها وأما ترجح أحد الجانبين لا لمرجح من ذاتها ولا من غيرها فالعقل الصريح يحيله. وعرفت سابقا أن القول بحاجتها في عدمها إلى غيرها نوع من التجوز حقيقته أن ارتفاع الغير الذي تحتاج إليه في وجودها لا ينفك عن ارتفاع وجودها لمكان توقف وجودها على وجوده ومن المعلوم أن هذا التوقف على وجود الغير لأن المعدوم لا شيئية له. فهذا الوجود المتوقف عليه نسميه علة والشي ء الذي يتوقف على العلة معلولا له. ثم إن مجعول العلة والأثر الذي تضعه في المعلول هو إما وجود المعلول أو ماهيته أو صيرورة ماهيته موجودة لكن يستحيل أن يكون المجعول هو الماهية لما تقدم أنها اعتبارية والذي يستفيده المعلول من علته أمر أصيل على أن العلية والمعلولية رابطة عينية خاصة بين المعلول وعلته وإلا لكان كل شي ء علة لكل شي ء وكل شي ء معلولا لكل شي ء والماهية لا رابطة بينها في ذاتها وبين غيرها.

ص 157

ويستحيل أن يكون المجعول هو الصيرورة لأن الأثر العيني الأصيل حينئذ هو الصيرورة التي هو أمر نسبي قائم بطرفين والماهية ووجودها اعتباريان على الفرض ومن المحال أن يقوم أمر عيني أصيل بطرفين اعتباريين وإذا استحال كون المجعول هو الماهية أو الصيرورة تعين أن المجعول هو الوجود وهو المطلوب. فقد تبين مما تقدم أولا أن هناك علة ومعلولا وثانيا أن كل ممكن فهو معلول وثالثا أن العلية والمعلولية رابطة وجودية بين المعلول وعلته وأن هذه الرابطة دائرة بين وجود المعلول ووجود العلة وإن كان التوقف والحاجة والفقر ربما تنسب إلى الماهية. فمستقر الحاجة والفقر بالأصالة هو وجود المعلول وماهيته محتاجة بتبعه. ورابعا أنه إذ كانت الحاجة والفقر بالأصالة للوجود المعلول وهو محتاج في ذاته وإلا لكانت الحاجة عارضة وكان مستغنيا في ذاته ولا معلولية مع الاستغناء فذات الوجود المعلول عين الحاجة أي أنه غير مستقل في ذاته قائم بعلته التي هي المفيضة له. ويتحصل من ذلك أن وجود المعلول بقياسه إلى علته وجود رابط موجود في غيره وبالنظر إلى ماهيته التي يطرد عنها العدم وجود في نفسه جوهري أو عرضي على ما تقتضيه حال ماهيته.

الفصل الثاني في انقسامات العلة

الفصل الثاني في انقسامات العلة

تنقسم العلة إلى تامة وناقصة فالعلة التامة هي التي تشتمل على جميع ما يتوقف عليه المعلول بحيث لا يبقى للمعلول معها إلا أن يتحقق والعلة الناقصة

ص 158

هي التي تشتمل على بعض ما يتوقف عليه المعلول في تحققه لا على جميعه. وتفترقان بأن العلة التامة يلزم من وجودها وجود المعلول كما سيأتي ومن عدمها عدمه والعلة الناقصة لا يلزم من وجودها وجود المعلول لكن يلزم من عدمها عدمه لمكان توقف المعلول عليها وعلى غيرها وليعلم أن عدم العلة سواء كانت علة تامة أو ناقصة علة تامة لعدم المعلول. وتنقسم أيضا إلى الواحدة والكثيرة لأن المعلول من لوازم وجود العلة واللازم قد يكون أعم. وتنقسم أيضا إلى بسيطة ومركبة والبسيطة ما لا جزء لها والمركبة خلافها والبسيطة قد تكون بسيطة بحسب الخارج كالعقل والأعراض وقد تكون بسيطة بحسب العقل وهي ما لا تركب فيه خارجا من مادة وصورة ولا عقلا من جنس وفصل وأبسط البسائط ما لا تركب فيه من وجود وماهية وهو الواجب تعالى. وتنقسم أيضا إلى قريبة وبعيدة فالقريبة ما لا واسطة بينها وبين معلولها والبعيدة ما كانت بينها وبين معلولها واسطة كعلة العلة. وتنقسم أيضا إلى داخلية وخارجية فالداخلية هي المادة بالنسبة إلى المركب منها ومن الصورة وهي التي بها الشي ء بالقوة والصورة بالنسبة إلى المركب وهي التي بها الشي ء بالفعل وتسميان علتي القوام. والخارجية هي الفاعل وهو الذي يصدر عنه المعلول والغاية وهي التي يصدر لأجلها المعلول وتسميان علتي الوجود وسيأتي بيانها. وتنقسم أيضا إلى علل حقيقية وعلل معدة وشأن المعدات تقريب المادة إلى إفاضة الفاعل بإعدادها لقبولها كانصرام القطعات الزمانية المقربة للمادة إلى حدوث ما يحدث فيها من الحوادث.

ص 159

الفصل الثالث في وجوب وجود المعلول

الفصل الثالث في وجوب وجود المعلول

عند وجود علته التامة ووجوب وجود العلة عند وجود معلولها

وهذا وجوب بالقياس غير الوجوب الغيري الذي تقدم في مسألة الشي ء ما لم يجب لم يوجد. أما وجوب وجود المعلول عند وجود علته التامة فلأنه لو لم يجب وجوده عند وجود علته التامة لجاز عدمه ولو فرض عدمه مع وجود العلة التامة فإما أن تكون علة عدمه وهي عدم العلة متحققة وعلة وجوده موجودة كان فيه اجتماع النقيضين وهما علة الوجود وعدمها وإن لم تكن علة عدمه متحققة كان في ذلك تحقق عدمه من غير علة وهو محال. وكذا لو لم يجب عدمه عند عدم علته لجاز وجوده ولو فرض وجوده مع تحقق علة عدمه وهي عدم علة الوجود فإن كانت علة الوجود موجودة اجتمع النقيضان وهما علة الوجود وعدمها الذي هو علة العدم وإن لم تكن علة الوجود موجودة لزم وجود المعلول مع عدم وجود علته.

برهان آخر لازم توقف وجود المعلول على وجود العلة امتناع وجود المعلول مع عدم العلة وبتعبير آخر كون عدم العلة علة موجبة لعدم المعلول وتوقف هذا المعلول الذي هو عدم المعلول على علته التي هي عدم العلة لازمه امتناعه بانعدامها أي وجوب وجود المعلول عند وجود علته فافهم ذلك. فإن قلت الذي تستدعيه حاجة الممكن إلى المرجح وتوقف وجوده على وجود علة تامة استلزام وجود العلة التامة في أي وعاء كانت هو وجود المعلول

ص 160

في أي وعاء كان وأما كون المعلول والعلة معين في الوجود من غير انفكاك في الوعاء فلا فلم لا يجوز أن توجد العلة مستلزمة لوجود المعلول ولا معلول بعد ثم تنعدم العلة ثم يوجد المعلول بعد برهة ولا علة في الوجود أو تكون العلة التامة موجودة ولا وجود للمعلول بعد ثم يسنح لها أن توجد المعلول فتوجده وهذا فيما كانت العلة التامة فاعلة بالاختيار بمكان من الوضوح. قلت لا معنى لتخلل العدم بين وجود العلة التامة ووجود معلولها بأي نحو فرض فقد تقدم أن توقف وجود المعلول على وجود العلة إنما يتم برابطة وجودية عينية يكون وجود المعلول معها وجودا رابطا قائم الذات بوجود العلة التامة المستقل ففرض وجود المعلول في وعاء وعلته التامة معدومة فيه فرض تحقق الوجود الرابط ولا مستقل معه يقومه وذلك خلف ظاهر وفرض وجود العلة التامة ولا وجود لمعلولها بعد فرض وجود مستقل مقوم بالفعل ولا رابط له يقومه بعد وذلك خلف ظاهر. وأما حديث الاختيار فقد زعم قوم أن الفاعل المختار كالإنسان مثلا بالنسبة إلى أفعاله الاختيارية علة تستوي نسبتها إلى الفعل والترك فله أن يرجح ما شاء منهما من غير إيجاب لتساوي النسبة. وهو خطأ فليس الإنسان الفاعل باختياره علة تامة للفعل بل هو علة ناقصة وله علل ناقصة أخرى كالمادة وحضورها واتحاد زمان حضورها مع زمان الفعل واستقامة الجوارح الفعالة ومطاوعتها والداعي إلى الفعل والإرادة وأمور أخرى كثيرة إذا اجتمعت صارت علة تامة يجب معها الفعل وأما الإنسان نفسه فجزء من أجزاء العلة التامة نسبة الفعل إليه بالإمكان دون الوجوب والكلام في إيجاب العلة التامة لا مطلق العلة. على أن تجويز استواء نسبة الفاعل المختار إلى الفعل وعدمه إنكار لرابطة العلية ولازمه تجويز علية كل شي ء لكل شي ء ومعلولية كل شي ء لكل شي ء.

ص 161

فإن قلت هب أن الإنسان الفاعل المختار ليس بعلة تامة لكن الواجب عز اسمه فاعل مختار وهو علة تامة لما سواه وكون العالم واجبا بالنسبة إليه ينافي حدوثه الزماني. ولذلك اختار قوم أن فعل المختار لا يحتاج إلى مرجح واختار بعضهم أن الإرادة مرجحة بذاتها لا حاجة معها إلى مرجح آخر واختار جمع أن الواجب تعالى عالم بجميع المعلومات فما علم منه أنه ممكن سيقع يفعله وما علم منه أنه محال لا يقع لا يفعله واختار آخرون أن أفعاله تعالى تابعة للمصالح وإن كنا غير عالمين بها فما كان منها ذا مصلحة في وقت تفوت لو لم يفعله في ذلك الوقت فعله في ذلك الوقت دون غيره.

قلت معنى كونه تعالى فاعلا مختارا أنه ليس وراءه تعالى شي ء يجبره على فعل أو ترك فيوجبه عليه فإن الشي ء المفروض إما معلول له وإما غير معلول والثاني محال لأنه واجب آخر أو فعل لواجب آخر وأدلة التوحيد تبطله والأول أيضا محال لاستلزامه تأثير المعلول بوجوده القائم بالعلة المتأخر عنها في وجود علته التي يستفيض عنها الوجود فكون الواجب تعالى مختارا في فعله لا ينافي إيجابه الفعل الصادر عن نفسه ولا إيجابه الفعل ينافي كونه مختارا فيه وأما حدوث العالم بمعنى ما سوى الواجب حدوثا زمانيا فمعنى حدوث العالم حدوثا زمانيا كونه مسبوقا بقطعة من الزمان خالية من العالم ليس معه إلا الواجب تعالى ولا خبر عن العالم بعد والحال أن طبيعة الزمان طبيعة كمية ممكنة موجودة معلولة للواجب تعالى ومن فعله فهو من العالم ولا معنى لكون العالم وفيه الزمان حادثا زمانيا مسبوقا بعدم زماني ولا قبل زمانيا خارجا من الزمان. وقد استشعر بعضهم بالإشكال فدفعه بدعوى أن الزمان أمر اعتباري وهمي غير موجود وهو مردود بأن دعوى كونه اعتباريا وهميا اعتراف بعدم الحدوث الزماني حقيقة

ص 162

ودفع الإشكال بعضهم بأن الزمان حقيقة منتزعة من ذات الواجب تعالى من حيث بقائه ورد بأن لازمه التغير في ذات الواجب تعالى وتقدس فإن المنتزع عين المنتزع منه وكون الزمان متغيرا بالذات ضروري وأجيب عنه بأن من الجائز أن يخالف المنتزع منه بعدم المطابقة وهو مردود بأن تجويز المغايرة بين المنتزع والمنتزع منه من السفسطة ويبطل معه العلم من رأس على أن فيه اعترافا ببطلان أصل الدعوى. وأما قول القائل بجواز أن يختار الفاعل المختار أحد الأمرين المتساويين دون الآخر لا لمرجح يرجحه وقد مثلوا له بالهارب من السبع إذا عن له طريقان متساويان فإنه يختار أحدهما لا لمرجح. ففيه أنه دعوى من غير دليل وقد تقدمت الحجة أن الممكن المتساوي الجانبين يحتاج في ترجح أحد الجانبين إلى مرجح فإن قيل إن المرجح هو الفاعل مثلا بإرادته كما مر في مثال الهارب من السبع أجيب بأن مرجعه إلى القول الآتي وسيأتي بطلانه وأما مثال الهارب من السبع فممنوع بل الهارب المذكور على فرض التساوي من جميع الجهات يقف في موضعه ولا يتحرك أصلا. على أن جواز ترجح الممكن من غير مرجح ينسد به طريق إثبات الصانع تعالى. وأما قول القائل إن الإرادة مرجحة بذاتها يتعين بها أحد الأفعال المتساوية من غير حاجة إلى مرجح آخر ففيه أن الإرادة لو رجحت الفعل فإنما ترجحه بتعلقها به لكن أصل تعلقها بأحد الأمور المتساوية الجهات محال ودعوى أن من خاصة الإرادة ترجيح أحد الأفعال المتساوية لا محصل لها لأنها صفة نفسانية علمية لا تتحقق إلا مضافة إلى متعلقها الذي رجحه العلم السابق لها فما لم يرجح العلم السابق متعلق الإرادة لم تتحقق الإرادة حتى يترجح بها فعل.

ص 163

وأما قول من قال إنه تعالى عالم بجميع المعلومات فما علم منها أنه سيقع يفعله وما علم منها أنه لا يقع لا يفعله وبعبارة أخرى ما علم أنه ممكن فعله دون المحال ففيه أن الإمكان لازم الماهية والماهية متوقفة في انتزاعها على تحقق الوجود ووجود الشي ء متوقف على ترجيح المرجح فالعلم بالإمكان متأخر عن المرجح بمراتب فلا يكون مرجحا. وأما قول من قال إن أفعاله تعالى غير خالية عن المصالح وإن كنا لا نعلم بها فما كان منها ذا مصلحة في وقت يفوت لو لم يفعله في ذلك الوقت أخره إلى ذلك الوقت ففيه مضافا إلى ورود ما أورد على القول السابق عليه أن المصلحة المفروضة المرتبطة بالوقت الخاص لأي فعل من أفعاله كيفما فرضت ذات ماهية ممكنة لا واجبة ولا ممتنعة فهي نظيره الأفعال ذوات المصلحة من فعله تعالى فمجموع ما سواه تعالى من المصالح وذوات المصالح فعل له تعالى لا يتعدى طور الإمكان ولا يستغني عن علة مرجحة هي علة تامة وليس هناك وراء الممكن إلا الواجب تعالى فهو العلة التامة الموجبة لمجموع فعله لا مرجح له سواه. نعم لما كان العالم مركبا ذا أجزاء لبعضها نسب وجودية إلى بعض جاز أن يقف وجود بعض أجزائه في موقف الترجيح لوجود بعض لكن الجميع ينتهي إلى السبب الواحد الذي لا سبب سواه ولا مرجح غيره وهو الواجب عز اسمه. فقد تحصل من جميع ما تقدم أن المعلول يجب وجوده عند وجود العلة التامة وبعض من لم يجد بدا من إيجاب العلة التامة لمعلولها قال بأن علة العالم هي إرادة الواجب دون ذاته تعالى وهو أسخف ما قيل في هذا المقام فإن المراد بإرادته إن كانت هي الإرادة الذاتية كانت عين الذات وكان القول بعلية الإرادة عين القول بعلية الذات وهو يفرق بينهما بقبول أحدهما ورد الآخر وإن كانت هي الإرادة الفعلية وهي من صفات الفعل الخارجة

ص 164

من الذات كانت أحد الممكنات وراء العالم ونستنتج منها وجود أحد الممكنات هذا. وأما مسألة وجوب وجود العلة عند وجود المعلول فلأنه لو لم تكن العلة واجبة الوجود عند وجود المعلول لكانت ممكنة إذ تقدير امتناعها يرتفع بأدنى توجه وإذ كانت ممكنة كانت جائزة العدم والمعلول موجود قائم الوجود بها ولازمه وجود المعلول بلا علة. فإن قلت المعلول محتاج إلى العلة حدوثا لا بقاء فمن الجائز أن تنعدم العلة بعد حدوث المعلول ويبقى المعلول على حاله.

قلت هو مبني على ما ذهب إليه قوم من أن حاجة المعلول إلى العلة في الحدوث دون البقاء فإذا حدث المعلول بإيجاد العلة انقطعت الحاجة إليها ومثلوا له بالبناء والبناء فإن البناء علة للبناء فإذا بنى وقام البناء على ساق ارتفعت حاجته إلى البناء ولم يضره عدمه. وهو مردود بأن الحاجة إلى العلة خاصة لازمة للماهية لإمكانها في تلبسها بالوجود أو العدم والماهية بإمكانها محفوظة في حالة البقاء كما أنها محفوظة في حالة الحدوث فيجب وجود العلة في حالة البقاء كما يجب وجودها في حالة الحدوث. على أنه قد تقدم أن وجود المعلول بالنسبة إلى العلة وجود رابط قائم بها غير مستقل عنها فلو استغنى عن العلة بقاء كان مستقلا عنها غير قائم بها هذا خلف برهان آخر قال في الأسفار وهذا يعني كون علة الحاجة إلى العلة هي الحدوث أيضا باطل لأنا إذا حللنا الحدوث بالعدم السابق والوجود اللاحق وكون ذلك الوجود بعد العدم وتفحصنا عن علة الافتقار إلى الفاعل أ هي أحد الأمور الثلاثة أم أمر رابع مغاير لها لم يبق من الأقسام شي ء إلا القسم الرابع أما العدم السابق فلأنه نفي محض لا يصلح للعلية وأما الوجود فلأنه مفتقر إلى الإيجاد المسبوق بالاحتياج إلى الوجود المتوقف على علة الحاجة

ص 165

إليه فلو جعلنا العلة هي الوجود لزم توقف الشي ء على نفسه بمراتب وأما الحدوث فلافتقاره إلى الوجود لأنه كيفية وصفة له وقد علمت افتقار الوجود إلى علة الافتقار بمراتب فلو كان الحدوث علة الحاجة لتقدم على نفسه بمراتب فعلة الافتقار زائدة على ما ذكرت ج 2 ص 203. وقد اندفعت بما تقدم مزعمة أخرى لبعضهم وهي قولهم إن من شرط صحة الفعل سبق العدم والمراد بالسبق السبق الزماني ومحصله أن المعلول بما أنه فعل لعلته يجب أن يكون حادثا زمانيا وعللوه بأن دوام وجود الشي ء لا يجامع حاجته ولازم هذا القول أيضا عدم وجود المعلول عند وجود العلة. وجه الاندفاع أن علة الحاجة إلى العلة هي الإمكان وهو لازم الماهية والماهية مع المعلول كيفما فرض وجودها من غير فرق بين الوجود الدائم وغيره.

على أن وجود المعلول رابط بالنسبة إلى العلة قائم بها غير مستقل عنها ومن الممتنع أن ينقلب مستغنيا عن المستقل الذي يقوم به سواء كان دائما أو منقطعا على أن لازم هذا القول خروج الزمان من أفق الممكنات وقد تقدمت جهات فساده.

الفصل الرابع في أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد

الفصل الرابع في أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد

والمراد بالواحد الأمر البسيط الذي ليس في ذاته جهة تركيبية مكثرة فالعلة الواحدة هي العلة البسيطة التي هي بذاتها البسيطة علة والمعلول الواحد هو المعلول البسيط الذي هو بذاته البسيطة معلول فالمراد بالواحد م

ص 166

يقابل الكثير الذي له أجزاء أو آحاد متباينة لا ترجع إلى جهة واحدة. بيانه أن المبدأ الذي يصدر عنه وجود المعلول هو وجود العلة الذي هو نفس ذات العلة فالعلة هي نفس الوجود الذي يصدر عنه وجود المعلول وإن قطع النظر عن كل شي ء ومن الواجب أن يكون بين المعلول وعلته سنخية ذاتية هي المخصصة لصدوره عنها وإلا كان كل شي ء علة لكل شي ء وكل شي ء معلولا لكل شي ء فلو صدر عن العلة الواحدة التي ليس لها في ذاتها إلا جهة واحدة معاليل كثيرة بما هي كثيرة متباينة لا ترجع إلى جهة واحدة تقررت في ذات العلة جهات كثيرة متباينة متدافعة وقد فرضت بسيطة ذات جهة واحدة هذا خلف فالواحد لا يصدر عنه إلا الواحد وهو المطلوب. وقد اعترض عليه بالمعارضة أن لازمه عدم قدرة الواجب تعالى على إيجاد أكثر من واحد وفيه تقييد قدرته وقد برهن على إطلاق قدرته وأنها عين ذاته المتعالية. ويرده أنه مستحيل بالبرهان والقدرة لا تتعلق بالمحال لأنه بطلان محض لا شيئية له فالقدرة المطلقة على إطلاقها وكل موجود معلول له تعالى بلا واسطة أو معلول معلوله ومعلول المعلول معلول حقيقة. ويتفرع عليه أولا أن الكثير لا يصدر عنه الواحد فلو صدر واحد عن الكثير فإما أن يكون الواحد واحد نوعيا ذا أفراد كثيرة يستند كل فرد منها إلى علة خاصة كالحرارة الصادرة عن النار والنور والحركة وغيرها أو تكون وحدته عددية ضعيفة كالوحدة النوعية فيستند وجوده إلى كثير كالهيولى الواحدة بالعدد المستند وجودها إلى مفارق يقيم وجودها بالصور المتواردة عليها واحدة بعد واحدة على ما قالته الحكماء وقد تقدم الكلام فيه وإما أن يكون للكثير جهة وحدة يستند إليها المعلول وإما أن يكون الكثير مركبا ذا أجزاء يفعل الواحد بواحد منها فينسب إلى نفس المركب. وثانيا أن المعلول الواحد لا يفعل فيه علل كثيرة سواء كان على سبيل

ص 167

الاجتماع في عرض واحد لأنه يؤدي إلى التناقض في ذات الواحد المؤدي إلى الكثرة أو كان على سبيل التوارد بقيام علة عليه بعد علة للزوم ما تقدم من المحذور. وثالثا أنه لو صدر عن الواحد كثير وجب أن يكون فيه جهة كثرة وتركيب يستند إليها الكثير غير جهة الوحدة المفروضة كالإنسان الواحد الذي يفعل أفعالا كثيرة من مقولات كثيرة متباينة بتمام الذات.

الفصل الخامس في استحالة الدور والتسلسل في العلل

الفصل الخامس في استحالة الدور والتسلسل في العلل

أما الدور فهو توقف وجود الشي ء على ما يتوقف وجوده عليه إما بلا واسطة كتوقف ا على ب وتوقف ب على ا ويسمى دورا مصرحا وإما مع الواسطة كتوقف ا على ب وب على ج وج على ا ويسمى دورا مضمرا. واستحالته قريبة من البداهة فإنه يستلزم تقدم الشي ء على نفسه بالوجود وهو ضروري الاستحالة. وأما التسلسل فهو ترتب شي ء موجود على شي ء آخر موجود معه بالفعل وترتب الثاني على ثالث كذلك والثالث على رابع وهكذا إلى غير النهاية سواء كان ذهاب السلسلة كذلك من الجانبين بأن يكون قبل كل قبل وبعد كل بعد بعد أو من جانب واحد لكن الشرط على أي حال أن يكون لأجزاء السلسلة وجود بالفعل وأن تكون مجتمعة في الوجود وأن يكون بينها ترتب والتسلسل في العلل ترتب معلول على علة وترتب علته على علة وعلة علته على علة وهكذا إلى غير النهاية.

ص 168

والتسلسل في العلل محال والبرهان عليه أن وجود المعلول رابط بالنسبة إلى علته لا يقوم إلا بعلته والعلة هو المستقل الذي يقومه كما تقدم وإذا كانت علته معلولة لثالث وهكذا كانت غير مستقلة بالنسبة إلى ما فوقها فلو ذهبت السلسلة إلى غير النهاية ولم تنته إلى علة غير معلولة تكون مستقلة غير رابطة لم يتحقق شي ء من أجزاء السلسلة لاستحالة وجود الرابط إلا مع مستقل. برهان آخر وهو المعروف ببرهان الوسط والطرف إقامة الشيخ في الشفاء حيث قال إذا فرضنا معلولا وفرضنا له علة ولعلته علة فليس يمكن أن يكون لكل علة علة بغير نهاية لأن المعلول وعلته وعلة علته إذا اعتبرت جملتها في القياس الذي لبعضها إلى بعض كانت علة العلة علة أولى مطلقة للآخرين وكان للآخرين نسبة المعلولية إليها وإن اختلفا في أن أحدهما معلول بالواسطة والآخر معلول بلا واسطة ولم يكونا كذلك لا الأخير ولا المتوسط لأن المتوسط الذي هو العلة المماسة للمعلول علة لشي ء واحد فقط والمعلول ليس علة لشي ء. ولكل واحد من الثلاثة خاصية فكانت خاصية الطرف المعلول أنه ليس علة لشي ء وخاصية الطرف الآخر أنه علة للكل غيره وخاصية الوسط أنه علة لطرف ومعلول لطرف سواء كان الوسط واحدا أو فوق واحد وإن كان فوق واحد فسواء ترتب ترتيبا متناهيا أو غير متناه فإنه إن ترتب كثرة متناهية كانت جملة عدد ما بين الطرفين كواسطة واحدة تشترك في خاصية الواحدة بالقياس إلى الطرفين فيكون لكل من الطرفين خاصية. وكذلك إن ترتب في كثرة غير متناهية فلم يحصل الطرف كان جميع الغير المتناهي في خاصية الواسطة لأنك أي جملة أخذت كانت علة لوجود المعلول الأخير وكانت معلولة إذ كل واحد منها معلول والجملة متعلقة الوجود بها ومتعلقة الوجود بالمعلول معلول إلا أن تلك الجملة شرط في وجود المعلول الأخير

ص 169

وعلة له وكلما زدت في الحصر والأخذ كان الحكم إلى غير النهاية باقيا. فليس يجوز أن تكون جملة علل موجودة وليس فيها علة غير معلومة وعلة أولى فإن جميع غير المتناهي كواسطة بلا طرف وهذا محال الشفاء ص 327. برهان آخر وهو المعروف بالأسد الأخصر للفارابي أنه إذ كان ما من واحد من آحاد السلسلة الذاهبة بالترتيب بالفعل لا إلى النهاية إلا وهو كالواحد في أنه ليس يوجد إلا ويوجد آخر وراءه من قبل كانت الآحاد اللامتناهية بأسرها يصدق عليها أنها لا تدخل في الوجود ما لم يكن شي ء من ورائها موجودا من قبل فإذن بداهة العقل قاضية بأنه من أين يوجد في تلك السلسلة شي ء حتى يوجد شي ء ما بعده الأسفار ج 2 ص 166 وهناك حجج أخرى أقيمت على استحالة التسلسل لا يخلو أكثرها من مناقشة.

تنبيه

قال بعضهم إن معيار الحكم بالاستحالة في كل من البراهين التي أقيمت على استحالة التسلسل هو استجماع شرطي الترتب والاجتماع في الوجود بالفعل في جهة اللانهاية ومقتضاها استحالة التسلسل في العلل في جهة التصاعد بأن تترتب العلل إلى ما لا نهاية له لا في جهة التنازل بأن يترتب معلول على علته ثم معلول المعلول على المعلول وهكذا إلى غير النهاية والفرق بين الأمرين أن العلل مجتمعة في مرتبة وجود المعلول ومحيطة به وتقدمها عليه إنما هو بضرب من التحليل بخلاف المعلومات فإنها ليست في مرتبة عللها فذهاب السلسلة متصاعدة يستلزم اجتماع العلل المترتبة بوجوداتها بالفعل في مرتبة المعلول الذي تبتدى ء منه السلسلة مثلا بخلاف ذهاب السلسلة متنازلة فإن المعلولات المترتبة المتنازلة لا تجتمع على العلة الأولى التي تبدأ منها السلسلة مثلا انتهى كلامه ملخصا. وأنت خبير بأن البرهانين المتقدمين المنقولين عن الشيخ والفارابي جاريان في صورتي التصاعد والتنازل جميعا فيما كانت السلسلة مؤلفة من علل

ص 170

تامة وأما العلل الناقصة فيجري البرهانان فيها إذا كانت السلسلة متصاعدة لوجوب وجود العلة الناقصة عند وجود المعلول ومعه بخلاف ما إذا كانت السلسلة متنازلة لعدم وجوب وجود المعلول عند وجود العلة الناقصة. فما ذكره من أن معيار الاستحالة هو اجتماع اللامتناهي في جزء من أجزاء السلسلة وهو متأت في صورة التصاعد دون التنازل ممنوع.

تنبيه آخر

تقدم أن التسلسل إنما يستحيل فيما إذا كانت أجزاء السلسلة موجودة بالفعل وأن تكون مجتمعة في الوجود وأن يترتب بعضها على بعض فلو كان بعض الأجزاء موجودة بالقوة كبعض مراتب العدد فليس بمستحيل لأن الموجود منه متناه دائما وكذا لو كانت موجودة بالفعل لكنها غير مجتمعة في الوجود كالحوادث الزمانية بعضها معدومة عند وجود بعض لتناهي ما هو الموجود منها دائما وكذا لو كانت موجودة بالفعل مجتمعة في الوجود لكن لا ترتب بينها وهو توقف البعض على البعض وجودا كعدد غير متناه من موجودات لا علية ولا معلولية بينها. والوجه في ذلك أنه ليس هناك مع فقد شي ء من الشرائط الثلاث سلسلة واحدة موجودة غير متناهية حتى يجري فيها براهين الاستحالة.

تنبيه آخر

مقتضى ما تقدم من البرهان استحالة التسلسل في أقسام العلل كلها من العلل الفاعلية والغائية والمادية والصورية كما أن مقتضاها استحالته في العلل التامة لأن الملاك في الاستحالة ذهاب التوقف الوجودي إلى غير النهاية وهو موجود في جميع أقسام العلل. ويتبين بذلك أيضا استحالة التسلسل في أجزاء الماهية كأن يكون مثلا للجنس جنس إلى غير النهاية أو للفصل فصل إلى غير النهاية لأن الجنس والفصل هما المادة والصورة مأخوذتين لا بشرط. على أن الماهية الواحدة لو تركبت من أجزاء غير متناهية استحال تعقلها وهو باطل.

ص 171

الفصل السادس في العلة الفاعلية

الفصل السادس في العلة الفاعلية

قد تقدم أن الماهية الممكنة في تلبسها بالوجود تحتاج إلى مرجح لوجودها ولا يرتاب العقل أن لمرجح الوجود شأنا بالنسبة إلى الوجود غير ما للماهية من الشأن بالنسبة إليه فللمرجح أو بعض أجزائه بالنسبة إليه شأن شبيه بالإعطاء نسميه فعلا أو ما يفيد معناه وللماهية شأن شبيه بالأخذ نسميه قبولا أو ما يفيد معناه ومن المحال أن تتصف الماهية بشأن المرجح وإلا لم تحتج إلى مرجح أو يتصف المرجح بشأن الماهية وإلا لزم الخلف ومن المحال أيضا أن يتحد الشأنان فالشأن الذي هو القبول يلازم الفقدان والشأن الذي هو الفعل يلازم الوجدان. وهذا المعنى واضح في الحوادث الواقعة التي نشاهدها في نشأة المادة فإن فيها عللا تحرك المادة نحو صور هي فاقدة لها فتقبلها وتتصور بها ولو كانت واجدة لها لم تكن لتقبلها وهي واجدة فالقبول يلازم الفقدان والذي للعلل هو الفعل المناسب لذاتها الملازم للوجدان. فالحادث المادي يتوقف في وجوده إلى علة تفعله نسميها علة فاعلية وإلى علة تقبله ونسميها العلة المادية وسيأتي إثبات أن في الوجود ماهيات ممكنة مجردة عن المادة وهي لإمكانها تحتاج إلى علة مرجحة ولتجردها مستغنية عن العلة المادية فلها أيضا علة فاعلية. فلا غنى لوجود ممكن سواء كان ماديا أو مجردا عن العلة الفاعلية فمن رام قصر العلل في العلة المادية ونفى العلة الفاعلية فقد رام إثبات فعل لا فاعل له فاستسمن ذا ورم.

ص 172

الفصل السابع في أقسام العلة الفاعلية

الفصل السابع في أقسام العلة الفاعلية

ذكروا للفاعل أقساما أنهاها بعضهم إلى ثمانية ووجه ضبطها على ما ذكروا أن الفاعل إما أن يكون له علم بفعله ذو دخل في الفعل أو لا والثاني إما أن يلائم فعله طبعه وهو الفاعل بالطبع أو لا يلائم فعله طبعه وهو الفاعل بالقسر والأول أعني الذي له علم بفعله ذو دخل فيه إما أن لا يكون فعله بإرادته وهو الفاعل بالجبر أو يكون فعله بإرادته وحينئذ إما أن يكون علمه بفعله في مرتبة فعله بل عين فعله وهو الفاعل بالرضا وإما أن يكون علمه بفعله قبل فعله وحينئذ إما أن يكون علمه بفعله مقرونا بداع زائد على ذاته وهو الفاعل بالقصد وإما أن لا يكون مقرونا بداع زائد بل يكون نفس العلم منشأ لصدور المعلول وحينئذ فإما أن يكون علمه زائدا على ذاته وهو الفاعل بالعناية أو غير زائد وهو الفاعل بالتجلي والفاعل كيف فرض إن كان هو وفعله المنسوب إليه فعلا لفاعل آخر كان فاعلا بالتسخير. فللعلة الفاعلية ثمانية أقسام الأول الفاعل بالطبع وهو الذي لا علم له بفعله مع كون الفعل ملائما لطبعه كالنفس في مرتبة القوى الطبيعية البدنية فهي تفعل أفعالها بالطبع. الثاني الفاعل بالقسر وهو الذي لا علم له بفعله ولا فعله ملائم لطبعه كالنفس في مرتبة القوى الطبيعية البدنية عند انحرافها لمرض فإن الأفعال عندئذ تنحرف عن مجرى الصحة لعوامل قاسرة.

الثالث الفاعل بالجبر وهو الذي له علم بفعله وليس بإرادته كالإنسان يكره على فعل ما لا يريده. الرابع الفاعل بالرضا وهو الذي له إرادة لفعله عن علم وعلمه

ص 173

التفصيلي بفعله عين فعله وليس له قبل الفعل إلا علم إجمالي به بعلمه بذاته المستتبع لعلمه الإجمالي بمعلوله كالإنسان يفعل الصور الخيالية وعلمه التفصيلي بها عين تلك الصور وله قبلها علم إجمالي بها لعلمه بذاته الفعالة لها وكفاعلية الواجب تعالى للأشياء عند الإشراقيين. الخامس الفاعل بالقصد وهو الذي له علم وإرادة وعلمه بفعله تفصيلي قبل الفعل بداع زائد كالإنسان في أفعاله الاختيارية وكالواجب عند جمهور المتكلمين. السادس الفاعل بالعناية وهو الذي له علم سابق على الفعل زائد على ذاته نفس الصورة العلمية منشأ لصدور الفعل من غير داع زائد كالإنسان الواقع على جذع عال فإنه بمجرد توهم السقوط يسقط على الأرض وكالواجب تعالى في إيجاده الأشياء عند المشائين. السابع الفاعل بالتجلي وهو الذي يفعل الفعل وله علم تفصيلي به هو عين علمه الإجمالي بذاته كالنفس الإنسانية المجردة فإنها لما كانت صورة أخيرة لنوعها كانت على بساطتها مبدأ لجميع كمالاتها الثانية التي هي لعليتها واجدة لها في ذاتها وعلمها الحضوري بذاتها علم بتفاصيل كمالاتها وإن لم يتميز بعضها من بعض وكالواجب تعالى بناء على ما سيأتي إن شاء الله أن له تعالى علما إجماليا بالأشياء في عين الكشف التفصيلي. الثامن الفاعل بالتسخير وهو الفاعل الذي هو وفعله لفاعل فهو فاعل مسخر في فعله كالقوى الطبيعية والنباتية والحيوانية المسخرة في أفعالها للنفس الإنسانية وكالعلل الكونية المسخرة للواجب تعالى. وفي عد الفاعل بالجبر والفاعل بالعناية نوعين بحيالهما مباينين للفاعل بالقصد نظر توضيحه أنا ننسب الأعمال المكتنفة بكل نوع من الأنواع المشهودة أعني كمالاتها الثانية إلى نفس ذلك النوع فكل نوع علة فاعلية لكمالاته الثانية والأنواع في ذلك على قسمين منها ما يصدر عنه أفعاله لطبعه

ص 174

من غير أن يتوسط فيه العلم كالعناصر ومنها ما للعلم دخل في صدور أفعاله عنه كالإنسان. والقسم الثاني مجهز بالعلم ولا ريب أنه إنما جهز به لتمييز ما هو كماله من الأفعال مما ليس بكمال له ليفعل ما فيه كماله ويترك ما ليس فيه ذلك كالصبي يلتقم ما أخذه فإن وجده صالحة للتغذي كالفاكهة أكله وإن لم يجده كذلك تركه ورمى به فتوسيطه العلم لتشخيص الفعل الذي فيه كمال وتمييزه من غيره والذي يوسطه من العلم والتصديق إن كان حاضرا عنده غير مفتقر في التصديق به إلى تروي فكر كالعلوم الناشئة بالملكات ونحوها لم يلبث دون أن يريد الفعل فيفعله وإن كان مشكوكا فيه مفتقرا إلى التصديق به أخذ في تطبيق العناوين والأوصاف الكمالية على الفعل فإن انتهى إلى التصديق بكونه كمالا فعله وإن انتهى إلى خلاف ذلك تركه وهذا الميل والانعطاف إلى أحد الطرفين هو الذي نسميه اختيارا ونعد الفعل الصادر عنه فعلا اختياريا. فتبين أن فعل هذا النوع من الفاعل العلمي يتوقف على حضور التصديق بوجوب الفعل أي كونه كمالا وكون ما يقابله أي الترك خلاف ذلك فإن كان التصديق به حاضرا في النفس من دون حاجة إلى تعمل فكري لم يلبث دون أن يأتي بالفعل وإن لم يكن حاضرا احتاج إلى ترو وفكر حتى يطبق على الفعل المأتي به صفة الوجوب والرجحان وعلى تركه صفة الاستحالة والمرجوحية من غير فرق بين أن يكون رجحان الفعل ومرجوحية الترك مستندين إلى طبع الأمر كمن كان قاعدا تحت جدار يريد أن ينقض عليه فإنه يقوم خوفا من انهدامه عليه أو كانا مستندين إلى إجبار مجبر كمن كان قاعدا مستظلا بجدار فهدده جبار أنه إن لم يقم هدم الجدار عليه فإنه يقوم خوفا من انهدامه عليه والفعل في الصورتين إرادي والتصديق على نحو واحد.

ص 175

ومن هنا يظهر أن الفعل الإجباري لا يباين الفعل الاختياري ولا يتميز منه بحسب الوجود الخارجي بحيث يصير الفاعل بالجبر قسيما للفاعل بالقصد فقصارى ما يصنعه المجبر أنه يجعل الفعل ذا طرف واحد فيواجه الفاعل المكره فعلا ذا طرف واحد ليس له إلا أن يفعله كما لو كان الفعل بحسب طبعه كذلك. نعم العقلاء في سننهم الاجتماعية فرقوا بين الفعلين حفظا لمصلحة الاجتماع ورعاية لقوانينهم الجارية المستتبعة للمدح والذم والثواب والعقاب فانقسام الفعل إلى الاختياري والجبري انقسام اعتباري لا حقيقي. ويظهر أيضا أن الفاعل بالعناية من نوع الفاعل بالقصد فإن تصور السقوط ممن قام على جذع عال مثلا علم واحد موجود في الخائف الذي أدهشه تصور السقوط فيسقط وفيمن اعتاد القيام عليه بتكرار العمل فلا يخاف ولا يسقط كالبناء مثلا فوق الأبنية والجدران العالية جدا. فالصاعد فوق جدار عال القائم عليه يعلم أن من الممكن أن يثبت في مكانه فيسلم أو يسقط منه فيهلك غير أنه إن استغرقه الخوف والدهشة الشديدة وجذبت نفسه إلى الاقتصار على تصور السقوط سقط بخلاف المعتاد بذلك فإن الصورتين موجودتان عنده من دون خوف ودهشة فيختار الثبات في مكانه فلا يسقط. وفقدان هذا الفعل العنائي للغاية الصالحة العقلائية لا يوجب خلوه من مطلق الداعي فالداعي أعم من ذلك كما سيأتي في الكلام على اللعب والعبث.

ص 176

الفصل الثامن في أنه لا مؤثر في الوجود بحقيقة معنى

الفصل الثامن في أنه لا مؤثر في الوجود بحقيقة معنى الكلمة إلا الله سبحانه

قد تقدم أن العلية والمعلولية سارية في الموجودات فما من موجود إلا وهو علة ليست بمعلولة أو معلول ليس بعلة أو علة لشي ء ومعلول لشي ء وتقدم أن سلسلة العلل تنتهي إلى علة ليست بمعلولة وهو الواجب تعالى وتقدم أنه تعالى واحد وحدة حقة لا يتثنى ولا يتكرر وغيره من كل موجود مفروض واجب به ممكن في نفسه وتقدم أن لا غنى للمعلول عن العلة الفاعلية كما أنه لا غنى له عن العلة التامة فهو تعالى علة تامة للكل في عين أنه علة فاعلية وتقدم أن العلية في الوجود وهو أثر الجاعل وأن وجود المعلول رابط بالنسبة إلى علته قائم بها كما أن وجود العلة مستقل بالنسبة إليه مقوم له لا حكم للمعلول إلا وهو لوجود العلة وبه. فهو تعالى الفاعل المستقل في مبدئيته على الإطلاق والقائم بذاته في إيجاده وعليته وهو المؤثر بحقيقة معنى الكلمة لا مؤثر في الوجود إلا هو ليس لغيره من الاستقلال الذي هو ملاك العلية والإيجاد إلا الاستقلال النسبي فالعلل الفاعلية في الوجود معدات مقربة للمعاليل إلى فيض المبدإ الأول وفاعل الكل تعالى. هذا بالنظر إلى حقيقة الوجود الأصيلة المتحققة بمراتبها في الأعيان وأما بالنظر إلى ما يعتبره العقل من الماهيات الجوهرية والعرضية المتلبسة بالوجود المستقلة في ذلك فهو تعالى علة تنتهي إليها العلل كلها فما كان من الأشياء ينتهي إليه بلا واسطة فهو علته وما كان منها ينتهي إليه بواسطة فهو علة

ص 177

علته وعلة علة الشي ء علة لذلك الشي ء فهو تعالى فاعل كل شي ء والعلل كلها مسخرة له.

الفصل التاسع في أن الفاعل التام الفاعلية أقوى من ف

الفصل التاسع في أن الفاعل التام الفاعلية أقوى من فعله وأقدم

أما أنه أقوى وجودا وأشد فلأن الفعل وهو معلوله رابطه بالنسبة إليه قائم الهوية به وهو المستقل الذي يقومه ويحيط به ولا نعني بأشدية الوجود إلا ذلك وهذا يجري في العلة التامة أيضا كما يجري في الفاعل المؤثر. وقد عد صدر المتألهين ره المسألة بديهية إذ قال البداهة حاكمة بأن العلة المؤثرة هي أقوى لذاتها من معلولها فيما يقع به العلية وفي غيرها لا يمكن الجزم بذلك ابتداء انتهى الأسفار ج 2 ص 187. وأما أنه أقدم وجودا من فعله فهو من الفطريات لمكان توقف وجود الفعل على وجود فاعله وهذا أيضا كما يجري في الفاعل يجري في العلة التامة وسائر العلل. والقول بأن العلة التامة مع المعلول لأن من أجزائها المادة والصورة اللتين هما مع المعلول بل عين المعلول فلا يتقدم عليه لاستلزامه تقدم الشي ء على نفسه. مدفوع بأن المادة كما تقدم علة مادية لمجموع المادة والصورة الذي هو الشي ء المركب وكذا الصورة علة صورية للمجموع منهما وأما المجموع الحاصل منهما فليس بعلة لشي ء فكل واحد منهما علة متقدمة والمجموع معلول

ص 178

متأخر فلا إشكال. وهذا معنى ما قيل إن المتقدم هو الآحاد بالأسر والمتأخر هو المجموع بشرط الاجتماع.

الفصل العاشر في أن البسيط يمتنع أن يكون فاعلا وقاب

الفصل العاشر في أن البسيط يمتنع أن يكون فاعلا وقابلا

المشهور من الحكماء عدم جواز كون الشي ء الواحد من حيث هو واحد فاعلا وقابلا مطلقا واحترز بقيد وحدة الحيثية عن الأنواع المادية التي تفعل بصورها وتقبل بموادها كالنار تفعل الحرارة بصورتها وتقبلها بمادتها وذهب المتأخرون إلى جوازه مطلقا والحق هو التفصيل بين ما كان القبول فيه بمعنى الانفعال والاستكمال الخارجي فلا يجامع القبول الفعل في شي ء واحد بما هو واحد وما كان القبول فيه بمعنى الاتصاف والانتزاع من ذات الشي ء من غير انفعال وتأثر خارجي كلوازم الماهيات فيجوز اجتماعهما. والحجة على ذلك أن القبول بمعنى الانفعال والتأثر يلازم الفقدان والفعل يلازم الوجدان وهما جهتان متباينتان متدافعتان لا تجتمعان في الواحد من حيث هو واحد وأما لوازم الماهيات مثلا كزوجية الأربعة فإن تمام الذات فيها لا يعقل خالية من لازمها حتى يتصور فيها معنى الفقدان فالقبول فيها بمعنى مطلق الاتصاف ولا ضير في ذلك. واحتج المشهور على الامتناع مطلقا بوجهين أحدهما أن الفعل والقبول أثران متغايران فلا يصدران عن الواحد من حيث هو واحد. الثاني أن نسبة القابل إلى مقبوله بالإمكان ونسبة الفاعل التام الفاعلية

ص 179

إلى فعله بالوجوب فلو كان شي ء واحد فاعلا وقابلا لشي ء كانت نسبته إلى ذلك بالإمكان والوجوب معا وهما متنافيان وتنافي اللوازم مستلزم لتنافي الملزومات. والحجتان لو تمتا لم تدلا على أكثر من امتناع اجتماع الفعل والقبول بمعنى الانفعال والتأثر في شي ء واحد بما هو واحد وأما القبول بمعنى الاتصاف كاتصاف الماهيات بلوازمها فليس أثرا صادرا عن الذات يسبقه إمكان. والحجتان مع ذلك لا تخلوان من مناقشة أما الأولى فلأن جعل القبول أثرا صادرا عن القابل يوجب كون القابل علة فاعلية للقبول فيرد الإشكال في قبول القابل البسيط للصورة حيث إنه يفعل القبول ويصير جزءا من المركب وهما أثران لا يصدران عن الواحد. وأما الثانية فلأن نسبة العلة الفاعلية بما أنها إحدى العلل الأربع إلى الفعل ليست نسبة الوجوب إذ مجرد وجود العلة الفاعلية لا يستوجب وجود المعلول ما لم ينضم إليها سائر العلل اللهم إلا أن يكون الفاعل علة تامة وحدها ومجرد فرض الفاعل تام الفاعلية والمراد به كونه فاعلا بالفعل بانضمام بقية العلل إليه لا يوجب تغير نسبته في نفسه إلى الفعل من الإمكان إلى الوجوب. واحتج المتأخرون على جواز كون الشي ء الواحد من حيث هو واحد فاعلا وقابلا بلوازم الماهيات سيما البسائط منها فما منها إلا وله لازم أو لوازم كالإمكان وكونه ماهية ومفهوما وكذا المفاهيم المنتزعة من ذات الواجب تعالى كوجوب الوجود والوحدانية فإن الذات فاعل لها وقابل لها. والحجة كما عرفت لا تتم إلا فيما كان القبول فيه بمعنى الاتصاف فالقبول والفعل فيه واحد وأما ما كان القبول فيه انفعالا وتأثرا واستكمالا فالقبول فيه يلازم الفقدان والفعل يلازم الوجدان وهما متنافيان لا يجتمعان في واحد.

ص 180

الفصل الحادي عشر في العلة الغائية وإثباتها

الفصل الحادي عشر في العلة الغائية وإثباتها

سيأتي إن شاء الله بيان أن الحركة كمال أول لما بالقوة من حيث إنه بالقوة فهناك كمال ثان يتوجه إليه المتحرك بحركته المنتهية إليه فهو الكمال الأخير الذي يتوصل إليه المتحرك بحركته وهو المطلوب لنفسه والحركة مطلوبة لأجله ولذا قيل إن الحركة لا تكون مطلوبة لنفسها وأنها لا تكون مما يقتضيه ذات الشي ء. وهذا الكمال الثاني هو المسمى غاية الحركة يستكمل بها المتحرك نسبتها إلى الحركة نسبة التمام إلى النقص ولا يخلو عنها حركة وإلا انقلبت سكونا. ولما بين الغاية والحركة من الارتباط والنسبة الثابتة كان بينهما نوع من الاتحاد ترتبط به الغاية بالمحرك كمثل الحركة كما ترتبط بالمتحرك كمثل الحركة. ثم إن المحرك إذا كان هو الطبيعة وحركت الجسم بشي ء من الحركات العرضية الوضعية والكيفية والكمية والأينية مستكملا بها الجسم كانت الغاية هو التمام الذي يتوجه إليه المتحرك بحركته وتطلبه الطبيعة المحركة بتحريكها ولو لا الغاية لم يكن من المحرك تحريك ولا من المتحرك حركة. فالجسم المتحرك مثلا من وضع إلى وضع إنما يريد الوضع الثاني فيتوجه إليه بالخروج من الوضع الأول إلى وضع سيال يستبدل به فردا آنيا إلى فرد مثله حتى يستقر على وضع ثابت غير متغير فيثبت عليه وهو التمام المطلوب لنفسه والمحرك أيضا يطلب ذلك. وإذا كان المحرك فاعلا علميا لعلمه دخل في فعله كالنفوس الحيوانية

ص 181

والإنسانية كانت الحركة بما لها من الغاية التي هو التمام مرادة له لكن الغاية هي المرادة لنفسها والحركة تتبعها لأنها لأجل الغاية كما تقدم غير أن الفاعل العلمي ربما يتخيل ما يلزم الغاية أو يقارنها غاية للحركة فيأخذه منتهى إليه للحركة ويوجد بينهما تخيلا فيحرك نحوه كمن يتحرك إلى مكان ليلقى صديقه أو يمشي إلى مشرعة لشرب الماء وكمن يحضر السوق ليبيع ويشتري. هذا كله فيما كان الفعل حركة عرضية طبيعية أو إرادية وأما إذا كان فعلا جوهريا كالأنواع الجوهرية فإن كان من الجواهر التي لها تعلق ما بالمادة فسيأتي إن شاء الله أنها جميعا متحركة بحركة جوهرية لها وجودات سيالة تنتهي إلى وجودات ثابتة غير سيالة تستقر عليها فلها تمام هو وجهتها التي توليها وهو مراد عللها الفاعلة المحركة لنفسه وحركاتها الجوهرية مراده لأجله. وإن كان الفعل من الجواهر المجردة ذاتا وفعلا عن المادة فهو لمكان فعلية وجوده وتنزهه عن القوة لا ينقسم إلى تمام ونقص كغيره بل هو تمام في نفسه مراد لنفسه مقصود لأجله والفعل والغاية هناك واحد بمعنى أن الفعل بحقيقته التي في مرتبة وجود الفاعل غاية لنفسه التي هي الرقيقة لا أن الفعل علة غائية لنفسه متقدمة على نفسه لاستحالة علية الشي ء لنفسه. فقد تبين أن لكل فاعل غاية في فعله وهي العلة الغائية للفعل وهو المطلوب.

وظهر مما تقدم أمور أحدها أن غاية الفعل وهي التي يتعلق بها اقتضاء الفاعل بالأصالة ولنفسه قد تتحد مع فعله بمعنى كون الغاية هي حقيقة الفعل المتقررة في مرتبة وجود الفاعل ومرجعه إلى اتحاد الفاعل والغاية كما إذا كان فعل الفاعل موجودا مجردا في ذاته وفعله تام الفعلية في نفسه مرادا لنفسه وقد لا تتحد مع الفعل بل يختلفان كما فيما إذا كان الفعل من قبيل الحركات العرضية أو من الجواهر التي لها نوع تعلق بالمادة

ص 182

كالنفوس والصور المنطبعة في المواد فإن الفاعل يتوصل إلى هذا القبيل من الغايات بالتحريك والحركة غير مطلوبة لنفسها فتتحقق الحركة وتترتب عليها الغاية سواء كانت الغاية راجعة إلى الفاعل كمن يحزنه ضر ضرير فيرفعه ابتغاء للفرح أو راجعة إلى المادة كمن يتحرك إلى وضع يصلح حاله أو راجعة إلى غيرهما كمن يكرم يتيما ليفرح. وثانيها أن الغاية معلومة للفواعل العلمية قبل الفعل وإن كانت متحققة بعدة مترتبة عليه وذلك أن هذا القبيل من الفواعل مريدة لفعلها والإرادة كيفما كانت مسبوقة بالعلم فإن كان هناك تحريك كانت الحركة مرادة لأجل الغاية فالغاية مرادة للفاعل قبل الفعل وإن لم يكن هناك تحريك وكان الفعل هو الغاية فإرادته والعلم به إرادة للغاية وعلم بها وأما قولهم إن الغاية قبل الفعل تصورا وبعده وجودا فإنما يتم في غير غاية الطبائع لفقدانها العلم.

وأما قولهم إن العلة الغائية علة فاعلية لفاعلية الفاعل فكلام لا يخلو عن مسامحة لأن الفواعل الطبيعية لا علم لها حتى يحضرها غاياتها حضورا علميا يعطي الفاعلية للفاعل وأما بحسب الوجود الخارجي فالغاية مترتبة الوجود على وجود الفعل والفعل متأخر وجودا عن الفاعل بما هو فاعل فمن المستحيل أن تكون الغاية علة لفاعلية الفاعل. والفواعل العلمية غير الطبيعية أما غايتها عين فعلها والفعل معلول لفاعله ومن المستحيل أن يكون المعلول علة لعلته وأما غايتها مترتبة الوجود على فعلها متأخرة عنه ومن المستحيل أن تكون علة لفاعل الفعل المتقدم عليه وحضور الغاية حضورا علميا للفاعل قبل الفعل وجود ذهني هو أضعف من أن يكون علة لأمر خارجي وهو الفاعل بما هو فاعل. والحق كما سيأتي تفصيله أن الفواعل العلمية بوجوداتها النوعية علل فاعلية للأفعال المرتبطة بها الموجوده لها في ذيل نوعيتها كما أن كل نوع من

ص 183

الأنواع الطبيعية مبدأ فاعلي لما يوجد حولها ويصدر عنها من الأفعال وإذ كانت فواعل علمية فحصول صورة الفعل العلمية عندها شرط متمم لفاعليتها يتوقف عليه فعلية التأثير وهذا هو المراد بكون العلة الغائية علة لفاعلية العلة الفاعلية وإلا فالفاعل بنوعيته علة فاعلية للأفعال الصادرة عنه القائمة به التي هي كمالات ثانية له يستكمل بها. وثالثها أن الغاية وإن كانت بحسب النظر البدوي تارة راجعة إلى الفاعل وتارة إلى المادة وتارة إلى غيرهما لكنها بحسب النظر الدقيق راجعة إلى الفاعل دائما فإن من يحسن إلى مسكين ليسر المسكين بذلك يتألم من مشاهدة ما يراه عليه من رثاثة الحال فهو يريد بإحسانه إزاحة الألم عن نفسه وكذلك من يسير إلى مكان ليستريح فيه يريد بالحقيقة إراحة نفسه من إدراك ما يجده ببدنه من التعب. وبالجملة الفعل دائما مسانخ لفاعله ملائم له مرضي عنده وكذا ما يترتب عليه من الغاية فهو خير للفاعل كمال له وأما ما قيل إن العالي لا يستكمل بالسافل ولا يريده لكونه علة والعلة أقوى وجودا وأعلى منزلة من معلولها. فمندفع كما قيل بأن الفاعل إنما يريده بما أنه أثر من آثاره فالإرادة بالحقيقة متعلقة بنفس الفاعل بالذات وبغاية الفعل المترتبة عليه بتبعه. فالفاعل حينما يتصور الغاية الكمالية يشاهد نفسه بما لها من الاقتضاء والسببية للغاية فالجائع الذي يريد الأكل ليشبع به مثلا يشاهد نفسه بما لها من الاقتضاء لهذا الفعل المترتب عليه الغاية أي يشاهد نفسه ذات شبع بحسب الاقتضاء فيريد أن يصير كذلك بحسب الوجود الفعلي الخارجي. فإن كان للفاعل نوع تعلق بالمادة كان مستكملا بفعلية الغاية التي هي ذاته بما أنه فاعل وأما الغاية الخارجه من ذاته المترتبة وجودا على الفعل فهو مستكمل بها بالتبع وإن كان مجردا عن المادة ذاتا وفعلا فهو كامل في نفسه

ص 184

غير مستكمل بغايته التي هي ذاته التامة الفعلية التي هي في الحقيقة ذاته التامة. فظهر مما تقدم أولا أن غاية الفاعل في فعله إنما هي ذاته الفاعلة بما أنها فاعلة وأما غاية الفعل المترتبة عليه فإنما هي غاية مرادة بالتبع. وثانيا أن الغاية كمال للفاعل دائما فإن كان الفاعل متعلقا بالمادة نوعا من التعلق كان مستكملا بالغاية التي هي ذاته الفاعلة بما أنها فاعلة وإن كان مجردا عن المادة مطلقا كانت الغاية عين ذاته التي هي كمال ذاته من غير أن يكون كمالا بعد النقص وفعلية بعد القوة.

ومن هنا يتبين أن قولهم إن كل فاعل له في فعله غاية فإنه يستكمل بغايته وينتفع به لا يخلو من مسامحة فإنه غير مطرد إلا في الفواعل المتعلقة بالمادة نوع تعلق.

تنبيه

ذهب قوم من المتكلمين إلى أن الواجب تعالى لا غاية له في أفعاله لغناه بالذات عن غيره وهو قولهم إن أفعال الله لا تعلل بالأغراض وذهب آخرون منهم إلى أن له تعالى في أفعاله غايات ومصالح عائدة إلى غيره وينتفع بها خلقه. ويرد الأول ما تقدم أن فعل الفاعل لا يخلو من أن يكون خيرا مطلوبا له بالذات أو منتهيا إلى خير مطلوب بالذات وليس من لوازم وجود الغاية حاجة الفاعل إليها لجواز كونها عين الفاعل كما تقدم. ويرد الثاني أنه وإن لم يستلزم حاجته تعالى إلى غيره واستكماله بالغايات المترتبة على أفعاله وانتفاعه بها لكن يبقى عليه لزوم إرادة العالي للسافل وطلب الأشرف للأخس فلو كانت غايته التي دعته إلى الفعل وتوقف عليه

ص 185

فعله بل فاعليته هي التي تترتب على الفعل من الخير والمصلحة لكان لغيره شي ء من التأثير فيه وهو فاعل أول تام الفاعلية لا يتوقف في فاعليته على شي ء. بل الحق كما تقدم أن الفاعل بما هو فاعل لا غاية لفعله بالحقيقة إلا ذاته الفاعلة بما هي فاعلة لا يبعثه نحو الفعل إلا نفسه وما يترتب على الفعل من الغاية غاية بالتبع وهو تعالى فاعل تام الفاعلية وعلة أولى إليها تنتهي كل علة فذاته تعالى بما أنه عين العلم بنظام الخير غاية لذاته الفاعلة لكل خير سواه والمبدأ لكل كمال غيره. ولا يناقض قولنا إن فاعلية الفاعل تتوقف على العلة الغائية الظاهر في المغايرة بين المتوقف والمتوقف عليه قولنا إن غاية الذات الواجبة هي عين الذات المتعالية. فالمراد بالتوقف والاقتضاء في هذا المقام المعنى الأعم الذي هو عدم الانفكاك فهو كما أشار إليه صدر المتألهين من المسامحات الكلامية التي يعتمد فيها على فهم المتدرب في العلوم كقولهم في تفسير الواجب بالذات أنه الأمر الذي يقتضي لذاته الوجود وأنه موجود واجب لذاته الظاهر في كون الذات علة لوجوده ووجوده عينه. وبالجملة فعلمه تعالى في ذاته بنظام الخير غاية لفاعليته التي هي عين الذات بل الإمعان في البحث يعطي أنه تعالى غاية الغايات فقد عرفت أن وجود كل معلول بما أنه معلول رابط بالنسبة إلى علته لا يستقل دونها ومن المعلوم أن التوقف لا يتم معناه دون أن يتعلق بمتوقف عليه لنفسه وإلا لتسلسل وكذا الطلب والقصد والإرادة والتوجه وأمثالها لا تتحقق بمعناها إلا بالانتهاء إلى مطلوب لنفسه ومقصود لنفسه ومراد لنفسه ومتوجه إليه لنفسه وإذ كان تعالى هو العلة الأولى التي إليها ينتهي وجود ما سواه فهو استقلال كل مستقل وعماد كل معتمد فلا يطلب طالب ولا يريد مريد إل

ص 186

إياه ولا يتوجه متوجه إلا إليه بلا واسطة أو معها فهو تعالى غاية كل ذي غاية.

الفصل الثاني عشر في أن الجزاف والقصد الضروري والعا

الفصل الثاني عشر في أن الجزاف والقصد الضروري والعادة وما يناظرها من الأفعال لا تخلو عن غاية

قد يتوهم أن من الأفعال الإرادية ما لا غاية له كملاعب الأطفال والتنفس وانتقال المريض النائم من جانب إلى جانب واللعب باللحية وأمثال ذلك فينتقض بذلك كلية قولهم إن لكل فعل غاية ويندفع ذلك بالتأمّل في مبادي أفعالنا الإرادية وكيفية ترتب غاياتها عليها فنقول قالوا إن لأفعالنا الإرادية وحركاتنا الاختيارية مبدأ قريبا مباشرا للحركات المسماة أفعالا وهو القوة العاملة المنبثة في العضلات المحركة إياها وقبل القوة العاملة مبدأ آخر هو الشوقية المنتهية إلى الإرادة والإجماع وقبل الشوقية مبدأ آخر هو الصورة العلمية من تفكر أو تخيل يدعو إلى الفعل لغايته فهذه مباد ثلاثة غير الإرادية. أما القوة العاملة فهي مبدأ طبيعي لا شعور له بالفعل فغايتها ما تنتهي إليه الحركة كما هو شأن الفواعل الطبيعية. وأما المبدءان الآخران أعني الشوقية والصورة العلمية فربما كانت غايتهما غاية القوة العاملة وهي ما ينتهي إليه الحركة وعندئذ تتحد المبادي الثلاثة في الغاية كمن تخيل الاستقرار في مكان غير مكانه فاشتاق إليه فتحرك نحوه واستقر عليه وربما كانت غايتهما غير غاية القوة العاملة كمن

ص 187

تصور مكانا غير مكانه فانتقل إليه للقاء صديقه. والمبدأ البعيد أعني الصورة العلمية ربما كانت تخيلية فقط بحضور صورة الفعل تخيلا من غير فكر وربما كانت فكرية ولا محالة معها تخيل جزئي للفعل وأيضا ربما كانت وحدها مبدأ للشوقية وربما كانت مبدأ لها بإعانة من الطبيعة كما في التنفس أو من المزاج كانتقال المريض النائم من جانب إلى جانب أو من الخلق والعادة كاللعب باللحية. فإذا تطابقت المبادي الثلاثة في الغاية كالإنسان يتخيل صورة مكان فيشتاق إليه فيتحرك نحوه ويسمى جزافا كان لفعله بما له من المبادي غايته. وإذا عقب المبدأ العلمي الشوقية بإعانة من الطبيعة كالتنفس أو من المزاج كانتقال المريض من جانب أمله الاستقرار عليه إلى جانب ويسمى قصدا ضروريا أو بإعانة من الخلق كاللعب باللحية ويسمى الفعل حينئذ عادة كان لكل من مبادئ الفعل غايته.

ولا ضير في غفلة الفاعل وعدم التفاته إلى ما عنده من الصورة الخيالية للغاية في بعض هذا الصور أو جميعها فإن تخيل الغاية غير العلم بتخيل الغاية والعلم غير العلم بالعلم. والغاية في جميع هذه الصور المسماة عبثا ليست غاية فكرية ولا ضير فيه لأن المبدأ العلمي فيها صورة تخيلية غير فكرية فلا مبدأ فكري فيها حتى تكون لها غاية فكرية وإن شئت فقل إن فيها مبدأ فكريا ظنيا ملحوظا على سبيل الإجمال يلمح إليه الشوق المنبعث من تخيل صورة الفعل فالطفل مثلا يتصور الاستقرار على مكان غير مكانه فينبعث منه شوق ما يلمح إلى أنه راجح ينبغي أن يفعل فيقضي إجمالا برجحانه فيشتد شوقه فيريد فيفعل من دون أن يكون الفعل مسبوقا بعلم تفصيلي يتم بالحكم بالرجحان نظير المتكلم عن ملكة فيلفظ بالحرف بعد الحرف من غير تصور وتصديق تفصيلا والفعل علمي اختياري.

ص 188

وكذا لا ضير في انتفاء الغاية في بعض الحركات الطبيعية أو الإرادية المنقطعة دون الوصول إلى الغاية ويسمى الفعل حين ذاك باطلا وذلك أن انتفاء الغاية في فعل أمر وانتفاء الغاية بانقطاع الحركة وبطلانها أمر آخر والمدعى امتناع الأول دون الثاني وهو ظاهر. وليعلم أن مبادي الفعل الإرادي منا مترتبة على ما تقدم فهناك قوة عاملة يترتب عليها الفعل وهي مترتبة على الإرادة وهي مترتبة على الشوقية من غير إرادة متخللة بينهما والشوقية مترتبة على الصورة العلمية الفكرية أو التخيلية من غير إرادة متعلقة بها بل نفس العلم يفعل الشوق كذا قالوا ولا ينافيه إسنادهم الشوق إلى بعض من الصفات النفسانية لأن الصفات النفسانية تلازم العلم.

قال الشيخ في الشفاء لانبعاث هذا الشوق علة ما لا محالة إما عادة أو ضجر عن هيئة وإرادة انتقال إلى هيئة أخرى وإما حرص من القوى المحركة والمحسة على أن يتجدد لها فعل تحريك أو إحساس والعادة لذيذة والانتقال عن المملول لذيذ والحرص على الفعل الجديد لذيذ أعني بحسب القوة الحيوانية والتخيلية واللذة هي الخير الحسي والحيواني والتخيلي بالحقيقة وهي المظنونة خيرا بحسب الخير الإنساني فإذا كان المبدأ تخيليا حيوانيا فيكون خيره لا محالة تخيليا حيوانيا فليس إذن هذا الفعل خاليا عن خير بحسبه وإن لم يكن خيرا حقيقيا أي بحسب العقل انتهى. ثم إن الشوق لما كان لا يتعلق إلا بكمال مفقود غير موجود كان مختصا بالفاعل العلمي المتعلق بالمادة نوعا من التعلق فالفاعل المجرد ليس فيه من مبادي الفعل الإرادي إلا العلم والإرادة بخلاف الفاعل العلمي الذي له نوع تعلق بالمادة فإن له العلم والشوق والإرادة والقوة المادية المباشرة للفعل على ما تقدم كذا قالوا.

ص 189

الفصل الثالث عشر في نفي الاتفاق وهو انتفاء الرابطة

الفصل الثالث عشر في نفي الاتفاق وهو انتفاء الرابطة بين الفاعل والغاية

ربما يتوهم أن من الغايات المترتبة على الأفعال ما هو غير مقصود لفاعلها فليس كل فاعل له في فعله غاية ومثلوا له بمن يحفر بئرا ليصل إلى الماء فيعثر على كنز فالعثور على الكنز غاية مترتبة على الفعل غير مرتبطة بالحافر ولا مقصودة له وبمن يدخل بيتا ليستظل فيه فينهدم عليه فيموت وليس الموت غاية مقصودة للداخل ويسمى النوع الأول من الاتفاق بختا سعيدا والنوع الثاني بختا شقيا. والحق أن لا اتفاق في الوجود والبرهان عليه أن الأمور الممكنة في وقوعها على أربعة أقسام دائمي الوقوع والأكثري الوقوع والمتساوي الوقوع واللاوقوع والأقلي الوقوع أما الدائمي الوقوع والأكثري الوقوع فلكل منها علة عند العقل بالضرورة والفرق بينهما أن الأكثري الوقوع يعارضه في بعض الأحيان معارض يمنعه من الوقوع بخلاف الدائمي الوقوع حيث لا معارض له وإذ كان تخلف الأكثري في بعض الأحيان عن الوقوع مستندا إلى معارض مفروض فهو دائمي الوقوع بشرط عدم المعارض بالضرورة مثاله الوليد الإنساني يولد في الأغلب ذا أصابع خمس ويتخلف في بعض الأحيان فيولد وله إصبع زائدة لوجود معارض يعارض القوة المصورة فيما تقتضيه من الفعل فالقوة المصورة بشرط عدم المعارض تأتي بخمس أصابع دائما. ونظير الكلام يجري في الأقلي الوقوع فإنه مع اشتراط المعارض الخاص الذي يعارض السبب الأكثري دائمي الوقوع بالضرورة كما في مثال الإصبع الزائدة فالقوة المصورة كلما صادفت في المحل مادة زائدة تصلح لصورة

ص 190

إصبع على شرائطها الخاصة فإنها تصور إصبعا دائما. ونظير الكلام الجاري في الأكثري الوقوع والأقلي الوقوع يجري في المتساوي الوقوع واللاوقوع كقيام زيد وقعوده.

فالأسباب الحقيقية دائمة التأثير من غير تخلف في فعلها ولا في غايتها والقول بالاتفاق من الجهل بالأسباب الحقيقية ونسبة الغاية إلى غير ذي الغاية فعثور الحافر للبئر على الكنز إذا نسب إلى سببها الذاتي وهو حفر البئر بشرط محاذاته للكنز الدفين تحته غاية ذاتية دائمية وليس من الاتفاق في شي ء وإذا نسب إلى مطلق حفر البئر من غير شرط آخر كان اتفاقا وغاية عرضية منسوبة إلى غير سببه الذاتي الدائمي وكذا موت من انهدم عليه البيت وقد دخله للاستظلال إذا نسب إلى سببه الذاتي وهو الدخول في بيت مشرف على الانهدام والمكث فيه حتى ينهدم غاية ذاتية دائمية وإذا نسب إلى مطلق دخول البيت للاستظلال كان اتفاقا وغاية عرضية منسوبة إلى غير سببه الذاتي والكلام في سائر الأمثلة الجزئية للاتفاق على قياس هذين المثالين وقد تمسك القائلون بالاتفاق بأمثال هذه الأمثلة الجزئية التي عرفت حالها وقد نسب إلى ذيمقراطيس أن كينونة العالم بالاتفاق وذلك أن الأجسام مؤلفة من أجرام صغار صلبة منبثة في خلاء غير متناه وهي متشاكلة الطبائع مختلفة الأشكال دائمة الحركة فاتفق أن تصادفت منها جملة اجتمعت على هيئة خاصة فكان هذا العالم ولكنه زعم أن كينونة الحيوان والنبات ليس باتفاق. ونسب إلى أنباذقلس أن تكون الأجرام الأسطقسية بالاتفاق فما اتفق منها أن اجتمعت على نحو صالح للبقاء والنسل بقي وما اتفق إن لم يكن كذلك لم يبق وتلاشى وقد احتج على ذلك بعده حجج الحجة الأولى أن الطبيعة لا روية لها فكيف تفعل فعلها لأجل غاية وأجيب عنها بأن الروية لا تجعل الفعل ذا غاية وإنما تميز الفعل من غيره

ص 191

وتعينه ثم الغاية تترتب على الفعل لذاتها لا بجعل جاعل فاختلاف الدواعي والصوارف هو المحوج لإعمال الروية المعينة ولو لا ذلك لم يحتج إليها كما أن الأفعال الصادرة عن الملكات كذلك فالمتكلم بكلام يأتي بالحرف بعد الحرف على هيئتها المختلفة من غير روية يتروى بها ولو تروى لتبلد وانقطع عن الكلام وكذا أرباب الصناعات في صناعاتهم لو تروى في ضمن العمل واحد منهم لتبلد وانقطع.

الحجة الثانية أن في نظام الطبيعة أنواعا من الفساد والموت وأقساما من الشر والمساءة في نظام لا يتغير عن أسباب لا تتخلف وهي غير مقصودة للطبيعة بل لضرورة المادة فلنحكم أن أنواع الخير والمنافع المترتبة على فعل الطبيعة أيضا على هذا النمط من غير قصد من الطبيعة ولا داع يدعوها إلى ذلك وأجيب عنها بأن ما كان من هذه الشرور من قبيل عدم بلوغ الفواعل الطبيعية غاياتها لانقطاع حركاتها فليس من شرط كون الطبيعة متوجهة إلى غاية أن تبلغها وقد تقدم الكلام في الباطل. وما كان منها من قبيل الغايات التي هي شرور وهي على نظام دائمي فهي أمور خيرها غالب على شرها فهي غايات بالقصد الثاني والغايات بالقصد الأول هي الخيرات الغالبة اللازمة لهذه الشرور وتفصيل الكلام في هذا المعنى في بحث القضاء. فمثل الطبيعة في أفعالها التي تنتهي إلى هذه الشرور مثل النجار يريد أن يصنع بابا من خشبة فيأخذ بالنحت والنشر فيركب ويصنع ولازمه الضروري إضاعة مقدار من الخشبة بالنشر والنحت وهي مرادة له بالقصد الثاني بتبع إرادته لصنع الباب.

الحجة الثالثة أن الطبيعة الواحدة تفعل أفعالا مختلفة مثل الحرارة فإنها تحل الشمع وتعقد الملح وتسود وجه القصار وتبيض وجه الثوب. وأجيب عنها بأن الطبيعة الواحدة لا تفعل إلا فعلا واحدا له غاية واحدة

ص 192

وأما ترتب آثار مختلفة على فعلها فمن التوابع الضرورية لمقارنة عوامل وموانع متنوعة ومتباينة. فقد تحصل من جميع ما تقدم أن الغايات المترتبة على أفعال الفواعل غايات ذاتية دائمية لعللها وأسبابها الحقيقية وأن الآثار النادرة التي تسمى اتفاقيات غايات بالعرض منسوبة إلى غير أسبابها الحقيقية وهي بعينها دائمية بنسبتها إلى أسبابها الحقيقية فلا مناص عن إثبات الرابطة الوجودية بينها وبين السبب الفاعلي الحقيقي. ولو جاز لنا أن نشك في ارتباط هذه الغايات بفواعلها مع ما ذكر من دوام الترتب لجاز لنا أن نشك في ارتباط الفعل بالفاعل ولهذا أنكر كثير من القائلين بالاتفاق العلة الفاعلية كالغائية وحصروا العلة في العلة المادية وقد تقدم الكلام في العلة الفاعلية.

الفصل الرابع عشر في العلة المادية والصورية

الفصل الرابع عشر في العلة المادية والصورية

قد عرفت أن الأنواع التي لها كمال بالقوة لا تخلو في جوهر ذاتها من جوهر يقبل فعلية كمالاتها الأولى والثانية من الصور والأعراض فإن كانت حيثيتة حيثية القوة من جهة وحيثية الفعلية من جهة كالجسم الذي هو بالفعل من جهة جسميته وبالقوة من جهة الصور والأعراض اللاحقة لجسميته سمي مادة ثانية وإن كانت حيثيته حيثية القوة محضا وهو الذي ينتهي إليه المادة الثانية بالتحليل وهو الذي بالقوة من كل جهة إلا جهة كونه بالقوة من كل جهة سمي هيولى ومادة أولى. وللمادة عليه بالنسبة إلى النوع المادي المركب منها ومن الصورة لتوقف

ص 193

وجوده عليها توقفا ضروريا فهي بما أنها جزء للمركب علة له وبالنسبة إلى الجزء الآخر الذي يقبله أعني الصورة مادة لها ومعلولة لها لما تقدم أن الصورة شريكة العلة للمادة. وقد حصر جمع من الطبيعيين العلية في المادة فقط منكرين للعلل الثلاث الآخر ويدفعه أولا أن المادة حيثية ذاتها القوة والقبول ولازمها الفقدان ومن الضرورة أنه لا يكفي لإعطاء الفعلية وإيجادها الملازم للوجدان فلا يبقى للفعلية إلا أن توجد من غير علة وهو محال.

وثانيا أنه قد تقدم أن الشي ء ما لم يجب لم يوجد وإذ كانت المادة شأنها الإمكان والقبول فهي لا تصلح لأن يستند إليها هذا الوجوب المنتزع من وجود المعلول وحقيقته الضرورة واللزوم وعدم الانفكاك فوراء المادة أمر لا محالة يستند إليه وجوب المعلول ووجوده وهو العلة الفاعلية المفيضة لوجود المعلول.

وثالثا أن المادة ذات طبيعة واحدة لا تؤثر إن أثرت إلا أثرا واحدا متشابها وقد سلموا ذلك ولازمه رجوع ما للأشياء من الاختلاف إلى ما للمادة من صفة الوحدة ذاتا وصفة وهو كون كل شي ء عين كل شي ء وضرورة العقل تبطله. وأما العلة الصورية فهي الصورة بمعنى ما به الشي ء هو ما هو بالفعل بالنسبة إلى الشي ء المركب منها ومن المادة لضرورة أن للمركب توقفا عليها وأما الصورة بالنسبة إلى المادة فليست علة صورية لها لعدم كون المادة مركبة منها ومن غيرها مفتقرة إليها في ذاتها بل هي محتاجة إليها في تحصلها الخارج من ذاتها ولذا كانت الصورة شريكة العلة بالنسبة إليها ومحصله لها كما تقدم بيانه. واعلم أن الصورة المحصلة للمادة ربما كانت جزءا من المادة بالنسبة إلى صورة لاحقة ولذا ينتسب ما كان لها من الأفعال والآثار نظرا إلى كونها صورة محصلة للمادة إلى الصورة التي صارت جزءا من المادة بالنسبة إليه

ص 194

كالنبات مثلا فإن الصورة النباتية صورة محصلة للمادة الثانية التي هي الجسم لها آثار فعلية هي آثار الجسمية والنباتية ثم إذا لحقت به صورة الحيوان كانت الصورة النباتية جزءا من مادتها وملكت الصورة الحيوانية ما كان له من الأفعال والآثار الخاصة وهكذا كلما لحقت بالمركب صورة جديدة عادت الصور السابقة عليها أجزاء من المادة الثانية وملكت الصورة الجديدة ما كان للصور السابقة من الأفعال والآثار وقد تقدم أن الصورة الأخيرة تمام حقيقة النوع. واعلم أيضا أن التركيب بين المادة والصورة ليس بانضمامي كما ينسب إلى الجمهور بل تركيب اتحادي كما يقضي به اجتماع المبهم والمحصل والقوة والفعل ولو لا ذلك لم يكن التركيب حقيقيا ولا حصل نوع جديد له آثار خاصة.

الفصل الخامس عشر في العلة الجسمانية

الفصل الخامس عشر في العلة الجسمانية

العلل الجسمانية متناهية أثرا عدة ومدة وشدة لأن الأنواع الجسمانية متحركة بجواهرها وأعراضها فما لها من الطبائع والقوى الفعالة منحلة منقسمة إلى أبعاض كل منها محفوف بالعدمين السابق واللاحق محدود ذاتا وأثرا وأيضا العلل الجسمانية لا تفعل إلا مع وضع خاص بينها وبين المادة المنفعلة قالوا لأنها لما احتاجت إلى المادة في وجودها احتاجت إليها في إيجادها الذي هو فرع وجودها وحاجتها إلى المادة في إيجادها هو أن يحصل لها بسبب المادة وضع خاص مع معلولها ولذا كان للقرب والبعد والأوضاع الخاصة دخل في كيفية تأثير العلل الجسمانية.

ص 195

المرحلة التاسعة في القوة والفعل

اشارة

المرحلة التاسعة في القوة والفعل

مقدمة

وجود الشي ء في الأعيان بحيث يترتب عليه آثاره المطلوبة منه يسمى فعلا ويقال إن وجوده بالفعل وإمكانه الذي قبل تحققه يسمى قوة ويقال إن وجوده بالقوة مثال ذلك النطفة فإنها ما دامت نطفة هي إنسان مثلا بالقوة فإذا تبدلت إنسانا صارت إنسانا بالفعل له آثار الإنسانية المطلوبة من الإنسان. والأشبه أن تكون القوة في أصل الوضع بمعنى مبدإ الأفعال الشاقة الشديدة أعني كون الشي ء بحيث يصدر عنه أفعال شديدة ثم توسع في معناها فأطلقت على مبدإ الانفعالات الصعبة أعني كون الشي ء بحيث يصعب انفعاله بتوهم أن الانفعال أثر موجود في مبدئه كما أن الفعل والتأثير أثر موجود في الفاعل ثم توسعوا فأطلقوا القوة على مبدإ الانفعال ولو لم يكن صعبا لما زعموا أن صعوبة الانفعال وسهولته سنخ واحد تشكيكي فقالوا إن في قوة الشي ء الفلاني أن يصير كذا وأن الأمر الفلاني فيه بالقوة هذا ما عند العامة. ولما رأى الحكماء أن للحوادث الزمانية من الصور والأعراض إمكانا قبل وجودها منطبقا على حيثية القبول التي تسمية العامة قوة سموا الوجود الذي للشي ء في الإمكان قوة كما سموا مبدأ الفعل قوة فأطلقوا القوة على

ص 197

العلل الفاعلية وقالوا القوى الطبيعية والقوى النفسانية وسموا الوجود الذي يقابله وهو الوجود المترتب عليه الآثار المطلوبة منه وجودا بالفعل فقسموا الموجود المطلق إلى ما وجوده بالفعل وما وجوده بالقوة والقسمان هما المبحوث عنهما في هذه المرحلة وفيها أربعة عشر فصل

الفصل الأول كل حادث زماني فإنه مسبوق بقوة الوجود

الفصل الأول كل حادث زماني فإنه مسبوق بقوة الوجود

وذلك لأنه قبل تحقق وجوده يجب أن يكون ممكن الوجود جائزا أن يتصف بالوجود وأن لا يتصف إذ لو لم يكن ممكنا قبل حدوثه لكان إما ممتنعا فاستحال تحققه وقد فرض حادثا زمانيا هذا خلف وإما واجبا فكان موجودا واستحال عدمه لكنه ربما تخلف ولم يوجد. وهذا الإمكان أمر موجود في الخارج وليس اعتبارا عقليا لاحقا بماهية الشي ء الممكن لأنه يتصف بالشدة والضعف والقرب والبعد فالنطفة التي فيها إمكان أن يصير إنسانا مثلا أقرب إلى الإنسان الممكن من الغذاء الذي يمكن أن يتبدل نطفة ثم يصير إنسانا والإمكان في النطفة أيضا أشد منه في الغذاء مثلا. ثم إن هذا الإمكان الموجود في الخارج ليس جوهرا قائما بذاته وهو ظاهر بل هو عرض قائم بموضوع يحمله فلنسمه قوة ولنسم الموضوع الذي يحمله مادة فإذن لكل حادث زماني مادة سابقة عليه تحمل قوة وجوده ويجب أن تكون المادة غير ممتنعة عن الاتحاد بالفعلية التي تحمل إمكانها وإلا لم تحمل إمكانها فهي في ذاتها قوة الفعلية التي تحمل إمكانها إذ لو كانت ذات فعلية في نفسها لامتنعت عن قبول فعلية أخرى بل هي جوهر فعلية وجوده أنه قوة الأشياء

ص 198

لكنها لكونها جوهرا بالقوة قائمة بفعلية أخرى إذا حدث الممكن وهو الفعلية التي حملت المادة إمكانها بطلت الفعلية السابقة وقامت الفعلية اللاحقة مقامها كمادة الماء مثلا تحمل قوة الهواء وهي قائمة بعد بالصورة المائية حتى إذا تبدل هواء بطلت الصورة المائية وقامت الصورة الهوائية مقامها وتقومت المادة بها. ومادة الفعلية الجديدة الحادثة والفعلية السابقة الزائلة واحدة وإلا كانت المادة حادثة بحدوث الفعلية الحادثة فاستلزمت إمكانا آخر ومادة أخرى وننقل الكلام إليهما فكانت لحادث واحد إمكانات ومواد غير متناهية وهو محال ونظير الإشكال لازم لو فرض للمادة حدوث زماني. وقد تبين بما تقدم أولا أن النسبة بين المادة والقوة التي تحملها نسبة الجسم الطبيعي والجسم التعليمي فقوة الشي ء الخاص تعين قوة المادة المبهمة. وثانيا أن حدوث الحوادث الزمانية لا ينفك عن تغير في الصور إن كانت جواهر وفي الأحوال إن كانت أعراضا. وثالثا أن القوة تقوم دائما بفعلية والمادة تقوم دائما بصورة تحفظها فإذا حدثت صورة بعد صورة قامت الصورة الحديثة مقام القديمة وقومت المادة.

الفصل الثاني في استيناف القول في معنى وجود الشي ء

الفصل الثاني في استيناف القول في معنى وجود الشي ء بالقوة ووجوده بالفعل وانقسام الوجود إليهما

إن ما بين أيدينا من الأنواع الجوهرية يقبل أن يتغير فيصير غير ما كان أول

ص 199

كالجوهر غير النامي يمكن أن يتبدل إلى الجوهر النامي والجوهر النامي يمكن أن يتبدل فيصير حيوانا وذلك مع تعين القابل والمقبول ولازم ذلك أن يكون بينهما نسبة موجودة ثابتة. على أنا نجد هذه النسبة مختلفة بالقرب والبعد والشدة والضعف فالنطفة أقرب إلى الحيوان من الغذاء وإن كانا مشتركين في إمكان أن يصيرا حيوانا والقرب والبعد والشدة والضعف أوصاف وجودية لا يتصف بها إلا موجود فالنسبة المذكورة موجودة لا محالة.

وكل نسبة موجودة فإنها تستدعي وجود طرفيها في ظرف وجودها لضرورة قيامها بهما وعدم خروج وجودها من وجودهما وكون أحد طرفي النسبة للآخر وقد تقدم بيان ذلك كله في مرحلة انقسام الوجود إلى ما في نفسه وما في غيره. وإذ كان المقبول بوجوده الخارجي الذي هو منشأ لترتب آثاره عليه غير موجود عند القابل فهو موجود عنده بوجود ضعيف لا يترتب عليه جميع آثاره وإذ كان كل من وجوديه الضعيف والشديد هو هو بعينه فهما واحد فللمقبول وجود واحد ذو مرتبتين مرتبة ضعيفة لا يترتب عليه جميع آثاره ومرتبة شديدة بخلافها ولنسم المرتبة الضعيفة وجودا بالقوة والمرتبة القوية وجودا بالفعل. ثم إن المقبول بوجوده بالقوة معه بوجوده بالفعل موجود متصل واحد وإلا بطلت النسبة وقد فرضت ثابتة موجدة هذا خلف وكذا المقبول بوجوده بالقوة مع القابل موجودان بوجود واحد وإلا لم يكن أحد الطرفين موجودا للآخر فبطلت النسبة هذا خلف فوجود القابل ووجد المقبول بالقوة ووجوده بالفعل جميعا وجود واحد ذو مراتب مختلفة يرجع فيه ما به الاختلاف إلى ما به الاتفاق وذاك من التشكيك. هذا فيما إذا فرضنا قابلا واحدا مع مقبول واحد وأما لو فرضنا سلسلة من

ص 200

القوابل والمقبولات ذاهبة من الطرفين متناهية أو غير متناهية في كل حلقة من حلقاتها إمكان الفعلية التالية لها وفعلية الإمكان السابق عليها على ما عليه سلسلة الحوادث في الخارج كان لجميع الحدود وجود واحد مستمر باستمرار السلسلة ذو مراتب مختلفة وكان إذا قسم هذا الوجود الواحد على قسمين كان في القسم السابق قوة القسم اللاحق وفي القسم اللاحق فعلية القسم السابق ثم إذا قسم القسم السابق مثلا على قسمين كان في سابقهما قوة اللاحق وفي لاحقهما فعلية السابق وكلما أمعن في التقسيم وجزئ ذلك الوجود الواحد المستمر كان الأمر على هذه الوتيرة فالقوة والفعل فيه ممزوجان مختلطان. فكل حد من حدود هذا الوجود الواحد المستمر كمال بالنسبة إلى الحد السابق ونقص وقوة بالنسبة إلى الحد اللاحق حتى ينتهي إلى كمال لا نقص معه أي فعلية لا قوة معها كما ابتدئ من قوة لا فعلية معها فينطبق عليه حد الحركة وهو أنها كمال أول لما بالقوة من حيث إنه بالقوة. فهذا الوجود الواحد المستمر وجود تدريجي سيال يجري على المادة الحاملة للقوة والمختلفات هي حدود الحركة وصور المادة. هذا كله في الجواهر النوعية والكلام في الأعراض نظير ما تقدم في الجواهر وسيجي ء تفصيل الكلام فيها.

فقد تبين مما تقدم أن قوة الشي ء هي ثبوت ما له لا يترتب عليه بحسبه جميع آثار وجوده الفعلي وأن الوجود ينقسم إلى ما بالفعل وما بالقوة وأنه ينقسم إلى ثابت وسيال. وتبين أن ما لوجوده قوة فوجوده سيال تدريجي وهناك حركة وأن ما ليس وجوده سيالا تدريجيا أي كان ثابتا فليس لوجوده قوة أي لا مادة له وأن ماله حركة فله مادة وأن ما لا مادة له فلا حركة له وأن للأعراض بما أن وجوداتها لموضوعاتها حركة بتبع حركة موضوعاتها على م

ص 201

سيأتي من التفصيل.

الفصل الثالث في زيادة توضيح لحد الحركة وما تتوقف ع

الفصل الثالث في زيادة توضيح لحد الحركة وما تتوقف عليه

قد تقدم أن الحركة نحو وجود يخرج به الشي ء من القوة إلى الفعل تدريجا أي بحيث لا تجتمع الأجزاء المفروضة لوجوده وبعبارة أخرى يكون كل حد من حدود وجوده فعلية للجزء السابق المفروض وقوة للجزء اللاحق المفروض فالحركة خروج الشي ء من القوة إلى الفعل تدريجا. وحدها المعلم الأول بأنها كمال أول لما بالقوة من حيث إنه بالقوة وتوضيحه أن الجسم المتمكن في مكان مثلا إذا قصد التمكن في مكان آخر ترك المكان الأول بالشروع في السلوك إلى المكان الثاني حتى يتمكن فيه فللجسم وهو في المكان الأول كمالان هو بالنسبة إليهما بالقوة وهما السلوك الذي هو كمال أول والتمكن في المكان الثاني الذي هو كمال ثان. فالحركة وهي السلوك كمال أول للجسم الذي هو بالقوة بالنسبة إلى الكمالين لكن لا مطلقا بل من حيث إنه بالقوة بالنسبة إلى الكمال الثاني لأن السلوك متعلق الوجود به. وقد تبين بذلك أن الحركة متعلقة الوجود بأمور ستة الأول المبدأ وهو الذي منه الحركة والثاني المنتهى وهو الذي إليه الحركة فالحركة تنتهي من جانب إلى قوة لا فعل معها تحقيقا أو اعتبارا ومن جانب إلى فعل لا قوة

ص 202

معها تحقيقا أو اعتبارا على ما سيتبين إن شاء الله والثالث المسافة التي فيها الحركة وهي المقولة والرابع الموضوع الذي له الحركة وهو المتحرك والخامس الفاعل الذي به الحركة وهو المحرك والسادس المقدار الذي تتقدر به الحركة وهو الزمان.

الفصل الرابع في انقسام التغير

الفصل الرابع في انقسام التغير

قد عرفت أن خروج الشي ء من القوة إلى الفعل لا يخلو من تغير إما في ذاته أو في أحوال ذاته وإن شئت فقل إما في ذاتيه كما في تحول نوع جوهري إلى نوع آخر جوهري أو في عرضيه كتغير الشي ء في أحواله العرضية. ثم التغير إما تدريجي وإما دفعي بخلافه والتغير التدريجي ولازمه إمكان الانقسام إلى أجزاء لا قرار لها ولا اجتماع في الوجود هي الحركة والتغير الدفعي بما أنه يحتاج إلى موضوع يقبل التغير وقوة سابقه على حدوث التغير لا يتحقق إلا بحركة لما عرفت أن الخروج من القوة إلى الفعل كيفما فرض لا يتم إلا بحركة غير أنه لما كان تغيرا دفعيا كان من المعاني المنطبقة على أجزاء الحركة الآنية كالوصول والترك والاتصال والانفصال فالتغير كيفما فرض لا يتم إلا بحركة. ثم الحركة تعتبر تارة بمعنى كون الشي ء المتحرك بين المبدإ والمنتهى بحيث كل حد من حدود المسافة فرض فهو ليس قبله وبعده فيه وهي حالة بسيطة ثابتة غير منقسمة وتسمى الحركة التوسطية. وتعتبر تارة بمعنى كون الشي ء بين المبدإ والمنتهى بحيث له نسبة إلى حدود

ص 203

المسافة المفروضة التي كل واحد منها فعلية للقوة السابقة وقوة للفعلية اللاحقة من حد يتركه ومن حد يستقبله ولازم ذلك الانقسام إلى الأجزاء والانصرام والتفضي تدريجا وعدم اجتماع الأجزاء في الوجود وتسمى الحركة القطعية. والاعتباران جميعا موجودان في الخارج لانطباقهما عليه بمعنى أن للحركة نسبة إلى المبدإ والمنتهى لا يقتضي ذلك انقساما ولا سيلانا ونسبة إلى المبدإ والمنتهى وحدود المسافة تقتضي سيلان الوجود والانقسام. وأما ما يأخذه الخيال من صورة الحركة بأخذ الحد بعد الحد منها وجمعها صورة متصلة مجتمعة الأجزاء فهو أمر ذهني غير موجود في الخارج لعدم جواز اجتماع أجزاء الحركة لو فرضت لها أجزاء وإلا كانت ثابتة لا سيالة هذا خلف.

الفصل الخامس في مبدإ الحركة ومنتهاها

الفصل الخامس في مبدإ الحركة ومنتهاها

قد تقدم أن للحركة انقساما بذاتها فليعلم أن انقسامها انقسام بالقوة لا بالفعل كما في الكم المتصل القار من الخط والسطح والجسم التعليمي إذ لو كانت منقسمة بالفعل فانفصلت الأجزاء بعضها من بعض انتهت القسمة إلى أجزاء دفعية الوقوع وبطلت الحركة. وأيضا لا يقف ما فيها من الانقسام على حد لا يتجاوزه ولو وقف على حد لا تتعداه القسمة كانت مؤلفة من أجزاء لا تتجزى وقد تقدم بطلانها. ومن هنا يظهر أن لا مبدأ ولا منتهى للحركة بمعنى الجزء الأول الذي لا ينقسم من جهة الحركة والجزء الآخر الذي لا ينقسم كذلك لما تبين

ص 204

أن الجزء بهذا المعنى دفعي الوقوع فلا ينطبق عليه حد الحركة التي هي سيلان الوجود وتدرجه. وأما ما تقدم أن الحركة تنتهي من الجانبين إلى مبدإ ومنتهى فهو تحديد لها بالخارج من نفسها فتنتهي حركة الجوهر من جانب البدء إلى قوة لا فعل معها إلا فعلية أنها قوة لا فعل معها وهو المادة الأولى ومن جانب الختم إلى فعل لا قوة معها وهو التجرد وسنزيد هذا توضيحا إن شاء الله. وتنتهي الحركات العرضية من جانب البدء إلى مادة الموضوع وهي التي تقبل الحركة ومن جانب الختم في الحركة الطبيعية إلى ما تقتضيه الطبيعة من السكون وفي الحركة القسرية إلى هيئة ينفذ عندها أثر القسر وفي الحركة الإرادية إلى ما يراه المتحرك كمالا لنفسه يجب أن يستقر فيه.

الفصل السادس في المسافة

الفصل السادس في المسافة

وهي المقولة التي تقع فيها الحركة كحركة الجسم في كمه بالنمو وفي كيفه بالاستحالة من الضرورة أن الذاتي لا يتغير والمقولات التي هي أجناس عالية لما دونها من الماهيات ذاتيات لها والحركة تغير المتحرك في المعنى الذي يتحرك فيه فلو كانت الحركة الواقعة في الكيف مثلا تغيرا من المتحرك في ماهية الكيف كان ذلك تغيرا في الذاتي وهو محال. فلا حركة في مقولة بمعنى التغير في وجودها الذي في نفسها الذي يطرد العدم عنها لأن وجود الماهية في نفسها هي نفسها. فإن كانت في مقولة من المقولات حركة وتغير فهو في وجودها الناعت من حيث إنه ناعت فإن الشي ء له ماهية باعتبار وجوده في نفسه وإم

ص 205

باعتبار وجوده الناعت لغيره كما في الأعراض أو لنفسه كما في الجوهر فلا ماهية له فلا محذور في وقوع الحركة في مقولة. فالجسم الذي يتحرك في كمه أو كيفه مثلا لا تغير في ماهيته ولا تغير في ماهية الكم أو الكيف اللذين يتحرك فيهما وإنما التغير في المتكمم أو المتكيف اللذين يجريان عليه. وهذا معنى قولهم التشكيك في العرضيات دون الأعراض. ثم إن الوجود الناعت وإن كان لا ماهية له لكنه لاتحاده مع الوجود في نفسه ينسب إليه ما للوجود في نفسه من الماهية ولازم ذلك أن يكون معنى الحركة في مقولة أن يرد على المتحرك في كل آن من آنات حركته نوع من أنواع تلك المقولة من دون أن يلبث نوع من أنواعها عليه أكثر من آن واحد وإلا كان تغيرا في الماهية وهو محال.

الفصل السابع في المقولات التي تقع فيها الحركة

الفصل السابع في المقولات التي تقع فيها الحركة

المشهور بين قدماء الحكماء أن المقولات التي تقع فيها الحركة أربع الكيف والكم والأين والوضع. أما الكيف فوقوع الحركة فيه في الجملة وخاصة في الكيفيات المختصة بالكميات نظير الاستقامة والاستواء والاعوجاج ظاهر فإن الجسم المتحرك في كمه يتحرك في الكيفيات القائمة بكمه البتة.

وأما الكم فالحركة فيه تغير الجسم في كمه تغيرا متصلا منتظما متدرجا كالنمو الذي هو زيادة الجسم في حجمه زيادة متصلة بنسبة منتظمة تدريجا وقد اعترض عليه أن النمو إنما يتحقق بانضمام أجزاء من خارج إلى

ص 206

أجزاء الجسم فالحجم الكبير اللاحق كم عارض لمجموع الأجزاء الأصلية والمنضمة والحجم الصغير السابق هو الكم العارض لنفس الأجزاء الأصلية والكمان متباينان غير متصلين لتباين موضوعيهما فالنمو زوال لكم وحدوث لكم آخر لا حركة. وأجيب عنه بأن انضمام الضمائم لا شك فيه لكن الطبيعة تبدل الأجزاء المنضمة إلى صورة الأجزاء الأصلية وتزيد به كمية الأجزاء الأصلية زيادة متصلة منتضمة متدرجة وهي الحركة كما هو ظاهر. وأما الأين فوقوع الحركة فيه ظاهر كما في انتقالات الأجسام من مكان إلى مكان لكن كون الأين مقولة مستقلة في نفسها لا يخلو من شك. وأما الوضع فوقوع الحركة فيه أيضا ظاهر كحركة الكرة على محورها فإن وضعها يتبدل بتبدل نسب النقاط المفروضة على سطحها إلى الخارج عنها تبدلا متصلا تدريجيا. قالوا ولا تقع في سائر المقولات وهي الفعل والانفعال والمتى والإضافة والجدة والجوهر حركة. أما الفعل والانفعال فقد أخذ في مفهوميهما التدريج فلا فرد آني الوجود لهما ووقوع الحركة فيهما يستدعي الانقسام إلى أجزاء آنية الوجود وليس لهما ذلك على أنه يستلزم الحركة في الحركة. وكذا الكلام في المتى فإنه لما كان هيئة حاصلة من نسبة الشي ء إلى الزمان وهي تدريجية بتدرج الزمان فلا فرد آني الوجود له حتى تقع فيه الحركة المنقسمة إلى الآنيات. وأما الإضافة فإنها انتزاعية تابعة لطرفيها لا تستقل بشي ء كالحركة. وكذا الجدة فإن التغير فيها تابع لتغير موضوعها كتغير النعل أو القدم في التنعل مثلا عما كانتا عليه. وأما الجوهر فوقوع الحركة فيه يستلزم تحقق الحركة من غير موضوع ثابت

ص 207

باق ما دامت الحركة ولازم ذلك تحقق حركة من غير متحرك ويمكن المناقشة فيما أوردوه من الوجوه. أما فيما ذكروه في الفعل والانفعال والمتى فبجواز وقوع الحركة في الحركة على ما سنبينه إن شاء الله. وأما الإضافة والجدة فإنهما مقولتان نسبيتان كالوضع وكونهما تابعين لأطرافهما في الحركة لا ينافي وقوعها فيهما حقيقة والاتصاف بالتبع غير الاتصاف بالعرض. وأما ما ذكروه في الجوهر فانتفاء الموضوع في الحركة الجوهرية ممنوع بل الموضوع هو المادة على ما تقدم بيانه وسيجي ء توضيحه إن شاء الله.

الفصل الثامن في تنقيح القول بوقوع الحركة

الفصل الثامن في تنقيح القول بوقوع الحركة

في مقولة الجوهر والإشارة إلى ما يتفرع عليه من أصول المسائل

القول بانحصار الحركة في المقولات الأربع العرضية وإن كان هو المعروف المنقول عن القدماء لكن المحكي من كلماتهم لا يخلو عن الإشارة إلى وقوع الحركة في مقولة الجوهر غير أنهم لم ينصوا عليه. وأول من ذهب إليه وأشبع الكلام في إثباته صدر المتألهين ره وهو الحق كما أقمنا عليه البرهان في الفصل الثاني وقد احتج ره على ما اختاره بوجوه مختلفة من أوضحها أن الحركات العرضية بوجودها سيالة متغيرة وهي معلولة للطبائع والصور النوعية التي لموضوعاتها وعلة المتغير يجب أن تكون متغيرة وإلا لزم تخلف المعلول بتغيره عن علته وهو محال فالطبائع و

ص 208

الصور الجوهرية التي هي الأسباب القريبة للأعراض اللاحقة التي فيها الحركة متغيرة في وجودها متجددة في جوهرها وإن كانت ثابتة بماهيتها قارة في ذاتها لأن الذاتي لا يتغير. وأما ما وجهوا به ما يعتري هذه الأعراض من التغير والتجدد مع ثبات العلة التي هي الطبيعة أو غيرها بأن تغيرها وتجددها لسوانح تنضم إليها من خارج كحصول مراتب البعد والقرب من الغاية في الحركات الطبيعية ومصادفة موانع ومعدات قوية وضعيفة في الحركات القسرية وتجدد إرادات جزئية سانحة عند كل حد من حدود المسافة في الحركات الإرادية. ففيه أنا ننقل الكلام إلى تجدد هذه الأمور الموجبة لتغير الحركة من أين حصل فلا بد أن ينتهي إلى ما هو متجدد بالذات. فإن قيل إنا نوجه صدور الحركة المتجددة عن العلة الثابتة بعين ما وجهتم به ذلك من غير حاجة إلى جعل الطبيعة متجددة بالذات فالحركة متجددة بالذات ولا ضير في صدور المتجدد عن الثابت إذا كان التجدد ذاتيا له فإيجاد ذاته عين إيجاد تجدده كما اعترفتم به. قيل التجدد الذي في الحركة العرضية ليس تجدد نفس الحركة فإن المقولة العرضية ليس وجودها في نفسها لنفسها حتى يكون منعوتا بنفسها فتكون متجددة كما كانت تجددا وإنما وجودها لغيرها الذي هو الموضوع الجوهرة فحركة الجسم مثلا في لونه تغيره وتجدده في لونه الذي هو له لا تجدد لونه وهذا بخلاف الجوهر فإن وجوده في نفسه هو لنفسه فهو تجدد ومتجدد بذاته فإيجاد هذا الجوهر إيجاد بعينه للمتجدد وإيجاد المتجدد إيجاد لهذا الجوهر لا إيجاد جوهر ليصير متجددا فافهم.

حجة أخرى الأعراض من مراتب وجود الجواهر لما تقدم أن وجودها في نفسها عين وجودها لموضوعاتها فتغيرها وتجددها لا يتم إلا مع تغير موضوعاتها الجوهرية وتجددها فالحركات العرضية دليل حركة الجوهر.

ص 209

ويتبين بما تقدم عدة أمور الأول أن الصورة الجوهرية المتبدلة المتواردة على المادة واحدة بعد واحدة في الحقيقة صورة جوهرية واحدة سيالة تجري على المادة وموضوعها المادة المحفوظة بصورة ما كما تقدم في مرحلة الجواهر والأعراض ننتزع من كل حد من حدودها مفهوما مغايرا لما ينتزع من حد آخر نسميها ماهية نوعية تغاير سائر الماهيات في آثارها. والحركة على الإطلاق وإن كانت لا تخلو من شائبة التشكيك لما أنها خروج من القوة إلى الفعل وسلوك من النقص إلى الكمال لكن في الجوهر مع ذلك حركة اشتدادية أخرى هي حركة المادة الأولى إلى الطبيعة ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان ولكل من هذه الحركات آثار خاصة تترتب عليها حتى تنتهي الحركة إلى فعلية لا قوة معها.

الثاني أن للأعراض اللاحقة بالجواهر أيا ما كانت حركة بتبع الجواهر المعروضة لها إذ لا معنى لثبات الصفات مع تغير الموضوعات وتجددها على أن الأعراض اللازمة للوجود كلوازم الماهية مجعولة بجعل موضوعاتها جعلا بسيطا من غير أن يتخلل جعل بينها وبين موضوعاتها هذا في الأعراض اللازمة التي نحسبها ثابتة غير متغيرة. وأما الأعراض المفارقة التي تعرض موضوعاتها بالحركة كما في الحركات الواقعة في المقولات الأربع الأين والكم والكيف والوضع فالوجه أن تعد حركتها من الحركة في الحركة وأن تسمى حركات ثانية ويسمى القسم الأول حركات أولى. والإشكال في إمكان تحقق الحركة في الحركة بأن من الواجب في الحركة أن تنقسم بالقوة إلى أجزاء آنية الوجود والمفروض في الحركة في الحركة أن تتألف من أجزاء تدريجية منقسمة فيمتنع أن تتألف منها حركة. إلى أن لازم الحركة أن يكون ورود المتحرك في كل حد من حدوده

ص 210

إمعانا فيه لا تركا له فلا تتم حركأ. يدفعه أن الذي نسلمه أن تنقسم الحركة إلى أجزاء ينقطع به اتصالها وامتدادها وأن ينتهي ذلك إلى أجزاء آنية وأما الانتهاء إليها بلا واسطة فلا فمن الجائز أن تنقسم الحركة إلى أجزاء آنية غير تدريجية من سنخها ثم تنقسم الأجزاء إلى أجزاء آنية أخيرة فانقسام الحركة وانتهاء انقسامها إلى أجزاء آنية كقيام العرض بالجوهر فربما كان قيامه بلا واسطة وربما كان مع الواسطة ومنتهيا إلى الجوهر بواسطة أو أكثر كقيام الخط بالسطح والسطح بالجسم التعليمي والجسم التعليمي بالجسم الطبيعي. وأما حديث الإمعان في الحدود فإنما يستدعي حدوث البطء في الحركة ومن الجائز أن يكون سبب البطء هو تركب الحركة وسنشير إلى ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.

الثالث أن المادة الأولى بما أنها قوة محضة لا فعلية لها أصلا إلا فعلية أنها قوة محضة فهي في أي فعلية تعتريها تابعة للصورة التي تقيمها فهي متميزة بتميز الصورة التي تتحد بها متشخصة بتشخصها تابعة لها في وحدتها وكثرتها نعم لها وحدة مبهمة شبيهة بوحدة الماهية الجنسية. فإذ كانت هي موضوع الحركة العامة الجوهرية فعالم المادة برمتها حقيقة واحدة سيالة متوجهة من مرحلة القوة المحضة إلى فعلية لا قوة معها

الفصل التاسع في موضوع الحركة

الفصل التاسع في موضوع الحركة

قد تبين أن الموضوع لهذه الحركات هو المادة هذا إجمالا أما تفصيله فهو أنك قد عرفت أن في مورد الحركة مادة وصورة وقوة وفعلا وقد عرفت في

ص 211

مباحث الماهية أن الجنس والفصل هما المادة والصورة لا بشرط وأن الماهيات النوعية قد تترتب متنازلة إلى السافل من نوع عال ومتوسط وأخير وقد تندرج تحت جنس واحد قريب أنواع كثيرة اندراجا عرضيا لا طوليا. ولازم ذلك أن يكون في القسم الأول من الأنواع الجوهرية مادة أولى متحصلة بصورة أولى ثم هما معا مادة ثانية لصورة ثانية ثم هما معا مادة وتسمى أيضا ثانية لصورة لاحقة وفي القسم الثاني مادة لها صور متعددة متعاقبة عليها كلما حلت بها واحدة منها امتنعت من قبول صورة أخرى. فإذا رجعت هذه التنوعات الجوهرية الطولية والعرضية إلى الحركة ففي القسم الثاني كانت المادة التي هي موضوع الحركة في بدئها هي الموضوع بعينه ما تعاقبت الصور إلى آخر الحركة سواء كانت هي المادة الأولى أو المادة الثانية وكذلك الحكم في الحركات العرضية بفتح الراء.

وفي القسم الأول وهو الحركة الطولية المادة الأولى موضوع للصورة الأولى ثم هما معا موضوع الصورة الثانية لا بطريق الخلع واللبس كما في القسم الأول بل بطريق اللبس بعد اللبس ولازم ذلك أن تكون الحركة اشتدادية لا متشابهة وكون مادة الصورة الأولى معزولة عن موضوعية الصورة الثانية بل الموضوع لها هو المادة الأولى والصورة الأولى معا والمادة الأولى من المقارنات. والصورة الثانية في هذه المرتبة هي فعلية النوع ولها الآثار المترتبة إذ لا حكم إلا للفعلية ولا فعلية إلا واحدة وهي فعلية الصورة الثانية. وهذا معنى قولهم أن الفصل الأخير جامع لجميع كمالات الفصول السابقة ومنشأ لانتزاعها وأنه لو تجرد عن المادة وتقرر وحده لم تبطل بذلك حقيقة النوع والأمر على هذا القياس في كل صورة لاحقة بعد صورة.

ومن هنا يظهر

ص 212

أولا أن الحركة في القسم الثاني بسيطة وأما في القسم الأول فإنها مركبة لتغير الموضوع في كل حد من الحدود غير أن تغيره ليس ببطلان الموضوع السابق وحدوث موضوع لاحق بل بطريق الاستكمال ففي كل حد من الحدود تصير فعلية الحد وقوة الحد اللاحق معا قوة لفعلية الحق اللاحق. وثانيا أن لا معنى للحركة النزولية بسلوك الموضوع من الشدة إلى الضعف ومن الكمال إلى النقص لاستلزامها كون فعلية ما قوة لقوته كأن يتحرك الإنسان من الإنسانية إلى الحيوانية ومن الحيوانية إلى النباتية وهكذا فما يتراءى منه الحركة التضعفية حركة بالعرض يتبع حركة أخرى اشتدادية تزاحم الحركة النزولية المفروضة كالذبول. وثالثا أن الحركة أيا ما كانت محدودة بالبداية والنهاية فكل حد من حدودها ينتهي من الجانبين إلى قوة لا فعلية معها وإلى فعل لا قوة معه وحكم المجموع أيضا حكم الأبعاض وهذا لا ينافي ما تقدم أن الحركة لا أول لها ولا آخر فإن المراد به أن تبتدئ بجزء لا ينقسم بالفعل وأن تختم بذلك فالجزء بهذا المعنى لا يخرج من القوة إلى الفعل أبدا ولا الماهية النوعية المنتزعة من هذا الحد تخرج من القوة إلى الفعل أبدا.

الفصل العاشر في فاعل الحركة وهو المحرك

الفصل العاشر في فاعل الحركة وهو المحرك

ليعلم أن الحركة كيفما فرضت فالمحرك فيها غير المتحرك فإن كانت الحركة جوهرية والحركة في ذات الشي ء وهو المتحرك بالحقيقة كما تقدم كان فرض كون المتحرك هو المحرك فرض كون الشي ء فاعلا موجدا لنفسه واستحالته ضرورية فالفاعل الموجد للحركة هو الفاعل الموجد للمتحرك وهو

ص 213

جوهر مفارق للمادة يوجد الصورة الجوهرية ويقيم بها المادة والصورة شريكة الفاعل على ما تقدم. وإن كانت الحركة عرضية وكان العرض لازما للوجود فالفاعل الموجد للحركة فاعل الموضوع المتحرك بعين جعل الموضوع من غير تخلل جعل آخر بين الموضوع وبين الحركة إذ لو تخلل الجعل وكان المتحرك وهو مادة فاعلا في نفسه للحركة كان فاعلا من غير توسط المادة وقد تقدم في مباحث العلة والمعلول أن العلل المادية لا تفعل إلا بتوسط المادة وتخلل الوضع بينها وبين معلولاتها فهي إنما تفعل في الخارج من نفسها ففاعل لازم الوجود فاعل ملزومه وهو جوهر مفارق للمادة جعل الصورة ولازم وجودها جعلا واحدا وأقام بها المادة. وإن كانت الحركة عرضية والعرض مفارقا كان الفاعل القريب للحركة هو الطبيعة بناء على انتساب الأفعال الحادثة عند كل نوع جوهري إلى طبيعة ذلك النوع. وتفصيل القول أن الموضوع إما أن يفعل أفعاله على وتيرة واحدة أو لا على وتيرة واحدة والأول هو الطبيعة المعرفة بأنها مبدأ حركة ما هي فيه وسكونه والثاني هو النفس المسخرة لعدة طبائع وقوى تستعملها في تحصيل ما تريده من الفعل وكل منهما إما أن يكون فعلها ملائما لنفسها بحيث لو خليت ونفسها لفعلته وهو الحركة الطبيعية أو لا يكون كذلك كما يقتضيه قيام مانع مزاحم وهو الحركة القسرية. وعلى جميع هذه التقادير فاعل الحركة هي الطبيعة أما في الحركة الطبيعية فلأن الطبيعة إنما تنشئ الحركة عند زوال صور ملائمة أو عروض هيئة منافرة تفقد بذلك كمالا تقتضيه فتطلب الكمال فتسلك إليه بالحركة ففاعلها الصورة وقابلها المادة وأما في الحركة القسرية فلأن القاسر ربما يزول والحركة القسرية على حالها وقد بطلت فاعلية الطبيعة بالفعل فليس

ص 214

الفاعل إلا الطبيعة المقسورة. وأما في الحركة النفسانية فلأن كون النفس مسخرة للطبائع والقوى المختلفة لتستكمل بأفعالها نعم الدليل على أن الفاعل القريب في الحركات النفسانية هي الطبائع والقوى المغروزة في الأعضاء.

الفصل الحادي عشر في الزمان

الفصل الحادي عشر في الزمان

إنا نجد فيما عندنا حوادث متحققة بعد حوادث أخرى هي قبلها لما أن للتي بعد نحو توقف على التي قبل توقفا لا يجامع معه القبل والبعد على خلاف سائر أنحاء التقدم والتأخر كتقدم العلة أو جزئها على المعلول وهذه مقدمة ضرورية لا نرتاب فيها. ثم إن ما فرضناه قبل ينقسم بعينه إلى قبل وبعد بهذا المعنى أي بحيث لا يجتمعان وكذا كل ما حصل من التقسيم وله صفة قبل ينقسم إلى قبل وبعد من غير وقوف للقسمة. فهاهنا كم متصل غير قار إذ لو لم يكن كم لم يكن انقسام ولو لم يكن اتصال لم يتحقق البعد فيما هو قبل وبالعكس بل انفصلا وبالجملة لم يكن بين الجزءين من هذا الكم حد مشترك ولو لم يكن غير قار لاجتمع ما هو قبل وما هو بعد بالفعل. وإذا كان الكم عرضا فله موضوع هو معروضة لكنا كلما رفعنا الحركة من المورد ارتفع هذا المقدار وإذا وضعناها ثبت وهذا هو الذي نسميه زمانا فالزمان موجود وماهيته أنه مقدار متصل غير قار عارض للحركة.

وقد تبين بما مر أمور

ص 215

الأول أنه لما كان كلما وضعنا حركة أو بدلنا حركة من حركة ثبت هذا الكم المسمى بالزمان ثبت أن لكل حركة أي حركة كانت زمانا خاصا بها متشخصا بتشخصها مقدرا لها وإن كنا نأخذ زمان بعض الحركات مقياسا نقدر به حركات أخرى كما نأخذ زمان الحركة اليومية مقياسا نقدر به الحركات الأخرى التي تتضمنها الحوادث الكونية الكلية والجزئية بتطبيقها على ما نأخذ لهذا الزمان من الأجزاء كالقرون والسنين والشهور والأسابيع والأيام والساعات والدقائق والثواني وغير ذلك. الثاني أن نسبة الزمان إلى الحركة نسبة الجسم التعليمي إلى الجسم الطبيعي وهي نسبة المعين إلى المبهم. الثالث أنه كما تنقسم الحركة إلى أقسام لها حدود مشتركة وبينها فواصل غير موجودة إلا بالقوة وهي الآنيات كذلك الزمان ينقسم إلى أقسام لها حدود مشتركة وبينها فواصل غير موجودة إلا بالقوة وهي الآنات فالآن طرف الزمان كالنقطة التي هي طرف الخط وهو أمر عدمي حظه من الوجود انتسابه إلى ما هو طرف له. ومن هنا يظهر أن تتالي الآنات ممتنع فإن الآن ليس إلا فاصلة عدمية بين قطعتين من الزمان وما هذا حاله لا يتحقق منه اثنان إلا وبينهما قطعة من الزمان. الرابع أن الأشياء في انطباقها على الزمان مختلفة فالحركة القطعية منطبقة على الزمان بلا واسطة واتصاف أجزاء هذه الحركة بالتقدم والتأخر ونحوهما بتبع اتصاف أجزاء الزمان بذلك وكل آني الوجود من الحوادث كالوصول والترك والاتصال والانفصال منطبق على الآن والحركة التوسطية منطبقة عليه بواسطة القطعية وتبين أيضا أن تصوير التوسطي من الزمان وهو المسمى بالآن السيال الذي يرسم الامتداد الزماني تصوير وهمي مجازي كيف والزمان كم منقسم بالذات وقياسه إلى الوحدة

ص 216

السارية التي ترسم بتكررها العدد والنقطة السارية التي ترسم الخط في غير محله لأن الوحدة ليست بالعدد وإنما ترسمه بتكررها لا بذاتها والنقطة نهاية عدمية وتألف الخط منها وهمي. الخامس أن الزمان ليس له طرف موجود بالفعل بمعنى جزء هو بدايته أو نهايته لا ينقسم في امتداد الزمان وإلا تألف المقدار من أجزاء لا قدر لها وهو الجزء الذي لا يتجزى وهو محال وإنما ينفد الزمان بنفاد الحركة المعروضة من الجانبين. السادس أن الزمان لا يتقدم عليه شي ء إلا بتقدم غير زماني كتقدم علة الوجود وعلة الحركة وموضوعها عليه. السابع أن القبلية والبعدية الزمانيتين لا تتحققان بين شي ء وشي ء إلا وبينهما زمان مشترك ينطبقان عليه. ويظهر بذلك أنه إذا تحقق قبل زماني بالنبسة إلى حركة أو متحرك استدعى ذلك تحقق زمان مشترك بينهما ولازم ذلك تحقق حركة مشتركة ولازمة تحقق مادة مشتركة بينهما. تنبيه اعتبار الزمان مع الحركات والزمان مقدار متغير يفيد تقدرها وما يترتب عليه من التقدم والتأخر وقد تعتبر الموجودات الثابتة مع المتغيرات فيفيد معية الثابت مع المتغير ويسمى الدهر وقد يعتبر الموجود الثابت مع الأمور الثابتة ويفيد معية الثابت مع الأمور الثابتة ويفيد معية الثابت الكلي مع ما دونه من الثوابت ويسمى السرمد وليس في الدهر والسرمد تقدم ولا تأخر لعدم التغير والانقسام فيهما. قال في الأسفار وأما الموجودات التي ليست بحركة ولا في حركة فهي

ص 217

لا تكون في الزمان بل اعتبر ثباته مع المتغيرات فتلك المعية تسمى بالدهر وكذا معية المتغيرات مع المتغيرات لا من حيث تغيرها بل من حيث ثباتها إذ ما من شي ء إلا وله نحو من الثبات وإن كان ثباته ثبات التغير فتلك المعية أيضا دهرية وإن اعتبرت الأمور الثابتة مع الأمور الثابتة فتلك المعية هي السرمد وليس بإزاء هذه المعية ولا التي قبلها تقدم وتأخر ولا استحالة في ذلك فإن شيئا منهما ليس مضايقا للمعية حتى تستلزمها انتهى ج 3 ص 182.

الفصل الثاني عشر في معنى السرعة والبطء

الفصل الثاني عشر في معنى السرعة والبطء

السرعة والبطء نعرفهما بمقايسة بعض الحركات إلى بعض فإذا فرضنا حركتين سريعة وبطيئة في مسافة فإن فرضنا اتحاد المسافة اختلفتا في الزمان وكان زمان السريعة أقل وزمان البطيئة أكثر وإن فرضنا اتحاد الزمان كانت المسافة المقطوعة للسريعة أكثر ومسافة البطيئة أقل. وهما من المعاني الإضافية التي تتحقق بالإضافة فإن البطيئة تعود سريعة إذا قيست إلى ما هو أبطأ منه والسريعة تصير بطيئة إذا قيست إلى ما هو أسرع منها فإذا فرضنا سلسلة من الحركات المتوالية المتزايدة في السرعة كان كل واحد من الأوساط سوى الطرفين متصفا بالسرعة والبطء معا سريعا بالقياس إلى أحد الجانبين بطيئا بالقياس إلى الآخر فهما وصفان إضافيان غير متقابلين كالطول والقصر والكبر والصغر. وأما ما قيل إن البطء في الحركة بتخلل السكون فيدفعه ما تبين فيما تقدم أن الحركة متصلة لا تقبل الانقسام إلا بالقوة وربما قيل إنهم

ص 218

تضادان. قال في الأسفار إن التقابل بين السرعة والبطء ليس بالتضايف لأن المضافين متلازمان في الوجودين وهما غير متلازمين في واحد من الوجودين وليس تقابلهما أيضا بالثبوت والعدم لأنهما إن تساويا في الزمان كانت السريعة قاطعة من المسافة ما لم يقطعها البطيئة وإن تساويا في المسافة كان زمان البطيئة أكثر فلأحدهما نقصان المسافة وللآخر نقصان الزمان فليس جعل أحدهما عدميا أولى من جعل الآخر عدميا فلم يبق من التقابل بينهما إلا التضاد لا غير انتهى ج 3 ص 198. وفيه أنهم شرطوا في التضاد أن يكون بين طرفيه غاية الخلاف وليس ذلك بمحقق بين السرعة والبطء إذ ما من سريع إلا ويمكن أن يفرض ما هو أسرع منه وما من بطي ء إلا ويمكن أن يفرض ما هو أبطأ منه. هذا في السرعة والبطء الإضافيين وأما السرعة بمعنى الجريان والسيلان فهي خاصة لمطلق الحركة لا يقابلها بطء.

الفصل الثالث عشر في السكون

الفصل الثالث عشر في السكون

الحركة والسكون لا يجتمعان في جسم من جهة واحدة في زمان واحد فبينهما تقابل والحركة وجودية لما تقدم أنها نحو الوجود السيال لكن السكون ليس بأمر وجودي ولو كان وجوديا لكان هو الوجود الثابت وهو الذي بالفعل من كل جهة وليس الوجودات الثابتة وهي المجردة بسكون ولا ذوات سكون فالحركة وجودية والسكون عدمي فليس تقابلهما تقابل التضايف والتضاد.

ص 219

وليسا بمتناقضين وإلا صدق السكون على كل ما ليس بحركة كالعقول المفارقة التي هي بالفعل من كل جهة وأفعالها فالسكون عدم الحركة مما من شأنه الحركة فالتقابل بينها تقابل العدم والملكة. لكن ليعلم أن ليس للسكون مصداق في شي ء من الجواهر المادية لما تقدم أنها سيالة الوجود ولا في شي ء من أعراضها التابعة لموضوعاتها الجوهرية في الحركة لقيامها بها. نعم هناك سكون نسبي للموضوعات المادية ربما تلبست بالقياس إلى الحركات الثانية التي في المقولات الأربع العرضية الكم والكيف والأين والوضع.

الفصل الرابع عشر في انقسامات الحركة

الفصل الرابع عشر في انقسامات الحركة

تنقسم الحركة بانقسام الأمور الستة التي تتعلق بها ذاتها. فانقسامها بانقسام المبدإ والمنتهى كالحركة من أين كذا إلى أين كذا والحركة من القعود إلى القيام والحركة من لون كذا إلى لون كذا وحركة الجسم من قدر كذا إلى قدر كذا وانقسامها بانقسام المقولة كالحركة في الكيف وفي الكم وفي الأين وفي الوضع وانقسامها بانقسام الموضوع كحركة النبات وحركة الحيوان وحركة الإنسان وانقسامها بانقسام الزمان كالحركة الليلية والحركة النهارية والحركة الصيفية والحركة الشتوية وانقسامها بانقسام الفاعل كالحركة الطبيعية والحركة القسرية والحركة النفسانية قالوا إن الفاعل القريب في جميع هذه الصور هو الطبيعة والتحريك النفساني على نحو التسخير للقوى الطبيعية كما تقدمت الإشارة إليه

ص 220

وقالوا إن المتوسط بين الطبيعة وبين الحركة هو مبدأ الميل الذي توجده الطبيعة في المتحرك وتفصيل القول في الطبيعيات.

خاتمة

خاتمة

كما تطلق القوة على مبدإ القبول كذلك تطلق على مبدإ الفعل وخاصة إذ كانت قوية شديدة كما تطلق القوى الطبيعية على مبادي الآثار الطبيعية وتطلق القوى النفسانية على مبادي الآثار النفسانية من إبصار وسمع وتخيل وغير ذلك. وهذه القوة الفاعلة إذا قارنت العلم والمشية سميت قدرة الحيوان وهي علة فاعلة يتوقف تمام عليتها بحيث يجب معها الفعل إلى أمور خارجة كحضور المادة القابلة واستقرار وضع مناسب للفعل وصلاحية أدوات الفعل وغير ذلك فإذا اجتمعت تمت العلية ووجب الفعل. فبذلك يظهر فساد تحديد بعضهم مطلق القدرة بأنها ما يصح معه الفعل والترك فإن نسبة الفعل والترك إلى الفاعل إنما تكون بالصحة والإمكان إذا كان جزء من العلة التامة فإذا أخذ وحده وبما هو علة ناقصة ونسب إليه الفعل لم يجب به وأما الفاعل التام الفاعلية الذي هو وحده علة تامة كالواجب تعالى فلا معنى لكون نسبة الفعل والترك إليه بالإمكان أعني كون النسبتين متساويتين. وأما الاعتراض عليه بأن لازم كون فعله واجبا كونه تعالى موجبا بالفتح مجبرا على الفعل وهو ينافي القدرة. فمندفع بأن هذا الوجوب ملحق بالفعل من قبله تعالى وهو أثره ولا معنى لكون أثر الشي ء التابع له في وجوده مؤثرا في ذات الشي ء الفاعل وليس هناك فاعل آخر يؤثر فيه تعالى بجعله مضطرا إلى الفعل.

ص 221

وكذلك فساد قول بعضهم إن صحة الفعل تتوقف على كونه مسبوقا بالعدم الزماني فالفعل غير المسبوق بعدم زماني ممتنع. وجه الفساد أنه مبني على القول بأن علة الحاجة إلى العلة هي الحدوث دون الإمكان وقد تقدم إبطاله في مباحث العلة والمعلول على أنه منقوض بنفس الزمان فكون إيجاد الزمان مسبوقا بعدمه الزماني إثبات للزمان قبل نفسه واستحالته ضرورية. وكذلك فساد قول من قال بأن القدرة إنما تحدث مع الفعل ولا قدرة على فعل قبله. وجه الفساد أنهم يرون أن القدرة هي صحة الفعل والترك فلو ترك الفعل زمانا ثم فعل صدق عليه قبل الفعل أنه يصح منه الفعل والترك وهي القدرة على أنه يناقض ما تسلموه أن الفعل متوقف على القدرة فإن معية القدرة والفعل تنافي توقف أحدهما على الآخر.

ص 223

المرحلة العاشرة في السبق واللحوق والقدم والحدوث

اشارة

المرحلة العاشرة في السبق واللحوق والقدم والحدوث

الفصل الأول في السبق واللحوق

وهما التقدم والتأخر يشبه أن يكون أول ما عرف من معنى التقدم والتأخر ما كان منهما بحسب الحس كان يفرض مبدأ يشترك في النسبة إليه أمران ما كان لأحدهما من النسبة إليه فللآخر وليس كل كان للأول فهو للثاني فيسمى ما للأول من الوصف تقدما وما للثاني تأخرا كمحراب المسجد يفرض مبدأ فيشترك في النسبة إليه الإمام والمأموم فما للإمام من نسبة القرب إلى المحراب فهو للإمام ولا عكس فالإمام متقدم والمأموم متأخر ومعلوم أن وصفي التقدم والتأخر يختلفان باختلاف المبدإ المفروض كما أن الإمام متقدم والمأموم متأخر في المثال المذكور على تقدير فرض المحراب مبدأ ولو فرض المبدأ هو الباب كان الأمر بالعكس وكان المأموم متقدما والإمام متأخرا. ولا يتفاوت الأمر في ذلك أيضا بين أن يكون الترتيب وضعيا اعتباريا كما في المثال السابق أو طبعيا كما إذا فرضنا مثلا الجسم ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان فإن فرضنا المبدأ هو الجسم كان النبات متقدما والحيوان متأخرا وإن فرضنا المبدأ هو الإنسان كان الحيوان متقدما والنبات متأخرا ويسمى هذا التقدم والتأخر تقدما وتأخرا بحسب الرتبة ثم عمموا ذلك فاعتبروه في مورد الشرف والفضل والخسة وما يشبه ذلك

ص 225

مما يكون فيه زيادة من المعنويات كتقدم العالم على الجاهل والشجاع على الجبان فباعتبار النوع بآثار كماله مبدأ مثلا يختلف في النسبة إليه العالم والجاهل والشجاع والجبان ويسميان تقدما وتأخرا بالشرف. وانتقلوا أيضا إلى التقدم والتأخر الزمانيين بما أن الجزءين من الزمان كاليوم والأمس يشتركان في حمل قوة الأجزاء اللاحقة لكن ما لأحدهما وهو اليوم من القوة المحمولة محمولة للآخر وهو الأمس ولا عكس لأن الأمس يحمل قوة اليوم بخلاف اليوم فإنه يحمل فعلية نفسه والفعلية لا تجامع القوة ولذا كان الجزآن من الزمان لا يجتمعان في فعلية الوجود فبين أجزاء الزمان تقدم وتأخر لا يجامع المتقدم منها المتأخر بخلاف سائر أقسام التقدم والتأخر وكذا بين الحوادث التي هي حركات منطبقة على الزمان تقدم وتأخر زماني بتوسط الزمان الذي هو تعينها كما أن للجسم الطبيعي الامتدادات الثلاثة بتوسط الجسم التعليمي الذي هو تعينه. وقد تنبهوا بذلك إلى أن في الوجود أقساما أخر من التقدم والتأخر الحقيقيين فاستقرءوها فأنهوها أعم من الاعتبارية والحقيقية إلى تسعة أقسام الأول والثاني والثالث ما بالرتبة من التقدم والتأخر وما بالشرف وما بالزمان وقد تقدمت. الرابع التقدم والتأخر بالطبع وهما تقدم العلة الناقصة على المعلول حيث يرتفع بارتفاعها المعلول ولا يجب بوجودها وتأخر معلولها عنها. الخامس التقدم والتأخر بالعلية وهما تقدم العلة التامة التي يجب بوجودها المعلول على معلولها وتأخر معلولها عنها. السادس التقدم والتأخر بالجوهر وهما تقدم أجزاء الماهية من الجنس والفصل عليها وتأخرها عنها بناء على أصالة الماهية وتسمى هذه الثلاثة الأخيرة أعني ما بالطبع وما بالعلية وما بالتجوهر تقدما وتأخرا بالذات. السابع التقدم والتأخر بالدهر وهما تقدم العلة التامة على معلولها وتأخر

ص 226

معلولها عنها لكن لا من حيث إيجابها وجود المعلول وإفاضته كما في التقدم والتأخر بالعلية بل من حيث انفكاك وجودها وانفصاله عن وجوده وتقرر عدم المعلول في مرتبة وجودها كتقدم نشأة التجرد العقلي على نشأة المادة زاد هذا القسم السيد المحقق الداماد ره. الثامن التقدم والتأخر بالحقيقة والمجاز وهو أن يشترك أمران في الاتصاف بوصف غير أن أحدهما بالذات والآخر بالعرض فالمتصف به بالذات متقدم بهذا التقدم على المتصف به بالعرض وهو متأخر كتقدم الوجود على الماهية الموجودة به بناء على أن الوجود هو الأصل في الموجودية والتحقق والماهية موجودة به بالعرض وهذا القسم زاده صدر المتألهين قده. التاسع التقدم والتأخر بالحق وهو تقدم وجود العلة التامة على وجود معلولها عنه وهذا غير التقدم والتأخر بالعلية زاده صدر المتألهين قده قال في الأسفار وبالجملة وجود كل علة موجبة يتقدم على وجود معلولها الذاتي هذا النحو من التقدم إذ الحكماء عرفوا العلة الفاعلة بما يؤثر في شي ء مغاير للفاعل فتقدم ذات الفاعل على ذات المعلول تقدم بالعلية وأما تقدم الوجود على الوجود فهو تقدم آخر غير ما بالعلية إذ ليس بينهما تأثير وتأثر ولا فاعلية ولا مفعولية بل حكمهما حكم شي ء واحد له شئون وأطوار وله تطور من طور إلى طور انتهى ج 3 ص 257.

الفصل الثاني في ملاك السبق واللحوق في كل واحد من ا

الفصل الثاني في ملاك السبق واللحوق في كل واحد من الأقسام

والمراد به كما أشير إليه في الفصل السابق هو الأمر المشترك فيه بين المتقدم والمتأخر الذي يوجد منه للمتقدم ما لا يوجد للمتأخر ولا يوجد منه

ص 227

شي ء للمتأخر إلا وهو موجود للمتقدم. فملاك التقدم والتأخر بالرتبة هو النسبة إلى المبدإ المحدود كاشتراك الإمام والمأموم في النسبة إلى المبدإ المفروض من المحراب أو الباب مع تقدم الإمام لو كان المبدأ المفروض هو المحراب وتقدم المأموم لو كان هو الباب في الرتبة الحسية وكتقدم كل جنس على نوعه في ترتب الأجناس والأنواع إن كان المبدأ المفروض هو الجنس العالي وتقدم كل نوع على جنسه إن كان الأمر بالعكس وملاك التقدم والتأخر بالشرف اشتراك أمرين في معنى من شأنه أن يتصف بالفضل والمزية أو بالرذيلة كاشتراك الشجاع والجبان في الإنسانية التي من شأنها أن تتصف بفضيلة الشجاعة فللشجاع ما للجبان ولا عكس ومثله تقدم الأرذل على غيره في الرذالة وملاك التقدم والتأخر بالزمان هو اشتراك جزءين مفروضين منه في وجود متقض متصرم مختلط فيه القوة والفعل بحيث يتوقف فيه فعلية أحدهما على قوته مع الآخر فالجزء الذي معه قوة الجزء الآخر هو المتقدم والجزء الذي بخلافه هو المتأخر كاليوم والغد فإنهما مشتركان في وجود كمي غير قار يتوقف فعلية الغد على تحقق قوته مع اليوم بحيث إذا وجد الغد بالفعل فقد بطلت قوته وانصرم اليوم فاليوم متقدم والغد متأخر بالزمان. وبملاك التقدم والتأخر الزمانيين يتحقق التقدم والتأخر بين الحوادث الزمانية بتوسط الزمان لما أنها حركات ذوات أزمان. وملاك التقدم والتأخر بالطبع هو الوجود ويختص المتقدم بأن لوجود المتأخر توقفا عليه بحيث لو لم يتحقق المتقدم لم يتحقق المتأخر من غير عكس وهذا كما في التقدم في العلة الناقصة التي يرتفع بارتفاعها المعلول ولا يلزم من وجودها وجوده. وعن شيخ الإشراق أن التقدم والتأخر بالزمان من التقدم والتأخر بالطبع لأن مرجعه بالحقيقة إلى توقف وجود الجزء المتأخر على وجود المتقدم

ص 228

بحيث يرتفع بارتفاعه. ورد بأنهما نوعان متغايران فمن الجائز فيما بالطبع اجتماع المتقدم والمتأخر في الوجود بخلاف ما بالزمان حيث يمتنع اجتماع المتقدم والمتأخر منه بل التقدم والتأخر بين أجزاء الزمان بالذات. والحق أن ابتناء التقدم والتأخر بالزمان على التوقف الوجودي بين الجزءين لا سبيل إلى نفيه غير أن الوجود لما كان غير قار يصاحب كل جزء منه قوة الجزء التالي امتنع اجتماع الجزءين لامتناع اجتماع قوة الشي ء مع فعليته والمسلم من كون التقدم والتأخر ذاتيا في الزمان كونهما لازمين لوجوده المقتضي غير القار باختلاط القوة والفعل فيه. فمن أراد إرجاع ما بالزمان إلى ما بالطبع عليه أن يفسر ما بالطبع بما فيه التوقف الوجودي ثم يقسمه إلى ما يجوز فيه الاجتماع بين المتقدم والمتأخر كما في تقدم العلة الناقصة على معلولها وما لا يجوز فيه الاجتماع كما في تقدم بعض أجزاء الزمان على بعض. والملاك في التقدم والتأخر بالعلية اشتراك العلة التامة ومعلولها في وجوب الوجود مع كون وجوب العلة وهي المتقدمة بالذات ووجوب المعلول وهو المتأخر بالغير. وملاك التقدم والتأخر بالتجوهر اشتراكهما في تقرر الماهية وللمتأخر توقف تقرري على المتقدم كتوقف الماهية التامة على أجزائها. وملاك التقدم والتأخر بالدهر اشتراك مرتبة من مراتب الوجود الكلية مع ما فوقها أو ما دونها في الوقوع في متن الأعيان مع توقفها العيني على ما فوقها أو توقف ما دونها عليها بحيث لا يجامع أحدهما الآخر لكون عدم التوقف مأخوذا في مرتبة المتوقف عليه كتقدم عالم المفارقات العقلية على عالم المثال وتقدم عالم المثال على عالم المادة. وملاك التقدم والتأخر بالحقيقة اشتراكهما في الثبوت الأعم من الحقيقي

ص 229

والمجازي وللمتقدم الحقيقة وللمتأخر المجاز كتقدم الوجود على الماهية بأصالته. وملاك التقدم والتأخر بالحق اشتراكهما في الوجود الأعم من المستقل والرابط وتقدم وجود العلة بالاستقلال وتأخر وجود المعلول بكونه رابطا.

الفصل الثالث في المعية

الفصل الثالث في المعية

وهي اشتراك أمرين في معنى من غير اختلاف بالكمال والنقص اللذين هما التقدم والتأخر لكن ليس كل أمرين ارتفع عنهما نوع من التقدم والتأخر معين في ذلك النوع فالجواهر المفارقة ليس بينهما تقدم وتأخر بالزمان ولا معية في الزمان فالمعان زمانا يجب أن يكونا زمانين من شأنهما التقدم والتأخر الزمانيان فإذا اشتركا في معنى زماني من غير تقدم وتأخر فيه فهما المعان فيه. وبذلك يظهر أن تقابل المعية مع التقدم والتأخر تقابل العدم والملكة فالمعية اشتراك أمرين في معنى من غير اختلاف بالتقدم والتأخر والحال أن من شأنهما التقدم والتأخر في ذلك المعنى والتقدم والتأخر من الملكات والمعية عدمية. فالمعية في الرتبة كمعية المأمومين الواقفين خلف الإمام بالنسبة إلى المبدإ المفروض في المسجد في الرتبة الحسية وكمعية نوعين أو جنسين تحت جنس في الأنواع والأجناس المترتبة بالنسبة إلى النوع أو الجنس والمعية في الشرف كشجاعين متساويين في الملكة. والمعية في الزمان كحركتين واقعتين في زمان واحد بعينه ولا يتحقق

ص 230

معية بين أجزاء الزمان نفسه حيث لا يخلو جزءان منه من التقدم والتأخر والمعية بالطبع كالجزءين المتساويين بالنسبة إلى الكل والمعية بالعلية كمعلولي علة واحدة تامة ولا تتحقق معية بين علتين تامتين حيث لا تجتمعان على معلول واحد والحال في المعية بالحقيقة والمجاز وفي المعية بالحق كالحال في المعية بالعلية. والمعية بالدهر كما في جزءين من أجزاء مرتبة من مراتب العين لو فرض فيها كثرة.

الفصل الرابع في معنى القدم والحدوث وأقسامهم

الفصل الرابع في معنى القدم والحدوث وأقسامهم

إذا كان الماضي من زمان وجود شي ء أكثر مما مضى من وجود شي ء آخر كزيد مثلا يمضي من عمره خمسون وقد مضى من عمر عمرو أربعون سمي الأكثر زمانا عند العامة قديما والأقل زمانا حادثا والمتحصل منه أن القديم هو الذي كان له وجود في زمان لم يكن الحادث موجودا فيه بعد أي إن الحادث مسبوق الوجود بالعدم في زمان كان القديم فيه موجودا بخلاف القديم. وهذان المعنيان المتحصلان إذا عمما وأخذا حقيقيين كانا من الأعراض الذاتية للموجود من حيث هو موجود فانقسم الموجود المطلق إليهما وصار البحث عنهما بحثا فلسفيا. فالموجود ينقسم إلى قديم وحادث والقديم ما ليس بمسبوق الوجود بالعدم والحادث ما كان مسبوق الوجود بالعدم. والذي يصح أن يؤخذ في تعريف الحدوث والقدم من معاني السبق

ص 231

وأنواعه المذكورة أربعة هي السبق الزماني والسبق العلي والسبق الدهري والسبق بالحق فأقسام القدم والحدوث أربعة القدم والحدوث الزمانيان والقدم والحدوث العليان وهو المعروف بالذاتيين والقدم والحدوث بالحق والقدم والحدوث الدهريان ونبحث عن كل منها تفصيلا.

الفصل الخامس في القدم والحدوث الزمانيين

اشارة

الفصل الخامس في القدم والحدوث الزمانيين

الحدوث الزماني كون الشي ء مسبوق الوجود بعدم زماني وهو حصول الشي ء بعد أن لم يكن بعدية لا تجامع القبلية ولا يكون العدم زمانيا إلا إذا كان ما يقابله من الوجود زمانيا وهو أن يكون وجود الشي ء تدريجيا منطبقا على قطعة من الزمان مسبوقة بقطعة ينطبق عليها عدمه ويقابل الحدوث بهذا المعنى القدم الزماني الذي هو عدم كون الشي ء مسبوق الوجود بعدم زماني ولازمه أن يكون الشي ء موجودا في كل قطعة مفروضة قبل قطعة من الزمان منطبقا عليها. وهذان المعنيان إنما يصدقان في الأمور الزمانية التي هي مظروفة للزمان منطبقة عليه وهي الحركات والمتحركات وأما نفس الزمان فلا يتصف بالحدوث والقدم الزمانيين إذ ليس للزمان زمان آخر حتى ينطبق وجوده عليه فيكون مسبوقا بعدم فيه أو غير مسبوق. نعم لما كان الزمان متصفا بالذات بالقبلية والبعدية بالذات غير المجامعتين كأن كل جزء منه مسبوق الوجود بعدمه الذي مصداقه كل جزء سابق عليه فكل جزء من الزمان حادث زماني بهذا المعنى وكذلك الكل إذ لما كان الزمان مقدارا غير قار للحركة التي هي خروج الشي ء من القوة إلى

ص 232

الفعل تدريجا كأن فعلية وجوده مسبوقة بقوة وجوده وهو الحدوث الزماني. وأما الحدوث بمعنى كون وجود الزمان مسبوقا بعدم خارج من وجوده سابق عليه سبقا لا يجامع فيه القبل البعد ففيه فرض تحقق القبلية الزمانية من غير تحقق الزمان وإلى ذلك يشير ما نقل عن المعلم الأول أن من قال بحدوث الزمان فقد قال بقدمه من حيث لا يشعر.

تنبيه

تنبيه

قد تقدم في مباحث القوة والفعل أن لكل حركة شخصية زمانا شخصيا يخصها ويقدرها فمنه الزمان العمومي الذي يعرض الحركة العمومية الجوهرية التي تتحرك بها مادة العالم المادي في صورها ومنه الأزمنة المتفرقة التي تعرض الحركات المتفرقة العرضية وتقدرها وأن الزمان الذي يقدر بها العامة حوادث العالم هو زمان الحركة اليومية الذي يراد بتطبيق الحوادث عليه الحصول على نسب بعضها إلى بعض بالتقدم والتأخر والطول والقصر ونحو ذلك. إذا تذكرت هذا فاعلم أن ما ذكرناه من معنى الحدوث والقدم الزمانيين يجري في كل زمان كيفما كان فلا تغفل.

الفصل السادس في الحدوث والقدم الذاتيين

الفصل السادس في الحدوث والقدم الذاتيين

الحدوث الذاتي كون وجود الشي ء مسبوقا بالعدم المتقرر في مرتبة ذاته والقدم الذاتي خلافه قالوا إن كل ذي ماهية فإنه حادث ذاتا واحتجو

ص 233

عليه بأن كل ممكن فإنه يستحق العدم لذاته ويستحق الوجود من غيره وما بالذات أقدم مما بالغير فهو مسبوق الوجود بالعدم لذاته. واعترض عليه بأن الممكن لو اقتضى لذاته العدم كان ممتنعا بل هو لإمكانه لا يصدق عليه في ذاته أنه موجود ولا أنه معدوم فكما يستحق الوجود عن علة خارجة كذلك يستحق العدم عن علة خارجة فليس شي ء من الوجود والعدم أقدم بالنسبة إليه من غيره فليس وجوده عن غيره مسبوقا بعدمه لذاته. وأجيب عنه بأن المراد به عدم استحقاق الوجود بذاته سلبا تحصيليا لا بنحو العدول وهذا المعنى له في ذاته قبل الوجود الآتي من قبل الغير. حجة أخرى أن كل ممكن له ماهية مغايرة لوجوده وإلا كان واجبا لا ممكنا وكل ما كانت ماهيته مغايرة لوجوده امتنع أن يكون وجوده من ماهيته وإلا كانت الماهية موجوده قبل حصول وجودها وهو محال فوجوده مستفاد من غيره فكان وجوده مسبوقا بغيره بالذات وكل ما كان كذلك كان محدثا بالذات. ويتفرع على ما تقدم أن القديم بالذات واجب الوجود بالذات وأيضا أن القديم بالذات لا ماهية له.

الفصل السابع في الحدوث والقدم بالحق

الفصل السابع في الحدوث والقدم بالحق

الحدوث بالحق مسبوقية وجود المعلول بوجود علته التامة باعتبار نسبة السبق واللحوق بين الوجودين لا بين الماهية الموجودة للمعلول وبين العلة كما في الحدوث الذاتي.

ص 234

وذلك أن حقيقة الثبوت والتحقق في متن الواقع إنما هو للوجود دون الماهية وليس للعلة وخاصة للعلة المطلقة الواجبة التي ينتهي إليه الأمر إلا الاستقلال والغنى وليس لوجود المعلول إلا التعلق الذاتي بوجود العلة والفقر الذاتي إليه والتقوم به ومن الضروري أن المستقل الغنى المتقوم بذاته قبل المتعلق الفقير المتقوم بغيره فوجود المعلول حادث بهذا المعنى مسبوق بوجود علته ووجود علته قديم بالنسبة إليه متقدم عليه.

الفصل الثامن في الحدوث والقدم الدهريين

الفصل الثامن في الحدوث والقدم الدهريين

الحدوث الدهري كون الماهية الموجودة المعلولة مسبوقة بعدمها المتقرر في مرتبة علتها بما أنها ينتزع عدمها بحدها عن علتها وإن كانت علتها واجدة لكمال وجودها بنحو أعلى وأشرف فعليتها قبلها قبلية لا تجامع بعدية المعلول بما أن عدم الشي ء لا يجامع وجوده والقدم الدهري كون العلة غير مسبوقة بالمعلول هذا النحو من السبق. وقد اتضح بما بيناه أن تقرر عدم المعلول في مرتبة العلة لا ينافي ما تقرر في محله أن العلة تمام وجود معلولها وكماله لأن المنفي من مرتبة وجود العلة هو المعلول بحده لا وجوده من حيث إنه وجود مأخوذ عنها ولا مناص عن المغايرة بين المعلول بحده وبين العلة ولازمها صدق سلب المعلول بحده على العلة وإلا اتحدا. نعم يبقى الكلام في ما ادعي من كون القبلية والبعدية في هذين الحدوث والقدم غير مجامعتين.

ص 235

المرحلة الحادية عشر في العقل والعاقل والمعقول

اشارة

المرحلة الحادية عشر في العقل والعاقل والمعقول

والمأخوذ في العنوان وإن كان هو العقل

الذي يطلق اصطلاحا على الإدراك الكلي دون الجزئي لكن البحث يعم الجميع وفيها خمسة عشر فصلا

الفصل الأول في تعريف العلم وانقسامه الأولي وبعض خواصه

وجود العلم ضرورة عندنا بالوجدان وكذلك مفهومه بديهي لنا وإنما نريد بالبحث في هذا الفصل الحصول على أخص خواصه. فنقول قد تقدم في بحث الوجود الذهني أن لنا علما بالأشياء الخارجة عنا في الجملة بمعنى أنها تحضر عندنا بماهياتها بعينها لا بوجوداتها الخارجية التي تترتب عليها آثارها الخارجية فهذا قسم من العلم ويسمى علما حصوليا. ومن العلم أيضا علم الواحد منا بذاته التي يشير إليها ويعبر عنها بأنا فإنه لا يلهو عن نفسه ولا يغفل عن مشاهدة ذاته وإن فرضت غفلته عن بدنه وأجزائه وأعضائه. وليس علمه هذا بذاته بحضور ماهية ذاته عند ذاته حضورا مفهوميا وعلما حصوليا لأن المفهوم الحاضر في الذهن كيفما فرض لا يأبى بالنظر إلى نفسه الصدق على كثيرين وإنما يتشخص بالوجود الخارجي وهذا الذي يشاهده من نفسه ويعبر عنه بأنا أمر شخصي بذاته غير قابل للشركة بين كثيرين وقد تحقق أن التشخص بالوجود فعلمنا بذاتنا أنما هو بحضورها لنا بوجودها الخارجي الذي هو عين وجودنا الشخصي المترتب علية الآثار. وأيضا لو كان الحاضر لذواتنا عند علمنا بها هو ماهية ذواتنا دون وجودها والحال أن لوجودنا ماهية قائمة به كان لوجود واحد ماهيتان موجودتان به

ص 237

وهو اجتماع المثلين وهو محال فإذن علمنا بذواتنا بحضورها لنا وعدم غيبتها عنا بوجودها الخارجي لا بماهيتها فقط وهذا قسم آخر من العلم ويسمى العلم الحضوري. وانقسام العلم إلى القسمين قسمة حاصرة فحضور المعلوم للعالم إما بماهيته وهو العلم الحصولي أو بوجوده وهو العلم الحضوري. هذا ما يؤدي إليه النظر البدوي من انقسام العلم إلى الحصولي والحضوري والذي يهدي إليه النظر العميق أن الحصولي منه أيضا ينتهي إلى علم حضوري. بيان ذلك أن الصورة العلمية كيفما فرضت مجردة من المادة عارية من القوة وذلك لوضوح أنها بما أنها معلومة فعلية لا قوة فيها لشي ء البتة فلو فرض أي تغير فيها كانت الصورة الجديدة مباينة للصورة المعلومة سابقا ولو كانت الصورة العلمية مادية لم تأب التغير. وأيضا لو كانت مادية لم تفقد خواص المادة اللازمة وهي الانقسام والزمان والمكان فالعلم بما أنه علم لا يقبل النصف والثلث مثلا ولو كان منطبعا في مادة جسمانية لانقسم بانقسامها ولا يتقيد بزمان ولو كان ماديا وكل مادي متحرك لتغير بتغير الزمان ولا يشار إليه في مكان ولو كان ماديا حل في مكان. فإن قلت عدم انقسام الصورة العلمية بما أنها علم لا ينافي انطباعها في جسم كجزء من الدماغ مثلا وانقسامها بعرض المحل كما أن الكيفية كاللون العارض لسطح جسم تأبى الانقسام بما أنها كيفية وتنقسم بعرض المحل فلم لا يجوز أن تكون الصورة العلمية مادية منطبعة في محل منقسمة بعرض محلها وخاصة بناء على ما هو المعروف من كون العلم كيفية نفسانية وأيضا انطباق العلم على الزمان وخاصة في العلوم الحسية والخيالية مما لا ينبغي أن يرتاب فيه كإحساس الأعمال المادية في زمان وجودها.

ص 238

وأيضا اختصاص أجزاء من الدماغ بخاصة العلم بحيث يستقيم باستقامتها ويختل باختلالها على ما هو المسلم في الطب لا شك فيه فللصورة العلمية مكان كما أن لها زمانا. قلنا إن إباء الصورة العلمية وامتناعها عن الانقسام بما أنها علم لا شك فيه كما ذكر وأما انقسامها بعرض انقسام المحل كالجزء العصبي مثلا مما لا شك في بطلانه أيضا فإنا نحس ونتخيل صورا هي أعظم كثيرا مما فرض محلا لها من الجزء العصبي كالسماء بأرجائها والأرض بأقطارها والجبال الشاهقة والبراري الواسعة والبحور الزاخرة ومن الممتنع انطباع الكبير في الصغير. وما قيل إن إدراك الكبر والصغر في الصورة العلمية إنما هو بقياس أجزاء الصورة العلمية بعضها إلى بعض لا يفيد شيئا فإن المشهود هو الكبير بكبره دون النسبة الكلية المقدارية التي بين الكبيرة والصغيرة وأن النسبة بينهما مثلا نسبة الماءة إلى الواحد. فالصورة العلمية المحسوسة أو المتخيلة بما لها من المقدار قائمة بنفسها في عالم النفس من غير انطباع في جزء عصبي أو أمر مادي غيرها ولا انقسام لها بعرض انقسامه والإشارة الذهنية إلى بعض أجزاء المعلوم وفصله عن الأجزاء الأخر كالإشارة إلى بعض أجزاء زيد المحسوس أو المتخيل ثم إلى بعضها الآخر وليس من التقسيم في شي ء وإنما هو إعراض عن الصورة العلمية الأولية وإيجاد لصورتين أخريين. وإذ لا انطباع للصورة العلمية في جزء عصبي ولا انقسام لها بعرض انقسامه فارتباط الصورة العلمية بالجزء العصبي وما يعمله من عمل عند الإدراك ارتباط إعدادي بمعنى أن ما يأتيه الجزء العصبي من عمل تستعد به النفس لأن يحضر عندها ويظهر في عالمها. فالصورة العلمية الخاصة بما للمعلوم من الخصوصيات وكذلك المقارنة

ص 239

التي تتراءى بين إدراكاتنا وبين الزمان إنما هي بين العمل المادي الإعدادي التي تعمله النفس في آلة الإدراك وبين الزمان لا بين الصورة العلمية بما أنه علم وبين الزمان. ومن الدليل على ذلك أنا كثيرا ما ندرك شيئا من المعلومات ونخزنه عندنا ثم نذكره بعينه بعد انقضاء سنين متمادية من غير أي تغيير ولو كان مقيدا بالزمان لتغير بتغيره. فقد تحصل بما تقدم أن الصورة العلمية كيفما كانت مجردة من المادة خالية عن القوة وإذ كانت كذلك فهي أقوى وجودا من المعلوم المادي الذي يقع عليه الحس وينتهي إليه التخيل والتعقل ولها آثار وجودها المجرد وأما آثار وجودها الخارجي المادي التي نحسبها متعلقة للإدراك فليست آثارا للمعلوم بالحقيقة الذي يحضر عند المدرك حتى تترتب عليه أو لا تترتب وإنما هو الوهم يوهم للمدرك أن الحاضر عنده حال الإدراك هو الصورة المتعلقة بالمادة خارجا فيطلب آثارها الخارجية فلا يجدها معها فيحكم بأن المعلوم هو الماهية بدون ترتب الآثار الخارجية. فالمعلوم عند العلم الحصولي بأمر له نوع تعلق بالمادة هو موجود مجرد هو مبدأ فاعلي لذلك الأمر واجد لما هو كماله يحضر بوجودها الخارجي للمدرك وهو علم حضوري ويتعقبه انتقال المدرك إلى ما لذلك الأمر من الماهية والآثار المترتبة عليه في الخارج وبتعبير آخر العلم الحصولي اعتبار عقلي يضطر إليه العقل مأخوذ من معلوم حضوري هو موجود مجرد مثالي أو عقلي حاضر بوجوده الخارجي للمدرك وإن كان مدركا من بعيد. ولنرجع إلى ما كنا بصدده من الكلام في تعريف العلم فنقول حصول العلم ووجوده للعالم مما لا ريب فيه وليس كل حصول كيف كان بل حصول أمر هو بالفعل فعلية محضة لا قوة فيه لشي ء أصلا فإنا نجد بالوجدان أن الصورة العلمية من حيث هي لا تقوى على صورة أخرى ولا تقبل التغير

ص 240

عما هو عليه من الفعلية فهو حصول المجرد من المادة عار من نواقص القوة ونسمي ذلك حضورا. فحضور شي ء لشي ء حصوله له بحيث يكون تام الفعلية غير متعلق بالمادة بحيث يكون ناقصا من جهة بعض كمالاته التي في القوة. ومقتضى حضور العلم للعالم أن يكون العالم أيضا تاما ذا فعلية في نفسه غير ناقص من حيث بعض كمالاته الممكنة له وهو كونه مجردا من المادة خاليا عن القوة فالعلم حصول أمر مجرد من المادة لأمر مجرد وإن شئت قلت حضور شي ء لشي ء.

الفصل الثاني في اتحاد العالم بالمعلوم وهو المعنون

الفصل الثاني في اتحاد العالم بالمعلوم وهو المعنون عنه باتحاد العاقل بالمعقول

علم الشي ء بالشي ء هو حصول المعلوم أي الصورة العلمية للعالم كما تقدم وحصول الشي ء وجوده ووجوده نفسه فالعلم هو عين المعلوم بالذات ولازم حصول المعلوم للعالم وحضوره عنده اتحاد العالم به سواء كان معلوما حضوريا أو حصوليا فإن المعلوم الحصولي إن كان أمرا قائما بنفسه كان وجوده لنفسه وهو مع ذلك للعالم فقد اتحد العالم مع المعلوم ضرورة امتناع كون الشي ء موجودا لنفسه ولغيره معا وإن كان أمرا وجوده لغيره وهو الموضوع وهو مع ذلك للعالم فقد اتحد العالم بموضوعه والأمر الموجود لغيره متحد بذلك الغير فهو متحد بما يتحد به ذلك الغير ونظير الكلام يجري في المعلوم الحضوري مع العالم به.

ص 241

فإن قلت قد تقدم في مباحث الوجود الذهني أن معنى كون العلم من مقولة المعلوم كون مفهوم المقولة مأخوذا في العلم أي صدق المقولة عليه بالحمل الأولي دون الحمل الشائع الذي هو الملاك في اندارج الماهية تحت المقولة وترتب الآثار التي منها كون الوجود لنفسه أو لغيره فلا الجوهر الذهني من حيث هو ذهني جوهر بالحمل الشائع موجود لنفسه ولا العرض الذهني من حيث هو ذهني عرض بالحمل الشائع موجود لغيره وبالجملة لا معنى لاتحاد العاقل وهو موجود خارجي مترتب عليه الآثار بالمعقول الذهني الذي هو مفهوم ذهني لا يترتب عليه الآثار. وأما العلم الحضوري فلا يخلو إما أن يكون المعلوم فيه نفس العالم كعلمنا بنفسنا أم لا وعلى الثاني إما أن يكون المعلوم علة للعالم أو معلولا للعالم أو هما معلولان لأمر ثالث أما علم الشي ء بنفسه فالمعلوم فيه عين العالم ولا كثرة هناك حتى يصدق الاتحاد وهو ظاهر وأما علم العلة بمعلولها أو علم المعلول بعلته فلا ريب في وجوب المغايرة بين العلة والمعلول وإلا لزم تقدم الشي ء على نفسه بالوجود وتأخره عن نفسه بالوجود وهو ضروري الاستحالة وأما علم أحد معلولي علة ثالثة بالآخر فوجوب المغايرة بينهما في الشخصية يأبى الاتحاد. على أن لازم الاتحاد كون جميع المجردات وكل واحد منها عاقلا للجميع ومعقولا للجميع شخصا واحدا قلنا أما ما استشكل به في العلم الحصولي فيدفعه ما تقدم أن كل علم حصولي ينتهي إلى علم حضوري إذ المعلوم الذي يحضر للعالم حينئذ موجود مجرد بوجوده الخارجي الذي هو لنفسه أو لغيره. وأما ما استشكل به في العلم الحضوري فليتذكر أن للموجود المعلول اعتبارين اعتباره في نفسه أي مع الغض عن علته فيكون ذا ماهية ممكنة موجودا نفسه طاردا للعدم عن ماهيته يحمل عليه وبه واعتباره بقياس وجوده إلى وجود علته وقد تقدم في مباحث العلة والمعلول أن وجود المعلول بما أنه مفتقر في حد ذاته وجود رابط بالنسبة إلى علته لا نفسية فيه وليس له إل

ص 242

التقوم بوجود علته من غير أن يحمل عليه بشي ء أو يحمل به على شي ء. إذا تمهد هذا ففيما كان العالم هو العلة والمعلوم هو المعلول كانت النسبة بينهما نسبة الرابط والمستقل النفسي وظاهر أن الموجود الرابط يأبى الموجودية لشي ء لأنها فرع الوجود في نفسه وهو موجود في غيره ومن شرط كون الشي ء معلوما أن يكون موجودا للعالم لكن المعلول رابط متقوم بوجود العلة بمعنى ما ليس بخارج وليس بغائب عنها فكون وجوده للعلة إنما يتم بمقومه الذي هو وجود العلة فمعلوم العلة هو نفسها بما تقوم وجود المعلول فالعلة تعقل ذاتها والمعلول غير خارج منها لا بمعنى الجزئية والتركب والحمل بينهما حمل المعلول متقوما بالعلة على العلة وهو نوع من حمل الحقيقة والرقيقة ونظير الكلام يجري في العلم بالرابط فكل معلوم رابط معلوم بالعلم بالمستقل الذي يتقوم به ذلك الرابط. وفيما كان العالم هو المعلول والمعلوم هو العلة لما كان من الواجب وجود المعلوم للعالم ويستحيل في الوجود الرابط أن يوجد له شي ء إنما يتم وجود العلة للمعلول بتقومه بالعلة فالعلة بنفسها موجودة لنفسها والحال أن المعلول غير خارج منها عالمة بالعلة نفسها وينسب إلى المعلول بما أنه غير خارج منها ولا ينال من العلم بها إلا ما يسعه من وجوده والحمل بينهما حمل العلة على المعلول متقوما بالعلة والحمل أيضا نوع من حمل الحقيقة والرقيقة فمال علم المعلول بعلته إلى علم العلة وهي مأخوذة مع معلولها بنفسها وهي مأخوذة وحدها ومال علم العلة بمعلولها إلى علم العلة وهي مأخوذة في نفسها بنفسها وهي مأخوذ مع معلولها. وفيما كان العالم والمعلوم معلولين لعلة ثالثة فليس المراد من اتحاد العالم والمعلوم انقلاب الشخصين شخصا واحدا بل انتزاع ماهيتي العالم والمعلوم من العالم. وأما عد علم الشي ء بنفسه من اتحاد العالم والمعلوم فهو باعتبار انتزاع

ص 243

مفهومي العالم والمعلوم منه وهما مفهومان متغايران فسمي ذلك اتحادا وإن كان في نفسه واحدا. وبما تقدم يظهر فساد الاعتراض بلزوم كون جميع المجردات شخصا واحدا لما ظهر أن شخصية العالم أو المعلوم لا تبطل بسبب الاتحاد المذكور.

الفصل الثالث في انقسام العلم الحصولي إلى كلي وجزئي

الفصل الثالث في انقسام العلم الحصولي إلى كلي وجزئي وما يتصل به

ينقسم العلم الحصولي إلى كلي وجزئي والكلي ما لا يمتنع العقل من فرض صدقه على كثيرين كالإنسان المعقول حيث يجوز العقل صدقه على كثيرين في الخارج والجزئي ما يمتنع العقل من تجويز صدقه على كثيرين كالعلم بهذا الإنسان الحاصل بنوع من الاتصال بمادته الحاضرة ويسمى علما حسيا وإحساسيا وكالعلم بالإنسان المفرد من غير حضور مادته ويسمى علما خياليا. وعد هذين القسمين من العلم جزئيا ممتنع الصدق على كثيرين إنما هو من جهة اتصال أدوات الحس بمادة المعلوم الخارجي في العلم الحسي وتوقف العلم الخيالي على سبق العلم الحسي وإلا فالصورة العلمية سواء كانت حسية أو خيالية أو غيرهما لا تأبى بالنظر إلى نفسها أن تصدق على كثيرين.

فروع

الأول ظهر مما تقدم أن اتصال أدوات الحس بالمادة الخارجية وما في

ص 244

ذلك من الفعل والانفعال الماديين لحصول الاستعداد للنفس لإدراك صورة المعلوم جزئية أو كلية. ويظهر منه أن قولهم إن التعقل إنما هو بتقشير المعلوم عن المادة وسائر الأعراض المشخصة المكتنفة بالمعلوم حتى لا يبقى إلا الماهية المعراة من القشور بخلاف الإحساس المشروط بحضور المادة واكتناف الأعراض المشخصة وبخلاف التخيل المشروط ببقاء الأعراض والهيئات المشخصة دون حضور المادة قول على سبيل التمثيل للتقريب وحقيقة الأمر أن الصورة المحسوسة بالذات صورة مجردة علمية واشتراط حضور المادة واكتناف الأعراض المشخصة لحصول الاستعداد في النفس للإدراك الحسي وكذا اشتراط الاكتناف بالمشخصات للتخيل وكذا اشتراط التقشير في التعقل للدلالة على اشتراط إدراك أكثر من فرد واحد لحصول استعداد النفس لتعقل الماهية الكلية المعبر عنه بانتزاع الكلي من الأفراد. الثاني أن أخذ المفهوم وانتزاعه من مصداقه يتوقف على نوع من الاتصال بالمصداق والارتباط بالخارج سواء كان بلا واسطة كاتصال أدوات الحس في العلم الحسي بالخارج أو مع الواسطة كاتصال الخيال في العلم الخيالي بواسطة الحس بالخارج وكاتصال العقل في العلم العقلي من طريق إدراك الجزئيات بالحس والخيال بالخارج. فلو لم تستمد القوة المدركة في إدراك مفهوم من المفاهيم من الخارج وكان الإدراك بإنشاء منها من غير ارتباط بالخارج استوت نسبة الصورة المدركة إلى مصداقها وغيره فكان من الواجب أن تصدق على كل شي ء أو لا تصدق على شي ء أصلا والحال أنها تصدق على مصداقها دون غيره هذا خلف. فإن قلت انتهاء أكثر العلوم الحصولية إلى الحس لا ريب فيه لكن ما كل علم حصولي حاصلا بواسطة الحس الظاهر كالحب والبغض والإرادة والكراهة وغيرها المدركة بالحواس الباطنة فصورها الذهنية مدركة ل

ص 245

بالاتصال بالخارج وأيضا لا تدرك الحواس إلا الماهيات العرضية ولا حس ينال الجوهر بما هو جوهر فصورته الذهنية مأخوذة لا من طريق الحس واتصاله بالخارج. قلت أما الصور الذهنية المأخوذة بالإحساسات الباطنة كالحب والبغض وغيرهما فالنفس تأخذها مما تدركه من الصفات المذكورة بوجودها الخارجي في النفس فالاتصال بالخارج محفوظ فيها. وأما الجوهر فما ذكر أن لا حس ظاهرا ولا باطنا يعرف الجوهر ويناله حق لا ريب فيه لكن للنفس في بادي أمرها علم حضوري بنفسها تنال به نفس وجودها الخارجي وتشاهده فتأخذ من معلومها الحضوري صورة ذهنية كما تأخذ سائر الصور الذهنية من معلومات حضورية على ما تقدم ثم تحس بالصفات والأعراض القائمة بالنفس وتشاهد حاجتها بالذات إلى النفس الموضوعة لها وقيام النفس بذاتها من غير حاجة إلى شي ء تقوم به ثم تجد صفات عرضية تهجم عليها وتطرؤها من خارج فتنفعل عنها وهي ترى أنه أمثال الأعراض المعلولة للنفس القائمة بها وحكم الأمثال واحد فتحكم بأن لها موضوعا هي قائمة به كما أن النفس موضوعة لصفاتها العرضية فيتحصل بذلك مفهوم الجوهر وهو أنه ماهية إذا وجدت وجدت لا في موضوع الثالث أنه تبين بما تقدم أن الوجود ينقسم من حيث التجرد عن المادة وعدمه إلى ثلاثة عوالم كلية أحدها عالم المادة والقوة. وثانيها عالم التجرد عن المادة دون آثارها من الشكل والمقدار والوضع وغيرها ففيه الصور الجسمانية وأعراضها وهيئاتها الكمالية من غير مادة تحمل القوة ويسمى عالم المثال وعالم البرزخ لتوسطه بين عالمي المادة والتجرد العقلي وقد قسموا عالم المثال إلى المثال الأعظم القائم بنفسه والمثال الأصغر القائم بالنفس الذي تتصرف فيه النفس كيف تشاء بحسب الدواعي المختلفة

ص 246

فتنشئ أحيانا صورا حقة صالحة وأحيانا صورا جزافية تعبث بها. وثالثها عالم التجرد عن المادة وآثارها ويسمى عالم العقل. والعوالم الثلاثة مترتبة طولا فأعلاها مرتبة وأقواها وأقدمها وجودا وأقربها من المبدإ الأول تعالى وتقدس عالم العقول المجردة لتمام فعليتها وتنزه وجودها عن شوب المادة والقوة ويليه عالم المثال المتنزه عن المادة دون آثارها ويليه عالم المادة موطن النقص والشر والإمكان ولا يتعلق بما فيه العلم إلا من جهة ما يحاذيه من المثال والعقل على ما تقدمت الإشارة إليه.

الفصل الرابع ينقسم العلم الحصولي إلى كلي وجزئي بمع

الفصل الرابع ينقسم العلم الحصولي إلى كلي وجزئي بمعنى آخر

فالكلي هو العلم الذي لا يتغير بتغير المعلوم الخارجي كصورة البناء التي يتصورها البناء فيبنى عليها فإنها على حالها قبل البناء ومع البناء وبعد البناء وإن انعدم ويسمى علم ما قبل الكثرة والعلم من طريق العلل كلي من هذا القبيل كعلم المنجم بأن القمر منخسف يوم كذا ساعة كذا إلى ساعة كذا يرجع فيه الوضع السماوي بحيث يوجب حيلولة الأرض بين القمر والشمس فعلمه بذلك على حاله قبل الخسوف ومعه وبعده والوجه فيه أن العلة التامة في عليتها لا تتغير عما هي عليه ولما كان العلم بها مطابقا للمعلوم فصورتها العلمية غير متغيرة وكذلك العلم بمعلولها لا يتغير فهو كلي ثابت ومن هنا يظهر أن العلم الحسي لا يكون كليا لكون المحسوسات متغيرة والجزئي هو العلم الذي يتغير بتغير المعلوم الخارجي كعلمنا من طريق الرؤية بحركة زيد ما دام يتحرك فإذا وقف عن الحركة تغير العلم ويسمى علم ما بعد الكثرة.

ص 247

فإن قيل تغير العلم كما اعترفتم به في القسم الثاني دليل كونه ماديا. فإن التغير وهو الانتقال من حال إلى حال لازمه القوة ولازمها المادة وقد قلتم إن العلم بجميع أقسامه مجرد. قلنا العلم بالتغير غير تغير العلم والتغير ثابت في تغيره لا متغير وتعلق العلم بالمتغير أي حضوره عند العالم إنما هو من حيث ثباته لا تغيره وإلا لم يكن حاضرا فلم يكن حضور شي ء لشي ء هذا خلف.

تنبيه

يمكن أن يعمم التقسيم بحيث يشمل العلم الحضوري فالعلم الكلي كعلم العلة بمعلولها من ذاتها الواجدة في ذاتها كمال المعلول بنحو أعلى وأشرف فإنه لا يتغير بزوال المعلول لو جاز عليه الزوال والعلم الجزئي كعلم العلة بمعلولها الداثر الذي هو عين المعلول فإنه يزول بزوال المعلول.

الفصل الخامس في أنواع العقل

الفصل الخامس في أنواع العقل

ذكروا أن العقل على ثلاثة أنواع أحدها أن يكون عقلا بالقوة أي لا يكون شيئا من المعقولات بالفعل ولا له شي ء من المعقولات بالفعل لخلوه عن عامة المعقولات. الثاني أن يعقل مقعولا واحدا أو معقولات كثيرة بالفعل مميزا بعضها من بعض مرتبا لها وهو العقل التفصيلي. الثالث أن يعقل معقولات كثيرة عقلا بالفعل من غير أن يتميز بعضه

ص 248

من بعض وإنما هو عقل بسيط إجمالي فيه كل التفاصيل ومثلوا له بما إذا سألك سائل عن عدة من المسائل التي لك بها علم فحضرك الجواب في الوقت وأنت في أول لحظة تأخذ في الجواب تعلم بها جميعا علما يقينيا بالفعل لكن لا تميز لبعضها من بعض ولا تفصيل وإنما يحصل التميز والتفصيل بالجواب كأن ما عندك من بسيط العلم منبع تنبع وتجري منه التفاصيل ويسمى عقلا إجماليا. والذي ذكروه من التقسيم إنما أوردوه تقسيما للعلم الحصولي وإذ قد عرفت فيما تقدم أن كل علم حصولي ينتهي إلى علم حضورة كان من الواجب أن تتلقى البحث بحيث ينطبق على العلم الحضوري فلا تغفل وكذا فيما يتلو هذا البحث من مباحث العلم الحصولي.

الفصل السادس في مراتب العقل

الفصل السادس في مراتب العقل

ذكروا أن مراتب العقل أربع إحداها العقل الهيولاني وهي مرتبة كون النفس خالية عن جميع المعقولات وتسمى العقل الهيولاني لشباهته الهيولى الأولى في خلوها عن جميع الفعليات. وثانيتها العقل بالملكة وهي مرتبة تعقلها للبديهيات من تصور أو تصديق فإن العلوم البديهية أقدم العلوم لتوقف العلوم النظرية عليها. وثالثتها العقل بالفعل وهي مرتبة تعقلها للنظريات باستنتاجها من البديهيات. ورابعتها تعقلها لجميع ما حصلته من المعقولات البديهية أو النظرية المطابقة لحقائق العالم العلوي والسفلي باستحضارها الجميع وتوجهه

ص 249

إليها من غير شاغل مادي فتكون عالما علميا مضاهيا للعالم العيني وتسمى العقل المستفاد.

الفصل السابع في مفيض هذه الصور العلمية

الفصل السابع في مفيض هذه الصور العلمية

مفيض الصور العقلية الكلية جوهر عقلي مفارق للمادة عنده جميع الصور العقلية الكلية وذلك لما تقدم أن هذه الصور العلمية مجردة من المادة مفاضة للنفس فلها مفيض ومفيضها أما هو النفس تفعلها وتقبلها معا وإما أمر خارج مادي أو مجرد. أما كون النفس هي المفيضة لها الفاعلة لها فمحال لاستلزامه كون الشي ء الواحد فاعلا وقابلا معا وقد تقدم بطلانه وأما كون المفيض أمرا ماديا فيبطله أن المادي أضعف وجودا من المجرد فيمتنع أن يكون فاعلا لها والفاعل أقوى وجودا من الفعل على أن فعل العلل المادية مشروط بالوضع ولا وضع لمجرد. فتعين أن المفيض لهذه الصور العقلية جوهر مجرد عقلي هو أقرب العقول المجردة من الجوهر المستفيض فيه جميع الصور العقلية المعقولة عقلا إجماليا تتحد معه النفس المستعدة للتعقل على قدر استعدادها فتستفيض منه ما تستعد له من الصور العقلية. فإن قلت هب أن الصور العلمية الكلية بإفاضة الجوهر المفارق لما تقدم من البرهان لكن ما هو السبب لنسبة الجميع إلى عقل واحد شخصي هلا أسندوها إلى عقول كثيرة مختلفة الماهيات بنسبة كل واحد من الصور إلى جوهر مفارق غير ما ينسب إليه أو بنسبة كل فريق من الصور إلى عقل غير

ص 250

ما ينسب إليه فريق آخر. قلت الوجه في ذلك ما تقدم في الأبحاث السابقة أن كل نوع مجرد منحصر في فرد ولازم ذلك أن سلسلة العقول التي يثبتها البرهان ويثبت استناد وجود الماديات والآثار المادية إليها كل واحد من حلقاتها نوع منحصر في فرد وأن كثرتها كثرة طولية مترتبة منتظمة من علل فاعلة آخذة من أول ما صدر منها من المبدإ الأول إلى أن ينتهي إلى أقرب العقول من الماديات والآثار المادية فتعين استناد الماديات والآثار المادية إلى ما هو أقرب العقول إليها وهو الذي يسميه المشاءون بالعقل الفعال. نعم الإشراقيون منهم أثبتوا وراء العقول الطولية ودونها عقولا عرضية هى أرباب الأنواع المادية لكنهم يرون وجود كل نوع بأفرادها المادية وكمالاتها مستندا إلى رب ذلك النوع ومثاله. ونظير البيان السابق الجاري في الصور العلمية الكلية يجري في الصور العلمية الجزئية ويتبين به أن مفيض الصور العلمية الجزئية جوهر مفارق مثالي فيه جميع الصور الجزئية على نحو العلم الإجمالي تتحد به النفس على قدر ما لها من الاستعداد فيفيض عليها الصور المناسبة.

الفصل الثامن ينقسم العلم الحصولي إلى تصور وتصديق

الفصل الثامن ينقسم العلم الحصولي إلى تصور وتصديق

فإنه إما صورة ذهنية حاصلة من معلوم واحد من غير إيجاب أو سلب كالعلم بالإنسان ومقدم الشرطية ويسمى تصورا وإما صورة ذهنية من علوم معها إيجاب أو سلب كالقضايا الحملية والشرطية ويسمى تصديقا. ثم إن القضية بما أنها تشتمل على إيجاب أو سلب مركبة من أجزاء فوق

ص 251

الواحد والمشهور أن القضية الحملية الموجبة مؤلفة من الموضوع والمحمول والنسبة الحكمية التي هي نسبة المحمول إلى الموضوع والحكم باتحاد الموضوع مع المحمول هذا في الهليات المركبة التي محمولاتها غير وجود الموضوع كقولنا الإنسان ضاحك وأما الهليات البسيطة إلى المحمول فيها هو وجود الموضوع كقولنا الإنسان موجود فهي مركبة من أجزاء ثلاثة الموضوع والمحمول والحكم إذ لا معنى لتخلل النسبة وهي وجود رابط بين الشي ء ووجوده الذي هو نفسه. وأن القضية الحملية السالبة مؤلفة من الموضوع والمحمول والنسبة الحكمية السلبية ولا حكم فيها لا أن فيها حكما عدميا لأن الحكم جعل شي ء شيئا وسلب الحكم عدم جعله لا جعل عدمه. والحق أن الحاجة في القضية إلى تصور النسبة الحكمية إنما هي من جهة الحكم بما هو فعل النفس لا بما هو جزء للقضية فالنسبة الحكمية على تقدير تحققها خارجة عن القضية وبتعبير آخر أن القضية هي الموضوع والمحمول والحكم لكن النفس تتوصل إلى الحكم الذي هو جعل الموضوع هو المحمول أولا بتصور المحمول منتسبا إلى الموضوع ليتأتى منها الحكم ويدل على ذلك خلو الهليات البسيطة عن النسبة الحكمية وهي قضايا كما تقدم فالقضية بما هي قضية لا تحتاج في تحققها إلى النسبة الحكمية هذا. وأما كون الحكم فعلا نفسانيا في ظرف الإدراك الذهني فحقيقته في قولنا زيد قائم مثلا أن النفس تنال من طريق الحس أمرا واحدا هو زيد القائم ثم تنال عمرا قائما وتنال زيدا غير قائم فتستعد بذلك لتجزئة زيد القائم إلى مفهومي زيد والقائم فتجزئ وتخزنهما عندها ثم إذا أرادت حكاية ما وجدته في الخارج أخذت زيدا والقائم المخزونين عندها وهما اثنان ثم جعلتهما واحدا وهذا هو الحكم الذي ذكرنا أنه فعل أي جعل وإيجاد منها تحكي به الخارج.

ص 252

فالحكم فعل من النفس وهو مع ذلك من الصور الذهنية الحاكية لما وراءها ولو كان تصورا مأخوذا من الخارج لم تكن القضية مفيدة لصحة السكوت كما في أحد جزئي الشرطية ولو كان تصورا أنشأته النفس من عندها من غير استعانة واستمداد من الخارج لم يحك الخارج وسيوافيك بعض ما يتعلق بالمقام. وقد تبين بما مر أن كل تصديق يتوقف على تصورات أكثر من واحد فلا تصديق إلا عن تصور.

الفصل التاسع ينقسم العلم الحصولي إلى بديهي ونظري

الفصل التاسع ينقسم العلم الحصولي إلى بديهي ونظري

البديهي ويسمى ضروريا أيضا ما لا يحتاج في حصوله إلى اكتساب ونظر كتصور مفهوم الوجود والشي ء والوحدة والتصديق بأن الكل أعظم من جزئه وأن الأربعة زوج والنظري ما يحتاج في تصوره إن كان علما تصوريا أو في التصديق به إن كان علما تصديقيا إلى اكتساب ونظر كتصور ماهية الإنسان والفرس والتصديق بأن الزوايا الثلاث من المثلث مساوية لقائمتين وأن الإنسان ذو نفس مجردة. وقد أنهوا البديهيات إلى ستة أقسام هي المحسوسات والمتواترات والتجربيات والفطريات والوجدانيات والأوليات على ما بينوه في المنطق. وأولى البديهيات بالقبول الأوليات وهي القضايا التي يكفي في التصديق بها مجرد تصور الموضوع والمحمول كقولنا الكل أعظم من جزئه والشي ء ثابت لنفسه أو المقدم والتالي كقولنا العدد إما زوج وإما فرد. وأولى الأوليات بالقبول قضية امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما التي

ص 253

يفصح عنه قولنا إما أن يصدق الإيجاب ويكذب السلب أو يصدق السلب ويكذب الإيجاب وهي منفصلة حقيقية لا تستغني عنها في إفادة العلم قضية نظرية ولا بديهية حتى الأوليات فإن قولنا الكل أعظم من جزئه مثلا إنما يفيد العلم إذا منع النقيض وكان نقيضه كاذبا. فهي أول قضية يتعلق بها التصديق وإليها تنتهي جميع العلوم النظرية والبديهية في قياس استثنائي يتم به العلم فلو فرض فيها شك سرى ذلك في جميع القضايا وبطل العلم من أصله. ويتفرع على ذلك أولا أن لنا في كل قضية مفروضة قضية حقة إما هي نفسها أو نقيضها وثانيا أن نقيض الواحد واحد وأن لا واسطة بين النقيضين. وثالثا أن التناقض بين التصورين مرجعه إلى التناقض بين التصديقين كالتناقض بين الإنسان واللاإنسان الراجعين إلى وجود الإنسان وعدمه الراجعين إلى قولنا الإنسان موجود وليس الإنسان بموجود.

تنبيه

السوفسطي وهو المنكر لوجود العلم مطلقا لا يسلم قضية أولى الأوائل إذ لو سلمها كان ذلك اعترافا منه بأن كل قضيتين متناقضتين فإن إحداهما حقة صادقة وفيه اعتراف بوجود علم ما. ثم إن السوفسطي بما يظهر من الشك في كل عقد إما أن يعترف بأنه يعلم أنه شاك وإما أن لا يعترف فإن اعترف بعلمه بشكه فقد اعترف بعلم ما فيضاف إليه تسليمه لقضية أولى الأوائل ويتبعه العلم بأن كل قضيتين متناقضتين فإن إحداهما حقة صادقة وتعقب ذلك علوم أخرى. وإن لم يعترف بعلمه بشكه بل أظهر أنه شاك في كل شي ء وشاك في

ص 254

شكه ليس يجزم بشي ء لغت محاجته ولم ينجح فيه برهان. وهذا الإنسان إما مصاب بآفة اختل بها إدراكه فليراجع الطبيب وإما معاند للحق يظهر ما يظهر ليدحض به الحق فيتخلص من لوازمه فليضرب وليعذب وليمنع مما يحبه وليجبر على ما يبغضه إذ كل شي ء ونقيضه عنده سواء نعم بعض هؤلاء المظهرين للشك ممن راجع العلوم العقلية وهو غير مسلح بالأصول المنطقية ولا متدرب في صناعة البرهان فشاهد اختلاف الباحثين في المسائل بالإثبات والنفي ورأي الحجج التي أقاموها على طرفي النقيض ولم يقدر لقلة بضاعته على تمييز الحق من الباطل فتسلم طريق النقيض في المسألة ببعد المسألة فأساء الظن بالمنطق وزعم أن لا طريق إلى إصابة الواقع يؤمن معه الخطأ في الفكر ولا سبيل إلى العلم بشي ء على ما هو عليه. وهذا كما ترى قضاء بتي منه بأمور كثيرة كتباين أفكار الباحثين وحججهم من غير أن يترجح بعضها على بعض واستلزام ذلك قصور الحجة مطلقا عن إصابة الواقع فعسى أن يرجع بالتنبيه عن مزعمته فليعالج بإيضاح القوانين المنطقية وإرائة قضايا بديهية لا تقبل الشك في حال من الأحوال كضرورة ثبوت الشي ء لنفسه وامتناع سلبه عن نفسه وليبالغ في تفهيم معاني أجزاء القضايا وليؤمر أن يتعلم العلوم الرياضية. وهناك طائفتان من الشكاكين دون من تقدم ذكرهم فطائفة يسلمون الإنسان وإدراكاته ويظهرون الشك في ما وراء ذلك وطائفة أخرى تفطنوا بما في قولهم نحن وإدراكاتنا من الاعتراف بأن للواحد منهم علما بوجود غيره من الأناسي وإدراكاتهم ولا فرق بين هذا العلم وبين غيره من الإدراكات في خاصة الكشف عما في الخارج فبدلوا الكلام من قولهم أنا وإدراكاتي. ويدفعه أن الإنسان ربما يخطئ في إدراكاته كأخطاء الباصرة واللامسة وغيرها من أغلاط الفكر ولو لا أن هناك حقائق خارجية يطابقها الإدراك

ص 255

أو لا يطابقها لم يستقم ذلك. على أن كون إدراك النفس وإدراك إدراكاتها إدراكا علميا وكون ما وراء ذلك من الإدراكات شكوكا مجازفة بينة ومن السفسطة قول القائل إن الذي يفيده البحث التجربي أن المحسوسات بما لها من الوجود الخارجي ليست تطابق صورها التي في الحس وإذ كانت العلوم تنتهي إلى الحس فلا شي ء من المعلوم يطابق الخارج بحيث يكشف عن حقيقة ويدفعه أنه إذا كان الحس لا يكشف عن حقيقة المحسوس على ما هو عليه في الخارج وسائر العلوم منتهية إلى الحس حكمها حكمه فمن أين ظهر أن الحقائق الخارجية على خلاف ما يناله الحس والمفروض أن كل إدراك حسي أو منته إلى الحس ولا سبيل للحس إلى الخارج فمآل القول إلى السفسطة كما أن مآل القول بأن الصور الذهنية أشباح للأمور الخارجية إلى السفسطة. ومن السفسطة أيضا قول القائل إن ما نعده علوما ظنون ليست من العلم المانع من النقيض في شي ء ويدفعه أن هذا القول إن ما نعده علوما ظنون بعينه قضية علمية ولو كان ظنيا لم يفد أن العلوم ظنون بل أفاد الظن بأنها ظنون فتأمله واعتبر.

وكذا قول القائل أن علومنا نسبية مختلفة باختلاف شرائط الوجود فهناك بالنسبة إلى كل شرط علم وليس هناك علم مطلق ولا هناك علم دائم ولا كلي ولا ضروري. وهذه أقوال ناقضة لنفسها فقولهم العلوم نسبية إن كان نفسه قولا نسبيا أثبت أن هناك قولا مطلقا فنقض نفسه ولو كان قولا مطلقا ثبت به قول مطلق فنقض نفسه وكذا قولهم لا علم مطلقا وقولهم لا علم كليا إن كان نفسه كليا نقض نفسه وإن لم يكن كليا ثبت به قول كلي فنقض نفسه وكذا قولهم لا علم دائما وقولهم لا علم ضروريا ينقضان أنفسهما كيفما فرضا.

ص 256

نعم في العلوم العملية شوب من النسبية ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.

الفصل العاشر ينقسم العلم الحصولي إلى حقيقي واعتبار

الفصل العاشر ينقسم العلم الحصولي إلى حقيقي واعتباري

والحقيقي هو المفهوم الذي يوجد تارة في الخارج فيترتب عليه آثاره وتارة في الذهن فلا يترتب عليه آثاره الخارجية كمفهوم الإنسان ولازم ذلك أن تتساوى نسبته إلى الوجود والعدم وهذا هو الماهية المقولة على الشي ء في جواب ما هو. والاعتباري خلاف الحقيقي وهو إما من المفاهيم التي حيثية مصداقها حيثية أنه في الخارج مترتبا عليه آثاره فلا يدخل الذهن الذي حيثيته حيثية عدم ترتب الآثار الخارجية لاستلزام ذلك انقلابه عما هو عليه كالوجود وصفاته الحقيقية كالوحدة والوجوب ونحوها أو حيثية أنه ليس في الخارج كالعدم فلا يدخل الذهن وإلا لانقلب إلى ما يقبل الوجود الخارجي فلا وجود ذهنيا لما لا وجود خارجيا له. وأما من المفاهيم التي حيثية مصداقها حيثية أنه في الذهن كمفهوم الكلي والجنس والفصل فلا يوجد في الخارج وإلا لانقلب فهذه مفاهيم ذهنية معلومة لكنها مصداقا إما خارجية محضة لا تدخل الذهن كالوجود وما يلحق به أو بطلان محض كالعدم وإما ذهنية محضة لا سبيل لها إلى الخارج فليست بمنتزعة من الخارج فليست بماهيات موجودة تارة بوجود خارجي وأخرى ذهني لكنها منتزعة من مصاديق بشهادة كونها علوما حصولية لا يترتب عليها الآثار فتنتزع من مصاديق في الذهن أما المعاني التي

ص 257

حيثية مصاديقها حيثية أنها في الذهن فإنه كان لأذهاننا أن تأخذ بعض ما تنتزعه من الخارج وهو مفهوم مصداقا تنظر إليه فيضطر العقل إلى أن يعتبر له خواص تناسبه كما أن تنتزع مفهوم الإنسان من عده من أفراد كزيد وعمرو وبكر وغيرهم فتأخذه وتنصبه مصداقا وهو مفهوم تنظر فيما تحفه من الخواص فتجده تمام ماهية المصاديق وهو النوع أو جزء ماهيتها وهو الجنس أو الفصل أو خارجا مساويا أو أعم وهو الخاصة أو العرض العام وتجده تقبل الصدق على كثيرين وهو الكلية وعلى هذا المنهج. وأما المفاهيم التي حيثية مصاديقها حيثية أنها في الخارج أو ليست فيه فيشبه أن تكون منتزعة من الحكم الذي في القضايا الموجبة وعدمه في السالبة. بيان ذلك أن النفس عند أول ما تنال من طريق الحس بعض الماهيات المحسوسة أخذت ما نالته فاختزنته في الخيال وإذا نالته ثانيا أو في الآن الثاني وأخذته للاختزان وجدته عين ما نالته أولا ومنطبقا عليه وهذا هو الحمل الذي هو اتحاد المفهومين وجودا ثم إذا أعادت النفس المفهوم مكررا بالإعادة بعد الإعادة ثم جعلها واحدا كان ذلك حكما منها وفعلا لها وهو مع ذلك محاك للخارج وفعله هذا نسبة وجودية ووجود رابط قائم بالطرفين اعتبارا. ثم للنفس أن تتصور الحكم الذي هو فعلها وتنظر إليه نظرا استقلاليا مضافا إلى موصوفه بعد ما كان رابطا فتتصور وجود المفهوم ثم تجرده فتتصور الوجود مفردا من غير إضافة فبهذا يتحصل انتزاع مفهوم الوجود من الحكم ويقع على مصداقه الخارجي وإن كانت حيثيته حيثية أنه في الخارج فهي مصاديق له وليست بأفراد مأخوذة فيها مفهومه أخذ الماهية في أفرادها ثم تنتزع من مصاديقه صفاته الخاصة به كالوجوب والوحدة والكثرة والقوة والفعل وغيرها.

ص 258

ثم إذا نالت النفس شيئا من الماهيات المحسوسة فاختزنته ثم نالت ماهية أخرى مباينة لها لم تجد الثانية عين الأولى منطبقة عليها كما كانت تجد ذلك في الصورة السابقة فإذا أحضرتهما بعد الاختزان لم تفعل فيهما ما كانت تفعله في الصوره السابقة في الماهية المكررة من الحكم لكنها اعتبرت ذلك فعلا لها وهو سلب الحمل المقابل للحمل ثم نظرت إليه مستقلا مضافا فتصورته سلب المحمول عن الموضوع ثم مطلقا فتصورته سلبا وعدما ثم اعتبرت له خواص اضطرارا كعدم الميز بين الأعدام وتميزها بالإضافة إلى الموجودات. وقد تبين مما تقدم أولا أن ما كان من المفاهيم محمولا على الواجب والممكن معا كالعلم والحياة فهو اعتباري وإلا كان الواجب ذا ماهية تعالى عن ذلك. وثانيا أن ما كان منها محمولا على أزيد من مقولة واحدة كالحركة فهو اعتباري وإلا كان مجنسا بأزيد من جنس واحد وهو محال. وثالثا أن المفاهيم الاعتبارية لا حد لها ولا تؤخذ في حد ماهية جنسا لها وكذلك سائر الصفات الخاصة بالماهيات كالكلية إلا بنوع من التوسع.

تنبيه

وللاعتباري فيما اصطلحوا عليه معان أخر غير ما تقدم خارجة من بحثنا أحدها ما يقابل الأصالة بمعنى منشئية الآثار بالذات المبحوث عنه في مبحث أصالة الوجود والماهية. الثاني الاعتباري بمعنى ما ليس له وجود منحاز عن غيره قبال الحقيقي الذي له وجود منحاز كاعتبارية مقولة الإضافة الموجودة بوجود طرفيها على خلاف الجوهر الموجود في نفسه. الثالث المعنى التصوري أو التصديقي الذي لا تحقق له فيما وراء ظرف

ص 259

العمل ومال الاعتبار بهذا المعنى إلى استعارة المفاهيم النفس الأمرية الحقيقية بحدودها لأنواع الأعمال التي هي حركات مختلفة ومتعلقاتها للحصول على غايات حيوية مطلوبة كاعتبار الرئاسة لرئيس القوم ليكون من الجماعة بمنزلة الرأس من البدن في تدبير أموره وهداية أعضائه إلى واجب العمل واعتبار المالكية لزيد مثلا بالنسبة إلى ما حازه من المال ليكون له الاختصاص بالتصرف فيه كيف شاء كما هو شأن المالك الحقيقي في ملكه كالنفس الإنسانية المالكة لقواها واعتبار الزوجية بين الرجل والمرأة ليشترك الزوجان في ما يترتب على المجموع كما هو الشأن في الزوج العددي وعلى هذا القياس. ومن هنا يظهر أن هذه المعاني الاعتبارية لا حد لها ولا برهان عليها. أما أنها لا حد لها فلأنها لا ماهية لها داخلة في شي ء من المقولات فلا جنس لها فل فصل لها فلا حد لها نعم لها حدود مستعارة من الحقائق التي يستعار لها مفاهيمها. وأما أنها لا برهان عليها فلأن من الواجب في البرهان أن تكون مقدماتها ضرورية دائمة كلية وهذه المعاني لا تتحقق إلا في قضايا حقة تطابق نفس الأمر وأنى للمقدمات الاعتبارية ذلك وهي لا تتعدى حد الدعوى. ويظهر أيضا أن القياس الجاري فيها جدل مؤلف من المشهورات والمسلمات والمقبول منها ما له أثر صالح بحسب الغايات والمردود منها اللغو الذي لا أثر له.

الفصل الحادي عشر في العلم الحضوري وأنه لا يختص بعل

الفصل الحادي عشر في العلم الحضوري وأنه لا يختص بعلم الشي ء بنفسه

قد تقدم أن كل جوهر مجرد فهو لتمام ذاته حاضر لنفسه بنفسه وهويته

ص 260

الخارجية فهو عالم بنفسه علما حضوريا. وهل يختص العلم الحضوري بعلم الشي ء بنفسه أو يعمه وعلم العلة بمعلولها وعلم المعلول بعلته ذهب المشاءون إلى الأول والإشراقيون إلى الثاني وهو الحق وذلك لأن وجود المعلول وجود رابط بالنسبة إلى وجود علته قائم به غير مستقل عنه بوجه فهو أعني المعلول حاضر بتمام وجوده لعلته غير محجوب عنها فهو بنفس وجوده معلوم لها علما حضوريا إن كانا مجردين. وكذلك العلة حاضرة بوجودها لمعلولها الرابط لها القائم بها المستقل باستقلالها فهي معلومة لمعلولها علما حضوريا إذا كانا مجردين وهو المطلوب. وقد تقدم أن كل علم حصولي ينتهي إلى علم حضورة ومن العلم الحصولي ما ليس بين العالم والمعلوم عليه ولا معلولية بل هما معلولا علة ثالثة.

الفصل الثاني عشر كل مجرد فإنه عقل وعاقل ومعقول

الفصل الثاني عشر كل مجرد فإنه عقل وعاقل ومعقول

أما أنه عقل فلأنه لتمام ذاته وكونه فعلية محضة لا قوة معها يمكن أن يوجد ويحضر لشي ء بالإمكان وكل ما كان للمجرد بالإمكان فهو له بالفعل فهو معقول بالفعل وإذ كان العقل متحدا مع المعقول فهو عقل وإذ كانت ذاته موجودة لذاته فهو عاقل لذاته فكل مجرد عقل وعاقل ومعقول وإن شئت فقل إن العقل والعاقل والمعقول مفاهيم ثلاثة منتزعة من وجود واحد. والبرهان المذكور آنفا كما يجري في كون كل مجرد عقلا وعاقلا ومعقولا لنفسه يجري في كونه عقلا ومعقولا لغيره.

ص 261

فإن قيل لازم ذلك أن تكون النفس الإنسانية لتجردها عاقلة لنفسها ولكل مجرد مفروض وهو خلاف الضرورة. قلنا هو كذلك لو كانت النفس المجردة مجردة تجردا تاما ذاتا وفعلا لكنها مجردة ذاتا ومادية فعلا فهي لتجردها ذاتا تعقل ذاتها بالفعل وأما تعقلها لغيرها فيتوقف على خروجها من القوة إلى الفعل تدريجا بحسب الاستعدادات المختلفة التي تكتسبها فلو تجردت تجردا تاما ولم يشغلها تدبير البدن حصلت له جميع التعقلات حصولا بالفعل بالعقل الإجمالي وصارت عقلا مستفادا. وليتنبه أن هذا البيان إنما يجري في الذوات المجردة التي وجودها في نفسها لنفسها وأما الأعراض التي وجودها في نفسها لغيرها فالعاقل لها الذي يحصل له المعقول موضوعها لا أنفسها وكذلك الحكم في النسب والروابط التي وجوداتها في غيرها.

الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر

في أن العلم بذي السبب لا يحصل إلا من طريق العلم بسببه وما يتصل بذلك السبب

ونعني به العلة الموجبة للمعلول بخصوصية عليته سواء كانت علة بماهيتها كالأربعة التي هي علة للزوجية أو كانت علة بوجودها الخارجي وهي الأمر الذي يستند إليه وجود المعلول ممتنعا استناده إلى غيره وإلا لكان لمعلول واحد علتان مستقلتان ولما كان العلم مطابقا للمعلوم بعينه كانت النسبة بين العلم بالمعلول والعلم بالعلة هي النسبة بين نفس المعلول ونفس العلة ولازم ذلك توقف العلم بالمعلول وترتبه على العلم بعلته ولو ترتب على شي ء

ص 262

آخر غير علته كان لشي ء واحد أكثر من علة واحدة وهو محال. وظاهر من هذا البيان أن هذا حكم العلم بذات المسبب مع العلم بذات السبب دون العلم بوصفي العلية والمعلولية المتضايفين فإن ذلك مضافا إلى أنه لا جدوى فيه لجريانه في كل متضايفين مفروضين من غير اختصاص بالعلم إنما يفيد المعية دون توقف العلم بالمعلول على العلم بالعلة لأن المتضايفين معان قوة وفعلا وذهنا وخارجا. فإن قلت نحن كثيرا ما ندرك أمورا من طريق الحس نقضي بتحققها الخارجي ونصدق بوجودها مع الجهل بعلتها فهناك علم حاصل بالمعلول مع الجهل بالعلة نعم يكشف ذلك إجمالا أن علتها موجودة. قلنا الذي يناله الحس هو صور الأعراض الخارجية من غير تصديق بثبوتها أو ثبوت آثارها وإنما التصديق للعقل فالعقل يرى أن الذي يناله الإنسان بالحس وله آثار خارجة منه لا صنع له فيه وكل ما كان كذلك كان موجودا في خارج النفس الإنسانية وهذا سلوك علمي من أحد المتلازمين إلى آخر والذي تقدم هو توقف العلم بذي السبب على سببه وأما ما لا سبب له فإنما يعلم ثبوته من طريق الملازمات العامة كما حقق في صناعة البرهان. فكون الشي ء مستقلا عن شي ء آخر ولا صنع له فيه وكونه مغايرا لذلك وخارجا عنه صفتان عامتان متلازمتان لا سبب لهما بل الملازمة ذاتية كسائر موضوعات الحكمة الإلهية ووجود المحسوس في الخارج من النفس من مصاديق هاتين المتلازمتين ينتقل العقل من أحدهما إلى الآخر وهذا كما أن الملازمة بين الشي ء وبين ثبوته لنفسه ذاتية وثبوت هذا الشي ء لنفسه من مصاديقه والعلم به لا يتوقف على سبب. فقد ظهر مما تقدم أن البحث عن المطلوب إنما يفيد العلم به بالسلوك إليه عن طريق سببه إن كان ذا سبب أو من طريق الملازمات العامة إن كان

ص 263

مما لا سبب له وأما السلوك إلى العلة من طريق المعلول فلا يفيد علما البتة.

الفصل الرابع عشر في أن العلوم ليست بذاتية للنفس

الفصل الرابع عشر في أن العلوم ليست بذاتية للنفس

قيل إن ما تناله النفس من العلوم ذاتية لها موجودة فيها بالفعل في بدء كينونتها ولما أورد عليهم أن ذلك ينافي الجهل المشهود من الإنسان ببعض العلوم والحاجة في فعليتها إلى الاكتساب أجابوا بأنها ذاتية فطرية لها لكن اشتغال النفس بتدبير البدن أغفلها علومها وشغلها عن التوجه إليها. وفيه أن نحو وجود النفس بما أنها نفس أنها صورة مدبرة للبدن فتدبير البدن ذاتي لها حيثما فرضت نفسا فلا يئول الجمع بين ذاتية العلوم لها وبين شاغلية تدبير البدن لها عن علومها إلا إلى المناقضة. نعم يتجه هذا القول بناء على ما نسب إلى أفلاطون أن النفوس قديمة زمانا والعلوم ذاتية لها وقد سنح لها التعلق التدبيري بالأبدان فأنساها التدبير علومها المرتكزة في ذواتها. لكنه فاسد بما تحقق في علم النفس من حدث النفوس بحدوث الأبدان على ما هو المشهور أو بحركة جواهر الأبدان بعد حدوثها وربما وجه القول بقدمها بأن المراد به قدم نشأتها العقلية المتقدمة على نشأتها النفسانية لكن لا يثبت بذلك أيضا أن حصول العلم بالذكر لا بالانتقال الفكري من الأسباب إلى المسببات أو من بعض اللوازم العامة إلى بعض آخر كما تقدم.

ص 264

الفصل الخامس عشر في انقسامات أخر للعلم

الفصل الخامس عشر في انقسامات أخر للعلم

قال في الأسفار ما ملخصه أن العلم عندنا نفس الوجود غير المادي والوجود ليس في نفسه طبيعة كلية جنسية أو نوعية حتى ينقسم بالفصول إلى الأنواع أو بالمشخصات إلى الأشخاص أو بالقيود العرضية إلى الأصناف بل كل علم هوية شخصية بسيطة غير مندرجة تحت معنى كلي ذاتي.

فتقسيم العلم باعتبار عين تقسيم المعلوم لاتحاده مع المعلوم اتحاد الوجود مع الماهية فعلى هذا نقول إن من العلم ما هو واجب الوجود بذاته وهو علم الأول تعالى بذاته الذي هو عين ذاته بلا ماهية ومنه ما هو ممكن الوجود بذاته وهو علم جميع ما عداه وينقسم إلى ما هو جوهر كعلوم الجواهر العقلية بذواتها وإلى ما هو عرض وهو في المشهور جميع العلوم الحصولية المكتسبة لقيامها بالذهن عندهم وعندنا العلم العرضي هو صفات المعلومات التي تحضر صورها عند النفس وقد بينا أن العلم عقليا كان أو خياليا ليس بحلول المعلومات في العقل أو النفس بل على نحو المثول بين يدي العالم واتحاد النفس بها. قسمة أخرى قالوا من العلم ما هو فعلي ومنه ما هو انفعالي ومنه ما ليس بفعلي ولا انفعالي أما العلم الفعلي فكعلم الباري تعالى بما عدا ذاته وعلم سائر العلل بمعلولاتها وأما العلم الانفعالي فكعلم ما عدا الباري تعالى بما ليس بمعلول له مما لا يحصل إلا بانفعال ما وتغير ما للعالم وبالجملة بارتسام صور تحدث في ذات النفس أو آلاتها والعلم الذي ليس بفعلي ولا انفعالي فكعلم الذوات العاقلة بأنفسها وبالأمور التي لا تغيب

ص 265

عنها وقد يكون علم واحد فعليا من وجه وانفعاليا من وجه كالعلوم الحادثة التي لها آثار خارجية كتأثير الأوهام في المواد الخارجية. وقال أيضا إن العلم يقع على مصاديقه بالتشكيك كالوجود فيختلف بالشدة والضعف والأولية وخلافهما والأقدمية وغيرها فإن العلم بذات الأول تعالى وهو علمه تعالى بذاته الذي هو عين ذاته أولى في كونه علما من العلم بغيره وهو أقدم العلوم لكونه سبب سائر العلوم وهو أشدها جلاء وأقوى ظهورا في ذاته. وأما خفاؤه علينا فلما علمت من أنه لغاية ظهوره وضعف بصائرنا عن إدراكه فجهة خفائه هي بعينها جهة وضوحه وجلائه. وهكذا كل علم بحقيقة علة بالقياس إلى العلم بحقيقة معلولها وكذا العلم بحقيقة كل جوهر هو أشد من العلم بحقيقة كل عرض وهو أولى وأقدم من العلم بحقيقة العرض القائم بذلك الجوهر لكونه علة لها لا بحقيقة سائر الأعراض غير القائمة به. وأما إطلاق العلم على الفعل والانفعال والإضافة كالتعليم والتعلم والعالمية فعلى سبيل الاشتراك أو التجوز انتهى ج 3 ص 382.

المرحلة الثانية عشر في ما يتعلق بالواجب

اشارة

المرحلة الثانية عشر في ما يتعلق بالواجب

الوجود عز اسمه من المباحث وهي في الحقيقة مسائل متعلقة بمرحلة الوجوب والإمكان أفردوا للكلام فيها مرحلة مستقلة اهتماما بها واعتناء بشرافة موضوعها وفيها أربعة وعشرون فصلا

الفصل الأول في إثبات الوجود الواجبي

البراهين الدالة على وجوده تعالى كثيرة متكاثرة وأوثقها وأمتنها هو البرهان المتضمن للسلوك إليه من ناحية الوجود وقد سموه برهان الصديقين لما أنهم يعرفونه تعالى به لا بغيره وهو كما ستقف عليه برهان إني يسلك فيه من لازم من لوازم الوجود إلى لازم آخر. وقد قرر بغير واحد من التقرير وأوجز ما قيل إن حقيقة الوجود إما واجبة وإما تستلزمها فإذن الواجب بالذات موجود وهو المطلوب. وفي معناه ما قرر بالبناء على أصالة الوجود أن حقيقة الوجود التي هي عين الأعيان وحاق الواقع حقيقة مرسلة يمتنع عليها العدم إذ كل مقابل غير قابل لمقابله والحقيقة المرسلة التي يمتنع عليها العدم واجبة الوجود بالذات فحقيقة الوجود الكذائية واجبة بالذات وهو المطلوب. فإن قلت امتناع العدم على الوجود لا يوجب كونه واجبا بالذات وإلا كان وجود كل ممكن واجبا بالذات لمناقضته عدمه فكان الممكن واجبا وهو ممكن هذا خلف.

ص 269

قلت هذا في الوجودات الممكنة وهي محدودة بحدود ماهوية لا تتعداها فينتزع عدمها مما وراء حدودها وهو المراد بقولهم كل ممكن فهو زوج تركيبي وأما حقيقة الوجود المرسلة التي هي الأصيلة لا أصيل غيرها فلا حد يحدها ولا قيد يقيدها فهي بسيطة صرفة تمانع العدم وتناقضه بالذات وهو الوجوب بالذات. وقرر صدر المتألهين قده البرهان على وجه آخر حيث قال وتقريره أن الوجود كما مر حقيقة عينية واحدة بسيطة لا اختلاف بين أفرادها لذاتها إلا بالكمال والنقص والشدة والضعف أو بأمور زائدة كما في أفراد ماهية نوعية وغاية كمالها ما لا أتم منه وهو الذي لا يكون متعلقا بغيره ولا يتصور ما هو أتم منه إذ كل ناقص متعلق بغيره مفتقر إلى تمامه وقد تبين فيما سبق أن التمام قبل النقص والفعل قبل القوة والوجود قبل العدم وبين أيضا أن تمام الشي ء هو الشي ء وما يفضل عليه. فإذن الوجود إما مستغن عن غيره وإما مفتقر بالذات إلى غيره والأول هو واجب الوجود وهو صرف الوجود الذي لا أتم منه ولا يشوبه عدم ولا نقص والثاني هو ما سواه من أفعاله وآثاره ولا قوام لما سواه إلا به لما مر أن حقيقة الوجود لا نقص لها وإنما يلحقه النقص لأجل المعلولية وذلك لأن المعلول لا يمكن أن يكون في فضيلة الوجود مساويا لعلته فلو لم يكن الوجود مجعولا ذا قاهر يوجده ويحصله كما يقتضيه لا يتصور أن يكون له نحو من القصور لأن حقيقة الوجود كما علمت بسيطة لا حد لها ولا تعين إلا محض الفعلية والحصول وإلا لكان فيه تركيب أو له ماهية غير الوجودية وقد مر أيضا أن الوجود إذا كان معلولا كان مجعولا بنفسه جعلا بسيطا وكان ذاته بذاته مفتقرا إلى جاعل وهو متعلق الجوهر والذات بجاعله. فإذن قد ثبت واتضح أن الوجود إما تام الحقيقة واجب الهوية وإما مفتقر الذات إليه متعلق الجوهر به وعلى أي القسمين يثبت ويتبين أن

ص 270

وجود واجب الوجود غني الهوية عما سواه وهذا هو ما أردناه انتهى الأسفار ج 6 ص 16.

الفصل الثاني في بعض آخر مما أقيم على وجود الواجب ت

الفصل الثاني في بعض آخر مما أقيم على وجود الواجب تعالى من البراهين

من البراهين عليه أنه لا ريب أن هناك موجودا ما فإن كان هو أو شي ء منه واجبا بالذات فهو المطلوب وإن لم يكن واجبا بالذات وهو موجود فهو ممكن بالذات بالضرورة فرجح وجوده على عدمه بأمر خارج من ذاته وهو العلة وإلا كان مرجحا بنفسه فكان واجبا بالذات وقد فرض ممكنا هذا خلف وعلته إما ممكنة مثله أو واجبة بالذات وعلى الثاني يثبت المطلوب وعلى الأول ينقل الكلام إلى علته وهلم جرا فإما أن يدور أو يتسلسل وهما محالان أو ينتهي إلى علة غير معلولة هي الواجب بالذات وهو المطلوب.

واعترض عليه بأنه ليس بيانا برهانيا مفيدا لليقين فإن البرهان إنما يفيد اليقين إذا كان السلوك فيه من العلة إلى المعلول وهو البرهان اللمي وأما البرهان الإني المسلوك فيه من المعلول إلى العلة فلا يفيد يقينا كما بين في المنطق ولما كان الواجب تعالى علة لكل ما سواه غير معلول لشي ء بوجه كان السلوك إلى إثبات وجوده من أي شي ء كان سلوكا من المعلول إلى العلة غير مفيد لليقين وقد سلك في هذا البيان من الموجود الممكن الذي هو معلوله إلى إثبات وجوده. والجواب عنه أن برهان الإن لا ينحصر فيما يسلك فيه من المعلول إلى العلة

ص 271

وهو لا يفيد اليقين بل ربما يسلك فيه من بعض اللوازم العامة التي للموجودات المطلقة إلى بعض آخر وهو يفيد اليقين كما بينه الشيخ في كتاب البرهان من منطق الشفاء. وقد سلك في البرهان السابق من حال لازمة لمفهوم موجود ما وهو مساوق للموجود من حيث هو موجود إلى حال لازمة أخرى له وهو أن من مصاديقه وجود علة غير معلولة يجب وجودها لذاتها. فقد تبين بذلك أن البيان المذكور برهان إني مفيد لليقين كسائر البراهين الموضوعة في الفلسفة لبيان خواص الموجود من حيث هو موجود المساوية للموجود العام.

تنبيه

محصل البيان السابق أن تحقق موجود ما ملازم لترجح وجوده إما لذاته فيكون واجبا بالذات أو لغيره وينتهي إلى ما ترجح بذاته وإلا دار أو تسلسل وهما مستحيلان ويمكن تبديل ترجح الوجود من وجوب الوجود فيكون سلوكا إنيا من مسلك آخر. تقريره أنه لا ريب أن هناك موجودا ما وكل موجود فإنه واجب لأن الشي ء ما لم يجب لم يوجد فإن كان هو أو شي ء منه واجبا لذاته فهو المطلوب وإن كان واجبا لغيره وهو علته الموجودة الواجبة فعليته إما واجبة لذاتها فهو وإما واجبة لغيرها فننقل الكلام إلى علة علته وهلم جرا فإما أن يدور أو يتسلسل أو ينتهي إلى واجب لذاته والشقان الأولان مستحيلان والثالث هو المطلوب. برهان آخر أقامه الطبيعيون من طريق الحركة والتغير تقريره أنه قد ثبت فيما تقدم في مباحث القوة والفعل أن المحرك غير المتحرك فلكل

ص 272

متحرك محرك غيره ولو كان المحرك متحركا فله محرك أيضا غيره ولا محالة ينتهي إلى سلسلة المحركات إلى محرك غير متحرك دفعا للدور والتسلسل وهو لبراءته من المادة والقوة وتنزهه عن التغير والتبدل وثباته في وجوده واجب الوجود بالذات أو ينتهي إليه في سلسلة علله. برهان آخر أقامه الطبيعيون أيضا من طريق النفس الإنسانية تقريره أن النفس الإنسانية مجردة عن المادة ذاتا حادثة بما هي نفس بحدوث البدن لامتناع التمايز بدون الأبدان واستحالة التناسخ كما بين في محله فهي ممكنة مفتقرة إلى علة غير جسم ولا جسمانية أما عدم كونها جسما فلأنها لو كانت جسما كان كل جسم ذا نفس وليس كذلك وأما عدم كونها جسمانية فلأنها لو كانت جسمانية سواء كانت نفسا أخرى أو صورة جسمية أو عرضا جسمانيا كان تأثيرها بتوسط الوضع ولا وضع للنفس مع كونها مجردة على أن النفس لتجردها أقوى تجوهرا وأشرف وجودا من كل جسم وجسماني ولا معنى لعلية الأضعف الأخس للأقوى الأشرف. فالسبب الموجد للنفس أمر وراء عالم الطبيعة وهو الواجب تعالى بلا واسطة أو بواسطة علل مترتبة تنتهي إليه. برهان آخر للمتكلمين من طريق الحدوث تقريره أن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث فالأجسام كلها حادثة وكل حادث مفتقر إلى محدث فمحدثها أمر غير جسم ولا جسماني وهو الواجب تعالى دفعا للدور والتسلسل. والحجة غير تامة فإن المقدمة القائلة إن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث لا بينة ولا مبينة وتغير أعراض الجوهر عندهم غير ملازم لتغير الجوهر الذي هو موضوعها نعم لو بني على الحركة الجوهرية تمت المقدمة ونجحت الحجة وهذه الحجة كما ترى كالحجج الثلاث السابقة مبنية على تناهي العلل وانتهائها إلى علة غير معلولة هو الواجب تعالى.

ص 273

الفصل الثالث في أن الواجب لذاته لا ماهية له

الفصل الثالث في أن الواجب لذاته لا ماهية له

وقد تقدمت المسالة في مرحلة الوجوب والإمكان وتبين هناك أن كل ما له ماهية فهو ممكن وينعكس إلى أن ما ليس بممكن فلا ماهية له فالواجب بالذات لا ماهية له وكذا الممتنع بالذات. وأوردنا هناك أيضا الحجة المشهورة التي أقاموها لنفي الماهية عن الواجب تعالى وتقدس وهي أنه لو كانت للواجب تعالى ماهية وراء وجوده كانت في ذاتها لا موجودة ولا معدومة فتحتاج في تلبسها بالوجود إلى سبب والسبب إما ذاتها أو أمر خارج منها وكلا الشقين محال أما كون ذاتها سببا لوجودها فلأن السبب متقدم على مسببه وجودا بالضرورة فيلزم تقدمها بوجودها على وجودها وهو محال وأما كون غيرها سببا لوجودها فلأنه يستلزم معلولية الواجب بالذات لذلك الغير فيكون ممكنا وقد فرض واجبا بالذات هذا خلف فكون الواجب بالذات ذا ماهية وراء وجوده محال وهو المطلوب. وهذه حجة برهانية تامة لا غبار عليها ونقضها بالماهية الموجودة التي للممكنات بتقريب أن فرض كون الماهية المفروضة للواجب علة فاعلية لوجودها لو اقتضى تقدم الماهية على وجودها المعلول لها لزم نظيره في الماهيات الموجودة للممكنات فإن ماهية الممكن قابلة لوجوده والقابل كالفاعل في وجوب تقدمه على ما يستند إليه غير مستقيم لأن وجوب تقدم القابل على مقبوله بالوجود إنما هو في القابل الذي هو علة مادية فهي المتقدمة على معلولها الذي هو المجموع من الصورة والمادة وماهية الممكن ليست علة مادية بالنسبة إلى وجوده ولا بالنسبة إلى الماهية الموجودة وإنما قابليتها اعتبار

ص 274

عقلي منشؤه تحليل العقل الممكن إلى الماهية ووجود واتخاذه الماهية موضوعه والوجود محمولا لها وبالجملة ليست الماهية علة قابلية للوجود لكن لو فرضت علة فاعلية لوجودها كانت علة حقيقية واجبة التقدم حقيقة فإن الحاجة إلى علة الوجود حاجة حقيقية تستتبع علة حقيقية بخلاف الحاجة إلى قابل ماهوي يقبل الوجود فإنها اعتبار عقلي والماهية في الحقيقة عارضة للوجود لا معروضة لها. حجة أخرى وهي أن الوجود إذا كان زائدا على الماهية تقع الماهية لا محالة تحت إحدى المقولات وهي لا محالة مقولة الجوهر دون مقولات الأعراض سواء انحصرت المقولات في عدد معين مشهور أو غير مشهور أو زادت عليه لأن الأعراض أيا ما كانت قائمة بغيرها. فإذا كانت الماهية المفروضة تحت مقولة الجوهر فلا بد أن يتخصص بفصل بعد اشتراكها مع غيرها من الأنواع الجوهرية فتحتاج إلى المخصص وأيضا لا شبهة في حاجة بعض الأنواع الجوهرية إلى المخصص والمرجح وإذا صح الإمكان على بعض ما تحت الجنس من الأنواع صح على الجنس فالجائز على بعض الأنواع التي تحت الجنس جائز على الجنس والممتنع أو الواجب على الجنس ممتنع أو واجب على كل نوع تحته فلو دخل واجب الوجود تعالى تحت المقولة لزم فيه جهة إمكانية باعتبار الجنس فلم يكن واجبا بل ممكنا هذا خلف وإذا استحال دخول الماهية المفروضة تحت مقولة الجوهر استحال كون الواجب ذا ماهية وهو المطلوب.

وقد تبين مما تقدم أن ضرورة الوجود ووجوبه في الواجب تعالى أزلية هي منتزعة من حاق الذات التي هي وجود لا ماهية له.

ص 275

الفصل الرابع في أن الواجب تعالى بسيط غير مركب من أ

الفصل الرابع في أن الواجب تعالى بسيط غير مركب من أجزاء خارجية ولا ذهنية

وقد تقدم أن الواجب تعالى لا ماهية له فليس له حد وإذ لا حد له فلا أجزاء حدية له من الجنس والفصل وإذ لا جنس ولا فصل له فلا أجزاء خارجية له من المادة والصورة الخارجيتين لأن المادة هي الجنس بشرط لا والصورة هي الفصل بشرط لا وكذا لا أجزاء ذهنية له من المادة والصورة العقليتين وهما الجنس والفصل المأخوذان بشرط لا في البسائط الخارجية كالأعراض وبالجملة لا أجزاء حدية له من الجنس والفصل ولا خارجية من المادة والصورة الخارجيتين ولا ذهنية عقلية من المادة والصورة العقليتين.

برهان آخر لو كان له جزء لكان متقدما عليه في الوجود وتوقف الواجب عليه في الوجود ضرورة تقدم الجزء على الكل في الوجود وتوقف الكل فيه عليه ومسبوقية الواجب وتوقفه على غيره وهو واجب الوجود محال برهان آخر لو تركبت ذات الواجب تعالى من أجزاء لم يخل إما أن يكون جميع الأجزاء واجبات بذواتها وإما أن يكون بعضها واجبا بالذات وبعضها ممكنا وإما أن يكون جميعها ممكنات. والأول محال إذ لو كانت الأجزاء واجبات بذواتها كان بينها إمكان بالقياس كما تقدم وهو ينافي كونها أجزاء حقيقية لمركب حقيقي ذي وحدة حقيقية إذ من الواجب في التركيب أن يحصل بين الأجزاء تعلق

ص 276

ذاتي يحصل به أمر جديد وراء المجموع له أثر وراء آثار كل واحد من الأجزاء والثاني محال للزوم افتقار الواجب بالذات إلى الممكن على أن لازمه دخول الماهية في حقيقة الواجب لما تقدم في مرحلة الوجوب والإمكان أن كل ممكن فله ماهية والثالث أيضا محال بمثل ما تقدم. وهذه البراهين غير كافية في نفي الأجزاء المقدارية كما قالوا لأنها أجزاء بالقوة لا بالفعل كما تقدم في بحث الكم من مرحلة الجواهر والأعراض وقد قيل في نفيها أنه لو كان للواجب جزء مقداري فهو إما ممكن فيلزم أن يخالف الجزء المقداري كله في الحقيقة وهو محال وإما واجب فيلزم أن يكون الواجب بالذات غير موجود بالفعل بل بالقوة وهو محال. ثم إن من التركب ما يتصف به الشي ء بهويته الوجودية من السلوب وهو منفي عن الواجب بالذات تعالى وتقدس. بيان ذلك أن كل هوية صح أن يسلب عنها شي ء بالنظر إلى حد وجودها فهي متحصلة من إيجاب وسلب كالإنسان مثلا هو إنسان وليس بفرس في حاق وجوده وكل ما كان كذلك فهو مركب من إيجاب هو ثبوت نفسه له وسلب هو نفي غيره عنه ضرورة مغايرة الحيثيتين فكل هوية يسلب عنها شي ء فهي مركبة ومعنى دخول النفي في هوية وجودية والوجود مناقض للعدم نقض وجودي في وجود مقيس إلى وجود آخر ويتحقق بذلك مراتب التشكيك في حقيقة الوجود وخصوصياتها وتنعكس النتيجة بعكس النقيض إلى أن كل ذات بسيطة الحقيقة فإنها لا يسلب عنها كمال وجودي. والواجب بالذات وجود بحت لا سبيل للعدم إلى ذاته ولا يسلب عنه كمال وجودي لأن كل كمال وجودي ممكن فإنه معلول مفاض من علة والعلل منتهية إلى الواجب بالذات ومعطي الشي ء لا يكون فاقدا له فله تعالى كل كمال وجودي من غير أن يداخله عدم فالحقيقة الواجبية بسيط بحت فلا يسلب عنها شي ء وهو المطلوب.

ص 277

فإن قيل إن له تعالى صفات سلبية بالبرهان ككونه ليس بجسم ولا جسماني ولا بجوهر ولا بعرض. قلنا الصفات السلبية راجعة إلى سلب النقائص والأعدام وسلب السلب وجود وسلب النقص كمال وجود كما قيل. فإن قيل لازم ما تقدم من البيان صحة الحمل بينه تعالى وبين كل موجود وكمال وجودي ولازمه عينية الواجب والممكن تعالى الله عن ذلك وهو خلاف الضرورة. قلنا كلا ولو حمل الوجودات الممكنة عليه تعالى حملا شائعا صدقت عليه بكلتا جهتي إيجابها وسلبها وحيثيتي كمالها ونقصها اللتين تركبت ذواتها منها فكانت ذات الواجب مركبة وقد فرضت بسيطة الحقيقة هذا خلف بل وجدانه تعالى بحقيقته البسيطة كمال كل موجود وجدانه له بنحو أعلى وأشرف من قبيل وجدان العلة كمال المعلول مع ما بينهما من المباينة الموجبة لامتناع الحمل. وهذا هو المراد بقولهم بسيط الحقيقة كل الأشياء والحمل حمل الحقيقة والرقيقة دون الحمل الشائع.

وقد تبين بما تقدم أن الواجب لذاته تمام كل شي ء.

الفصل الخامس في توحيد الواجب لذاته وأنه لا شريك له

الفصل الخامس في توحيد الواجب لذاته وأنه لا شريك له في وجوب الوجود

قد تبين في الفصول السابقة أن ذات الواجب لذاته عين الوجود الذي

ص 278

لا ماهية له ولا جزء عدمي فيه فهو صرف الوجود وصرف الشي ء واحد بالوحدة الحقة التي لا تتثنى ولا تتكرر إذ لا تتحقق كثرة إلا بتميز آحادها باختصاص كل منها بمعنى لا يوجد في غيره وهو ينافي الصرافة فكل ما فرضت له ثانيا عاد أولا فالواجب لذاته واحد لذاته كما أنه موجود بذاته واجب لذاته وهو المطلوب ولعل هذا هو مراد الشيخ بقوله في التعليقات وجود الواجب عين هويته فكونه موجودا عين كونه هو فلا يوجد وجود الواجب لذاته لغيره انتهى. برهان آخر لو تعدد الواجب بالذات كأن يفرض واجبان بالذات وكان وجوب الوجود مشتركا بينهما وكان تميزهما بأمر وراء المعنى المشترك بينهما فإن كان داخلا في الذات لزم التركب وهو ينافي وجوب الوجود وإن كان خارجا منها كان عرضيا معللا فإن كان معلولا للذات كانت الذات متقدمة على تميزها بالوجود ولا ذات قبل التميز فهو محال وإن كان معلولا لغيره كانت الذات مفتقرة في تميزها إلى غيرها وهو محال فتعدد واجب الوجود على جميع تقاديره محال. وأورد عليه الشبهة المنسوبة إلى ابن كمونة وفي الأسفار إن أول من ذكرها شيخ الإشراق في المطارحات ثم ذكرها ابن كمونة وهو من شراح كلامه في بعض مصنفاته واشتهرت باسمه بأنه لم لا يجوز أن يكون هناك ماهيتان بسيطتان مجهولتا الكنه متباينتان بتمام الذات ويكون قول الوجود عليهما قولا عرضيا. وهذه الشبهة كما تجري على القول بأصالة الماهية المنسوبة إلى الإشراقيين تجري على القول بأصالة الوجود وكون الوجودات حقائق بسيطة متباينة بتمام الذات المنسوب إلى المشائين والحجة مبنية على أصالة الوجود وكونه حقيقة واحدة مشككة ذات مراتب مختلفة. وأجيب عن الشبهة بأنها مبنية على انتزاع مفهوم واحد من مصاديق

ص 279

كثيرة متباينة بما هي كثيرة متباينة وهو محال. برهان آخر لو تعدد الواجب بالذات وكان هناك واجبان بالذات مثلا كان بينهما الإمكان بالقياس من غير أن يكون بينهما علاقة ذاتية لزومية لأنها لا تتحقق بين الشيئين ألا مع كون أحدهما علة والآخر معلولا أو كونهما معلولين لعلة ثالثة والمعلولية تنافي وجوب الوجود بالذات. فإذن لكل واحد منهما حظ من الوجود ومرتبة من الكمال ليس للآخر فذات كل منهما بذاته واجد لشي ء من الوجود وفاقد لشي ء منه وقد تقدم أنه تركب مستحيل على الواجب بالذات. برهان آخر ذكره الفارابي في الفصوص وجوب الوجود لا ينقسم بالحمل على كثيرين مختلفين بالعدد وإلا لكان معلولا. ولعل المراد أنه لو تعدد الواجب بالذات لم يكن الكثرة مقتضى ذاته لاستلزامه أن لا يوجد له مصداق إذ كل ما فرض مصداقا له كان كثيرا والكثير لا يتحقق إلا بآحاد وإذ لا واحد مصداقا له فلا كثير وإذ لا كثير فلا مصداق له والمفروض أنه واجب بالذات. فبقي أن تكون الكثرة مقتضى غيره وهو محال لاستلزامه الافتقار إلى الغير الذي لا يجامع الوجوب الذاتي.

الفصل السادس في توحيد الواجب لذاته في ربوبيته وأنه

الفصل السادس في توحيد الواجب لذاته في ربوبيته وأنه لا رب سواه

الفحص البالغ والتدبر الدقيق العلمي يعطي أن أجزاء عالمنا المشهود وهو عالم الطبيعة مرتبطة بعضها ببعض من أجزائها العلوية والسفلية وأفعالها وانفعالاتها والحوادث المترتبة على ذلك فلا تجد خلالها موجودا لا يرتبط بغيره

ص 280

في كينونته وتأثيره وتأثره وقد تقدم في مباحث الحركة الجوهرية ما يتأيد به ذلك. فلكل حادث من كينونة أو فعل أو انفعال استناد إلى مجموع العالم ويستنتج من ذلك أن بين أجزاء العالم نوعا من الوحدة والنظام الوسيع الجاري فيه واحد فهذا أصل. ثم إن المتحصل مما تقدم من المباحث وما سيأتي أن هذا العالم المادي معلول لعالم نوري مجرد عن المادة متقدس عن القوة وأن بين العلة والمعلول سنخية وجودية بها يحكى المعلول بما له من الكمال الوجودي بحسب مرتبته الكمال الوجودي المتحقق في العلة بنحو أعلى وأشرف والحكم جار إن كان هناك علل عقلية مجردة بعضها فوق بعض حتى ينتهي إلى الواجب لذاته جل ذكره. ويستنتج من ذلك أن فوق هذا النظام الجاري في العالم المشهود نظاما عقليا نوريا مسانخا له هو مبدأ هذا النظام وينتهي إلى نظام رباني في علمه تعالى هو مبدأ الكل وهذا أيضا أصل. ومن الضروري أيضا أن علة علة الشي ء علة لذلك الشي ء وأن معلول معلول الشي ء معلول لذلك الشي ء وإذ كانت العلل تنتهي إلى الواجب تعالى فكل موجود كيفما فرض فهو أثره وليس في العين إلا وجود جواهر وآثارها والنسب والروابط التي بينها ولا مستقل في وجوده إلا الواجب بالذات ولا مفيض للوجود إلا هو. فقد تبين بما تقدم أن الواجب تعالى هو المجري لهذا النظام الجاري في نشأتنا المشهودة والمدبر بهذا التدبير العام المظل على أجزاء العالم وكذا النظامات العقلية النورية التي فوق هذا النظام وبحذائه على ما يليق بحال كل منها حسب ما له من مرتبة الوجود فالواجب لذاته رب للعالم مدبر لأمره بالإيجاد بعد الإيجاد وليس للعلل المتوسطة إلا أنها مسخرة للتوسط من غير

ص 281

استقلال وهو المطلوب فمن المحال أن يكون في العالم رب غيره لا واحد ولا كثير. على أنه لو فرض كثرة الأرباب المدبرين لأمر العالم كما يقول به الوثنية أدى ذلك إلى المحال من جهة أخرى وهي فساد النظام بيان ذلك أن الكثرة لا تتحقق إلا بالآحاد ولا آحاد إلا مع تميز البعض من البعض ولا يتم تميز إلا باشتمال كل واحد من آحاد الكثرة على جهة ذاتية يفقدها الواحد الآخر فيغاير بذلك الآخر ويتمايزان كل ذلك بالضرورة والسنخية بين الفاعل وفعله تقضي بظهور المغايرة بين الفعلين حسب ما بين الفاعلين فلو كان هناك أرباب متفرقون سواء اجتمعوا على فعل واحد أو كان لكل جهة من جهات النظام العالمي العام رب مستقل في ربوبيته كرب السماء والأرض ورب الإنسان وغير ذلك أدى ذلك إلى فساد النظام والتدافع بين أجزائه ووحدة النظام والتلازم المستمر بين أجزائه تدفعه. فإن قيل إحكام النظام وإتقانه العجيب الحاكم بين أجزائه يشهد أن التدبير الجاري تدبير عن علم والأصول الحكمية القاضية باستناد العالم المشهود إلى علل مجردة عالمة يؤيد ذلك فهب أن الأرباب المفروضين متكثرة الذوات ومتغايرتها ويؤدي ذلك بالطبع إلى اختلاف الأفعال وتدافعها لكن من الجائز أن يتواطئوا على التسالم وهم عقلاء ويتوافقوا على التلاؤم رعاية لمصلحة النظام الواحد وتحفظا على بقائه. قلت لا ريب أن العلوم التي يبني عليها العقلاء أعمالهم صور علمية وقوانين كلية مأخوذة من النظام الخارجي الجاري في العالم فللنظام الخارجي نوع تقدم على تلك الصور العلمية والقوانين الكلية وهي تابعة له ثم هذا النظام الخارجي بوجوده الخارجي فعل أولئك الأرباب المفروضين ومن المستحيل أن يتأثر الفاعل في فعله عن الصور العلمية المنتزعة عن فعله المتأخرة عن الفعل.

ص 282

فإن قيل هب أن الأرباب المفروضين الفاعلين للنظام الخارجي لا يتبعون في فعلهم الصور العلمية المنتزعة عن الفعل وهي علوم ذهنية حصولية تابعة للمعلوم لكن الأرباب المفروضين فواعل علمية لهم علم بفعلهم في مرتبة ذواتهم قبل الفعل فلم لا يجوز تواطؤهم على التسالم وتوافقهم على التلاؤم في العلم قبل الفعل. قلت علم الفاعل العلمي بفعله قبل الإيجاد كما سيجي ء وقد تقدمت الإشارة إليه علم حضوري ملاكه وجدان العلة كمال المعلول بنحو أعلى وأشرف والسنخية بين العلة ومعلولها وفرض تواطؤ الأرباب وتوافقهم في مرتبة هذا المعنى من العلم إلغاء منهم لما في وجوداتهم من التكثر والتغاير وقد فرض أن وجوداتهم متكثرة متغايرة هذا خلف.

الفصل السابع في أن الواجب بالذات لا مشارك له في شي

الفصل السابع في أن الواجب بالذات لا مشارك له في شي ء من المفاهيم من حيث المصداق

المشاركة بين شيئين وأزيد إنما تتم فيما إذا كانا متغايرين متمايزين وكان هناك مفهوم واحد يتصفان به كزيد وعمرو المتحدين في الإنسانية والإنسان والفرس المتحدين في الحيوانية فهي وحدة في كثرة ولا تتحقق الكثرة إلا بآحاد متغايرة متمايزة كل منها مشتمل على ما يسلب به عنه غيره من الآحاد فكل من المتشاركين مركب من النفي والإثبات بحسب الوجود وإذ كان وجود الواجب بالذات حقيقة الوجود الصرف البسيط لا سبيل للتركيب إليه ولا مجال للنفي فيه فلا يشاركه شي ء في معنى من المعاني.

ص 283

وأيضا المفهوم المشترك فيه إما شي ء من الماهيات أو ما يرجع إليها فلا سبيل للماهيات الباطلة الذوات إلى حقيقة الواجب بالذات التي هي حقة محضة فلا مجانس للواجب بالذات إذ لا جنس له ولا مماثل له إذ لا نوع له ولا مشابه له إذ لا كيف له ولا مساوي له إذ لا كم له ولا مطابق له إذ لا وضع له ولا محاذي له إذ لا أين له ولا مناسب له إذ لا إضافة لذاته والصفات الإضافية الزائدة على الذات كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها منتزعة من مقام الفعل كما سيأتي إن شاء الله تعالى. على أن الصفات الإضافية ترجع جميعا إلى القيومية وإذ لا موجد ولا مؤثر سواه فلا مشارك له في القيومية وأما شي ء من المفاهيم المنتزعة من الوجود فالذي للواجب بالذات منها أعلى المراتب غير المتناهي شدة الذي لا يخالطه نقص ولا عدم والذي لغيره بعض مراتب الحقيقة المشككة غير الخالي من نقص وتركيب فلا مشاركة. وأما حمل بعض المفاهيم على الواجب بالذات وغيره كالوجود المحمول باشتراكه المعنوي عليه وعلى غيره مع الغض عن خصوصية المصداق وكذا سائر صفات الواجب بمفاهيمها فحسب كالعلم والحياة والرحمة مع الغض عن الخصوصيات الإمكانية فليس من الاشتراك المبحوث عنه في شي ء.

الفصل الثامن في صفات الواجب بالذات على وجه كلي وان

الفصل الثامن في صفات الواجب بالذات على وجه كلي وانقسامه

قد تقدم أن الوجود الواجبي لا يسلب عنه كمال وجودي قط فما في الوجود من كمال كالعلم والقدرة فالوجود الواجبي واجد له بنحو أعلى وأشرف وهو محمول عليه على ما يليق بساحة عزته وكبريائه وهذا هو المراد

ص 284

بالاتصاف. ثم إن الصفة تنقسم انقساما أوليا إلى ثبوتية تفيد معنى إيجابيا كالعلم والقدرة وسلبية تفيد معنى سلبيا ولا يكون إلا سلب سلب الكمال فيرجع إلى إيجاب الكمال لأن نفي النفي إثبات كقولنا من ليس بجاهل ومن ليس بعاجز الراجعين إلى العالم والقادر وأما سلب الكمال فقد اتضح في المباحث السابقة أن لا سبيل لسلب شي ء من الكمال إليه تعالى فالصفات السلبية راجعة بالحقيقة إلى الصفات الثبوتية. والصفات الثبوتية تنقسم إلى حقيقية كالحي وإضافية كالعالمية والقادرية والحقيقية تنقسم إلى حقيقية محضة كالحي وحقيقية ذات إضافة كالخالق والرازق. ومن وجه آخر تنقسم الصفات إلى صفات الذات وهي التي يكفي في انتزاعها فرض الذات فحسب وصفات الفعل وهي التي يتوقف انتزاعها على فرض الغير وإذ لا موجود غيره تعالى إلا فعله فالصفات الفعلية هي المنتزعة من مقام الفعل.

الفصل التاسع في الصفات الذاتية وأنها عين الذات الم

الفصل التاسع في الصفات الذاتية وأنها عين الذات المتعالية

اختلف كلمات الباحثين في الصفات الذاتية المنتزعة عن الذات الواجبة المقطوعة النظر عما عداها على أقوال. الأول أنها عين الذات المتعالية وكل واحدة منها عين الأخرى وهو منسوب إلى الحكماء. الثاني أنها معان زائدة على الذات لازمة لها فهي قديمة بقدمها وهو

ص 285

منسوب إلى الأشاعرة. الثالث أنها زائدة على الذات حادثة على ما نسب إلى الكرامية. الرابع أن معنى اتصاف الذات بها كون الفعل الصادر منها فعل من تلبس بالصفة فمعنى كون الذات المتعالية عالمة أن الفعل الصادر منها متقن محكم ذو غاية عقلائية كما يفعل العالم ومعنى كونها قادرة أن الفعل الصادر منها كفعل القادر فالذات نائبة مناب الصفات. وربما يظهر من بعضهم الميل إلى قول آخر وهو أن معنى إثبات الصفات نفي ما يقابلها فمعنى إثبات الحياة والعلم والقدرة مثلا نفي الموت والجهل والعجز. ويظهر من بعضهم أن الصفات الذاتية عين الذات لكنها جميعا بمعنى واحد والألفاظ مترادفة. والحق هو القول الأول وذلك لما تحقق أن الواجب بالذات علة تامة ينتهي إليه كل موجود ممكن بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط بمعنى أن الحقيقية الواجبية هي العلة بعينها وتحقق أيضا أن كل كمال وجودي في المعلول فعلته في مقام عليته واجدة له بنحو أعلى وأشرف فللواجب بالذات كل كمال وجودي مفروض على أنه وجود صرف لا يخالطه عدم وتحقق أن وجوده صرف بسيط واحد بالوحدة الحقة فليس في ذاته تعدد جهة ولا تغاير حيثية فكل كمال وجوده مفروض فيه عين ذاته وعين الكمال الآخر المفروض له فالصفات الذاتية التي للواجب بالذات كثيرة مختلفة مفهوما واحدة عينا ومصداقا وهو المطلوب. وقول بعضهم أن علة الإيجاد هي إرادة الواجب بالذات دون ذاته المتعالية كلام لا محصل له فإن الإرادة المذكورة عند هذا القائل إن كانت صفة ذاتية هي عين الذات كان إسناد الإيجاد إليها عين إسناده إلى الذات المتعالية فإسناده إليها ونفيه عن الذات تناقض ظاهر وإن كانت صفة

ص 286

فعلية منتزعة من مقام الفعل كان الفعل متقدما عليها فكان إسناد إيجاد الفعل إليها قولا بتقدم المعلول على العلة وهو محال. على أن نسبة العلية إلى إرادة الواجب بالذات ونفيها عن الذات تقضي بالمغايرة بين الواجب وإرادته فهذه الإرادة إما مستغنية عن العلة فلازمه أن تكون واجبة الوجود ولازمه تعدد الواجب وهو محال وإما مفتقرة إلى العلة فإن كانت علتها الواجب كانت الإرادة علة للعالم والواجب علة لها وعلة العلة علة فالواجب علة العالم وإن كانت علتها غير الواجب ولم ينته إليه استلزم واجبا آخر تنتهي إليه وهو محال. وأما القول الثاني المنسوب إلى الأشاعرة وهو أن هذه الصفات وهي على ما عدوها سبع الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام زائدة على الذات لازمة لها قديمة بقدمها. ففيه أن هذه الصفات إن كانت في وجودها مستغنية عن العلة قائمة بنفسها كان هناك واجبات ثمان هي الذات والصفات السبع وبراهين وحدانية الواجب تبطله وتحيله وإن كانت في وجودها مفتقرة إلى علة فإن كانت علتها هي الذات كانت الذات علة متقدمة عليها فياضة لها وهي فاقدة لها وهو محال وإن كانت علتها غير الذات كانت واجبة بالغير وينتهي وجوبها بالغير إلى واجب آخر غير الواجب المتصف بها وبراهين وحدانية الواجب بالذات تبطله أيضا وأيضا كان لازم ذلك حاجة الواجب بالذات في اتصافه بصفات الكمال إلى غيره والحاجة كيفما كانت تنافي وجوب الوجود بالذات. وأيضا لازمه فقدان الواجب في ذاته صفات الكمال وقد تقدم أنه صرف الوجود الذي لا يفقد شيئا من الكمال الوجودي. وأما القول الثالث المنسوب إلى الكرامية وهو كون هذه الصفات زائدة حادثة ففيه أن لازمه إمكانها واحتياجها إلى العلة وعلتها إما هي الذات و

ص 287

لازمه أن تفيض الذات لنفسها ما هي فاقدة له وقد تحقق استحالته وأما غير الذات ولازمه تحقق جهة إمكانية فيها وانسلاب كمالات وجودية عنها وقد تحقق استحالته. وأما القول الرابع المنسوب إلى المعتزلة وهو نيابة الذات عن الصفات ففيه أن لازمه فقدان الذات للكمال وهي فياضة لكل كمال وهو محال. وبهذا يبطل أيضا ما قيل إن معنى الصفات الذاتية الثبوتية سلب مقابلاتها فمعنى الحياة والعلم والقدرة نفي الموت ونفي الجهل ونفي العجز. وأما ما قيل من كون هذه الصفات عين الذات وهي مترادفة بمعنى واحد فكأنه من اشتباه المفهوم بالمصداق فالذي يثبته البرهان أن مصداقها واحد وأما المفاهيم فمتغايرة لا تتحد أصلا على أن اللغة والعرف يكذبان الترادف.

الفصل العاشر في الصفات الفعلية وأنها زائدة على الذ

الفصل العاشر في الصفات الفعلية وأنها زائدة على الذات

لا ريب أن للواجب بالذات صفات فعلية مضافة إلى غيره كالخالق والرازق والمعطي والجواد والغفور والرحيم إلى غير ذلك وهي كثيرة جدا يجمعها صفة القيوم. ولما كانت مضافة إلى غيره تعالى كانت متوقفة في تحققها إلى تحقق الغير المضاف إليه وحيث كان كل غير مفروض معلولا للذات المتعالية متأخرا عنها كانت الصفة المتوقفة عليه متأخرة عن الذات زائدة عليها فهي منتزعة من مقام الفعل منسوبة إلى الذات المتعالية. فالموجود الإمكاني مثلا له وجود لا بنفسه بل بغيره فإذا اعتبر بالنظر إلى

ص 288

نفسه كان وجودا وإذا اعتبر بالنظر إلى غيره كان إيجادا منه وصدق عليه أنه موجد له ثم إن وجوده باعتبارات مختلفة إبداع وخلق وصنع ونعمة ورحمة فيصدق على موجده أنه مبدع خالق صانع منعم رحيم. ثم إن الشي ء الذي هو موجده إذا كان مما لوجوده بقاء ما فإن بين يديه ما يديم به بقاءه ويرفع به جهات نقصه وحاجته إذا اعتبر في نفسه انتزع منه أنه رزق يرتزق به وإذا اعتبر من حيث إنه لا بنفسه بل بغيره الذي هو علته الفياضة له صدق على ذلك الغير أنه رازق له ثم صدق على الرزق أنه عطية ونعمة وموهبة وجود وكرم بعنايات أخر مختلفة وصدق على الرازق أنه معط منعم وهاب جواد كريم إلى غير ذلك وعلى هذا القياس سائر الصفات الفعلية المتكثرة بتكثر جهات الكمال في الوجود. وهذه الصفات الفعلية صادقة عليه تعالى صدقا حقيقيا لكن لا من حيث خصوصيات حدوثها وتأخرها عن الذات المتعالية حتى يلزم التغير فيه تعالى وتقدس وتركب ذاته من حيثيات متغايرة كثيرة بل من حيث إن لها أصلا في الذات ينبعث عنه كل كمال وخير فهو تعالى بحيث يقوم به كل كمال ممكن في موطنه الخاص به. فهو تعالى بحيث إذا أمكن شي ء كان مرادا له وإذا أراد شيئا أوجده وإذا أوجده رباه وإذا رباه أكمله وهكذا فللواجب تعالى وجوبه وقدمه وللأشياء إمكانها وحدوثها.

الفصل الحادي عشر في علمه تعالى

الفصل الحادي عشر في علمه تعالى

قد تحقق فيما تقدم أن لكل مجرد علما بذاته لحضور ذاته المجردة عن المادة لذاته وليس العلم إلا حضور شي ء لشي ء والواجب تعالى منزه عن المادة والقوة فذاته معلومة لذاته. وقد تقدم أيضا أن ذاته المتعالية حقيقة الوجود الصرف البسيط الواحد بالوحدة الحقة الذي لا يداخله نقص ولا عدم فلا كمال وجوديا في تفاصيل الخلقة بنظامها الوجودي إلا وهي واجدة له بنحو أعلى وأشرف غير متميز بعضها من بعض لمكان الصرافة والبساطة فما سواه من شي ء فهو معلوم له تعالى في مرتبة ذاته المتعالية علما تفصيليا في عين الإجمال وإجماليا في عين التفصيل. وقد تقدم أيضا أن ما سواه من الموجودات معاليل له منتهية إليه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط قائمة الذوات به قيام الرابط بالمستقل حاضرة عنده بوجوداتها غير محجوبة عنه فهي معلومة له في مرتبة وجوداتها علما حضوريا أما المجردة منها فبأنفسها وأما المادية فبصورها المجردة. فتبين بما مر أن للواجب تعالى علما بذاته في مرتبة ذاته وهو عين ذاته وأن له تعالى علما بما سوى ذاته من الموجودات في مرتبة ذاته وهو المسمى بالعلم قبل الإيجاد وأنه علم إجمالي في عين الكشف التفصيلي وأن له تعالى علما تفصيليا بما سوى ذاته من الموجودات في مرتبة ذواتها خارجا من الذات المتعالية وهو العلم بعد الإيجاد وأن علمه حضوره كيفما صور فهذه خمس مسائل. ويتفرع على ذلك أن كل علم متقرر في مراتب الممكنات من العلل المجردة العقلية والمثالية فإنه علم له تعالى. ويتفرع أيضا أنه سميع بصير كما أنه عليم خبير لما أن حقيقة السمع والبصر هي العلم بالمسموعات والعلم بالمبصرات من مطلق العلم وله تعالى كل علم. وللباحثين في علمه تعالى اختلاف كثير حتى أنكره بعضهم من أصله و

ص 290

هو محجوج بما قام على ذلك من البرهان. وللمثبتين مذاهب شتى أحدها أن له تعالى علما بذاته دون معلولاتها لأن الذات المتعالية أزلية وكل معلول حادث. وفيه أن العلم بالمعلول في الأزل لا يستوجب كونه موجودا في الأزل بوجوده الخاص به على أن مبني على انحصار العلم الحضوري في علم الشي ء بنفسه وأن ما دون ذلك حصولي تابع للمعلوم وهو ممنوع بما تقدم إثباته من أن للعلة المجردة علما حضوريا بمعلولها المجرد وقد قام البرهان على أن له تعالى علما حضوريا بمعلولاته قبل الإيجاد في مرتبة الذات وعلما حضوريا بها بعد الإيجاد في مرتبة المعلولات. الثاني ما ينسب إلى أفلاطون أن علمه تعالى التفصيلي هو العقول المجردة والمثل الإلهية التي تجتمع فيها كمالات الأنواع تفصيلا. وفيه أن ذلك من العلم بعد الإيجاد وهو في مرتبة وجوداتها الممكنة وانحصار علمه تعالى التفصيلي بالأشياء فيها يستلزم خلو الذات المتعالية في ذاتها عن الكمال العلمي وهو وجود صرف لا يشذ عنه كمال من الكمالات الوجودية. الثالث ما ينسب إلى فرفوريوس أن علمه تعالى بالاتحاد مع المعلوم. وفيه أن ذلك إنما يكفي لبيان تحقق العلم وأن ذلك باتحاد العاقل مع المعقول لا بالعروض ونحوه ولا يكفي لبيان ثبوت العلم بالأشياء قبل الإيجاد أو بعده. الرابع ما ينسب إلى شيخ الإشراق وتبعه جمع ممن بعده من المحققين أن الأشياء أعم من المجردات والماديات حاضرة بوجودها العيني له تعالى غير غائبة ولا محجوبة عنه وهو علمه التفصيلي بالأشياء بعد الإيجاد فله تعالى علم إجمالي بها بتبع علمه بذاته.

ص 291

وفيه أولا أن قوله بحضور الماديات له تعالى ممنوع فالمادية لا تجامع الحضور على ما بين في مباحث العاقل والمعقول وثانيا أن قصر العلم التفصيلي بالأشياء في مرتبة وجوداتها يوجب خلو الذات المتعالية الفياضة لكل كمال تفصيلي في الأشياء عن تفصيلها وهي وجود صرف جامع لكل كمال وجودي بنحو أعلى وأشرف. الخامس ما ينسب إلى الملطي أنه تعالى يعلم العقل الأول وهو الصادر الأول بحضوره عنده ويعلم سائر الأشياء مما دون العقل الأول بارتسام صورها في العقل الأول. وفيه أنه يرد عليه ما يرد على القول السابق من لزوم خلو الذات المتعالية عن الكمال وهي واجدة لكل كمال على أنه قد تقدم في مباحث العاقل والمعقول أن العقول المجردة لا علم ارتساميا حصوليا لها. السادس قول بعضهم إن ذاته المتعالية علم تفصيلي بالمعلول الأول وإجمالي بما دونه وذات المعلول الأول علم تفصيلي بالمعلول الثاني وإجمالي بما دونه وعلى هذا القياس. وفيه محذور خلو الذات المتعالية عن كمال العلم بما دون المعلول الأول وهي وجود صرف لا يسلب عنه كمال. السابع ما ينسب إلى أكثر المتأخرين أن له تعالى علما تفصيليا بذاته وهو علم إجمالي بالأشياء قبل الإيجاد وأما علمه التفصيلي بالأشياء فهو بعد وجودها لأن العلم تابع للمعلوم ولا معلوم قبل الوجود العيني. وفيه خلو الذات المتعالية عن الكمال العلمي كما في الوجوه السابقة على أن فيه إثبات العلم الارتسامي الحصولي في الوجود المجرد المحض. الثامن ما ينسب إلى المشائين أن له تعالى علما حضوريا بذاته المتعالية وعلما تفصيليا حصوليا بالأشياء قبل إيجادها بحضور ماهياتها على النظام الموجود في الخارج لذاته تعالى لا على وجه الدخول بعينية أو جزئية بل على

ص 292

نحو قيامها بها بالثبوت الذهني على وجه الكلية بمعنى عدم تغير العلم بتغير المعلوم على ما اصطلح عليه في مباحث العلم فهو علم عنائي يستتبع فيه حصول المعلوم علما حصوله عينا. وفيه أولا ما في سابقه من محذور خلو الذات عن الكمال وثانيا ما في سابقه أيضا من محذور ثبوت العلم الحصولي فيما هو مجرد ذاتا وفعلا وثالثا أن لازمه ثبوت وجود ذهني من غير عيني يقاس إليه ولازمه أن يعود وجودا آخر عينيا للماهية قبل وجودها الخاص بها وهو منفصل الوجود عنه تعالى ويرجع بالدقة إلى القول الثاني المنسوب إلى أفلاطون. واعلم أن أكثر المتكلمين على هذا القول وإن طعنوا فيه من حيث عده العلم قبل الإيجاد كليا زعما منهم أن المراد بالكلي ما اصطلح عليه في مبحث الكلي والجزئي من المنطق وذلك أنهم اختاروا أن العلم التفصيلي قبل الإيجاد حصولي وأنه على حاله قبل وجود الأشياء وبعد وجودها من غير تغيير. التاسع قول المعتزلة إن للماهيات ثبوتا عينيا في العدم وهو الذي تعلق به علمه تعالى قبل الإيجاد. وفيه أنه قد تقدم بطلان القول بثبوت المعدومات. العاشر ما نسب إلى الصوفية أن للماهيات ثبوتا علميا بتبع الأسماء والصفات هو الذي تعلق به علمه تعالى قبل الإيجاد. وفيه أن أصالة الوجود واعتبارية الماهية تنفي أي ثبوت مفروض للماهيات قبل ثبوتها العيني الخاص بها.

الفصل الثاني عشر في العناية والقضاء والقدر

الفصل الثاني عشر في العناية والقضاء والقدر

ذكروا أن من مراتب علمه تعالى العناية والقضاء والقدر لصدق كل

ص 293

منها بمفهومه الخاص على خصوصية من خصوصيات علمه تعالى. أما العناية وهي كون الصورة العلمية علة موجبة للمعلوم الذي هو الفعل فإن علمه التفصيلي بالأشياء وهو عين ذاته علة لوجودها بما له من الخصوصيات المعلومة فله تعالى عناية بخلقه. وأما القضاء فهو بمفهومه المعروف جعل النسبة التي بين موضوع ومحموله ضرورية موجبة فقول القاضي مثلا في قضائه فيما إذا تخاصم زيد وعمرو في مال أو حق ورفعا إليه الخصومة والنزاع وألقيا إليه حجتهما المال لزيد والحق لعمرو إثبات المالكية لزيد وإثبات الحق لعمرو إثباتا ضروريا يرتفع به التزلزل والتردد الذي أوجده التخاصم والنزاع قبل القضاء وفصل الخصومة وبالجملة قضاء القاضي إيجابه الأمر إيجابا علميا يتبعه إيجابه الخارجي اعتبارا. وإذا أخذ هذا المعنى حقيقيا بالتحليل غير اعتباري انطبق عن الوجوب الذي يتلبس به الموجودات الممكنة من حيث نسبتها إلى عللها التامة فإن الشي ء ما لم يجب لم يوجد وهذا الوجوب الغيري من حيث نسبته إلى العلة التامة إيجاب ولا شي ء في سلسلة الوجود الإمكاني إلا وهو واجب موجب بالغير والعلل تنتهي إلى الواجب بالذات فهو العلة الموجبة لها ولمعلولاتها. وإذ كانت الموجودات الممكنة بما لها من النظام الأحسن في مرتبة وجوداتها العينية علما فعليا للواجب تعالى فما فيها من الإيجاب قضاء منه تعالى وفوقه العلم الذاتي منه المنكشف له به كل شي ء على ما هو عليه في الأعيان على التفصيل بنحو أعلى وأشرف. فالقضاء قضاءان قضاء ذاتي خارج من العالم وقضاء فعلي داخلي فيه ومن هنا يظهر ضعف ما نسب إلى المشهور أن القضاء هو ما عند المفارقات العقلية من العلم بالموجودات الممكنة بما لها من النظام. وكذا ما ذهب إليه صدر المتألهين ره أن القضاء هو العلم الذاتي المتعلق

ص 294

بتفاصيل الخلقة قال في الأسفار وأما القضاء فهو عندهم عبارة عن وجود الصور العقلية لجميع الموجودات فائضة عنه تعالى على سبيل الإبداع دفعة بلا زمان لكونها عندهم من جملة العالم ومن أفعال الله المباينة ذواتها لذاته وعندنا صور علمية لازمة لذاته بلا جعل ولا تأثير وتأثر وليست من أجزاء العالم إذ ليست لها حيثية عدمية ولا إمكانات واقعية فالقضاء الرباني وهو صورة علم الله قديم بالذات باق ببقاء الله انتهى ج 6 ص 292. وينبغي أن يحمل قوله صور علمية لازمة لذاته على العلم الذاتي الذي لا ينفك عن الذات وإلا فلو كانت لازمة خارجة كانت من العالم ولم تكن قديمة بالذات كما صرح بذلك على أنها لو كانت حضورية انطبقت على قول أفلاطون في العلم وهو ره لا يرتضيه ولو كانت حصولية انطبقت على قول المشائين وهو ره لا يرتضيه أيضا. ووجه الضعف في القولين أن صدق القضاء بمفهومه على إحدى المرتبتين من العلم أعني العلم الذاتي والعلم الفعلي لا ينفي صدقه على الأخرى فالح أن القضاء قضاءان ذاتي وفعلي كما تقدم بيانه. وأما القدر فهو ما يلحق الشي ء من كمية أو حد في صفاته وآثاره والتقدير تعيين ما يلحقه من الصفات والآثار تعيينا علميا يتبعه العمل على حسب ما تسعه الأسباب والأدوات الموجودة كما أن الخياط يقدر ما يخيطه من اللباس على الثوب الذي بين يديه ثم يخيط على ما قدر والبناء يقدر ما يريده من البناء على القاعة من الأرض على حسب ما تسعه وتعين عليه الأسباب والأدوات الموجودة عنده ثم يبني البناء على طبق ما قدر لأسباب متجددة توجب عليه ذلك فالتقدير بالنسبة إلى الشي ء المقدر كالقالب الذي يقلب به الشي ء يحد به الشي ء بحد أو حدود لا يتعداها. وإذا أخذ هذا المعنى بالتحليل حقيقيا انطبق على الحدود التي تلحق

ص 295

الموجودات المادية من ناحية عللها الناقصة بما لها من الصور العلمية في النشأة التي فوقها فإن لكل واحدة من العلل الناقصة بما فيها من الحيثيات المختلفة أثرا في المعلول يخصص إطلاقه في صفته وأثره فإذا تم التخصيص بتمام العلة التامة حصل له التعين والتشخص بالوجود الذي تقتضيه العلة التامة فللإنسان مثلا خاصة الرؤية لكن لا بكل وجوده بل من طريق بدنه ولا ببدنه كله بل بعضو منه مستقر في وجهه فلا يرى إلا ما يواجهه ولا كل ما يواجهه بل الجسم ولا كل جسم بل الكثيف من لأجسام ذا اللون ولا نفس الجسم بل سطحه ولا كل سطوحه بل السطح المحاذي ولا في كل وضع ولا في كل حال ولا في كل مكان ولا في كل زمان فلئن أحصيت الشرائط الحافة حول رؤية واحدة شخصية ألفيت جما غفيرا لا يحيط به الإحصاء وما هي إلا حدود ألحقها بها العلل الناقصة التي تحد الرؤية المذكورة بما تضع فيها من أثر ومنها ما يمنعه الموانع من التأثير. وهذه الحدود جهات وجودية تلازمها سلوب كما تبين آنفا ولها صور علمية في نشأة المثال التي فوق نشأة المادة تتقدر بها صفات الأشياء وآثارها فلا سبيل لشي ء منها إلا إلى صفة أو أثر هداه إليه التقدير. فإن قلت لازم هذا البيان كون الإنسان مجبرا غير مختار في أفعاله قلت كلا فإن الاختيار أحد الشرائط التي يحد بها فعل الإنسان وقد فصلنا القول في دفع هذه الشبهة في مباحث الوجود وفي مباحث العلة والمعلول. فإن قلت هلا عممتم القول في القدر وهو ضرب الحدود للشي ء من حيث صفاته وآثاره في علم سابق يتبعه العين حتى يعمم الماهيات الإمكانية فإن الماهيات أيضا حدود لموضوعاتها تتميز من غيرها وتلازمها سلوب لا تتعداها وقد تقدم أن كل ذي ماهية فهو ممكن وأن الممكن مركب الذات من الإيجاب والسلب فيعم القدر كل ممكن سواء كان عقلا

ص 296

مجردا أو مثالا معلقا أو طبيعة مادية ويكون العلم السابق الذي يتقدر به الشي ء علما ذاتيا. وبالجملة يكون القدر بحسب العين هو التعين المنتزع من الوجود العيني والتقدير هو التعيين العلمي الذي يتبعه العين كما أن المقضي هو الوجوب المنتزع من الوجود العيني والقضاء هو الإيجاب العلمي الذي يستتبعه سواء كان من حيث الماهية والذات أو من حيث الصفات والآثار. قلت كون الماهية حدا ذاتيا للممكن لا ريب فيه لكنهم راعوا في بحث القدر ظاهر مفهومه وهو الحد الذي يلحق الشي ء فيما هو موضوع له من الصفات والآثار دون أصل الذات فلا يعم ما وراء الطبائع التي لها تعلق ما بالمادة. وغرضهم من عقد هذا البحث بيان أن الممكن ليس مرخى العنان فيما يلحق به من الصفات والآثار مستقلا عن الواجب تعالى فيما يتصف به أو يفعل بل الأمر في ذلك إليه تعالى فلا يقع إلا ما قدره وهذا قريب المعنى من قولهم علة علة الشي ء علة لذلك الشي ء. كما أن غرضهم من بحث القضاء بيان أن الممكن لا يقع إلا بوجوب غيري ينتهي إليه في علم سابق وهو قريب المعنى من قولهم الشي ء ما لم يجب لم يوجد.

الفصل الثالث عشر في قدرته تعالى

الفصل الثالث عشر في قدرته تعالى

إن من المعاني التي نعدها من الكمالات الوجودية القدرة ولا تكون إلا في الفعل دون الانفعال فلا نعد انفعال الشي ء عن غيره شديدا كان أو

ص 297

ضعيفا قدرة ولا في كل فعل بل في الفعل الذي لفاعله علم به فلا نسمي مبدئية الفواعل الطبيعية العادمة للشعور قدرة لها ولا في كل فعل لفاعله علم به بل في الفعل العلمي الذي يبعث العلم به فاعله على الفعل فليست مبدئية الإنسان مثلا لأفعاله الطبيعية البدنية قدرة وإن كان له علم بها بل الفعل الذي يعلم الفاعل أنه خير له من حيث إنه هذا الفاعل بأن يتصوره ويصدق أنه خير له من حيث إنه هذا الفاعل. ولازم العلم بكون الفعل خيرا للفاعل أن يكون كمالا له يقتضيه بنفسه فإن خير كل نوع هو الكمال المترتب عليه والطبيعة النوعية هي المبدأ المتقضي له وإذا فرض أنه عالم بكونه خيرا له وكمالا يقتضيه انبعث الفاعل إليه بذاته لا بإيجاب مقتض غيره وتحميله عليه فلا قدرة مع الإجبار والقادر مختار بمعنى أن الفعل إنما يتعين له بتعيين منه لا بتعيين من غيره. ثم إذا تم العلم بكون الفعل خيرا أعقب ذلك شوقا من الفاعل إلى الفعل فالخير محبوب مطلقا مشتاق إليه إذا فقد وهذا الشوق كيفية نفسانية غير العلم السابق قطعا وأعقب ذلك الإرادة وهي كيفية نفسانية غير العلم السابق وغير الشوق قطعا وبتحققها يتحقق الفعل الذي هو تحريك العضلات بواسطة القوة العاملة المنبثة فيها. هذا ما يكشف البحث عن القدرة التي عندنا من القيود التي فيها وهي المبدئية للفعل والعلم بأنه خير للفاعل علما يلازم كونه مختارا في فعله والشوق إلى الفعل والإرادة له وقد تحقق أن كل كمال وجودي في الوجود فإنه موجود للواجب تعالى في حد ذاته فهو تعالى عين القدرة الواجبية لكن لا سبيل لتطرق الشوق عليه لكونه كيفية نفسانية تلازم الفقد والفقد يلازم النقص وهو تعالى منزه عن كل نقص وعدم. وكذلك الإرادة التي هي كيفية نفسانية غير العلم والشوق فإنها ماهية ممكنة والواجب تعالى منزه عن الماهية والإمكان.

ص 298

على أن الإرادة بهذا المعنى هي مع المراد إذا كان من الأمور الكائنة الفاسدة لا توجد قبله ولا تبقى بعده فاتصاف الواجب تعالى بها مستلزم لتغير الموصوف وهو محال. فتحصل أن القدرة المجردة عن النواقص والأعدام هي كون الشي ء مبدأ فاعليا للفعل عن علم بكونه خيرا واختيارا في ترجيحه والواجب تعالى مبدأ فاعلي لكل موجود بذاته له علم بالنظام الأصلح في الأشياء بذاته وهو مختار في فعله بذاته إذ لا مؤثر غيره يؤثر فيه فهو تعالى قادر بذاته وما أوردناه من البيان يجري في العقول المجردة أيضا. فإن قلت ما سلكتموه من الطريق لإثبات القدرة للواجب تعالى خلو عن إثبات الإرادة بما هي إرادة له والذي ذكروه في تعريف القدرة بأنها كون الشي ء بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل يتضمن إثبات الإرادة صفة ذاتية للواجب مقومة للقدرة غير أنهم فسروا الإرادة الواجبية بأنها علم بالنظام الأصلح. قلت ما ذكروه في معنى القدرة يرجع إلى ما أوردناه في معناها المتضمن للقيود الثلاثة المبدئية والعلم والاختيار فما ذكروه في معنى قدرته تعالى حق وإنما الشأن كل الشأن في أخذهم علمه تعالى مصداقا للإرادة ولا سبيل إلى إثبات ذلك فهو أشبه بالتسمية. فإن قلت من الجائز أن يكون لوجود واحد ما بحسب نشأته المختلفة ماهيات مختلفة ومراتب متفاوتة كالعلم الذي إذا تعلق بالخارج منا هو كيف نفساني وإذا تعلق بنفوسنا جوهر نفساني وعلم العقل بذاته جوهر عقلي وعلم الواجب بذاته واجب بالذات وعلم الممكن بذاته ممكن بالذات فكون الإرادة التي فينا كيفا نفسانيا لا يدفع كون إرادة الواجب لفعله هو علمه الذاتي. ثم إن من المسلم أن الفاعل المختار لا يفعل ما يفعل إلا بإرادة ومشية

ص 299

والواجب تعالى فاعل مختار فله إرادة لفعله لكن الإرادة التي فينا وهي الكيف النفساني غير متحققة هناك وليس هناك إلا العلم وما يلزمه من الاختيار فعلمه تعالى هو إرادته فهو تعالى مريد بما أنه عالم بعلمه الذي هو عين ذاته. قلت الذي نتسلمه أن الفاعل المختار من الحيوان لا يفعل ما يفعل إلا عن علم بمصلحة الفعل وإرادة بمعنى الكيف النفساني وأن الواجب تعالى لا يفعل ما يفعل إلا عن علم بمصلحة الفعل وأما أن هذا العلم الذي هناك وجوده وجود الإرادة والمشية وإن لم يكن ماهيته هي الكيف النفساني فغير مسلم نعم لنا أن ننتزع الإرادة من مقام الفعل كسائر الصفات الفعلية كما تقدمت الإشارة إليه في البحث عن صفات الفعل وسيجي ء. وبالجملة لا دليل على صدق مفهوم الإرادة على علم الواجب تعالى بالنظام الأصلح فإن المراد بمفهومها إما هو الذي عندنا فهو كيفية نفسانية مغايرة للعلم وإما مفهوم آخر يقبل الصدق على العلم بأن الفعل خير فلا نعرف للإرادة مفهوما كذلك ولذا قدمنا أن القول بأن علم الواجب تعالى بالنظام الأحسن إرادة منه أشبه بالتسمية. ولا ينبغي أن يقاس الإرادة بالعلم الذي يقال إنه كيفية نفسانية ثم يجرد عن الماهية ويجعل حيثية وجودية عامة موجودة للواجب تعالى وصفا ذاتيا هو عين الذات وذلك لأنا ولو سلمنا أن بعض مصاديق العلم وهو العلم الحصولي كيف نفساني فبعض آخر من مصاديقه وهو العلم الحضوري جوهر أو غير ذلك وقد تحقق أن المفهوم الصادق على أكثر من مقولة واحدة وصف وجودي غير مندرج تحت مقولة منتزع عن الوجود بما هو وجود فللعلم معنى جامع يهدي إليه التحليل وهو حضور شي ء لشي ء. فإن قلت لو كانت الإرادة لا يعرف لها معنى إلا الكيفية النفسانية التي في الحيوان فما بالها تنتزع من مقام الفعل ولا كيفية نفسانية هناك فهو

ص 300

الشاهد على أن لها معنى أوسع من الكيفية النفسانية وأنها صفة وجودية كالعلم. قلت اللفظ كما يطلق ويراد به معناه الحقيقي كذلك يطلق ويراد به لوازم المعنى الحقيقي وآثاره المتفرعة عليه توسعا والصفات المنتزعة من مقام الفعل لما كانت قائمة بالفعل حادثة بحدوث الفعل متأخرة بالذات عن الذات القديمة بالذات استحال أن يتصف به الذات الواجبة بالذات سواء كان الاتصاف بنحو العينية أو بنحو العروض كما تبين في ما تقدم إلا أن يراد بها لوازم المعنى الحقيقي وآثاره المتفرعة عليه توسعا فالرحمة مثلا فيما عندنا تأثر وانفعال نفساني من مشاهد مسكين محتاج إلى كمال كالعافية والصحة والبقاء ويترتب عليه أن يرفع الراحم حاجته وفاقته فهي صفة محمودة كمالية ويستحيل عليه تعالى التأثر والانفعال فلا يتصف بحقيقة معناها لكن تنتزع من ارتفاع الحاجة والتلبس بالغنى مثلا أنها رحمة لأنه من لوازمها وإذ كان رحمة لها نسبة إليه تعالى اشتق منه صفة الرحيم صفة فعل له تعالى والأمر على هذا القياس. والإرادة المنسوبة إليه تعالى منتزعة من مقام الفعل إما من نفس الفعل الذي يوجد في الخارج فهو إرادة ثم إيجاب ثم وجوب ثم إيجاد ثم وجود وإما من حضور العلة التامة للفعل كما يقال عند مشاهدة جمع الفاعل أسباب الفعل ليفعل أنه يريد كذا فعلا.

الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر

في أن الواجب تعالى مبدأ لكل ممكن موجود وهو المبحث المعنون عنه بشمول إرادته للأفعال

الذي حققته الأصول الماضية هو أن الأصيل من كل شي ء وجوده و

ص 301

أن الموجود ينقسم إلى واجب بالذات وغيره وأن ما سوى الواجب بالذات سواء كان جوهرا أو عرضا وبعبارة أخرى سواء كان ذاتا أو صفة أو فعلا له ماهية ممكنة بالذات متساوية النسبة إلى الوجود والعدم وأن ما شأنه ذلك يحتاج في تلبسه بأحد الطرفين من الوجود والعدم إلى مرجح يعين ذلك ويوجبه وهو العلة الموجبة فما من موجود مكن إلا وهو محتاج في وجوده حدوثا وبقاء إلى علة توجب وجوده وتوجده واجبة بالذات أو منتهية إلى الواجب بالذات وعلة علة الشي ء علة لذلك الشي ء. فما من شي ء ممكن موجود سوى الواجب بالذات حتى الأفعال الاختيارية إلا وهو فعل الواجب بالذات معلول له بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط. ومن طريق آخر قد تبين في مباحث العلة والمعلول أن وجود المعلول بالنسبة إلى العلة وجود رابط غير مستقل متقوم بوجود العلة فالوجودات الإمكانية كائنة ما كانت روابط بالنسبة إلى وجود الواجب بالذات غير مستقلة منه محاطة له بمعنى ما ليس بخارج فما في الوجود إلا ذات واحدة مستقلة به تتقوم هذه الروابط وتستقل فالذوات وما لها من الصفات والأفعال أفعال له. فهو تعالى فاعل قريب لكل فعل ولفاعله وأما الاستقلال المتراءى من كل علة إمكانية بالنسبة إلى معلولها فهو الاستقلال الواجبي الذي لا استقلال دونه بالحقيقة. ولا منافاة بين كونه تعالى فاعلا قريبا كما يفيده هذا البرهان وبين كونه فاعلا بعيدا كما يفيده البرهان السابق المبني على ترتب العلل وكون علة علة الشي ء علة لذلك الشي ء فإن لزوم البعد مقتضى اعتبار النفسية لوجود ماهيات العلل والمعلولات على ما يفيده النظر البدوي والقرب هو الذي يفيده النظر الدقيق.

ص 302

ومن الواضح أن لا تدافع بين استناد الفعل إلى الفاعل الواجب بالذات والفاعل الذي هو موضوعه كالإنسان مثلا فإن الفاعلية طولية لا عرضية. وذهب جمع من المتكلمين وهم المعتزلة ومن تبعهم إلى أن الأفعال الاختيارية مخلوقة للإنسان ليس للواجب تعالى فيها شأن بل الذي له أن يقدر الإنسان على الفعل بأن يخلق له الأسباب التي يقدر بها على الفعل كالقوى والجوارح التي يتوصل بها إلى الفعل باختياره الذي يصحح له الفعل والترك فله أن يترك الفعل ولو أراده الواجب وأن يأتي بالفعل ولو كرهه الواجب ولا صنع للواجب في فعله. على أن الفعل لو كان مخلوقا للواجب تعالى كان هو الفاعل له دون الإنسان فلم يكن معنى لتكليفه بالأمر والنهي ولا للوعد والوعيد ولا لاستحقاق الثواب والعقاب على الطاعة والمعصية ولا فعل ولا ترك للإنسان على أن كونه تعالى فاعلا للأفعال الاختيارية وفيها أنواع القبائح والشرور كالكفر والجحود وأقسام المعاصي والذنوب ينافي تنزه ساحة العظمة والكبرياء عما لا يليق بها. ويدفعه أن الأفعال الاختيارية أمور ممكنة وضرورة العقل قاضية أن الماهية الممكنة متساوية النسبة إلى الوجود والعدم لا تخرج من حاق الوسط إلى أحد الطرفين إلا بمرجح يوجب لها ذلك وهو العلة الموجبة والفاعل من العلل ولا معنى لتساوي نسبة الفاعل التام الفاعلية التي معه بقية أجزاء العلة التامة إلى الفعل والترك بل هو موجب للفعل وهذا الوجوب الغيري منته إلى الواجب بالذات فهو العلة الأولى للفعل والعلة الأولى علة للمعلول الأخير لأن علة علة الشي ء علة لذلك الشي ء فهذه أصول ثابتة مبينة في الأبحاث السابقة والمستفاد منها أن للفعل نسبة إلى الواجب تعالى بالإيجاد وإلى الإنسان مثلا بأنه فاعل مسخر هو في عين عليته معلول وفاعلية الواجب تعالى في طول

ص 303

فاعلية الإنسان لا في عرضه حتى تتدافعا ولا تجتمعا. وأما تعلق الإرادة الواجبية بالفعل مع كون الإنسان مختارا فيه فإنما تعلقت الإرادة الواجبية بأن يفعل الإنسان باختياره فعلا كذا وكذا لا بالفعل من غير تقيد بالاختيار فلا يلغو الاختيار ولا يبطل أثر الإرادة الإنسانية. على أن خروج الأفعال الاختيارية عن سعة القدرة الواجبية حتى يريد فلا يكون ويكره فيكون تقييد في القدرة المطلقة التي هي عين ذات الواجب والبرهان يدفعه. على أن البرهان قائم على أن الإيجاد وجعل الوجود خاصة للواجب تعالى لا شريك له فيه ونعم ما قال صدر المتألهين قدس سره في مثل المقام ولا شبهة في أن مذهب من جعل أفراد الناس كلهم خالقين لأفعالهم مستقلين في إيجادها أشنع من مذهب من جعل الأصنام والكواكب شفعاء عند الله انتهى ج 6 ص 370. وأما قولهم أن كون الفعل الاختياري مخلوقا للواجب تعالى لا يجامع توجيه التكليف إلى الإنسان بالأمر والنهي ولا الوعد والوعيد على الفعل والترك ولا استحقاق الثواب والعقاب وليس له فعل ولا هو فاعل. فيدفعه أنه إنما يتم لو كان انتساب الفعل إلى الواجب تعالى لا يجامع انتسابه إلى الإنسان وقد عرفت أن الفاعلية طولية وللفعل انتساب إلى الواجب بالفعل بمعنى الإيجاد وإلى الإنسان المختار بمعنى قيام العرض بموضوعه. وأما قولهم إن كون أفعال الإنسان الاختيارية مخلوقة للواجب تعالى وفيها أنواع الشرور والمعاصي والقبائح ينافي طهارة ساحته تعالى عن كل نقص وشين. فيدفعه أن الشرور الموجودة في العالم على ما سيتضح ليست إلا أمورا فيها خير كثير وشر قليل ودخول شرها القليل في الوجود بتبع خيرها الكثير فالشر

ص 304

مقصود بالقصد الثاني ولم يتعلق القصد الأول إلا بالخير. على أنه سيتضح أيضا أن الوجود من حيث إنه وجود خير لا غير وإنما الشرور ملحقة ببعض الوجودات فالذي يفيضه الواجب من الفعل وجوده الخير بذاته الطاهرة في نفسه وما يلازمه من النقص والعدم لوازم تميزه في وجوده والتميزات الوجودية لولاها لفسد نظام الوجود فكان في ترك الشر القليل بطلان الخير الكثير الذي في أجزاء النظام. وذهب جمع آخر من المتكلمين وهم الأشاعرة ومن تبعهم إلى أن كل ما هو موجود غير الواجب بالذات من ذات أو صفة أو فعل فهو بإرادة الواجب بالذات من غير واسطة فالكل أفعاله وهو الفاعل لا غير. ولازم ذلك أولا ارتفاع العلية والمعلولية من بين الأشياء وكون استتباع الأسباب للمسببات لمجرد العادة أي إن عادة الله جرت على الإتيان بالمسببات عقيب الأسباب من غير تأثير من الأسباب في المسببات ولا توقف من المسببات على الأسباب. وثانيا كون الأفعال التي تعد أفعالا اختيارية أفعالا جبرية لا تأثير لإرادة فواعلها ولا لاختيارهم فيها. ويدفعه أن انتساب الفعل إلى الواجب تعالى بالإيجاد لا ينافي انتسابه إلى غيره من الوسائط والانتساب طولي لا عرضي كما تقدم توضيحه وحقيقة وساطة الوسائط ترجع إلى تقيد وجود المسبب بقيود مخصصة لوجوده فإن ارتباط الموجودات بعضها ببعض عرضا وطولا يجعل الجميع واحدا يتقيد بعض أجزائه ببعض في وجوده فإفاضة واحد منها إنما يتم بإفاضة الكل فليست الإفاضة إلا واحدة ينال كل منها ما في وسعه أن يناله. وأما إنكار العلية والمعلولية بين الأشياء فيكفي في دفعه ما تقدم في مرحلة العلة والمعلول من البرهان على ذلك على أنه لو لم يكن بين الأشياء شي ء من رابطة التأثير والتأثر وكان ما نجده منها بين الأشياء باطلا لا حقيقة

ص 305

له لم يكن لنا سبيل إلى إثبات فاعل لها وراءها وهو الواجب الفاعل للكل. وأما القول بالجبر وإنكار الاختيار في الأفعال بتقريب أن فاعلية الواجب بالذات وتعلق إرادته بالفعل المسمى اختياريا يجعل الفعل واجب التحقق ضروري الوقوع ولا معنى لكون الفعل الضروري الوجود اختياريا للإنسان له أن يفعل ويترك ولا لكون إرادته مؤثرة في الفعل. يدفعه أن فاعليته تعالى طولية لا تنافي فاعلية غيره أيضا إذا كانت طولية وإرادته إنما تعلقت بالفعل بوصف أنه اختياري فأراد أن يفعل الإنسان باختياره وإرادته فعلا كذا وكذا فالفعل الاختياري واجب التحقق بوصف أنه اختياري. واستدل بعضهم على الجبر في الأفعال بأنه فعل المعصية معلوم للواجب تعالى فهو واجب التحقق ضروري الوقوع إذ لو لم يقع كان علمه جهلا وهو محال فالفعل ضروري ولا يجامع ضرورة الوقوع اختيارية الفعل. ويعارضه أن فعل المعصية معلوم للواجب تعالى بخصوصية وقوعه وهو أنه صادر عن الإنسان باختياره فهو بخصوصية كونه اختياريا واجب التحقق ضروري الوقوع إذ لو لم يقع كان علمه تعالى جهلا وهو محال فالفعل بما أنه اختياري ضروري التحقق.

تنبيه

استدلالهم على الجبر في الأفعال بتعلق علم الواجب تعالى بها وتعين وقوعها بذلك استناد منهم في الحقيقة إلى القضاء العلمي الذي يحتم ما يتعلق به من الأمور وأما الإرادة التي هي صفة ثبوتية زائدة على الذات عندهم فإنهم لا يرونها مبدأ للفعل موجبا له زعما منهم أن وجوب الفعل يجعل

ص 306

الفاعل موجبا بفتح الجيم والواجب تعالى فاعل مختار بل شأن الإرادة أن يرجح الفعل بالأولوية من غير وجوب فللإرادة أن يخصص أي طرف من طرفي الفعل تعلقت به. وهذه آراء سخيفة تبين بطلانها بما تقدم بيانه من الأصول الماضية فالوجوب الذي يلحق المعلول وجوب غيري منتزع من وجوده الذي أفاضته علته وهو أثرها فلو عاد هذا الوجوب وأثر في العلة بجعلها موجبة في فاعليته لزم كون المتأخر وجودا من حيث هو متأخر متقدما على المتقدم وجودا من حيث هو متقدم وهو محال. على أن الفاعل المختار لو عاد موجبا بالفتح بسبب وجوب الفعل لم يكن في ذلك فرق بين أن يستند وجوب المعلول إلى علم سابق وقضاء متقدم أو إلى إيجاب الفاعل للفعل الذي هو مفاد قولنا الشي ء ما لم يجب لم يوجد. وأيضا قد ظهر مما تقدم أن الترجيح بالأولوية مرجعه إلى عدم حاجة الممكن في تعين أحد طرفي الوجود والعدم إلى المرجح لبقاء الطرف المرجوح على حد الجواز مع وجود الأولوية في الطرف الراجح وعدم انقطاع السؤال بلم بعد. وأيضا الترجيح بالإرادة مع فرض استواء نسبتها إلى طرفي الفعل والترك مرجعه إلى عدم الحاجة إلى المرجح.

الفصل الخامس عشر في حياته تعالى

الفصل الخامس عشر في حياته تعالى

الحياة فيما عندنا من أقسام الحيوان كون الشي ء بحيث يدرك ويفعل والإدراك العام في الحيوان كله هو الإدراك الحسي الزائد عن الذات والفعل

ص 307

فعل محدود عن علم به وإدراك فالعلم والقدرة من لوازم الحياة وليسا بها لأنا نجوز مفارقة العلم الحياة وكذا مفارقة القدرة الحياة في بعض الأحيان فالحياة التي في الحيوان مبدأ وجودي يترتب عليه العلم والقدرة. وإذ كان الشي ء الذي له علم وقدرة زائدان على ذاته حيا وحياته كمالا وجوديا له فمن كان علمه وقدرته عين ذاته وله كل كمال وكل الكمال فهو أحق بأن يسمى حيا وهو الواجب بالذات تعالى فهو تعالى حي بذاته وحياته كونه بحيث يعلم ويقدر وعلمه بكل شي ء من ذاته وقدرته مبدئيته لكل شي ء سواه بذاته.

الفصل السادس عشر في الإرادة والكلام

الفصل السادس عشر في الإرادة والكلام

عدوهما في المشهور من الصفات الذاتية للواجب تعالى أما الإرادة فقد تقدم القول فيها في البحث عن القدرة وأما الكلام فقد قيل إن الكلام في عرفنا لفظ دال بالدلالة الوضعية على ما في الضمير فهو موجود اعتباري يدل عند العارف بالوضع بدلالة وضعية اعتبارية على ما في ذهن المتكلم ولذلك يعد وجودا لفظيا للمعنى الذهني اعتبارا كما يعد المعنى الذهني وجودا ذهنيا ومصداقه الخارجي وجودا خارجيا للشي ء. فلو كان هناك موجود حقيقي دال على شي ء دلالة حقيقة غير اعتبارية كالأثر الدال على المؤثر والمعلول الدال بما فيه من الكمال الوجودي على ما في علته من الكمال بنحو أعلى وأشرف كان أحق بأن يسمى كلاما لأصالة وجودها وقوة دلالتها. ولو كان هناك موجود بسيط الذات من كل وجه له كل كمال

308

في الوجود بنحو أعلى وأشرف يكشف بتفاصيل صفاته التي هي عين ذاته المقدسة عن إجمال ذاته كالواجب تعالى فهو كلام يدل بذاته على ذاته والإجمال فيه عين التفصيل. أقول فيه تحليل الكلام وإرجاع حقيقة معناه إلى نحو من معنى القدرة فلا ضرورة تدعو إلى أفراده من القدرة على أن جميع المعاني الوجودية وإن كانت متوغلة في المادية محفوفة بالأعدام والنقائص يمكن أن تعود بالتحليل وحذف النقائص والأعدام إلى صفة من صفاته الذاتية. فإن قلت هذا جار في السمع والبصر فهما وجهان من وجوه العلم مع أنهما أفردا من القدرة وعدا صفتين من الصفات الذاتية. قلت ذلك لورودهما في الكتاب والسنة وأما الكلام فلم يرد منه في الكتاب الكريم إلا ما كان صفة للفعل.

الفصل السابع عشر

الفصل السابع عشر

في العناية الإلهية بخلقه وأن النظام الكوني في غاية ما يمكن من الحسن والإتقان

الفاعل العلمي الذي لعلمه دخل في تمام عليته الموجبة إذا كان ناقصا في نفسه مستكملا بفعله فهو بحيث كلما قويت الحاجة إلى الكمال الذي يتوخاه بفعله زاد اهتمامه بالفعل وأمعن في إتيان الفعل بحيث يتضمن جميع الخصوصيات الممكنة اللحاظ في إتقان صنعه واستقصاء منافعه بخلاف ما لو كان الكمال المطلوب بالفعل حقيرا غير ضروري عند الفاعل جائز الإهمال في منافعه وهذا المعنى هو المسمى بالعناية.

ص 309

الواجب تعالى غني الذات له كل كمال في الوجود فلا يستكمل بشي ء من فعله وكل موجود فعله ولا غاية له في أفعاله خارجة من ذاته لكن لما كان له علم ذاتي بكل شي ء ممكن يستقر فيه وعلمه الذي هو عين ذاته علة لما سواه فيقع فعله على ما علم من غير إهمال في شي ء مما علم من خصوصياته والكل معلوم فله تعالى عناية بخلقه. والمشهود من النظام العام الجاري في الخلق والنظام الخاص الجاري في كل نوع والنظم والترتيب الذي هو مستقر في أشخاص الأنواع يصدق ذلك فإذا تأملنا في شي ء من ذلك وجدنا مصالح ومنافع في خلقه نقضي منها عجبا وكلما أمعنا وتعمقنا فيه بدت لنا منافع جديدة وروابط عجيبة تدهش اللب وتكشف عن دقة الأمر وإتقان الصنع. وما تقدم من البيان جار في العلل العالية والعقول المجردة التي ذواتها تامة ووجوداتها كاملة منزهة عن القوة والاستعداد فليس صدور أفعالها منها لغرض وغاية تعود إليها من أفعالها ولم تكن حاصلة لها قبل الفعل لفرض تمام ذواتها فغايتها في فعلها ذواتها التي هي أظلال لذات الواجب تعالى وبالحقيقة غايتها في فعلها الواجب عز اسمه. ويظهر مما تقدم أن النظام الجاري في الخلقة أتقن نظام وأحكمه لأنه رقيقة العلم الذي لا سبيل للضعف والفتور إليه بوجه من الوجوه. توضيحه أن عوالم الوجود الكلية على ما سبقت إليها الإشارة ثلاثة عوالم لا رابع لها عقلا فإنها إما وجود فيه وصمة القوة والاستعداد لا اجتماع لكمالاته الأولية والثانوية الممكنة في أول كينونته وإما وجود تجتمع كمالاته الأولية والثانوية الممكنة في أول كينونته فلا يتصور فيه طرو شي ء من الكمال بعد ما لم يكن والأول عالم المادة والقوة والثاني إما أن يكون مجردا من المادة دون آثارها من كيف وكم وسائر الأعراض الطارية للأجسام المادية وإما أن يكون عاريا من المادة وآثار المادة جميعا والأول

ص 310

عالم المثال والثاني عالم العقل. فالعوالم الكلية ثلاثة وهي مترتبة من حيث شدة الوجود وضعفه وهو ترتب طولي بالعلية والمعلولية فمرتبة الوجود العقلي معلولة للواجب تعالى بلا واسطة وعلة متوسطة لما دونها من المثال ومرتبة المثال معلولة للعقل وعلة لمرتبة المادة والماديات وقد تقدمت إلى ذلك إشارة وسيجي ء توضيحه. فمرتبة الوجود العقلي أعلى مراتب الوجود الإمكاني وأقربها من الواجب تعالى والنوع العقلي منحصر في فرد فالوجود العقلي بما له من النظام ظل للنظام الرباني الذي في العالم الربوبي الذي فيه كل جمال وكمال. فالنظام العقلي أحسن نظام ممكن وأتقنه ثم النظام المثالي الذي هو ظل للنظام العقلي ثم النظام المادي الذي هو ظل للمثال فالنظام العالمي العام أحسن نظام ممكن وأتقنه

الفصل الثامن عشر في الخير والشر ودخول الشر في القض

الفصل الثامن عشر في الخير والشر ودخول الشر في القضاء الإلهي

الخير ما يطلبه ويقصده ويحبه كل شي ء ويتوجه إليه كل شي ء بطبعه وإذا تردد الأمر بين أشياء فالمختار خيرها فلا يكون إلا كمالا وجوديا يتوقف عليه وجود الشي ء كالعلة بالنسبة إلى معلولها أو كمالا أولا هو وجود الشي ء بنفسه أو كمالا ثانيا يستكمل الشي ء به ويزول به عنه نقص والشر يقابله فهو عدم ذات أو عدم كمال ذات. والدليل على أن الشر عدم ذات أو عدم كمال ذات أن الشر لو كان أمرا وجوديا لكان إما شرا لنفسه أو شرا لغيره والأول محال إذ لو اقتضى الشي ء عدم نفسه لم يوجد من رأس والشي ء لا يقتضي عدم نفسه ولا عدم شي ء

ص 311

من كمالاته الثانية لما بينه وبينها من الرابطة الوجودية والعناية الإلهية أيضا توجب إيصال كل شي ء إلى كماله. والثاني أيضا محال لأن كون الشر والمفروض أنه وجودي شرا لغيره إما بكونه معدما لذات ذلك الغير أو معدما لشي ء من كمالاته أو بعدم أعدامه لا لذاته ولا لشي ء من كمالاته والأول والثاني غير جائزين فإن الشر حينئذ يكون هو عدم ذلك الشي ء أو عدم شي ء من كمالاته دون الشي ء المعدم المفروض وهذا خلف. والثالث أيضا غير جائز فإنه إذا لم يعدم شيئا لا ذاتا ولا كمال ذات فليس يجوز عده شرا فالعلم الضروري حاصل بأن ما لا يوجب عدم شي ء ولا عدم كماله فإنه لا يكون شرا له لعدم استضراره به فالشر كيفما فرض ليس بوجودي وهو المطلوب. ويصدق ذلك التأمّل الوافي في موارد الشر من الحوادث فإن الإمعان في أطرافها يهدي إلى أن الشر الواقع عدم ذات أو عدم كمال ذات كما إذا قتل رجل رجلا بالسيف صبرا فالضرب المؤثر الذي تصداه القاتل كمال له وليس بشر وحدة السيف وكونه قطاعا كمال له وليس بشر وانفعال عنق المقتول ولينته كمال لبدنه وليس بشر وهكذا فليس الشر إلا زهاق الروح وبطلان الحياة وهو عدمي. وتبين بما مر أن ما يعد من الوجودات شرا بسبب الاستضرار به هو شر بالعرض كالقاتل والسيف في المثال المذكور. فإن قلت إن الألم من الإدراك غير تفرق الاتصال الحاصل بالقطع مثلا وهو أمر وجودي بالوجدان وينتقض به قولهم إن الشر بالذات عدمي اللهم إلا أن يراد به أن منشأ الشرية عدمي وإن كان بعض الشر وجوديا. قلت أجاب عنه صدر المتألهين قدس سره بأن الألم إدراك المنافي العدمي كتفرق الاتصال ونحوه بالعلم الحضوري الذي يحضر فيه المعلوم

ص 312

بوجوده الخارجي عند العالم لا بالعلم الحصولي الذي يحضر فيه المعلوم عند العالم بصوره مأخوذة منه لا بوجوده الخارجي فليس عند الألم أمران تفرق الاتصال مثلا والصورة الحاصلة منه بل حضور ذلك الأمر المنافي هو الألم بعينه فهو وإن كان نحوا من الإدراك لكنه من أفراد العدم وهو وإن كان نحوا من العدم لكن له ثبوت على حد ثبوت أعدام الملكات كالعمى والنقص وغير ذلك والحاصل أن النفس لكونها صورة الإنسان الأخيرة التي بحذاء الفصل الأخير جامعة لجميع كمالات النوع واجدة لعامة القوى البدنية وغيرها فتفرق الاتصال الذي هو آفة واردة على الحاسة تدرك النفس عنده فقدها كمال تلك القوة التي وردت عليها الآفة في مرتبة النفس الجامعة لا في مرتبة البدن المادية. ثم إن الشر لما كان هو عدم ذات أو عدم كمال ذات كان من الواجب أن تكون الذات التي يصيبه العدم قابلة له كالجواهر المادية التي تقبل العدم بزوال صورتها التي هي تمام فعليتها النوعية وأن تكون الذات التي ينعدم كمالها بإصابة الشر قابلة لفقد الكمال أي أن يكون العدم عدما طاريا لها لا لازما لذاتها كالأعدام والنقائص اللازمة للماهيات الإمكانية فإن هذا النوع من الأعدام منتزع من مرتبة الوجود وحده. وبهذا تبين أن عالم التجرد التام لا شر فيه إذ لا سبيل للعدم إلى ذواتها الثابتة بإثبات مبدئها ولا سبيل لعروض الأعدام المنافية لكمالاتها التي تقتضيها وهي موجودة لها في بدء وجودها. فمجال الشر ومداره هو عالم المادة التي تتنازع فيه الأضداد وتتمانع فيه مختلف الأسباب وتجري فيه الحركات الجوهرية والعرضية التي يلازمها التغير من ذات إلى ذات ومن كمال إلى كمال. والشرور من لوازم وجود المادة القابلة للصور المختلفة والكمالات المتنوعة المتخالفة غير أنها كيفما كانت مغلوبة للخيرات حقيرة في جنبها إذا قيست إليه

ص 313

وذلك أن الأشياء كما نقل عن المعلم الأول من حيث الخيرات والشرور المنتسبة إليها على خمسة أقسام إما خير محض وإما شر محض وإما خيرها غالب وإما شرها غالب وإما متساوية الخير والشر والموجود من الأقسام الخمسة قسمان هما الأول الذي هو خير محض وهو الواجب تعالى الذي يجب وجوده وله كل كمال وجودي وهو كل الكمال ويلحق به المجردات التامة والثالث الذي خيره غالب فإن العناية الإلهية توجب وجوده لأن في ترك الخير الكثير شرا كثيرا. وأما الأقسام الثلاثة الباقية فالشر المحض هو العدم المحض الذي هو بطلان صرف لا سبيل إلى وجوده وما شره غالب وما خيره وشره متساويان تأباهما العناية الإلهية التي نظمت نظام الوجود على أحسن ما يمكن وأتقنه. وأنت إذا تأملت أي جزء من أجزاء الكون وجدته أنه لو لم يقع على ما وقع عليه بطل بذلك النظام الكوني المرتبط بعض أطرافه ببعض من أصله وكفى بذلك شرا غالبا في تركه خير غالب. وإذ تبين أن الشرور القليلة التي تلحق الأشياء من لوازم الخيرات الكثيرة التي لها فالقصد والإرادة تتعلق بالخيرات بالأصالة وبالشرور اللازمة لها بالتبع وبالقصد الثاني. ومن هنا يظهر أن الشرور داخلة في القضاء الإلهي بالقصد الثاني وإن شئت قلت بالعرض نظرا إلى أن الشرور أعدام لا يتعلق بها قصد بالذات.

الفصل التاسع عشر في ترتيب أفعاله وهو نظام الخلقة

الفصل التاسع عشر في ترتيب أفعاله وهو نظام الخلقة

قد اتضح بالأبحاث السابقة أن للوجود الإمكاني وهو فعله تعالى

ص 314

انقسامات منها انقسامه إلى مادي ومجرد وانقسام المجرد إلى مجرد عقلي ومجرد مثالي وأشرنا هناك إلى أن عوالم الوجود الكلية ثلاثة عالم التجرد التام العقلي وعالم المثال وعالم المادة والماديات فالعالم العقلي مجرد تام ذاتا وفعلا عن المادة وآثارها وعالم المثال مجرد عن المادة دون آثارها من الأشكال والأبعاد والأوضاع وغيرها ففي هذا العالم أشباح متمثلة في صفة الأجسام التي في عالم المادة والطبيعة في نظام شبيه بنظامها الذي في عالم المادة وإنما الفرق بينه وبين النظام المادي أن تعقب بعض المثاليات لبعض بالترتب الوجودي لا بتغير صورة أو حال إلى صورة أو حال أخرى بالخروج من القوة إلى الفعل بالحركة كما هو الحال في عالم المادة فحال الصور المثالية فيما ذكرناه من ترتب بعضها على بعض حال صورة الحركة والتغير في الخيال والعلم مجرد مطلقا فالمتخيل من الحركة علم بالحركة لا حركة في العلم وعلم بالتغير لا تغير في العلم. وعالم المادة لا يخلو ما فيها من الموجودات من تعلق ما بالمادة وتستوعبه الحركة والتغير جوهرية كانت أو عرضية. وإذ كان الوجود بحقيقته الأصيلة حقيقة مشككة ذات مراتب مختلفة في الشدة والضعف والشرف والخسة تتقوم كل مرتبة منها بما فوقها ويتوقف عليها بهويتها يستنتج من ذلك أولا أن العوالم الثلاثة مترتبة وجودا بالسبق واللحوق فعالم العقل قبل عالم المثال وعالم المثال قبل عالم المادة وجودا وذلك لأن الفعلية المحضة التي لا يشوبها قوة ولا يخالطها استعداد أقوى وأشد وجودا مما هو بالقوة محضا كالهيولى الأولى أو يشوبه القوة ويخالطه الاستعداد كالطبائع المادية فعالما العقل والمثال يسبقان عالم المادة. ثم العقل المفارق أقل حدودا وأوسع وجودا وأبسط ذاتا من المثال الذي تصاحبه آثار المادة وإن خلا عن المادة ومن المعلوم أن الوجود كلما كان

ص 315

أقل حدودا وأوسع وأبسط كانت مرتبته من حقيقة الوجود المشككة أقدم وأسبق وأعلى ومن أعلى المراتب التي هي مبدأ الكل أقرب فعالم العقل أقدم وأسبق وجودا من عالم المثال. وثانيا أن الترتيب المذكور بين العوالم الثلاثة ترتيب علي لمكان السبق والتوقف الذي بينها فعالم العقل علة لعالم المثال وعالم المثال علة مفيضة لعالم المادة. وثالثا أن العوالم الثلاثة متطابقة متوافقة نظاما بما يليق بكل منها وجودا وذلك لما تقدم أن كل علة مشتملة على كمال معلولها بنحو أعلى وأشرف ففي عالم المثال نظام مثالي يضاهي نظام عالم المادة وهو أشرف منه وفي عالم العقل ما يطابق نظام المثال لكنه موجود بنحو أبط وأشرف وأجمل منه ويطابقه النظام الرباني الذي في العلم الربوبي. ورابعا أنه ما من موجود ممكن مادي أو مجرد علوي أو سفلي إلا هو آية للواجب تعالى من جميع الوجوه يحكي بما عنده من الكمال الوجودي كمال الواجب تعالى.

الفصل العشرون في العالم العقلي ونظامه وكيفية حصول

اشارة

الفصل العشرون في العالم العقلي ونظامه وكيفية حصول الكثرة فيه

قد تحقق في مباحث العلة والمعلول أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ولما كان الواجب تعالى واحدا بسيطا من كل وجه لا يتسرب إليه جهة كثرة لا عقلية ولا خارجية واجدا لكل كمال وجودي وجدانا تفصيليا في

ص 316

عين الإجمال لا يفيض إلا وجودا واحدا بسيطا له كل كمال وجودي لمكان المسانخة بين العلة والمعلول له الفعلية التامة من كل جهة والتنزه عن القوة والاستعداد. غير أنه وجود ظلي للوجود الواجبي فقير إليه متقوم به غير مستقل دونه فيلزمه النقص الذاتي والمحدودية الإمكانية التي تتعين بها مرتبتها في الوجود ويلزمها الماهية الإمكانية والموجود الذي هذه صفتها عقل مجرد ذاتا وفعلا متأخر الوجود عن الواجب تعالى من غير واسطة متقدم في مرتبة الوجود على سائر المراتب الوجودية. ثم إن الماهية لا تتكثر أفرادها إلا بمقارنة المادة والوجه فيه أن الكثرة إما أن تكون عين الماهية أو جزأها أو خارجة منها لازمة لها أو خارجة منها مفارقة لها وعلى التقادير الثلاثة الأول لا يوجد للماهية فرد إذ كلما وجد فرد لها كان من الواجب أن يكون كثيرا وكل كثير مؤلف من آحاد والواحد منها وجب أن يكون كثيرا لكونه مصداقا للماهية وهذا الكثير أيضا مؤلف من آحاد وهلم جرا فيتسلسل ولا ينتهي إلى واحد فلا يتحقق كثير فلا يوجد للماهية فرد. فمن الواجب أن تكون الكثرة الأفرادية أمرا خارجا من الماهية مفارقا لها ولحوق المفارق يحتاج إلى مادة فكل ماهية كثير الأفراد فهي مادية وينعكس عكس النقيض إلى أن كل ماهية غير مادية وهي المجردة وجودا لا تتكثر تكثرا أفراديا أي أن كل مجرد فنوعه منحصر في فرد وهو المطلوب نعم يمكن الكثرة الأفرادية في العقل المجرد فيما لو استكملت أفراد من نوع مادي كالإنسان بالسلوك الذاتي والحركة الجوهرية من نشأة المادة والإمكان إلى نشأة التجرد والفعلية الصرفة فيستصحب التميز الفردي الذي كان لها عند كونها في أول وجودها في نشأة المادة والقوة. فتبين أن الصادر الأول الذي يصدر من الواجب تعالى عقل واحد هو

ص 317

أشرف موجود ممكن وأنه نوع منحصر في فرد وإذ كان أشرف وأقدم في الوجود فهو علة لما دونه وواسطة في الإيجاد وأن فيه أكثر من جهة واحدة تصح صدور الكثير منه لكن الجهات الكثيرة التي فيه لا تبلغ حدا يصح به صدور ما دون النشأة العقلية بما فيه من الكثرة البالغة فمن الواجب أن يترتب صدور العقول نزولا إلى حد يحصل فيه من الجهات عدد يكافئ الكثرة التي في النشأة التي بعد العقل. وتتصور هذه الكثرة على أحد وجهين إما طولا وإما عرضا فالأول وهو حصول الكثرة طولا أن يوجد عقل ثم عقل وهكذا وكلما وجد عقل زادت جهة أو جهات حتى ينتهي إلى عقل تتحقق به جهات من الكثرة يفي بصدور النشأة التي بعد نشأة العقل فهناك أنواع متباينة من العقول كل منها منحصر في فرد وهي مترتبة نزولا كل عال أشد وأشرف مما هو بعده وعلة فاعلة تام الفاعلية له لما أن إمكانه الذاتي كاف في صدوره وآخر هذه العقول علة فاعلة للنشأة التي بعد نشأة العقل وهذا الوجه هو الذي يميل إليه المشاءون فيما صوروه من العقول العشرة ونسبوا إلى آخرها المسمى عندهم بالعقل الفعال إيجاد عالم الطبيعة. والثاني وهو حصول الكثرة عرضا بأن ينتهي العقول الطولية إلى عقول عرضية لا عليه ولا معلولية بينها هي بحذاء الأنواع المادية يدبر كل منها ما بحذائه من النوع المادي وبها توجد الأنواع التي في عالم الطبيعة وينتظم نظامه وتسمى هذه العقول أرباب الأنواع والمثل الأفلاطونية. وهذا الوجه هو الذي يميل إليه الإشراقيون وذهب إليه شيخ الإشراق واختاره صدر المتألهين قدس سره واستدل عليه بوجوه أحدها أن القوى النباتية من الغاذية والنامية والمولدة أعراض حالة في جسم موضوعها متغيرة بتغيره متحللة بتحلله فاقدة للعلم والإدراك فمن المحال أن تكون هي المبادي الموجدة لهذه التراكيب العجيبة التي لموضوعاته

ص 318

والأفعال المختلفة والأشكال والتخاطيط الحسنة الجميلة التي فيها مع ما فيها من النظام الدقيق المتقن المحير للعقول فليس إلا أن هناك جوهرا عقليا مجردا يعتني بها ويدبر أمرها ويهديها إلى غاياتها في الوجود. وفيه أن هذا الدليل لو تم دل على أن هذه الأعمال العجيبة والنظام الجاري فيها تنتهي إلى جوهر عقلي ذي علم وأما قيامه بجوهر عقلي مباشر لا واسطة بينه وبين الجسم النباتي فلا فمن الجائز أن ينسب ما نسبوه إلى هذا الجوهر العقلي إلى الصورة الجوهرية التي بها يتحقق نوعية النوع وفوقها العقل الفعال الذي هو آخر سلسلة العقول الطولية. الثاني أن الأنواع الطبيعية المادية بما لها من النظام الجاري فيها دائما ليست موجودة عن اتفاق فالأمر الاتفاقي لا يكون دائميا ولا أكثريا فلهذه الأنواع علل حقيقية وليست هي التي يزعمونها من الأمزجة ونحوها إذ لا دليل يدل على ذلك بل العلة الحقيقية التي يستند إليها كل منها جوهر عقلي مجرد ومثال كلي يعتني به ويوجده ويدبر أمره والمراد بكليته استواء نسبته إلى جميع الأفراد المادية التي تسوقها من القوة إلى الفعل لا جواز صدقه على كثيرين. وفيه أن أفعال كل نوع وآثاره مستندة إلى صورته النوعية ولو لا ذلك لم يتميز نوع جوهرة من نوع آخر مثله والدليل على الصورة النوعية الآثار المختصة بكل نوع التي تحتاج إلى ما تقوم به وتستند إليه فيكون مبدأ قريبا لها. الثالث أن ذلك مما تقتضيه قاعدة إمكان الأشرف وهي قاعدة مبرهن عليها فإذا وجد ممكن هو أخس وجودا من ممكن آخر وجب أن يكون الممكن الذي هو أشرف منه موجودا قبله ولا ريب أن الإنسان الذي هو بالفعل في جميع الكمالات الإنسانية مثلا أشرف وجودا من الإنسان المادي الذي هو بالقوة بالنسبه إلى أكثر الكمالات الإنسانية فوجود الإنسان المادي دليل على وجود مثاله العقلي قبله وكذلك الأفراد المادية لكل نوع مادي وجودها دليل

ص 319

على وجود رب نوعها قبلها وهو فرد من النوع مجرد في أول وجوده له فعلية في جميع كمالات النوع مخرج لسائر الأفراد من القوة إلى الفعل مدبر لها. وفيه أن جريان قاعدة إمكان الأشرف مشروط بكون الأخس والأشرف داخلين تحت ماهية نوعية واحدة حتى يدل جود الأخس في الخارج على إمكان الأشرف بحسب ماهيته ومجرد صدق مفهوم على شي ء لا يدل على كون ذلك الشي ء فردا لذلك المفهوم حقيقة كما أن كل علة موجدة واجدة لجميع كمالات المعلول التي بها ذلك المعلول هو هو ولا يجب مع ذلك أن يكون علة كل شي ء متحدة الماهية مع معلولها. فكون الكمال الذي به الإنسان إنسان مثلا موجودا لشي ء وانطباقه عليه لا يكشف عن كونه فردا لماهية الإنسان لمجرد كونه واجدا لذلك. وبعبارة أخرى صدق مفهوم الإنسان على الإنسان الكلي الذي نعقله لا يدل على كون معقولنا فردا للماهية النوعية الإنسانية لم لا يجوز أن يكون واحدا من العقول الطولية التي هي في سلسلة علل الإنسان القريبة أو البعيدة لوجدانه كمال الإنسان وغيره من الأنواع والحمل على هذا حمل الحقيقة والرقيقة دون الشائع. وأما لو لم يشترط في جريان القاعدة كون الأخس والأشرف داخلين تحت ماهية واحدة نوعية فالإشكال أوقع.

تنبيه: قاعدة إمكان الأشرف

تنبيه: قاعدة إمكان الأشرف

ومفادها أن الممكن الأشرف يجب أن يكون أقدم في مراتب الوجود من الممكن الأخس فلا بد أن يكون الممكن الذي هو أشرف منه قد وجد قبله قد اعتنى بأمرها جمع من الحكماء وبنوا عليها عدة من المسائل.

ص 320

وقد قرر الاستدلال عليها صدر المتألهين قدس سره بأن الممكن الأخس إذا وجد عن الباري جل ذكره وجب أن يكون الممكن الأشرف قد وجد قبله وإلا فإن جاز أن يوجد معه وجب أن يوجد عن الواجب لذاته في مرتبة واحدة لذات واحدة من جهة واحدة شيئان وهو محال وإن جاز أن يوجد بعد الأخس وبواسطة لزم كون المعلول أشرف من علته وأقدم وهو محال وإن لم يجز أن يوجد لا قبل الأخس ولا معه ولا بعده مع أنه ممكن بالإمكان الوقوعي الذي هو كون الشي ء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال فلو فرض وجوده وليس بصادر عن الواجب لذاته ولا عن شي ء من معلولاته وهو على إمكانه فبالضرورة وجوده يستدعي جهة مقتضية له أشرف مما عليه الواجب لذاته فيلزم أن يكون الممكن المفروض يستدعي بإمكانه علة موجدة أعلى وأشرف من الواجب لذاته وهو محال لأن الواجب لذاته فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى شدة فالمطلوب ثابت. ويمكن الاستدلال بما هو أوضح من ذلك فإن الشرافة والخسة المذكورتين وصفان للوجود مرجعهما إلى الشدة والضعف بحسب مرتبة الوجود فيرجعان إلى العلية والمعلولية مآلهما إلى كون الشي ء مستقلا موجودا في نفسه وكونه رابطا قائما بغيره موجدا في غيره فكل مرتبة من مراتب الوجود متقومة بما فوقها قائمة به وأخس منه ومقومة لما دونها مستقلة بالنسبة إليه وأشرف منه. فلو فرض ممكنان أشرف وأخس وجودا كان من الواجب أن يوجد الأشرف قبل الأخس قبلية وجودية وإلا كان الأخس مستقلا غير رابط ولا متقوم بالأشرف وقد فرض رابطا متقوما به هذا خلف. والمستفاد من الحجتين أولا أن كل كمال وجودي هو أخس من كمال آخر وجودي فالأشرف منهما موجود قبل الأخس والأشد منهما قبل الأضعف كالمرتبتين من الوجود المختلفتين شدة وضعفا وإن اختلفتا ماهية نظير العقلين الأول والثاني.

ص 321

وأما إذ كان الأخس فردا ماديا لماهية فإنما تفيد القاعدة أن الكمال الذي هو مسانخ له وأشد منه موجود قبله من غير أن تفيد أن ذلك الكمال الأشد فرد لماهية الأخس لجواز أن يكون جهة من جهات الكمال الكثيرة في علة كثيرة الجهات كالإنسان مثلا له فرد مادي ذو كمال أخس وفوقه كمال إنساني مجرد من جميع الجهات أشرف منه لكن لا يلزم منه أن يكون إنسانا بالحمل الشائع لجواز أن يكون جهة من جهات الكمال الذي في علته الفاعلة فينتج حمل الحقيقة والرقيقة. نعم تجري القاعدة في الغايات العالية المجردة التي لبعض الأنواع المتعلقة بالمادة كالإنسان لقيام البرهان على ثبوتها لذويها بالحمل الشائع إذا لم تصادف شيئا من الموانع الطبيعية. وثانيا أن القاعدة إنما تجري فيما وراء الماديات وعالم الحركات من المجردات التي لا يزاحم مقتضياتها مزاحم ولا يمانعها ممانع وأما الماديات فمجرد اقتضاء المقتضي فيها وإمكان الماهية لا يكفي في إمكان وقوعها بل ربما يعوقها عائق. فلا يرد أن القاعدة لو كانت حقة استلزمت بلوغ كل فرد مادي كالفرد من الإنسان غاية كمالها العقلي والخيالي لكونها أشرف من الوجود الذي هو بالقوة مع أن أكثر الأفراد محرومون عن الكمال الغائي ممنوعون عن الوجود النهائي.

الفصل الحادي والعشرون في عالم المثال

الفصل الحادي والعشرون في عالم المثال

ويسمى أيضا البرزخ لتوسطه بين العالم العقلي وعالم المادة والطبيعة

ص 322

وهو كما ظهر مما تقدم مرتبة من الوجود مجردة عن المادة دون آثارها من الكم والكيف والوضع ونحوها من الأعراض والعلة الموجدة له هو آخر العقول الطولية المسمى عقلا فعالا عند المشائين وبعض العقول العرضية عند الإشراقيين. وفيه أمثلة الصور الجوهرية التي هي جهات الكثرة في العقل المفيض لهذا العالم المتمثل بعضها لبعض بهيئات مختلفة من غير أن يفسد اختلاف الهيئات الوحدة الشخصية التي لجوهره مثال ذلك أن جمعا كثيرا من أفراد الإنسان مثلا يتصورون بعض من لم يروه من الماضين وإنما سمعوا اسمه وشيئا من سيرته كل منهم يمثله في نفسه بهيئة مناسبة لما يقدره عليه بما عنده من صفته وإن غايرت الهيئة التي له عند غيره. ولهذه النكتة قسموا المثال إلى خيال منفصل قائم بنفسه مستقل عن النفوس الجزئية المتخيلة وخيال متصل قائم بالنفوس الجزئية المتخيلة. على أن في متخيلات النفوس صورا جزافية لا تناسب فعل الحكيم وفيها نسبة إلى دعابات المتخيلة.

الفصل الثاني والعشرون في العالم المادي

الفصل الثاني والعشرون في العالم المادي

وهو العالم المحسوس أخس مراتب الوجود ويتميز عن العالمين عالم العقل وعالم المثال يتعلق الصور فيه ذاتا وفعلا أو فعلا بالمادة وتوقفها على الاستعداد. فما للأنواع التي فيها من الكمالات هي في أول الوجود بالقوة ثم يخرج إلى الفعلية بالتدريج وربما عاقها من كمالها عائق فالعلل فيها متزاحمة

ص 323

متمانعة. وقد عثرت الأبحاث العلمية الطبيعية والرياضية إلى هذه الأيام على شي ء كثير من أجزاء هذا العالم والنسب التي بينها والنظام الجاري فيها ولعل ما هو مجهول منها أكثر مما هو معلوم. وقد تبين في الأبحاث السابقة أن عالم المادة بما بين أجزائه من الارتباط والاتصال واحد سيال في ذاته متحرك في جوهره ويشايعه في ذلك الأعراض والغاية التي تنتهي إليها هذه الحركة العامة هي التجرد على ما تقدمت الإشارة إليه في مرحلة القوة والفعل. وإذ كان هذا العالم حركة ومتحركا في جوهره سيلانا وسيالا في وجوده وكانت هويته عين التجدد والتغير لا شيئا يطرأ عليه التجدد والتغير صح ارتباطه بالعلة الثابتة التي تنزه عن التجدد والتغير. فالجاعل الثابت الوجود جعل ما هو في ذاته متجدد متغير لا أنه جعل الشي ء متجددا متغيرا وبذلك يرتفع إشكال استناد المتغير إلى الثابت وارتباط الحادث بالقديم.

الفصل الثالث والعشرون في حدوث العالم

الفصل الثالث والعشرون في حدوث العالم

قد تحقق فيما تقدم من مباحث القدم والحدوث أن كل ماهية ممكنة موجودة مسبوقة الوجود بعدم ذاتي فهي حادثة حدوثا ذاتيا والعدم السابق على وجودها بحده منتزع عن علتها الموجدة لها فهي مسبوقة الوجود بوجود علتها متأخرة عنها. وإذ كان المبدأ الأول لكل وجود إمكاني سواء كان ماديا أو مجرد

ص 324

عقليا أو غير عقلي هو الواجب لذاته تعالى فكل ممكن موجود حادث ذاتا بالنسبة إليه ومجموع الممكنات المسمى بعالم الإمكان وبما سوى الباري تعالى ليس شيئا وراء أجزائه فحكمه حكم أجزائه فالعالم بجميع أجزائه حادث ذاتا مسبوق الوجود بوجود الواجب لذاته. ثم أنا لو أغمضنا عن الماهيات وقصرنا النظر في الوجود بما أنه الحقيقة الأصيلة وجدنا الوجود منقسما إلى واجب لذاته قائم بذاته مستقل في تحققه وثبوته وممكن موجود في غيره رابط قائم بغيره الذي هو الواجب كان كل وجود إمكاني مسبوقا بالوجود الواجبي حادثا هذا النحو من الحدوث وحكم مجموع الوجودات الإمكانية حكم أجزائه فالمجموع حادث بحدوثه. ثم إن لعالم المادة والطبيعة حدوثا آخر يخصه وهو الحدوث الزماني تقريره أنه قد تقدم في مباحث القوة والفعل أن عالم المادة متحرك بجوهره وما يلحق به من الأعراض سيال وجودا متجدد بالهوية سالك بذاته من النقص إلى الكمال متحول من القوة منقسم إلى حدود كل حد منها فعلية لسابقه قوة للاحقه ثم لو قسم هذا الحد بعينه كان كلما حدث بالانقسام حد كان فعلية لسابقه قوة للاحقه. وإن هذه الحركة العامة ترسم امتدادا كميا كلما فرض منه قطعة انقسمت إلى قبل وبعد وكذا كل قبل منه وبعد ينقسمان إلى قبل وبعد من غير وقوف على حد ما ذكر في الحركة التي ترسمه وإنما الفرق بين الامتدادين أن الذي للحركة مبهم والذي لهذا الامتداد العارض لها متعين نظير الفرق بين الجسم الطبيعي والجسم التعليمي. وهذا الامتداد الذي يرسمه جوهر العالم بحركته هو الزمان العام الذي به تتقدر الحركات وتتعين النسب بين الحوادث الطبيعية بالطول والقصر والقبلية والبعدية وقبليته هي كونه قوة للفعلية التي تليه وبعديته هي كونه فعلية للقوة التي تليه.

ص 325

فكل قطعة من قطعات هذه الحركة العامة الممتدة أخذناها وجدناها مسبوقة بعدم زماني لكونها فعلية مسبوقة بقوة فهي حادثة بحدوث زماني ومجموع هذه القطعات والأجزاء ليس إلا نفس القطعات والأجزاء فحكمه حكمها وهو حادث زماني بحدوثها الزماني فعالم المادة والطبيعة حادث حدوثا زمانيا هذا. وأما ما صوره المتكلمون في حدوث العالم يعني ما سوى الباري سبحانه زمانا بالبناء على استحالة القدم الزماني في الممكن ومحصله أن الوجودات الإمكانية منقطعة من طرف البداية فلا موجود قبلها إلا الواجب تعالى والزمان ذاهب من الجانبين إلى غير النهاية وصدره خال عن العالم وذيله مشغول به ظرف له. ففيه أن الزمان نفسه موجود ممكن مخلوق للواجب تعالى فليجعل من العالم الذي هو فعله تعالى وعند ذاك ليس وراء الواجب وفعله أمر آخر فلا قبل حتى يستقر فيه عدم العالم استقرار المظروف في ظرفه. على أن القول بلا تناهي الزمان أولا وآخرا يناقض قولهم باستحالة القديم الزماني مضافا إلى أن الزمان كم عارض للحركة القائمة بالجسم وعدم تناهيه يلازم عدم تناهي الأجسام وحركاتها وهو قدم العالم المناقض لقولهم بحدوثه. وقد تفصى بعضهم عن إشكال لزوم كون الزمان لا واجبا ولا معلولا للواجب بأن الزمان أمر اعتباري لا بأس بالقول بكونه لا واجبا ولا معلولا للواجب. وفيه أنه يستوي حينئذ القول بحدوث العالم وقدمه زمانا إذ لا حقيقة للزمان. وتفصى عنه آخرون بأن الزمان انتزاعي منتزع من الوجود الواجبي تعالى عن ذلك.

ص 326

واعترض عليه بأن لازمه عروض التغير للذات الواجبية. وأجيب عنه بأنا لا نسلم وجوب المطابقة بين المنتزع والمنتزع عنه وأنت خبير بأنه التزام بالسفسطة.

الفصل الرابع والعشرون في دوام الفيض

الفصل الرابع والعشرون في دوام الفيض

قد تبين في الأبحاث السابقة أن قدرته تعالى هي مبدئيته للإيجاد وعليته لما سواه وهي عين الذات المتعالية ولازم ذلك دوام الفيض واستمرار الرحمة وعدم انقطاع العطية. ولا يلزم من ذلك دوام عالم الطبيعة لأن المجموع ليس شيئا وراء الأجزاء وكل جزء حادث مسبوق بالعدم ولا تكرر في وجود العالم على ما يراه القائلون بالأدوار والأكوار لعدم الدليل عليه. وما قيل إن الأفلاك والأجرام العلوية دائمة الوجود بأشخاصها وكذلك كليات العناصر والأنواع الأصلية المادية دائمة الوجود نظرا إلى أن عللها مفارقة آبية عن التغير. يدفعه عدم دليل يدل على كون هذه العلل تامة منحصرة غير متوقفة في تأثيرها على شرائط ومعدات مجهولة لنا تختلف معلولاتها باختلافها فلا تتشابه الخلقة في أدوارها. على أن القول بالأفلاك والأجرام غير القابلة للتغير وغير ذلك كانت أصولا موضوعة من الهيئة والطبيعيات القديمتين وقد انفسخ اليوم هذه الآراء.

تم الكتاب

والحمد لله في سادس محرم الحرام من سنة ألف وثلاثماءة وخمس وتسعين من الهجرة النبوية والصلاة على محمد وآله.


1- راجع مفاتيح الأصول للسيد المجاهد: 622 في مفتاح: اختلفوا في جواز تقليد المجتهد الميت عند ذكره أدلة المجوزين.
2- اثبناها في « ب» و شطب عليها المصنف في « أ».

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109