دروس حوزه - پايه هفتم

مشخصات كتاب

سرشناسه:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان،1389

عنوان و نام پديدآور:دروس حوزه (پايه هفتم)/ واحد تحقيقات مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

مشخصات نشر:اصفهان:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان 1389.

مشخصات ظاهري:نرم افزار تلفن همراه و رايانه

موضوع : حوزه و دانشگاه.

موضوع : حوزه هاي علميه-- ايران.

موضوع : دانشگاه ها و مدارس عالي-- ايران.

شناسه افزوده : مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

فرائد الاصول (رسائل)

المقدمة

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

و به نستعين الحمد لله الذي هدانا إلي شرائع الاسلام بتمهيد قواعد الاحكام و أرشدنا إلي غاية المرام باتباع مسالك الافهام و وفقنا لتحصيل فصول الاصول باتقان ضوابط شريعة خير الانام و بلغنا إلي نهاية المسؤول بإحكام قوانين الاحكام.

و الصلاة و السلام علي المبعوث لاعلاء دعائم الاسلام و إعلان معالم الحلال و الحرام و آله و أصحابه البررة، مفاتيح الرحمة و مصابيح الظلام.

أما بعد، فيقول أقل خدام الشريعة، أحوج الوري، عبدالحسين بن محمد بن رضا التستري - عفي الله تعالي عنهما - : إن هذا تصنيف شريف و تأليف منيف، من جملة تصانيف المولي القمقام و قدوة الانام فحل الاعلام و فريد الايام، الخائض في أسرار المدارك و الغائص في بحار المسالك، ممهد القواعد و جامع المقاصد، كاشف رموز الدالائل، نخبة الاواخر و الاوائل، مقباس مناهج غاية المرام و مشكاة مسالك إرشاد العوام، مهذب القوانين المحكمة و محرر الاشارات المبهمة، منبع الفضل و عين العدل، فاتح صحيفة السداد و الرشاد و خاتم رقيمة الفضل و الفقاهة و الاجتهاد، رئيس المحققين و المدققين من الاولين و الآخرين، شمس الفقهاء و المجتهدين، مرتضي المصطفي و مصطفي المرتضي، كهف الحاج، شيخنا و استاذنا، علم التقي، الحاج شيخ مرتضي الانصاري التستري -

مد الله تعالي أطناب ظلاله علي مفارق الانام و عمر الله به وجوده الشريف دوارس شرع الاسلام، ما دامت الفروع مترتبة علي الاصول و الشمس لها الطلوع و الافول.

ثم إنه دام ظله العالي لما أودع فيه نقود الحقائق و فرائد درر الدقائق و أدرج فيه من مهمات مسائل الاصول ما لم يذكر في أبواب و لا فصول و أجاد ما أفاد فيه من المطالب الابكار ما لم تصل إليها نتائج الافكار، كثر رغبة المشتغلين إلي إدراكها و إشتد ميل المحصلين إلي فهمها.

***** [2] *****

و لما كان بعضهم ما اهتدوا بنور التوفيق إلي ما فيه من التدقيق و التحقيق، سألوني أن أعلق عليه و أضيف إليه ما استفدته حين قراء تي عليه - دام ظله العالي - بيانا للكتاب و تقريبا للمدعي إلي الحق و الصواب و كان مع إختصاره و سهولة إستنساخه و اكتثاره في غاية العزة و الندرة و لا يكاد أيدي الكتاب تكفي لكفايته، مع ما بهم من السعي في تكثير كتابته و كان إنطباعه موجبا للشياع و باعثا علي مزيد الانتفاع، فبادر بعض من ساعده التوفيق بعد إطلاعه إلي إكثاره باطباعه و لامتياز ما فيه من المطالب وجودة ما احتوي من العجائب سمي ب «فرائد الاصول» في تمييز المزيف عن المقبول.

رزقنا الله و إياه حسن المآب، إنه هو الكريم الوهاب، بحق محمد و آله الاطياب.

قال: بسم الله الرحمن الرحيم فاعلم أن المكلف إذا إلتفت إلي حكم شرعي، فإما أن يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن.

فإن حصل له الشك فالمرجع فيه هي القواعد الشرعية الثابتة للشاك في مقام العمل و تسمي بالاصول العملية.

و هي منحصرة في أربعة، لان الشك إما أن

يلاحظ فيه الحالة السابقة أم لا.

و علي الثاني، فإما أن يمكن الاحتياط أم لا.

و علي الاول، فإما أن يكون الشك في التكليف أو في المكلف به.

فالاول مجري الاستصحاب و الثاني مجري التخيير و الثالث مجري أصالة البراءة و الرابع مجري قاعدة الاحتياط.

[فالاول مجري الاستحصاب و الثاني مجري أصالة البراءة و الثالث مجري قاعدة الاحتياط و الرابع مجري قاعدة التخيير. خ ل].

[و بعبارة أخري: الشك إما أن يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا.

فالاول مجري الاستصحاب و الثاني إما أن يكون الشك فيه في التكليف أو لا.

فالاول مجري أصالة البراءة و الثاني إما أن يمكن الاحتياط فيه أو لا.

فالاول مجري قاعدة الاحتياط و الثاني مجري قاعدة التخيير. نسخة].

و ما ذكرنا هو المختار في مجاري الاصول الاربعة و قد وقع الخلاف فيها و تمام الكلام في كل واحد موكول إلي محله.

فالكلام يقع في مقاصد ثلاثة: الاول في القطع و الثاني في الظن و الثالث في الاصول العملية المذكورة التي هي مرجع عند الشك.

المقصد الاول في القطع

مقدمة

مقدمة فنقول: لا إشكال في وجوب متابعة القطع و العمل عليه ما دام موجودا، لانه بنفسه طريق إلي الواقع.

و ليس طريقيته قابلة لجعل الشارع إثباتا أو نفيا.

و من هنا يعلم أن إطلاق الحجة عليه ليس كإطلاق الحجة علي الامارات المعتبرة شرعا، لان الحجة عبارة عن الوسط الذي به يحتج علي ثبوت الاكبر للاصغر و يصير واسطة للقطع بثبوته له، كالتغير لاثبات حدوث العالم.

فقولنا: (الظن حجة، أو البينة حجة، أو فتوي المفتي حجة)، يراد به كونه هذه الامور أوساطا لاثبات أحكام متعلقاتها.

فيقال: هذا مظنون الخمرية و كل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه.

و كذلك قولنا: هذا الفعل مما أفتي المفتي بتحريمه، أو قامت البينة علي كونه محرما

و كل ما كان كذلك فهو حرام.

و هذا بخلاف القطع، لانه إذا قطع بوجوب شئ فيقال: هذا واجب و كل واجب يحرم ضده أو يجب مقدمته.

و كذلك العلم بالموضوعات.

فإذا قطع بخمرية شئ، فيقال: هذا خمر و كل خمر يجب الاجتناب عنه.

و لا يقال: إن هذا معلوم الخمرية و كل معلوم الخمرية حكمه كذا.

لان احكام الخمر إنما تثبت للخمر، لا لما علم أنه خمر.

و الحاصل أن كون القطع حجة غير معقول، لان الحجة ما يوجب القطع بالمطلوب، فلا يطلق علي نفس القطع.

هذا كله بالنسبة إلي حكم متعلق القطع و هو الامر المقطوع.

و أما بالنسبة إلي حكم آخر، فيجوز أن يكون القطع مأخوذا في موضوعه، فيقال: إن الشئ المعلوم، بوصف كونه معلوما، حكمه كذا.

و حينئذ فالعلم يكون وسطا لثبوت ذلك الحكم لمتعلقه و إن لم يطلق عليه الحجة، إذ المراد

***** [5] *****

بالحجة في باب الادلة ما كان وسطا لثبوت أحكام متعلقة شرعا، لا لحكم آخر.

كما إذا رتب الشارع الحرمة علي الخمر المعلوم كونهاخمرا، لا علي نفس الخمر و كترتب وجوب الاطاعة عقلا علي معلوم الوجوب، لا الواجب الواقعي.

و بالجملة فالقطع قد يكون طريقا للحكم ن و قد يكون مأخوذا في موضوع الحكم.

* * *

ثم ما كان منه طريقا لا يفرق فيه بين خصوصياته من حيث القاطع به و أسباب القطع و أزمانه، إذ المفروض كونه طريقا إلي متعلقه، فيترتب عليه أحكام متعلقه و لا يجوز للشارع أن ينهي عن العمل به، لانه مستلزم للتناقض.

فإذا قطع كون مائع بولا، من أي سبب كان، فلا يجوز للشارع أن يحكم بعدم نجاسته أو عدم وجوب الاجتناب عنه، لان المفروض أنه بمجرد القطع يحصل له صغري و كبري، أعني قوله: (هذا

بول و كل بول يجب الاجتناب عنه، فهذا يجب الاجتناب عنه).

فحكم الشارع بأنه لا يجب الاجتناب عنه مناقض له، إلا إذا فرض عدم كون النجاسة و وجوب الاجتناب من أحكام نفس البول، بل من أحكام ماعلم بوليته علي وجه خاص من حيث السبب أو الشخص أو غيرهما، [فخرج العلم حينئذ عن كونه طريقا] و يكون مأخوذا في الموضوع.

و حكمه أن يتبع في إعتباره مطلقا أو علي وجه خاص دليل ذلك الحكم الثابت الذي أخذ العلم في موضوعه.

فقد يدل علي ثبوت الحكم لشئ بشرط العلم به، بمعني إنكشافه للمكلف من غير خصوصية للانكشاف.

كما في حكم العقل بحسن إتيان ما قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه و قبح ما يقطع بكونه مبغوضا، فإن مدخلية القطع بالمطلوبية أو المبغوضية في صيرورة الفعل حسنا أو قبيحا عند العقل لا يختص ببعض أفراده.

و كما في حكم الشرع بحرمة ما علم أنه خمر أو نجاسته بقول مطلق بناء علي أن الحرمة و النجاسة الواقعيتين إنما تعرضان مواردهما بشرط العلم، لا في نفس الامر، كما هو قول بعض.

و قد يدل دليل ذلك الحكم علي ثبوته لشئ بشرط حصول القطع به من سبب خاص او شخص خاص، مثل ما ذهب إليه بعض الاخباريين من عدم جواز العمل في الشرعيات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب و السنة، كما سيجئ و ما ذهب إليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالي.

و أمثلة ذلك بالنسبة إلي حكم غير القاطع كثيرة، كحكم الشارع علي المقلد بوجوب الرجوع إلي

***** [6] *****

الغير في الحكم الشرعي إذا علم به من الطرق الاجتهادية المعهودة.

لا من مثل الرمل و الجفر، فإن القطع الحاصل من هذه و إن وجب علي القاطع

الاخذ به في عمل نفسه، إلا أنه لا يجوز للغير تقليده في ذلك.

و كذلك العلم الحاصل للمجتهد الفاسق او غير الامامي من الطرق الاجتهادية المتعارفة، فانه لايجوز للغيرالعمل بها و كحكم الشارع علي الحاكم بوجوب بوجوب قبول خبر العدل المعلوم له من الحس، لا من الحدس، إلي غير ذلك.

* * *

ثم من خواص القطع الذي هو طريق إلي الواقع قيام الامارات الشرعية و الاصول العملية مقامه في العمل، بخلاف المأخوذ في الحكم علي وجه الوضوعية، فإنه تابع لدليل ذلك الحكم.

فإن ظهر منه أو من دليل خارج إعتباره علي وجه الطريقية للموضوع - كالامثلة المتقدمة - قامت الامارات و الاصول مقامه.

و إن ظهر منه إعتبار القطع في الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره.

كما إذا فرضنا أن الشارع إعتبر صفة القطع علي هذا الوجه في حفظ عدد الركعات الثنائية و الثلاثية و الاوليين من الرباعية.

فإن غيره، كالظن بأحد الطرفين أو أصالة عدم الزائد، لا يقوم مقامه إلا بدليل خاص خارجي غير أدلة حجية مطلق الظن في الصلاة و أصالة عدم الاكثر.

و من هذا الباب عدم جواز أداء الشهادة إستنادا إلي البينة أو اليد علي قول و إن جاز تعويل الشاهد في عمل نفسه بهما إجماعا، لان العلم بالمشهود به مأخوذ في مقام العمل علي وجه الطريقية، بخلاف مقام أداء الشهادة، إلا أن يثبت من الخارج أن كل ما يجوز العمل به من الطرق الشرعية يجوز الاستناد إليه في الشهادة، كما يظهر من رواية حفص الواردة في جواز الاستناد إلي اليد.

و مما ذكرنا يظهر أنه لو نذر أحد أن يتصدق كل يوم بدرهم ما دام متيقنا بحياة ولده، فإنه لا يجب التصدق

عند الشك في الحياة، لاجل إستصحاب الحياة، بخلاف ما لو علق النذر بنفس الحياة، فإنه يكفي في الوجوب الاستصحاب.

* * *

ثم إن هذا الذي ذكرنا من كون القطع مأخوذا تارة علي وجه الطريقية و أخري علي وجه الموضوعية، جار في الظن أيضا.

فإنه و إن فارق العلم في كيفية الطريقية - حيث أن العلم طريق بنفسه و الظن المعتبر طريق بجعل الشارع، بمعني كونه وسطا في ترتب أحكام متعلقه، كما أشرنا إليه سابقا - لكن الظن قد يؤخذ طريقا مجعولا إلي متعلقه و قد يؤخذ موضوعا للحكم، [سواء كان موضوعا علي

***** [7] *****

وجه الطريقية لحكم متعلقه أو لحكم آخر يقوم مقامه سائر الطرق الشرعية، فيقال حينئذ إنه حجة و قد يؤخذ موضوعا لا علي وجه الطريقة لحكم متعلقه أو لحكم آخر و لا يطلق عليه الحجة ح] ، فلا بد من ملاحظة دليل ذلك ثم الحكم بقيام غيره من الطرق المعتبرة مقامه، لكن الغالب فيه الاول.

***** [8] *****

و ينبغي التنبيه علي أمور:

الامرالاول:

هل القطع حجة سواء صادف الواقع أم لم يصادف

الامرالاول:

هل القطع حجة سواء صادف الواقع أم لم يصادف

إنه قد عرفت أن القاطع لا يحتاج في العمل بقطعه إلي أزيد من الادلة المثبتة لاحكام مقطوعه، فيجعل ذلك كبري لصغري قطع بها فيقطع بالنتيجة.

فإذا قطع بكون شئ خمرا و قام الدليل علي كون حكم الخمر في نفسها هي الحرمة فيقطع بحرمة ذلك الشئ.

لكن الكلام في أن قطعه هذا هل هو حجة عليه من الشارع و إن كان مخالفا للواقع في علم الله فيعاقب علي مخالفته، أو أنه حجة عليه إذا صادف الواقع؟ ، بمعني أنه لو شرب الخمر الواقعي عالما عوقب عليه، في مقابل من شربها جاهلا،

لا أنه يعاقب علي شرب ما قطع بكونه خمرا و إن لم يكن خمرا في الواقع.

ظاهر كلماتهم في بعض المقامات الاتفاق علي الاول، كما يظهر، من دعوي جماعة الاجماع علي أن ظان ضيق الوقت إذا أخر الصلاة عصي و إن إنكشف بقاء الوقت، فإن تعبيرهم بظن الضيق لبيان أدني فردي الرجحان، فيشمل القطع بالضيق.

نعم حكي عن النهاية و شيخنا البهائي التوقف في العصيان، بل في التذكرة: (لو ظن ضيق الوقت عصي لو أخر إن إستمر الظن و إن إنكشف خلافه فالوجه عدم العصيان)، إنتهي.

و استقرب العدم سيد مشايخنا في المفاتيح.

و كذا لا خلاف بينهم ظاهرا في أن سلوك المظنون الخطر أو مقطوعه معصية يجب إتمام الصلاة فيه و لو بعد إنكشاف عدم الضرر فيه، فتأمل و يؤيده بناء العقلاء علي الاستحقاق و حكم العقل بقبح التجري.

***** [9] *****

و قد يقرر دلالة العقل علي ذلك: بأنا إذا فرضنا شخصين قاطعين بأن قطع أحدهما بكون مائع معين خمرا و قطع الاخر بكون مائع آخر خمرا فشرباهما، فاتفق مصادفة أحدهما للواقع و مخالفة الاخر، فإما أن يستحقا العقاب، أو لا يستحقه أحدهما، أو يستحقه من صادف قطعه الواقع دون الاخر، أو العكس.

لا سبيل إلي الثاني و الرابع و الثالث مستلزم لاناطة إستحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار و هو مناف لما يقتضيه العدل، فتعين الاول و يمكن الخدشة في الكل.

أما الاجماع، فالمحصل منه غير حاصل و المسألة عقلية، خصوصا مع مخالفة غير واحد، كما عرفت من النهاية و ستعرف من قواعد الشهيد، قدس سره و المنقول منه ليس حجة في المقام.

و أما بناء العقلاء، فلو سلم فإنما علي مذمة الشخص من حيث أن هذا الفعل يكشف عن

وجود صفة الشقاوة فيه، لا علي نفس فعله، كمن إنكشف لهم من حاله أنه بحيث لو قدر علي قتل سيده لقتله، فإن المذمة علي المنكشف، لا الكاشف.

و من هنا يظهر الجواب علي قبح التجري، فإنه لكشف ما تجري به عن خبث الفاعل لكونه جريئا عازما علي العصيان و التمرد، لا عن كون الفعل مبغوضا للمولي.

و الحاصل: أن الكلام في كون هذا الفعل الغير المنهي عنه واقعا، مبغوضا للمولي من حيث تعلق إعتقاد المكلف بكونه مبغوضا، لا في أن هذا الفعل المنهي عنه باعتقاد ينبئ عن سوء سريرة العبد مع سيده و كونه جريئا في مقام الطغيان و المعصية و عازما عليه، فإن هذا غير منكر في هذا المقام، كما سيجئ و لكن لا يجدي في كون الفعل محرما شرعيا، لان إستحقاق المذمة علي ما كشف عنه الفعل لا يوجب إستحقاقه علي نفس الفعل و من المعلوم أن الحكم العقلي بإستحقاق الذم إنما يلازم إستحقاق العقاب شرعا إذا تعلق بالفعل، لا بالفاعل.

و أما ما ذكر من الدليل العقلي فنلتزم بإستحقاق من صادف قطعه الواقع، لانه عصي إختيارا، دون من لم يصادف.

قولك: (إن التفاوت بالاستحقاق و العدم لا يحسن أن يناط بما هو خارج عن الاختيار)، ممنوع، فإن العقاب بما لا يرجع بالاخرة إلي الاختيار قبيح، إلا أن عدم العقاب لامر لا يرجع إلي الاختيار قبحه غير معلوم.

كما يشهد به الاخبار الواردة في أن: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَة كَانَ لَهُ مِثْلُ أجر مَنْ عَمِلَ بِهَا، مَنْ سَنَّ سُنَّةً سيئة كَانَ لَهُ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا).

***** [10] *****

فإذا فرضنا ان شخصين سنا سنة حسنة أو سيئة و اتفق كثرة العامل بأحدهما و قلة العامل بما سنه الاخر،

فإن مقتضي الروايات كون ثواب الاول أو عقابه أعظم و قد إشتهر: (أن للمصيب أجرين و للمخطئ أجرا واحدا).

و الاخبار في أمثال ذلك في طرفي الثواب و العقاب بحد التواتر.

فالظاهر أن العقل إنما يحكم بتساويهما في إستحقاق المذمة من حيث شقاوة الفاعل و خبث سريرته مع المولي، لا في إستحقاق المذمة علي الفعل المقطوع بكونه معصية.

و ربما يؤيد ذلك أنا نجد من أنفسنا الفرق في مرتبة العقاب بين من صادف فعله الواقع و بين من لم يصادف.

إلا أن يقال: إن ذلك إنما هو في المبغوضات العقلائية من حيث أن زيادة العقاب من المولي و تأكد الذم من العقلاء بالنسبة إلي من صادف إعتقاده الواقع لاجل التشفي المستحيل في حق الحكيم تعالي، فتأمل، هذا.

و قد يظهر من بعض المعاصرين: (التفصيل في صورة القطع بتحريم شئ غير محرم واقعا، فرجح إستحقاق العقاب بفعله، إلا أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة، فإنه لا يبعد عدم إستحقاق العقاب عليه مطلقا أو في بعض الموارد نظرا إلي معارضة الجهة الواقعية للجهة الظاهرية، فإن قبح التجري عندنا ليس ذاتيا، بل يختلف بالوجوه و الاعتبارات.

فمن إشتبه عليه مؤمن ورع بكافر واجب القتل، فحسب أنه ذلك الكافر و تجري فلم يقتله، فإنه لا يستحق الذم علي هذا الفعل عقلا عند من إنكشف له الواقع و إن كان معذورا لو فعل.

و أظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبي أو وصي فتجري و لم يقتله.

ألا تري أن المولي الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدو له فصادف العبد إبنه و زعمه ذلك العدو فتجري و لم يقتله، أن المولي إذا إطلع علي حاله لا يذمه علي هذا التجري بل يرضي به و

إن كان معذورا لو فعل.

و كذا لو نصب له طريقا غير القطع إلي معرفة عدوه، فأدي الطريق إلي تعيين إبنه فتجري و لم يفعل.

و هذا الاحتمال حيث يتحقق عند المتجري لا يجديه إن لم يصادف الواقع و لذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب، لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب. بخلاف ما لو ترك العمل به، فإن المظنون فيه عدمها.

***** [11] *****

و من هنا يظهر أن التجري علي الحرام في المكروهات الواقعية أشد منه في مباحاتها و هو فيها أشد منه في مندوباتها و يختلف بإختلافها ضعفا و شدة كالمكروهات.

و يمكن أن يراعي في الواجبات الواقعية ما هو الاقوي من جهاته و جهات التجري) إنتهي كلامه رفع مقامه.

أقول: يرد عليه، أولا، منع ما ذكره من عدم كون قبح التجري ذاتيا، لان التجري علي المولي قبيح ذاتا، سواء كان لنفس الفعل و لكشفه عن كونه جريئا [كالظلم، بل هو قسم من الظلم] ، فيمتنع عروض الصفة المحسنة و في مقابله الانقياد لله سبحانه، فإنه يمتنع أن يعرض له جهة مقبحة.

و ثانيا، أنه لو سلم أنه لا إمتناع في أن يعرض له جهة محسنة، لكنه باق علي قبحه ما لم يعرض له تلك الجهة و ليس مما لا يعرض في نفسه حسن و لا قبح إلا بملاحظة ما يتحقق في ضمنه.

و بعبارة أخري: لو سلمنا عدم كونه علة تامة للقبح، كالظلم، فلا شك في كونه مقتضيا له، كالكذب و ليس من قبيل الافعال التي لا يدرك العقل بملاحظتها في أنفسها حسنها و لا قبحها.

و حينئذ فيتوقف إرتفاع قبحه علي إنضمام جهة يتدارك بها قبحه، كالكذب المتضمن لانجاء نبي.

و من المعلوم أن ترك قتل المؤمن - بوصف أنه

مؤمن في المثال الذي ذكره كفعله ليس من الامور التي تتصف بحسن أو قبح، للجهل بكونه قتل مؤمن و لذا إعترف في كلامه بأنه لو قتله كان معذورا.

فإذا لم يكن هذا الفعل الذي تحقق التجري في ضمنه مما يتصف بحس أو قبح، لم يؤثر في إقتضاء ما يقتضي القبح، كما لا يؤثر في إقتضاء ما يقتضي الحسن لو فرض أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا معتقدا كفره، فإنه لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد و عدم مزاحمة حسنه بكونه في الواقع قتل مؤمن.

و دعوي: (أن الفعل الذي يتحقق به التجري و إن لم يتصف في نفسه بحسن و لا قبح لكونه مجهول العنوان، لكنه لا يمتنع أن يؤثر في قبح ما يقتضي القبح بأن يرفعه، إلا أن نقول بعدم مدخلية الامور الخارجة عن القدرة في إستحقاق المدح و الذم و هو محل نظر بل منع.

و عليه يمكن إبتناء منع الدليل العقلي السابق في قبح التجري)، مدفوعة - مضافا إلي الفرق بين ما نحن فيه و بين ما تقدم

***** [12] *****

من الدليل العقلي، كما لا يخفي علي المتأمل بأن العقل مستقل بقبح التجري في المثال المذكور.

و مجرد تحقق ترك قتل المؤمن في ضمنه، مع الاعتراف بأن ترك القتل لايتصف بحسن لا قبح، لا يرفع قبحه و لذا يحكم العقل بقبح الكذب و ضرب اليتيم إذا إنضم إليهما ما يصرفهما إلي المصلحة إذا جهل الفاعل بذلك.

ثم إنه ذكر هذا القائل في بعض كلماته: (أن التجري إذا صادف المعصية الواقعية تداخل عقابهما).

و لم يعلم معني محصل لهذا الكلام، إذ مع كون التجري عنوانا مستقلا في إستحقاق العقاب لا وجه للتداخل إن أريد به وحدة العقاب، فإنه ترجيح بلا

مرجح.

و سيجئ في الرواية أن علي الراضي إثما و علي الداخل إثمين و إن أريد به عقاب زائد علي عقاب محض التجري، فهذا ليس تداخلا، لن كل فعل إجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه علي ما كان فيه أحدهما.

* * *

و التحقيق أنه لا فرق في قبح التجري بين موارده و أن المتجري لا إشكال في إستحقاقه الذم من جهة إنكشاف خبث باطنه و سوء سريرته بذلك.

و أما إستحقاقه للذم من حيث الفعل المتجري في ضمنه، ففيه إشكال، كما إعترف به الشهيد، قدس سره ، فيما يأتي من كلامه.

نعم لو كان التجري علي المعصية بالقصد إلي المعصية، فالمصرح به في الاخبار الكثيرة العفو عنه و إن كان يظهر من أخبار أخر العقاب علي القصد أيضا: مثل قوله صلي الله عليه و آله : (نية الكافر شر من عمله) و قوله: (إنما يحشر الناس علي نياتهم).

و ما ورد من تعليل خلود أهل النار في النار و خلود أهل الجنة في الجنة بعزم كل من الطائفتين علي الثبات علي ما كان عليه من المعصية و الطاعة لو خلدوا في الدنيا.

و ماورد من: (أنه إذا إلتقي المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار.

قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول، قال: لانه أراد قتل صاحبه) و منا ورد في العقاب علي فعل بعض المقدمات بقصد ترتب الحرام، كغارس الخمر و الماشي

***** [13] *****

لسعاية مؤمن.

و فحوي ما دل علي أن الرضا بفعل كالفعل، مثل قوله عليه السلام : (الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم و علي الداخل إثمان إثم الرضا و إثم الدخول) و يؤيده قوله تعالي: (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله).

و

ما ورد أن: (من رضي بفعل فقد لزمه و إن لم يفعل).

و ما ورد في تفسير قوله تعالي: (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين)، من أن نسبة القتل إلي المخاطبين مع تأخرهم عن القائلين بكثير لرضاهم بفعلهم.

و يؤيده قوله تعالي: (تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) و قوله تعالي: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم).

و يمكن حمل الاخبار الاول علي من إرتدع عن قصده بنفسه و حمل الاخبار الاخيرة علي من بقي علي قصده حتي عجز عن الفعل لا باختياره.

أو يحمل الاول علي من إكتفي بمجرد القصد و الثانية علي من إشتغل بعد القصد ببعض المقدمات، كما يشهد له حرمة الاعانة علي المحرم، حيث عممه بعض الاساطين لاعانة نفسه علي الحرام و لعله لتنقيح المناط، لا للدلالة اللفظية.

* * *

و قد علم مما ذكرنا أن التجري علي أقسام يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلتها.

أحدها مجرد القصد إلي المعصية و الثاني القصد مع الاشتغال بمقدماته و الثالث القصد مع التلبس بما يعتقد كونه معصية و الرابع التلبس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقق المعصية به و الخامس التلبس به لعدم المبالاة بمصادفة الحرام و السادس التلبس به رجاء أن لا يكون معصية و خوف أن يكون معصية.

و يشترط في صدق التجري في الثلاثة الاخيرة عدم كون الجهل عقليا أو شرعيا، كما في الشبهة المحصورة الوجوبية أو التحريمية و إلا لم يتحقق إحتمال المعصية و إن تحقق إحتمال المخالفة للحكم الواقعي، كما في موارد أصالة البراءة و إستصحابها.

ثم إن الاقسام الستة كلها مشتركة في إستحقاق الفاعل للمذمة من حيث خبث ذاته و

جرأته

***** [14] *****

و سوء سريرته و إنما الكلام في تحقق العصيان بالفعل المتحقق في ضمنه التجري.

و عليك بالتأمل في كل من الاقسام.

قال الشهيد، رحمه الله، في القواعد:

(لا يؤثر نية المعصية عقابا و لا ذما ما لم يتلبس بها.

و هو مما ثبت في الاخبار العفو عنه.

و لو نوي المعصية و تلبس بما يراه معصية فظهر خلافها، ففي تأثير هذه النية نظر، من أنها لما لم تصادف المعصية صارت كنية مجردة و هي غير مؤاخذ بها و من دلالتها علي إنتهاك الحرمة و جرأته علي المعاصي.

و قد ذكر بعض الاصحاب أنه لو شرب المباح تشبها بشرب السكر فعل حراما.

و لعله ليس لمجرد النية، بل بإنضمام فعل الجوارح.

و يتصور محل النظر في صور: منها: ما لو وجد إمرأة في منزل غيره، فظنها أجنبية فأصبها، فبان أنها زوجته أو أمته.

و منها: ما لو وطئ زوجته بظن أنها حائض فبانت طاهرة.

و منها: لو هجم علي طعام بيد غيره فأكله، فتبين أنه ملكه.

و منها: لو ذبح شاة بظنها للغير بقصد العدوان، فظهرت ملكه.

و منها: ما إذا قتل نفسا بظن أنها معصومة، فبانت مهدورة.

و قد قال بعض العامة: (نحكم بفسق المتعاطي ذلك، لدلالته علي عدم المبالاة بالمعاصي و يعاقب في الاخرة ما لم يتب عقابا متوسطا بين الصغيرة و الكبيرة).

و كلاهما تحكم و تخرص علي الغيب)، إنتهي.

الامرالثاني: هل القطع الحاصل من المقدمات العقلية حجة

الامرالثاني: هل القطع الحاصل من المقدمات العقلية حجة

إنك قد عرفت أنه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم.

و ينسب إلي غير واحد من أصحابنا الاخباريين عدم الاعتماد علي القطع الحاصل من المقدمات العقلية القطعية الغير الضرورية، لكثرة وقوع الاشتباه و الغلط فيها، فلا يمكن الركون إلي شئ منها.

فإن أرادوا عدم جواز

الركون بعد حصول القطع، فلا يعقل ذلك في مقام إعتبار العلم من حيث الكشف و لو أمكن الحكم بعدم إعتباره لجري مثله في القطع الحاصل من المقدمات الشرعية طابق النعل بالنعل.

و إن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقلية لتحصيل المطالب الشرعية لكثرة وقوع الغلط و الاشتباه، فلو سلم ذلك و أغمض عن المعارضة، لكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الادلة الشرعية، فله وجه.

و حينئذ فلو خاض فيها و حصل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعي لم يعذر في ذلك، لتقصيره في مقدمات التحصيل، إلا أن الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد مما يقع في فهم المطالب من الادلة الشرعية.

و قد عثرت، بعدما ذكرت هذا، علي كلام يحكي عن المحدث الاسترابادي في فوائده المدنية، قال في عداد ما استدل به علي إنحصار الدليل في غير الضروريات الدينية في السماع عن الصادقين عليهم السلام ، قال: (الدليل التاسع مبني علي مقدمة دقيقة شريفة تفطنت بتوفيق الله تعالي.

و هي أن العلوم النظرية قسمان، قسم ينتهي إلي مادة هي قريبة من الاحساس و من هذا القسم علم الهندسة و الحساب و أكثر أبواب المنطق.

و هذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء و الخطأ في نتائج الافكار و السبب في ذلك أن الخطأ في الفكر

***** [16] *****

إما من جهة الصورة أو من جهة المادة.

و الخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء، لان معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الاذهان المستقيمة.

و الخطأ من جهة المادة لا يتصور في هذه العلوم، لقرب المواد فيها إلي الاحساس.

و قسم ينتهي إلي مادة هي بعيدة عن الاحساس.

و من هذا القسم الحكمة الالهية و الطبيعية و علم الكلام و علم

أصول الفقه و المسائل النظرية الفقهية و بعض القواعد المذكورة في كتب المنطق.

و من ثم رفع الاختلافات و المشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الالهية و الطبيعية و بين علماء الاسلام في اصول الفقه و مسائل الفقه و علم الكلام و غير ذلك.

و السبب في ذلك أن القواعد المنطقية إنما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادة.

إذ أقصي مايستفاد من المنطق في باب مواد الاقيسة تقسيم المواد علي وجه كلي إلي أقسام.

و ليست في المنطق قاعدة بها يعلم أن كل مادة مخصوصة داخلة في أي قسم من الاقسام و من المعلوم عند أولي الالباب إمتناع وضع قاعدة تكفل بذلك).

ثم إستظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره و قال بعد ذلك: (فإن قلت: لا فرق في ذلك بين العقليات و الشرعيات.

و الشاهد علي ذلك ما نشاهده من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في أصول الدين و في الفروع الفقهية.

قلت: إنما نشأ ذلك من ضم مقدمة عقلية باطلة بالمقدمة النقلية الظنية أو القطعية و من الموضحات لما ذكرناه من أنه ليس في المنطلق قانون يعصم عن الخطأ في مادة الفكر أن المشائيين إدعوا البداهة في أن تفريق ماء كوز إلي كوزين إعدام لشخصه و إحداث لشخصين آخرين.

و علي هذه المقدمة بنوا إثبات الهيولي.

و الاشراقيين إدعوا البداهة في أنه ليس إعداما للشخص الاول و إنما إنعدمت صفة من صفاته و هو الاتصال).

ثم قال: (إذا عرفت ما مهدناه من المقدمة الدقيقة الشريفة، فنقول: إن تمسكنا بكلامهم عليهم السلام فقد عصمنا من الخطأ و إن تمسكنا بغيرهم

***** [17] *****

لم نعصم منه)، إنتهي كلامه.

و المستفاد من كلامه عدم حجية إدراكات العقل في غير المحسوسات و ما تكون مباديه

قريبة من الاحساس إذا لم يتوافق عليه العقول.

و قد إستحسن ما ذكره غير واحد ممن تأخر عنه، منهم السيد المحدث الجزائري، قدس سره ، في أوائل شرح التهذيب، علي ما حكي عنه.

قال بعد ذكر كلام المحدث المتقدم بطوله: (وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه.

فإن قلت: قد عزلت العقل عن الحكم في الاصول و الفروع.

فهل يبقي له حكم في مسألة من المسائل؟ قلت: أما البديهيات فهي له وحده و هو الحاكم فيها.

و أما النظريات فإن وافقه النقل و حكم بحكمه قدم حكمه علي النقل وحده.

و أما لو تعارض هو و النقلي، فلا شك عندنا في ترجيح النقل و عدم الالتفات إلي ما حكم به العقل.

قال - : - و هذا أصل يبتني عليه مسائل كثيرة.

ثم ذكر جملة من المسائل المتفرعة).

أقول: لا يحضرني شرح التهذيب حتي ألاحظ ما فرع علي ذلك.

فليت شعري إذا فرض حكم العقل علي وجه القطع بشئ كيف يجوز حصول القطع أو الظن من الدليل النقلي علي خلافه.

و كذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقلي كيف يجوز حكم العقل بخلافه علي وجه القطع؟ و ممن وافقهما علي ذلك في الجملة المحدث البحراني في مقدمات الحدائق، حيث نقل كلاما للسيد المتقدم في هذا المقام و استحسنه، إلا أنه صرح بحجية العقل الفطري الصحيح و حكم بمطابقته للشرع و مطابقة الشرع له.

ثم قال: (لا مدخل للعقل في شئ من الاحكام الفقهية من عبادات و غيرها و لا سبيل إليها إلا السماع عن المعصوم عليه السلام ، لقصور العقل المذكور عن الاطلاع عليها).

ثم قال: (نعم يبقي الكلام بالنسبة إلي ما يتوقف علي التوقيف، فنقول: إن كان الدليل العقلي المتعلق بذلك بديهيا ظاهر البداهة، مثل الواحد نصف

الاثنين، فلا ريب في صحة العمل به.

و إلا فإن لم يعارضه دليل عقلي و لا نقلي فكذلك و إن عاضره دليل عقلي آخر، فإن تأيد أحدهما بنقلي كان الترجيح

***** [18] *****

للمتأيد بالدليل النقلي و إلا فإشكال.

و إن عارضه دليل نقلي، فإن تأيد ذلك العقلي بدليل نقلي كان الترجيح للعقلي، إلا أن هذا في الحقيقة تعارض في النقليات و إلا فالترجيح للنقلي، وفاقا للسيد المحدث المتقدم ذكره و خلافا للاكثر.

هذا بالنسبة إلي العقلي بقول مطلق.

أما لو أريد به المعني الاخص و هو الفطري الخالي عن شوائب الاوهام الذي هو حجة من حجج الملك العلام و إن شذ وجوده في الانام ففي ترجيح النقلي عليه إشكال)، إنتهي.

و لا أدري كيف جعل الدليل النقلي في الاحكام النظرية مقدما علي ما هو في البداهة من قبيل (الواحد نصف الاثنين).

مع أن ضروريات الدين و المذهب لم يزد في البداهة علي ذلك.

و العجب مما ذكره في الترجيح عند تعارض العقل و النقل كيف يتصور الترجيح في القطعيين و أي دليل علي الترجيح المذكور.

و أعجب من ذلك الاستشكال في تعارض العقليين من دون ترجيح مع أنه لا إشكال في تساقطهما و في تقديم العقلي الفطري الخالي عن شوائب الاوهام علي الدليل النقلي.

مع أن العلم به وجود الصانع إما أن يحصل من هذا العقل الفطري أو مما دونه من العقليات البديهية، بل النظريات المنتهية إلي البداهة.

و الذي يقتضيه النظر، وفاقا لاكثر أهل النظر، أنه كلما حصل القطع من دليل عقلي فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي.

و إن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بد من تأويله إن لم يمكن طرحه.

و كلما حصل القطع من دليل نقلي، مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع علي

حدوث العالم زمانا، فلا يجوز أن يحصل القطع علي خلافه من دليل عقلي، مثل إستحالة تخلف الاثر عن المؤثر.

و لو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابلة البديهة، لكن هذا لا يتأتي في العقل البديهي من قبيل (الواحد نصف الاثنين) و لا في الفطري الخالي عن شوائب الاوهام.

فلا بد في مواردهما من إلتزام عدم حصول القطع من النقل علي خلافه، لان الادلة القطعية النظرية في النقليات مضبوطة محصورة ليس فيها شئ يصادم العقل البديهي أو الفطري.

فإن قلت: لعل نظر هؤلاء في ذلك إلي ما يستفاد من الاخبار، مثل قولهم عليهم السلام : (حرام عليكم أن تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا) و قولهم عليهم السلام : (ولو أن رجلا قام و ليله و صام

***** [19] *****

نهاره و حج دهره و تصدق بجميع ماله و لم يعرف ولاية ولي الله فيكون أعماله بدلالته فيواليه، ما كان له علي الله ثواب) و قولهمخ عليهم السلام : (من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا و كذا) إلي غير ذلك، من أن الواجب علينا هو إمتثال أحكام الله تعالي التي بلغها حججه عليهم السلام.

فكل حكم لم يكن الحجة واسطة في تبليغه لم يجب إمتثاله، بل يكون من قبيل (اسكتوا عما سكت الله عنه)، فإن معني سكوته عنه عدم أمر أوليائه بتبليغه حينئذ.

فالحكم المنكشف بغير واسطة الحجة ملغي في نظر الشارع و إن كان مطابقا للواقع.

كما يشهد به تصريح الامام، عليه السلام ، بنفي الثواب علي التصدق بجميع المال، مع القطع بكونه محبوبا و مرضيا عند الله.

و وجه الاستشكال في تقديم الدليل النقلي علي العقلي الفطري السليم ما ورد من النقل المتواتر علي حجية العقل و أنه

حجة باطنة و أنه مما يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان و نحوها، مما يستفاد منه كون العقل السليم أيضا حجة من الحجج.

فالحكم المنكشف به حكم بلغه الرسول الباطني، الذي هو شرع من داخل، كما أن الشرع عقل من خارج.

و مما يشير إلي ما ذكرنا من قبل هؤلاء، ما ذكره السيد الصدر، رحمه الله، في شرح الوافية في جملة كلام له في حكم ما يستقل به العقل، ما لفظه: (إن المعلوم هو أنه يجب فعل شئ أو تركه أو لا يجب إذا حصل الظن أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم، عليه السلام ، أو فعله أو تقريره، لا أنه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أي طريق كان)، إنتهي موضع الحاجة.

قلت: أولا، نمنع مدخلية توسط تبليغ الحجة في وجوب إطاعة حكم الله سبحانه.

كيف و العقل، بعدما عرف أن الله تعالي لا يرضي بترك الشئ الفلاني و علم بوجوب إطاعة الله، لم يحتج ذلك إلي توسط مبلغ.

و دعوي إستفادة ذلك من الاخبار ممنوعة، فإن المقصود من أمثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد بالاحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية، علي ما كان متعارفا في ذلك الزمان من العمل بالاقيسة و الاستحسانات، من غير مراجعة حجج الله بل في مقابلهم عليهم السلام.

و إلا فإدراك العقل القطعي للحكم المخالف للدليل النقلي علي وجه لا يمكن الجمع بينهما في غاية

***** [20] *****

الندرة بل لا نعرف وجوده، فلا ينبغي الاهتمام به في هذه الاخبار الكثيرة، مع أن ظاهرها ينفي حكومة العقل و لو مع عدم المعارض.

و علي ما ذكرنا يحمل ما ورد من: (أن دين الله لا يصاب بالعقول).

و أما نفي

الثواب علي التصدق مع عدم كون العمل به بدلالة ولي الله، فلو أبقي علي ظاهره دل علي عدم الاعتبار بالعقل الفطري الخالي عن شوائب الاوهام، مع إعترافه بأنه حجة من حجج الملك العلام.

فلا بد من حمله علي التصدقات الغير المقبولة، مثل التصدق علي المخالفين، لاجل تدينهم بذلك الدين الفاسد، كما هو الغالب في تصدق المخالف علي المخالف.

كما في تصدقنا علي فقراء الشيعة، لاجل محبتهم لامير المؤمنين عليه السلام و بغضهم لاعدائه، أو علي أن المراد حبط ثواب التصدق، من أجل عدم المعرفة لولي الله تعالي أو علي غير ذلك.

و ثانيا، سلمنا مدخلية تبليغ الحجة في وجوب الاطاعة.

لكنا إذا علمنا إجمالا بأن حكم الواقعة الفلانية لعموم الابتلاء بها قد صدر يقينا من الحجة مضافا إلي ما ورد من قوله، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، في خطبة حجة الوداع: (معاشر الناس! ما من شئ يقربكم إلي الجنة و يباعدكم عن النار إلا أمرتكم به و ما من شئ يقربكم إلي النار و يباعدكم عن الجنة إلا و قد نهيتكم عنه) ثم أدركنا ذلك الحكم إما بالعقل المستقل و إما بواسطة مقدمة عقلية، نجزم من ذلك بأن ما إستكشفناه بعقولنا صادر عن الحجة، صلوات الله عليه، فيكون الاطاعة بواسطة الحجة.

إلا أن يدعي: أن الاخبار المتقدمة و أدلة وجوب الرجوع إلي الائمة، صلوات الله عليهم، تدل علي مدخلية تبليغ الحجة و بيانه في طريق الحكم و أن كل حكم لم يعلم من طريق السماع عنهم عليهم السلام و لو بالواسطة، فهو غير واجب الاطاعة.

و حينئذ فلا يجدي مطابقة الحكم المدرك لما صدر عن الحجة عليه السلام.

لكن قد عرفت عدم دلالة الاخبار.

و مع تسليم ظهورها فهو أيضا من

باب تعارض النقل الظني مع العقل القطعي.

و لذلك لا فائدة مهمة في هذه المسألة، إذ بعدما قطع العقل بحكم و قطع بعدم رضاء الله جل ذكره بمخالفته، فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا، فكل ما دل علي خلاف ذلك فمؤول أو مطروح.

نعم، الانصاف أن الركون إلي العقل فيما يتعلق بإدراك مناطات الاحكام لينتقل منها إلي

***** [21] *****

إدراك نفس الاحكام موجب للوقوع في الخطأ كثيرا في نفس الامر و إن لم يحتمل ذلك عند المدرك، كما يدل عليه الاخبار الكثيرة الواردة، بمضمون (إن دين الله لا يصاب بالعقول) و (إنه لا شئ أبعد عن دين الله من عقول الناس).

و أوضح من ذلك كله رواية أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : (قال: قلت له: رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة، كم فيها من الدية؟.

قال: عشر من الابل.

قال: قلت: قطع إصبعين؟ قال: عشرون.

قلت: قطع ثلاث، قال: ثلاثون.

قلت: قطع أربعا.

قال: عشرون.

قلت: سبحان الله! يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعا فيكون عليه عشرون، كان يبلغنا هذا و نحن بالعراق، فقلنا: إن الذي جاء به شيطان.

قال عليه السلام : مهلا، يا أبان! هذا حكم رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم إن المرأة تعاقل الرجل إلي ثلث الدية، فإذا بلغ الثلث رجع إلي النصف ء يا أبان! إنك أخذتني بالقياس و السنة إذا قيست محق الدين).

و هي و إن كانت ظاهرة في توبيخ أبان علي رد الرواية الظنية التي سمعها في العراق بمجرد إستقلال عقله بخلافه أو علي تعبجه مما حكم به الامام عليه السلام ، من جهة مخالفته لمقتضي القياس، إلا أن مرجع الكل إلي التوبيخ علي مراجعة العقل في

إستنباط الاحكام.

فهو توبيخ علي المقدمات المفضية إلي مخالفة الواقع.

و قد أشرنا، هنا و في أول المسألة، إلي عدم جواز الخوض لاستكشاف الاحكام الدينية في المطالب العقلية و الاستعانة بها في تحصيل مناط الحكم و الانتقال منه إليه علي طريق اللم، لان أنس الذهن بها يوجب عدم حصول الوثوق بما يصل إليه من الاحكام التوقيفية، فقد يصير منشأ لطرح الامارات النقلية الظنية، لعدم حصول الظن له منها بالحكم.

و أوجب من ذلك ترك الخوض في المطالب العقلية النظرية لادراك ما يتعلق بأصول الدين، فإنه تعريض للهلاك الدائم و العذاب الخالد.

و قد أشير إلي ذلك عند النهي عن الخوض في مسألة القضاء و القدر و عند نهي بعض أصحابهم، عليهم السلام ، عن المجادلة في المسائل الكلامية.

لكن الظاهر من بعض تلك الاخبار أن الوجه في النهي عن الاخير عدم الاطمينان بمهارة الشخص المنهي في المجادلة، فيصير مفحما عند المخالفين و يوجب ذلك و هن المطالب الحقة في نظر أهل الخلاف.

الامرالثالث: قد إشتهر في ألسنة المعاصرين أن قطع القطاع لا إعبار به

الامرالثالث: قد إشتهر في ألسنة المعاصرين أن قطع القطاع لا إعبار به

و لعل الاصل في ذلك ما صرح به كاشف الغطاء قدس سره ، بعد الحكم بأن كثير الشك لا إعتبار بشكه.

قال: (و كذا من خرج عن العادة في قطعه أو في ظنه فيلغو إعتبارهما في حقه) إنتهي.

أقول: أما عدم إعتبار ظن من خرج عن العادة في ظنه، فلان أدلة إعتبار الظن في مقام يعتبر فيه مختصة بالظن الحاصل من الاسباب التي يتعارف حصول الظن منها لمتعارف الناس لو وجدت تلك الاسباب عندهم علي النحو الذي وجد عند هذا الشخص، فالحاصل من غيرها يساوي الشك في الحكم.

و أما قطع من خرج قطعه عن العادة: فإن أريد بعدم إعتباره

عدم إعتباره في الاحكام التي يكون القطع موضوعا لها، كقبول شهادته و فتواه و نحو ذلك فهو حق، لان أدلة إعتبار العلم في هذه المقامات لا تشمل هذا قطعا، لكن ظاهر كلام من ذكره في سياق كثير الشك إرادة غير هذا القسم.

و إن أريد يه عدم إعتباره في مقامات يعتبر القطع فيها من حيث الكاشفية و الطريقية إلي الواقع: فإن أريد بذلك أنه حين قطعه كالشاك، فلا شك في أن أحكام الشاك و غير العالم لا تجري في حقه.

و كيف يحكم علي القاطع بالتكليف بالرجوع إلي ما دل علي عدم الوجوب عند عدم العلم و القاطع بأنه صلي ثلاثا بالبناء علي أنه صلي أربعا و نحو ذلك.

و إن أريد بذلك وجوب ردعه عن قطعه و تنزيله إلي الشك أو تنبيهه علي مرضه ليرتدع بنفسه و لو بأن يقال له: (إن الله سبحانه لا يريد منك الواقع)، لو فرض عدم تفطنه، لقطعه بأن الله يريد

***** [23] *****

الواقع منه و من كل احد، فهو حق.

لكنه يدخل في باب الارشاد و لا يختص بالقطاع، بل بكل من قطع بما يقطع بخطائه فيه من الاحكام الشرعية و الموضوعات الخارجية المتعلقة بحفظ النفوس و الاعراض، بل الاموال في الجملة.

و أما في ما عدا ذلك مما يتعلق بحقوق الله سبحانه، فلا دليل علي وجوب الردع في القطاع، كما لا دليل عليه في غيره.

و لو بني علي وجوب ذلك في حقوق الله سبحانه من باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما هو ظاهر بعض النصوص و الفتاوي، لم يفرق أيضا بين القطاع و غيره.

و إن أريد بذلك أنه بعد إنكشاف الواقع لا يجزي ما أتي به علي طبق قطعه، فهو أيضا

حق في الجملة، لان المكلف إن كان تكليفه حين العمل مجرد الواقع من دون مدخلية للاعتقاد، فالمأتي به المخالف للواقع لا يجزي عن الواقع، سواء القطاع و غيره.

و إن كان للاعتقاد مدخل فيه، كما في أمر الشارع بالصلاة إلي ما يعتقد كونها قبلة، فإن قضية هذا كفاية القطع المتعارف، لا قطع القطاع، فيجب عليه الاعادة و إن لم تجب علي غيره.

ثم إن بعض المعاصرين وجه الحكم بعدم إعتبار قطع القطاع - بعد تقييده بما إذا علم القطاع أو احتمل أن يكون حجية قطعه مشروطة بعدم كونه قطاعا بأنه يشترط في حجية القطع عدم منع الشارع عنه و إن كان العقل أيضا قد يقطع بعدم المنع، إلا أنه إذا احتمل المنع يحكم بحجية القطع ظاهرا ما لم يثبت المنع.

و أنت خبير بأنه يكفي في فساد ذلك عدم تصور القطع بشئ عدم ترتيب آثار ذلك الشئ عليه مع فرض كون الآثار آثارا له.

و العجب أن المعاصر مثل لذلك بما إذا قال المولي لعبده:

(لا تعتمد في معرفة أوامري علي ما تقطع به من قبل عقلك أو يؤدي إليه حدسك، بل إقتصر علي ما يصل إليك مني بطريق المشافهة و المراسلة).

و فساده يظهر مما سبق من أول المسألة إلي هنا.

الامرالرابع: إن المعلوم إجمالا هل هو كالمعلوم بالتفصيل في الاعتبار أم لا؟

اشارة

و الكلام فيه يقع تارة في إعتباره من حيث إثبات التكليف به و أن الحكم المعلوم بالاجمال هل هو كالمعلوم بالتفصيل في التنجز علي المكلف أم هو كالمجهول رأسا.

و أخري في أنه بعدما ثبت التكيلف بالعلم التفصيلي أو الاجمالي المعتبر فهل يكتفي في إمتثاله بالموافقة الاجمالية و لو مع تيسر العلم التفصيلي أم لا يكتفي به إلا مع تعذر العلم التفصيلي.

فلا يجوز إكرام شخصين أحدهما زيد مع التمكن من

معرفة زيد بالتفصيل و لا فعل الصلاتين في ثوبين مشتبهين مع إمكان الصلاة في ثوب طاهر.

و الكلام من الجهة الاولي يقع من جهتين، لان إعتبار العلم الاجمالي له مرتبتان، الاولي حرمة المخالفة القطعية و الثانية وجوب الموافقة القطعية.

و المتكفل للتكلم في المرتبة الثانية هي مسألة البراءة و الاشتغال عند الشك في المكلف به، فالمقصود في المقام الاول التكلم في المرتبة الاولي.

المقام الثاني [المقدم] و هو كفاية العلم الاجمالي في الامتثال

و لنقدم الكلام في:

المقام الثاني و هو كفاية العلم الاجمالي في الامتثال

فنقول: مقتضي القاعدة جواز الاقتصار في الامتثال بالعلم الاجمالي بإتيان الملكف به.

أما فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه إلي قصد الاطاعة ففي غاية الوضوح و أما فيما يحتاج إلي قصد الاطاعة فالظاهر أيضا تحقق الاطاعة إذا قصد الاتيان بشيئين يقطع بكون أحدهما المأمور به.

***** [25] *****

و دعوي: (أن العلم بكون المأتي به مقربا معتبر حين الاتيان به و لا يكفي العلم بعده بإتيانه)، ممنوعة، إذ لا شاهد لها بعد تحقق الاطاعة بغير ذلك ايضا، فيجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيلي باداء العبادات العمل بالاحتياط و ترك تحصيل العلم التفصيلي.

لكن الظاهر كما هو المحكي عن بعض ثبوت الاتفاق علي عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط إذا توقف علي تكرار العبادة، بل ظاهر المحكي عن الحلي، في مسألة الصلاة في الثوبين، عدم جواز التكرار للاحتياط حتي مع عدم التمكن من العلم التفصيلي و إن كان ما ذكره من التعميم ممنوعا.

و حينئذ فلا يجوز لمن تمكن من تحصيل العلم بالماء المطلق أو بجهة القبلة أو في ثوب طاهر أن يتوضأ وضوئين يقطع بوقوع أحدهما بالماء المطلق أو يصلي إلي جهتين يقطع بكون أحدهما القبلة أو في ثوبين يقطع بطهارة أحدهما.

لكن الظاهر من صاحب المدارك، قدس سره ،

التأمل بل ترجيح الجواز في المسألة الاخيرة.

و لعله متأمل في الكل، إذ لا خصوصية لمسألة الاخيرة.

و أما إذا لم يتوقف الاحتياط علي التكرار، كما إذا أتي بالصلاة مع جميع ما يحتمل أن يكون جزء ا، فالظاهر عدم ثبوت إتفاق علي المنع و وجوب تحصيل اليقين التفصيلي.

لكن لا يبعد ذهاب المشهور إلي ذلك، بل ظاهر كلام السيد الرضي، رحمه الله، في مسألة الجاهل بوجوب القصر و ظاهر تقرير أخيه السيد المرتضي، رحمه الله، له ثبوت الاجماع علي بطلان صلاة من لا يعلم أحكامها.

هذا كله في تقديم العلم التفصيلي علي الاجمالي.

و هل يلحق بالعلم التفصيلي الظن التفصيلي المعتبر، فيقدم علي العلم الاجمالي ام لا؟ التحقيق أن يقال: إن الظن المذكور إن كان مما لم يثبت إعتباره إلا من جهة (دليل الانسداد) المعروف بين المتأخرين لاثبات حجية الظن المطلق، فلا إشكال في جواز ترك تحصيله و الاخذ بالاحتياط إذا لم يتوقف علي التكرار و العجب ممن يعمل بالامارات من باب الظن المطلق، ثم يذهب إلي عدم صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد و الاخذ بالاحتياط.

و لعل الشبهة من جهة إعتبار قصد الوجه.

و لابطال هذه الشبهة و إثبات صحة عبادة المحتاط محل آخر.

و أما لو توقف الاحتياط علي التكرار، ففي جواز الاخذ به و ترك تحصيل الظن بتعيين المكلف به أو عدم الجواز وجهان: من أ، العمل بالظن المطلق لم يثبت إلا جوازه و عدم وجوب تقديم الاحتياط عليه، أما تقديمه

***** [26] *****

علي الاحتياط فلم يدل عليه دليل.

و من أن الظاهر أن تكرار العبادة إحتياطا في الشبهة الحكمية مع ثبوت الطريق إلي الحكم الشرعي و لو كان الظن المطلق خلاف السيرة المستمرة بين العلماء، مع أن جواز العمل

بالظن إجماعي، فيكفي في عدم جواز الاحتياط بالتكرار إحتمال عدم جوازه و إعتبار الاعتقاد التفصيلي في الامتثال.

و الحاصل: أن الامر دائر بين تحصيل الاعتقاد التفصيلي و لو كان ظنا و بين تحصيل العلم بتحقق الاطاعة و لو إجمالا.

فمع قطع النظر عن الدليل الخارجي يكون الثاني مقدما علي الاول في مقام الطاعة، بحكم العقل و العقلاء.

لكن بعد العلم بجواز الاول و الشك في جواز الثاني في الشرعيات من جهة منع جماعة من الاصحاب عن ذلك و إطلاقهم إعتبار نية الوجه، فالاحوط ترك ذلك و إن لم يكن واجبا، لان نية الوجه لو قلنا بإعتباره فلا نسلمه إلا مع العلم بالوجه أو الظن الخاص، لا الظن المطلق الذي لم يثبت القائل به جوازه إلا بعدم وجوب الاحتياط لا بعدم جوازه، فكيف يعقل تقديمه علي الاحتياط.

و أما لو كان الظن مما ثبت إعتباره بالخصوص، فالظاهر أن تقديمه علي الاحتياط إذا لم يتوقف علي التكرار مبني علي إعتبار قصد الوجه.

و حيث قد رجحنا في مقامه عدم إعتبار نية الوجه فالاقوي جواز ترك تحصيل الظن و الاخذ بالاحتياط.

و من هنا يترجح القول بصحة عبادة المقلد إذا أخذ بالاحتياط و ترك التقليد، إلا إنه خلاف الاحتياط من جهة وجود القول بالمنع من جماعة.

و إن توقف الاحتياط علي التكرار فالظاهر أيضا جواز التكرار بل أولويته علي الاخذ بالظن الخاص، ما تقدم من أن تحصيل الواقع بطريق العلم و لو إجمالا أولي من تحصيل الاعتقاد الظني به و لو كان تفصيلا.

و أدلة الظنون الخاصة إنما دلت علي كفايتها عن الواقع، لا تعين العمل بها في مقام الامتثال.

إلا أن شبهة إعتبار نية الوجه، كما هو قول جماعة بل المشهور بين المتأخرين، جعل الاحتياط في

خلاف ذلك، مضافا إلي ما عرفت من مخالفة التكرار للسيرة المستمرة.

مع إمكان أن يقال: إنه إذا شك بعد القطع بكون داعي الامر هو التعبد بالمأمور به.

لا حصوله بأي وجه إتفق، في أن الداعي هو التعبد بإيجاده و لو في ضمن أمرين أو أزيد، أو التعبد به خصوصه متميزا عن غيره، فالاصل عدم سقوط الغرض الداعي إلا بالثاني و هذا ليس تقييدا في دليل تلك العبادة حتي يرفع بإطلاقه، كما لا يخفي.

و حينئذ فلا ينبغي بل لا يجوز ترك الاحتياط في جيمع موارد إرادة التكرار بتحصيل الواقع أولا

***** [27] *****

بظنه المعتبر من التقليد أو الاجتهاد بأعمال الظنون الخاصة أو المطلقة و إتيان الواجب مع نية الوجه، ثم الاتيان بالمحتمل الاخر بقصد القربة من جهة الاحتياط.

و توهم:

(أن هذا قد يخالف الاحتياط من جهة إحتمال كون الواجب ما أتي به بقصد القربة، فيكون قد أخل فيه بنية الوجوب)، مدفوع بأن هذا المقدار من المخالفة للاحتياط مما لا بد منه، إذ لو أتي به بنية الوجوب كان فاسدا قطعا، لعدم وجوبه ظاهرا علي المكلف بعد فرض الاتيان بما وجب عليه في ظنه المعتبر.

و إن شئت قلت: إن نية الوجه ساقطة فيما يؤتي به من باب الاحتياط، إجماعا، حتي من القائلين بإعتبار نية الوجه، لان لازم قولهم بإعتبار نية الوجه في مقام الاحتياط عدم مشروعية الاحتياط و كونه لغوا.

و لا أظن أحدا يلتزم بذلك، عدي السيد أبي المكارم في ظاهر كلامه في الغنية في رد الاستدلال علي كون الامر للوجوب بأنه أحوط و سيأتي ذكره عند الكلام علي الاحتياط في طي مقدمات دليل الانسداد.

اما المقام الاول [المؤخر] و هو كفاية العلم الاجمالي في تنجز التكليف و إعتباره كالتفصيلي

فقد عرفت أن الكلام في إعتباره بمعني وجوب الموافقة القطعية و عدم كفاية الموافقة الاحتمالية راجع

إلي مسألة البراءة و الاحتياط.

و المقصود هنا بيان إعتباره في الجملة الذي أقل مراتبه حرمة المخالفة القطعيه، فنقول: إن للعلم الاجمالي صورا كثيرة، لان الاجمال الطاري، إما من جهة متعلق الحكم مع تبين نفس الحكم تفصيلا، كما لو شككنا أن حكم الوجوب في يوم الجمعة يتعلق الظهر أو الجمعة و حكم الحرمة يتعلق بهذا الموضوع الخارجي من المشتبهين أو بذاك و إما من جهة نفس الحكم مع تبين موضوعه، كما لو شك في أن هذا الموضوع المعلوم الكلي أو الجزئي يتعلق به الوجوب أو الحرمة و إما من جهة الحكم و المتعلق جميعا، مثل أن نعلم أن حكما من الوجوب و التحريم تعلق بأحد هذين الموضوعين.

ثم الاشتباه في كل من الثلاثة، إما من جهة الاشتباه في الخطاب الصادر من الشارع كما في مثال الظهر و الجمعة و إما من جهة إشتباه مصاديق متعلق ذلك الخطاب كما في المثال الثاني.

***** [28] *****

و الاشتباه في هذا القسم إما في المكلف به كما في الشبهة المحصورة و إما في المكلف.

و طرفا الشبهة في المكلف إما أن يكونا إحتمالين في مخاطب واحد كما في الخنثي و إما أن يكونا إحتمالين في مخاطبين كما في واجدي المني في الثوب المشترك.

و لا بد قبل التعرض لبيان حكم الاقسام من التعرض لامرين.

أحدهما: إنك قد عرفت في أول مسألة إعتبار العلم أن إعتباره قد يكون من باب محض الكشف و الطريقية و قد يكون من باب الموضوعية بجعل الشارع.

و الكلام هنا في الاول، إذ إعتبار العلم الاجمالي و عدمه في الثاني تابع لدلالة ما دل علي جعله موضوعا.

فإن دل علي كون العلم التفصيلي داخلا في الموضوع، كما لو فرضنا أن الشارع لم يحكم

بوجوب الاجتناب إلا عما علم تفصيلا نجاسته، فلا إشكال في عدم إعتبار العلم الاجمالي بالنجاسة.

الثاني: أنه إذا تولد من العلم الاجمالي العلم التفصيلي بالحكم الشرعي في مورد، وجب إتباعه و حرم مخالفته، لما تقدم من إعتبار العلم التفصيلي من غير تقييد بحصوله من منشأ خاص.

فلا فرق بين من علم تفصيلا ببطلان صلاته بالحدث أو بواحد مردد بين الحدث و الاستدبار، أو بين ترك ركن و فعل مبطل، أو بين فقد شرط من شرائط صلاة نفسه و فقد شرط من شرائط صلاة إمامه بناء علي إعتبار وجود شرائط الامام في علم المأموم، إلي غير ذلك.

و بالجملة فلا فرق بين هذا العلم التفصيلي و بين غيره من العلوم التفصيلية.

إلا أنه قد ورد في الشرع مواورد توهم خلاف ذلك.

منها: ما حكم به بعض فيما إذا إختلفت الامة علي قولين و لم يكن مع أحدهما دليل، من أن يطرح القولان و يرجع إلي مقتضي الاصل، فإن إطلاقه يشمل ما لو علمنا بمخالفة مقتضي الاصل للحكم الواقعي المعلوم وجوده بين القولين، بل ظاهر كلام الشيخ، رحمه الله، القائل بالتخيير هو التخيير الواقعي المعلوم تفصيلا مخالفته لحكم الله الواقعي في الواقعة.

و منها: حكم بعض بجواز إرتكاب كلا المشتبهين في الشبهة المحصورة دفعة أو تدريجا، فإنه قد يؤدي إلي العلم التفصيلي بالحرمة أو النجاسة. كما لو إشتري بالمشتبهين بالميتة جارية.

فإنا نعلم تفصيلا بطلان البيع في تمام الجارية لكون بعض ثمنها ميتة، فنعلم تفصيلا بحرمة وطيها، مع أن القائل بجواز الارتكاب لم يظهر من كلامه إخراج هذه الصور.

و منها: حكم بعض بصحة إئتمام أحد واجدي المنيي في الثوب المشترك بينهما بالاخر مع أن

***** [29] *****

المأموم يعلم تفصيلا ببطلان صلاته من جهة حدثه أو

حدث إمامه.

و منها: حكم الحاكم بتنصيف العين التي تداعاها رجلان بحيث يعلم صدق أحدهما و كذب الاخر، فإن لازم ذلك جواز شراء ثالث للنصفين من كل منهما مع أنه يعلم تفصيلا عدم إنتقال تمام المال إليه من مالكه الواقعي.

و منها: حكمهم بأنه لو كان لاحد درهم و لاخر درهمان، فتلف أحد الدراهم من عند الودعي، أن لصاحب الاثنين واحدا و نصفا و للاخر نصفا، فإنه قد يتفق إفضاء ذلك إلي مخالفة تفصيليلة.

كما لو أخذ الدرهم المشترك بينهما ثالث، فإنه يعلم تفصيلا بعدم إنتقاله من مالكه الواقعي إليه.

و منها: ما لو أقر بعين لشخص ثم أقر بها لآخر، فإنه يغرم للثاني قيمة العين بعد دفعها إلي الاول، فإنه قد يؤدي ذلك إلي إجتماع العين و القيمة عند واحد و بيعهما بثمن واحد، فيعلم عدم إنتقال تمام الثمن إليه، لكون بعض مثمنه مال المقر في الواقع.

و منها: الحكم بإنفساخ العقد المتنازع في تعيين ثمنه أو مثمنه علي وجه يقضي فيه بالتحالف.

كما لو إختلفا في كون المبيع بالثمن المعين عبدا أو جارية، فإن رد الثمن إلي المشتري بعد التحالف مخالف للعلم التفصيلي بصيرورته ملك البائع ثمنا للعبد أو الجارية و كذا لو إختلفا في كون ثمن الجارية المعينة عشرة دنانير أو مائة درهم، فإن الحكم برد الجارية مخالف للعلم التفصيلي بدخولها في ملك المشتري.

و منها: حكم بعضهم بأنه لو قال أحدهما: بعتك الجارية بمائة و قال الآخر: و هبتني إياها بأنهما يتحالفان و ترد الجارية إلي صاحبها، مع أنا نعلم تفصيلا بإنتقالها من ملك صاحبها إلي الاخر.

إلي غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع.

فلا بد في هذه الموارد من إلتزام أحد أمور علي سبيل منع الخلو: أحدها:

كون العلم التفصيلي في كل من أطراف الشبهة موضوعا للحكم.

بأن يقال: الواجب الاجتناب عما علم كونه بالخصوص بولا، فالمشتبهان طاهران في الواقع.

و كذا المانع للصلاة الحدث المعلوم صدوره تفصيلا من مكلف خاص، فالمأموم و الامام متطهران في الواقع.

الثاني: أن الحكم الظاهري في حق كل أحد نافذ واقعا في حق الاخر، بأن يقال: إن من كانت صلاته بحسب الظاهر صحيحة عند نفسه، فللاخر أن يترتب عليها آثار الصحة الواقعية فيجوز له الائتمام و كذا من حل له أخذ الدار، ممن وصل إلي نصفه إذا لم يعلم كذبه في الدعوي بأن إستند إلي بينة أو إقرار أو إعتقاد من القرائن، فإنه يملك هذا النصف في الواقع و كذلك إذا إشتري

***** [30] *****

النصف الاخر فيثبت ملكه للنصفين في الواقع و كذا الاخذ ممن وصل إليه نصف الدرهم في مسألة الصلح و في مسألتي التحالف.

الثالث: أن يلتزم بتقييد الاحكام المذكورة بما إذا لم يفض إلي العلم التفصيلي بالمخالفة و المنع مما يستلزم المخالفة تفصيلا، كمسألة إختلاف الامة علي قولين و حمل أخذ المبيع في مسألتي التحالف علي كونه تقاصا شرعيا قهريا عما يدعيه من الثمن أو إنفساخ البيع بالتحالف من أصله أو من حينه و كون أخذ نصف الدرهم مصالحة قهرية.

و عليك بالتأمل في دفع الاشكال عن كل مورد بأحد الامور المذكورة، فإن إعتبار العلم التفصيلي بالحكم الواقعي و حرمة مخالفته مما لا يقبل التخصيص بإجماع أو نحوه.

* * *

إذا عرفت هذا فلنعد إلي حكم مخالفة العلم الاجمالي، فنقول: مخالفة الحكم المعلوم بالاجمال يتصور علي وجهين.

أحدهما: مخالفته من حيث الالتزام، كالالتزام بإباحة وطي المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف و من وجب وطيها به مع إتحاد زماني الوجوب

و الحرمة و كالالتزام بإباحة موضوع كلي مردد أمره بين الوجوب و التحريم مع عدم كون أحدهما المعين تعبديا يعتبر فيه قصد الامتثال، فإن المخالفة في المثالين ليس من حيث العمل، لانه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب أو الترك الموافق للحرمة. فلا قطع بالمخالفة إلا من حيث الالتزام بإباحة الفعل.

الثاني: مخالفته من حيث العمل، كترك الامرين اللذين يعلم بوجوب أحدهما و إرتكاب فعلين يعلم بحرمة أحدهما، فإن المخالفة هنا من حيث العمل.

و بعد ذلك فنقول: أما المخالفة الغير العملية، فالظاهر جوازها في الشبهة الموضوعية و الحكمية معا، سواء كان الاشتباه و الترديد بين حكمين لموضوع واحد كالمثالين المتقدمين، أو بين حكمين لموضوعين كطهارة البدن و بقاء الحدث لمن توضأ غفلة بمائع مردد بين الماء و البول.

أما في الشبهة الموضوعية، فلان الاصل فيها إنما يخرج مجراه عن موضوع التكليفين، فيقال: الاصل عدم تعلق الحلف بوطي هذه و عدم تعلق الحلف بترك وطيها، فتخرج المرأة بذلك عن موضوع حكمي التحريم و الوجوب، فيحكم بالاباحة لاجل الخروج من موضوع الوجوب و الحرمة، لا لاجل طرحهما.

و كذا الكلام في الحكم بطهارة البدن و بقاء الحدث في الوضوء بالمائع المردد.

و أما الشبهة الحكمية، فلان الاصول الجارية فيها و إن لم يخرج مجراها عن موضوع الحكم

***** [31] *****

الواقعي، بل كانت منافية لنفس الحكم، كأصالة الاباحة مع العلم بالوجوب أو الحرمة، فإن الاصول في هذه منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالا، لا مخرجة عن موضوعة، إلا أن الحكم الواقعي المعلوم إجمالا لا يترتب عليه أثر إلا وجوب الاطاعة و حرمة المعصية و المفروض أنه لا يلزم من إعمال الاصول مخالفة عملية له ليتحقق المعصية و وجوب الالتزام بالحكم الواقعي مع قطع

النظر عن العمل غير ثابت.

لان الالتزام بالاحكام الفرعية إنما يجب مقدمة للعمل و ليست كالاصول الاعتقادية يطلب فيها الالتزام و الاعتقاد من حيث الذات.

و لو فرض ثبوت الدليل عقلا أو نقلا علي وجوب الالتزام بحكم الله الواقعي لم ينفع، لان الاصول تحكم في مجاريها بإنتفاء الحكم الواقعي، فهي كالاصول في الشبهة الموضوعية مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم، أعني وجوب الاخذ بحكم الله، هذا.

و لكن التحقيق أنه لو ثبت هذا التكليف، أعني وجوب الاخذ بحكم الله و الالتزام مع قطع النظر عن العمل، لم تجر الاصول، لكونها موجبة للمخالفة العملية للخطاب التفصيلي، أعني وجوب الالتزام بحكم الله و هو غير جائز حتي في الشبهة الموضوعية، كما سيجئ، فيخرج عن المخالفة الغير العملية.

فالحق - مع فرض عدم قيام الدليل علي وجوب الالتزام بما جاء به الشارع علي ما جاء به - أن طرح الحكم الواقعي و لو كان معلوما تفصيلا ليس محرما إلا من حيث كونها معصية دل العقل علي قبحها و إستحقاق العقاب بها.

فإذا فرض العلم تفصيلا بوجوب الشئ فلم يلتزم به المكلف إلا أنه فعله لا لداعي الوجوب، لم يكن عليه شئ.

نعم لو أخذ في ذلك الفعل نية القربة فالاتيان به لا للوجوب مخالفة عملية و معصية لترك المأمور به.

و لذا قيدنا الوجوب و التحريم في صدر المسألة بغير ما علم كون أحدهما المعين تعبديا.

فإذا كان هذا حال العلم التفصيلي، فإذا علم إجمالا بحكم مردد بين الحكمين و فرضنا إجراء الاصل في نفي الحكمين اللذين علم بكون أحدهما حكم الشارع و المفروض أيضا عدم مخالفتهما في العمل، فلا معصية و لا قبح، بل و كذلك لو فرضنا عدم جريان الاصل، لما عرفت من ثبوت

ذلك في العلم التفصيلي.

فملخص الكلم أن المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة و مخالفة الاحكام الفرعية إنما هي في العمل و لا عبرة بالالتزام و عدمه.

***** [32] *****

و يمكن أن يقرر دليل الجواز أي جواز المخالفة فيه بوجه أخصر: و هو أنه لو وجب الالتزام:

فإن كان بأحدهما المعين واقعا فهو تكليف من غير بيان و لا يلتزمه أحد و إن كان بأحدهما علي وجه التخيير فهذا لا يمكن أن يثبت بذلك الخطاب الواقعي المجمل، فلا بد له من خطاب آخر.

و هو، مع أنه لا دليل عليه، غير معقول، لان الغرض من هذا الخطاب المفروض كونه توصليا حصول مضمونه، أعني إيقاع الفعل أو الترك تخييرا و هو حاصل من دون الخطاب التخييري، فيكون الخطاب طلبا للحاصل و هو محال.

إلا أن يقال: إن المدعي للخطاب التخييري إنما يدعي ثبوته بأن يقصد منه التعبد بأحد الحكمين، لا مجرد حصول مضمون أحد الخطابين الذي هو حاصل، فينحصر دفعه حينئذ بعدم الدليل، فافهم، هذا.

و أما دليل وجوب الالتزام بما جاء به النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، فلا يثبت إلا الالتزام بالحكم الواقعي علي ما هو عليه، لا الالتزام بأحدهما تخييرا عند الشك، فافهم، هذا.

و لكن الظاهر من جماعة من الاصحاب، في مسألة الاجماع المركب، إطلاق القول بالمنع عن الرجوع إلي حكم علم عدم كونه حكم الامام في الواقع و عليه بنوا. عدم جواز الفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الامام عليه السلام.

نعم صرح غير واحد من المعاصرين، في تلك المسألة فيما إذا إقتضي الاصلان حكمين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع، بجواز العمل بكليهما و قاسه بعضهم علي العمل بالاصلين المتنافيين في الموضوعات.

لكن القياس في غير محله،

لما تقدم من أن الاصول في الموضوعات حاكمة علي أدلة التكليف، فإن البناء علي عدم تحريم المرأة لاجل البناء بحكم الاصل علي عدم تعلق الحلف بترك وطيها، فهي خارجة عن موضوع الحكم بتحريم وطي من حلف علي ترك وطيها.

و كذا الحكم بعدم وجوب وطيها لاجل البناء علي عدم الحلف علي وطيها، فهي خارجة عن موضوع الحكم بوجوب وطي من حلف علي وطيها و هذا بخلاف الشبهة الحكمية، فإن الاصل فيها معارض لنفس الحكم المعلوم بالاجمال و ليس مخرجا لمجراه عن موضوعه حتي لا ينافيه جعل الشارع.

لكن هذا المقدار من الفرق غير مجد، إذ اللازم من منافاة الاصول لنفس الحكم الواقعي، حتي مع العلم التفصيلي و معارضتها له، هو كون العمل بالاصول موجبا لطرح الحكم الواقعي من حيث الالتزام.

فإذا فرض جواز ذلك، لان العقل و النقل لم يدلا إلا علي حرمة المخالفة العملية، فليس

***** [33] *****

الطرح من حيث الالتزام مانعا عن إجراء الاصول المتنافية في الواقع.

و لا يبعد حمل إطلاق كلمات العلماء في عدم جواز طرح قول الامام، عليه السلام ، في مسألة الاجماع علي طرحه من حيث العمل، إذ هو المسلم المعروف من طرح قول الحجة.

فراجع كلماتهم فيما إذا إختلفت الامة علي قولين و لم يكن مع أحدهما دليل، فإن ظاهرالشيخ، رحمه الله، الحكم بالتخيير الواقعي و ظاهر المنقول عن بعض طرحهما و الرجوع إلي الاصل.

و لا ريب أن في كليهما طرحا للحكم الواقعي، لان التخيير الواقعي كالاصل حكم ثالث.

نعم ظاهرهم في مسألة دوران الامر بين الوجوب و التحريم الاتفاق علي عدم الرجوع إلي الاباحة و إن إختلفوا بين قائل بالتخيير و قائل بتعيين الاخذا بالحرمة.

و الانصاف: أنه لا يخلو عن قوة، لان المخالفة العملية

التي لا تلزم في المقام هي المخالفة دفعة و في واقعة عن قصد و عمد و أما المخالفة تدريجا و في واقعتين فهي لازمة البتة.

و العقل كما يحكم بقبح المخالفة دفعة عن قصد و عمد، كذلك يحكم بحرمة المخالفة في واقعتين تدريجا عن قصد إليهما من غير تقييد بحكم ظاهري عند كل واقعة و حينئذ فيجب بحكم العقل الالتزام بالفعل أو الترك.

إذ في عدمه إرتكاب لما هو مبغوض للشارع يقينا عن قصد.

و تعدد الواقعة إنما يجدي مع الاذن من الشارع عند كل واقعة.

كما في تخيير الشارع للمقلد بين قولي مجتهدين تخييرا مستمرا يجوز معه الرجوع عن احدهما إلي الاخر.

و أما مع عدمه فالقادم علي ما هو مبغوض للشارع يستحق عقلا العقاب علي إرتكاب ذلك المبغوض.

أما لو إلتزم بأحذ الاحتمالين قبح عقابه علي مخالفة الواقع لو إتفقت.

و يمكن إستفادة الحكم أيضا من فحوي أخبار التخيير عند التعارض، لكن هذا الكلام لا يجري في الشبهة الواحدة التي لم تتعدد فيها الواقعة حتي تحصل المخالفة العملية تدريجا.

فالمانع في الحقيقة هي المخالفة العملية القطعية و لو تدريجا مع عدم التعبد بدليل ظاهري، فتأمل جدا.

هذا كله في المخالفة القطعية للحكم المعلوم إجمالا من حيث الالتزام، بأن لا يلتزم به أو يلتزم بعدمه في مرحلة الظاهر إذا إقتضت الاصول ذلك.

و أما المخالفة العملية، فإن كانت لخطاب تفصيلي، فالظاهر عدم جوازها، سواء كانت في الشبهة الموضوعية، كإرتكاب الانائين المشتبهين المخالف لقول الشارع: (إجتنب عن النجس)، أو كترك القصر و الاتمام في موارد إشتباه الحكم، لان ذلك معصية لذلك الخطاب.

لان المفروض وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين الانائين و وجوب صلاة الظهر و العصر، مثلا، قصرا أو

***** [34] *****

إتماما.

و كذا لو قال: (أكرم

زيدا) و اشتبه بين شخصين، فإن ترك إكرامهما معصية.

فإن قلت: إذا أجرينا أصالة الطهارة في كل من الانائين و أخرجناهما عن موضوع النجس بحكم الشارع فليس في إرتكابهما، بناء علي طهارة كل منهما، مخالفة لقول الشارع: (إجتنب عن النجس).

قلت: أصالة الطهارة في كل مهما بالخصوص إنما يوجب جواز إرتكابه من حيث هو. ءة الاناء النجس الموجود بينهما فلا أصل يدل علي طهارته، لانه نجس يقينا، فلا بد إما من إجتنابهما تحصيلا للموافقة القطعية و إما أن يجتنب أحدهما فرارا عن المخالفة القطعية علي الاختلاف المذكور في محله.

هذا، مع أن حكم الشارع بخروج مجري الاصل عن موضوع المكلف به الثابت بالادلة الاجتهادية لا معني له إلا رفع حكم ذلك الموضوع، فمرجع أصالة الطهارة إلي عدم وجوب الاجتناب المخالف لقوله: (إجتنب عن النجس)، فافهم.

و إن كانت المخالفة مخالفة لخطاب مردد بين خطابين كما إذا علمنا بنجاسة هذا المائع أو بحرمة هذه المرأة، أو علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية هلال رمضاه، أو بوجوب الصلاة عند ذكر النبي، صلي الله عليه و آله ففي المخالفة القطعية حنيئذ وجوه:

أحدهما: الجواز مطلقا، لان المردد بين الخمر و الاجنبية لم يقع النهي عنه في خطاب من الخطابات الشرعية حتي يحرم إرتكابه و كذا المردد بين الدعاء و الصلاة، فإن الاطاعة و المعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيلية و مخالفت ها.

الثاني: عدم الجواز مطلقا، لان مخالفة الشارع قبيحة عقلا مستحقة للذم عليها و لا يعذر فيها إلا الجاهل بها.

الثالث: الفرق بين الشبهة في الموضوع و الشبهة في الحكم، فيجوز في الاولي دون الثانية، لان المخالفة القطعية في الشبهات الموضوعية فوق حد الاحصاء، بخلاف الشبهات الحكمية، كما يظهر من كلماتهم في مسائل الاجماع المركب.

و كان

الوجه ما تقدم، من أن الاصول في الموضوعات تخرج مجاريها عن موضوعات أدلة التكليف.

بخلاف الاصول في الشبهات الحكمية، فإنها منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالا.

و قد عرفت ضعف ذلك و أن مرجع الاخراج الموضوعي إلي رفع الحكم المترتب علي ذلك، فيكون الاصل في الموضوع في الحقيقة منافيا لنفس الدليل الواقعي إلا أنه حاكم عليه لا معارض له، فافهم.

الرابع: الفرق بين كون الحكم المشتبه في موضوعين واحدا بالنوع كوجوب أحدالشيئين و بين

***** [35] *****

إختلافه كوجوب الشئ و حمرمة آخر.

و الوجه في ذلك أن الخطابات في الواجبات الشرعية بأسرها في حكم خطاب واحد بفعل الكل، فترك البعض معصية عرفا، كما لو قال المولي: (إفعل كذا و كذا و كذا)، فإنه بمنزلة: (إفعلها جميعا)، فلا فرق في العصيان بين ترك واحد منها معينا أو واحد غير معين عنده.

نعم في وجوب الموافقة القطعية بالاتيان بكل واحد من المحتملين كلام آخر مبني علي أن مجرد العلم بالحكم الواقعي يقتضي البرآة اليقينية العلمية عنه أو يكتفي بأحدهما حذرا عن المخالفة القطعية التي هي نفسها مذمومة عند العقلاء و يعد معصية عندهم و إن لم يلتزموا الامتثال اليقيني لخطاب مجمل.

و الاقوي من هذه الوجوه هو الوجه الثاني ثم الاول ثم الثالث ثم الرابع.

هذا كله في إشتباه الحكم من حيث الفعل المكلف به.

* * *

و أما الكلام في إشتباهه من حيث المكلف بذلك الحكم، فقد عرفت أنه يقع تارة في الحكم الثابت لموضوع واقعي مردد بين شخصين، كأحكام الجنابة المتعلقة بالجنب المردد بين واجدي المني و قد يقع في الحكم الثابت لشخص من جهة تردده بين موضوعين، كحكم الخنثي المردد بين الذكر و الانثي.

أما الكلام في الاول:

فمحلصه: أن مجرد التكليف بين شخصين لا

يوجب علي أحدهما شيئا، إذ العبرة في الاطاعة و المعصية بتعلق الخطاب بالمكلف الخاص، فالجنب المردد بين شخصين غير مكلف بالغسل و إن ورد من الشارع أنه يجب الغسل علي كل جنب، فإن كلا منهما شاك في توجه هذا الخطاب إليه، فيقبح عقاب واحد من الشخصين يكون جنبا بمجرد هذا الخطاب الغير الموجه إليه.

نعم لو إتفق لاحدهما أو لثالث علم بتوجه الخطاب إليه دخل في إشتباه متعلق التكليف الذي تقدم حكمه باقسامه.

و لا بأس بالاشارة إلي بعض فروع المسأله، ليتضح إنطباقها علي ما تقدم في العلم الاجمالي بالتكليف.

فمنها: حمل احدهما الاخر و إدخاله في المسجد للطواف أو لغيره، بناء علي تحريم إدخال الجنب او إدخال النجاسة الغير المتعدية.

***** [36] *****

فإن قلنا إن الدخول و الادخال متحققان بحركة واحدة، دخل في المخالفة المعلومة تفصيلا و إن تردد بين كونه من جهة الدخول أو الادخال.

و إن جعلناهما متغايرين في الخارج كما في الذهن: فإن جعلنا الدخول و الادخال راجعين إلي عنوان محرم واحد و هو القدر المشترك بين إدخال النفس و إدخال الغير، كان من المخالفة المعلومة للخطاب التفصيلي، نظير إرتكاب المشتبهين بالنجس.

و إن جعلنا كلا منهما عنوانا مستقلا دخل في المخالفة للخطاب المعلوم بالاجمال الذي عرفت فيه الوجوه المتقدمة و كذا من جهة دخول المحمول و إستيجاره الحامل مع قطع النظر عن حرمة الدخول و الادخال عليه أو فرض عدمها حيث أنه علم إجمالا بصدور أحد المحرمين إما دخول المسجد جنبا او استجار جنب للدخول في المسجد.

إلا ان يقال بأن الاستيجار تابع لحكم الاجير، فاذا لم يكن هو في تكليفه محكوما بالجنابة و ابيح له الدخول في المسجد صح استيجار الغير له.

و منها: إقتداء الغير بهما

في صلاة أو صلاتين.

فإن قلنا بأن عدم جواز الاقتداء من أحكام الجنابة الواقعية، كان الاقتداء بهما في صلاة واحدة موجبا للعلم التفصيلي ببطلان الصلاة و الاقتداء بهما في صلاتين من قبيل إرتكاب الانائين و الاقتداء بأحدهما في صلاة واحدة كإرتكاب أحد الانائين.

و إن قلنا إنه يكفي في جواز الاقتداء عدم جنابة الشخص في حكم نفسه، صح الاقتداء في صلاة، فضلا عن صلاتين، لانهما طاهران بالنسبة إلي حكم الاقتداء و الاقوي هو الاول، لان الحدث مانع واقعي لا علمي.

نعم لا إشكال في إستيجارهما لكنس المسجد، فضلا عن إستيجار أحدهما، لان صحة الاستيجار تابعة لاباحة الدخول لهما، لا للطهارة الواقعية و المفروض إباحته لهما.

و قس علي ما ذكرنا جميع ما يرد عليك مميزا بين الاحكام المتعلقة بالجنب من حيث الحدث الواقعي و بين الاحكام المتعلقة بالجنب من حيث أنه مانع ظاهري للشخص المتصف به.

و أما الكلام في الخنثي: فيع تارة في معاملتها مع غيرها من معلوم الذكورية و الانوثية أو مجهولهما و حكمهما بالنسبة إلي التكاليف المختصة بكل من الفريقين و تارة في معاملة الغير معهما و حكم الكل يرجع إلي ما ذكرنا في الاشتباه المتعلق بالمكلف به.

أما معاملتها مع الغير، فمقتضي القاعدة إحترازها عن غيرها مطلقا، للعلم الاجمالي بحرمة نظرها

***** [37] *****

إلي إحدي الطائفتين، فتجتنب عنهما مقدمة.

و قد يتوهم:

(أن ذلك من باب الخطاب الاجمالي، لان الذكور مخاطبون بالغض عن الاناث و بالعكس و الخنثي شاك في دخوله في أحد الخطابين).

و التحقيق هو الاول، لانه علم تفصيلا بتكليفه بالغص عن إحدي الطائفتين و مع العلم التفصيلي لا عبرة بإجمال الخطاب كما تقدم في الدخول و الادخال في المسجد لواجدي المني مع أنه يمكن إرجاع الخطابين إلي خطاب

واحد و هو تحريم نظر كل إنسان إلي كل بالغ لا يماثله في الذكورية و الانوثية عدا من يحرم نكاحه.

و لكن يمكن أن يقال: إن الكف عن النظر إلي ما عدي مشقة عظيمة فلا يجب الاحتياط فيه، بل العسر فيه أولي من الشبهة الغير المحصورة، أو يقال: إن رجوع الخطابين إلي خطاب واحد في حرمة المخالفة القطعية، لا في وجوب الموافقة القطعية، فافهم.

و هكذا حكم لباس الخنثي، حيث إنه يعلم إجمالا بحرمة واحد من مختصات الرجال كالمنطقة و العمامة أو مختصات النساء عليه، فيجتنب عنهما.

و أما حكم ستارته في الصلاة، فيجتنب الحرير و يستر جميع بدنه.

و أما حكم الجهر و الاخفات، فإن قلنا بكون الاخفات في العشائين و الصبح رخصة للمرأة جهر الخنثي بهما و إن قلنا إنه عزيمة لها فالتخيير، إن قام الاجماع علي عدم وجوب تكرار الصلاة في حقها.

و قد يقال بالتخيير مطلقا، من جهة ما ورد:

من أن الجاهل في الجهر و الاخفات معذور.

و فيه مضافا إلي أن النص إنما دل علي معذورية الجاهل بالنسبة إلي لزوم الاعادة لو خالف الواقع و أين هذا من تخيير الجاهل من أول الامر بينهما، بل الجاهل لو جهر أو أخفت مترددا بطلت صلاته، إذ يجب عليه الرجوع إلي العلم أو العالم - : أن الظاهر من الجهل في الاخبار غير هذا الجهل.

و أما تخيير قاضي الفريضة المنسية عن الخمس في ثلاثية و رباعية و ثنائية، فإنما هو بعد و رود النص في الاكتفاء بالثلاث المستلزم لالغاء الجهر و الاخفات بالنسبة إليه، فلا دلالة فيه علي تخيير الجاهل بالموضوع مطلقا.

و أما معاملة الغير معها، فقد يقال بجواز نظر كل من الرجل و المرأة إليها، لكونها شبهة في

الموضوع و الاصل الاباحة.

و فيه: أن عموم وجوب الغض علي المؤمنات، إلا عن نسائهن أو الرجال المذكورين في الاية، يدل علي وجوب الغض عن الخنثي و لذا حكم في جامع المقاصد بتحريم نظر الطائفتين

***** [38] *****

إليها، كتحريم نظرها إليهما.

بل إدعي سبطه الاتفاق علي ذلك، فتأمل جدا.

ثم إن جميع ما ذكرنا إنما هو في غير النكاح.

و أما التناحك، فيحرم بينه و بين غيره قطعا، فلا يجوز له تزويج إمرأة، لاصالة عدم ذكوريته بمعني عدم ترتب أثر الذكورية من جهة النكاح و وجوب حفظ الفرج إلا عن الزوجة و ملك اليمين - و لا التزوج برجل، لاصالة عدم كونه إمرأة، كما صرح به الشهيد.

لكن ذكر الشيخ مسألة فرض الوارث الخنثي المشكل زوجا أو زوجة، فافهم.

هذا تمام الكلام في إعتبار العلم.

المقصد الثاني في الظن

المقام الاول:

إمكان التعبد بالظن عقلا

أما الاول، فاعلم أن المعروف هو إمكانه.

و يظهر من الدليل المحكي عن إبن قبة، في إستحالة العمل بالخبر الواحد، عموم المنع لمطلق الظن، فإنه إستدل علي مذهبه بوجهين:

(1) - (الاول:

أنه لو جاز التعبد بخبر الواحد في الاخبار عن النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، لجاز التعبد به في الاخبار عن الله تعالي و التالي باطل إجماعا.

(2) - الثاني: أن العمل به موجب لتحليل الحرام و تحريم الحلال، إذ لا يؤمن أن يكون ما أخبر بحليته حراما و بالعكس).

و هذا الوجه - كما تري - جار في مطلق الظن، بل في مطلق الامارة الغير العلمية و إن لم يفد الظن.

و إستدل المشهور علي الامكان: بأنا نقطع بأنه لا يلزم من التعبد به محال.

و في هذا التقرير نظر، إذ القطع بعدم لزوم المحال موقوف علي إحاطة العقل جميع الجهات المحسنة و المقبحة و علمه

بإنتفائها و هو غير حاصل فيما نحن فيه.

فالاولي أن يقرر هكذا: إنا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة و هذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان.

و الجواب عن دليله الاول:

أن الاجماع إنما قام علي عدم الوقوع، لا علي الامتناع، مع أن عدم الجواز قياسا علي الاخبار عن الله تعالي، بعد تسليم صحة الملازمة، إنما هو فيما إذا بني تأسيس الشريعة أصولا و فروعا علي العمل بخبر الواحد، لا مثل ما نحن فيه، مما ثبت أصل الدين و جميع فروعه بالادلة القطعية، لكن عرض إختفاؤها في الجملة من جهة العوارض و إخفاء الظالمين للحق.

و أما دليله الثاني: فقد أجيب عنه تارة بالنقض بالامور الكثيرة الغير المفيدة للعلم، كالفتوي و البينة و اليد، بل القطع أيضا، لانه قد يكون جهلا مركبا و أخري بالحل بأنه إن أريد تحريم

***** [41] *****

الحلال الظاهري أو عكسه فلا نسلم لزومه و إن أريد تحريم الحلال الواقعي ظاهرا فلا نسلم إمتناعه.

و الاولي أن يقال: إنه إن أراد إمتناع التعبد بالخبر في المسألة التي إنسد فيها باب العلم بالواقع، فلا يعقل المنع عن العمل به فضلا عن إمتناعه.

إذ من فرض عدم التمكن مع العلم بالواقع، إما أن يكون للمكلف حكم في تلك الواقعة و إما أن لا يكون له فيها حكم، كالبهائم و المجانين.

فعلي الاول، فلا مناص عن إرجاعه إلي ما لا يفيد العلم من الاصول و الامارات الظنية التي منها الخبر الواحد.

و علي الثاني يلزم ترخيص فعل الحرام الواقعي و ترك الواجب الواقعي و قد فر المستدل منهما.

فإن التزم أن مع عدم التمكن من العلم لا وجوب و لا تحريم، لان الواجب و الحرام ما علم بطلب فعله أو

تركه.

قلنا: فلا يلزم من التعبد بالخبر تحليل حرام أو عكسه.

و كيف كان فلا نظن بالمستدل إرادة الامتناع في هذا الفرض، بل الظاهر أنه يدعي الانفتاح، لانه أسبق من السيد و أتباعه الذين إدعوا إنفتاح باب العلم.

و مما ذكرنا: ظهر أنه لا مجال للنقض عليه بمثل الفتوي، لان المفروض إنسداد باب العلم علي المستفتي.

و ليس له شئ أبعد من تحريم الحلال و تحليل الحرام من العمل بقول المفتي، حتي أنه لو تمكن من الظن الاجتهادي فالاكثر علي عدم جواز العمل بفتوي الغير.

و كذلك نقضه بالقطع مع إحتمال كونه في الواقع جهلا مركبا، فإن باب هذا الاحتمال منسد علي القاطع.

و إن أراد الامتناع مع إنفتاح باب العلم و التمكن منه في مورد العمل بالخبر، فنقول: إن التعبد بالخبر حينئذ يتصور علي وجهين:

أحدهما: أن يجب العمل به، لمجرد كونه طريقا إلي الواقع و كاشفا ظنيا عنه، بحيث لم يلاحظ فيه مصلحة سوي الكشف عن الواقع، كما قد يتفق ذلك عند إنسداد باب العلم و تعلق الغرض بإصابة الواقع، فإن الامر بالعمل بالظن الخبري أو غيره لا يحتاج إلي مصلحة سوي كونه كاشفا ظنيا عن الواقع.

الثاني: أن يجب العمل به، لاجل أنه يحدث فيه بسبب قيام تلك الامارة مصلحة راجحة علي المصلحة الواقعية التي تفوت عند مخالفة تلك الامارة للواقع، كأن يحدث في صلاة الجمعة بسبب

***** [42] *****

إخبار العادل بوجوبها مصلحة راجحة علي المفسدة في فعلها علي تقدير حرمتها واقعا.

أما إيجاب العمل بالخبر علي الوجه الاول، فهو و إن كان في نفسه قبيحا مع فرض إنفتاح باب العلم، لما ذكره المستدل من تحريم الحلال و تحليل الحرام، لكن لا يمتنع أن يكون الخبر أغلب مطابقة للواقع في نظر الشارع

من الادلة القطعية التي يستعملها المكلف للوصول إلي الحرام و الحلال الواقعيين، أو يكونا متساويين في نظره من حيث الايصال إلي الواقع.

إلا أن يقال: إن هذا رجوع إلي فرض إنسداد باب العلم و العجز عن الوصول إلي الواقع، إذ ليس المراد إنسداد باب الاعتقاد و لو كان جهلا مركبا، كما تقدم سابقا.

فالاولي الاعتراف بالقبح مع فرض التمكن عن الواقع.

و أما وجوب العمل بالخبر علي الوجه الثاني، فلا قبح فيه أصلا، كما لا يخفي.

قال في النهاية في هذا المقام، تبعا للشيخ، قدس سره ، في العدة: (إن الفعل الشرعي إنما يجب لكونه مصلحة و لا يمتنع أن يكون مصلحة إذا فعلناه و نحن علي صفة مخصوصة و كوننا ظانين بصدق الراوي صفة من صفاتنا، فدخلت في جملة أحوالنا التي يجوز كون الفعل عندها مصلحة)، إنتهي موضع الحاجة.

فإن قلت: إن هذا إنما يوجب التصويب، لان المفروض علي هذا أن في صلاة الجمعة التي أخبر بوجوبها مصلحة راجحة علي المفسدة الواقعية.

فالمفسدة الواقعية سليمة عن المعارض الراجح بشرط عدم إخبار العادل بوجوبها و بعد الاخبار يضمحل المفسدة، لعروض المصلحة الراجحة.

فلو ثبت مع هذا الوصف تحريم ثبت بغير مفسدة توجبه، لان الشرط في إيجاب المفسدة له خلوها عن معارضة المصلحة الراجحة.

فيكون إطلاق الحرام الواقعي حينئذ بمعني أنه حرام لولا الاخبار، لا أنه حرام بالفعل و مبغوض واقعا، فالموجود بالفعل في هذه الواقعة عند الشارع ليس إلا المحبوبية و الوجوب، فلا يصح إطلاق الحرام علي ما فيه المفسدة المعارضة بالمصلحة الراجحة عليه.

و لو فرض صحته فلا يوجب ثبوت حكم شرعي مغاير للحكم المسبب عن المصلحة الراجحة.

و التصويب و إن لم ينحصر في هذا المعني، إلا أن الظاهر بطلانه أيضا، كما إعترف

به العلامة في النهاية في مسألة التصويب و أجاب به صاحب المعالم في تعريف الفقه عن قول العلامة بأن ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم.

قلت: لو سلم كون هذا تصويبا مجمعا علي بطلانه و أغمضنا النظر عما سيجئ من عدم كون

***** [43] *****

ذلك تصويبا، كان الجواب به عن إبن قبة من جهة أنه أمر ممكن غير مستحيل و إن لم يكن واقعا، لاجماع أو غيره.

و هذا المقدار يكفي في رده.

إلا أن يقال: إن كلامه، قدس سره بعد الفراغ عن بطلان التصويب، كما هو ظاهر إستدلاله.

و حيث إنجر الكلام إلي التعبد بالامارات الغير العلمية، فنقول في توضيح هذا المرام و إن كان خارجا عن محل الكلام:

إن ذلك يتصور علي وجهين:

(1) - الاول:

أن يكون ذلك من باب مجرد الكشف عن الواقع، فلا يلاحظ في التعبد بها إلا الايصال إلي الواقع، فلا مصلحة في سلوك هذا الطريق وراء مصلحة الواقع.

كما لو أمر المولي عبده عند تحيره في طريق بغداد بسؤال الاعراب عن الطريق، غير ملاحظ في ذلك إلا قول الاعراب موصلا إلي الواقع دائما أو غالبا و الامر بالعمل في هذا القسم ليس إلا للارشاد.

(2) - الثاني: أن يكون ذلك لمدخلية سلوك الامارة في مصلحة العمل و إن خالف الواقع.

فالغرض إدراك مصلحة سلوك هذا الطريق التي هي مساوية لمصلحة الواقع أو أرجح منها.

(1) - أما القسم الاول، فالوجه فيه لا يخلو من أمور: أحدها: كون الشارع العالم بالغيب عالما بدوام موافقة هذه الامارات للواقع و إن لم يعلم بذلك المكلف.

(2) - الثاني: كونها في نظر الشارع غالب المطابقة.

(3) - الثالث: كونها في نظره أغلب مطابقة من العلوم الحاصلة للمكلف بالواقع، لكون أكثرها في نظر الشارع جهلا مركبا.

و الوجه

الاول و الثالث يوجبان الامر بسلوك الامارة و لو مع تمكن المكلف من الاسباب المفيدة للقطع.

و الثاني لا يصح إلا مع تعذر باب العلم، لان تفويت الواقع علي المكلف و لو في النادر من دون تداركه بشئ قبيح.

و أما القسم الثاني، فهو علي وجوه:

(2 - 1) - أحدها: أن يكون الحكم - مطابقا - تابعا لتلك الامارة، بحيث لا يكون في حق الجاهل مع قطع النظر عن وجود هذه الامارة و عدمها حكم، فيكون الاحكام الواقعية مختصة في الواقع بالعالمين بها،

***** [44] *****

و الجاهل مع قطع النظر عن قيام أمارة عنده علي حكم العالمين لا حكم له أو محكوم بما يعلم الله أن الامارة تؤدي إليه و هذا تصويب باطل عند أهل الصواب من المخطئة.

و قد تواتر به وجود الحكم المشترك بين العالم و الجاهل الاخبار و الآثار.

(2 - 2) - الثاني: أن يكون الحكم الفعلي تابعا لهذه الامارة، بمعني: أن لله في كل واقعة حكما يشترك فيه العالم و الجاهل لولا قيام الامارة علي خلافه، بحيث يكون قيام الامارة المخالفة مانعا عن فعلية ذلك الحكم، لكون مصلحة سلوك هذه الامارة غالبة علي مصلحة الواقع.

فالحكم الواقعي فعلي في حق غير الظان بخلافه و شأني في حقه بمعني وجود المقتضي لذلك الحكم لولا الظن علي خلافه.

و هذا أيضا كالاول في عدم ثبوت الحكم الواقعي للظان بخلافه، لان الصفة المزاحمة بصفة أخري لا تصير منشأ لحكم، فلا يقال للكذب النافع: إنه قبيح واقعا.

و الفرق بينه و بين الوجه الاول، بعد إشتراكهما في عدم ثبوت الحكم الواقعي للظان بخلافه، أن العامل بالامارة المطابقة حكمه حكم العالم و لم يحدث في حقه بسبب ظنه حكم، نعم كان ظنه مانعا

عن المانع و هو الظن بالخلاف.

(2 - 3) الثالث: أن لا يكون للامارة القائمة علي الواقعة تأثير في الفعل الذي تضمنت الامارة حكمه و لا تحدث فيه مصلحة، إلا أن العمل علي طبق تلك الامارة و الالتزام به في مقام العمل علي أنه هو الواقع و ترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليه واقعا يشتمل علي مصلحة، [فأوجبه الشارع.

و معني إيجاب العمل علي الامارة وجوب تطبيق العمل عليها، لا وجوب إيجاد عمل علي طبقها، إذ قد لا تتضمن الامارة إلزاما علي المكلف.

فإذا تضمنت إستحباب شئ أو وجوبه تخييرا أو إباحته وجب عليه إذا أراد الفعل أن يوقعه علي وجه الاستحباب او الاباحة بمعني حرمة قصد غيرهما كما لو قطع بهما،] و تلك المصلحة لا بد أن تكون مما يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع، لو كان الامر بالعمل به مع التمكن من العلم و إلا كان تفويتا لمصلحة الواقع و هو قبيح، كما عرفت في كلام إبن قبة.

فإن قلت: ما الفرق بين هذا الوجه الذي مرجعه إلي المصلحة في العمل بالامارة و ترتيب أحكام الواقع علي مؤداها و بين الوجه السابق الراجع إلي كون قيام الامارة سببا لجعل مؤداها علي المكلف؟ مثلا إذا فرضنا قيام الامارة علي وجوب صلاة الجمعة مع كون الواجب في الواقع هي الظهر فإن كان في فعل الجمعة مصلحة يتدارك بها ما يفوت بترك صلاة الظهر، فصلاة الظهر في حق هذا

***** [45] *****

الشخص خالية عن المصلحة الملزمة، فلا صفة تقتضي وجوبها الواقعي، فهنا وجوب واحد واقعا و ظاهرا متعلق بصلاة الجمعة و إن لم يكن في فعل الجمعة صفة، كان الامر بالعمل بتلك الامارة قبيحا، لكونه مفوتا للواجب مع التمكن من إدراكه

بالعلم.

فالوجهان مشتركان في إختصاص الحكم الواقعي بغير من قام عنده الامارة علي وجوب صلاة الجمعة.

فيرجع الوجه الثالث إلي الوجه الثاني و هو كون الامارة سببا لجعل مؤداها هو الحكم الواقعي لا غير و إنحصار الحكم في المثال بوجوب صلاة الجمعة و هو التصويب الباطل.

قلت: أما رجوع الوجه الثالث إلي الوجه الثاني فهو باطل، لان مرجع جعل مدلول الامارة في حقه الذي هو مرجع الوجه الثاني إلي أن صلاة الجمعة هي واجبة عليه واقعا، كالعالم بوجوب صلاة الجمعة، فإذا صلاها فقد فعل الواجب الواقعي، فإذا إنكشف مخالفة الامارة للواقع فقد إنقلب موضوع الحكم واقعا إلي موضوع آخر، كما إذا صار المسافر بعد صلاة القصر حاضرا، إذا قلنا بكفاية السفر في أول الوقت لصحة القصر واقعا.

و معني الامر بالعمل علي طبق الامارة الرخصة في أحكام الواقع علي مؤداها من دون أن يحدث في الفعل مصلحة علي تقدير مخالفة الواقع، كما يوهمه ظاهر عبارتي العدة و النهاية المتقدمتين.

فإذا أدت إلي وجوب صلاة الجمعة واقعا، وجب ترتيب أحكام الوجوب الواقعي و تطبيق العمل علي وجوبها الواقعي.

فإن كان في أول الوقت جاز الدخول فيها بقصد الوجوب و جاز تأخيرها.

فإذا فعلها جاز له فعل النافلة و إن حرمت في وقت الفريضة المفروض كونها في الواقع هي الظهر، لعدم وجوب الظهر عليه فعلا و رخصة في تركهما و إن كان في آخر وقتها حرم تأخيرها و الاشتغال بغيرها.

ثم إن إستمر هذا الحكم الظاهري أعني الترخيص في ترك الظهر إلي آخر وقتها - وجب كون الحكم الظاهري، لكون ما فعله في أول الوقت هو الواقع المستلزم لفوت الواقع علي المكلف، مشتملا علي مصلحة يتدارك بها ما فات لاجله من مصلحة الظهر، لئلا يلزم

تفويت الواجب الواقعي علي المكلف مع التمكن من إتيانه بتحصيل العلم به.

و إن لم يستمر بل علم بوجوب الظهر في المستقبل، بطل وجوب العمل علي طبق وجوب صلاة الجمعة واقعا و وجب العمل علي طبق عدم وجوبه في نفس الامر من أول الامر، لان المفروض عدم حدوث الوجوب النفس الامري و إنما عمل علي طبقه ما دامت أمارة الوجوب قائمة.

فإذا فقدت بإنكشاف وجوب الظهر و عدم وجوب الجمعة، وجب حينئذ ترتيب ما هو كبري

***** [46] *****

لهذا المعلوم، أعني وجوب الاتيان بالظهر و نقض آثار وجوب صلاة الجمعة إلا ما فات منها.

فقد تقدم أن مفسدة فواته متداركة بالحكم الظاهري المتحقق في زمان الفوت.

فلو فرضنا العلم بعد خروج وقت الظهر، فقد تقدم أن حكم الشارع بالعمل بمؤدي الامارة اللازم منه ترخيص ترك الظهر في الجزء الاخير لا بد أن يكون لمصلحة يتدارك بها مفسدة ترك الظهر.

ثم إن قلنا: إن القضاء فرع صدق الفوت المتوقف علي فوت الواجب من حيث أن فيه مصلحة، لم يجب فيما نحن فيه، لان الواجب و إن ترك إلا أن مصلحته متداركة، فلا يصدق علي هذا الترك الفوت.

و إن قلنا: إنه متفرع علي مجرد ترك الواجب، وجب هنا، لفرض العلم بترك صلاة الظهر مع وجوبها عليه واقعا.

إلا أن يقال: إن غاية ما يلتزم به في المقام هي المصلحة في معذورية الجاهل مع تمكنه من العلم و لو كانت لتسهيل الامر علي المكلفين و لا ينافي ذلك صدق الفوت، فافهم.

ثم إن هذا كله علي ما إخترناه من عدم إقتضاء الامر الظاهري للاجزاء واضح و أما علي القول بإقتضائه له فقد يشكل الفرق بينه و بين القول بالتصويب.

و ظاهر شيخنا في تمهيد القواعد إستلزام القول

بالتخطئة لعدم الاجزاء.

قال قدس سره : (من فروع مسألة التصويب و التخطئة لزوم الاعادة للصلاة بظن القبلة و عدمه) و إن كان في تمثيله لذلك بالموضوعات محل نظر.

- فعلم من ذلك أن ما ذكره من وجوب كون فعل الجمعة مشتملا علي مصلحة يتدارك به مفسدة ترك الواجب و معه يسقط عن الوجوب ممنوع، لان فعل الجمعة قد لايستلزم الا ترك الظهر في بعض أجزاء وقته، فالعمل علي الامارة معناه الاذن في الدخول فيها علي قصد الوجوب و الدخول في التطوع بعد فعلها.

نعم يجب في الحكم بجواز فعل النافلة اشتماله علي مصلحة يتدارك به مفسدة فعل التطوع في وقت الفريضة لو اشتمل دليله الفريضة المأذون في تركها ظاهرا و الا كان جواز التطوع في تلك الحال حكما واقعيا لا ظاهريا.

و اما قولك انه مع تدارك المفسدة بمصلحة الحكم الظاهري يسقط الوجوب فممنوع ايضا، اذ قد يترتب علي وجوبه واقعا حكم شرعي و ان تدارك مفسدة تركه مصلحة فعل آخر كوجوب قضائه اذا علم بعد خروج الوقت بوجوبه واقعا.

و بالجملة، فحال الامر بالعمل بالامارة القائمة علي حكم شرعي حال الامر بالعمل بالامارة القائمة علي الموضوع الخارجي، كحياة زيد و موت عمرو.

فكما أن الامر بالعمل بالامارة في الموضوعات لا يوجب جعل نفس الوضوع و إنما يوجب جعل أحكامه، فيترتب عليه الحكم ما دامت الامارة قائمة عليه، فإذا فقدت الامارة و حصل العلم بعدم ذلك الموضوع ترتب عليه في المستقبل جميع أحكام عدم ذلك الموضوع من أول الامر، فكذلك حال الامر بالعمل علي الامارة القائمة علي الحكم.

و حاصل الكلام ثبوت الفرق الواضح بين جعل مدلول الامارة حكما واقعيا و الحكم بتحققه واقعا عند قيام الامارة و بين الحكم واقعا

بتطبيق العمل علي الحكم الواقعي المدلول عليه بالامارة،

***** [47] *****

كالحكم واقعا بتطبيق العمل علي طبق الموضوع الخارجي الذي قامت عليه الامارة.

و أما توهم:

(أن مرجع تدارك مفسدة مخالفة الحكم الواقعي، بالمصلحة الثابتة في العمل علي طبق مؤدي الامارة إلي تصويب الباطل نظرا إلي خلو الحكم الواقعي حينئذ عن المصلحة الملزمة التي تكون في فوتها المفسدة).

ففيه: منع كون هذا تصويبا.

كيف و المصوبة يمنعون حكم الله في الواقع، فلا يعقل عندهم إيجاب العمل بما جعل طريقا إليه و التعبد بترتيب آثاره في الظاهر، بل التحقيق عد مثل هذا من وجوه الرد علي المصوبة.

و أما ما ذكره: (من أن الحكم الواقعي إذا كانت مفسدة مخالفته متداركة بمصلحة العمل علي طبق الامارة، فلو بقي في الواقع كان حكما بلا صفة و إلا ثبت إنتقاء الحكم في الواقع.

و بعبارة أخري: إذا فرضنا الشئ في الواقع واجبا و قامت أمارة علي تحريمه، فإن لم يحرم ذلك الفعل لم يجب العمل بالامارة و إن حرم فإن بقي الوجوب لزم إجتماع الحكمين المتضادين و إن إنتفي ثبت إنتفاء الحكم الواقعي).

ففيه: أن المراد بالحكم الواقعي الذي يلزم بقاؤه هو الحكم المتعين المتعلق بالعباد الذي يحكي عنه الامارة و يتعلق به العلم و الظن و أمر السفراء بتبليغه و إن لم يلزم إمتثاله فعلا في حق من قامت عنده أمارة علي خلافه.

إلا أنه يكفي في كونه حكمه الواقعي أنه لا يعذر فيه إذا كان عالما به أو جاهل مقصرا و الرخصة في تركه عقلا، كما في الجاهل القاصر، أو شرعا، كمن قامت عنده أمارة معتبرة علي خلافه.

و مما ذكرنا يظهر حال الامارة علي الموضوعات الخارجية، فإنها من القسم الثالث.

و الحاصل: أن المراد بالحكم الواقعي هي مدلولات

الخطابات الواقعية الغير المقيدة بعلم المكلفين و لا بعدم قيام الامارة علي خلافها، لها آثار عقلية و شرعية تترتب عليها عند العلم بها أو قيام أمارة حكم الشارع بوجوب البناء علي كون مؤداها هو الواقع. نعم هذه ليست أحكاما فعليه بمجرد وجودها الواقعي.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أن ذكره إبن قبة من إستحالة التعبد بخبر الواحد أو بمطلق الامارة الغير العلمية - ممنوع علي إطلاقه و إنما يصح، إذا ورد التعبد علي بعض الوجوه، كما تقدم تفصيل ذلك.

***** [48] *****

ثم إنه ربما ينسب إلي بعض: (إيجاب التعبد بخبر الواحد أو بمطلق الامارة علي الله تعالي.

بمعني قبح تركه منه)، في مقابل قول إبن قبة.

فإن أراد به وجوب إمضاء حكم العقل بالعمل به عند عدم التمكن من العلم ببقاء التكليف، فحسن.

و إن أراد وجوب الجعل بالخصوص في حال الانسداد، فممنوع، إذ جعل الطريق بعد إنسداد باب العلم إنما يجب عليه إذا لم يكن هناك طريق عقلي و هو الظن.

إلا أن يكون لبعض الظنون في نظره خصوصية.

و إن أراد حكم صورة الانفتاح: فإن أراد وجوب التعبد العيني، فهو غلط، لجواز تحصيل العلم معه قطعا و إن أراد وجوب التعبد به تخييرا، فهو مما لا يدركه العقل، إذ لا يعلم العقل به وجود مصلحة في الامارة يتدارك بها مصلحة الواقع التي تفوت بالعمل بالامارة، اللهم إلا أن يكون في تحصيل العلم حرج يلزم في العقل رفع إيجابه بنصب أمارة هي أقرب من غيرها إلي الواقع أو أصح في نظر الشارع من غيره في مقام البدلية عن الواقع و إلا فيكفي إمضاؤه للعمل بمطلق الظن، كصورة الانسداد.

المقام الثاني: في وقوع التعبد بالظن في الاحكام الشرعية

اشارة

المقام الثاني: في وقوع التعبد بالظن في الاحكام الشرعية

ثم إذا تبين عدم إستحالة

تعبد الشارع بغير العلم و عدم القبح فيه و لا في تركه، فيقع الكلام في المقام الثاني في وقوع التعبد به في الاحكام الشرعية مطلقا أو في الجملة.

و قبل الخوض في ذلك لا بد من تأسيس الاصل الذي يكون عليه المعول عند عدم الدليل علي وقوع التعبد بغير العلم مطلقا أو في الجملة فنقول: التعبد بالظن، الذي لم يدل دليل علي التعبد به، محرم بالادلة الاربعة.

و يكفي من الكتاب قوله تعالي: (قل الله أذن لكم أم علي الله تفترون)، دل علي أن ما ليس بإذن من الله من إسناد الحكم إلي الشارع فهو إفتراء و من السنة قوله، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، في عداد القضاة من أهل النار: (ورجل قضي بالحق و هو لا يعلم) و من الاجماع ما إدعاه الفريد البهبهاني، في بعض رسائله، من كون عدم الجواز بديهيا عند العوام فضلا عن العلماء و من العقل تقبيح العقلاء من يتكلف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولي و لو كان عن جهل مع التقصير. نعم، قد يتوهم متوهم أن الاحتياط من هذا القبيل.

و هو غلط واضح، إذ فرق بين الالتزام بشئ من قبل المولي علي أنه منه مع عدم العلم بأنه منه و بين الالتزام بإتيانه لاحتمال كونه منه أو رجاء كونه منه.

و شتان ما بينهما، لان العقل يستقل بقبح الاول و حسن الثاني.

و الحاصل: أن المحرم هو العمل بغير العلم متعبدا به و متدينا به.

***** [50] *****

و أما العمل به من دون تعبد بمقتضاه: فإن كان لرجاء إدراك الواقع، فهو حسن ما لم يعارضه إحتياط آخر أو لم يثبت من دليل آخر وجوب العمل علي خلافه، كما

لو ظن الوجوب و اقتضي الاستصحاب الحرمة، فإن الاتيان بالفعل محرم و إن لم يكن علي وجه التعبد بوجوبه و التدين به.

و إن لم يكن لرجاء إدراك الواقع، فإن لزم منه طرح أصل دل الدليل علي وجوب الاخذ به حتي يعلم خلافه، كان محرما أيضا، لان فيه طرحا للاصل الواجب العمل، كما فيما ذكر، من مثال كون الظن بالوجوب علي خلاف إستصحاب التحريم و إن لم يلزم منه ذلك جاز العمل، كما لو ظن بوجوب ما تردد بين الحرمة و الوجوب، فإن الالتزام بطرف الوجوب لا علي أنه حكم الله المعين جائز.

لكن في تسمية هذا عملا بالظن مسامحة و كذا في تسمية الاخذ به من باب الاحتياط.

و بالجملة، فالعمل بالظن إذا لم يصادف الاحتياط محرم إذا وقع علي وجه التعبد به و التدين، سواء إستلزم طرح الاصل أو الدليل الموجود في مقابله أم لا و إذا وقع علي غير وجه التعبد به فهو محرم إذا إستلزم طرح ما يقابله من الاصول و الادلة المعلوم وجوب العمل بها، هذا.

و قد يقرر (الاصل) هنا بوجوه أخر: منها: أن الاصل عدم الحجية و عدم وقوع التعبد به و إيجاب العمل به.

و فيه: أن الاصل و إن كان ذلك إلا أنه لا يترتب علي مقتضاه شئ، فإن حرمة العمل بالظن يكفي في موضوعها عدم العلم بورود التعبد من غير حاجة إلي إحراز عدم ورود التعبد به، ليحتاج في ذلك إلي الاصل ثم إثبات الحرمة.

و الحاصل: أن أصالة عدم الحادث إنما يحتاج إليها في الاحكام المترتبة علي عدم ذلك الحادث.

و أما الحكم المرتب علي عدم العلم بذلك الحادث فيكفي فيه الشك فيه و لا يحتاج إلي إحراز عدمه بحكم الاصل.

و

هذا نظير قاعدة الاشتعال الحاكمة بوجوب اليقين بالفراغ، فإنه لا يحتاج في إجرائها إلي إجراء أصالة عدم فراغ الذمة، بل يكفي فيها عدم العلم بالفراغ، فتأمل.

و منها: أن الاصل هي إباحة العمل بالظن، لانها الاصل في الاشياء.

حكاه بعض عن السيد المحقق الكاظمي.

و فيه: علي تقدير النسبة، أولا، أن إباحة التعبد بالظن غير معقول، إذ لا معني لجواز التعبد و تركه لا إلي بدل.

غاية الامر التخيير بين التعبد بالظن و التعبد بالاصل أو الدليل الموجود هناك في مقابله الذي يتعين الرجوع إليه لولا الظن.

فغاية الامر وجوب التعبد به أو بالظن تخييرا،

***** [51] *****

فلا معني للاباحة التي هي الاصل في الاشياء.

و ثانيا، أن أصالة الاباحة إنما هي فيما لا يستقل العقل بقبحه و قد عرفت إستقلال العقل بقبح التعبد بالظن من دون العلم بوروده من الشارع.

و منها: أن الامر في المقام دائر بين الوجوب و التحريم و مقتضاه التخيير أو ترجيح جانب التحريم، بناء علي أن دفع المفسده أولي من جلب المنفعة.

و فيه: منع الدوران، لان عدم العلم بالوجوب كاف في ثبوت التحريم، لما عرفت من إطباق الادلة الاربعة علي عدم جواز التعبد بما لا يعلم وجوب التعبد به من الشارع.

ألا تري أنه إذا دار الامر بين رجحان عبادة و حرمتها كفي عدم ثبوت الرجحان في ثبوت حرمتها.

و منها: أن الامر في المقام دائر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالاحكام الشرعية المعلومة إجمالا و بين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي، فيرجع إلي الشك في المكلف به و تردده بين التخيير و التعيين، فيحكم بتعيين تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي تحصيلا لليقين بالبراءة، خلافا لمن لم يوجب ذلك في مثل المقام.

و فيه: أولا، أن وجوب تحصيل الاعتقاد بالاحكام مقدمة

عقلية للعمل بها و امتثالها، فالحاكم بوجوبه هو العقل.

و لا معني لتردد العقل في موضوع حكمه و أن الذي حكم هو بوجوبه تحصيل مطلق الاعتقاد أو خصوص العلم منه، بل إما أن يستقل بوجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي علي ما هو التحقيق و إما أن يحكم بكفاية مطلق الاعتقاد.

و لا يتصور الاجمال في موضوع الحكم العقلي، لان التردد في الموضوع يستلزم التردد في الحكم و هو لا يتصور من نفس الحاكم.

و سيجئ الاشارة إلي هذا في رد من زعم أن نتيجة دليل الانسداد مهملة مجملة، مع عدم دليل الانسداد دليلا عقليا و حكما يستقل به العقل.

و أما ثانيا، فلان العمل بالظن في مورد مخالفته للاصول و القواعد الذي هو محل الكلام مخالفة قطعية لحكم الشارع بوجوب الاخذ بتلك الاصول حتي يعلم خلافها.

فلا حاجة في رده إلي مخالفته لقاعدة الاشتغال الراجعة إلي قدح المخالفة الاحتمالية للتكليف المتيقن.

مثلا إذا فرضنا أن الاستصحاب يقتضي الوجوب و الظن حاصل بالحرمة، فحينئذ يكون العمل بالظن مخالفة قطعية لحكم الشارع بعدم نقض اليقين بغير اليقين، فلا يحتاج إلي تكلف أن التكليف بالواجبات و المحرمات يقيني و لا نعلم كفاية تحصيل مطلق الاعتقاد الراجح فيها أو وجوب تحصيل الاعتقاد القطعي و أن في تحصيل الاعتقاد الراجح مخالفة إحتمالية للتكليف المتيقن فلا يجوز.

فهذا أشبه شئ بالاكل عن القفا.

***** [52] *****

فقد تبين مما ذكرنا أن ما ذكرنا في بيان الاصل هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه.

و حاصله: أن التعبد بالظن مع الشك في رضاء الشارع بالعمل به في الشريعة تعبد بالشك و هو باطل عقلا و نقلا.

و أما مجرد العمل علي طبقه فهو محرم إذا خالف أصلا من الاصول اللفظية أو العملية الدالة علي

وجوب الاخذ بمضمونها حتي يعلم الرافع.

فالعمل بالظن قد تجتمع فيه جهتان للحرمة، كما إذا عمل به ملتزما أنه حكم الله و كان العمل به مخالفا لمقتضي الاصول و قد تحقق فيه جهة واحدة، كما إذا خالف الاصل و لم يلتزم بكونه حكم الله، أو التزم و لم يخالف مقتضي الاصول و قد لا يكون فيه عقاب أصلا، كما إذا لم يلتزم بكونه حكم الله و لم يخالف أصلا.

و حينئذ قد يستحق عليه الثواب، كما إذا عمل به علي وجه الاحتياط، هذا.

و لكن حقيقة العمل بالظن هو الاستناد إليه في العمل و الالتزام بكون مؤداه حكم الله في حقه، فالعمل علي ما يطابقه بلا إستناد إليه ليس عملا به.

فصح أن يقال: إن العمل بالظن و التعبد به حرام مطلقا، وافق الاصول أو خالفها.

غاية الامر أنه إذا خالف الاصول يستحق العقاب من جهتين، من جهة الالتزام و التشريع و من جهة طرح الاصل المأمور بالعمل به حتي يعلم بخلافه.

و قد أشير في الكتاب و السنة إلي الجهتين: فمما أشير فيه إلي الاولي قوله تعالي: (قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون)، بالتقريب المتقدم.

و قوله صلي الله عليه و آله : (رجل قضي بالحق و هو لا يعلم).

و مما أشير فيه إلي الثانية قوله تعالي: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) و قوله عليه السلام : (من أفتي الناس بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه) و نفس أدلة الاصول.

ثم إن ما ذكرنا من الحرمة من الجهتين مبني علي ما هو التحقيق، من أن إعتبار الاصول، لفظية كان أو عملية، غير مقيد بصورة عدم الظن علي خلافها.

و أما إذا قلنا بإشتراط عدم كون الظن عي

خلافها، فلقائل أن يمنع أصالة حرمة العمل بالظن مطلقا، لا علي وجه الالتزام و لا علي غيره.

أما مع عدم تيسر العلم في المسألة، فلدوران الامر فيها بين العمل بالظن وين الرجوع إلي

***** [53] *****

الاصل الموجود في تلك المسألة علي خلاف الظن.

و كما لا دليل علي التعبد بالظن، كذلك لا دليل علي التعبد بذلك الاصل، لانه المفروض.

فغاية الامر التخيير بينهما أو تقديم الظن، لكونه أقرب إلي الواقع، فيتعين بحكم العقل.

و أما مع التمكن من العلم في المسألة، فلان عدم جواز الاكتفاء فيها بتحصيل الظن و وجوب تحصيل اليقين مبني علي القول بوجوب تحصيل الواقع علما.

أما إذا أدعي أن العقل لا يحكم بأزيد من وجوب تحصيل الظن و أن الضرر الموهوم لا يجب دفعه، فلا دليل علي لزوم تحصيل العلم مع التمكن.

ثم إنه ربما يستدل علي أصالة حرمة العمل بالظن بالآيات الناهية عن العمل بالظن و قد أطالوا الكلام في النقض و الابرام في هذا المقام بما لا ثمرة مهمة في ذكره بعدما عرفت.

لانه إن أريد الاستدلال بها علي حرمة التعبد و الالتزام و التدين بمؤدي الظن، قد عرفت أنه من ضروريات العقل، فضلا عن تطابق الادلة الثلاثة النقلية عليه.

و إن اريد دلالتها علي حرمة العمل المطابق للظن و إن لم يكن عن إستناد إليه: فإن أريد حرمته إذا خالف الواقع مع التمكن من العلم به، فيكفي في ذلك الادلة الواقعية و إن أريد حرمته إذا خالف الاصول مع عدم التمكن من العلم، فيكفي فيه أيضا أدلة الاصول، بناء علي ما هو التحقيق، من أن مجاريها صور عدم العلم الشامل للظن و إن أريد حرمة العمل المطابق للظن من دون إستناد إليه و تدين به و عدم

مخالفة العمل للواقع مع التمكن منه و لا لمقتضي الاصول مع العجز عن الواقع، فلا دلالة فيها و لا في غيرها علي حرمة ذلك و لا وجه لحرمته أيضا.

و الظاهر أن مضمون الايات هو التعبد بالظن و التدين به و قد عرفت أن ضروري التحريم، فلا مهم في إطالة الكلام في دلالةالايات و عدمها.

* * *

إنما المهم الموضوع له هذه الرسالة بيان ما خرج او قيل بخروجه من هذا الاصل من الامور الغير العلمية التي أقيم الدليل علي إعتبارها مع قطع النظر عن إنسداد باب العلم الذي جعلوه موجبا للرجوع إلي الظن مطلقا أو في الجملة و هي أمور:

الظنون المعتبرة
اشارة

منها: الامارات المعمولة في إستنباط الاحكام الشرعية من ألفاظ الكتاب و السنة

الامارات المعمولة في إستنباط الاحكام الشرعية من ألفاظ الكتاب و السنة
اشارة

و هي علي قسمين:

القسم الاول:

ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند إحتمال إرادة خلاف ذلك، كأصالة الحقيقة عند إحتمال إرادة المجاز و أصالة العموم و الاطلاق و مرجع الكل إلي أصالة عدم القرينة الصارفة عن المعني الذي يقطع بإرادة المتكلم الحكيم له لو حصل القطع بعدم القرينة و كغلبة إستعمال المطلق في الفرد الشائع بناء علي عدم وصوله إلي حدالوضع و كالقرائن المقامية التي يعتمدها أهل اللسان في محاوراتهم، كوقوع الامر عقيب توهم الحظر و نحو ذلك و بالجملة الامور المعتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم، بحيث لو أراد المتكلم القاصد للتفهيم خلاف مقتضاها من دون نصب قرينة معتبرة عد ذلك منه قبيحا.

و القسم الثاني: ما يعمل لتشخيص أوضاع الالفاظ و تمييز مجازاتها عن حقائقها و ظواهرها عن خلافها، كتشخيص أن لفظ (الصعيد) موضوع لمطلق وجه الارض أو التراب الخالص و تعيين أن وقوع الامر عقيب توهم الحظر هل يوجب ظهوره في الاباحة المطلقة و أن الشهرة في المجاز المشهور هل توجب إحتياج الحقيقة إلي القرينة الصارفة من الظهور العرضي المسبب من الشهرة، نظير إحتياج المطلق المنصرف إلي بعض أفراده.

و بالجملة، فالمطلوب في هذا القسم أن اللفظ ظاهر في هذا المعني أو غير ظاهر و في القسم الاول أن الظاهر المفروغ عن كونه ظاهرا مراد أولا.

و الشك في الاول مسبب عن الاوضاع اللغوية و العرفية و في الثاني عن إعتماد المتكلم علي القرينة و عدمه.

فالقسمان من قبيل الصغري و الكبري لتشخيص المراد.

القسم الاول و هو ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم
اشارة

فاعتباره في الجملة مما لا إشكال فيه و لا خلاف، لان المفروض كون تلك الامور معتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم المقصود بها التفهيم و من المعلوم بديهة أن طريق محاورات الشارع في تفهيم

مقاصده للمخاطبين لم يكن طريقا مخترعا مغايرا لطريق محاورات أهل اللسان في تفهيم مقاصدهم.

و إنما الخلاف و الاشكال وقع في موضعين:

(1) - أحدهما: جواز العمل بظواهر الكتاب.

(2) - و الثاني: أن العمل بالظواهر مطلقا في حق غير المخالطب بها قام الدليل عليه بالخصوص بحيث لا يحتاج إلي إثبات إنسداد باب العلم في الاحكام الشرعية أم لا.

و الخلاف الاول ناظر إلي عدم كون المقصود بالخطاب إستفادة المطلب منه مستقلا.

و الخلاف الثاني ناظر إلي منع كون المتعارف بين أهل اللسان إعتماد غير من قصد إفهامه بالخطاب علي ما يستفيده من الخطاب بواسطة أصالة عدم القرينة عند التخاطب.

فمرجع كلا الخلافين إلي منع الصغري.

و أما الكبري أعني كون الحكم عند الشارع في إستنباط مراداته من خطاباته المقصودة بها التفهيم ما هو المتعارف عند أهل اللسان في الاستفادة فمما لا خلاف فيه و لا إشكال.

* * *

***** [56] *****

أما الكلام في الخلاف الاول
[تفصيل]

فتفصيله أنه ذهب جماعة من الاخباريين إلي المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون ما يرد التفسير و كشف المراد عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم.

و أقوي ما يتمسك لهم علي ذلك وجهان أحدهما: الاخبار المتواترة المدعي ظهورها في المنع عن ذلك مثل النبوي صلي الله عليه و آله :

مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ فليتبوء مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار

و في رواية أخري:

من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار.

و في نبوي ثالث:

(من فسر القرآن برأيه فقد إفتري علي الله الكذب).

و عن أبي عبدالله عليه السلام :

مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِه إن أصاب لم يؤجرو إن أخطأ سقط أبعد من السماء.

و في النبوي العامي: ( (مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِه فَأَصَاب فقد أخطأ).

و عن مولانا الرضا، عليه السلام ، عن أبيه، عن آبائه، عن

أمير المؤمنين صلوات الله عليهم:

قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله : (إن الله عز و جل قال في الحديث القدسي: ما آمن بي من فسر كلامي برأيه و ما عرفني من شبهني بخلقي و ما علي ديني من إستعمل القياس في ديني).

و عن تفسير العياشي عن أبي عبدالله عليه السلام : (قال: مَنْ حَكَمَ بِرَأْيِهِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَدْ كَفَرَ وَ مَنْ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ. )

***** [57] *****

و عن مجمع البيان: (إنه قد صرح عن النبي صلي الله عليه و آله و عن الائمة القائمين مقامه: أَنَّ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالْأَثَرِ الصَّحِيحِ وَ النَّصِّ الصَّرِيحِ. ).

و قوله عليه السلام : لَيْسَ شَيْ ءٌ أَبْعَدَ مِنْ عُقُولِ الرِّجَالِ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ

إن الاية يكون أولها في شئ و آخرها في شئ و هو كلام متصل ينصرف إلي وجوه).

و في مرسلة شبيب بن أنس عن أبي عبدالله عليه السلام : (إنه قال لابي حنيفة: أنت فقيه أهل العراق؟

قال: نعم.

قال: فبأي شئ تفتيهم؟

قال: بكتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله

قال: يا أبا حنيفة! تعرف كتاب الله حق معرفته و تعرف الناسخ من المنسوخ؟

قال: نعم.

قال عليه السلام : يا أبا حنيفة! لَقَدِ ادَّعَيْتَ عِلْماً وَيْلَكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ وَيْلَكَ وَ لَا هُوَ إِلَّا عِنْدَ الْخَاصِّ مِنْ ذُرِّيَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم مَا وَرَّثَكَ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ حَرْفاً

• و في رواية زيد الشحام:

قال:

دَخَلَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ عَلَي أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فَقَالَ له: أَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ؟

فَقَالَ هَكَذَا يَزْعُمُونَ

فَقَالَ:

بَلَغَنِي أَنَّكَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ

فَقَالَ:

نَعَمْ

… إلي أن قال:

يَا قَتَادَةُ إِنْ كُنْتَ قَدْ فَسَّرْتَ

الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ فَقَدْ هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ وَ إِنْ كُنْتَ أَخَذْتَهُ مِنَ الرِّجَالِ فَقَدْ هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ إِنَّمَا يَعْرِفُ الْقُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ

إلي غير ذلك مما ادعي في الوسائل، في كتاب القضاء، تجاوزها عن حد التواتر.

و حاصل هذا الوجه يرجع إلي أن منع الشارع عن ذلك يكشف عن أن مقصود المتكلم ليس تفهيم مطالبه بنفس هذا الكلام، فليس من قبيل المحاورات العرفية.

و الجواب عن الاستدلال بها أنها لا تدل علي المنع عن العمل بالظواهر الواضحة المعني بعد الفحص عن نسخها و تخصيصها و إرادة خلاف ظاهرها في الاخبار.

إذ من المعلوم أن هذا لا يسمي تفسيرا، فإن أحدا من العقلاء إذا رأي في كتاب مولاه أنه أمره بشئ بلسانه المتعارف في مخاطبته له، عربيا أو فارسيا أو غيرهما، فعمل به و امتثله، لم يعد هذا تفسيرا، إذ التفسير كشف القناع.

ثم لو سلم كون مطلق حمل اللفظ علي معناه تفسيرا، لكن الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار

***** [58] *****

العقلي الظني الراجح إلي الاستحسان، فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب علي معانيها اللغوية و العرفية.

و حينئذ فالمراد بالتفسير بالرأي: إما حمل اللفظ علي خلاف ظاهره أو أحد إحتماليه، لرجحان ذلك في نظره القاصر و عقله الفاتر.

و يرشدإليه المروي عن مولانا الصادق، عليه السلام ، قال في حديث طويل:

وَ إِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ فِي الْمُتَشَابِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَي مَعْنَاهُ وَ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَتَهُ فَوَضَعُوا لَهُ تَأْوِيلًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ بِآرَائِهِمْ وَ اسْتَغْنَوْا بِذَلِكَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام فيعرفونهم.

و إما الحمل علي ما يظهر له في بادي الرأي من المعاني العرفية و اللغوية، من دون تأمل في الادلة العقلية و من دون تتبع في القرائن النقلية،

مثل الآيات الاخر الدالة علي خلاف هذا المعني و الاخبار الواردة في بيان المراد منها و تعيين ناسخها من منسوخها.

و مما يقرب هذا المعني الثاني و إن كان الاول أقرب عرفا، أن المنهي، في تلك الاخبار، المخالفون الذين يستغنون بكتاب الله عن أهل البيت، عليهم السلام ، بل يخطئونهم به.

و من المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نص الامام، عليه السلام ، علي ظاهر القرآن، كما أن المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس.

و يرشدك إلي هذا ما تقدم في رد الامام، (ع)، علي أبي حنيفة حيث أنه يعمل بكتاب الله.

و من المعلوم أنه إنما كان يعمل بظواهره، لا أنه كان يؤوله بالرأي، إذ لا عبرة بالرأي عندهم مع الكتاب و السنة.

و يرشد إلي هذا قول أبي عبدالله، عليه السلام ، في ذم المخالفين:

أَنَّهُمْ ضَرَبُوا الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَ احْتَجُّوا بِالْمَنْسُوخِ وَ هُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ النَّاسِخُ وَ احْتَجُّوا بِالْخَاصِّ وَ هُمْ يُقَدِّرُونَ أَنَّهُ الْعَامُّ وَ احْتَجُّوا بِأَوَّلِ الْآيَةِ وَ تَرَكُوا السُّنَّةَ فِي تَأْوِيلِهَا وَ لَمْ يَنْظُرُوا إِلَي مَا يَفْتَحُ الْكَلَامَ وَ إِلَي مَا يَخْتِمُهُ وَ لَمْ يَعْرِفُوا مَوَارِدَهُ وَ مَصَادِرَهُ إِذْ لَمْ يَأْخُذُوهُ عَنْ أَهْلِهِ فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا

و بالجملة، فالانصاف: يقتضي عدم الحكم بظهور الاخبار المذكورة في النهي عن العمل بظاهر الكتاب بعد الفحص و التتبع في سائر الادلة، خصوصا الاثار الواردة عن المعصومين عليهم السلام ، كيف و لو دلت علي المنع من العمل علي هذا الوجه دلت علي عدم جواز العمل بأحاديث أهل

***** [59] *****

البيت عليه السلام.

ففي رواية سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (إن أمر النبي صلي الله عليه و آله مثل القرآن، منه ناسخ و منسوخ و خاص و عام

و محكم و متشابه و قد كان يكون من رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم الكلام، يكون له وجهان، كلام عام و كلام خاص، مثل القرآن).

و في رواية أسلم بن مسلم:

«إِنَ الْحَدِيثَ يُنْسَخُ كَمَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ .

هذا كله مع معارضة الاخبار المذكورة بأكثر منها، مما يدل علي جواز التمسك بظاهر القرآن: مثل خبر الثقلين المشهور بين الفريقين و غيرها، مما دل علي الامر بالتمسك بالقرآن و العمل بما فيه و عرض الاخبار المتعارضة بل و مطلق الاخبار عليه، ورد الشروط المخالفة للكتاب في أبواب العقود و الاخبار الدالة قولا و فعلا و تقريرا علي جواز التمسك بالكتاب.

مثل قوله، عليه السلام ، لما قال زرارة: (من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟ فقال عليه السلام : لمكان الباء).

فعرفه مورد إستفادة الحكم من ظاهر الكتاب.

و قول الصادق، عليه السلام ، في مقام نهي الدوانقي عن قبول خبر النمام:

إنه فاسق و قال الله: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الاية).

و قوله عليه السلام : لابنه إسماعيل: (إن الله عز و جل يقول: «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ»، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم).

و قوله، عليه السلام ، لمن أَطَالَ الْجُلُوسَ في بيت الخلاء لاستماع الغناء، إعتذارا بأنه لم يكن شيئا أتاه برجله: (أما سمعت قول الله عز و جل: انَ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ اولئكَ كانَ عَنْهُ مَسْئوُلاً).

و قوله، عليه السلام ، في تحليل العبد للمطلقة ثلاثا: (إنه زوج، قال الله عز و جل: حتي ينكح زوجا غيره) و في عدم تحليلها بالعقد المنقطع: إنه تعالي قال: فإن طلقها فلا جناح عليهما).

و تقريره، عليه السلام ، التمسك بقوله تعالي: (وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)

و أنه نسخ بقوله تعالي (وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكات .

***** [60] *****

و قوله، عليه السلام : في رواية عبدالاعلي، في حكم من عثر، فوقع ظفره، فجعل علي إصبعه مرارة: (إن هذا و شبهه يعرف من كتاب الله: ما جعل عليكم في الدين من حرج.

ثم قال: إمسح عليه)، فأحال، عليه السلام ، معرفة حكم المسح علي إصبعه المغطي بالمرارة إلي الكتاب، موميا إلي أن هذا لا يحتاج إلي السؤال، لوجوده في ظاهر القرآن.

و لا يخفي أن إستفادة الحكم المذكور من ظاهر الاية الشريفة مما لا يظهر إلا للمتأمل المدقق، نظرا إلي أن الاية الشريفة إنما تدل علي نفي وجوب الحرج، أعني المسح علي نفس الاصبع، فيدور الامر في بادي النظر بين سقوط المسح رأسا و بين بقائه مع سقوط قيد مباشرة الماسح للممسوح، فهو بظاهره لا يدل علي ما حكم به الامام، عليه السلام ، لكن يعلم عند التأمل أن الموجب للحرج هو إعتبار المباشرة في المسح، فهو الساقط دون أصل المسح، فيصير نفي الحرج دليلا علي سقوط إعتبار المباشرة في المسح، فيمسح علي الاصبع المغطي.

فإذا أحال الامام، عليه السلام ، إستفادة مثل هذا الحكم إلي الكتاب، فكيف يحتاج نفي وجوب الغسل أو الوضوء، عند الحرج الشديد المستفاد من ظاهر الاية المذكورة، أو غير ذلك من الاحكام التي يعرفها كل عارف باللسان من ظاهر القرآن، إلي ورود التفسير بذلك من أهل البيت عليهم السلام.

و من ذلك ما ورد من: (أن المصلي أَرْبَعاً فِي السَّفَر إن قرئت عليه آية القصر وجب عليه الاعادة و إلا فلا).

و في بعض الروايات (إن قرئت عليه و فسرت له).

و الظاهر و لو بحكم أصالة الاطلاق في باقي الروايات أن المراد من

تفسيرها له بيان أن المراد من قوله تعالي: (لا جناح عليكم أن تقصروا)، بيان الترخيص في أصل تشريع القصر و كونه مبنيا علي التخفيف، فلا ينافي تعين القصر علي المسافر و عدم صحة الاتمام منه و مثل هذه المخالفة للظاهر يحتاج إلي التفسير بلا شبهة.

و قد ذكر زرارة و محمد بن مسلم للامان، عليه السلام ، : (إن الله تعالي قال: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناح و لم يقل: إفعلوا، فأجاب، عليه السلام ، بأنه من قبيل قوله تعالي: (فَمَنْ حَجَ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما).

و هذا أيضا يدل علي تقرير الامام عليه السلام لهما في التعرض لاستفادة الاحكام من الكتاب

***** [61] *****

و الدخل و التصرف في ظواهره.

و من ذلك إستشهاد الامام عليه السلام بآيات كثيرة، مثل الاستشهاد لحلية بعض النسوان بقوله تعالي: (وَ أُحِلَ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و في عدم جواز طلاق العبد بقوله تعالي: (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ ءٍ).

و من ذلك الاستشهاد لحلية بعض الحيوانات بقوله تعالي: (قُلْ لا أَجِدُ في ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) (الاية).

إلي غير ذلك مما لا يحصي.

الثاني: من وجهي المنع إنا نعلم بطرو التقييد و التخصيص و التجوز في أكثر ظواهرالكتاب.

و ذلك مما يسقطها عن الظهور.

و فيه أولا، النقض بظواهر السنة، فإنا نقطع بظرو مخالفة الظاهر في أكثرها.

و ثانيأ، أن هذا لا يوجب السقوط و إنما يوجب الفحص عما يوجب مخالفة الظاهر.

فإن قلت: العلم الاجمالي به وجود مخالفات الظواهر لا يرتفع أثره و هو وجوب التوقف بالفحص و لذا لو تردد اللفظ بين معنيين أو علم إجمالا بمخالفة أحد الظاهرين لظاهر الاخر كما في العامين من وجه و شبههما - وجب التوقف فيه

و لو بعد الفحص.

قلت: هذه شبهة ربما تورد علي من إستدل علي وجوب الفحص عن المخصص في العمومات بثبوت العلم الاجمالي به وجود المخصصات.

فإن العلم الاجمالي إما أن يبقي أثره و لو بعد العلم التفصيلي به وجود عدة مخصصات و إما أن لا يبقي.

فإن بقي فلا يرتفع بالفحص و إلا فلا مقتضي للفحص.

و تندفع هذا الشبهة: بأن المعلوم إجمالا هو وجود مخالفات كثيرة في الواقع فيما بأيدينا بحيث تظهر تفصيلا بعد الفحص.

و أما وجود مخالفات في الواقع زائدا علي ذلك فغير معلوم.

فحينئذ لا يجوز العمل قبل الفحص، لاحتمال وجود مخصص يظهر بعد الفحص و لا يمكن نفيه بالاصل لاجل العلم الاجمالي.

و أما بعد الفحص فإحتمال وجود المخصص في الواقع ينفي بالاصل السالم عن

***** [62] *****

العلم الاجمالي.

و الحاصل: أن المنصف لا يجد فرقا بين ظاهر الكتاب و السنة، لا قبل الفحص و لا بعده.

* * *

ثم إنك قد عرفت أن العمدة في منع الاخباريين من العمل بظواهر الكتاب هي الاخبار المانعة عن تفسير القرآن.

إلا أنه يظهر من كلام السيد الصدر شارح الوافية، في آخر كلامه، أن المنع عن العمل بظواهر الكتاب هو مقتضي الاصل.

و العمل بظواهر الاخبار خرج بالدليل، حيث قال بعد إثبات أن في القرآن محكمات و ظواهر و أنه مما لا يصح إنكاره و ينبغي النزاع في جواز العمل بالظواهر و أن الحق مع الاخباريين - ما خلاصته: (إن التوضيح يظهر بعد مقدمتين.

الاولي: أن بقاء التكليف مما لا شك فيه و لزوم العمل بمقتضاه موقوف علي الافهام و هو يكون في الاكثر بالقول و دلالته في الاكثر تكون ظنية، إذ مدار الافهام علي إلقاء الحقائق مجردة عن القرينة و علي ما يفهمون و إن

كان إحتمال التجوز و خفاء القرينة باقيا.

الثانية: أن المتشابه كما يكون في أصل اللغة كذلك يكون بحسب الاصطلاح، مثل أن يقول أحد:

(أنا أستعمل العمومات و كثيرا ما أريد الخصوص من غير قرينة و ربما أخاطب أحدا و أريد غيره و نحو ذلك).

فحينئذ لا يجوز لنا القطع بمراده و لا يحصل لنا الظن به.

و القرآن من هذا القبيل، لانه نزل علي إصطلاح خاص.

لا أقول علي وضع جديد، بل أعم من أن يكون ذلك أو يكون فيه مجازات لا يعرفها العرب و مع ذلك قد وجدت فيه كلمات لا يعلم المراد منها، كالمقطعات.

ثم قال: - قال سبحانه: (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات)، الاية، ذم علي إتباع المتشابه و لم يبين لهم المتشابهات: ماهي و كم هي، بل لم يبين لهم المراد من هذا اللفظ و جعل البيان موكولا إلي خلفائه و النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، نهي الناس عن التفسير بالاراء.

و جعلوا الاصل عدم العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل.

***** [63] *****

إذا تمهدت المقدمتان، فنقول: مقتضي الاولي العمل بالظواهر و مقتضي الثانية عدم العمل، لان ما صار متشابها لا يحصل الظن بالمراد منه و ما بقي ظهوره مندرج في الاصل المذكور.

فنطالب بدليل جواز العمل، لان الاصل الثابت عند الخاصة هو عدم جواز العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل.

لا يقال: إن الظاهر من المحكم و وجوب العمل بالمحكم إجماعي.

لانا نمنع الصغري، إذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنص.

و أما شموله للظاهر فلا إلي أن قال: - لا يقال: إن ما ذكرتم لو تم لدل علي عدم جواز العمل بظواهر الاخبار أيضا، لما فيها من الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و

العام و المخصص و المطلق و المقيد.

لانا نقول: إنا لو خلينا و أنفسنا، لعملنا بظواهر الكتاب و السنة مع عدم نصب القرينة علي خلافها.

و لكن منعنا من ذلك في القرآن للمنع من إتباع المتشابه و عدم بيان حقيقته و منعنا رسول الله، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، عن تفسير القرآن.

و لا ريب في أن غير النص محتاج إلي التفسير.

و أيضا ذم الله تعالي من إتباع الظن و كذا الرسول، صلي الله عليه و آله و أوصيائه عليهم السلام و لم يستثنوا ظواهر القرآن إلي أن قال: - و أما الاخبار، فقد سبق أن أصحاب الائمة، عليهم السلام ، كانوا عاملين باخبار الاحاد من غير فحص عن مخصص أو معارض ناسخ أو مقيد و لولا هذا لكنا في العمل بظواهر الاخبار أيضا من المتوقفين)، إنتهي.

أقول: و فيه مواقع للنظر، سيما في جعل العمل بظواهر الاخبار من جهة قيام الاجماع العملي و لولاه لتوقف في العمل بها أيضا، إذ لا يخفي أن عمل أصحاب الائمة، عليهم السلام ، بظواهر الاخبار لم يكن لدليل خاص شرعي وصل إليهم من أئمتهم و إنما كان أمرا مركوزا في أذهانهم بالنسبة إلي مطلق الكلام الصادر من المتكلم لاجل الافادة و الاستفادة، سواء كان من الشارع أم غيره.

و هذا المعني جار في القرآن أيضا علي تقدير كونه ملقي للافادة و الاستفادة علي ما هو الاصل في خطاب كل متكلم.

نعم، الاصل الاولي هي حرمة العمل بالظن، علي ما عرفت مفصلا.

لكن

***** [64] *****

الخارج منه ليس خصوص ظواهر الاخبار حتي يبقي الباقي، بل الخارج منه هو مطلق الظهور الناشي عن كلام كل متكلم ألقي إلي غيره للافهام.

ثم إن ما ذكره من عدم العلم

بكون الظواهر من المحكمات و إحتمال كونها من المتشابهات ممنوع: أولا، بأن المتشابه لا يصدق علي الظواهر، لا لغة و لا عرفا، بل يصح سلبه عنه.

فالنهي الوارد عن إتباع المتشابه لا يمنع، كما إعترف به في المقدمة الاولي، من أن مقتضي القاعدة وجوب العمل بالظواهر.

و ثانيا، بأن إحتمال كونها من المتشابه لا ينفع في الخروج عن الاصل الذي اعترف به.

و دعوي إعتبار العلم بكونها من المحكم هدم لما إعترف به من أصالة حجية الظواهر، لان مقتضي ذلك الاصل جواز العمل إلا أن يعلم كونه مما نهي الشارع عنه.

و بالجملة، فالحق ما اعترف به، قدس سره ، من أنا لو خلينا و أنفسنا، لعملنا بظواهر الكتاب.

و لا بد للمانع من إثبات المنع.

ثم إنك قد عرفت مما ذكرنا أن خلاف الاخباريين في ظواهر الكتاب ليس في الوجه الذي ذكرنا، من إعتبار الظواهر اللفظية في الكلمات الصادرة لافادة المطلب و إستفادته.

و إنما يكون خلافهم في أن خطابات الكتاب لم يقصد بها إستفادة المراد من أنفسها، بل بضميمة تفسير أهل الذكر أو أنها ليست بظواهر بعد إحتمال كون محكمها من المتشابه، كما عرفت من كلام السيد المتقدم.

***** [65] *****

و ينبغي التنبيه علي أمور
الاول

إنه ربما يتوهم بعض: (أن الخلاف في إعتبار ظواهر الكتاب قليل الجدوي، إذ ليست آية متعلقة بالفروع أو الاصول إلا ورد في بيانها أو في الحكم الموافق لها خبر أو أخبار كثيرة، بل إنعقد الاجماع علي أكثرها.

مع أن جل آيات الاصول و الفروع، بل كلها، مما تعلق بالحكم فيها بأمور مجملة لا يمكن العمل بها إلا بعد أخد تفصيلها من الاخبار)، إنتهي.

«النراقي، مناهج الاحكام، ص 158».

أقول: و لعله قصر نظره علي الايات الواردة في العبادات، فإن أغلبها من قبيل ما

ذكره و إلا فالاطلاقات الواردة في المعاملات مما يتمسك بها في الفروع الغير المنصوصة أو المنصوصة بالنصوص المتكافئة كثيرة جدا.

مثل: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) و (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) و (لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) و (لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتيمِ) و (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) و (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) و (َلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) و (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) و (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ ءٍ) و (ما عَلَي الْمُحْسِنينَ مِنْ سَبيلٍ) و غير ذلك مما لا يحصي.

بل و في العبادات أيضا كثيرة، مثل قوله: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ).

و آيات التيمم و الوضوء و الغسل.

و هذا العمومات و إن ورد فيها أخبار في الجملة، إلا أنه ليس كل فرع مما يتمسك فيه بالاية ورد فيه خبر سليم عن المكافئ، فلاحظ وتتبع.

الثاني

إنه إذا إختلف القراءة في الكتاب علي وجهين مختلفين في المؤدي، كما في قوله تعالي: (حَتَّي

***** [66] *****

يَطْهُرْنَ)، حيث قرء بالتشديد من المتطهر الظاهر في الاغتسال و بالتخفيف من الطهارة الظاهرة في النقاء عن الحيض.

فلا يخلو: إما أن نقول بتواتر القراء ات كلها، كما هو المشهور، خصوصا في ما كان الاختلاف في المادة و إما أن لا نقول، كما هو مذهب جماعة.

فعلي الاول، فهما بمنزلة آيتين تعارضتا، لا بد من الجمع بينهما بحمل الظاهر علي النص أو علي الاظهر و مع التكافؤ لا بد من الحكم بالتوقف و الرجوع إلي غيرهما.

و علي الثاني، فإن ثبت جواز الاستدلال بكل قراءة، كما ثبت بالاجماع جواز القراءة بكل قراءة، كان الحكم كما تقدم.

و إلا فلا بد من التوقف في محل التعارض و الرجوع إلي القواعد، مع عدم

المرجح أو مطلقا بناء علي عدم ثبوت الترجيح هنا، كما هو الظاهر.

فيحكم بإستصحاب الحرمة قبل الاغتسال، إذ لم يثبت تواتر التخفيف، أو بالجواز بناء علي عموم قوله تعالي: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ)، من حيث الزمان، خرج منه أيام الحيض علي الوجهين في كون المقام من إستصحاب حكم المخصص أو العمل بالعموم الزماني.

الثالث

إن وقوع التحريف في القرآن، علي القول به، لايمنع من التمسك بالظواهر، لعدم العلم الاجمالي بإختلال الظواهر بذلك، مع أنه لو علم لكان من قبيل الشبهة الغير المحصورة.

مع أنه لو كان من قبيل الشبهة المحصورة، أمكن القول بعدم قدحه، لاحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر الغير المتعلقة بالاحكام الشرعية العملية التي أمرنا بالرجوع فيها إلي ظاهر الكتاب، فافهم.

الرابع

قد يتوهم:

(أن وجوب العمل بظواهر الكتاب بالاجماع مستلزم لعدم جواز العمل بظاهره، لان من تلك الظواهر ظاهر الايات الناهية عن العمل بالظن مطلقا حتي ظواهر الكتاب).

و فيه: أن فرض وجود الدليل علي حجية الظواهر موجب لعدم ظهور الايات الناهية في حرمة العمل بالظواهر، مع أن ظواهر الايات الناهية لو نهضت للمنع عن ظواهر الكتاب لمنعت عن حجية أنفسها، إلا أن يقال إنها لا تشمل أنفسها.

فتأمل.

و بإزاء هذا التوهم توهم:

(أن خروج ظواهر الكتاب عن الايات الناهية ليس من باب التخصيص، بل من باب التخصص، لان وجود القاطع علي حجيتها يخرجها عن غير العلم إلي العلم).

و فيه: ما لا يخفي.

***** [67] *****

و أما التفصيل الاخر

فهو الذي يظهر من صاحب القوانين، قدس سره ، في آخر مسألة حجية الكتاب و في أول مسألة الاجتهاد و التقليد.

و هو الفرق بين من قصد إفهامه بالكلام، فالظواهر حجة بالنسبة إليه من باب الظن الخاص، سواء كان مخاطبا، كما في الخطابات الشفاهية، أم لا، كما في الناظر في الكتب المصنفة، لرجوع كل من ينظر إليها و بين من لم يقصد إفهامه بالخطاب، كأمثالنا بالنسبة إلي أخبار الائمة الصادرة عنهم في مقام الجواب عن سؤال السائلين و بالنسبة إلي الكتاب العزيز، بناء علي عدم كون خطاباته موجهة إلينا و عدم كونه من باب تأليف المصنفين.

فالظهور اللفظي ليس حجة حينئذ لنا، إلا من باب الظن المطلق الثابت حجيته عند إنسداد باب العلم.

و يمكن توجيه هذا التفصيل: بأن الظهور اللفظي ليس حجة إلا من باب الظن النوعي.

و هو كون اللفظ بنفسه لو خلي و طبعه مفيدا للظن بالمراد.

فإذا كان مقصود المتكلم من الكلام إفهام من يقصد إفهامه، فيجب عليه إلقاء الكلام علي وجه لا يقع المخاطب معه

في خلاف المراد، بحيث لو فرض وقوعه في خلاف المقصود، كان إما لغفلة منه في الالتفات إلي ما اكتنف به الكلام الملقي إليه و إنما لغفلة من المتكلم في إلقاء الكلام علي وجه يفي بالمراد.

و معلوم أن إحتمال الغفلة من المتكلم أو السامع إحتمال مرجوح في نفسه مع إنعقاد الاجماع من العقلاء و العلماء علي عدم الاعتناء بإحتمال الغفلة في جميع أمور العقلاء، أقوالهم و أفعالهم.

و أما إذا لم يكن الشخص مقصودا بالافهام، فوقوعه في خلاف المقصود لا ينحصر سببه في الغفلة.

فإنا إذا لم نجد في آية أو رواية ما يكون صارفا عن ظاهرها و احتملنا ان يكون المخاطب قد فهم المراد بقرينة قد خفيت علينا، فلا يكون هذا الاحتمال لاجل غفلة من المتكلم أو منا، إذ لا يجب علي المتكلم إلا نصب القرينة لمن قصد إفهامه، مع أن عدم تحقق الغفلة من المتكلم في محل

***** [68] *****

الكلام مفروض لكونه معصوما.

و ليس إختفاء القرينة علينا مسببا عن غفلتنا عنها، بل لدواعي الاختفاء الخارجة عن مدخلية المتكلم و من ألقي إليه الكلام.

فليس هنا شئ يوجب بنفسه الظن بالمراد، حتي لو فرضنا الفحص.

فإحتمال وجود القرينة حين الخطاب و إختفائه علينا ليس هنا ما يوجب مرجوحيته حتي لو تفحصنا عنها و لم نجدها.

إذ لا يحكم العادة و لو ظنا، بأنها لو كانت لظفرنا بها، إذ كثير من الامور قد إختفت علينا.

بل لا يبعد دعوي العلم بأن ما إختفي علينا من الاخبار و القرائن أكثر مما ظفرنا بها، مع أنا لو سلمنا حصول الظن بإنتفاء القرائن المتصلة، لكن القرائن الحاليه و ما اعتمد عليه المتلكم من الامور العقلية أو النقلية الكلية أو الجزئية المعلومة عند المخاطب الصارفة لظاهر الكلام

ليست مما يحصل الظن بانتفائها بعد البحث و الفحص.

و لو فرض حصول الظن من الخارج بإرادة الظاهر من الكلام لم يكن ذلك ظنا مستندا إلي الكلام، كما نبهنا عليه في أول المبحث.

و بالجملة، فظواهر الالفاظ حجة، بمعني عدم الاعتناء بإحتمال إرادة خلافها، إذا كان منشأ ذلك الاحتمال غفلة المتكلم في كيفية الافادة أو المخاطب في كيفية الاستفادة، لان إحتمال الغفلة مما هو مرجوح في نفسه و متفق علي عدم الاعتناء به في جميع الامور دون ما إذا كان الاحتمال مسببا عن إختفاء أمور لم تجر العادة القطعية أو الظنية بأنها لو كانت لوصلت إلينا.

و من هنا يظهر: أن ما ذكرنا سابقا، من إتفاق العقلاء و العلماء علي العمل بظواهر الكلام في الدعاوي و الاقارير و الشهادات و الوصايا و المكاتبات، لا ينفع في رد هذا الفصيل، إلا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجة من باب التعبد و دون إثباتها خرط القتاد.

و دعوي: (أن الغالب إتصال القرائن، فإحتمال إعتماد المتكلم علي القرينة المنفصلة مرجوح لندرته)، مردودة: بأن من المشاهد المحسوس تطرق التقييد و التخصيص إلي أكثر العمومات و الاطلاقات مع عدم وجوده في الكلام.

و ليس إلا لكون الاعتماد في ذلك كله علي القرائن المفصلة، سواء كانت منفصلة عند الاعتماد كالقرائن العقلية و النقلية الخارجية أم كانت مقالية متصلة، لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك، لعروض التقطيع للاخبار أو حصول التفاوت من جهة النقل بالمعني أو غير ذلك.

فجميع ذلك مما لا يحصل الظن بأنها لو كانت لوصلت إلينا.

مع إمكان أن يقال: إنه لو حصل الظن لم يكن علي إعتباره دليل خاص.

نعم، الظن الحاصل في مقابل إحتمال الغفلة الحاصلة للمخاطب أو المتكلم مما أطبق عليه العقلاء في

جميع أقوالهم و أفعالهم. هذا غاية ما يمكن

***** [69] *****

من التوجيه لهذا التفصيل.

* * *

و لكن الانصاف: أنه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي و أصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه و من لم يقصد، فإن جميع ما دل من إجماع العلماء و أهل اللسان علي حجية الظاهر بالنسبة إلي من قصد إفهامه جار فيما يقصد، لان أهل اللسان إذا نظروا إلي كلام صادر من متكلم إلي مخاطب يحكمون بإرادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص في مظان وجودها و لا يفرقون في إستخراج مرادات المتكلمين بين كونهم مقصودين بالخطاب و عدمه.

فإذا وقع المكتوب الموجه من شخص إلي شخص بيد ثالث، فلا يتأمل في إستخراج مرادات المتكلم من الخطاب المتوجه إلي المكتوب إليه.

فإذا قرضنا إشتراك هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولي منهم، فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطلاع علي مراد المولي.

و هذا واضح لمن راجع الامثلة العرفية، هذا حال أهل اللسان في الكلمات الواردة إليهم.

و أما العلماء، فلا خلاف بينهم في الرجوع إلي أصالة الحقيقة في الالفاظ المجردة عن القرائن الموجة من متكلم إلي مخاطب، سواء كان ذلك في الاحكام الجزئية، كالوصايا الصادرة عن الموصي المعين إلي شخص معين، ثم مست الحاجة إلي العمل بها مع فقد الموصي إليه، فإن العلماء لا يتأملون في الافتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجه إلي الموصي إليه المقصود و كذا في الاقارير، أم كان في الاحكام الكلية، كالاخبار الصادرة عن الائمة، عليهم السلام ، مع كون المقصود منها تفهيم مخاطبهم لا غير، فإنه لم يتأمل أحد من العلماء في إستفادة الاحكام من ظواهرها معتذرا بعدم الدليل علي

حجية أصالة عدم القرينة بالنسبة إلي غير المخاطب و من قصد إفهامه.

و دعوي: (كون ذلك منهم للبناء علي كون الاخبار الصادرة عنهم، عليهم السلام ، من قبيل تأليف المصنفين)، واضحة الفساد.

مع أنها لو صحت لجرت في الكتاب العزيز، فإنه أولي بأن يكون من هذا القبيل، فترتفع ثمرة التفصيل المذكور، لان المفصل معترف بأن ظاهر الكلام الذي هو من قبيل تأليف المؤلفين حجة بالخصوص، لا لدخوله في مطلق الظن.

و إنما كلامه في إعتبار ظهور الكلام الموجه إلي مخاطب خاص بالنسبة إلي غيره.

و الحاصل: أن القطع حاصل لكل متتبع في طريقة فقهاء المسلمين بأنهم يعملون بظواهر الاخبار من دون إبتناء ذلك علي حجية الظن المطلق الثابتة بدليل الانسداد، بل يعمل بها من يدعي الانفتاح و ينكر العمل بأخبار الآحاد، مدعيا كون معظم الفقه معلوما بالاجماع و الاخبار المتواترة.

***** [70] *****

و يدل علي ذلك أيضا سيرة أصحاب الائمة، عليهم السلام ، فإنهم كانوا يعملون بظواهر الاخبار الواردة إليهم من الائمة الماضين، عليهم السلام ، كما كانوا يعملون بظواهر الاقوال التي سمعوها من إئمتهم، عليهم السلام ، لا يفرقون بينهما إلا بالفحص و عدمه، كما سيأتي.

و الحاصل: أن الفرق في حجية أصالة الحقيقة و عدم القرينة بين المخاطب و غيره مخالف للسيرة القطعية من العلماء و أصحاب الائمة عليهم السلام.

هذا كله، مع أن التوجيه المذكور لذلك التفصيل، لابتنائه علي الفرق بين أصالة عدم الغفلة و الخطأ في فهم المراد و بين مطلق أصالة عدم القرينة، يوجب عدم كون ظواهر الكتاب من الظنون المخصوصة و إن قلنا بشمول الخطاب للغائبين، لعدم جريان أصالة عدم الغفلة في حقهم مطلقا.

فما ذكره من إبتناء كون ظواهر الكتاب ظنونا مخصوصة علي شمول الخطاب للغائبين

غير سديد، لان الظن المخصوص إن كان هو الحاصل من المشافهة الناشي عن ظن عدم الغفلة و الخطأ، فلا يجري في حق الغائبين و إن قلنا بشمول الخطاب لهم و إن كان هو الحاصل من أصالة عدم القرينة فهو جار في الغائبين و إن لم يشملهم الخطاب.

و مما يمكن أن يستدل به أيضا زيادة علي ما مر من إشتراك أدلة حجية الظواهر من إجماعي العلماء و أهل اللسان ما ورد في الاخبار المتواترة معني، من الامر بالرجوع إلي الكتاب و عرض الاخبار عليه، فإن هذه الظواهر المتواترة حجة للمشافهين بها، فيشترك غير المشافهين، فيتم المطلوب، كما لا يخفي.

و مما ذكرنا تعرف النظر فيما ذكره المحقق القمي، رحمه الله، بعدما ذكر من عدم حجية ظواهر الكتاب بالنسبة إلينا بالخصوص، بقوله: (فإن قلت: إن أخبار الثقلين تدل علي كون ظاهر الكتاب حجة لغير المشافهين بالخصوص.

فأجاب عنه: بأن رواية الثقلين ظاهرة في ذلك، لاحتمال كون المراد التمسك بالكتاب بعد ورود تفسيره عن الائمة، عليهم السلام ، كما يقوله الاخباريون.

و حجية ظاهر رواية الثقلين بالنسبة إلينا مصادرة، إذ لا فرق بين ظواهر الكتاب و السنة في حق غير المشافهين بها).

و توضيح النظر: أن العمدة في حجية ظواهر الكتاب غير خبر الثقلين من الاخبار المتواترة الآمرة

***** [71] *****

بإستنباط الاحكام من ظواهر الكتاب.

و هذه الاخبار تفيد القطع بعدم إرادة الاستدلال بظواهر الكتاب بعد ورود تفسيرها عن الائمة، عليهم السلام و ليست ظاهرة في ذلك حتي يكون التمسك بظاهرها لغير المشافهين بها مصادرة.

و أما خبر الثقلين، فيمكن منع ظهوره إلا في وجوب إطاعتهما و حرمة مخالفتهما و ليس في مقام إعتبار الظن الحاصل بهما في تشخيص الاطاعة و المعصية، فافهم.

ثم إن لصاحب

المعالم، رحمه الله، في هذا المقام كلاما يحتمل التفصيل المتقدم، لا بأس بالاشارة إليه.

قال: - في الدليل الرابع من أدلة حجية خبر الواحد، بعد ذكر إنسداد باب العلم في غير الضروري من الاحكام، لفقد الاجماع و السنة المتواترة و وضوح كون أصل البراءة لا يفيد غير الظن و كون الكتاب ظني الدلالة - ما لفظه: لا يقال: إن الحكم المستفاد من ظواهر مقطوع لا مظنون و ذلك بضميمة مقدمة خارجية و هي قبح خطاب الحكيم بما له ظاهر و هو يريد خلافه من غير دلالة تصرف عن ذلك الظاهر.

سلمنا و لكن ذلك ظن مخصوص، فهو من قبيل الشهادة لا يعدل عنه إلي غيره إلا بدليل.

لانا نقول: أحكام الكتاب كلها من قبيل خطاب المشافهة.

و قد مر أنه مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب و أن ثبوت حكمه في حق من تأخر إنما هو بالاجماع و قضاء الضرورة بإشتراك التكليف بين الكل.

و حينئذ فمن الجائز أن يكون قد إقترن ببعض تلك الظواهر ما يدلهم علي إرادة خلافها.

و قد وقع ذلك في مواضع علمناها بالاجماع و نحوه، فيحتمل الاعتماد في تعريفنا لسائرها علي الامارات المفيدة للظن القوي و خبر الواحد من جملتها.

و مع قيام هذا الاحتمال ينفي القطع بالحكم.

و يستوي حينئذ الظن المستفاد من ظاهر الكتاب و الحاصل من غيره بالنظر إلي إناطة التكليف به، لابتناء الفرق بينهما علي كون الخطاب متوجها إلينا و قد تبين خلافه و لظهور إختصاص الاجماع و الضرورة الدالين علي المشاركة في التكليف المستفاد من ظاهر الكتاب بغير صورة وجود الخبر الجامع للشرائط الاتية المفيدة للظن)، إنتهي كلامه.

***** [72] *****

و لا يخفي: أن في كلامه، قدس سره ، علي إجماله و إشتباه المراد منه

كما يظهر من المحشين مواقع النظر و التأمل.

ثم إنك قد عرفت:

أن مناط الحجية و الاعتبار في دلالة الالفاظ هو الظهور العرفي و هو كون الكلام بحيث يحمل عرفا علي ذلك المعني و لو بواسطة القرائن المقامية المكتنفة بالكلام.

فلا فرق بين إفادته الظن بالمراد و عدمها و لا بين وجود الظن الغير المعتبر علي خلافه و عدمه، لان ما ذكرنا من الحجه علي العمل بها جار في جميع الصور المذكورة.

و ما ربما يظهر من العلماء من التوقف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوي المشهور أو طرحه مع إعترافهم بعدم حجية الشهرة - فليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر الصحيح من عموم أو إطلاق، بل من جهة مزاحمتها للخبر من حيث الصدور، بناء علي أن ما دل من الدليل علي حجية الخبر الواحد من حيث السند لا يشمل المخالف للمشهور و لذا لايتأملون في العمل بظواهر الكتاب و السنة المتواترة الصدور إذا عارضها الشهرة.

فالتأمل في الخبر المخالف للمشهور إنما هو إذا خالفت الشهرة نفس الخبر، لا عمومه أو إطلاقه.

فلا يتأملون في عمومه إذا كانت الشهرة علي التخصيص.

نعم، ربما يجري علي لسان بعض متأخري المتأخرين من المعاصرين عدم الدليل علي حجية الظواهر إذا لم تفد الظن او إذا حصل الظن الغير المعتبر علي خلافها.

لكن الانصاف: أنه مخالف لطريقة أرباب اللسان و العلماء في كل زمان و لذا عد بعض الاخباريين، كالاصوليين، إستصحاب حكم العام و المطلق حتي يثبت المخصص و المقيد من الاستصحابات المجمع عليها.

و هذا و إن لم يرجع إلي الاستصحاب المصطلح إلا بالتوجيه، إلا أن الغرض من الاستشهاد به بيان كون هذه القاعدة إجماعية.

و ربما فصل بعض من المعاصرين تفصيلا يرجع حاصله إلي: (أن الكلام

إن كان مقرونا بحال أو مقال يصلح أن يكون صارفا عن المعني الحقيقي فلا يتمسك فيه بأصالة الحقيقة و إن كان الشك في أصل وجود الصارف أو كان هنا أمر منفصل يصلح لكونه صارفا، فيعمل علي أصالة الحقيقة).

و هذا تفصيل حسن متين، لكنه تفصيل في العمل بأصالة الحقيقة عند الشك في الصارف، لا

***** [73] *****

في حجية الظهور اللفظي و مرجعة إلي تعيين الظهور العرفي و تمييزه عن موارد الاجمال، فإن اللفظ في القسم الاول يخرج عن الظهور إلي الاجمال بشهادة العرف.

و لذا توقف جماعة في المجاز المشهور و العام المتعقب بضمير يرجع إلي بعض أفراده و الجمل المتعددة المتعقبة للاستثناء و الامر و النهي الواردين في مظان الحظر أو الايجاب، إلي غير ذلك مما احتف اللفظ بحال او مقال يصلح لكونه صارفا.

و لم يتوقف أحد في عام بمجرد إحتمال دليل منفصل يحتمل كونه مخصصا له، بل ربما يعكسون الامر فيحكمون بنفي ذلك الاحتمال و إرتفاع الاجمال لاجل ظهور العام.

و لذا لو قال المولي: أكرم العلماء، ثم ورد قول آخر من المولي إنه لا تكرم زيدا و اشترك زيد بين عالم و جاهل، فلا يرفع اليد عن العموم بمجرد الاحتمال، بل يرفعون الاجمال بواسطة العموم، فيحكمون بإرادة زيد الجاهل من النهي.

و بإزاء التفصيل المذكور تفصيل آخر ضعيف و هو: (أن إحتمال إرادة خلاف مقتضي اللفظ إن حصل من أمارة غير معتبرة فلا يصح رفع اليد عن الحقيقة و إن حصل من دليل معتبر فلا يعمل بأصالة الحقيقة.

و مثل له بما إذا ورد في السنة المتواترة عام و ورد فيها أيضا خطاب مجمل يوجب الاجمال في ذلك العام و لا يوجب الظن بالواقع.

قال - : فلا دليل

علي لزوم العمل بالاصل تعبدا.

ثم قال - : و لا يمكن دعوي الاجماع علي لزوم العمل بأصالة الحقيقة تعبدا، فإن أكثر المحققين توقفوا في ما إذا تعارض الحقيقة المرجوحة مع المجاز الراجح) إنتهي.

و وجه ضعفه يظهر مما ذكر، فإن التوقف في ظاهر خطاب لاجل إجمال خطاب آخر محتمل لكونه معارضا، مما لم يعهد من أحد من العلماء، بل لا يبعد ما تقدم من حمل المجمل في أحد الخطابين علي المبين في الخطاب الاخر.

و أما قياس ذلك علي مسألة تعارض الحقيقة المرجوحة مع المجاز الراجح، فعلم فساده مما ذكرنا في التفصيل المتقدم، من أن الكلام المكتنف بما يصلح أن يكون صارفا قد إعتمد عليه المتكلم في إرادة خلاف الحقيقة لا يعد من الظواهر، بل من المجملات.

و كذلك المتعقب بلفظ يصلح للصارفية كالعام المتعقب بالضمير و شبهه مما تقدم.

القسم الثاني و هو الظن الذي يعمل لتشخيص الظواهر

كتشخيص أن اللفظ المفرد الفلاني، كلفظ الصعيد أو صيغة إفعل، أو أن المركب الفلاني، كالجملة الشرطية، ظاهر بحكم الوضع في المعني الفلاني و أن الامر الواقع عقيب الحظر ظاهر بقرينة وقوعه في مقام رفع الحظر - في مجرد رفع الحظر دون الالزام و الظن الحاصل هنا يرجع إلي الظن بالوضع اللغوي أو الانفهام العرفي و الاوفق بالقواعد عدم حجية الظن هنا، لان الثابت المتيقن هي حجية الظواهر.

و أما حجية الظن في أن هذا ظاهر، فلا دليل عليه، عدا وجوه ذكروها في إثبات جزئي من هذه المسألة.

و هي حجية قول اللغويين في الاوضاع.

فإن المشهور كونه من الظنون الخاصة التي ثبت حجيتها مع قطع النظر عن إنسداد باب العلم في الاحكام الشرعية و إن كانت الحكمة في إعتبارها إنسداد باب العلم في غالب مواردها، فإن الظاهر أن حكمة إعتبار أكثر

الظنون الخاصة، كأصالة الحقيقة التقدم ذكرها و غيرها، إنسداد باب العلم في غالب مواردها من العرفيات و الشرعيات.

و المراد بالظن المطلق ما ثبت إعتباره من أجل إنسداد باب العلم به خصوص الاحكام الشرعية و بالظن الخاص ما ثبت إعتباره، لا لاجل الاضطرار إلي إعتبار مطلق الظن بعد تعذر العلم.

* * *

و كيف كان، فاستدلوا علي إعتبار قول اللغويين بإتفاق العلماء بل جميع العقلاء علي الرجوع إليهم في إستعلام اللغات و الاستشهاد بأقوالهم في مقام الاحتجاج و لم ينكر ذلك أحد علي أحد.

و قد حكي عن السيد في بعض كلماته دعوي الاجماع علي ذلك، بل ظاهر كلامه المحكي إتفاق المسلمين.

***** [75] *****

قال الفاضل السبزواري، فيما حكي عنه، في هذا المقام، ما هذا لفظه: (صحة المراجعة إلي أصحاب الصناعات البارزين في صنعتهم البارعين في فنهم فيما إختص بصناعتهم، مما إتفق عليه العقلاء في كل عصر و زمان)، إنتهي.

و فيه: أن المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع إليهم مع إجتماع شرائط الشهادة من العدد و العدالة و نحو ذلك، لا مطلقا.

ألا تري أن أكثر علمائنا علي إعتبار العدالة فيمن يرجع إليه من أهل الرجال، بل و بعضهم علي إعتبار العدد و الظاهر إتفاقهم علي إشتراط التعدد و العدالة في أهل الخبرة في مسألة التقويم و غيرها.

هذا مع أنه لا يعرف الحقيقة عن المجاز بمجرد قول اللغوي، كما إعترف به المستدل في بعض كلماته، فلا ينفع في تشخيص الظواهر.

فالانصاف: أن الرجوع إلي أهل اللغة مع عدم إجتماع شروط الشهادة: إما في مقامات يحصل العلم فيها بالمستعمل فيه من مجرد ذكر لغوي واحد أو أزيد له علي وجه يعلم كونه من المسلمات عند أهل اللغة، كما قد يحصل العلم بالمسألة

الفقهية من إرسال جماعة لها إرسال المسلمات و إما في مقامات يتسامح فيها، لعدم التكليف الشرعي بتحصيل العلم بالمعني اللغوي، كما إذا أريد تفسير خطبة أو رواية لا تتعلق بتكليف شرعي و إما في مقام إنسد فيه طريق العلم و لا بد من العمل، فيعمل بالظن بالحكم الشرعي المستند بقول أهل اللغة.

و لا يتوهم:

(أن طرح قول اللغوي الغير المفيد للعلم في ألفاظ الكتاب و السنة مستلزم لانسداد طريق الاستنباط في غالب الاحكام.

لاندفاع ذلك: بأن أكثر مواد اللغات إلا ما شذ و ندر - كلفظ الصعيد و نحوه - معلوم من العرف و اللغة، كما لا يخفي.

و المتبع في الهيئآت هي القواعد العربية المستفادة من الاستقراء القطعي و إتفاق أهل العربية أو التبادر بضميمة أصالة عدم القرنية، فإنه قد يثبت به الوضع الاصلي الموجود في الحقائق، كما في صيغه (إفعل) أو الجملة الشرطية أو الوصفية.

و من هنا يتمسكون في إثبات مفهوم الوصف بفهم أبي عبيدة في حديث: (لي الواجد) و نحوه غيره من موارد الاستشهاد - بفهم أهل اللسان.

و قد يثبت به الوضع بالمعني الاعم الثابت في المجازات المكتنفة بالقرائن المقامية، كما يدعي أن الامر عقيب الحظر بنفسه مجردا عن القرينة يتبادر

***** [76] *****

منه مجرد رفع الحظر دون الايجاب و الالزام.

و إحتمال كونه لاجل قرينة خاصة يدفع بالاصل، فيثبت به كونه لاجل القرينة العامة و هي الوقوع في مقام رفع الحظر، فيثبت بذلك ظهور ثانوي لصيغة (إفعل) بواسطة القرينة الكلية.

و بالجملة، فالحاجة إلي قول اللغوي الذي لا يحصل العلم بقوله، لقلة مواردها، لا تصلح سببا للحكم بإعتباره لاجل الحاجة.

نعم سيجئ أن كل من عمل بالظن في مطلق الاحكام الشرعية الفرعية يلزمه العمل بالحكم الناشي من الظن

بقول اللغوي، لكنه لا يحتاج إلي دعوي إنسداد باب العلم في اللغات، بل العبرة عنده بإنسداد باب العلم في معظم الاحكام.

فإنه يوجب الرجوع إلي الظن بالحكم الحاصل من الظن باللغة و إن فرض إنفتاح باب العلم فيما عدا هذا المورد من اللغات و سيتضح هذا زيادة علي هذا إن شاء الله، هذا.

و لكن الانصاف: أن مورد الحاجة إلي قول اللغويين أكثر من أن يحصي في تفاصيل المعاني بحيث يفهم دخول الافراد المشكوكة أو خروجها و إن كان المعني في الجملة معلوما من دون مراجعة قول اللغوي، كما في ألفاظ الوطن و المفازة و التمر و الفاكهة و الكنز و المعدن و الغوص و غير ذلك من متعلقات الاحكام مما لا يحصي و إن لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقف فيها محذورا.

و لعل هذا المقدار مع الاتفاقات المستفيضة كاف في المطلب، فتأمل.

***** [77] *****

و من جملة الظنون الخارجة عن الاصل الاجماع المنقول بخبر الواحد

عند كثير ممن يقول بإعتبار الخبر بالخصوص، نظرا إلي أنه أفراده، فيشمله أدلته و المقصود من ذكره هنا، مقدما علي بيان الحال في الاخبار، هو التعرض للملازمة بين حجية الخبر و حجيته، فنقول: إن ظاهر أكثر القائلين بإعتباره بالخصوص أن الدليل عليه هو الدليل علي حجية خبر العادل.

فهو عندهم كخبر صحيح عالي السند، لان مدعي الاجماع يحكي مدلوله و يرويه عن الامام، عليه السلام ، بلا واسطة.

و يدخل الاجماع ما يدخل لاخبر من الاقسام و يلحقه مايلحقه من الاحكام.

و الذي يقوي في النظر هو عدم الملازمة بين حجية الخبر و حجية الاجماع المنقول و توضيح ذلك يحصل بتقديم أمرين:

[الامر] الاول:

إن الادلة الخاصة التي أقاموها علي حجية خبر العادل لا تدل إلا علي حجية الاخبار عن حس، لان العمدة من تلك الادلة هو

الاتفاق الحاصل من عمل القدماء و أصحاب الائمة، عليهم السلام و معلوم عدم شمولها إلا للرواية المصطلحة و كذلك الاخبار الواردة في العمل بالروايات.

اللهم إلا أن يدعي أن المناط في وجوب العمل بالروايات هو كشفها عن الحكم الصادر عن المعصوم.

و لا يعتبر في ذلك حكاية ألفاظ الامام، عليه السلام و لذا يجوز النقل بالمعني.

فإذا كان المناط كشف الروايات عن صدور معناها عن الامام، عليه السلام و لو بلفظ آخر

***** [78] *****

و المفروض أن حكاية الاجماع أيضا حكاية حكم صادر عن المعصوم، عليه السلام ، بهذه العبارة التي هي معقد الاجماع أو بعبارة أخري - وجب العمل به.

لكن هذا المناط لو ثبت دل علي حجية الشهرة بل فتوي الفقيه إذا كشف عن صدور الحكم بعبارة الفتوي أو بعبارة غيرها.

كما عمل بفتاوي علي بن بابويه، قدس سره ، لتنزيل فتواه منزلة روايته، بل علي حجية مطلق الظن بالحكم الصادر عن الامام، عليه السلام و سيجئ توضيح الحال إن شاء الله.

و أما الايات، فالعمدة فيها من حيث وضوح الدلالة هي آية النبأ.

و هي إنما تدل علي وجوب قبول خبر العادل دون خبر الفاسق.

و الظاهر منها - بقرينة التفصيل بين العادل حين الاخبار و الفاسق و بقرينة تعليل إختصاص التبين بخبر الفاسق بقيام إحتمال الوقوع في الندم إحتمالا مساويا، لان الفاسق لا رادع له عن الكذب هو عدم الاعتناء بإحتمال تعمد كذبه، لا وجوب البناء علي إصابته و عدم خطائه في حدسه، لان الفسق و العدالة حين الاخبار لا يصلح مناطا لتصويب المخبر و تخطئته بالنسبة إلي حدسه.

و كذا إحتمال الوقوع في الندم من جهة الخطأ في الحدس أمر مشترك بين العادل و الفاسق، فلا يصلح لتعليل الفرق به.

فعلمنا

من ذلك أن المقصود من الاية إرادة نفي إحتمال تعمد الكذب عن العادل حين الاخبار دون الفاسق، لان هذا هو الذي يصلح لاناطته بالفسق و العدالة حين الاخبار.

و منه تبين عدم دلالة الاية علي قبول الشهادة الحدسية إذا قلنا بدلالة الاية علي إعتبار شهادة العدل.

فان قلت: إن مجرد دلالة الاية علي ما ذكر لا يوجب قبول الخبر لبقاء إحتمال خطأ العادل فيما أخبر و إن لم يتعمد الكذب، فيجب التبين في خبر العادل أيضا، لاحتمال خطائه و سهوه.

و هو خلاف الاية المفصلة بين العادل و الفاسق.

غاية الامر وجوبه في خبر الفاسق من جهتين و في العادل من جهة واحدة.

قلت: إذا ثبت بالاية عدم جواز الاعتناء بإحتمال تعمد كذبه ينفي إحتمال خطائه و غفلته و إشتباهه بأصالة عدم الخطأ في الحس و هذا أصل عليه إطباق العقلاء و العلماء في جميع الموارد.

نعم لو كان المخبر ممن يكثر عليه الخطأ و الاشتباه لم يعبأ بخبره، لعدم جريان أصالة عدم الخطأ و الاشتباه.

و لذا يعتبرون في الشاهد و الراوي الضبط و إن كان ربما يتوهم الجاهل ثبوت ذلك من الاجماع.

إلا أن المنصف يشهد بأن إعتبار هذا في جميع موارده ليس لدليل خارجي مخصص لعموم آية

***** [79] *****

النبأ و نحوها مما دل علي وجوب قبول قول العادل، بل لما ذكرنا من أن المراد بوجوب قبول قول العادل رفع التهمة عنه من جهة إحتمال تعمده الكذب، لا تصويبه و عدم تخطئته أو غفلته.

و يؤيد ما ذكرنا أنه لم يستدل أحد من العلماء علي حجية فتوي الفقيه علي العامي بآية النبأ، مع إستدلالهم عليها بآيتي النفر السؤال.

و الظاهر أن ما ذكرنا من عدم دلالة الاية و أمثالها من أدلة قبول قول

العادل علي وجوب تصويبه في الاعتقاد - هو الوجه فيما ذهب إليه المعظم، بل أطبقوا عليه، كما في الرياض، من عدم إعتبار الشهادة في المحسوسات إذا لم تستند إلي الحس و إن علله في الرياض بما لا يخلو عن نظر، من أن الشهاده من الشهود و هو الحضور.

فالحس مأخوذ في مفهومها.

و الحاصل: أنه لا ينبغي الاشكال في أن الاخبار عن حدس و إجتهاد و نظر ليس حجة إلا علي من وجب عليه تقليد المخبر في الاحكام الشرعية و أن الاية ليست عامة لكل خبر و دعوي، خرج ما خرج.

فإن قلت: فعلي هذا إذا أخبر الفاسق بخبر يعلم بعدم تعمده للكذب فيه تقبل شهادته فيه، لان إحتمال تعمده للكذب منتف بالفرض و إحتمال غفلته و خطائه منفي بالاصل المجمع عليه، مع أنشهادته مردودة إجماعا.

قلت: ليس المراد مما ذكرنا عدم قابلية العدالة و الفسق لاناطة الحكم بهما وجودا و عدما تعبدا، كما في الشهادة و الفتوي و نحوهما.

بل المراد أن الاية المذكورة لا تدل إلا علي مانعية الفسق من حيث قيام إحتمال تعمد الكذب معه، فيكون مفهومها عدم المانع في العادل من هذه الجهة، فلا يدل علي وجوب قبول خبر العادل إذا لم يمكن نفي خطائه بأصالة عدم الخطأ المختصة بالاخبار الحسية.

فالاية لا تدل أيضا علي إشتراط العدالة و مانعية الفسق في صورة العلم بعدم تعمد الكذب، بل لا بد له من دليل آخر، فتأمل.

الامر الثاني:

أن الاجماع في مصطلح الخاصة بل العامة، الذين هم الاصل له و هو الاصل لهم، هو إتفاق جميع العلماء في عصر، كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين.

قال في التهذيب: (الاجماع هو إتفاق أهل الحل و العقد من أمة محمد صلي الله

*****

[80] *****

عليه و آله).

و قال صاحب غاية البادي في شرح المبادي، الذي هو أحد علمائنا المعاصرين للعلامة، قدس سره : (الاجماع في إصطلاح فقهاء أهل البيت، عليهم السلام ، هو إتفاق أمة محمد، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، علي وجه يشتمل علي قول المعصوم)، إنتهي.

و قال في المعالم:

(الاجماع في الاصطلاح إتفاق خاص و هو إتفاق من يعتبر قوله من الامة)، إنتي.

و كذا غيرها من العبارات المصرحة بذلك في تعريف الاجماع و غيرها من المقامات، كما تراهم يعتذرون كثيرا عن وجود المخالف بإنقراض عصره.

ثم إنه لما كان وجه حجية الاجماع عند الامامية إشتماله علي قول الامام، عليه السلام ، كانت الحجية دائرة مدار وجوده، عليه السلام ، في كل جماعة هو أحدهم و لذا قال السيد المرتضي: (إذا كان علة كون الاجماع حجة كون الامام فيهم، فكل جماعة كثرت أو قلت، كان قول الامام في أقوالها، فإجماعها حجة و إن خلاف الواحد و الاثنين إذا كان الامام أحدهما قطعا أو تجويزا يقتضي عدم الاعتداد بقول الباقين و إن كثر و إن الاجماع بعد الخلاف كالمبتدأ في الحجيه)، إنتهي.

و قال المحقق في المعتبر، بعد إناطة حجية الاجماع بدخول قول الامام عليه السلام : (إنه لو خلا المائة من فقهائنا من قوله لم يكن قولهم حجة و لو حصل في إثنين كان قولهما حجة)، إنتهي.

و قال العلامة، رحمه الله، بعد قوله إن الاجماع عندنا حجة لاشتماله علي قول المعصوم - : (و كل جماعة قلت أو كثرت كان قول الامام عليه السلام في جملة أقوالها فإجماعها حجة لاجله، لا لاجل الاجماع)، إنتهي.

هذا و لكن لا يلزم من كونه حجة تسميته إجماعا في الاصطلاح، كما أنه ليس

كل خبر جماعة يفيد العلم متواترا في الاصطلاح.

و أما ما إشتهر بينهم من أنه لا يقدح خروج معلوم النسب، واحدا أو أكثر، فالمراد أنه لا يقدح في حجية إتفاق الباقي، لا في تسميته إجماعا، كما علم من فرض المحقق،

***** [81] *****

قدس سره ، الامام عليه السلام في إثنين.

نعم، ظاهر كلمات جماعة يوهم تسميته إجماعا في الاصطلاح حيث تراهم يدعون الاجماع في مسألة، ثم يعتذرون عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب.

لكن التأمل الصادق يشهد بأن الغرض الاعتذار عن قدح المخالف في الحجية لا في التسمية.

نعم يمكن أن يقال: إنهم قد تسامحوا في إطلاق الاجماع علي إتفاق الجماعة التي علم دخول الامام عليه السلام فيها، لوجود مناط الحجية فيه و كون وجود المخالف غير مؤثر شيئا و قد شاع هذا التسامح بحث كاد أن ينقلب إصطلاح الخاصة عما وافق إصطلاح العامة إلي ما يعم إتفاق طائفة من الامامية، كما يعرف من أدني تتبع لموارد الاستدلال.

بل إطلاق لفظ الاجماع بقول مطلق علي إجماع الامامية فقط، مع أنهم بعض الامة لا كلهم، ليس إلا لاجل المسامحة، من جهة أن وجود المخالف كعدمه من حيث مناط الحجية.

و علي أي تقدير فظاهر إطلاقهم إرادة دخول قول الامام، عليه السلام ، في أقوال المجمعين بحيث يكون دلالته عليه بالتضمن.

فيكون الاخبار عن الاجماع إخبارا عن قول الامام عليه السلام.

و هذا هو الذي يدل عليه كلام المفيد و المرتضي و إبن زهرة و المحقق و العلامة و الشهيدين و من تأخر عنهم.

و أما إتفاق من عدا الامام عليه السلام - بحيث يكشف عن صدور الحكم عن الامام، عليه السلام ، بقاعدة اللطف كما عن الشيخ، رحمه الله، أو التقرير كما عن بعض المتأخرين، أو

بحكم العادة القاضية بإستحالة توافقهم علي الخطأ مع كمال بذل الوسع في فهم الحكم الصادر عن الامام عليه السلام - فهذا ليس إجماعا إصطلاحيا إلا أن ينضم قول الامام عليه السلام المكشوف عنه بإتفاق هؤلاء إلي أقوالهم، فيسمي المجموع إجماعا، بناء علي ما تقدم من المسامحة في تسمية إتفاق جماعة مشتمل علي قول الامام عليه السلم إجماعا و إن خرج عنه الكثر أو الاكثر.

فالدليل في الحقيقة هو إتفاق من عدا الامام (ع) و المدلول الحكم الصادر عنه عليه السلام نظير كلام الامام (ع) و معناه.

فالنكتة في التعبير عن الدليل بالاجماع - مع توقفه علي ملاحظة إنضمام مذهب الامام، عليه السلام ، الذي هو المدلول إلي الكاشف عنه و تسمية المجموع دليلا - هو التحفظ علي ما جرت سيرة أهل الفن، من إرجاع كل دليل إلي أحد الادلة المعروفة بين الفريقين، أعني الكتاب و السنة و الاجماع و العقل.

ففي إطلاق الاجماع علي هذا مسامحة في مسامحة و حاصل المسامحتين إطلاق الاجماع علي إتفاق

***** [82] *****

طائفه يستحيل بحكم العادة خطأهم و عدم وصولهم إلي حكم الامام عليه السلام.

و الاطلاع علي تعريفات الفريقين و إستدلالات الخاصة و أكثر العامة علي حجية الاجماع يوجب القطع بخروج هذا الاطلاق عن المصطلح و بنائه علي المسامحة لتنزيل وجود من خرج عن هذا الاتفاق منزلة عدمه.

كما عرفت من السيد و الفاضلين، قدست أسرارهم، من أن كل جماعة قلت أو كثرت علم دخول قول الامام، عليه السلام ، فيهم، فإجماعهم حجة.

و يكفيك في هذا ما سيجئ من المحقق الثاني في تعليق الشرائع من: (دعوي الاجماع علي أن خروج الواحد من علماء العصر قادح في إنعقاد الاجماع)، مضافا إلي ما عرفت من إطباق الفريقين

علي تعريف الاجماع بإتفاق الكل.

ثم إن المسامحة من الجهة الاولي أو الثانية في إطلاق لفظ الاجماع علي هذا من دون قرينة لا ضير فيها، لان العبرة في الاستدلال بحصول العلم من الدليل للمستدل.

نعم لو كان نقل الاجماع المصطلح حجة عند الكل كان إخفاء القرينة في الكلام الذي هو المرجع للغير تدليسا.

أما لو لم يكن نقل الاجماع حجة أو كان نقل مطلق الدليل القطعي حجة لم يلزم تدليس أصلا.

و يظهر من ذلك ما في كلام صاحب المعالم، رحمه الله، حيث أنه بعد أن ذكر أن حجية الاجماع إنما هي لاشتماله علي قول المعصوم و استنهض بكلام المحقق الذي تقدم و استجوده، قال: (والعجب من غفلة جمع من الاصحاب عن هذا الاصل و تساهلهم في دعوي الاجماع عند إحتجاجهم به للمسائل الفقهية، حتي جعلوه عبارة عن إتفاقهم جماعة من الاصحاب، فعدلوا به عن معناه الذي جري عليه الاصطلاح من دون نصب قرينة جلية و لا دليل لهم علي الحجية يعتد به) إنتهي.

و قد عرفت أن مساهلتهم و تسامحهم في محله، بعدما كان مناط حجية الاجماع الاصطلاحي موجودا في إتفاق جماعة من الاصحاب و عدم تعبيرهم عن هذا الاتفاق بغير لفظ الاجماع، لما عرفت من التحفظ علي عناوين الادلة المعروفة بين الفريقين.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: إن الحاكي للاتفاق قد ينقل الاجماع بقول مطلق أو مضافا إلي المسلمين أو الشيعة أو أهل الحق أو غير ذلك مما يمكن أن يراد به دخول الامام عليه السلام في المجمعين و قد ينقله مضافا إلي من عدا الامام، عليه السلام.

كقوله: أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو

***** [83] *****

فقهاؤنا أو فقهاء أهل البيت، عليهم السلام ، فإن ظاهر ذلك من عدا الامام عليه

السلام و إن كان إرادة العموم محتملة بمقتضي المعني اللغوي.

لكنه مرجوح، فإن أضاف الاجماع إلي من عدا الامام عليه السلم فلا إشكال في عدم حجية نقله، لانه لم ينقل حجة و إن فرض حصول العلم للناقل بصدور الحكم عن الامام عليه السلام من جهة هذا الاتفاق إلا أنه إنما نقل سبب العلم و لم ينقل المعلوم و هو قول الامام عليه السلام حتي يدخل في نقل الحجة و حكاية السنة بخبر الواحد.

نعم، لو فرض أن السبب المنقول مما يستلزم عادة موافقة قول الامام، عليه السلام ، أو وجود دليل ظني معتبر حتي بالنسبة إلينا، أمكن إثبات ذلك السبب المحسوس بخبر العادل و الانتقال منه إلي لازمه.

لكن سيجئ بيان الاشكال في تحقق ذلك.

و في حكم الاجماع المضاف إلي من عدا الامام، عليه السلام ، الاجماع المطلق المذكور في مقابل الخلاف.

كما يقال: خرء الحيوان الغير المأكول غير الطير نجس إجماعا.

و إنما إختلفوا في خرء الطير.

أو يقال: إن محل الخلاف هو كذا.

و أما كذا فحكمه كذا إجماعا، فإن معناه في مثل هذا كونه قولا واحدا.

و أضعف مما ذكر نقل عدم الخلاف و أن ظاهر الاصحاب أو قضية المذهب و شبه ذلك.

و إن أطلق الاجماع أو أضافه علي وجه يظهر منه إرادة المعني المصطلح المتقدم و لو مسامحة، لتنزيل وجود المخالف منزلة العدم، لعدم قدحه في الحجية، فظاهطر الحكاية كونها حكاية للسنة، اعني حكم الامام، عليه السلام ، لما عرفت من أن الاجماإع الاصطلاحي متضمن لقول الامام عليه السلام فيدخل في الخبر و الحديث.

إلا أن مستند علم الحاكي بقول الامام، عليه السلام ، أحد أمور: أحدها الحس، كما إذا سمع الحكم من الامام، عليه السلام ، في جملة جماعة

لا يعرف أعيانهم فيحصل له العلم بقول الامام عليه السلام.

و هذا في غاية القلة، بل نعلم أنه لم يتفق لاحد من هؤلاء الحاكين للاجماع، كالشيخين و السيدين و غيرهما.

و لذا صرح الشيخ في العدة، في مقام الرد علي السيد حيث أنكر الاجماع من باب وجوب اللطف، بأنه لولا قاعدة اللطف لم يمكن التوصل إلي معرفة موافقة الامام للمجمعين.

(2) - الثاني قاعدة اللطف، علي ما ذكره الشيخ في العدة و حكي القول به عن غيره من المتقدمين.

***** [84] *****

و لا يخفي أن الاستناد إليه غير صحيح، علي ما ذكره في محله.

فإذا علم إستناده الحاكي إليه فلا وجه للاعتماد علي حكايته.

و الفروض أن إجماعات الشيخ كلها مستندة إلي هذه القاعدة، لما عرفت من كلامه المتقدم عن العدة و ستعرف منها و من غيرها من كتبه.

فدعوي مشاركته للسيد، قدس سره - ، في إستكشاف قول الامام، عليه السلام ، من تتبع أقوال الامة و إختصاصه بطريق آخر مبني علي وجوب قاعدة اللطف - غير ثابتة و إن إدعاها بعض، فإنه، قدس سره ، قال في العدة، - في حكم ما إذا إختلفت الامامية علي قولين يكون أحد القولين قول الامام، عليه السلام ، علي وجه لا يعرف بنفسه و الباقون كلهم علي خلافه - : (إنه متي إتفق ذلك، فإن كان علي القول الذي إنفرد به الامام، عليه السلام ، دليل من كتاب أو سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور و لا الدلالة علي ذلك، لان الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف و متي لم يكن عليه دليل وجب عليه الظهور أو إظهار من يبين الحق في تلك المسألة - إلي أن قال - : و

ذكر المرتضي علي بن الحسين الموسوي أخيرا: (أنه يجوز أن يكون الحق عند الامام، عليه السلام و الاقوال الاخر كلها باطلة.

و لا يجب عليه الظهور، لانا إذا كنا نحن السبب في إستتاره، فكل ما يفوتنا من الانتفاع به و بما معه من الاحكام يكون قد فاتنا من قبل أنفسنا و لو أزلنا سبب الاستتار لظهر و انتفعنا به و أدي إلينا الحق الذي كان عنده).

قال: (و هذا عندي غير صحيح، لانه يؤدي إلي أن لا يصح الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا، لانا لا نعلم دخول الامام، عليه السلام ، فيها إلا بالاعتبار الذي بيناه و متي جوزنا إنفراده بالقول و أنه لا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالاجماع)، إنتهي كلامه.

و ذكر في موضع آخر من العدة: (إن هذه الطريقة - يعني طريقة السيد المتقدمة - غير مرضية عندي، لانها تؤدي إلي أن لا يستدل بإجماع الطائفة أصلا، لجواز أن يكون قول الامام، عليه السلام مخالفا لها و مع ذلك لا يجب عليه إظهار ما عنده) إنتهي.

***** [85] *****

و أصرح من ذلك في إنحصار طريق الاجماع، عند الشيخ، فيما ذكره من قاعدة اللطف، ما حكي عن بعض أنه حكاه عن كتاب التهذيب [التمهيد] للشيخ: (أن سيدنا المرتضي، قدس سره ، كان يذكر كثيرا أنه لا يمتنع أن يكون هنا أمور كثيرة غير واصلة إلينا علمها مودع عند الامام عليه السلام و إن كتمها الناقلون و لا يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق - إلي أن قال - : و قد إعترضنا علي هذا في كتاب العدة في أصول الفقه و قلنا: هذا الجواب صحيح لولا ما نستدل في أكثر الاحكام علي صحته بإجماع الفرقة.

فمتي جوزنا

أن يكون قول الامام، عليه السلام ، خلافا لقولهم و لا يجب ظهوره، جاز لقائل أن يقول: ما أنكرتم أن يكون قول الامام (ع) خارجا عن قول من تظاهر بالامامة و مع هذا لا يجب عليه الظهور، لانهم أتوا من قبل أنفسهم، فلا يمكننا الاحتجاج بإجماعهم أصلا)، إنتهي.

فإن صريح هذا الكلام أن القادح في طريقة السيد منحصر في إستلزامها رفع التمسك بالاجماع و لا قادح فيها سوي ذلك و لذا صرح في كتاب الغيبة بأنها قوية تقتضيها الاصول.

فلو كان لمعرفة الاجماع و جواز الاستدلال به طريق آخر غير قاعدة وجوب إظهار الحق عليه لم يبق ما يقدح في طريقة السيد، لاعتراف الشيخ بصحتها لولا كونها مانعة عن الاستدلال بالاجماع.

ثم إن الاستناد إلي هذا الوجه ظاهر من كل من إشترط في تحقق الاجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر، كفخر الدين و الشهيد و المحقق الثاني.

قال في الايضاح في مسألة ما يدخل في المبيع: (إن من عادة المجتهد:

إذا تغير إجتهاده إلي التردد أو الحكم بخلاف ما اختاره أولا، لم يبطل ذكر الحكم الاول، بل يذكر ما أدي إليه إجتهاده ثانيا في موضع آخر، لبيان عدم إنعقاد إجماع أهل عصر الاجتهاد الاول علي خلافه و عدم إنعقاد إجماع أهل العصل الثاني علي كل واحد منهما.

و أنه لم يحصل في الاجتهاد الثاني مبطل للاول، بل معارض لدليله مساو له)، إنتهي.

و قد أكثر في الايضاح من عدم الاعتبار بالخلاف لانقراض عصر المخالف.

***** [86] *****

و ظاهره الانطباق علي هذه الطريقة، كما لا يخفي.

و قال في الذكري: (ظاهر العلماء المنع عن العمل بقول الميت محتجين بأنه لا قول للميت و لهذا ينعقد الاجماع علي خلافه ميتا).

و استدل المحقق الثاني في حاشية

الشرائع: (علي أنه لا قول للميت، بالاجماع علي أن خلاف الفقيه الواحد لسائر أهل عصره يمنع من إنعقاد الاجماع إعتدادا بقوله و إعتبارا بخلافه.

فإذا مات و انحصر أهل العصر في المخالفين له إنعقد و صار قوله غير منظور إليه و لا يعتد به)، إنتهي.

و حكي عن بعض أنه حكي عن المحقق الداماد أنه، قدس سره قال في بعض كلام له، في تفسير النعمة الباطنة: (إن من فوائد الامام - عجل الله فرجه - أن يكون مستندا لحجية إجماع أهل الحل و العقد من العلماء علي حكم من الاحكام إجماعا بسيطا في أحكامهم الاجماعية و حجية إجماعهم المركب في أحكامهم الخلافية، فإنه - عجل الله فرجه - لا ينفرد بقول، بل من الرحمة الواجبة في الحكمة الالهية أن يكون في المجتهدين المختلفين في المسألة المختلف فيها من علماء العصر من يوافق رأيه رأي إمام عصره و صاحب أمره و يطابق قوله قوله و إن لم يكن ممن نعلمه بعينه و نعرفه بشخصه)، إنتهي.

و كأنه لاجل مراعاة هذا الطريقة إلتجا الشهيد في الذكري إلي توجيه الاجماعات التي إدعاها جماعة في المسائل الخلافية مع وجود المخالف فيها بإرادة غير المعني الاصطلاحي من الوجوه التي حكاها عنه في المعالم.

و لو جامع الاجماع وجود الخلاف و لو من معلوم النسب لم يكن داع إلي التوجيهات المذكورة مع بعدها أو أكثرها.

(3) - الثالث من طرق إنكشاف قول الامام عليه السلام لمدعي الاجماع الحدس.

و هذا علي وجهين: أحدهما: أن يحصل له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطأناه في إستكشافه.

و هذا علي وجهين، أحدهما: أن يحصل له الحدس الضروري من مباد محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحس،

فيكون بحيث لو حصل لنا تلك الاخبار لحصل لنا العلم كما حصل له.

ثانيهما: أن يحصل الحدس له من إخبار جماعة إتفق له العلم بعدم إجتماعهم علي الخطأ، لكن ليس إخبارهم ملزوما

***** [87] *****

عادة للمطابقة لقول الامام، عليه السلام ، بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة أيضا.

الثاني: أن يحصل ذلك من مقدمات نظرية و إجتهادات كثيرة الخطأ، بل علمنا بخطأ بعضها في موارد كثيرة من نقلة الاجماع، علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم في موارد و استظهرنا ذلك منهم في موارد أخر و سيجئ جملة منها.

* * *

إذا عرفت أن مستند خبر المخبر بالاجماع المتضمن للاخبار من الامام، عليه السلام ، لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدمة - و هي السماع عن الامام مع عدم معرفته بعينه و إستكشاد قوله من قاعدة اللطف و حصول العلم من الحدس و ظهر لك أن الاول هنا غير متحقق عادة لاحد من علمائنتا المدعين للاجماع و أن الثاني ليس طريقا للعلم - فلا يسمع دعوي من إستند إليه، فلم يبق مما يصلح أن يكون المستند في الاجماعات المتداولة علي ألسنة ناقليها إلا الحدس.

و عرفت أن الحدس قد يستند إلي مباد محسوسة ملزومة عادة لمطابقة قول الامام، عليه السلام ، نظير العلم الحاصل من الحواس الظاهرة و نظير الحدس الحاصل لمن أخبر بالعدالة و الشجاعة لمشاهدته آثارهما المحسوسة الموجبة للانتقال إليهما بحكم العادة أو إلي مباد محسوسة موجبة لعلم المدعي بمطابقة قول الامام، عليه السلام ، من دون ملازمه عادية و قد يستند إلي إجتهادات و أنظار.

و حيث لا دليل علي قبول خبر العادل المستند إلي القسم الاخير من الحدس، بل و لا المستند إلي الوجه الثاني و لم يكن هناك ما

يعلم به كون الاخبار مستندا إلي القسم الاول من الحدس، وجب التوقف في العمل بنقل الاجماع، كسائر الاخبار المعلوم إستنادها إلي الحدس المردد بين الوجوه المذكورة.

فإن قلت: ظاهر لفظ الاجماع إتفاق الكل، فإذا أخبر الشخص بالاجماع فقد أخبر بإتفاق الكل و من المعلوم أن حصول العلم بالحكم من إتفاق الكل كالضروري، فحدس المخبر مستند إلي مباد محسوسة ملزومة لمطابقة قول الامام، عليه السلام ، عادة.

فإما أن يجعل الحجة نفس ما استفاده من الاتفاق، نظير الاخبار بالعدالة و إما أن يجعل الحجة إخباره بنفس الاتفاق المستلزم عادة لقول الامام، عليه السلام و يكون نفس المخبر به حينئذ محسوسا، نظير إخبار الشخص بأمور تستلزم العدالة أو الشجاعة عادة.

و قد أشار إلي الوجهين بعض السادة الاجلة في شرحه علي الوافية، فإنه قدس سره ، لما إعترض علي نفسه: ب (أن المعتبر من الاخبار ما إستند إلي إحدي

***** [88] *****

الحواس و المخبر بالاجماع إنما رجع إلي بذل الجهد و مجرد الشك في دخول مثل ذلك في الخبر يقتضي منعه).

أجاب عن ذلك: بأن المخبر هنا أيضا يرجع إلي السمع فيما يخبر عن العلماء و إن جاء العلم بمقالة المعصوم من مراعاة أمر آخر، كوجوب اللطف و غيره.

ثم أورد:

بأن المدار في حجية الاجماع علي مقالة المعصوم عليه السلام.

فالاخبار إنما هو بها و لا يرجع إلي سمع.

فأجاب عن ذلك: أولا، بأن مدار الحجية و إن كان ذلك، لكن إستلزام إتفاق كلمة العلماء لمقالة المعصوم عليه السلام معلوم لكل أحد، لا يحتاج فيه إلي النقل.

و إنما الغرض من النقل ثبوت الاتفاق.

فبعد إعتبار خبر الناقل لوثاقته و رجوعه في حكاية الاتفاق إلي الحس و السماع كان الاتفاق معلوما و متي ثبت ذلك كشف عن

مقالة المعصوم للملازمة المعلومة لكل أحد.

و ثانيا، أن الرجوع في حكاية الاجماع إلي نقل مقالة المعصوم لرجوع الناقل في ذلك إلي الحس، بإعتبار أن الاتفاق من آثاره.

و لا كلام في إعتبار مثل ذلك، كما في الاخبار بالايمان و الفسق و الشجاعة و الكرم و غيرها من الملكات.

و إنما لا يرجع إلي الاخبار في العقليات المحضة، فإنه لا يعول عليها و إن جاء بها ألف من الثقات حتي يدرك مثل ما أدركوا.

ثم أورد علي ذلك: بأنه يلزم من ذلك الرجوع إلي المجتهد، لانه و إن لم يرجع إلي الحس في نفس الاحكام إلا أنه رجع في لوازمها و آثارها إليه و هي أدلتها السمعية، فيكون رواية، فلم لا يقبل إذا جاء به الثقة.

و أجاب: بأنه إنما يكفي الرجوع إلي الحس في الآثار إذا كانت الآثار مستلزمة له عادة و بالجملة إذا أفادت اليقين، كما في آثار الملكات و آثار مقالة الرئيس و هي مقالة رعيته.

و هذا بخلاف ما يستنهضه المجتهد من الدليل علي الحكم.

ثم قال: علي أن التحقيق في الجواب عن السؤال الاول هو الوجه الاول و عليه فلا أثر لهذا السوال)، إنتهي.

***** [89] *****

قلت إن الظاهر من الاجماع إتفاق أهل عصر واحد، لا جميع الاعصار، كما يظهر من تعاريفهم و سائر كلماتهم.

و من المعلوم أن إجماع أهل عصر واحد مع قطع النظرعن موافقة أهالي الاعصار المتقدمة و مخالفتهم، لا يوجب عن طريق الحدس العلم الضروري بصدور الحكم عن الامام، عليه السلام و لذا قد يتخلف، لاحتمال مخالفة من تقدم عليهم أن أكثرهم.

نعم يفيد العلم من باب وجوب اللطف الذي لا نقول بجريانه في المقام، كما قرر في محله.

مع أن علماء العصر إذا كثروا، كما في

الاعصار السابقة، يتعذر أو يتعسر الاطلاع عليهم حسا بحيث يقطع مع سواهم في العصر، إلا إذا كان العلماء في عصر قليلين يمكن الاحاطة بآرائهم في المسألة فيدعي الاجماع، إلا أن مثل هذا الامر المحسوس لا يستلزم عادة لموافقة المعصوم عليه السلام.

فالمحسوس المستلزم عادة لقول الامام عليه السلام مستحيل التحقق للناقل و الممكن التحقق له غير مسلتزم عادة.

و كيف كان، فإذا إدعي الناقل الاجماع، خصوصا إذا كان ظاهره إتفاق جميع علماء الاعصار أو أكثرهم إلا من شذ - كما هو الغالب في إجماعات مثل الفاضلين و الشهيدين - إنحصر محمله في وجوه: أحدهما: أن يراد به إتفاق المعروفين بالفتوي دون كل قابل للفتوي من أهل عصره أو مطلقا.

2 - الثاني:

أن يراد إجماع الكل.

و يستفيد ذلك من إتفاق المعروفين من أهل عصره.

و هذه الاستفادة ليست ضرورية و إن كانت قد تحصل، لان إتفاق أهل عصره، فضلا عن المعروفين منهم، لا يستلزم عادة إتفاق غيرهم و من قبلهم، خصوصا بعد ملاحظة التخلف في كثير من الموارد، لا يسع هذا الرسالة لذكر معشارها.

و لو فرض حصوله للمخبر كان من باب الحدس الحاصل عما لا يوجب العلم عادة.

نعم هي إمارة ظنية علي ذلك، لان الغالب في الاتفاقيات عند أهل عصر كونه من الاتفاقيات عند من تقدمهم.

و قد يحصل العلم بضميمة أمارات أخر، لكن الكلام في كونه الاتفاق مستندا إلي الحس أو إلي حدس لازم عادة للحس.

و ألحق بذلك ما إذا علم إتفاق الكل من إتفاق جماعة، لحسن ظنه بهم، كما ذكره في أوائل المعتبر حيث قال: (و من المقلدة من لو طالبته بدليل المسألة إدعي الاجماع، لوجوده في كتب الثلاثة قدست أسرارهم.

و هو جهل إن لم يكن تجاهلا).

فإن في توصيف

المدعي بكونه مقلدا، مع أنا نعلم أنه لا يدعي الاجماع إلا عن علم، إشارة إلي إستناده في دعواه إلي حسن الظن بهم و أن جزمه في غير محله، فافهم.

3 - الثالث:

أن يستفيد إتفاق الكل علي الفتوي من إتفاقهم علي العمل بالاصل عند عدم الدليل، أو بعموم دليل عند عدم وجدان المخصص، أو بخبر معتبر عند عدم وجدان المعارض، أو إتفاقهم علي مسألة أصولية نقلية أو عقليه يستلزم القول بها الحكم في المسألة المفروضة و غير ذلك من الامور المتفق عليها التي يلزم بإعتقاد المدعي من القول بها، مع فرض عدم المعارض، القول بالحكم المعين في المسالة.

و من المعلوم:

أن نسبة هذا الحكم إلي العلماء في مثل ذلك لم تنشأ إلا من مقدمتين أثبتهما المدعي بإجتهاده:

إحداهما كون ذلك الامر المتفق عليه مقتضيا و دليلا للحكم لولا المانع.

و الثانية إنتفاء المانع و المعارض.

و من المعلوم أن الاستناد إلي الخبر المستند إلي ذلك غير جائز عند أحد من العاملين بخبر الواحد.

* * *

ثم إن الظاهر أن الاجماعات المتعارضة من شخص واحد أو من معاصرين أو متقاربي العصرين و رجوع المدعي عن الفتوي التي إدعي الاجماع فيها و دعوي الاجماع في مسائل غير معنونة في كلام من تقدم علي المدعي و في مسائل قد إشتهر خلافها بعد المدعي، بل في زمانه، بل في ماقبله، كل ذلك مبني علي الاستناد في نسبة القول إلي العلماء علي هذا الوجه.

و لا بأس بذكر بعض موارد صرح المدعي بنفسه أو غيره في مقام توجيه كلامه فيها بذلك.

فمن ذلك: ما وجه به المحقق دعوي المرتضي و المفيد:

أن من مذهبنا جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات.

قال: (و أما قول السائل: كيف أضاف المفيد و السيد

ذلك إلي مذهبنا و لا نص فيه، فالجواب: أما علم الهدي، فإنه ذكر في الخلاف: أنه إنما أضاف ذلك إلي مذهبنا، لان من أصلنا العمل بالاصل ما لم يثبت الناقل و ليس في الشرع ما يمنع الازالة بغير الماء من المائعات - ثم قال - : و أما المفيد، فإنه إدعي في مسائل الخلاف: أن ذلك مروي عن الائمة)، إنتهي.

***** [91] *****

فظهر من ذلك أن نسبة السيد، قدس سره ، الحكم المذكور إلي مذهبنا من جهة الاصل.

و من ذلك ما عن الشيخ في الخلاف، حيث أنه ذكر، فيما إذا بان فسق الشاهدين بما يوجب القتل به القتل، بأنه يسقط القود و تكون الدية من بيت المال، قال: (دليلنا إجماع الفرقة، فإنهم رووا أن ما أخطأت القضاة، ففي بيت مال المسلمين)، إنتهي.

فعلل إنعقاد الاجماع به وجود الرواية عند الاصحاب.

و قال بعد ذلك، فيما إذا تعددت الشهود فيمن أعتقه المريض و عين كل غير ما عينه الاخر و لم يف الثلث بالجميع: (إنه يخرج السابق بالقرعة، - قال - : دليلنا إجماع الفرقة و إخبارهم، فإنهم أجمعوا علي أن كل أمر مجهول فيه القرعة)، إنتهي.

و من هذا القبيل ما عن المفيد في فصوله، حيث أن سئل عن الدليل علي أن المطلقة ثلاثا في مجلس واحد يقع منها واحدة.

فقال: (الدلالة علي ذلك من كتاب الله عز و جل و سنة نبيه، صلي الله عليه و آله و إجماع المسلمين)، ثم إستدل من الكتاب بظاهر قوله تعالي: (الطلاق مرتان).

ثم بين وجه الدلالة و من السنة قوله صلي الله عليه و آله : (كل ما لم يكن علي أمرنا هذا فهو رد) و قال: (ما وافق الكتاب فخذوه و ما

لم يوافقه فاطرحوه).

و قد بينا أن المرة لا تكون المرتين أبدا و أن الواحدة لا تكون ثلاثا، فأوجب السنة إبطال طلاق الثلاث.

و أما إجماع الامة، فهو مطبقون علي أن ما خالف الكتاب و السنة فهو باطل.

و قد تقدم وصف خلاف الطلاق بالكتاب و السنة، فحصل الاجماع علي إبطاله)، إنتهي.

و حكي عن الحلي في السرائر الاستدلال بمثل هذا.

و من ذلك الاجماع الذي إدعاه الحلي علي المضايقة في قضاء الفوائت في رسالته المسماة بخلاصة الاستدلال، حيث قال: (أطبقت عليه الامامية خلفا عن سلف و عصرا بعد عصر و أجمعت علي العمل به و لا يعتد بخلاف نفر يسير من الخراسانيين، فإن إبني بابويه و الاشعريين،

***** [92] *****

كسعد بن عبدالله صاحب كتاب الرحمة و سعد بن سعد و محمد بن علي بن محبوب صاحب كتاب نوادر الحكمة و القميين أجمع، كعلي بن إبراهيم بن هاشم و محمد بن الحسن بن الوليد، عاملون بأخبار المضايقة، لانهم ذكروا أنه لا يحل رد الخبر الموثوق برواته و حفظتهم الصدوق ذكر ذلك في كتاب من لا يحضره الفقيه و خريت هذه الصناعة و رئيس الاعاجم الشيخ أبوجعفر الطوسي مودع أخبار المضايقة في كتبه مفت بها.

و المخالف إذا علم بإسمه و نسبه لم يضر خلافه) إنتهي.

و لا يخفي أن إخباره بإجماع العلماء علي الفتوي بالمضايفه مبني علي الحدس و الاجتهاد من وجوه: أحدها: دلالة ذكر الخبر علي عمل الذاكر به.

و هذا و إن كان غالبيا إلا أنه لا يوجب القطع، لمشاهدة التخلف كثيرا.

الثاني: تمامية دلالة تلك الاخبار عند أولئك علي الوجوب، إذ لعلهم فهموا منها بالقرائن الخارجية تأكد الاستحباب.

الثالث: كون رواة تلك الروايات موثوقا بهم عند أولئك، لان وثوق الحلي بالرواة لا يدل

علي وثوق أولئك، مع أن الحلي لا يري جواز العمل بأخبار الآحاد و إن كانوا ثقات و المفتي إذا إستند فتواه إلي خبر واحد لا يوجب إجتماع أمثاله القطع بالواقع، خصوصا لمن يخطئ العمل بأخبار الآحاد.

و بالجملة فكيف يمكن أن يقال: إن مثل هذا الاجماع إخبار عن قول الامام، فيدخل في الخبر الواحد، مع أنه في الحقيقة إعتماد علي إجتهادات الحلي مع وضوح فساد بعضها، فإن كثيرا ممن ذكر أخبار المضايقة قد ذكر أخبار المواسعة أيضا و أن المفتي إذا علم إستناده إلي مدرك لا يصلح للركون إليه من جهة الدلالة أو المعارضة لا يؤثر فتواه في الكشف عن قول الامام.

و أوضح حالا في عدم جواز الاعتماد ما ادعاه الحلي من الاجماع علي وجوب فطرة الزوجة و لو كانت ناشزه علي الزوج.

ورده المحقق بأن أحدا من علماء الاسلام لم يذهب إلي ذلك.

فإن الظاهر أن الحلي إنما اعتمد في إستكشاف أقوال العلماء علي تدوينهم للروايات الدالة بإطلاقها علي وجوب فطرة الزوجة علي الزوج، متخيلا أن الحكم معلق علي الزوجة من حيث هي زوجة و لم يتفطن

***** [93] *****

لكون الحكم من حيث العيلولة أو وجوب الانفاق.

فكيف يجوز الاعتماد في مثله علي الاخبار بالاتفاق الكاشف عن قول الامام عليه السلم و يقال إنها سنة محكية.

و ما أبعد ما بين ما إستند إليه الحلي في هذا المقام و بين ما ذكره المحقق في بعض كلماته المحكية، حيث قال: (إن الاتفاق علي لفظ مطلق شامل لبعض أفراده الذي وقع فيه الكلام لا يقتضي الاجماع علي ذلك الفرد، لان المذهب لا يصار إليه من إطلاق اللفظ ما لم يكن معلوما من القصد، لان الاجماع مأخوذ من قولهم:

أجمع علي كذا، إذا عزم

عليه.

فلا يدخل في الاجماع علي الحكم إلا من علم منه القصد إليه.

كما أنا لا نعلم مذهب عشرة من الفقهاء الذين لم ينقل مذهبهم لدلالة عموم القرآن و إن كانوا قائلين به)، إنتهي كلامه.

و هو في غاية المتانة.

لكنك عرفت ما وقع من جماعة من المسامحة في إطلاق لفظ الاجماع.

و قد حكي في المعالم عن الشهيد:

(إنه أول كثيرا من الاجماعات، لاجل مشاهدة المخالف في مواردها، بإرادة الشهرة، أو بعدم الظفر بالمخالف حين دعوي الاجماع، أو بتأويل الخلاف علي وجه لا ينافي الاجماع، أو بإرادة الاجماع علي الرواية و تدوينها في كتب الحديث) إنتهي.

و عن المحدث المجلسي، قدس سره ، في كتاب الصلاة من البحار.

، بعد ذكر معني الاجماع و وجه حجيته عند الاصحاب: (إنهم لما رجعوا إلي الفقه كأنهم نسوا ما ذكروه في الاصول.

ثم أخذ في الطعن علي إجماعاتهم إلي أن قال: - فيغلب علي الظن أن مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه فلا الاصول) إنتهي.

و التحقيق أنه لا حاجة إلي إرتكاب التأويل في لفظ الاجماع لما ذكره الشهيد و لا إلي ما ذكره المحدث المذكور، قدس سره ما، من تغاير مصطلحهم في الفروع و الاصول، بل الحق أن دعواهم للاجماع في الفروع مبني علي إستكشاف الآراء و رأي الامام، عليه السلام ، إما من حسن الظن

***** [94] *****

بجماعة من السلف أو من أمور تسلتزم بإجتهادهم إفتاء العلماء بذلك و صدور الحكم عن الامام عليه السلام أيضا.

و ليس في هذا مخالفة لظاهر لفظ الاجماع حتي يحتاج إلي القرينة و لا تدليس، لان دعوي الاجماع ليس لاجل إعتماد الغير عليه و جعله دليلا يستريح إليه في المسألة.

نعم قد يوجب التدليس من جهة نسبة الفتوي إلي العلماء، الظاهرة

في وجدانها في كلماتهم، لكنه يندفع بأدني تتبع في (الفقه)، ليظهر أن مبني ذلك علي إستنباط المذهب، لا علي وجدانه مأثورا.

و الحاصل: أن المتتبع في الاجماعات المنقولة يحصل له القطع من تراكم أمارات كثيرة بإستناد دعوي الناقلين للاجماع خصوصا إذا أرادوا به إتفاق علماء جميع الاعصار، كما هو الغالب في إجماعات المتأخرين - إلي الحدس الحاصل من حسن الظن بجماعة ممن تقدم علي الناقل، أو من الانتقال من الملزوم إلي لازمه مع ثبوت الملازمة بإجتهاد الناقل و إعتقاده.

و علي هذا ينزل الاجماعات المتخالفة من العلماء مع إتحاد العصر أو تقارب العصرين و عدم المبالاة كثيرا بإجماع الغير و الخروج عنه للدليل.

و كذا دعوي الاجماع مع وجود المخالف.

فإن ما ذكرنا في مبني الاجماع من أصح المحامل لهذه الامور المنافية لبناء دعوي الاجماع علي تتبع الفتاوي في خصوص المسألة.

و ذكر المحقق السبزواري في الذخيرة، بعد بيان تعسر العلم بالاجماع: (أن مرادهم بالاجماعات المنقولة، في كثير من المسائل بل في أكثرها، لا يكون محمولا علي معناه الظاهر، بل إما يرجع إلي إجتهاد من الناقل مؤد بحسب القرائن و الامارات التي إعتبرها إلي أن المعصوم، عليه السلام ، موافق في هذا الحكم، أو مرادهم الشهرة أو إتفاق أصحاب الكتب المشهورة، أو غير ذلك من المعاني المحتملة).

ثم قال بعد كلام له: (والذي ظهر لي من تتبع كلام المتأخرين أنهم كانوا ينظرون إلي كتب الفتاوي الموجودة عندهم في حال التأليف، فإذا رأوا إتفاقهم علي حكم قالو إنه إجماعي.

ثم إذا إطلعوا علي تصنيف آخر خالف مؤلفه الحكم المذكور، رجعوا عن الدعوي المذكورة.

و يرشد إلي هذا كثير من القرائن التي لا يناسب هذا المقام تفصيلها)، إنتهي.

***** [95] *****

و حاصل الكلام، من أول ما

ذكرنا إلي هنا، أن الناقل للاجماع إن أحتمل في حقه تتبع فتاوي من إدعي إتفاقهم حتي الامام الذي هو داخل في المجمعين، فلا إشكال في حجيته و في إلحاقه بالخبر الواحد، إذ لا يشترط في حجيته معرفة الامام تفصيلا حين السماع منه.

لكن هذا الفرض مما يعلم بعدم وقوعه و أن المدعي للاجماع لا يدعيه علي هذا الوجه.

و بعد هذا فإن احتمل في حقه تتبع فتاوي جميع المجمعين و المفروض أن الظاهر من كلامه هو إتفاق الكل المستلزم عادة لموافقه قول الامام عليه السلام ، فالظاهر حجية خبره للمنقول إليه، سواء جعلنا المناط في حجيته تعلق خبره بنفس الكاشف الذي هو من الامور المحسوسة المستلزمة ضرورة لامر حدسي و هو قول الامام، أو جعلنا المناط تعلق خبره بالمنكشف و هو قول الامام، لما عرفت من أن الخبر الحدسي المستند إلي إحساس ما هو ملزوم للمخبر به عادة، كالخبر الحسي في وجوب القبول.

و قد تقدم الوجهان في كلام السيد الكاظمي في شرح الوافية.

لكنك قد عرفت سابقا القطع بإنتفاء هذا الاحتمال، خصوصا إذا أراد الناقل إتفاق علماء جميع الاعصار.

نعم لو فرضنا قلة العلماء في عصر بحيث يحاط بهم، أمكن دعوي إتفاقهم عن حس، لكن هذا غير مستلزم عادة لموافقته قول الامام، عليه السلام.

نعم يكشف عن موافقته، بناء علي طريقة الشيخ المتقدمه التي لم تثبت عندنا و عند الاكثر.

ثم إذا علم عدم إستناد دعوي إستناد دعوي إتفاق العلماء المتشتتين في الاقطار الذي يكشف عادة عن موافقة الامام عليه السلام إلا إلي الحدس الناشي عن أحد الامور المتقدمة التي مرجعها إلي حسن الظن أو الملازمات الاجتهادية، فلا عبرة بنقله، لان الاخبار بقول الامام عليه السلام حدسي غير مستند إلي حس

ملزوم له عادة، ليكون نظير الاخبار بالعدالة المستندة إلي الآثار الحسية و الاخبار بالاتفاق أيضا حدسي.

نعم يبقي هنا شئ و هو أن هذا المقدار من النسبة المحتمل إستناد الناقل فيها إلي الحس يكون خبره حجة فيها، لان ظاهر الحكاية محمول علي الوجدان إلا إذا قام هناك صارف و المعلوم من الصارف هو عدم إستناد الناقل إلي الوجدان و الحس في نسبة الفتوي إلي جميع من إدعي إجماعهم.

و أما إستناد نسبة الفتوي إلي جميع أرباب الكتب المصنفة في الفتاوي إلي الوجدان في كتبهم بعد التتبع، فأمر محتمل لا يمنعه عادة و لا عقل.

و ما تقدم من المحقق السبزواري، من إبتناء دعوي الاجماع علي ملاحظة الكتب الموجودة عنده

***** [96] *****

حال التأليف، فليس عليه شاهد، بل الشاهد علي خلافه.

و علي تقدير فهو ظن لا يقدح في العمل بظاهر النسبة، فإن نسبة الامر الحسي إلي شخص ظاهر في إحساس الغير إياه من ذلك الشخص.

و حينئذ فنقل الاجماع غالبا إلا ما شذ حجة بالنسبة إلي صدور الفتوي عن جميع المعروفين من أهل الفتاوي.

و لا يقدح في ذلك أنا نجد الخلاف في كثير من موارد دعوي الاجماع، إذ من المحتمل إرادة الناقل ما عدا المخالف، فتتبع كتب من عداه و نسب الفتوي إليهم، بل لعله إطلع علي رجوع من نجده مخالفا.

فلا حاجة إلي حمل كلامه علي من عدا المخالف.

و هذا المضمون المخبر به عن حس و إن لم يكن مستلزما بنفسه عادة لموافقة قول الامام، عليه السلام ، إلا أنه قد يستلزمه بإنضمام أمارات أخر يحصلها المتتبع أو بإنضمام أقوال المتأخرين من دعوي الاجماع.

مثلا، إذا ادعي الشيخ، قدس سره ، إلاجماع علي إعتبار طهارة مسجد الجبهة، فلا أقل من إحتمال أن

يكون دعواه مستندة إلي وجدان الحكم في الكتب المعدة للفتوي و إن كان بإيراد الروايات التي يفتي المؤلف بمضمونها.

فيكون خبره المتضمن لافتاء جميع أهل الفتوي بهذا الحكم حجة في المسألة.

فيكون كما لو وجدنا الفتاوي في كتبهم، بل سمعناها منهم.

و فتواهم و إن لم تكن بنفسها مستلزمة، عادة، لموافقة الامام، عليه السلام ، إلا أنا إذا ضممنا إليها فتوي من تأخر عن الشيخ من أهل الفتوي و ضم إلي ذلك أمارات أخر، فربما حصل من المجموع القطع بالحكم، لاستحالة تخلف هذه جميعها عن قول الامام، عليه السلام.

و بعض هذا المجموع - و هو إتفاق أهل الفتاوي المأثورة عنهم - و إن لم يثبت لنا بالوجدان، إلا أن المخبر قد أخبر به عن حس، فيكون حجة كالمحسوس لنا.

و كما أن مجموع ما يستلزم عادة لصدور الحكم عن الامام، عليه السلام ، إذا أخبر به العادل عن حس قبل منه و عمل بمقتضاه، فكذا إذا أخبر العادل ببعضه عن حس.

و توضيحه، بالمثال الخارجي، أن نقول: إن خبر مائة عادل أو ألف مخبر بشئ مع شدة إحتياطهم في مقام الاخبار يستلزم عادة ثبوت المخبر به في الخارج، فإذا أخبرنا عادل بأنه قد أخبر الف عادل بموت زيد و حضور دفنه، فيكون خبره بإخبار الجماعة بموت زيد حجة، فيثبت به لازمه العادي و هو موت زيد.

و كذلك إذا أخبر العادل بإخبار بعض هؤلاء و حصلنا إخبار الباقي بالسماع منهم.

***** [97] *****

نعم لو كانت الفتاوي المنقولة إجمالا بلفظ الاجماع علي تقدير ثبوتها لنا بالوجدان مما لا يكون بنفسها أو بضميمة أمارات أخر مستلزمة عادة للقطع بقول الامام عليه السلام و إن كانت قد تفيده، لم يكن معني لحجية خبر الواحد في

نقلها تعبدا، لان معني التعبد بخبر الواحد في شئ ترتيب لوازمه الثابتة له و لو بضميمة أمور أخر.

فلو أخبر العادل باخبار عشرين بموت زيد و فرضنا أن إخبارهم قد يوجب العلم و قد لا يوجب، لم يكن خبره حجة بالنسبة إلي موت زيد، إذ لا يلزم من إخبار عشرين بموت زيد موته.

و بالجملة، فمعني حجية خبر العادل وجوب ترتيب ما يدل عليه المخبر به مطابقة، أو تضمنا، أو إلتزاما عقليا أو عاديا أو شرعيا، دون ما يقارنه أحيانا.

ثم إن ما ذكرنا لا يختص بنقل الاجماع، بل يجري في نقل الاتفاق و شبهه و يجري في نقل الشهرة و نقل الفتاوي عن أربابها تفصيلا.

ثم إنه لو لم يحصل من مجموع ما ثبت بنقل العادل و ما حصله المنقول إليه بالوجدان من الامارات و الاقوال القطع بصدور الحكم الواقعي عن الامام، عليه السلام ، لكن حصل منه القطع به وجود دليل ظني معتبر بحيث لو نقل إلينا لاعتقدناه تاما من جهة الدلالة و فقد المعارض، كان هذا المقدار أيضا كافيا في إثبات المسألة الفقهية، بل قد يكون نفس الفتاوي التي نقلها الناقل للاجماع إجمالا مستلزما لوجود دليل معتبر، فيستقل الاجماع المنقول بالحجية بعد إثبات حجية خبر العادل في المحسوسات، إلا إذا منعنا - كما تقدم سابقا - عن إستلزام إتفاق أرباب الفتاوي عادة لوجود دليل لو نقل إلينا لوجدناه تاما و إن كان قد يحصل العلم بذلك من ذلك، إلا أن ذلك شئ قد يتفق و لا يوجب ثبوت الملازمة العادية التي هي المناط في الانتقال من المخبر به إليه.

ألا تري أن إخبار عشرة بشئ قد يوجب العلم به، لكن لا ملازمة عادية بينهما، بخلاف إخبار ألف

عادل محتاط في الاخبار.

و بالجملة، يوجد في الخبر مرتبة تستلزم عادة تحقق المخبر به، لكن ما يوجب العلم أحيانا قد لا يوجبه و في الحقيقة ليس هو بنفسه الموجب في مقام حصول العلم و إلا لم يتخلف.

* * *

ثم إنه قد نبه علي ما ذكرنا من فائدة نقل الاجماع بعض المحققين في كلام طويل له.

و ما ذكرنا و إن كان محصل كلامه علي ما نظرنا فيه، لكن الاولي نقل عبارته بعينها.

فلعل الناظر يحصل منه غير ما حصلنا، فإنا قد مررنا علي العبارة مرورا.

و لا يبعد أن يكون قد إختفي علينا بعض ما له

***** [98] *****

دخل في مطلبه.

قال قدس سره في كشف القناع و في رسالته التي صنفها في المواسعة و المضايقة ما هذا لفظه: (و ليعلم أن المحقق في ذلك هو أن الاجماع، الذي نقل بلفظه المستعمل في معناه المصطلح أو بسائر الالفاظ علي كثرتها، إذا لم يكن مبتنيا علي دخول المعصوم بعينه أو ما في حكمه في المجمعين، فهو إنما يكون حجة علي غير الناقل بإعتبار نقله السبب الكاشف عن قول المعصوم أو عن الدليل القاطع أو مطلق الدليل المعتد به و حصول الانكشاف للمنقول إليه و التمسك به بعد البناء علي قبوله، لا بإعتبار ما إنكشف منه لناقله بحسب إدعائه.

فهنا مقامان:

الاول حجيته بالاعتبار الاول و هي مبتنية من جهتي الثبوت و الاثبات علي مقدمات: الاولي: دلالة اللفظ علي السبب.

و هذه لابد من إعتبارها و هي متحققة ظاهرا في الالفاظ المتداولة بينهم ما لم يصرف عنها صارف.

و قد يشتبه الحال إذا كان النقل بلفظ الاجماع في مقام الاستدلال، لكن من المعلوم أن مبناه و مبني غيره ليس علي الكشف الذي يدعيه جهال الصوفية و

لا علي الوجه الاخير الذي إن وجد في الاحكام ففي غاية الندرة، مع أنه علي تقدير بناء الناقل عليه و ثبوته واقعا كاف في الحجية.

فإذا إنتفي الامران تعين سائر الاسباب المقررة و أظهرها غالبا عند الاطلاق حصول الاطلاع بطريق القطع أو الظن المعتد به علي إتفاق الكل في نفس الحكم.

و لذا صرح جماعة منهم بإتحاد معني الاجماع عند الفريقين و جعلوه مقابلا للشهرة.

و ربما بالغوا في أمرها بأنها كادت تكون إجماعا و نحو ذلك.

و ربما قالوا: إن كان هذا مذهب فلان فالمسألة إجماعية و إذا لوحظت القرائن الخارجية من جهة العبارة و المسألة و النقلة و اختلف الحال في ذلك.

فيؤخذ بما هو المتيقن أو الظاهر.

و كيف كان، فحيث دل اللفظ و لو بمعونة القرائن علي تحقق الاتفاق المعتبر كان معتبرا و إلا فلا.

الثانية: حجية نقل السبب المذكور و جواز التعويل عليه.

و ذلك لانه ليس إلا

***** [99] *****

كنقل فتاوي العلماء و أقوالهم و عباراتهم الدالة عليها لمقلديهم و غيرهم و رواية ما عدا قول المعصوم و نحوه من سائر ما تضمنه الاخبار، كالاسؤلة التي تعرف منها أجوبته و الاقول و الافعال التي يعرف منها تقريره و نحوها مما تعلق بها و ما نقل عن سائر الرواة المذكورين في الاسانيد و غيرها و كنقل الشهرة و إتفاق سائر أولي الآراء و المذاهب و ذوي الفتوي أو جماعة منهم و غير ذلك.

و قد جرت طريقة السلف و الخلف من جيمع الفرق علي قبول أخبار الآحاد في كل ذلك، مما كان النقل فيه علي وجه الاجمال أو التفصيل و ما تعلق بالشرعيات أو غيرها، حتي أنهم كثيرا ما ينقلون شيئا مما ذكر معتمدين علي نقل غيرهم من دون تصريح

بالنقل عنه و الاستناد إليه لحصول الوثوق به و إن لم يصل إلي مرتبة العلم.

فيلزم قبول خبر الواحد فيما نحن فيه أيضا، لاشتراك الجميع في كونها نقل قول غير معلوم من غير معصوم و حصول الوثوق بالناقل، كما هو المفروض.

و ليس شئ من ذلك الوصول حتي يتوهم عدم الاكتفاء فيه بخبر الواحد مع أن هذا الوهم فاسد من أصله، كما قرر في محله - و لا من الامور المتجددة التي لم يعهد الاعتماد فيها علي خبر الواحد في زمان النبي صلي الله عليه و آله و الائمه عليهم السلام و الصحابة و لا مما ينذر اختصاص معرفته ببعض دون بعض، مع أن هذا لا يمنع من التعويل علي نقل العارف به، لما ذكر.

و يدل عليه مع ذلك ما دل علي حجية خبر الثقة العدل بقول مطلق و ما اقتضي كفاية الظن فيما لا غني عن معرفته و لا طريق إليه غيره غالبا.

إذ من المعلوم شدة الحاجة إلي معرفة أقوال علماء الفريقين و أراء سائر أرباب العلوم لمقاصد شتي لا محيص عنها، كمعرفة المجمع عليه و المشهور و الشاذ من الاخبار و الاقوال و الموافق للعامة أو أكثرهم و المخالف لهم و الثقة و الاوثق و الاورع و الافقه و كمعرفة اللغات و شواهدها المنثورة و المنظومة و قواعد العربية التي عليها يبتني إستنباط المطالب الشرعية و فهم معاني الاقارير و الوصايا و سائر العقود و الايقاعات المشتبة و غير ذلك مما لا يخفي علي المتأمل.

و لا طريق إلي ما اشتبه من جميع ذلك غالبا سوي النقل الغير الموجب للعلم و الرجوع إلي الكتب المصححة ظاهرا و سائر الامارات الظنية.

فيلزم جواز العمل بها

***** [100] *****

و التعويل

عليها فيما ذكر.

فيكون خبر الواحد الثقة حجة معتمدا عليها فيما نحن فيه و لا سيما إذا كان الناقل من الافاضل الاعلام و الاجلاء الكرام، كما هو الغالب، بل هو أولي بالقبول و الاعتماد من أخبار الآحاد في نفس الاحكام و لذا بني علي المسامحة فيه من وجوه شتي بما لم يتسامح فيها، كما لا يخفي.

الثالثة: حصول إستكشاف الحجة المعتبرة من ذلك السبب.

و وجهه أن السبب المنقول بعد حجيته كالمحصل فيما يستكشف منه و الاعتماد عليه و قبوله و إن كان من الادلة الظنية بإعتبار ظنية أصله.

و لذا كانت النتيجة في الشكل الاول تابعة في الضرورية و النظرية و العلمية و الظنية و غيرها لاخس مقدمتيه مع بداهة إنتاجه.

فينبغي حينئذ أن يراعي حال الناقل حين نقله من جهة ضبطه و تورعه في النقل و بضاعته في العلم و مبلغ نظره و وقوفه علي الكتب و الاقول و إستقصائه لما تشتت منها و وصوله إلي وقائعها، فإن أحوال العلماء مختلف فيها إختلافا فاحشا.

و كذلك حال الكتب المنقول فيها الاجماع، فرب كتاب لغير متتبع موضوع علي مزيد التتبع و التدقيق.

و رب كتاب لمتتبع موضوع علي المسامحة و قلة التحقيق.

و مثله الحال في آحاد المسائل، فإنها تختلف أيضا في ذلك.

و كذا حال لفظه بحسب وضوح دلالته علي السبب و خفائها و حال ما يدل عليه من جهة متعلقه و زمان نقله لاختلاف الحكم بذلك، كما هو ظاهر.

و يراعي أيضا وقوع دعوي الاجماع في مقام ذكر الاقوال أو الاحتجاج، فإن بينهما تفاوتا من بعض الجهات.

و ربما كان الاولي بالاعتماد بناء علي إعتبار السبب، كما لا يخفي فإذا وقع إلتباس فيما يقتضيه و يتناوله كلام الناقل بعد ملاحظة ما ذكر أخذ

بما هو المتيقن أو الظاهر.

ثم ليلحظ مع ذلك ما يمكن معرفته من الاقوال علي وجه العلم و اليقين، إذ لا وجه لاعتبار المظنون المنقول علي سبيل الاجمال دون المعلوم علي التفصيل.

مع أنه لو كان المنقول معلوما لما اكتفي به في الاستكشاف عن ملاحظة سائر الاقوال التي لها دخل فيه، فكيف إذا لم يكن كذلك.

و يلحظ أيضا سائر ما له تعلق في الاستكشاف بحسب ما يعتمد من تلك الاسباب، كما هو مقتضي الاجتهاد، سواء كان من الامور المعلومة أو المظنونة، و

***** [101] *****

من الاقوال المتقدمة علي النقل أو المتأخرة أو المقارنة.

و ربما يستغني المتتبع بما ذكر عن الرجوع إلي كلام ناقل الاجماع لاستظهاره عدم مزية عليه في التتبع و النظر.

و ربما كان الامر بالعكس و أنه إن تفرد بشئ كان نادارا لا يعتد به.

فعليه أن يستفرغ و سعه و يتبع نظره و تتبعه، سواء تأخر عن الناقل أم عاصره و سواء أدي فكره إلي الموافقة له أو المخالفة، كما هو الشأن في معرفة سائر الادلة و غيرها مما تعلق بالمسألة.

فليس الاجماع إلا كأحدها.

فالمقتضي للرجوع إلي النقل هو مظنة وصول الناقل إلي ما لم يصل هو إليه من جهة السبب أو إحتمال ذلك، فيعتمد عليه في هذا خاصة بحسب ما استظهر من حاله و نقله و زمانه و يصلح كلامه مؤيدا فيما عداه مع الموافقة لكشفه عن توافق النسخ و تقويته للنظر.

فإذا لوحظ جميع ما ذكر و عرف الموافق و المخالف إن وجد، فليفرض المظنون منه كالمعلوم، لثبوت حجيته بالدليل العملي و لو بوسائط. ثم لينظر. فإن حصل من ذلك إستكشاف معتبر كان حجة ظنية حيث كان متوقفا علي النقل الغير الموجب للعلم بالسبب أو كان المنكشف

غير الدليل القاطع و إلا فلا.

و إذا تعدد ناقل الاجماع أو النقل، فإن توافق الجميع لوحظ كل ما علم علي ما فصل و أخذ بالحاصل و إن تخالف لوحظ جميع ما ذكر و أخذ فيما إختلف فيه النقل بالارجح بحسب حال الناقل و زمانه و وجود المعاضد و عدمه و قلته و كثرته.

ثم ليعمل بما هو المحصل و يحكم علي تقدير حجيته بأنه دليل ظني واحد و إن توافق النقل و تعدد الناقل.

و ليس ما ذكرناه مختصا بنقل الاجماع المتضمن لنقل الاقوال إجمالا، بل يجري في نقلها تفصيلا أيضا.

و كذلك في نقل سائر الاشياء التي يبتني عليها معرفة الاحكام و الحكم فيما إذا وجد المنقول موافقا لما وجد أو مخالفا مشترك بين الجميع، كما هو ظاهر.

و قد إتضح بما بيناه وجه ما جرت عليه طريقة معظم الاصحاب مع عدم الاستدلال بالاجماع المنقول علي وجه الاعتماد و الاستقلال غالبا، ورده بعدم

***** [102] *****

الثبوت أو بوجدان الخلاف و نحوهما.

فإنه المتجه علي ما قلنا و لا سيما فيما شاع فيه النزاع و الجدال إذ عرفت فيه الاقوال، أو كان من الفروع النادرة التي لا يستقيم فيها دعوي الاجماع، لقلة المتعرض لها إلا علي بعض الوجوه التي لا يعتد بها، أو كان الناقل ممن لا يعتد بنقله، لمعاصرته أو قصور باعه أو غيرهما مما يأتي بيانه.

فالاحتياج إليه مختص بقليل من المسائل بالنسبة إلي قليل من العلماء و نادر من النقلة الافاضل) إنتهي كلامه، رفع مقامه.

لكنك خبير بأن هذه الفائدة للاجماع المنقول كالمعدومة، لان القدر الثابت من الاتفاق باخبار الناقل المستند إلي حسه ليس مما يستلزم عادة موافقة الامام، عليه السلام و إن كان هذا الاتفاق لو ثبت لنا أمكن

أن يحصل العلم بصدور مضمونه.

لكن ليس علة تامة لذلك، بل هو نظير إخبار عدد معين في كونه قد يوجب العلم بصدق خبرهم و قد لا يوجب و ليس أيضا مما يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر حتي بالنسبة إلينا، لان إستناد كل بعض منهم إلي ما لا نراه دليلا، ليس أمرا مخالفا للعادة.

ألا تري أنه ليس من البعيد أن يكون القدماء القائلون بنجاسة البئر، بعضهم قد إستند إلي دلالة الاخبار الظاهرة في ذلك مع عدم الظفر بما يعارضها و بعضهم قد ظفر بالمعارض و لم يعمل به، لقصور سنده أو لكونه من الآحاد عنده أو لقصور دلالته أو لمعارضتة، لاخبار النجاسة و ترجيحها عليه بضرب من الترجيح.

فإذا ترجح في نظر المجتهد المتأخر أخبار الطهارة فلا يضره إتفاق القدماء علي النجاسة المستند إلي الامور المختلفة المذكورة.

و بالجملة، فالانصاف - بعد التأمل و ترك المسامحة بإبراز المظنون بصورة القطع، كما هو متعارف محصلي عصرنا - أن إتفاق من يمكن تحصيل فتاواهم علي أمر، كما لا يستلزم عادة موافقة الامام، عليه السلام ، كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكل من جهة أو من جهات شتي.

فلم يبق في المقام إلا أن يحصل المجتهد أمارات أخر من أقوال باقي العلماء و غيرها ليضيفها إلي ذلك، فيحصل من مجموع المحصل له و المنقول إليه الذي فرض بحكم المحصل من حيث وجوب العمل به تعبدا القطع في مرحلة الظاهر باللازم.

و هو قول الامام أو وجود دليل معتبر الذي هو أيضا يرجع إلي حكم الامام بهذا الحكم الظاهري المضمون لذلك الدليل، لكنه أيضا مبني علي كون مجموع المنقول من

***** [103] *****

الاقوال و المحصل من الامارات ملزوما عاديا لقول الامام، عليه السلام ،

أو وجود الدليل المعتبر.

و إلا فلا معني لتنزيل المنقول منزلة المحصل بأدلة حجية خبر الواحد، كما عرفت سابقا.

و من ذلك ظهر أن ما ذكره هذا البعض ليس تفصيلا في مسألة حجية الاجماع المنقول و لا قولا بحجيته في الجملة من حيث أنه إجماع منقول و إنما يرجع محصله إلي أن الحاكي للاجماع يصدق فيما يخبره عن حس.

فإن فرض كون ما يخبره عن حسه ملازما، بنفسه أو بضميمة أمارات أخر، لصدور الحكم الواقعي أو مدلول الدليل المعتبر عند الكل، كانت حكايته حجة، لعموم أدلة حجية الخبر في المحسوسات و إلا فلا.

و هذا يقول به كل من يقول بحجية الخبر الواحد في الجملة.

و قد إعترف بجريانه في نقل الشهرة و فتاوي آحاد العلماء.

* * *

و من جيمع ما ذكرنا يظهر الكلام في المتواتر المنقول و أن نقل التواتر في خبر لا يثبت حجيته و لو قلنا بحجية خبر الواحد، لان التواتر صفة في الخبر تحصل باخبار جماعة تفيد العلم للسامع و يختلف عدده بإختلاف خصوصيات المقامات و ليس كل تواتر ثبت لشخص مما يستلزم في نفس الامر عادة تحقق المخبر به.

فإذا أخبر بالتواتر فقد اخبر باخبار جماعة أفاد له العلم بالواقع.

و قبول هذا الخبر لا يجدي شيئا، لان المفروض أن تحقق مضمون المتواتر ليس من لوازم إخبار الجماعة الثابت بخبر العادل.

نعم لو أخبر باخبار جماعة يستلزم عادة تحقق المخبر به - بأن يكون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لاخبار الجماعة.

كأن أخبر مثلا باخبار ألف عادل أو أزيد بموت زيد و حضور جنازته - كان اللازم من قبول خبره الحكم بتحقق الملزوم و هو إخبار الجماعة، فيثبت اللازم و هو تحقق موت زيد.

إلا أن لازم من يعتمد

علي الاجماع المنقول و إن كان إخبار الناقل مستندا إلي حدس غير مستند إلي المبادي المحسوسة المستلزمة للمخبر به هو القول بحجية التواتر المنقول.

لكن ليعلم أن معني قبول نقل التواتر، مثل الاخبار بتواتر موت زيد مثلا، يتصور علي وجهين.

الاول:

الحكم بثبوت الخبر المدعي تواتره، أعني موت زيد.

نظير حجية الاجماع المنقول بالنسبة إلي المسألة المدعي عليها الاجماع.

و هذا هو الذي ذكرنا أن الشرط في قبول خبر الواحد فيه كون ما أخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلقه.

الثاني: الحكم بثبوت تواتر الخبر المذكور ليترتب علي ذلك الخبر آثار المتواتر و أحكامه الشرعية.

كما إذا نذر أن يحفظ أو يكتب كل خبر متواتر.

***** [104] *****

ثم أحكام التواتر، منها: ما ثبت لما تواتر في الجملة و لو عند غير هذا الشخص و منها: ما ثبت لما تواتر بالنسبة إلي هذا الشخص.

و لا ينبغي الاشكال في أن مقتضي قبول نقل التواتر العمل به علي الوجه الاول و أول وجهي الثاني، كما لا ينبغي الاشكال في عدم ترتب آثار تواتر المخبر به عند نفس الشخص.

و من هنا يعلم أن الحكم بوجوب القراءة في الصلاة إن كان منوطا بكون المقروء قرآنا واقعيا قرأه النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، فلا إشكال في جواز الاعتماد علي إخبار الشهيد، قدس سره ، بتواتر القراء ات الثلاث، أعني قراءة أبي جعفر و أخويه [يعقوب و خلف].

لكن بالشرط المتقدم و هو كون ما أخبر به الشهيد من التواتر ملزوما عادة لتحقق القرآنية.

و كذا لا إشكال في الاعتماد من دون شرط، إن كان الحكم منوطا بالقرآن المتواتر في الجملة، فإنه قد ثبت تواتر تلك القراء ات عند الشهيد باخباره.

و إن كان الحكم معلقا علي القرآن المتواتر عند القاري

أو مجتهده، فلا يجدي إخبار الشهيد بتواتر تلك القراء ات.

و إلي أحد الاولين نظر حكم المحقق و الشهيد الثانيين بجواز القراءة بتلك القراء ات مستندا إلي أن الشهيد و العلامة، قدس سره ما، قد إدعيا تواترها و أن هذا لا يقصر عن نقل الاجماع و إلي الثالث نظر صاحب المدارك و شيخه المقدس الاردبيلي قدس سره ما، حيث إعترضا علي المحقق و الشهيد بأن هذا رجوع عن إشتراط التواتر في القراءة.

و لا يخلو نظرهما عن نظر، فتدبر و الحمد لله و صلي الله علي محمد و آله و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين.

***** [105] *****

و من جملة الظنون التي توهم حجيتها بالخصوص الشهرة في الفتوي الحاصلة بفتوي جل الفقهاء المعروفين، سواء كان في مقابلها فتوي غيرهم بخلاف، أم لم يعرف الخلاف و الوفاق من غيرهم.

ثم إن المقصود هنا ليس التعرض لحكم الشهرة من حيث الحجية في الجملة، بل المقصود إبطال توهم كونها من الظنون الخاصة و إلا فالقول بحجيتها من حيث إفادة المظنة بناء علي دليل الانسداد غير بعيد.

ثم إن منشأ توهم كونها من الظنون الخاصة أمران: أحدهما: ما يظهر من بعض، من أن أدلة حجية خبر الواحد تدل علي حجيته بمفهوم الموافقة، لانه ربما يحصل منها الظن الاقوي من الحاصل من خبر العادل.

و هذا خيال ضعيف تخيله بعض في بعض رسائله و وقع نظيره من الشهيد الثاني في المسالك، حيث وجه حجية الشياع الظني بكون الظن الحاصل منه أقوي من الحاصل من شهادة العدلين.

و وجه الضعف: أن الاولوية الظنية أوهن بمراتب من الشهرة، فكيف يتمسك بها في حجيتها، مع أن الاولوية ممنوعة رأسا، للظن بل العلم بأن المناط و العلة في حجية الاصل ليس مجرد إفادة الظن.

و أضعف من ذلك تسمية هذه الاولوية في كلام ذلك البعض مفهوم الموافقة، مع أنه ما كان إستفادة حكم الفرع من الدليل اللفظي الدال علي حكم الاصل،

مثل قوله تعالي: (ولا تقل لهما أف).

الامر الثاني: دلالة مرفوعة زرارة و مقبولة عمر بن حنظلة علي ذلك.

ففي الاولي: (قال زرارة: قلت: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران و الحديثان المتعارضان، فبأيهما نعمل؟ قال: خذ بما إشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر.

***** [106] *****

قلت: يا سيدي! إنهما معا مشهوران مأثوران عنكم.

قال: خذ بما يقوله أعدلهما)، الخبر.

بناء علي أن المراد بالموصول مطلق المشهور، رواية كان أو فتوي، أو أن إناطة الحكم بالاشتهار تدل علي إعتبار الشهرة في نفسها و إن لم تكن في الرواية.

و في المقبولة، بعد فرض السائل تساوي الراويين في العدالة، قال عليه السلام :

يُنْظَرُ إِلَي مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ [مِنْ حُكْمِنَا] وَ يُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ ِ وَ إِنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَيُتَّبَعُ وَ أَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَيُجْتَنَبُ وَ أَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إِلَي اللَّهِ وَ إِلَي رَسُولِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم حَلَالٌ بَيِّنٌ ٌ وَ حَرَامٌ بَيِّنٌ وَ شُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَ مَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَ هَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمَا مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ … إلي آخر الرواية.

بناء علي أن المراد بالمجمع عليه في الموضعين هو المشهور، بقرينة إطلاق المشهور عليه في قوله: (و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور).

فيكون في التعليل بقوله: (فإن المجمع عليه)، إلخ، دلالة علي أن المشهور مطلقا مما يجب العمل به و إن كان مورد التعليل الشهرة في الرواية.

و مما يؤيد إرادة الشهرة من

الاجماع أن المراد لو كان الاجماع الحقيقي لم يكن ريب في بطلان خلافه، مع أن الامام عليه السلام جعل مقابله مما فيه الريب.

و لكن في الاستدلال بالروايتين ما لا يخفي من الوهن: أما الاولي، فيرد عليها مضافا إلي ضعفها، حتي أنه ردها من ليس دأبه الخدشة في سند الروايات، كالمحدث البحراني - أن المراد بالموصول هو خصوص الرواية المشهورة من الروايتين دون مطلق الحكم المشهور.

ألا تري أنك لو سئلت عن أن أي المسجدين أحب إليك، فقلت: ما كان الاجتماع فيه أكثر.

لم يحسن للمخاطب أن ينسب إليك محبوبية كل مكان يكون الاجتماع فيه

***** [107] *****

أكثر بيتا كان أو خانا أو سوقا.

و كذا لو أجبت عن سؤال المرجح لاحد الرمانين فقلت: ما كان أكبر.

و الحاصل: أن دعوي العموم في المقام بغير الرواية مما لا يظن بأدني التفات، مع أن الشهرة الفتوائية مما لا يقبل أن يكون في طرفي المسألة.

فقوله: (يا سيدي! إنهما معا مشهوران مأثوران)، أوضح شاهد علي أن المراد بالشهرة الشهرة في الرواية الحاصلة بكون الرواية مما اتفق الكل علي روايته أو تدوينه.

و هذا مما يمكن إتصاف الروايتين المتعارضين به.

و من هنا يعلم الجواب عن التمسك بالمقبولة و أنه لا تنافي بين إطلاق المجمع عليه علي المشهور و بالعكس حتي تصرف أحدهما عن ظاهره بقرينة الاخر، فإن إطلاق المشهور في مقابل الاجماع إنما هو إطلاق حادث مختص بالاصوليين و إلا فالمشهور هو الواضح المعروف.

و منه: شهر فلان سيفه و سيف شاهر.

فالمراد أنه يؤخذ بالرواية التي يعرفها جميع أصحابك و لا ينكرها أحد منهم و يترك ما لا يعرفه إلا الشاذ و لا يعرفها الباقي.

فالشاذ مشارك للمشهور في معرفة الرواية المشهورة و المشهور لا يشارك الشاذ في

معرفة الرواية الشاذة.

و لهذا كانت الرواية المشهورة من قبيل بين الرشد و الشاذ من قبيل المشكل الذي يرد علمه إلي أهله و إلا فلا معني للاستشهاد بحديث التثليث.

و مما يضحكم الثكلي في هذا المقام توجيه قوله: (هما معا مشهوران)، بإمكان إنعقاد الشهرة في عصر علي فتوي و في عصر آخر علي خلافها، كما قد يتفق بين القدماء و المتأخرين، فتدبر.

***** [108] *****

ومن جملة الظنون الخارجة بالخصوص عن أصالة حرمة العمل بغير العلم خبر الواحد في الجملة عند المشهور بل كاد أن يكون إجماعا.
[توضيح]

إعلم أن إثبات الحكم الشرعي بالاخبار المروية عن الحجج، عليهم السلام ، موقوف علي مقدمات ثلاث:

1 - الاولي كون الكلام صادرا عن الحجة.

2 - الثانية كون صدوره لبيان حكم الله، لا علي وجه آخر من تقية و غيرها.

3 - الثالثة ثبوت دلالتها علي الحكم المدعي.

و هذا يتوقف أولا علي تعيين أوضاع ألفاظ الرواية و ثانيا علي تعيين المراد منها و أن المراد مقتضي وضعها أو غيره.

فهذه أمور أربعة.

و قد أشرنا إلي كون الجهة الثانية من (المقدمة الثالثة) من الظنون الخاصة و هو المعبر عنه بالظهور اللفظي و إلي أن الجهة الاولي منها مما لم يثبت كون الظن الحاصل فيها بقول اللغوي من الظنون الخاصة و إن لم نستبعد الحجية أخيرا.

و أما (المقدمة الثانية)، فهي أيضا ثابتة بأصالة عدم صدور الرواية لغير داعي بيان الحكم الواقعي.

و هي حجة، لرجوعها إلي القاعدة المجمع عليها بين العلماء و العقلاء من حمل كلام المتكلم علي كونه صادرا لبيان مطلوبه الواقعي، لا لبيان خلاف مقصوده من تقية أو خوف و لذا لا يسمع دعواه ممن يدعيه إذا لم يكن كلامه محفوفا بأماراته.

أما (المقدمة الاولي)، فهي التي عقد لها مسألة حجية أخبار الآحاد.

فمرجع هذه المسألة إلي أن السنة، أعني قول الحجة أو فعله أو تقريره، هل تثبت بخبر الواحد

أم لا تثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر و القرينة.

و من هنا يتضح دخولها في مسائل أصول الفقه الباحثة عن أحوال الادلة.

و لا حاجة إلي تجشم دعوي أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل.

***** [109] *****

ثم اعلم أن أصل وجوب العمل بالاخبار المدونة في الكتب المعروفة مما أجمع عليه في هذه الاعصار، بل لا يبعد كونه ضروري المذهب.

و إنما الخلاف في مقامين:

(1) - أحدهما:

كونها مقطوعة الصدور أو غير مقطوعة.

فقد ذهب شرذمة من متأخري الاخباريين، فيما نسب إليهم، إلي كونها قطعية الصدور.

و هذا قول لا فائده في بيانه و الجواب عنه إلا التحرز عن حصول هذا الوهم لغيرهم كما حصل لهم و إلا فمدعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبني قطعه.

و قد كتبنا في سالف الزمان في رد القول رسالة تعرضنا فيها لجميع ما ذكروه و بيان ضعفها بحسب ما أدي إليه فهمي القاصر.

(2) - الثاني:

أنها مع عدم قطعية صدورها معتبرة بالخصوص أم لا.

فالمحكي عن السيد و القاضي و إبن زهرة و الطبرسي و إبن إدريس، قدس الله أسرارهم، المنع.

و ربما نسب إلي المفيد، قدس سره ، حيث حكي عنه في المعارج أنه قال: (إن خبر الواحد القاطع للعذر، هو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالنظر إلي العلم و ربما يكون ذلك إجماعا أو شاهدا من عقل).

و ربما ينسب إلي الشيخ، كما سيجئ عند نقل كلامه و كذا إلي المحقق، بل إلي إبن بابويه، بل في الوافية: (أنه لم يجد القول بالحجية صريحا ممن تقدم علي العلامة) و هو عجيب.

و أما القائلون بالاعتبار فهم مختلفون، من جهة أن المعتبر منها كل ما في الكتب الاربعة، كما يحكي عن بعض الاخباريين أيضا و تبعهم

بعض المعاصرين من الاصوليين بعد إستثناء ما كان مخالفا للمشهور، أو أن المعتبر بعضها و أن المناط في الاعتبار عمل الاصحاب كما يظهر من كلام المحقق، أو عدالة الراوي أو و ثاقته أو مجرد الظن بصدور الرواية من غير إعتبار صفة في الراوي، أو غير ذلك من الفصيلات في الاخبار.

و المقصود هنا بيان إثبات حجيته بالخصوص في الجملة في مقابل السلب الكلي.

و لنذكر، أولا، ما يمكن أن يحتج به القائلون بالمنع، ثم نعقبه بذكر أدلة الجواز فنقول:

***** [110] *****

أما حجية المانعين، فالادلة الثلاثة
أما الكتاب

فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم و التعليل المذكور في آية النباء، علي ما ذكره أمين الاسلام، من أن فيها دلالة علي عدم جواز العمل بخبر الواحد.

و أما السنة

فهي أخبار كثيرة تدل علي المنع من العمل بالخبر الغير المعلوم الصدور إلا إذا احتف بقرينة معتبرة من كتاب او سنة معلومة: مثل ما رواه في البحار عن بصائر الدرجات، عن محمد بن عيسي،

قَالَ:

(أَقْرَأَنِي دَاوُدُ بْنُ فَرْقَدٍ الْفَارِسِيُ كِتَابَهُ إِلَي أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام وَ جَوَابَهُ عليه السلام بِخَطِّهِ فكتب: نَسْأَلُكَ عَنِ الْعِلْمِ الْمَنْقُولِ إِلَيْنَا عَنْ آبَائِكَ وَ أَجْدَادِكَ صلوات الله عليهم أجمعين قَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْنَا فِيهِ كَيْفَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَي اخْتِلَافِهِ؟ … فَكَتَبَ عليه السلام بخطه: مَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَوْلُنَا فَالْزَمُوهُ وَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَرُدُّوهُ إِلَيْنَا. )

و مثله عن مستطرفات السرائر.

و الاخبار الدالة علي عدم جواز العمل بالخبر المأثور إلا إذا وجد له شاهد من كتاب الله أو من السنة المعلومة، فتدل علي المنع عن العمل بالخبر الواحد المجرد عن القرينة: مثل ما ورد في غير واحد من الاخبار أن النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، قال:

(مَا جَاءَكُمْ عَنِّي مما لَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَلَمْ أَقُلْهُ. ).

و قول أبي جعفر و أبي عبدالله عليهما السلام:

(لا يصدق علينا إلا ما يوافق كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله ).

***** [111] *****

و قوله عليه السلام :

(وَ إِذَا جَاءَكُمْ عَنَّا حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَ إِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَيْنَا حَتَّي يَسْتَبِينَ لَكُمْ)

و رواية إبن أبي يعفور قال:

(سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيهِ مَنْ نَثِقُ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِهِ)

قال: إذا ورد

عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلي الله عليه و آله فخذوا به و إلا فالذي جاء كم به أولي به) و قوله عليه السلام لمحمد بن مسلم:

(ما جاء كم من رواية من بر أو فاجر يوافق كتاب الله فخذ به و ما جاء كم من رواية بر أو فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به).

و قوله عليه السلام : (ما جاء كم من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل).

و قول أبي جعفر عليه السلام : (ما جاء كم عنا فإن وجدتموه موافقا للقرآن فخذوا به و إن لم تجدوه موافقا فردوه و إن اشتبه الامر عندكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتي نشرح من ذلك ما شرح لنا).

و قول الصادق عليه السلام :

(كُلُّ شَيْ ءٍ مَرْدُودٌ إِلَي الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ كُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ .

و صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبدالله عليه السلام : (ولا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق الكتاب و السنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد - لعنه الله دس - في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي. فاتقوا الله و لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا و سنة نبينا).

و الاخبار الواردة في طرح الاخبار المخالفة للكتاب و السنة و لو مع عدم المعارض متواترة جدا.

وجه الاستدلال بها: أن من الواضحات أن الاخبار الواردة عنهم، صلوات الله عليهم في مخالفة ظواهر الكتاب و السنة في غاية الكثرة.

و المراد من المخالفة للكتاب في تلك الاخبار الناهية عن الاخذ بمخالفة الكتاب و السنة ليست هي المخالفة علي وجه التباين الكلي بحيث يتعذر

أو يتعسر الجمع، إذ لا يصدر من الكذابين عليهم ما يباين الكتاب و السنة كلية، إذا لا يصدقهم أحد في ذلك.

فما كان يصدر عن الكذابين من الكذب لم يكن إلا نظير ما كان يرد من الائمة، صلوات الله عليهم، في مخالفة ظواهر الكتاب و السنة.

فليس المقصود من عرض ما يرد من الحديث علي الكتاب و السنة إلا عرض

***** [112] *****

ما كان منها غير معلوم الصدور عنهم و أنه إن وجد له قرينة و شاهد معتمد فهو و إلا فليتوقف فيه، لعدم إفادته العلم بنفسه و عدم إعتضاده بقرينة معتبرة.

ثم إن عدم ذكر الاجماع و دليل العقل من جملة قرائن الخبر في هذه الروايات، كما فعله الشيخ في العدة، لان مرجعهما إلي الكتاب و السنة، كما يظهر بالتأمل.

و يشير إلي ما ذكرنا، من أن المقصود من عرض الخبر علي الكتاب و السنة هو في غير معلوم الصدور، تعليل العرض في بعض الاخبار به وجود الاخبار المكذوبة في أخبار الامامية.

و أما الاجماع

فقد إدعاه السيد المرتضي، قدس سره ، في مواضع من كلامه و جعله في بعضها بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة.

و قد إعترف بذلك الشيخ، علي ما يأتي في كلامه، إلا أنه أول معقد الاجماع بإرادة الاخبار التي يرويها المخالفون.

و هو ظاهر المحكي عن الطبرسي في مجمع البيان، قال: (لا يجوز العمل بالظن عند الامامية إلا في شهادة العدلين و قيم المتلفات و أروش الجنايات)، إنتهي.

و الجواب: أما عن الآيات فبأنها، بعد تسليم دلالتها، عمومات مخصصة بما سيجئ من الادلة.

و أما [الجواب] عن الاخبار فعن الرواية الاولي فبأنها خبر واحد لا يجوز الاستدلال بها علي المنع عن الخبر الواحد.

و أما أخبار العرض

علي الكتاب، فهي و إن كانت متواترة بالمعني إلا أنها بين طائفتين، إحداهما ما دل علي طرح الخبر الذي يخالف الكتاب و الثانية ما دل علي طرح الخبر الذي لا يوافق الكتاب.

أما الطائفة الاولي، فلا تدل علي المنع عن الخبر الذي لا يوجد مضمونه في الكتاب و السنة.

فإن قلت: ما من واقعة إلا و يمكن إستفادة حكمها من عمومات الكتاب المقتصر في تخصيصها علي السنة القطعية.

مثل قوله تعالي: (خلق لكم ما في الارض جميعا).

و قوله تعالي: (إنما حرم عليكم الميتة)، إلخ.

و (كلوا مما غنمتم حلالا طيبا) و (يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم

***** [113] *****

العسر) و نحو ذلك فالاخبار المخصصة لها كلها و كثير من عمومات السنة القطعية مخالفة للكتاب و السنة.

قلت: أولا، إنه لا يعد مخالفة ظاهر العموم، خصوصا مثل هذه العمومات، مخالفة و إلا لعدت الاخبار الصادرة يقينا عن الائمة، عليهم السلام م المخالفة لعمومات الكتاب و السنة مخالفة للكتاب و السنة.

غاية الامر ثبوت الاخذ بها مع مخالفت ها بكتاب الله و سنة نبيه، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، فتخرج عن عموم أخبار العرض.

مع أن الناظر في أخبار العرض علي الكتاب و السنة يقطع بأنها تأبي عن التخصيص.

و كيف يرتكب التخصيص في قوله عليه السلام : (كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) و قوله: (ما أتاكم من حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل) و قوله عليه السلام : (لا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنا إن حدثنا حدثنا بموافقة القرآن و موافقة السنة) و قد صح عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أنه قال: (ما خالف كتاب الله فليس من حديثي، أو، لم أقله)، مع

أن أكثر عمومات الكتاب قد خصص بقول النبي صلي الله عليه و آله.

و مما يدل، علي أن المخالفة لتلك العمومات لا تعد مخالفة، لما دل من الاخبار علي بيان حكم ما لا يوجد حكمه في الكتاب و السنة النبوية، إذ بناء علي تلك العمومات لا يوجد واقعة لا يوجد حكمها فيهما.

فمن تلك الاخبار: ما عن البصائر و الاحتجاج و غيرهما مرسلة عن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم أنه قال: (ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لازم و لا عذر لكم في تركه و ما لم يكن في كتاب الله تعالي و كانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي و ما لم يكن فيه سنة مني.

فما قال أصحابي فقولوا به، فإنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم، بأيها أخذ اهتدي و بأي أقاويل أصحابي أخذتم إهتديتم و إختلاف أصحابي رحمة لكم.

قيل: يا رسول الله و من أصحابك قال: أهل بيتي)، الخبر.

فإنه صريح في أنه قد يرد من الائمة، عليهم السلام ، ما لا يوجد في الكتاب و السنة.

و منها: ما ورد في تعارض الروايتين من رد ما لا يوجد في الكتاب و السنة إلي الائمة، عليهم السلام ، مثل ما رواه في العيون عن أبي الوليد، عن سعد بن محمد بن عبدالله المسمعي، عن

***** [114] *****

الميثمي.

و فيها: (ما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما علي كتاب الله - إلي أن قال: - و ما لم يكن في الكتاب فاعرضوه علي سنن رسول الله صلي الله عليه و آله - إلي أن قال - و ما لم تجدوه في شئ من هذه فردوه إلينا علمه، فنحن أولي بذلك)، الخبر.

و الحاصل:

أن القرائن الدالة علي أن المراد بمخالفة الكتاب ليس مجرد مخالفة عمومه أو إطلاقه كثيرة تظره لمن له أدني تتبع.

و من هنا ضعف التأمل في تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الاخبار، بل منعه لاجلها، كما عن الشيخ في العدة، أو لما ذكره المحقق من أن الدليل علي وجوب العمل بخبر الواحد الاجماع علي إستعماله فيما لا يوجد فيه دلالة و مع الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به.

و ثانيا، أنا نتكلم في الاحكام التي لم يرد فيها عموم من القرآن و السنة، ككثير من أحكام المعاملات، بل العبادات التي لم ترد فيها إلا آيات مجملة أو مطلقة من الكتاب.

إذ لو سلمنا أن تخصيص العموم يعد مخالفة، أما تقييد المطلق فلا يعد في العرف مخالفة، بل هو مفسر خصوصا علي المختار من عدم كون المطلق مجازاعند التقييد.

فإن قلت: فعلي أي شئ تحمل تلك الاخبار الكثيرة الآمرة بطرح مخالف الكتاب؟ فإن حملها علي طرح مكا يباين الكتاب كلية حمل علي فرد نادر بل معدوم، فلا ينبغي لاجله هذا الاهتمام الذي عرفته في الاخبار.

قلت: هذه الاخبار علي قسمين: منها: ما يدل علي عدم صدور الخبر المخالف للكتاب و السنة عنهم، عليهم السلام و أن المخالف لهما باطل و أنه ليس بحديثهم.

و منها: ما يدل علي عدم جواز تصديق الخبر المحكي عنهم، عليهم السلام ، إذا خالف الكتاب و السنة.

أما الطائفة الاولي، فالاقرب حملها علي الاخبار الواردة في أصول الدين، مثل مسائل الغلو و الجبر و التفويض التي ورد فيها الآيات و الاخبار النبوية.

و هذه الاخبار غير موجودة في كتبنا الجوامع، لانها أخذت عن الاصول بعد تهذيبها من تلك الاخبار.

***** [115] *****

و أما الثانية، فيمكن حملها علي ما ذكر في

الاولي و يمكن حملها علي صورة تعارض الخبرين كما يشهد به مورد بعضها و يمكن حملها علي خبر غير الثقة، لما سيجئ من الادلة علي إعتبار خبر الثقة.

هذا كله في الطائفة الدالة علي طرح الاخبار المخالفة للكتاب و السنة.

و أما الطائفة الآمرة بطرح ما لا يوافق الكتاب أو لم يوجد عليه شاهد من الكتاب و السنة.

فالجواب عنها - بعد ما عرفت من القطع بصدور الاخبار الغير الموافقة لما يوجد في الكتاب منهم، عليهم السلام ، كما دل عليه روايتا الاحتجاج و العيون المتقدمتان المعتضدتان بغيرهما من الاخبار - انها محمولة علي ما تقدم في الطائفة الآمرة بطرح الاخبار المخالفة للكتاب و السنة و أن ما دل منها علي بطلان ما لم يوافق و كونه زخرفا محمول علي الاخبار الواردة في أصول الدين، مع إحتمال كون ذلك من أخبارهم الموافقة للكتاب و السنة علي الباطن الذي يعلمونه منها و لهذا كانوا يستشهدون كثيرا بآيات لا نفهم دلالتها و ما دل علي عدم جواز تصديق الخبر الذي لا يوجد عليه شاهد من كتاب الله علي خبر غير الثقة أو صورة التعارض، كما هو ظار غير و احد من الاخبار العلاجية.

ثم إن الاخبار المذكورة علي فرض تسليم دلالتها و إن كانت كثيرة إلا أنها لا تقاوم الادلة الاتية، فإنها موجبة للقطع بحجية خبر الثقة، فلا بد من مخالفة الظاهر في هذه الاخبار.

و أما الجواب عن الاجماع: الذي إدعاه السيد و الطبرسي، قدس سره ما، فبأنه لم يتحقق لنا هذا الاجماع.

و الاعتماد علي نقله تعويل علي خبر الواحد، مع معارضته بما سيجئ من دعوي الشيخ المعتضده بدعوي جماعة أخري الاجماع عليه حجية خبر الواحد في الجملة و تحقق الشهرة

علي خلافها بين القدماء و المتأخرين.

و أما نسبة بعض العامة، كالحاجبي و العضدي، عدم الحجية إلي الرافضة، فمستندة إلي ما رأوا من السيد من دعوي الاجماع بل ضرورة المذهب علي كون خبر الواحد كالقياس عند الشيعة.

***** [116] *****

و أما المجوزون، فقد إستدلوا علي حجيته بالادلة الاربعة
أما الكتاب، فقد ذكروا منه آيات إدعوا دلالتها

منها: قوله تعالي في سورة الحجرات: (يا أيها الذين آمنوا إن جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين).

و المحكي في وجه الاستدلال بها وجهان: أحدهما: أنه سبحانه علق وجوب التثبت علي مجئ الفاسق فينتفي عند إنتفائه عملا بمفهوم الشرط.

و اذا لم يجب التثبت عند مجئ غير الفاسق، فاما أن يجب القبول و هو المطلوب، أو الرد و هو باطل، لانه يقتضي كون العادل أسوء حالا من الفاسق و فساده بين.

الثاني: أنه تعالي أمر بالتثبت عند إخبار الفاسق.

و قد إجتمع فيه وصفان، ذاتي و هو كونه خبر واحد و عرضي و هو كونه خبر فاسق.

و مقتضي التثبت هو الثاني، للمناسبة و الاقتران، فإن الفسق يناسب عدم القبول، فلا يصلح الاول للعلية و إلا لوجب الاستناد إليه.

إذ التعليل بالذاتي الصالح للعلية أولي من التعليل بالعرضي، لحصوله قبل حصول العرضي، فيكون الحكم قد حصل قبل حصول العرضي.

و إذا لم يجب التثبت عند إخبار العدل، فإما أن يجب القبول و هو المطلوب، أو الرد، فيكون حاله أسوء من حال الفاسق و هو محال.

أقول: الظاهر أن أخذهم للمقدمة الاخيرة - و هي أنه إذا لم يجب التثبت وجب القبول، لان الرد مستلزم لكون العادل أسوء حالا من الفاسق - مبني عي ما يتراء ي من ظهور الامر بالتبين في الوجوب النفسي، فيكون هنا أمور ثلاثة، الفحص عن الصدق و الكذب و الرد من دون تبين

و القبول

***** [117] *****

كذلك. لكنك خبير بأن الامر بالتبين هنا مسوق لبيان الوجوب الشرطي و أن التبين شرط للعمل بخبر الفاسق دونالعادل.

فالعمل بخبر العادل غير مشروط بالتبين، فيتم المطلوب من دون ضم مقدمة خارجية و هي كون العادل أسوء حالا من الفاسق.

و الدليل علي كون الامر التبين للوجوب الشرطي لا النفسي - مضافا إلي أنه المتبادر عرفا في أمثال المقام و إلي أن الاجماع قائم علي عدم ثبوت الوجوب النفسي للتبين في خبر الفاسق و إنما أوجبه من أوجبه عند إرادة العمل به، لا مطلقا - هو أن التعليل في الاية بقوله تعالي: (أن تصيبوا)، لا يصلح أن يكون تعليلا للوجوب النفسي، لان حاصله يرجع إلي أنه: (لئلا تصيبوا قوما بجهالة بمقتضي العمل بخبر الفاسق فتندموا علي فعلكم بعد تبين الخلاف).

و من المعلوم أن هذا لا يصلح إلا علة لحرمة العمل بدون التبين.

فهذا هو المعلول و مفهومه جواز العمل بخبر العادل من دون تبين.

مع أن في الاسوئية المذكورة في كلام الجماعة، بناء علي كون وجوب التبين نفسيا، ما لا يخفي، لان الاية علي هذا ساكتة عن حكم العمل بخبر الواحد قبل التبين و بعده، فيجوز إشتراك الفاسق و العادل في عدم جواز العمل قبل التبين، كما أنهما يشتركان قطعا في جواز العمل بعد التبين و العلم بالصدق، لان العمل حينئذ بمقتضي التبين لا بإعتبار الخبر.

فاختصاص الفاسق بوجوب التعرض بخبره و التفتيش عنه دون العادل لا يستلزم كون العادل أسوء حال، بل مستلزم لمزية كاملة للعادل علي الفاسق، فتأمل.

* * *

و كيف كان، فقد أورد علي الآية إيرادات كثيرة ربما تبلغ إلي نيف و عشرين، إلا أن كثيرا منها قابلة للدفع، فلنذكر، أولا ما لا يمكن

الذب عنه، ثم نتبعه بذكر بعض ما أورد من الايرادات القابلة للدفع.

أما ما لا يمكن الذب عنه فايرادان أحدهما: أن الاستدلال إن كان راجعا إلي إعتبار مفهوم الوصف أعني الفسق، ففيه: أن المحقق في محله عدم إعتبار المفهوم في الوصف، خصوصا في الوصف الغير المعتمد علي موصوف محقق، كما

***** [118] *****

فيما نحن فيه، فإنه أشبه بمفهوم اللقب.

و لعل هذا مراد من أجاب عن الآية، كالسيدين و أمين الاسلام و المحقق و العلامة و غيرهم، بأن هذا الاستدلال مبني علي دلايل الخطاب و لانقول به.

و إن كان بإعتبار مفهوم الشرط، كما يظهر من المعالم و المحكي عن جماعة، ففيه: أن مفهوم الشرط عدم مجئ الفاسق بالنبأ و عدم التبين هنا لاجل عدم ما يتبين.

فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق الموضوع، كما في قول القائل: إن رزقت ولدا فاختنه و إن ركب زيد فخذ ركابه و إن قدم من السفر فاستقبله و إن تزوجت فلا تضيع حقك زوجتك و إذا قرأت الدرس فاحفظه.

قال الله سبحانه: و (إذا قرء القرآن فاستمعوا له و أنصتوا)، و: (إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)، إلي غير ذلك مما لا يحصي.

و مما ذكرنا ظهر فساد ما يقال: تارة إن عدم مجئ الفاسق يشمل ما لو جاء العادل بنبأ فلا يجب تبينه فيثبت المطلوب و أخري إن جعل مدلول الاية هو عدم وجوب التبين في خبر الفاسق لاجل عدمه، يوجب حمل السالبة علي المنتفية بإنتفاء الموضوع و هو خلاف الظاهر.

وجه الفساد:

أن الحكم إذا ثبت لخبر الفاسق بشرط مجئ الفاسق به كان المفهوم بحسب الدلالة العرفية أو العقلية إنتفاء الحكم المذكور في المنطوق عن الموضوع المذكور فيه عند إنتفاء الشرط المذكور فيه.

ففرض

مجئ العادل بنبأ عند عدم الشرط - و هو مجئ الفاسق بالنبأ - لا يوجب إنتفاء التبين عن خبر العادل الذي جاء به، لانه لم يكن مثبتا في المنطوق حتي ينفي في المفهوم.

فالمفهوم في الاية أمثالها ليس قابلا لغير السالبة بإنتفاء الموضوع و ليس هنا قضية لفظية سالبة دار الامر بين كون سلبها لسلب المحمول عن الموضوع الموجود أو لانتفاء الموضوع.

الثاني: ما أورده، في محكي العدة و الذريعة و الغنية و مجمع البيان و المعارج و غيرها، من أنا لو سلمنا دلالة المفهوم علي قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم، لكن نقول: إن مقتضي عموم التعليل وجوب التبين في كل خبر لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به و إن كان المخبر عادلا، فيعارض المفهوم و الترجيح مع ظهور التعليل.

لا يقال إن النسبة بينهما و إن كان عموما من وجه، فتعارضان في مادة الاجتماع و هي خبر العادل الغير المفيد للعلم، لكن يجب تقديم عموم المفهوم و إدخال مادة الاجتماع فيه، إذ لو خرج عنه و انحصر مورده في خبر العادل المفيد للعلم كان لغوا، لان خبر الفاسق المفيد للعلم أيضا واجب

***** [119] *****

العمل، بل الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق و المفهوم معا، فيكون المفهوم أخص مطلقا من عموم التعليل.

لانا نقول: ما ذكره أخيرا من أن المفهوم أخص مطلقا من عموم التعليل مسلم، إلا أنا ندعي التعارض بين ظهور عموم التعليل في عدم جواز العمل بخبر العادل الغير العلمي و ظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في ثبوت المفهوم.

فطرح المفهوم و الحكم بخلو الجملة الشرطية عن المفهوم أولي من إرتكاب التخصيص في التعليل.

و إليه أشار في محكي العدة بقوله: (لا نمنع ترك دليل الخطاب

لدليل و التعليل دليل).

و ليس في ذلك منافاة لما هو الحق و عليه الاكثر، من جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة، لاختصاص ذلك أولا بالمخصص المنفصل.

و لو سلم جريانه في الكلام الواحد منعناه في العلة و المعلول، فإن الظاهر عند العرف أن المعلول يتبع العلة في العموم و الخصوص. فالعلة تارة تخصص مورد المعلول و إن كان عاما بحسب اللفظ.

كما في قول القائل: (لا تأكل الرمان لانه حامض)، فيخصصه بالافراد الحامضة.

فيكون عدم التقييد في الرمان لغلبة الحموضة فيه.

و قد توجب عموم المعلول و إن كان بحسب الدلالة اللفظية خاصا، كما في قولن القائل: (لا تشرب الادوية التي يصفها لك النسوان، أو إذا وصفت لك إمرأه دواء فلا تشربه، لانك لا تأمن ضرره).

فيدل علي أن الحكم عام في كل دواء لا يؤمن ضرره من أي واصف كان و يكون تخصيص النسوان بالذكر من بين الجهال لنكتة خاصة أو عامة لاحظها المتكلم.

و ما نحن فيه من هذا القبيل، فلعل النكتة فيه التنبيه علي فسق الوليد، كما نبه عليه في المعارج.

و هذا الايراد مبني علي أن المراد بالتبين هو التبين العلمي كما هو متقضي إشتقاقه.

و يمكن أن يقال: إن المراد منه ما يعم الظهور العرفي الحاصل من الاطمينان الذي هو مقابل الجهالة.

و هذا و إن كان يدفع الايراد المذكور عن المفهوم - من حيث رجوع الفرق بين الفاسق و العادل في وجوب التبين إلي أن العادل الواقعي يحصل منه غالبا الاطمينان المذكور بخلاف

***** [120] *****

الفاسق، فلهذا وجب فيه تحصيل الاطمينان من الخارج - لكنك خبير بأن الاستدلال بالمفهوم علي حجية الخبر العادل المفيد للاطمينان غير محتاج إليه، إذ المنطوق علي هذا التقرير يدل علي حجية كل ما يفيد الاطمينان،

كما لا يخفي، فيثبت إعتبار مرتبة خاصة من مطلق الظن.

ثم إن المحكي عن بعض منع دلالة التعليل علي عدم جواز الاقدام علي ما هو مخالف للواقع: بأن المراد بالجهالة السفهاة و فعل ما لا يجوز فعله، لا مقابل العلم، بدليل قوله تعالي: (فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين).

و لو كان المراد الغلط في الاعتقاد لما جاز الاعتماد علي الشهادة و الفتوي.

و فيه، مضافا إلي كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة: أن الاقدام علي مقتضي قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا، إذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون علي الامور من دون وثوق بخبر المخبر بها فالاية تدل علي المنع عن العمل بغير العلم، لعلة هي كونه في معرض المخالفة للواقع.

و أما جواز الاعتماد علي الفتوي و الشهادة، فلا يجوز القياس بها، لما تقدم في توجيه كلام إبن قبة، من أن الاقدام علي ما فيه مخالفة الواقع أحيانا: قد يحسن لاجل الاضطرار إليه و عدم وجود الاقرب إلي الواقع منه، كما في الفتوي و قد يكون لاجل مصلحة تزيد علي مصلحة إدراك الواقع، فراجع.

فالاولي لمن يريد التفصي عن هذا الايراد التشبث بما ذكرنا، من أن المراد بالتبين تحصيل الاطمينان و بالجهالة الشك أو الظن الابتدائي الزائل بعد الدقة و التأمل، فتأمل.

ففيها إرشاد إلي عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره و إن حصل منه الاطمينان، لان الاطمينان الحاصل من الفاسق يزول بالالتفات إلي فسقه و عدم مبالاته بالمعصية و إن كان متحرزا عن الكذب.

و منه: يظهر الجواب عما ربما يقال من: أن العاقل لا يقبل الخبر من دون إطمينان بمضمونه، عادلا كان المخبر أو فاسقا. فلا وجه للامر بتحصيل الاطمينان في الفاسق.

و أما ما أورد علي الاية بما هوقابل

للذب عنه فكثير منها: معارضة مفهوم الاية بالايات الناهية عن العمل بغير العلم و النسبة عموم من وجه، فالمرجع إلي أصالة عدم الحجية.

و فيه: أن المراد بالنبأ في المنطوق ما لا يعلم صدقه و لا كذبه.

فالمفهوم أخص مطلقا من تلك الايات فيتعين تخصيصها، بناء علي ما تقرر، من أن ظهور الجملة الشرطية في المفهوم أقوي من ظهور العام في العموم.

و أما منع ذلك فيما تقدم من التعارض بين عموم التعليل و ظهور المفهوم، فلما

***** [121] *****

عرفت من منع ظهور الجملة الشرطية المعللة بالتعليل الجاري في صورتي وجود الشرط و إنتفائه في إفادة الانتفاء عند الانتفاء، فراجع.

و ربما يتوهم:

أن للايات الناهية جهة خصوص، إما من جهة إختصاصها بصورة التمكن من العلم و إما من جهة اختصاصها بغير البينة العادلة و أمثالها مما خرج عن تلك الايات قطعا.

و يندفع:

1) - الاول، بعد منع الاختصاص، بأنه يكفي المستدل كون الخبر حجة بالخصوص عند الانسداد.

2) – و الثاني بأن خروج ما خرج من أدلة حرمة العمل بالظن لا يوجب جهة عموم في المفهوم، لان المفهوم أيضا دليل خاص، مثل الخاص الذي خصص أدلة حرمة العمل بالظن، فلا يجوز تخصيص العام بأحدهما أولا ثم ملاحظة النسبة بين العام بعد ذلك التخصيص و بين الخاص الاخير.

فإذا ورد:

(أكرم العلماء)، ثم قام الدليل علي عدم وجوب إكرام جماعة من فساقهم، ثم ورد دليل ثالث علي عدم وجوب إكرام مطلق الفساق منهم، فلا مجال لتوهم تخصيص العام بالخاص الاول أولا، ثم جعل النسبة بينه و بين الخاص الثاني عموما من وجه و هذا أمر واضح نبهنا عليه في (باب التعارض).

و منها: أن مفهوم الاية لو دل علي حجية خبر العادل لدل علي حجية الاجماع

الذي أخبر به السيد المرتضي و أتباعه، قدست أسرارهم، من عدم حجية خبر العادل، لانهم عدول أخبروا بحكم الامام، عليه السلام ، بعدم حجية الخبر.

و فساد هذا الايراد أوضح من أن يبين، إذ بعد الغض عما ذكرنا سابقا في عدم شمول اية النبأ للاجماع المنقول و بعد الغض عن أن إخبار هؤلاء معارض بإخبار الشيخ، قدس سره ، نقول: إنه لا يمكن دخول هذا الخبر تحت الاية.

(1) - أما أولا، فلان دخوله يسلتزم خروجه، لانه خبر العادل فيستحيل دخوله.

و دعوي أنه لا يعم نفسه مدفوعة بأنه و إن لا يعم نفسه، لقصور دلالة اللفظ عليه، إلا أنه يعلم أن الحكم ثابت لهذا الفرد أيضا، للعلم بعدم خصوصية مخرجة له عن الحكم.

و لذا لو سألنا السيد عن أنه إذا ثبت إجماعك لنا بخبر واحد هل يجوز الاتكال عليه، فيقول: لا.

(2) - و أما ثانيا، فلو سلمنا جواز دخوله، لكن نقول إنه وقع الاجماع علي خروجه من النافين بحجية الخبر و من المثبتين، فتأمل.

(3) - و أما ثالثا، فلدوران الامر بين دخوله و خروج ما عداه و بين العكس و لا ريب أن العكس

***** [122] *****

متعين، لا مجرد قبح إنتهاء التخصيص إلي الواحد، بل لان المقصود من الكلام حينئذ ينحصر في بيان عدم حجية خبر العادل.

و لا ريب أن التعبير عن هذا المقصود بما يدل علي عموم حجية خبر العادل قبيح في الغاية و فضيح إلي النهاية.

كما يعلم من قول القائل: (صدق زيدا في جميع ما يخبرك)، فأخبرك زيد بألف من الاخبار، ثم أخبر بكذب جميعها، فأراد القائل من قوله: (صدق، إلخ) خصوص هذا الخبر.

و قد أجاب بعض من لا تحصيل له: بأن الاجماع المنقول مظنون الاعتبار

و ظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار.

و منها: أن الاية لا تشمل الاخبار مع الواسطة لانصراف النبأ إلي الخبر بلا واسطة، فلا يعم الروايات المأثورة عن الائمة، عليهم السلام ، لاشتمالها علي و سائط.

و ضعف هذا الايراد علي ظاهره واضح، لان كل واسطة من الوسائط إنما يخبر خبرا بلا واسطة، فإن الشيخ، قدس سره ، إذا قال: (حدثني المفيد، قال: حدثني الصدوق، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الصفار، قال: كتبت إلي العسكري، عليه السلام ، بكذا)، فإن هناك أخبارا متعددة بتعدد الوسائط.

فخبر الشيخ قوله (حدثني المفيد، إلخ) و هذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه.

فإذا حكم بصدقه و ثبت شرعا أن المفيد حدث الشيخ بقوله (حدثني الصدوق)، فهذا الاخبار - أعني قول المفيد الثابت بخبر الشيخ: (حدثني الصدوق) أيضا خبر عادل و هو المفيد، فنحكم بصدقه و أن الصدوق حدثه.

فيكون كما لو سمعنا من الصدوق إخباره بقوله (حدثني أبي) و الصدوق عادل فيصدق في خبره.

فيكون كما لو سمعنا أباه يحدث بقول: (حدثني الصفار)، فنصدقه لانه عادل، فيثبت خبر الصفار أنه كتب إليه العسكري، عليه السلام.

و إذا كان الصفار عادلا وجب تصديقه و الحكم بأن العسكري، عليه السلام ، كتب إليه ذلك القول، كما لو شاهدنا الامام عليه السلام يكتب إليه، فيكون المكتوب حجة، فيثبت بخبر كل لاحق أخبار سابقه.

و لهذا يعتبر العدالة في جميع الطبقات، لان كل واسطة مخبر بخبر مستقل هذا.

و لكن قد يشكل الامر: بأن - الاية انما تدل علي وجوب تصديق كل مخبر و معني وجوب تصديقه ليس الا ترتيب الاثار الشرعية المترتبة علي صدقه عليه، فاذا قال المخبر: ان زيدا عدل، فمعني وجوب تصديقه وجوب ترتيب الاثار الشرعية المترتبة علي عدالة زيد من جواز

الاقتداء به و قبول شهادته و اذا قال المخبر: أخبرني عمرو أن زيدا عادل، فمعني تصديق المخبر علي ما عرفت وجوب ترتيب الاثار الشرعية المترتبة علي اخبار عمرو بعدالة زيد و من الاثار الشرعية المترتبة علي اخبار عمرو بعدالة زيد اذا كان عادلا و ان كان هو وجوب تصديقه في عدالة زيد الا ان هذا الحكم الشرعي لاخبار عمرو انما حدث بهذه الاية و ليس من الاثار الشرعية الثابتة للمخبر به مع قطع النظر عن الاية حتي يحكم بمقتضي الاية بترتيبه علي اخبار عمرو به.

و الحاصل أن الاية تدل علي ترتيب الاثار الشرعية الثابتة للمخبر به الواقعي علي اخبار العادل و من المعلوم أن المراد من الاثار غير هذا الاثر الشرعي الثابت بنفس الاية، فاللازم علي هذا دلالة الاية علي ترتيب جميع آثار المخبر به علي الخبر، الا الاثر الشرعي الثابت بهذه الاية للمخبر به اذا كان خبرا.

و بعبارة: اخري: الاية لاتدل علي وجوب قبول الخبر الذي لم يثبت موضوع الخبرية له الا بدلالة الاية علي وجوب قبول الخبر، لان الحكم لايشمل الفرد الذي يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد آخر.

و من هنا يتجه أن يقال ان أدلة قبول الشهادة لاتشمل الشهادة علي الشهادة، لان الاصل لايدخل في موضوع الشاهد الا بعد قبول شهادة الفرع.

- ما يحكيه الشيخ عن المفيد صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق، فكيف يصير موضوعا لوجوب التصديق الذي لم يثبت موضوع الخبرية إلا به.

و لكن يضعف هذا الاشكال، أولا، بإنتقاضه بورود مثله في نظيره الثابت بالاجماع، كالاقرار بالاقرار، فتأمل و إخبار العادل بعدالة مخبر، فإن الاية تشمل الاخبار بالعدالة بغير إشكال و عدم قبول الشهادة علي الشهادة لو سلم ليس من

هذه الجهة.

- و ثانيا، بالحل: و هو أن الممتنع هو توقف فردية بعض أفراد العام علي اثبات الحكم لبعضها الاخر، كما في قول القائل: كل خبري صادق أو كاذب، أما توقف العلم ببعض الافراد و انكشاف فرديته علي ثبوت الحكم لبعضها الاخر كما فيما نحن فيه، فلا مانع منه.

***** [123] *****

- و ثانيا، بأن عدم قابلية اللفظ العام لان يدخل فيه الموضوع الذي لا يتحقق و لا يوجد إلا بعد ثبوت حكم هذا العام لفرد آخر، لا يوجب التوقف في الحكم إذا علم المناط الملحوظ في الحكم العام و أن المتكلم لم يلاحظ موضوعا دون آخر.

فيثبت الحكم لذلك الموضوع الموجود بعد تحقق الحكم و إن لم يكن كلام المتكلم قابلا لارادة ذلك الموضوع الغير الثابت إلا بعد الحكم العام.

فاخبار عمرو بعدالة زيد فيما لو قال المخبر: أخبرني عمرو بأن زيدا عادل و إن لم يكن داخلا في موضوع ذلك الحكم العام و إلا لزم تأخر الموضوع عن الحكم الا أنه معلوم أن هذا الخروج مستند ألي قصور العبارة و عدم قابليتها لشموله، لا للفرق بينه و بين غيره في نظر المتكلم حتي يتأمل في شمول حكم العام له، بل لا قصور في العبارة بعد ما فهم منها أن هذا المحمول وصف لازم لطبيعة الموضوع و لا ينفك عن مصاديقه.

فهو مثل ما لو أخبر زيد بعض عبيد المولي بأنه قال: لا تعمل باخبار زيد، فإنه لا يجوز أن يعمل به و لو إتكالا علي دليل عام يدل علي الجواز و يقول إن هذا العام لا يشمل نفسه، لان عدم شموله له ليس إلا لقصور اللفظ و عدم قابليته للشمول، لا لتفاوت بينه و بين غيره من

إخبار زيد في نظر المولي.

و قد تقدم في الايراد الثاني من هذه الايرادات ما يوضح لك، فراجع.

و منها: أن العمل بالمفهوم في الاحكام الشرعية غير ممكن، لوجوب التفحص عن المعارض لخبر العدل في الاحكام الشرعية، فيجب تنزيل الاية علي الاخبار في الموضوعات الخارجية، فإنها هي التي لا يجب التفحص فيها عن المعارض و يجعل المراد من القبول فيها هو القبول في الجملة، فلا ينافي إعتبار إنضمام عدل آخر إليه.

فلا يقال: إن قبول خبر الواحد في الموضوعات الخارجية مطلقا يستلزم قبوله في الاحكام بالاجماع المركب و الاولوية.

و فيه: أن وجوب التفحص عن المعارض غير وجوب التبين في الخبر، فإن الاول يؤكد حجية خبر العادل و لا ينافيها، لان مرجع التفحص عن المعارض إلي الفحص عما أوجب الشارع العمل به، كما أوجب العمل بهذا.

و التبين المنافي للحجية هو التوقف عن العمل و إلتماس دليل آخر، فيكون ذلك الدليل هو المتبع و لو كان أصلا من الاصول. فإذا يئس عن المعارض عمل بهذا الخبر و إذا وجده أخذ بالارجح منهما و إذا يئس عن التبين توقف عن العمل و رجع إلي ما يقتضيه الاصول العملية.

فخبر الفاسق و إن إشترك مع خبر العادل في عدم جواز العمل بمجرد المجئ إلا أنه بعد اليأس عن وجود المنافي يعمل بالثاني دون الاول.

و مع وجدان المنافي يوخذ به في الاول و يؤخذ بالارجح في الثاني، فتتبع الادلة في الاول لتحصيل المقتضي الشرعي للحكم الي تضمنه خبر الفاسق و في الثاني لطلب المانع عما اقتضاه الدليل الموجود.

***** [124] *****

و منها: أن مفهوم الاية غير معلول به في الموضوعات الخارجية التي منها مورد الاية و هو إخبار الوليد بإرتداد طائفة.

و من المعلوم أنه لا

يكفي فيه خبر العادل الواحد، بل لا أقل من إعتبار العدلين، فلا بد من طرح المفهوم، لعدم جواز إخراج المورد.

و فيه: أن غاية الامر لزوم تقيد المفهوم بالنسبة إلي الموضوعات بما إذا تعدد المخبر العادل.

فكل واحد من خبري العدلين في البينة لا يجب التبين فيه.

و أما لزوم إخراج المورد فممنوع، لان المورد داخل في منطوق الاية لا مفهومها و جعل أصل خبر الارتداد موردا للحكم بوجوب التبين إذا كان المخبر به فاسقا و لعدمه إذا كان المخبر به عادلا، لا يلزم منه إلا تقييد الحكم في طرف المفهوم و إخراج بعض أفراده و هذا ليس من إخراج المورد المستهجن في شئ.

و منها: ما عن غاية البادي، من أن المفهوم يدل علي عدم وجوب التبين و هو لا يستلزم العمل، لجواز وجوب التوقف.

و كأن هذا الايراد مبني علي ما تقدم فساده من إرادة وجوب التبين نفسيا و قد عرفت ضعفه و أن المراد وجوب التبين لاجل العمل عند إرادته و ليس التوقف حينئذ واسطة.

و منها: أن المسألة أصولية، فلا يكتفي فيها بالظن.

و فيه: أن الظهور اللفظي لا بأس بالتمسك به في أصول الفقه و الاصول التي لا يتمسك لها بالظن مطلقا هو أصول الدين لا أصول الفقه و الظن الذي لا يتمسك به في الاصول مطلقا هو مطلق الظن، لا الظن الخاص.

و منها: أن المراد بالفاسق مطلق الخارج عن طاعه الله و لو بالصغائر.

فكل من كان كذلك أو احتمل في حقه ذلك وجب التبين في خبره و غيره ممن يفيد قوله العلم، لانحصاره في المعصوم و من هو دونه.

فيكون في تعليق الحكم بالفسق إشارة إلي أن مطلق خبر المخبر غير المعصوم لا عبرة به، لاحتمال فسقه،

لان المراد الفاسق الواقعي لا المعلوم.

فهذا وجه آخر لافادة الاية حرمة إتباع غير العلم، لا يحتاج معه إلي التمسك في ذلك بتعليل الاية، كما تقدم في الايراد الثاني من الايرادين الاولين.

و فيه: أن إرادة مطلق الخارج عن طاعة الله من إطلاق الفاسق خلاف الظاهر عرفا، فالمراد به إما الكافر، كما هو الشائع إطلاقه في الكتاب، حيث أنه يطلق غالبا في مقابل المؤمن.

و أما الخارج

***** [125] *****

عن طاعة الله بالمعاصي الكبيرة الثابتة تحريمها في زمان نزول هذه الاية.

فالمرتكب للصغيرة غير داخل تحت إطلاق الفاسق في عرفنا المطابق للعرف السابق، مضافا إلي قوله تعالي: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم).

مع أنه يمكن فرض الخلو عن الصغيرة و الكبيرة. كما إذا علم منه التوبة من الذنب السابق.

و به يندفع الايراد المذكور، حتي علي مذهب من يجعل كل ذنب كبيرة.

و أما إحتمال فسقه بهذا الخبر لكذبه فيه فهو غير قادح، لان ظاهر قوله: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ)، تحقق الفسق قبل النبأ، لا به، فالمفهوم يدل علي قبول خبر من ليس فاسقا مع قطع النظر عن هذا النبأ و احتمال فسقه به.

هذه جملة مما أوردوه علي ظاهر الاية و قد عرفت أن الوارد منها إيرادان و العمدة الايراد الاول الذي أورده جماعة من القدماء و المتأخرين.

ثم إنه استدل بمفهوم الاية علي حجية خبر العادل، كذلك قد يستدل بمنطوقها علي حجية خبر غير العادل إذا حصل الظن بصدقه، بناء علي أن المراد بالتبين ما يعم تحصيل الظن.

فإذا حصل من الخارج ظن بصدق خبر الفاسق كفي في العمل به.

و من التبين الظني تحصيل شهرة العلماء علي العمل بالخبر او علي مضمونه أو علي روايته.

و من هنا تمسك بعض بمنطوق

الاية علي حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة.

و في حكم الشهرة أمارة أخري غير معتبرة.

و لو عمم التبين للتبين الاجمالي - و هو تحصيل الظن بصدق مخبره - دخل خبر الفاسق المتحرز عن الكذب، فيدخل الموثق و شبهه بل الحسن أيضا.

و علي ما ذكر فيثبت من آية النبا، منطوقا و مفهوما، حجية الاقسام الاربعة للخبر الصحيح و الحسن و الموثق و الضعيف المحفوف بقرينة ظنية و لكن فيه من الاشكال ما لا يخفي، لان التبين ظاهر في العلمي.

كيف و لو كان المراد مجرد الظن لكان الامر به في خبر الفاسق لغوا، إذ العاقل لا يعمل بخبر إلا بعد رجحان صدقه علي كذبه، إلا أن يدفع اللغوية بما ذكرنا سابقا، من أن المقصود التنبيه و الارشاد علي أن الفاسق لا ينبغي أن

***** [126] *****

يعتمد عليه و أنه لا يؤمن من كذبه و إن كان المظنون صدقه.

و كيف كان، فمادة التبين و لفظ الجهالة و ظاهر التعليل كلها آبية من إرادة مجرد الظن.

نعم يمكن دعوي صدقه علي الاطمينان الخارج عن التحير و التزلزل بحيث لا يعد في العرف العمل به تعريضا للوقوع في الندم. فحينئذ لا يبعد إنجبار خبر الفاسق به.

لكن لو قلنا بظهور المنطوق في ذلك كان دالا علي حجية الظن الاطميناني المذكور و إن لم يكن معه خبر فاسق نظرا إلي أن الظاهر من الاية أن خبر الفاسق وجوده كعدمه و أنه لا بد من تبين الامر من الخارج و العمل علي ما يقتضيه التبين الخارجي.

نعم ربما يكون نفس الخبر من الامارات التي يحصل من مجموعها التبين.

فالمقصود الحذر عن الوقوع في مخالفة الواقع.

فكلما حصل الامن منه جاز العمل، فلا فرق حينئذ بين خبر الفاسق المعتضد بالشهرة

إذا حصل الاطمينان بصدقه و بين الشهرة المجردة إذا حصل الاطمينان بصدق مضمونها.

و الحاصل: أن الاية تدل علي أن العمل يعتبر فيه التبين من دون مدخلية لوجود خبر الفاسق و عدمه، سواء قلنا بأن المراد منه العلم أو الاطمينان أو مطلق الظن.

حتي أن من قال بأن خبر الفاسق يكفي فيه مجرد الظن بمضمونه بحسن أو توثيق أو غيرهما من صفات الراوي، فلازمه القول بدلالة الاية علي حجية مطلق الظن بالحكم الشرعي و إن لم يكن معه خبر أصلا، فافهم و اغتنم و استقم، هذا.

و لكن لا يخفي أن حمل التبين علي تحصيل مطلق الظن أو الاطمينان يوجب خروج مورد المنطوق و هو الاخبار بالارتداد.

و من جملة الايات: قوله تعالي في سورة البراءة: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

دلت علي وجوب الحذر عند إنذار المنذرين من دون إعتبار إفادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة، فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد. أما وجوب الحذر، فمن وجهين.

***** [127] *****

(1) - أحدهما: أن لفظة (لعل) بعد إنسلاخها عن معني الترجي ظاهرة في كون مدخولها محبوبا للمتكلم.

و إذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه، إما لما ذكره في المعالم، من أنه لا معني لندب الحذر، إذ مع قيام المقتضي يجب و مع عدمه لا يحسن و إما لان رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالاجماع المركب، لان كل من أجازه فقد أوجبه.

(2) - الثاني: أن ظاهر الاية وجوب الانذار، لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضي كلمة (لو لا)، فإذا وجب الانذار أفاد وجوب الحذر لوجهين.

(2 - 1) - أحدهما وقوعه غاية للواجب، فإن الغاية المترتبة علي فعل الواجب مما لا

يرضي الآمر بإنتفائه، سواء كان من الافعال المتعلقة للتكليف أم لا، كما في قولك: (تب لعلك تفلح و أسلم لعلك تدخل الجنة) و قوله تعالي: (لعله يتذكر).

(2 - 2) - الثاني أنه إذا وجب الانذار ثبت وجوب القبول و إلا لغي الانذار.

و نظير ذلك ما تمسك به في المسالك علي وجوب قبول قول المرأة و تصديقها في العدة، من قوله تعالي: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)، فاستدل بتحريم الكتمان و وجوب الاظهار عليهن علي قبول قولهن بالنسبة إلي ما في الارحام.

فإن قلت: المراد بالنفر النفر إلي الجهاد، كما يظهر من صدر الاية و هو قوله تعالي: (وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) و من المعلوم أن النفر إلي الجهاد ليس للتفقه و الانذار، نعم ربما يترتبان عليه، بناء علي ما قيل، من أن المراد حصول البصيرة في الدين من مشاهدة آيات الله و ظهور أوليائه علي أعدائه وسائل ما يتفق في حرب المسلمين مع الكفار من آيات عظمة الله و حكمته، فيخبروا بذلك عند رجوعهم إلي الفرقة المتخلفة الباقية في المدينة.

فالتفقه و الانذار من قبيل الفائدة لا الغاية حتي تجب بوجوب ذيها.

قلت:

(1) - أولا، إنه ليس في صدر الاية دلالة علي أن المراد النفر إلي الجهاد و ذكر الاية في آيات الجهاد لا يدل علي ذلك.

(2) - و ثانيا، لو سلم أن المراد النفر إلي الجهاد، لكن لا يتعين أن يكون النفر من كل قوم طائفة لاجل مجرد الجهاد، بل لو كان لمحض الجهاد لم يتعين أن ينفر من كل قوم طائفة، فيمكن أن يكون التفقه غاية لايجاب النفر علي كل طائفة من كل قوم، لا لايجاب أصل النفر.

***** [128]

*****

(3) - و ثالثا، إنه فسر الاية بأن المراد نهي المؤمنين عن نفر جميعهم إلي الجهاد، كما يظهر من قوله: (وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) و أمر بعضهم بأن يتخلفوا عند النبي، صلي الله عليه و آله و لا يخلوه وحده، فيتعلموا مسائل حلالهم و حرامهم حتي ينذروا قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم.

و الحاصل: أن ظهور الاية في وجوب التفقه و الانذار مما لا ينكر، فلا محيص عن حمل الاية عليه و إن لزم مخالفة الظاهر في سياق الاية أو بعض ألفاظها.

* * *

و مما يدل علي ظهور الاية في وجوب التفقه و الانذار إستشهاد الامام بها علي وجوبه في أخبار كثيرة.

منها: ما عن الفضل بن شاذان في علله عن الرضا، عليه السلام ، في حديث، قال: (إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلي الله و طلب الزيادة و الخروج عن كل ما اقترف العبد - إلي أن قال: - و لاجل ما فيه من التفقه و نقل اخبار الائمة، عليهم السلام ، إلي كل صفح و ناحية.

كما قال الله عز و جل: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة، الاية).

و منها: ما ذكره في ديباجة المعالم، من رواية علي بن حمزة، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: تفقهوا في الدين، فإن من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي، إن الله عز و جل يقول: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

و منها: ما رواه في الكافي، في باب ما يجب علي الناس عند مضي.

الامام، عليه السلام ، عن صحيحة يعقوب بن شعيب: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :

إِذَا حَدَثَ عَلَي الْإِمَامِ حَدَثٌ كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ؟

قَالَ:

… هُمْ فِي عُذْرٍ

مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ وَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتَّي يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ.

و منها: صحيحة عبدالاعلي قال: (سألت أبا عبدالله، عليه السلام ، عن قول العامة إن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، قال: مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة.

قال: حق والله.

قُلْتُ فَإِنَّ إِمَاماً هَلَكَ وَ رَجُلٌ بِخُرَاسَانَ لَا يَعْلَمُ مَنْ وَصِيُّهُ لَمْ يَسَعْهُ ذَلِكَ؟

قَالَ:

لَا يَسَعُهُ إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا مات وَقَعَتْ حُجَّةُ [وَصِيِّهِ] عَلَي مَنْ هُوَ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ وَ حَقُّ النَّفْرِ عَلَي مَنْ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إِذَا بَلَغَهُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ - فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ]

***** [129] *****

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام و فيها:

قُلْتُ أَ فَيَسَعُ النَّاسَ إِذَا مَاتَ الْعَالِمُ أَلَّا يَعْرِفُوا الَّذِي بَعْدَهُ؟

فَقَالَ أَمَّا أَهْلُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَلَا - يَعْنِي اهل الْمَدِينَة - وَ أَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الْبُلْدَانِ فَبِقَدْرِ مَسِيرِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عز و جل يَقُولُ وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ

و منها: صحيحة البزنطي المروية في قرب الاسناد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

و منها: رواية عبدالمؤمن الانصاري الواردة في جواب من سأل عن قوله صلي الله عليه و آله : اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ.

قال: إذا كان إختلافهم رحمة فإتفاقهم عذاب! ليس هذا يراد، إنما يراد الاختلاف في طلب العلم، علي ما قال الله عز و جل: فلو لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ)، الحديث منقول بالمعني و لا يحضرني ألفاظه.

و جميع هذا هو السر في إستدلال أصحابنا بالاية الشريفة علي وجوب تحصيل العلم و كونه كفائيا.

هذا غاية ما قيل أو يقال

في توجيه الاستدلال بالاية الشريفة.

* * *

(1) - الاول:

أنه لا يستفاد من الكلام إلا مطلوبية الحذر عقيب الانذار بما يتفقهون في الجملة، لكن ليس فيها إطلاق وجوب الحذر، بل يمكن أن يتوقف وجوبه علي حصول العلم، فالمعني: لعله يحصل لهم العلم فيحذروا.

فالاية مسوقة لبيان مطلوبية الانذار بما يتفقهون و مطلوبية العمل من المنذرين بما أنذروا.

و هذا لا ينافي إعتبار العلم في العمل.

و لهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم.

فليس في هذه الاية تخصيص للادلة الناهية عن العمل بما لم يعلم.

و لذا إستشهد الامام، فيما سمعت من الاخبار المتقدمة، علي وجوب النفر في معرفة الامام، عليه السلام و إنذار النافرين للمتخلفين، مع أن الامامة لا تثبت إلا بالعلم.

(2) - الثاني:

أن التفقه الواجب ليس إلا معرفة الامور الواقعية من الدين، فالانذار الواجب هو الانذار بهذه الامور المتفقه فيها. فالحذر لا يجب إلا عقيب الانذار بها. فإذا لم يعرف المنذر - بالفتح - أن الانذار هل وقع بالامور الدينية الواقعية أو بغيرها خطاء أو تعمدا من المنذر - بالكسر - لم يجب الحذر حينئذ.

فانحصر وجوب الحذر فيما إذا علم المنذر صدق المنذر في إنذاره بالاحكام الواقعية. فهو نظير

***** [130] *****

قول القائل: أخبر فلانا بأوامري، لعله يمتثلها.

فهذه الاية نظير ما ورد من الامر بنقل الروايات، فإن المقصود من هذا الكلام ليس إلا وجوب العمل بالامور الواقعية، لا وجوب تصديقه فيما يحكي و لو لم يعلم مطابقته للواقع.

و لا يعد هذا ضابطا لوجوب العمل بالخبر الظني الصادر من المخاطب في الامر الكذائي.

و نظيره جميع ما ورد من بيان الحق للناس و وجوب تبليغه إليهم، فإن المقصود منه إهتداء الناس إلي الحق الواقعي، لا إنشاء حكم ظاهري لهم بقبول كل ما

يخبرون به و إن لم يعلم مطابقته للواقع.

ثم الفرق بين هذا الايراد و سابقه: أن هذا الايراد مبني علي أن الاية ناطقة بإختصاص مقصود المتكلم بالحذر عن الامور الواقعية المستلزم لعدم وجوبه إلا بعد إحراز كون الانذار متعلقا بالحكم الواقعي.

و أما الايراد السابق فهو مبني علي سكوت الاية عن التعرض لكون الحذر واجبا علي الاطلاق أو بشرط حصول العلم.

(3) - الثالث:

لو سلمنا دلالة الاية علي وجوب الحذر مطلقا عند إنذار المنذر و لو لم يفد العلم، لكن لا تدل علي وجوب العمل بالخبر من حيث أنه خبر، لان الانذار هو الابلاغ مع التخويف.

فإنشاء التخويف مأخوذ فيه و الحذر هو التخوف الحاصل عقيب هذا التخويف الداعي إلي العمل بمقتضاه فعلا و من المعلوم أن التخويف لا يجب إلا علي الوعاظ في مقام الايعاد علي الامور التي يعلم المخاطبون بحكمها من الوجوب و الحرمة، كما يوعد علي شرب الخمر و فعل الزنا و ترك الصلاة، أو علي المرشدين في مقام إرشاد الجهال.

فالتخوف لا يجب إلا علي المتعظ و المسترشد.

و من المعلوم أن تصديق الحاكي فيما يحكيه من لفظ الخبر الذي هو محل الكلام خارج عن الامرين.

توضيح ذلك أن المنذر إما أن ينذر و يخوف علي وجه الافتاء و نقل ما هو مدلول الخبر بإجتهاده و إما أن ينذر و يخوف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجة.

(1) - فالاول:

كأن يقول: يا أيها الناس! إتقوا الله في شرب العصير، فإن شربه يوجب المؤاخذة.

و الثاني: كأن يقول: في مقام التخويف قال الامام عليه السلام : من شرب العصير فكأنما شرب الخمر.

أما الانذار علي الوجه الاول، فلا يجب الحذر عقيبه إلا علي المقلدين لهذا المفتي.

(2) - و أما الثاني، فله جهتان:

إحداهما جهة تخويف و إيعاد و الثانية جهة حكاية قول الامام عليه السلام.

و من المعلوم أن الجهة الاولي ترجع إلي الاجتهاد في معني الحكاية، فهي ليست حجة إلا علي من هو مقلد له، إذ هو الذي يجب عليه التخوف عند تخويفه.

***** [131] *****

و أما الجهة الثانية فهي التي تنفع المجتهد الآخر الذي يسمع منه هذه الحكاية، لكن وظيفته مجرد تصديقه في صدور هذا الكلم عن الامام عليه السلام.

و أما أن مدلوله متضمن لما يوجب التحريم الموجب للخوف أو الكراهة، فهو ما ليس فهم المنذر حجة فيه بالنسبة إلي هذا المجتهد.

فالاية الدالة علي وجوب التخوف عند تخويف المنذرين مختصة بمن يجب عليه اتباع المنذر في مضمون الحكاية و هو المقلد له، للاجماع علي أنه لا يجب علي المجتهد التخوف عند إنذار غيره.

إنما الكلام في أنه هل يجب عليه تصديق غيره في الالفاظ الاصوات التي يحكيها عن المعصوم عليه السلام أم لا و الاية لا تدل علي وجوب ذلك علي من لا يجب عليه التخوف عند التخويف.

فالحق: أن الاستدلال بالاية علي وجوب الاجتهاد كفاية و وجوب التقليد علي العوام أولي من الاستدلال بها علي وجوب العمل بالخبر.

و ذكر شيخنا البهائي، قدس سره ، في أول أربعينه: (أن الاستدلال بالنبوي المشهور:

(مَنْ حَفِظَ عَلَي أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثاً، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقِيهاً عالما)، علي حجية الخبر لا يقصر عن الاستدلال عليها بهذه الاية).

و كان فيه إشارة إلي ضعف الاستدلال بها، لان الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدا، كما سيجئ إن شاء الله عند ذكر الاخبار.

و لكن ظاهر الرواية المتقدمة عن علل الفضل يدفع هذا الايراد، لكنها من الآحاد، فلا ينفع في صرف الايه من ظاهرها في مسألة حجية الآحاد مع

إمكان منع دلالتها علي المدعي، لان الغالب تعدد من يخرج إلي الحج من كل صقع، بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعي، عن الامام، عليه السلام و حينئذ فيجب الحذر عقيب إنذارهم. فإطلاق الرواية منزل علي الغالب).

و من جملة الايات التي استدل بها جماعة، تبعا للشيخ في العدة علي حجية الخبر، قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدي مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ، الاية.

و التقريب فيه: نظير ما بيناه في آية النفر، من أن حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الاظهار.

***** [132] *****

و يرد عليها: ما ذكرنا من الايرادين الاولين في آية النفر، من سكوتها و عدم التعرض فيها لوجوب القبول و إن لم يحصل العلم عقيب الاظهار أو إختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالامر الذي يحرم كتمانه و يجب إظهاره، فإن من أمر غيره بإظهار الحق للناس ليس مقصوده إلا عمل الناس بالحق و لا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجية قول المظهر تعبدا و وجوب العمل بقوله و إن لم يطابق الحق.

و يشهد لما ذكرنا: أن مورد الاية كتمان اليهود لعلامات النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، بعد ما بين الله لهم ذلك في التوراة و معلوم أن آيات النبوة لا يكتفي فيها بالظن.

نعم لو وجب الاظهار علي من لا يفيد قوله العلم غالبا أمكن جعل ذلك دليلا علي أن المقصود العمل بقوله و إن لم يفد العلم، لئلا يكون إلقاء هذا الكلام كاللغو.

و من هنا يمكن الاستدلال بما تقدم - من آية تحريم كتمان ما في الارحام علي النساء - علي وجوب تصديقهن و

بآية وجوب إقامة الشهادة علي وجوب قبولها بعد الاقامة، مع إمكان كون وجوب الاظهار لاجل رجاء وضوح الحق من تعدد المظهرين.

و من جملة الآيات التي استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالي: (َّ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .

بناء علي أن وجوب السؤال يستلزم و جوب قبول الجواب و إلا لغي وجوب السؤال.

و إذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح أن يسأل عنه و يقع جوابا له، لان خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا.

فإذا سئل الراوي الذي هو من أهل العلم عما سمعه عن الامام، عليه السلام ، في خصوص الواقعة، فأجاب باني سمعته يقول كذا، وجب القبول، بحكم الاية.

فيجب قبول قوله إبتداء: (إني سمعت الامام عليه السلام يقول كذا)، لان حجية قوله هو الذي أوجب السؤال عنه، لا أن وجوب السؤال أوجب قبول قوله، كما لا يخفي.

و يرد عليه: أن الاستدلال إن كان بظاهر الاية، فظاهرها بمقتضي السياق إرادة علماء أهل الكتاب، كما عن إبن عباس و مجاهد و الحسن و قتادة.

فإن المذكور في سورة النحل: (وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُر) و في سورة الانبياء: (وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا

***** [133] *****

تَعْلَمُونَ) و إن كان مع قطع النظر عن سياقها.

ففيه:

(1) - أولا،

أنه ورد في الاخبار المتسفيضة أن أهل الذكر هم الائمة، عليه السلم.

و قد عقد في أصول الكافي بابا لذلك و قد أرسله في المجمع عن علي عليه السلام.

و رد بعض مشايخنا هذه الاخبار بضعف السند، بناء علي إشتراك بعض الروات في بعضها و ضعف بعضها في

الباقي و فيه نظر، لان روايتين منها صحيحتان و هما روايتا محمد بن مسلم و الوشاء، فلاحظ و رواية أبي بكر الحضرمي حسنة أو موثقة. نعم ثلاث روايات أخر منها لا تخلو من ضعف و لا تقدح قطعا.

(2) - و ثانيا:

أن الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم، لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا، كما يقال في العرف: سل إن كنت جاهلا.

و يؤيده أن الاية واردة في أصول الدين و علامات النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، التي لا يؤخذ فيها بالتعبد إجماعا.

(3) - و ثالثا:

لو سلم حمله علي إرادة وجوب السؤال للتعبد بالجواب، لا لحصول العلم منه، قلنا: إن المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم و لو بسماع رواية من الامام، عليه السلام و إلا لدل علي حجية قول كل عالم بشئ و لو من طريق السمع و البصر، مع أنه يصح سلب هذا العنوان من مطلق من أحس شيئا بسمعه أو بصره.

و المتبادر من وجوب سؤال أهل العلم بناء علي إرادة التعبد بجوابهم هو سؤالهم عما هم عالمون به و يعدون من أهل العلم في مثله.

فينحصر مدلول الاية في التقليد و لذا تمسك به جماعة علي وجوب التقليد علي العامي.

و بما ذكرنا يندفع ما يتوهم من (أنا نفرض الراوي من أهل العلم.

فإذا وجب قبول روايته وجب قبول رواية من ليس من أهل العلم بالاجماع المركب).

حاصل وجه الاندفاع: أن سؤال أهل العلم عن الالفاظ التي سمعها من الامام، عليه السلام و التعبد بقوله فيها ليس سؤالا من أهل العلم من حيث هم أهل العلم.

ألا تري أنه لو قال: سل الفقهاء إذا لم تعلم، أو الاطباء، لا يحتمل

أن يكون قد أراد ما يشمل المسموعات و المبصرات الخارجية من قيام زيد و تكلم عمرو و غير ذلك.

***** [134] *****

و من جملة الايات، قوله تعالي في سورة البرائة: (وَ مِنْهُمُ الَّذينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ).

مدح الله - عز و جل - رسوله، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، بتصديقه للمؤمنين، بل قرنه بالتصديق بالله جل ذكره.

فإذا كان التصديق حسنا يكون واجبا.

و يزيد في تقريب الاستدلال وضوحا ما رواه في فروع الكافي، في الحسن بابراهيم بن هاشم، أنه كان لاسماعيل بن أبي عبدالله دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج بها إلي اليمن.

فقال له أبو عبدالله عليه السلام :

أَ مَا بَلَغَكَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؟

قال: سمعت الناس يقولون.

فَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ

يَقُولُ يُصَدِّقُ لِلَّهِ وَ يُصَدِّقُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَكَ الْمُؤْمِنُونَ فَصَدِّقْهُم

و يرد عليه:

(1) - أولا، أن المراد بالاذن سريع التصديق و الاعتقاد بكل ما يسمع، لا من يعمل تعبدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه. فمدحه، عليه السلام ، بذلك، لحسن ظنه بالمؤمنين و عدم إتهامهم.

(2) - و ثانيا: أن المراد من التصديق في الاية ليس جعل المخبر به واقعا و ترتيب جميع آثاره عليه، إذ لو كان المراد به ذلك لم يكن أذن خير لجميع الناس.

إذ لو أخبره أحد بزنا أحد أو شربه أو قذفه أو إرتداده، فقلته النبي أو جلده، لم يكن في سماعه ذلك الخبر خير للمخبر عنه، بل كان محض الشر له، خصوصا مع عدم صدور الفعل منه في الواقع.

نعم يكون خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله

و إن كان منافقا موذيا للنبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، علي ما يقتضيه الخطاب في (لكم).

فثبوت الخبر لكل من المخبر و المخبر عنه لا يكون إلا إذا صدق المخبر بمعني إظهار القبول عنه و عدم تكذيبه و طرح قوله رأسا مع العمل في نفسه بما يقتضيه الاحتياط التام بالنسبة إلي المخبر عنه.

فإن كان المخبر به مما يتعلق بسوء حاله لا يؤذيه في الظاهر، لكن يكون علي حذر منه في الباطن، كما كان هو مقتضي المصلحة في حكاية إسماعيل المتقدمة.

و يؤيد هذا المعني: ما عن تفسير العياشي عن الصادق، عليه السلام ، من أنه يصدق المؤمنين،

***** [135] *****

لانه صلي الله عليه و آله كان رؤوفا رحيما بالمؤمنين.

فإن تعليل التصديق بالرأفة و الرحمة علي كافة المؤمنين ينافي إرادة قبول قول أحدهم علي الاخر بحيث يرتب عليه آثاره و إن أنكر المخبر عنه وقوعه، إذ مع الانكار لا بد عن تكذيب أحدهما و هو منماف لكونه أذن خير و رؤوفا رحيما لجميع المؤمنين. فتعين إرادة التصديق بالمعني الذي ذكرنا.

و يؤيد أيضا: ما عن القمي، رحمه الله، في سبب نزول الاية: (أنه نم منافق علي النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، فأخبره الله ذلك، فأحضره النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و سأله، فحلف: أنه لم يكن شئ مما ينم عليه، فقبل منه النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم.

فأخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن علي النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و يقول: إنه يقبل كل ما يسمع.

أخبره الله إني أنم عليه و أنقل أخباره، فقبل. فأخبرته أني لم أفعل، فقبل.

فرده الله - تعالي - بقوله لنبيه صَلَّي

اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

(قل أذن خير لكم).

و من المعلوم:

أن تصديقه، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا.

و هذا التفسير صريح في أن المراد من المؤمنين المقرون بالايمان من غير إعتقاد، فيكون الايمان لهم علي حسب إيمانهم و يشهد بتغاير معني الايمان في الموضعين، مضافا إلي تكرار لفظه، تعديته في الاول بالباء و في الثاني باللام، فافهم.

و أما توجيه الرواية فيحتاج إلي بيان معني التصديق، فنقول: إن المسلم إذا أخبر بشئ فلتصديقه معنيان.

(1) - أحدهما:

ما يقتضيه أدلة تنزيل فعل المسلم علي الصحيح و الاحسن، فإن الاخبار، من حيث أنه فعل من أفعال المكلفين، صحيحه ما كان مباحا و فاسده ما كان نقيضه، كالكذب و الغيبة و نحوهما، فحمل الاخبار علي الصادق حمل علي أحسنه.

(2) - و الثاني:

هو حمل إخباره، من حيث أنه لفظ دال علي معني يحتمل مطابقته للواقع و عدمها، علي كونه مطابقا للواقع بترتيب آثار الواقع عليه.

و الحاصل أن المعني الثاني هو الذي يراد من العمل بخبر العادل.

و أما المعني الاول، فهو الذي يقتضيه أدلة حمل فعل المسلم علي الصحيح و الاحسن.

و هو ظاهر الاخبار الواردة في: أن من حق المؤمن علي المؤمن أن يصدقه و لا يتهمه، خصوصا مثل قوله عليه السلام :

***** [136] *****

يَا مُحَمَّدُ كَذِّبْ سَمْعَكَ وَ بَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ - فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قَسَامَةً وَ قَالَ لَكَ قَوْلًا فَصَدِّقْهُ وَ كَذِّبْهُمْ الخبر).

فإن تكذيب القسامة، مع كونهم أيضا مؤمنين، لا يراد منه إلا عدم ترتيب آثار الواقع علي كلامهم.

لا ما يقابل تصديق المشهود عليه، فإنه ترجيح بلا مرجح، بل ترجيح المرجوح.

نعم خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن علي

المؤمن و إن أنكر المشهود عليه.

و أنت إذا تأملت هذه الرواية و لاحظتها مع الرواية المتقدمة في حكاية إسماعيل، لم يكن لك بد من حمل التصديق علي ما ذكرنا.

و إن أبيت إلا عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق بمعني ترتيب آثار الواقع، فنقول: إن الاستعانة بها علي دلالة الاية خروج عن الاستدلال بالكتاب إلي السنة و المقصود هو الاول.

غاية الامر كون هذه الرواية في عداد الروايات الاتية إن شاء الله تعالي.

ثم إن هذه الايات علي تقدير تسليم دلالة كل واحد منها علي حجية الخبر إنما تدل، بعد تقييد المطلق منها الشامل لخبر العادل و غيره بمنطوق آية النبأ، علي حجية خبر العادل الواقعي أو من أخبر عدل واقعي بعدالته.

بل يمكن إنصراف المفهوم بحكم الغلبة إلي صورة إفادة خبر العادل الظن الاطميناني بالصدق، كما هو الغالب مع القطع بالعدالة.

فيصير حاصل مدلول الايات إعتبار خبر العادل الواقعي بشرط إفادته الظن الاطميناني و الوثوق، بل هذا أيضا منصرف سائر الآيات و إن لم يكن إنصرافا موجبا لظهور عدم إرادة غيره، حتي يعارض المنطوق.

***** [137] *****

و أما السنة فطوائف من الاخبار

منها: ما ورد في الخبرين المتعارضين من الاخذ بالاعدل و الاصدق و المشهور و التخيير عند التساوي.

مثل مقبولة عمر بن حنظلة، حيث يقول: (الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث).

و موردها و إن كان في الحاكمين إلا أن ملاحظة جميع الرواية تشهد بأن المراد بيان المرجح للروايتين اللتين إستند إليهما الحاكمان.

و مثل رواية عوالي اللئالي المروية عن العلامة المرفوعة إلي زرارة: قَالَ:

… يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَانِ فَبِأَيِّهِمَا آخُذُ

َقَالَ:

يَا زُرَارَةُ خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَ دَعِ الشَّاذَّ النَّادِرَ

قُلْتُ: فإِنَّهُمَا مَعاً مَشْهُورَانِ

قَالَ:

خُذْ [بِقَوْلِ] أَعْدَلِهِمَا عِنْدَكَ وَ أَوْثَقِهِمَا

فِي نَفْسِكَ

و مثل رواية إبن أبي الجهم عن الرضا، عليه السلام ، قلت:

يَجِيئُنَا الرَّجُلَانِ وَ كِلَاهُمَا ثِقَةٌ بِحَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا نَعْلَمُ أَيُّهُمَا الْحَقُّ

فَقَالَ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ فَمُوَسَّعٌ عَلَيْكَ بِأَيِّهِمَا أَخَذْت

و رواية الحارث بن المغيرة عن الصادق، عليه السلام ، قال:

(إِذَا سَمِعْتَ مِنْ أَصْحَابِكَ الْحَدِيثَ وَ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ فَمُوَسَّعٌ عَلَيْكَ حَتَّي تَرَي الْقَائِمَ) و غيرها من الاخبار.

***** [138] *****

و الظاهر: أن دلالتها علي إعتبار الخبر الغير المقطوع الصدور واضحة.

إلا أنه لا إطلاق لها، لان السؤال عن الخبرين اللذين فرض السائل كلا منهما حجة يتعين العمل بها لولا المعارض، كما يشهد به السؤال بلفظ (أي) الدالة علي السؤال عن المعين مع العلم بالمبهم.

فهو كما إذا سئل عن تعارض الشهود أو أئمة الصلاة، فأجاب ببيان المرجح، فإنه لا يدل إلا علي أن المفروض تعارض من كان منهم مفروض القبول لولا المعارض.

نعم رواية إبن المغيرة تدل علي إعتبار خبر كل ثقة.

و بعد ملاحظة ذكر الاوثقية و الاعدلية في المقبولة و المرفوعة يصير الحاصل من المجموع إعتبار خبر الثقة، بل العادل.

لكن الانصاف: أن ظاهر مساق الرواية أن الغرض من العدالة حصول الوثاقة، فيكون العبرة بها.

و منها: ما دل علي إرجاع آحاد الرواة إلي آحاد أصحابهم، عليهم السلام ، بحيث يظهر منه عدم الفرق بين الفتوي و الرواية.

مثل إرجاعه، عليه السلام ، إلي زرارة، بقوله عليه السلام :

(إِذَا أَرَدْتَ حَدِيثَنَا فَعَلَيْكَ بِهَذَا الْجَالِسِ) (مشيرا إلي زرارة).

و قوله، عليه السلام ، في رواية أخري: (و أما ما رواه زرارة عن أبي، عليه السلام ، فلا يجوز رده) و قوله، عليه السلام لابن أبي يعفور - بعد السؤال عمن يرجع إليه إذا إحتاج أو سئل عن مسألة: (فما يمنعك عن الثقفي؟ -

يعني محمد بن مسلم - فإنه سمع من ابي أحاديث و كاعنده وجيها).

و قولة، عليه السلام ، فيما عن الكشي لسلمة بن أبي حبيبة:

(ائْتِ أَبَانَ بْنَ تَغْلِبَ فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنِّي حَدِيثاً كَثِيراً، فَمَا رَوَي لَكَ عَنِّي فَارْوِ عَنِّي. ).

و قوله، عليه السلام ، لشعيب العقرقوفي بعد السؤال عمن يرجع إليه: (عَلَيْكَ بِالْأَسَدِيِّ يَعْنِي أَبَا بَصِير).

و قوله عليه السلام ، لعلي إبن المسيب بعد السؤال عمن يأخذ عنه معالم الدين:

***** [139] *****

(عليك بزَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ [الْقُمِّيِّ] الْمَأْمُونِ عَلَي الدِّينِ وَ الدُّنْي).

و قوله عليه السلام ، لما قال له عبدالعزيز بن المهتدي: (ربما أحتاج و لست ألقاك في كل وقت، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ قال: نعم) و ظاهر هذه الرواية أن قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند الراوي.

فسأل عن وثاقة يونس، ليترتب عليه أخذ المعالم منه.

و يؤيده في إناطة وجوب القبول بالوثاقة ما ورد في العمري و إبنه اللذين هما من النواب و السفراء.

ففي الكافي في باب النهي عن التسمية: (عن الحميري عن أحمد بن إسحاق.

قال: سألت أبا الحسن، عليه السلام و قُلْتُ له: مَنْ أُعَامِلُ أَوْ عَمَّنْ آخُذُ وَ قَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟

فَقَالَ عليه السلام لَهُ - الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّي إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي وَ مَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ).

و أخبرنا أحمد بن إسحق أنه سأل أبا محمد، عليه السلام ، عن مثل ذلك، فقال له:

(الْعَمْرِيُّ وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ وَ مَا قَالا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ الخبر).

و هذه الطائفة أيضا مشتركة مع الطائفه الاولي في الدلالة علي إعتبار خبر الثقة المأمون.

و

منها: ما دل علي وجوب الرجوع إلي الرواة و الثقات و العلماء علي وجه يظهر منه عدم الفرق بين فتواهم بالنسبة إلي أهل الاستفتاء و روايتهم بالنسبة إلي أهل العمل بالرواية.

مثل قول الحجة - عجل الله فرجه - لاسحاق بن يعقوب، علي ما في كتاب الغيبة للشيخ و إكمال الدين، للصدوق و الاحتجاج للطبرسي:

وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَي رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عليهم).

فإنه لو سلم أن ظاهر الصدر الاختصاص بالرجوع في حكم الوقائع إلي الرواة، أعني الاستفتاء

***** [140] *****

منهم، إلا أن التعليل بأنهم حجته، عليه السلام ، يدل علي وجوب قبول خبرهم.

و مثل الرواية المحكية عن العدة من قوله عليه السلام :

(إِذَا نَزَلَتْ بِكُمْ حَادِثَةٌ لَا تَجِدُونَ حُكْمَهَا فِيمَا رَوَوْا عَنَّا فَانْظُرُوا إِلَي مَا رَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ عع).

دل علي الاخذ بروايات الشيعة و روايات العامة مع عدم وجود المعارض من رواية الخاصة.

و مثل ما في الاحتجاج عن تفسير العسكري، عليه السلام ، - في قوله تعالي: (وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ)، الاية - من أنه قال رجل للصادق عليه السلام :

(فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مِنَ الْيَهُودِ و النصاري لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ إِلَّا بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَي غَيْرِهِ فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ وَ الْقَبُولِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟ وَ هَلْ عَوَامُّ الْيَهُودِ إِلَّا كَعَوَامِّنَا يُقَلِّدُونَ عُلَمَاءَهُمْ؟

فَقَالَ عليه السلام بَيْنَ عَوَامِّنَا وَ عُلَمَائِنَا وَ عَوَامِّ الْيَهُودِ وَ عُلَمَائِهِمْ فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ وَ تَسْوِيَةٌ مِنْ جِهَةٍ أَمَّا مِنْ حَيْثُ اسْتَوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَمَّ عَوَامَّنَا بِتَقْلِيدِهِمْ عُلَمَاءَهُمْ كَمَا ذَمَّ عَوَامَّهُمْ وَ أَمَّا مِنْ حَيْثُ افْتَرَقُوا فَلَا

قَالَ بَيِّنْ لِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ع إِنَّ عَوَامَّ الْيَهُودِ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا

عُلَمَاءَهُمْ بِالْكَذِبِ الصريح وَ بِأَكْلِ الْحَرَامِ وَ الرِّشَاءِ وَ بِتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ عَنْ وَاجِبِهَا بِالشَّفَاعَاتِ وَ النسابات وَ الْمُصَانَعَاتِ وَ عَرَفُوهُمْ بِالتَّعَصُّبِ الشَّدِيدِ الَّذِي يُفَارِقُونَ بِهِ أَدْيَانَهُمْ وَ أَنَّهُمْ إِذَا تَعَصَّبُوا أَزَالُوا حُقُوقَ مَنْ تَعَصَّبُوا عَلَيْهِ وَ أَعْطَوْا مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَعَصَّبُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ وَ ظَلَمُوهُمْ مِنْ أَجْلِهِمْ وَ عَرَفُوهُمْ يُقَارِفُونَ الْمُحَرَّمَاتِ وَ اضْطُرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ إِلَي أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَي اللَّهِ وَ لَا عَلَي الْوَسَائِطِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَ بَيْنَ اللَّهِ

فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ لَمَّا قَلَّدُوا مَنْ قَدْ عَرَفُوهُ وَ مَنْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولُ خَبَرِهِ وَ لَا تَصْدِيقُهُ وَ لَا الْعَمَلُ بِمَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِمْ عَمَّنْ لَمْ يُشَاهِدُوهُ وَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّظَرُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم إِذْ كَانَتْ دَلَائِلُهُ أَوْضَحَ مِنْ

***** [141] *****

أَنْ تَخْفَي وَ أَشْهَرَ مِنْ أَنْ لَا تَظْهَرَ لَهُمْ

وَ كَذَلِكَ عَوَامُّ أُمَّتِنَا إِذَا عَرَفُوا مِنْ فُقَهَائِهِمُ الْفِسْقَ الظَّاهِرَ وَ الْعَصَبِيَّةَ الشَّدِيدَةَ وَ التَّكَالُبَ عَلَي حُطَامِ الدُّنْيَا وَ حَرَامِهَا وَ إِهْلَاكَ مَنْ يَتَعَصَّبُونَ عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ لِإِصْلَاحِ أَمْرِهِ مُسْتَحِقّاً وَ َ التَّرَفْرُفِ بِالْبِرِّ وَ الْإِحْسَانِ عَلَي مَنْ تَعَصَّبُوا لَهُ وَ إِنْ كَانَ لِلْإِذَلَالِ وَ الْإِهَانَةِ مُسْتَحِقّاً

فَمَنْ قَلَّدَ مِنْ عَوَامِّنَا مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ فَهُمْ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَي بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ فُقَهَائِهِمْ

فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَي هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ وَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا جَمِيعَهُمْ

فَأَمَّا مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ وَ الْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ فَسَقَةِ فُقَهَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً وَ لَا كَرَامَةَ وَ إِنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ

الْبَيْتِ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ لِجَهْلِهِمْ وَ يَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ عَلَي غَيْرِ وُجُوهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ وَ آخَرِينَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَيْنَا لِيَجُرُّوا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا مَا هُوَ زَادُهُمْ إِلَي نَارِ جَهَنَّمَ

وَ مِنْهُمْ قَوْمٌ نُصَّابٌ لَا يَقْدِرُونَ عَلَي الْقَدَحِ فِينَا فَيَتَعَلَّمُونَ بَعْضَ عُلُومِنَا الصَّحِيحَةِ فَيَتَوَجَّهُونَ بِهِ عِنْدَ شِيعَتِنَا وَ يَنْتَقِصُونَ بِنَا عِنْدَ أعدائنا ثُمَّ يُضِيفُونَ إِلَيْهِ أَضْعَافَهُ وَ أَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ عَلَيْنَا الَّتِي نَحْنُ بُرَآءُ مِنْهَا فَيَقْبَلُهُ الْمُسْتَسْلِمُونَ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَي أَنَّهُ مِنْ عُلُومِنَا فَضَلُّوا

وَ أولئك وَ هُمْ أَضَرُّ عَلَي ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ جَيْشِ يَزِيدَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ عَلَي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام )، إنتهي.

دل هذا الخبر الشريف اللائح منه آثار الصدق علي جواز قبول قول من عرف بالتحرز عن الكذب و إن كان ظاهره إعتبار العدالة بل ما فوقها.

لكن المستفاد من مجموعه أن المناط في التصديق هو التحرز من الكذب، فافهم.

و مثل ما عن أبي الحسن، عليه السلام ، فيما كتبه جوابا عن السؤال عمن نعتمد عليه في الدين، قال: (اعتمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا كثير القدم في أمرنا).

***** [142] *****

و قوله عليه السلام ، في رواية أخري:

(لَا تَأْخُذَنَّ مَعَالِمَ دِينِكَ عَنْ غَيْرِ شِيعَتِنَا فَإِنَّكَ إِنْ تَعَدَّيْتَهُمْ أَخَذْتَ دِينَكَ عَنِ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ خَانُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ إِنَّهُمُ اؤْتُمِنُوا عَلَي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَلَا فَحَرَّفُوهُ وَ بَدَّلُوهُ)، الحديث.

و ظاهرهما و إن كان الفتوي، إلا أن الانصاف شمولهما للرواية بعد التأمل، كما تقدم في سابقتهما.

و مثل ما في كتاب الغيبة، بسنده الصحيح إلي عبدالله الكوفي خادم الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، حيث سأله أصحابه عن كتب الشلمعاني.

فقال الشيخ: (أقول فيها ما قاله العسكري، عليه السلام ، في كتب

بني فضال، حيث قالوا له: ما نصنع بكتبهم و بيوتنا منها ملاء؟ قال: خذوا ما رووا و ذروا ما رأو).

فإنه دل بمورده علي جواز الاخذ بكتب بني فضال و بعدم الفصل علي كتب غيرهم من الثقات و رواياتهم.

و لهذا إن الشيخ الجليل المذكور الذي لا يظن به القول في الدين بغير السماع من الامام عليه السلام : قال: (أقول في كتب الشلمغاني ما قاله العسكري، عليه السلام ، في كتب بني فضال). مع أن هذا الكلام بظاهره قياس باطل.

و مثل ما ورد مستفيضا في المحاسن و غيره: (حديث واحد في حلال و حرام تأخذه من صادق خير لك من الدنيا و ما فيها من ذهب و فضة.

و في بعضها: يأخذ صادق عن صادق).

و مثل ما في الوسائل عن الكشي، من أنه ورد توقيع علي القاسم بن العلي.

و فيه: (إنه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد علموا أنا نفاوضهم سرنا و نحمله إليهم).

و مثل مرفوعة الكناني عن الصادق، عليه السلام ، في تفسير قوله تعالي: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب).

قال:

(هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ شِيعَتِنَا ضُعَفَاءُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَتَحَمَّلُونَ بِهِ إِلَيْنَا فَيَسْمَعُونَ حَدِيثَنَا وَ يَقْتَبِسُونَ مِنْ عِلْمِنَا فَيَرْحَلُ قَوْمٌ فَوْقَهُمْ وَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ وَ يُتْعِبُونَ أَبْدَانَهُمْ حَتَّي يَدْخُلُوا عَلَيْنَا فَيَسْمَعُوا حَدِيثَنَا فَيَنْقُلُوهُ إِلَيْهِمْ فَيَعِيَهُ هَؤُلَاءِ وَ يُضِيعَهُ هَؤُلَاءِ فَأُولَئِكَ

***** [143] *****

الَّذِينَ يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ لَهُمْ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ).

دل علي جواز العمل بالخبر و إن نقله من يضيعه و لا يعمل به.

و منها: الاخبار الكثيرة التي يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد و إن كان في دلالة كل

واحد علي ذلك نظر.

مثل النبوي المستفيض بل المتواتر: (إنه من حفظ علي أمتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامة).

قال شيخنا البهائي، قدس سره ، في أول أربعينه: (إن دلالة هذا الخبر علي حجية خبر الواحد لا يقصر عن دلالة آية النفر).

و مثل الاخبار الكثيرة الواردة في الترغيب في الرواية و الحث عليها و إبلاغ ما في كتب الشيعة، مثل ما ورد في شأن الكتب التي دفنوها لشدة التقية.

فقال عليه السلام : (حدثوا بها فإنها حق) و مثل ما ورد في مذاكرة الحديث و الامر بكتابته.

مثل قوله للراوي: (اكتب و بث علمك في بني عمك، فإنه يأتي زمان هرج، لا يأنسون إلا بكتبهم).

و ما ورد في ترخيص النقل بالمعني.

و ما ورد مستفيضا، بل متواترا، من قولهم عليهم السلام : (إعرفوا منازل الرجال منا بقدر روايتهم عنا).

و ما ورد من قولهم عليهم السلام : (لكل رجل منا من يكذب عليه).

و قوله صلي الله عليه و آله : (ستكثر بعدي القالة و إن من كذب علي فليتبوء مقعده من النار).

و قول أبي عبدالله عليه السلام :

(إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ صَادِقُونَ لَا نَخْلُو مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ عَلَيْنَا).

و قوله عليه السلام : (إن الناس أولعوا الكذب علينا، كأن الله إفترض عليهم و لا يريد منهم غيره).

و قوله عليه السلام : (لكل منا من يكذب عليه) فإن بناء المسلمين لو كان علي الاقتصار علي المتواترات لم يكثر القالة و الكذابة و الاحتفاف

***** [144] *****

بالقرينة القطعية في غاية القلة.

إلي غير ذلك من الاخبار التي يستفاد من مجموعها رضاء الائمة، عليهم السلام ، بالعمل بالخبر و إن لم يفد القطع.

و قد إدعي في الوسائل تواتر الاخبار بالعمل بخبر الثقة، إلا أن القدر

المتيقن منها هو خبر الثقة الذي يضعف فيه إحتمال الكذب علي وجه لا يعتني به العقلاء و يقبحون التوقف فيه لاجل ذلك الاحتمال.

كما دلا عليه ألفاظ الثقة و المأمون و الصادق و غيرها الواردة في الاخبار المتقدمة و هي ايضا منصرف إطلاق غيرها.

و أما العدالة، فأكثر الاخبار المتقدمة خالية عنها، بل في كثير منها التصريح بخلافه، مثل رواية العقدة الآمرة بالاخذ بما رووه عن علي، عليه السلام و الواردة في كتب بني فضال و مرفوعة الكناني و تاليها.

نعم في غير واحد منها حصر المعتمد في أخذ معالم الدين في الشيعة، لكنه محمول علي غير الثقة أو علي أخذ الفتوي، جمعا بينها و بين ما هو أكثر منها.

و في رواية بني فضال شهادة علي هذا الجمع، مع أن التعليل للنهي في ذيل الرواية بأنهم ممن خانوا الله و رسوله يدل علي إنتفاء النهي عند إنتفاء الخيانة المكشوف عنه بالوثاقة، فإن الغير الامامي الثقة، مثل إبن فضال و إبن بكير، ليسوا خائنين في نقل الرواية و سيأتي توضيحه عند ذكر الاجماع إن شاء الله.

***** [145] *****

و أما الاجماع، فتقريره من وجوه

و أما الاجماع، فتقريره من وجوه: أحدها الاجماع علي حجية خبر الواحد في مقابل السيد و أتباعه و طريق تحصيله أحد وجهين، علي سبيل منع الخلو.

أحدهما: تتبع أقوال العلماء من زماننا إلي زمان الشيخين، فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضاء الامام، عليه السلام ، بالحكم أو عن وجود نص معتبر في المسألة.

و لا يعتني بخلاف السيد و أتباعه، إما لكونهم معلومي النسب، كما ذكر الشيخ في العدة و إما للاطلاع علي أن ذلك لشبهة حصلت لهم، كما ذكره العلامة في النهاية و يمكن أن يستفاد من العدة أيضا و

إما لعدم إعتبار إتفاق الكل في الاجماع علي طريق المتأخرين المبني علي الحدس.

و الثاني: تتبع الاجماعات المنقولة في ذلك: فمنها: ما حكي عن الشيخ، قدس سره ، في العدة في هذا المقام حيث قال: (و أما ما اخترته من المذهب، فهو أن خبر الواحد إذا كان و اردا من طريق أصحابنا القائلين بالامامة - و كان ذلك مرويا عن النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أو عن أحد الائمة، عليهم السلام و كان ممن لا يطعن في روايته و يكون سديدا في نقله و لم يكن هناك قرينة تدل علي صحة ما تضمنه الخبر.

لانه إذا كان هناك قرينة تدل علي صحة ذلك، كان الاعتبار بالقرينة و كان ذلك موجبا للعلم، كما تقدمت القرائن - جاز العمل به.

و الذي يدل علي ذلك إجماع الفرقة المحقة، فأني وجدتها مجمعة علي العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم و دونوها في أصولهم، لا يتناكرون ذلك و لا يتدافعون، حتي أن واحدا منهم إذا أفتي بشئ لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟

***** [146] *****

فإذا أحالهم علي كتاب معروف أو أصل مشهور و كان راويه ثقة لا ينكر حديثه، سكتوا و سلموا الامر و قبلوا قوله.

هذه عادتهم و سجيتهم من عهد النبي، صلي الله عليه و آله و من بعده من الائمة، صلوات الله عليهم، إلي زمان جعفر بن محمد، عليه السلام ، الذي إنتشر عنه العلم و كثرت الرواية من جهته.

فلولا أن العمل بهذه الاخبار كان جائزا لما أجمعوا علي ذلك، لان إجماعهم فيه معصوم و لا يجوز عليه الغلط و السهو.

و الذي يكشف عن ذلك: أنه لما كان العمل بالقياس محظورا عندهم في الشريعة لم

يعملوا به أصلا.

و إذا شذ واحد منهم و عمل به في بعض المسائل و إستعمله علي وجه المحاجة لخصمه و إن لم يكن إعتقاده، ردوا قوله و أنكروا عليه و تبرأوا من قوله حتي أنهم يتركون تصانيف من وصفناه و رواياته لما كان عاملا بالقياس.

فلو كان العمل بالخبر الواحد جري بذلك المجري لوجب فيه أيضا مثل ذلك و قد علمنا خلافه.

فإن قيل: كيف تدعون إجماع الفرقة المحقة علي العمل بخبر الواحد و المعلوم من حالها أنها لا تري العمل بخبر الواحد، كما أن من المعلوم أنها لا تري العمل بالقياس.

فإن جاز إدعاء أحدهما جاز إدعاء الاخر.

قيل له: المعلوم من حالها الذي لا ينكر أنهم لا يرون العمل بخبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد و يختصون بطريقه، فأما ما كان رواته منهم و طريقه أصحابهم، فقد بينا أن المعلوم خلاف ذلك و بينا الفرق بين ذلك و بين القياس و أنه لو كان معلوما حظر العمل بالخبر الواحد لجري مجري العلم بحظر القياس و قد علم خلاف ذلك.

فإن قيل: إ ليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم في أن خبر الواحد لا يعمل به و يدفعونهم عن صحة ذلك، حتي أن منهم من يقول: لا يجوز ذلك عقلا و منهم من يقول: لا يجوز ذلك سمعا، لان الشرع لم يرد به.

و ما رأينا أحدا تكلم في جواز ذلك و لا صنف فيه كتابا و لا أملي فيه مسألة، فكيف أنتم تدعون خلاف ذلك؟ قيل له: من أشرت إليهم من المنكرين لاخبار الآحاد، إنما تكلموا من خالفهم

***** [147] *****

في الاعتقاد و دفعوهم من وجوب العمل بما يروونه من الاخبار المتضمنة للاحكام التي يروون خلافها.

و ذلك صحيح علي

ما قدمناه و لم نجدهم إختلفوا في ما بينهم و أنكر بعضهم علي بعض العمل بما يروونه إلا في مسائل دل الدليل الموجب للعلم علي صحتها.

فإذا خالفوهم فيها أنكروا عليهم، لمكان الادلة الموجبة للعلم و الاخبار المتواترة بخلافه.

علي أن الذين أشير إليهم في السؤال أقوالهم متميزة بين اقوال الطائفة المحقة و قد علمنا أنه لم يكونوا أئمة معصومين.

و كل قول قد علم قائله و عرف نسبه و تميز من أقاويل سائر الفرقة المحقة لم يعتد بذلك القول، لان قول الطائفة إنما كان حجة من حيث كان فيهم معصوم.

فإذا كان القول من غير معصوم علم أن قول المعصوم داخل في باقي الاقوال و وجب المصير إليه علي ما بينته في الاجماع)، إنتهي موضع الحاجة من كلامه.

ثم أورد علي نفسه: بأن العقل إذا جوز التعبد بخبر الواحد و الشرع ورد به، فما الذي يحملكم علي الفرق بين ما يرويه الطائفة المحقة و بين ما يرويه أصحاب الحديث من العامة.

ثم أجابإ عن ذلك: بأن خبر الواحد إذا كان دليلا شرعيا فينبغي أن يستعمل بحسب ما قررته الشريعة و الشارع يري العمل بخبر طائفة خاصة فليس لنا التعدي إلي غيرها. علي أن العدالة شرط في الخبر بلا خلاف و من خالف الحق لم يثبت عدالته، بل ثبت فسقه.

ثم أورد علي نفسه: بأن العمل بخبر الواحد يوجب كون الحق من جهتين عند تعارض خبرين.

ثم أجأب: أولا، بالنقض بلزوم ذلك عند من منع العمل بخبر الواحد إذا كان هناك خبران متعارضان، فإنه يقول مع عدم الترجيح بالتخيير، فإذا اختار كلا منهما إنسان لزم كون الحق في جهتين.

و أيد ذلك: بأنه قد سئل الصادق، عليه السلام ، عن إختلاف أصحابه في المواقيت

و غيرها، فقال عليه السلام : (أنا خالفت بينهم).

قال بعد ذلك:

***** [148] *****

فإن قيل: كيف تعملون بهذه الاخبار و نحن نعلم أن رواتها، كما رووها، رووا أيضا أخبار الجبر و التفريض و غير ذلك من الغلو و التناسخ و غير ذلك من المناكير، فكيف يجوز الاعتماد علي ما يرويه أمثال هؤلاء.

قلنا لهم:

ليس كل الثقات نقل حديث الجبر و التشبيه و لو صح أنه نقل لم يدل علي أنه كان معتقدا لما تضمنه الخبر.

و لا يمتنع أن يكون إنما رواه ليعلم أنه لم يشذ عنه شئ من الروايات، لا لانه معتقد ذلك.

و نحن لم نعتمد علي مجرد نقلهم، بل إعتمادنا علي العمل الصادر من جهتهم و ارتفاع النزاع فيما بينهم.

و أما مجرد الرواية فلا حجية فيه علي حال.

فان قيل: كيف تعولون علي هذه الروايات و أكثر رواتها المجبرة و المشبهة و المقلدة و الغلاة و الواقفية و الفطحية و غير هؤلاء، من فرق الشيعة المخالفة للاعتقاد الصحيح و من شرط خبر الواحد أن يكون روايه عدلا عند من أوجب العمل به و إن عولت علي عملهم دون روايتهم فقد وجدناهم علموا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم.

و ذلك يدل علي جواز العمل بأخبار الكفار و الفساق.

قيل لهم:

لسنا نقول إن جميع أخبار الآحاد يجوز العمل بها، بل لها شرائط نذكرها فيما بعد و نشير ههنا إلي جملة من القول فيه.

فأما ما يرويه العلماء المعتقدون للحق فلا طعن علي ذلك بهم و أما ما يرويه قوم من المقلدة فالصحيح الذي أعتقده أن المقلد للحق و إن كان مخطئا في الاصل معفو عنه و لا أحكم فيه بحكم الفساق و لا يلزم علي هذا ترك ما نقلوه.

علي أن من أشار

إليهم لا نسلم أنهم كلهم مقلدة، بل لا يمتنع أن يكونوا عالمين بالدليل علي سبيل الجملة، كما يقوله جماعة أهل العدل في كثير من أهل الاسواق و العامة.

و ليس من حيث يتعذر عليهم إيراد الحجج ينبغي أن يكونوا غير عالمين، لان إيراد الحجج و المناظرة صناعة ليس يقف حصول المعرفة علي حصولها.

كما قلنا في أصحاب الجملة.

و ليس لاحد أن يقول: هؤلاء ليسوا من أصحاب الجملة، لانهم إذا سئلوا عن التوحيد أو العدل أو صفات الائمة أو صحة النبوة. قالوا روينا كذا و يروون في ذلك كله الاخبار و ليس هذا طريق أصحاب الجملة.

و ذلك أنه ليس يمتنع أن يكون هؤلاء أصحاب الجملة و قد حصل لهم المعارف بالله. غير أنهم لما تعذر

***** [149] *****

عليهم إيراد الحجج في ذلك، أحالوا علي ما كان سهلا عليهم و ليس يلزمهم أن يعلموا أن ذلك لا يصح أن يكون دليلا إلا بعد أن يتقدم منهم المعرفة بالله و إنما الواجب عليهم أن يكونوا عالمين.

و هم عالمون علي الجملة، كما قررنا فما يتفرع عليه من الخطأ لا يوجب التكفير و لا التضليل.

و أما الفرق الذين أشار إليهم، من الواقفية و الفطحية و غير ذلك فعن ذلك جوابان).

ثم ذكر الجوابين - و حاصل أحدهما كفاية الوثاقة في العمل بالخبر.

و لهذا قبل خبر إبن بكير و بني فضال و بني سماعة و حاصل الثاني أنا لانعمل برواياتهم إلا إذا إنضم إليها رواية غيرهم.

و مثل الجواب الاخير ذكر في رواية الغلاة و من هو متهم في نقله.

و ذكر الجوابين أيضا في روايات المجبرة و المشبهة، بعد منع كونهم مجبرة و مشبهة، لان روايتهم لاخبار الجبر و التشبيه لا تدل علي ذهابهم إليه.

ثم قال:

فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم يعملوا بهذه الاخبار لمجردها، بل إنما علموا بها لقرائن إقترنت بها دلتهم علي صحتها و لاجلها عملوا بها و لو تجردت لما عملوا بها و إذا جاز ذلك لم يمكن الاعتماد علي عملهم بها.

قيل لهم:

القرائن التي تقترن بالخبر و تدل علي صحته أشياء مخصوصة نذكرها فيما بعد من الكتاب و السنة و الاجماع و التواتر و نحن نعلم أنه ليس في جميع المسائل التي إستعملوا فيها أخبار الآحاد ذلك، لانها أكثر من أن تحصي، لوجودها في كتبهم و تصانيفهم و فتاواهم و ليس في جميعها يمكن الاستدلال بالقرائن، لعدم ذكر ذلك في صريحه و فحواه أو دليله و معناه و لا في السنة المتواترة، لعدم ذكر ذلك في أكثر الاحكام، بل وجودها في مسائل معدودة و لا في إجماع، لوجود الاختلاف في ذلك. فعلم أن دعوي القرائن في جميع ذلك دعوي محالة.

و من ادعي القرائن في جميع ما ذكرنا كان السبر بيننا و بينه، بل كان معولا علي ما يعلم ضرورة خلافه و مدعيا لما يعلم من نفسه ضده و نقيضه.

و من قال عند ذلك: إني متي عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل، يلزمه أن يترك أكثر الاخبار و أكثر الاحكام و لا يحكم فيها بشئ ورد الشرع به.

و هذا يرغب أهل العلم عنه و من صار إليه لا يحسن مكالمته، لانه يكون معولا علي ما يعلم

***** [150] *****

ضرورة من الشرع خلافه)، إنتهي.

ثم أخذ في الاستدلال ثانيا علي جواز العمل بهذه الاخبار: بأنا وجدنا أصحابنا مختلفين في المسائل الكثيرة في جميع أبواب الفقه و كل منهم يستدل ببعض هذه الاخبار و لم

يعهد من أحد منهم تفسيق صاحبه و قطع المودة عنه، فدل ذلك علي جوازه عندهم.

ثم استدل ثالثا علي ذلك: بأن الطائفة وضعت الكتب لتمييز الرجال الناقلين لهذه الاخبار و بيان أحوالهم من حيث العدالة و الفسق و الموافقة في المذهب و المخالفة و بيان من يعتمد علي حديثه و من لا يعتمد و إستثنوا الرجال من جملة ما رووه في التصانيف و هذه عادتهم من قديم الوقت إلي حديثه. فلولا جواز العمل برواية من سلم عن الطعن لم يكن فائدة لذلك كله). إنتهي المقصود من كلامه، زاد الله في علو مقامه).

و قد أتي في الاستدلال علي هذا المطلب بما لا مزيد عليه، حتي أنه أشار في جملة كلامه إلي دليل الانسداد و أنه لو إقتصر علي الادلة العلمية و عمل بأصل البراءة في غيرها لزم ما علم ضرورة من الشرع خلافه.

فشكر الله سعيه.

ثم إن من العجب أن غير واحد من المتأخرين تبعوا صاحب المعالم في دعوي عدم دلالة كلام الشيخ علي حجية الاخبار المجردة عن القرينة، قال في المعالم، علي ما حكي عنه: (و الانصاف أنه لم يتضح من حال الشيخ و أمثاله مخالفتهم للسيد، قدس سره ، إذ كانت أخبار الاصحاب يومئذ قريبة العهد بزمان لقاء المعصوم، عليه السلام و إستفادة الاحكام منه و كانت القرائن المعاضدة لها متيسرة، كما اشار إليه السيد، قدس سره و لم يعلم أنه اعتمدوا علي الخبر المجرد ليظهر مخالفتهم لرأيه فيه.

و تفطن المحقق من كلام الشيخ لما قلناه، قال في المعارج: (ذهب شيخنا أبوجعفر، قدس سره ، إلي العمل بخبر الواحد العدل من رواة أصحابنا.

لكن لفظه و إن كان مطلقا فعند التحقيق يتبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا،

بل بهذه الاخبار التي رويت عن الائمة، عليهم السلام و دونها الاصحاب، لا أن كل خبر يرويه

***** [151] *****

عدل إمامي يجب العمل به. هذا هو الذي تبين لي من كلامه و يدعي إجماع الاصحاب علي العمل بهذه الاخبار.

حتي لو رواها غير الامامي و كان الخبر سليما عن المعارض و اشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الاصحاب عمل به)، إنتهي.

قال، بعد نقل هذا عن المحقق: (وما فهمه المحقق من كلام الشيخ هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه، لا ما نسبه العلامة إليه)، إنتهي كلام صاحب المعالم.

و أنت خبير بأن ما ذكره في وجه الجمع، من تيسر القرائن و عدم إعتمادهم علي الخبر المجرد، قد صرح الشيخ في عبارته المتقدمة ببداهة بطلانه، حيث قال: (إن دعوي القرائن في جميع ذلك دعوي محالة، فأن المدعي لها معول علي ما يعلم ضرورة خلافه و يعلم من نفسه ضده و نقيضه).

و الظاهر بل المعلوم أنه، قدس سره ، لم يكن عنده كتاب العدة.

و قال المحدث الاسترابادي في محكي الفوائد المدنية: (إن الشيخ، قدس سره ، لا يجيز العمل إلا بالخبر المقطوع بصدوره عنهم و ذلك هو مراد المرتضي، قدس سره ، فصارت المناقشة لفظية، لا كما توهمه العلامة و من تبعه).

إنتهي كلامه.

و قال بعض من تأخر عنه من الاخباريين في رسالته، بعدما استحسن ما ذكره صاحب المعالم:

(و لقد أحسن النظر و فهم طريقة الشيخ و السيد، قدس سره ما، من كلام المحقق، قدس سره ، كما هو حقه.

و الذي يظهر منه أنه لم ير عدة الاصول للشيخ و إنما فهم ذلك مما نقله المحقق، قدس سره و لو رآها لصدع بالحق أكثر من هذا و كم له من تحقيق

أبان من غفلات المتأخرين، كوالده و غيره و فيما ذكره كفاية لمن طلب الحق و عرفه.

و قد تقدم كلام الشيخ و هو صريح فيما فهمه المحقق، قدس سره و موافق لما يقوله السيد، قدس سره ، فليراجع.

و الذي أوقع العلامة في هذا الوهم ما ذكره الشيخ في العدة، من أنه يجوز العمل بخبر العدل الامامي و لم يتأمل بقية الكلام، كما تأمله المحقق، ليعلم أنه إنما يجوز العمل بهذه الاخبار التي روتها الاصحاب و اجتمعوا علي جواز العمل بها.

و ذلك مما يوجب العلم بصحتها، لا ان كل خبر يرويه عدم إمامي يجب العمل

***** [152] *****

به و إلا فكيف يظن بأكابر الفرقة الناجية و أصحاب الائمة، صلوات الله عليهم - مع قدرتهم علي أخذ اصول الدين و فروعه منهم - عليهم السلام - بطريق اليقين: أن يعولوا فيهما علي أخبار الآحاد المجردة.

مع أن مذهب العلامة و غيره أنه لا بد في أصول الدين من الدليل القطعي و أن المقلد في ذلك خارج عن ربقة الاسلام.

و للعلامة و غيره كثير من هذا الغفلات لالفة أذهانهم بأصول العامة.

و من تتبع كتب القدماء و عرف أحوالهم، قطع بأن الاخباريين من أصحابنا لم يكونوا يعولون في عقائدهم إلا علي الاخبار المتواترة أو الآحاد المحفوفة بالقرائن المفيدة للعلم.

و أما خبر الواحد فيوجب عندهم الاحتياط دون القضاء و الافتاء و الله الهادي)، إنتهي كلامه.

أقول: أما دعوي دلالة كلام الشيخ في العدة علي عمله بالاخبار المحفوفة بالقرائن العلمية دون االمجردة عنها و أنه ليس مخالفا للسيد، قدس سره ما، فهو كمصادمة الضرورة، فإن في العبارة المتقدمة من العدة و غيرها مما لم نذكرها، مواضع تدل علي مخالفة السيد، نعم يوافقه في العمل بهذه

الاخبار المدونة.

إلا أن السيد يدعي تواترها له و احتفافها بالقرينة المفيدة للعلم، كما صرح به في محكي كلامه، في جواب المسائل التبانيات، من: (أن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع علي صحتها، إما بالتواتر أو بأمارة و علامة تدل علي صحتها و صدق رواتها، فهي موجبة للعلم مفيدة للقطع و إن وجدناها في الكتب مودعة بسند مخصوص من طريق الآحاد)، إنتهي.

و الشيخ يأبي عن إحتفافها بها، كما عرفت من كلامه السابق في جواب ما أورده علي نفسه، بقوله: (فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم يعملوا بهذه الاخبار بمجردها، بل إنما عملوا بها لقرائن إقترنت بها دلتهم علي صحتها)، إلي آخر ما ذكره.

و مجرد عمل السيد و الشيخ بخبر خاص - لدعوي الاول تواتره و الثاني كون خبر الواحد حجة - لا يلزم منه توافقهما في مسألة حجية خبر الواحد.

فإن الخلاف فيها يثمر في خبر يدعي السيد تواتره و لا يراه الشيخ جامعا لشرائط الخبر المعتبر و في خبر يراه الشيخ جامعا و لم يحصل تواتره للسيد، إذ ليس جميع ما دون في الكتب متواترا عند السيد و لا جامعا لشرائط الحجية عند الشيخ.

***** [153] *****

ثم إن إجماع الاصحاب الذي إدعاه الشيخ علي العمل بهذه الاخبار لا يصير قرينة لصحتها بحيث تفيد العلم حتي كون حصول الاجماع للشيخ قرينة عامة لجميع هذه الاخبار.

كيف و قد عرفت إنكاره للقرائن حتي لنفس المجمعين و لو فرض كون الاجماع علي العمل قرينة، لكنه غير حاصل في كل خبر بحيث يعلم أو يظن أن هذا الخبر بالخصوص و كذا ذاك و ذاك مما اجمع علي العمل به، كما لا يخفي.

بل المراد الاجماع علي الرجوع إليها

و العمل بها بعد حصول الوثوق من الراوي أو من القرائن.

و لذا إستثني القميون كثيرا من رجال نوادر الحكمة، مع كونه من الكتب المشهورة المجمع علي الرجوع إليها و استثني إبن الوليد من روايات العبيدي ما يرويها عن يونس، مع كونها في الكتب المشهورة.

و الحاصل أن معني الاجماع علي العمل بها عدم ردها من جهة كونها أخبار آحاد، لا الاجماع [علي العمل] بكل خبر منها.

ثم إن ما ذكره - من تمكن أصحاب الائمة، عليهم السلام ، من أخذ الاصول و الفروع بطريق اليقين - دعوي ممنوعة واضحة المنع.

و أقل ما يشهد عليها ما علم بالعين و الاثر من إختلاف أصحابهم - صلوات الله عليهم - في الاصول و الفروع و لذا شكي غير واحد من أصحاب الائمة، عليهم السلام ، إليهم إختلاف أصحابهم، فأجابوهم تارة بأنهم، عليهم السلام ، قد ألقوا الاختلاف بينهم حقنا لدمائهم، كما في رواية حريز و زرارة و أبي أيوب الخزاز و أخري أجابوهم بأن ذلك من جهة الكذابين، كما في رواية فيض بن المختار: (قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام :

جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ مَا هَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي بَيْنَ شِيعَتِكُمْ؟

قَالَ:

وَ أَيُّ الِاخْتِلَافِ يَا فَيْضُ!

قلت لَهُ الْفَيْضُ إِنِّي لَأَجْلِسُ فِي حَلَقِهِمْ بِالْكُوفَةِ فَأَكَادُ أَنْ أَشُكَّ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِيثِهِمْ حَتَّي أَرْجِعَ إِلَي الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ فَيُوقِفُنِي مِنْ ذَلِكَ عَلَي مَا تَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ نَفْسِي

فَقَالَ عليه السلام أَجَلْ هُوَ كَمَا ذَكَرْتَ يَا فَيْضُ إِنَّ النَّاسَ أُولِعُوا بِالْكَذِبِ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ لَا يُرِيدُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ وَ إِنِّي أُحَدِّثُ أَحَدَهُمْ بِالْحَدِيثِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِي حَتَّي يَتَأَوَّلَهُ عَلَي غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ بِحَدِيثِنَا وَ بِحُبِّنَا مَا عِنْدَ اللَّهِ وَ إِنَّمَا يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا

وَ كُلٌّ يُحِبُّ أَنْ يُدْعَي رَأْساً).

و قريب منها: رواية داود بن سرحان و إستثناء القميين كثيرا من رجال نوادر الحكمة معروف،

***** [154] *****

و قصة إبن أبي العوجاء أنه قال عند قتله: (قد دسست في كتبكم أربعة آلاف حديث) مذكورة في الرجال.

و كذا ما ذكره يونس بن عبدالرحمن، من أنه أحاديث كثيرة من أصحاب الصادقين، عليهما السلام ثم عرضها علي أبي الحسن الرضا، عليه السلام ، فانكر منها أحاديث كثيرة، إلي غير ذلك مما يشهد بخلاف ما ذكره.

و أما ما ذكره - من عدم الاخباريين في عقائدهم إلا علي الاخبار المتواترة و الآحاد العلمية - ففيه: أن الاظهر في مذهب الاخباريين ما ذكره العلامة، من أن الاخباريين لم يعولوا في أصول الدين و فروعه إلا علي أخبار الآحاد.

و لعلهم المعنيون مما ذكره الشيخ في كلامه السابق في المقلدة، أنهم إذا سئلوا عن التوحيد و صفات الائمة و النبوة، قالوا: روينا كذا و أنهم يروون في ذلك الاخبار.

و كيف كان، فدعوي دلالة كلام الشيخ في العدة علي موافقة السيد، في غاية الفساد.

لكنها غير بعيدة ممن يدعي قطعية صدور أخبار الكتب الاربعة، لانه إذا ادعي القطع لنفسه بصدور الاخبار التي أودعها الشيخ في كتابيه، فكيف يرضي للشيخ و من تقدم عليه من المحدثين أن يعملوا بالاخبار المجردة عن القرينة.

و أما صاحب المعالم، قدس سره ، فعذره أنه لم يحضره عدة الشيخ حين كتابة هذا الموضع، كما حكي عن بعض حواشيه و اعترف به هذا الرجل.

و أما المحقق، قدس سره ، فليس في كلامه المتقدم منع دلالة كلام الشيخ علي حجية خبر الواحد المجرد مطلقا و إنما منع من دلالته علي الايجاب الكلي و هو أن كل خبر يرويه

عدل إمامي يعمل به و خص مدلوله بهذه الاخبار التي دونها الاصحاب و جعله موافقا لما إختاره في المعتبر من التفصيل في أخبار الآحاد المجردة بعد ذكر الاقوال فيها و هو: (أن ما قبله الاصحاب أو دلت القرائن علي صحته عمل به و ما أعرض الاصحاب عنه أو شذ يجب طرحه) إنتهي.

و الانصاف: أن ما فهمه العلامة من إطلاق قول الشيخ بحجية خبر العدل الامامي أظهر مما فهمه المحقق من التقييد، لان الظاهر أن الشيخ إنما يتمسك بالاجماع علي العمل بالروايات المدونة في كتب الاصحاب علي حجية مطلق خبر العدل الامامي، بناء منه علي أن الوجه في عملهم بها كونها أخبار عدول.

و كذا ما ادعاه من الاجماع علي العمل بروايات الطوائف الخاصة من غير الامامية و إلا فلم يأخذه في عنوان مختاره و لم يشترط كون الخبر مما رواه الاصحاب و عملوا به،

***** [155] *****

فراجع كلام الشيخ و تأمله و الله العالم و هو الهادي إلي الصواب.

ثم إنه لا يبعد وقوع مثل هذا التدافع بين دعوي السيد و دعوي الشيخ، مع كونهما معاصرين خبيرين بمذهب الاصحاب في العمل بخبر الواحد.

فكم من مسألة فرعية وقع الاختلاف بينهما في دعوي الاجماع فيها.

مع أن المسألة الفرعية أولي بعدم خفاء مذهب الاصحاب فيها عليهما، لان المسائل الفرعية معنونة في الكتب مفتي بها غالبا بالخصوص.

نعم قد يتفق دعوي الاجماع بملاحظة قواعد الاصحاب و المسائل الاصولية لم تكن معنونة في كتبهم.

إنما المعلوم من حالهم أنهم عملوا بأخبار و طرحوا أخبارا.

فلعل وجه عملهم بما عملوا كونه متواترا أو محفوفا عندهم، بخلاف ما طرحوا، علي ما يدعيه السيد، قدس سره ، علي ما صرح به في كلامه المتقدم، من أن الاخبار المودعة في

الكتب بطريق الآحاد متواترة أو محفوفة.

و نص في مقام آخر علي أن معظم الاحكام يعلم بالضرورة و الاخبار المعلومة.

و يحتمل كون الفارق بين ما عملوا و ما طرحوا مع إشتراكهما في عدم التواتر و الاحتفاف فقد شرط العمل في أحدهما دون الاخر علي ما يدعيه الشيخ، قدس سره ، علي ما صرح به في كلامه المتقدم، من الجواب عن إحتمال كون عملهم بالاخبار لاقترانها بالقرائن.

نعم لا يناسب ما ذكرنا من الوجه تصريح السيد بأنهم شددوا الانكار علي العامل بخبر الواحد.

و لعل الوجه فيه: ما اشار إليه الشيخ في كلامه المتقدم بقوله: (إنهم منعوا من الاخبار التي رواها المخالفون في المسائل التي روي أصحاب خلافها).

و استبعد هذا صاحب المعالم في حاشية منه علي هامش المعالم، بعدما حكاه عن الشيخ: (بأن الاعتراف بانكار عمل الامامية بأخبار الآحاد لا يعقل صرفه إلي روايات مخالفيهم، لان إشتراط العدالة عندهم و إنتفاء ها في غيرهم كاف في الاضراب عنها، فلا وجه للمبالغة في نفي العمل بخبر يروونه)، إنتهي.

و فيه: أنه يمكن أن يكون إظهار هذا المذهب للتجنن به في مقام لا يمكنهم التصريح بفسق الراوي، فاحتالوا في ذلك بأنا لا نعمل إلا بما حصل لنا القطع بصدقه بالتواتر أو بالقرائن و لا دليل عندنا علي العمل بالخبر الظني و إن كان راويه غير مطعون.

و في عبارة الشيخ المتقدمة إشارة

***** [156] *****

إلي ذلك حيث خص إنكار الشيوخ للعمل بالخبر المجرد بصورة المناظرة مع خصومهم.

و الحاصل: أن الاجماع الذي ادعاه السيد، قدس سره ، قولي و ما إدعاه الشيخ، قدس سره ، إجماع عملي و الجمع بينهما يمكن بحمل عملهم علي ما احتف بالقرينة عندهم و بحمل قولهم علي ما ذكرنا من الاحتمال

في دفع الروايات الواردة فيما لا يرضونه من المطالب.

و الحمل الثاني مخالف لظاهر القول و الحمل الاول ليس مخالفا لظاهر العمل، لان العمل مجمل من أجل الجهة التي وقع عليها.

إلا أن الانصاف: أن القرائن تشهد بفساد الحمل الاول، كما سيأتي.

فلا بد من حمل قول من حكي عنهم السيد المنع، إما علي ما ذكرنا، من إرادة دفع أخبار المخالفين التي لا يمكنهم ردها بفسق الراوي و إما علي ما ذكره الشيخ، من كونهم جماعة معلومي النسب لا يقدح مخالفتهم بالاجماع.

و يمكن الجمع بينهما بوجه آخر: و هو أن مراد السيد، قدس سره ، من العلم الذي إدعاه في صدق الاخبار هو مجرد الاطمينان، فإن المحكي عنه، قدس سره ، في تعريف العلم أنه ما اقتضي سكون النفس.

و هو الذي ادعي بعض الاخباريين أن مرادنا بالعلم بصدور الاخبار هو هذا المعني، لا اليقين الذي لا يقبل الاحتمال رأسا.

فمراد الشيخ من تجرد هذه الاخبار عن القرائن تجردها عن القرائن الاربع التي ذكرها أولا و هي موافقة الكتاب أو السنة أو الاجماع أو دليل العقل.

و مراد السيد من القرائن التي إدعي في عبارته المتقدمه إحتفاف أكثر الاخبار بها هي الامور الموجبة للوثوق بالراوي أو بالرواية بمعني سكون النفس بهما و ركونها إليهما.

و حينئذ فيحمل إنكار الامامية للعمل بخبر الواحد علي إنكارهم للعمل به تعبدا، أو لمجرد حصول رجحان بصدقه علي ما يقوله المخالفون.

و الانصاف: أنه لم يتضح من كلام الشيخ دعوي الاجماع علي أزيد من الخبر الموجب لسكون النفس و لو بمجرد وثاقة الراوي و كونه سديدا في نقله لم يطعن في روايته.

و لعل هذا الوجه أحسن وجوه الجمع بين كلامي الشيخ و السيد، قدس سره ما، خصوصا مع

ملاحظة تصريح السيد، قدس سره ، في كلامه بأن أكثر الاخبار متواترة أو محفوفة و تصريح الشيخ، قدس سره ، في كلامه المتقدم بإنكار ذلك.

و ممن نقل الاجماع علي حجية أخبار الآحاد:

السيد الجليل رضي الدين إبن طاووس، حيث قال في جملة كلام له يطعن فيه علي السيد، قدس سره ، : (ولا يكاد تعجبي ينقضي كيف إشتبه عليه أن الشيعة تعمل بأخبار الآحاد

***** [157] *****

في الامور الشرعية و من إطلع علي التواريخ و الاخبار و شاهد عمل ذوي الاعتبار، وجد المسلمين و المرتضي و علماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين، كما ذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب العدة و غيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة و غيرهم من المصنفين)، إنتهي.

و فيه دلالة علي أن غير الشيخ من العلماء أيضا إدعي الاجماع علي عمل الشيعة بأخبار الآحاد.

و ممن نقل الاجماع أيضا العلامة، رحمه الله، في النهاية حيث قال: (إن الاخباريين منهم لم يعولوا في أصول الدين و فروعه إلا علي أخبار الآحاد و الاوصوليين منهم، كأبي جعفر الطوسي عمل بها و لم ينكره سوي المرتضي و أتباعه، لشبهة حصلت لهم)، إنتهي.

و ممن إدعاه أيضا المحدث المجلسي، قدس سره ، في بعض رسائله، حيث إدعي تواتر الاخبار و عمل الشيعة في جميع الاعصار علي العمل بخبر الواحد.

ثم إن مراد العلامة، قدس سره ، من الاخباريين يمكن أن يكون مثل الصدوق و شيخه، قدس سره ما، حيث أثبتا السهو للنبي، صلي الله عليه و آله و الائمة، عليهم السلام ، لبعض أخبار الآحاد و زعما أن نفيه عنهم، عليهم السلام ، أول درجة في الغلو و يكون ما تقدم في كلام الشيخ من

المقلدة الذين إذا سئلوا عن التوحيد و صفات النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و الائمة عليهم السلام قالوا: روينا كذا و رووا في ذلك الاخبار.

و قد نسب الشيخ، قدس سره ، في هذا المقام من العدة العمل بأخبار الآحاد في أصول الدين إلي بعض غفلة أصحاب الحديث.

ثم إنه يمكن أن يكون الشبهة التي ادعي العلامة، قدس سره ، حصولها للسيد و أتباعه هو زعم الاخبار التي عمل بها الاصحاب و دونوها في كتبهم محفوفة عندهم بالقرائن، أو أن من قال من شيوخهم بعدم حجية أخبار الآحاد أراد بها مطلق الاخبار، حتي الاخبار الواردة من طرق أصحابنا مع وثاقة الراوي، أو أن مخالفته لاصحابنا في هذه المسألة لاجل شبهة حصلت له، فخالف المتفق عليه بين الاصحاب.

ثم إن دعوي الاجماع علي العمل بأخبار الآحاد و إن لم يطلع عليها صريحة في كلام غير الشيخ

***** [158] *****

و إبن طاووس و العلامة و المجلسي، قدست أسرارهم، إلا أن هذه الدعوي منهم مقرونة بقرائن تدل علي صحتها و صدقها، فخرج عن الاجماع المنقول بخبر الواحد المجرد عن القرينة و يدخل في المحفوف بالقرينة و بهذا الاعتبار يتمسك بها علي حجية الاخبار.

بل السيد، قدس سره ، قد إعترف في بعض كلامه المحكي، كما يظهر منه، بعمل الطائفة بأخبار الآحاد، إلا أنه يدعي أنه لما كان من المعلوم عدم علمهم بالاخبار المجردة، كعدم علمهم بالقياس، فلا بد من حمل موارد عملهم علي الاخبار المحفوفة.

قال في الموصليات، علي ما حكي عنه في محكي السرائر: (إن قيل: أليس شيوخ هذا الطائفة عولوا في كتبهم في الاحكام الشرعية علي الاخبار التي رووها عن ثقاتهم و جعلوها العمدة و الحجة في الاحكام حتي

رووا عن ائمتهم، عليهم السلام ، فيما يجئ مختلفا من الاخبار عند عدم الترجيح أن يؤخذ منه ما هو أبعد من قول العامة و هذا يناقض ما قدمتموه.

قلنا: ليس ينبغي أن يرجع عن الامور المعلومة المشهورة المقطوع عليها إلي ما هو مشتبه و ملتبس و مجمل و قد علم كل موافق و مخالف أن الشيعة الامامية تبطل القياس في الشريعة حيث لا يؤدي إلي العلم و كذلك نقول في أخبار الآحاد)، إنتهي المحكي عنه.

و هذا الكلام، كما تري، يظهر منه عمل الشيوخ بأخبار الآحاد، إلا أنه، قدس سره ، إدعي معلومية خلافه من مذهب الامامية، فترك هذا الظهور أخذا بالمقطوع و نحن نأخذ بما ذكره أولا، لاعتضاده بما يوجب الصدق، دون ما ذكره أخيرا، لعدم ثبوته إلا من قبله.

و كفي بذلك موهنا، بخلاف الاجماع المدعي من الشيخ و العلامة، فإنه معتضد بقرائن كثيرة تدل علي صدق مضمونها و أن الاصحاب عملوا بالخبر الغير العلمي في الجملة: فمن تلك القرائن: ما إدعاه الكشي من إجماع العصابة علي تصحيح ما يصح عن جماعة.

فإن من المعلوم أن معني التصحيح المجمع عليه هو عد خبره صحيحا، بمعني علملهم به، لا القطع بصدوره، إذ الاجماعه وقع علي التصحيح، لا علي الصحة، مع أن الصحة عندهم علي ما صرح به غير واحد عبارة عن الوثوق و الركون، لا القطع و اليقين.

***** [159] *****

و منها: دعوي النجاشي أن مراسيل إبن أبي عمير مقبولة عند الاصحاب.

و هذه العبارة تدل علي عمل الاصحاب بمراسيل مثل إبن أبي عمير، لا من أجل القطع بالصدور، بل لعلمهم أنه لا يروي أو لا يرسل إلا عن ثقة.

فولا قبولهم لما يسنده الثقة إلي الثقة لم يكن وجه لقبول

مراسيل إبن أبي عمير الذي لا يروي إلا عن الثقة و الاتفاق المذكور قد إدعاه الشهيد في الذكري أيضا.

و عن كاشف الرموز تلميذ المحقق: أن الاصحاب عملوا بمراسيل البزنطي.

و منها: ما ذكره إبن إدريس في رسالة خلاصة الاستدلال التي صنفها في مسألة فورية القضاء، في مقام دعوي الاجماع علي المضايقة و أنها مما أطبقت عليه الامامية إلا نفر يسير من الخراسانيين، قال في مقام تقريب الاجماع: (إن إبني بابويه و الاشعريين، كسعد به عبدالله و سعيد بن سعد و محمد بن علي بن محبوب و القميين أجمع، كعلي بن إبراهيم و محمد بن الحسن بن الوليد، عاملون بالاخبار المتضمنة للمضايقة، لانهم ذكروا أنه لا يحل رد الخبر الموثوق برواته) إنتهي.

فقد استدل علي مذهب الامامية بذكرهم لاخبار المضايقة و ذهابهم إلي العمل برواية الثقة، فاستنتج من هاتين المقدمتين ذهابهم إلي المضايقة.

و ليت شعري إذا علم إبن إدريس أن مذهب هؤلاء - الذين هم أصحاب الائمة، عليهم السلام و يحصل العلم بقول الامام، عليه السلام ، من إتفاقهم - وجوب العمل برواية الثقة و أنه لا يحل ترك العمل بها، فكيف تبع السيد في مسألة خبر الواحد، إلا أن يدعي أن المراد بالثقة من يفيد قوله القطع - و فيه ما لا يخفي - أو يكون مراده و مراد السيد، قدس سره ما، من الخبر العلمي ما يفيد الوثوق و الاطمينان، لا ما يوجب اليقين، علي ما ذكرناه سابقا في الجمع بين كلامي السيد و الشيخ، قدس سره ما.

و منها: ما ذكره المحقق في المعتبر، في مسألة خبر الواحد، حيث قال: (أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتي إنقادوا لكل خبر و ما فطنوا لما تحته من

التناقض، فإن من جملة الاخبار قول النبي صلي الله عليه و آله : (ستكثر بعدي القالة علي) و قول الصادق عليه السلام : (إن لكل رجل منا رجلا يكذب

***** [160] *****

عليه) و إقتصر بعضهم عن هذا الافراط فقال: (كل سليم السند يعلم به).

و ما علم أن الكاذب قد يصدق و لم يتنبه علي أن ذلك طعن في علماء الشيعة و قدح في المذهب، إذ ما من مصنف إلا و هو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل.

و أفرط آخرون في طريق رد الخبر حتي أحالوا إستعماله عقلا.

و اقتصر آخرون، فلم يروا العقل مانعا، لكن الشرع لم يأذن في العمل به.

و كل هذه الاقوال منحرفة عن السنن.

و التوسط أقرب، فما قبله الاصحاب أو دلت القرائن علي صحته عمل به و ما أعرض عنه الاصحاب أو شذ يجب إطراحه) إنتهي.

و هو - كما تري - ينادي بأن علماء الشيعة قد يعملون بخبر المجروج كما يعملون بخبر العدل.

و ليس المراد عملهم بخبر المجروح و العدل إذا أفاد العلم بصدقه، لان كلامه في الخبر الغير العلمي و هو الذي أحال قوم إستعماله عقلا و منعه آخرون شرعا.

و منها: ما ذكره الشهيد في الذكري و المفيد الثاني ولد شيخنا الطوسي، من أن الاصحاب قد عملوا بشرائع الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عند إعواز النصوص تنزيلا لفتاواه منزلة رواياته.

و لو لا عمل الاصحال برواياته الغير العلمية لم يكن وجه للعمل بتلك الفتاوي عند عدم رواياته.

و منها: ما ذكره المجلسي في البحار في تأويل بعض الاخبار التي تقدم ذكرها في دليل السيد و أتباعه مما دل علي المنع من العمل بالخبر الغير المعلوم الصدور، من: (أن عمل أصحاب الائمة، عليهم السلام

، بالخبر الغير العلمي متواتر بالمعني).

و لا يخفي: أن شهادة مثل هذا المحدث الخبير الغواص في بحار أنوار أخبار الائمة الاطهار بعمل أصحاب الائمة، عليهم السلام ، بالخبر الغير العلمي و دعواه حصول القطع له بذلك من جهة التواتر، لا يقصر عن دعوي الشيخ و العلامة الاجماع علي العمل بأخبار الآحاد.

و سيأتي أن المحدث الحر العاملي في الفصول المهمه إدعي أيضا تواتر الاخبار بذلك.

و منها: ما ذكره شيخنا البهائي في مشرق الشمسين من: (أن الصحيح عند القدماء ما كان محفوفا بما يوجب ركون النفس إليه).

***** [161] *****

و ذكر فيما يوجب الوثوق أمورا لا تفيد إلا الظن و معلوم أن الصحيح عندهم هو المعمول به و ليس هذا مثل الصحيح عند المتأخرين في أنه قد لا يعمل به، لاعراض الاصحاب عنه أو لخلل آخر.

فالمراد أن المقبول عندهم ما تركن إليه النفس و تثق به.

هذا ما حضرني من كلمات الاصحاب، الظاهرة في دعوي الاتفاق علي العمل بخبر الواحد الغير العلمي في الجملة، المؤيدة لما إدعاه الشيخ و العلامة.

و إذا ضممت إلي ذلك كله ذهاب معظم الاصحاب بل كلهم، عدا السيد و أتباعه، من زمان الصدوق إلي زماننا هذا، إلي حجية الخبر الغير العلمي، حتي أن الصدوق تابع في التصحيح و الرد لشيخه إبن الوليد و أن ما صححه فهو صحيح و أن ما رده فهو مردود، كما صرح به في صلاة الغدير في الخبر الذي رواه في العيون عن كتاب الرحمة، ثم ضممت إلي ذلك ظهور عبارة أهل الرجال في تراجم كثير من الرواة في كون العمل بالخبر الغير العلمي مسلما عندهم، مثل قولهم:

فلان لا يعتمد علي ما ينفرد به و فلان مسكون في روايته و فلان

صحيح الحديث و الطعن في بعض بأنه يعتمد الضعفاء و المراسيل، إلي غير ذلك و ضممت إلي ذلك ما يظهر من بعض أسؤلة الروايات السابقة، من أن العمل بالخبر الغير العلمي كان مفروغا عنه عند الرواة - تعلم علما يقينا صدق ما ادعاه الشيخ من إجماع الطائفة.

و الانصاف: أنه لم يحصل في مسألة يدعي فيها الاجماع من الاجماعات المنقولة و الشهرة العظيمة القطعية و الامارات الكثيرة الدالة علي العمل ما حصل في هذه المسألة، فالشاك في تحقق الاجماع في هذه المسألة، لا أراه يحصل له الاجماع في مسألة من المسائل الفقهية، اللهم إلا في ضروريات المذهب.

لكن الانصاف: أن المتيقن من هذا كله الخبر المفيد للاطمينان، لا مطلق الظن و لعله مراد السيد من العلم، كما أشرنا إليه آنفا.

بل ظاهر كلام بعض إحتمال أن يكون مراد السيد، قدس سره ، من خبر غير مراد الشيخ، قدس سره.

قال الفاضل القزويني في لسان الخواص، علي ما حكي عنه: (إن هذه الكلمة، أعني خبر الواحد، علي ما يستفاد من تتبع كلماتهم، يستعمل في ثلاثة معان:

(1) - أحدهما الشاذ النادر الذي لم يعمل به أحد، أو ندر من يعمل به و يقابله ما

***** [162] *****

عمل به كثيرون.

(2) - الثاني: ما يقابل المأخوذ من الثقات المحفوظ في الاصول المعمولة عند جميع خواص الطائفة، فيشمل الاول و مقابله.

(3) - الثالث: ما يقابل المتواتر القطعي الصدور و هذا يشمل الاولين و ما يقابلهما).

ثم ذكر ما حاصله:

1) - (إن ما نقل إجماع الشيعة علي إنكاره هو الاول

2) - و ما انفرد السيد، قدس سرة، برده هو الثاني.

3) - و أما الثالث: فلم يتحقق من أحد نفيه علي الاطلاق)، إنتهي.

و هو كلام حسن.

و أحسن منه

ما قدمناه، من أن المراد السيد من العلم ما يشمل الظن الاطميناني، كما يشهد به التفسير المحكي عنه للعلم:

بأنه ما اقتضي سكون النفس و الله العالم.

(2) - الثاني: من وجوه تقرير الاجماع أن يدعي الاجماع، حتي من السيد و أتباعه، علي وجوب العمل بالخبر الغير العلمي، في زماننا هذا و شبهه مما انسد فيه باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر، فإن الظاهر أن السيد إنما منع من ذلك لعدم الحاجة إلي خبر الواحد المجرد.

كما يظهر من كلامه المتضمن للاعتراض علي نفسه، بقوله: (فإن قلت: إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد، فعلي أي شئ تعولون في الفقه كله).

فأجاب بما حاصله: إن معظم الفقه يعلم بالضرورة و الاجماع و الاخبار العلمية.

و ما يبقي من المسائل الخلافية يرجع فيها إلي التخيير).

و قد إعترف السيد، رحمه الله، في بعض كلامه علي ما في المعالم، بل و كذا الحلي في بعض كلامه، علي ما هو ببالي: بأن العمل بالظن متعين فيما لا سبيل فيه إلي العلم.

(3) - الثالث:

من وجوه تقرير الاجماع إستقرار سيرة المسلمين طرا علي إستفادة الاحكام الشرعية من أخبار الثقات المتوسطة بينهم و بين الامام، عليه السلام ، أو المجتهد.

أتري أن المقلدين يتوقفون في العمل بما يخبرهم الثقة عن المجتهد، أو الزوجة تتوقف فيما يحيكه زوحها من المجتهد في مسائل حيضها و ما يتعلق بها إلي أن يعلموا من المجتهد تجويز العمل بالخبر الغير

***** [163] *****

العلمي؟ و هذا مما لا شك فيه و دعوي حصول القطع لهم في جميع الموارد بعيدة عن الانصاف.

نعم المتيقن من ذلك صورة حصول الاطمينان بحيث لا يعتني باحتمال الخلاف.

و قد حكي إعتراض السيد، قدس سره ، علي نفسه: ب (أنه لا خلاف بين

الامة في أن من و كل وكيلا أو إستناب صديقا في إبتياع أمة أو عقد علي إمرأة في بلدته أو في بلاد نائية - فحمل إليه الجارية وزف إليه المرأة و أخبره أنه أزاح العلة في ثمن الجارية و مهر المرأة و أنه اشتري هذه و عقد علي تلك: - إن له وطئها و الانتفاع بها في كل ما يسوغ للمالك و الزوج.

و هذه سبيله مع زوجته و أمته إذ أخبرته بطهرها و حيضها و يرد الكتاب علي المرأة بطلاق زوجها أو بموته فتتزوج و علي الرجل بموت إمرأته، فيتزوج أختها.

و كذا لا خلاف بين الامة في أن للعالم أن يفتي و للعامي أن يأخذ منه مع عدم علم أن ما أفتي به من شريعة الاسلام و أنه مذهبه).

فأجاب بما حاصله: (إنه إن كان الغرض من هذه الرد علي من أحال التعبد بخبر الواحد فمتوجه، فلا محيص و إن كان الغرض الاحتجاج به علي وجوب العمل بأخبار الآحاد في التحليل و التحريم، فهذه مقامات ثبت فيها التعبد بأخبار الآحاد من طرق علمية من إجماع و غيره علي أنحاء مختلفة، في بعضها لا يقبل إلا إخبار أربعة و في بعضها لا يقبل إلا عدلان و في بعضها يكفي قول العدل الواحد و في بعضها يكفي خبر الفاسق و الذمي، كما في الوكيل و مبتاع الامة و الزوجة في الحيض و الطهر.

و كيف يقاس علي ذلك رواية الاخبار في الاحكام).

أقول: المعترض، حيث إدعي الاجماع علي العمل في الموارد المذكورة، فقد لقن الخصم طريق إلزامه و الرد عليه بأن هذه الموارد للاجماع و لو إدعي إستقرار سيرة المسلمين علي العمل في الموارد المذكورة و إن لم يطلعوا علي

كون ذلك إجماعا عند العلماء كان أبعد عن الرد، فتأمل.

(4) - الرابع: [من وجوه تقرير الاجماع]

إستقرار طريقة العقلاء طرا علي الرجوع إلي خبر الثقة في أمورهم العادية و منها الاوامر الجارية من الموالي إلي العبيد.

***** [164] *****

فنقول: إن الشارع إن إكتفي بذلك منهم في الاحكام الشرعية فهو و إلا وجب عليه ردعهم و تنبيههم علي بطلان سلوك هذا الطريق في الاحكام الشرعية، كما ردع في مواضع خاصة.

و حيث لم يردع علم منه رضاه بذلك، لان اللازم في باب الاطاعة و المعصية الاخذ بما يعد طاعة في العرف و ترك ما يعد معصية، كذلك.

فإن قلت: يكفي في ردعهم الايات المتكاثرة و الاخبار المتظافرة بل المتواترة علي حرمة العمل بما عدا العلم.

قلت: قد عرفت إنحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم في أمرين و أن الايات و الاخبار راجعة إلي أحدهما.

الاول:

أن العمل بالظن و التعبد به من دون توقيف من الشارع تشريع محرم بالادلة الاربعة.

و الثاني أن فيه طرحا لادلة الاصول العملية و اللفظية التي إعتبرها الشارع عند عدم العلم بخلافها.

و شئ من هذين الوجهين لا يوجب ردعهم عن العمل، لكون حرمة العمل بالظن من أجلهما مركوزا في ذهن العقلاء، لان حرمة التشريع ثابت عندهم و الاصول العملية و اللفظية معتبرة عندهم، مع عدم الدليل علي الخلاف.

و مع ذلك نجد بناء هم علي العمل بالخبر الموجب للاطمينان.

و السر في ذلك عدم جريان الوجهين المذكورين بعد إستقرار سيرة العقلاء علي العمل بالخبر، لانتفاء التشريع، مع بناء هم علي سلوكه في مقام الاطاعة و المعصية، فإن الملتزم بفعل ما أخبر الثقة بوجوبه و ترك ما أخبر بحرمته لا يعد مشرعا، بل لا يشكون في كونه مطيعا و لذا يعولون

عليه في أوامرهم العرفية من الموالي إلي العبيد، مع أن قبح التشريع عند العقلاء لا يختص بالاحكام الشرعية.

و أما الاصول المقابلة للخبر، فلا دليل علي جريانها في مقابل خبر الثقة، لان الاصول التي مدركها حكم العقل، لا الاخبار، لقصورها عن إفادة إعتبارها، كالبراءة و الاحتياط و التخيير، لا إشكال في عدم جريانها في مقابل خبر الثقة، بعد الاعتراف ببناء العقلاء علي العمل به في أحكامها العرفية، لان نسبة العقل في حكمه بالعمل بالاصول المذكورة إلي الاحكام الشرعية و العرفية سواء.

و أما الاستصحاب، فإن أخذ من العقل فلا إشكال في أنه لا يفيد الظن في المقام و إن أخذ من الاخبار فغاية الامر حصول الوثوق بصدورها دون اليقين.

و أما الاصول اللفظية، كالاطلاق و العموم، فليس بناء أهل اللسان علي إعتبارها حتي في

***** [165] *****

مقام وجود الخبر الموثوق به في مقابلها، فتأمل.

(5) - الخامس:

[من وجوه تقرير الاجماع] ما ذكره العلامة في النهاية من إجماع الصحابة علي العمل بخبر الواحد من غير نكير و قد ذكر في النهاية مواضع كثيرة عمل فيها الصحابة بخبر الواحد.

و هذا الوجه لا يخلو من تأمل، لانه إن أريد من الصحابة العاملين بالخبر من كان في ذلك الزمان لا يصدر إلا عن رأي الحجة، عليه السلام ، فلم يثبت عمل أحد منهم بخبر الاحد فضلا عن ثبوت تقرير الامام عليه السلام له و إن أريد به الهمج الرعاع الذين يصغون إلي كل ناعق، فمن المقطوع عدم كشف عملهم عن رضاء الامام، عليه السلام ، لعدم إرتداعهم بردعه في ذلك اليوم.

و لعل هذا مراد السيد، قدس سره ، حيث أجاب عن هذا الوجه بأنه إنما عمل بخبر الواحد المتأمرون الذين يتحشم التصريح بخلافهم و

إمساك النكير عليهم لا يدل علي الرضا بعملهم.

إلا ان يقال: إنه لو كان عملهم منكرا لم يترك الامام بل و لا أتباعه من الصحابة النكير علي العاملين، إظهارا للحق و إن لم يظنوا الارتداع، إذ ليست هذه المسألة بأعظم من مسألة الخلافة التي أنكرها عليهم من أنكر، لاظهار الحق و دفعا لتوهم دلالة السكوت علي الرضا.

السادس: [من وجوه تقرير الاجماع] دعوي الاجماع من الامامية، حتي السيد و أتباعه، علي وجوب الرجوع إلي هذه الاخبار الموجودة في أيدينا المودعة في أصول الشيعة و كتبهم.

و لعل هذا هو الذي فهمه بعض من عبارة الشيخ المتقدمة عن العدة، فحكم بعدم مخالفة الشيخ للسيد، قدس سره ما.

و فيه:

(1) - أولا: ،

أنه إن أريد ثبوت الاتفاق علي العمل بكل واحد واحد من أخبار هذه الكتب، فهو مما علم خلافه بالعيان و إن أريد ثبوت الاتفاق علي العمل بها في الجملة علي إختلاف العاملين في شروط العمل حتي يجوز أن يكون المعمول به عند بعضهم مطروحا عند آخر، فهذا لا ينفعنا إلا في حجية ما علم إتفاق الفرقة علي العمل به بالخصوص و ليس يوجد ذلك في الاخبار إلا نادرا. خصوصا مع ما نري من رد بعض المشايخ، كالصدوق و الشيخ، بعض الاخبار المودعة في الكتب المعتبرة، بضعف السند أو بمخالفة الاجماع أو نحوها.

(2) - و أما ثانيا:

فلان ما ذكره من الاتفاق لا ينفع، حتي في الخبر الذي علم إتفاق الفرقة علي قبوله و العمل به، لان الشرط في الاتفاق العملي أن يكون وجه عمل المجمعين معلوما.

ألا تري أنه لو

***** [166] *****

إتفق جماعة يعلم برضاء الامام، عليه السلام ، بعملهم علي النظر إلي إمرأة، لكن يعلم أو يحتمل أن يكون وجه

نظرهم كونها زوج، لبعضهم و أما لآخر و بنتا لثالث و أم زوجة لرابع و بنت زوجة لخامس و هكذا.

فهل يجوز لغيرهم ممن لا محرمية بينها و بينه أن ينظر إليها من جهة إتفاق الجماعة الكشاف عن رضاء الامام، عليه السلام ، بل لو رأي شخص الامام، عليه السلام ، ينظر إلي إمرأة، فهل يجوز لعاقل التأسي به؟ و ليس هذا كله إلا من جهة أن الفعل لا دلالة فيه علي الوجه الذي يقع عليه، فلا بد في الاتفاق العملي من العلم بالجهة و الحيثية التي إتفق المجمعون علي إيقاع الفعل من هذه الجهة و الحيثية.

و مرجع هذا إلي وجوب إحراز الموضوع في الحكم الشرعي المستفاد من الفعل.

ففيما نحن فيه إذا علم بأن بعض المجمعين يعملون بخبر من حيث علمه بصدوره بالتواتر أو بالقرينة و بعضهم من حيث كونه ظانا بصدوره قاطعا بحجية هذا الظن، فإذا لم يحصل لنا العلم بصدوره و لا العلم بحجية الظن الحاصل منه، أو علمنا بخطأ من يعمل به لاجل مطلق الظن، أو إحتملنا خطأه، فلا يجوز لنا العمل بذلك الخبر تبعا للمجمعين.

***** [167] *****

الرابع دليل العقل

الرابع دليل العقل و هو من وجوه، بعضها يختص بإثبات حجية خبر الواحد و بعضها يثبت حجية الظن مطلقا أو في الجملة فيدخل فيه الخبر.

أما الاول [وهو حجية خبر الواحد] فتقريره من وجوه أولها: ما اعتمدته سابقا و هو أن لا شك للمتتبع في أحوال الرواة المذكورة في تراجمهم في كون أكثر الاخبار بل جلها، إلا ما شذ و ندر، صادرة عن الائمة، عليهم السلام و هذا يظهر بعد التأمل في كيفية ورودها إلينا و كيفية إهتمال أرباب الكتب من المشايخ الثلاثة و من تقدمهم،

في تنقيح ما أودعوه في كتبهم و عدم الاكتفاء بأخذ الرواية من كتاب و إيداعها في تصانيفهم حذرا من كون ذلك الكتاب مدسوسا فيه من بعض الكذابين.

فقد حكي عن أحمد بن محمد بن عيسي أنه قال: (جئت إلي الحسن بن علي الوشاء و سألته أن يخرج إلي كتابا لعلاء بن رزين و كتاب لابان بن عثمان الاحمر، فأخرجهما.

فقلت: أحب أن أسمعها.

فقال لي: رحمك الله، ما أعجلك اذهب، فاكتبهما و أسمع من بعد.

فقلت له: لا آمن الحدثان.

فقال: لو علمت أن الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإني قد أدركت في هذا المسجد مائة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد، عليهما السلام).

***** [168] *****

و عن حمدويه، عن أيوب بن نوح: (أنه دفع إليه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان، فقال: إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا، فإني كتبت عن محمد بن سنان و لكن لا أروي لكم عنه شيئا، فإنه قال قبل موته: كل ما حدثتكم به فليس بسماع و لا برواية و إنما وجدته).

فانظر كيف إحتاطوا في الرواية لم يسمع من الثقات و إنما وجد في الكتب.

و كفاك شاهدا أن علي بن الحسن بن فضال لم يرو كتب أبيه الحسن عنه مع مقابلتها عليه و إنما يرويها عن أخويه أحمد و محمد عن أبيه.

و اعتذر عن ذلك بأنه يوم مقابلته الحديث مع أبيه كان صغير السن ليس له كثر معرفة بالروايات، فقرأها علي أخويه ثانيا و الحاصل: أن الظاهر إنحصار مدارهم علي إيداع ما سمعوه من صاحب الكتاب أو ممن سمعه منه، فلم يكونوا يودعون إلا ما سمعوا و لو بوسائط من صاحب الكتاب و لو كان معلوم الانتساب مع إطمينانهم بالوسائط و شدة

وثوقهم بهم.

حتي أنهم ربما كانوا يتبعونهم في تصحيح الحديث ورده، كما إتفق للصدوق بالنسبة إلي شيخه إبن الوليد، قدس سره ما.

و ربما كانوا لا يثقون بمن يوجد فيه قدح بعيد المدخلية في الصدق.

و لذا حكي عن جماعة منهم التحرز عن الرواية عمن يروي من الضعفاء و يعتمد المراسيل و إن كان ثقة في نفسه.

كما إتفق بالنسبة إلي البرقي.

بل يتحرزون عن الرواية عمن يعمل بالقياس، مع أن عمله لا دخل له بروايته، كما إتفق بالنسبة إلي الاسكافي، حيث ذكر في ترجمته أنه كان يري القياس، فترك رواياته لاجل ذلك.

و كانوا يتوقفون في روايات من كان علي الحق فعدل عنه و إن كانت كتبه و رواياته حال الاستقامة، حتي أذن لهم الامام، عليه السلام ، أو نائبه.

كما سألوا العسكري، عليه السلام ، عن كتب بني فضال و قالوا: إن بيوتنا منها ملاء، فأذن عليه السلام لهم.

و سألوا الشيخ أبا القاسم بن روح عن كتب إبن عزاقر التي صنفها قبل الارتداد عن مذهب الشيعة، حتي أذن لهم الشيخ في العمل بها.

و الحصال: أن الامارات الكاشفة عن إهتمام أصحابنا في تنقيح الاخبار في الازمنة المتأخرة

***** [169] *****

عن إ زمان الرضا، عليه السلام ، أكثر من أن تحصي و يظهر للمتتبع.

* * *

و الداعي إلي شدة الاهتمام - مضافا إلي كون تلك الروايات أساس الدين و بها قوام شريعة سيد المرسلين، صلي الله عليه و آله و لهذا قال الامام، عليه السلام ، في شأن جماعة من الرواة: (لولا هؤلاء لاندرست آثار النبوة) و أن الناس لا يرضون بنقل ما لا يوثق به في كتبهم المؤلفة في التواريخ التي لا يترتب علي وقوع الكذب فيها أثر ديني بل و لا

دنيوي، فكيف في كتبهم المؤلفة، لرجوع من يأتي إليها في أمور الدين، علي ما أخبرهم الامام، عليه السلام ، بأنه يأتي علي الناس زمان هرج لا يأنسون إلا بكتبهم و علي ما ذكره الكليني، قدس سره ، في ديباجة الكافي من كون كتابه مرجعا لجميع من يأتي بعد ذلك - ما تنبهوا له و نبههم عليه الائمة - عليهم السلام - من أن الكذابة كانوا يدسون الاخبار المكذوبة في كتب أصحاب الائمة، عليهم السلام ، كما يظهر من الروايات الكثيرة: منها: أنه عرض يونس بن عبدالرحمن علي سيدنا أبي الحسن الرضا، عليه السلام ، كتب جماعة من أصحاب الباقر و الصادق، عليهما السلام، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبدالله عليه السلام.

قَالَ:

إِنَّ أَبَا الْخَطَّابِ كَذَبَ عَلَي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لَعَنَ اللَّهُ أَبَا الْخَطَّابِ وَ كَذَلِكَ أَصْحَابُ أَبِي الْخَطَّابِ يَدُسُّونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ إِلَي يَوْمِنَا هَذَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام

و منها:

(عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَي أَبِي ع وَ يَأْخُذُ كُتُبَ أَصْحَابِهِ وَ كَانَ أَصْحَابُهُ الْمُسْتَتِرُونَ بِأَصْحَابِ أَبِي يَأْخُذُونَ الْكُتُبَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي فَيَدْفَعُونَهَا إِلَي الْمُغِيرَةِ فَكَانَ يَدُسُّ فِيهَا الْكُفْرَ وَ الزَّنْدَقَةَ وَ يُسْنِدُهَا إِلَي أَبِي عليه السلام )، الحديث.

و رواية الفيض بن المختار المتقدمة في ذيل كلام الشيخ.

إلي غير ذلك من الروايات.

و ظهر مما ذكرنا أن ما علم إجمالا من الاخبار الكثيرة من وجود الكذابين و وضع الحديث،

***** [170] *****

فهو إنما كان قبل زمان مقابلة الحديث و تدوين علمي الحديث و الرجال بين أصحاب الائمة، عليهم السلام ، مع أن العلم به وجود الاخبار المكذوبة إنما ينافي دعوي

القطع بصدور الكل التي تنسب إلي بعض الاخباريين، أو دعوي الظن بصدور جميعها.

و لا ينافي ذلك ما نحن بصدده، من دعوي العلم الاجمالي بصدور أكثرها أو كثير منها، بل هذه دعوي بديهية.

و المقصود مما ذكرنا دفع ما ربما يكابره المتعسف الخالي عن التتبع من منع هذا العلم الاجمالي.

ثم إن هذا العلم الاجمالي إنما هو متعلق بالاخبار المخالفة للاصل المجردة عن القرينة و إلا فالعلم به وجود مطلق الصادر لا ينفع.

فإذا ثبت العلم الاجمالي به وجود الاخبار الصادرة، فيجب بحكم العقل العمل بكل خبر مظنون الصدور، لان تحصيل الواقع الذي يجب العمل به إذا لم يمكن علي وجه العلم تعين المصير إلي الظن في تعيينه، توصلا إلي العمل بالاخبار الصادرة.

* * *

بل ربما يدعي وجوب العمل بكل واحد منها مع عدم المعارض و العمل بمظنون الصدور أو بمظنون المطابقة للواقع من المتعارضين.

و الجواب عنه: أولا، أن وجوب العمل بالاخبار الصادرة إنما هو لاجل وجوب إمتثال أحكام الله الواقعي المدلول عليها بتلك الاخبار.

فالعمل بالخبر الصادر عن الامام، عليه السلام ، إنما يجب من حيث كشفه عن حكم الله الواقعي.

و حينئذ نقول: إن العلم الاجمالي ليس مختصا بهذه الاخبار، بل نعلم إجمالا بصدور أحكام كثيرة عن الائمة، عليهم السلام ، لوجود تكاليف كثيرة و حينئذ فاللازم أولا، الاحتياط و مع تعذره أو تعسره أو قيام الدليل علي عدم وجوبه يرجع إلي ما أفاد الظن بصدور الحكم الشرعي التكليفي عن الحجة، عليه السلام ، سواء كان المفيد للظن خبرا أو شهرة أو غيرهما.

فهذا الدليل لا يفيد حجية خصوص الخبر و إنما يفيد حجية كل ما ظن منه بصدور الحكم عن الحجة و إن لم يكن خبرا.

فإن قلت: المعلوم صدور

كثير من هذه الاخبار التي بأيدينا.

و أما صدور الاحكام المخالفة للاصول غير مضمون هذه الاخبار فهو غير معلوم لنا و لا مظنون.

قلت:

(1) – أولا:

العلم الاجمالي و إن كان حاصلا في خصوص هذه الروايات التي بأيدينا، إلا أن العلم الاجمالي حاصل أيضا في مجموع ما بأيدينا من الاخبار و من الامارات الاخر المجردة عن الخبر التي بأيدينا المفيدة للظن بصدور الحكم عن الامام، عليه السلام و ليست هذا الامارات خارجة عن أطراف العلم الاجمالي الحاصل في المجموع بحيث يكون العلم الاجمالي في المجموع مستندا إلي

***** [171] *****

بعضها و هي الاخبار و لذا لو فرضنا عزل طائفة من هذه الاخبار و ضممنا إلي الباقي مجموع الامارات الاخر كان العلم الاجمالي بحاله.

فهنا علم إجمالي حاصل في الاخبار و علم إجمالي حاصل بملاحظة مجموع الاخبار و سائر الامارات المجردة عن الخبر.

فالواجب مراعاة العلم الاجمالي الثاني و عدم الاقتصار علي مراعاة الاول.

نظير ذلك: ما إذا علمنا إجمالا به وجود شياه محرمة في قطيع غنم بحيث يكون نسبته إلي كل بعض منها كنسبته إلي البعض الآخر و علمنا أيضا به وجود شياه محرمة في خصوص طائفة خاصة من تلك الغنم بحيث لو لم يكن من الغنم إلا هذه علم إجمالا به وجود الحرام فيها أيضا.

و الكاشف عن ثبوت العلم الاجمالي في المجموع ما أشرنا إليه سابقا، من أنه لو عزلنا من هذه الطائفة الخاصة التي علم به وجود الحرام فيها قطعة توجب إنتفاء العلم الاجمالي فيها و ضممنا إليها مكانها باقي الغنم حصل العلم الاجمالي به وجود الحرام فيها أيضا.

و حينئذ فلا بد من أن نجري حكم العلم الاجمالي في تمام الغنم إما بالاحتياط أو بالعمل بالمظنة لو بطل وجوب الاحتياط.

و

ما نحن فيه من هذا القبيل.

و دعوي أن سائر الامارات المجردة لا مدخل لها في العلم الاجمالي و أن هنا إجماليا واحدا بثبوت الواقع بين الاخبار، خلاف الانصاف.

(2) - و ثانيا:

إن اللازم من ذلك العلم الاجمالي هو العمل بالظن في مضمون تلك الاخبار، لما عرفت من أن العمل بالخبر الصادر إنما هو بإعتبار كون مضمونه حكم الله الذي يجب العمل به.

و حينئذ فكلما ظن بمضمون خبر منها و لو من جهة الشهرة يؤخذ به و كل خبر لم يحصل الظن بكون مضمونه حكم الله لا يؤخذ به و لو كان مظنون الصدور.

فالعبرة بظن مطابقة الخبر للواقع، لا بظن الصدور.

(3) - و ثالثا:

إن مقتضي هذا الدليل وجوب العمل بالخبر المقتضي للتكليف، لانه الذي يجب العمل به.

و أما الاخبار الصادرة النافية للتكليف فلا يجب العمل بها نعم يجب الاذعان بمضمونها و إن لم تعرف بعينها.

و كذلك لا يثبت به حجية الاخبار علي وجه ينهض لصرف ظواهر الكتاب و السنة القطعية.

و الحاصل: أن معني حجية الخبر كونه دليلا متبعا في مخالفة الاصول العملية و الاصول اللفظية مطلقا.

و هذا المعني لا يثبت بالدليل المذكور، كما لا يثبت بأكثر ما سيأتي من الوجوه العقلية بل كلها، فانتظر، الثاني: ما ذكره في الوافية، مستدلا علي حجية الخبر الموجود في الكتب المعتمدة للشيعة، كالكتب

***** [172] *****

الاربعة، مع عمل جمع به، من غير رد ظاهر، بوجوه، قال:

(1) - (الاول:

أنا نقطع ببقاء التكليف إلي يوم القيامة، سيما بالاصول الضرورية، كالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و المتاجر و الانكحة و نحوها، مع أن جل أجزائها و شرائطها و موانعها إنما يثبت بالخبر الواحد الغير القطعي، بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها

هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد.

و من أنكر فإنما ينكره باللسان و قلبه مطمئن بالايمان)، إنتهي.

و يرد عليه: أولا، أن العلم الاجمالي حاصل به وجود الاجزاء و الشرائط بين جميع الاخبار، لا خصوص الاخبار المشروطه بما ذكره و مجرد وجود العلم الاجمالي في تلك الطائفة الخاصة لا يوجب خروج غيرها عن أطراف العلم الاجمالي، كما عرفت في الجواب الاول عن الوجه الاول.

و إلا لما أمكن إخراج بعض هذه الطائفه الخاصة و دعوي العلم الاجمالي في الباقي، كأخبار العدول مثلا.

فاللازم حينئذ إما الاحتياط و العمل بكل خبر دل علي جزئية شئ أو شرطيته و إما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل علي الجزئية أو الشرطية، إلا أن يقال: إن المظنون الصدور من الاخبار هو الجامع لما ذكره من الشروط.

(2) - و ثانيا، أن مقتضي هذا الدليل وجوب العمل بالاخبار الدالة علي الشرائط و الاجزاء دون الاخبار الدالة علي عدمهما، خصوصا إذا إقتضي الاصل الشرطية و الجزئية.

(3) - الثالث: ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين في حاشيته علي المعالم لاثبات حجية الظن الحاصل من الخبر، لا مطلقا و قد لخصناه لطوله.

و ملخصه: (أن وجوب العمل بالكتاب و السنة ثابت بالاجماع، بل الضرورة و الاخبار المتواترة و بقاء هذا التكليف أيضا بالنسبة إلينا ثابت بالادلة المذكورة.

و حينئذ فإن أمكن الرجوع إليهما علي وجه يحصل العلم بهما بحكم أو الظن الخاص به، فهو و إلا فالمتبع هو الرجوع إليهما علي وجه يحصل الظن منهما).

هذا حاصله و قد أطال، قدس سره ، في النقص و الابرام بذكر الايرادات و الاجوبة علي هذا المطلب.

و يرد عليه: أن هذا الدليل بظاهره عبارة أخري عن دليل الانسداد الذي ذكروه لحجية الظن

في

***** [173] *****

الجملة أو مطلقا و ذلك لان المراد بالسنة هو قول الحجة أو فعله أو تقريره. فإذا وجب علينا الرجوع إلي مدلول الكتاب و السنة و لم نتمكن من الرجوع إلي ما علم أنه مدلول الكتاب أو السنة تعين الرجوع بإعتراف المستدل إلي ما يظن كونه مدلولا لاحدهما، فإذا ظنناأن مؤدي الشهرة أو معقد الاجماع المنقول مدلول للكتاب أو لقول الحجة أو فعله أو تقريره وجب الاخذ به.

و لا إختصاص للحجية بما يظن كونه مدلولا لاحد هذه الثلاثة من جهة حكاية أحدها التي تسمي خبرا و حديثا في الاصطلاح.

نعم يخرج عن مقتضي هذا الدليل الظن الحاصل بحكم الله من أمارة لا يظن كونها مدلولا لاحد الثلاثة.

كما إذا ظن بالاولوية العقلية أو الاستقراء أن الحكم كذا عند الله و لم يظن بصدوره عن الحجة أو قطعنا بعدم صدوره عنه عليه السلام ، إذ رب حكم واقعي لم يصدر عنهم و بقي مخزونا عندهم لمصلحة من المصالح.

لكن هذا نادر جدا، للعلم العادي بأن هذه المسائل العامة البلوي قد صدر حكمها في الكتاب أو ببيان الحجة قولا أو فعلا أو تقريرا. فكل ما ظن أمارة بحكم الله تعالي، فقد ظن بصدور ذلك الحكم عنهم.

و الحاصل: أن مطلق الظن بحكم الله ظن بالكتاب أو السنة و يدل علي إعتباره ما دل علي إعتبار الكتاب و السنة الظنية.

فإن قلت: المراد بالسنة الاخبار و الاحاديث.

و المراد أنه يجب الرجوع إلي الاخبار المحكية عنهم، فإن تمكن من الرجوع إليها علي وجه يفيد العلم فهو و إلا وجب الرجوع إليها علي وجه يظن منه بالحكم.

قلت: مع أن السنة في الاصطلاح عبارة عن نفس قول الحجة أو فعله أو تقريرة، لا حكاية أحدها،

يرد عليه: أن الامر بالعمل بالاخبار المحكية المفيدة للقطع بصدورها ثابت بما دل علي الرجوع إلي قول الحجة و هو الاجماع و الضرورة الثابتة من الدين أو المذهب.

و أما الرجوع إلي الاخبار المحكية التي لا تفيد القطع بصدورها عن الحجة، فلم يثبت ذلك بالاجماع و الضرورة من الدين التي إدعاها المستدل، فإن غاية الامر دعوي إجماع الامامية عليه في الجملة، كما إدعاه الشيخ و العلامة في مقابل السيد و أتباعه قدست أسرارهم.

و أما دعويس الضرورة من الدين و الاخبار المتواترة، كما إدعاها المستدل، فليست في محلها.

و لعل هذه الدعوي قرينة علي أن مراده من السنة نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره، لا حكايتها التي لا توصل إليها علي وجه العلم.

***** [174] *****

نعم لو إدعي الضرورة علي وجوب الرجوع إلي تلك الحكايات الغير العلمية لاجل لزوم الخروج عن الدين لو طرحت بالكلية.

يرد عليه: أنه إن أراد لزوم الخروج عن الدين من جهة العلم، بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعية التي يعلم بعدم جواز رفع اليد عنها عند الجهل بها تفصيلا، فهذا يرجع إلي دليل الانسداد الذي ذكروه لحجية الظن و مفاده ليس إلا حجية كل أمارة كاشفة عن التكليف الواقعي.

و إن أرد لزومه من جهة خصوص العلم الاجمالي بصدور أكثر هذه الاخبار حتي لا يثبت به غير الخبر الظني من الظنون ليصير دليلا عقليا علي حجية خصوص الخبر، فهذا الوجه يرجع إلي الوجه الاول الذي قدمناه و قدمنا الجواب عنه، فراجع.

هذا تمام الكلام في الادلة التي أقاموها علي حجية الخبر و قد علمت دلالة بعضها و عدم دلالة البعض الاخر.

و الانصاف: أن الدال منها لم يدل إلا علي وجوب العمل بما يفيد الوثوق و الاطمينان بمؤداه

و هو الذي فسر به الصحيح في مصطلح القدماء.

و المعيار فيه أن يكون إحتمال مخالفته للواقع بعيدا بحيث لا يعتني به العقلاء و لا يكون عندهم موجبا للتحير و التردد الذي لا ينافي حصول مسمي الرجحان، كما نشاهد في الظنون الحاصلة بعد التروي في شكوك الصلاة، فافهم.

و ليكن علي ذكر منك، لينفعك فيما بعد.

***** [175] *****

الثاني حجية مطلق الظن
[اشارة]

فلنشرع في الادلة التي اقاموها علي ججية الظن من غير خصوصية للخبر يقتضيها نفس الدليل و إن إقتضاها أمر آخر و هو كون الخبر مطلقا أو خصوص قسم منه متيقن الثبوت من ذلك الدليل إذا فرض أنه لا يثبت إلا الظن في الجملة و لا يثبته كلية.

و هي أربعة:

[الدليل] الاول

أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر و دفع الضرر المظنون لازم.

أم الصغري، فلان الظن بالوجوب ظن بإستحقاق العقاب علي الترك، كما أن الظن بالحرمة ظن بإستحقاق العقاب علي الفعل، أو لان الظن بالوجوب ظن به وجود المفسدة في الترك، كما أن الظن بالحرمة ظن بالمفسدة في الفعل، بناء علي قول (العدلية) بتبعية الاحكام للمصالح و المفاسد و قد جعل في النهاية كلا من الضررين دليلا مستقلا علي المطلب.

و أجيب عنه بوجوه: أحدهما: ما عن الحاجبي و تبعه غيره، من منع الكبري و أن دفع الضرر المظنون إذا قلنا بالتحسين و التقبيح العقليين إحتياط مستحسن، لا واجب.

و هو فاسد لان الحكم المذكور حكم إلزامي أطبق العقلاء علي الالتزام به في جميع أمورهم و ذم من خالفه.

و لذا إستدل به المتكلمون في وجوب شكر المنعم الذي هو مبني وجوب معرفة الله تعالي و لو لاه لم يثبت وجوب النظر في المعجزة و لم يكن لله علي غير الناظر حجة.

و لذا خصوا النزاع في الحظر و الاباحة في غير المستقلات العقلية بما كان مشتملا علي منفعة و خاليا عن إمارة المفسدة، فإن هذا التقييد يكشف عن أن ما فيه أمارة المضرة لا نزاع في قبحه.

بل الاقوي، كما صرح به الشيخ في العدة في مسألة الاباحة و الحظر و السيد في الغنية، وجوب

دفع الضررالمحتمل.

و ببالي أنه تمسك في

***** [176] *****

العدة بعد العقل بقوله تعالي: (ولا تلقوا، إلخ).

ثم إن ما ذكره من إبتناء الكبري علي التحسين و التقبيح العقليين غير ظاهر، لان تحريم تعريض النفس للمهالك و المضار الدنيوية و الاخروية مما دل عليه الكتاب و السنة، مثل التعليل في آية النبأ و قوله تعالي: (وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ) و قوله تعالي: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، بناء علي أن المراد العذاب و الفتنة الدنيويان.

و قوله تعالي: (وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) و قوله تعالي: (وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ و قوله تعالي: (أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ)، إلي غير ذلك.

نعم، التمسك في سند الكبري بالادلة الشرعية يخرج الدليل المذكور عن الادلة العقلية.

لكن الظاهر ان مراد الحاجبي منع أصل الكبري، لا مجرد إستقلال العقل بلزومه.

و لا يبعد عن الحاجبي أن يشتبه عليه حكم العقل الالزامي بغيره، بعد أن إشتبه عليه أصل حكم العقل بالحسن و القبح.

و المكابرة في الاول ليس بأعظم منها في الثاني.

ثانيها:

ما يظهر من العدة و الغنية و غيرهما، من أن الحكم المذكور مختص بالامور الدنيوية، فلا يجري في الاخروية مثل العقاب.

و هذا كسابقه في الضعف، فإن المعيار هو التضرر، مع أن المضار الاخروية أعظم، اللهم إلا أن يريد المجيب ما سيجئ، من أن العقاب مأمون علي ما لم ينصب الشارع دليلا علي التكليف به، بخلاف المضار الدنيوية التابعة لنفس الفعل أو الترك علم حرمته أو لم يعلم، أو يريد أن المضار الغير الدنيوية و إن لم تكن خصوص العقاب، مما دل العقل و النقل علي وجوب إعلامها علي الحكيم و هو

الباعث له علي التكليف و البعثة.

لكن هذا الجواب راجع إلي منع الصغري، لا الكبري.

ثالثها: النقض بالامارات التي قام الدليل القطعي علي عدم إعتبارها، كخبر الفاسق و القياس علي مذهب الامامية.

و أجيب عنه تارة بعدم إلتزام حرمة العمل بالظن عند إنسداد باب العلم و أخري بأن الشارع إذا ألغي ظنا تبين أن في العمل به ضررا اعظم من ضرر ترك العمل به.

***** [177] *****

و يضعف الاول:

بأن دعوي: (وجوب العمل بكل ظن في كل مسأله إنسد فيها باب العلم و إن لم ينسد في غيرها)، الظاهر أنه خلاف مذهب الشيعة، لا أقل من كونه مخالفا لاجماعاتهم المستفيضة بل المتواترة، كما يعلم مما ذكروه في القياس.

و الثاني:

بأن إتيان الفعل حذرا من ترتب الضرر علي تركه، أو تركه حذرا من التضرر بفعله، لا يتصور فيه ضرر أصلا، لانه من الاحتياط الذي إستقل العقل بحسنه و إن كانت الامارة مما ورد النهي عن إعتباره.

نعم متابعة الامارة المفيدة للظن بذلك الضرر و جعل مؤداها حكم الشارع و الالتزام به و التدين به، ربما كان ضرره أعظم من الضرر المظنون، فإن العقل مستقل بقبحه و وجود المفسدة فيه و إستحقاق العقاب عليه، لانه تشريع.

لكن هذا لا يختص بما علم إلغاؤه، بل هو جار في كل ما لم يعلم إعتباره.

توضيحه: أنا قدمنا لك في تأسيس الاصل في العمل بالمظنة: أن كل ظن لم يقم علي إعتباره دليل قطعي، سواء قام دليل علي إعتباره أم لا، فالعمل به، بمعني التدين بمؤداه و جعله حكما شرعيا، تشريع محرم دل علي حرمته الادلة الاربعة.

و أما العمل به - بمعني إتيان ما ظن وجوبه مثلا أو ترك ما ظن حرمته من دون أن يتشرع بذلك - فلا

قبح فيه، إذا لم يدل دليل من الاصول و القواعد المعتبرة يقينا علي خلاف مؤدي هذا الظن بأن يدل علي تحريم ما ظن وجوبه أو وجوب ما ظن تحريمه.

فإن أراد أن الامارات التي يقطع بعدم حجيتها، كالقياس و شبهه، يكون في العمل بها، بمعني التدين بمؤداها و جعله حكما شرعيا، ضرر أعظم من الضرر المظنون، فلا إختصاص لهذا الضرر بتلك الظنون، لان كل ظن لم يقم علي إعتباره دليل قاطع يكون في العمل به بذلك المعني هذا الضرر العظيم أعني التشريع.

و إن أراد ثبوت الضرر في العمل بها، بمعني إتيان ما ظن وجوبه حذرا من الوقوع في مضرة ترك الواجب و ترك ما ظن حرمته لذلك، كما يقتضيه قاعدة دفع الضرر، فلا ريب في إستقلال العقل و بداهة حكمه بعدم الضرر في ذلك أصلا و إن كان ذلك في الظن القياسي.

و حينئذ فالاولي لهذا المجيب أن يبدل دعوي الضرر في العمل بتلك الامارات المنهي عنها بالخصوص: بدعوي أن في نهي الشارع عن الاعتناء بها و ترخيصه في مخالفت ها، مع علمه بأن تركها ربما يفضي إلي ترك الواجب و فعل الحرام مصلحة يتدارك بها الضرر المظنون علي تقدير ثبوته في الواقع، فتأمل.

و سيجئ تمام الكلام عند التكلم في الظنون المنهي عنها بالخصوص و بيان كيفية

***** [178] *****

عدم شمول أدلة حجية الظن لها إن شاء الله تعالي.

فالاولي أن يجاب عن هذا الدليل: بأنه إن اريد من الضرر المظنون العقاب، فالصغري ممنوعة، لان إستحقاق العقاب علي الفعل أو الترك كإستحقاق الثواب عليهما ليس ملازما للوجوب و التحريم الوقعيين، كيف و قد يتحقق التحريم و نقطع بعدم العقاب في الفعل، كما في الحرام و الواجب المجهولين جهلا بسيطا أو

مركبا، بل إستحقاق الثواب و العقاب إنما هو علي تحقق الاطاعة و المعصية اللتين لا تتحققان إلا بعد العلم بالوجوب و الحرمة أو الظن المعتبر بهما.

و أما الظن المشكوكالاعتبار فهو كالشك، بل هو هو، بعد ملاحظة ان من الظنون ما أمر الشارع بإلغائه و يحتمل أن يكون المفروض منها.

اللهم إلا أن يقال: أن الحكم بعدم العقاب و الثواب فيما فرض من صورتي الجهل البسيط أو المركب بالوجوب و الحرمة، إنما هو لحكم العقل بقبح التكليف مع الشك أو القطع بالعدم.

و أما مع الظن بالوجوب أو التحريم، فلا يستقل العقل بقبح المؤاخذة و لا إجماع أيضا علي أصالة البراءة في موضوع النزاع.

و يرده:

أنه لا يكفي المستدل منع إستقلال العقل عدم ثبوت الاجماع، بل لا بد له من إثبات أن مجرد الوجوب و التحريم الواقعيين مستلزمان للعقاب حتي يكون الظن بهما ظنا به. فإذا لم يثبت ذلك بشرع و لا عقل لم يكن العقاب مظنونا، فالصغري غير ثابتة و منه يعلم فساد ما ربما يتوهم أن قاعدة دفع الضرر يكفي للدليل علي ثبوت الاستحقاق.

وجه الفساد أن هذه القاعدة موقوفة علي ثبوت الصغري و هي الظن بالعقاب.

نعم لو ادعي أن دفع الضرر المشكوك لازم، توجه فيما نحن فيه الحكم بلزوم الاحتراز في صورة الظن بناء علي عدم ثبوت الدليل علي نفي العقاب عند الظن، فيصير وجوده محتملا، فيجب دفعه.

لكنه رجوع عن الاعتراف بإستقلال العقل و قيام الاجماع علي عدم الموأخذة علي الوجوب و التحريم المشكوكين.

و إن اريد من الضرر المظنون المفسدة المظنونة، ففيه: أيضا منع الصغري، فإنا و إن لم نقل بتغير المصالح و المفاسد بمجرد الجهل، إلا أنا لا نظن بترتب المفسدة بمجرد إرتكاب ما ظن حرمته

لعدم كون فعل الحرام علة تامة لترتب المفسدة، حتي مع القطع بثبوت الحرمة، لاحتمال تداركها بمصلحة فعل آخر لا يعلمه المكلف أو يعلمه بإعلام الشارع، نظير الكفارة و التوبة و غيرهما من الحسنات اللاتي يذهبن السيئات.

***** [179] *****

و يرد عليه: أن الظن بثبوت مقتضي المفسدة مع الشك في وجود المانع كاف في وجوب الدفع، كما في صورة القطع بثبوت المقتضي مع الشك في وجود المانع، فإن إحتمال وجود المانع للضرر أو وجود ما يتدارك الضرر لا يعتني به عند العقلاء سواء جامع الظن به وجود مقتضي الضرر أم القطع به، بل أكثر موارد إلتزام العقلاء التحرز عن المضار المظنونة، كسلوك الطرق المخوفة و شرب الادوية المخوفة و نحو ذلك من موارد الظن بمقتضي الضرر دون العلة التامة له.

بل المدار - في جميع غايات حركات الانسان من المنافع المقصود جلبها و المضار المقصود دفعها - علي المقتضيات دون العلل التامة، لان الموانع و المزاحمات مما لا تحصي و لا يحاط بها.

و أضعف من هذا الجواب ما يقال: إن في نهي الشارع عن العمل بالظن كلية إلا ما خرج، ترخيصا في ترك مراعاة الضرر المظنون و لذا لا يجب مراعاته إجماعا في القياس.

و وجه الضعف ما ثبت سابقا من أن عمومات حرمة العمل بالظن أو بما عدا العلم إنما يدل علي حرمته، من حيث انه لا يغني عن الواقع و لا يدل علي حرمة العمل به في مقام إحراز الواقع و الاحتياط لاجله و الحذر عن مخالفته.

فالاولي أن يقال: إن الضرر و إن كان مظنونا، إلا أن حكم الشارع قطعا أو ظنا بالرجوع في مورد الظن إلي البراءة و الاستصحاب و ترخيصه لترك مراعاة الظن أوجب القطع

أو الظن بتدارك ذلك الضرر المظنون و إلا كان ترخيص العمل علي الاصل المخالف للظن إلغاء المفسدة.

توضيح ذلك: أنه لا إشكال في أنه متي ظن بوجوب شئ و أن الشارع الحكيم طلب فعله منا طلبا حتميا منجزا لا يرضي بتركه إلا أنه إختفي علينا ذلك الطلب، أو حرم علينا فعلا كذلك، فالعقل مستقل بوجوب فعل الاول و ترك الثاني.

لانه يظن في ترك الاول الوقوع في مفسدة ترك الواجب المطلق الواقعي و المحبوب المنجز النفس الامري و يظن في فعل الثاني الوقوع في مفسدة الحرام الواقعي و المبغوض النفس الامري، إلا أنه لو صرح الشارع بالرخصة في ترك العمل في هذه الصورة كشف ذلك عن مصلحة بتدارك بها ذلك الضرر المظنون.

و لذا وقع الاجماع علي عدم وجوب مراعاة الظن بالوجوب أو الحرمة إذا حصل الظن من القياس و علي جواز مخالفة الظن في الشبهات الموضوعية حتي يستبين التحريم أو تقوم به البينة.

ثم إنه لا فرق بين أن يحصل القطعه بترخيص الشارع ترك مراعاة الظن بالضرر، كما عرفت من الظن القياسي بالوجوب و التحريم و من حكم الشارع بجواز الارتكاب في الشبهة الموضوعيه و بين أن يحصل الظن بترخيص الشارع في ترك مراعاة ذلك الظن، كما في الظن الذي ظن كونه منهيا

***** [180] *****

عنه عند الشارع، فإنه يجوز ترك مراعاته، لان المظنون تدارك ضرر مخالفته لاجل ترك مظنون الوجوب أو فعل مظنون الحرمة، فافهم.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إن أصل البراءة و الاستصحاب إن قام عليهما الدليل القطعي، بحيث يدل علي وجوب الرجوع إليهما في صورة عدم العلم و لو مع وجود الظن الغير المعتبر، فلا إشكال في عدم وجوب مراعاة ظن الضرر و في أنه لا يجب

الترك أو الفعل بمجرد ظن الوجوب او الحرمة، لما عرفت من أن ترخيص الشارع الحكيم للاقدام علي ما فيه ظن الضرر لا يكون إلا لمصلحة يتدارك بها ذلك الضرر المظنون علي تقدير الثبوت واقعا.

و إن منعنا عن قيام الدليل القطعي علي الاصول و قلنا: إن الدليل القطعي لم يثبت علي إعتبار الاستصحاب، خصوصا في الاحكام الشرعية و خصوصا مع الظن بالخلاف.

و كذلك الدليل لم يثبت علي الرجوع إلي البراء ه حتي مع الظن بالتكليف، لان العمدة في دليل البراءة الاجماع و العقل المختصان بصورة عدم الظن بالتكليف، فنقول: لا أقل من ثبوت بعض الاخبار الظنية علي الاستصحاب و البراءة عند عدم العلم الشامل لصورة الظن، فيحصل الظن بترخيص الشارع لنا في ترك مراعاة ظن الضرر و هذا القد يكفي في عدم الظن بالضرر.

و توهم:

(ان تلك الاخبار الظنية لا تعاض العقل المستقل بدفع الضرر المظنون)، مدفوع بأن الفرض ان الشارع لا يحكم بجواز الاقتحام في مظان الضرر إلا عن مصلحة يتدارك بها الضرر المظنون علي تقدير ثبوته، فحكم الشارع ليس مخالفا للعقل. فلا وجه لاطراح الاخبار الظنية الدالة علي هذا الحكم الغير المنافي لحكم العقل. ثم إن مفاد هذا الدليل هو وجوب العمل بالظن إذا طابق الاحتياط لا من حيث هو.

و حينئذ فإذا كان الظن مخالفا للاحتياط الواجب، كما في صورة الشك في المكلف به، فلا وجه للعمل بالظن حينئذ.

و دعوي الاجماع المركب و عدم القول بالفصل واضحة الفساد، ضرورة أن العمل في الصورة الاولي لم يكن بالظن من حيث هو، بل من حيث كونه إحتياطا و هذه الحيثية نافية للعمل بالظن في الصورة الثانية. فحاصل ذلك العمل بالاحتياط كلية و عدم العلم بالظن رأسا.

***** [181]

*****

[الدليل] الثاني

أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوخح علي الراجح و هو قبيح.

و ربما يجاب عنه: بمنع قبح ترجيح المرجوح علي الراجح، إذ المرجوح قد يوافق الاحتياط، فالاخذ به حسن عقلا.

و فيه: أن المرجوح المطابق للاحتياط ليس العمل به ترجيحا للمرجوح، بل هو جمع في العمل بين الراجح و المرجوح.

مثلا، إذا ظن عدم وجوب شئ و كان وجوبه مرجوحا، فحينئذ الاتيان به من باب الاحتياط ليس طرحا للراجح في العمل، لان الاتيان لا ينافي عدم الوجوب و إن أريد الاتيان بقصد الوجوب المنافي لعدم الوجوب.

ففيه: أن الاتيان علي هذا الوجه مخالف للاحتياط، فإن الاحتياط هو الاتيان لاحتمال الوجوب، لا بقصده.

و قد يجاب أيضا: بأن ذلك فرع وجوب الترجيح، بمعني أن الامر إذا دار بين ترجيح المرجوح و ترجيح الراجح، كان الاول قبيحا و أما إذا لم يثبت وجوب الترجيح فلا مرجح للمرجوح و لا للراجح.

و فيه: أن التوقف عن ترجيح الراجح ايضا قبيح، كترجيح المرجوح فتأمل جدا فالاولي: الجواب، أولا، بالنقض بكثير من الظنون المحرمة العمل بالاجماع أو الضرورة.

و ثانيا بالحل.

و توضيحه: تسليم القبح إذا كان التكليف و غرض الشارع متعلقا بالواقع و لم يمكن الاحتياط.

فإن العقل قاطع بأن الغرض إذا تعلق بالذهاب إلي بغداد و تردد الامر بين طريقين، أحدهما مظنون الايصال و الاخر موهومه.

فترجيح الموهوم قبيح، لانه نقض للغرض.

و أما إذا لم يتعلق التكليف بالواقع أو تعلق به مع إمكان الاحتياط، فلا يجب الاخذ بالراجح، بل اللازم في الاول هو الاخذ بمقتضي البراءة و في الثاني الاخذ بمقتضي الاحتياط.

فإثبات القبح موقوف علي إبطال الرجوع إلي البراءة في موارد الظن و عدم وجوب الاحتياط فيهما.

و معلوم أن العقل قاض حينئذ بقبح ترجيح المرجوح،

بل ترك ترجيح الراجح علي المرجوح فلا بد من إرجاع هذا الدليل إلي دليل الانسداد الاتي المركب من بقاء التكليف و عدم جواز الرجوع إلي البراءة و عدم لزوم الاحتياط و غير ذلك من المقدمات التي لا يتردد الامر بين الاخذ بالراجح و الاخذ بالمرجوح إلا بعد إبطالها.

***** [182] *****

[الدليل] الثالث

ما حكاه الاستاد عن أستاده السيد الطباطبائي، قدس سره ما من أنه لا ريب في وجود واجبات و محرمات كثيرة بين المشتبهات و مقتضي ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب و لو موهوما و ترك ما يحتمل الحرمة كذلك.

و لكن مقتضي قاعدة نفي العسر و الحرج عدم وجوب ذلك كله، لانه عسر أكيد و حرج شديد.

فمقتضي الجمع بين قاعدتي الاحتياط و إنتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات و الموهومات، لان الجمع علي غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات و إدخال بعض المشكوكات و الموهومات باطل إجماعا.

و فيه: أنه راجع إلي دليل الانسداد الاتي، إذ ما من مقدمة من مقدمات ذلك الدليل إلا و يحتاج إليها في إتمام هذا الدليل، فراجع و تأمل حتي يظهر لك حقيقة الحال.

مع أن العمل بالاحتياط في المشكوكات أيضا كالمضنونات لا يلزم منه حرج قطعا، لقلة موارد الشك المتساوي الطرفي، كما لا يخفي، فيقتصر في ترك الاحتياط علي الموهومات فقط.

و دعوي: (أن كل من قال بعدم الاحتياط في الموهومات قال بعدمه أيضا في المشكوكات)، في غاية الضعف و السقوط.

***** [183] *****

الدليل الرابع
اشارة

هو الدليل المعروف بدليل الانسداد و هو مركب من مقدمات

(1) - المقدمة الاولي: إنسداد باب العلم و الظن الخاص في معظم المسائل الفقهية.

(2) - [المقدمة] الثانية: أنه لا يجوز لنا إهمال الاحكام المشتبهة و ترك التعرض لامتثالها، بنحو من أنحاء إمتثال الجاهل العاجز عن العلم التفصيلي، بأن يقتصر في الاطاعة علي التكاليف القليلة المعلومة تفصيلا، أو بالظن الخاص القائم مقام العلم بنص الشارع و نجعل أنفسنا في تلك الموارد ممن لا حكم عليه فيها كالاطفال و البهائم، أو ممن حكمه فيها الرجوع إلي أصالة العدم.

(3) -

الثالثة: أنه إذا وجب التعرض لامتثالها فليس إمتثالها بالطرق الشرعيه المقررة للجاهل، من الاخذ بالاحتياط الموجب للعلم الاجمالي بالامتثال أو الاخذ في كل مسألة بالاصل المتبع شرعا في نفس تلك المسألة مع قطع النظر عن ملاحظتها منضمة إلي غيرها من المجهولات، أو الاخذ بفتوي العالم بتلك المسألة و تقليده فيها.

(4) - الرابعة: أنه إذا بطل الرجوع في الامتثال إلي الطرق الشرعية المذكورة، لعدم الوجوب في بعضها و عدم الجواز في الاخر و المفروض عدم سقوط الامتثال بمقتضي المقدمة الثانية، فلا تعين بحكم العقل المستقل يجوز بحكم العقل الرجوع الامتثال الضني و الموافقة الضنيه للواقع و لا يجوز العدول عنه إلي الموافقة الوهمية، بأن يؤخذ بالطرف المرجوح و لا إلي الامتثال الاحتمالي و الموافقة الشكية، بأن يعتمد علي أحد طرفي المسألة من دون تحصيل الظن فيها أو يعتمد علي ما يحتمل كونه طريقا شرعيا للامتثال من دون إفادته للظن أصلا.

فيحصل من جميع تلك المقدمات وجوب الامتثال الظني و الرجوع إلي الظن.

المقدمة الاولي: و هي إنسداد باب العلم و الظن الخاص في معظم المسائل الفقهية

المقدمة الاولي: و هي إنسداد باب العلم و الظن الخاص في معظم المسائل الفقهية

فهي بالنسبة إلي إنسداد باب العلم في الاغلب غير محتاجة إلي الاثبات، ضرورة قلة ما يوجب العلم التفصيلي بالمسألة علي وجه لا يحتاج العمل فيها إلي إعمال أمارة غير علمية.

و أما بالنسبة إلي إنسداد باب الظن الخاص، فهي مبتنية علي أن لا يثبت من الادلة المتقدمة لحجية الخبر الواحد حجية مقدار منه يفي - بضميمة الادلة العلمية و باقي الظنون الخاصة - بإثبات معظم الاحكام الشرعية بحيث لا يبقي مانع عن الرجوع في المسائل الخالية عن الخبر و أخواته من الظنون الخاصة إلي ما يقتضيه الاصل في تلك الواقعة من البراءة أو

الاستصحاب أو الاحتياط أو التخيير.

فتسليم هذه المقدمة و منعها لا يظهر إلا بعد التأمل التام و بذل الجهد في النظر فيما تقدم من أدلة حجية الخبر و أنه هل يثبت بها حجية مقدار واف من الخبر أم لا.

و هذه هي عمدة مقدمات دليل الانسداد، بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض أن ثبوت هذه المقدمة يكفي في حجية الظن المطلق، للاجماع عليه علي تقدير إنسداد باب العلم و الظن الخاص.

و لذا لم يذكر صاحب المعالم و صاحب الوافية في إثبات حجية الظن الخبري غير إنسداد باب العلم.

و أما الاحتمالات الاتية في ضمن المقدمات الاتية، من الرجوع بعد إنسداد باب العلم و الظن الخاص إلي شئ آخر غير الظن، فإنما هي أمور احتملها بعض المدققين من متأخري المتأخرين.

أولهم، فيما أعلم، المحقق جمال الدين الخوانساري، حيث أورد علي دليل الانسداد بإحتمال الرجوع إلي البراءة و إحتمال الرجوع إلي الاحتياط.

و زاد عليها بعض من تأخر إحتمالات أخر.

المقدمة الثانية: وعي عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة علي كثرتها

المقدمة الثانية: وعي عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة علي كثرتها

و ترك التعرض لامتثالها بنحو من نحاء

فيدل عليه وجوه:

الاول:

الاجماع القطعي علي أن المرجع علي تقدير إنسداد باب العلم و عدم ثبوت الدليل علي حجية أخبار الآحاد بالخصوص ليس هي البراءة و إجراء أصالة العدم في كل حكم، بل لا بد من التعرض لامتثال الاحكام المجهولة بوجه ما.

و هذا الحم و إن لم يصرح به أحد من قدمائنا بل المتأخرين في هذا المقام، إلا أنه معلوم للمتتبع في طريقة الاصحاب بل علماء الاسلام طرا.

فرب مسألة غير معنونة يعلم إتفاقهم فيها من ملاحظة كلماتهم في نظائرها.

أتري أن علماء نا العاملين بالاخبار التي بأيدينا لو لم يقم عندهم دليل خاص علي إعتبارها كانوا يطرحونها و

يستريحون في مواردها إلي أصالة العدم، حاشا ثم حاشا.

مع أنهم كثيرا ما يذكرون أن الظن يقوم مقام العلم في الشرعيات عند تعذر العلم.

و قد حكي عن السيد في بعض كلماته الاعتراف بالعمل بالظن عند تعذر العلم، بل قد ادعي في المختلف في باب قضاء الفوائت الاجماع علي ذلك.

الثاني: أن الرجوع في جميع تلك الوقائع إلي نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة، المعبر عنها في لسان جمع من مشايخنا بالخروج عن الدين، بمعني أن المقتصر علي التدين بالمعلومات التارك للاحكام المجهولة جاعلا لها كالمعدومة يكاد يعد خارجا عن الدين، لقلة المعلومات التي أخذ بها و كثرة المجهولات التي أعرض عنها.

و هذا أمر يقطع ببطلانه كل أحد بعد الالتفات إلي كثرة المجهولات، كما يقطع ببطلان الرجوع

***** [186] *****

إلي نفي الحكم و عدم الالتزام بحكم أصلا لو فرض - و العياذ بالله - إنسداد باب العلم و الظن الخاص في جميع الاحكان و إنطماس هذا المقدار القليل من الاحكام المعلومة.

فيكشف بطلان الرجوع إلي البراءة عن وجوب التعرض لامتثال تلك المجهولات و لو علي غير وجه العلم و الظن الخاص، لا أن يكون تعذر العلم و الظن الخاص منشأ للحكم بإرتفاع التكليف بالمجهولات، كما توهمه بعض من تصدي للايراد علي كل واحدة واحدة من مقدمات الانسداد.

نعم هذا إنما يستقيم في حكم واحد أو أحكام قليلة لم يوجد عليه دليل علمي أو ظني معتبر، كما هو دأب المجتهدين بعد تحصيل الادلة و الامارات في أغلب الاحكام.

أما إذا صار معظم الفقه أو كله مجهولا، فلا يجوز أن يسلك فيه هذا المنهج.

و الحاصل: أن طرح أكثر الاحكام الفرعية بنفسه محذور مفروغ عن بطلانه، كطرح جميع الاحكام لو فرضت مجهولة و قد وقع

ذلك تصريحا أو تلويحا في كلام جماعة من القدماء و المتأخرين.

منهم الصدوق في الفقيه، في باب الخلل الواقع في الصلاة، في ذيل أخبار سهو النبي: (فلو جاز رد هذه الاخبار الواقعة في هذا الباب لجاز رد جميع الاخبار و فيه إبطال للدين و الشريعة)، إنتهي.

و منه السيد، قدس سره ، حيث أورد علي نفسه في المنع عن العمل بخبر الواحد و قال: (فإن قلت: إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد، فعلي أي شئ تعولون في الفقه كله؟ فأجاب، بما حاصله: دعوي إنفتاح باب العلم في الاحكام).

و لا يخفي: أنه لو جاز طرح الاحكام المجهولة و لم يكن شيئا منكرا، لم يكن وجه للايراد المذكور، إذ الفقه حينئذ ليس إلا عبارة عن الاحكام التي قام عليها الدليل و المرجح و كان فيه معول و لم يكن وقع أيضا للجواب بدعوي الانفتاح الراجعة إلي دعوي عدم الحاجه إلي أخبار الآحاد.

بل المناسب حينئذ الجواب: بأن عدم المعول في أكثر المسائل لا يوجب فتح باب العمل بخبر الواحد.

و الحاصل: أن ظاهر السؤال و الجواب المذكورين التسالم و التصالح علي أنه لو فرض الحاجة إلي اخبار الآحاد، لعدم المعول في أكثر الفقه، لزم العمل عليها و إن لم يقم عليه دليل بالخصوص، فإن

***** [187] *****

نفس الحاجة إليها هي أعظم دليل، بناء علي عدم جواز طرح الاحكام.

و من هنا ذكر السيد صدر الدين في شرح الوافية أن السيد قد إصطلح بهذا الكلام مع المتأخرين.

و منهم الشيخ، قدس سره ، في العدة حيث أنه، بعد دعوي الاجماع علي حجية أخبار الآحاد، قال، ما حاصله: إنه لو إدعي أحد أن عمل الامامية بهذه الاخبار كان لاجل قرائن إنضمت إليها، كان معولا علي ما

يعلم من الضرورة خلافه.

ثم قال: و من قال إني متي عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل، يلزمه أن يترك أكثر الاخبار و أكثر الاحكام و لا يحكم فيها بشئ ورد الشرع به و هذا حد يرغب أهل العلم عنه و من صار إليه لا يحسن مكالمته، لانه يكون معولا علي ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه)، إنتهي.

و لعمري، إنك يكفي مثل هذا الكلام من الشيخ في قطع توهم جواز الرجوع إلي البراءة عند فرض فقد العلم و الظن الخاص في أكثر الاحكام.

و منهم المحقق في المعتبر حيث قال - في مسألة خمس الغوص في رد من نفاه، مستدلا بأنه لو كان لنقل بالسنة: - قلنا: أما تواترا فممنوع و إلا لبطل كثير من الاحكام)، إنتهي.

و منهم العلامة في نهج المسترشدين، في مسألة إثبات عصمة الامام، حيث ذكر أنه، عليه السلام ، لا بد أن يكون حافظا للاحكام.

و استدل بأن الكتاب و السنة لا يدلن علي التفاصيل - إلي أن قال: - و البراءة الاصليه ترفع جميع الاحكام.

و منهم بعض أصحابنا في رسالته المعمولة في علم الكلام المسماة بعصر المنجود، حيث استدل علي عصمة الامام، عليه السلام ، بأنه حافظ للشريعة، لعدم إحاطة الكتاب و السنة به - إلي أن قال: - (و القياس باطل و البراءة الاصلية ترفع جميع الاحكام)، إنتهي.

و منهم الفاضل المقداد في شرح الباب الحادي عشر، إلا أنه قال: (إن الرجوع إلي البراءة الاصلية يرفع أكثر الاحكام).

و الظاهر أن مراد العلامة و صاحب الرسالة، قدس سره ما، من جميع الاحكام ما عدا المستنبط

***** [188] *****

من الادلة العلمية، لان كثيرا من الاحكام ضرورية لا ترفع بالاصل و لا يشك فيها

حتي يحتاج إلي الامام عليه السلام.

و منهم المحقق الخوانساري، فيما حكي عنه السيد الصدر في شرح الوافية، من أن رجح الاكتفاء في تعديل الراوي بعدل، مستدلا، بعد مفهوم آية النبأ، بأن إعتبار التعدد يوجب خلو أكثر الاحكام عن الدليل.

و منهم صاحب الوافية، حيث تقدم عنه الاستدلال علي حجية أخبار الآحاد، بأنا نقطع مع طرح أخبار الآحاد - في مثل الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج و المتاجر و الانكحة و غيرها - بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور.

و هذه عبارة أخري عن الخروج عن الدين الذي عبر به جماعة من مشايخنا.

و منهم بعض شراح الوسائل حيث استدل علي حجية أخبار الآحاد بأنه لو لم يعمل بها بطل التكليف و بطلانه ظاهر.

و منهم المحدث البحراني صاحب الحدائق - حيث ذكر في مسأله ثبوت الربا في الحنطة بالشعير خلاف الحلي في ذلك و قوله بكونهما جنسين و أن الاخبار الواردة في إتحادهما آحاد لا توجب علما و لا عملا - قال في رده:

(إن الواجب عليه مع رد هذه الاخبار و نحوها من أخبار الشريعة هو الخروج عن هذا الدين إلي دين آخر)، إنتهي.

و منهم العضدي، تبعا للحاجبي، حيث حكي عن بعضهم الاستدلال علي حجية خبر الواحد بأنه لولاها لخلت أكثر الوقائع عن المدرك. ثم إنه و إن ذكر في الجواب عنه أنا نمنع الخلو عن المدرك، لان الاصل من المدارك. لكن هذا الجواب من العامة القائلين بعدم إتيان النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، بأحكام جميع الوقائع و لو كان المجيب من الامامية القائلين بإكمال الشريعة و بيان جميع الاحكام لم يجب بذلك.

و بالجملة، فالظاهر أن خلو أكثر الاحكام عن المدرك المستلزم

للرجوع فيها إلي نفي الحكم و عدم الالتزام في معظم الفقه بحكم تكليفي كأنه أمر مفروغ البطلان و الغرض من جيمع ذلك الرد علي بعض من تصدي لرد هذه المقدمه و لم يأت بشئ عدا ما قرع سمع كل أحد من أدلة البراءة و عدم ثبوت التكليف إلا بعد البيان و لم يتفطن بأن مجراها في

***** [189] *****

غير ما نحن فيه، فهل يري من نفسه إجراء ها و لو فرضنا و العياذ بالله، إرتفاع العلم بجميع الاحكام.

بل نقول: لو فرضنا أن مقلدا دخل عليه وقت الصلاة و لم يعلم من الصلاة عدا ما تعلم من أبويه بظن الصحة إحتمال الفساد عنده إحتمالا ضعيفا و لم يتمكن من أزيد من ذلك، فهل يلتزم بسقوط التكليف عنه بالصلاة في هذه الحالة، أو أنه ياتي بها علي حسب ظنه الحاصل من قول أبويه و المفروض أن قول أبويه مما لم يدل عليه دليل شرعي.

فإذا لم تجد من نفسك الرخصة في تجويز ترك الصلاة لهذا الشخص، فكيف ترخص الجاهل بمعظم الاحكام في نفي الالتزام بشئ منها، عدا القليل المعلوم أو المظنون بالظن الخاص و ترك ما عداه و لو كان مظنونا بظن لم يقم علي إعتباره دليل خاص.

بل الانصاف: أنه لو فرض و العياذ بالله، فقد الظن المطلق في معظم الاحكام، كان الواجب الرجوع إلي الامتثال الاحتمالي بالتزام ما لا يقطع معه بطرح الاحكام الواقعية.

الثالث: أنه لو سلمنا أن الرجوع إلي البراءة لا يوجب شيئا مما ذكر من المحذور البديهي و هو الخروج عن الدين، فنقول: إنه لا دليل علي الرجوع إلي البراءة من جهة العلم الاجمالي به وجود الواجبات و المحرمات، فإن أدلتها مختصة بغير هذه الصورة و نحن

نعلم إجمالا أن في المظنونات واجبات كثيرة و محرمات كثيرة.

و الفرق بين هذا الوجه و سابقه: أن الوجه السابق كان مبنيا علي لزوم المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين و هو محذور مستقل و إن قلنا بجواز العمل بالاصل في صورة لزوم مطلق المخالفة القطعية.

و هذا الوجه مبني علي أن مطلق المخالفة القطعية غير جائز و أصل البراءة في مقابلها غير جار ما لم يصل المعلوم الاجمالي إلي حد الشبهة الغير المحصورة و قد ثبت في مسألة البراءة أن مجراها الشك في اصل التكليف، لا الشك في تعيينه مع القطع بثبوت أصله، كما في ما نحن فيه.

فإن قلت: إذا فرضنا أن ظن المجتهد أدي في جميع الوقائع إلي ما يوافق البراءة، فما تصنع؟ قلت: أولا، إنه مستحيل، لان العلم الاجمالي به وجود الواجبات و المحرمات الكثيرة في جملة الوقائع المشتبهة يمنع عن حصول الظن بعدم وجوب شي ء من الوقائع المحتملة للوجوب و عدم حرمة شئ من الوقائع المحتملة للتحريم، لان الظن بالسالبة الكلية يناقض العلم بالموجبة الجزئية، فالظن بأنه لا شخص من العلماء بفاسق، يناقض العلم إجمالا بأن بعض العلماء فاسق.

***** [190] *****

و ثانيا، إنه علي تقدير الامكان غير واقع، لان الاماراتالتي يحصل للمجتهد منها الظن في الوقائع لا تخلو عن الاخبار المتضمن كثير منها لاثبات التكليف وجوبا و تحريما.

فحصول الظن بعدم التكليف في جميع الوقائع أمر يعلم عادة بعدم وقوعه.

و ثالثا، لو سلمنا وقوعه، لكن لا يجوز حنيئذ العمل بعدم التكليف في جميع الوقائع لاجل العلم الاجمالي المفروض، فلا بد حينئذ من التبعيض بين مراتب الظن بالقوة و الضعف، فيعمل في موارد الظن الضعيف بنفي التكليف بمقتضي الاحتياط و في موارد

الظن القوي بنفي التكليف بمتقضي البراءة.

و لو فرض التسوية في القوة و الضعف كان الحكم كما لو لم يكن ظن في شئ من تلك الوقائع من التخيير إن لم يتيسر لهذا الشخص الاحتياط و إن تيسر الاحتياط تعين الاحتياط في حق نفسه و إن لم يجز لغيره تقليده و لكن الظاهر أن ذلك مجرد فرض غير واقع، لان الامارات كثير منها مثبتة للتكليف، فراجع كتب الاخبار.

ثم إنه قد يرد الرجوع إلي أصالة البراءة تبعا لصاحب المعالم و شيخنا البهائي في الزبدة بأن إعتبارها من باب الظن و الظن منتف في مقابل الخبر و نحوه من أمارات الظن.

و فيه: منع كون البراءة من باب الظن. كيف؟ و لو كانت كذلك لم يكن دليل علي إعتبارها، بل هو من باب حكم العقل القطعي بقبح التكليف من دون بيان.

و ذكر المحقق القمي، رحمه الله، في منع حكم العقل المذكور: (أن حكم العقل إما أن يريد به الحكم القطعي أو الظني.

فإن كان الاول، فدعوي كون مقتضي أصل البراءة قطعيا أول الكلام، كما لا يخفي علي من لاحظ أدلة المثبتين و النافين من العقل و النقل. سلمنا كونه قطعيا في الجمله، لكن المسلم إنما هو قبل ورود الشرع.

و أما بعد ورود الشرع، فالعلم بأن فيه أحكاما إجمالية علي سبيل اليقين يثبطنا عن الحكم بالعدم قطعا، كما لا يخفي.

سلمنا ذلك و لكن لا نسلم حصول القطع بعد ورود مثل الخبر الواحد الصحيح علي خلافه.

و إن اراد الحكم الظني، سواء كان بسبب كونه بذاته مفيدا للظن أو من جهة إستصحاب الحالة السابقة، فهو أيضا ظن مستفاد من ظاهر الكتاب و الاخبار التي لم يثبت حجيتها بالخصوص، مع أنه ممنوع بعد ورود الشرع،

ثم بعد ورود الخبر

***** [191] *****

الصحيح، إذا حصل من خبر الواحد ظن أقوي منه)، إنتهي كلامه، رفع مقامه.

و فيه: أن حكم العقل بقبح المواخذة من دون البيان حكم قطعي، لا إختصاص له بحال دون حال.

فلا وجه لتخصيصه بما قبل ورود الشرع و لم يقع فيه خلاف بين العقلاء و إنما ذهب من ذهب إلي وجوب الاحتياط لزعم نصب الشارع البيان علي وجوب الاحتياط من الآيات و الاخبار التي ذكروها.

و أما الخبر الصحيح فهو كغيره من الظنون إن قام دليل قطعي علي إعتباره كان داخلا في البيان و لا كلام في عدم جريان البراءة معه و إلا فوجوده كعدمه غير مؤثر في الحكم العقلي.

و الحاصل: أنه لا ريب لاحد، فضلا عن أنه لا خلاف، في أنه علي تقدير عدم بيان التكليف بالدليل العام أو الخاص، فالاصل البراءة و حينئذ فاللازم إقامة الدليل علي كون الظن المقابل بيانا.

و بما ذكرنا ظهر صحة دعوي الاجماع علي أصالة البراءة في المقام، لانه إذا فرض عدم الدليل علي إعتبار الظن المقابل صدق قطعا عدم البيان، فتجري البراءة.

و ظهر فساد دفع أصل البراءة بأن المستند فيها إن كان هو الاجماع فهو مفقود في محل البحث و إن كان هو العقل فمورده صورة عدم الدليل و لا نسلم عدم الدليل مع وجود الخبر.

و هذا الكلام، خصوصا الفقرة الاخيرة منه، مما يضحك الثكلي، فإن عدم ثبوت كون الخبر دليلا يكفي في تحقق مصداق القطع بعدم الدليل الذي هو مجري البراءة.

و اعلم:

أن الاعتراض علي مقدمات دليل الانسداد بعدم إستلزامها للعمل بالظن لجواز الرجوع إلي البراء ه و إن كان قد أشار إليه صاحب المعالم و صاحب الزبدة و أجابا عنه بما تقدم مع رده،

من أن أصالة البراءة لا يقاوم الظن الحاصل من خبر الواحد، إلا أن أول من شيد الاعتراض به و حرره، لا من باب الظن، هو المحقق المدقق جمال الدين، قدس سره ، في حاشيته، حيث قال: (يرد علي الدليل المذكور أن إنسداد باب العلم بالاحكام الشرعية غالبا لا يوجب جواز العمل بالظن حتي يتجه ما ذكروه، لجواز أن لا يجوز العمل بالظن.

فكل حكم حصل العلم به من ضرورة أو إجماع نحكم به و ما لم يحصل العلم به نحكم فيه بأصالة البراءة، لا لكونها مفيدة للظن و لا للاجماع علي وجوب التمسك بها، بل لان العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف علينا إلا بالعلم به، أو بظن يقوم

***** [192] *****

علي إعتباره دليل يفيد العلم.

ففيما إنتفي الامران فيه يحكم العقل ببراءة الذمة عنه و عدم جواز العقاب علي تركه، لا لان الاصل المذكور يفيد ظنا بمقتضاها حتي يعارض بالظن الحاصل من أخبار الاحاد بخلافها، بل لما ذكرنا من حكم العقل بعدم لزوم شئ علينا ما لم يحصل العلم لنا و لا يكفي الظن به.

و يؤكده ما ورد من النهي عن إتباع الظن.

و علي هذا ففي ما لم يحصل العلم به علي أحد الوجهين و كان لنا مندوحة عنه كغسل الجمعة فالخطب سهل، إذ نحكم بجواز تركه بمقتضي الاصل المذكور.

و أما فيما لم يكن مندوحة عنه، كالجهر بالتسمية و الاخفات بها في الصلاة الاخفاتية التي قال بوجوب كل منهما قوم و لا يمكن لنا ترك التسمية، فلا محيص لنا عن الاتيان بأحدهما، فنحكم بالتخيير فيها، لثبوت وجوب أصل التسمية و عدم ثبوت وجوب الجهر و الاخفات، فلا حرج لنا في شئ منهما و علي هذا فلا يتم

الدليل المذكور، لانا لا نعمل بالظن أصلا)، إنتهي كلامه، رفع مقامه.

و قد عرفت أن المحقق القمي، قدس سره ، أجاب عنه بما لا يسلم عن الفساد، فالحق رده بالوجوه الثلاثة المتقدمة.

ثم إن ما ذكره من التخلص عن العمل بالظن بالرجوع إلي البراءة لا يجري في جميع الفقه، إذ قد يتردد الامر بين كون المال لاحد شخصين.

كما إذا شك في صحة بيع المعاطاة فتبايع بها إثنان، فإنه لا مجري هنا للبراءة، لحرمة تصرف كل منهما علي تقدير كون المبيع ملك صاحبه و كذا في الثمن و لا معني للتخيير أيضا، لان كلا منهما يختار مصلحته و تخيير الحاكم هنا لا دليل عليه، مع أن الكلام في حكم الواقعة، لا في علاج الخصومة، اللهم إلا أن يتمسك في أمثاله بأصالة عدم ترتب الاثر، بناء علي أن أصالة العدم من الادلة الشرعية.

فلو أبدل في الايراد أصالة البراءة بأصالة العدم كان أشمل.

و يمكن أن يكون هذا الاصل - يعني أصل الفساد و عدم التملك و أمثاله - داخلا في المستثني، في قوله: (لا يثبت تكليف علينا إلا بالعلم أو بظن يقوم علي إعتباره دليل يفيد العلم)، بناء علي أن

***** [193] *****

أصل العدم من الظنون الخاصة التي قام علي إعتبارها الاجماع و السيرة، إلا أن يمنع قيامهما علي إعتباره عند إشتباه الحكم الشرعي مع وجود الظن علي خلافه.

و إعتباره من باب الاستصحاب مع إبتنائه علي حجية الاستصحاب في الحكم الشرعي رجوع إلي الظن العقلي أو الظن الحاصل من أخبار الآحاد الدالة علي الاستصحاب.

الله إلا أن يدعي تواترها و لو إجمالا، بمعني حصول العلم بصدور بعضها إجمالا، فيخرج عن خبر الآحاد و لا يخلو عن تأمل.

و كيف كان ففي الاجوبة المتقدمة

و لا أقل من الوجه الاخير غني و كفاية إن شاء الله تعالي.

المقدمة الثالثة: في بيان بطلان وجوب تحصيل الامتثال

المقدمة الثالثة: في بيان بطلان وجوب تحصيل الامتثال

بالطرق المقررة للجاهل من الاحتياط

أو الرجوع في كل مسألة إلي ما يقتضيه الاصل في تلك المسألة أو الرجوع إلي فتوي العالم بالمسأله و تقليده فيها فنقول: إن كلا من هذه الامور الثلاثة و إن كان طريقا شرعيا في الجملة لامتثال الحكم المجهول، إلا أن منها ما لا يجب في المقام و منها ما لا يجري.

أما الاحتياط، فهو و إن كان مقتضي الاصل و القاعدة العقلية و النقلية عند ثبوت العلم الاجمالي به وجود الواجبات و المحرمات، إلا أنه في المقام - أعني صورة إنسداد باب العلم في معظم المسائل الفقهية - غير واجب لوجهين:

(1) - أحدهما:

الاجماع القطعي علي عدم وجوبه في المقام، لا بمعني أن أحدا من العلماء لم يلتزم بالاحتياط في كل الفقه أو جله، حتي يرد عليه: أن عدم إلتزامهم به إنما هو لوجود المدارك المعتبرة عندهم للاحكام، فلا يقاس عليهم من لا يجد مدركا في المسألة، بل بالمعني الذي تقدم نظيره في الاجماع علي عدم الرجوع إلي البراءة.

و حاصله: دعوي الاجماع القطعي علي المرجع في الشريعة - علي تقدير إنسداد باب العلم في معظم الاحكام و عدم ثبوت حجية أخبار الآحاد رأسا أو بإستثناء قليل هو في جنب الباقي كالمعدوم - ليس هو الاحتياط في الدين و الالتزام بفعل كل ما يحتمل الوجوب و لو موهوما و ترك كل ما يحتمل الحرمة كذلك.

و صدق هذا الدعوي مما يجده المنصف من نفسه بعد ملاحظة قلة الملومات، مضافا إلي ما يستفاد من أكثر كلمات العلماء المتقدمة في بطلان الرجوع إلي البراءة و عدم التكليف

في المحهولات، فإنها واضحة الدلالة في أن بطلان الاحتياط كالبراءة مفروغ عنه، فراجع.

***** [195] *****

(2) - الثاني:

لزوم العسر الشديد و الحرج الاكيد في إلتزامه، لكثرة ما يحتمل موهوما وجوبه، خصوصا في أبواب الطهارة و الصلاة. فمراعاته مما يوجب الحرج و المثال لا يحتاج إليه.

فلو بني العالم الخبير بموارد الاحتياط - فيما لم ينعقد عليه إجماع قطعي أو خبر متواتر - علي الالتزام بالاحتياط في جميع أموره يوما و ليلة، لوجد صدق ما ادعيناه.

هذا كله بالنسبة إلي نفس العمل بالاحتياط.

و أما تعليم المجتهد موارد الاحتياط لمقلده و تعلم المقلد موارد الاحتياط الشخصية و علاج تعارض الاحتياطات و ترجيح الاحتياط الناشي عن الاحتمال القوي علي الاحتياط الناشي عن الاحتمال الضعيف، فهو أمر مستغرق لاوقات المجتهد و المقلد، فيقع الناس من جهة تعليم هذه الموارد و تعلمها في حرج يحل بنظام معاشهم و معادهم.

توضيح ذلك:

أن الاحتياط في مسألة التطهير بالماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر ترك التطهير به، لكن قد يعارضه في الموارد الشخصية إحتياطات أخر، بعضها اقوي منه و بعضها أضعف و بعضها مساو، فإنه قد يوجد ماء آخر للطهارة و قد لا يوجد معه إلا التراب و قد لا يوجد من مطلق الطهور غيره.

فإن الاحتياط في الاول هو الطهارة من ماء آخر لو لم يزاحمه الاحتياط من جهة أخري كما إذا كان قد أصابه ما لم ينعقد الاجماع علي طهارته و في الثاني هو الجميع بين الطهارة المائية و الترابية إن لم يزاحمه ضيق الوقت المجمع عليه و في الثالث الطهارة من ذلك المستعمل و الصلاة إن لم يزاحمه أمر آخر واجب أو محتمل الوجوب.

فكيف يسوغ للمجتهد أن يلقي إلي مقلده أن الاحتياط في ترك الطهارة

بالماء المستعمل مع كون الاحتياط في كثير من الموارد إستعماله فقط أو الجمع بينه و بين غيره و بالجملة. فتعليم موارد الاحتياط الشخصية و تعلمها، فضلا عن العمل بها، أمر يكاد يلحق بالمتعذر و يظهر ذلك بالتأمل في الوقائع الاتفاقية.

فإن قلت: لا يجب علي المقلد متابعة هذا الشخص الذي أدي نظره إلي إنسداد باب العلم في معظم المسائل و وجوب الاحتياط، بل يقلد غيره.

قلت، مع أن لنا أن نفرض انحصار المجتهد في هذا الشخص: إن كلامنا في حكم الله سبحانه بحسب إعتقاد هذا المجتهد الذي اعتقد إنسداد باب العلم و عدم الدليل علي ظن خاص يكتفي به في تحصيل غالب الاحكام و إن من يدعي وجود الدليل علي ذلك فإنما نشأ إعتقاده مما ينبغي الركون إليه و يكون الركون إليه جازما في غير محله.

***** [196] *****

فالكلام في أن حكم الله تعالي علي تقدير إنسداد باب العلم و عدم نصب الطريق الخاص لا يمكن أن يكون هو الاحتياط بالنسبة إلي العباد، للزوم الحرج البالغ حد إختلال النظام.

و لا يخفي أنه لا وجه لدفع هذا الكلام بأن العوام يقلدون مجتهدا غير هذا، قائلا بعدم إنسداد باب العلم أو بنصب الطرق الظنية الوافية بأغلب الاحكام، فلا يلزم عليهم حرج و ضيق.

ثم إن هذا كله، مع كون المسألة في نفسها مما يمكن فيه الاحتياط و لو بتكرار العمل في العبادات.

أما مع عدم إمكان الاحتياط - كما لو دار المال بين صغيرين يحتاج كل واحد منهما إلي صرفه عليه في الحال و كما في المرافعات - في مناص عن العمل بالظن.

* * *

و قد يورد علي إبطال الاحتياط بلزوم الحرج بوجوه لا بأس بالاشارة إلي بعضها: منها: النقض بما لو

أدي إجتهاد المجتهد و عمله بالظن إلي فتوي يوجب الحرج، كوجوب الترتيب بين الحاضره و الفائتة لمن عليه فوائت كثيرة، أو وجوب الغسل علي مريض أجنب متعمدا و إن أصابه من المرض ما أصابه، كما هو قول بعض أصحابنا.

و كذا لو فرضنا أداء ظن المجتهد إلي وجوب امور كثيرة يحصل العسر لمراعاتها و بالجملة فلزوم الحرج من العمل بالقواعد لا يوجب الاعراض عنها و فيما نحن فيه إذا إقتضي القاعدة رعاية الاحتياط لم يرفع اليد عنها، للزوم العسر.

و الجواب: أن ما ذكر في غاية الفساد.

لان مرجعه إن كان منع نهوض أدلة نفي الحرج للحكومة علي مقتضيات القواعد و العمومات و تخصيصها بغير صورة لزوم الحرج، فينبغي أن ينقل الكلام في منع ثبوت قاعدة الحرج و لا يخفي أن منعه في غاية السقوط، لدلالة الاخبار المتواترة معني عليه، مضافا إلي دلالة ظاهر الكتاب.

و الحاصل: أن قاعدة نفي الحرج مما ثبتت بالادلة الثلاثة بل الاربعة في مثل مقام، لاستقلال العقل بقبح التكليف بما يوجب إختلال نظام أمر الملكف، نعم هي في غير ما يوجب الاختلال قاعدة ظنية تقبل الخروج عنها بالادلة الخاصة المحكمة و إن لم تكن قطعية.

و أما القواعد و العمومات المثبتة للتكليف فلا إشكال بل لا خلاف في حكومة أدلة نفي الحرج عليها.

فليس الوجه في التقديم كون النسبة بينهما عموما من وجه، فيرجع إلي أصالة البراءة، كما قيل، أو إلي المرجحات الخارجية المعاضدة لقاعدة نفي الحرج، كما زعم، بل لان أدلة نفي العسر بمدلوها اللفظي حاكمة علي العمومات المثبتة للتكليف، فهي بالذات مقدمة عليها و هذا هو السر

***** [197] *****

في عدم ملاحظة الفقهاء المرجح الخارجي، بل يقدمونها من غير مرجح خارجي نعم جعل بعض متأخري

المتأخرين عمل الفقهاء بها في الموارد من المرجحات لتلك القاعدة، زعما منه أن عملهم لمرجح توقيفي إطلعوا عليه و اختفي علينا و لم يشعر أن وجه التقديم كونها حاكمة علي العمومات.

و مما يوضح ما ذكرنا - و يدعو إلي التأمل في وجه التقديم المذكور في محله و يوجب الاعراض عما زعمه غير واحد من وقوع التعارض بينها و بين سائل العمومات فيجب الرجوع إلي الاصول أو المرجحات - هو ما رواه عبدالاعلي، مولي آل سام، في: من عثر، فانقطع ظفره، فجعل عليه مرارة، فكيف يصنع بالوضوء؟ فقال عليه السلام : (يعرف هذا و أشبهاهه من كتاب الله: ما جعل عليكم في الدين من حرج.

إمسح عليه).

فإن في إحالة الامام، عليه السلام ، لحكم هذه الواقعة إلي عموم نفي الحرج - و بيان أنه ينبغي أن يعلم منه أن الحكم في هذه الواقعة المسح فوق المرارة، مع معارضة العموم المذكور بالعمومات الموجبة للمسح علي البشرة - دلالة واضحة علي حكومة عمومات نفي الحرج بأنفسها علي العمومات المثبتة للتكاليف من غير حاجة إلي ملاحظة تعارض و ترجيح في البين، فافهم و إن كان مرجع ما ذكره إلي أن إلتزام العسر إذا دل عليه الدليل لا بأس به.

كما في ما ذكر من المثال و الفرض.

ففيه: ما عرفت، من أنه لا يخصص تلك العمومات إلا ما يكون أخص منها معاضدا بما يوجب قوتها علي تلك العمومات الكثيرة الواردة في الكتاب و السنة.

و المفروض أنه ليس في المقام إلا قاعدة الاحتياط التي قد رفع اليد لاجل العسر في موارد كثيرة: مثل الشبهة الغير المحصورة و ما لو علم أن عليه فوائت لا يحصي عددها و غير ذلك.

بل أدلة نفي العسر بالنسبة

إلي قاعدة الاحتياط من قبيل الدليل بالنسبة إلي الاصل.

فتقديمها عليها أوضح من تقديمها علي العمومات الاجتهادية.

و أما ما ذكره - من فرض أداء ظن المجتهد إلي وجوب بعض ما يوجب العسر كالترتيب في الفوائت أو الغسل في المثالين - فظهر مما ذكرنا، من أن قاعدة نفي العسر في غير مورد الاختلال قابلة للتخصيص.

***** [198] *****

و أما ما ذكره من فرض أداء ظن المجتهد إلي وجوب امور يلزم من فعلها الحرج.

فيرد عليه:

أولا، منع إمكانه، لانا علمنا بأدلة نفي الحرج أن الواجبات الشرعية في الواقع ليست بحيث يوجب العسر علي المكلف و مع هذا العلم الاجمالي يمتنع الظن التفصيلي بوجوب أمور في الشريعة يوجب إرتكابها العسر، علي مر نظيره في الايراد علي دفع الرجوع إلي البراءة.

و ثانيا، سلمنا إمكان ذلك، إما لكون الظنون الحاصلة في السائل الفرعية كلها او بعضها ظنونا نوعية لا تنافي العلم الاجمالي بمخالفة البعض للواقع، أو بناء علي أن المستفاد من أدلة نفي العسر ليس هو القطع و لا الظن الشخصي بانتفاء العسر، بل غايته الظن النوعي الحاصل من العمومات بذلك، فلا ينافي الظن الشخصي الفصيلي في المسائل الفرعية علي الخلاف و إما بناء علي ما ربما يدعي من عدم التنافي بين الظنون التفصيلية الشخصية و العمل الاجمالي بخلافها.

كما في الظن الحاصل من الغلبة مع العلم الاجمالي به وجود الفرد النادر علي الخلاف.

لكن نمنع وقوع ذلك، لان الظنون الحاصلة للمجتهد، بناء علي مذهب الامامية من عدم إعتبار الظن القياسي و أشبهاهه، ظنون حاصلة من أمارات مضبوطة محصورة، كأقسام الخبر و الشهرة و الاستقراء و الاجماع المنقول و الاولوية الاعتبارية و نظائرها.

و من المعلوم للمتتبع فيها أن مؤدياتها لا تفضي إلي الحرج، لكثرة ما

يخالف الاحتياط فيها، كما لا يخفي علي من لاحظها و سبرها سبرا إجماليا.

و ثالثا، سلمنا إمكانه و وقوعه، لكن العمل بتلك الظنون لا يؤدي إلي إختلال النظام، حتي لا يمكن إخراجها من عمومات نفي العسر، فنعمل بها في مقابلة عمومات نفي العسر و نخصصها بها، لما عرفت من قبولها التخصيص في غير مورد الاختلال و ليس هذا كرا علي ما فر منه، حيث أنا عملنا بالظن فرارا عن لزوم العسر.

فإذا أدي إليه فلا وجه للعمل به، لان العسر اللازم علي تقدير طرح العمل بالظن كان بالغا حد إختلال النظام من جهة لزوم مراعاة الاحتمالات الموهومة و المشكوكة.

و أما الظنون المطابقة لمقتضي الاحتياط، فلا بد من العمل بها، سواء عملنا بالظن أم عملنا بالاحتياط.

و حينئذ ليس العسر اللازم من العمل بالظنون الاجتهادية في فرض المعترض من جهة العمل بالظن، بل من جهة مطابقته لمقتضي الاحتياط.

فلو عمل بالاحتياط وجب عليه أن يضيف إلي تلك الظنون الاحتمالات الموهومة و المشكوكة المطابقة للاحتياط.

و منها: أنه يقع التعارض بين الادلة الدالة علي حرمة العمل بالظن و العمومات النافية للحرج.

و الاول أكثر، فيبقي أصالة الاحتياط مع العلم الاجمالي بالتكاليف الكثيرة سليمة عن المزاحم.

***** [199] *****

و فيه: ما لا يخفي، لما عرفت في تأسيس الاصل، من أن العمل بالظن ليس فيه إذا لم يكن بقصد التشريع و الالتزام شرعا بمؤداه حرمة ذاتية و إنما يحرم إذا أدي إلي مخالفة الواقع من وجوب أو تحريم.

فالنافي للعمل بالظن فيما نحن فيه ليس إلا قاعدة الاحتياط الآمرة بإحراز الاحتمالات الموهومة و ترك العمل بالظنون المقابلة لتلك الاحتمالات و قد فرضنا أن قاعدة الاحتياط ساقطة بأدلة نفي العسر.

ثم لو فرضنا ثبوت الحرمة الذاتية للعمل بالظن و

لو لم يكن علي جهة التشريع، لكن عرفت سابقا عدم معارضة عمومات نفي العسر بشئ من العمومات المثبتة للتكليف المتعسر.

و منها: أن الادلة النافية للعسر إنما تنفي وجوده في الشريعة بحسب أصل الشرع اولا و بالذات، في تنافي وقوعه بسبب عارض لا يسند إلي الشارع و لذا لو نذر المكلف أمورا عسرة، كالاخذ بالاحتياط في جميع الاحكام الغير المعلومة و كصوم الدهر أو إحياء بعض الليالي أو المشي إلي الحج أو الزيارات، لم يمنع تعسرها عن إنعقاد نذرها، لان الالتزام بها إنما جاء من قبل المكلف و كذا لو آجر نفسه لعمل شاق لم يمنع مشقته من صحة الاجارة و وجوب الوفاء بها.

و حينئذ فنقول: لا ريب أن وجوب الاحتياط بإتيان كل ما يحتمل الوجوب و ترك كل ما يحتمل الحرمة، إنما هو من جهة إختفاء الاحكام الشرعية المسبب عن الكلفين المقصرين في محافظة الآثار الصادرة عن الشارع المبينة للاحكام و المميزة للحلال عن الحرام.

و هذا السبب و إن لم يكن عن فعل كل مكلف لعدم مدخلية أكثر المكلفين في ذلك، إلا أن التكليف بالعسر ليس قبيحا عقليا حتي يقبح أن يكلف به من لم يكن سببا له و يختص عدم قبحه بمن صار التعسر من سوء إختياره، بل هو أمر منفي بالادلة الشرعية السمعية.

و ظاهرها أن المنفي هو جعل الاحكام الشرعية أولا و بالذات علي وجه يوجب العسر علي المكلف، فلا ينافي عروض التعسر لامتثالها من جهة تقصير المقصرين في ضبطها و حفظها عن الاختفاء مع كون ثواب الامتثال حينئذ أكثر بمراتب.

ألا تري أن الاجتهاد الواجب علي المكلفين و لو كفاية، من الامور الشاقة جدا، خصوصا في هذه الازمنة.

فهل السبب فيه إلا تقصير المقصرين

الموجبين لاختفاء آثار الشريعة و هل يفرق في نفي العسر بين الوجوب الكفائي و العيني.

و الجواب: عن هذا الوجه أن أدلة نفي العسر، سيما البالغ منه حد إختلال النظام و الاضرار بأمور المعاش و المعاد، لا فرق فيها بين ما يكون بسبب يسند عرفا إلي الشارع.

و هو الذي أريد بقولهم عليهم السلام : (ما غلب الله عليه فالله أولي بالعذر) و بين ما يكون مسندا إلي غيره.

و وجوب

***** [200] *****

صوم الدهر علي ناذره إذا كان فيه مشقة لا يتحمل عادة ممنوع و كذا أمثالها من المشي إلي بيت الله جل ذكره و إحياء الليالي و غيرهما.

مع إمكان أن يقال بأن ما ألزمه المكلف علي نفسه من المشاق خارج عن العمومات، لا ما كان السبب فيه نفس المكلف.

فيفرق بين الجنابة متعمدا فلا يجب الغسل مع المشقة و بين إجارة النفس للمشاق، لان الحم في الاول تأسيس من الشارع و في الثاني إمضاء لما ألزمه المكلف علي نفسه.

فتأمل.

و أما الاجتهاد الواجب كفاية عند إنسداد باب العلم، فمع أنه شئ يقضي بوجوبه الادلة القطعية، فلا ينظر إلي تعسره و تيسره. فهو ليس أمرا حرجا، خصوصا بالنسبة إلي أهله، فإن مزاولة العلوم لاهلها ليس بأشق من أكثر المشاغل الصعبة التي يتحملها الناس لمعاشهم و كيف كان فلا يقاس عليه.

و أما عمل العباد بالاحتياط و مراقبة ما هو أحوط الامرين أو الامور في الوقائع الشخصية إذا دار الامر فيها بين الاحتياطات التمعارضة، فإن هذا دونه خرط القتاد، إذ أوقات المجتهد لا تفي بتميز موارد الاحتياطات، ثم إرشاد المقلدين إلي ترجيح بعض الاحتياطات علي بعض، عند تعارضها في الموارد الشخصية التي تتفق للمقلدين.

كما مثلنا لك سابقا في الماء المستعمل في رفع

الحدث الاكبر.

***** [201] *****

و قد يرد الاحتياط بوجوه أخر غير ما ذكرنا من الاجماع و الحرج منها: أنه لا دليل علي وجوب الاحتياط و أن الاحتياط أمر مستحب إذا لم يوجب إلغاء الحقوق الواجبة.

و فيه: أنه إن أريد أنه لا دليل علي وجوبه في كل واقعة إذا لوحظت مع قطع النظر عن العلم الاجمالي به وجود التكليف بينها و بين الوقائع الاخر فهم مسلم، بمعني أن كل واقعة ليست مما يقتضي الجهل فيها بنفسها الاحتياط بل الشك فيها، إن رجع إلي التكليف، - كما في شرب التتن و وجوب الدعاء عند رؤية الهلال - لم يجب فيها الاحتياط و إن رجع إلي تعيين المكلف به، كالشك في القصر و الاتمام و الظهر و الجمعة و كالشك في مدخلية شئ في العبادات، بناء علي وجوب الاحتياط فيما شك في مدخليته وجب فيها الاحتياط، لكن وجوب الاحتياط في ما نحن فيه في الوقائع المجهولة من جهة العلم الاجمالي به وجود الواجبات و المحرمات فيها و إن كان الشك في نفس الواقعة شكا في التكليف.

و لذا ذكرنا سابقا أن الاحتياط هو مقتضي القاعدة الاولية عند إنسداد باب العلم.

نعم من لا يوجب الاحتياط حتي مع العلم الاجمالي بالتكليف فهو يستريح عن كلفة الجواب عن الاحتياط.

و منها: أن العمل بالاحتياط مخالف للاحتياط، لان مذهب جماعة من العلماء بل المشهور بينهم إعتبار معرفة الوجه بمعني تمييز الواجب عن المستحب إجتهادا أو تقليدا.

قال في الارشاد، في أوائل الصلاة: (يجب معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها و إيقاع كل منهما علي وجهه).

و حينئذ ففي الاحتياط إخلال بمعرفة الوجه التي أفتي جماعة بوجوبها و باطلاق بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد.

و فيه: أولا،

أن معرفة الوجه مما يمكن، للمتأمل في الادلة و في إطلاقات العبارات و في سيرة

***** [202] *****

المسلمين و في سيرة النبي، صلي الله عليه و آله و الائمة، عليهم السلام ، مع الناس، الجزم بعدم إعتبارها، حتي مع التمكن من المعرفة العلمية.

و لذا ذكر المحقق، قدس سره ، كما في محكي المدارك في باب الوضوء: (أن ما حققه المتكلمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه أو وجه وجوبه كلام شعري) و تمام الكلام في غير هذا المقام.

و ثانيا، لو سلمنا وجوب المعرفة أو إحتمال وجوبها الموجب للاحتياط، فإنما هو مع التمكن من المعرفة العلمية.

أما مع عدم التمكن فلا دليل عليه قطعا.

لان إعتبار معرفة الوجه إن كان لتوقف نية الوجه عليها، فلا يخفي أنه لا يجدي المعرفة الظنية في نية الوجه، فإن مجرد الظن بوجوب شئ لا يتأتي معه القصد إليه لوجوبه، إذ لا بد من الجزم بالنية.

و لو إكتفي بمجرد الظن بالوجوب و لو لم يكن نية حقيقة فهو مما لا يفي بوجوبه ما ذكروه في إشتراط نية الوجه.

نعم لو كان الظن المذكور مما ثبت وجوب العمل به، تحقق معه نية الوجه الظاهري علي سبيل الجزم.

لكن الكلام بعد في وجوب العمل بالظن.

فالتحقيق: أن الظن بالوجه إذا لم يثبت حجيته فهو كالشك فيه لا وجه لمراعاة نية الوجه معه أصلا.

و إن كان إعتبارها لاجل توقف الامتثال التفصيلي المطلوب عقلا أو شرعا عليه - و لذا أجمعوا ظاهرا علي عدم كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من التفصيلي بأن يتمكن من الصلاة إلي القبلة في مكان و يصلي في مكان آخر غير معلوم القبلة إلي أربع جهات أو يصلي في ثوبين مشتبهين أو أكثر، مرتين أو أكثر، مع إمكان

صلاة واحدة في ثوب معلوم الطهارة، إلي غير ذلك - ففيه: إن ذلك إنما هو مع التمكن من العلم التفصيلي.

و أما مع عدم التمكن منه، كما في ما نحن فيه، فلا دليل علي ترجيح الامتثال التفصيلي الظني علي الامتثال الاجمالي العلمي، إذ لا دليل علي ترجيح صلاة واحدة في مكان إلي جهة مظنونة علي الصلاة المكررة في مكان مشتبه الجهة، بل بناء العقلاء في إطاعتهم العرفية علي ترجيح العلم الاجمالي علي الظن التفصيلي.

و بالجملة، فعدم جواز الاحتياط مع التمكن من تحصيل الظن مما لم يقم له وجه.

فإن كان و لا بد من إثبات العمل بالظن فهو بعد تجويز الاحتياط و الاعتراف برجحانه و كونه مستحبا، بل لا يبعد ترجيح الاحتياط علي تحصيل الظن الخاص الذي قام الدليل عليه بالخصوص، فتأمل.

نعم الاحتياط مع التمكن من العلم التفصيلي في العبادات مما انعقد الاجماع ظاهرا علي عدم جوازه، كما أشرنا إليه في أول الرسالة، في مسألة إعتبار العلم الاجمالي و أنه كالتفصيلي من جميع الجهات أم لا، فراجع.

***** [203] *****

و مما ذكرنا ظهر أن القائل بإنسداد باب العلم و إنحصار المناص في مطلق الظن ليس له أن يتأمل في صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد إذا أخذ بالاحتياط، لانه لم يبطل عند انسداد باب العلم إلا وجوب الاحتياط، لا جوازه أو رجحان.

فالاخذ بالظن عنده و ترك الاحتياط عنده من باب الترخيص و دفع العسر و الحرج، لا من باب العزيمة.

ثالثا، سلمنا تقديم الامتثال التفصيلي و لو كان ظنيا، علي الاجمالي و لو كان علميا، لكن الجمع ممكن بين تحصيل الظن في المسألة و معرفة الوجه ظنا و القصد إليه علي وجه الاعتقاد الظني و العمل علي الاحتياط.

مثلا،

إذا حصل الظن بوجوب القصر في ذهاب أربعة فراسخ، فيأتي بالقصر بالنية الظنية الوجوبية و يأتي بالاتمام بقصد القربة إحتياطا أو بقصد الندب.

و كذلك إذا حصل الظن بعدم وجوب السورة في الصلاة، فينوي الصلاة الخالية عن السورة علي وجه الوجوب، ثم يأتي بالسورة قربة إلي الله تعالي للاحتياط.

و رابعا، لو أغمضنا عن جميع ما ذكرنا فنقول: إن الظن إذا لم يثبت حجيته فقد كان اللازم يمقتضي العلم الاجمالي به وجود الواجبات و المحرمات في الوقائع المشتبهة هو الاحتياط، كما عرفت سابقا.

فإذا وجب الاحتياط حصل معرفة وجه العبادة و هو الوجوب و تأتي نية الوجه الظاهري كما تأتي في جميع الموارد التي يفتي فيها الفقهاء بالوجوب من باب الاحتياط و إستصحاب الاشتغال فتأمل.

فتحصل مما ذكرنا أن العمدة في رد الاحتياط هي ما تقدم من الاجماع و لزوم العسر دون غيرهما.

اللهم إلا أن يقال: إن هناك شيئا ينبغي أن ينبه عليه: و هو أن نفي الاحتياط بالاجما و العسر لا يثبت إلا أنه لا يجب مراعاة جميع الاحتمالات مظنونها و مشكوكها و موهومها.

و يندفع العسر بترخيص موافقة الظنون المخالفة للاحتياط كلا أو بعضا، بمعني عدم وجوب مراعاة الاحتمالات الموهومة، لانها الاولي بالاهمال.

و إذا ساغ لدفع الحرج ترك الاحتياط في مقدار ما من المحتملات يندفع به العسر، يبقي الاحتياط علي حاله في الزائد علي هذا المقدار.

لما تقرر في مسألة الاحتياط، من أنه إذا كان مقتضي الاحتياط هو الاتيان بمحتملات و قام الدليل الشرعي علي عدم وجوب إتيان بعض المحتملات في الظاهر، تعين مراعاة الاحتياط في باقي المحتملات و لم يسقط وجوب الاحتياط رأسا.

توضيح ما ذكرنا: أنا نفرض المشتبهات التي علم إجمالا به وجود الواجبات الكثيرة فيها بين مظنونات

الوجوب و مشكوكات الوجوب و موهومات الوجوب و كان الاتيان بالكل عسرا أو قام

***** [204] *****

الاجماع علي عدم وجوب الاحتياط في الجميع تعين ترك الاحتياط و إهماله في موهومات الوجوب.

بمعني أنه إذا تعلق ظن بعدم الوجوب لم يجب الاتيان.

و ليس هذا معني حجية الظن، لان الفرق - بين المعني المذكور و هو أن مظنون عدم الوجوب لا يجب الاتيان به و بين حجية الظن بمعني كونه في الشريعة معيارا لامتثال التكاليف الواقعية نفيا و إثباتا.

و بعبارة أخري: الفرق بين تبعيض الاحتياط في الموارد المشتبهة و بين جعل الظن فيها حجة - هو أن الظن إذا كان حجة في الشرع، كان الحكم في الواقعة الخالية عنه الرجوع إلي ما يقتضيه الاصل في تلك الواقعة من دون إلتفات إلي العلم الاجمالي به وجود التكاليف الكثيرة بين المشتبهات، إذ حال الظن حينئذ كحال العلم التفصيلي و الظن الخاص بالوقائع، فيكون الوقائع بين معلومة الوجوب تفصيلا أو ما هو بمنزلة المعلوم و بين مشكوكة الوجوب رأسا.

و أما إذا لم يكن الظن حجة - بل كان غاية الامر، بعد قيام الاجماع و نفي الحرج علي عدم لزوم الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة التي علم إجمالا به وجود التكاليف بينها، عدم وجوب الاحتياط بالاتيان بما ظن عدم وجوبه، لان ملاحظة الاحتياط في موهومات الوجوب خلاف الاجماع و موجب للعسر - كان اللازم في الواقعة الخالية عن الظن الرجوع إلي ما يقتضيه العلم الاجمالي المذكور من الاحتياط، لان سقوط الاحتياط في سلسلة الموهومات لا يقتضي سقوطه في المشكوكات، لاندفاع الحرج بذلك.

و حاصل ذلك: أن مقتضي القاعدة العقلية و النقلية لزوم الامتثال العلمي التفصيلي للاحكام و التكاليف المعلومة إجمالا.

و مع تعذره يتعين الامتثال

العلمي الاجمالي و هو الاحتياط المطلق.

و مع تعذره لو دار الامر بين الامتثال الظني في الكل و بين الامتثال العلمي الاجمالي في البعض و الظني في الباقي كان الثاني هو المتعين عقلا و نقلا.

ففيما نحن فيه إذا تعذر الاحتياط الكلي و دار الامر بين إلغائه بالمرة و الاكتفاء بالاطاعة الظنية و بين إعماله في المشكوكات و المظنونات و إلغائه في الموهومات كان الثاني هو المتعين.

و دعوي لزوم الحرج أيضا من الاحتياط في المشكوكات، خلاف الانصاف لقلة المشكوكات، لان الغالب حصول الظن إما بالوجوب و إما بالعدم.

اللهم إلا أن يدعي قيام الاجماع علي عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا.

و حاصله: دعوي أن الشارع لا يريد الامتثال العلمي الاجمالي في التكاليف الواقعية المشتبهة بين الوقائع.

فيكون حاصل دعوي الاجماع دعوي إنعقاده علي أنه لا يجب شرعا الاطاعة العلمية الاجمالية في

***** [205] *****

الوقائع المشتبهة مطلقا، لا في الكل و لا في البعض.

و حينئذ تعين الانتقال إلي الاطاعة الظنية.

لكن الانصاف: أن دعواه مشكلة جدا و ان كان تحققه مظنونا بالظن القوي، لكنه لا ينفع ما لم ينته إلي حد العلم.

فإن قلت: إذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات، فقد ظن بأن المرجع في كل مورد منها إلي ما يقتضيه الاصل الجاري في ذلك المورد، فيصير الاصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة.

فالمظنون في تلك المسائل عدم وجوب الواقع فيها علي المكلف و كفاية الرجوع إلي الاصول.

و سيجئ أنه لا فرق في الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد بين الظن المتعلق بالواقع و بين الظن المتعلق بكون شئ طريقا إلي الواقع و كون العمل به مجزيا عن الواقع و بدلا عنه و لو تخلف عن الواقع.

قلت: مرجع الاجماع، قطعيا كان أو ظنيا، علي

الرجوع في المشكوكات إلي الاصول هو الاجماع علي وجود الحجة الكافية في المسائل التي إنسد فيها باب العلم حتي تكون المسائل الخالية عنها موارد للاصول.

و مرجع هذا إلي دعوي الاجماع علي حجية الظن بعد الانسداد.

[قلت: مسالة إعتبار الظن بالطريق موقوف علي هذه المسألة.

بيان ذلك أنه لو قلنا ببطلان لزوم الاحتياط في الشريعة رأسا من جهة إشتباه التكاليف الواقعية فيها و عدم لزوم الامتثال العلمي الاجمالي حتي في المشكوكات و كفاية الامتثال الظني في جميع تلك الواقعات المشتبهة، لم يكن فرق بين حصول الظن بنفس الواقع و بين حصول الظن بقيام شئ من الامور التعبدية مقام الواقع في حصول البراءة الظنية عن الواقع و الظن بسقوط الواقع في الواقع أو في حكم الشارع و بحسب جعله.

أما لو لم يثبت ذلك، بل كان غاية ما ثبت هو عدم لزوم الاحتياط بإحراز الاحتمالات الموهومة للزم العسر، كان اللازم جواز العمل علي خلاف الاحتياط في الوقائع المظنون عدم وجوبها أو عدم تحريمها.

و أما الوقائع المشكوك وجوبها أو تحريمها فهي باقية علي طبق مقتضي الاصل من الاحتياط اللازم المراعاة، بل الوقائع المظنون وجوبها أو تحريمها يحكم فيها بلزوم الفعل أو الترك من جهة كونها من محتملات الواجبات و المحرمات الواقعية.

و حينئذ فإذا قام ما يظن كونه طريقا علي عدم وجوب أحد الموارد المشكوك وجوبها، فلا يقاس

***** [206] *****

بالظن القائم علي عدم وجوب مورد من الموارد المشتبهة في ترك الاحتياط، بل اللازم هو العمل بالاحتياط، لانه من الموارد المشكوكة و الظن بطريقية ما قام عليه لم يخرجه عن كونه مشكوكا.

و أنت خبير بأن جميع موارد الطرق المظنونة التي يراد إثبات إعتبار الظن بالطريق فيها إنما هي من المشكوكات، إذ لو كان

نفس المورد مظنونا مع ظن الطريق القائم عليه لم يحتج إلي إعمال الظن بالطريق و لو كان مظنونا، بخلاف الطريق التعبدي المظنون كونه طريقا، لتعارض الظن الحاصل من الطريق و الظن الحاصل في المورد علي خلاف الطريق.

و سيجئ الكلام في حكمه علي تقدير إعتبار الظن بالطريق.

و الحاصل: أن إعتبار الظن بالطريق و كونه بالظن في الواقع مبني علي القطع ببطلان الاحتياط رأسا، بمعني أن الشارع لم يرد منا في مقام إمتثال الاحكام المشتبهة الامتثال العلمي الاجمالي حتي يستنتج من ذلك حكم العقل بكفاية الامتثال الظني لانه المتعين بعد الامتثال العلمي بقسميه من التفصيلي و الاجمالي.

فيلزم من ذلك ما سنختاره من عدم الفرق بعد كفاية الامتثال الظني بين الظن بأداء الواقع و الظن بمتابعة طريق جعله الشارع مجزيا عن الواقع و سيجئ تفصيل ذلك إن شاء الله تعالي. ز].

فإن قلت: إذا لم يقم في موارد الشك ما ظن طريقيته، لم يجب الاحتياط في ذلك المورد من جهة كونه أحد محتملات الواجبات أو المحرمات الواقعية و إن حكم بوجوب الاحتياط من جهة إقتضاء القاعدة في نفس المسألة.

كما لو كان الشك فيه في المكلف به.

و هذا إجماع من العلماء، حيث لم يحتط احد منهم في مورد الشك من جهة إحتمال كونه من الواجبات و المحرمات الواقعية و إن إحتاط الاخباريون في الشبهة التحريمية من جهة مجرد إحتمال التحريم.

فإذا كان عدم وجوب الاحتياط إجماعيا مع عدم قيام ما يظن طريقيته علي عدم الوجوب، فمع قيامه لا يجب الاحتياط بالاولوية القطعية.

قلت: العلماء إنما لم يذهبوا إلي الاحتياط في موارد الشك، لعدم العلم الاجمالي لهم بالتكاليف، بل الوقائع لهم بين معلوم التكليف تفصيلا أو مظنون لهم بالظن الخاص و بين مشكوك

التكليف رأسا.

و لا يجب الاحتياط في ذلك عند المجتهدين بل عند غيرهم في الشبهة الوجوبية.

و الحاصل: أن موضوع عمل العلماء بإنفتاح باب العلم أو الظن الخاص مغاير لموضوع عمل القائلين بالانسداد.

و قد نبهنا علي ذلك غير مرة في بطلان التمسك لي بطلان البراءة و الاحتياط بمخالفتهما لعمل العلماء، فراجع.

***** [207] *****

و يحصل مما ذكر إشكال آخر أيضا من جهة أن نفي الاحتياط بلزوم العسر لا يوجب كون الظن حجة ناهضة لتخصيص العمومات الثابتة بالظنون الخاصة و مخالفة سائر الظواهر الموجودة فيها.

و دعوي: (أن باب العلم و الظن الخاص إذا فرض إنسداده سقط عمومات الكتاب و السنة المتواترة و خبر الواحد الثابت حجيته بالخصوص عن الاعتبار للعلم الاجمالي بمخالفة ظواهر أكثرها لمراد المتلكم، فلا يبقي ظاهر ههنا علي حاله حتي يكون الظن الموجود علي خلافه من باب المخصص و المقيد)، مجازفة، إذ لا علم و لا ظن بطرو مخالفة الظاره في غير الخطابات التي علم إجمالها بالخصوص.

مثل: أقيموا الصلاة و لله علي الناس حج البيت و شبههما.

و أما كثير من العمومات التي لا نعلم بإجمال كل منها، فلا يعلم و لا يظن بثبوت المجمل بينها، لاجل طرو التخصيص في بعضها و سيجئ بيان ذلك عند التعرض لحال نتيجة المقدمات إن شاء الله. هذا كله حال الاحتياط في جميع الوقائع.

و أما الرجوع في كل واقعة إلي ما يقتضيه الاصل في تلك الواقعة، من غير إلتفات إلي العلم الاجمالي به وجود الواجبات و المحرمات بين الوقائع، بأن يلاحظ نفس الواقعة: فإن كان فيها حكم سابق يحتمل بقاؤه إستصحب، كالماء المتغير بعد زوال التغيير.

و إلا فإن كان الشك في أصل التكليف، كشرب التتن، أجري البراءة و إن كان الشك

في تعيين المكلف به، مثل القصر و الاتمام:

فإن أمكن الاحتياط وجب و إلا تخير، كما إذا كان الشك في تعيين التكليف الالزامي، كما إذا دار الامر بين الوجوب و التحريم.

فيرد هذا الوجه أن العلم الاجمالي به وجود الواجبات و المحرمات يمنع عن إجراء البراءة و الاستصحاب المطابق لها المخالف للاحتياط، بل و كذا العلم الاجمالي به وجود غير الواجبات و المحرمات في الاستصحابات المطابقة للاحتياط يمنع من العمل بالاستصحابات من حيث أنها إستصحابات و إن كان لا يمنع من العمل بها من حيث الاحتياط، فتأمل، لكن الاحتياط في جميع ذلك يوجب العسر.

و بالجملة، فالعمل بالاصول النافية للتكليف في مواردها مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة و بالاصول المثبتة للتكليف من الاحتياط و الاستصحاب مستلزم للحرج و هذا لكثرة المشتبهات في المقامين، كما لا يخفي علي المتأمل.

و أما رجوع هذا الجاهل الذي إنسد عليه باب العلم في المسائل المشتبهة إلي فتوي العالم بها و تقليده فيها، فهو باطل لوجهين:

أحدهما الاجماع القطعي.

و الثاني أن الجاهل الذي وظيفته الرجوع

***** [208] *****

إلي العالم هو الجاهل العاجز عن الفحص.

و أما الجاهل الذي يبذل الجهد و شاهد مستند العالم و غلطه في إستناده إليه و اعتقاده عنه، فلا دليل علي حجية فتواه بالنسبة إليه و ليست فتواه من الطرق المقررة لهذا الجاهل.

فإن من يخطئ القائل بحجية خبر الواحد في فهم دلالة آية النبأ عليها، كيف يجوز له متابعته؟ و أي مزية له عليه؟ حتي يجب رجوع هذا إليه و لا يجب العكس.

و هذا هو الوجه فيما أجمع عليه العلماء، من أن المجتهد إذا لم يجد دليلا في المسألة علي التكليف كان حكمه الرجوع إلي البراءة، لا إلي من يعتقد وجود دليل علي التكليف.

و

الحاصل: أن إعتقاد مجتهد ليس حجة علي مجتهد آخر خال عن ذلك الاعتقاد و أدلة وجوب رجوع الجاهل إلي العالم يراد بها العالم الذي يختفي منشأ علمه علي ذلك الجاهل، لا مجرد المعتقد بالحكم.

و لا فرق بين المجتهدين المعتقدين المختلفين في الاعتقاد و بين المجتهدين اللذين أحدهما اعتقد الحكم عن دلالة و الاخر إعتقد بفساد تلك الدلالة، فلم يحصل له إعتقاد.

و هذا شئ مطرد في باب مطلق رجوع الجاهل إلي العالم، شاهدا كان أو مفتيا أو غيرهما.

المقدمة الرابعة في أنه إذا وجب التعرض لامتثال

المقدمة الرابعة في أنه إذا وجب التعرض لامتثال

الواقع في مسألة واحدة أو في مسائل

و لم يمكن الرجوع فيها إلي الاصول و لم يجب أو لم يجز الاحتياط، تعين العمل فيها بمطلق الظن و لعله لذلك يجب العمل بالظن في الضرر و العدالة و أمثالهما. إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول: قد ثبت وجوب العمل بالظن فيما نحن فيه.

و محصلها: أنه إذا ثبت إنسداد باب العلم و الظن الخاص كما هو مقتضي المقدمة الاولي و ثبت وجوب إمتثال] الاحكام المشتبهة و عدم جواز إهمالها بالمرة كما هو مقتضي المقدمة الثانية و ثبت عدم وجوب كون الامتثال علي وجه الاحتياط و عدم جواز الرجوع فيه إلي الاصول الشرعية كما هو مقتضي المقدمة الثالثة: تعين بحكم العقل التعرض لامتثالها علي وجه الظن بالواقع فيها، إذ ليس بعد الامتثال العلمي و الظني بالظن الخاص المعتبر في الشريعة إمتثال مقدم علي الامتثال الظني.

توضيح ذلك: أنه إذا وجب عقلا أو شرعا التعرض لامتثال الحكم الشرعي فله مراتب أربع:

(1) - الاولي: الامتثال العلمي التفصيلي و هو أن ياتي بما يعلم تفصيلا أنه هو المكلف به.

و في معناه ما إذا ثبت كونه هو المكلف به بالطريق الشرعي

و إن لم يفد العلم و لا الظن، كالاصول الجارية في مواردها و فتوي المجتهد بالنسبة إلي الجاهل العاجز عن الاجتهاد.

(2) - الثانية: الامتثال العلمي الاجمالي و هو يحصل بالاحتياط.

(3) - الثالثة: الامتثال الظني و هو أن يأتي بما يظن أنه المكلف به.

(4) - الرابعة: الامتثال الاحتمالي، كالتعبد بأحد طرفي المسألة من الوجوب و التحريم أو التعبد

***** [210] *****

ببعض محتملات المكلف به عند عدم وجوب الاحتياط أو عدم إمكانه.

و هذه المراتب مترتبة لا يجوز بحكم العقل العدول عن سابقها إلي لاحقها إلا مع تعذرها، علي إشكال في الاولين تقدم في أول الكتاب.

و حينئذ فإذا تعذرت المرتبة الاولي و لم يجب الثانية تعينت الثالثة و لا يجوز الاكتفاء بالرابعة.

فاندفع بذلك: ما زعمه بعض من تصدي لرد دليل الانسداد بأنه لا يلزم من إبطال الرجوع إلي البراءة و وجوب العمل بالاحتياط وجوب العمل بالظن، لجواز أن يكون المرجع شيئا آخر لا نعلمه، مثل القرعة و التقليد أو غيرهما مما لا نعلمه. فعلي المستدل سد باب هذه الاحتمالات و المانع يكفيه الاحتمال.

توضيح الاندفاع - بعد الاغماض عن الاجماع علي عدم الرجوع إلي القرعة و ما بعدها - أن مجرد إحتمال كون شئ غير الظن طريقا شرعيا لا يوجب العدول عن الظن إليه، لان الاخذ بمقابل المظنون قبيح في مقام إمتثال الواقع و إن قام عليه ما يحتمل أن يكون طريقا شرعيا، إذ مجرد الاحتمال لا يجدي في طرح الطرف المظنون، فإن العدول عن الظن إلي الوهم و الشك قبيح.

و الحاصل: أنه كما لا يحتاج الامتثال العلمي إلي جعل جاعل، فكذلك الامتثال الظني بعد تعذر الامتثال العلمي و فرض عدم سقوط الامتثال.

و اندفع بما ذكرنا أيضا ما ربما يتوهم

من التنافي بين إلتزام بقاء التكاليف في الوقائع المجهولة الحكم و عدم إرتفاعه بالجهل و بين إلتزام العمل بالظن نظرا إلي أن التكليف بالواقع لو فرض بقاؤه فلا يجدي غير الاحتياط و إحراز الواقع في إمتثاله.

توضيح الاندفاع: أن المراد من بقاء التكليف بالواقع نظير إلتزام بقاء التكليف فيما تردد الامر بين محذورين من حيث الحكم أو من حيث الموضوع بحيث لا يمكن الاحتياط، فإن الحكم بالتخيير لا ينافي إلتزام بقاء التكليف.

فيقال: إن الاخذ بأحدهما لا يجدي في إمتثال الواقع، لان المراد ببقاء التكليف عدم السقوط رأسا بحيث لا يعاقب عند ترك المحتملات، كلا، بل العقل يستقل بإستحقاق العقاب عند الترك رأسا، نظير جميع الوقائع المشتبهة.

فما نحن فيه نظير إشتباه الواجب بين الظهر و الجمعة في يوم الجمعة بحيث يقطع بالعقاب بتركهما معا مع عدم إمكان الاحتياط أو كونه عسرا قد نص الشارع علي نفيه مع وجود الظن باحدهما، فإنه يدور الامر بين العمل بالظن و التخيير و العمل بالموهوم.

فإن إيجاب العمل بكل من الثلاثة و إن لم يحرز به الواقع، إلا أن العمل بالظن أقرب إلي الواقع من العمل بالموهوم و التخيير فيجب عقلا،

***** [211] *****

فافهم و لا فرق في قبح طرح الطرف الراجح و الاخذط بالمرجوح بين أن يقوم علي المرجوح ما يحتمل أن يكون طريقا معتبرا شرعا و بين أن لا يقوم، لان العدول عن الظن إلي الوهم قبيح و لو بإحتمال كون الطرف الموهوم واجب الاخذ شرعا، حيث قام عليه ما يحتمل كونه طريقا.

نعم لو قام علي الطرف الموهوم ما يظن كونه طريقا معتبرا شرعيا و دار الامر بين تحصيل الظن بالواقع و بين تحصيل الظن بالطريق المعتبر الشرعي، ففيه كلام سيأتي

إن شاء الله تعالي.

و الحاصل: أنه - بعد ما ثبت بحكم المقدمة الثانية وجوب التعرض لامتثال المجهولات بنحو من الانحاء و حرمة إهمالها و فرضها كالمعدوم و ثبت بحكم المقدمة الثالثة عدم وجوب إمتثال المجهولات بالاحتياط و عدم جواز الرجوع في إمتثالها إلي الاصول الجارية في نفس تلك المسائل و لا إلي فتوي من يدعي إنفتاح باب العلم بها - تعين وجوب تحصيل الظن بالواقع فيها و موافقته و لا يجوز قبل تحصيل الظن الاكتفاء بالاخذ بأحد طرفي المسألة و لا بعد تحصيل الظن الاخذ بالطرف الموهوم، لقبح الاكتفاء في مقام الامتثال بالشك و الوهم مع التمكن من الظن، كما يقبح الاكتفاء بالظن مع التمكن من العلم و لا يجوز أيضا الاعتناء بما يحتمل أن يكون طريقا معتبرا مع عدم إفادته للظن، لعدم خروجه عن الامتثال الشكي أو الوهمي.

هذا خلاصة الكلام في مقدمات دليل الانسداد المنتجة لوجوب العمل بالظن في الجملة.

امور ينبغي التنبيه عليها
الامر الاول:

لا فرق في الامتثال الظني بين الحكم الواقعي و الحكم الظاهري

إنك قد عرفت أن قضية المقدمات المذكورة و جوب الامتثال الظني للاحكام المجهولة، فاعلم أنه لا فرق في الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي، كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي و بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري، كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن، كالقرعة مثلا.

فإذا ظن حجية القرعة حصل الامتثال الظني في مورد القرعة و إن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي، إلا أنه حصل ظن ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة و ليس الواقع بما هو واقع مقصودا للمكلف إلا من حيث كون تحققه مبرء ا للذمة.

فكما أنه لا فرق في مقام التمكن من العلم

بين تحصيل العلم بنفس الواقع و بين تحصيل العلم بموافقة طريق علم كون سلوكه مبرء ا للذمة في نظر الشارع، فكذا لا فرق عند تعذر العلم بين الظن بتحقق الواقع و بين الظن ببراءة الذمة في نظر الشارع و قد خالف في هذا التعميم فريقان.

أحدهما: من يري أن مقدمات دليل الانسداد لا تثبت إلا إعتبار الظن و حجيته في كون الشئ طريقا شرعيا مبرء ا للذمة في نظر الشارع و لا تثبت إعتباره في نفس الحكم الفرعي، زعما منهم عدم نهوض المقدمات المذكورة لاثبات حجية الظن في نفس الاحكام الفرعية، إما مطلقا أو بعد العلم الاجمالي بنصب الشارع طرقا للاحكام الفرعية.

الثاني: مقابل هذا و هو من يري أن المقدمات المذكورة لا تثبت إلا إعتبار الظن في نفس الاحكام الفرعية.

أما الظن بكون الشئ طريقا مبرء ا للذمة فهو ظن في المسألة الاصولية لم يثبت إعتباره فيها من دليل الانسداد، لجريانها في المسائل الفرعية دون الاصولية.

و أما الطائفة الاولي فقد ذكروا لذلك وجهين.

***** [213] *****

(1) - أحدهما - و هو الذي إقتصر عليه بعضهم - ما لفظه: (إنا كما نقطع بأنا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة و لا سبيل لنا بحكم العيان و شهادة الوجدان إلي تحصيل كثير منها بالقطع و لا بطريق معين نقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع و لو عند تعذره، كذلك نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلي تلك الاحكام طرقا مخصوصة و كلفنا تكليفا فعليا بالرجوع إليها في معرفتها.

و مرجع هذين القطعين عند التحقيق إلي أمر واحد و هو القطع بأنا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدي طرق مخصوصة.

و حيث أنه لا سبيل غالبا

إلي تعيينها بالقطع و لا بطريق نقطع عن السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه، كذلك مقام القطع و لو بعد تعذره.

فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلي الظن الفعلي الذي لا دليل علي عدم حجيته، لانه أقرب إلي العلم و إلي إصابة الواقع مما عداه).

و فيه: أولا، إمكان منع نصب الشارع طرقا خاصة للاحكام الواقعية وافية بها.

كيف؟ و إلا لكان وضوح تلك الطرق كالشمس في رائعة النهار، لتوفر الدواعي بين المسلمين علي ضبطها، لاحتياج كل مكلف إلي معرفتها أكثر من حاجته إلي معرفة صلواته الخمس.

و إحتمال إختفائها مع ذلك - لعروض دواعي الاختفاء، إذ ليس الحاجة إلي معرفة الطريق أكثر من الحاجة إلي معرفة المرجع بعد النبي، صلي الله عليه و آله - مدفوع بالفرق بينهما، كما لا يخفي.

و كيف كان، فيكفي في رد الاستدلال إحتمال عدم نصب الطريق الخاص للاحكام و إرجاع إمتثالها إلي ما يحكم به العقلاء و جري عليه ديدنهم في إمتثال أحكام الملوك و الموالي مع العلم بعدم نصب الطريق الخاص للاحكام، من الرجوع إلي العلم الحاصل من تواتر النقل عن صاحب الحكم أو بإجتماع جماعة من أصحابه علي عمل خاص أو الرجوع إلي الظن الاطميناني

***** [214] *****

الذي يسكن إليه النفس و يطلق عليه العلم عرفا و لو تسامحا، في إلقاء إحتمال الخلاف.

و هو الذي يحتمل حمل كلام السيد عليه، حيث إدعي إنفتاح باب العلم، هذا حال المجتهد.

و أما المقلد، فلا كلام في نصب الطريق الخاص له و هو فتوي مجتهده، مع إحتمال عدم النصب في حقه أيضا، فيكون رجوعه إلي المجتهد من باب الرجوع إلي أهل الخبرة المركوز في أذهان

جميع العقلاء و يكون بعض ما ورد من الشارع في هذا الباب تقريرا لهم، لا تأسيسا.

و بالجملة، فمن المحتمل قريبا إحالة الشارع للعباد في طريق إمتثال الاحكام إلي ما هو المتعارف بينهم في إمتثال أحكامهم العرفية من الرجوع إلي العلم او الظن الاطميناني.

فإذا فقدا تعين الرجوع ايضا بحكم العقلاء إلي الظن الغير الاطميناني، كما أنه لو فقد - و العياذ بالله - الامارات المفيدة لمطلق الظن، لتعين الامتثال باخذ أحد طرفي الاحتمال فرارا عن المخالفة القطعية و الاعراض عن التكاليف الالهية الواقعية.

فظهر مما ذكرنا إندفاع ما يقال من أن منع نصب الطريق لا يجامع القول ببقاء الاحكام الواقعية، إذ بقاء التكليف من دون نصب طريق إليها ظاهر البطلان.

توضيح الاندفاع: أن التكليف إنما يقبح مع عدم ثبوت الطريق رأسا و لو بحكم العقل الحاكم بالعمل بالظن، مع عدم الطريق الخاص أو مع ثبوته و عدم رضاء الشارع بسلوكه و إلا فلا يقبح التكليف مع عدم الطريق الخاص و حكم العقل بمطلق الظن و رضاء الشارع به.

و لهذا إعترف هذا المستدل علي أن الشارع لم ينصب طريقا خاصا يرجع إليه عند إنسداد باب العلم في تعيين الطرق الخاصة الشرعية مع بقاء التكليف بها.

و ربما يستشهد للعلم الاجمالي بنصب الطريق بان المعلوم من سيرة العلماء في إستنباطهم هو إتفاقهم علي طريق خاص و إن إختلفوا في تعيينه.

و هو ممنوع:

(1) - اؤلا، بأن جماعة من أصحابنا، كالسيد رحمه الله و بعض من تقدم عليه و تأخر عنه، منعوا نصب الطريق الخاص رأسا بل أحاله بعضهم.

(2) - و ثانيا، لو أغمضنا عن مخالفة السيد و أتباعه، لكن مجرد قول كل من العلماء بحجية طريق خاص حسب ما أدي إليه نظره

لا يوجب العلم الاجمالي بأن بعض هذه الطرق منصوبة، لجواز خطأ كل واحد فيما أدي إليه نظره.

و إختلاف الفتاوي في الخصوصيات لا يكشف عن تحقق القدر المشترك، إلا إذا كان إختلافهم راجعا إلي التعيين علي وجه ينبئ عن إتفاقهم علي قدر مشترك.

نظير الاخبار المختلفة في الوقائع المختلفة، فإنها لا توجب تواتر القدر المشترك، إلا إذا علم من

***** [215] *****

أخبارهم كون الاختلاف راجعا إلي التعيين.

و قد حقق ذلك في باب التواتر الاجمالي و الاجماع المركب و ربما يجعل تحقق الاجماع علي المنع عن العمل بالقياس و شبهه و لو مع إنسداد باب العلم كاشفا عن أن المرجع إنما هو طريق خاص.

و ينتقض:

(1) - أولا، بأنه مستلزم لكون المرجع في تعيين الطريق أيضا طريقا خاصا للاجماع علي المنع عن العمل فيه بالقياس.

و يحل:

(2) - ثانيا، بأن مرجع هذا إلاشكال الاتي في خروج القياس عن مقتضي دليل الانسداد، فيدفع بأخذ الوجوه الاتية.

فإن قلت: ثبوت الطريق إجمالا مما لا مجال لانكاره، حتي علي مذهب من يقول بالظن المطلق، فإن غاية الامر أنه يجعل مطلق الظن طريقا عقليا رضي به الشارع.

فنصب الشارع للطريق بالمعني الاعم من الجعل و التقرير معلوم.

قلت: هذه مغالطة، فإن مطلق الظن ليس طريقا في عرض الطرق المجعولة حتي يتردد الامر بين كون الطريق هو مطلق الظن أو طريقا آخر مجعولا، بل الطريق العقلي بالنسبة إلي الطريق الجعلي كالاصل بالنسبة إلي الدليل.

إن وجد الطريق الجعلي لم يحكم العقل بكون الظن طريقا، لان الظن بالواقع لا يعمل به في مقابلة القطع ببراءة الذمة و إن لم يوجد كان طريقا، لان إحتمال البراءة لسلوك الطريق المحتمل لا يلتفت إليه مع الظن بالواقع.

فمجرد عدم ثبوت الطريق الجعلي، كا في ما

نحن فيه، كاف في حكم العقل بكون مطلق الظن طريقا.

و علي كل حال فتردد الامر بين مطلق الظن و طريق خاص آخر مما لا معني له.

(2) - و ثانيا، سلمنا نصب الطريق، لكن بقاء ذلك الطريق لنا غير معلوم.

بيان ذلك: أن ما حكم بطريقيته لعله قسم من الاخبار ليس منه بأيدينا اليوم إلا قليل، كأن يكون الطريق المنصوب هو الخبر المفيد للاطمينان الفعلي بالصدور الذي كان كثيرا في الزمان السابق لكثرة القرائن و لا ريب في ندرة هذا القسم في هذا الزمان أو خبر العادل أو الثقة الثابت عدالته أو وثاقته بالقطع أو البينة الشرعية أو الشياع مع إفادته الظن الفعلي بالحكم.

و يمكن دعوي ندرة هذا القسم في هذا الزمان، إذ غاية الامر أن نجد الراوي في الكتب الرجالية محكي التعديل بوسائط عديدة، من مثل الكشي و النجاشي و غيرهما و من المعلوم أن مثل هذا لا تعد بينة شرعية و لذا لا يقبل مثله في الحقوق.

و دعوي حجية مثل ذلك بالاجماع ممنوعة، بل المسلم أن الخبر المعدل بمثل هذا حجة بالاتفاق.

لكن قد عرفت سابقا عند تقرير الاجماع علي

***** [216] *****

حجية خبر الواحد أن مثل هذا الاتفاق العملي لا يجدي في الكشف عن قول الحجة، مع أن مثل هذا الخبر في غاية القلة، خصوصا إذا إنضم إليه إفادة الظن الفعلي.

(3) - و ثالثا: سلمنا نصب الطريق و وجوده في جملة ما بأيدينا من الطرق الظنية، من أقسام الخبر و الاجماع المنقول و الشهره و ظهور الاجماع و الاستقراء و الاولوية الظنية، إلا أن اللازم من ذلك هو الاخذ بما هو المتيقن من هذه.

فإن و في بغالب الاحكام اقتصر عليه و إلا فالمتيقن من الباقي.

مثلا، الخبر

الصحيح و الاجماع المنقول متيقن بالنسبة إلي الشهرة و ما بعدها من الامارات، إذ لم يقل أحد بحجية الشهرة و ما بعدها دون الخبر الصحيح و الاجماع المنقول.

فلا معني لتعيين الطريق بالظن بعد وجود القدر المتيقن و وجوب الرجوع في المشكوك إلي أصالة حرمة العمل.

نعم لو احتيج إلي العمل بإحدي أمارتين و احتمل نصب كل منهما، صح تعيينه بالظن بعد الاغماض عما سيجئ من الجواب.

(4) - و رابعا لو سلمنا عدم وجود القدر المتيقن، لكن اللازم من ذلك وجوب الاحتياط، لانه مقدم علي العمل بالظن، لما عرفت من تقديم الامتثال العلمي علي الظني، اللهم إلا أن يدل دليل علي عدم وجوبه و هو في المقام مفقود.

و دعوي: (أن الامر دائر بين الواجب و الحرام، لان العمل بما ليس طريقا حرام)، مدفوعة: بأن العمل بما ليس طريقا إذا لم يكن علي وجه التشريع غير محرم و العمل بكل ما يحتمل الطريقية رجاء أن يكون هذا هو الطريق لا حرمة فيه من جهة التشريع.

نعم، قد عرفت أن حرمته مع عدم قصد التشريع إنما هي من جهة أن فيه طرحا للاصول المعتبرة من دون حجة شرعية.

و هذا أيضا غير لازم في المقام، لان مورد العمل بالطريق المحتمل إن كان الاصول علي طبقه فلا مخالفة و إن كان مخالفا للاصول: فإن كان مخالفا للاستصحاب النافي للتكليف فلا إشكال، لعدم حجية الاستصحابات بعد العلم الاجمالي بأن بعض الامارات الموجودة علي خلافها معتبرة عند الشارع و إن كان مخالفا للاحتياط، فحينئذ يعمل بالاحتياط في المسألة الفرعية و كذا لو كان مخالفا للاستصحاب المثبت للتلكيف.

فحاصل الامر يرجع إلي العمل بالاحتياط في المسألة اصولية، أعني نصب الطريق إذا لم يعارضه الاحتياط في المسألة

الفرعية. فالعمل مطلقا علي الاحتياط.

اللهم إلا أن يقال إنه يلزم الحرج من الاحتياط في موارد جريان الاحتياط في نفس المسألة، كالشك في الجزئية و في موارد الاستصحابات المثبتة للتكليف و النافية له بعد العلم الاجمالي بوجوب العمل في بعضها علي

***** [217] *****

خلاف الحالة السابقه، إذ يصير حينئذ كالشبهة المحصوره، فتأمل.

(5) - و خامسا، سلمنا العلم الاجمالي به وجود الطريق المجعول و عدم المتيقن و عدم وجوب الاحتياط.

لكن نقول: إن ذلك لا يوجب تعيين العمل بالظن في مسألة تعيين الطريق فقط، بل هو مجوز له، كما يجوز العمل بالظن في المسألة الفرعية.

و ذلك، لان الطريق المعلوم نصبه إجمالا، إن كان منصوبا حتي إنفتاح باب العلم، فيكون هو في عرض الواقع مبرء ا للذمة، بشرط العلم به، كالواقع المعلوم.

مثلا، إذا فرضنا حجية الخبر مع الانفتاح، تخير المكلف بين إمتثال ما علم كونه حكما واقعيا بتحصيل العلم به و بين إمتثال مؤدي الطريق المجعول الذي علم جعله بمنزلة الواقع. فكل من الواقع و مؤدي الطريق مبرء مع العلم به.

فإذا إنسد باب العلم التفصيلي بأحدهما تعين الاخر و إذا باب العلم التفصيلي بهما تعين العمل فيهما بالظن.

فلا فرق بين الظن بالواقع و الظن بمؤدي الطريق، في كون كل واحد منهما إمتثالا ظنيا.

و إن كان ذلك الطريق منصوبا عند إنسداد باب العلم بالواقع، فنقول: إن تقديمه حينئذ علي العمل بالظن إنما هو مع العلم به و تمييزه عن غيره، إذ حينئذ يحكم العقل بعدم جواز العمل بمطلق الظن مع وجودذ هذا الطريق المعلوم، إذ فيه عدول عن الامتثال القطعي إلي الظني، فكذا مع العلم الاجمالي، بناء علي أن الامتثال التفصيلي مقدم علي الاجمالي أو لان الاحتياط يوجب الحرج المؤدي إلي

الاختلال.

أما مع إنسداد باب العلم بهذا الطريق و عدم تميزه عن غيره إلا بإعمال مطلق الظن، فالعقل لا يحكم بتقديم إحراز الطريق بمطلق الظن علي إحراز الواقع بمطلق الظن.

و كأن المستدل توهم أن مجرد نصب الطريق و لو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلي العمل بمؤدي الطريق كما ينبئ عنه قوله.

و حاصل القطعين إلي أمر واحد و هو التكليف الفعلي بالعمل بمؤديات الطرق.

و سيأتي مزيد توضيح لاندفاع هذا التوهم إن شاء الله تعالي.

فإن قلت: نحن نري أنه إذ عين الشارع طريقا للواقع عند إنسداد باب العلم به، ثم إنسد باب العلم بذلك الطريق، كان البناء علي العمل بالظن في الطريق دون نفس الواقع.

ألا تري أن المقلد يعمل بالظن في تعيين المجتهد لا في نفس الحكم الواقعي و القاضي يعمل بالظن في تحصيل الطرق المنصوبة لقطع المرافعات، لا في تحصيل الحق الواقعي بين المتخاصمين

***** [218] *****

قلت: فرق بين ما نحن فيه و بين المثالين، فإن الظنون الحاصلة للمقلد و القاضي في المثالين بالنسبة إلي نفس الواقع أمور غير مضبوطة كثيرة المخالفة للواقع مع قيام الاجماع علي عدم جواز العمل بها، كالقياس، بخلاف ظنونهما المعمولة في تعيين الطريق، فإنها حاصلة من أمارات منضبطة غالبة المطابقة لم يدل دليل بالخصوص علي عدم جواز العمل بها.

فالمثال المطابق لما نحن فيه أن يكون الظنون المعمولة في تعيين الطريق بعينها هي المعمولة في تحصيل الواقع، لا يوجد بينهما فرق من جهة العلم الاجمالي بكثرة مخالفة إحداهما للواقع و لا من جهة منع الشارع عن إحداهما بالخصوص.

كما أنا لو فرضنا أن الظنون المعمولة في نصب الطريق علي العكس في المثالين كان المتعين العمل بالظن في نفس الواقع دون

الطريق.

فما ذكرنا، من العمل علي الظن، سواء تعالق بالطريق أن بنفس الواقع، فإنما هو مع مساواتهما من جميع الجهات.

فإنا لو فرضنا أن المقلد يقدر علي إعمال نظير الظنون التي يعملها لتعيين المجتهد في الاحكام الشرعية مع قدرة الفحص عما يعارضها علي الوجه المعتبر في العمل بالظن، لم يجب عليه العمل بالظن في تعيين المجتهد، بل وجب عليه العمل بظنه في تعيين الحكم الواقعي.

و كذا القاضي إذا شهد عنده عادل واحد بالحق لا يعمل به و إذا أخبره هذا العادل بعينه بطريق قطع هذه المخاصمة يأخذ به.

فإنما هو لاجل قدرته علي الاجتهاد في مسأله الطريق بإعمال الظنون و بذل الجهد في المعارضات و دفعها.

بخلاف الظن بحقية أحد المتخاصمين، فإنه مما يصعب الاجتهاد و بذل الوسع في فهم الحق من المتخاصمين، لعدم إنضباط الامارات في الوقائع الشخصية و عدم قدرة المجتهد علي الاحاطه بها حتي يأخذ بالاحري.

و كما أن المقلد عاجز عن الاجتهاد في المسألة الكلية، كذلك القاضي عاجز عن الاجتهاد في الوقائع الشخصية، فتأمل.

هذا، مع إمكان أن يقال: إن مسألة عمل القاضي بالظن في الطريق مغايرة لمسألتنا، من جهة أن الشارع لم يلاحظ الواقع في نصب الطريق و أعرض عنه و جعل مدار قطع الخصومة علي الطرق التعبدية، مثل الاقرار و البينة و اليمين و النكول و القرعة و شبهه ا، بخلاف الطرق المنصوبة للمجتهد علي الاحكام الواقعية، فإن الظاهر أن مبناها علي الكشف الغالبي عن الواقع و وجه تخصيصها من بين سائر الامارات كونها أغلب مطابقة للواقع و كون غيرها غير غالب المطابقة، بل غالب المخالفة.

كما ينبئ عنه ما ورد في العمل بالعقول في دين الله: (و إنه ليس شئ أبعد عن دين الله من عقول

الرجال و إن ما يفسده أكثر مما يصلحه و إن الدين يمحق بالقياس،

***** [219] *****

و نحو ذلك).

و لا ريب أن المقصود من نصب الطريق إذا كان غلبة الوصول إلي الواقع لخصوصية فيها من بين سائر الامارات، ثم إنسد باب العلم بذلك الطريق المنصوب و التجا إلي إعمال سائر الامارات التي لم يعتبرها الشارع في نفس الحكم لوجوب الاوفق منها بالواقع، فلا فرق بين إعمال هذه الامارات في تعيين ذلك الطريق و بين إعمالها في نفس الحكم الواقعي.

بل الظاهر أن إعمالها في نفس الواقع أولي لاحراز المصلحة الاولية التي هي أحق بالمراعاة من مصلحة نصب الطريق، فإن غاية ما في نصب الطريق من المصلحة ما به يتدارك المفسدة المترتبة علي مخالفة الواقع اللازمة من العمل بذلك الطريق، لا إدراك المصلحة الواقعية.

و لهذا إتفق العقل و النقل علي ترجيح الاحتياط علي تحصيل الواقع بالطريق المنصوب في غير العبادات مما لا يعتبر فيه نية الوجه إتفاقا، بل الحق ذلك فيها أيضا، كما مرت الاشارة إليه في إبطال وجوب الاحتياط.

فإن قلت: العمل بالظن في الطريق عمل بالظن في الامتثال الظاهري و الواقعي، لان الفرض إفادة الطريق للظن بالواقع، بخلاف غير ما ظن طريقيته، فإنه ظن بالواقع و ليس ظنا بتحقق الامتثال في الظاهر، بل الامتثال الظاهري مشكوك أو موهوم بحسب إحتمال إعتبار ذلك الظن.

قلت: أولا، إن هذا خروج عن الفرض، لان مبني الاستدلال المتقدم علي وجوب العمل بالظن في الطريق و إن لم يكن الطريق مفيدا للظن به أصلا.

نعم قد إتفق في الخارج أن الامور التي يعلم به وجود الطريق فيها إجمالا مفيدة للظان شخصا أو نوعا، لا أن مناط الاستدلال إتباع الظن بالطريق المفيد للظن بالواقع.

و ثانيا، إن

هذا يرجع إلي ترجيح بعض الامارات الظنية علي بعض بإعتبار الظن بإعتبار بعضها شرعا دون الاخر، بعد الاعتراف بأن مؤدي دليل الانسداد حجية الظن بالواقع لا بالطريق.

و سيجئ الكلام في أن نتيجة دليل الانسداد علي تقدير إفادته إعتبار الظن بنفس الحكم كلية بحيث لا يرجح بعض الظنون علي بعض أو مهملة بحيث يجب الترجيح بين الظنون، ثم التعميم مع فقد المرجح؟ و الاستدلال المذكور مبني علي إنكار ذلك كله و أن دليل الانسداد جار في مسألة تعيين

***** [220] *****

الطريق و هي المسألة الاصولية، لا في نفس الاحكام الواقعية الفرعية، بناء منه علي أن الاحكام الواقعية بعد نصب الطرق ليست مكلفا بها تكليفا فعليا إلا بشرط قيام تلك الطرق عليها. فالمكلف به في الحقيقة مؤديات تلك الطرقن لا الاحكام الواقعية من حيث هي.

و قد عرفت مما ذكرنا أن نصب هذه الطرق ليس إلا لاجل كشفها الغالبي عن الواقع و مطابقتها له.

فإذا دار الامر بين إعمال الظن في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للاول.

ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف، بل لاجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع، لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها و إعتبار مساعدتها في إرادة الواقع، بل مؤدي وجوب العمل بها جعلها عين الواقع و لو بحكم الشارع، لا قيدا له.

و الحاصل: أنه فرق بين أن يكون مرجع نصب هذه الطرق إلي قول الشارع: (لا أريد منه الواقع إلا ما ساعد عليه ذلك الطريق)، فينحصر التكليف الفعلي حينئذ في مؤديات الطرق و لازمه إهمال ما لم يؤد إليه الطريق من الواقع، سواء إنفتح باب العلم بالطريق أم إنسد و بين أن يكون التكليف الفعلي بالواقع باقيا علي حاله، إلا

أن الشارع حكم بوجوب البناء علي كونت مؤدي الطريق هو ذلك الواقع فمؤدي هذه الطرق واقع جعلي.

فإذا إنسد طريق العلم إليه و دار الامر بين الظن بالواقع الحقيقي و بين الظن بما جعله الشارع واقعا، فلا ترجيح، إذ الترجيح مبني علي إغماض الشارع عن الواقع.

و بذلك ظهر ما في قول بعضهم من: (أن التسوية بين الظن بالواقع و الظن بالطريق إنما تحسن لو كان أداء التكليف المتعلق بكل من الفعل و الطريق المقرر مستقلا، لقيام الظن بكل من التكليفين حينئذ مقام العلم به مع قطع النظر عن الاخر.

و أما لو كان أحد التكليفين منوطا بالاخر مقيدا له، فمجرد حصول الظن بأحدهما دون حصول الظن بالاخر المقيد له لا يقتضي الحكم بالبراءة.

و حصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع إنما هو لحصول الامرين به، نظرا إلي أداء الواقع و كونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقا إلي الواقع في العقل و الشرع.

فلو كان الظن بالواقع ظنا بالطريق جري ذلك فيه أيضا، لكنه ليس كذلك، فلذا لا يحكم بالبراءة معه) إنتهي.

***** [221] *****

الوجه الثاني ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين مع الوجه الاول و بعض الوجوه الاخر، قال: (لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية و لم يسقط عنا التكليف بالاحكام الشرعية في الجملة و أن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به و سقوط التكليف عنا، سواء حصل العلم منه بأداء الواقع أولا، حسب ما مر تفصيل القول فيه.

و حينئذ، فنقول: إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه و حصول البراءة به و إن إنسد علينا

سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراء ه في حكمه.

إذ هو الاقرب إلي العلم به، فتعين الاخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد إنسداد سبيل العلم به و القطع ببقاء التكليف، دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع، كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن.

و بينهما بون بعيد، إذ المعتبر في الوجه الاول هو الاخذ بما يظن كونه حجة بقيام دليل ظني علي حجيته، سواء حصل منه الظن بالواقع أولا.

و في الوجه الثاني لا يلزم حصول الظن بالبراءة في حكم الشارع، إذ لا يستلزم مجرد الظن بالواقع الظن بإكتفاء المكلف بذلك الظن في العمل، سيما بعد النهي عن إتباع الظن.

فإذا تعين تحصيل ذلك بمقتضي حكم العقل، حسب ما عرفت، يلزم إعتبار أمر آخر يظن معه رضي المكلف بالعمل به.

و ليس ذلك إلا الدليل الظني الدال علي حجيته.

فكل طريق قام دليل ظني علي حجيته و إعتباره عند الشارع، يكون حجة دون ما لم يقم عليه ذلك، إنتهي بألفاظه.

و أشار بقوله: (حسب ما مر تفصيل القول فيه)، إلي ما ذكره سابقا في مقدمات هذا المطلب، حيث قال - في المقدمة الرابعة من تلك المقدمات - :

***** [222] *****

(إن المناط في وجوب الاخذ بالعلم و تحصيل اليقين من الدليل: هل هو اليقين بمصادفة الاحكام الواقعية الاولية إلا أن يقول دليل علي الاكتفاء بغيره؟ أو أن الواجب أول هو تحصيل اليقين بتحصيل الاحكام و أداء الاعمال علي وجه أراده الشارع منا في الظاهر و حكم معه قطعا بتفريغ ذمتنا، بملاحظة الطرق المقررة لمعرفتها مما جعلها وسيلة للوصول إليها، سواء علم مطابقته للواقع أو ظن ذلك، أو لم يحصل به شئ منهما؟ وجهان.

الذي يقتضيه التحقيق هو

الثاني، فإنه القدر الذي يحكم العقل بوجوبه و دلت الادلة المتقدمه علي إعتباره.

و لو حصل العلم بها علي الوجه المذكور، لم يحكم العقل قطعا بوجوب تحصيل العلم بما في الواقع و لم يقض شئ من الادلة الشرعية بوجوب تحصيل شئ آخر وراء ذلك، بل الادلة الشرعية قائمة علي خلاف ذلك، إذ لم يبن الشريعة من أول الامر علي وجوب تحصيل كل من الاحكام الواقعية علي سبيل القطع و اليقين و لم يقع التكليف به حين إنفتاح سبيل العلم بالواقع.

و في ملاحظة طريقة السلف من زمن النبي، صلي الله عليه و آله و الائمة، عليهم السلام ، كفاية في ذلك، إذ لم يوجب النبي - صلي الله عليه و آله - علي جميع من في بلده من الرجال و النسوان السماع منه في تبليغ الاحكام، أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلي آحاد الاحكام، أو قيام القرينة القاطعة علي عدم تعمد الكذب أو الغلط في الفهم أو في سماع اللفظ بالنظر إلي الجميع، بل لو سمعوه من الثقة إكتفوا به)، إنتهي.

ثم شرع في إبطال دعوي حصول العلم بقول الثقة مطلقا - إلي أن قال - : (فتحصل مما قررناه أن العلم الذي هو مناط التكليف أولا هو العلم بالاحكام من الوجه المقرر لمعرفتها و الوصول إليها و الواجب بالنسبة إلي العمل هو أداؤه علي وجه يقطع معه بتفريغ الذمة في حكم الشرع، سواء حصل العلم بأدائه علي طبق الواقع أو علي طبق الطريق المقرر من الشارع و إن لم يعلم أو لم يظن بمطابقتها للواقع.

***** [223] *****

و بعبارة أخري، لا بد من المعرفة بالتكليف و أداء المكلف به علي وجه اليقين أو علي وجه منته إلي اليقين،

من غير فرق بين الوجهين و لا ترتيب بينهما نعم، لو لم يظهر طريق مقرر من الشارع لمعرفتها تعين الاخذ بالعلم بالواقع علي حسب إمكانه، إذ هو طريق إلي الواقع بحكم العقل من غير توقف لايصاله إلي الواقع علي بيان الشرع، بخلاف غيره من الطرق المقررة)، إنتهي كلامه، رفع مقامه.

أقول: ما ذكره في مقدمات مطلبه من عدم الفرق بين علم المكلف بأداء الواقع علي ما هو عليه و بين العلم بأدائه من الطريق المقرر مما لا إشكال فيه.

نعم ما جزم به - من أن المناط في تحصيل العلم أولا هو العلم بتفريغ الذمة دون أداء الواقع علي ما هو عليه - فيه: أن تفريغ الذمة عما إشتغلت به إما بفعل نفس ما أراده الشارع في ضمن الاوامر الواقعية و إما بفعل ما حكم حكما جعليا بأنه نفس المراد و هو مضمون الطرق المجعولة، فتفريغ الذمة بهذا علي مذهب المخطئه من حيث أنه نفس المراد الواقعي بجعل الشارع، لا من حيث أنه شئ مستقل في مقابل المراد الواقعي، فضلا عن أن يكون هو المناط في لزوم تحصيل العلم و اليقين.

و الحاصل: أن مضمون الاوامر الواقعية المتعلقة بأفعال المكلفين مراد واقعي حقيقي.

و مضمون الاوامر الظاهرية المتعلقه بالعمل بالطرق المقررة ذلك المراد الواقعي، لكن علي سبيل الجعل، لا الحقيقة.

و قد إعترف المحقق المذكور، حيث عبر عنه بأداء الواقع من الطريق المجعول.

فأداء كل من الواقع الحقيقي و الواقع الجعلي لا يكون بنفسه إمتثالا و إطاعة للامر المتعلق به ما لم يحصل العلم به.

نعم لو كان كل من الامرين المتعلقين بالادائين مما لا يعتبر في سقوطه قصد الاطاعة و الامتثال، كان مجرد كل منهما مسقطا للامرين من دون إمتثال.

و أما

الامتثال للامر بهما فلا يحصل إلا مع العلم.

ثم إن هذين الامرين مع التمكن من إمتثالهما يكون المكلف مخيرا في إمتثال أيهما، بمعني أن المكلف مخير بين تحصيل العلم بالواقع فيتعين عليه و ينتفي موضوع الامر الاخر، إذ المفروض كونه ظاهريا قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالواقع و بين ترك تحصيل الواقع و إمتثال الامر الظاهري.

هذا مع التمكن من إمتثالهما.

و أما لو تعذر عليه إمتثال أحدهما تعين عليه إمتثال الاخر، كما لو عجز عن تحصيل العلم

***** [224] *****

بالواقع و تمكن من سلوك الطريق المقرر لكونه معلوما له، أو إنعكس الامر بأن تمكن من العلم و إنسد عليه باب سلوك الطريق المقرر لعدم العلم به و لو عجز عنهما معا قام الظن بهما مقام العلم بهما بحكم العقل.

فترجيح الظن بسلوك الطريق المقرر علي الظن بسلوك الواقع لم يعلم وجهه، بل الظن بالواقع أولي في مقام الامتثال، لما أشرنا إليه سابقا من حكم العقل و النقل بأولوية إحراز الواقع.

هذا في الطريق المجعول في عرض العلم بأن أذن في سلوكه مع التمكن من العلم.

و أما إذا نصبه بشرط العجز عن تحصيل العلم، فهو أيضا كذلك، ضرورة أن القائم مقام تحصيل العلم الموجب للاطاعة الواقعية عند تعذره هي الاطاعة الظاهرية المتوقفة علي العلم بسلوك الطريق المجعول، لا علي مجرد سلوكه.

و الحاصل: أن سلوك الطريق المجعول مطلقا أو عند تعذر العلم في مقابل العمل بالواقع.

فكما أن العمل بالواقع مع قطع النظر عن العلم لا يوجب إمتثالا و إنما يوجب فراغ الذمة من المأمور به واقعا لو لم يؤخذ فيه تحققه علي وجه الامتثال، فكذلك سلوك الطريق المجعول مطلقا.

فكل منهما موجب لبراءة الذمة واقعا و إن لم يعلم بحصوله، بل و

لو إعتقد عدم حصوله.

و أما العلم بالفراغ المعتبر في الاطاعه، فلا يتحقق في شئ منهما إلا بعد العلم أو الظن القائم مقامه.

فالحكم - بأن الظن بسلوك الطريق المجعول يوجب الظن بفراغ الذمة، بخلاف الظن بأداء الواقع، فإنه لا يوجب الظن بفراغ الذمة، إلا إذا ثبت حجية ذاك الظن و إلا فربما يظن بأداء الواقع من طريق يعلم بعدم حجيته - تحكم صرف.

و منشأ ما ذكره، قدس سره ، تخيل أن نفس سلوك الطريق الشرعي المجعول، في مقابل سلوك الطريق العقلي الغير المجعول.

و هو العلم بالواقع الذي هو سبب تام لبراءة الذمة، فيكون هو أيضا كذلك، فيكون الظن بالسلوك ظنا بالبراءة.

بخلاف الظن بالواقع، لان نفس أداء الواقع ليس سببا تاما للبراءة، حتي يحصل من الظن به الظن بالبراءة.

فقد قاس الطريق الشرعي بالطريق العقلي.

و أنت خبير بأن الطريق الشرعي لا يتصف بالطريقيه فعلا إلا بعد العلم به تفصيلا و إلا فسلوكه، أعني مجرد تطبيق الاعمال عليه مع قطع النظرعن حكم الشارع، لغو صرف.

و لذلك أطلنا الكلام في أن سلوك الطريق المجعول في مقابل العمل بالواقع، لا في مقابل العلم بالعمل بالواقع.

***** [225] *****

و يلزم من ذلك كون كل من العلم و الظن المتعلق بأحدهما في مقابل المتعلق بالاخر.

فدعوي: (أن الظن بسلوك الطريق يستلزم الظن بالفراغ، بخلاف الظن بإتيان الواقع)، فاسدة.

هذا كله، مع ما علمت سابقا في رد الوجه الاول مع إمكان منع جعل الشارع طريقا إلي الاحكام.

و إنما إقتصر علي الطرق المنجعلة عند العقلاء و هو العلم ثم علي الظن الاطميناني.

ثم إنك حيث عرفت أن مآل هذا القول إلي أخذ نتيجة دليل الانسداد بالنسبة إلي المسائل الاصولية و هي حجية الامارات المحتملة للحجية، لا بالنسبة إلي نفس

الفروع، فاعلم أن في مقابله قولا آخر لغير واحد من مشايخنا المعاصرين، قدست أسرارهم و هو عدم جريان دليل الانسداد علي وجه يشمل مثل هذه المسألة الاصولية، أعني حجية الامارات المحتملة.

و هذا هو القول الذي ذكرنا في أول التنبيه: أنه ذهب إليه فريق.

و سيأتي الكلام فيه عند التكلم في حجية الظن المتعلق بالمسائل الاصولية إن شاء الله تعالي.

ثم إعلم:

أن بعض من لا خبرة له، لما لم يفهم من دليل الانسداد إلا ما تلقن من لسان بعض مشايخه و ظاهر عبارة كتاب القوانين، رد القول الذي ذكرناه أولا عن بعض المعاصرين، من حجية الظن في الطريق، لا في نفس الاحكام بمخالفته لاجماع العلماء حيث زعم أنهم بين من يعمم دليل الانسداد لجميع المسائل العلمية أصولية أو فقهية كصاحب القوانين و بين من يخصصه بالمسائل الفرعية.

فالقول بعكس هذا خرق للاجماع المركب.

و يدفعه: أن المسألة ليست من التوقيفيات التي يدخلها الاجماع المركب، مع أن دعواه في مثل هذه المسائل المستحدثة بشيعة جدا، بل المسألة عقلية.

فإذا فرض إستقلال العقل بلزوم العمل بالظن في مسألة تعيين الطرق، فلا معني لرده بالاجماع المركب.

فلا سبيل إلي رده إلا بمنع جريان حكم العقل و جريان مقدمات الانسداد في خصوصها، كما عرفته منا، أو فيها في ضمن مطلق الاحكام الشرعية، كما فعله غير واحد من مشايخنا.

الامر الثاني: نتيجة دليل الانسداد قضية مهملة أو كل
اشارة

الامر الثاني: نتيجة دليل الانسداد قضية مهملة أو كلية

و هو أهم الامور في هذا الباب، أن نتيجة دليل الانسداد:

هل هي قضية مهملة من حيث أسباب الظن، فلا يعم الحكم لجميع الامارات الموجبة للظن إلا بعد ثبوت معمم، من لزوم ترجيح بلا مرجح، أو إجماع مركب، أو غير ذلك، أو قضية كلية لا تحتاج في التعميم إلي شئ؟ و

علي التقدير الاول، فهل يثبت المرجح لبعض الاسباب علي بعض أم لم يثبت و علي التقدير الثاني، أعني كون القضية كلية، فكيف توجبه خروج القياس، مع أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص.

فهنا مقامات:

المقام الاول:

في كون نتيجة دليل الانسداد مهملة أو

المقام الاول:

في كون نتيجة دليل الانسداد مهملة أو معينة

و التحقيق أنه لا إشكال في أن المقدمات السابقة التي حاصلها بقاء التكليف و عدم التمكن من العلم و عدم وجوب الاحتياط و عدم جواز الرجوع إلي القاعدة التي يقتضيها المقام إذا جرت في مسألة تعين وجوب العمل بأي ظن حصل في تلك المسألة من أي سبب.

و هذا الظن كالعلم في عدم الفرق في إعتباره بين الاسباب و الموارد و الاشخاص و هذا ثابت بالاجماع و بالعقل.

و قد سلك هذا المسلك صاحب القوانين، حيث أنه أبطل البراءة في كل مسألة من غير ملاحظة لزوم الخروج عن الدين و أبطل لزوم الاحتياط كذلك مع قطع النظر عن لزوم الحرج.

و يظهر أيضا من صاحبي المعالم و الزبدة، بناء علي إقتضاء ما ذكراه لاثبات حجية خبر الواحد للعمل بمطلق

***** [227] *****

الظن، فلاحظ.

لكنك قد عرفت مما سبق أنه لا دليل علي بطلان جريان أصالة البراءة و أصالة الاحتياط و الاستصحاب المطابق لاحدهما في كل مورد مورد من مواردها بالخصوص.

إنما الممنوع جريانها في جميع المسائل، للزوم المخالفة القطعية الكثيرة و لزوم الحرج عن الاحتياط.

و هذا المقدار لا يثبت إلا وجوب العمل بالظن في الجملة، من دون تعميم بحسب الاسباب و لا بحسب الموارد و لا بحسب مرتبة الظن.

و حينئذ فنقول: إنه إما أن يقرر دليل الانسداد علي وجه يكون كاشفا عن حكم الشارع بلزوم العمل بالظن، بأن يقال: إن بقاء التكاليف - مع

العلم بأن الشارع لم يعذرنا في ترك التعرض لها و إهمالها، مع عدم إيجاب الاحتياط علينا و عدم بيان طريق مجعول فيها - يكشف عن أن الظن جائز العمل و أن العمل به ماض عند الشارع و أنه لا يعاقبنا علي ترك واجب إذا ظن بعدم وجوبه و لا بفعل محرم إذا ظن بعدم تحريمه.

فحجية الظن علي هذا التقرير تعبد شرعي كشف عنه العقل من جهة دوران الامر بين أمور كلها باطلة سواه، فالاستدلال عليه من باب الاستدلال علي تعيين أحد طرفي المنفصله أو أطرافها بنفي الباقي، فيقال: أن الشارع إما أن أعرض عن هذه التكاليف المعلومة إجمالا، أو أراد الامتثال بها علي العلم، أو أراد الامتثال المعلوم إجمالا، أو أراد إمتثالها من طريق خاص تعبدي، أو أراد إمتثالها الظني.

و ما عدا الاخير باطل، فتعين هو.

و أما أن يقرر علي وجه يكون العقل منشأ للحكم بوجوب الامتثال الظني، بمعني حسن المعاقبة علي تركه و قبح المطالبة بأزيد منه، كما يحكم بوجوب تحصيل العلم و عدم كفاية الظن عند التمكن من تحصيل العلم.

فهذا الحكم العقلي ليس من مجعولات الشارع، إذ كما أن نفس وجوب الاطاعة و حرمة المعصية بعد تحقق الامر و النهي من الشارع ليس من الاحكام المجعولة للشارع، بل شئ يستقل به العقل لا علي وجه الكشف، فكذلك كيفية الاطاعة و أنه يكفي فيها الظن بتحصيل مراد الشارع في مقام و يعتبر فيها العلم بتحصيل المراد في مقام آخر إما تفصيلا أو إجمالا.

و توهم:

(أنه يلزم علي هذا إنفكاك حكم العقل عن حكم الشارع)، مدفوع: بما قررنا في محله، من أن التلازم بين الحكمين إنما هو مع قابلية المورد لهما.

أما لو كان قابلا لحكم العقل

دون الشرع فلا، كما في الاطاعه و المعصية، فإنهما لا يقبلان لورود حكم الشارع عليهما بالوجوب و التحريم الشرعيين بأن يريد فعل الاولي و ترك الثانية بإرادة مستقلة غير إرادة فعل المأمور به و ترك المنهي

***** [228] *****

عنه الحاصلة بالامر و النهي، حتي أنه لو صرح بوجوب الاطاعة و تحريم المعصية، كان الامر و النهي للارشاد لا التكليف، إذ لا يترتب علي مخالفة هذا الامر و النهي إلا ما يترتب علي ذات المأمور به و المنهي عنه، أعني نفس الاطاعة و المعصية.

و هذا نفس دليل الارشاد، كما في أوامر الطبيب.

و لذا لا يحسن من الحكيم عقاب آخر أو ثواب آخر غير ما يترتب علي نفس المأمور به و المنهي عنه فعلا أو تركا من الثواب و العقاب.

ثم إن هذين التقريرين مشتركان في الدلالة علي التعميم من حيث الموارد يعني المسائل، إذ علي الاول يدعي الاجماع القطعي علي أن العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه و علي الثاني يقال إن العقل مستقل بعدم الفرق في باب الاطاعة و المعصية بين واجبات الفروع من أول الفقه إلي آخره و لا بين محرماتها كذلك، فيبقي التعميم من جهتي الاسباب و مرتبة الظن.

فنقول: أما التقرير الثاني، فهو يقتضي التعميم و الكلية من حيث الاسباب، إذ العقل لا يفرق في باب الاطاعة الظنية بين أسباب الظن، بل هو من هذه الجهة نظير العلم لا يقصد منه إلا الانكشاف.

و أما من حيث مرتبة الانكشاف قوة و ضعفا فلا تعميم في النتيجة، إذ لا يلزم من بطلان كلية العمل بالاصول التي هي طرق شرعية الخروج عنها بالكلية، بل يمكن الفرق في مواردها بين الظن القوي البالغ حد سكون النفس في

مقابلها فيؤخذ به و بين ما دونه فيؤخذ بها.

و أما التقرير الاول، فالاهمال فيه ثابت من جهة الاسباب و من جهة المرتبة.

إذا عرفت ذلك، فنقول: الحق في تقرير دليل الانسداد هو التقرير الثاني و أن التقرير علي جه الكشف فاسد.

أما أولا، فلان المقدمات المذكورة لا تستلزم جعل الشارع الظن، مطلقا أو بشرط حصوله من اسباب خاصة، حجة، لجواز أن لا يجعل الشارع طريقا للامتثال بعد تعذر العلم أصلا.

بل عرفت في الوجه الاول من الايراد علي القول بإعتبار الظن في الطريق أن ذلك غير بعيد.

و هو أيضا طريق العقلاء في التكاليف العرفية، حيث يعملون بالظن في تكاليفهم العرفية مع القطع بعدم جعل طريق لها من جانب الموالي و لا يجب علي الموالي نصب الطريق عند تعذر العلم.

نعم يجب عليهم الرضا بحكم العقل و يقبح عليهم المؤاخذة علي مخالفة الواقع الذي يؤدي إليه الامتثال الظني، إلا أن يقال: إن مجرد إمكان ذلك ما لم يحصل العلم به لا يقدح في إهمال النتيجة و إجمالها، فتأمل.

و أما ثانيا، فلانه إذا بني علي كشف المقدمات المذكورة عن جعل الظن علي وجه الاهمال و الاجمال صح المنع الذي اورده بعض المتعرضين لرد هذا الدليل و قد أشرنا إلي سابقا.

و حاصله:

***** [229] *****

أنه كما يحتمل أن يكون الشارع قد جعل لنا مطلق الظن أو الظن في الجملة المتردد بين الكل و البعض المردد بين الابعاض، كذلك يحتمل أن يكون قد جعل لنا شيئا آخر حجة من دون إعتبار إفادته الظن، لانه أمر ممكن غير مستحيل.

و المفروض عدم إستقلال العقل بحكم في هذا المقام.

فمن أين يثبت جعل الشارع الظن في الجملة دون شئ آخر و لم يكن لهذا المنع دفع أصلا، إلا

أن يدعي الاجماع علي عدم نصب شئ آخر غير الظن في الجملة، فتأمل.

و أما ثالثا، فلانه لو صح كون النتيجة مهملة مجملة لم ينفع أصلا إن بقيت علي إجمالها و إن عينت فإما أن تعين في ضمن كل الاسباب و إما أن تعين في ضمن بعضها المعين و سيجئ عدم تمامية شئ من هذين إلا بضميمة الاجماع، فيرجع الامر بالاخرة إلي دعوي الاجماع علي حجية مطلق الظن بعد الانسداد.

فتسميته دليلا عقليا لا يظهر له وجه عدا كون الملازمة بين تلك المقدمات الشرعية و نتيجتها عقلية.

و هذا جار في جميع الادلة السمعية، كما لا يخفي.

***** [230] *****

المقام الثاني: في أنه علي أحد التقريرين السابقين ه

المقام الثاني: في أنه علي أحد التقريرين السابقين هل يحكم بتعميم الظن من حيث الاسباب أو المرتبة

أم فنقول: أما علي تقدير كون العقل كاشفا عن حكم الشارع بحجية الظن في الجمله، فقد عرفت أن الاهمال بحسب الاسباب و بحسب المرتبة.

و يذكر للتعميم من جهتها وجوه.

الاول [من طرق التعميم] عدم المرجح لبعضها علي بعض فيثبت التعميم، لبطلان الترجيح بلا مرجح و الاجماع علي بطلان التخيير و التعميم بهذا الوجه يحتاج إلي ذكر ما يصلح أن يكون مرجحا و إبطاله.

و ليعلم أنه لا بد أن يكون المعين و المرجح معينا لبعض كاف بحيث لا يلزم من الرجوع بعد الالتزام به إلي الاصول محذور و إلا فوجوده لا يجدي.

إذا تمهد هذا فنقول: ما يصلح أن يكون معينا أو مرجحا أحد أمور ثلاثة:

الاول:

من هذه الامور كون بعض الظنون متيقنا بالنسبة إلي الباقي، بمعني كونه واجب العمل قطعا علي كل تقدير، فيؤخذ به و يطرح الباقي، للشك في حجيته.

و بعبارة أخري: يقتصر في القضيه المهملة المخالفة للاصل علي المتيقن و إهمال النتيجة حينئذ من

حيث الكم فقط، لتردده بين الاقل المعين و الاكثر.

و لا يتوهم:

(أن هذا المقدار المتيقن حينئذ من الظنون الخاصة، للقطع التفصيلي بحجيته)، لاندفاعه: بأن المراد من الظن الخاص ما علم حجيته بغير دليل الانسداد، فتأمل.

الثاني: كون بعض الظنون أقوي من بعض، فتعين العمل عليه، للزوم الاقتصار في مخالفة الاحتياط اللازم في كل واحد من محتملات التكاليف الواقعية من الواجبات و المحرمات علي القدر.

المتيقن.

و هو ما كان الاحتمال الموافق للاحتياط فيه في غاية البعد، فإنه كلما ضعف الاحتمال

***** [231] *****

الموافق للاحتياط كان إرتكابه أهون.

الثالث: كون بعض الظنون مظنون الحجية.

فإنه في مقام دوران الامر بينه و بين غيره يكون أولي من غيره، إما لكونه أقرب إلي الحجية من غيره و معلوم أن القضية المهملة المجملة تحمل، بعد صرفها إلي البعض بحكم العقل، علي ما هو أقرب محتملاتها إلي الواقع و إما لكونه أقرب إلي إحراز مصلحة الواقع، لان المفروض رجحان مطابقته للواقع، لان المفروض كونه من الامارات المفيدة للظن بالواقع و رجحان كونه بدلا عن الواقع.

لان المفروض الظن بكونه طريقا قائما مقام الواقع، بحيث يتدارك مصلحة الواقع علي تقدير مخالفته له، فإحتمال مخالفة هذه الامارة للواقع و لبدله موهوم في موهوم.

بخلاف إحتمال مخالفة سائر الامارات للواقع، لانها علي تقدير مخالفت ها للواقع لا يظن كونها بدلا عن الواقع.

و نظير ذلك: ما لو تعلق غرض المريض بدواء تعذر الاطلاع العلمي عليه، فدار الامر بين دوائين، أحدهما يظن كونه ذلك الدواء و علي تقدير كونه غيره يظن كونه بدلا عنه في جميع الخواص.

و الاخر يظن أنه ذلك الدواء، لكن لا يظن أنه علي تقدير المخالفة بدل عنه و معلوم بالضرورة أن العمل بالاول أولي.

ثم إن البعض المظنون الحجية قد يعلم بالتفصيل،

كما إذا ظن حجية الخبر المزكي رواته بعدل واحد او حجية الاجماع المنقول و قد يعلم إجمالا وجوده بين أمارات.

فالعمل بهذه الامارات أرجح من غيرها الخارج من محتملات ذلك المظنون الاعتبار.

و هذا كما لو ظن عدم حجية بعض الامارات، كالاولوية و الشهرة و الاستقراء و فتوي الجماعة الموجبة للظن.

فإنا إذا فرضنا نتيجة دليل الانسداد مجملة مرددة بين هذه الامور و غيرها و فرضنا الظن بعدم حجية هذه، لزم من ذلك الظن بأن الحجة في غيرها و إن كان مرددا بين أبعاض ذلك الغير، فكان الاخذ بالغير أولي من الاخذ بها، لعين ما تقدم و إن لم يكن بين أبعاض ذلك الغير مرجح، فافهم. هذه غاية ما يمكن ان يقال في ترجيح بعض الظنون علي بعض.

لكن نقول: إن المسلم من هذه في الترجيح لا ينفع و الذي ينفع غير مسلم كونه مرجحا.

توضيح ذلك: هو أن (المرجح الاول) - و هو تيقن البعض بالنسبة إلي الباقي - و إن كان من المرجحات، بل لا يقال له المرجح، لكونه معلوم الحجية تفصيلا و غيره مشكوك الحجية، فيبقي تحت الاصل، لكنه لا ينفع، لقلته و عدم كفايته، لان القدر المتيقن من هذه الامارات هو الخبر الذي زكي جميع رواته بعدلين و لم يعمل في تصحيح رجاله و لا في تمييز مشتركاته بظن أضعف نوعا من

***** [232] *****

سائر الامارات الاخر و لم يوهن لمعارضته شئ منها و كان معمولا به عند الاصحاب كلا أو جلا و مفيدا للظن الاطميناني بالصدور، إذ لا ريب أنه كلما إنتفي أحد هذه الامور الخمسة في خبر، احتمل كون غيره حجة دونه، فلا يكون متيقن الحجية علي كل تقدير.

و أما عدم كفاية هذا الخبر لندرته

فهو واضح، مع أنه لو كان بنفسه كثيرا كافيا، لكن يعلم إجمالا به وجود مخصصا كثيرة و مقيدات له في الامارات الاخر، فيكون نظير ظواهر الكتاب في عدم جواز التمسك بها مع قطع النظر عن غيرها، إلا أن يؤخذ بعد الحاجة إلي التعدي منها بما هو متيقن بالاضافة إلي ما بقي، فتأمل.

و أما (المرجح الثاني) و هو كون بعضها أقوي ظنا من الباقي، ففيه: أن ضبط مرتبة خاصة له متعسر أو متعذر، لان القوة و الضعف أضافيان و ليس تعارض القوي مع الضعيف هنا في متعلق واحد حتي يذهب الظن من الاضعف و يبقي في الامارة الاخري.

نعم يوجد مرتبة خاصة و هو الظن الاطميناني الملحق بالعلم حكما، بل موضوعا، لكنه نادر التحقق.

مع أن كون القوة معينة للقضية المجملة محل منع، إذ لا يستحيل أن يعتبر الشارع في حال الانسداد ظنا يكون أضعف من غيره. كما هو المشاهد في الظنون الخاصة، فإنها ليست علي الاطلاق أقوي من غيرها بالبديهة.

و ما تقدم في تقريب مرجحية القوة إنما هو مع كون إيجاب العمل بالظن عند إنسداد باب العلم من منشئآت العقل و أحكامه.

و أما علي تقدير كشف مقدمات الانسداد - عن أن الشارع جعل الظن حجة في الجملة و تردد أمره في أنظارنا بين الكل و الابعاض - فلا يلزم من كونه بعضها أقوي كونه هو المجعول حجة، لانا قد وجدنا تعبد الشارع بالظن الاضعف و طرح الاقوي في موارد كثيرة.

و أما (المرجح الثالث) - و هو الظن بإعتبار بعض فيؤخذ به لاحد الوجهين المتقدمين - ففيه، مع أن الوجه الثاني لا يفيد لزوم التقديم، بل أولويته: أن الترجيح علي هذا الوجه يشبه الترجيح بالقوة و الضعف، في

أن مداره علي الاقرب إلي الواقع.

و حينئذ فإذا فرضنا كون الظن الذي لم يظن بحجيته أقوي ظنا بمراتب من الظن الذي ظن بحجيته، فليس بناء العقلاء علي ترجيح الثاني، فيرجع الامر إلي لزوم ملاحظة الموارد الخاصة و عدم وجود ضابطة كلية بحيث يوخذ بها في ترجيح الظن المظنون الاعتبار.

نعم لو فرض تساوي أبعاض الظنون دائما من حيث القوة و الضعف، كان ذلك المرجح بنفسه منضبطا.

و لكن الفرض مستبعد بل مستحيل. مع أن اللازم علي هذا أن لا يعمل بكل مظنون الحجية، بل بما يظن حجيته بظن قد ظن حجيته، لانه أبعد عن مخالفة الواقع و بدله بناء علي

***** [233] *****

التقرير المتقدم و أما الوجه الاول المذكور في تقريب ترجيح مظنون الاعتبار علي غيره.

ففيه: أولا، أنه لا أمارة تفيد الظن بحجية أمارة علي الاطلاق، فإن أكثر ما أقيم حجية الادلة من الامارات الظنية المبحوث عنها الخبر الصحيح و معلوم عند المنصف أن شيئا مما ذكروه لحجيته لا يوجب الظن بها علي الاطلاق.

و ثانيا، أنه لا دليل علي إعتبار مطلق الظن في مسألة تعيين هذا الظن المجمل.

* * *

ثم أنه قد توهم غير واحد أنه ليس المراد إعتبار مطلق الظن و حجيته في مسألة تعيين القضية المهملة و أنما المقصود ترجيح بعضها علي بعض.

فقال بعضهم في توضيح لزوم الاخذ بمظنون الاعتبار، بعد الاعتراف بأنه ليس المقصود هنا إثبات حجية الظنون المظنونة الاعتبار بالامارات الظنية القائمة عليها، ليكون الاتكال في حجيتها علي مجرد الظن: (إن الدليل العقلي المثبت لحجيتها هو الدليل العقلي المذكور و الحاصل من تلك الامارات الظنية هو ترجيح بعض الظنون علي البعض، فيمنع ذلك من إرجاع القضية المهملة إلي الكلية، بل يقتصر في مفاد القضية

المهملة علي تلك الجملة.

فالظن المفروض إنما يبعث علي صرف مفاد الدليل المذكور إلي ذلك و عدم صرفه إلي سائر الظنون نظرا إلي حصول القوة بالنسبة إليها، لانضمام الظن بحجيتها إلي الظن بالواقع.

فإذا قطع العقل بحجية الظن بالقضية المهملة، ثم وجد الحجية متساوية بالنظر إلي الجميع حكم بحجية الكل.

و أما إذا وجدها مختلفة و كان جملة منها أقرب إلي الحجية من الباقي نظرا إلي الظن بحجيتها دون الباقي، فلا محالة يقدم المظنون علي المشكوك و المشكوك علي الموهوم في مقام الحيره و الجهالة، فليس الظن مثبتا لحجية ذلك الظن و إنما هو قاض بتقديم جانب الحجية في تلك الظنون، فينصرف إليه ما قضي به الدليل المذكور.

ثم اعترض: علي نفسه، بأن صرف الدليل إليها إن كان علي وجه اليقين ثم ما ذكر و إلا كان إتكالا علي الظن و الحاصل أنه لا قطع لصرف الدليل إلي تلك الظنون.

***** [234] *****

ثم أجاب: بأن الاتكال ليس علي الظن بحجيتها و لا علي الظن بترجيح تلك الظنون علي غيرها، بل التعويل علي القطع بالترجيح.

و توضحيه: أن قضية دليل الانسداد حجية الظن علي سبيل الاهمال، فيدور الامر بين القول بحجية الجمع و البعض، ثم الامر في البعض يدور بين المظنون و غيره و قضية العقل في الدوران بين الكل و البعض هو الاقتصار علي البعض أخذا بالمتيقن.

و لذا قال علماء الميزان: إن المهملة في قوة الجزئية: و لو لم يتعين البعض في المقام و دارت الحجية بينه و بين سائر الابعاض من غير تفاوت في نظر العقل، لزم الحكم بحجية الكل، لبطلان الترجيح من غير مرجح و أما لو كانت حجية البعض مما فيه الكفاية مظنونة به خصوصه بخلاف الباقي، كان

ذلك أقرب إلي الحجية من غيره مما لم يقم علي حجيته دليل. فيتعين عند العقل الاخذ به دون غيره، فإن الرجحان حينئذ قطعي وجداني.

و الترجيح من جهته ليس ترجيحا بمرجح ظني و إن كان ظنا بحجية تلك الظنون.

فإن كون المرجح ظنيا لا يقتضي كون الترجيح ظنيا و هو ظاهر)، إنتهي كلامه، رفع مقامه.

أقول: قد عرفت سابقا أن مقدمات دليل الانسداد، إما أن تجعل كاشفة عن كون الظن في الجملة حجة علينا بحكم الشارع، كما يشعر به قوله: (كان بعض الظنون أقرب إلي الحجية من الباقي) و إما أن تجعل منشأ لحكم العقل بتعيين إطاعة الله سبحانه حين الانسداد علي وجه الظن، كما يشعر به قوله نظرا إلي حصول القوة لتلك الجملة، لانضمام الظن بحجيتها إلي الظن بالواقع.

فعلي الاول، إذا كان الظن المذكور مرددا بين الكل و البعض اقتصر علي البعض، كما ذكره، لانه القدر المتيقن.

و أما إذا تردد ذلك البعض بين الابعاض، فالمعين لاحد المحتملين او المحتملات لا يكون إلا بما يقطع بحجيته، كما أنه إذا احتمل في الواقعة الوجوب و الحرمة لا يمكن ترجيح أحدهما بمجرد الظن به، إلا بعد إثبات حجية ذلك الظن.

بل التحقيق: أن المرجح لاحد الدليلين عند التعارض كالمعين لاحد الاحتمالين يتوقف علي القطع بإعتباره عقلا أو نقلا و إلا فأصالة عدم إعتبار الظن لا فرق في مجراها بين جعلهإ دليلا و جعله مرجحا.

هذا مع أن الظن المفروض إنما قام علي حجية بعض الظنون في الواقعه من حيث الخصوص،

***** [235] *****

لا علي تعيين الثابت حجيته بدليل الانسداد، فتأمل.

و أما علي الثاني، فالعقل إنما يحكم بوجوب الاطاعة علي الوجه الاقرب إلي الواقع.

فإذا فرضنا أن مشكوك الاعتبار يحصل منه ظن بالواقع أقوي مما

يحصل من الظن المظنون الاعتبار كان الاول أولي بالحجية في نظر العقل.

و لذا قال صاحب المعالم:

(إن العقل قاض بأن الظن إذا كان له جهات متعددة متفاوتة بالقوة و الضعف، فالعدول عن القوي منها إلي الضعيف قبيح)، إنتهي.

نعم لو كان قيام الظن علي حجية بعضها مما يوجب قوتها في نظر العقل، لانها جامعة لادراك الواقع أو بدله علي سبيل الظن بخلافه، رجع الترجيح به إلي ما ذكرنا سابقا و ذكرنا ما فيه.

و حاصل الكلام يرجع إلي أن الظن بالاعتبار إنما يكون صارفا للقضيه إلي ما قام عليه من الظنون إذا حصل القطع بحجيته في تعيين الاحتمالات أو صار موجبا لكون الاطاعة بمقتضاها أتم، لجمعها بين الظن بالواقع و الظن بالبدل.

و الاول موقوف علي حجية مطلق الظن.

و الثاني لا إطراد له، لانه قد يعارضها قوة المشكوك الاعتبار.

و ربما إلتزم بالاول بعض من أنكر حجية مطلق الظن و أورده إلزاما علي القائلين بمطلق الظن، فقال كما يقولون: (يجب علينا في كل واقعة البناء علي حكم و لعدم كونه معلوما لنا يجب في تعيينه العمل بالظن، فكذا نقول، بعد ما وجب علينا العمل بالظن و لن نعلم تعيينه: يجب علينا في تعيين هذا الظن العمل بالظن).

ثم إعترض علي نفسه، بما حاصله: (إن وجوب العمل بمظنون الحجية لا ينفي غيره.

- فقال: - قلنا: نعم و لكن لا يكون حينئذ دليل علي حجية ظن آخر، إذ بعد ثبوت حجية الظن المظنون الحجية ينفتح باب الاحكام و لا يجري دليلك فيه و يبقي تحت أصالة عدم الحجية).

و فيه: أنه إذا التزم، بإقتضاء مقدمات الانسداد مع فرض عدم المرجح، العمل بمطلق الظن في الفروغ دخل الظن المشكوك الاعتبار و موهومه، فلا مورد للترجيح

و التعيين حتي يعين بمطلق

***** [236] *****

الظن لان الحاجة إلي التعيين بمطلق الظن فرع عدم العمل بمطلق الظن.

و بعبارة أخري: إما أن يكون مطلق الظن حجة و إما لا.

فعلي الاول لا مورد للتعيين و الترجيح و علي الثاني لا يجوز الترجيح بمطلق الظن.

فالترجيح بمطلق الظن ساقط علي كل تقدير.

و ليس للمعترض القلب بأنه إن ثبت حجية مطلق الظن تعين ترجيح مظنون الاعتبار به، إذ علي تقدير ثبوت حجية مطلق الظن لا تعقل ترجيح حتي يتعين الترجيح بمطلق الظن.

ثم إن لهذا المعترض كلاما في ترجيح مظنون الاعتبار بمطلق الظن - لا من حيث حجية مطلق الظن حتي يقال: إن بعد ثبوتها لا مورد للترجيح - لا بأس بالاشارة إليه و إلي ما وقع من الخلط و الغفلة منه في المراد بالترجيح هنا.

فقال، معترضا علي القائل بما قدمنا، من أن ترجيح أحد المحتملين عين تعيينه بالاستدلال، بقوله: (إن هذا القائل خلط بين ترجيح الشئ و تعيينه و لم يعرف الفرق بينهما.

و لبيان هذا المطلب نقدم مقدمة، ثم نجيب عن كلامه و هي أنه لا ريب في بطلان الترجيح بلا مرجح، فإنه مما يحكم بقبحه العقل و العرف و العادة، بل يقولون بإمتناعه الذاتي كالترجح بلا مرجح.

و المراد بالترجيح بلا مرجح هو سكون النفس إلي أحد الطرفين و الميل إليه من غير مرجح و إن لم يحكم بتعيينه وجوبا و أما الحكم بذلك فهو أمر آخر وراء ذلك.

ثم أوضح ذلك بأمثلة: منها أنه لو دار أمر العبد في أحكام السلطان المرسلة إليه بين أمور و كان بعضها مظنونا بظن لم يعلم حجيته من طرف السلطان، صح له ترجيح المظنون و لا يجوز له الحكم بلزوم ذلك.

و منها أنه

لو أقدم علي أحد طعامان أحدهما ألذ من الاخر فاختاره عليه لم يرتكب ترجيحا بلا مرجح و إن لم يلزم أكل الالذ و لكن لو حكم بلزوم الاكل لا بد من تحقق دليل عليه و لا يكفي مجرد الالذيه.

نعم لو كان أحدهما مضرا صح الحكم باللزوم.

ثم قال: و بالجملة، فالحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجح، فالمرجح غير الدليل و الاول يكون في مقام الميل و العمل و الثاني يكون في مقام التصديق و الحكم.

ثم قال: أن ليس المراد أنه يجب العمل بالظن المظنون حجيته و انه الذي يجب العمل به بعد إنسداد باب العلم.

بل مراده أنه - بعد ما وجب علي المكلف،

***** [237] *****

لانسداد باب العلم و بقاء التكليف، العمل بالظن و لا يعلم أي ظن لو عمل بالظن المظنون حجيته - أي نقض يلزم عليه.

فإن قلت: ترجيح بلا مرجح فقد غلطت غلطا ظاهرا و إن كان غيره، فبينه حتي ننظر)، إنتهي كلامه.

أقول: لا يخفي أنه ليس المراد من أصل دليل الانسداد إلا وجوب العمل بالظن، فإذا فرض أن هذا الواجب تردد بين ظنون، فلا غرض إلا في تعيينه، بحيث يحكم بأن هذا هو الذي يجب العمل به شرعا، حتي يبني المجتهد عليه في مقام العمل و يلتزم بمؤداه علي أنه حكم شرعي عزمي من الشارع.

و أما دواعي إرتكاب بعض الظنون دون بعض فهي مختلفة غير منضبطة: فقد يكون الداعي إلي الاختيار موجودا في موهوم الاعتبار لغرض من الاغراض و قد يكون في مظنون الاعتبار.

فليس الكلام إلا في أن الظن بحجية بعض الظنون هل يوجب الاخذ بتلك الظنون شرعا، بحيث يكون الآخذ بغيره لداع من الدواعي معاقبا عند الله في ترك ما هو وظيفته

من سلوك الطريق.

و بعبارة أخري: هل يجوز شرعا أن يعمل المجتهد بغير مظنون الاعتبار أم لا يجوز؟ إن قلت: لا يجوز شرعا.

قلنا: فما الدليل الشرعي بعد جواز العمل بالظن في الجملة علي أن تلك المهملة غير هذه الجزئية.

و إن قلت: يجوز، لكن بدل عن مظنون الاعتبار، لا جمعا بينهما، فهذا هو التخيير الذي التزم المعمم ببطلانه.

و إن قلت: يجوز جمعا بينهما فهذا هو مطلب المعمم.

فليس المراد بالمرجح ما يكون داعيا إلي إرادة أحد الطرفين، بل المراد ما يكون دليلا علي حكم الشارع.

و من المعلوم أن هذا الحكم الوجوبي لا يكون إلا عن حجة شرعية، فلو كان هي مجرد الظن بوجوب العمل بذلك البعض، فقد لزم العمل بمطلق الظن عند إشتباه الحكم الشرعي.

فإذا جاز ذلك في هذا المقام لم لا يجوز في سائر المقامات؟ فلم قلتم إن نتيجة دليل الانسداد حجية الظن في الجملة؟ و بعبارة أخري: لو إقتضي إنسداد باب العلم في الاحكام تعيين الاحكام المجهولة بمطلق الظن، فلم منعتم إفادة ذلك الدليل إلا لاثبات حجية الظن في الجملة و إن إقتضي تعيين الاحكام بالظن في الجملة لم يوجب إنسداد باب العلم في تعيين الظن في الجملة الذي وجب العمل به بمقتضي الانسداد العمل في تعيينه بمطلق الظن.

و حاصل الكلام:

أن المراد من المرجح هنا هو المعين و الدليل الملزم من جانب الشارع ليس إلا.

***** [238] *****

فإن كان في المقام شئ غير الظن فليذكر و إن كان مجرد الظن فلم تثبت حجية مطلق الظن.

فثبت من جميع ذلك أن الكلام ليس في المرجح للفعل، بل المطلوب المرجح للحكم بأن الشارع أوجب بعد الانسداد العمل بهذا دون ذلك.

و مما ذكرنا: يظهر ما في آخر كلام البعض المتقدم ذكره

في توضيح مطلبه، من أن كون المرجح ظنيا لا يقتضي كون الترجيح ظنيا.

فإنا نقول: إن كون المرجح قطعيا لا يقتضي ذلك، بل إن قام دليل علي إعتبار ذلك المرجح شرعا كان الترجيح به قطعيا و إلا فليس ظنيا أيضا.

ثم إن ما ذكره الاخير في مقدمته، من أن الترجيح بلا مرجح قبيح، بل محال، يظهر منه خلط بين الترجيح بلا مرجح في الايجاد و التكوين و بينه في مقام الالزام و التكليف. فإن الاول محال، لا قبيح و الثاني قبيح، لا محال.

فالاضراب في كلامه عن القبيح إلي الاستحالة لا مورد له، فافهم.

فثبت مما ذكرنا أن تعيين الظن في الجملة من بين الظنون بالظن غير مستقيم.

و في حكمه ما لو عين بعض الظنون لاجل الظن بعدم حجية ما سواه، كالاولوية و الاستقراء بل الشهره، حيث أن المشهور علي عدم إعتبارها، بل لا يبعد دخول الاولين تحت القياس المنهي عنه، بل النهي عن العمل بالاولي منهما وارد في قضية (أبان) المتضمنة لحكم دية أصابع المرأة.

فإنه يظن بذلك أن الظن المعتبر بحكم الانسداد في ما عدا هذه الثلاثة.

و قد ظهر ضعف ذلك مما ذكرنا من عدم إستقامة تعيين القضية المهملة بالظن.

و نزيد هنا أن دعوي حصول الظن علي عدم إعتبار هذه الامور ممنوعة، لان مستند الشهرة علي عدم إعتبارها ليس إلا عدم الدليل عند المشهور علي إعتبارها، فيبقي تحت الاصل، لا لكونها منهيا عنها بالخصوص، كالقياس.

و مثل هذه الشهرة المستندة إلي الاصل لا يوجب الظن بالواقع.

و أما دعوي كون الاولين قياسا، فنكذبه بعمل غير واحد من أصحابنا عليهما.

بل الاولوية قد عمل بها غير واحد من أهل الظنون الخاصة في بعض الموارد.

و منه يظهر الوهن في دلالة قضية (أبان) علي

حرمة العمل عليها بالخصوص، فلا يبقي ظن من الرواية بحرمة العمل عليها بالخصوص.

و لو فرض ذلك دخل الاولوية في ما قام الدليل علي عدم إعتباره، لان الظن الحاصل من رواية أبان متيقن الاعتبار بالنسبة إلي الاولوية، فحجيتها مع عدم حجية الخبر الدال علي المنع عنها غير محتملة، فتأمل.

***** [239] *****

ثم بعدما عرفت من عدم إستقامة تعيين القضية المهملة بمطلق الظن، فاعلم:

أنه قد يصح تعيينها بالظن في مواضع: أحدها: أن يكون الظن القائم علي حجية بعض الظنون من المتيقن إعتباره بعد الانسداد، إما مطلقا، كما إذا قام فرد من الخبر الصحيح المتيقن إعتباره من بين سائر الاخبار و سائر الامارات علي حجية بعض ما دونه، فإنه يصير حينئذ متيقن الاعتبار، لاجل قيام الظن المتيقن الاعتبار علي إعتباره و إما بالاضافة إلي ما قام علي إعتباره إذا ثبت حجية ذلك الظن القائم.

كما لو قام الاجماع المنقول علي حجية الاستقراء مثلا، فإنه يصير بعد إثبات حجية الاجماع المنقول علي بعض الوجوه ظنا معتبرا.

و يلحق به ما هو متيقن بالنسبة إليه كالشهرة، إذا كانت متيقنة الاعتبار بالنسبة إلي الاستقراء بحيث لا يحتمل إعتباره دونها.

لكن هذا مبني علي عدم الفرق في حجية الظن بين كونه في المسائل الفروعية و كونه في المسائل الاصولية و إلا فلو قلنا إن الظن في الجملة، الذي قضي به مقدمات دليل الانسداد، إنما هو المتعلق بالمسائل الفرعية دون غيرها، فالقدر المتيقن إنما هو متيقن بالنسبة إلي الفروع، لا غير.

و ما ذكرنا سابقا، من عدم الفرق بين تعلق الظن بنفس الحكم الفرعي و بين تعلقه بما جعل طريقا إليه، إنما هو بناء علي ما هو التحقيق من تقرير مقدمات الانسداد علي وجه يوجب حكومة العقل دون

كشفه عن جعل الشارع و القدر المتيقن مبني علي الكشف، كما سيجئ. إلا أن يدعي أن القدر المتيقن في الفروع هو متيقن في المسائل الاصولية أيضا.

الثاني: أن يكون الظن القائم علي حجية ظن متحدا لا تعدد فيه، كما إذا كان مظنون الاعتبار منحصرا فيما قام أمارة واحدة علي حجيته، فإنه يعمل به في تعيين المتبع و إن كان أضعف الظنون، لانه إذا إنسد باب العلم في مسألة تعيين ما هو المتبع بعد الانسداد و لم يجز الرجوع فيها إلي الاصول حتي الاحتياط، كما سيجئ، تعين الرجوع إلي الظن الموجود في المسألة، فيؤخذ به، لما عرفت من أن كل مسألة إنسد فيها باب العلم و فرض عدم صحة الرجوع فيها إلي مقتضي الاصول، تعين بحكم العقل العمل بأي ظن وجد في تلك المسألة.

الثالث: أن يتعدد الظنون في مسألة تعيين المتبع بعد الانسداد بحيث يقوم كل واحد منها علي إعتبار طائفة من الامارات كافية في الفقه.

لكن يكون هذه الظنون القائمة كلها في مرتبة لا يكون إعتبار بعضها مضنونا.

فحينئذ إذا وجب بحكم مقدمات الانسداد في مسألة تعيين المتبع الرجوع فيها إلي الظن في الجملة و المفروض تساوي الظنون الموجودة في تلك المسألة و عدم المرجح لبعضها،

***** [240] *****

وجب الاخذ بالكل بعد بطلان التخيير بالاجماع و تعسر ضبط البعض الذي لا يلزم العسر من الاحتياط فيه.

ثم علي تقدير صحة تقرير الانسداد علي وجه الكشف، فالذي ينبغي أن يقال: أن اللازم علي هذا، أولا، هو الاقتصار علي المتيقن من الظنون.

و هل يلحق به كل ما قام المتيقن علي إعتباره؟ وجهان، أقواهما العدم، كما تقدم، إذ بناء علي هذا التقرير لا نسلم كشف العقل بواسطة مقدمات الانسداد إلا عن إعتبار الظن

في الجملة في الفروع دون الاصول و الظن بحجية الامارة الفلانية ظن بالمسألة الاصولية.

نعم مقتضي تقرير الدليل علي وجه حكومة العقل أنه لا فرق بين تعلق الظن بالحكم الفرعي أو بحجية طريق.

ثم إن كان القدر المتيقن كافيا في الفقه، بمعني أنه لا يلزم من العمل بالاصول في مجاريها المحذور اللازم علي تقدير الاقتصار علي المعلومات، فهو و إلا فالواجب الاخذ بما هو المتيقن من الامارات الباقية الثابتة بالنسبة إلي غيرها.

فإن كفي في الفقه بالمعني الذي ذكرنا فهو و إلا فيؤخذ بما هو المتيقن بالنسبة و هكذا.

ثم لو فرضنا عدم القدر المتيقن بين الامارات أو عدم كفاية ما هو القدر المتيقن مطلقا أو بالنسبة: فإن لم يكن علي شئ منها أمارة، فاللازم الاخذ بالكل، لبطلان التخيير بالاجماع و بطلان طرح الكل بالفرض و فقد المرجح، فتعين الجمع.

و إن قام علي بعضها أمارة: فإن كانت أمارة واحدة، كما إذا قامت الشهرة علي حجية جملة من الامارات، كان اللازم الاخذ بها، لتعيين الرجوع إلي الشهرة في تعيين المتبع من بين الظنون و إن كانت امارات متعددة قامت كل واحدة منها علي حجية ظن مع الحاجة إلي جميع تلك الظنون في الفقه و عدم كفاية بعضها عمل بها.

و لا فرق حينئذ بين تساوي تلك الامارات القائمة من حيث الظن بالاعتبار و العدم و بين تفارتها في ذلك.

و أما لو قامت كل واحدة منها علي مقدار من الامارات كاف في الفقه: فإن لم تتفاوت الامارات القائمة في الظن بالاعتبار وجب الاخذ بالكل، كالامارة الواحدة لفقد المرجح و إن تفاوتت: فما قام متيقن أو مظنون الاعتبار علي إعتباره يصير معينا لغيره، كما إذا قام الاجماع المنقول بناء علي كونه مظنون الاعتبار

علي حجية أمارة غير مظنون الاعتبار و قامت تلك الامارة، فإنها تتعين بذلك.

***** [241] *****

هذا كله علي تقدير كون دليل الانسداد كاشفا.

و أما، علي ما هو المختار من كونه حاكما، فسيجئ الكلام فيه بعد الفراغ عن المعممات التي ذكروها لتعميم النتيجة، إن شاء الله تعالي.

إذا عرفت ذلك، فاللازم علي المجتهد أن يتأمل في الامارات، حتي يعرف المتيقن منها حقيقة أو بالاضافة إلي غيرها و يحصل ما يمكن تحصيله من الامارات القائمة علي حجية تلك الامارات و يميز بين تلك الامارات القائمة من حيث التساوي و التفاوت من حيث الظن بحجية بعضها من أمارة أخري و يعرف كفاية ما أحرز إعتباره من تلك الامارات و عدم كفايته في الفقه.

و هذا يحتاج إلي سير مسائل الفقه إجمالا حتي يعرف أن القدر المتيقن من الاخبار، مثلا، لا يكفي في الفقه بحيث يرجع، في موارد خلت عن هذا الخبر، إلي الاصول التي يقتضيها الجهل بالحكم في ذلك المورد.

فأنه إذا إنضم إليه قسم آخر من الخبر، لكونه متيقنا إضافيا، أو لكونه مظنون الاعتبار بظن متبع، هل يكفي أم لا؟ فليس له الفتوي علي وجه يوجب طرح سائر الظنون حتي يعرف كفاية ما أحرزه من جهة اليقين أو الظن المتبع.

وفقنا الله للاجتهاد الذي هو أشد من طول الجهاد، بحق محمد و آله الامجاد.

الثاني من طرق التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين من عدم الكفاية حيث إعترفوا - بعد تقسيم الظنون إلي مظنون الاعتبار و مشكوكه - و موهومه بأن مقتضي القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار علي مظنون الاعتبار، ثم علي المشكوك، ثم يتسري إلي الموهوم.

لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية، إما بأنفسها، بناء علي إنحصارها في الاخبار الصحيحة بتزكية عدلين

و إما لاجل العلم الاجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني الظاهرة منها و وجود ما يظن منه ذلك في الظنون المشكوكة الاعتبار.

فلا يجوز التمسك بتلك الظواهر، للعلم الاجمالي المذكور، فيكون حالها حال ظاهر الكتاب و السنة المتواترة في عدم الوفاء بمعظم الاحكام.

فلا بد من التسري، بمقتضي قاعدة الانسداد و لزوم المحذور من الرجوع إلي الاصول، إلي الظنون المشكوكة الاعتبار التي دلت علي إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار، فيعمل بما هو من مشكوك الاعتبار مخصص لعمومات مظنون الاعتبار و مقيد لاطلاقاته و قرائن لمجازاته.

فإذا وجب العلم بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار، ثبت وجوب العمل لغيرها مما ليس فيها معارضة لظواهر الامارات المظنونة الاعتبار، بالاجماع علي عدم الفرق بين أفراد مشكوك

***** [242] *****

الاعتبار.

فإن أحدا لم يفرق بين الخبر الحسن المعارض لاطلاق الصحيح و بين خبر حسن آخر غير معارض لخبر صحيح، بل بالاولوية القطعية.

لانه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار، فالعمل بما ليس له معارض أولي.

ثم نقول: إن في ظواهر مشكوك الاعتبار موارد كثيرة تعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة و الكاشف عن ذلك ظنا هي الامارات الموهومة الاعتبار، فنعملا بتلك الامارات، ثم نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار بالاجماع المركب.

حيث أن أحدا لم يفرق بين الشهره المعارضة للخبر الحسن بالعموم و الخصوص و بين غير المعارض له، بل بالاولوية، كما عرفت.

أقول: الانصاف: أن التعميم بهذا الطريق أضعف من التخصيص بمظنون الاعتبار، لان هذا المعمم قد جمع ضعف القولين، حيث إعترف بأن مقتضي القاعدة، لولا عدم الكفاية، الاقتصار علي مظنون الاعتبار.

و قد عرفت أنه لا دليل علي إعتبار مطلق الظن بالاعتبار إلا إذا ثبت جواز العمل بمطلق الظن عند إنسداد باب

العلم.

و أما ما ذكره من التعميم لعدم الكفاية.

ففيه: أولا، أنه مبني علي زعم كون مظنون الاعتبار منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين.

و ليس كذلك، بل الامارات الظنية من الشهرة و منا دل علي إعتبار قول الثقة، مضافا إلي ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النفس من الروايات و في تشخيص أحوال الرواة، توجب الظن القوي بحجية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد و الخبر الموثق و الضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية.

و من المعلوم كفاية ذلك و عدم لزوم محذور من الرجوع في موارد فقد تلك الامارات إلي الاصول.

و ثانيا، أن العلم الاجمالي الذي إدعاه يرجع حاصله إلي العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار.

و من المعلوم أن العمل بها لاجل ذلك لا يوجب التعدي إلي ما ليس فيه هذه العلة، أعني مشكوكات الاعتبار الغير الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار، فإن العلم الاجمالي به وجود شهرات متعددة مقيدة لاطلاقات الاخبار أو مخصصة لعموماتها لا يوجب التعدي إلي الشهرات الغير المزاحمة للاخبار بتقييد أو تخصيص، فضلا عن التسري إلي الاستقراء و الاولوية.

و دعوي الاجماع لا يخفي ما فيها، لان الحكم بالحجية في القسم الاول لعلة غير مطردة في القسم الثاني حكم عقلي.

فعلم بعدم تعرض الامام - عليه السلام - له قولا و لا فعلا، إلا من باب تقرير

***** [243] *****

حكم العقل.

و المفروض عدم جريان حكم العقل في غير مورد العلة و هي وجود العلم الاجمالي.

و من ذلك: يعرف الكلام في دعوي الاولوية، فإن المناط في العمل بالقسم الاول إذا كان هو العمل الاجمالي، فكيف يتعدي إلي ما لا يوجد فيه المناط فضلا عن كونه أولي.

و كأن

متوهم الاجماع رأي أن أحدا من العلماء لم يفرق بين أفراد الخبر الحسن أو أفراد الشهرة و لم يعلم أن الوجه عندهم ثبوت الدليل عليهما مطلقا أو نفيه كذلك، لانهم أهل الظنون الخاصة، بل لو ادعي الاجماع - علي أن كل من عمل بجملة من الاخبار الحسان أو الشهرات لاجل العلم الاجمالي بمطابقة بعضها للواقع، لم يعمل بالباقي الخالي عن هذا العلم الاجمالي - كان في محله.

الثالث من طرق التعميم ما ذكره بعض مشايخنا، طاب ثراه، من قاعدة الاشتغال بناء علي أن الثابت من دليل الانسداد العمل بالظن في الجملة.

فإذا لم يكن قدر متيقن كاف في الفقه وجب العمل بكل ظن.

و منع جريان قاعدة الاشتغال هنا - لكون ما عدا واجب العمل من الظنون محرم العمل - فقد عرفت الجواب عنه في بعض أجوبة الدليل الاول من أدلة إعتبار الظن بالطريق.

و لكن فيه: أن قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعية.

كما إذا اقتضي الاحتياط في الفروع وجوب السورة و كان ظن مشكوك الاعتبار علي عدم وجوبها، فإنه يجب مراعاة قاعدة الاحتياط في الفروع و قراءة السورة لاحتمال وجوبها.

و لا ينافيه الاحتياط في المسألة الاصولية، لان الحكم الاصولي المعلوم بالاجمال - و هو وجوب العمل بالظن القائم علي عدم الوجوب - معناه وجوب العمل علي وجه ينطبق مع عدم الوجوب و يكفي فيه أنه يقع الفعل لا علي وجه الوجوب و لا تنافي بين الاحتياط بفعل السورة لاحتمال الوجوب و كونه لا علي وجه الوجوب الواقعي.

و توضيح ذلك: أن معني وجوب العمل بالظن وجوب تطبيق عمله عليه.

فإذا فرضنا أنه يدل علي عدم وجوب شئ، فليس معني وجوب العمل

به إلا أنه لا يتعين عليه ذلك الفعل.

فإذا إختار فعل ذلك فيجب أن يقع الفعل لا علي وجه الوجوب، كما لو لم يكن هذا الظن و كان غير واجب بمقتضي الاصل.

لا أنه يجب أن يقع علي وجه عدم الوجوب، إذ لا يعتبر في الافعال الغير الواجبة قصد عدم الوجوب.

نعم يجب التشرع و التدين بعدم الوجوب، سواء فعله أو

***** [244] *****

تركه من باب وجوب التدين بجميع ما علم من الشرع.

و حينئذ فإذا تردد الظن الواجب العمل المذكور بين ظنون تعلقت بعدم وجوب أمور، فمعني وجوب ملاحظة ذلك الظن المجمل المعلوم إجمالا وجوبه أن لا يكون فعله لهذه الامور علي وجه الوجوب.

كما لو لم يكن هذه الظنون و كان هذه الامور مباحة بحكم الاصل و لذا يستحب الاحتياط و إتيان الفعل، لاحتمال أنه واجب.

ثم إذا فرض العلم الاجمالي من الخارج بوجوب أحد هذه الاشياء علي وجه يجب الاحتياط و الجمع بين تلك الامور.

فيجب علي المكلف الالتزام بفعل كل واحد منها لاحتمال أن يكون هو الواجب.

و ما اقتضاه الظن القائم علي عدم وجوبه من وجوب أن يكون فعله لا علي وجه الوجوب باق بحاله.

لان الاحتياط في الجميع لا يقتضي إتيان كل منها بعنوان الوجوب الواقعي، بل بعنوان أنه محتمل الوجوب.

و الظن القائم علي عدم وجوبه لا يمنع من لزوم إتيانه علي الوجه.

كما أنه لو فرضنا ظنا معتبرا معلوما بالتفصيل، كظاهر الكتاب، دل علي عدم وجوب شئ لم يناف مؤداه لاستحباب الاتيان بهذا الشئ لاحتمال الوجوب، هذا.

و أما ما قرع سمعك - من تقديم قاعدة الاحتياط في المسألة الاصولية علي الاحتياط في المسألة الفرعية أو تعارضهما - فليس في مثل المقام.

بل مثال الاول منهما ما إذا كان العمل بالاحتياط

في المسألة الاصولية مزيل للشك الموجب للاحتياط في المسألة الفرعية.

كما إذا تردد الواجب بين القصر و الاتمام و دل علي أحدهما أمارة من الامارات التي يعلم إجمالا بوجوب العمل ببعضها، فإنه إذا قلنا بوجوب العمل بهذه الامارات يصير حجة معينة لاحدي الصلاتين.

إلا أن الاحتياط في المسألة الاصولية إنما يقتضي إتيانها لا نفي غيرها.

فالصلاة الاخري حكمها حكم السورة في عدم جواز إتيانها علي وجه الوجوب.

فلا تنافي وجوب إتيانها، لاحتمال الوجوب، فيصير نظير ما نحن فيه.

و أما الثاني و هو مورد المعارضة - فهو كما إذا علمنا إجمالا بحرمة شئ من بين أشياء و دلت علي وجوب كل منها أمارات نعلم إجمالا بحجية إحداهما، فإن مقتضي هذا وجوب الاتيان بالجميع و مقتضي ذلك ترك الجميع، فافهم.

و أما دعوي (أنه إذا ثبت وجوب العمل بكل ظن في مقابل غير الاحتياط من الاصول وجب العمل به في مقابل الاحتياط للاجماع المركب)، فقد عرفت شناعته.

فإن قلت: إذا عملنا في مقابل الاحتياط بكل ظن يقتضي التكليف و عملنا في مورد الاحتياط

***** [245] *****

بالاحتياط لزم العسر و الحرج، إذ يجمع حينئذ بين كل مظنون الوجوب و كل مشكوك الوجوب أو موهوم الوجوب مع كونه مطابقا للاحتياط اللازم.

فإذا فرض لزوم العسر من مراعاة الاحتياطين معا في الفقه تعين دفعه بعدم وجوب الاحتياط في مقابل الظن.

فإذا فرض هذا الظن مجملا لزم العمل بكل ظن مما يقتضي الظن بالتكليف إحتياطا.

و أما الظنون المخالفة للاحتياط اللازم فيعمل بها فرارا عن لزوم العسر.

قلت: دفع العسر يمكن بالعمل ببعضها، فما المعمم؟ فيرجع الامر إلي أن قاعدة الاشتغال لا ينفع و لا يثمر في الظنون المخالفة للاحتياط، لانك عرفت أنه لا يثبت وجوب التسري إليها فضلا عن التعميم فيها،

لان التسري إليها كان للزوم العسر، فافهم.

هذا كله علي تقدير تقرير مقدمات دليل الانسداد علي وجه يكشف عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة.

و قد عرفت أن التحقيق خلاف هذا التقرير و عرفت أيضا ما ينبغي سلوكه علي تقدير تماميته من وجوب إعتبار المتيقن حقيقة أو بالاضافة، ثم ملاحظة مظنون الاعتبار بالتفصيل الذي تقدم في آخر المعمم من المعممات الثلاثة.

و أما علي تقدير تقريرها علي وجه يوجب حكومة العقل - بوجوب الاطاعة الظنية و الفرار عن المخالفة الظنية و أنه يقبح من الشارع تعالي إرادة أزيد من ذلك - كما يقبح من المكلف الاكتفاء بما دون ذلك - فالتعميم و عدمه لا يتصور بالنسبة إلي الاسباب، لاستقلال العقل بعدم الفرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الظني بين الاسباب المحصلة له.

كما لا فرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الجزمي بين أسبابه.

و إنما يتصور من حيث مرتبة الظن و وجوب الاقتصار علي الظن القوي الذي يرتفع معه التحير عرفا.

بيان ذلك: أن الثابت من مقدمتي بقاء التكليف و عدم التمكن من العلم التفصيلي هو وجوب الامتثال الاجمالي بالاحتياط في إتيان كل ما يحتمل الوجوب و ترك كل ما يحتمل الحرمة.

لكن المقدمة الثالثة النافية للاحتياط إنما أبطلت وجوبه علي وجه الموجبة الكلية بأن يحتاط في كل واقعة قابلة للاحتياط او يرجع إلي الاصل كذلك و من المعلوم أن إبطال الموجبة الكلية لا يستلزم صدق السالبة الكلية.

و حينئذ فلا يثبت من ذلك إلا وجوب العمل بالظن علي خلاف الاحتياط و الاصول في الجملة.

ثم إن العقل حاكم بأن الظن القوي الاطميناني أقرب إلي العلم عند تعذره و أنه إذا لم يمكن القطع بإطاعة مراد الشارع و ترك ما يكرهه وجب

تحصيل ذلك بالظن الاقرب إلي العلم.

***** [246] *****

و حينئذ فكل واقعة تقتضي الاحتياط الخاص بنفس المسألة أو الاحتياط العام من جهة كونها إحدي المسائل التي يقطع بتحقق التكليف فيها إن قام علي خلاف مقتضي الاحتياط أمارة ظنية توجب الاطمينان بمطابقة الواقع، تركنا الاحتياط و أخذنا بها.

و كل واقعة ليست فيها أمارة كذلك نعمل فيها بالاحتياط، سواء لم يوجد أمارة أصلا كالوقائع المشكوكة أو كانت و لم تبلغ مرتبة الاطمينان.

و كل واقعة لم يمكن فيها الاحتياط تعين التخيير في الاول و العمل بالظن في الثاني و إن كان في غاية الضعف، لان الموافقه الظنية أولي من غيرها و المفروض عدم جريان البراءة و الاستصحاب، لانتقاضهما بالعلم الاجمالي.

فلم يبق من الاصول إلا التخيير و محله عدم رجحان أحد الاحتمالين و إلا فيؤخذ بالراجح.

و نتيجة هذا هو الاحتياط في المشكوكات و المظنونات بالظن الغير الاطميناني إن أمكن و إلا فبالاصول و العمل بالظن في الوقائع المظنونة بالظن الاطميناني.

فإذا علم المكلف قطع بأنه لم يترك القطع بالموافقة الغير الواجب علي المكلف من جهة العسر إلا إلي الموافقه الاطمينانية، فيكون مدار العمل علي العلم بالبراءة و الظن الاطميناني بها.

و أما مورد التخيير، فالعمل فيه علي الظن الموجود في المسألة و إن كان ضعيفا فهو خارج عن الكلام، لان العقل لا يحكم فيه بالاحتياط حتي يكون التنزل منه إلي شئ آخر، بل التخيير أو العمل بالظن الموجود تنزل من العلم التفصيلي إليهما بلا واسطة.

و إن شئت قلت: إن العمل في الفقه في مورد الانسداد علي الظن الاطميناني و مطلق الظن و التخيير، كل في مورد خاص و هذا هو الذي يحكم به العقل المستقل.

و قد سبق لذلك مثال في الخارج: و

هو ما إذا علمنا به وجود شياه محرمة في قطيع و كان أقسام القطيع بحسب إحتمال كونها مصداقا للمحرمات خمسة، قسم منها يظن كونها محرمة بالظن القوي الاطميناني، لا أن المحرم منحصر فيه و قسم منها يظن ذلك فيها بظن قريب من الشك و التحير و ثالث يشك في كونها محمرمة و قسم منها في مقابل الظن الاول و قسم منها موهوما في مقابل الظن الثاني. ثم فرضنا في المشكوكات.

و هذا القسم من الموهومات ما يحتمل أن يكون واجب الارتكاب.

و حينئذ فمقتضي الاحتياط وجوب إجتناب الجميع مما لا يحتمل الوجب.

فإذا إنتفي وجوب الاحتياط لاجل العسر و احتيج إلي إرتكاب موهوم الحرمة كان إرتكاب الموهوم في مقابل الظن الاطميناني أولي من الكل، فيبني علي العمل به و يتخير في المشكوك الذي يحتمل الوجوب و يعمل بمطلق الظن في المظنون منه.

***** [247] *****

لكنك خبير بأن هذا ليس من حجية مطلق الظن و لا الظن الاطميناني في شئ، لان معني حجيته أن يكون دليلا في الفقه، بحيث يرجع في موارد وجوده إليه لا إلي غيره و في موارد عدمه إلي مقتضي الاصل الذي يقتضيه.

و الظن هنا ليس كذلك، إذ العمل، إما في موارد وجوده، ففيما طابق منه الاحتياط فالعمل علي الاحتياط، لا عليه، إذ لم يدل علي ذلك مقدمات الانسداد و فيما خالف الاحتياط لا يعول عليه إلا بمقدار مخالفة الاحتياط لدفع العسر و إلا فلو فرض فيه جهة أخري لم يكن معتبرا من تلك الجهة.

كما لو دار الامر بين شرطية شئ و إباحته و إستحبابه فظن بإستحبابه، فإن لا يدل مقدمات دليل الانسداد إلا علي عدم وجوب الاحتياط في ذلك الشئ و الاخذ بالظن في عدم وجوبه،

لا في إثبات إستحبابه.

و أما في موارد عدمه و هو الشك، فلا يجوز العمل إلا بالاحتياط الكلي الحاصل من إحتمال كون الواقعة من موارد التكليف المعلومة إجمالا و إن كان لا يقتضيه نفس المسألة.

كما إذا شك في حرمة عصير التمر او وجوب الاستقبال بالمحتضر، بل العمل علي هذا الوجه تبعيض في الاحتياط و طرحه في بعض الموارد دفعا للحرج، ثم يعين العقل للطرح البعض الذي يكون وجود التكليف فيها إحتمالا ضعيفا في الغاية.

فإن قلت: إن العمل بالاحتياط في المشكوكات منضمة إلي المظنونات يوجب العسر فضلا عن إنضمام العمل به في الموهومات المقابلة للظن الغير القوي، فيثبت وجوب العمل بمطلق الظن و وجوب الرجوع في المشكوكات إلي مقتضي الاصل.

و هذا مساو في المعني لحجية الظن المطلق و إن كان حقيقة تبعيضا في الاحتياط الكلي، لكنه لا يقدح بعد عدم الفرق في العمل.

قلت: لا نسلم لزوم الحرج من مراعاة الاحتياط في المظنونات بالظن الغير القوي في نفي التكليف فضلا عن لزومه من الاحتياط في المشكوكات فقط بعد الموهومات و ذلك، لان حصول الظن الاطميناني في الاخبار و غيرها غير عزيز.

أما في غيرها، فلانه كثيرا ما يحصل الاطمينان من الشهرة و الاجماع و الاستقراء و الاولوية.

و أما الاخبار فلان الظن المبحوث عنه في هذا المقام هو الظن بصدور المتن، هو يحصل غالبا من خبر من يوثق بصدقه و لو في خصوص الرواية و إن لم يكن إماميا او ثقة علي الاطلاق، إذ ربما يتسامح في غير الروايات بما لا يتسامح فيها.

و أما إحتمال الارسال، فمخالف لظاهر كلام الراوي و هو داخل في ظواهر الالفاظ، فلا يعتبر

***** [248] *****

فيها إفادة الظن فضلا عن الاطميناني منه.

فلو فرض عدم حصول الظن

بالصدور لاجل عدم الظن بالاسناد، لم يقدح في إعتبار ذلك الخبر، لان الجهة التي يعتبر فيها إفادة الظن الاطيماني هو جهة صدق الراوي في إخباره عمن يروي عنه.

و أما أن إخباره بلا واسطة فهو ظهور لفظي لا بأس بعدم إفادته للظن.

فيكون صدور المتن غير مظنون أصلا، لان النتيجة تابعة لاخس المقدمتين.

و بالجملة، فدعوي (كثرة الظنون الاطمينانية في الاخبار و غيرها من الامارات بحيث لا يحتاج إلي ما دونها و لا يلزم من الرجوع في الموارد الخالية عنها إلي الاحتياط محذور و إن كان هناك ظنون لا تبلغ مرتبة الاطمينان)، قريبة جدا.

إلا أنه يحتاج إلي مزيد تتبع في الروايات و أحوال الرواة و فتاوي العلماء.

و كيف كان، فلا أري الظن الاطميناني الحاصل من الاخبار و غيرها من الامارات اقل عددا من الاخبار المصححة بعدلين، بل لعل هذا أكثر.

ثم إن الظن الاطميناني من أمارة أو أمارات إذا تعلقت بحجية أمارة ظنية كانت في حكم الاطمينان و إن لم تفده، بناء علي ما تقدم من عدم الفرق بين الظن بالحكم و الظن بالطريق، إلا أن يدعي مدع قلتها بالنسبة إلي نفسه، لعدم الاطمينان له غالبا من الامارات القوية و عدم ثبوت حجية أمارة بها أيضا.

و حينئذ فيتعين في حقه التعدي منه إلي مطلق الظن.

و أما العمل في المشكوكات بما يقتضيه الاصل في المورد، فلم يثبت، بل اللازم بقاؤه علي الاحتياط نظرا إلي كون المشكوكات من المحتملات التي يعلم إجمالا بتحقق التكليف فيها وجوبا و تحريما.

و لا عسر في الاحتياط فيها نظرا إلي قلة ألمشكوكات، لان أغلب المسائل يحصل فيها الظن باحد الطرفين، كما لا يخفي.

مع أن الفرق بين الاحتياط في جميعها و العمل بالاصول الجارية في خصوص مواردها

إنما يظهر في الاصول المخالفة للاحتياط.

و لا ريب أن العسر لا يحدث بالاحتياط فيها، خصوصا مع كون مقتضي الاحتياط في شبهه التحريم الترك و هو غير موجب للعسر.

و حينئذ فلا يثبت المدعي من حجية الظن و كونه دليلا بحيث يرجع في موارد عدمه إلي الاصل، بل يثبت عدم وجوب الاحتياط في المظنونات.

و الحاصل: أن العمل بالظن من باب الاحتياط لا يخرج المشكوكات عن حكم الاحتياط الكلي الثابت بمقتضي العلم الاجمالي في الوقائع.

نعم لو ثبت بحكم العقل أن الظن عند إنسداد باب العلم مرجعه في الاحكام الشرعية نفيا

***** [249] *****

و إثباتا، كالعلم، إنقلب التكليف إلي الظن و حكمنا بأن الشارع لا يريد إلا الامتثال الظني.

و حيث لا ظن كما في المشكوكات، فالمرجع إلي الاصول الموجودة في خصوصيات المقام.

فيكون كما لو إنفتح باب العلم أو الظن الخاص، فيصير لزوم العسر حكمة في عدم ملاحظة الشارع العلم الاجمالي في الامتثال بعد تعذر التفصيلي، لا علة حتي يدور الحكم مدارها.

و لكن الانصاف: أن المقدمات المذكورة لا تنتج هذه النتيجة، كما يظهر لمن راجعها و تأملها.

نعم لو ثبت أن الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر ثبتت النتيجة المذكورة، لكن عرفت فساد دعواه في الغاية.

كدعوي أن العلم الاجمالي المقتضي للاحتياط الكلي إنما هو في موارد الامارات دون المشكوكات، فلا مقتضي فيها للعدول عما يقتضيه الاصول الخاصة في مواردها، فإن هذه الدعوة يكذبها ثبوت العلم الاجمالي بالتكليف الالزامي قبل إستقصاء الامارات، بل قبل الاطلاع عليها و قد مر تضعيفه سابقا، فتأمل فيه، فإن إدعاء ذلك ليس كل البعيد.

ثم إن نظير هذا الاشكال الوارد في المشكوكات من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظن إلي الاصول العملية وارد فيها، من حيث الرجوع فيها بعد العمل

بالظن إلي الاصول اللفظية الجارية في ظواهر الكتاب و السنة المتواترة و الاخبار المتيقن كونها ظنونا خاصة.

توضيحه: أن مقدمات دليل الانسداد تقتضي إثبات عدم جواز العمل بأكثر تلك الظواهر، للعلم الاجمالي بمخالفة ظواهرها في كثير من الموارد، فتصير مجملة لا تصلح للاستدلال.

فإذا فرضنا رجوع الامر إلي ترك الاحتياط في المظنونات أو في المشكوكات أيضا و جواز العمل بالظن المخالف للاحتياط و بالاصل المخالف للاحتياط، فما الذي أخرج تلك الظواهر عن الاجمال حتي يصح بها الاستدلال في المشكوكات، إذ لم يثبت كون الظن مرجعا، كالعلم، بحيث يكفي في الرجوع إلي الظواهر عدم الظن بالمخالفة.

مثلا إذا أردنا التمسك ب (أوفوا بالعقود)، لاثبات صحة عقد إنعقدت أمارة، كالشهرة أو الاجماع المنقول، علي فساده.

قيل: لا يجوز التمسك بعمومه، للعلم الاجمالي بخروج كثير من العقود من هذا العموم لا نعلم تفصيلها.

ثم إذا ثبت وجوب العمل بالظن من جهة عدم إمكان الاحتياط في بعض الموارد و كون الاحتياط في جميع موارد إمكانه مستلزما للحرج، فإذا شك في صحة عقد لم يقم علي حكمه أمارة

***** [250] *****

ظنية، قيل: إن الواجب الرجوع إلي عموم الاية.

و لا يخفي أن إجمالها لا يرتفع بمجرد حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فيما ظن فيه بعدم التكليف.

و دفع هذا - كالاشكال السابق - منحصر في أن يكون نتيجة دليل الانسداد حجية الظن كالعلم، ليرتفع الاجمال في الظواهر، لقيامه في كثير من مواردها من جهة ارتفاع العلم الاجمالي، كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد، بحيث لا يبقي علم إجمالا في الباقي، أو يدعي أن العلم الاجمالي الحاصل في تلك الظواهر إنما هو بملاحظة موارد الامارات، فلا يقدح في المشكوكات، سواء ثبت حجية الظن أم لا.

و أنت خبير بأن

دعوي النتيجة علي الوجه المذكور يكذبها مقدمات دليل الانسداد.

و دعوي: (إختصاص المعلوم إجمالا من مخالفة الظواهر بموارد الامارات)، مضعفة بأن هذا العلم حاصل من دون ملاحظة الامارات و مواردها.

و قد تقدم أن المعيار في دخول طائفة من المحتملات في أطراف العلم الاجمالي لنراعي فيها حكمه و عدم دخولها هو تبديل طائفه من محتملات المعلوم لها دخل في العلم الاجمالي بهذه الطائفة المشكوك دخولها.

فإن حصل العلم الاجمالي كانت من أطراف العلم و إلا فلا.

و قد يدفع الاشكالان بدعوي قيام الاجماع بل الضرورة علي أن المرجع في المشكوكات إلي العمل بالاصول اللفظية إن كانت و إلا فإلي الاصول العملية.

و فيه: أن هذا الاجماع مع ملاحظة الاصول في أنفسها و أما مع طرو العلم الاجمالي بمخالفت ها في كثير من الموارد غاية الكثرة، فالاجماع، علي سقوط العمل بالاصول مطلقا، لا علي ثبوته.

ثم إن هذا العلم الاجمالي و إن كان حاصلا لكل أحد قبل تمييز الادلة عن غيرها، إلا أن من تعينت له الادلة و قام الدليل القطعي عنده علي بعض الظنون عمل بمؤداها و صار المعلوم بالاجمال عنده معلوما بالتفصيل.

كما إذا نصب أمارة طريقا لتعيين المحرمات في القطيع الذي علم بحرمة كثير من شياهها، فإنه يعمل بمقتضي الامارة، ثم يرجع في مورد فقدها إلي أصالة الحل، لان المعلوم إجمالا صار معلوما بالتفصيل.

و الحرام الزائد عليه غير معلوم التحقق في أول الامر.

و أما من لم يقم عنده الدليل علي أمارة، إلا أنه ثبت له عدم وجوب الاحتياط و العمل بالامارات، لا من حيث أنها أدلة، بل من حيث أنها مخالفة للاحتياط و ترك الاحتياط فيها موجب لاندفاع العسر، فلا دافع لذلك العلم الاجمالي لهذا الشخص بالنسبة إلي المشكوكات.

فعلم مما ذكرنا

أن مقدمات دليل الانسداد علي تقرير الحكومة و إن كانت تامة في الانتاج إلا

***** [251] *****

أن نتيجتها لا تفي بالمقصود من حجية الظن و جعله كالعلم أو كالظن الخاص.

و أما علي تقرير الكشف فالمستنتج منها و إن كان عين المقصود إلا أن الاشكال و النظر بل المنع في إستنتاج تلك النتيجة.

فإن كنت تقدر علي إثبات حجية قسم من الخبر لا يلزم من الاقتصار عليه محذور، كان احسن و إلا فلا تتعد علي تقرير الكشف عما ذكرناه من المسلك في آخره و علي تقدير الحكومة ما بينا هنا أيضا من الاقتصار في مقابل الاحتياط علي الظن الاطميناني بالحكم أو بطريقية أمارة دلت علي الحكم و إن لم تفد إطمينانا، بل و لا ظنا، بناء علي ما عرفت مسلكنا المتقدم من عدم الفرق بين الظن بالحكم و الظن بالطريق.

و أما في ما لا يمكن الاحتياط فالمتبع فيه - بناء علي ما تقدم في المقدمات من سقوط الاصول عن الاعتبار، للعلم الاجمالي بمخالفة الواقع فيها - هو مطلق الظن إن وجد و إلا فالتخيير.

و حاصل الامر عدم رفع اليد عن الاحتياط في الدين مهما أمكن إلا مع الاطمينان بخلافه.

و عليك بمراجعة ما قدمنا من الامارات علي حجية الاخبار، عساك تظفر فيها بأمارات توجب الاطمينان بوجوب العمل بخبر الثقة عرفا إذا أفاد الظن و إن لم يفد الاطمينان.

بل لعلك تظفر فيها بخبر مصحح بعدلين مطابق لعمل المشهور مفيد للاطمينان، يدل علي حجية المصحح بواحد عدل، نظرا إلي حجية قول الثقة المعدل في تعديله، فيصير بمنزلة المعدل بعدلين حتي يكون المصحح بعدل واحد متبعا، بناء علي دليل الانسداد بكلا تقريريه، لان المفروض حصول الاطمينان من الخبر القائم علي حجية قول

الثقة المعدل المستلزم لحجية المصحح بعدل واحد، بناء علي شمول دليل إعتبار خبر الثقة للتعديلات، فيقضي به تقرير الحكومة و كون مثله متيقن الاعتبار من بين الامارات فيقضي به تقرير الكشف.

المقام الثالث: تعميم الظن علي تقرير الكشف أو علي تقرير الحكومة

المقام الثالث: تعميم الظن علي تقرير الكشف أو علي تقرير الحكومة

في أنه إذا بني علي تعميم الظن، فإن كان التعميم علي تقرير الكشف، بأن يكون مقدمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة ثم تعميمه بإحدي المعممات المتقدمة، فلا إشكال من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم، لعدم جريان المعمم فيه بعد وجود الدليل علي حرمة العمل به، فيكون التعميم بالنسبة إلي ما عداه، كما لا يخفي علي من راجع المعممات المتقدمة.

و أما علي تقرير الحكومة، بأن يكون مقدمات الدليل موجبة لحكومة العقل بقبح إرادة الشارع ما عدا الظن و قبح إكتفاء المكلف علي ما دونه، فيشكل توجيه خروج القياس و كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للاطاعة و المعصية و يقبح عن الآمر و المأمور التعدي عنه.

و مع ذلك يحصل الظن او خصوص الاطمينان من القايس و لا يجوز الشارع العمل به.

فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمينان لو فرض ممكنا جري في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا، إذ لعله نهي عن امارة، مثل ما نهي عن القياس بل و أزيد و اختفي علينا.

و لا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك علي الشارع، إذ إحتمال صدور الممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه.

و هذا من أفراد ما إشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبح التخصيص و منشأة لزوم التناقض.

و لا يندفع إلا بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجا عن الموضوع

و هو التخصص.

و عدم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية إنما هو لكون العموم صوريا، فلا يلزم إلا التناقض الصوري.

***** [253] *****

ثم إن الاشكال هنا في مقامين:

أحدهما في خروج مثل القياس و أمثاله مما نقطع بعدم إعتباره.

الثاني في حكم الظن الذي قام علي عدم إعتباره ظن آخر، حيث أن الظن المانع و الممنوع متساويان في الدخول تحت دليل الانسداد و لا يجوز العمل بهما، فهل يطرحان أو يرجح المانع أو الممنوع منه أو يرجع إلي الترجيح؟ وجوه بل أقوال.

أما المقام الاول [وهو خروج القياس و أمثاله مما نقطع بعدم إعتباره]

فقد قيل في توجيهه أمور:

الاول:

ما مال إليه أو قال به بعض، من منع حرمة العمل بالقياس في أمثال زماننا.

و توجيهه، بتوضيح منا، أن الدليل علي الحرمة إن كان هي الاخبار المتواترة معني في الحرمة، فلا ريب أن بعض تلك الاخبار في مقابلة معاصري الائمة، صلوات الله عليهم، من العامة التاركين للثقلين، حيث تركوا الثقل الاصغر الذي عنده علم الثقل الاكبر و رجعوا إلي إجتهاداتهم و آرائهم، فقاسوا و استحسنوا و ضلوا و أضلوا.

و إليهم أشار النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، في بيان من يأتي من بعده من الاقوام.

فقال: (برهة يعملون بالقياس).

و الامير، صلوات الله عليه، بما معناه: (إن قوما تفلتت عنهم الاحاديث أن يحفظوها و أعوزتهم النصوص أن يعوها فتمسكوا بآرائهم)، إلي آخر الرواية.

و بعض منها إنما يدل علي الحرمة من حيث أنه ظن لا يغني من الحق شيئا.

***** [254] *****

و بعض منها يدل علي الحرمة من حيث إستلزامه لابطال الدين و محق السنة، لاستلزامه الوقوع غالبا في خلاف الواقع.

و بعض منها يدل علي الحرمة و وجوب التوقف إذا لم يوجد ما عداه و

لازمه الاختصاص بصورة التمكن من إزالة التوقف، لاجل العمل بالرجوع إلي أئمة الهدي، عليهم السلام ، أو بصورة ما إذا كانت المسألة من غير العمليات أو نحو ذلك.

و لا يخفي أن شيئا من الاخبار الواردة علي أحد هذه الوجوه المتقدمة، لا يدل علي حرمة العمل بالقياس الكاشف عن صدور الحكم عموما أو خصوصا عن النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أو أحد أمنائه، صلوات الله عليهم أجمعين، مع عدم التمكن من تحصيل العلم به و لا الطريق الشرعي و دوران الامر بين العمل بما يظن أنه صدر منهم عليهم السلام و العمل بما يظن أن خلافه صدر منهم عليهم السلام ، كمقتضي الاصول المخالفة للقياس في موارده أو الامارات المعارضة له و ما ذكرنا واضح علي من راعي الانصاف و جانب الاعتساف.

و إن كان الدليل هو الاجماع بل الضرورة عند علماء المذهب، كما ادعي، فنقول: إنه كذلك، إلا أن دعوي الاجماع علي الحرمة في كل زمان ممنوعة.

ألا تري أنه لو فرض - و العياذ بالله - إنسداد باب الظن من الطرق السمعية لعامة المكلفين أو لمكلف واحد بإعتبار ما سنح له من البعد عن بلاد الاسلام، فهل تقول: إنه يحرم عليه العمل بما يظن بواسطة القياس أنه الحكم الشرعي المتداول بين المتشرعة و أنه مخير بين العمل به و العمل بما يقابله من الاحتمال الموهوم، ثم تدعي الضرورة علي ما ادعيته من الحرمة، حاشاك.

و دعوي: (الفرق بين زماننا هذا و زمان إنطماس جميع الامارات السمعية) ممنوعة، لان المفروض أن الامارات السمعية الموجودة بأيدينا لم يثبت كونها متقدمة في نظر الشارع علي القياس، لان تقدمها علي القياس إن كان لخصوصية فيها، فالمفروض بعد إنسداد

باب الظن الخاص عدم ثبوت خصوصية فيها و احتمالها بل ظنها لا يجدي، بل نفرض الكلام فيما إذا قطعنا بأن الشارع لم ينصب تلك الامارات بالخصوص و إن كان لخصوصية في القياس أوجبت كونه دونها في المرتبة، فليس الكلام إلا في ذلك.

و كيف كان، فدعوي الاجماع و الضرورة في ذلك في الجملة مسلمة و أما كليته فلا و هذه الدعوي ليست بأولي من دعوي السيد ضرورة المذهب علي حرمة العمل باخبار الآحاد.

لكن الانصاف: أن إطلاق بعض الاخبار و جميع معاقد الاجماعات يوجب الظن المتاخم

***** [255] *****

للعلم، بل العلم بأنه ليس مما يركن إليه في الدين مع وجود الامارات السمعية.

فهو حينئذ مما قام الدليل علي عدم حجيته، بل العمل بالقياس المفيد للظن في مقابل الخبر الصحيح، كما هو لازم القول بدخول القياس في مطلق الظن المحكوم بحجيته، ضروري البطلن في المذهب.

الثاني: منع إفادة القياس للظن، خصوصا بعد ملاحظة أن الشارع جمع في الحكم بين ما يتراء ي متخالفة و فرق بين ما يتخيل متوالفة.

و كفاك في هذا عموم ما ورد من: (أن دين الله لا يصاب بالعقول و أن السنة إذا قيست محق الدين و أنه لا شئ أبعد عن عقول الرجال من دين الله) و غيرها، مما دل علي غلبة مخالفة الواقع في العمل بالقياس و خصوص رواية أبان بن تغلب الواردة في دية أصابع الرجل و المرأة الاتية.

و فيه: أن منع حصول الظن من القياس في بعض الاحيان مكابرة مع الوجدان.

و أما كثرة تفريق الشارع بين المؤتلفات و تأليفه بين المختلفات، فلا يؤثر في منع الظن، لان هذه الموارد بالنسبة إلي موارد الجمع بين المؤتلفات أقل قليل.

نعم الانصاف أن ما ذكر من الاخبار في

منع العمل بالقياس موهن قوي يوجب غالبا إرتفاع الظن الحاصل منه في بادي النظر.

و أما منعه عن ذلك دائما فلا، كيف؟ و قد يحصل من القياس القطع و هو المسمي عندهم بتنقيح المناط القطعي.

و أيضا فالاولوية الاعتبارية من أقسام القياس و من المعلوم إفادتها للظن، لا ريب أن منشأ الظن فيها هو إستنباط المناط ظنا و أما آكديته في الفرع فلا مدخل له في حصول الظن.

الثالث: أن باب العلم في مورد القياس و مثله مفتوح، للعلم بأن الشارع أرجعنا في هذه الموارد إلي الاصول اللفظية أو العملية، فلا يقضتي دليل الانسداد إعتبار ظن القياس في موارده.

و فيه: أن هذا العلم إنما حصل من جهة النهي عن القياس.

و لا كلام في وجوب الامتناع عنه بعد منع الشارع، إنما الكلام في توجيه صحة منع الشارع عن العمل به، مع أن موارده و موارد سائر الامارات متساوية.

فإن أمكن منع الشارع عن العمل بالقياس أمكن ذلك في أمارة أخري، فلا يستقل العقل بوجوب العمل بالظن و قبح الاكتفاء بغيره من المكلف.

و قد تقدم أنه لولا ثبوت القبح في التكليف بالخلاف لم يستقل العقل بتعين العمل بالظن، إذ لا مانع عقلا عن وقوع الفعل الممكن ذاتا من الحكيم إلا قبحه.

و الحاصل: ان الانفتاح المدعي إن كان مع قطع النظر عن منع الشارع فهو خلاف المفروض.

***** [256] *****

و إن كان بملاحظة منع الشارع، فالاشكال. في صحة المنع و مجامعته مع إستقلال العقل بوجوب العمل بالظن.

فالكلام هنا في توجيه المنع، لا في تحققه.

الرابع: أن مقدمات دليل الانسداد، أعني إنسداد باب العلم مع العلم ببقاء التكليف، إنما توجب جواز العمل بما يفيد الظن في نفسه و مع قطع النظر عما يفيد ظنا أقوي.

و

بالجملة هي تدل علي حجية الادلة الظنية دون مطلق الظن النفس الامري.

و الاول أمر قابل للاستثناء، إذ يصح أن يقال: (إنه يجوز العمل بكل ما يفيد الظن بنفسه و يدل علي مراد الشارع ظنا إلا الدليل الفلاني و بعد إخراج ما خرج عن ذلك يكون باقي الادلة المفيدة للظن حجة معتبرة.

فإذا تعارضت تلك الادلة لزم الاخذ بما هو الاقوي و ترك ما هو الاضعف، فالمعتبر حينئذ هو الظن بالواقع و يكون مفاد الاقوي حنيئذ ظنا و الاضعف و هما، فيؤخذ بالظن و يترك غيره)، إنتهي.

أقول: كأن غرضه، بعد فرض جعل الاصول من باب الظن و عدم وجوب العمل بالاحتياط، أن انسداد باب العلم في الوقائع مع بقاء التكليف فيها يوجب عقلاالرجوع إلي طائفة من الامارات الظنية.

و هذه القضية يمكن أن تكون مهملة و يكون القياس خارجا عن حكمها، لا أن العقل يحكم بعمومها و يخرج الشارع القياس، لان هذا عين ما فر منه من الاشكال.

فإذا علم بخروج القياس عن هذا الحكم، فلا بد من إعمال الباقي في مواردها.

فإذا وجد في مورد أصل و أمارة - و المفروض أن الاصل لا يفيد الظن في مقابل الامارة - وجب الاخذ بها.

و إذا فرض خلو المورد عن الامارة أخذ بالاصل، لانه يوجب الظن بمقتضاه.

و بهذا التقرير يجوز منع الشارع عن القياس.

بخلاف ما لو قررنا دليل الانسداد علي وجه يقتضي الرجوع في كل مسألة إلي الظن الموجود فيها.

فإن هذه القضية لا تقبل الاهمال و لا التخصيص، إذ ليس في كل مسألة إلا ظن واحد.

و هذا معني قوله في مقام آخر: (إن القياس مستثني من الادلة الظنية، لا أن الظن القياسي مستثني من مطلق الظن).

و المراد بالاستثناء هنا إخراج ما

لولاه لكان قابلا للدخول، لا داخلا بالفعل و إلا لم يصح بالنسبة إلي المهملة.

هذا غاية ما يخطر بالبال في كشف مراده.

و فيه: أن نتيجة المقدمات المذكورة لا تتغير بتقريرها علي وجه دون وجه، فإن مرجع ما ذكر من

***** [257] *****

الحكم بوجوب الرجوع إلي الامارات الظنية في الجملة إلي العمل بالظن في الجملة، إذ ليس لذات الامارة مدخلية في الحجية في لحاظ العقل و المناط هو وصف الظن، سواء اعتبر مطلقا أو علي وجه الاهمال.

و قد تقدم:

أن النتيجة علي تقدير الحكومة ليست مهملة، بل هي معينة للظن الاطميناني مع الكفاية و مع عدمها فمطلق الظن و علي كلا التقديرين لا وجه لاخراج القياس و أما علي تقرير الكشف فهي مهملة لا يشكل معها خروج القياس.

إذ الاشكال مبني علي عدم الاهمال و عموم النتيجة، كما عرفت.

الخامس: أن دليل الانسداد إنما يثبت حجية الظن الذي لم يقم علي عدم حجيته دليل. فخروج القياس علي وجه التخصص دون التخصيص.

توضيح ذلك: أن العقل إنما يحكم بإعتبار الظن عدم الاعتناء بالاحتمال الموهوم في مقام الامتثال، لان البراءة الظنية تقوم مقام العلمية.

أما إذا حصل بواسطة منع الشارع القطع بعدم البراءة بالعمل بالقياس، فلا يبقي براءة ظنية حتي يحكم العقل بوجوبها.

و استوضح ذلك من حكم العقل بحرمة العلم بالظن و طرح الاحتمال الموهوم عند إنفتاح باب العلم في المسألة، كما تقدم نظيره في تقرير اصالة حرمة العمل بالظن.

فإذا فرض قيام الدليل من الشارع علي إعتبار ظن و وجوب العمل به، فإن هذا لا يكون تخصيصا في حكم العقل بحرمة العمل بالظن، لان حرمة العمل بالظن مع التمكن إنما هو لقبح الاكتفاء بما دون الامتثال العلمي مع التمكن من العلمي.

فإذا فرض الدليل علي إعتبار

ظن و وجوب العمل به صار الامتثال في العمل بمؤداه علميا، فلا يشمله حكم العقل بقبح الاكتفاء بما دون الامتثال العلمي، فما نحن فيه علي العكس من ذلك.

و فيه: أنك قد عرفت عند التكلم في مذهب إبن قبة أن التعبد بالظن من التمكن من العلم علي وجهين:

أحدهما: علي وجه الطريقية بحيث لا يلاحظ الشارع في أمره عدا كون الظن إنكشافا ظنيا للواقع بحيث لا يترتب علي العمل به عدا مصلحة الواقع علي تقدير المطابقة.

و الثاني: علي وجه يكون في سلوكه مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع الفائتة علي تقدير مخالفة الظن الواقع.

و قد عرفت أن الامر بالعمل بالظن مع التمكن من العلم علي الوجه الاول قبيح جدا، لانه مخالف لحكم العقل بعدم الاكتفاء في الوصول إلي الواقع بسلوك طريق ظني يحتمل الافضاء إلي

***** [258] *****

خلاف الواقع. نعم إنما يصح التعبد علي الوجه الثاني.

فنقول: إن الامر فيما نحن فيه كذلك، فإنه بعدما حكم العقل بإنحصار الامتثال عند فقد العلم في سلوك الطريق الظني.

فنهي الشارع عن العمل ببعض الظنون إن كان علي وجه الطريقية، بأن نهي عند فقد العلم عن سلوك هذا الطريق من حيث أنه ظن يحتمل فيه الخطأ، فهو قبيح، لانه معرض لفوات الواقع فينتقض به الغرض.

كما كان يلزم ذلك من المر بسلوكه علي وجه الطريقية عند التمكن من العلم، لان حال الظن عند الانسداد من حيث الطريقية حال العلم مع الانفتاح لا يجوز النهي عنه من هذه الحيثية في الاول، كما لا يجوز الامر به في الثاني.

فالنهي عنه و إن كان مخرجا للعمل به عن ظن البراءة إلي القطع بعدمها إلا أن الكلام في جواز هذا النهي، لما عرفت من أنه قبيح.

و إن كان علي

وجه يكشف النهي عن وجود مفسدة في العمل بهذا الظن يغلب علي مفسدة مخالفة الواقع اللازمة عند طرحه، فهذا و إن كان جائز حسنا، نظير الامر به علي هذا الوجه مع الانفتاح، فهذا يرجع إلي ما سنذكره.

السادس: و هو الذي إخترناه سابقا.

و حاصله: أن النهي يكشف عن وجود مفسدة غالبة علي المصلحة الواقعية المدركة علي تقدير العمل به.

فالنهي عن الظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بوجوب العمل بالظن مع الانسداد، نظير الامر بالظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانفتاح.

فإن قلت: إذا بني علي ذلك، فكل ظن من الظنون يحتمل أن يكون في العمل به مفسدة كذلك قلت: نعم و لكن إحتمال المفسدة لا يقدح في حكم العقل بوجوب سلوك طريق يظن معه بالبراءة عند الانسداد.

كما أن إحتمال وجود المصلحة المتداركة لمصلحة الواقع في ظن لا يقدح في حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانفتاح و قد تقدم، في آخر مقدمات الانسداد، أن العقل مستقل بوجوب العمل بالظن مع إنسداد باب العلم.

و لا إعتبار بإحتمال كون شئ آخر هو المتعبد به غير الظن، إذ لا يحصل من العمل بذلك المحتمل سوي الشك في البراءة أو توهمها و لا يجوز العدول عن البراءة الظنية إليهما.

و هذا الوجه و إن كان حسنا و قد إخترناه سابقا، إلا أن ظاهر أكثر الاخبار الناهية عن القياس أنه لا مفسدة فيه إلا الوقوع في خلاف الواقع و إن كان بعضها ساكتا عن ذلك و بعضها ظاهرا في

***** [259] *****

ثبوت المفسدة الذاتية، إلا أن دلالة الاكثر أظهر. فهي الحاكمة علي غيرها، كما يظهر لمن راجع الجميع.

فالنهي راجع إلي سلوكه من باب الطريقية و قد عرفت الاشكال في النهي

علي هذا الوجه.

إلا أن يقال: إن النواهي اللفظية عن العمل بالقياس من حيث الطريقية لا بد من حملها في مقابل العقل المستقل علي صورة إنفتاح باب العلم بالرجوع إلي الائمة عليهم السلام.

و الادلة القطعية منها كالاجماع المنعقد علي حرمة العمل به حتي مع الانسداد لا وجه له غير المفسدة الذاتية.

كما أنه إذا قام دليل علي حجية الظن مع التمكن من العلم، نحمله علي وجود المصلحة المتداركة لمخالفة الواقع، لان حمله علي العمل من حيث الطريقية مخالف لحكم العقل بقبح الاكتفاء بغير العلم مع تيسره.

الوجه السابع: هو أن خصوصية القياس من بين سائر الامارات هي غلبة مخالفت ها للواقع.

كما يشهد به قوله عليه السلام : (إن السنة إذا قيست محق الدين) و قوله: (كان ما يفسده أكثر مما يصلحه) و قوله: (ليس شئ أبعد عن عقول الرجال من دين الله) و غير ذلك.

و هذا المعني لما خفي علي العقل الحاكم بوجوب سلوك الطرق الظنية عند فقد العلم، فهو إنما يحكم بها لادراك أكثر الواقعيات المجهولة بها.

فإذا كشف الشارع عن حال القياس و تبين عند العقل حال القياس فيحكم حكما إجماليا بعدم جواز الركون إليه.

نعم إذا حصل الظن منه في خصوص مورد، لا يحكم بترجيح غيره عليه في مقام البراءة عن الواقع، لكن يصح للشارع المنع عنه تعبدا بحيث يظهر منه: أني ما أريد الواقعيات التي تضمنها، فإن الظن ليس كالعلم في عدم جواز تكليف الشخص بتركه و الاخذ بغيره و حينئذ فالمحسن لنهي الشارع عن سلوكه علي وجه الطريقية كونه في علم الشارع مؤديا في الغالب إلي مخالفة الواقع.

و الحاصل: أن قبح النهي عن العمل بالقياس علي وجه الطريقية إما أن يكون لغلبة الوقوع في خلاف الواقع

مع طرحه فينا في الغرض و أما أن يكون لاجل قبح ذلك في نظر الظان، حيث أن مقتضي القياس أقرب في نظره إلي الواقع، فالنهي عنه نقض لغرضه في نظر الظان.

أما الوجه الاول، فهو مفقود في المقام، لان المفروض غلبة مخالفته للواقع.

و أما الوجه الثاني، فهو غير قبيح بعد إمكان حمل الظان النهي في ذلك المورد الشخصي علي عدم إرادة الواقع منه في هذه المسألة و لو لاجل إطراد الحكم.

ألا تري أنه يصح أن يقول الشارع للوسواسي القاطع بنجاسة ثوبه: (ما أريد منك الصلاة بطهارة الثوب) و إن كان ثوبه في الواقع نجسا، حسما لمادة وسواسه.

***** [260] *****

و نظيره: أن الوالد إذا أقام ولده الصغير في دكانه في مكانه و علم منه أنه يبيع أجناسه بحسب ظنونه القاصرة، صح له منعه عن العمل بظنه.

و يكون منعه في الواقع لاجل عدم الخسارة في البيع و يكون هذا النهي في نظر الصبي به وجود النفع في المعاملة الشخصية إقداما منه و رضي بالخسارة و ترك العمل بما يظنه نفعا، لئلا يقع في الخسارة في مقامات أخر، فإن حصول الظن الشخصي بالنفع تفصيلا في بعض الموارد لا ينافي علمه بأن العمل بالظن القياسي منه و من غيره في هذا المورد و في غيره يوجب الوقوع غالبا في مخالفة الواقع.

و لذا علمنا ذلك من الاخبار المتواترة معني مع حصول الظن الشخصي في الموارد منه، إلا أنه كل مورد حصل الظن، نقول بحسب ظننا إنه ليس من موارد التخلف.

فنحمل عموم نهي الشارع الشامل لهذا المورد علي رفع الشارع يده عن الواقع و إغماضه عن الواقع في موارد مطابقة القياس، لئلا يقع في مفسدة تخلفه عن الواقع في أكثر الموارد.

هذا جملة

ما حضرني من نفسي و من غيري في دفع الاشكال و عليك بالتأمل في هذا المجال و الله العالم بحقيقة الحال.

***** [261] *****

المقام الثاني: فيما إذا قام ظن من أفراد مطلق الظن علي حرمة العمل ببعضها بالخصوص

لا علي عدم الدليل علي إعتباره فيخرج مثل الشرة القائمة علي عدم حجية الشهرة، لان مرجعها إلي إنعقاد الشهرة علي عدم الدليل علي حجية الشهرة و بقائها تحت الاصل.

و في وجوب العمل بالظن الممنوع أو المانع أو الاقوي منهما أو التساقط وجوه بل أقوال.

ذهب بعض مشايخنا إلي الاول، بناء علي ما عرفت سابقا، من بناء غير واحد منهم علي أن دليل الانسداد لا يثبت إعتبار الظن في المسائل الاصولية التي منها مسالة حجية الممنوع.

و لازم بعض المعاصرين الثاني، بناء علي ما عرفت منه، من أن اللازم بعد الانسداد تحصيل الظن الطريقي، فلا عبرة بالظن بالواقع ما لم يقم علي إعتباره ظن.

و قد عرفت ضعف كلا البنائين و أن نتيجة مقدمات الانسداد هو الظن بسقوط التكاليف الواقعية في نظر الشارع الحاصل بموافقة نفس الواقع و بموافقة طريق رضي الشارع به عن الواقع.

نعم بعض من وافقنا، واقعا أو تنزلا، في عدم الفرق في النتيجة بين الظن بالواقع و الظن بالطريق، إختار في المقام وجوب طرح الظن الممنوع نظرا إلي أن مفاد دليل الانسداد، كما عرفت في الوجه الخامس من وجوه دفع إشكال خروج القياس، هو إعتبار كل ظن لم يقم علي عدم إعتباره دليل معتبر.

و الظن الممنوع مما قام علي عدم إعتباره دليل معتبر و هو الظن المانع، فإنه معتبر حيث لم يقم دليل علي المنع منه، لان الظن الممنوع لم يدل علي حرمة الاخذ بالظن المانع.

غاية الامر أن الاخذ به

مناف للاخذ بالمانع، لا أنه يدل علي وجوب طرحه، بخلاف الظن المانع، فإنه يدل علي وجوب طرح الظن الممنوع.

فخروج الممنوع من باب التخصص لا التخصيص، فلا يقال: إن دخول أحد المتنافيين تحت

***** [262] *****

العام لا يصلح دليلا لخروج الآخر مع تساويهما في قابلية الدخول من حيث الفردية.

و نظير ما نحن فيه: ما تقرر في الاستصحاب، من أن مثل إستصحاب طهارة الماء المغسول به الثوب النجس دليل حاكم علي إستصحاب نجاسة الثوب و إن كان كل من طهارة الماء و نجاسة الثوب، مع قطع النظر عن حكم الشارع بالاستصحاب متيقنة في السابق مشكوكة في اللاحق و حكم الشارع بإبقاء كل متيقن في السابق مشكوك في اللاحق متساويا بالنسبة إليهما.

إلا أنه لما كان دخول يقين الطهارة في عموم الحكم بعدم النقض و الحكم عليه بالبقاء يكون دليلا علي زوال نجاسة الثوب المتيقنة سابقا، فيخرج عن المشكوك لاحقا، بخلاف دخول يقين النجاسة و الحكم عليها بالبقاء، فإنه لا يصلح للدلالة علي طرو النجاسة للماء المغسول به قبل الغسل و إن كان منافيا لبقائه علي الطهارة.

و فيه: أولا، أنه لا يتم فيما إذا كان الظن المانع و الممنوع من جنس أمارة واحدة.

كأن يقوم الشهرة مثلا علي عدم حجية الشهرة، فإن العمل ببعض أفراد الامارة و هي الشهرة في المسألة الاصولية دون البعض الاخر و هي الشهرة في المسأله الفرعية، كما تري.

و ثانيا، أن الظن المانع إنما يكون علي فرض إعتباره دليلا علي عدم إعتبار الممنوع، لان الامتثال بالممنوع حيئنذ مقطوع العدم. كما تقرر في توضيح الوجه الخامس من وجوه دفع إشكال خروج القياس و هذا المعني موجود في الظن الممنوع.

مثلا، إذا فرض صيرورة الاولوية مقطوعة الاعتبار بمقتضي دخولها تحت

دليل الانسداد لم يعقل بقاء الشهرة المانعة عنها علي إفادة الظن بالمنع.

و دعوي: (أن بقاء الظن من الشهرة بعدم إعتبار الاولوية دليل علي عدم حصول القطع من دليل الانسداد بحجية الاولوية و إلا لارتفع بعدم حجيتها.

فكيشف ذلك عن دخول الظن المانع تحت دليل الانسداد)، معارضة بأنا لا نجد من أنفسنا القطع بعدم تحقق الامتثال بسلوك الطريق الممنوع، فلو كان الظن المانع داخلا لحصل القطع بذلك.

و حل ذلك: أن الظن بعدم إعتبار الممنوع إنما هو مع قطع النظر عن ملاحظة دليل الانسداد و لا نسلم بقاء الظن بعد ملاحظته.

ثم إن الدليل العقلي يفيد القطع بثبوت الحكم بالنسبة إلي جميع أفراد موضوعه.

فإذا تنافي دخول فردين فإما أن يكشف عن فساد ذلك الدليل و إما أن يجب طرحهما، لعدم حصول القطع من ذلك الدليل العقلي بشئ منهما و إما أن يحصل القطع بدخول أحدهما فيقطع بخروج الاخر، فلا معني للترديد بينهما و حكومة أحدهما علي الاخر.

***** [263] *****

فما مثلنا به المقام، من إستصحاب طهارة الماء و إستصحاب نجاسة الثوب، مما لا وجه له، لان مرجع تقديم الاستصحاب الاول إلي تقديم التخصص علي التخصيص و يكون أحدهما دليلا رافعا لليقين السابق، بخلاف الاخر.

فالعمل بالاول تخصص و بالثاني تخصيص.

و مرجعه - كما تقرر في مسألة تعارض الاستصحابين - إلي وجوب العمل بالعام تعبدا إلي أن يحصل الدليل علي التخصيص.

إلا أن يقال: إن القطع بحجية المانع عين القطع بعدم حجية الممنوع، لان معني حجية كل شئ وجوب الاخذ بمؤداه.

لكن القطع بحجية الممنوع التي هي نقيض مؤدي المانع مستلزم للقطع بعدم حجية المانع.

فدخول المانع لا يستلزم خروج الممنوع و إنما هو عين خروجه، فلا ترجيح و لا تخصيص.

بخلاف دخول الممنوع، فإن يستلزم

خروج المانع، فيصير ترجيحا من غير مرجح، فافهم.

و الاولي أن يقال: إن الظن بعدم حجية الامارة الممنوعة لا يجوز كما عرفت سابقا في (الوجه السادس) - ان يكون من باب الطريقية، بل لا بد أن يكون من جهة إشتمال الظن الممنوع علي مفسدة غالبة علي مصلحة إدراك الواقع.

و حينئذ فإذا ظن بعدم إعتبار فقد الظن بإدراك الواقع، لكن مع الظن بترتب مفسدة غالبة، فيدور الامر بين المصلحة المظنونة و المفسدة المظنونة، فلا بد من الرجوع إلي الاقوي.

فإذا ظن بالشهرة نهي الشارع عن العمل بالاولوية، فيلاحظ مرتبة هذا الظن.

فكل أولوية في المسألة كان أقوي مرتبة من ذلك الظن الحاصل من الشهرة أخذ به و كل أولوية كان أضعف منه وجب طرحه.

و إذا لم يتحقق الترجيح بالقوة حكم بالتساقط، لعدم إستقلال العقل بشئ منهما حنيئذ.

هذا إذا لم يكن العمل بالظن المانع سليما عن محذور ترك العمل بالظن الممنوع.

كما إذا خالف الظن الممنوع الاحتياط اللازم في المسألة و إلا تعين العمل به لعدم التعارض.

الامر الثالث: لا فرق بين الظن من أمارة علي حكم وأم

الامر الثالث: لا فرق بين الظن من أمارة علي حكم و أمارة متعلقة بألفاظ الدليل

أنه لا فرق في نتيجة مقدمات دليل الانسداد بين الظن الحاصل أولا من الامارة بالحكم الفرعي الكلي كالشهرة أو نقل الاجماع علي حكم و بين الحاصل به من أمارة متعلقة بألفاظ الدليل.

كأن يحصل الظن، من قوله تعالي: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً)، بجواز التيمم بالحجر مع وجود التراب الخالص، بسبب قول جماعة من أهل اللغة: (إن الصعيد هو مطلق وجه الارض).

ثم إن الظن المتعلق بالالفاظ علي قسمين ذكرناهما في بحث حجية الظواهر.

أحدهما: ما يتعلق بتشخيص الظواهر، مثل الظن من الشهرة بثبوت الحقائق الشرعية و بأن الامر ظاهر في الوجوب لاجل الوضع و أن

الامر عقيب الحظر ظاهر في الاباحة الخاصة أو في مجرد رفع الحظر و هكذا.

و الثاني: ما يتعلق بتشخيص إرادة الظواهر و عدمها، كأن يحصل ظن بإرادة المعني المجازي أو أحد معاني المشترك لاجل تفسير الراوي مثلا أو من جهة كون مذهبه مخالفا لظاهر الرواية.

و حاصل القسمين الظنون غير الخاصة المتعلقة بتشخيص الظواهر أو المرادات و الظاهر حجيتها عند كل من قال بحجية مطلق الظن لاجل الانسداد.

و لا يحتاج إثبات ذلك إلي إعمال دليل الانسداد في نفس المظنون المتعلقة بالافاظ، بأن يقال: إن العلم فيها قليل.

فلو بني الامر علي إجراء الاصل لزم كذا و كذا، بل لو إنفتح باب العلم في جميع الالفاظ إلا في مورد واحد وجب العمل بالظن الحاصل بالحكم الفرعي عن تلك الامارة المتعلقة بمعاني الالفاظ عند إنسداد باب العلم في الاحكام.

و هل يعمل بذلك الظن في سائر الثمرات المترتبة علي تعيين معني اللفظ في غير مقام تعيين الحكم الشرعي الكلي، كالوصايا و الاقارير و النذرو؟ فيه إشكال.

و الاقوي العدم، لان مرجع

***** [265] *****

العمل بالظن فيها إلي العمل بالظن في الموضوعات الخارجية المترتبة عليها الاحكام الجزئية الغير المحتاجة إلي بيان الشارع حتي يدخل فيما إنسد فيه باب العلم.

و سيجئ عدم إعتبار الظن فيها.

نعم من جعل الظنون المتعلقة بالالفاظ من الظنون الخاصة مطلقا لزمه الاعتبار في الاحكام و الموضوعات و قد مر تضعيف هذا القول عند الكلام في الظنون الخاصة.

و كذا لا فرق بين الظن الحاصل بالحكم الفرعي الكلي من نفس الامارة أو عن أمارة متعلقة بالالفاظ و بين الحصل بالحكم الفرعي الكلي من الامارة المتعلقة بالموضوع الخارجي، ككون الراوي عادلا او مؤمنا حال الرواية و كون زرارة هو إبن أعين، لا إبن لطيفة

و كون علي بن الحكم هو الكوفي، بقرينة رواية أحمد بن محمد عنه.

فإن جميع ذلك و إن كان ظنا بالموضوع الخارجي، إلا أنه لما كان منشاء للظن بالحكم الفرعي الكلي الذي إنسد فيه باب العلم عمل به من هذه الجهة و إن لم نعمل به من سائر الجهات المتعلقة بعدالة ذلك الرجل أو بتشخيصه عند إطلاق إسمه المشترك.

و من هنا تبين أن الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من قال بمطلق الظن في الاحكام و لا يحتاج إلي تعيين أن إعتبار أقوال أهل الرجال من جهة دخولها في الشهادة أو في الرواية و لا يقتصر علي أقوال أهل الخبرة، بل يقتصر علي تصحيح الغير للسند و إن كان من آحاد العلماء إذا أفاد قوله الظن بصدق الخبر المستلزم للظن بالحكم الفرعي الكلي.

و ملخص هذا الامر الثالث أن كل ظن تولد منه الظن بالحكم الفرعي الكلي فهو حجة من هذه الجهة، سواء كان الحكم الفرعي واقعيا أو كان ظاهريا، كالظن بحجية الاستصحاب تعبدا و بحجية الامارة الغير المفيدة للظن الفعلي بالحكم و سواء تعلق الظن أولا بالمطالب العملية أو غيرها أو بالامور الخارجية من غير إستثناء في سبب هذا الظن.

و وجهه واضح، فإن مقتضي النتيجة هو لزوم الامتثال الظني و ترجيح الراجح علي المرجوح في العمل.

حتي أنه لو قلنا به خصوصية في بعض الامارات بناء علي عدم التعميم في نتيجة دليل الانسداد، لم يكن فرق بين ما تعلق تلك الامارة بنفس الحكم أو بما يتولد منه الظن بالحكم.

و لا إشكال في ذلك أصلا إلا أن يغفل غافل عن مقتضي دليل الانسداد فيدعي الاختصاص بالبعض دون البعض من حيث لا يشعر.

و ربما تخيل بعض أن العمل بالظنون

المطلقة في الرجال غير مختص بمن يعمل بمطلق الظن في الاحكام، بل المقتصر علي الظنون الخاصة في الاحكام أيضا عامل بالظن المطلق في الرجال.

***** [266] *****

و فيه نظر يظهر للمتتبع لعمل العلماء في الرجال، فإنه يحصل القطع بعدم بنائهم فيها علي العمل بكل أمارة.

نعم لو كان الخبر المظنون الصدور مطلقا أو بالظن الاطميناني من الظنون الخاصة لقيام الاخبار أو الاجماع عليه، لزم القائل به العمل بمطلق الظن أو الاطميناني منه في الرجال، كالعامل بالظن المطلق في الاحكام.

ثم إنه قد ظهر بما ذكرنا أن الظن في المسائل الاصولية العملية حجة بالنسبة إلي ما يتولد منه من الظن بالحكم الفرعي الواقعي أو الظاهري.

* * *

و ربما منع منه غير واحد من مشايخنا رضوان الله عليهم.

و ما استند إليه أو يصح الاستناد إليه للمنع أمران: أحدهما أصالة الحرمة و عدم شمول دليل الانسداد لان دليل الانسداد، إما أن يجري في خصوص المسائل الاصولية كما يجري في خصوص الفروع و إما أن يقرر دليل الانسداد بالنسبة إلي جميع الاحكام الشرعية، فيثبت حجية الظن في الجميع و يندرج فيها المسائل الاصولية و إما أن يجري في خصوص المسائل الفرعية، فيثبت به إعتبار الظن في خصوص الفروع، لكن الظن بالمسألة الاصولية يستلزم الظن بالمسألة الفرعية التي تبتني عيها و هذه الوجوه بين ما لا يصح و بين منا لا يجدي.

أما الاول، فهو غير صحيح، لان المسائل الاصولية التي ينسد فيها باب العلم ليست في أنفسها من الكثرة بحيث يستلزم من إجراء الاصول فيها محذور كان يلزم من إجراء الاصول في المسائل الفرعية التي إنسد فيها باب العلم، لان ما كان من المسائل الاصولية يبحث فيها عن كون شئ حجة، كمسألة حجية

الشهرة و نقل الاجماع و أخبار الاحاد، أو عن كونه مرجحا، فق إنفتح فيها باب العلم و علم الحجة منها من غير الحجة و المرجح منها من غيره بإثبات حجية الظن في المسائل الفرعية إذ بإثبات ذلك المطلب حصل الدلالة العقلية علي أن ما كان من الامارات داخلة في نتيجة دليل الانسداد فهو حجة.

و قس علي ذلك معرفة المرجح، فإنا قد علمنا بدليل الانسداد أن كلا من المتعارضين إذا اعتضد بما يوجب قوته علي غيره من جهة من الجهات فهو راجح علي صاحبه مقدم عليه في العمل.

***** [267] *****

و ما كان منها يبحث فيها عن الموضوعات الاستنباطية و هي ألفاظ الكتاب و السنة، من حيث إستنباط الاحكام عنهما، كمسائل الامر و النهي و أخواتهما، من الطلق و المقيد و العام و الخاص و المجمل و المبين، إلي غير ذلك، فقد علم حجية الظن فيها من حيث إستلزام الظن بها الظن بالحكم الفرعي الكلي الواقعي.

لما عرفت من أن مقتضي دليل الانسداد في الفروع حجية الظن الحاصل بها من الامارة إبتداء و الظن المتولد من أمارة موجودة في مسألة لفظية.

و يلحق بهما بعض المسائل العقلية، مثل وجوب المقدمة و حرمة الضد و إمتناع إجتماع الامر و النهي و الامر مع العلم بإنتفاء شرطه و نحو ذلك مما يستلزم الظن به الظن بالحكم الفرعي، فإنه يكفي في حجية الظن بها بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع و لا يحتاج إلي إجرائه في الاصول.

و بالجملة، فبعض المسائل الاصولية صارت معلومة بدليل الانسداد و بعضها صارت حجية الظن فيها معلومة بدليل الانسداد في الفروع.

فالباقي منها الذي يحتاج في إثبات حجية الظن فيها إلي إجراء دليل الانسداد في خصوص الاصول ليس

في الكثرة بحيث يلزم من العمل بالاصول و طرح الظن الموجود فيها محذور و إن كانت في أنفسها كثيرة، ثمل المسائل الباحثة عن حجية بعض الامارات، كخبر الواحد و نقل الاجماع لا بشرط الظن الشخصي و كالمسائل الباحثة عن شروط أخبار الآحاد علي مذهب من يراها ظنونا خاصة و الباحثة عن بعض المرجحات التعبدية و نحو ذلك، فإن هذه المسائل لا تصير معلومة بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع.

لكن هذه المسائل بل و أضعافها ليست في الكثرة بحيث لو رجع مع حصول الظن بأحد طرفي المسألة إلي الاصول و طرح ذلك الظن لزم محذور كان يلزم في الفروع.

و أما الثاني - و هو إجراء دليل الانسداد في مطلق الاحكام الشرعية، فرعية كانت أو أصلية - فهو غير مجد، لان النتيجة و هو العمل بالظن لا يثبت عمومه من حيث موارد الظن إلا بالاجماع المركب أو الترجيح بلا مرجح، بأن يقال: إن العمل بالظن في الطهارات دون الديات، مثلا، ترجيح بلا مرجح و مخالف للاجماع.

و هذان الوجهان مفقودان في التعميم و التسوية بين المسائل الفرعية و المسائل الاصولية.

أما فقد الاجماع فواضح، لان المشهور، كما قيل، علي عدم إعتبار الظن في الاصول.

و أما وجود المرجح، فلان الاهتمام بالمطالب الاصولية أكثر، لابتناء الفروع عليها.

و كلما كانت المسألة مهمة كان الاهتمام فيها أكثر و التحفظ عن الخطأ فيها آكد و لذا يعبرون في مقام المنع عن ذلك بقولهم:

إن إثبات مثل

***** [268] *****

هذا الاصل بهذا مشكل، أو إنه إثبات أصل بخبر و نحو ذلك.

و أما الثالث و هو إختصاص مقدمات الانسداد و نتيجتها بالمسائل الفرعية، إلا أن الظن بالمسألة الفرعية قد يتولد من الظن في المسألة الاصولية.

فالمسألة الاصولية بمنزلة المسائل

اللغوية يعتبر الظن فيها من حيث كونه منشاء للظن بالحكم الفرعي.

ففيه: أن الظن بالمسألة الاصولية إن كان منشاء للظن بالحكم الفرعي الواقعي، كالباحثة عن الموضوعات المستنبطة و المسائل العقلية، مثل وجوب المقدمة و إمتناع إجتماع الامر و النهي، فقد إعترفنا بحجية الظن فيها.

و أما ما لا يتعلق بذلك و تكون باحثة عن أحوال الدليل من حيث الاعتبار في نفسه أو عند المعارضة و هي التي منعنا عن حجية الظن فيها، فليس يتولد عن الظن فيها الظن بالحكم الفرعي الواقعي و إنما ينشأ منه الظن بالحكم الفرعي الظاهري.

و هو مما لم يقتض إنسداد باب العلم بالاحكام الواقعية العمل بالظن فيه، فإن إنسداد باب العلم في حكم العصير العنبي إنما يقتضي العمل بالظن في ذلك الحكم المنسد، لا في حكم العصير من حيث أخبر عادل بحرمته.

بل أمثال هذه الاحكام الثابتة للموضوعات، لا من حيث هي، بل من حيث قيام الامارة الغير المفيدة للظن الفعلي عليها إن ثبت إنسداد باب العلم فيها علي وجه يلزم المحذور من الرجوع فيها إلي الاصول عمل فيها بالظن و إلا فإنسداد باب العلم في الاحكام الواقعية و عدم إمكان العمل فيها بالاصول لا يقتضي العمل بالظن في هذه الاحكام، لانها لا تغني عن الواقع المنسد فيه العلم.

هذا غاية توضيح ما قرره إستاذنا الشريف، قدس سره اللطيف، في منع نهوض دليل الانسداد لاثبات حجية الظن في المسائل الاصولية.

الثاني من دليلي المنع:

هو أن الشهرة المحققة و الاجماع المنقول علي عدم حجية الظن في مسائل أصول الفقه و هي مسالة أصولية، فلو كان الظن فيها حجة وجب الاخذ بالشهرة و نقل الاجماع في هذه المسالة.

و الجواب، أما عن الوجه الاول فبأن دليل الانسداد وارد علي

أصالة حرمة العمل بالظن.

و المختار في الاستدلال به للمقام هو الوجه الثالث و هو إجراؤه في الاحكام الفرعية و الظن في المسائل الاصولية مستلزم للظن في المسألة الفرعية.

***** [269] *****

و ما ذكر من كون اللازم منه هو الظن بالحكم الفرعي الظاهري صحيح.

إلا أن ما ذكر - من أن إنسداد باب العلم في الاحكام الواقعية و بقاء التكليف بها و عدم جواز الرجوع فيها إلي الاصول لا يقتضي إلا إعتبار الظن بالحكم الفرعي الواقعي - ممنوع، بل المقدمات المذكورة، كما عرفت غير مرة، إنما تقتضي إعتبار الظن بسقوط تلك الاحكام الواقعية و فراغ الذمة منها.

فإذا فرضنا مثلا أنا ظننا بحكم العصير لا واقعا، بل من حيث قام عليه ما لا يفيد الظن الفعلي بالحكم الواقعي.

فهذا الظن يكفي في الظن بسقوط الحكم الواقعي للعصير.

بل لو فرضنا أنه لم يحصل ظن بحكم واقعي أصلا و إنما حصل الظن بحجية أمور لا تفيد الظن، فإن العمل بها يظن معه سقوط الاحكام الواقعية عنا، لما تقدم من أنه لا فرق في سقوط الواقع بين الاتيان بالواقع علما أو ظنا و بين الاتيان ببدله كذلك. فالظن بالاتيان بالبدل كالظن بإتيان الواقع و هذا واضح.

و أما الجواب عن الثاني: أولا، فبمنع الشهرة و الاجماع، نظرا إلي أن المسألة من المستحدثات، فدعوي الاجماع فيها مساوقة لدعوي الشهرة.

و ثانيا، لو سلمنا الشهرة، لكنه لاجل بناء المشهور علي الظنون الخاصة، كأخبار الآحاد و الاجماع المنقول.

و حيث أن المتبع فيها الادلة الخاصة و كانت أدلتها كالاجماع و السيرة علي حجية أخبار الآحاد مختصة بالمسائل الفرعية بقيت المسائل الاصولية تحت أصالة حرمة العمل بالظن و لم يعلم بل و لم يظن من مذهبهم الفرق بين الفروع و

الاصول، بناء علي مقدمات الانسداد و إقتضاء العقل كفاية الخروج الظني عن عهدة التكاليف الواقعية.

و ثالثا، سلمنا قيام الشهرة و الاجماع المنقول علي عدم الحجية علي تقدير الانسداد، لكن المسالة أعني كون مقتضي الانسداد هو العمل بالطن مطلقا أو في خصوص الفروع عقلية و الشهرة و نقل الاجماع إنما تفيدان الظن في المسائل التوقيفيه دون العقلية.

و رابعا، إن حصول الظن بعدم الحجية منع تسليم دلالة دليل الانسداد علي الحجية لا يجتمعان، فتسليم دليل الانسداد يمنع من حصول الظن.

و خامسا، سلمنا حصول الظن، لكن غاية الامر دخول المسألة فيما تقدم من قيام الظن علي عدم حجية ظن و قد عرفت أن المرجع فيه إلي متابعة الظن الاقوي، فراجع.

الامر الرابع: الثابت بالمقدمات هو الاكتفاء بالظن ف

الامر الرابع: الثابت بالمقدمات هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الاحكام

ان الثابت بمقدمات دليل الانسداد هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الاحكام المنسد فيها باب العلم، بمعني أن المظنون إذا خالف حكم الله الواقعي لم يعاقب بل يثاب عليه، فالظن بالامتثال إنما يكفي في مقام تعيين الحكم الشرعي الممتثل.

و أما في مقام تطبيق العمل الخارجي علي ذلك المعين، فلا دليل علي الاكتفاء فيه بالظن.

مثلا، إذا شككنا في وجوب الجمعة أو الظهر جاز لنا تعيين الواجب الواقعي بالظن.

فلو ظننا وجوب الجمعة فلا نعاقب علي تقدير وجوب الظهر واقعا، لكن لا يلزم من ذلك حجية الظن في مقام العمل علي ذبق ذلك الظن، فإذا ظننا بعد مضي مقدار من الوقت بأنا قد أتينا بالجمعة في هذا اليوم، لكن احتمل نسيانها فلا يكفي الظن بالامتثال من هذه الجهة، بمعني أنه إذا لم نأت بها في الواقع و نسيانها قام الظن بالاتيان مقام العمل به، بل يجب بحكم الاصل وجوب

الاتيان بها.

و كذلك لو ظننا بدخول الوقت و أتينا بالجمعة فلا يقتصر علي هذا الظن بمعني عدم العقاب علي تقدير مخالفة الظن للواقع بإتيان الجمعة قبل الزوال.

و بالجملة إذا ظن المكلف بالامتثال و براءة ذمته و سقوط الواقع، فهذا الظن إن كان مستندا إلي الظن في تعيين الحكم الشرعي كان المكلف فيه معذورا مأجورا علي تقدير المخالفة للواقع و إن كان مستندا إلي الظن بكون الواقع في الخارج منه منطبقا علي الحكم الشرعي فليس معذورا، بل يعاقب علي ترك الواقع أو ترك الرجوع إلي القواعد الظاهرية التي هي المعول لغير العالم.

و مما ذكرنا تبين: أن الظن بالامور الخارجية عند فقد العلم بإنطباقها علي المفاهيم الكلية التي تعلق بها الاحكام الشرعية لا دليل علي إعتباره و أن دليل الانسداد إنما يعذر الجاهل فيما إنسد فيه باب العلم، لفقد الادلة المنصوبة من الشارع أو إجمال ما وجد منها و لا يعذر الجاهل بالامتثال من

***** [271] *****

غير هذه الجهة، فإن المعذور فيه هو الظن بأن قبلة العراق ما بين المشرق و المغرب.

أما الظن بوقوع الصلاة إليه فلا يعذر فيه.

فظهر إندفاع توهم أنه إذا بني علي الامتثال الظني للاحكام الواقعية فلا يجدي إحراز العلم بإنطباق الخارج علي المفهوم، لان الامتثال يرجع بالاخرة إلي الامتثال الظني، حيث أن الظان بكون القبلة ما بين المشرق و المغرب إمتثاله للتكاليف الواقعية ظني، علم بما بين المشرق و المغرب أو ظن.

و الحاصل: أن حجية الظن في تعيين الحكم بمعني معذورية الشخص مع المخالفة لا تستلزم حجيته في الانطباق بمعني معذوريته لو لم يكن الخارج منطبقا علي ذلك الذي عين و إلا لكان الاذن في العمل بالظن في بعض شروط الصلاة أو أجزائها يوجب

جوازه في سائرها و هو بديهي البطلان.

فعلم أن قياس الظن بالامور الخارجية علي المسائل الاصولية و اللغوية و إستلزامه الظن بالامتثال قياس مع الفارق، لان جميع هذه يرجع إلي شئ واحد هو الظن بتعيين الحكم.

ثم من المعلوم عدم جريان دليل الانسداد في نفس الامور الخارجية، لانها غير منوطة بأدلة و أمارات مضبوطة حتي يدعي طرو الانسداد فيها في هذا الزمان، فيجري دليل الانسداد في أنفسها، لان مرجعها ليس إلي الشرع و لا إلي مرجع آخر منضبط.

نعم قد يوجد في الامور الخارجية ما لا يبعد إجراء نظير دليل الانسداد فيه، كما في موضوع الضرر الذي أنيط به أحكام كثيرة، من جواز التيمم و الافطار و غيرهما، فيقال: إن باب العلم بالضرر منسد غالبا، إذ لا يعلم غالبا إلا بعد تحققه.

فإجراء أصالة عدمه في تلك يوجب المحذور و هو الوقوع في الضرر غالبا، فتعين إناطة الحكم فيه بالظن.

هذا إذا أنيط الحكم بنفس الضرر و أما إذ أنيط بموضوع الخوف فلا حاجة إلي ذلك. بل يشمل حينئذ الشك أيضا.

و يمكن أن يجري مثل ذلك في مثل العدالة و النسب و شبههما من الموضوعات التي يلزم من إجراء الاصول فيها مع عدم العلم الوقوع في مخالفه الواقع كثيرا، فافهم.

الامر الخامس في إعتبار الظن في أصول الدين
اشارة

الامر الخامس في إعتبار الظن في أصول الدين

و الاقوال المستفادة من تتبع كلمات العلماء في هذه المسألة، من حيث وجوب مطلق المعرفة أو الحاصلة من خصوص النظر و كفاية الظن مطلقا أو في الجملة، ستة.

1 - الاول:

إعتبار العلم فيها من النظر و الاستدلال و هو المعروف عن الاكثر و ادعي عليه العلامة في الباب الحادي عشر من مختصر المصباح إجماع العلماء كافة.

و ربما يحكي دعوي الاجماع من العضدي، لكن الموجود

منه في مسألة عدم جواز التقليد في القليات من أصول الدين دعوي إجماع الامة علي وجوب معرفة الله.

2 - الثاني: إعتبار العلم و لو من التقليد و هو المصرح به في كلام بعض و المحكي عن آخرين.

3 - الثالث: كفاية الظن مطلقا.

و هو المحكي عن جماعة، منهم المحقق الطوسي في بعض الرسائل المنسوبة إليه و حكي نسبته إليه في فصوله و لم أجده فيه و عن المحقق الاردبيلي و تلميذه صاحب المدارك و ظاهر شيخنا البهائي و العلامة المجلسي و المحدث الكاشاني و غيرهم، قدس الله أسرارهم.

4 - الرابع: كفاية الظن المستفاد من النظر و الاستدلال دون التقليد.

حكي عن شيخنا البهائي، رحمه الله، في بعض تعليقاته علي شرح المختصر أنه نسبه إلي بعض.

5 - الخامس كفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد.

و هو الظاهر مما حكاه العلامة، قدس سره ، في النهاية عن الاخباريين، من أنهم لم يعولوا في أصول الدين و فروعه إلا علي أخبار الآحاد و حكاه الشيخ في عدته في مسألة حجية أخبار الآحاد عن بعض غفلة أصحاب الحديث.

و الظاهر أن مراده حملة الاحاديث الجامدون علي ظواهرها المعرضون عما عداها من البراهين العقلية المعارضة لتلك الظواهر.

6 - السادس: كفاية الجزم بل الظن من التقليد مع كون النظر واجبا مستقلا، لكنه معفو عنه، كما

***** [273] *****

يظهر من عدة الشيخ، قدس سره ، في مسألة حجية أخبار الآحاد و في أواخر العدة.

* * *

ثم إن محل الكلام في كلمات هؤلاء الاعلام غير منقح.

فالاولي ذكر الجهات التي يمكن أن نتكلم فيها و تعقيب كل واحدة منها بما يقتضيه النظر من حكمها، فنقول مستعينا بالله: إن مسائل أصول الدين و هي التي لا يطلب فيها أولا و

بالذات إلا الاعتقاد باطنا و التدين ظاهرا و إن ترتب علي وجوب ذلك بعض الاثار العملية علي قسمين.

أحدهما ما يجب علي المكلف الاعتقاد و التدين به غير مشروط بحصول العلم، كالمعارف، فيكون تحصيل العلم من مقدمات الواجب المطلق فيجب.

الثاني ما يجب الاعتقاد و التدين به إذا إتفق حصول العلم به، كبعض تفاصيل المعارف.

القسم الثاني: الذي يجب الاعتقاد به إذا حصل العلم به

القسم الثاني: الذي يجب الاعتقاد به إذا حصل العلم به

أما الثاني، فحيث كان المفروض عدم وجوب تحصيل المعرفة العلمية، كان الاقوي القول بعدم وجوب العمل فيه بالظن لو فرض حصوله و وجوب التوقف فيه، للاخبار الكثيرة الناهية عن القول بغير علم و الآمرة بالتوقف و أنه: (إذا جاء كم ما تعلمون فقولوا به و إذا جاء كم ما لا تعلمونه فها و أهوي بيده إلي فيه).

و لا فرق في ذلك بين أن يكون الامارة الواردة في تلك المسألة خبرا صحيحا أو غيره.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المقاصد العلية - بعد ذكر أن المعرفة بتفاصيل البرزخ و المعاد غير لازم - : (و أما ما ورد عنه، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، في ذلك من طريق الآحاد فلا يجب التصديق به مطلقا و إن كان طريقه صحيحا، لان الخبر الواحد ظني و قد اختلف في جواز العمل به في الاحكام الشرعية الظنية، فكيف بالاحكام الاعتقادية العلمية)، إنتهي.

و ظاهر الشيخ في العدة أن عدم جواز التعويل في أصول الدين علي أخبار الآحاد إتفاقي إلا عن بعض غفلة أصحاب الحديث و ظاهر المحكي في السرائر عن السيد المرتضي عدم الخلاف فيه أصلا.

و هو مقتضي كلام كل من قال بعدم إعتبار أخبار الآحاد في أصول الفقه.

لكن يمكن أن يقال إنه إذا حصل الظن من

الخبر: فإن أرادوا بعدم وجوب التصديق بمقتضي الخبر عدم تصديقه علما أو ظنا، فعدم حصول الاول كحصول الثاني قهري لا يتصف بالوجوب و عدمه.

***** [275] *****

و إن أرادوا التدين به الذي ذكرنا وجوبه في الاعتقاديات و عدم الاكتفاء فيها بمجرد الاعتقاد - كما يظهر عن بعض الاخبار الدالة علي أن فرض اللسان القول و التعبير عما عقد عليه القلب و أقر به، مستشهدا علي ذلك بقوله تعالي: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا)، إلخ - فلا مانع من وجوبه في مورد خبر الواحد، بناء علي أن هذا نوع عمل بالخبر، فإن ما دل علي وجوب تصديق العادل لا يأبي الشمول لمثل ذلك.

نعم لو كان العمل بالخبر لا لاجل الدليل الخاص علي وجوب العمل به، بل من جهة الحاجة إليه لثبوت التكليف و إنسداد العلم، لم يكن وجه للعمل به في مورد لم يثبت التكليف فيه بالواقع كما هو المفروض، أو يقال: إن عمدة أدلة حجية الاخبار الآحاد و هي الاجماع العملي لا تساعد علي ذلك.

و مما ذكرنا يظهر الكلام في العمل بظاهر الكتاب و الخبر المتواتر في أصول الدين، فإنه قد لا يأبي دليل حجية الظواهر عن وجوب التدين بما تدل عليه من المسائل الاصولية التي لم يثبت التكليف بمعرفتها.

لكن ظاهر كلمات كثير عدم العمل بها في ذلك.

و لعل الوجه في ذلك أن وجوب التدين المذكور إنما هو من آثار العلم بالمسألة الاصولية، لا من آثار نفسها.

و إعتبار الظن مطلقا أو الظن الخاص، سواء كان من الظواهر أو غيرها، معناه ترتيب الآثار المتفرعة علي نفس الامر المظنون لا علي العلم به.

و أما ما يتراء ي من التمسك بها أحيانا لعبض العقائد، فلاعتضاد مدلولها بتعدد

الظواهر و غيرها من القرائن و إفادة كل منها الظن، فيحصل من المجموع القطع بالمسألة و ليس إستنادهم في تلك المسألة إلي مجرد أصالة الحقيقة التي قد لا تفيد الظن بارادة الظاهر، فضلا عن العلم.

ثم إن الفرق بين القسمين المذكورين و تمييز ما يجب تحصيل العلم به عما لا يجب في غاية الاشكال.

و قد ذكر العلامة في الباب الحادي عشر فيما يجب معرفته علي كل مكلف من تفاصيل التوحيد و النبوة و الامامة و المعاد أمورا لا دليل علي وجوبها كذلك، مدعيا أن الجاهل بها عن نظر و إستدلال خارج عن ربقة الايمان مستحق للعذاب الدائم.

و هو في غاية الاشكال.

نعم يمكن أن يقال: إن مقتضي عموم وجوب المعرفة، مثل قوله تعالي: (وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ

***** [276] *****

وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، أي ليعرفون.

و قوله صلي الله عليه و آله : (و ما أعلم بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس)، بناء علي أن الافضلية من الواجب، خصوصا مثل الصلاة، تستلزم الوجوب.

و كذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة إستشهاد الامام عليه السلام بها، لوجوب النفر لمعرفة الامام بعد موت الامام السابق عليه السلام و عمومات طلب العلم هو وجوب معرفة الله جل ذكره و معرفة النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و الامام عليه السلام.

و معرفة ما جاء به النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم علي كل قادر يتمكن من تحصيل العلم، فيجب الفحص حتي يحصل اليأس: فإن حصل العلم بشئ من هذه التفاصيل اعتقد و تدين و إلا توقف و لم يتدين بالظن لو حصل له.

و من هنا قد يقال: إن الاشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله و معرفة أوليائه،

صلوات الله عليهم، أهم من الاشتغال بعلم المسائل العلمية، بل هو المتعين، لان العمل يصح عن تقليد، فلا يكون الاشتغال بعلمه إلا كفائيا بخلاف المعرفة، هذا.

و لكن الانصاف ممن جانب الاعتساف يقتضي الاذعان بعدم التمكن من ذلك إلا للاوحدي من الناس، لان المعرفة المذكورة لا تصحل إلا بعد تحصيل قوة إستنباط المطالب من الاخبار و قوة نظرية أخري لئلا يأخذ بالاخبار المخالفة للبراهين العقلية و مثل هذا الشخص مجتهد في الفروع قطعا، فيحرم عليه التقليد.

و دعوي جوازه له للضرورة ليس بأولي من دعوي جواز ترك الاشتغال بالمعرفة التي لا تحصل غالبا بالاعمال المبتنية علي التقليد. هذا إذا لم يتعين عليه الافتاء و المرافعة لاجل قلة المجتهدين و أما في مثل زماننا فالامر واضح.

فلا تغتر حينئذ بمن قصر إستعداده أو همته عن تحصيل مقدمات إستنباط المطالب الاعتقادية الاصولية و العلمية عن الادلة العقلية و النقلية، فيتركها مبغضا لها، لان الناس أعداء ما جهلوا و يشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذكره و أوصاف حججه، صلوات الله عليهم، بنظر في الاخبار لا يعرف به من ألفاظها الفاعل من المفعول، فضلا عن معرفة الخاص من العام و بنظر في المطالب العقلية لا يعرف به البديهيات منها و يشتغل في خلال ذلك بالتشنيع علي حملة الشريعة العملية و إستهزائهم بقصور الفهم و سوء النية، فيسأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزء ون.

هذا كله حال وجوب المعرفة مستقلا.

***** [277] *****

و أما إعتبار ذلك في الاسلام أو الايمان فلا دليل عليه، بل يدل علي خلافه الاخبار الكثيرة المفسرة لمعني الاسلام و الايمان.

ففي رواية محمد بن سالم عن أبي جعفر، عليه السلام ، المروية في الكافي: (إن الله، عز و جل بعث محمدا، صَلَّي

اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم وَ هُوَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَ لَمْ يَمُتْ بِمَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعَشْرِ سِنِينَ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً ص رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِإِقْرَارِهِ وَ هُوَ إِيمَانُ التَّصْدِيقِ، فإن الظاهر أن حقيقة الايمان التي يخرج الانسان بها عن حد الكفر الموجب للخلود في النار لم تتغير بعد إنتشار الشريعة.

نعم ظهر في الشريعة أمور صارت ضرورية الثبوت من النبي، صلي الله عليه و سلم، فيعتبر في الاسلام عدم إنكارها.

لكن هذا لا يوجب التغيير، فإن المقصود أنه لم يعتبر في الايمان ازيد من التوحيد و التصديق بالنبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و بكونه رسولا صادقا فيما يبلغ.

و ليس المراد معرفة تفاصيل ذلك و إلا لم يكن من آمن بمكة من أهل الجنة أو كان حقيقة الايمان بعد إنتشار الشريعة غيرها في صدر الاسلام.

و في رواية سليم بن قيس عن أمير المؤمنين، عليه السلام : (إن أدني ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرفه الله تبارك و تعالي إياه، فيقر له بالطاعة و يعرفه نبيه فيقر له بالطاعة و يعرفه إمامه و حجته في أرضه و شاهده علي خلقه فيقر له بالطاعة.

فقلت له: يا أمير المؤمنين! و إن جهل جميع الاشياء إلا ما وصفت؟ قال: نعم) و هي صريحة في المدعي.

و في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال:

(جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِي عَنِ الدِّينِ الَّذِي افْتَرَضَه اللَّهُ تعالي عَلَي الْعِبَادِ مَا لَا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ وَ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ مَا هُوَ؟

فَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ.

فَأَعَادَ عَلَيْهِ.

فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاءُ

الزَّكَاةِ وَ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ.

ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ:

وَ الْوَلَايَةُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَي الْعِبَادِ لَا يَسْأَلُ الرَّبُّ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولَ أَلَّا زِدْتَنِي عَلَي مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكُمْ وَ لَكِنْ مَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَنَّ سُنَناً حَسَنَةً جَمِيلَةً يَنْبَغِي لِلنَّاسِ الْأَخْذُ بِهَا

هَذَا الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَي الْعِبَادِ لَا يَسْأَلُ الرَّبُّ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولَ أَلَّا زِدْتَنِي عَلَي مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكُمْ وَ لَكِنْ مَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَنَّ سنة حَسَنَةً يَنْبَغِي لِلنَّاسِ الْأَخْذُ بِهَا).

و نحوها رواية عيسي بن السري، (قلت لابي عبدالله عليه السلام : حدثني عما بنيت عليه

***** [278] *****

دعائم الاسلام التي إذا أخذت بها زكي عملي و لم يضرني جهل ما جهلت بعده؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، صلي الله عليه و آله و الاقرار بما جاء من عند الله و حق في الاموال الزكاة و الولاية التي أمر الله بها ولاية آل محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، فإن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم قال: (مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً).

و قال الله تعالي: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَكَانَ عَلِيٌّ ثُمَّ صَارَ مِنْ بَعْدِهِ - الْحَسَنُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ الْحُسَيْنُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ هَكَذَا يَكُونُ الْأَمْرُ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِإِمَامٍ)، الحديث.

و في رواية أَبِي الْيَسَعِ قَالَ:

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَخْبِرْنِي بِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ الَّتِي لَا

يَسَعُ أَحَداً التَّقْصِيرُ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيْ ءٍ مِنْهَا الَّتي مَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيْ ءٍ مِنْهَا فَسَدَ عليه دِينُهُ وَ لَمْ يَقْبَلِ [اللَّهُ مِنْهُ عَمَلَهُ وَ مَنْ عَرَفَهَا وَ عَمِلَ بِهَا صَلَحَ لَهُ دِينُهُ وَ قَبِلَ مِنْهُ عَمَلَه

وَ لَمْ يَضِقْ بِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ لِجَهْلِ شَيْ ءٍ مِنَ الْأُمُورِ جَهِلَهُ قَالَ فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ حَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ الزَّكَاةُ وَ الْوَلَايَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا وَلَايَةُ آلِ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله ).

و في رواية إسماعيل: قال:

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الدِّينِ الَّذِي لَا يَسَعُ الْعِبَادَ جَهْلُهُ

فَقَالَ:

الدِّينُ وَاسِعٌ وَ لَكِنَّ الْخَوَارِجَ ضَيَّقُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ بجَهْلِهِمْ

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! فَأُحَدِّثُكَ بِدِينِيَ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ؟

فَقَالَ:

بَلَي

فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ الْإِقْرَارَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ أَتَوَلَّاكُمْ وَ أَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ مَنْ رَكِبَ رِقَابَكُمْ وَ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ وَ ظَلَمَكُمْ حَقَّكُمْ

فَقَالَ:

مَا جَهِلْتَ شَيْئاً

فَقَالَ:

هُوَ وَ اللَّهِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ

قُلْتُ: فَهَلْ يسلم أَحَدٌ لَا يَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ؟

فَقَالَ:

لَا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ

قُلْتُ: مَنْ هُمْ قَالَ نِسَاؤُكُمْ وَ أَوْلَادُكُمْ

قَالَ أَ رَأَيْتَ أُمَّ أَيْمَنَ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَا كَانَتْ تَعْرِفُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه .

فإن في قوله (ما جهلت شيئا)، دلالة واضحة علي عدم إعتبار الزائد في أصل الدين.

و المستفاد من الاخبار المصرحة بعدم إعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في الدين - و هو الظاهر أيضا من جماعة من علمائنا الاخيار، كالشهيدين في الالفية و شرحها و المحقق الثاني في الجعفرية و شارحها و غيرهم - و هو أنه

يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجودا و واجب الوجود لذاته و التصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلي صفتي العلم و القدرة و نفي الصفات الراجعة إلي الحاجة

***** [279] *****

و الحدوث و أنه لا يصدر منه القبيح فعلا أو تركا.

و المراد بمعرفة هذه الامور ركوزها في إعتقاد المكلف، بحيث إذا سألته عن شئ مما ذكر أجاب بما هو الحق فيه لم يعرف التعبير عنه بالعبارات المتعارفة علي ألسنة الخواص.

و يكفي في معرفة النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به و التصديق بنبوته و صدقه، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته، أعني كونه معصوما بالملكة من أول عمر إلي آخره.

قال في المقاصد العلية: (و يمكن إعتبار ذلك، لان الغرض المقصود من الرسالة لا يتم إلا به، فينتفي بالفائدة التي بإعتبارها وجب إرسال الرسل.

و هو ظاهر بعض كتب العقائد المصدرة بأن من جهل ما ذكروه فيها فليس مؤمنا مع ذكرهم ذلك.

و الاول غير بعيد عن الصواب)، إنتهي.

أقول: و الظاهر أن مراده ببعض كتب العقائد هو الباب الحادي عشر للعلامة، قدس سره ، حيث ذكر تلك العبارة، بل ظاهره دعوي إجماع العلماء عليه.

نعم يمكن أن يقال: إن معرفة ما عدا النبوة واجبة بالاستقلال علي من هو متمكن منه بحسب الاستعداد و عدم الموانع، لما ذكرنا من عمومات وجوب التفقه و كون المعرفة أفضل من الصلوات الواجبة و أن الجهل بمراتب سفراء الله، جل ذكره، مع تيسر العلم بها تقصير في حقهم و تفريط في حبهم و نقص يجب بحكم العقل رفعه، بل من أعظم النقائص.

و قد أومي النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، إلي ذلك حيث قال مشيرا إلي بعض

العلوم الخارجة من العلوم الشرعية: (إن ذلك علم يضر جهله.

- ثم قال: - إنما العلوم ثلاثة، ٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ وَ سُنَّةٌ قَائِمَة و ما سواهن فهو فضل).

و قد أشار إلي ذلك رئيس المحدثين في ديباجة الكافي، حيث قسم الناس إلي أهل الصحة و السلامة و أهل المرض و الزمانة و ذكر وضع التكليف عن الفرقة الاخيرة.

و يكفي في معرفة الائمة، صلوات الله عليهم، معرفتهم بنسبهم المعروف و التصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق و يجب الانقياد إليهم و الاخذ منهم و في وجوب الزائد علي ما ذكر من عصمتهم الوجهان.

و قد ورد في بعض الاخبار تفسير معرفة حق الامام بمعرفة كونه إماما مفترض الطاعة.

***** [280] *****

و يكفي في التصديق بما جاء به النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، التصديق بما علم مجيئه به متواترا من أحوال المبدأ و المعاد، كالتكليف بالعبادات و السؤال في القبر و عذابه و المعاد الجسماني و الحساب و الصراط و الميزان و الجنة و النار إجمالا، مع تأمل في إعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسماني من تلك الامور في الايمان المقابل للكفر الموجب للخلود في النار، للاخبار المتقدمة المستفيضة و السيرة المستمرة، فإنا نعلم بالوجدان جهل كثير من الناس بها من أول البعثة إلي يومنا هذا.

و يمكن أن يقال: إن المعتبر هو عدم إنكار هذه الامور و غيرها من الضروريات، لا وجوب الاعتقاد بها، علي ما يظهر من بعض الاخبار، من أن الشاك إذا لم يكن جاحدا فليس بكافر.

ففي رواية زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام : (لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا) و نحوها غيرها.

و يؤيدها ما عن كتاب الغيبة

للشيخ، قدس سره ، بأسناده عن الصادق عليه السلام : (إن جماعة يقال لهم الحقية و هم الذين يقسمون بحق علي و لا يعرفون حقه و فضله و هم يدخلون الجنة).

و بالجملة، فالقول بأنه يكفي في الايمان الاعتقاد به وجود الواجب الجامع للكمالات المنزه عن النقائص و بنبوة محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و بإمامة الائمة، عليهم السلام و البراءة من أعدائهم و الاعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالبا عن الاعتقادات السابقة غير بعيد، بالنظر إلي الاخبار و السيرة المستمرة.

و أما التدين بسائر الضروريات ففي إشتراطه أو كفاية عدم إنكارها أو عدم إشتراطه أيضا، فلا يضر إنكارها إلا مع العلم بكونها من الدين وجوه، أقواها الاخير، ثم الاوسط.

و ما إستقربناه في ما يعتبر في الايمان وجدته بعد ذلك في كلام محكي عن المحقق الورع الاردبيلي في شرح الارشاد.

ثم إن الكلام إلي هنا في تمييز القسم الثاني و هو ما لا يجب الاعتقاد به إلا بعد حصول العلم به عن القسم الاول و هو ما يجب الاعتقاد به مطلقا، فيجب تحصيل مقدمته، أعني الاسباب المحصلة للاعتقاد و قد عرفت أن الاقوي عدم الجواز العمل بغير العلم في القسم الثاني.

القسم الاول؛ الذي يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد
اشارة

القسم الاول:

الذي يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد

و أما القسم الاول الذي يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد، فالكلام فيه يقع تارة بالنسبة إلي القادر علي تحصيل العلم و أخري بالنسبة إلي العاجز،

فهنا مقامان.

[المقام] الاول في القادر

و الكلام في جواز عمله بالظن يقع في موضعين، الاول في حكمه التكليفي و الثاني في حكمه الوضعي من حيث الايمان و عدمه.

فنقول: أما حكمه التكليفي، فلا ينبغي التأمل في عدم جواز إقتصاره علي العمل بالظن.

فمن ظن بنبوة نبينا محمد، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أو بإمامة أحد من الائمة، صلوات الله عليهم، فلا يجوز له الاقتصار، فيجب عليه مع التفطن لهذه المسألة زيادة النظر و يجب علي العلماء أمره بزيادة النظر ليحصل له العلم إن لم يخافوا عليه الوقوع في خلاف الحق، لانه حينئذ يدخل في قسم العاجز عن تحصيل العلم بالحق، فإن بقاء ه علي الظن بالحق أولي من رجوعه إلي الشك أو الظن بالباطل فضلا عن العلم به.

و الدليل علي ما ذكرنا جميع الآيات و الاخبار الدالة علي وجوب الايمان و التفقه و العلم و المعرفة و التصديق و الاقرار و الشهادة و التدين و عدم الرخصة في الجهل و الشك و متابعة الظن و هي أكثر من أن تحصي.

و أما الموضع الثاني، فالاقوي فيه بل المتعين الحكم بعدم الايمان، للاخبار المفسرة للايمان

***** [282] *****

بالاقرار و الشهادة و التدين و المعرفة و غير ذلك من العبائر الظاهرة في العلم.

و هل هو كافر مع ظنه بالحق؟ فيه وجهان، من إطلاق ما دل علي أن الشاك و غير المؤمن كافر و ظاهر ما دل من الكتاب و السنة علي حصر المكلف في المؤمن و الكافر و من تقييد كفر الشاك

في غير واحد من الاخبار بالجحود فلا يشمل ما نحن فيه و دلالة الاخبار المستفيضة علي ثبوت الواسطة بين الكفر و الايمان و قد أطلق عليه في الاخبار الضلال، لكن أكثر الاخبار الدالة علي الواسطة مختصة بالايمان بالمعني الاخص، فيدل علي أن من المسلمين من ليس بمؤمن و لا بكافر، لا علي ثبوت الواسطة بين الاسلام و الكفر، نعم بعضها قد يظهر منه ذلك.

و حينئذ فالشاك في شئ مما يعتبر في الايمان بالمعني الاخص ليس بمؤمن و لا كافر، فلا يجري عليه أحكام الايمان.

و أما الشاك في شئ مما يعتبر في الاسلام بالمعني الاعم، كالنبوة و المعاد، فإن إكتفينا في الاسلام بظاهر الشهادتين و عدم الانكار ظاهرا و إن لم يعتقد باطنا فهو مسلم و إن إعتبرنا في الاسلام الشهادتين مع إحتمال الاعتقاد علي طبقهما حتي يكون الشهادتان أمارة علي الاعتقاد الباطني فلا إشكال في عدم إسلام الشاك لو علم منه الشك، فلا يجري عليه أحكام المسلمين، من جواز المناكحة و التوارث و غيرهما.

و هل يحكم بكفره و نجاسته حينئذ فيه إشكال من تقييد كفر الشاك في غير واحد من الاخبار بالجحود.

هذا كله في الظان بالحق و أما الظان بالباطل، فالظاهر. كفره.

بقي الكلام في أنه إذا لم يكتف بالظن و حصل الجزم من تقليد، فهل يكفي ذلك أو لا بد من النظر و الاستدلال؟ ظاهر الاكثر الثاني، بل إدعي عليه العلامة، قدس سره ، في الباب الحادي عشر الاجماع، حيث قال: (أجمع العلماء علي وجوب معرفة الله و صفاته الثبوتية و ما يصح عليه و ما يمتنع عنه و النبوة و الامامة و المعاد بالدليل لا بالتقليد).

فأن صريحه أن المعرفة بالتقليد غير كافية و مثلها

عبارة الشهيد الاول و المحقق الثاني.

و أصرح منهما عبارة المحقق في المعارج، حيث إستدل علي بطلان التقليد بأنهإ جزم في غير محله.

لكن مقتضي إستدلال العضدي علي منع التقليد بالاجماع علي وجوب معرفة الله و أنها لا تحصل بالتقليد هو أن الكلام في التقليد الغير المفيد للمعرفة و هو الذي يقتضيه أيضا ما ذكره شيخنا في العدة، كما سيجئ كلامه و كلام الشهيد في

***** [283] *****

القواعد من عدم جواز التقليد في العقليات و لا في الاصول الضرورية من السمعيات و لا في غيرها مما لا يتعلق به عمل و يكون المطلوب فيها العلم، كالتفاضل بين الانبياء السابقة.

و يعضده أيضا ظاهر ما عن شيخنا البهائي في حاشية الزبده من أن النزاع في جواز التقليد و عدمه يرجع إلي النزاع في كفاية الظن و عدمها.

و يؤيده أيضا إقتران التقليد في الاصول في كلماتهم بالتقليد في الفروع، حيث يذكرون في أركان الفتوي أن المستفتي فيه هي الفروع دون الاصول.

لكن الظاهر عدم المقابلة التامة بين التقليدين، إذ لا يعتبر في التقليد في الفروع حصول الظن، فيعمل المقلد مع كونه شاكا و هذا غير معقول في أصول الدين التي يطلب فيها الاعتقاد حتي يجري فيه الخلاف.

و كذا ليس المراد من كفاية التقليد هنا كفايته عن الواقع مخالفا كان في الواقع أو موافقا كما في الفروع، بل المراد كفاية التقليد في الحق و سوقط النظر به عنه، إلا أن يكتفي فيها بمجرد التدين ظاهرا و إن لم يعتقد.

لكنه بعيد. ثم إن ظاهر كلام الحاجبي و العضدي إختصاص الخلاف بالمسائل العقلية.

و هو في محله، بناء علي ما إستظهرنا منهم، من عدم حصول الجزم من التقليد، لان الذي لا يفيد الجزم من التقليد إنما

هو في العقليات المبتنية علي الاستدلالات العقلية.

و أما النقليات، فالاعتماد فيها علي قول المقلد، كالاعتماد علي قول المخبر الذي قد يفيد الجزم بصدقه بواسطة القرائن و في الحقيقة يخرج هذا عن القليد.

و كيف كان فالاقوي كفاية الجزم الحاصل من التقليد، لعدم الدليل علي إعتبار الزائد علي المعرفة و التصديق و الاعتقاد و تقييدها بطريق خاص لا دليل عليه.

مع أن الانصاف: أن النظر و الاستدلال بالبراهين العقلية للشخص المتفطن لوجوب النظر في الاصول لا يفيد بنفسه الجزم، لكثرة الشبه الحادثة في النفس و المدونة في الكتب، حتي أنهم ذكروا شبها يصعب الجواب عنها للمحققين الصارفين لاعمارهم في فن الكلام، فكيف حال المشتغل به مقدارا من الزمان لاجل تصحيح عقائدة، ليشتغل بعد ذلك بأمور معاشه و معاده، خصوصا و الشيطان يغتنم الفرصة لالقاء الشبهات و التشكيك في البديهيات و قد شاهدنا جماعة قد صرفوا أعمارهم و لم يحصلوا منها شيئا إلا القليل.

* * *

المقام الثاني في غير المتمكن من العلم

المقام الثاني في غير المتمكن من العلم

و الكلام فيه تارة في تحقق موضوعه في الخارج و أخري في أنه يجب عليه مع اليأس من العلم تحصيل الظن أم لا و ثالثة في حكمه الوضعي قبل الظن و بعده.

أما الاول، فقد يقال فيه بعدم وجود العاجز، نظرا إلي العمومات الدالة علي حصر الناس في المؤمن و الكافر، مع ما دل علي خلود الكافرين بأجمعهم في النار، بضميمة حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر، فيكشف ذلك عن تقصير كل غير مؤمن و أن من تراه قاصرا عاجزا عن العلم قد تمكن من تحصيل العلم بالحق و لو في زمان ما و إن صار عاجزا قبل ذلك أو بعده و العقل لا يقبح عقاب مثل هذا

الشخص.

و لهذا إدعي غير واحد في مسألة التخطئة و التصويب الاجماع علي أن المخطئ في العقائد غير معذور.

لكن الذي يقتضيه الانصاف: شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين.

و قد تقدم عن الكليني ما يشير إلي ذلك و سيجئ من الشيخ، قدس سره ، في العدة من كون العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم. هذا مع ورود الاخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن و الكافر.

و قضيه مناظرة زرارة و غيره مع الامام، عليه السلام ، في ذلك مذكورة في الكافي.

و مورد الاجماع، علي أن المخطي ء آثم، هو المجتهد الباذل جهده بزعمه، فلا ينافي كون الغافل و الملتفت العاجز عن بذل الجهد معذورا غير آثم.

و أما الثاني، فالظاهر فيه عدم وجوب تحصيل الظن عليه، لان المفروض عجزه عن الايمان و التصديق المأمور به و لا دليل آخر علي عدم جوازإ الوقف و ليس المقام من قبيل الفروع في وجوب العمل بالظن مع تعذر العلم، لان المقصود و لا معني للتوقف فيه، لا بد عند إنسداد باب العلم من العمل علي طبق أصل أو ظن.

و المقصود فيما نحن فيه الاعتقاد.

فإذا عجز عنه، فلا دليل علي وجوب تحصيل الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا، فيندرج في عموم قولهم عليهم السلام : (إذا جَاءَكُمْ مَا لَا تَعْلَمُونَ فَهَا).

نعم لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلي العالم و رأي العالم منه التمكن من تحصيل الظن بالحق و لم يخف عليه إفضاء نظره الظني إلي الباطل، فلا يبعد وجوب إلزامه بالتصحيل، لان

***** [285] *****

إنكشاف الحق و لو ظنا، أولي من البقاء علي الشك فيه.

و أما الثالث، فإن لم يقر في الظاهر بما هو مناط الاسلام فالظاهر كفره و إن أقر به مع العلم

بأنه شاك باطنا فالظاهر عدم إسلامه، بناء علي أن الاقرار الظاهري مشروط بإحتمال إعتقاده لما يقر به.

و في جريان حكم الكفر عليه حينئذ إشكال: من إطلاق بعض الاخبار بكفر الشاك و من تقييده في غير واحد من الاخبار بالجحود.

مثل رواية محمد بن مسلم، قال: (سأل أبوبصير أبا عبدالله عليه السلام ، قال:

مَا تَقُولُ فِيمَنْ شَكَّ فِي اللَّهِ؟

قَالَ كَافِرٌ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! قَالَ فَشَكَّ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم قَالَ كَافِرٌ.

قَالَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَي زُرَارَةَ فَقَالَ إِنَّمَا يَكْفُرُ إِذَا جَحَد).

و في رواية أخري: (لو أن الناس إذا جهلوا و قفوا و لم يجحدوا لم يكفروا).

ثم إن جحود الشاك يحتمل أن يراد به إظهار عدم الثبوت و إنكار التدين به، لاجل عدم الثبوت و يحتمل أن يراد به الانكار الصوري علي سبيل الجزم.

و علي التقديرين، فظاهرها أن المقر ظاهرا، الشاك باطنا الغير المظهر لشكه، غير كافر.

و يؤيد هذا رواية زرارة الواردة في تفسير قوله تعالي: (ِوَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِينَ،

فَقَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ وَ جَعْفَرٍ وَ أَشْبَاهِهِمَا من المؤمنين ثُمَّ إنهم دَخَلُوا بَعْدُ فِي الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَ تَرَكُوا الشِّرْكَ وَ لَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ فَيَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَيَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَ لَمْ يَكُونُوا عَلَي جُحُودِهِمْ فَيَكْفُرُوا فَيَجِبَ لَهُمُ النَّارُ فَهُمْ عَلَي تِلْكَ الْحَالة إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِم .

و قريب منها غيرها.

* * *

و لنختم الكلام بذكر كلام السيد الصدر الشارح للوافية، في أقسام المقلد في أصول الدين، بناء علي القول بجواز التقليد و أقسامه، بناء علي عدم جوازه.

قال: (إن أقسام المقلد علي القول بجواز التقليد ستة، لانه إما أن يكون مقلدا في

مسألة حقة أو في باطل.

و علي التقديرين إما أن يكون جازما بها أو ضانا و علي

***** [286] *****

تقديري التقليد في الباطل إما أن يكون إصراره علي التقليد مبتنيا علي عناد و تعصب بأن حصل له طريق علم إلي الحق فما سلكه و إما لا. فهذه أقسام ستة.

فالاول:

و هو من قلد في مسألة حقة جازما بها. مثلا، قلد في وجود الصانع و صفاته و عدله، فهذا مؤمن و استدل عليه بما تقدم حاصله.

من أن التصديق معتبر من اي طريق حصل إلي أن قال: - الثاني: من قلد في مسألة حقة ظانا بها من دون جزم، فالظاهر إجراء حكم المسلم عليه في الظاهر، إذ ليس حاله بأدون من حال المنافق، سيما إذا كان طالبا للجزم مشغولا بتحصيله فمات قبل ذلك.

أقول: هذا مبني علي أن الاسلام مجرد الاقرار الصوري و إن لم يحتمل مطابقته للاعتقاد.

و فيه: ما عرفت من الاشكال و إن دل عليه غير واحد من الاخبار.

الثالث: من قلد في باطل، مثل إنكار الصانع أو شئ مما يعتبر في الايمان و جزم به من غير ظهور حق و لا عناد.

الرابع: من قلد في باطل و ظن به كذلك.

و الظاهر في هذين إلحاقهما بمن يقام عليه الحجة في يوم القيامة.

و أما في الدنيا فيحكم عليهما بالكفر إن إعتقدا ما يوجبه و بالاسلام إن لم يكونا كذلك.

فالاول كمن أنكر النبي، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، مثلا.

و الثاني كمن أنكر إماما.

الخامس: من قلد في باطل جازما مع العناد.

السادس: من قلد في باطل ظانا كذلك و هذان يحكم بكفرهما مع ظهور الحق و الاصرار. ثم ذكر أقسام المقلد علي القول بعدم جواز التقليد.

قال: إنه إما أن يكون مقلدا في

حق أو في باطل و علي التقديرين مع الجزم أو الظن و علي تقديري التقليد في الباطل بلا عناد أو به و علي التقادير كلها دل عقله علي الوجوب أو بين له غيره و علي الدلالة أصر علي التقليد أو رجع و لم يحصل له كمال الاستدلال بعد أولا.

فهذه أقسام أربعة عشر.

الاول التقليد في الحق جازما مع العلم بوجوب النظر و الاصرار، فهذا مؤمن

***** [287] *****

فاسق، لاصراره علي ترك الواجب.

الثاني: هذه الصورة مع ترك الاصرار و الرجوع، فهذا مؤمن غير فاسق الثالث: المقلد في الحق الظان مع الاصرار و الظاهر أنه مؤمن مرجي في الاخرة و فاسق، للاصرار.

الرابع: هذه الصورة مع عدم الاصرار، فهذا مسلم ظاهرا غير فاسق.

الخامس و السادس: المقلد في الحق جازما أو ظانا مع عدم العلم بوجوب الرجوع، فهذان كالسابق بلا فسق.

أقول: الحكم بإيمان هؤلاء لا يجامع مع فرض القول بعدم جواز التقليد، إلا أن يريد بهذا القول قول الشيخ، قدس سره ، من وجوب النظر مستقلا، لكن ظاهره ارادة قول المشهور، فالاولي الحكم بعد إيمانهم علي المشهور، كما يقتضيه إطلاق معقد إجماع العلامة في أول باب الحادي عشر، لان الايمان عندهم المعرفة الحاصلة عن الدليل لا التقليد.

ثم قال: السابع: المقلد في الباطل جازما معاندا مع العلم بوجوب النظر و الاصرار عليه.

فهذا اشد الكافرين.

الثامن: هذه الصورة من غير عناد و لا إصرار، فهذا أيضا كافر.

ثم ذكرك الباقي و قال: إن حكمها يظهر مما سبق).

أقول: مقتضي هذا القول الحكم بكفرهم، لانهم، أولي به من السابقين.

* * *

بقي الكلام فيما نسب إلي الشيخ في العدة من القول بوجوب النظر مستقلا مع العفو، فلا بد من نقل عبارة العدة، فنقول: قال في باب التقليد، بعدما

ذكر إستمرار السيره علي التقليد في الفروع و الكلام في عدم جواز التقليد في الاصول، مستدلا بأنه لا خلاف في أنه يجب علي العامي معرفة الصلاة و أعدادها: (و إذا كان لا يتم ذلك إلا بعد معرفة الله و معرفة عدله و معرفة النبوه وجب أن لا يصح التقليد في ذلك).

ثم اعترض: بأن السيرة كما جرت له علي تقدير المقلدين في الفروع كذلك

***** [288] *****

جرت علي تقدير المقلدين في الاصول عدم الانكار عليهم.

فأجاب: بأن علي بطلان التقليد في الاصول أدلة عقلية و شرعية من كتاب و سنة و غير ذلك و هذا كاف في النكير.

ثم قال: إن المقلد للحق في أصول الديانات و إن كان مخطئنا في تقليده غير مؤاخذ به و أنه معفو عنه.

و إنما قلنا ذلك لمثل هذه الطريقة التي قدمناها، لاني لم أجد أحدا من الطائفة و لا من الائمة، عليهم السلام ، قطع مولاة من يسمع قولهم و اعتقد مثل إعتقادهم إن لم يستند ذلك إلي حجة من عقل أو شرع.

ثم اعترض: علي ذلك بان ذلك لا يجوز، لانه يؤدي إلي الاغراء بما لا يأمن أن يكون جهلا.

و أجاب: يمنع ذلك، لان هذا المقلد لا يمكنه أن يعلم سقوط العقاب عنه فيستديم الاعتقاد، لانه إنما يمكنه معرفة ذلك إذا عرف الاصول و قد فرضنا أنه مقلد في ذلك كله، فكيف يكون إسقاط العقاب مغريا و إنما يعلم ذلك غيره من العلماء الذين حصل لهم العلم بالاصول و سبروا أحوالهم أن العلماء لم يقطعوا موالاتهم و لا أنكروا عليهم و لا يسوغ ذلك لهم إلا بعد العلم بسقوط العقاب عنهم و ذلك يخرجه من باب الاغراء و هذا القدر كاف في هذا

الباب إن شاء الله.

و أقوي مما ذكرنا أنه لا يجوز التقليد في الاصول إذا كان للمقلد طريق إلي العلم به، إما علي جملة أو تفصيل.

و من ليس له قدرة علي ذلك أصلا فليس بمكلف و هو بمنزلة البهائم التي ليست مكلفة بحال)، إنتهي.

و ذكر، عند الاحتجاج علي حجية أخبار الآحاد، ما هو قريب من ذلك.

قال: (و أما ما يرويه قوم من المقلدة، فالصحيح الذي أعتقده أن المقلد للحق و إن كان مخطئا معفو عنه و لا أحكم فيه بحكم الفساق، فلا يلزم علي هذا ترك ما نقلوه)، إنتهي.

أقول: ظاهر كلامه، قدس سره ، في الاستدلال علي منع التقليد بتوقف معرفة الصلاة و أعدادها علي معرفة أصول الدين، أن الكلام في القلد الغير الجازم و حينئذ فلا دليل علي العفو.

***** [289] *****

و ما ذكره من عدم قطع العلماء و الائمة موالاتهم مع المقلدين، بعد تسليمه و الغض عن إمكان كون ذلك من باب الحمل علي الجزم بعقائدهم لعدم العلم بأحوالهم، لا يدل علي العفو و إنما يدل علي كفاية التقليد.

و إمساك النكير عليهم في ترك النظر و الاستدلال إذا لم يدل علي وجوبه عليهم، لما اعترف به قبل ذلك من كفاية النكير المستفاد من الادلة الواضحة علي بطلان التقليد في الاصول، لم يدل علي العفو من هذا الواجب المستفاد من الادلة، فلا دليل علي العفو من هذا الواجب المعلوم وجوبه.

و التحقيق أن إمساك النكير لو ثبت و لم يحتمل كونه لحمل أمرهم علي الصحة و لعملهم بالاصول دليل علي عدم الوجوب، لان وجود الادلة لا يكفي في إمساك النكير من باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و إن كفي فيه من حيث الارشاد و الدلاله

علي الحكم الشرعي، لكن الكلام في ثبوت التقرير و عدم إحتمال كونه لاحتمال العلم في حق المقلدين.

فالانصاف: أن المقلد الغير الجازم المتفطن لوجوب النظر عليه فاسق مؤاخذ علي تركه للمعرفة الجزمية بعقائده، بل قد عرفت إحتمال كفره، لعموم أدلة كفر الشاك.

و أما الغير المتفطن لوجوب النظر لغفلته أو القاصر عن تحصيل الجزم فهو معذور في الاخرة و في جريان حكم الكفر إحتمال تقدم.

و أما الجازم فلا يجب عليه النظر و الاستدلال و إن علم من عمومات الآيات و الاخبار وجوب النظر و الاستدلال، لان وجوب ذلك توصلي لاجل حصول المعرفة.

فإذا حصلت سقط وجوب تحصيلها بالنظر، اللهم إلا أن يفهم هذا الشخص منها كون النظر و الاستدلال واجبا تعبديا مستقلا أو شرطا شرعيا للايمان، لكن الظاهر خلاف ذلك، فإن الظاهر كون لك من المقدمات العقلية.

الامر السادس: إذا بنينا علي عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها
اشارة

الامر السادس: إذا بنينا علي عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها

إذا بنينا علي عدم حجية ظن أو عدم حجية الظن المطلق، فهل يترتب عليه آثار أخر غير الحجية بالاستقلال، مثل كونه جابرا لضعف سند أو قصور دلالة، أو كونه موهنا لحجة أخري، أو كونه مرجحا لاحد المتعارضين علي الآخر.

و مجمل القول في ذلك أنه كما يكون الاصل في الظن عدم الحجية، كذلك الاصل فيه عدم ترتب الاثار المذكورة من الجبر و الوهن و الترجيح و أما تفصيل الكلام في ذلك فيقع في مقامات ثلاثة:

مقامات ثلاثة:

المقام الاول:

الجبر بالظن الغير المعتبر

المقام الاول:

الجبر بالظن الغير المعتبر

فنقول: عدم إعتباره إما أن يكون من جهة ورود النهي عنه بالخصوص كالقياس و نحوه و إما من جهة دخوله تحت عمومات أصالة حرمة العمل بالظن.

و أما الاول، فلا ينبغي التأمل في عدم كونه مفيدا للجبر، لعموم ما دل علي عدم جواز الاعتناء به و إستعماله في الدين.

و أما الثاني، فالاصل فيه و إن كان ذلك إلا أن الظاهر أنه إذا كان المجبور محتاجا إليه من جهة إفادته للظن بالمضمون كالخبر إذا قلنا بكونه حجة بالخصوص لوصف كونه مظنون الصدور، فأفاد تلك الامارة الغير المعتبرة الظن بصدور ذلك الخبر إنجبر قصور سنده به.

إلا أن يدعي أن الظاهر إشتراط حجية ذلك الخبر بإفادته للظن بالصدور، لا مجرد كونه مظنون الصدور و لو حصل الظن

***** [291] *****

بصدوره من غير سنده و بالجملة فالمتبع هو ما يفهم من دليل حجية المجبور.

و من هنا لا ينبغي التأمل في عدم إنجبار قصور الدلالة بالظن المطلق، لان المعتبر في باب الدلالات هو ظهور الالفاظ نوعا في مدلولاتها، لا مجرد الظن بمطابقة مدلولها للواقع و لو من

الخارج.

فالكلام إن كان ظاهرا في معني بنفسه أو بالقرائن الداخلة فهو و إلا - بأن كان مجملا أو كان دلالته في الاصل ضعيفة، كدلالة الكلام بمفهومه الوصفي - فلا يجدي الظن بمراد الشارع من أمارة خارجية غير معتبرة بالفرض، إذ التعويل حينئذ علي ذلك الظن من غير. مدخلية للكلام، بل ربما لا تكون تلك الامارة موجبة للظن بمراد الشارع من هذا الكلام.

غايته إفادته للظن بالحكم الفرعي و لا ملازمة بينه و بين الظن بإرادته من اللفظ، فقد لا يريده بذلك اللفظ.

نعم قد يعلم من الخارج كون المراد هو الحكم الواقعي. فالظن به يستلزم الظن بالمراد، لكن هذا من باب الاتفاق.

و مما ذكرنا ظهر أن ما إشتهر - من أن ضعف الدلالة منجبر بعمل الاصحاب - غير معلوم المستند، بل و كذلك دعوي إنجبار قصور الدلالة بفهم الاصحاب لم يعلم لها بينة.

و الفرق أن فهم الاصحاب و تمسكهم به كاشف ظني عن قرينة علي المراد، بخلاف عمل الاصحاب، فإن غايته الكشف عن الحكم الواقعي الذي قد عرفت أنه لا يستلزم كونه مرادا من ذلك اللفظ، كما عرفت.

بقي الكلام في مستند المشهور في كون الشهرة في الفتوي جابرة لضعف سند الخبر.

فإنه إن كان من جهة إفادتها الظن بصدق الخبر، ففيه - مع أنه قد لا يوجب الظن بصدور ذلك الخبر، نعم يوجب الظن بصدور حكم عن الشارع مطابق لمضمون الخبر - : أن جلهم لا يقولون بحجية الخبر المظنون الصدور مطلقا، فإن المحكي عن المشهور إعتبار الايمان في الراوي، مع أنه لا يرتاب في إفادة الموثق للظن.

فإن قيل: إن ذلك لخروج خبر غير الامامي بالدليل الخاص، مثل منطوق آية النبأ و مثل قوله عليه السلام : (لا

تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا).

قلنا: إن كان ما خرج بحكم الاية و الرواية مختصا بما لا يفيد الظن فلا يشمل الموثق و إن كان عاما لما ظن بصدوره كان خبر غير الامامي المنجبر بالشهرة و الموثق متساويين في الدخول تحت الدليل المخرج.

و مثل الموثق خبر الفاسق المتحرز عن الكذب و الخبر المعتضد بالاولوية و الاستقراء

***** [292] *****

و سائر الامارات الظنية، مع أن المشهور لا يقولون بذلك و إن كان لقيام دليل خاص عليه، ففيه المنع من وجود هذا الدليل.

و بالجملة، فالفرق بين الضعيف المنجبر بالشهرة و المنجبر بغيرها من الامارات و بين الخبر الموثق المفيد لمثل الظن الحاصل من الضعيف المنجبر في غاية الاشكال، خصوصا مع عدم العلم بإستناد المشهور إلي تلك الرواية.

و إليه أشار شيخنا في موضع من المسالك بأن جبر الضعيف بالشهرة ضعيف مجبور بالشهرة.

و ربما يدعي كون الخبر الضعيف المنجبر من الظنون الخاصة حيث أدعي الاجماع علي حجيته و لم يثبت.

و أشكل من ذلك دعوي دلالة منطوق آية النبأ عليه، بناء علي أن التبين يعم الظن الحاصل من ذهاب المشهور إلي مضمون الخبر.

و هو بعيد، إذ لو أريد مطلق الظن فلا يخفي بعده، لان المنهي عنه ليس إلا خبر الفاسق المفيد للظن، إذ لا يعمل أحد بالخبر المشكوك صدقه.

و إن أريد البالغ حد الاطمينان فله وجه، غير أنه يقتضي دخول سائر الظنون الجابرة إذا بلغت و لو بضميمة المجبور حد الاطمينان و لا يختص بالشهرة. فالاية تدل علي حجية الخبر المفيد للوثوق و الاطمينان و لا بعد فيه.

و قد مر في أدلة الاخبار ما يؤيده أو يدل عليه من حكايات الاجماع و الاخبار.

و أبعد من الكل دعوي إستفادة حجيته مما دل

من الاخبار، كمقبولة إبن حنظلة و المرفوعة إلي زرارة، علي الامر بالاخذ بما إشتهر بين الاصحاب من المتعارضين.

فإن ترجيحه علي غيره في مقام التعارض يوجب حجيته في مقام عدم المعارض بالاجماع و الاولوية.

و توضيح فساد ذلك أن الظاهر من الروايتين شهرة الخبر من حيث الرواية.

كما يدل عليه قول السائل فيما بعد ذلك: (فإنهما معا مشهوران)، مع أن ذكر الشهرة من المرجحات يدل علي كون الخبرين في أنفسهما معتبرين مع قطع النظر عن الشهرة.

المقام الثاني: في كون الظن الغير المعتبر موهنا

المقام الثاني: في كون الظن الغير المعتبر موهنا

و الكلام هنا أيضا يقع تارة فيما علم بعدم إعتباره و أخري فيما لم يثبت إعتباره.

و تفصيل الكلام في الاول أن المقابل له إن كان من الامور المعتبرة، لاجل إفادة الظن النوعي، أي لكون نوعه لو خلي و طبعه مفيدا للظن و إن لم يكن مفيدا له في المقام الخاص، فلا إشكال في عدم وهنه بمقابلة ما علم عدم إعتباره، كالقياس في مقابل الخبر الصحيح بناء علي كونه من الظنون الخاصة علي هذا الوجه و من هذا القبيل: القياس في مقابلة الظواهر اللفظية فإنه لا عبرة به أصلا، بناء علي كون إعتبارها من باب الظن النوعي.

و لو كان من باب التعبد فالامر أوضح.

نعم لو كان حجيته، سواء كان من باب الظن النوعي او كان من باب التعبد.

مقيدة بصورة عدم الظن علي خلافه، كان للتوقف مجال.

و لعله الوجه، فيما حكاه لي بعض المعاصرين عن شيخه: أنه ذكر له مشافهة: (انه يتوقف في الظواهر المعارضة بمطلق الظن علي الخلاف حتي القياس و أشباهه).

لكن هذا القول، أعني تقييد حجية الظواهر بصورة عدم الظن علي خلافها، بعيد في الغاية.

و بالجملة فيكفي في المطلب ما دل علي عدم جواز الاعتناء

بالقياس مضافا إلي إستمرار سيرة الاصحاب علي ذلك.

مع أنه يمكن أن يقال: إن مقتضي النهي عن القياس - معللا بما حاصله غلبة مخالفته للواقع - يقتضي أن لا يترتب شرعا علي القياس أثر، لا من حيث تأثيره في الكشف و لا من حيث قدحه فيما هو كاشف بالذات، فحكمه حكم عدمه، فكان مضمونه مشكوك لا مظنون، بل مقتضي ظاهر التعليل أنه كالموهوم.

فكما أنه لا ينجبر به ضعيف لا يضعف به قوي.

و يويد ما ذكرنا الرواية المتقدمة عن أبان الدالة علي ردع الامام له في رد الخبر الوارد في تنصيف دية أصابع المرأة بمجرد مخالفته للقياس، فراجع و هذا حسن.

***** [294] *****

لكن الاحسن منه تخصيص ذلك بما كان إعتباره من قبل الشارع. كما لو دل الشرع علي حجية الخبر ما لم يكن ظن علي خلافه. فإن نفي الاثر شرعا من الظن القياسي يوجب بقاء إعتبار تلك الامارة علي حاله.

و أما ما كان إعتباره من باب بناء العرف و كان مرجع حجيته شرعا إلي تقرير ذلك البناء، كظواهر الالفاظ، فإن وجود القياس إن كان يمنع عن بنائهم فلا يرتفع ذلك بما ورد من قصور القياس عن الدلالة علي الواقع.

فتأثير الظن بالخلاف في القدح في حجية الظواهر ليس مثل تاثيره في القدح في حجية الخبر المظنون الخلاف في كونه مجعولا شرعيا يرتفع بحكم الشارع بنفي الاثر عن القياس، لان المنفي في حكم الشارع من آثار الشئ الموجود حسا هي الاثار المجعولة دون غيرها.

نعم يمكن أن يقال: إن العرف بعد تبين حال القياس لهم من قبل الشارع لا يعبأون به في مقام إستنباط أحكام الشارع من خطاباته، فيكون النهي عن القياس ردعا لبنائهم علي تعطيل الظواهر لاجل مخالفت ها للقياس.

و

مما ذكرنا يعلم حال القياس في مقابل الدليل الثابت حجيته بشرط الظن.

كما لو جعلنا الحجة من الاخبار المظنون الصدور منها أو الموثوق به منها، فإن في وهنهما بالقياس الوجهين: من حيث رفعه للقيد المأخوذ في حجيتها علي وجه الشرطية، فمرجعه إلي فقدان شرط وجداني، أعني وصف الظن بسبب القياس.

و نفي الآثار الشرعية للظن القياسي لا يجدي، لان الاثر المذكور، أعني رفع الظن، ليس من الامور المجعولة و من أن أصل إشتراط الظن من الشارع.

فإذا علمنا من الشارع أن الخبر المزاحم بالظن القياسي لا ينقص أصلا من حيث الايصال إلي الواقع و عدمه من الخبر السليم عن مزاحمته و أن وجود القياس و عدمه في نظره سيان.

فلا إشكال في الحكم بكون الخبرين المذكورين عنده علي حد سواء.

و من هنا يمكن جريان التفصيل السابق: بأنه إن كان الدليل المذكور المقيد إعتباره بالظن مما دل الشرع علي إعتباره، لم يزاحمه القياس الذي دل الشرع علي كونه كالعدم من جميع الجهات التي لها مدخل في الوصول إلي دين الله و إن كان مما دل علي إعتباره العقل الحاكم بتعيين الاخذ بالراجح عند إنسداد باب العلم و الطرق الشرعية، فلا وجه لاعتباره مع مزاحمة القياس الرافع لما هو مناط حجيته أعني الظن.

فإن غاية الامر صيرورة مورد إجتماع تلك الامارة و القياس مشكوكا، فلا يحكم العقل فيه بشئ، إلا أن يدعي المدعي أن العقل بعد تبين حال القياس لا يسقط عنده الامارة المزاحمة به عن القوة التي تكون لها علي تقدير عدم المزاحم و إن كان لا يعبر عن تلك القوة حينئذ بالظن و عن مقابلها بالوهم.

***** [295] *****

و الحاصل: أن العقلاء، إذا وجدوا في شهرة خاصة أو إجماع منقول مقدارا

من القوة و القرب إلي الواقع و التجأوا إلي العمل علي طبقهما مع فقد العلم و علموا حال القياس ببيان الشارع أنه لا عبرة بما يفيده من الظن و لا يرضي الشارع بدخله في دين الله، لم يفرقوا بين كون الشهرة و الاجماع المذكورين مزاحمين بالقياس أم لا، لانه لا ينقصهما عما هما عليه من القوة و المزية المسماة بالظن الشأني و النوعي و الطبعي.

و مما ذكرنا صح للقائلين بمطلق الظن لاجل الانسداد، إلا ما خرج، أن يقولوا بحجية الظن الشأني، بمعني أن الظن الشخصي إذا إرتفع عن الامارات المشمولة لدليل الانسداد بسبب الامارات الخارجة عنه لم يقدح ذلك في حجيتها، بل يجب القول بذلك علي رأي بعضهم ممن يجري دليل الانسداد في كل مسألة مسألة، لانه إذا فرض في مسألة وجود أمارة مزاحمة بالقياس، فلا وجه للاخذ بخلاف تلك الامارة، فافهم.

هذا كله مع إستمرار السيرة علي عدم ملاحظة القياس في مورد من الموار الفقهية و عدم الاعتناء به في الكتب الاصولية.

فلو كان له أثر شرعي و لو في الوهن، لوجب التعرض لاحكامه في الاصول و البحث و التفتيش عن وجوده في كل مورد من موارد الفروع، لان الفحص عن الموهن كالفحص عن المعارض واجب و قد تركه أصحابنا في الاصول و الفروع، بل تركوا روايات من اعتني به منهم و إن كان من المؤسسين لتقرير الاصول و تحرير الفروع، كالاسكافي، الذي نسب إليه أن تدوين (أصول الفقه) من الامامية منه و من العماني يعني إبن عقيل، قدس سره ما و في كلام آخر: إن تحرير الفتاوي في الكتب المستقلة منهما أيضا، جزاهما الله و جميع من سبقهما و لحقهما خير الجزاء.

ثم إنك تقدر بملاحظة

ما ذكرنا في التفصي عن إشكال خروج القياس عن عموم دليل الانسداد من الوجوه علي التكلم فيما سطرنا ههنا نقضا و إبراما.

هذا تمام الكلام في وهن الامارة المعتبرة بالظن المنهي عنه بالخصوص، كالقياس و شبهه.

و أما الظن الذي لم يثبت إلغاؤه إلا من جهة بقائه تحت أصالة حرمة العمل بالظن، فلا إشكال في وهنه لما كان من الامارات إعتبارها مشروطا بعدم الظن بالخلاف، فضلا عما كان إعتباره مشروطا بإفادة الظن و السر فيه إنتفاء الشرط.

كما أنه لا إشكال في عدم الوهنية إذا كان إعتبارها من باب الظن النوعي.

و توهم (جريان ما ذكرنا في القياس هنا من جهة أن النهي يدل علي عدم كونه مؤثرا أصلا، فوجوده كعدمه من جميع الجهات)، مدفوع.

المقام الثالث: في الترجيح بالظن الغير المعتبر
اشارة

المقام الثالث: في الترجيح بالظن الغير المعتبر

و قد عرفت أنه علي قمسين:

أحدهما ما ورد النهي عنه بالخصوص، كالقياس و شبهه.

و الآخر ما لم يعتبر، لاجل عدم الدليل و بقائه تحت أصالة الحرمه.

القسم الاول:

و هو الظن الذي ورد النهي عنه بالخصوص

أما الاول، فالظاهر من أصحابنا عدم الترجيح به.

نعم يظهر من المعارج وجود القول به بين أصحابنا، حيث قال في باب القياس: (ذهب ذاهب إلي أن الخبرين إذا تعارضا و كان القياس موافقا لما تضمنه أحدهما، كان ذلك وجها يقتضي ترجيح ذلك الخبر علي معارضه.

و يمكن أن يحتج لذلك بأن الحق في أحد الخبرين، فلا يمكن العمل بهما و لا طرحهما، فتعين العمل بأحدهما.

و إذا كان التقدير تقدير التعارض، فلا بد في العمل باحدهما من مرجح و القياس يصلح أن يكون مرجحا لحصول الظن به، فتعين العمل بما طابقه.

لا يقال: أجمعنا علي أن القياس مطروح في الشريعة.

لانا نقول: بمعني أنه ليس بدليل علي الحكم، لا بمعني أنه لا يكون مرجحا لاحد الخبرين علي الآخر.

و هذا لان فائدة كونه مرجحا كونه رافعا للعمل بالخبر المرجوح، فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض، فيكون العمل به، لا بذلك القياس و فيه نظر)، إنتهي.

و مال إلي ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين، قدست أسرارهم، بعض الميل و الحق خلافه، لان رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به حقيقة، فإنه لولا القياس كان العمل به جائزا.

و المقصود تحريم العمل به، لاجل القياس و أي عمل أعظم من هذا و الفرق بين المرجح

***** [297] *****

و الدليل ليس إلا أن الدليل مقتض لتعين العمل به و المرجح رافع للمزاحم عنه.

فلكل منهما مدخل في العلة التامة لتعين العمل به.

فإذا كان إستعمال القياس محظورا و أنه لا يعبأ

به في الشرعيات كان وجوده كعدمه غير مؤثر، مع أن مقتضي الاستناد في الترجيح به إلي إفادته للظن كونه من قبيل الجزء لمقتضي تعيين العمل، لا من قبيل دفع المزاحم، فيشترك مع الدليل المنضم إليه في الاقتضاء. هذا كله علي مذهب غير القائلين بمطلق الظن.

و أما علي مذهبهم:

فيكون القياس تمام المقتضي بناء علي كون الحجة عندهم الظن الفعلي، لان الخبر المنضم إليه ليس له مدخل في حصول الظن الفعلي بمضمونه. نعم قد يكون الظن مستندا إليهما فيصير من قبيل جزء المتقضي.

و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه إستمرار سيرة أصحابنا الامامية، رضوان الله عليهم، في الاستنباط علي هجره و ترك الاعتناء بما حصل لهم من الظن القياسي أحيانا، فضلا عن أن يتوقفوا في التخيير بين الخبرين المعارضين مع عدم مرحج آخر أو الترجيح بمرجح موجود إلي أن يبحثوا عن القياس.

كيف و لو كان كذلك لاحتاجوا إلي عنوان مباحث القياس و البحث فيه بما يقتضي البحث عنها علي تقدير الحجية.

و أما القسم الآخر و هو الظن الغير المعتبر، لاجل بقائه تحت أصالة حرمة العمل.
اشارة

و أما القسم الآخر و هو الظن الغير المعتبر، لاجل بقائه تحت أصالة حرمة العمل. فالكلام في الترجيح به يقع في مقامات.

الاول:

الترجيح به في الدلالة بأن يقع التعارض بين ظهوري الدليلين، كما في العامين من وجه و أشباهه.

و هذا لا إختصاص له بالدليل الظني السند، بل يجري في الكتاب و السنة المتواترة.

الثاني: الترجيح به في وجه الصدور، بأن نفرض الخبرين صادرين و ظاهري الدلالة و انحصر التحير في تعيين ما صدر لبيان الحكم و تمييزه عما صدر علي وجه التقية أو غيرها من الحكم المقتضية لبيان خلاف الواقع.

و هذا يجري في مقطوعي الصدور و في مظنوني الصدور مع بقاء الظن بالصدور في كل منهما.

الثالث: الترجيح به

من حيث الصدور بأن صار بالمرجح أحدهما مظنون الصدور.

أما المقام الاول [وهو الترجيح بالظن الغير المتعبر في الدلالة]

فتفصيل القول فيه: أنه إن قلنا بأن مطلق الظن علي خلاف الظواهر يسقطها عن الاعتبار

***** [298] *****

لاشتراط حجيتها بعدم الظن علي الخلاف، فلا إشكال في وجوب الاخذ بمقتضي ذلك الظن المرجح.

لكن يخرج حينئذ عن كونه مرجحا، بل يصير سببا لسقوط الظهور المقابل له عن الحجية، لا لدفع مزاحمته للظهور المنضم إليه، فيصير ما وافقه حجة سليمة عن المعارض.

إذ لو لم يكن في مقابل ذلك المعارض إلا هذا الظن لاسقطه عن الاعتبار.

نظير الشهرة في أحد الخبرين الموجبة لدخول الآخر في الشواذ التي لا إعتبار بها، بل أمرنا بتركها و لو لم يكن في مقابلها خبر معتبر.

و أولي من هذا: إذا قلنا بإشتراط حجية الظواهر بحصول الظن منها أو من غيرها علي طبقها.

لكن هذا القول سخيف جدا.

و الاول أيضا بعيد، كما حققناه في مسألة حجية الظواهر.

و إن قلنا بأن حجية الظواهر من حيث إفادتها للظن الفعلي و أنه لا عبرة بالظن الحاصل من غيرها علي طبقها، أو قلنا بأن حجيتها من حيث الاتكال علي أصالة عدم القرينة التي لا يعتبر فيها إفادتها للظن الفعلي، فالاقوي عدم إعتبار مطلق الظن في مقام الترجيح، إذ المفروض علي هذين القولين سقوط كلا الظاهرين عن الحجية في مورد التعارض، فأنه إذا صدر عنه قوله، مثلا: إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه و ورد أيضا: كل شئ يطير لا بأس بخرئه و بوله و فرض عدم قوة أحد الظاهرين من حيث نفسه علي الاخر، كان ذلك مسقطا لظاهر كليهما عن الحجية في مادة التعارض، أعني خرء الطير الغير المأكول و بوله.

أما علي القول الاول، فلان حجية الظواهر مشروطة بالظن المفقود في

المقام.

و أما علي الثاني، فلان أصالة عدم القرينة في كل منهما معارضة بمثلها في الآخر و الحكم في باب تعارض الاصلين مع عدم حكومة أحدهما علي الاخر التساقط و الرجوع إلي عموم أو أصل يكون حجيته مشروطا بعدم وجودهما علي قابلية الاعتبار.

فلو عمل حينئذ بالظن الموجود مع أحدهما، كالشهرة القائمة في المسألة المذكورة علي النجاسة، كنا قد عملنا بذلك الظن مستقلا، لا من باب كونه مرجحا، لفرض تساقط الظاهرين و صيرورتهما كالعدم.

فالمتجه حنيئذ الرجوع في المسألة، بعد الفراغ من المرجحات من حيث السند أو من حيث الصدور تقية أو لبيان الواقع، إلي قاعدة الطهارة.

أما المقام الثاني: و هو الترجيح بالظن الغير المعتبر في وجه الصدور

فتفصيل القول فيه أن اصالة عدم التقية - إن كان المستند فيها أصل العدم في كل حادث، بناء علي أن دواعي التقية التي هي من قبيل الموانع لاظهار الحق حادثة - تدفع بالاصل، فالمرجع بعد

***** [299] *****

معارضة هذا الاصل في كل خبر بمثله في الاخر هو التساقط و كذلك لو إستندنا فيها إلي أن ظاهر حال المتكلم بالكلام، خصوصا الامام، عليه السلام ، في مقام إظهار الاحكام التي نصب لاجلها هو بيان الحق و قلنا بأن إعتبار هذا الظهور مشروط بإفادته الظن الفعلي المفروض سقوطه من الطرفين.

و حينئذ فإن عملنا بمطلق الظن في تشخيص التقية و خلافها - بناء علي حجية الظن في هذا المقام، لاجل الحاجة إليه من جهة العلم بصدور كثير من الاخبار تقية و أن الرجوع إلي أصالة عدمها في كل مورد يوجب الافتاء بكثير مما صدر تقية، فتعين العمل بالظن، أو لانا نفهم مما ورد في ترجيح ماخالف العامة علي ما وافقهم كون ذلك من أجل كون الموافقة مظنة للتقية، فتعين العمل بما هو أبعد عنها بحسب

كل أمارة - كان ذلك الظن دليلا مستقلا في ذلك المقام و خرج عن كونه مرجحا.

و لو إستندنا فيها إلي الظهور المذكور و اشترطنا في إعتباره عدم الظن علي خلافه، كان الخبر الموافق لذلك الظن حجة سليمة عن المعارض لا عن المزاحم كما عرفت نظيره في المقام الاول.

و إن إستندنا فيها إلي الظهور النوعي، نظير ظهور فعل المسلم في الصحيح و ظهور تكلم المتكلم في كونه قاصدا، لا هازلا و لم يشترط في إعتباره الظن الفعلي و لا عدم الظن بالخلاف، تعارض الظاهران، فيقع الكلام في الترجيح بهذا الظن المفروض و الكلام فيه يعلم مما سيجئ.

أما المقام الثالث و هو ترجيح السند بمطلق الظن

أما المقام الثالث و هو ترجيح السند بمطلق الظن

فالكلام فيه أيضا مفروض فيما إذا لم نقل بحجية الظن المطلق و لا بحجية الخبرين بشرط إفادة الظن و لا بشرط عدم الظن علي خلافه، إذ يخرج الظن المفروض علي هذه التقادير عن المرجحية بل يصير حجة مستقلة علي الاول، سواء كان حجية المتعارضين من باب الظن المطلق أو من باب الاطمينان أو من باب الظن الخاص، فإن القول بالظن المطلق لا ينافي القول بالظن الخاص في بعض الامارات كالخبر الصحيح بعدلين و يسقط المرجوح عن الحجية علي الاخيرين، فيتعين أن الكلام في مرجحيته فيما إذا قلنا بحجية كل منهما من حيث الظن النوعي كما هو مذهب الاكثر.

و الكلام يقع تارة في الترجيح بالظن في مقام لولاه لحكم بالتخيير و أخري في الترجيح به في مقام المرجحات المنصوصة في الاخبار العلاجية.

أما الكلام في الاول و ملخصه:

***** [300] *****

أنه لا ريب في أن مقتضي الاصل عدم الترجيح، كما أن الاصل عدم الحجية.

لان العمل بالخبر الموافق لذلك الظن إن كان علي وجه التدين

و الالتزام بتعين العمل به من جانب الشارع و أن الحكم الشرعي الواقعي هو مضمونه، لا مضمون الاخر من غير دليل قطعي يدل علي ذلك، فهو تشريع محرم بالادلة الاربعة و العمل به لا علي هذا الوجه محرم إذا إستلزم مخالفة القاعدة أو الاصل الذي يرجع إليه علي تقدير فقد هذا الظن.

فالوجه المتقضي لتحريم العمل بالظن مستقلا من التشريع أو مخالفة الاصول القطعية الموجودة في المسألة جار بعينه في الترجيح بالظن و الايات و الاخبار الناهية عن القول بغير علم كلها متساوية النسبة إلي الحجية و إلي المرجحية.

و قد عرفت في الترجيح بالقياس أن المرجح يحدث حكما شرعيا لم يكن مع عدمه و هو وجوب العمل بموافقته عينا، مع كون الحكم لا معه هو التخيير أو الرجوع إلي الاصل الموافق للاخر، هذا.

و لكن الذي يظهر من كلمات معظم الاصوليين هو الترجيح بمطلق الظن.

و ليعلم أول أن محل الكلام، كما عرفت في عنوان المقامات الثلاثة أعني الجبر و الوهن و الترجيح، هو الظن الذي لم يعلم إعتباره.

فالترجح به من حيث السند أو الدلالة ترجيح بأمر خارجي.

و هذا لا دخل له بمسألة أخري إتفاقية و هي وجوب العمل بأقوي الدليلين و ارجحهما.

فإن الكلام فيها في ترجيح أحد الخبرين الذي يكون بنفسه أقوي من الاخر من حيث السند، كالاعدل و الافقه أو المسند أو الاشهر رواية أو غير ذلك، أو من حيث الدلالة، كالعام علي المطلق و الحقيقة علي المجاز و المجاز علي الاضمار و غير ذلك.

و بعبارة أخري، الترجيح بالمرجحات الداخلية من جهة النسد إتفاقي و استفاض نقل الاجمع من الخاصة و العامة علي وجوب العمل بأقوي الدليلين عن الاخر.

و الكلام هنا في المرجحات الخارجية المعاضدة لمضمون

أحد الخبرين الموجبة لصيرورة مضمونه اقرب إلي الواقع من مضمون الاخر.

نعم لو كشف تلك الامارة عن مزية داخلية لاحد الخبرين علي الاخر من حيث سنده أو دلالته دخلت في المسألة الاتفاقية و وجب الاخذ بها، لان العمل بالراجح من الدليلين واجب إجماعا، سواء علم وجه الرجحان تفصيلا أم لم يعلم إلا إجمالا.

و من هنا ظهر أن الترجيح بالشهرة و الاجمع المنقول إذا كشفا عن مزية داخلية في سند أحد الخبرين أو دلالته مما لا ينبغي الخلاف فيه.

نعم لو لم يكشفا عن ذلك إلا ظنا، ففي حجيته أو

***** [301] *****

إلحاقه بالمرجح الخارجي وجهان، أقواهما الاول، كما سيجئ

* * *

و كيف كان فالذي يمكن أن يستدل به للترجيح بمطلق الظن الخارجي وجوه.

الاول:

قاعدة الاشتغال، لدوران الامر بين التخيير و تعيين الموافق للظن.

و توهم:

(إنه قد يكوئن الطرف المخالف موافقا للاحتياط اللازم في المسألة الفرعية فيعارض الاحتياط في المسألة الاصولية بل يرجح عليه في مثل المقام، كما نبهنا عليه عند الكلام في معممات نتيجة دليل الانسداد)، مدفوع بأن المفروض فيما نحن فيه عدم وجوب الاخذ بما وافق الاحتياط من الخبرين لولا الظن: لان الاخذ به، إن كان من جهة إقتضاء المورد للاحتياط، فقد ورد عليه حكم الشارع بالتخيير المرخص للاخذ بخلاف الاحتياط و براءة الذمة من الواقع في حكم الشارع بالعمل بالخبر المخالف له.

و لهذا يحكم بالتخيير أيضا و إن كان أحدهما موافقا للاستصحاب و الاخر مخالفا، إذ كما أن الدليل المعين للعمل به يكون حاكما علي الاصول، كذلك الدليل المخير في العمل به و بمعارضه.

و إن كان من جهه بعض الاخبار الدالة علي وجوب الاخذ بما وافق الاحتياط و طرح ما خالفه، ففيه ما تقرر في محله من عدم

نهوض تلك الاخبار لتخصيص الاخبار الدالة علي التخيير.

بل هنا كلام آخر و هو أن حجية الخبر المرجوح في المقام و جواز الاخذ به يحتاج إلي توقيف، إذ لا يكفي في ذلك ما دل علي حجية كلا المتعارضين بعد فرض إمتناع العمل بكل منهما، فيجب الخذ بالمتيقن جواز العمل به و طرح المشكوك و ليس المقام مقام التكليف المردد بين التعيين و التخيير حتي يبني علي مسألة البراءة و الاشتغال.

و تمام الكلام في خاتمة الكتاب في مبحث التراجيح إن شاء الله تعالي.

الثاني: ظهور الاجماع علي ذلك، كما إستظهره بعض مشايخنا، فتراهم يستدلون في موارد الترجيح ببعض المرجحات الخارجية بإفادته للظن بمطابقة أحد الدليلين للواقع، فكان الكبري و هي وجوب الاخذ بمطلق ما يفيد الظن علي طبق أحد الدليلين مسلمة عندهم.

و ربما يستفاد ذلك من الاجماعات المستفيضة علي وجوب الاخذ بأقوي المتعارضين.

إلا أنه يشكل بما ذكرنا: من أن الظاهر أن المراد بأقوي الدليلين منهما ما كان كذلك في نفسه و لو إنكشف أمر خارجي عن ذلك، كعمل الاكثر الكاشف عن مرجح داخلي لا نعلمه تفصيلا، فلا يدخل فيه ما كان مضمونه مطابقا لامارة غير معتبرة، كالاستقراء و الاولوية الظنية مثلا، علي تقدير عدم إعتبارهما، فإن الظاهر خروج ذلك

***** [302] *****

عن معتقد تلك الاجماعات و إن كان بعض أدلتهم ألاخر قد يفيد العموم لما نحن فيه، كقبح ترجيح المرجوح، إلا أنه لا يبعد أن يكون المراد المرجوح في نفسه من المتعارضين لا مجرد المرجوح بحسب الواقع و إلا إقتضي ذلك حجية نفس المرجح مستقلا.

نعم الانصاف: أن بعض كلماتهم يستفاد منه أن العبرة في الترجيح بصيرورة مضمون أحد الخبرين بواسطة المرجح أقرب إلي الواقع من مضمون الآخر.

و قد إستطهر

بعض مشايخنا الاتفاق علي الترجيح بكل ظن ما عدا القياس.

فمنها: ما تقدم عن المعارج من الاستدلال للترجيح بالقياس بكون مضمون الخبر الموافق له أقرب إلي الواقع من مضمون الاخر.

و منها: ما ذكروه في مسائل تعارض الناقل مع المقرر، فإن مرجع ما ذكروا فيها لتقديم أحدهما علي الاخر إلي الظن بموافقة احدهما لحكم الله الواقعي.

إلا أن يقال: إن هذا الظن حاصل من نفس الخبر المتصف بكونه مقررا أو ناقلا.

و منها: ما ذكروه في ترجيح أحد الخبرين بعمل أكثر السلف معللين بأن الاكثر يوفق للصواب بما لا يوافق له الاقل و في ترجيحه بعمل علماء المدينة، إلا أن يقال أيضا: إن ذلك كاشف عن مرجح داخلي في احد الخبرين.

و بالجملة فتتبع كلماتهم يوجب الظن القوي بل القطع بأن بناء هم علي الاخذ بكل ما يشمل علي ما يوجب اقربيته إلي الصواب، سواء كان لامر راجع إلي نفسه أو لاحتفافه بأمارة أجنبية توجب قوة مضمونها.

ثم لو فرض عدم حصول القطع من هذه الكلمات بمرجحية الظن المطلق المطابق لمضمون أحد الخبرين، فلا أقل من كونه مظنونا و الظاهر وجوب العمل به في مقابل التخيير و إن لم يجب العمل به في مقابل الاصول.

و سيجئ بيان ذلك إن شاء الله تعالي.

الثالث: ما يظهر من بعض الاخبار، من أن المناط في الترجيح كون أحد الخبرين أقرب مطابقة للواقع، سواء كان لمرجح داخلي كالاعدلية مثلا أو لمرجح خارجي كمطابقته لامارة توجب كون مضمونه أقرب إلي الواقع من مضمون الاخر: مثل ما دل علي الترجيح بالاصدقية في الحديث، كما في مقبولة إبن حنظلة، فإنا نعلم أن وجه الترجيح بهذه الصفة ليس إلا كون الخبر الموصوف بها أقرب إلي الواقع من الخبر الغير الوصوف

بها، لا لمجرد كون راوي أحدهما أصدق و ليس هذه الصفة مثل الاعدلية و شبهه ا في إحتمال كون العبرة

***** [303] *****

بالظن الحاصل من جهتها بالخصوص.

و لذا اعتبر الظن الحاصل من عدالة البينة دون الحاصل من مطلق الوثاقة، لان صفة الصدق ليست إلا المطابقة للواقع. فمعني الاصدق هو الاقرب إلي الواقع. فالترجيح بها يدل علي أن العبرة بالاقربية من أي سبب حصلت.

و مثل ما دل علي ترجيح أوثق الخبرين، فإن معني الاوثقية شدة الاعتماد عليه و ليس إلا لكون خبره أوثق.

فإذا حصل هذا المعني في أحد الخبرين من مرجح خارجي اتبع.

و مما يستفاد منه المطلب علي وجه الظهور ما دل علي ترجيح أحد الخبرين علي الاخر بكونه مشهورا بين الاصحاب بحيث يعرفه كلهم و كون الاخر غير مشهور الرواية بينهم، بل ينفرد بروايته بعضهم دون بعض، معللا ذلك بأن المجمع عليه لا ريب فيه، فيدل علي أن طرح الاخر لاجل ثبوت الريب فيه، لا لانه لا ريب في بطلانه، كما قد يتوهم و إلا لم يكن معني للتعارض و تحير السائل و لا لتقديمه علي الخبر المجمع عليه، إذا كان راويه أعدل كما يقتضيه صدر الخبر و لا لقول السائل بعد ذلك: (هما مشهوران معا).

فحاصل المرجح هو ثبوت الريب في الخبر الغير المشهور و إنتفاؤه في المشهور، فيكون المشهور من الامر البين الرشد و غيره من الامر المشكل، لا بين الغي، كما توهم.

و ليس المراد به نفي الريب من جميع الجهات، لان الاجماع علي الرواية لا يوجب ذلك ضرورة، بل المراد وجود ريب في غير المشهور يكون منتفيا في الخبر المشهور و هو احتمال وروده علي بعض الوجوه أو عدم صدوره رأسا.

و ليس المراد بالريب مجرد

الاحتمال و لو موهوما، لان الخبر المجمع عليه يحتمل فيه أيضا من حيث الصدور بعض الاحتمالات المتطرقة في غير المشهور، غاية الامر كونه في المشهور في غاية الضعف بحيث يكون خلافه واضحا في غير المشهور إحتمالا مساويا يصدق عليه الريب عرفا.

و حينئذ فيدل علي رجحان كل خبر يكون نسبته إلي معارضه مثل نسبة الخبر المجمع علي روايته إلي الخبر الذي اختص بروايته بعض دون بعض، مع كونه بحيث لو سلم عن المعارض أو كان روايه أعدل و أصدق من راوي معارضه المجمع عليه لاخذ به و من المعلوم أن الخبر المعتضد بأمارة توجب الظن بمطابقته و مخالفة معارضه للواقع نسبته إلي معارضه تلك النسبة.

و لعله لذا عللل تقديم الخبر المخالف للعامة علي الموافق بأن ذاك لا يحتمل إلا الفتوي و هذا يحتمل التقية، لان الريب الموجود في الثاني منتف في الاول.

و كذا كثير من المرجحات الراجعة إلي وجود إحتمال في أحدهما مفقود علما أو ظنا في الاخر، فتدبر.

فكل خبر من المتعارضين يكون فيه ريب لا يوجد في الاخر أو يوجد و لا يعد لغاية ضعفه ريبا، فذاك الاخر مقدم عليه.

***** [304] *****

و اظهر من ذلك كله، في إفادة الترجيح بمطلق الظن، ما دل من الاخبار العلاجية علي الترجيح بمخالفة العامة، بناء علي أن الوجه في الترجيح بها أحد وجهين: أحدهما: كون الخبر المخالف أبعد من التقية، كما علل به الشيخ و المحقق.

فيستفاد منه إعتبار كل قرينة خارجية توجب أبعدية أحدهما عن خلاف الحق و لو كانت مثل الشهرة و الاستقراء، بل يستفاد منه عدم إشتراط الظن في الترجيح، بل يكفي تطرق إحتمال غير بعيد في أحد الخبرين بعيد في الاخر، كما هو مفاد الخبر المتقدم

الدال علي ترجيح ما لا ريب فيه علي ما فيه الريب بالنسبة إلي معارضه.

لكن هذا الوجه لم ينص عليه في الاخبار و إنما هو شئ مستنبط منها، ذكره الشيخ و من تأخر عنه.

نعم في رواية عبيد بن زرارة:

(مَا سَمِعْتَ مِنِّي يُشْبِهُ قَوْلَ النَّاسِ فِيهِ التَّقِيَّةُ وَ مَا سَمِعْتَ مِنِّي لَا يُشْبِهُ قَوْلَ النَّاسِ فَلَا تَقِيَّةَ فِيه)، دلالة علي ذلك.

الثاني: كون الخبر المخالف أقرب من حيث المضمون إلي الواقع.

و الفرق بين الوجهين: أن الاول كاشف عن وجه صدور الخبر و الثاني كاشف عن مطابقة مضمون أحدهما للواقع.

و هذا الوجه لما نحن فيه منصوص في الاخبار، مثل تعليل الحكم المذكور فيها بقولهم عليهم السلام : (فإن الرشد في خلافهم) و ما (ما خالف العامة ففيه الرشاد).

فإن هذه القضيه قضيه غالبية لا دائمية، فيدل علي أنه يكفي في الترجيح الظن بكون الرشد في مضمون أحد الخبرين.

و يدل علي هذا التعليل أيضا ما ورد في صورة عدم وجدان المفتي بالحق في بلد، من قوله: (إئت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه، فإن الحق فيه).

و أصرح من الكل في التعليل بالوجه المذكور مرفوعة أبي إسحاق الارجاني إلي أبي عبدالله عليه السلام.

قال: قال عليه السلام : (أتدري لم أمرتم بالاخذ بخلاف ما يقوله العامة؟ فقلت: لا أدري: فقال: إن عليا، عليه السلام ، لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الامة إلي غيره، إرادة لابطال أمره و كانوا يسألون أمير المؤمنين، عليه السلام ، عن الشئ الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم بشئ جعلوا له ضدا من عند أنفسهم ليلبسوا علي الناس).

و يصدق هذا الخبر سيرة أهل الباطل مع الائمة، عليهم السلام ، علي هذا النحو، تبعا

لسلفهم.

حتي أن أبا حنيفة حكي عنه أنه قال: (خالفت جعفرا في كل ما يقول أو يفعل، لكني لا أدري هل يغمض عينيه في الركوع و السجود أو يفتحهما).

***** [305] *****

و الحاصل: أن تعليل الاخذ بخلاف العامة في هذه الروايات بكونه أقرب إلي الواقع، حتي أنه يجعل دليلا مستقل عند فقد من يرجع إليه في البلد، ظاهر في وجوب الترجيح بكل ما هو من قبيل هذه الامارة في كون مضمونه مظنة الرشد.

فإذا إنضم هذا الظهور إلي الظهور الذي ادعيناه في روايات الترجيح بالاصدقية و الاوثقية، فالظاهر أنه يحصل من المجموع دلالة لفظية تامة.

و لعل هذا الظهور المحصل من مجموع الاخبار العلاجية هو الذي دعي أصحابنا إلي العمل بكل ما يوجب رجحان احد الخبرين علي الاخر، بل يوجب في أحدهما مزية مفقودة في الاخر و لو بمجرد كون خلاف الحق في احدهما أبعد منه في الاخر، كما هو كذلك في كثير من المرجحات.

فما ظنه بعض المتأخرين من أصحابنا علي العلامة و غيره، قدست أسرارهم، من متابعتهم في ذلك طريقة العامة ظن في غير المحل.

ثم إن الاستفادة التي ذكرناها إن دخلت تحت الدلالة اللفظيه، فلا إشكال في الاعتماد عليها و إن لم يبلغ هذا الحد بل لم يكن إلا مجرد الاشعار، كان مؤيدا لما ذكرنا من ظهور الاتفاق.

فإن لم يبلغ المجموع حد الحجية فلا أقل من كونها أمارة مفيدة للظن بالمدعي.

و لا بد من العمل به، لان التكليف بالترجيح بين المتعارضين ثابت، لان التخيير في جميع الموارد و عدم ملاحظة المرجحات يوجب مخالفة الواقع في كثير من الموارد، لانا نعلم بوجوب الاخذ ببعض الاخبار المتعارضة و طرح بعضها معينا و المرجحات المنصوصة في الاخبار غير وافية.

مع أن تلك

الاخبار معارض بعضها بعضها، بل بعضها غير معمول به بظاهره، كمقبولة إبن حنظلة المتضمنة لتقديم الاعدلية علي الشهرة و مخالفة العامة و موافقة الكتاب.

و حاصل هذا المقدمات: ثبوت التكليف بالترجيح و إنتفاء المرجح اليقيني و إنتفاء ما دل الشرع علي كونه مرجحا، فينحصر العمل في الظن بالمرجح.

فكل ما ظن أنه مرجح في نظر الشارع وجب الترجيح به و إلا لوجب ترك الترجيح أو العمل بما ظن من المتعارضين أن الشارع يرجح غيره عليه.

و الاول مستلزم للعمل بالتخيير في موارد كثيرة نعلم التكليف بوجوب الترجيح و الثاني ترجيح للمرجوح علي الراجح في مقام وجوب البناء علي أحدهما، لاجل تعذر العلم علي أحدهما و قبحه بديهي.

و حينئذ فإذا ظننا من الامارات السابقة أن مجرد أقربية مضمون أحد الخبرين إلي الواقع مرجح في نظر الشارع تعين الاخذ به، هذا.

و لكن لمانع أن يمنع وجوب الترجيح بين المتعارضين الفاقدين للمرجحات المعلومة، كالتراجيح الراجعة إلي الدلالة التي دل العرف علي وجوب الترجيح بها، كتقديم النص و الاظهر علي الظاهر.

***** [306] *****

بيان ذلك: أن ما كان من المتعارضين من قبيل النص و الظاهر، كالعام و الخاص و شبههما مما لا يحتاج الجمع بينهما إلي شاهد، فالمرجح فيه معلوم من العرف.

و ما كان من قبيل تعارض الظاهرين، كالعامين من وجه و شبههما مما يحتاج الجميع بينهما إلي شاهد واحد، فالوجه فيه، كما عرفت سابقا، عدم الترجيح إلا بقوة الدلالة، لا بمطابقة أحدهما لظن خارجي غير معتبر و لذا لم يحكم فيه بالتخيير مع عدم ذلك الظن، بل يرجع فيه إلي الاصول و القواعد.

فهذا كاشف عن أن الحكم فيهما ذلك من أول الامر للتساقط، لاجمال الدلالة.

و ما كان من قبيل المتباينين اللذين لا

يمكن الجمع بينهما إلا بشاهدين، فهذا هو المتيقن من مورد وجوب الترجيح بالمرجحات الخارجية.

و من المعلوم أن موارد هذا التعارض علي قسمين:

أحدهما ما يمكن الرجوع فيه إلي أصل أو عموم كتاب أو سنة مطابق لاحدهما و هذا القسم يرجع فيه إلي ذلك العموم أو الاصل.

و إن كان الخبر المخالف لاحدهما مطابقا لامارة خارجية - و ذلك لان العمل بالعموم و الاصل يقيني لا يرفع اليد عنه إلا بوارد يقيني و الخبر المخالف له لا ينهض لذلك، لمعارضته بمثله و المفروض أن وجوب الترجيح بذلك الظن لم يثبت - فلا وارد علي العموم و الاصل.

القسم الثاني: ما لا يكون كذلك و هذا أقل قليل بين المتعارضات.

فلو فرضنا العمل فيه بالتخيير مع وجود ظن خارجي علي طبق أحدهما لم يكن محذور.

نعم الاحتياط يقتضي الاخذ بما يطابق الظن خصوصا، مع أن مبني المسألة علي حجية الخبر من باب الظن غير مقيد بعدم الظن الفعلي علي خلافه.

و الدليل علي هذا الاطلاق مشكل، خصوصا لو كان الظن المقابل من الشهرة المحققة أو نقل الاجماع الكاشف عن تحقق الشهرة، فإن إثبات حجية الخبر المخالف للمشهور في غاية الاشكال و إن لم نقل بحجية الشهرة.

و لذا قال صاحب المدارك: (إن العمل بالخبر المخالف للمشهور مشكل و موافقة الاصحاب من غير دليل أشكل).

و بالجملة فلا ينبغي ترك الاحتياط بالاخذ بالمظنون في مقابل التخيير.

و أما في مقابل العمل بالاصل، فإن كان الاصل مثبتا للاحتياط، كالاحتياط اللازم في بعض الموارد، فالاحوط العمل بالاصل.

و إن كان نافيا للتكليف كأصل البراءة و الاستصحاب النافي للتكليف، أو مثبتا له مع عدم التمكن من الاحتياط كأصالة الفساد في باب المعاملات و نحو ذلك، ففيه الاشكال.

و في باب التراجيح تتمة

المقال و الله العالم بحقيقة الحال و الحمد لله أولا و آخرا.

و صلي الله علي محمد و آله باطنا و ظاهرا.

مكاسب [ج1] از ابتدا تا پايان أحكام المقبوض بالعقد الفاسد

المقدمة

المقدمة

*****ص 3*****

كتاب المكاسب للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء و المجتهدين

الشيخ مرتضي الأنصاري ( قدس سره ) 1214 - 1281 ه

الجزء الأول

إعداد لجنة تحقيق تراثنا الشيخ الأعظم

*****ص 4*****

إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم - قم:

مجمع الفكر الإسلامي 1420 ق = 1378. فهرستنويسي بر اساس اطلاعات فيپا (فهرستنويسي پيش از انتشار). عربي. فهرست نويسي بر اساس جلد اول، 1420 ق = 1378. اين كتاب به مناسبت دويستمين سالگرد تولد شيخ انصاري منتشر شده است. كتابنامه: 1 - معاملات (فقه). الف: مجمع الفكر الإسلامي. لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ب. مجمع الفكر الإسلامي. ج. كنگره جهاني بزرگداشت دويستمين سالگر تولد شيخ انصاري. د. عنوان. 7 م 8 الف / 1 / 1901 273 792 - BP الف ي 1300 كتابخانه ملي ايران - 1937 - 78 م قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت: 744810 كتاب المكاسب ج 1 المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضي الأنصاري قدس سره تحقيق: لجنة التحقيق

الطبعة الثالثة

ربيع الأول 1420 ه. ق

صف الحروف: مجمع الفكر الإسلامي

الليتوغراف: نگارش - قم

المطبعة: باقري - قم

الكمية المطبوعة: 2000 نسخة

جميع الحقوق محفوظة للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكري المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

*****ص 5*****

في المكاسب

و ينبغي - أولا - التيمن بذكر بعض الأخبار الواردة علي سبيل الضابطة للمكاسب، من حيث الحل و الحرمة، فنقول - مستعينا بالله تعالي - : روي في

الوسائل

(1) و الحدائق

(2) عن الحسن بن علي بن شعبة - في كتاب تحف العقول

(3) - عن مولانا الصادق صلوات الله و سلامه عليه حيث سئل عن *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 54، الباب 2 من أبواب ما يكتسب به و أورد قسما منه في الحديث الأول من الباب الأول من أبواب الإجارة و قسما آخر في الحديث الأول من الباب 4 من أبواب النفقات و قسما ثالثا في الحديث الأول من الباب 66 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(2) الحدائق 18: 67.

(3) تحف العقول: 331 و لما كان الاختلاف بين المصادر التي نقلت الرواية كثيرا، فلذلك لم نتعرض له إلا إذا كان مهما، نعم سوف نذكر الاختلاف الموجود بين نسخ الكتاب و سنتبع هذه الطريقة في سائر الروايات المنقولة في الكتاب إن شاء الله تعالي. (*)

*****ص 6*****

معايش العباد، فقال: جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات و يكون فيها حلال من جهة و حرام من جهة: فأول هذه الجهات الأربع (1) الولاية، ثم التجارة، ثم الصناعات، ثم الإجارات و الفرض من الله تعالي علي العباد في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال و العمل بذلك و اجتناب جهات الحرام منها. فإحدي الجهتين من الولاية: ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم علي الناس و الجهة الأخري: ولاية ولاة الجور. فوجه الحلال من الولاية، ولاية الوالي العادل و ولاية ولاته بجهة ما أمر به الوالي العادل بلا زيادة و نقيصة، فالولاية له و العمل معه و معونته و تقويته، حلال محلل و أما وجه الحرام من الولاية: فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته، فالعمل (2) لهم و الكسب لهم بجهة

الولاية معهم (3) حرام محرم معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير، لأن كل شيء من جهة المعونة له، معصية كبيرة من الكبائر و ذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله و إحياء الباطل كله و إظهار الظلم و الجور و الفساد و إبطال الكتب و قتل الأنبياء، *

***** (هامش) *****

(1) الأربع: لم ترد في «ف»، «ن»، «م».

(2) في «ف»، «خ»، «ع»، «ص» : و العمل لهم.

(3) في «خ» و الوسائل: و الكسب معهم بجهة الولاية لهم. (*)

*****ص 7*****

و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه، فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلي الدم و الميتة و أما تفسير التجارات في جميع البيوع و وجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له و كذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز: فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد و قوامهم به في امورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها و كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و إمساكه و استعماله و هبته و عاريته و أما وجوه الحرام من البيع و الشراء: فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله و شربه (1) أو كسبه (2) أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد - نظير البيع بالربا أو بيع الميتة

أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها أو الخمر أو شيء من وجوه النجس - فهذا كله حرام محرم، لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلب فيه، فجميع تقلبه في *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : أو شربه.

(2) كذا في النسخ و المصادر و لعل في الأصل «لبسه» كما استظهره الشهيدي رحمه الله أيضا. (*)

*****ص 8*****

ذلك حرام و كذلك كل مبيع ملهو به و كل منهي عنه - مما يتقرب به لغير الله عز و جل، أو يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق - فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه، إلا في حال تدعو الضرورة فيه إلي ذلك و أما تفسير الإجارات: فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره - من قرابته أو دابته أو ثوبه - بوجه

(1) الحلال من جهات الإجارات أو

(2) يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه و ولده و مملوكه و أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي أو و اليا للوالي، فلا بأس أن يكون أجيرا يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجارته، لأ نهم وكلاء الأجير من عنده، ليس هم بولاة الوالي، نظير الحمال الذي يحمل شيئا معلوما بشئ معلوم، فيحمل

(3) ذلك الشيء الذي يجوز له حمله بنفسه أو بملكه أو دابته، أو يؤجر نفسه في عمل، يعمل ذلك العمل [بنفسه أو بمملوكه

أو قرابته أو بأجير من قبله، فهذه وجوه من وجوه الإجارات] (4)

***** (هامش) *****

(1) في مصححة «م» : فوجه.

(2) في «م»، «ع»، «ص»، «ش» و نسخة بدل «خ» : أن.

(3) كذا في «خ» و تحف العقول و في سائر النسخ و الحدائق و الوسائل: فيجعل.

(4) أثبتناه من «ش» و هامش «خ» و المصدر. (*)

*****ص 9*****

حلال (1) لمن كان من الناس ملكا أو سوقة أو كافرا أو مؤمنا فحلال إجارته و حلال كسبه من هذه الوجوه. فأما وجوه الحرام من وجوه الإجارة: نظير أن يؤاجر نفسه علي حمل ما يحرم أكله أو شربه، أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشيء أو حفظه، أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا، أو قتل النفس بغير حق (2)، أو عمل (3) التصاوير و الأصنام و المزامير و البرابط و الخمر و الخنازير و الميتة و الدم، أو شيء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الإجارة فيه و كل أمر منهي عنه من جهة من الجهات، فمحرم علي الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أو شيء منه أو له، إلا لمنفعة من استأجره (4) كالذي يستأجر له الأجير ليحمل الميتة ينحيها (5) عن أذاه أو أذي غيره و ما أشبه ذلك - إلي أن قال - : و كل من آجر نفسه أو ما يملك، أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة - علي ما فسرنا مما تجوز الإجارة فيه - فحلال محلل فعله و كسبه. *

***** (هامش) *****

(1) في جميع النسخ الفاقدة للعبارة: «حلالا»، إلا في «ف».

(2) في المصادر: بغير حل.

(3) في تحف العقول: أو حمل.

(4) كذا في «ن» و الحدائق

و في سائر النسخ و المصادر: استأجرته.

(5) في «خ» و تحف العقول: ينجيها. (*)

*****ص 10*****

و أما تفسير الصناعات: فكل ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم من أصناف الصناعات - مثل الكتابة و الحساب و النجارة (1) و الصياغة و البناء و الحياكة و السراجة و القصارة و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني و أنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد، منها منافعهم و بها قوامهم و فيها بلغة جميع (2) حوائجهم - فحلال فعله (3) و تعليمه و العمل به و فيه (4) لنفسه أو لغيره و إن كانت تلك الصناعة و تلك الآلة قد يستعان بها علي وجوه الفساد و وجوه المعاصي و تكون معونة علي الحق و الباطل، فلا بأس بصناعته و تعليمه (5) نظير الكتابة التي هي (6) علي وجه من وجوه الفساد تقوية و معونة لولاة الجور و كذلك السكين و السيف و الرمح و القوس و غير ذلك من وجوه الآلات التي تصرف (7) إلي وجوه (8) الصلاح *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ف» و «ش» و في سائر النسخ و تحف العقول و الحدائق: التجارة.

(2) جميع: ساقطة من «ف»، «م»، «ع»، «ص».

(3) في «ش» : تعلمه.

(4) و فيه: ساقطة من «ف».

(5) كذا في «ن» و مصححة «خ» و تحف العقول و الحدائق و في سائر النسخ: تقلبه.

(6) هي: ساقطة من «ف»، «م»، «ع».

(7) كذا في «خ» و «ش» و «ف» : ينصرف و في «ن»، «ع»، «ص» : تتصرف و في «م» : تنصرف.

(8) في مصححة «خ» و تحف العقول: جهات. (*)

*****ص 11*****

و جهات الفساد و تكون آلة و معونة عليهما (1) فلا بأس

بتعليمه و تعلمه و أخذ الأجر عليه و العمل به و فيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق و محرم عليهم تصريفه إلي جهات الفساد و المضار، فليس علي العالم و لا المتعلم إثم و لا وزر، لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم و قوامهم و بقائهم و إنما الإثم و الوزر علي المتصرف فيه (2) في جهات الفساد و الحرام و ذلك إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجئ منها الفساد محضا، نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهو به و الصلبان و الأصنام و ما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام (3) و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شيء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات (4) إلا أن تكون صناعة قد تصرف إلي جهة المنافع (5) و إن كان قد يتصرف فيها و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي، فلعلة ما فيه (6) من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به و يحرم علي من صرفه إلي غير وجه الحق و الصلاح. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و المصادر و في سائر النسخ: عليها.

(2) في «ن» و «خ» : بها (خ ل).

(3) كذا في النسخ و المصادر، إلا أن في «ن»، «خ»، «م»، «ع» و «ش» زيادة: المحرمة (ظ) و في «ص» : المحرمة (خ ل).

(4) كذا في مصححة «خ» و في «ش» و الوسائل و تحف العقول: الحركات كلها.

(5) في مصححتي «خ» و «ف» :

جهة المباح.

(6) في «ف»، «خ»، «م» و «ع» و تحف العقول: فلعله لما فيه. (*)

*****ص 12*****

فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معايش العباد و تعليمهم (1) في وجوه اكتسابهم … الحديث «و حكاه غير واحد (2) عن رسالة المحكم و المتشابه (3) للسيد قدس سره و في الفقه المنسوب إلي مولانا الرضا صلوات الله و سلامه عليه: » اعلم - رحمك (4) الله - أن كل (5) مأمور به علي العباد (6) و قوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره - مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون - فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته و كل أمر يكون فيه الفساد - مما قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه بوجه الفساد، مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما أشبه ذلك - فحرام ضار للجسم (7) (8)، انتهي و عن دعائم الإسلام - للقاضي نعمان المصري - عن مولانا *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و المصادر و في سائر النسخ: تعلمهم.

(2) منهم صاحب الوسائل في الوسائل 12: 57 و صاحب الحدائق في الحدائق 18: 70.

(3) رسالة المحكم و المتشابه: 46.

(4) في «ف» و المصدر: يرحمك.

(5) في «ش» : كل ما هو.

(6) كذا في النسخ و في المصدر: «أن كل مأمور به مما هو صلاح للعباد» و في المستدرك (13: 65) : «أن كل مأمور به مما هو من علي العباد».

(7) في «ش» : «للجسم و فساد للنفس» و في المصدر: «للجسم و فاسد

للنفس».

(8) الفقه المنسوب إلي الإمام الرضا عليه السلام : 250. (*)

*****ص 13*****

الصادق عليه السلام : «إن الحلال من البيوع كل ما كان حلالا من المأكول و المشروب و غير ذلك مما هو قوام للناس و يباح لهم الإنتفاع و ما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه»

(1)، انتهي و في النبوي المشهور: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَه (2). إذا عرفت ما تلوناه و جعلته في بالك متدبرا لمدلولاته، فنقول: قد جرت عادة غير واحد علي تقسيم المكاسب إلي محرم و مكروه و مباح، مهملين للمستحب و الواجب، بناء علي عدم وجودهما في المكاسب، مع إمكان التمثيل للمستحب بمثل الزراعة و الرعي مما ندب إليه الشرع و للواجب بالصناعة الواجبة كفاية، خصوصا إذا تعذر قيام الغير به، فتأمل و معني حرمة الاكتساب حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الأثر (3) و أما حرمة أكل المال في مقابلها، فهو متفرع علي فساد البيع، لأ نه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي و إن قلنا بعدم التحريم، لأن ظاهر أدلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف إلي ما لو أراد ترتيب الآثار المحرمة، أما لو قصد الأثر المحلل فلا دليل علي تحريم المعاملة *

***** (هامش) *****

(1) دعائم الإسلام 2: 18، الحديث 23، مع اختلاف يسير.

(2) عوالي اللآلي 2: 110، الحديث 301. سنن الدارقطني 3: 7، الحديث 20.

(3) في «ش» : الأثر المحرم. (*)

*****ص 14*****

إلا من حيث التشريع (1) و كيف كان، فالاكتساب المحرم أنواع، نذكر كلا منها في طي مسائل: *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : إلا من حيث التشريع، فيتفرع علي إرادة الشرعية. (*)

*****ص 15*****

النوع الأول: الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني

[مسائل ثمانٍ:]

اشارة

النوع الأول: الاكتساب بالأعيان

النجسة عدا ما استثني و فيه مسائل ثمانٍ:

المسألة الأولي:

المسألة الثانية:

المسألة الثالثة:

المسألة الرابعة:

المسألة الخامسة:

المسألة السادسة:

المسألة السابعة:

المسألة الثامنة:

و أما المستثني من الأعيان المتقدمة فهي أربعة تذكر في مسائل أربع:

المسألة الأولي:

المسألة الثانية:

المسألة الثالثة:

المسألة الرابعة:

المسألة الأولي

النوع الأول: الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني و فيه مسائل ثمانٍ:

المسألة الأولي:

يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم (1) بلا خلاف ظاهر، لحرمته و نجاسته و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة فيما عدا بعض أفراده، ك «بول الإبل الجلالة أو الموطوءة». «فرعان» الأول: ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه المحكوم بطهارتها عند المشهور، إن قلنا بجواز شربها اختيارا - كما عليه جماعة من القدماء *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : غير المأكول اللحم. (*)

*****ص 18*****

و المتأخرين (1)، بل عن المرتضي دعوي الإجماع عليه (2) - فالظاهر جواز بيعها و إن قلنا بحرمة شربها - كما هو مذهب جماعة اخري (3) لاستخباثها - ففي جواز بيعها قولان: من عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها و المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز معاوضة كل شيء و التداوي بها لبعض الأوجاع لا يوجب قياسها (4) علي الأدوية و العقاقير، لأ نه يوجب قياس كل شيء عليها، للانتفاع به في بعض الأوقات و من أن المنفعة الظاهرة - و لو عند الضرورة المسوغة للشرب - كافية في جواز البيع و الفرق بينها و بين ذي المنفعة الغير المقصودة حكم العرف بأ نه لا منفعة فيه و سيجئ الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة للبيع. *

***** (هامش) *****

(1) من القدماء: ابن الجنيد علي ما في الدروس 3: 17 و السيد المرتضي في الانتصار: 201 و من المتأخرين: ابن إدريس في السرائر 3: 125 و

المحقق في النافع (254)، حيث قال: و التحليل أشبه و الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 436 و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام:

252.

(2) الانتصار: 201.

(3) كالمحقق في الشرائع 3: 227 و العلامة في المختلف: 686 و الشهيد في الدروس 3: 17.

(4) في أكثر النسخ: قياسه. (*)

*****ص 19*****

نعم، يمكن أن يقال: إن قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَه (1) و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الإسلام يدل علي أن ضابطة المنع تحريم الشيء اختيارا و إلا فلا حرام إلا و هو محلل عند الضرورة و المفروض حرمة شرب الأبوال اختيارا و المنافع الاخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا، فلا ينتقض بالطين المحرم أكله، فإن المنافع الاخر للطين أهم و أعم من منفعة الأكل المحرم، بل لا يعد الأكل من منافع الطين. فالنبوي دال علي أنه إذا حرم الله شيئا بقول مطلق - بأن قال: يحرم الشيء الفلاني - حرم بيعه، لأن تحريم عينه إما راجع إلي تحريم جميع منافعه، أو إلي تحريم أهم منافعه الذي (2) يتبادر عند الإطلاق، بحيث يكون غيره غير مقصود منه و علي التقديرين، يدخل الشيء لأجل ذلك في ما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة و الطين لم يحرم كذلك، بل لم يحرم إلا بعض منافعه الغير المقصودة منه - و هو الأكل - بخلاف الأبوال فإنها حرمت كذلك، فيكون التحريم راجعا إلي شربها و غيره من المنافع في حكم العدم و بالجملة، فالانتفاع بالشئ حال الضرورة منفعة محرمة في حال تيار الاخ لا يوجب جواز بيعه و لا ينتقض أيضا بالأدوية المحرمة في غير حال المرض لأجل الإضرار، لأن حلية

هذه في حال المرض ليست لأجل الضرورة، *

***** (هامش) *****

(1) عوالي اللآلي 2: 110، الحديث 301.

(2) كذا في «ش» و مصححة «خ» و في غيرهما: التي. (*)

*****ص 20*****

بل لأجل تبدل عنوان الإضرار بعنوان النفع و مما ذكرنا يظهر أن قوله عليه السلام في رواية تحف العقول المتقدمة: «و كل شيء يكون لهم (1) فيه الصلاح من جهة من الجهات» يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار دون الضرورة و مما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع دون شحومها، فإن الأول من قبيل الأبوال و الثاني من قبيل الطين في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها و لا ينافيه النبوي: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَ أَكَلُوا أَثْمَانَهَا» (2)، لأن الظاهر أن الشحوم كانت محرمة الانتفاع علي إليهود بجميع الانتفاعات، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا. هذا و لكن الموجود من النبوي في باب الأطعمة من الخلاف (3) : «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ أكل شَيْئ حَرَّمَ ثَمَنَه (4) و الجواب عنه - مع (5) ضعفه و عدم الجابر له سندا و دلالة، *

***** (هامش) *****

(1) لهم:

ساقطة من «ن»، «م»، «ع»، «ص».

(2) عوالي اللآلي 1: 181، الحديث 240.

(3) كذا في «ف» و «خ» و في غيرهما: عن الخلاف.

(4) الخلاف: كتاب الأطعمة، المسألة 19.

(5) في «ف» و مصححة «خ» : «ح» [أي: حينئذ] و كلمة «مع» مشطوب عليها في «ن». (*)

*****ص 21*****

لقصورها - : بلزوم (1) تخصيص الأكثر (2). الثاني: بول الإبل يجوز بيعه إجماعا - علي ما في جامع المقاصد (3) و عن إيضاح النافع (4) - إما لجواز شربه اختيارا، كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية الجعفري: «ُ أَبْوَالُ الْإِبِلِ

خَيْرٌ مِنْ أَلْبَانِهَا» (5) و إما لأجل الإجماع المنقول، لو قلنا بعدم جواز شربها إلا لضرورة الاستشفاء، كما يدل عليه رواية سماعة، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الإبل و البقر و الغنم ينتفع به من الوجع، هل يجوز أن يشرب؟ قال: نعم، *

***** (هامش) *****

(1) في «ش» : لزوم.

(2) جاء في شرح الشهيدي (19) ما يلي: إن قوله: «بلزوم تخصيص الأكثر» في محل الرفع علي الخبرية ل «الجواب»، يعني: و الجواب عنه - مضافا إلي ما ذكر من الضعف - : أن فيه لزوم تخصيص الأكثر، فلا بد من الطرح أو التأويل بما ذكرنا. هذا بناء علي صحة وجود كلمة «مع» في قوله: «مع ضعفه» و أما بناء علي ما في بعض النسخ المصححة من الضرب [أي: الشطب] عليها و علي ما في الآخر من «ح» [أي: حينئذ] بدل «مع»، فالخبر له قوله: «ضعفه» و يكون «بلزوم» متعلقا للقصور، فتأمل، فإن في العبارة ما لا يخفي علي التقديرين.

(3) جامع المقاصد 4: 14.

(4) نقله عنه في مفتاح الكرامة 4: 23.

(5) الوسائل 17: 87، الباب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 3. (*)

*****ص 22*****

لا بأس» (1) و موثقة عمار، عن بول البقر يشربه الرجل، قال: «إن كان محتاجا إليه يتداوي بشربه فلا بأس و كذلك بول الإبل و الغنم» (2). لكن الإنصاف، أنه لو قلنا بحرمة شربه اختيارا أشكل الحكم بالجواز إن لم يكن إجماعيا (3)، كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية و ابن سعيد في النزهة (4). قال في النهاية: و كذلك البول - يعني يحرم بيعه - و إن كان طاهرا، للاستخباث، كأبوال البقر و الإبل و إن انتفع به

في شربه للدواء، لأ نه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به (5)، انتهي. أقول: بل لأن المنفعة المحللة للاضطرار - و إن كانت كلية - لا تسوغ البيع، كما عرفت. *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 17: 88، الباب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 7.

(2) الوسائل 17: 87، الباب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث الأول.

(3) كذا في «ع» و «ش» و في غيرهما: إجماعا.

(4) نزهة الناظر: 78.

(5) نهاية الإحكام 2: 463. (*)

*****ص 23*****

المسألة الثانية

المسألة الثانية:

يحرم بيع العذرة النجسة (1) من كل حيوان علي المشهور، بل في التذكرة - كما عن الخلاف - : الإجماع علي تحريم بيع السرجين النجس (2) و يدل عليه - مضافا إلي ما تقدم من الأخبار - رواية يعقوب ابن شعيب: «َ ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْت (3) » (4). نعم، في رواية محمد بن المضارب (5) : «لا بأس ببيع العذرة» (6) و جمع الشيخ بينهما بحمل الأول علي عذرة الإنسان و الثاني علي عذرة البهائم (7). *

***** (هامش) *****

(1) النجسة: ساقطة من «ش».

(2) التذكرة 1: 464، الخلاف 3: 185، كتاب البيوع، المسألة 310.

(3) كذا في «ش» و المصدر و في سائر النسخ: ثمن العذرة سحت.

(4) الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(5) كذا في «ف»، «ش» و المصدر و في سائر النسخ: المصادف.

(6) الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(7) الاستبصار 3: 56، ذيل الحديث 182. (*)

*****ص 24*****

و لعله لأن الأول نص في عذرة الإنسان ظاهر في غيرها، بعكس الخبر الثاني، فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر و يقرب هذا الجمع رواية سماعة، قال: «سأل رجل أبا عبد الله عليه

السلام - وَ أَنَا حَاضِر - عن بيع العذرة، فقال:

إِنِّي رَجُلٌ أَبِيعُ الْعَذِرَةَ فَمَا تَقُولُ؟

قَالَ حَرَامٌ بَيْعُهَا وَ ثَمَنُهَا وَ قَالَ:

لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَذِرَةِ.» (1). فإن الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدل علي أن تعارض الأولين ليس إلا من حيث الدلالة، فلا يرجع فيه إلي المرجحات السندية أو الخارجية و به يدفع ما يقال: من أن العلاج في الخبرين المتنافيين علي وجه التباين الكلي هو الرجوع إلي المرجحات الخارجية، ثم التخيير أو التوقف، لا إلغاء ظهور كل منهما و لهذا طعن علي من جمع بين الأمر و النهي بحمل الأمر علي الإباحة و النهي علي الكراهة و احتمل السبزواري حمل خبر المنع علي الكراهة (2) و فيه ما لا يخفي من البعد و أبعد منه ما عن المجلسي من احتمال حمل خبر المنع علي بلاد لا ينتفع به و الجواز علي غيرها (3).

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و في النسخ - عدا «ش» - : سئل أبو عبد الله.

(2) كفاية الأحكام:

84.

(3) حكاه العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 10: 379، ذيل الحديث 202، عن و الده العلامة المجلسي الأول قدس سره ما. (*)

*****ص 25*****

و نحوه حمل خبر المنع (1) علي التقية، لكونه مذهب أكثر العامة (2) و الأظهر ما ذكره الشيخ رحمه الله (3) - لو اريد التبرع بالحمل - لكونه أولي من الطرح و إلا فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفي. ثم إن لفظ «العذرة» في الروايات، إن قلنا: إنه ظاهر في «عذرة الإنسان» - كما حكي التصريح به عن بعض أهل اللغة (4) - فثبوت الحكم في

غيرها بالأخبار العامة المتقدمة و بالإجماع المتقدم (5) علي السرجين النجس و استشكل في الكفاية (6) في الحكم تبعا للمقدس الأردبيلي رحمه الله (7) إن لم يثبت الإجماع و هو حسن، إلا أن الإجماع المنقول هو الجابر لضعف سند الأخبار العامة السابقة و ربما يستظهر من عبارة الاستبصار القول بجواز بيع عذرة ما عدا الإنسان، لحمله أخبار المنع علي عذرة الإنسان (8) و فيه نظر. *

***** (هامش) *****

(1) في بعض النسخ: النهي.

(2) هذا الحمل من المجلسي الأول أيضا، حسبما حكاه عنه في ملاذ الأخيار 10: 379.

(3) تقدم عنه آنفا.

(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 21.

(5) تقدم عن التذكرة و الخلاف في أول المسألة.

(6) لا يخفي أن المحقق السبزواري قدس سره استشكل في ثبوت الاتفاق و استوجه الجواز فيما ينتفع به، (انظر كفاية الأحكام:

84).

(7) مجمع الفائدة 8: 40.

(8) الاستبصار 3: 56، ذيل الحديث 182. (*)

*****ص 26*****

«فرع» الأقوي جواز بيع الأرواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة و عن الخلاف: نفي الخلاف فيه (1) و حكي أيضا عن المرتضي رحمه الله الإجماع عليه (2) و عن المفيد:

حرمة بيع العذرة و الأبوال كلها إلا بول الإبل (3) و حكي عن سلار أيضا (4) و لا أعرف مستندا لذلك إلا دعوي أن تحريم الخبائث في قوله تعالي: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (5) يشمل تحريم بيعها و قوله عليه الصلاة و السلام:

«إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَه (6) و ما تقدم من رواية دعائم الإسلام (7) و غيرها و يرد علي الأول: أن المراد - بقرينة مقابلته لقوله تعالي: * (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) * - الأكل، لا مطلق الانتفاع و في النبوي و غيره

ما عرفت من أن الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشيء، بحيث يدل علي تحريم جميع منافعه أو المنافع المقصودة الغالبة و منفعة الروث ليست هي الأكل المحرم فهو كالطين المحرم، كما عرفت سابقا. *

***** (هامش) *****

(1) الخلاف 3: 185، كتاب البيوع، المسألة 310.

(2) لم نقف عليه في كتب السيد، لكن حكاه عنه العلامة في المنتهي 2: 1008.

(3) المقنعة: 587.

(4) المراسم:

170.

(5) الأعراف: 157.

(6) عوالي اللآلي 2: 110، الحديث 301.

(7) دعائم الإسلام 2: 18، الحديث 23. (*)

*****ص 27*****

المسألة الثالثة

المسألة الثالثة:

يحرم المعاوضة علي الدم بلا خلاف، بل عن النهاية و شرح الإرشاد - لفخر الدين - و التنقيح: الإجماع عليه (1) و يدل عليه الأخبار السابقة (2). «فرع» و أما الدم الطاهر إذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ - لو قلنا بجوازه - ففي جواز بيعه وجهان، أقواهما الجواز، لأ نها عين طاهرة ينتفع بها منفعة محللة و أما مرفوعة الواسطي (3) المتضمنة لمرور أمير المؤمنين عليه السلام *

***** (هامش) *****

(1) نهاية الإحكام 2: 463، التنقيح 2: 5 و أما شرح الإرشاد فلا يوجد لدينا.

(2) مثل قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه» المتقدم آنفا و ما تقدم من رواية تحف العقول و دعائم الإسلام في أول الكتاب.

(3) الوسائل 16: 359، الباب 31 من أبواب ما يحرم من الذبيحة، الحديث 2. (*)

*****ص 28*****

بالقصابين و نهيهم عن بيع سبعة: بيع الدم و الغدد و إذان الفؤاد و الطحال … إلي آخرها، فالظاهر إرادة حرمة البيع للأكل و لا شك في تحريمه، لما سيجئ من أن قصد المنفعة المحرمة في المبيع موجب لحرمة البيع، بل بطلانه و صرح في التذكرة بعدم جواز بيع

الدم الطاهر، لاستخباثه (1) و لعله لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الأكل المحرم. *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 1: 464. (*)

*****ص 29*****

المسألة الرابعة

المسألة الرابعة:

لا إشكال في حرمة بيع المني، لنجاسته و عدم الانتفاع به إذا وقع في خارج الرحم و لو وقع فيه فكذلك لا ينتفع به المشتري، لأن الولد نماء الام في الحيوانات عرفا و للأب في الإنسان شرعا. لكن الظاهر أن حكمهم بتبعية (1) الام متفرع علي عدم تملك المني و إلا لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع. فالمتعين التعليل بالنجاسة، لكن قد منع بعض (2) من نجاسته إذا دخل من (3) الباطن إلي الباطن و قد ذكر العلامة من المحرمات بيع «عسيب الفحل» (4) و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم، كما أن الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار، *

***** (هامش) *****

(1) ظاهر «ف» : بتبعيته.

(2) لم نقف عليه.

(3) في «ع»، «ص» : عن.

(4) التحرير 1: 160. (*)

*****ص 30*****

كما في جامع المقاصد (1) و عن غيره (2) و علل في الغنية بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة و عدم القدرة علي التسليم (3). *

***** (هامش) *****

(1) حكاه في جامع المقاصد 4: 53، عن الفائق.

(2) و نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 144 عن جامع المقاصد و حواشي الشهيد قدس سره.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية) : 524. (*)

ص31

المسألة الخامسة

المسألة الخامسة:

تحرم المعاوضة علي الميتة و أجزائها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة - علي المعروف من مذهب الأصحاب - و في التذكرة - كما عن المنتهي و التنقيح - : الإجماع عليه (1) و عن رهن الخلاف: الإجماع علي عدم ملكيتها (2) و يدل عليه - مضافا إلي ما تقدم من الأخبار (3) - ما دل علي أن الميتة لا ينتفع بها (4) منضما إلي اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع لئلا يدخل في عموم

النهي عن أكل المال بالباطل و خصوص عد ثمن *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 1: 464، المنتهي 2: 1009، التنقيح 2: 5.

(2) الخلاف 3: 240، كتاب الرهن، المسألة 34.

(3) مثل روايتي تحف العقول و دعائم الإسلام، المتقدمتين في أول الكتاب و قوله عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَه المتقدم عن عوالي اللآلي آنفا.

(4) الوسائل 16: 368، الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة. (*)

*****ص 32*****

الميتة من السحت في رواية السكوني (1). نعم، قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز، مثل رواية الصيقل، قال: «كتبوا إلي الرجل: جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ، إنا نعمل السيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و إنما غلافها (2) من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية، لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا؟ و نحن محتاجون إلي جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها، فكتب عليه السلام : اجعلوا ثوبا للصلاة … » (3) و نحوها رواية اخري بهذا المضمون (4) و لذا قال في الكفاية و الحدائق: إن الحكم لا يخلو عن إشكال (5) و يمكن أن يقال: إن مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها، لا خصوص الغلاف مستقلا و لا في ضمن السيف علي أن يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد، فغاية ما يدل عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمدا للسيف و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال و لذا جوز جماعة، منهم الفاضلان في النافع و الإرشاد - علي ما حكي *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 62، الباب

5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

(2) في التهذيب و الوسائل: علاجنا.

(3) الوسائل 12: 125، الباب 38 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، مع تفاوت يسير.

(4) نفس المصدر: الحديث 3.

(5) كفاية الأحكام:

84، الحدائق 18: 73. (*)

*****ص 33*****

عنهما - الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة و الشرب مع عدم قولهم بجواز بيعه (1). مع أن الجواب لا ظهور فيه في الجواز، إلا من حيث التقرير الغير الظاهر في الرضي، خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية. هذا و لكن الإنصاف: أنه إذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة - كالاستقاء بها للبساتين و الزرع إذا فرض عده مالا عرفا - فمجرد النجاسة لا يصلح (2) علة لمنع البيع، لولا الإجماع علي حرمة بيع الميتة بقول مطلق (3)، لأن المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة، لا مجرد النجاسة و إن قلنا: إن مقتضي الأدلة حرمة الانتفاع بكل نجس، فإن هذا كلام آخر سيجئ بما فيه (4) بعد ذكر حكم النجاسات. لكنا نقول: إذا قام الدليل الخاص علي جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشئ من النجاسات فلا مانع من صحة بيعه، لأن ما دل علي المنع عن بيع النجس من النص و الإجماع ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع، فإن رواية تحف العقول المتقدمة (5) قد علل فيها المنع عن بيع *

***** (هامش) *****

(1) المختصر النافع: 254، الإرشاد 2: 113.

(2) كذا في «ص» و في غيره: لا تصلح.

(3) ادعاه العلامة في التذكرة 1: 464 و المنتهي 2: 1009 و الفاضل المقداد في التنقيح 2: 5.

(4) في «ع»، «ص»، «ش» : ما فيه.

(5) تقدمت في أول الكتاب. (*)

*****ص 34*****

شيء من وجوه النجس بكونه منهيا عن أكله و شربه … إلي

آخر ما ذكر فيها و مقتضي رواية دعائم الإسلام - المتقدمة أيضا (1) - إناطة جواز البيع و عدمه بجواز الانتفاع و عدمه و أدخل ابن زهرة - في الغنية - النجاسات في ما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل الانتفاع بها و استدل أيضا علي جواز بيع الزيت النجس: بأن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم أذن في الاستصباح به تحت السماء (2)، قال: و هذا يدل علي جواز بيعه لذلك (3)، انتهي. فقد ظهر من أول كلامه و آخره أن المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع، وأ نه يجوز مع عدمها و مثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال، كلام الشيخ - في الخلاف في باب البيع - حيث ذكر النبوي الدال علي إذن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم في الاستصباح، ثم قال: و هذا يدل علي جواز بيعه (4)، انتهي و عن فخر الدين - في شرح الإرشاد (5) - و الفاضل المقداد - في

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في أول الكتاب.

(2) نقله عن كتاب «الأوضاح» لأبي علي بن أبي هريرة و في الخلاف عن «الإفصاح» و الظاهر أن أحدهما محرف عن الآخر.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية) : 524.

(4) الخلاف 3: 187، كتاب البيوع، المسألة 312.

(5) لا يوجد لدينا، لكن حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 13. (*)

*****ص 35*****

التنقيح (1) - الاستدلال علي المنع عن بيع النجس بأنه محرم الانتفاع و كل ما كان كذلك لا يجوز بيعه. نعم، ذكر في التذكرة شرط الانتفاع و حليته (2) بعد اشتراط الطهارة و استدل للطهارة بما دل علي وجوب الاجتناب عن النجاسات و حرمة الميتة (3) و

الإنصاف، إمكان إرجاعه إلي ما ذكرنا (4)، فتأمل و يؤيده (5) أنهم أطبقوا علي بيع العبد الكافر و كلب الصيد و علله في التذكرة بحل الانتفاع به، ورد من منع (6) عن بيعه لنجاسته بأن النجاسة غير مانعة و تعدي إلي كلب الحائط و الماشية و الزرع، لأن المقتضي - و هو النفع - موجود فيها (7) و مما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة - لولا الإجماع - إذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء، يظهر حكم جواز المعاوضة علي لبن إليهودية المرضعة، بأن يجعل تمام الاجرة أو بعضها في مقابل اللبن، فإن نجاسته لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه. *

***** (هامش) *****

(1) التنقيح 2: 5.

(2) التذكرة 1: 465.

(3) التذكرة 1: 464.

(4) في «ف» : ما ذكره الجماعة.

(5) في «ف» : و يؤيد الإرجاع.

(6) و هم جماعة من العامة - كالشافعي و أحمد و الأوزاعي و غيرهم - و بعض منا، علي ما في التذكرة.

(7) التذكرة 1: 464. (*)

*****ص 36*****

«فرعان» الأول: أ نه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة، كذلك لا يجوز بيعها منضمة إلي مذكي و لو باعهما (1)، فإن كان المذكي ممتازا صح البيع فيه و بطل في الميتة، كما سيجيء في محله و إن كان مشتبها بالميتة لم يجز بيعه أيضا، لأ نه لا ينتفع به منفعة محللة، بناء علي وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين، فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع، فأكل المال بإزائه أكل للمال (2) بالباطل، كما أن أكل كل من المشتبهين في حكم أكل الميتة و من هنا يعلم أنه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة و غيره. لكن في صحيحة الحلبي و حسنته: «إِذَا

اخْتَلَطَ الذَّكِيُّ بِالْمَيْتَةِ بَاعَهُ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ الْمَيْتَة» (3) و حكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر (4). *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ف» و في سائر النسخ: باعها.

(2) كذا في «ف» و في سائر النسخ: أكل المال.

(3) الوسائل 12: 67، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 2، مع اختلاف في اللفظ.

(4) مسائل علي بن جعفر: 109، الحديث 20. (*)

*****ص 37*****

و استوجه العمل بهذه الأخبار في الكفاية (1) و هو مشكل، مع أن المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه يرمي بها (2) و جوز بعضهم البيع بقصد بيع المذكي (3) و فيه: أن القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكي لأجل الاشتباه. نعم، لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة و جواز ارتكاب أحدهما، جاز البيع بالقصد المذكور. لكن لا ينبغي القول به في المقام، لأن الأصل في كل واحد من المشتبهين عدم التذكية، غاية الأمر العلم الاجمالي بتذكية أحدهما و هو غير قادح في العمل بالأصلين و إنما يصح القول بجواز ارتكاب أحدهما في المشتبهين إذا كان الأصل في كل منهما الحل و علم إجمالا به وجود الحرام، فقد يقال هنا بجواز ارتكاب أحدهما اتكالا علي أصالة الحل و عدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك حذرا عن ارتكاب الحرام الواقعي و إن كان هذا الكلام مخدوشا في هذا المقام أيضا، لكن القول به ممكن هنا، بخلاف ما نحن فيه، لما ذكرنا، فافهم. *

***** (هامش) *****

(1) كفاية الأحكام:

85.

(2) في «ش» : بهما و ما أثبتناه مطابق لسائر النسخ و لما ورد في الحديث، راجع: مستدرك الوسائل 13: 73، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(3)

المحقق في الشرائع 3: 223 و العلامة في الإرشاد 2: 113. (*)

*****ص 38*****

و عن العلامة حمل الخبرين علي جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك برضاه (1) و فيه: أن المستحل قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه إلا بالأسباب الشرعية، كالذمي و يمكن حملهما علي صورة قصد البائع المسلم أجزاءها التي لا تحلها الحياة: من الصوف و الشعر و العظم (2) و نحوها و تخصيص المشتري بالمستحل، لأن الداعي له علي الاشتراء اللحم أيضا و لا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه و في مستطرفات السرائر، عن جامع البزنطي - صاحب الرضا عليه السلام - قال:

«سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ يَقْطَعُ مِنْ أَلَيَاتِهَا وَ هِيَ أَحْيَاءٌ أَ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِها (3) قَالَ نَعَمْ يُذِيبُهَا وَ يُسْرِجُ بِهَا وَ لَا يَأْكُلُهَا وَ لَا يَبِيعُهَا» (4) و استوجه في الكفاية العمل بها (5) تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة *

***** (هامش) *****

(1) المختلف: 683.

(2) كذا في «ف» و في سائر النسخ: من الصوف و العظم و الشعر.

(3) في المصدر بدل «بها» : بما قطع.

(4) السرائر 3: 573.

(5) ظاهر العبارة: أن السبزواري استوجه العمل برواية البزنطي، لكن الموجود في كفاية الأحكام - بعد الحكم باستثناء الأدهان، مستدلا بصحيحة الحلبي و صحيحة زرارة و صحيحة سعيد الأعرج و غيرها و أن ذكر الإسراج و الاستصباح في الروايات غير دال علي الحصر - ما يلي: «و القول بالجواز مطلقا متجه»، انظر كفاية الأحكام:

85. (*)

*****ص 39*****

في بعض أقواله (1) و الرواية شاذة، ذكر الحلي - بعد إيرادها - أنها من نوادر الأخبار و الإجماع منعقد علي تحريم الميتة و التصرف فيها علي كل حال إلا

أكلها للمضطر (2). أقول: مع أنها معارضة بما دل علي المنع من موردها، معللا بقوله عليه السلام : «أما علمت أنه يصيب الثوب و اليد و هو حرام؟ » (3) و مع الإغماض عن المرجحات، يرجع إلي عموم ما دل علي المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا، مع أن الصحيحة صريحة في المنع عن البيع، إلا أن تحمل علي إرادة البيع من غير الإعلام بالنجاسة. *

***** (هامش) *****

(1) حكي السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 19) عن حواشي الشهيد علي القواعد أنه نقل عن العلامة - في حلقة الدرس - أنه جوز الاستصباح بأليات الغنم المقطوعة، تحت السماء.

(2) السرائر 3: 574.

(3) الوسائل 16: 364، الباب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث الأول و فيه: أما تعلم. (*)

*****ص 40*****

الثاني: أن الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها إذا كانت مما ينتفع بها أو ببعض أجزائها - كدهن السمك الميتة للإسراج و التدهين - لوجود المقتضي و عدم المانع، لأن أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة و صرح بما ذكرنا جماعة (1) و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه.

***** (هامش) *****

(1) منهم:

المحدث البحراني في الحدائق 18: 77 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 19 و صاحب الجواهر في الجواهر 22: 17. (*)

ص41

المسألة السادسة

المسألة السادسة:

يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين إجماعا علي الظاهر - المصرح به في المحكي عن جماعة (1) - و كذلك أجزاؤهما. نعم، لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير و جلده جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة. *

***** (هامش) *****

(1) منهم:

الشيخ في المبسوط 2: 165 - 166 و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) : 524 و العلامة في المنتهي 2:

1009 و غيره و الشهيدان في الدروس: 3: 168 و المسالك 3: 135 في مورد الكلب خاصة. (*)

*****ص 42*****

المسألة السابعة

المسألة السابعة:

يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع إجماعا، نصا و فتوي و في بعض الأخبار: «يكون لي علي الرجل دراهم فيعطيني خمرا؟ قال: خذها و أفسدها، قال ابن أبي عمير: يعني اجعلها خلا (1) » (2) و المراد به إما أخذ الخمر مجانا ثم تخليلها، أو أخذها و تخليلها لصاحبها، ثم أخذ الخل وفاء عن الدراهم. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و في الوسائل: «قال علي: و اجعلها خلا» و المراد به: علي ابن حديد، الواقع في سند الرواية.

(2) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6. (*)

*****ص 43*****

المسألة الثامنة

المسألة الثامنة:

يحرم المعاوضة علي الأعيان المتنجسة الغير القابلة للطهارة إذا توقف منافعها المحللة المعتد بها علي الطهارة، لما تقدم من النبوي: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَه (1) و نحوه المتقدم عن دعائم الإسلام (2) و أما التمسك بعموم قوله عليه السلام في رواية تحف العقول: «أَوْ شَيْ ءٍ مِنْ وُجُوهِ النَّجِسِ» ففيه نظر، لأن الظاهر من «وُجُوهِ النَّجِسِ» العنوانات النجسة، لأن ظاهر «الوجه» هو العنوان. نعم، يمكن الاستدلال علي ذلك بالتعليل المذكور بعد ذلك و هو قوله عليه السلام : «ٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِهِ (3) وَ شُرْبِهِ وَ لُبْسِه … إلي آخر ما ذكر». ثم اعلم أنه قيل بعدم جواز بيع المسوخ من أجل نجاستها (4)، *

***** (هامش) *****

(1) عوالي اللآلي 2: 110، الحديث 301، سنن الدارقطني 3: 7، الحديث 20.

(2) دعائم الإسلام 2: 18، الحديث 23 و قد تقدم مع سابقه في الصفحة: 13.

(3) في المصدر: منهي عن أكله.

(4) راجع المبسوط 2: 165 - 166 حيث جعل المسوخ من الأعيان النجسة و ادعي

الإجماع علي عدم جواز بيعها. (*)

*****ص 44*****

و لما كان الأقوي طهارتها لم يحتج إلي التكلم في جواز بيعها هنا. نعم، لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة كان محل التعرض له ما سيجئ من أن كل طاهر له منفعة محللة مقصودة يجوز بيعه و سيجئ ذلك في ذيل القسم الثاني (1) مما لا يجوز الاكتساب به لأجل عدم المنفعة فيه. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و الصحيح: القسم الثالث. (*)

*****ص 45*****

[المستثنيات من حرمة بيع الأعيان النجسة] (1) *

***** (هامش) *****

(1) العنوان زيادة منا. (*)

*****ص 47*****

و أما المستثني من الأعيان المتقدمة

اشارة

و أما المستثني من الأعيان المتقدمة فهي أربعة تذكر في مسائل أربع:

المسألة الأولي

يجوز بيع المملوك الكافر، أصليا كان أم مرتدا مليا، بلا خلاف ظاهر، بل ادعي عليه الإجماع (1) و ليس ببعيد، كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه المسألة، كاسترقاق الكفار و شراء بعضهم من بعض و بيع العبد الكافر إذا أسلم علي مولاه الكافر و عتق الكافرة و بيع المرتد و ظهور كفر العبد المشتري علي ظاهر الإسلام و غير ذلك و كذا الفطري علي الأقوي، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه من هذه الجهة و إن كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف، لوجوب قتله. *

***** (هامش) *****

(1) الجواهر 22: 23. (*)

*****ص 48*****

و لم نجد من تأمل فيه من جهة نجاسته، عدا ما يظهر من بعض الأساطين في شرحه علي القواعد حيث احترز بقول العلامة: «ما لا يقبل التطهير من النجاسات»، عما يقبله و لو بالإسلام، كالمرتد و لو عن فطرة علي أصح القولين (1)، فبني جواز بيع المرتد علي قبول توبته، بل بني جواز بيع مطلق الكافر علي قبوله للطهر بالإسلام و أنت خبير بأن حكم الأصحاب بجواز بيع الكافر نظير حكمهم بجواز بيع الكلب لا من حيث قابليته للتطهير - نظير الماء المتنجس - و أن اشتراطهم قبول التطهير إنما هو فيما يتوقف الانتفاع به علي طهارته ليتصف بالملكية، لا مثل الكلب و الكافر المملوكين مع النجاسة إجماعا و بالغ تلميذه في مفتاح الكرامة، فقال: أما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدا، لعدم قبول توبته فلا يقبل التطهير، ثم ذكر جماعة ممن جوز بيعه - إلي أن قال - : و لعل من جوز بيعه بني

علي قبول توبته (2)، انتهي و تبعه علي ذلك شيخنا المعاصر (3). أقول: لا إشكال و لا خلاف في كون المملوك المرتد عن فطرة ملكا و مالا لمالكه و يجوز له الانتفاع به بالاستخدام (4) ما لم يقتل و إنما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض

***** (هامش) *****

(1) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 4.

(2) مفتاح الكرامة 4: 12.

(3) أي صاحب الجواهر قدس سره ، انظر الجواهر 22: 8.

(4) كذا في «ش» و في «ف» : الانتفاع و الاستخدام و في سائر النسخ: الانتفاع به و الاستخدام. (*)

*****ص 49*****

القتل، بل واجب الإتلاف شرعا، فكأن الإجماع منعقد علي عدم المنع من بيعه من جهة عدم قابلية طهارته بالتوبة. قال في الشرائع: و يصح رهن المرتد و إن كان عن فطرة (1) و استشكل في المسالك من جهة وجوب إتلافه و كونه في معرض التلف، ثم اختار الجواز، لبقاء ماليته إلي زمان القتل (2) و قال في القواعد:

و يصح رهن المرتد و إن كان عن فطرة، علي إشكال (3) و ذكر في جامع المقاصد:

أن منشأ الإشكال أنه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق أولي و من أن مقصود البيع حاصل و أما مقصود الرهن فقد لا يحصل، لقتل (4) الفطري حتما و الآخر قد لا يتوب (5)، ثم اختار الجواز و قال في التذكرة: المرتد إن كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر، ينشأ من تضاد الحكمين و من بقاء الملك، فإن كسبه لمولاه، أما عن غير فطرة فالوجه صحة بيعه، لعدم تحتم قتله (6) ثم ذكر المحارب الذي لا تقبل توبته، لوقوعها بعد القدرة عليه. *

***** (هامش) *****

(1) الشرائع 2: 77.

(2) المسالك 4:

25.

(3) القواعد 1: 159.

(4) كذا في «ن» و المصدر و في سائر النسخ: بقتل.

(5) جامع المقاصد 5: 57.

(6) التذكرة 1: 466. (*)

*****ص 50*****

و استدل علي جواز بيعه بما يظهر منه جواز بيع المرتد عن فطرة و جعله نظير المريض المأيوس عن برئه. نعم، منع في التحرير و الدروس عن بيع المرتد عن فطرة و المحارب إذا وجب قتله (1)، للوجه المتقدم عن (2) التذكرة، بل في الدروس: أن بيع المرتد عن ملة أيضا مراعي بالتوبة (3) و كيف كان، فالمتتبع يقطع بأن اشتراط قابلية الطهارة إنما هو في ما يتوقف الانتفاع المعتد به علي طهارته و لذا قسم في المبسوط المبيع إلي آدمي و غيره، ثم اشترط الطهارة في غير الآدمي، ثم استثني الكلب الصيود (4). *

***** (هامش) *****

(1) التحرير 1: 165، الدروس 3: 200.

(2) كذا في «ف» و «ش» و في سائر النسخ: و عن.

(3) انظر التخريج السابق.

(4) المبسوط 2: 165 - 166. (*)

*****ص 51*****

المسألة الثانية

المسألة الثانية:

يجوز المعاوضة علي غير كلب الهراش في الجملة بلا خلاف ظاهر، إلا ما عن ظاهر إطلاق العماني

(1) و لعله كإطلاق كثير من الأخبار: بأن «ثمن الكلب سحت» (2) محمول علي الهراش، لتواتر الأخبار (3) و استفاضة نقل الإجماع (4) علي جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة. ثم إن ما عدا كلب الهراش علي أقسام:

أحدها - كلب الصيد السلوقي و هو المتيقن من (5) الأخبار (6) و معاقد *

***** (هامش) *****

(1) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 28) : و لا مخالف سوي الحسن العماني، علي ما حكي.

(2) الوسائل 12: 62، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 و 9 و الصفحة: 83، الباب

14 من نفس الأبواب، الحديث 2 و 8.

(3) الوسائل 12: 63، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7 و 8 و الصفحة: 83، الباب 14 من نفس الأبواب، الأحاديث 1 و 3 و 5 و 6 و 7.

(4) سيأتي نقله عن الخلاف و المنتهي و إيضاح الفوائد و غيرها.

(5) في «ن»، «م»، «ع»، «ص» : عن.

(6) المشار إليها في الهامش (3). (*)

*****ص 52*****

الإجماعات الدالة علي الجواز. الثاني - كلب الصيد غير السلوقي و بيعه جائز علي المعروف من غير ظاهر إطلاق المقنعة و النهاية (1) و يدل عليه - قبل الإجماع المحكي عن الخلاف و المنتهي و الإيضاح (2) و غيرها (3) - الأخبار المستفيضة: منها: قوله عليه السلام في رواية القاسم بن الوليد، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، قال: سحت و أما الصيود فلا بأس به» (4) و منها: الصحيح عن ابن فضال عن أبي جميلة، عن ليث، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكلب الصيود يباع؟ قال عليه السلام : نعم و يؤكل ثمنه» (5) و منها: رواية أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عَنْ ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ قَالَ لَا بَأْسَ بِِهِ وَ أما الْآخَرُ فلَا يَحِلُّ ثَمَنُه (6). *

***** (هامش) *****

(1) المقنعة: 589، النهاية: 364.

(2) الخلاف 3: 182، كتاب البيوع، المسألة 302، المنتهي 2: 1009، إيضاح الفوائد 1: 402.

(3) مثل الغنية (الجوامع الفقهية) : 524 و الدروس 3: 168.

(4) الوسائل 12: 83، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 7.

(5) التهذيب 9: 80، الحديث 343 و لم نقف عليه في الوسائل.

(6) الوسائل 12:

83، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5، مع اختلاف يسير. (*)

*****ص 53*****

و منها: ما (1) عن دعائم الإسلام - للقاضي نعمان المصري - عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لَا بَأْسَ بِثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» (2) و منها: مفهوم رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

ثَمَنُ الْخَمْرِ وَ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَ ثَمَنُ الْكَلْبِ الَّذِي لَا يَصْطَادُ مِنَ السُّحْتِ.» (3) و منها: مفهوم رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: «ثَمَنُ الْكَلْبِ الَّذِي لَا يَصِيدُ سُحْتٌ وَ لَا بَأْسَ بِثَمَنِ الْهِرِّ.» (4) و مرسلة الصدوق و فيها: «ثَمَنُ الْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِكَلْبِ الصَّيْدِ سُحْتٌ» (5). ثم إن دعوي انصراف هذه الأخبار - كمعاقد الإجماعات المتقدمة - إلي السلوقي ضعيفة بمنع (6) الانصراف، لعدم الغلبة المعتد بها - علي فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف - مع أنه لا يصح في مثل قوله: «ثَمَنِ الْكَلْبِ الَّذِي لَا يَصِيدُ» أو «لَيْسَ بِكَلْبِ الصَّيْد»، لأن مرجع التقييد إلي إرادة ما يصح*

***** (هامش) *****

(1) كلمة «ما» ساقطة من أكثر النسخ.

(2) دعائم الإسلام 2: 19، الحديث 28.

(3) الوسائل 12: 83، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به، الحديث6.

(4) نفس المصدر، الحديث 3 و فيه: و لا بأس بثمن الهر.

(5) الفقيه 3: 171، الحديث 3648.

(6) كذا في «ف» و في سائر النسخ: لمنع. (*)

*****ص 54*****

عنه سلب صفة الاصطياد و كيف كان، فلا مجال لدعوي الانصراف. بل يمكن أن يكون مراد المقنعة و النهاية (1) من «السلوقي» مطلق الصيود، علي ما شهد به

بعض الفحول من إطلاقه عليه أحيانا (2) و يؤيد بما عن المنتهي، حيث إنه بعد ما حكي التخصيص بالسلوقي عن الشيخين قال: «و عني بالسلوقي كلب الصيد، لأن «سلوق» قرية باليمن، أكثر كلابها معلمة فنسب الكلب إليها " (3) و إن كان هذا الكلام من المنتهي يحتمل لأن يكون مسوقا لإخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية و أن المراد بالسلوقي خصوص الصيود، لا كل سلوقي، لكن الوجه الأول أظهر، فتدبر. الثالث: كلب الماشية و الحائط - و هو البستان و الزرع - و الأشهر بين القدماء - علي ما قيل (4) - : المنع و لعله استظهر ذلك من الأخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في الصيود المشتهرة بين المحدثين - كالكليني و الصدوقين و من تقدمهم (5) - بل و أهل *

***** (هامش) *****

(1) تقدم التخريج عنهما في الصفحة: 52، الهامش

(1). (2) لعله قدس سره أراد بذلك ما نقله السيد المجاهد عن استاذه في مقام الجمع بين الروايات، انظر المناهل: 276، ذيل قوله: و أما ثالثا …

(3) المنتهي 2: 1009.

(4) انظر المستند 2: 334 و المناهل: 276.

(5) حيث أوردوا الأخبار المذكورة في اصولهم و مصنفاتهم. (*)

*****ص 55*****

الفتوي - كالمفيد و القاضي و ابن زهرة و ابن سعيد و المحقق (1) - بل ظاهر الخلاف و الغنية الإجماع عليه (2). نعم، المشهور بين الشيخ و من تأخر عنه (3) الجواز، وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد قدس سره ، حيث قال: «لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع»، ثم قال: «لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس» (4) و ظاهر الفقرة الأخيرة - لو لم يحمل علي الأولي - : جواز

بيع الكلاب الثلاثة و غيرها، كحارس الدور و الخيام و حكي الجواز أيضا عن الشيخ و القاضي في كتاب الإجارة (5) و عن سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة و ابن إدريس (6) و أكثر المتأخرين - كالعلامة و ولده السعيد (7) و الشهيدين (8) و المحقق الثاني (9) و ابن القطان *

***** (هامش) *****

(1) المقنعة: 589، الغنية (الجوامع الفقهية) : 524، نزهة الناظر: 76، الشرائع 2: 11 و أما القاضي فلم نقف في كتابيه علي ما يدل علي المنع و إن نسبه إليه في المختلف: 341.

(2) الخلاف 3: 181، كتاب البيوع، المسألة 302، الغنية (الجوامع الفقهية) : 524.

(3) ستأتي الإشارة إلي مواضع كلامهم.

(4) حكاه عنه في المختلف 340، 341.

(5) المبسوط 3: 250، المهذب 1: 502.

(6) المراسم:

170، الوسيلة: 248، السرائر 2: 220 و أما أبو الصلاح فلم نقف علي فتواه بالجواز في الكافي.

(7) القواعد 1: 120، إيضاح الفوائد 1: 402.

(8) الدروس 3: 168، الروضة البهية 3: 209.

(9) جامع المقاصد 4: 14. (*)

*****ص 56*****

في المعالم (1) و الصيمري (2) و ابن فهد (3) - و غيرهم من متأخري المتأخرين (4)، عدا قليل وافق المحقق (5) كالسبزواري (6) و التقي المجلسي (7) صاحب و الحدائق (8) و العلامة الطباطبائي في مصابيحه (9) و فقيه عصره في شرح القواعد (10) و هو الأوفق بالعمومات المتقدمة المانعة، إذ لم نجد مخصصا لها سوي ما أرسله في المبسوط من أنه روي ذلك (11)، يعني جواز البيع في كلب الماشية و الحائط، المنجبر قصور سنده و دلالته - لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها - باشتهاره بين المتأخرين، بل ظهور الاتفاق المستفاد من قول الشيخ في كتاب

الإجارة: إن أحدا *

***** (هامش) *****

(1) معالم الدين في فقه آل يس (مخطوط) : 126.

(2) تلخيص الخلاف 2: 79.

(3) المهذب البارع 2: 349.

(4) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 437 و الفاضل المقداد في التنقيح 2: 7 و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 37.

(5) الشرائع 2: 12.

(6) كفاية الأحكام:

88.

(7) روضة المتقين 6: 470.

(8) الحدائق 18: 81.

(9) المصابيح: (مخطوط) و لم نقف عليه.

(10) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 6.

(11) المبسوط 2: 166. (*)

*****ص 57*****

لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و إجارتها (1) بعد ملاحظة الاتفاق علي صحة إجارتها و من قوله في التذكرة: يجوز بيع هذه الكلاب عندنا (2) و من المحكي عن الشهيد في الحواشي: أن أحدا لم يفرق بين الكلاب الأربعة (3). فتكون هذه الدعاوي قرينة علي حمل كلام من اقتصر علي كلب الصيد علي المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة، كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية، حيث اعتبر أولا في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة، ثم قال: و احترزنا بقولنا: «ينتفع به منفعة محللة» عما يحرم الانتفاع به و يدخل في ذلك: النجس (4) إلا ما خرج بالدليل، من الكلب (5) المعلم للصيد و الزيت النجس لفائدة الاستصباح (6) تحت السماء (7) و من المعلوم - بالإجماع و السيرة - جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محللة مقصودة أهم من منفعة الصيد، فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها و أن المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي بانتفائها. *

***** (هامش) *****

(1) قاله في كتاب البيع، انظر المبسوط 2: 166.

(2) التذكرة 2: 295 (كتاب الإجارة).

(3) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة

4: 29.

(4) في «ش» و المصدر: كل نجس،

(5) في «ش» و المصدر: من بيع الكلب.

(6) في «ش» و المصدر: و الزيت النجس للاستصباح.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية) : 524، مع تفاوت في بعض الألفاظ. (*

*****ص 58*****

و يؤيد ذلك كله ما في التذكرة من أن المقتضي لجواز بيع كلب الصيد - أعني المنفعة - موجود في هذه الكلاب (1) و عنه رحمه الله في مواضع اخر: أن تقدير الدية لها يدل علي مقابلتها بالمال (2) و إن ضعف الأول برجوعه إلي القياس و الثاني بأن الدية لو لم تدل علي عدم التملك - و إلا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت - لم تدل علي التملك، لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شيء ينتفع به، لا لإتلاف مال، كما في إتلاف الحر و نحوهما في الضعف: دعوي انجبار المرسلة (3) بدعوي الاتفاق المتقدم عن الشيخ و العلامة و الشهيد قدس الله أسرارهم (4)، لوهنها - بعد الإغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف و الغنية: من الإجماع علي عدم جواز بيع (5) غير المعلم من الكلاب (6) - بوجدان الخلاف العظيم من أهل الرواية و الفتوي. نعم، لو ادعي الإجماع أمكن منع وهنها بمجرد الخلاف و لو من الكثير - بناء علي ما سلكه بعض متأخري المتأخرين في الإجماع من كونه منوطا بحصول الكشف من اتفاق جماعة و لو خالفهم أكثر منهم (7) -

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 1: 464.

(2) راجع المنتهي 2: 1009.

(3) المتقدمة عن المبسوط في الصفحة: 56، الهامش (11).

(4) تقدم عنهم في الصفحة: 56 و 57.

(5) لم ترد «بيع» في «ش».

(6) كما تقدم في الصفحة: 54 - 55.

(7) لم نقف علي القائل. (*)

*****ص

59*****

مع أن دعوي الإجماع ممن لم يصطلح الإجماع علي مثل هذا الاتفاق لا يعبأ بها (1) عند وجدان الخلاف و أما شهرة الفتوي بين المتأخرين فلا تجبر الرواية، خصوصا مع مخالفة كثير من القدماء (2) و مع كثرة العمومات الواردة في مقام الحاجة و خلو كتب الرواية المشهورة عنها (3) حتي أن الشيخ لم يذكرها (4) في جامعه (5) و أما حمل كلمات القدماء علي المثال، ففي غاية البعد و أما كلام ابن زهرة - المتقدم (6) - فهو مختل علي كل حال، لأ نه استثني الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به، مع أن الإجماع علي جواز الانتفاع بالكافر، فحمل «كلب الصيد» علي المثال لا يصحح كلامه، إلا أن يريد كونه مثالا و لو للكافر أيضا، كما أن استثناء الزيت من باب المثال لسائر الأدهان المتنجسة. هذا و لكن الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخرين - بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب - يوجب الظن بالجواز حتي في غير هذه الكلاب، مثل كلاب الدور و الخيام. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: به.

(2) راجع الصفحة: 54 - 55.

(3) كذا في «ش» و في سائر النسخ: عنه.

(4) كذا في «ش» و في سائر النسخ: لم يذكره.

(5) في «ش» : جامعيه.

(6) تقدم في الصفحة: 57. (*)

*****ص 60*****

فالمسألة لا تخلو عن إشكال و إن كان الأقوي بحسب الأدلة و الأحوط في العمل هو المنع، فافهم.

*****ص 61*****

المسألة الثالثة

المسألة الثالثة:

الأقوي جواز المعاوضة علي العصير العنبي إذا غلي و لم يذهب ثلثاه و إن كان نجسا، لعمومات البيع و التجارة الصادقة عليها، بناء علي أنه مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص، لأصالة بقاء

ماليته و عدم خروجه عنها بالنجاسة، غاية الأمر أنه مال معيوب قابل لزوال عيبه و لذا لو غصب عصيرا فأغلاه حتي حرم و نجس لم يكن في حكم التالف، بل وجب عليه رده و وجب عليه غرامة الثلثين و اجرة العمل فيه حتي يذهب الثلثان - كما صرح به في التذكرة (1) - معللا لغرامة الاجرة بأنه رده معيبا و يحتاج زوال العيب إلي خسارة و العيب من فعله، فكانت الخسارة عليه. نعم، ناقشه في جامع المقاصد (2) في الفرق بين هذا و بين مالو غصبه عصيرا فصار خمرا، حيث حكم فيه بوجوب غرامة مثل العصير، لأن المالية قد فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت. *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 2: 387.

(2) جامع المقاصد 6: 292 - 293. (*)

*****ص 62*****

لكن لا يخفي الفرق الواضح بين العصير إذا غلي و بينه إذا صار خمرا، فإن العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا و النجاسة إنما تمنع من المالية إذا لم يقبل التطهير، كالخمر فإنها لا يزول نجاستها (1) إلا بزوال موضوعها، بخلاف العصير، فإنه يزول نجاسته بنقصه، نظير طهارة ماء البئر بالنزح و بالجملة، فالنجاسة فيه و حرمة الشرب عرضية تعرضانه في حال متوسط بين حالتي طهارته، فحكمه حكم النجس بالعرض القابل للتطهير، فلا يشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول: «أو شيء من وجوه النجس» (2) و لا يدخل تحت قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«إِذَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَه (3)، لأن الظاهر منهما (4) العنوانات النجسة و المحرمة بقول مطلق، لا ما تعرضانه في حال دون حال، فيقال: يحرم في حال كذا، أو ينجس (5) في حال

كذا و بما ذكرنا يظهر عدم شمول معقد إجماع التذكرة (6) علي فساد بيع نجس العين للعصير، لأن المراد بالعين هي الحقيقة و العصير ليس كذلك و يمكن أن ينسب جواز بيع العصير إلي كل من قيد الأعيان النجسة المحرم بيعها بعدم قابليتها للتطهير و لم أجد مصرحا بالخلاف، *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و في سائر النسخ: فإنه لا يزول نجاسته.

(2) تقدمت في أول الكتاب.

(3) المتقدم في الصفحة: 13 و 43 عن عوالي اللآلي و سنن الدارقطني.

(4) في أكثر النسخ: منها.

(5) في «ش» : و ينجس.

(6) التذكرة 1: 464. (*)

*****ص 63*****

عدا ما في مفتاح الكرامة: من أن الظاهر المنع (1)، للعمومات المتقدمة و خصوص بعض الأخبار، مثل قوله عليه السلام : «و إن غلي فلا يحل بيعه» (2) و رواية أبي بصير (3) : «إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس» (4) و مرسل ابن الهيثم:

«إِذَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ وَ غَلي فَلَا خَيْرَ فِيهِ» (5)، بناء علي أن الخير المنفي يشمل البيع و في الجميع نظر: أما في العمومات، فلما تقدم و أما الأدلة الخاصة، فهي مسوقة للنهي عن بيعه بعد الغليان - نظير بيع الدبس و الخل من غير اعتبار إعلام المكلف - و في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه، فلا يشمل بيعه بقصد التطهير مع إعلام المشتري، نظير بيع الماء النجس و بالجملة، فلو لم يكن إلا استصحاب ماليته و جواز بيعه كفي و لم أعثر علي من تعرض للمسألة صريحا، عدا جماعة من المعاصرين (6). نعم، قال المحقق الثاني في حاشية الإرشاد - في ذيل قول *

***** (هامش)

*****

(1) مفتاح الكرامة 4: 12.

(2) الوسائل 12: 169، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(3) كذا في «ش» و في أكثر النسخ: أبي كهمس، نعم راوي الحديث السابق هو أبو كهمس.

(4) الوسائل 12: 169، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(5) الوسائل 17: 226، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 7.

(6) منهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 12 و صاحب الجواهر في الجواهر 22: 8 و المحقق النراقي في المستند 2: 332. (*)

*****ص 64*****

المصنف: «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبوله

(1) التطهير»، بعد الاستشكال بلزوم عدم جواز بيع الأصباغ المتنجسة بعدم قبولها التطهير و دفع ذلك بقبولها له بعد الجفاف

(2) - : و لو تنجس العصير و نحوه فهل يجوز بيعه علي من يستحله؟ فيه إشكال. . ثم ذكر أن الأقوي العدم، لعموم * (ولا تعاونوا علي الإثم و العدوان) *

(3)، انتهي

(4) و الظاهر، أنه أراد بيع العصير للشرب من غير التثليث، كما يظهر من ذكر المشتري و الدليل، فلا يظهر منه حكم بيعه علي من يطهره. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و في سائر النسخ: قبولها و في الارشاد:

مع قبول الطهارة.

(2) في غير «ش» زيادة: قال.

(3) المائدة: 2.

(4) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 204. (*)

*****ص 65*****

المسألة الرابعة

المسألة الرابعة:

يجوز المعاوضة علي الدهن المتنجس علي المعروف من مذهب الأصحاب و جعل هذا من المستثني عن بيع الأعيان النجسة مبني علي المنع من الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل، أو علي المنع من بيع المتنجس و إن جاز الانتفاع به نفعا مقصودا محللا و إلا كان الاستثناء منقطعا من حيث إن المستثني منه «ما ليس فيه منفعة محللة

مقصودة من النجاسات و المتنجسات» و قد تقدم أن المنع عن بيع النجس - فضلا عن المتنجس - ليس إلا من حيث حرمة المنفعة المقصودة (1)، فإذا فرض حلها فلا مانع من البيع و يظهر من الشهيد الثاني - في المسالك - خلاف ذلك و أن جواز بيع الدهن للنص، لا لجواز الانتفاع به و إلا لاطرد الجواز في غير الدهن أيضا (2). *

***** (هامش) *****

(1) في غير «ش» : المنفعة المحللة المقصودة.

(2) المسالك 3: 119. (*)

*****ص 66*****

و أما حرمة الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل، فسيجئ الكلام فيه إن شاء الله تعالي و كيف كان، فلا إشكال في جواز بيع الدهن المذكور و عن جماعة (1) : الإجماع عليه في الجملة و الأخبار به (2) مستفيضة: منها: الصحيح، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: «قلت له: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل؟ قال عليه السلام : أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله و الزيت يستصبح به» (3) و زاد في المحكي عن التهذيب: «أنه يبيع ذلك الزيت و يبينه (4) لمن اشتراه ليستصبح به» (5) و لعل الفرق بين الزيت و أخويه من جهة كونه مائعا غالبا، بخلاف السمن و العسل و في رواية إسماعيل - الآتية - إشعار بذلك و منها: الصحيح، عن سعيد الأعرج (6)، عن أبي عبد الله عليه السلام :

«في الْفَأْرَةِ وَ الدَّابَّةِ تَقَعُ فِي الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ فَتَمُوتُ فِيهِ؟

فَقَالَ إِنْ كَانَ

***** (هامش) *****

(1) منهم:

ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) : 524 و الشيخ في الخلاف 3: 187، كتاب البيوع، المسألة 312 و ابن إدريس في السرائر 2: 222.

(2)

به: ساقطة من أكثر النسخ.

(3) الوسائل 12: 66، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(4) كذا في «ش» و في سائر النسخ: و ينبه.

(5) التهذيب 9: 85، الحديث 359 و فيه: تبيعه و تبينه.

(6) كذا في جميع النسخ، لكن الرواية عن الحلبي، نعم الرواية التي تليها في الوسائل عن سعيد الأعرج. (*)

*****ص 67*****

سَمْناً أَوْ عَسَلًا أَوْ زَيْتاً فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ بَعْضَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الشِّتَاءُ فَانْزِعْ مَا حَوْلَهُ وَ كُلْهُ وَ إِنْ كَانَ الصَّيْفُ فَارْفَعْهُ حَتَّي تُسْرِجَ بِهِ وَ إِنْ كَانَ ثَرْداً فَاطْرَحِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَ لَا تَتْرُكْ طَعَامَكَ مِنْ أَجَلِ دَابَّةٍ مَاتَتْ عَلَيْهِ.

سمنا أو عسلا أو زيتا، فإنه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و إن كان الصيف فادفعه حتي يسرج به» (1) و منها: ما عن أبي بصير - في الموثق - «عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت (2) فتموت فيه؟ قال: إن كان جامدا فاطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته» (3) و منها: رواية إسماعيل بن عبد الخالق، قال: «سأله سعيد الأعرج السمان - و أنا حاضر - عن السمن و الزيت و العسل تقع فيه الفأرة فتموت [كيف يصنع به؟] (4) قال: أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له فيبتاع للسراج و أما الأكل فلا و أما السمن فإن كان ذائبا فكذلك و إن كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما حولها، ثم لا بأس به و العسل كذلك إن كان جامدا» (5). إذا عرفت هذا، فالإشكال يقع في مواضع: *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل

16: 375، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4.

(2) في «ص» : أو في الزيت.

(3) الوسائل 12: 66، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(4) العبارة ساقطة من «خ»، «م»، «ف»، «ن»، «ع».

(5) الوسائل 12: 66، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5. (*)

*****ص 68*****

الأول: أن صحة بيع هذا الدهن هل هي (1) مشروطة باشتراط الاستصباح به صريحا، أو يكفي قصدهما لذلك، أو لا يشترط أحدهما؟ ظاهر الحلي في السرائر: الأول، فإنه بعد ذكر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجسة جمع (2) قال: و يجوز بيعه بهذا الشرط عندنا (3) و ظاهر المحكي عن الخلاف: الثاني، حيث قال: جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و قال أبو حنيفة: يجوز مطلقا (4)، انتهي و نحوه - مجردا عن دعوي الإجماع - عبارة المبسوط و زاد:

«أنه لا يجوز بيعه إلا لذلك» (5) و ظاهره كفاية القصد و هو ظاهر غيره ممن عبر بقوله: «جاز بيعه للاستصباح» كما في الشرائع و القواعد (6) و غيرهما (7). *

***** (هامش) *****

(1) وردت عبارة «هل هي» في «ش» فقط.

(2) كذا في «ش» و في سائر النسخ: أجمع.

(3) السرائر 2: 222 و 3: 122.

(4) الخلاف 3: 187، كتاب البيوع، المسألة 312.

(5) المبسوط 2: 167.

(6) الشرائع 2: 9، القواعد 1: 120.

(7) مثل عبارة التنقيح 2: 7 و مجمع الفائدة 8: 31 و بمعناهما عبارة الشهيد في اللمعة: 108. (*)

*****ص 69*****

نعم، ذكر المحقق الثاني ما حاصله: أن التعليل راجع إلي الجواز، يعني يجوز لأجل تحقق فائدة الاستصباح بيعه (1) و كيف كان، فقد صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح (2) و يمكن أن يقال باعتبار

قصد الاستصباح إذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه و كان من منافعه النادرة التي لا تلاحظ في ماليته، كما في دهن اللوز و البنفسج و شبههما و وجهه: أن مالية الشيء إنما هي باعتبار منافعه المحللة المقصودة منه، لا باعتبار مطلق الفوائد الغير الملحوظة في ماليته و لا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة، فإذا فرض أن لا فائدة في الشيء محللة ملحوظة في ماليته فلا يجوز بيعه، لا علي الإطلاق - لأن الإطلاق ينصرف إلي كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه و المفروض حرمتها، فيكون أكلا للمال بالباطل - و لا علي قصد الفائدة النادرة المحللة، لأن قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشيء مالا. ثم إذا فرض ورود النص الخاص علي جواز بيعه - كما فيما نحن فيه - فلا بد من حمله علي إرادة (3) صورة قصد الفائدة النادرة، لأن أكل المال حينئذ ليس بالباطل بحكم الشارع، بخلاف صورة عدم القصد، لأن المال في هذه الصورة مبذول في مقابل المطلق، المنصرف إلي الفوائد المحرمة، فافهم. *

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 4: 13.

(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 24 عن استاذه العلامة السيد بحر العلوم و انظر كفاية الأحكام:

85 و الحدائق 18: 90.

(3) كلمة «إرادة» مشطوب عليها في «ن» و محذوفة من «ش». (*)

*****ص 70*****

و حينئذ فلو لم يعلم المتبائعان جواز الاستصباح بهذا الدهن و تعاملا من غير قصد إلي هذه الفائدة كانت المعاملة باطلة، لأن المال مبذول مع الإطلاق في مقابل الشيء باعتبار الفوائد المحرمة. نعم (1)، لو علمنا عدم التفات المتعاملين إلي المنافع أصلا، أمكن صحتها، لأنه مال واقعي شرعا قابل لبذل المال بإزائه و لم يقصد به ما لا يصح

(2) بذل المال بإزائه من المنافع المحرمة و مرجع هذا في الحقيقة إلي أنه لا يشترط إلا عدم قصد المنافع المحرمة، فافهم و أما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة بحيث كان مالية الدهن باعتباره - كالأدهان المعدة للإسراج - فلا يعتبر في صحة بيعه قصده أصلا، لأن الشارع قد قرر ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به و إن فرض حرمة سائر منافعه، بناء علي أضعف الوجهين، من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس علي مورد النص و كذا إذا كان الاستصباح منفعة مقصودة (3) مساوية (4) لمنفعة الأكل المحرم - كالألية و الزيت و عصارة السمسم - فلا يعتبر قصد المنفعة المحللة فضلا عن اشتراطه، إذ يكفي في ماليته وجود المنفعة المقصودة المحللة، غاية الأمر كون حرمة منفعته الاخري المقصودة نقصا فيه يوجب الخيار للجاهل. *

***** (هامش) *****

(1) في «ف»، «خ»، «م»، «ع» : ثم.

(2) في «ش» : ما لم يصح.

(3) في «ف» : موجودة.

(4) في أكثر النسخ: متساوية. (*)

*****ص 71*****

نعم، يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة بأن يقول: بعتك بشرط أن تأكله و إلا فسد العقد بفساد الشرط. بل يمكن الفساد و إن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد، لأن مرجع الاشتراط في هذا الفرض إلي تعيين المنفعة المحرمة عليه، فيكون أكل الثمن أكلا بالباطل، لأن حقيقة النفع العائد إلي المشتري بإزاء ثمنه هو النفع المحرم، فافهم. بل يمكن القول بالبطلان بمجرد القصد و إن لم يشترط في متن العقد و بالجملة، فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة - بحيث قصد أكل الثمن أو بعضه بإزاء المنفعة المحرمة - كان باطلا، كما يؤمي إلي ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها (1) و صرح في

التذكرة بأن الجارية المغنية إذا بيعت بأكثر مما يرغب فيها لو لا الغناء، فالوجه التحريم (2)، انتهي. ثم إن الأخبار المتقدمة خالية عن اعتبار قصد الاستصباح، لأن موردها مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها كافية في ماليتها العرفية و ربما توهم من قوله عليه السلام في رواية الأعرج المتقدمة: «فلا تبعه إلا لمن تبين له (3) فيبتاع للسراج» (4) اعتبار القصد و يدفعه: أن الابتياع *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 86، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به.

(2) التذكرة 1: 465.

(3) في أكثر النسخ: تبينه لمن يشتريه.

(4) تقدمت في الصفحة: 67 (رواية اسماعيل بن عبد الخالق). (*)

*****ص 72*****

للسراج إنما جعل غاية للإعلام، بمعني أن المسلم إذا اطلع علي نجاسته فيشتريه للإسراج، نظير قوله عليه السلام في رواية معاوية بن وهب: «يبينه (1) لمن اشتراه ليستصبح به» (2). *

***** (هامش) *****

(1) في غير «ش» : ينبه.

(2) تقدمت في الصفحة: 66 (الزيادة المحكية عن التهذيب). (*)

*****ص 73*****

الثاني: أن ظاهر بعض الأخبار (1) وجوب الإعلام، فهل يجب مطلقا أم لا؟ و هل وجوبه نفسي أو شرطي؟ بمعني اعتبار اشتراطه في صحة البيع. الذي ينبغي أن يقال: إنه لا إشكال في وجوب الإعلام إن قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد، أو تواطؤهما عليه من الخارج، لتوقف القصد علي العلم بالنجاسة و أما إذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد، فالظاهر وجوب الإعلام وجوبا نفسيا قبل العقد أو بعده، لبعض الأخبار المتقدمة و في قوله عليه السلام : «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» (2) إشارة إلي وجوب الإعلام لئلا يأكله، فإن الغاية للإعلام ليس هو تحقق الاستصباح، إذ لا ترتب بينهما شرعا و لا عقلا و لا عادة،

بل الفائدة حصر الانتفاع فيه، بمعني عدم الانتفاع به في غيره، ففيه إشارة إلي وجوب إعلام الجاهل بما يعطي إذا كان الانتفاع الغالب به محرما بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام لو لا الإعلام، فكأ نه قال: أعلمه لئلا يقع في الحرام الواقعي بتركك الإعلام و يشير إلي هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة علي حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرمات، مثل ما دل علي *

***** (هامش) *****

(1) مثل ما تقدم من ذيل صحيحة معاوية بن وهب المروية في التهذيب و موثقة أبي بصير و رواية اسماعيل بن عبد الخالق، راجع الصفحة: 66 - 67.

(2) تقدم في الصفحة: 66. (*)

*****ص 74*****

أن من أفتي بغير علم لحقه و زر من عمل بفتياه (1) فإن إثبات الوزر للمباشر من جهة فعل القبيح الواقعي و حمله علي المفتي من حيث التسبيب و التغرير و مثل قوله عليه السلام : «ما من إمام صلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير، إلا كان عليه أوزارهم»

(2) و في رواية اخري: «فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير، إلا كان إثم ذلك عليه»

(3) و في رواية اخري: «لا يضمن الإمام صلاتهم إلا أن يصلي بهم جنبا»

(4) و مثل رواية أبي بصير المتضمنة لكراهة أن تسقي البهيمة أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه

(5)، فإن في كراهة ذلك في البهائم إشعارا بحرمته بالنسبة إلي المكلف و يؤيده:

أن أكل الحرام و شربه من القبيح و لو في حق الجاهل و لذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك، إذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط و حينئذ فيكون إعطاء النجس للجاهل المذكور إغراء بالقبيح و هو قبيح عقلا. بل

قد يقال بوجوب الإعلام و إن لم يكن منه تسبيب - كما لو رأي نجسا في يده يريد أكله - و هو الذي صرح به العلامة رحمه الله في أجوبة *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 18: 9، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.

(2) تحف العقول: 179.

(3) بحار الأنوار 88: 92.

(4) الوسائل 5: 434، الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.

(5) الوسائل 17: 246، الباب 10 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 5. (*)

*****ص 75*****

المسائل المهنائية، حيث سأله السيد المهنا عمن رأي في ثوب المصلي نجاسة، فأجاب بأ نه يجب الإعلام، لوجوب النهي عن المنكر (1)، لكن إثبات هذا مشكل و الحاصل، أن هنا امورا أربعة:

(1) - أحدها - أن يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج - كما إذا أكره غيره علي المحرم - و لا إشكال في حرمته و كون وزر الحرام عليه، بل أشد، لظلمه.

(2) - و ثانيها - أن يكون فعله سببا للحرام، كمن قدم إلي غيره محرما و مثله ما نحن فيه و قد ذكرنا أن الأقوي فيه التحريم، لأن استناد الفعل إلي السبب أقوي، فنسبة فعل الحرام إليه أولي و لذا يستقر الضمان علي السبب، دون المباشر الجاهل، بل قيل: إنه لا ضمان ابتداء إلا عليه (2).

(3) - الثالث - أن يكون شرطا لصدور الحرام و هذا يكون علي وجهين: أحدهما - أن يكون من قبيل إيجاد الداعي علي المعصية، إما لحصول الرغبة فيها كترغيب الشخص علي المعصية و إما لحصول العناد من الشخص حتي يقع في المعصية، كسب آلهة الكفار الموجب لإلقائهم في سب الحق عنادا، أو سب آباء الناس الموقع لهم في سب أبيه و

الظاهر حرمة القسمين و قد ورد في ذلك عدة من الأخبار (3). *

***** (هامش) *****

(1) أجوبة المسائل المهنائية: 48، المسألة 53.

(2) لم نقف عليه.

(3) لم نقف علي خبر يدل علي حرمة القسم الأول - أي ترغيب الشخص علي = (*)

*****ص 76*****

و ثانيهما (1) - أن يكون بإيجاد شرط آخر غير الداعي، كبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا و سيأتي الكلام فيه.

(4) - الرابع - أن يكون من قبيل عدم المانع و هذا يكون تارة مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل - كسكوت الشخص عن المنع من المنكر - و لا إشكال في الحرمة بشرائط النهي عن المنكر و اخري مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة إلي الفاعل، كسكوت العالم عن إعلام الجاهل - كما فيما نحن فيه - فإن صدور الحرام منه مشروط بعدم إعلامه. فهل يجب دفع (2) الحرام بترك السكوت أم لا؟ فيه (3) إشكال، إلا إذا علمنا من الخارج وجوب دفع (4) ذلك، لكونه فسادا قد امر بدفعه كل من قدر عليه، كما لو اطلع علي عدم إباحة دم من يريد الجاهل قتله، أو عدم إباحة عرضه له، أو لزم من سكوته ضرر مالي قد امرنا بدفعه عن كل أحد، فإنه يجب الإعلام و الردع لو لم يرتدع بالإعلام، بل الواجب هو الردع و لو بدون الإعلام، ففي الحقيقة الإعلام بنفسه غير واجب. *

***** (هامش) *****

= المعصية - و أما ما يدل علي حرمة سب آلهة الكفار فهناك عدة أخبار وردت في تفسير قوله تعالي: * (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) * (الأنعام:

108) انظر تفسير الصافي 2: 147 و بالنسبة إلي النهي عن سب آباء

الناس المنتهي إلي السب المتقابل، انظر تنبيه الخواطر: 119. (1) في غير «ش» : الثاني.

(2) في النسخ: رفع.

(3) في غير «ف» : و فيه.

(4) في النسخ: رفع. (*)

*****ص 77*****

و أما فيما تعلق بغير الثلاثة - من حقوق الله - فوجوب دفع (1) مثل هذا الحرام مشكل، لأن الظاهر من أدلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية، فلا يدل علي وجوب إعلام الجاهل بكون فعله معصية. نعم، وجب ذلك فيما إذا كان الجهل بالحكم، لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف إلي آخر الأبد بتبليغ الشاهد الغائب، فالعالم في الحقيقة مبلغ عن الله ليتم الحجة علي الجاهل و يتحقق فيه قابلية الإطاعة و المعصية. ثم إن بعضهم (2) استدل علي وجوب الإعلام بأن النجاسة عيب خفي فيجب إظهارها و فيه - مع أن وجوب الإعلام علي القول به ليس مختصا بالمعاوضات، بل يشمل مثل الإباحة و الهبة من المجانيات - : أن كون النجاسة عيبا ليس إلا لكونه منكرا واقعيا و قبيحا، فإن ثبت ذلك حرم الإلقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب إظهار العيب و إلا لم يكن عيبا، فتأمل. *

***** (هامش) *****

(1) في النسخ: رفع.

(2) هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 36. (*)

*****ص 78*****

الثالث: المشهور بين الأصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء، بل في السرائر: أن الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف (1) و في المبسوط: أنه روي أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف (2). لكن الأخبار المتقدمة (3) - علي كثرتها و ورودها في مقام البيان - ساكتة عن هذا القيد و لا مقيد لها من الخارج عدا ما يدعي من مرسلة الشيخ المنجبرة بالشهرة المحققة

و الاتفاق المحكي (4). لكن لو سلم الانجبار فغاية الأمر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة، أو حمل الجملة الخبرية علي الاستحباب أو الإرشاد، لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو نجس - بناء علي ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة علي نجاسة دخان النجس - إذ قد لا يخلو من أجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة و لا ريب أن مخالفة الظاهر في المرسلة - خصوصا بالحمل علي الإرشاد - أولي، خصوصا مع ابتناء التقييد:

إما علي ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية علي نجاسة الدخان - المخالفة للمشهور - و إما علي كون *

***** (هامش) *****

(1) السرائر 3: 122.

(2) المبسوط 6: 283.

(3) تقدمت في الصفحة: 66 - 67.

(4) تقدم آنفا عن السرائر. (*)

*****ص 79*****

الحكم تعبدا محضا و هو في غاية البعد و لعله لذلك أفتي في المبسوط بالكراهة (1) مع روايته للمرسلة (2) و الإنصاف، أن المسألة لا تخلو عن إشكال، من حيث ظاهر الروايات، البعيدة عن التقييد - لإبائها في أنفسها عنه و إباء المقيد عنه - و من حيث الشهرة المحققة و الاتفاق المنقول و لو رجع إلي أصالة البراءة حينئذ لم يكن إلا بعيدا عن الاحتياط و جرأة علي مخالفة المشهور. ثم إن العلامة - في المختلف - فصل بين ما إذا علم بتصاعد شيء من أجزاء الدهن و ما إذا لم يعلم (3)، فوافق المشهور في الأول و هو مبني علي ثبوت حرمة تنجيس السقف و لم يدل عليه دليل و إن كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا، لا لنجاسة الدخان - معللا بطهارة دخان النجس - : التسالم علي حرمة التنجيس و إلا لكان الأولي تعليل

التعبد به، لا بطهارة الدخان، كما لا يخفي. *

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 6: 283.

(2) في «ش» : المرسلة.

(3) المختلف: 686. (*)

*****ص 80*****

الرابع: هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح، بأن يعمل صابونا أو يطلي به الأجرب أو السفن؟ قولان مبنيان علي أن الأصل في المتنجس جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل - كالأكل و الشرب و الاستصباح تحت الظل - ، أو أن القاعدة فيه المنع عن التصرف إلا ما خرج بالدليل كالاستصباح تحت السماء و بيعه ليعمل صابونا علي رواية ضعيفة تأتي (1) و الذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني (2) و وافقه بعض مشايخنا المعاصرين (3) و هو ظاهر جماعة من القدماء، كالشيخين و السيدين و الحلي (4) و غيرهم. قال في الانتصار: و مما انفردت به الإمامية، أن كل طعام عالجه أهل الكتاب و من ثبت كفرهم بدليل قاطع لا يجوز أكله و لا الانتفاع به و اختلف (5) باقي الفقهاء في ذلك و قد دللنا علي ذلك في كتاب الطهارة، حيث دللنا علي أن سؤر الكفار نجس (6). *

***** (هامش) *****

(1) تأتي في الصفحة: 92.

(2) مفتاح الكرامة 4: 13 و 24.

(3) الجواهر 22: 15.

(4) ستأتي الإشارة إلي مواضع كلامهم.

(5) في المصدر: و قد خالف.

(6) الانتصار: 193 و انظر - أيضا - الصفحة: 11 منه. (*)

*****ص 81*****

و قال في المبسوط - في الماء المضاف - : إنه مباح التصرف فيه بأنواع التصرف ما لم تقع فيه نجاسة، فإن وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله علي حال و قال في حكم الماء المتغير بالنجاسة: إنه لا يجوز استعماله إلا عند الضرورة، للشرب لا غير (1) و قال في النهاية: و

إن كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله و وجب إهراقه (2)، انتهي و قريب منه عبارة المقنعة (3) و قال في الخلاف - في حكم السمن و البذر و الشيرج و الزيت إذا وقعت فيه فأرة - : إنه جاز الاستصباح به و لا يجوز أكله و لا الانتفاع به بغير الاستصباح و به قال الشافعي و قال قوم من أصحاب الحديث: لا ينتفع به بحال، لا باستصباح و لا بغيره، بل يراق كالخمر و قال أبو حنيفة: يستصبح به و يباع لذلك (4) و قال داود (5) : إن كان المائع سمنا لم ينتفع به بحال (6) و إن كان غيره (7) من الأدهان لم ينجس بموت الفأرة فيه و يحل أكله و شربه، [لأن الخبر ورد

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 1: 5 و 6.

(2) النهاية: 588.

(3) المقنعة: 582.

(4) كذا في «ف» و نسخة بدل «م» و في «ع» : و يباع لذلك مطلقا و في «خ» و «م» و «ص» : و يباع مطلقا و في «ن» و «ش» : و يباع أيضا.

(5) في جميع النسخ: ابن داود و الصواب ما أثبتناه من المصدر.

(6) كلمة «بحال» من «ش» و مصححة «ن» و لم ترد في سائر النسخ.

(7) في «ش» : ما عداه. (*)

*****ص 82*****

في السمن فحسب] (1)، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم (2) و في السرائر - في حكم الدهن المتنجس - : أنه لا يجوز الإدهان به و لا استعماله في شيء من الأشياء، عدا الاستصباح تحت السماء و ادعي في موضع آخر: أن الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف (3) و قال ابن زهرة - بعد أن اشترط

في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة (4) - : و شرطنا في المنفعة أن تكون مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره، عدا ما استثني: من بيع الكلب المعلم للصيد و الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء و هو إجماع الطائفة، ثم استدل علي جواز بيع الزيت - بعد الإجماع - بأن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم أذن في الاستصباح به تحت السماء، قال: و هذا يدل علي جواز بيعه لذلك (5)، انتهي. هذا و لكن الأقوي - وفاقا لأكثر المتأخرين (6) - جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل و يدل عليه أصالة الجواز و قاعدة حل الانتفاع

***** (هامش) *****

(1) من «ش» و المصدر.

(2) الخلاف: كتاب الأطعمة، المسألة 19.

(3) السرائر 3: 121 - 122.

(4) في أكثر النسخ زيادة: قال.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية) : 524.

(6) كما يأتي عن المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الكركي في الصفحات: 87 - 88. (*)

*****ص 83*****

بما في الأرض (1) و لا حاكم عليهما (2) سوي ما يتخيل من بعض الآيات و الأخبار و دعوي الجماعة المتقدمة (3) الإجماع علي المنع و الكل غير قابل لذلك. أما الآيات: فمنها: قوله تعالي: * (إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) * (4)، دل - بمقتضي التفريع - علي وجوب اجتناب كل رجس و فيه: أن الظاهر من «الرجس» ما كان كذلك في ذاته، لا ما عرض له ذلك، فيختص بالعناوين النجسة و هي النجاسات العشر، مع أنه لو عم المتنجس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد، فإن أكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب

عنه (5). مع أن وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان، يعني من مبتدعاته، فيختص وجوب الاجتناب المطلق بما كان من عمل الشيطان، سواء كان نجسا - كالخمر - أو قذرا معنويا - مثل الميسر - و من المعلوم:

أن المائعات المتنجسة - كالدهن و الطين و الصبغ و الدبس - *

***** (هامش) *****

(1) المستفاد من قوله تعالي: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * البقرة: 29.

(2) كذا في «ف» و مصححة «ن» و في غيرهما: عليها.

(3) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: المتقدم.

(4) المائدة: 90.

(5) كذا في «ف» و في سائر النسخ: منه. (*)

*****ص 84*****

إذا تنجست ليست من أعمال الشيطان و إن اريد من «عمل الشيطان» عمل المكلف المتحقق في الخارج بإغوائه ليكون المراد بالمذكورات استعمالها علي النحو الخاص، فالمعني: أن الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان، كما يقال في سائر المعاصي: إنها من عمل الشيطان، فلا تدل أيضا علي وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس إلا إذا ثبت كون الاستعمال رجسا و هو أول الكلام و كيف كان، فالآية لا تدل علي المطلوب و من بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال علي ذلك بقوله تعالي: * (والرجز فاهجر) * (1)، بناء علي أن «الرجز» هو الرجس و أضعف من الكل: الاستدلال بآية تحريم الخبائث (2)، بناء علي أن كل متنجس خبيث و التحريم المطلق يفيد (3) عموم الانتفاع، إذ لا يخفي أن المراد هنا حرمة الأكل، بقرينة مقابلته بحلية الطيبات و أما الأخبار: فمنها: ما تقدم من رواية تحف العقول، حيث علل النهي عن بيع وجوه النجس بأن «ذلك كله محرم أكله و شربه و إمساكه و

جميع التقلب فيه، فجميع التقلب في ذلك حرام» (4). *

***** (هامش) *****

(1) المدثر: 5.

(2) و هي قوله تعالي: * (ويحرم عليهم الخبائث) * الأعراف: 157.

(3) في «ش» : يفيد تحريم.

(4) تحف العقول: 333، مع اختلاف. (*)

*****ص 85*****

و فيه: ما تقدم من أن المراد ب «وجوه النجس» عنواناته المعهودة، لأن الوجه هو العنوان و الدهن ليس عنوانا للنجاسة و الملاقي للنجس و إن كان عنوانا للنجاسة، لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره و لذا لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة، مع ما عرفت من لزوم تخصيص الأكثر، لو اريد به المنع عن استعمال كل متنجس و منها: ما دل علي الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة (1) و إلقاء ما حول الجامد من الدهن و شبهه و طرحه (2) و قد تقدم بعضها في مسألة الدهن و بعضها الآخر متفرقة، مثل قوله: «يهريق المرق» (3) و نحو ذلك و فيه: أن طرحها كناية عن عدم الانتفاع بها في الأكل، فإن ما امر بطرحه من جامد الدهن و الزيت يجوز الاستصباح به إجماعا، فالمراد:

إطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للأكل و أما الإجماعات: ففي دلالتها علي المدعي نظر، يظهر من ملاحظتها، فإن الظاهر من كلام السيد - المتقدم (4) - : أن مورد الإجماع هو نجاسة ما باشره أهل الكتاب و أما حرمة الأكل و الانتفاع فهي من فروعها المتفرعة *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 16: 376، الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث الأول.

(2) الوسائل 16: 374، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(3) لفظ الحديث: يهراق مرقها.

(4) يعني كلام السيد المرتضي، المتقدم في الصفحة: 80. (*)

*****ص 86*****

علي النجاسة، لا أن معقد الإجماع حرمة

الانتفاع بالنجس، فإن خلاف باقي الفقهاء في أصل النجاسة في أهل الكتاب، لا في أحكام النجس و أما إجماع الخلاف (1)، فالظاهر أن معقده ما وقع الخلاف فيه بينه و بين من ذكر من المخالفين، إذ فرق بين دعوي الإجماع علي محل النزاع بعد تحريره و بين دعواه ابتداء علي الأحكام المذكورات (2) في عنوان المسألة، فإن الثاني يشمل الأحكام كلها و الأول لا يشمل إلا الحكم الواقع موردا للخلاف (3)، لأنه الظاهر من قوله: «دليلنا إجماع الفرقة»، فافهم و اغتنم و أما إجماع السيد في الغنية (4)، فهو في أصل مسألة تحريم بيع النجاسات و استثناء الكلب المعلم و الزيت المتنجس، لا في ما ذكره من أن حرمة بيع المتنجس من حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع، نعم، هو قائل بذلك و بالجملة، فلا ينكر ظهور كلام السيد في حرمة الانتفاع بالنجس الذاتي و العرضي، لكن دعواه الإجماع علي ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدا و كذلك لا ينكر كون السيد و الشيخ قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس *

***** (هامش) *****

(1) المتقدم في الصفحة: 81 - 82.

(2) في «ش» : المذكورة.

(3) كذا في «ف» و «خ» و في سائر النسخ: مورد الخلاف.

(4) المتقدم في الصفحة: 82. (*)

*****ص 87*****

- كما هو ظاهر المفيد (1) و صريح الحلي (2) - لكن دعواهما الإجماع علي ذلك ممنوعة عند المتأمل المنصف. ثم علي تقدير تسليم دعواهم الإجماعات، فلا ريب في و هنها بما يظهر من أكثر المتأخرين من قصر حرمة الانتفاع علي امور خاصة. قال في المعتبر - في أحكام الماء (3) المتنجس - : و كل ماء (4) حكم

***** (هامش) *****

(1) المقنعة: 582.

(2) السرائر 2: 219 و 3: 121.

(3)

في «ش» زيادة: القليل.

(4) جاءت العبارة في هامش «ف» كما يلي: «قال في المعتبر - في أحكام الماء القليل المتنجس - : الماء النجس لا يجوز استعماله في رفع حدث و لا إزالة خبث مطلقا و لا في أكل و لا في شرب إلا عند الضرورة و أطلق الشيخ المنع من استعماله إلا عند الضرورة 1. لنا، إن مقتضي الدليل: جواز الاستعمال مطلقا، ترك العمل به في ما ذكرنا بالإتفاق و النقل، فيكون الباقي علي الأصل» 2، انتهي و قال في موضع آخر من أحكام الماء المشتبه - في رد من قال بوجوب الإراقة - : «إنه قد يتعلق الغرض ببقائه لأجل الاستعمال في غير الطهارة و الأكل و الشرب 3 و قال بعد ذلك - أيضا - : إن كل ماء. . صح صح». - 1 - المبسوط 1: 7. 2 - المعتبر 1: 50 - 51. 3 - المعتبر 1: 104. (*)

*****ص 88*****

بنجاسته لم يجز استعماله - إلي أن قال - : و يريد (1) بالمنع عن استعماله: الاستعمال في الطهارة و إزالة الخبث و الأكل و الشرب دون غيره، مثل بل الطين و سقي الدابة (2)، انتهي. أقول: إن بل الصبغ و الحناء بذلك الماء داخل في الغير، فلا يحرم الانتفاع بهما و أما العلامة، فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس - في التحرير و القواعد و الإرشاد - علي الطهارة و الأكل و الشرب (3) وجوز في المنتهي الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب، محتجا بأن المحرم علي المكلف تناوله و بأنه انتفاع فيكون سائغا، للأصل (4) و لا يخفي أن كلا دليليه صريح في حصر التحريم في أكل العجين المتنجس

(5) و قال الشهيد في قواعده:

«النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية» (6) ثم ذكر ما يؤيد المطلوب و قال في الذكري - في أحكام النجاسة - : تجب إزالة النجاسة *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» و «ن» و «ش» : نريد.

(2) المعتبر 1: 105.

(3) التحرير 1: 5، القواعد 1: 189، الإرشاد 1: 238.

(4) المنتهي 1: 180 و لم نجد في كلامه الاستدلال بالأصل صريحا.

(5) كذا في «ن» و «ش» و لم يرد «العجين» في «ف»، كما لم يرد «المتنجس» في سائر النسخ.

(6) القواعد و الفوائد 2: 85، القاعدة: 175. (*)

*****ص 89*****

عن الثوب و البدن، ثم ذكر المساجد و غيرها، - إلي أن قال - : و عن كل مستعمل في أكل أو شرب أو ضوء تحت ظل، للنهي عن النجس و للنص (1)، انتهي. مراده (2) بالنهي عن النجس: النهي عن أكله و مراده بالنص: ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف (3)، فانظر إلي صراحة كلامه في أن المحرم من الدهن المتنجس - بعد الأكل و الشرب - خصوص الاستضاءة تحت الظل، للنص و هو المطابق لما حكاه المحقق الثاني - في حاشية الإرشاد (4) - عنه قدس سره في بعض فوائده:

من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس في جميع ما يتصور من فوائده و قال المحقق و الشهيد الثانيان في المسالك و حاشية الإرشاد، - عند قول المحقق و العلامة قدس سره ما: «تجب إزالة النجاسة عن الأواني» (5) - : إن هذا إذا استعملت في ما يتوقف استعماله علي الطهارة، كالأكل و الشرب (6) و سيأتي (7) عن المحقق الثاني في حاشية الإرشاد - في مسألة *

***** (هامش) *****

(1)

ذكري الشيعة: 14.

(2) في «ص» و «ش» : و مراده.

(3) و هي المرسلة المتقدمة عن المبسوط في الصفحة: 78.

(4) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 203 - 204.

(5) الشرائع 1: 53، الإرشاد 1: 239.

(6) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 28، المسالك 1: 124.

(7) في الصفحة: 94. (*)

*****ص 90*****

الانتفاع بالأصباغ المتنجسة - ما يدل علي عدم توقف جواز الانتفاع بها علي الطهارة و في المسالك - في ذيل قول المحقق قدس سره : «و كل مائع نجس عدا الأدهان» - قال: لا فرق في عدم جواز بيعها - علي القول بعدم قبولها للطهارة - بين صلاحيتها للانتفاع علي بعض الوجوه و عدمه و لا بين الإعلام بحالها و عدمه، علي ما نص عليه الأصحاب و أما الأدهان المتنجسة بنجاسة عارضية - كالزيت تقع فيه الفأرة - فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها (1) و إنما خرج هذا الفرد بالنص و إلا فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه و قد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بيعها لتعمل صابونا أو يطلي به (2) الأجرب و نحو ذلك و يشكل بأنه خروج عن مورد النص المخالف للأصل، فإن جاز لتحقق المنفعة، فينبغي مثله في المائعات النجسة (3) التي ينتفع بها، كالدبس يطعم النحل (4) و غيره (5)، انتهي و لا يخفي ظهوره في جواز الانتفاع بالمتنجس و كون المنع من بيعه لأجل النص، يقتصر علي مورده و كيف كان، فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه *

***** (هامش) *****

(1) كلمة «بها» من «ش» و المصدر فقط.

(2) كذا في النسخ و في المصدر: بها و هو الأنسب.

(3) في «ف» : المتنجسة.

(4) في «ش» و المصدر: للنحل.

(5)

المسالك 3: 119. (*)

*****ص 91*****

من كلماتهم و الذي أظن - و إن كان الظن لا يغني لغيري شيئا - أن كلمات القدماء ترجع إلي ما ذكره المتأخرون و أن المراد بالانتفاع في كلمات القدماء: الانتفاعات الراجعة إلي الأكل و الشرب و إطعام الغير و بيعه علي نحو بيع ما يحل أكله (1). ثم (2) لو فرضنا مخالفة القدماء كفي موافقة المتأخرين في دفع (3) الوهن عن الأصل و القاعدة السالمين عما يرد عليهما. ثم علي تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات، فالظاهر جواز بيعه لهذه الانتفاعات، وفاقا للشهيد و المحقق الثاني قدس سره ما. قال الثاني في حاشية الإرشاد - في ذيل قول العلامة رحمه الله: «إلا الدهن للاستصباح» - : إن في بعض الحواشي المنسوبة إلي شيخنا الشهيد أن الفائدة لا تنحصر في ذلك، إذ مع فرض فائدة اخري للدهن لا تتوقف علي طهارته يمكن بيعها لها، كاتخاذ الصابون منه، قال: و هو مروي و مثله طلي الدواب. أقول: لا بأس بالمصير إلي ما ذكره شيخنا و قد ذكر أن به رواية (4)، انتهي. *

***** (هامش) *****

(1) في هامش «ف» - هنا - زيادة ما يلي: «كما يشهد لذلك أن المحقق قدس سره في ما تقدم من كلامه الأول لم يسند عموم المنع إلا إلي إطلاق الشيخ قدس سره ، لا إلي مذهبه - هنا كلمتان غير مقروءتين. . صح صح».

(2) شطب في «ف» علي «ثم» و كتب بدلها: «و».

(3) كذا في «ع» و «ص» و في سائر النسخ: رفع.

(4) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 204. (*)

*****ص 92*****

أقول: و الرواية إشارة إلي ما عن الراوندي - في كتاب النوادر - بإسناده عن أبي الحسن موسي

بن جعفر عليه السلام و فيه: «سئل عليه السلام عن الشحم يقع فيه شيء له دم فيموت؟ قال عليه السلام : تبيعه لمن يعمله صابونا … الخبر» (1). ثم لو قلنا بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من الانتفاعات المباحة، فهل يجوز بيع غيره من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة - كالصبغ و الطين و نحوهما - ، أم يقتصر علي المتنجس المنصوص - و هو الدهن - غاية الأمر التعدي من حيث غاية البيع إلي غير الاستصباح؟ إشكال: من ظهور استثناء الدهن في كلام المشهور في عدم جواز بيع ما عداه، بل عرفت من المسالك (2) نسبة عدم الفرق بين ما له منفعة محللة و ما ليست له إلي نص الأصحاب و مما تقدم في مسألة جلد الميتة: من أن الظاهر من كلمات جماعة من القدماء و المتأخرين - كالشيخ في الخلاف و ابن زهرة و العلامة و ولده و الفاضل المقداد و المحقق الثاني (3) و غيرهم - دوران المنع عن بيع النجس *

***** (هامش) *****

(1) مستدرك الوسائل 13: 73، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7 و لفظ الحديث: «أن عليا عليه السلام سُئِلَ عَنِ الزَّيْتِ يَقَعُ فِيهِ … ».

(2) تقدم في الصفحة: 90.

(3) الخلاف 3: 187، كتاب البيوع، المسألة 312، الغنية (الجوامع الفقهية) : 524، التذكرة 1: 465، إيضاح الفوائد 1: 401، التنقيح 2: 5، جامع المقاصد 4: 12. (*)

*****ص 93*****

مدار جواز الانتفاع به و عدمه، إلا ما خرج بالنص - كأليات الميتة (1) مثلا - أو مطلق نجس العين، علي ما سيأتي من الكلام فيه و هذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجس (2) و

هي (3) القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام - في رواية تحف العقول - : «إن كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فذلك كله حلال» (4) و ما تقدم من رواية دعائم الإسلام من حل بيع كل ما يباح الانتفاع به (5) و أما قوله تعالي: * (فاجتنبوه) * (6) و قوله تعالي: * (والرجز فاهجر) * (7) فقد عرفت أنهما لا يدلان (8) علي حرمة الانتفاع بالمتنجس، فضلا عن حرمة البيع علي تقدير جواز الانتفاع و من ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال في ما نحن فيه بالنهي - في رواية تحف العقول - عن بيع «شيء من وجوه النجس» بعد ملاحظة (9)

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 16: 296، الباب 30 من أبواب الذبائح، الحديث 4.

(2) كذا في «ش» و في سائر النسخ: التنجيس.

(3) مشطوب عليها في «ن».

(4) تحف العقول: 333.

(5) راجع الصفحة: 10.

(6) المائدة: 89.

(7) المدثر: 5.

(8) في أكثر النسخ: أنها لا تدل و في «ش» : أنهما لا تدلان و ما أثبتناه مطابق لمصححة «ن».

(9) وردت في «ش» فقط. (*)

*****ص 94*****

تعليل المنع فيها بحرمة الانتفاع و يمكن حمل كلام من أطلق المنع عن بيع النجس إلا الدهن لفائدة الاستصباح علي إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الأكل و الشرب منفعة محللة مقصودة من أمثالها و يؤيده:

تعليل استثناء الدهن بفائدة (1) الاستصباح، نظير استثناء بول الإبل للاستشفاء و إن احتمل أن يكون ذكر الاستصباح لبيان ما يشترط أن يكون غاية للبيع. قال في جامع المقاصد - في شرح قول العلامة قدس سره : «إلا الدهن المتنجس (2) لتحقق فائدة (3) الاستصباح به تحت السماء خاصة» - قال: و

ليس المراد ب «خاصة» بيان حصر الفائدة (4) - كما هو الظاهر - و قد ذكر شيخنا الشهيد في حواشيه: أن في رواية جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس و صرح مع ذلك بجواز الانتفاع به فيما يتصور من فوائده كطلي الدواب. إن قيل: إن العبارة تقتضي حصر الفائدة، لأن الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر، فإن المعني في العبارة: إلا الدهن المتنجس لهذه الفائدة. قلنا: ليس المراد ذلك، لأن الفائدة بيان لوجه الاستثناء، أي: *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ن» و «ش» و في غيرهما: لفائدة.

(2) لم ترد كلمة «المتنجس» في غير «ف».

(3) في المصدر: إلا الدهن النجس لفائدة.

(4) في «ش» زيادة: في الاستصباح. (*)

*****ص 95*****

إلا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح و هذا لا يستلزم الحصر و يكفي في صحة ما قلنا تطرق الاحتمال في العبارة المقتضي لعدم الحصر (1)، انتهي و كيف كان، فالحكم بعموم كلمات هؤلاء لكل مائع متنجس - مثل الطين و الجص المائعين و الصبغ و شبه ذلك - محل تأمل و ما نسبه في المسالك من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به و ما لا يصلح (2) فلم يثبت صحته، مع ما عرفت من كثير من الأصحاب من إناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع (3) و لأجل ذلك استشكل المحقق الثاني - في حاشية الإرشاد - في ما (4) ذكره العلامة بقوله: «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة» (5) حيث قال: مقتضاه أنه لو لم يكن قابلا للطهارة لم يجز بيعه و هو مشكل، إذ الأصباغ المتنجسة لا تقبل التطهير عند الأكثر و الظاهر جواز بيعها، لأن منافعها لا

تتوقف علي الطهارة، اللهم إلا أن يقال: إنها تؤول إلي حالة يقبل معها التطهير، لكن بعد جفافها، بل ذلك هو *

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 4: 13.

(2) تقدم في الصفحة: 90.

(3) راجع الصفحة: 92 - 93.

(4) كذا في «ش» و في «ف» و مصححة «ن» : ما ذكره و في سائر النسخ: و ما ذكره.

(5) الإرشاد 1: 357. (*)

*****ص 96*****

المقصود منها، فاندفع الإشكال (1). أقول: لو لم يعلم من مذهب العلامة دوران المنع عن بيع المتنجس مدار حرمة الانتفاع لم يرد علي عبارته إشكال، لأن المفروض حينئذ التزامه بجواز الانتفاع بالأصباغ مع عدم جواز بيعها، إلا أن يرجع الإشكال إلي حكم العلامة و أنه مشكل علي مختار المحقق الثاني، لا إلي كلامه و أن الحكم مشكل علي مذهب المتكلم، فافهم. ثم إن ما دفع به الإشكال - من جعل الأصباغ قابلة للطهارة - إنما ينفع في خصوص الأصباغ و أما مثل بيع الصابون المتنجس، فلا يندفع الإشكال عنه بما ذكره و قد تقدم منه (2) سابقا (3) جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا، بناء علي أنه من فوائده المحللة. مع أن ما ذكره من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف محل نظر، لأن المقصود من قبوله الطهارة قبولها قبل الانتفاع و هو مفقود في الأصباغ، لأن الانتفاع بها - و هو الصبغ - قبل الطهارة و أما ما يبقي منها بعد الجفاف - و هو اللون - فهي نفس المنفعة، لا الانتفاع، مع أنه لا يقبل التطهير و إنما القابل هو الثوب. *

***** (هامش) *****

(1) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 204، مع اختلاف.

(2) في «ف»، «خ» : عنه.

(3) تقدم في الصفحة: 91. (*)

*****ص 97*****

بقي الكلام في حكم

نجس العين، من حيث أصالة حل الانتفاع به في غير ما ثبتت حرمته، أو أصالة العكس. فاعلم أن ظاهر الأكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين، بل ظاهر فخر الدين - في شرح الإرشاد - و الفاضل المقداد:

الإجماع علي ذلك، حيث استدلا علي عدم جواز بيع الأعيان النجسة بأنها محرمة الانتفاع و كل ما هو كذلك لا يجوز بيعه، قالا: أما الصغري فإجماعية (1) و يظهر من الحدائق - في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجس (2) في غير الاستصباح - نسبة ذلك إلي الأصحاب (3) و يدل عليه ظواهر الكتاب و السنة: مثل قوله تعالي: * (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّم * (4)، بناء علي ما ذكره الشيخ و العلامة من إرادة جميع الانتفاعات (5) و قوله تعالي: * (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوه * (6) الدال علي وجوب اجتناب كل رجس و هو *

***** (هامش) *****

(1) التنقيح 2: 5 و لا يوجد لدينا شرح الإرشاد.

(2) في «ف» : النجس.

(3) الحدائق 18: 89.

(4) المائدة: 3.

(5) الخلاف 1: 62، كتاب الطهارة، المسألة 10، نهاية الإحكام 2: 462.

(6) المائدة: 90. (*)

*****ص 98*****

نجس العين و قوله تعالي: * (والرجز فاهجر) * (1)، بناء علي أن هجره لا يحصل إلا بالاجتناب عنه مطلقا و تعليله عليه السلام - في رواية تحف العقول - حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الأكل و الشرب و الإمساك و جميع التقلبات فيه و يدل عليه - أيضا - كل ما دل من الأخبار و الإجماع علي عدم جواز بيع نجس العين (2)، بناء علي أن المنع من بيعه لا يكون إلا مع حرمة الانتفاع به. هذا

و لكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد في مقابلة أصالة الإباحة، علي شيء مما ذكر. أما آيات التحريم و الاجتناب و الهجر، فلظهورها في الانتفاعات المقصودة في كل نجس بحسبه و هي في مثل الميتة: الأكل و في الخمر: الشرب و في الميسر: اللعب به و في الأنصاب و الأزلام:

ما يليق بحالهما و أما رواية تحف العقول، فالمراد بالإمساك و التقلب فيه (3) ما يرجع إلي الأكل و الشرب و إلا فسيجئ الاتفاق علي جواز إمساك نجس العين لبعض الفوائد. *

***** (هامش) *****

(1) المدثر: 5.

(2) تقدم في مسائل الاكتساب بالأعيان النجسة، فراجع.

(3) في مصححة «ن» : فيها و تذكير الضمير صحيح أيضا باعتبار رجوعه إلي «النجس» في الرواية. (*)

*****ص 99*****

و ما دل من الإجماع و الأخبار علي حرمة بيع نجس العين قد يدعي اختصاصه بغير ما يحل الانتفاع (1) المعتد به، أو يمنع (2) استلزامه لحرمة الانتفاع، بناء علي أن نجاسة العين مانع مستقل عن جواز البيع من غير حاجة إلي إرجاعها إلي عدم المنفعة المحللة و أما توهم الإجماع، فمدفوع بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة. قال في المبسوط: إن سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الإنسان و خرؤ الكلاب لا يجوز بيعها و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم و اصول الشجر بلا خلاف

(3)، انتهي و قال العلامة في التذكرة: «يجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة»

(4) و نحوها في القواعد

(5) و قرره علي ذلك في جامع المقاصد و زاد عليه قوله: لكن هذه لا تصيرها مالا بحيث يقابل بالمال

(6) و قال في باب الأطعمة و الأشربة من المختلف: إن شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقا، مستدلا بأن نجاسته لا تمنع

الانتفاع به، لما فيه من *

***** (هامش) *****

(1) في أكثر النسخ زيادة: المحلل.

(2) في «ف» و «خ» و «م» و «ص» : أو بمنع.

(3) المبسوط 2: 167.

(4) التذكرة 1: 582.

(5) القواعد 1: 120.

(6) جامع المقاصد 4: 15. (*)

*****ص 100*****

المنفعة الخالية عن ضرر عاجل و آجل (1) و قال الشهيد في قواعده:

«النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية، للاستقذار، أو للتوصل بها إلي الفرار» ثم ذكر أن قيد «الأغذية» لبيان مورد الحكم و فيه تنبيه علي الأشربة، كما أن في الصلاة تنبيها علي الطواف (2)، انتهي و هو كالنص في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الامور و قال الشهيد الثاني في الروضة عند قول المصنف - في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات - : «و الدم»، قال: «و إن فرض له نفع حكمي كالصبغ، » و أبوال و أرواث ما لا يؤكل لحمه «و إن فرض لهما نفع» (3). فإن الظاهر أن المراد بالنفع المفروض للدم و الأبوال و الأرواث هو النفع المحلل و إلا لم يحسن ذكر هذا القيد في خصوص هذه الأشياء دون سائر النجاسات و لا ذكر خصوص الصبغ للدم، مع أن الأكل هي المنفعة المتعارفة المنصرف إليها الإطلاق في قوله تعالي: * (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ) * (4) و المسوق لها الكلام في قوله تعالي: * (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) * (5). *

***** (هامش) *****

(1) المختلف 1: 684.

(2) القواعد و الفوائد 2: 85.

(3) الروضة البهية 3: 209.

(4) المائدة: 3.

(5) الأنعام:

145. (*)

*****ص 101*****

و ما ذكرنا هو ظاهر المحقق الثاني، حيث حكي عن الشهيد، أنه حكي عن العلامة: جواز الاستصباح بدهن الميتة، ثم قال: «و هو بعيد، لعموم النهي (1)

عن الانتفاع بالميتة» (2)، فإن عدوله عن التعليل بعموم المنع عن الانتفاع بالنجس إلي ذكر خصوص الميتة يدل علي عدم العموم في النجس و كيف كان، فلا يبقي بملاحظة ما ذكرنا وثوق بنقل الإجماع - المتقدم عن شرح الإرشاد و التنقيح (3) - الجابر لرواية تحف العقول الناهية عن جميع التقلب في النجس، مع احتمال أن يراد من «جميع التقلب» جميع أنواع التعاطي، لا الاستعمالات و يراد من «إمساكه» : إمساكه للوجه المحرم و لعله للإحاطة بما ذكرنا اختار بعض الأساطين (4) - في شرحه علي القواعد - جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس، لكن مع تفصيل لا يرجع إلي مخالفة في محل الكلام. فقال: و يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة و المتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه، كالميتة النجسة التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمي استعمالا عرفا، للأخبار و الإجماع و كذا الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال و ما دل علي المنع من الانتفاع بالنجس و المتنجس مخصوص *

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: لثبوت النهي.

(2) جامع المقاصد 4: 13.

(3) راجع الصفحة: 97.

(4) هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره. (*)

*****ص 102*****

أو منزل علي الانتفاع الدال علي عدم الإكتراث بالدين و عدم المبالاة و أما من استعمله ليغسله فغير مشمول للأدلة و يبقي علي حكم الأصل (1)، انتهي و التقييد ب «ما يسمي استعمالا» في كلامه رحمه الله لعله لإخراج مثل الإيقاد بالميتة و سد ساقية الماء بها و إطعامها لجوارح الطير و مراده سلب الاستعمال المضاف إلي الميتة عن هذه الامور، لأن استعمال كل شيء إعماله في العمل المقصود منه عرفا، فإن إيقاد الباب و السرير لا يسمي استعمالا لهما. لكن يشكل بأن المنهي عنه

في النصوص «الانتفاع بالميتة» الشامل لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشيء و لذا قيد هو قدس سره «الانتفاع» بما يسمي استعمالا (2). نعم، يمكن أن يقال: إن مثل هذه الاستعمالات لا تعد انتفاعا، تنزيلا لها منزلة المعدوم و لذا يقال للشئ: إنه مما لا ينتفع به، مع قابليته للامور المذكورة. فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد (3) غرضا من تملك الميتة لو لا كونها ميتة و إن كانت قد تملك لخصوص هذه *

***** (هامش) *****

(1) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 4.

(2) ما أثبتناه مطابق ل «ش» و قد وردت العبارة في «ف» هكذا: و لذا قيده هو قدس سره بقوله: الانتفاع بما يسمي استعمالا و في «ن» و «خ» و «م» و «ص» و «ع» هكذا: و لذا قيده هو قدس سره الانتفاع بما يسمي استعمالا.

(3) في «ش» زيادة: عرفا. (*)

*****ص 103*****

الامور، كما قد يشتري اللحم لإطعام الطيور و السباع، لكنها أغراض شخصية، كما قد يشتري الجلاب لإطفاء النار و الباب للإيقاد و التسخين به. قال العلامة في النهاية - في بيان أن الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء منفعة جزئية لا يعتد بها - قال: إذ كل شيء من المحرمات لا يخلو عن منفعة - كالخمر للتخليل و العذرة للتسميد و الميتة لأكل جوارح الطير - و لم يعتبرها الشارع (1)، انتهي. ثم إن الانتفاع المنفي في الميتة و إن كان مطلقا في حيز النفي، إلا أن اختصاصه (2) بما ادعيناه من الأغراض المقصودة من الشيء - دون الفوائد المترتبة عليه من دون أن تعد مقاصد - ليس من جهة انصرافه (3) إلي المقاصد حتي يمنع انصراف المطلق في حيز

النفي، بل من جهة التسامح و الادعاء العرفي - تنزيلا للموجود منزلة المعدوم - فإنه يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها: إنها مما لا ينتفع به و مما ذكرنا ظهر الحال في البول و العذرة و المني، فإنها مما لا ينتفع بها و إن استفيد منها بعض الفوائد، كالتسميد و الإحراق - كما هو سيرة بعض الجصاصين من العرب - كما يدل عليه وقوع السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة و عظام الموتي و يجصص به المسجد، فقال الإمام عليه السلام : «إن الماء و النار قد طهراه» (4)، بل في *

***** (هامش) *****

(1) نهاية الإحكام 2: 463.

(2) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: اختصاصها.

(3) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: انصرافها.

(4) الوسائل 2: 1099، الباب 81 من أبواب النجاسات، الحديث الأول. (*)

*****ص 104*****

الرواية إشعار بالتقرير، فتفطن و أما ما ذكره من تنزيل ما دل علي المنع عن الانتفاع بالنجس علي ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة لا من استعمله ليغسله، فهو تنزيل بعيد. نعم، يمكن أن ينزل علي الانتفاع به علي وجه الانتفاع بالطاهر، بأن يستعمله علي وجه يوجب تلويث بدنه و ثيابه و سائر آلات الانتفاع - كالصبغ بالدم - و إن بني علي غسل الجميع عند الحاجة إلي ما يشترط فيه الطهارة و في بعض الروايات إشارة إلي ذلك. ففي الكافي بسنده عن الوشاء، قال: «قلت (1) لأبي الحسن عليه السلام : - جعلت فداك - إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال: حرام، هي ميتة، فقلت: جعلت فداك فيستصبح (2) بها؟ فقال: أما علمت أنه

يصيب اليد و الثوب و هو حرام؟ » (3) بحملها علي حرمة الاستعمال علي وجه يوجب تلويث البدن و الثياب و أما حمل الحرام علي النجس - كما في كلام بعض (4) - فلا شاهد عليه. *

***** (هامش) *****

(1) في «خ» و «م» و «ع» : قال: قال و في المصدر: قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت له.

(2) في المصدر: فنصطبح.

(3) الكافي 6: 255، الحديث 3 و الوسائل 16: 364، الباب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث الأول.

(4) الجواهر 5: 315. (*)

*****ص 105*****

و الرواية في نجس العين، فلا ينتقض بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس، لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضة (1) للشارع، كما يشير إليه قوله تعالي: * (والرجز فاهجر) * (2). ثم إن منفعة النجس المحللة - للأصل أو للنص - قد تجعله (3) مالا عرفا، إلا أنه منع الشرع عن بيعه، كجلد الميتة إذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء - كما هو مذهب جماعة (4) - مع القول بعدم جواز بيعه، لظاهر الإجماعات المحكية (5) و شعر الخنزير إذا جوزنا استعماله اختيارا و الكلاب الثلاثة إذا منعنا عن بيعها، فمثل هذه أموال لا تجوز المعاوضة عليها و لا يبعد جواز هبتها، لعدم المانع مع وجود المقتضي، فتأمل و قد لا تجعله مالا عرفا، لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه له (6) و إن ترتب عليه الفوائد، كالميتة التي يجوز إطعامها لجوارح الطير و الإيقاد بها و العذرة للتسميد، فإن الظاهر أنها لا تعد أموالا عرفا، كما اعترف به جامع المقاصد (7) في شرح قول العلامة: «و يجوز اقتناء الأعيان النجسة *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر

النسخ: مبغوضا.

(2) المدثر: 5.

(3) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: يجعلها.

(4) كالشيخ في النهاية: 587 و المحقق في الشرائع 3: 227 و العلامة في الإرشاد 2: 113 و الفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 374.

(5) تقدمت عن التذكرة و المنتهي و التنقيح، في الصفحة: 31.

(6) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: منها لها.

(7) جامع المقاصد 4: 15. (*)

*****ص 106*****

لفائدة» و الظاهر ثبوت حق الاختصاص في هذه الامور الناشئ إما عن الحيازة و إما عن كون أصلها مالا للمالك، كما لو مات حيوان له، أو فسد لحم اشتراه للأكل علي وجه خرج عن المالية و الظاهر جواز المصالحة علي هذا الحق بلا عوض، بناء علي صحة هذا الصلح، بل و مع (1) العوض، بناء علي أنه لا يعد ثمنا لنفس العين حتي يكون سحتا بمقتضي الأخبار (2). قال في التذكرة: و يصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلم و الزيت النجس لإشعاله تحت السماء و الزبل للانتفاع بإشعاله و التسميد به و جلد الميتة - إن سوغنا الانتفاع به - و الخمر المحترمة، لثبوت الاختصاص فيها و انتقالها من يد إلي يد بالإرث و غيره (3)، انتهي و الظاهر أن مراده بغير الإرث: الصلح الناقل و أما اليد الحادثة بعد إعراض اليد الأولي فليس انتقالا. لكن الانصاف: أن الحكم مشكل. نعم، لو بذل مالا علي أن يرفع يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا، كما يبذل الرجل المال علي أن يرفع اليد عما في تصرفه من *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ن» و «ش» و في غيرهما: بل دفع العوض.

(2) الوسائل 12: 61، الباب 5 من

أبواب ما يكتسب به و الحديث الأول من الباب 40 منها.

(3) التذكرة 2: 479. (*)

*****ص 107*****

الأمكنة المشتركة، كمكانه من المسجد و المدرسة و السوق و ذكر بعض الأساطين - بعد إثبات حق الاختصاص - : أن دفع شيء من المال لافتكاكه يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور، فيبقي علي أصالة الجواز (1). ثم إنه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع و لذا ذكروا: أنه لو علم كون حيازة الشخص للماء و الكلأ لمجرد العبث، لم يحصل له حق و حينئذ فيشكل الأمر في ما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات، حتي إذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين و الزرع بذل له مال فاخذت منه، فإن الظاهر - بل المقطوع - أنه لم يحزها للانتفاع بها و إنما حازها لأخذ المال عليها و من المعلوم:

أن حل المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف علي قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه في المقام و كذا لو سبق إلي مكان من الأمكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكني. نعم، لو جمعها في مكانه المملوك، فبذل له المال علي أن يتصرف في ذلك المكان بالدخول لأخذها، كان حسنا. كما أنه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص [وإن لم يقصد الانتفاع بعينه] (2) و قلنا (3) بجواز المعاوضة علي حق الاختصاص كان أسهل. *

***** (هامش) *****

(1) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 4.

(2) ما بين المعقوفتين ساقط من «ن» و «م».

(3) في «ف»، «خ» «ع»، «ص» : أو قلنا. (*)

*****ص 109*****

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما

اشارة

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما يقصد بهو هو علي أقسام:

القسم الأول:

القسم الثاني:

المسألة الأولي:

المسألة الثانية:

المسألة الثالثة:

القسم الثالث:

القسم الأول

القسم الأول:

ما لا يقصد من وجوده علي نحوه الخاص إلا الحرام و هي امور منها: هياكل العبادة المبتدعة - كالصليب و الصنم - بلا خلاف ظاهر، بل الظاهر الإجماع عليه و يدل عليه مواضع من رواية تحف العقول - المتقدمة (1) - ، مثل (2) قوله عليه السلام : «و كل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه» و قوله عليه السلام : «أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» و قوله عليه السلام : «وَ كُلُّ مَنْهِيٍّ *

***** (هامش) *****

(1) تقدم في أول الكتاب.

(2) في «خ»، «م»، «ع»، «ص» : في مثل. (*)

*****ص 112*****

عَنْهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ» و قوله عليه السلام :

«إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الصِّنَاعَةَ الَّتِي حَرَامٌ هِيَ كُلُّهَا الَّتِي يَجِي ءُ مِنْهَا (1) الْفَسَادُ مَحْضاً نَظِيرَ الْمَزَامِيرِ و الْبَرَابِط وَ كُلِّ مَلْهُوٍّ بِهِ وَ الصُّلْبَانِ وَ الْأَصْنَامِ … إلي أن قال:

فَحَرَامٌ تَعْلِيمُهُ وَ تَعَلُّمُهُ وَ الْعَمَلُ بِهِ وَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَ جَمِيعُ التَّقَلُّبِ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِ الْحَرَكَاتِ … الخ». هذا كله، مضافا إلي أن أكل المال في مقابل هذه الأشياء أكل له بالباطل و إلي قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (2) بناء علي أن تحريم هذه الامور تحريم لمنافعها الغالبة، بل الدائمة، فإن الصليب من حيث إنه خشب بهذه الهيئة لا ينتفع به إلا في الحرام و ليس بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل و المحرم و لو فرض ذلك كان (3) منفعة نادرة لا يقدح في

تحريم العين بقول مطلق، الذي هو المناط في تحريم الثمن. نعم، لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة اخري لعمل محلل - بحيث لا تعد (4) منفعة نادرة - فالأقوي جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة، كما اعترف به في المسالك (5). *

***** (هامش) *****

(1) في «ش» : منه.

(2) عوالي اللآلي 2: 110، الحديث 301.

(3) في «ن»، «خ»، «م»، «ع»، «ص» : كان ذلك.

(4) في «ن» : لا يعد.

(5) المسالك 3: 122 (اعترف به في مسألة آلات اللهو). (*)

*****ص 113*****

فما ذكره بعض الأساطين (1) من أن ظاهر الإجماع و الأخبار: أنه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها، فلعله محمول علي الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها، أو النادرة التي مما للهيئة دخل فيه. نعم، ذكر أيضا - وفاقا لظاهر غيره، بل الأكثر - أنه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة. أقول: إن أراد ب «قصد المادة» كونها هي الباعثة علي بذل المال بإزاء ذلك الشيء و إن كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشيء، فما استظهره من الإجماع و الأخبار حسن، لأن بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص - من حيث كونه مالا عرفا - بذل للمال علي الباطل و إن أراد ب «قصد المادة» كون المبيع هي المادة، سواء تعلق البيع بها بالخصوص - كأن يقول: بعتك خشب هذا الصنم - أو في ضمن مجموع مركب - كما لو وزن له وزنة حطب فقال: بعتك، فظهر فيه صنم أو صليب - فالحكم ببطلان البيع في الأول و في مقدار الصنم في الثاني مشكل، لمنع شمول الأدلة لمثل هذا الفرد، لأن المتيقن من الأدلة

المتقدمة حرمة المعاوضة علي هذه الامور نظير المعاوضة علي غيره (2) من الأموال العرفية و هو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشيء من المادة و الهيئة و الأوصاف و الحاصل: أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشيء من غير *

***** (هامش) *****

(1) و هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء في شرحه علي القواعد (مخطوط) : 7.

(2) كذا في النسخ و في مصححة «ن» : غيرها. (*)

*****ص 114*****

مدخلية الشكل، ألا تري أنه لو باعه وزنة (1) نحاس فظهر فيها آنية مكسورة، لم يكن له (2) خيار العيب، لأن المبيع هي المادة و دعوي أن المال هي المادة بشرط عدم الهيئة، مدفوعة بما صرح به من أنه لو أتلف الغاصب لهذه (3) الامور ضمن موادها (4) و حمله علي الإتلاف تدريجا تمحل (5) و في (6) محكي التذكرة أنه إذا كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة لتكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته، فإنه يجوز بيعها علي الأقوي (7)، انتهي و اختار ذلك صاحب الكفاية (8) و صاحب الحدائق (9) و صاحب *

***** (هامش) *****

(1) الوزنة: مقدار لتحديد الوزن يختلف باختلاف البلدان، ففي بعضها يقدر بثلاثة أرطال و في بعضها بخمسة أرطال. انظر محيط المحيط: 968، مادة «وزن».

(2) في «خ»، «م»، «ع»، «ص» و «ش» : لها.

(3) اللام - في كلمة «لهذه» - مشطوب عليها في «ن».

(4) مثل عبارة العلامة في القواعد:

فإن احرقت ضمن قيمة الرضاض، راجع القواعد 1: 203.

(5) في «خ»، «م»، «ع»، «ص» : محتمل.

(6) في «ف»، «ن» و «خ» : «و قال في».

(7) حكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 32، لكنا لم نقف في التذكرة إلا علي ما يلي: «و إن

عد مالا فالأقوي عندي الجواز مع زوال الصفة المحرمة»، انظر التذكرة 1: 465.

(8) كفاية الأحكام:

85.

(9) الحدائق 18: 201. (*)

*****ص 115*****

الرياض (1) نافيا عنه الريب (2) و لعل التقييد في كلام العلامة ب «كون المشتري ممن يوثق بديانته» (3) لئلا يدخل في باب المساعدة علي المحرم، فإن دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي، فيكون باطلا، كما في رواية تحف العقول. لكن فيه - مضافا إلي التأمل في بطلان البيع لمجرد الإعانة علي الإثم - : أنه يمكن الاستغناء عن هذا القيد (4) بكسره قبل أن يقبضه إياه، فإن الهيئة غير محترمة في هذه الامور، كما صرحوا به في باب الغصب (5). بل قد يقال بوجوب إتلافها فورا و لا يبعد أن يثبت، لوجوب حسم مادة الفساد و في جامع المقاصد - بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الأشياء و إن

***** (هامش) *****

(1) الرياض 1: 499.

(2) النافي للريب هو صاحب الحدائق، لا صاحب الرياض كما هو ظاهر السياق.

(3) لم نقف عليه في كلام العلامة، كما أشرنا إليه آنفا.

(4) كذا في «ش» و في مصححة «ن» : هذا الوثوق و في سائر النسخ: هذا الوجوب.

(5) صرح به العلامة في التذكرة 2: 379 و غيرها و المحقق الثاني في جامع المقاصد 6: 247 و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 10: 529، كما أن مقتضي كلام الشيخ - في مسألة غصب آنية الذهب و الفضة - ذلك، انظر المبسوط 3: 61. (*)

*****ص 116*****

أمكن الانتفاع علي حالها في غير محرم (1) منفعة لا تقصد منها - قال: و لا أثر لكون رضاضها الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل و

يعد مالا، لأن بذل المال في مقابلها و هي علي هيئتها بذل له في المحرم، الذي لا يعد مالا عند الشارع. نعم، لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها - و كان المشتري موثوقا به و أنه يكسرها - أمكن القول بصحة البيع و مثله باقي الامور المحرمة كأواني النقدين و الصنم (2)، انتهي و منها: آلات القمار بأنواعه بلا خلاف ظاهرا و يدل عليه جميع ما تقدم في هياكل العبادة و يقوي هنا أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة و في المسالك: أنه لو كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة لتكسر - و كان المشتري ممن يوثق بديانته - ففي جواز بيعها وجهان و قوي في التذكرة (3) الجواز مع زوال الصفة و هو حسن و الأكثر أطلقوا *

***** (هامش) *****

(1) في «ف»، «خ»، «ش» : غير المحرم.

(2) جامع المقاصد 4: 15.

(3) التذكرة 1: 465. (*)

*****ص 117*****

المنع (1)، انتهي.

أقول: إن أراد ب «زوال الصفة» : زوال الهيئة، فلا ينبغي الإشكال في الجواز و لا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة و الأكثر. ثم إن المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض، فكل ما اعد لها - بحيث لا يقصد منه علي ما فيه من الخصوصيات غيرها - حرمت المعاوضة عليه و أما المراهنة بغير عوض فيجئ (2) أنه ليس بقمار علي الظاهر. نعم، لو قلنا بحرمتها لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار، مثل ما يعملونه شبه الكرة، يسمي عندنا «توپة» (3) و الصولجان و منها: آلات اللهو علي اختلاف أصنافها بلا خلاف، لجميع ما تقدم في المسألة السابقة و الكلام في بيع المادة كما تقدم و حيث إن المراد بآلات اللهو ما

اعد له، توقف علي تعيين معني *

***** (هامش) *****

(1) المسالك 3: 122.

(2) ظاهر «ف» : فسيجئ.

(3) كذا في «ف» و «خ» و في «ن» : الترسة - التوبة (خ ل) و في «م» و «ص» : الترسة و في «ش» : الترثة - التوبة (خ ل). (*)

*****ص 118*****

اللهو و حرمة مطلق اللهو. إلا أن المتيقن (1) منه: ما كان من جنس المزامير و آلات الأغاني و من جنس الطبول و سيأتي معني اللهو و حكمه و منها: أواني الذهب و الفضة إذا قلنا بتحريم اقتنائها و قصد (2) المعاوضة علي مجموع الهيئة و المادة، لا المادة فقط و منها: الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس إذا لم يفرض علي هيئتها الخاصة منفعة محللة معتد بها، مثل التزين، أو الدفع إلي الظالم الذي يريد مقدارا من المال - كالعشار *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و مصححة «ف» و في «ن» و «م» و «ع» : المطلوب منه و في «ص» : المطلوب منه، المتيقن (خ ل).

(2) في «خ»، «م»، «ع»، «ص» : أو قصد. (*)

*****ص 119*****

و نحوه - بناء علي جواز ذلك و عدم وجوب إتلاف مثل هذه الدراهم و لو بكسرها من باب دفع مادة الفساد، كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية الجعفي - مشيرا إلي درهم - : «إكسر هذا، فإنه لا يحل بيعه و لا إنفاقه» (1) و في رواية موسي بن بكير (2) : «قطعه نصفين (3) ثم قال: ألقه في البالوعة حتي لا يباع شيء فيه (4) غش» (5) و تمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء الله و لو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال لمن

صار (6) إليه، فإن وقع عنوان المعاوضة علي الدرهم - المنصرف إطلاقه إلي المسكوك بسكة (7) السلطان (8) - بطل البيع و إن وقعت المعاوضة علي شخصه *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 473، الباب 10 من أبواب الصرف، الحديث 5، مع اختلاف يسير.

(2) كذا في النسخ، لكن في المصادر الحديثية: موسي بن بكر.

(3) في مصححة «ص» : بنصفين.

(4) كذا في ظاهر «ف» و نسخة بدل «ص» و المصدر و في «ش» : لا يباع بشئ فيه غش و في سائر النسخ: حتي لا يباع بما فيه غش.

(5) الوسائل 12: 209، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 و إليك نصه: «قال: كنا عند أبي الحسن عليه السلام و إذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلي دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين، ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتي لا يباع شيء فيه غش».

(6) كذا في النسخ و المناسب: صارت.

(7) كذا في «ف» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: سكة.

(8) وردت العبارة في «ف» هكذا: «فإن وقع عنوان المعاوضة علي الدرهم المشكوك بسكة السلطان» و شطب علي عبارة «المنصرف إطلاقه إلي». (*

*****ص 120*****

من دون عنوان، فالظاهر صحة البيع مع خيار العيب إن كانت المادة مغشوشة و إن كان مجرد تفاوت السكة، فهو خيار التدليس، فتأمل و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات، فإن البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه بإمضائه من جهة المادة فقط و استرداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع، كما لو جمع بين الخل و الخمر، لأن كل جزء من الخل أو الخمر (1) مال لا بد أن يقابل في المعاوضة بجزء من المال، ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله

من المال لا غير، بخلاف المادة و الهيئة، فإن الهيئة من قبيل القيد للمادة جزء عقلي لا خارجي تقابل بمال علي حدة، ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادة حقيقة و هذا الكلام مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ف» و في سائر النسخ: و الخمر. (*)

*****ص 121*****

القسم الثاني

اشارة

ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة و هو: تارة علي وجه يرجع إلي بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة، كالمعاوضة علي العنب مع التزامهما أن لا يتصرف فيه إلا بالتخمير و اخري علي وجه يكون الحرام هو الداعي إلي المعاوضة لا غير، كالمعاوضة علي العنب مع قصدهما تخميره و الأول إما أن يكون الحرام مقصودا لا غير، كبيع العنب علي أن يعمله خمرا (1) و نحو ذلك و إما أن يكون الحرام مقصودا مع الحلال، بحيث يكون بذل المال بإزائهما (2)، كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه وقوع بعضه بإزاء *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : أن يعمل خمرا.

(2) في «ف» : بإزائها. (*)

*****ص 122*****

صفة التغني. فهنا مسائل ثلاث:

*****ص 123*****

المسألة الأولي

المسألة الأولي:

بيع العنب علي أن يعمل خمرا و الخشب علي أن يعمل صنما، أو آلة لهو أو قمار و إجارة (1) المساكن ليباع أو يحرز فيها الخمر و كذا إجارة السفن و الحمولة لحملها و لا إشكال في فساد المعاملة - فضلا عن حرمته - و لا خلاف فيه و يدل عليه - مضافا إلي كونها إعانة علي الإثم و إلي أن الإلزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع أكل و إيكال للمال بالباطل - خبر جابر، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر، قال: حرام اجرته» (2). فإنه إما مقيد بما إذا استأجره لذلك، أو يدل عليه بالفحوي، بناء علي ما سيجيء من حرمة العقد مع من يعلم أنه يصرف المعقود عليه في الحرام. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و في سائر النسخ: أو إجارة.

(2) الوسائل 12: 125، الباب 39 من

أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول. (*)

*****ص 124*****

نعم، في مصححة ابن اذينة، قال (1) : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابته لمن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير، قال: لا بأس» (2). لكنها محمولة علي ما إذا اتفق الحمل من دون أن يؤخذ ركنا أو شرطا في العقد، بناء علي أن خبر جابر نص في ما نحن فيه و ظاهر في هذا، عكس الصحيحة، فيطرح (3) ظاهر كل بنص الآخر، فتأمل، مع أنه لو سلم التعارض كفي العمومات المتقدمة (4) و قد يستدل أيضا - في ما نحن فيه - بالأخبار المسؤول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا أو صنما، مثل مكاتبة ابن اذينة: «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟ قال: لا» (5) و رواية عمرو بن الحريث: «عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم؟ قال: لا» (6) و فيه: أن حمل تلك الأخبار علي صورة اشتراط البائع المسلم *

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: «قال: كتبت إلي أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرجل … ».

(2) الوسائل 12: 126، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(3) كذا في «ف» و نسخة بدل «ش» و في سائر النسخ: يطرح.

(4) و هي رواية تحف العقول و رواية الفقه الرضوي و رواية دعائم الإسلام و النبوي المشهور، المتقدمة كلها في أول الكتاب.

(5) الوسائل 12: 127، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(6) الوسائل 12: 127، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و لفظه هكذا: «عن التوت أبيعه يصنع للصليب و الصنم؟ قال: لا». (*)

*****ص 125*****

علي المشتري أو تواطئهما

علي التزام صرف المبيع في الصنم و الصليب، بعيد في الغاية و الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه و بيع الخشب علي أن يعمل صليبا أو صنما لا يكاد يخفي (1)، فإن بيع الخمر في مكان و صيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية يقع الإجارة عليها من المسلم كثيرا - كما يؤجرون البيوت لسائر المحرمات - بخلاف جعل العنب خمرا و الخشب صليبا، فإنه لا غرض للمسلم في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه أو خشبه، فلا يحمل عليه موارد السؤال. نعم، لو قيل في المسألة الآتية بحرمة بيع الخشب ممن يعلم أنه يعمله صنما - لظاهر هذه الأخبار - صح الاستدلال بفحواها علي ما نحن فيه، لكن ظاهر هذه الأخبار معارض بمثله أو بأصرح منه، كما سيجيء. ثم إنه يلحق بما ذكر - من بيع العنب و الخشب علي أن يعملا خمرا و صليبا (2) - بيع كل ذي منفعة محللة علي أن يصرف في الحرام، لأن حصر الانتفاع بالمبيع (3) في الحرام يوجب كون أكل الثمن بازائه أكلا للمال بالباطل. ثم إنه لا فرق بين ذكر (4) الشرط المذكور في متن العقد و بين *

***** (هامش) *****

(1) في أكثر النسخ: يختفي.

(2) في «ف»، «خ»، «ش» : أو صليبا.

(3) كذا في مصححة «ن» و «ص» و في سائر النسخ: بالبيع.

(4) ورد في «ش» فقط. (*)

*****ص 126*****

التواطؤ عليه خارج العقد و وقوع العقد عليه و لو كان فرق فإنما هو في لزوم الشرط و عدمه، لا فيما هو مناط الحكم هنا و من ذلك يظهر أنه لا يبني فساد هذا العقد علي كون الشرط الفاسد مفسدا، بل الأظهر فساده و إن لم نقل بإفساد الشرط

الفاسد، لما عرفت من رجوعه في الحقيقة إلي أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة و قد تقدم الحكم بفساد المعاوضة علي آلات المحرم مع كون موادها أموالا مشتملة علي منافع محللة، مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر من الشرط و المشروط و سيجئ أيضا في المسألة الآتية ما يؤيد هذا أيضا، إن شاء الله.

*****ص 127*****

المسألة الثانية

المسألة الثانية:

يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية و كل عين مشتملة علي صفة يقصد منها الحرام إذا قصد منها ذلك و قصد اعتبارها في البيع علي وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن - كالعبد الماهر في القمار أو اللهو و السرقة (1)، إذا لوحظ فيه هذه الصفة و بذل بإزائها شيء من الثمن - لا ما كان علي وجه الداعي و يدل عليه أن بذل شيء (2) من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أكل للمال بالباطل و التفكيك بين القيد و المقيد - بصحة العقد في المقيد و بطلانه في القيد بما قابله من الثمن - غير معروف عرفا، لأن القيد أمر معنوي لا يوزع عليه شيء من المال و إن كان يبذل المال بملاحظة وجوده و غير واقع شرعا، علي ما اشتهر من أن الثمن لا يوزع علي الشروط، فتعين بطلان العقد رأسا. *

***** (هامش) *****

(1) في مصححة «ن» : أو السرقة.

(2) في «ش» : الشيء. (*)

*****ص 128*****

و قد ورد النص بأن: «ثمن الجارية المغنية سحت» (1) و أنه: «قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا كثمن الكلب» (2). نعم، لو لم تلاحظ الصفة أصلا في كمية الثمن، فلا إشكال في الصحة و لو لوحظت من حيث إنها صفة كمال قد تصرف إلي المحلل فيزيد

لأجلها الثمن، فإن كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها، فلا إشكال في الجواز و إن كانت نادرة بالنسبة إلي المنفعة المحرمة، ففي إلحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال إلا لما اشتمل علي منفعة محللة غير نادرة بالنسبة إلي المحرمة و عدمه - لأن المقابل بالمبذول هو الموصوف و لا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة - وجهان: أقواهما: الثاني، إذ لا يعد أكلا للمال بالباطل و النص بأن «ثمن المغنية سحت» مبني علي الغالب. *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 87، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 و لفظه: «إن ثمن الكلب و المغنية سحت».

(2) الوسائل 12: 88، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6، باختلاف يسير في اللفظ.

*****ص 129*****

المسألة الثالثة

المسألة الثالثة:

يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله و كذا بيع الخشب بقصد أن يعمله صنما أو صليبا، لأن فيه إعانة علي الإثم و العدوان و لا إشكال و لا خلاف في ذلك. أما لو لم يقصد ذلك، فالأكثر علي عدم التحريم، للأخبار المستفيضة: منها: خبر ابن اذينة، قال: «كتبت إلي أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له كرم (1) يبيع العنب (2) ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو مسكرا؟ فقال عليه السلام : إنما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه أو أكله، فلا بأس ببيعه» (3). *

***** (هامش) *****

(1) الكرم:

العنب و أرض يحوطها حائط فيه أشجار ملتفة لا يمكن زراعة أرضها. انظر محيط المحيط: 777.

(2) في المصدر: أيبيع العنب و التمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو سكرا.

(3) الوسائل 12: 169، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5. (*)

*****ص

130*****

و رواية أبي كهمس، قال (1) : «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام - إلي أن قال - : هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا» (2). إلي غير ذلك مما هو دونهما في الظهور و قد يعارض ذلك (3) بمكاتبة ابن اذينة: «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، قال: لا» (4) و رواية عمرو بن حريث: «عن التوت (5) أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم؟ قال: لا» (6) و قد يجمع بينهما و بين الأخبار المجوزة، بحمل المانعة علي صورة اشتراط جعل الخشب صليبا أو صنما، أو تواطؤهما عليه. *

***** (هامش) *****

(1) من «ش» و المصدر.

(2) الوسائل 12: 170، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(3) في «ش» : تلك.

(4) الوسائل 12: 127، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(5) كذا في «ف» و «ع» و مصححة «خ» و نسخة بدل «م» و «ش» و في «ن» و «ص» : التوز و أما في المصادر الحديثية، ففي الكافي و التهذيب و الوسائل: التوت و في الوافي: التوز و قال المحدث الكاشاني في بيانه: «التوز - بضم المثناة الفوقانية و الزاي - : شجر يصنع به القوس» انظر الوافي 17: 276 و أما التوت فهو شجر يأكل ورقه دود القز و له ثمر أبيض حلو و منه ما يثمر ثمرا حامضا ثم يسود فيحلو و يقال له: التوت الشامي و يقال لثمره: الفرصاد. محيط المحيط: 75، مادة: «توت».

(6) الوسائل 12: 127، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و لفظه هكذا: «عَنِ التُّوتِ أَبِيعُهُ يُصْنَعُ لِلصَّلِيبِ وَ الصَّنَم … ». (*)

*****ص 131*****

و فيه:

أن هذا في غاية البعد، إذ لا داعي للمسلم علي اشتراط صناعة الخشب صنما في متن بيعه أو في خارجه، ثم يجئ و يسأل الإمام عليه السلام عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته! و هل يحتمل أن يريد الراوي بقوله: «أبيع التوت (1) ممن يصنع الصنم و الصليب» أبيعه مشترطا عليه و ملزما - في متن العقد أو قبله - أن لا يتصرف فيه إلا بجعله صنما؟! فالأولي: حمل الأخبار المانعة علي الكراهة، لشهادة غير واحد من الأخبار علي الكراهة (2) - كما أفتي به (3) جماعة (4) - و يشهد له رواية الحلبي (5) : «عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، قال: بيعه (6) ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلي و لا أري به بأسا» (7) و غيرها. أو التزام الحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا أو صنما لظاهر تلك الأخبار و العمل في مسألة بيع العنب و شبهه ا علي الأخبار المجوزة. *

***** (هامش) *****

(1) أشرنا إلي اختلاف النسخ فيه، في الصفحة السابقة.

(2) وردت هذه الفقرة في «ف» هكذا: «بشهادة غير واحد من الأخبار» ثم شطب عليها.

(3) كذا و المناسب: بها.

(4) منهم المحقق في الشرائع 2: 10 و العلامة في الإرشاد 1: 357 و غيره و الشهيد في اللمعة: 108 و نسبه في الجواهر 22: 31 إلي المشهور.

(5) كذا في «ش» و في سائر النسخ: رفاعة و الصواب ما أثبتناه.

(6) في «ف» و التهذيب و الوسائل: بعه.

(7) الوسائل 12: 170، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9 و فيه: وَ لَا أَرَي بِالْأَوَّلِ بَأْساً.

*****ص 132*****

و هذا الجمع قول فصل - لو لم يكن قولا بالفصل - و كيف

كان، فقد يستدل علي حرمة البيع ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي عن التعاون علي الإثم و العدوان و قد يستشكل في صدق «الإعانة»، بل يمنع، حيث لم يقع القصد إلي وقوع الفعل من المعان، بناء علي أن الإعانة هي فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه لا مطلقا و أول من أشار إلي هذا، المحقق الثاني في حاشية الإرشاد - في هذه المسألة - ، حيث إنه - بعد حكاية القول بالمنع مستندا إلي الأخبار المانعة - قال: «و يؤيده قوله تعالي: * (ولا تعاونوا علي الإثم) * (1) و يشكل بلزوم عدم جواز بيع شيء مما يعلم عادة التوصل به إلي محرم، لو تم هذا الاستدلال، فيمنع معاملة أكثر الناس و الجواب عن الآية: المنع من كون محل النزاع معاونة، مع أن الأصل الإباحة و إنما يظهر المعاونة مع بيعه لذلك» (2)، انتهي و وافقه في اعتبار القصد في مفهوم الإعانة جماعة من متأخري المتأخرين، كصاحب الكفاية (3) و غيره (4). *

***** (هامش) *****

(1) المائدة: 2.

(2) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 205.

(3) كفاية الأحكام:

85.

(4) لم نقف عليه و إن نسبه في المستند (2: 336) إلي صريح الفاضلين: الأردبيلي و السبزواري، لكنا لم نجد التصريح بذلك في كلام الأردبيلي و سيأتي من المؤلف قدس سره - بعد نقل كلامه عن آيات أحكامه - التصريح بأنه لم يعلق صدق الإعانة علي القصد فقط، انظر الصفحة: 136 - 137. (*)

*****ص 133*****

هذا و ربما زاد بعض المعاصرين (1) علي اعتبار القصد اعتبار وقوع المعان عليه - في تحقق مفهوم الإعانة - في الخارج و تخيل أنه لو فعل فعلا بقصد تحقق الإثم الفلاني من

الغير فلم يتحقق منه، لم يحرم من جهة صدق الإعانة، بل من جهة قصدها، بناء علي ما حرره من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه و أنه لو تحقق الفعل كان حراما من جهة القصد إلي المحرم و من جهة الإعانة و فيه تأمل، فإن حقيقة الإعانة علي الشيء هو الفعل بقصد حصول الشيء، سواء حصل أم لا و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر عن الغير بقصد التوصل إليه، فهو داخل في الإعانة علي الإثم و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب و ما أبعد ما بين ما ذكره المعاصر و بين ما يظهر من الأكثر من عدم اعتبار القصد! فعن المبسوط: الاستدلال علي وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من أعان علي قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة الله» (2). *

***** (هامش) *****

(1) هو المحقق النراقي، انظر عوائد الأيام:

26.

(2) المبسوط 6: 285 و فيه: «لقوله عليه السلام : من أعان … الخ» و لا ظهور لكلامه في أن الحديث من رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم. نعم، رواه ابن ماجة في سننه (2: 874، كتاب الديات، الحديث 2620) عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و رواه ابن أبي جمهور الإحسائي في عوالي اللآلي (2: 333) في سياق ما روي عن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم.

*****ص 134*****

و قد استدل في التذكرة علي حرمة بيع السلاح من أعداء الدين بأن فيه إعانة علي الظلم (1) و استدل المحقق الثاني علي حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بأن فيه إعانة علي

الإثم (2) و قد استدل المحقق الأردبيلي - علي ما حكي عنه من القول بالحرمة في مسألتنا - : بأن فيه إعانة علي الإثم (3) و قد قرره علي ذلك في الحدائق، فقال: إنه جيد في حد ذاته لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز (4) و في الرياض - بعد ذكر الأخبار السابقة الدالة علي الجواز - قال: و هذه النصوص و إن كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها بل ربما كان بعضها صريحا، لكن في مقابلتها للاصول و النصوص المعتضدة بالعقول إشكال (5)، انتهي و الظاهر، أن مراده ب «الأصول» : قاعدة «حرمة الإعانة علي الإثم» و من «العقول» : حكم العقل بوجوب التوصل إلي دفع المنكر مهما أمكن و يؤيد ما ذكروه - من صدق الإعانة بدون القصد - إطلاقها في غير واحد *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 1: 582.

(2) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 204.

(3) مجمع الفائدة 8: 51.

(4) الحدائق 18: 205.

(5) الرياض 1: 500. (*)

*****ص 135*****

من الأخبار: ففي النبوي المروي في الكافي، عن أبي عبد الله عليه السلام : «من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه» (1) و في العلوي الوارد في الطين - المروي أيضا في الكافي - عن أبي عبد الله عليه السلام : «فإن أكلته و مت فقد أعنت علي نفسك» (2) و يدل عليه غير واحد مما ورد في أعوان الظلمة و سيأتي و حكي أنه سئل بعض الأكابر (3) و قيل له: «إني رجل خياط أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني داخلا بذلك في أعوان الظلمة؟ فقال له: المعين لهم من يبيعك الإبر و الخيوط و أما أنت فمن الظلمة أنفسهم» و قال المحقق الأردبيلي - في آيات

أحكامه - في الكلام علي الآية: «الظاهر أن المراد الإعانة (4) علي المعاصي مع القصد، أو علي الوجه الذي يصدق أنها إعانة - مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه إياها، أو يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه إياه، *

***** (هامش) *****

(1) الكافي 6: 266، الحديث 8 و الوسائل 16: 393، الباب 58 من أبواب الأطعمة و الأشربة، الحديث 7.

(2) الكافي 6: 266، الحديث 5 و الوسائل 16: 393، الباب 58 من أبواب الأطعمة و الأشربة، الحديث 6 و فيهما: كنت قد أعنت علي نفسك.

(3) في شرح الشهيدي (33) ما يلي: «أقول: في شرح النخبة لسبط الجزائري قدس سره عن البهائي قدس سره : أنه عبد الله بن المبارك، علي ما نقله أبو حامد … ، ثم نقل عبارته كما في المتن».

(4) كذا في «ش» و المصدر: و في سائر النسخ: بالإعانة. (*)

*****ص 136*****

و نحو ذلك مما يعد معونة عرفا - فلا يصدق علي التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه أنه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور و لا علي الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما و غير ذلك مما لا يحصي، فلا يعلم صدقها علي بيع العنب ممن يعمله خمرا، أو الخشب ممن يعمله صنما و لذا ورد في الروايات الصحيحة جوازه و عليه الأكثر و نحو ذلك مما لا يخفي (1) »، انتهي كلامه رفع مقامه و لقد دقق النظر حيث لم يعلق صدق الإعانة علي القصد و لا أطلق القول بصدقه (2) بدونه، بل علقه بالقصد، أو (3) بالصدق العرفي و إن لم يكن قصد. لكن أقول: لا شك في أنه إذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير إلي

مقصده و لا إلي مقدمة من مقدماته - بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل - فلا يسمي إعانة، كما في تجارة التاجر بالنسبة إلي أخذ العشور و مسير الحاج بالنسبة إلي أخذ المال ظلما و كذلك لا إشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله و دعاه إليه وصول (4) الغير إلي مطلبه الخاص، فإنه يقال: إنه أعانه علي ذلك المطلب، فإن كان عدوانا مع علم المعين به، صدق الإعانة علي العدوان و إنما الإشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير إلي مقدمة *

***** (هامش) *****

(1) زبدة البيان في أحكام القرآن: 297.

(2) كذا في «ن» و «ش» و في غيرهما: لصدقه.

(3) كذا في «ف» و «ش» و في سائر النسخ: و بالصدق.

(4) مفعول ل «قصد» و فاعل ل «دعا». (*)

*****ص 137*****

مشتركة بين المعصية و غيرها مع العلم بصرف الغير إياها إلي المعصية، كما إذا باعه العنب، فإن مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به، فهي (1) إعانة له بالنسبة إلي أصل تملك العنب و لذا لو فرض ورود النهي عن معاونة هذا المشتري الخاص - في جميع اموره، أو في خصوص تملك العنب - حرم بيع العنب عليه مطلقا (2). فمسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا نظير إعطاء السيف أو العصا لمن يريد قتلا أو ضربا، حيث إن الغرض من الإعطاء هو ثبوته بيده و التمكن منه، كما أن الغرض من بيع العنب تملكه له. فكل من البيع و الإعطاء بالنسبة إلي أصل تملك الشخص و استقراره في يده إعانة. إلا أن الإشكال في أن العلم بصرف ما حصل بإعانة البائع و المعطي في الحرام هل يوجب صدق الإعانة علي الحرام

أم لا؟ فحاصل محل الكلام:

هو أن الإعانة علي شرط الحرام مع العلم بصرفه في الحرام هل هي إعانة علي الحرام أم لا؟ فظهر الفرق بين بيع العنب و بين تجارة التاجر و مسير الحاج و أن الفرق بين إعطاء السوط للظالم و بين بيع العنب لا وجه له و أن إعطاء السوط إذا كان إعانة - كما اعترف به فيما تقدم من آيات الأحكام - *

***** (هامش) *****

(1) تأنيث الضمير باعتبار الخبر.

(2) في «ف» و هامش «خ» زيادة ما يلي: «لكن نعلم بصرف ما قصد بالبيع إلي الحرام و تخصيصه به». (*)

*****ص 138*****

كان بيع العنب كذلك، كما اعترف به (1) في شرح الإرشاد (2). فإذا بنينا علي أن شرط الحرام حرام مع فعله توصلا إلي الحرام - كما جزم به بعض (3) - دخل ما نحن فيه في الإعانة علي المحرم، فيكون بيع العنب إعانة علي تملك العنب المحرم مع قصد التوصل به إلي التخمير و إن لم يكن إعانة علي نفس التخمير أو علي شرب الخمر و إن شئت قلت: إن شراء العنب للتخمير حرام، كغرس العنب لأجل ذلك، فالبائع إنما يعين علي الشراء المحرم. نعم، لو لم يعلم أن الشراء لأجل التخمير لم يحرم و إن علم أنه سيخمر العنب بإرادة جديدة منه و كذا الكلام في بائع الطعام علي من يرتكب المعاصي، فإنه لو علم إرادته من الطعام المبيع التقوي به - عند التملك - علي المعصية، حرم البيع منه و أما العلم بأنه يحصل من هذا الطعام قوة علي المعصية يتوصل بها إليها فلا يوجب التحريم. هذا و لكن الحكم بحرمة الإتيان بشرط الحرام توصلا إليه قد يمنع، إلا من حيث

صدق التجري و البيع ليس إعانة عليه و إن كان إعانة علي الشراء، إلا أنه في نفسه ليس تجريا، فإن التجري يحصل بالفعل المتلبس بالقصد و توهم أن الفعل مقدمة له فيحرم الإعانة، مدفوع بأ نه لم يوجد قصد إلي التجري حتي يحرم و إلا لزم التسلسل، فافهم.

***** (هامش) *****

(1) شطب في «ف» علي عبارة: «كما اعترف به» و كتب بدله: «بعد اختياره».

(2) مجمع الفائدة 8: 50.

(3) مثل المولي النراقي في عوائد الأيام:

25. (*)

*****ص 139*****

نعم، لو ورد النهي بالخصوص عن بعض شروط الحرام - كالغرس للخمر - دخل الإعانة عليه في الإعانة علي الإثم، كما أنه لو استدللنا بفحوي ما دل علي لعن الغارس (1) علي حرمة التملك للتخمير، حرم الإعانة عليه أيضا بالبيع. فتحصل مما ذكرناه أن قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين و أن محل الكلام هي الإعانة علي شرط الحرام بقصد تحقق الشرط - دون المشروط - ، وأ نها هل تعد إعانة علي المشروط، فتحرم، أم لا؟ فلا تحرم ما لم تثبت حرمة الشرط من غير جهة التجري و أن مجرد بيع العنب ممن يعلم أنه سيجعله خمرا من دون العلم بقصده ذلك من الشراء ليس محرما أصلا، لا من جهة الشرط و لا من جهة المشروط و من ذلك يعلم ما فيما تقدم عن حاشية الإرشاد من أنه لو كان بيع العنب ممن يعمله خمرا إعانة، لزم المنع عن معاملة أكثر الناس (2). ثم إن محل الكلام في ما يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير، فما تقدم من المبسوط: من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستندا إلي قوله عليه السلام : «من أعان علي قتل

مسلم … الخ» (3) محل تأمل، إلا أن يريد الفحوي و لذا استدل في المختلف - بعد حكاية ذلك عن الشيخ - بوجوب

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 165، الباب 55 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 و 5.

(2) تقدم في الصفحة: 132.

(3) تقدم في الصفحة: 133. (*)

*****ص 140*****

حفظ النفس مع القدرة و عدم الضرر (1). ثم إنه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها (2) : ن

بي ما ينحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم، كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها (3) من غيره لضرب أحد، فإن ملكه للانتفاع بها (4) في هذا الزمان ينحصر فائدته عرفا في الضرب و كذا من استعار كأسا ليشرب الخمر فيه و بين ما لم يكن كذلك، كتمليك (5) الخمار للعنب، فإن منفعة التمليك (6) و فائدته غير منحصرة عرفا في الخمر حتي عند الخمار. فيعد الأول - عرفا - إعانة علي المشروط المحرم، بخلاف الثاني و لعل من جعل بيع السلاح من أعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة علي المحرم، وجوز بيع العنب ممن يعمله خمرا - كالفاضلين في الشرائع و التذكرة (7) و غيرهما (8) - نظر إلي ذلك و كذلك المحقق الثاني، حيث منع من بيع العصير المتنجس علي *

***** (هامش) *****

(1) المختلف: 686.

(2) في «ش» : عليه.

(3) كذا في «ش» و في سائر النسخ: له.

(4) في جميع النسخ: به و الصواب ما أثبتناه.

(5) في مصححة «ن» : كتملك.

(6) في مصححة «ن» : التملك.

(7) الشرائع 2: 9، 10، التذكرة 1: 582، لكنهما لم يقيدا بيع السلاح من أعداء الدين بحال قيام الحرب.

(8) مثل السبزواري في كفاية الأحكام:

85. (*)

*****ص 141*****

مستحله، مستندا إلي كونه من

الإعانة علي الإثم و منع من كون بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا من الإعانة (1) فإن تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده في الانتفاع به حال النجاسة، بخلاف تملك العنب و كيف كان، فلو ثبت تميز موارد الإعانة من العرف فهو و إلا فالظاهر مدخلية قصد المعين. نعم، يمكن الاستدلال علي حرمة بيع الشيء ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام، بأن دفع المنكر كرفعه واجب و لا يتم إلا بترك البيع، فيجب و إليه أشار المحقق الأردبيلي رحمه الله حيث استدل علي حرمة بيع العنب في المسألة - بعد عموم النهي عن الإعانة - بأدلة النهي عن المنكر (2) و يشهد لهذا (3) ما ورد من أنه «لولا أن بني امية وجدوا من يجبي لهم الصدقات و يشهد جماعتهم ما سلبونا (4) حقنا» (5). دل علي مذمة الناس في فعل ما لو تركوه، لم يتحقق المعصية من *

***** (هامش) *****

(1) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 204.

(2) مجمع الفائدة 8: 49 - 51.

(3) كذا في «ف» و مصححة «م» و في غيرهما: بهذا.

(4) كذا في «ف» و في سائر النسخ: ما سلبوا.

(5) الوسائل 12: 144، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول و فيه: «لولا أن بني امية وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفئ و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم، لما سلبونا حقنا … الحديث». (*)

*****ص 142*****

بني امية، فدل علي ثبوت الذم لكل ما لو ترك، لم يتحقق المعصية من الغير و هذا و إن دل بظاهره علي حرمة بيع العنب - و لو ممن يعلم أنه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك حين الشراء - إلا أنه لم

يقم دليل علي وجوب تعجيز من يعلم أنه سيهم بالمعصية و إنما الثابت من النقل و العقل - القاضي بوجوب اللطف - وجوب ردع من هم بها و أشرف عليها بحيث لولا الردع لفعلها أو استمر عليها. ثم إن الاستدلال المذكور إنما يحسن مع علم البائع بأنه لو لم يبعه لم يحصل المعصية، لأنه حينئذ قادر علي الردع، أما لو لم يعلم ذلك، أو علم بأنه يحصل منه المعصية بفعل الغير، فلا يتحقق الارتداع بترك البيع، كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر و توهم أن البيع حرام علي كل أحد - فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بأنه لو تركه لفعله غيره - مدفوع بأن ذلك في ما كان محرما علي كل واحد علي سبيل الاستقلال، فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بأن هذا الفعل واقع لا محالة و لو من غيري، فلا ينفع تركي له. أما إذا وجب علي جماعة شيء واحد - كحمل ثقيل مثلا - بحيث يراد منهم الاجتماع عليه (1)، فإذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به و الاتفاق معه في إيجاد الفعل كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا، فلا يجب و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإن عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف علي تحقق ترك البيع من كل بائع، فترك *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» زيادة: لعدم حصوله إلا باجتماعهم. (*)

*****ص 143*****

المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية، كما أن بيع واحد منهم علي البدل شرط لتحققها، فإذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب - و المفروض أن قيامه منفردا لغو - سقط وجوبه و أما ما تقدم من الخبر في أتباع

بني امية، فالذم فيه إنما هو علي إعانتهم بالامور المذكورة في الرواية و سيأتي تحريم كون الرجل من أعوان الظلمة، حتي في المباحات التي لا دخل لها برئاستهم، فضلا عن مثل جباية الصدقات و حضور الجماعات و شبههما مما هو من أعظم المحرمات و قد تلخص مما ذكرنا أن فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير - من دون قصد توصل الغير به إلي المعصية - غير محرم، لعدم كونها (1) في العرف إعانة مطلقا، أو علي التفصيل الذي احتملناه أخيرا (2) و أما ترك هذا الفعل، فإن كان سببا يعني علة تامة لعدم المعصية من الغير - كما إذا انحصر العنب عنده - وجب، لوجوب الردع عن المعصية عقلا و نقلا و أما لو لم يكن سببا، بل كان السبب تركه منضما إلي ترك غيره، فإن علم أو ظن أو احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا و إن علم أو ظن عدم قيام الغير سقط عنه وجوب الترك، لأن تركه بنفسه ليس برادع حتي يجب. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في جميع النسخ و لعل تأنيث الضمير باعتبار الخبر.

(2) و هو الذي أفاده بقوله: ثم إنه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها بين ما ينحصر فائدته عرفا … الخ. (*)

*****ص 144*****

نعم، هو جزء للرادع المركب من مجموع تروك أرباب العنب (1)، لكن يسقط وجوب الجزء إذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج. فعلم مما ذكرناه في هذا المقام أن فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير يقع علي وجوه: أحدها - أن يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به إلي الحرام و هذا لا إشكال في حرمته،

لكونه إعانة. الثاني - أن يقع منه من دون قصد لحصول الحرام و لا لحصول ما هو مقدمة له - مثل تجارة التاجر بالنسبة إلي معصية العاشر، فإنه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه الذي هو شرط لأخذ العشر - و هذا لا إشكال في عدم حرمته. الثالث - أن يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام من (2) الغير، لا لحصول نفس الحرام منه و هذا قد يكون من دون قصد الغير التوصل (3) بذلك الشرط إلي الحرام، كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط لتخميره - لا نفس التخمير - مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء و هذا أيضا لا إشكال في عدم حرمته و قد يكون مع قصد الغير التوصل به إلي الحرام - أعني التخمير - حال شراء العنب و هذا أيضا علي وجهين: *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» زيادة: نعم هو جزء للتسبيب.

(2) كذا في «ف» و في سائر النسخ: عن.

(3) في بعض النسخ: المتوصل. (*)

*****ص 145*****

أحدهما - أن يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير و الأقوي هنا وجوب الترك و حرمة الفعل و الثاني - أن لا يكون كذلك، بل يعلم عادة أو يظن بحصول الحرام من الغير من غير تأثير لترك ذلك الفعل و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ، بناء علي ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الإعانة عليه مطلقا، أو علي ما احتملناه من التفصيل (1). ثم كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة، فالظاهر عدم فساد البيع، لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة، أعني

الإعانة علي الإثم، أو المسامحة في الردع عنه و يحتمل الفساد، لإشعار قوله عليه السلام في رواية التحف المتقدمة - بعد قوله: «و كل بيع (2) ملهو به و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله أو يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق» - : «فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه … الخ» بناء علي أن التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية، كما لا يخفي. لكن في الدلالة تأمل و لو تمت لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام، لأن الفساد لا يتبعض.

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة: 140.

(2) كذا في النسخ و المصدر، إلا أنه صحح في «ن» و «ش» ب «مبيع».

*****ص 147*****

القسم الثالث

القسم الثالث:

ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا بمعني أن من شأنه أن يقصد منه الحرام و تحريم هذا مقصور علي النص، إذ لا يدخل ذلك تحت «الإعانة»، خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير له في الحرام، كبيع السلاح من أعداء الدين مع عدم قصد تقويهم، بل و عدم العلم باستعمالهم لهذا المبيع (1) الخاص في حرب المسلمين، إلا أن المعروف بين الأصحاب حرمته، بل لا خلاف فيها (2) و الأخبار بها مستفيضة: منها: رواية الحضرمي، قال: «دخلنا علي أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السراج: ما تري في من يحمل إلي الشام من السروج و أداتها؟ قال: لا بأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أنتم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح *

***** (هامش) *****

(1) في «ف»، «م»، «ش» : البيع.

(2) كذا في «ش»

و في سائر النسخ: فيه. (*)

*****ص 148*****

و السروج» (1) و منها: رواية هند السراج، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك الله! إني كنت أحمل السلاح إلي أهل الشام فأبيعه منهم، فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك و قلت: لا أحمل إلي أعداء الله، فقال: احمل إليهم و بعهم، فإن الله يدفع بهم عدونا و عدوكم - يعني الروم - فإذا كان الحرب بيننا (2) فمن حمل إلي عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك» (3) و صريح الروايتين اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين - بمعني وجود المباينة في مقابل الهدنة و بهما يقيد المطلقات جوازا و (4) منعا، مع إمكان دعوي ظهور بعضها في ذلك، مثل مكاتبة الصيقل (5) : «أشتري السيوف و أبيعها من السلطان أجائز لي بيعها؟ فكتب: لا بأس به» (6) و رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن حمل *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 69، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول، مع تفاوت يسير.

(2) في الكافي و الوسائل زيادة: «فلا تحملوا»، لكنها لم ترد في التهذيب. انظر الكافي 5: 112، الحديث 2 و التهذيب 6: 354، الحديث 1005.

(3) الوسائل 12: 69، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(4) كذا في «ف» و في سائر النسخ: أو منعا.

(5) هذه الرواية مثال لإطلاق الجواز و رواية علي بن جعفر و وصية النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم مثالان لإطلاق المنع.

(6) الوسائل 12: 70، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5. (*)

*****ص 149*****

المسلمين إلي المشركين التجارة، قال: إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس» (1)

و مثله ما في وصية النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم لعلي عليه السلام : «يا علي، كفر بالله العظيم من هذه الامة عشرة (2) أصناف - وعد منها - بائع السلاح من أهل الحرب» (3). فما عن حواشي الشهيد من أن المنقول (4) : «أن بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب و الصلح و الهدنة، لأن فيه تقوية الكافر علي المسلم، فلا يجوز علي كل حال» (5) شبه الاجتهاد في مقابل النص، مع ضعف دليله، كما لا يخفي. ثم إن ظاهر الروايات شمول الحكم لما إذا لم يقصد البائع المعونة و المساعدة أصلا، بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم وهند (6) هو صورة عدم قصد ذلك، فالقول باختصاص حرمة البيع (7) بصورة قصد المساعدة - كما يظهر من بعض العبائر (8) - ضعيف جدا و كذلك ظاهرها الشمول لما إذا لم يعلم باستعمال أهل الحرب *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 70، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(2) كذا في «ص» و المصدر و في سائر النسخ: عشر.

(3) الوسائل 12: 71، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(4) عبارة «أن المنقول» لم ترد في «ش» و مشطوب عليها في «ن».

(5) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 35 عن حواشي الشهيد علي القواعد.

(6) في النسخ: الهند. هذا و قد تقدمتا في أول المسألة.

(7) كذا في «ش» و في سائر النسخ: باختصاص البيع.

(8) مثل عبارة المحقق في المختصر النافع: 116 و الشهيد في الدروس 3: 166. (*)

*****ص 150*****

للمبيع في الحرب، بل يكفي مظنة ذلك - بحسب غلبة ذلك - مع قيام الحرب، بحيث يصدق حصول التقوي لهم

بالبيع و حينئذ فالحكم مخالف للاصول، صير إليه للأخبار المذكورة و عموم رواية تحف العقول - المتقدمة - فيقتصر فيه علي مورد الدليل و هو السلاح، دون ما لا يصدق عليه ذلك - كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن - وفاقا للنهاية (1) و ظاهر السرائر (2) و أكثر كتب العلامة (3) و الشهيدين (4) و المحقق الثاني (5)، للأصل و ما استدل به في التذكرة (6) من رواية محمد بن قيس، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفئتين من أهل الباطل تلتقيان، أبيعهما السلاح؟ قال: بعهما ما يكنهما: الدرع و الخفين و نحوهما» (7) و لكن يمكن أن يقال: إن ظاهر رواية تحف العقول إناطة الحكم علي تقوي الكفر و وهن الحق و ظاهر قوله عليه السلام في رواية هند:

«من *

***** (هامش) *****

(1) النهاية: 366.

(2) السرائر 2: 216 - 217.

(3) التحرير 1: 160 و القواعد 1: 120 و نهاية الإحكام 2: 467 و ظاهر المنتهي 2: 1011.

(4) الدروس 3: 166، المسالك 3: 123 و الروضة البهية 3: 211.

(5) جامع المقاصد 4: 17.

(6) التذكرة 1: 587.

(7) الوسائل 12: 70، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3 و فيه: الدرع و الخفين و نحو هذا. (*)

*****ص 151*****

حمل إلي عدونا سلاحا يستعينون به علينا» (1) أن الحكم منوط بالاستعانة و الكل موجود فيما يكن أيضا، كما لا يخفي. مضافا إلي فحوي رواية الحكم المانعة عن بيع السروج (2) و حملها علي السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية، مع كون الراوي سراجا و أما رواية محمد بن قيس، فلا دلالة لها علي المطلوب، لأن مدلولها - بمقتضي أن التفصيل قاطع للشركة

- : الجواز في ما يكن و التحريم في غيره، مع كون الفئتين من أهل الباطل، فلا بد من حملها علي فريقين محقوني الدماء، إذ لو كان كلاهما أو أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح علي صاحبه. فالمقصود من بيع «ما يكن» منهما: تحفظ كل منهما عن صاحبه و تترسه بما يكن و هذا غير مقصود في ما نحن فيه، بل تحفظ أعداء الدين عن بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع، فالتعدي عن مورد الرواية إلي ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق و لعله لما ذكر قيد الشهيد - فيما حكي عن حواشيه علي القواعد (3) - إطلاق العلامة جواز بيع ما يكن (4) بصورة الهدنة و عدم قيام الحرب. ثم إن مقتضي الاقتصار علي مورد النص: عدم التعدي إلي *

***** (هامش) *****

(1) تقدم ذكرها في الصفحة: 148.

(2) تقدم ذكرها في الصفحة: 147.

(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 36.

(4) القواعد 1: 120. (*)

*****ص 152*****

غير أعداء الدين كقطاع الطريق، إلا أن المستفاد من رواية تحف العقول: إناطة الحكم بتقوي الباطل و وهن الحق، فلعله يشمل ذلك و فيه تأمل. ثم إن النهي (1) في هذه الأخبار لا يدل علي الفساد، فلا مستند له سوي ظاهر خبر تحف العقول الوارد في بيان المكاسب الصحيحة و الفاسدة و الله العالم. *

***** (هامش) *****

(1) من «ش». (*)

*****ص 153*****

النوع الثالث: مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه

النوع الثالث: مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء

النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء و التحريم في هذا القسم ليس إلا من حيث فساد المعاملة و عدم تملك الثمن و

ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير و الدليل علي الفساد في هذا القسم - علي ما صرح به في الإيضاح (1) - كون أكل المال بإزائه أكلا بالباطل و فيه تأمل، لأن منافع كثير من الأشياء التي ذكروها في المقام تقابل عرفا بمال - و لو قليلا - بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بازائه (2) سفها. فالعمدة ما يستفاد من الفتاوي و النصوص (3) من عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة و كونها في نظره كالمعدومة. قال في المبسوط: إن الحيوان الطاهر علي ضربين: ضرب ينتفع به و الآخر لا ينتفع به - إلي أن قال - : و إن كان مما لا ينتفع به *

***** (هامش) *****

(1) إيضاح الفوائد 1: 401.

(2) كذا في النسخ و المناسب: بازائها.

(3) في «ف» : ما يستفاد من الشرع - من الفتاوي و النصوص - : من عدم. . (*)

*****ص 156*****

فلا يجوز بيعه بلا خلاف، مثل الأسد و الذئب و سائر الحشرات، مثل: الحيات و العقارب و الفأر و الخنافس و الجعلان و الحدأة و الرخمة و النسر و بغاث الطير و كذلك الغربان (1)، انتهي و ظاهر الغنية الإجماع علي ذلك أيضا (2) و يشعر به عبارة التذكرة، حيث استدل علي ذلك بخسة تلك الأشياء، موعد نظر الشارع إلي مثلها في التقويم و لا يثبت يد لأحد عليها، قال: و لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأ نها لا تعد مع ذلك مالا و كذا عند الشافعي (3)، انتهي و ظاهره اتفاقنا عليه و ما ذكره من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا إشكال فيه و إنما الكلام فيما عدوه من هذا.

قال في محكي إيضاح النافع - و نعم ما قال - : جرت عادة الأصحاب بعنوان هذا الباب و ذكر أشياء معينة علي سبيل المثال، فإن كان ذلك لأن عدم النفع مفروض فيها، فلا نزاع و إن كان لأن ما مثل به لا يصح بيعه لأنه محكوم بعدم الانتفاع فالمنع متوجه في أشياء كثيرة (4)، انتهي. *

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 2: 166.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية) : 524.

(3) التذكرة 1: 465.

(4) إيضاح النافع للفاضل القطيفي (لا يوجد لدينا)، لكن حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 40. (*)

*****ص 157*****

و بالجملة، فكون الحيوان من المسوخ أو السباع أو الحشرات لا دليل علي كونه كالنجاسة مانعا. فالمتعين فيما اشتمل منها علي منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع. فكل ما جاز الوصية به - لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء - فينبغي جواز بيعه إلا ما دل الدليل علي المنع فيه تعبدا و قد صرح في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل و الأسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات و إن منعنا عن بيعها (1) و ظاهر هذا الكلام أن المنع من بيعها علي القول به، للتعبد، لا لعدم المالية. ثم إن ما تقدم منه قدس سره : «من أ نه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأنها لا تعد مالا مع ذلك» (2) يشكل بأ نه إذا اطلع العرف علي خاصية في إحدي الحشرات - معلومة بالتجربة أو غيرها - فأي فرق بينها (3) و بين نبات من الأدوية علم فيه تلك الخاصية؟ و حينئذ فعدم جواز بيعه (4) و أخذ المال في مقابله (5) بملاحظة تلك الخاصية يحتاج إلي دليل، لأنه حينئذ ليس أكلا للمال بالباطل و

يؤيد ذلك ما تقدم في رواية التحف من أن «كل شيء يكون لهم *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 2: 479.

(2) تقدم آنفا عن العلامة في التذكرة.

(3) كذا في «ش» و مصححة «م» و في سائر النسخ: بينه.

(4) كذا في النسخ و لعل الصحيح: بيعها.

(5) كذا في النسخ و لعل الصحيح: مقابلها. (*)

*****ص 158*****

فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه … الخ» و قد أجاد في الدروس، حيث قال: ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء، كالحشار و فضلات الإنسان (1) و عن التنقيح: ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه، كالخنافس و الديدان (2) و مما ذكرنا يظهر النظر في ما ذكره في التذكرة من الإشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم و ديدان القز التي يصاد بها السمك. ثم استقرب المنع، قال: لندور الانتفاع، فيشبه (3) ما لا منفعة فيه، إذ كل شيء فله نفع ما (4)، انتهي. أقول: و لا مانع من التزام جواز بيع كل ما له نفع ما و لو فرض الشك في صدق المال علي مثل هذه الأشياء - المستلزم للشك في صدق البيع - أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها، لعمومات التجارة و الصلح و العقود و الهبة المعوضة و غيرها و عدم المانع، لأنه ليس إلا «أكل المال بالباطل» و المفروض عدم تحققه هنا. فالعمدة في المسألة: الإجماع علي عدم الاعتناء بالمنافع النادرة و هو الظاهر من التأمل في الأخبار أيضا، مثل ما دل علي تحريم بيع *

***** (هامش) *****

(1) الدروس 3: 167.

(2) التنقيح 2: 10.

(3) كذا في «ع» و «ص» و «ش» و مصححة «م» و في «ف»، «ن» : فيشمله و في «خ» و

«م» : فيشمل و في المصدر: فأشبه.

(4) التذكرة 1: 465. (*)

*****ص 159*****

ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله علي منفعة نادرة محللة مثل قوله عليه السلام : «لعن الله إليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها» (1)، بناء علي أن للشحوم منفعة نادرة محللة علي إليهود، لأن ظاهر تحريمها عليهم تحريم أكلها، أو سائر منافعها المتعارفة. فلولا أن النادر في نظر الشارع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع عن البيع، كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف و الاعتداد [إلا أن يقال: المنع فيها تعبد، للنجاسة، لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة، فتأمل] (2) و أوضح من ذلك قوله عليه السلام في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به: «و كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه … الخ» (3) إذ لا يراد منه مجرد المنفعة و إلا لعم (4) الأشياء كلها و قوله في آخره (5) : «إنما حرم الله الصناعة التي يجئ منها الفساد محضا» نظير كذا و كذا - إلي آخر ما ذكره - فإن كثيرا من الأمثلة المذكورة هناك لها منافع محللة، فإن الأشربة المحرمة كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب، بل المرضي، فجعلها مما يجئ منه الفساد *

***** (هامش) *****

(1) مستدرك الوسائل 13: 73، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8، عن عوالي اللآلي و دعائم الإسلام.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في «ش».

(3) تحف العقول: 333.

(4) كذا في «ف» و «ش» و في سائر النسخ: يعم.

(5) في مصححة «ف» : آخرها. (*)

*****ص 160*****

محضا باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح، لندرتها. إلا

أن الإشكال في تعيين المنفعة النادرة و تمييزها عن غيرها، فالواجب الرجوع في مقام الشك إلي أدلة التجارة (1) و نحوها (2) مما ذكرنا و منه يظهر أن الأقوي جواز بيع السباع - بناء علي وقوع التذكية عليها - للانتفاع البين بجلودها و قد نص في الرواية علي بعضها (3) و كذا شحومها و عظامها و أما لحومها: فالمصرح به في التذكرة عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه، كإطعام الكلاب المحترمة و جوارح الطير (4) و يظهر أيضا جواز بيع الهرة و هو المنصوص في غير واحد من الروايات (5) و نسبه في موضع من التذكرة إلي علمائنا (6)، بخلاف القرد، لأن المصلحة المقصودة منه - و هو حفظ المتاع - نادر. *

***** (هامش) *****

(1) مثل قوله تعالي: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض) * النساء: 28.

(2) مثل عمومات الصلح و العقود و الهبة المعوضة.

(3) أي علي بعض هذه المنافع، راجع الوسائل 3: 256، الباب 5 من أبواب لباس المصلي.

(4) لم نقف فيها إلا علي العبارة التالية: «لحم المذكي مما لا يؤكل لحمه لا يصح بيعه، لعدم الانتفاع به في غير الأكل المحرم و لو فرض له نفع ما فكذلك، لعدم اعتباره في نظر الشرع» انظر التذكرة 1: 464.

(5) الوسائل 12: 83، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3 و المستدرك 13: 90، الباب 12 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3، عن دعائم الإسلام.

(6) التذكرة 1: 464. (*)

*****ص 161*****

ثم اعلم أن عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة إلي خسة الشيء - كما ذكر من الأمثلة في عبارة المبسوط (1) - و اخري إلي قلته، كجزء يسير من المال لا

يبذل في مقابله مال، كحبة حنطة و الفرق: أن الأول لا يملك و لا يدخل تحت اليد - كما عرفت من التذكرة (2) - بخلاف الثاني فإنه يملك و لو غصبه غاصب كان عليه مثله إن كان مثليا، خلافا للتذكرة فلم يوجب شيئا (3) كغير المثلي و ضعفه بعض بأن اللازم حينئذ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا (4) و يمكن أن يلتزم فيه بما يلتزم في غير المثلي، فافهم. ثم إن منع حق الاختصاص في القسم الأول مشكل، مع عموم قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من سبق إلي ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحق به» (5) مع عد أخذه قهرا ظلما عرفا. *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة: 155 - 156.

(2) في الصفحة: 156.

(3) التذكرة 1: 465.

(4) قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 90.

(5) عوالي اللآلي 3: 481. (*)

*****ص 163*****

النوع الرابع: ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه

اشارة

و هذا النوع و إن كان أفراده هي جميع الأعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة و الجعالة و غيرهما، إلا أ نه جرت عادة الأصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات، بل و لغير (1) ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به، كالغيبة و الكذب و نحوهما و كيف كان، فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتها، إن شاء الله تعالي، فنقول: *

***** (هامش) *****

(1) في «ش» : و غير ذلك. (*)

*****ص 165*****

المسألة الأولي

المسألة الأولي:

تدليس الماشطة المرأة التي يراد تزويجها أو الأمة التي يراد بيعها حرام بلا خلاف، كما عن الرياض (1) و عن مجمع الفائدة: الإجماع عليه (2) و كذا (3) فعل المرأة ذلك بنفسها. [ويحصل بوشم الخدود كما في المقنعة و السرائر و النهاية و عن جماعة] (4). قال في المقنعة: و كسب المواشط حلال إذا لم يغششن و لم يدلسن في عملهن، فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس و يشمن الخدود و يستعملن ما لا يجوز في شريعة الإسلام، فإن وصلن شعرهن بشعر غير الناس لم يكن بذلك بأس، انتهي و نحوه بعينه عبارة

***** (هامش) *****

(1) الرياض 1: 504.

(2) مجمع الفائدة 8: 84.

(3) كلمة «كذا» ساقطة من «ش».

(4) ما بين المعقوفتين من «ش» و في «ف» هكذا: «كما في المقنعة و النهاية و السرائر و جماعة» و لم ترد العبارة في سائر النسخ. (*)

*****ص 166*****

النهاية (1) و قال في السرائر - في عداد المحرمات - : و عمل المواشط (2) بالتدليس، بأن يشمن الخدود و يحمرنها و ينقشن بالأيدي و الأرجل و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن و ما جري مجري ذلك (3)،

انتهي و حكي نحوه عن الدروس (4) و حاشية الإرشاد (5) و في عد وشم الخدود من جملة التدليس تأمل، لأن الوشم في نفسه زينة و كذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الإنسان و وصله بشعر غيره، فإن ذلك لا مدخل له في التدليس و عدمه. إلا أن يوجه الأول بأ نه قد يكون الغرض من الوشم أن يحدث في البدن نقطة خضراء حتي يتراءي بياض سائر البدن و صفاؤه أكثر مما كان يري لولا هذه النقطة و يوجه الثاني بأن شعر غير المرأة لا يلتبس علي الشعر الأصلي للمرأة، فلا يحصل التدليس به، بخلاف شعر المرأة و كيف كان، يظهر من بعض الأخبار المنع عن الوشم و وصل الشعر *

***** (هامش) *****

(1) العبارة المنقولة موافقة لعبارة النهاية باختلاف يسير و ما في المقنعة أكثر اختلافا، انظر النهاية: 366 و المقنعة: 588.

(2) في «ف»، «ن»، «ع» و مصححة «م» : المواشطة.

(3) السرائر 2: 216 و فيه: «و ينقشن الأيدي» و كذا صحح في «ف».

(4) الدروس 3: 163.

(5) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 206. (*)

*****ص 167*****

بشعر الغير و ظاهرها المنع و لو في غير مقام التدليس. ففي مرسلة ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «دخلت ماشطة علي رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم فقال لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ قالت: يا رسول الله أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه فأنتهي عنه، قال: افعلي، فإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة، فإنها تذهب بماء الوجه و لا تصلي شعر (1) المرأة بشعر امرأة غيرها و أما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة» و في

مرسلة الفقيه: «لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطي و لا تصل شعر المرأة بشعر [امرأة] (2) غيرها و أما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل (3) بشعر المرأة» (4) و عن معاني الأخبار بسنده عن علي بن غراب، عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهما، قال: «لعن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم النامصة و المنتمصة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة». قال الصدوق: «قال علي بن غراب: النامصة التي تنتف الشعر، *

***** (هامش) *****

(1) في المصادر الحديثية:

«وَ لَا تَصِلِي الشَّعْرَ بِالشَّعْرِ»

و بهذه الجملة تتم المرسلة، انظر الوسائل 12: 94، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و الظاهر حصول الخلط بين ذيل هذه المرسلة و ذيل المرسلة الآتية عن الفقيه.

(2) الزيادة من المصدر.

(3) في الوسائل: توصله.

(4) الفقيه 3: 162، الحديث 3591 و الوسائل 12: 95، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6. (*)

*****ص 168*****

و المنتمصة: التي يفعل ذلك بها و الواشرة: التي تشر أسنان المرأة و الموتشرة: التي يفعل ذلك بها و الواصلة: التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و المستوصلة: التي يفعل ذلك بها و الواشمة: التي تشم في يد المرأة أو في شيء من بدنها و هو أن تغرز بدنها أو ظهر كفها بإبرة حتي تؤثر فيه، ثم تحشوها بالكحل أو شيء من النورة فتخضر و المستوشمة: التي يفعل بها ذلك» (1) و ظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل و لو بشعر غير المرأة، مثل ما عن عبد الله بن الحسن، قال: «سألته عن القرامل، قال: و ما القرامل؟ قلت: صوف تجعله النساء في

رؤوسهن، قال: إن كان صوفا فلا بأس و إن كان شعرا فلا خير فيه - من الواصلة و المستوصلة - » (2) و ظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقا، ففي رواية سعد الإسكاف، قال: «سئل أبو جعفر عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن، قال: لا بأس علي المرأة بما تزينت به لزوجها. قلت له: بلغنا أن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم لعن الواصلة و المستوصلة، فقال: ليس هناك، إنما لعن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم الواصلة التي تزني في شبابها فإذا كبرت قادت النساء إلي الرجال، فتلك الواصلة» (3). *

***** (هامش) *****

(1) معاني الأخبار: 250، مع اختلاف، الوسائل 12: 95، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(2) الوسائل 12: 94، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 و فيه بدل «المستوصلة» - في آخر الحديث - : «الموصولة».

(3) الوسائل 12: 94، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3 و فيه أيضا بدل «المستوصلة» - في أول الحديث - : «الموصولة». (*)

*****ص 169*****

و يمكن الجمع بين الأخبار بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر - كما في رواية عبد الله بن الحسن - و شدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة و عن الخلاف و المنتهي: الإجماع علي أ نه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان أو امرأة (1) و أما ما عدا الوصل - مما ذكر في رواية معاني الأخبار - فيمكن حملها (2) أيضا علي الكراهة، لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة، خصوصا مع صرف الإمام للنبوي - الواردة في الواصلة - عن ظاهره، المتحد سياقا مع سائر

ما ذكر في النبوي و لعله أولي من تخصيص عموم الرخصة بهذه الامور. مع أ نه لولا الصرف لكان الواجب إما تخصيص الشعر بشعر المرأة، أو تقييده بما إذا كان هو أو أحد (3) أخواته في مقام التدليس، فلا دليل علي تحريمها في غير مقام التدليس - كفعل المرأة المزوجة ذلك لزوجها - خصوصا بملاحظة ما في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام : «عن المرأة تحف الشعر عن وجهها، قال: لا بأس» (4).

***** (هامش) *****

(1) الخلاف 1: 492، كتاب الصلاة، المسألة 234، المنتهي 1: 184.

(2) كذا في النسخ و المناسب: حمله.

(3) كذا في النسخ و المناسب: إحدي.

(4) الوسائل 12: 95، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8 و فيه: من وجهها. (*)

*****ص 170*****

و هذه أيضا قرينة علي صرف إطلاق لعن النامصة (1) في النبوي عن ظاهره، بإرادة التدليس، أو الحمل علي الكراهة. نعم، قد يشكل الأمر في وشم الأطفال، من حيث إنه إيذاء لهم بغير مصلحة، بناء علي أن لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة إلا التدليس بإظهار شدة بياض البدن و صفائه، بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن. لكن الإنصاف، أن كون ذلك تدليسا مشكل، بل ممنوع، بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة، فهو تزيين، لا موهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء. نعم، مثل نقش الأيدي و الأرجل بالسواد يمكن أن يكون الغالب فيه إرادة إ يهام بياض البدن و صفائه و مثله الخط الأسود فوق الحاجبين، أو وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما. ثم إن التدليس بما ذكرنا إنما يحصل بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري و إن علما أن هذا

البياض و الصفاء ليس واقعيا، بل حدث بواسطة هذه الامور، فلا يقال: إنها ليست بتدليس، لعدم خفاء أثرها علي الناظر و حينئذ فينبغي أن يعد من التدليس لبس المرأة أو الأمة الثياب الحمر أو الخضر الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه و الله العالم. *

***** (هامش) *****

(1) شطب في «ف» علي عبارة «لعن النامصة» و كتب في هامشه: اللعن. (*)

*****ص 171*****

ثم إن المرسلة - المتقدمة عن الفقيه (1) - دلت علي كراهة كسب الماشطة مع شرط الاجرة المعينة و حكي الفتوي به (2) عن المقنع و غيره (3) و المراد بقوله عليه السلام : «إذا قبلت ما تعطي» (4) البناء علي ذلك حين العمل و إلا فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته. ثم إن أولوية قبول ما يعطي و عدم مطالبة الزائد:

إما لأن الغالب عدم نقص ما تعطي عن اجرة مثل العمل، إلا أن مثل الماشطة و الحجام و الختان - و نحوهم - كثيرا ما يتوقعون أزيد مما يستحقون - خصوصا من اولي المروءة و الثروة - و ربما يبادرون إلي هتك العرض إذا منعوا و لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة - أو بعضه - إلا استحياء و صيانة للعرض و هذا لا يخلو عن شبهة، فامروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون و ترك مطالبة الزائد، فلا ينافي ذلك جواز مطالبة الزائد و الامتناع عن قبول ما يعطي إذا اتفق كونه دون اجرة المثل و إما لأن المشارطة في مثل هذه الامور لا يليق بشأن كثير من *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة: 167.

(2) ظاهر العبارة: رجوع الضمير إلي «الكراهة» - بعد الإغماض عن الإشكال في تذكير الضمير - لكن الذي

وقفنا عليه في المقنع هو الفتوي بمضمون المرسلة، من دون إشارة إلي الكراهة المستفادة من مفهومها، فيحتمل أن يكون الضمير راجعا إلي «المرسلة» بتقدير المضاف، أي افتي بمضمون المرسلة، فلاحظ.

(3) انظر المقنع (الجوامع الفقهية) : 30 و الهداية (الجوامع الفقهية) : 62.

(4) لفظ الحديث: «إِذَا لَمْ تُشَارِطْ وَ قَبِلَتْ مَا تُعْطَي». (*)

*****ص 172*****

الأشخاص، لأن المماكسة فيها خلاف المروءة و المسامحة فيها قد لا تكون مصلحة، لكثرة طمع هذه الأصناف، فامروا بترك المشارطة و الإقدام علي العمل بأقل ما يعطي و قبوله و ترك مطالبة الزائد مستحب للعامل و إن وجب علي من عمل له إيفاء تمام ما يستحقه من اجرة المثل، فهو مكلف وجوبا بالإيفاء و العامل مكلف ندبا بالسكوت و ترك المطالبة، خصوصا علي ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء. أو (1) لأن الأولي في حق العامل قصد التبرع بالعمل و قبول ما يعطي علي وجه التبرع أيضا، فلا ينافي ذلك ما ورد من قوله عليه السلام : «لا تستعملن أجيرا حتي تقاطعه» (2). *

***** (هامش) *****

(1) عطف علي قوله: «إما».

(2) لم نعثر علي خبر باللفظ المذكور، نعم، ورد مؤداه في الوسائل 13: 245، الباب 3 من أحكام الإجارة. (*)

*****ص 173*****

المسألة الثانية

المسألة الثانية:

تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب، حرام، لما ثبت في محله من حرمتهما علي الرجال و ما يختص بالنساء من اللباس - كالسوار و الخلخال و الثياب المختصة بهن في العادات - علي ما ذكره في المسالك (1) و كذا العكس، أعني تزيين المرأة بما يختص بالرجال - كالمنطقة و العمامة - و يختلف باختلاف العادات و اعترف غير واحد بعدم العثور علي دليل لهذا الحكم (2) عدا

النبوي المشهور، المحكي عن الكافي و العلل: «لعن الله المتشبهين من *

***** (هامش) *****

(1) المسالك 1: 130.

(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 85، إلا أ نه قال: «و لعل دليله الإجماع وأ نه نوع غش»، ثم قال: «و الإجماع غير ظاهر - فيما قيل - و كذا كونه غشا» و لم يتعرض للنبوي و منهم المحدث البحراني في الحدائق 18: 198 و حكاه في مفتاح الكرامة (4: 60) عن الكفاية، لكن لم نعثر عليه في كفاية الأحكام للسبزواري. (*)

*****ص 174*****

الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال» (1) و في دلالته قصور، لأن الظاهر من التشبه (2) تا نث الذكر و تذكر الانثي، لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه و يؤيده المحكي عن العلل: أن عليا عليه السلام رأي رجلا به تأنيث (3) في مسجد رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم فقال له: «اخرج من مسجد رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم فإني سمعت رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم يقول: لعن الله … الخ» (4) و في رواية يعقوب بن جعفر - الواردة في المساحقة - : أن «فيهن قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء … الخ» (5) و في رواية أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام : «لعن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و هم:

المخنثون و اللائي ينكحن بعضهن بعضا» (6). *

***** (هامش) *****

(1) الكافي 8: 71، الحديث 27، علل الشرائع: 602، الحديث 63، الوسائل

12: 211، الباب 87 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 2.

(2) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: التشبيه.

(3) كذا في «ف» و المصدر و في سائر النسخ: تا نث.

(4) ليس هذا حديثا آخر - كما يوهمه ظاهر العبارة - بل هو قسم آخر من الحديث المحكي عن العلل آنفا.

(5) الوسائل 14: 262، الباب 24 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 5.

(6) المصدر السابق: الحديث 6. (*)

*****ص 175*****

نعم في (1) رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام : «عن الرجل يجر ثيابه؟ قال: إني لأكره أن يتشبه بالنساء» (2) و عنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : «كان رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء و ينهي المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها» (3) و فيهما (4) خصوصا الأولي - بقرينة المورد - ظهور في الكراهة، فالحكم المذكور لا يخلو عن إشكال. ثم الخنثي يجب عليها ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة - كما صرح به جماعة (5) - [لأنها يحرم عليها لباس مخالفها في الذكورة و الانوثة و هو مردد بين اللبسين، فتجتنب عنهما مقدمة] (6) لأنهما له (7) من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة أحدهما و يشكل - بناء علي كون مدرك الحكم حرمة التشبه - بأن الظاهر *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و في سائر النسخ: «و في» بدل «نعم في».

(2) الوسائل 3: 354، الباب 13 من أبواب أحكام الملابس، الحديث الأول.

(3) المصدر السابق، الحديث 2.

(4) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: فيها.

(5) منهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 60 و حكاه

صاحب الجواهر عن شرح استاذه و استجوده، راجع الجواهر 22: 116.

(6) وردت العبارة في «ش» بعنوان نسخة بدل و وردت في سائر النسخ مع اختلاف في بعض الضمائر و الأفعال من حيث التذكير و التأنيث و في بعضها عليها علامة (خ ل) و كلها لا تخلو عن مسامحة.

(7) لم ترد في «ش» و المناسب: لها. (*)

*****ص 176*****

من (1) «التشبه» صورة علم المتشبه. *

***** (هامش) *****

(1) في أكثر النسخ: عن. (*)

*****ص 177*****

المسألة الثالثة

المسألة الثالثة:

التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة - و هو كما في جامع المقاصد:

ذكر محاسنها و إظهار شدة (1) حبها بالشعر (2) - حرام علي ما عن المبسوط (3) و جماعة، كالفاضلين (4) و الشهيدين (5) و المحقق الثاني (6) و استدل عليه بلزوم تفضيحها و هتك حرمتها و إيذائها و إغراء الفساق بها و إدخال النقص عليها و علي أهلها (7) و لذا لا ترضي النفوس *

***** (هامش) *****

(1) علي كلمة «شدة» علامة نسخة بدل في بعض النسخ: لكنها موجودة في المصدر.

(2) جامع المقاصد 4: 28.

(3) المبسوط 8: 228.

(4) المحقق في الشرائع 4: 128، العلامة في التذكرة 1: 582 و التحرير 1: 161 و غيرهما.

(5) الأول في الدروس 3: 163 و الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 323.

(6) جامع المقاصد 4: 28.

(7) لم نقف علي من استدل بجميع الفقرات المذكورة، نعم استدل الشهيد الثاني

*****ص 178*****

الأبية ذوات الغيرة و الحمية أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم و أخواتهم، بل البعيدات من قراباتهم و الإنصاف، أن هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم، مع كونه (1) أخص من المدعي، إذ قد لا يتحقق شيء من المذكورات في التشبيب، بل و أعم منه من وجه، فإن التشبيب بالزوجة

قد يوجب أكثر المذكورات و يمكن أن يستدل عليه بما سيجئ من عمومات حرمة اللهو و الباطل (2) و ما دل علي حرمة الفحشاء (3) و منافاته للعفاف المأخوذ في العدالة (4) و فحوي ما دل علي حرمة ما يوجب - و لو بعيدا - تهييج القوة *

***** (هامش) *****

= بالإيذاء و الاشتهار و الفاضل الهندي بالإيذاء و إغراء الفساق بها، انظر المسالك 2: 323 و كشف اللثام 2: 373.

(1) كذا في النسخ و المناسب: كونها، كما في مصححة «ن».

(2) تأتي في الصفحة: 288 - 290.

(3) مثل قوله تعالي: * (وينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون) * النحل: 90.

و قوله تعالي: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة … ) * النور: 19.

(4) كما هو مقتضي رواية ابن أبي يعفور: «قال: قلت لأبي عبد الله: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر و العفاف … الخ» الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول. (*)

*****ص 179*****

الشهوية بالنسبة إلي غير الحليلة، مثل: ما دل علي المنع عن النظر، لأنه سهم من سهام إبليس (1) و المنع عن الخلوة بالأجنبية، لأن ثالثهما الشيطان (2) و كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتي يبرد المكان (3) و برجحان التستر عن نساء أهل الذمة، لأنهن يصفن لأزواجهن (4) و التستر عن الصبي المميز الذي يصف ما يري (5) و النهي في الكتاب العزيز عن أن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض (6) و عن أن يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن (7).

*

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 14: 138، الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث 1 و 5.

(2) الوسائل 13: 281، الباب 31 من أبواب أحكام الإجارة.

(3) الوسائل 14: 185، الباب 145 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

(4) الوسائل 14: 133، الباب 98 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث الأول.

(5) الوسائل 14: 172، الباب 130 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث 2.

(6) في قوله تعالي: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض و قلن قولا معروفا) * الأحزاب: 32.

(7) في قوله تعالي: * ( … و لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن … ) * النور: 31. (*)

*****ص 180*****

إلي غير ذلك من المحرمات و المكروهات التي يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة (1) بما يهيج الشهوة عليها، خصوصا ذات البعل التي لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول: «رب راغب فيك». نعم، لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد - بل مطلق من يراد تزويجها - لم يكن بعيدا، لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها و المسألة غير صافية عن الاشتباه و الإشكال. ثم إن المحكي عن المبسوط و جماعة (2) : جواز التشبيب بالحليلة، بزيادة الكراهة عن المبسوط (3) و ظاهر الكل جواز التشبيب بالمرأة المبهمة، بأن يتخيل امرأة و يتشبب بها و أما المعروفة عند القائل دون السامع - سواء علم السامع إجمالا بقصد معينة أم لا - ففيه إشكال و في جامع المقاصد - كما عن الحواشي (4) - الحرمة في الصورة الأولي (5) و فيه إشكال، من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم و كذا إذا

لم يكن هنا سامع. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و ظاهر «خ» و في سائر النسخ: المحرمة.

(2) مثل المحقق في ظاهر الشرائع 4: 128 و الشهيد في ظاهر الدروس 3: 163 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 28.

(3) المبسوط 8: 228.

(4) نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 69) عن حواشي الشهيد قدس سره.

(5) جامع المقاصد 4: 28. (*)

*****ص 181*****

و أما اعتبار الإيمان، فاختاره في القواعد و التذكرة (1) و تبعه بعض الأساطين (2) لعدم احترام غير المؤمنة و في جامع المقاصد - كما عن غيره - حرمة التشبيب بنساء أهل الخلاف و أهل الذمة، لفحوي حرمة النظر إليهن (3) و نقض بحرمة النظر إلي نساء أهل الحرب، مع أ نه صرح بجواز التشبيب بهن و المسألة مشكلة، من جهة الاشتباه في مدرك أصل الحكم و كيف كان، فإذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع، كما صرح به في جامع المقاصد (4) و أما التشبيب بالغلام، فهو محرم علي كل حال - كما عن الشهيدين (5) و المحقق الثاني (6) و كاشف اللثام (7) - ، لأنه فحش محض، فيشتمل علي الإغراء بالقبيح. *

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 121، التذكرة 1: 582.

(2) و هو كاشف الغطاء قدس سره في شرحه علي القواعد (مخطوط) : 21.

(3) جامع المقاصد 4: 28 و تستفاد من عبارة الشهيد في الدروس حيث استثني من حرمة التشبيب نساء أهل الحرب، انظر الدروس 3: 163 و أشار إلي ذلك في مفتاح الكرامة 4: 68.

(4) المصدر المتقدم.

(5) الأول في الدروس 3: 163 و الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 323.

(6) جامع المقاصد 4: 28.

(7) كشف اللثام 2:

373. (*)

*****ص 182*****

و عن المفاتيح: أن في إطلاق الحكم نظرا (1) و الله العالم. *

***** (هامش) *****

(1) مفاتيح الشرائع 2: 20. (*)

*****ص 183*****

المسألة الرابعة

المسألة الرابعة:

تصوير صور ذوات الأرواح حرام - إذا كانت الصورة مجسمة - بلا خلاف فتوي و نصا و كذا مع عدم التجسم (1)، وفاقا لظاهر النهاية (2) و صريح السرائر (3) و المحكي عن حواشي الشهيد (4) و الميسية (5) و المسالك (6) و إيضاح النافع (7) و الكفاية (8) و مجمع البرهان (9) و غيرهم (10)، للروايات المستفيضة: *

***** (هامش) *****

(1) ظاهر «ف» : التجسيم.

(2) النهاية: 363.

(3) السرائر 2: 215.

(4) لا يوجد لدينا و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 48.

(5) لا يوجد لدينا و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 48.

(6) المسالك 3: 126.

(7) لا يوجد لدينا و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 48.

(8) كفاية الأحكام:

85.

(9) مجمع الفائدة 8: 55.

(10) مثل القاضي في المهذب 1: 344. (*)

ص184

مثل قوله عليه السلام : «نهي أن ينقش شيء من الحيوان علي الخاتم» (1) و قوله عليه السلام : «نهي عن تزويق البيوت، قلت: و ما تزويق البيوت؟ قال: تصاوير التماثيل» (2) و المتقدم عن تحف العقول: «و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني» (3) و قوله عليه السلام في عدة أخبار: «من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ» (4) و قد يستظهر اختصاصها بالمجسمة، من حيث إن نفخ الروح لا يكون إلا في الجسم و إرادة تجسيم (5) النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف الظاهر و فيه: أن النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله، بل بدونها

- كما في أمر الإمام عليه السلام الأسد المنقوش علي البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة (6) - أو بملاحظة لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 221، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(2) الوسائل 3: 560، الباب 3 من أبواب المساكن، الحديث الأول.

(3) تقدم في أول الكتاب.

(4) الوسائل 12: 220، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، الأحايث 6 - 9.

(5) في بعض النسخ: تجسم.

(6) أمالي الصدوق 1: 127، المجلس 29، الحديث 19 و عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 96، الباب 8، الحديث الأول. (*)

*****ص 185*****

لطيفة من الصبغ و الحاصل، أن مثل هذا لا يعد قرينة - عرفا - علي تخصيص الصورة (1) بالمجسم (2) و أظهر من الكل، صحيحة ابن مسلم:

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ قال: لا بأس ما لم يكن شيئا (3) من الحيوان» (4)، فإن ذكر الشمس و القمر قرينة علي إرادة مجرد النقش و مثل قوله عليه السلام : «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام» (5). فإن «المثال» و «التصوير» مترادفان - علي ما حكاه كاشف اللثام عن أهل اللغة (6) -. مع أن الشائع من التصوير و المطلوب منه، هي الصور المنقوشة علي أشكال الرجال و النساء و الطيور و السباع، دون الأجسام المصنوعة علي تلك الأشكال و يؤيده أن الظاهر أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق في إبداع الحيوانات و أعضائها علي الأشكال المطبوعة، التي يعجز البشر عن نقشها علي ما هي عليه، فضلا عن اختراعها و لذا منع *

***** (هامش) *****

(1) في «ع»، «ص»

: الصور.

(2) في «ف» : بالجسم.

(3) كذا في «ش» و المصدر و في سائر النسخ: شيء.

(4) الوسائل 12: 220، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(5) الوسائل 2: 868، الباب 43 من أبواب الدفن، الحديث الأول.

(6) كشف اللثام 1: 199. (*)

*****ص 186*****

بعض الأساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك (1) و من المعلوم أن المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة، فالتشبه إنما يحصل بالنقش و التشكيل، لا غير و من هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح، فإن صور غيرها كثيرا ما تحصل بفعل الإنسان للدواعي الاخر غير قصد التصوير و لا يحصل به تشبه بحضرة المبدع - تعالي عن التشبيه (2) - بل كل ما يصنعه الإنسان من التصرف في الأجسام فيقع (3) علي شكل واحد من مخلوقات الله تعالي و لذا قال كاشف اللثام - علي ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل علي التماثيل - : إنه لو عمت الكراهة لتماثيل ذي الروح و غيرها كرهت الثياب ذوات الأعلام، لشبه الأعلام بالأخشاب و القصبات و نحوها و الثياب المحشوة، لشبه طرائقها المخيطة بها، بل الثياب قاطبة، لشبه خيوطها بالأخشاب و نحوها (4)، انتهي و إن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجئ. هذا و لكن العمدة في اختصاص الحكم بذوات الأرواح أصالة الإباحة، مضافا إلي ما دل علي الرخصة، مثل صحيحة ابن مسلم *

***** (هامش) *****

(1) و هو كاشف الغطاء في شرحه علي القواعد:

12.

(2) كذا في النسخ و في مصححة «ن» : الشبيه.

(3) في مصححة «ن» : يقع.

(4) كشف اللثام 1: 194. (*)

*****ص 187*****

- السابقة (1) - و رواية التحف - المتقدمة -

و ما ورد في تفسير قوله تعالي: * (يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل) * (2) من قوله عليه السلام : «و الله ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها تماثيل (3) الشجر و شبهه» (4) و الظاهر، شمولها للمجسم (5) و غيره، فبها يقيد بعض ما مر من الإطلاق. خلافا لظاهر جماعة، حيث إنهم بين من يحكي عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح و لو لم يكن مجسما (6)، لبعض الإطلاقات - اللازم تقييدها بما تقدم - مثل قوله عليه السلام : «نهي عن تزويق البيوت» (7) و قوله عليه السلام : «من مثل مثالا … الخ» (8) و بين من عبر بالتماثيل المجسمة (9)، بناء علي شمول «التمثال» لغير الحيوان - كما هو كذلك - فخص الحكم بالمجسم، لأن المتيقن من المقيدات *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة 185.

(2) سبأ: 13.

(3) لم ترد «تماثيل» في المصادر الحديثية.

(4) الوسائل 12: 220، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(5) كذا في «ش» و في سائر النسخ: للجسم.

(6) يستفاد التعميم من إطلاق كلام الحلبي في الكافي: 281 و ابن البراج في المهذب 1: 344.

(7) تقدم في الصفحة: 184.

(8) تقدم في الصفحة: 185.

(9) مثل المفيد في المقنعة: 587 و الشيخ في النهاية: 363. (*)

*****ص 188*****

للإطلاقات و الظاهر منها - بحكم غلبة الاستعمال و الوجود - : النقوش لا غير و فيه: أن هذا الظهور لو اعتبر لسقط (1) الإطلاقات عن نهوضها لإثبات حرمة المجسم، فتعين حملها (2) علي الكراهة، دون التخصيص بالمجسمة و بالجملة، «التمثال» في الإطلاقات المانعة - مثل قوله: «من مثل مثالا» - إن كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم،

كان كذلك في الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان، كرواية تحف العقول و صحيحة ابن مسلم (3) و ما في تفسير الآية (4). فدعوي ظهور الإطلاقات المانعة في العموم و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش تحكم. ثم إنه لو عممنا الحكم لغير الحيوان مطلقا أو مع التجسم، فالظاهر أن المراد به ما كان مخلوقا لله سبحانه علي هيئة خاصة معجبة للناظر، علي وجه تميل النفس إلي مشاهدة صورتها المجردة عن المادة أو معها، فمثل تمثال السيف و الرمح و القصور و الأبنية و السفن مما هو مصنوع للعباد - و إن كانت في هيئة حسنة معجبة - خارج و كذا مثل تمثال القصبات و الأخشاب و الجبال و الشطوط مما خلق (5) الله لا علي هيئة معجبة للناظر

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : سقط.

(2) في هامش «ف» زيادة: عند هذا القائل.

(3) راجع الصفحة: 185.

(4) تقدم في الصفحة السابقة.

(5) في «ش» : خلقه الله. (*)

*****ص 189*****

- بحيث تميل النفس إلي مشاهدتها و لو بالصور الحاكية لها - ، لعدم شمول الأدلة لذلك كله. هذا كله مع قصد الحكاية و التمثيل، فلو دعت الحاجة إلي عمل شيء يكون شبيها بشئ من خلق الله - و لو كان حيوانا - من غير قصد الحكاية، فلا بأس قطعا و منه يظهر النظر في ما تقدم عن كاشف اللثام (1). ثم إن المرجع في «الصورة» إلي العرف، فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الأعضاء و ليس في ما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها أو كسر رأسها (2) دلالة علي جواز تصوير الناقص و لو صور بعض أجزاء الحيوان ففي حرمته نظر، بل منع و عليه، فلو صور نصف الحيوان من

رأسه إلي وسطه، فإن قدر الباقي موجودا - بأن فرضه إنسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه - حرم و إن قصد النصف لا غير لم يحرم إلا مع صدق الحيوان علي هذا النصف و لو بدا له في إتمامه حرم الإتمام، لصدق التصوير بإكمال الصورة، لأنه إيجاد لها و لو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما، حتي لو بدا له في إتمامه و هل يكون ما فعل حراما من حيث التصوير، أو لا يحرم إلا من حيث التجري؟ وجهان: من أ نه لم يقع إلا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه، *

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة: 186.

(2) الوسائل 3: 462، الباب 32 من أبواب مكان المصلي. (*)

*****ص 190*****

و من أن معني حرمة الفعل عرفا ليس إلا حرمة الاشتغال به عمدا، فلا تراعي الحرمة بإتمام العمل و الفرق بين فعل الواجب - المتوقف استحقاق الثواب علي إتمامه - و بين الحرام، هو قضاء العرف، فتأمل. بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور و عدمه. فالمحكي عن شرح الإرشاد - للمحقق الأردبيلي - أن المستفاد من الأخبار الصحيحة و أقوال الأصحاب: عدم حرمة إبقاء الصور، انتهي و قرره الحاكي علي هذه الاستفادة

(1) و ممن اعترف بعدم الدليل علي الحرمة، المحقق الثاني - في جامع المقاصد - مفرعا علي ذلك جواز بيع الصور المعمولة و عدم لحوقها بآلات اللهو و القمار و أواني النقدين

(2) و صرح في حاشية الإرشاد بجواز النظر إليها

(3). لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل و ابتياعها. ففي المقنعة - بعد أن ذكر في ما يحرم الاكتساب به الخمر و صناعتها و بيعها - قال: و عمل الأصنام و الصلبان

و التماثيل المجسمة *

***** (هامش) *****

(1) حكاه في مفتاح الكرامة (4: 49) عن مجمع الفائدة في باب لباس المصلي و الموجود فيه قوله: «و يفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة» من دون نسبة إلي الأصحاب، انظر مجمع الفائدة 2: 93.

(2) جامع المقاصد 4: 16.

(3) حاشية الإرشاد:

206. (*)

*****ص 191*****

و الشطرنج و النرد و ما أشبه ذلك - حرام و بيعه و ابتياعه حرام (1)، انتهي و في النهاية: و عمل الأصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة و الصور و الشطرنج و النرد و سائر أنواع القمار - حتي لعب الصبيان بالجوز - و التجارة فيها و التصرف فيها و التكسب بها محظور (2)، انتهي و نحوها ظاهر السرائر (3) و يمكن أن يستدل للحرمة - مضافا إلي أن الظاهر من تحريم عمل الشيء مبغوضية وجود المعمول ابتداء و استدامة - بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله عليه السلام : «لا بأس ما لم يكن حيوانا» (4)، بناء علي أن الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها العام البلوي و هو «الاقتناء» و أما نفس الإيجاد فهو عمل مختص بالنقاش، ألا تري أ نه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة، أو عن العصير فأجاب بالإباحة، انصرف الذهن إلي شربهما، دون صنعتهما، بل ما نحن فيه أولي بالانصراف، لأن صنعة العصير و الخمر يقع من كل أحد، بخلاف صنعة التماثيل و بما (5) تقدم من الحصر في قوله عليه السلام - في رواية تحف العقول - : *

***** (هامش) *****

(1) المقنعة: 587.

(2) النهاية: 363.

(3) السرائر 2: 215.

(4) تقدمت في الصفحة: 185، بلفظ «لا بأس ما لم يكن شيئا

من الحيوان».

(5) عطف علي قوله: و يمكن أن يستدل للحرمة. (*)

*****ص 192*****

«إنما حرم الله الصناعة التي يجئ منها الفساد محضا و لا يكون منه و فيه شيء من وجوه الصلاح [إلي قوله عليه السلام : يحرم جميع التقلب فيه» ] (1)، فإن ظاهره أن كل ما يحرم صنعته - و منها (2) التصاوير - يجئ منها (3) الفساد محضا، فيحرم جميع التقلب فيه بمقتضي ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة و بالنبوي: «لا تدع صورة إلا محوتها و لا كلبا إلا قتلته» (4)، بناء علي إرادة الكلب الهراش المؤذي، الذي يحرم اقتناؤه و ما عن قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟ قال: لا» (5) و بما ورد في إنكار أن المعمول لسليمان علي نبينا و آله و عليه السلام هي تماثيل الرجال و النساء (6)، فإن الإنكار إنما يرجع إلي مشيئة (7) سليمان للمعمول *

***** (هامش) *****

(1) لم يرد ما بين المعقوفتين في «ش» و في «ن» عليه علامة (ز) أي زائد و وردت في نسخة «ف» في الهامش.

(2) و (3) كذا في النسخ - في الموضعين - و المناسب: منه.

(4) الوسائل 3: 562، الباب 3 من أبواب أحكام المساكن، الحديث 8 و فيه: قال أمير المؤمنين عليه السلام : بعثني رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم إلي المدينة، فقال: لا تدع صورة إلا محوتها و لا قبرا إلا سويته و لا كلبا إلا قتلته.

(5) قرب الإسناد:

265، الحديث 1165 و الوسائل 12: 221، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10.

(6) الوسائل 3: 561،

الباب 3 من أبواب أحكام المساكن، الحديث 4، 6.

(7) في «ف» : إلي أن مشية. (*)

*****ص 193*****

- كما هو ظاهر الآية (1) - دون أصل العمل، فدل علي كون مشيئة وجود التمثال من المنكرات التي لا تليق بمنصب النبوة و بمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : «لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيرت رؤوسها و ترك ما سوي ذلك» (2) و رواية المثني عن أبي عبد الله عليه السلام : «أن عليا عليه السلام يكره (3) الصور في البيوت» (4) بضميمة ما ورد في رواية اخري - مروية في باب الربا: «أن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال» (5) و رواية الحلبي - المحكية عن مكارم الأخلاق - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «اهديت إلي طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر، فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر» (6). هذا و في الجميع نظر: أما الأول، فلأن الممنوع هو إيجاد الصورة و ليس وجودها مبغوضا حتي يجب رفعه. *

***** (هامش) *****

(1) سبأ: 13.

(2) الوسائل 3: 564، الباب 4 من أبواب أحكام المساكن، الحديث 3.

(3) في المصدر: كره.

(4) الوسائل 3: 561، الباب 3 من أبواب أحكام المساكن، الحديث 3.

(5) الوسائل 12: 447، الباب 15 من أبواب الربا، ذيل الحديث الأول و لفظه هكذا: «و لم يكن علي عليه السلام يكره الحلال».

(6) مكارم الأخلاق: 132 و الوسائل 3: 565، الباب 4 من أبواب أحكام المساكن، الحديث 7. (*)

*****ص 194*****

نعم، قد يفهم الملازمة من سياق الدليل أو من خارج، كما أن حرمة إيجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه، المستلزم لوجوب رفعها و أما الروايات، فالصحيحة الأولي (1) غير

ظاهرة في السؤال عن الاقتناء، لأن عمل الصور مما هو مركوز في الأذهان، حتي أن السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها، إذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله و أما الحصر في رواية تحف العقول، فهو - بقرينة الفقرة السابقة منها، الواردة في تقسيم الصناعات إلي ما يترتب عليه الحلال و الحرام و ما لا يترتب عليه إلا الحرام - إضافي بالنسبة إلي هذين القسمين، يعني لم يحرم من القسمين إلا ما ينحصر فائدته في الحرام و لا يترتب عليه إلا الفساد. نعم، يمكن أن يقال: إن الحصر وارد في مساق التعليل و إعطاء الضابطة للفرق بين الصنائع، لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور و أما النبوي، فسياقه ظاهر في الكراهة، كما يدل عليه عموم الأمر بقتل الكلاب و قوله عليه السلام في بعض هذه الروايات: «و لا قبرا إلا سويته» (2). *

***** (هامش) *****

(1) أي: صحيحة محمد بن مسلم، المتقدمة في الصفحة: 185.

(2) هذا شطر من الحديث النبوي المتقدم - كما في المصادر الحديثية - و قد أورده المؤلف قدس سره سابقا بدون هذه الفقرة و ظاهر عبارته هنا أنه شطر من حديث آخر و يحتمل - بعيدا - وقوع التحريف في العبارة، بأن يكون الصحيح: " في

*****ص 195*****

و أما رواية علي بن جعفر، فلا تدل إلا علي كراهة اللعب بالصورة و لا نمنعها، بل و لا الحرمة إذا كان اللعب علي وجه اللهو و أما ما في تفسير الآية، فظاهره رجوع الإنكار إلي مشيئة سليمان علي نبينا و آله و عليه السلام لعملهم، بمعني إذنه فيه، أو إلي تقريره لهم في العمل و أما الصحيحة (1)، فالبأس فيها محمول

علي الكراهة لأجل الصلاة أو مطلقا، مع دلالته علي جواز الاقتناء و عدم وجوب المحو و أما ما ورد من «أن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال»، فمحمول علي المباح المتساوي طرفاه، لأنه صلوات الله عليه كان يكره المكروه قطعا و أما رواية الحلبي، فلا دلالة لها علي الوجوب أصلا و لو سلم الظهور في الجميع، فهي معارضة بما هو أظهر و أكثر، مثل: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : «ربما قمت اصلي و بين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا» (2) و رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام : «عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير أو سبع، أيصلي فيه؟ قال: لا بأس» (3) و عنه، عن أخيه عليه السلام : «عن البيت فيه صورة سمكة أو طير *

***** (هامش) *****

= ذيل هذه الرواية بدل قوله: «بعض هذه الروايات».

(1) أي صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة: 193.

(2) الوسائل 3: 461، الباب 32 من أبواب مكان المصلي، الحديث 2.

(3) الوسائل 3: 463، الباب 32 من أبواب مكان المصلي، الحديث 10، باختلاف يسير. (*)

*****ص 196*****

يعبث به أهل البيت، هل يصلي فيه؟ قال: لا، حتي يقطع رأسه و يفسد» (1) و رواية أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل، قال: لا بأس به يكون في البيت. قلت: التماثيل (2) ؟ قال: كل شيء يوطأ فلا بأس به» (3) و سياق السؤال مع عموم الجواب يأبي عن تقييد الحكم بما يجوز عمله، كما لا يخفي و رواية اخري لأبي بصير، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنا نبسط عندنا الوسائد

فيها التماثيل و نفترشها (4) ؟ قال: لا بأس منها بما يبسط و يفترش و يوطأ و إنما يكره منها ما نصب علي الحائط و علي السرير» (5) و عن قرب الإسناد، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام ، قال: «سألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر و لم يعلم بها و هو يصلي في ذلك البيت، ثم علم، ما عليه؟ قال عليه السلام : ليس عليه *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 3: 463، الباب 32 من أبواب مكان المصلي، الحديث 12، مع اختلاف.

(2) كذا في «ف» و المصدر و في سائر النسخ: ما التماثيل.

(3) الوسائل 3: 564، الباب 4 من أبواب أحكام المساكن، الحديث 2.

(4) كذا في «ف» و المصدر و في «ن» و «خ» و «م» و «ع» و «ش» : نفرشها و في «ص» : نفرشها، نفترشها (خ ل).

(5) الوسائل 12: 220، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، مع اختلاف. (*)

*****ص 197*****

فيما لم يعلم شيء، فإذا علم فلينزع الستر و ليكسر رؤوس التماثيل» (1). فإن ظاهره: أن الأمر بالكسر، لأجل كون البيت مما يصلي فيه و لذلك لم يأمر عليه السلام بتغيير ما علي الستر و اكتفي بنزعه و منه يظهر أن ثبوت البأس في صحيحة زرارة - السابقة (2) - مع عدم تغيير الرؤوس إنما هو لأجل الصلاة و كيف كان، فالمستفاد من جميع ما ورد من الأخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الذي فيه التماثيل إلا (3) إذا غيرت، أو كانت بعين واحدة، أو القي عليها ثوب (4) جواز اتخاذها و عمومها يشمل المجسمة و غيرها و يؤيد الكراهة: الجمع بين اقتناء

الصور و التماثيل في البيت و اقتناء الكلب و الإناء المجتمع فيه البول في الأخبار الكثيرة: مثل ما روي عنهم عليهم السلام - مستفيضا - عن جبرئيل علي نبينا و آله و عليه السلام : «أنا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان و لا بيتا يبال فيه و لا بيتا فيه كلب» (5). *

***** (هامش) *****

(1) قرب الإسناد:

186، الحديث 692 و الوسائل 3: 321، الباب 45 من أبواب لباس المصلي، الحديث 20.

(2) تقدمت في الصفحة: 193.

(3) «إلا» من «ش» و مصححة «ن».

(4) انظر الوسائل 3: 317، الباب 45 من أبواب لباس المصلي و 461، الباب 32 من أبواب مكان المصلي.

(5) الوسائل 3: 465، الباب 33 من أبواب مكان المصلي، الحديث 3. (*)

*****ص 198*****

و في بعض الأخبار إضافة الجنب إليها (1) و الله العالم بأحكامه.

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 3: 465، الباب 33 من أبواب مكان المصلي، الحديث 6. (*)

*****ص 199*****

المسألة الخامسة

المسألة الخامسة:

التطفيف حرام، ذكره في القواعد في المكاسب (1) و لعله استطراد، أو المراد اتخاذه كسبا، بأن ينصب نفسه كيالا أو و زانا، فيطفف للبائع و كيف كان، فلا إشكال في حرمته و يدل عليه (2) الأدلة الأربعة. ثم إن البخس في العد و الذرع يلحق به حكما و إن خرج عن موضوعه و لو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما: فإن جرت المعاوضة علي الوزن المعلوم الكلي، فيدفع الموزون علي أنه بذلك الوزن، اشتغلت ذمته بما نقص و إن جرت علي الموزون المعين باعتقاد المشتري أنه بذلك الوزن، فسدت المعاوضة في الجميع، للزوم الربا و لو جرت عليه علي أنه بذلك الوزن، بجعل (3) ذلك عنوانا للعوض *

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 121.

(2) كذا و

المناسب: عليها.

(3) كذا في «ف» و «ش» و في غيرهما: يجعل. (*)

*****ص 200*****

فحصل الاختلاف بين العنوان و المشار إليه، لم يبعد الصحة و يمكن ابتناؤه علي أن لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض أم لا؟ فعلي الأول يصح، دون الثاني.

*****ص 201*****

المسألة السادسة

المسألة السادسة:

التنجيم حرام و هو - كما في جامع المقاصد (1) - الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الإتصالات الكوكبية و توضيح المطلب يتوقف علي الكلام في مقامات: الأول: الظاهر أنه لا يحرم الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية علي سير الكواكب - كالخسوف الناشئ عن حيلولة الأرض بين النيرين و الكسوف الناشئ عن حيلولة القمر أو غيره - بل يجوز الإخبار بذلك، إما جزما إذا استند إلي ما يعتقده برهانا، أو ظنا إذا استند إلي الأمارات و قد اعترف بذلك جملة ممن أنكر التنجيم، منهم السيد المرتضي و الشيخ أبو الفتح الكراجكي فيما حكي عنهما [حيث حكي عنهما] (2) *

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 4: 31.

(2) لم يرد في «ش» و «م». (*)

*****ص 202*****

- في رد الاستدلال علي إصابتهم في الأحكام بإصابتهم في الأوضاع - ما حاصله: إن الكسوفات و اقتران الكواكب و انفصالها من باب الحساب و سير الكواكب و له أصول صحيحة و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه من تأثير الكواكب في الخير و الشر و النفع و الضرر و لو لم يكن الفرق بين الأمرين (1) إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجري مجراها، فلا يكاد يبين (2) فيها خطأ و أن الخطأ الدائم المعهود إنما هو في الأحكام (3) حتي أن الصواب فيها عزيز و ما يتفق فيها من الإصابة قد يتفق من

المخمن أكثر منه [فحمل (4) أحد الأمرين علي الآخر بهت و قلة دين] (5) انتهي المحكي (6) من كلام السيد رحمه الله (7) و قد أشار إلي جواز ذلك في جامع المقاصد (8) مؤيدا ذلك بما ورد *

***** (هامش) *****

(1) عبارة «بين الأمرين» ساقطة من «ن»، «ف» و «م».

(2) في النسخ: تبين و في «خ» : يتبين و الصواب ما أثبتناه من المصدر.

(3) في «خ» و مصححة «ع» و المصدر: الأحكام الباقية.

(4) هذا جواب «لو» في قوله: «و لو لم يكن … الخ» (شرح الشهيدي).

(5) لم يرد ما بين المعقوفتين في «ف»، «ن»، «م» و في «ع»، «خ»، «ص» : « … قلة دين و حياء» و ما أثبتناه من «خ»، «ش» و المصدر.

(6) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 80.

(7) رسائل الشريف المرتضي (المجموعة الثانية) : 311 و انظر كنز الفوائد 2: 235 (نصوص مفقودة من نسخة الكتاب).

(8) جامع المقاصد 4: 32. (*)

*****ص 203*****

من كراهة السفر و التزويج (1) في برج العقرب (2). لكن ما ذكره السيد رحمه الله من الإصابة الدائمة في الإخبار عن الأوضاع محل نظر، لأن خطأهم في الحساب في غاية الكثرة و لذلك لا يجوز الاعتماد في ذلك علي عدولهم، فضلا عن فساقهم، لأن حسابهم مبتنية (3) علي امور نظرية مبتنية علي نظريات اخر، إلا فيما هو كالبديهي - مثل إخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب و انتقال الشمس من (4) برج إلي برج في هذا اليوم - و إن كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع إلي تفاوت يسير و يمكن الاعتماد في مثل ذلك علي شهادة عدلين منهم، إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين أو

نحوه. الثاني: يجوز الإخبار بحدوث (5) الأحكام عند (6) الاتصالات و الحركات المذكورة - بأن يحكم به وجود كذا في المستقبل عند الوضع (7) المعين من *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و الصواب: و التزويج و القمر في العقرب، كما في جامع المقاصد و لفظ الروايات.

(2) انظر الوسائل 14: 80، الباب 54 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه و 8: 266، الباب 11 من أبواب آداب السفر.

(3) كذا في النسخ و في مصححة «ن» : مبتن و لعل الأصح: حساباتهم مبتنية.

(4) كذا في «ف» و «ش» و في غيرهما: عن.

(5) في نسخة بدل «ع»، «ف»، «ن» : بترتيب.

(6) في «م»، «ع»، «ص» : عن الاتصالات و في «خ» : من الاتصالات.

(7) في نسخة بدل «ش» : مستندا إلي الوضع. (*)

*****ص 204*****

القرب و البعد و المقابلة و الاقتران بين الكوكبين - إذا كان علي وجه الظن المستند إلي تجربة محصلة أو منقولة في وقوع تلك الحاثة بإرادة الله عند الوضع الخاص، من دون اعتقاد ربط بينهما أصلا. بل الظاهر حينئذ جواز الإخبار علي وجه القطع إذا استند إلي تجربة قطعية، إذ لا حرج علي من حكم قطعا بالمطر في هذه الليلة، نظرا إلي ما جربه من نزول كلبه من (1) السطح إلي داخل البيت - مثلا - كما حكي: أنه اتفق ذلك لمروج هذا العلم، بل محييه «نصير الملة و الدين» حيث نزل في بعض أسفاره علي طحان، له طاحونة خارج البلد، فلما دخل منزله صعد السطح لحرارة الهواء، فقال له صاحب المنزل: انزل و نم في البيت تحفظا من المطر، فنظر المحقق إلي الأوضاع الفلكية، فلم ير شيئا فيما هو مظنة للتأثير في المطر،

فقال صاحب المنزل: إن لي كلبا ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها إلي البيت، فلم يقبل منه المحقق ذلك و بات فوق السطح، فجاءه المطر في الليل و تعجب المحقق (2). ثم إن ما سيجئ في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير هذا، أو ينصرف إلي غيره، لما عرفت من معني التنجيم. الثالث: الإخبار عن الحادثات و الحكم بها مستندا إلي تأثير الاتصالات *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ف» و في غيره: عن.

(2) وردت القضية في قصص العلماء: 374 - 375، فراجع. (*)

*****ص 205*****

المذكورة فيها بالاستقلال أو بالمدخلية و هو المصطلح عليه بالتنجيم. فظاهر الفتاوي و النصوص حرمته مؤكدة، فقد أرسل المحقق - في المعتبر - عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم أنه «من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل علي محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم» (1) و هو يدل علي حرمة حكم المنجم بأبلغ وجه و في رواية نصر بن قابوس، عن الصادق عليه السلام : «أن المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون» (2) و في نهج البلاغة: أنه صلوات الله عليه لما أراد المسير إلي بعض أسفاره، فقال له بعض أصحابه: إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك - من طريق علم النجوم - ، فقال عليه السلام له: «أتزعم أنك تهدي إلي الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء؟ و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا (3)، فقد كذب القرآن و استغني عن الاستعانة بالله تعالي في نيل المحبوب و دفع المكروه (4) … - إلي أن قال - :

أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدي به في بر أو بحر، فإنها تدعو إلي الكهانة [والمنجم كالكاهن] (5) و الكاهن (6) *

***** (هامش) *****

(1) المعتبر 2: 688.

(2) الوسائل 12: 103، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(3) في غير «ف» : بهذا القول.

(4) كذا في «ص» و المصدر و في سائر النسخ: المكروب.

(5) أثبتناه من المصدر.

(6) في «ن»، «خ»، «م»، «ع»، «ش» : فالكاهن. (*)

*****ص 206*****

كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار … الخ» (1) و قريب منه ما وقع (2) بينه و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا، فقال عليه السلام له: «أتدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم انثي؟ قال: إن حسبت علمت، قال عليه السلام : فمن صدقك بهذا القول فقد كذب بالقرآن (3) * (إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام … ) * الآية، ما كان محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم يدعي ما ادعيت، أتزعم أنك تهدي إلي الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، من صدقك [بهذا] (4) استغني [بقولك] (5) عن الاستعانة بالله في هذا الوجه و احوج إلي الرغبة إليك في دفع المكروه عنه» (6) و في رواية عبد الملك بن أعين - المروية عن الفقيه - : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني قد ابتليت بهذا العلم (7) فاريد الحاجة، فإذا نظرت إلي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها و إذا

***** (هامش) *****

(1) نهج البلاغة: 105، الخطبة 79.

(2) في «خ»، «م»، «ع»، «ص»

: ما وقع بعينه و شطب في «ن» علي «بعينه».

(3) في «ش» زيادة: قال الله.

(4) أثبتنا «بهذا» من «ع» و هامش «ن»، «ص».

(5) أثبتنا «بقولك» من هامش «ن».

(6) الوسائل 8: 269، الباب 14 من أبواب آداب السفر إلي الحج و غيره، الحديث 4، مع اختلاف.

(7) في «ش» و المصدر: «بالنظر في النجوم» بدل «بهذا العلم».

*****ص 207*****

رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة. فقال لي: تقضي؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك» (1).

و في رواية مفضل بن عمر (2) - المروية عن معاني الأخبار - في قوله تعالي: * (وإذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات) * قال: «و أما الكلمات، فمنها ما ذكرناه و منها المعرفة بقدم بارئه و توحيده و تنزيهه عن الشبيه حتي نظر إلي الكواكب و القمر و الشمس و استدل بافول كل منها علي حدوثه و بحدوثه علي محدثه، ثم أعلمه (3) أن الحكم بالنجوم خطأ» (4). ثم إن مقتضي الاستفصال في رواية عبد الملك - المتقدمة - بين القضاء بالنجوم بعد النظر و عدمه: أنه لا بأس بالنظر إذا لم يقض به بل اريد به مجرد التفؤل إن فهم الخير و التحذر بالصدقة إن فهم الشر، كما يدل عليه ما عن المحاسن، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة (5) عن سفيان بن عمر، قال: «كنت أنظر في النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت ذلك إلي *

***** (هامش) *****

(1) الفقيه 2: 267، الحديث 2402 و رواه في الوسائل 8: 268، الباب 14 من أبواب آداب السفر إلي الحج، الحديث الأول.

(2) في النسخ: «فضيل بن عمرو» و الصحيح ما أثبتناه، طبقا للمصدر.

(3) كذا في «ف» و في

مصححة «ن» : «علم» و في سائر النسخ: «أعلم» و في المصدر: «علمه».

(4) معاني الأخبار: 127، باختلاف يسير.

(5) في النسخ: «عمرو بن اذينة» و الصواب ما أثبتناه، كما في كتب الأخبار و التراجم. (*)

*****ص 208*****

أبي الحسن (1) عليه السلام فقال: إذا وقع في نفسك من ذلك (2) شيء فتصدق علي أول مسكين، ثم امض، فإن الله تعالي يدفع عنك» (3) و لو حكم بالنجوم علي جهة أن مقتضي الاتصال الفلاني و الحركة الفلانية الحادثة الواقعية و إن كان الله يمحو ما يشاء و يثبت، لم يدخل أيضا في الأخبار الناهية، لأنها ظاهرة في الحكم علي سبيل البت، كما يظهر من قوله عليه السلام : «فمن صدقك بهذا فقد استغني عن الاستعانة بالله في دفع المكروه» (4) بالصدقة و الدعاء و غيرهما من الأسباب، نظير تأثير نحوسة الأيام الواردة في الروايات، ورد نحوستها بالصدقة (5). إلا أن جوازه مبني علي جواز اعتقاد الاقتضاء في العلويات للحوادث السفلية و سيجئ إنكار المشهور لذلك و إن كان يظهر ذلك من المحدث الكاشاني (6) و لو أخبر بالحوادث بطريق جريان العادة علي وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها أصلا، فهو أسلم. *

***** (هامش) *****

(1) في المحاسن: أبي عبد الله عليه السلام.

(2) كذا في «ف» و في سائر النسخ: عن ذلك و لم يرد في المصدر.

(3) المحاسن: 349، الحديث 26 و الوسائل 8: 273، الباب 15 من أبواب آداب السفر، الحديث 3.

(4) تقدم في الصفحة: 205.

(5) الوسائل 8: 272، الباب 15 من أبواب آداب السفر.

(6) يظهر ذلك مما أفاده في بيان قول الصادق عليه السلام : «ما عظم الله بمثل البداء»، انظر الوافي، 1: 507 - 508،

الباب 50 أبواب معرفة مخلوقاته و أفعاله سبحانه. (*)

*****ص 209*****

قال في الدروس: و لو أخبر بأن الله تعالي يفعل كذا عند كذا لم يحرم و إن كره (1)، انتهي. الرابع: اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات و الربط يتصور علي وجوه: الأول: الاستقلال في التأثير بحيث يمتنع التخلف عنها، امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية و ظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا. قال السيد المرتضي رحمه الله - فيما حكي عنه - : و كيف يشتبه علي مسلم بطلان أحكام النجوم (2) ؟ و قد أجمع المسلمون قديما و حديثا علي تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذهبهم و بطلان أحكامهم و معلوم من دين الرسول ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون و الإزراء عليهم و التعجيز لهم و في الروايات عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم [من ذلك] (3) ما لا يحصي كثرة و كذا عن علماء أهل بيته و خيار أصحابه و ما اشتهر بهذه الشهرة في دين الإسلام، كيف يفتي بخلافه منتسب إلي الملة و مصل *

***** (هامش) *****

(1) الدروس 3: 165.

(2) كذا في «ش» و المصدر و في سائر النسخ: التنجيم.

(3) أثبتناه من المصدر. (*)

*****ص 210*****

إلي القبلة؟ (1)، انتهي و قال العلامة في المنتهي - بعد ما أفتي بتحريم التنجيم و تعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة، أو أن لها مدخلا في التأثير و النفع (2) - قال: و بالجملة، كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر (3)، انتهي و قال الشهيد رحمه الله في قواعده:

كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له، فلا ريب أنه كافر (4) و قال

في جامع المقاصد:

و اعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية - و لو علي جهة المدخلية - حرام و كذا تعلم النجوم علي هذا النحو، بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر، نعوذ بالله منه (5)، انتهي و قال شيخنا البهائي: ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية، إن زعموا أنها هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال، أو أ نها شريكة في التأثير (6)، فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده، *

***** (هامش) *****

(1) رسائل الشريف المرتضي (المجموعة الثانية) : 310.

(2) في المصدر: أو أن لها مدخلا في التأثر بالنفع و الضرر.

(3) المنتهي 2: 1014.

(4) القواعد و الفوائد 2: 35.

(5) جامع المقاصد 4: 32.

(6) لم يرد «التأثير» في أصل النسخ، لكنه استدرك في هامش بعضها. (*)

*****ص 211*****

و علم النجوم المبتني (1) علي هذا كفر و علي هذا حمل ما ورد من التحذير عن علم النجوم و النهي عن اعتقاد صحته (2)، انتهي و قال في البحار: لا نزاع بين الامة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم و هي الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور، فإنه يكون كافرا علي الإطلاق (3)، انتهي و عنه في موضع آخر: أن القول بأ نها علة فاعلية بالإرادة و الاختيار - و إن توقف تأثيرها علي شرائط اخر - كفر (4)، انتهي. بل ظاهر الوسائل نسبة دعوي ضرورة الدين علي بطلان التنجيم و القول بكفر معتقده إلي جميع علمائنا، حيث قال: قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم و العمل بها و بكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في التأثير و ذكروا أن بطلان ذلك من ضروريات الدين (5)،

انتهي. بل يظهر من المحكي عن ابن أبي الحديد أن الحكم كذلك عند علماء العامة أيضا، حيث قال في شرح نهج البلاغة: إن المعلوم ضرورة من الدين إبطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهي و الزجر عن تصديق المنجمين و هذا معني قول أمير المؤمنين عليه السلام : «فمن صدقك *

***** (هامش) *****

(1) في «ف»، «ن»، «خ»، «م»، «ع» : المبني.

(2) الحديقة الهلالية: 139.

(3) البحار 59: 299 - 300.

(4) البحار 58: 308.

(5) الوسائل 12: 101، في هامش عنوان الباب 24 من أبواب ما يكتسب به. (*)

*****ص 212*****

بهذا فقد كذب القرآن و استغني عن الاستعانة بالله» (1)، انتهي. ثم لا فرق في أكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور إلي إنكار الصانع جل ذكره - كما هو مذهب بعض المنجمين - و بين تعطيله تعالي عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الأجرام العلوية علي وجه تتحرك علي النحو المخصوص، سواء قيل بقدمها - كما هو مذهب بعض آخر - أم قيل بحدوثها و تفويض التدبير إليها - كما هو المحكي عن ثالث منهم - و بين أن لا يرجع إلي شيء من ذلك، بأن يعتقد أن حركة الأفلاك تابعة لإرادة الله، فهي مظاهر لإرادة الخالق تعالي و مجبولة علي الحركة علي طبق اختيار الصانع جل ذكره - كالآلة - أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين اختياره، تعالي عما يقول الظالمون! لكن ظاهر ما تقدم في بعض الأخبار - من أن المنجم بمنزلة الكاهن الذي هو بمنزلة الساحر الذي هو بمنزلة الكافر (2) - من عدا الفرق الثلاث الاول، إذ الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفار، لا بمنزلتهم و

منه يظهر: أن ما رتبه عليه السلام علي تصديق المنجم:

من كونه تكذيبا للقرآن و كونه موجبا للاستغناء عن الاستعانة بالله في جلب الخير و دفع الشر، يراد منه إبطال قوله، بكونه مستلزما لما هو في الواقع مخالف للضرورة من كذب القرآن و الاستغناء عن الله - كما هو طريقة *

***** (هامش) *****

(1) شرح نهج البلاغة 6: 212.

(2) تقدم نصه عن نهج البلاغة في الصفحة: 205. (*)

*****ص 213*****

كل مستدل: من إنهاء بطلان التالي إلي ما هو بديهي البطلان عقلا أو شرعا أو حسا أو عادة - و لا يلزم من مجرد ذلك الكفر و إنما يلزم ممن التفت إلي الملازمة و اعترف باللازم و إلا فكل من أفتي بما هو مخالف لقول الله واقعا - إما لعدم تفطنه لقول الله، أو لدلالته - يكون مكذبا للقرآن و أما قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما أنزل علي محمد» (1)، فلا يدل أيضا علي كفر المنجم و إنما يدل علي كذبه، فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب له و يدل عليه عطف «الكاهن» عليه و بالجملة، فلم يظهر من الروايات تكفير المنجم بالمعني الذي تقدم للتنجيم - في صدر عنوان المسألة - كفرا حقيقيا، فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجم إلي ملاحظة مطابقته لأحد (2) موجبات الكفر من إنكار الصانع، أو غيره مما علم من الدين بديهة و لعله لذا اقتصر الشهيد - فيما تقدم من القواعد (3) - في تكفير المنجم علي من يعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له و لم يكفر غير هذا الصنف - كما سيجئ تتمة كلامه السابق - و لا شك أن

هذا الاعتقاد إنكار، إما للصانع و إما لما هو ضروري الدين من فعله تعالي و هو إيجاد العالم و تدبيره. *

***** (هامش) *****

(1) تقدم عن المعتبر في الصفحة: 201.

(2) كذا في النسخ و المناسب: لإحدي.

(3) تقدم في الصفحة: 210. (*)

*****ص 214*****

بل الظاهر من كلام بعض (1) اصطلاح لفظ «التنجيم» في الأول، قال السيد شارح النخبة: إن المنجم من يقول بقدم الأفلاك و النجوم و لا يقولون بمفلك و لا خالق و هم فرقة من الطبيعيين يستمطرون بالأنواء (2) معدودون من فرق الكفر في مسفورات الخاصة و العامة، يعتقدون في الإنسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا، فإذا مات بطل و اضمحل و ينكرون جميع الأصول الخمسة، انتهي. ثم قال رحمه الله: و أما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات و ربما يتخرصون عليها بأحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الأقدمين - مع صحة عقائدهم الإسلامية - فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد (3)، انتهي. أقول: فيه (4) مضافا إلي عدم انحصار الكفار من المنجمين في *

***** (هامش) *****

(1) الظاهر أن المراد به السيد شارح النخبة في ظاهر كلامه الآتي.

(2) في مجمع البحرين (1: 422 - نوأ) : الأنواء و هي جمع «نوء» بفتح نون و سكون واو فهمزة و هو النجم. قال أبو عبيدة - نقلا عنه - : هي ثمانية و عشرون نجما، معروفة المطالع في أزمنة السنة - إلي أن قال - : و كانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم و طلع الآخر، قالوا: لا بد أن يكون عند ذلك رياح و مطر، فينسبون

كل غيث يكون عند ذلك إلي النجم الذي يسقط حينئذ، فيقولون: «مطرنا بنوء كذا» و انظر لسان العرب 14: 316 - نوأ.

(3) شرح النخبة للسيد عبد الله، حفيد السيد نعمة الله الجزائري (لا يوجد لدينا).

(4) في «ف» : أقول لكن فيه. (*)

*****ص 215*****

من ذكر، بل هم علي فرق ثلاث - كما أشرنا إليه و سيجئ التصريح به من البحار في مسألة السحر - : أن النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم و بطلانه هو المعني الذي ذكره أخيرا - كما عرفت من جامع المقاصد (1) - و المطاعن الواردة في الأخبار المتقدمة و غيرها - كلها أو جلها - علي هؤلاء، دون المنجم بالمعني الذي ذكره أولا و ملخص الكلام:

أن ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم، بل ظاهر ما عرفت خلافه و يؤيده ما رواه في البحار عن محمد و هارون - ابني سهل النوبختي - أنهما كتبا إلي أبي عبد الله عليه السلام : «نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا إليك هل يحل النظر فيها؟ فكتبت: نعم و المنجمون يختلفون في صفة الفلك، فبعضهم يقولون: إن الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر - إلي أن قال - : فكتب عليه السلام : نعم ما لم يخرج من التوحيد» (2). الثاني (3) : أ نها (4) تفعل الآثار المنسوبة إليها و الله سبحانه هو المؤثر الأعظم، *

***** (هامش) *****

(1) تقدم كلامه في الصفحة: 206.

(2) البحار 58: 250، الحديث 36.

(3) أي الوجه الثاني من الوجوه المتصورة في اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات.

(4) مرجع الضمير إما «النجوم» المعلوم من المقام و إما «الحركات الفلكية» المذكورة بعد قوله: الرابع. (*)

*****ص 216*****

كما

يقوله بعضهم، علي ما ذكره العلامة و غيره. قال العلامة في محكي شرح فص الياقوت (1) : اختلف قول المنجمين علي قولين، أحدهما: قول من يقول إنها حية مختارة، الثاني: قول من يقول إنها موجبة و القولان باطلان (2) و قد تقدم عن المجلسي رحمه الله: أن القول بكونها فاعلة بالإرادة و الاختيار - و إن توقف تأثيرها علي شرائط اخر - كفر (3) و هو ظاهر أكثر العبارات المتقدمة و لعل وجهه أن نسبة الأفعال التي دلت ضرورة الدين علي استنادها إلي الله تعالي - كالخلق و الرزق و الإحياء و الإماتة و غيرها - إلي غيره تعالي مخالف لضرورة الدين. لكن ظاهر شيخنا الشهيد - في القواعد - العدم، فإنه بعد ما ذكر الكلام الذي نقلناه منه سابقا، قال: و إن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و الله سبحانه هو المؤثر الأعظم فهو مخطئ، إذ لا حياة *

***** (هامش) *****

(1) قال العلامة قدس سره في مقدمة الشرح ما لفظه: «و قد صنف شيخنا الأقدم و إمامنا الأعظم، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت - قدس روحه الزكية و نفسه العلية - مختصرا سماه: الياقوت» و أورده في الذريعة (25: 271) بعنوان: الياقوت و ذكر اختلاف الأقوال في اسم مؤلفه، - إلي أن قال - : «و علي الياقوت شروح منها للعلامة اسمه: أنوار الملكوت … و منها شرح عبد الحميد المعتزلي ابن أبي الحديد، قال في الرياض: في البال أنها تسمي: فص الياقوت».

(2) أنوار الملكوت: 199.

(3) تقدم في الصفحة: 211. (*)

*****ص 217*****

لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي و لا نقلي (1)، انتهي و ظاهره أن عدم القول بذلك لعدم المقتضي له و هو الدليل،

لا لوجود المانع منه و هو انعقاد الضرورة علي خلافه، فهو ممكن غير معلوم الوقوع و لعل وجهه: أن الضروري عدم نسبة تلك الأفعال إلي فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار الله - كما هو ظاهر قول المفوضة - أما استنادها إلي الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيته و اختياره حتي يكون كالآلة بزيادة الشعور و قيام الاختيار به - بحيث يصدق: أنه فعله و فعل الله - فلا، إذ المخالف للضرورة إنكار نسبة الفعل إلي الله تعالي علي وجه الحقيقة، لا إثباته لغيره أيضا بحيث يصدق: أنه فعله. نعم، ما ذكره الشهيد رحمه الله من عدم الدليل عليه حق، فالقول به تخرص و نسبة فعل الله إلي غيره بلا دليل و هو قبيح و ما ذكره قدس سره كأن مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم، قال: «سأل الزنديق أبا عبد الله عليه السلام فقال: ما تقول في من يزعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟ قال عليه السلام : يحتاجون إلي دليل أن هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك و تدور حيث دارت متعبة (2) لا تفتر و سائرة لا تقف ثم قال: و إن لكل (3) نجم منها موكل مدبر، فهي *

***** (هامش) *****

(1) القواعد و الفوائد 2: 35.

(2) كذا في المصدر و مصححة «ف» و في «ش» : منقبة و في سائر النسخ: سبعة.

(3) كذا في «ش» و المصدر و في سائر النسخ: و إن كل نجم منها موكل مد بر. (*)

*****ص 218*****

بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلي حال … الخبر»

(1) و الظاهر، أن قوله: «بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين» يعني في حركاتهم، لا أنهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم، فهي مدبرة باختياره المنبعث عن أمر الله تعالي. نعم، ذكر المحدث الكاشاني - في الوافي - في توجيه البداء كلاما، ربما يظهر منه مخالفة المشهور، حيث قال: فاعلم أن القوي المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة، لعدم تناهي تلك الامور، بل إنما تنقش فيها الحوادث شيئا فشيئا، فإن ما يحدث في عالم الكون و الفساد إنما هو من لوازم حركات الأفلاك و نتائج بركاتها، فهي تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا (2) انتهي موضع الحاجة و ظاهره أنها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث و بالجملة، فكفر المعتتقد بالربط علي هذا الوجه الثاني لم يظهر من الأخبار و مخالفته (3) لضرورة الدين لم يثبت أيضا، إذ ليس المراد العلية التامة، كيف! و قد حاول المحدث الكاشاني بهذه المقدمات إثبات البداء. الثالث: استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلي النار. *

***** (هامش) *****

(1) الاحتجاج 2: 93 - 94.

(2) الوافي 1: 507 - 508، الباب 50 من أبواب معرفة مخلوقاته و أفعاله سبحانه.

(3) كذا في «ش» و في سائر النسخ: مخالفت ها. (*)

*****ص 219*****

و ظاهر كلمات كثير - ممن تقدم - كون هذا الاعتقاد كفرا، إلا أ نه قال شيخنا المتقدم - في القواعد - بعد الوجهين الأولين: و أما ما يقال من استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلي النار و غيرها من العاديات - بمعني أن الله تعالي أجري عادته أنها إذا كانت علي شكل مخصوص أو وضع مخصوص يفعل (1) ما ينسب إليها و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية و الأغذية بها مجازا

باعتبار الربط العادي، لا الربط العقلي الحقيقي - فهذا لا يكفر معتقده (2) لكنه مخطئ و إن كان أقل خطأ من الأول، لأن وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم و لا أكثري (3)، انتهي (4) و غرضه من التعليل المذكور: الإشارة إلي عدم ثبوت الربط العادي، لعدم ثبوته بالحس - كالحرارة الحاصلة بسبب النار و الشمس و برودة القمر - و لا بالعادة الدائمة و لا الغالبة، لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتي يحصل العلم أو الظن. ثم علي تقديره، فليس فيه دلالة علي تأثير تلك الحركات في الحوادث، فلعل الأمر بالعكس، أو كلتاهما مستندتان إلي مؤثر ثالث، فتكونان من المتلازمين في الوجود. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و في المصدر: تفعل.

(2) كذا في «ف» و «ش» و في سائر النسخ: بمعتقده.

(3) كذا في المصدر و «خ» و «ش»، إلا أن فيه بدل «أكثري» : «أكثر» و في سائر النسخ كما يلي: لأن وقوع هذه الأشياء ليس بلازم و لا أكثري.

(4) القواعد و الفوائد 2: 35. (*)

*****ص 220*****

و بالجملة، فمقتضي ما ورد من أنه «أبي الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها» (1) كون كل حادث مسببا و أما أن السبب هي الحركة الفلكية أو غيرها، فلم يثبت و لم يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين. بل في بعض الأخبار ما يدل بظاهره علي ثبوت التأثير للكواكب، مثل ما في الاحتجاج، عن أبان بن تغلب - في حديث اليماني الذي دخل علي أبي عبد الله عليه السلام و سماه باسمه الذي لم يعلمه أحد و هو سعد - فقال له: «يا سعد و ما صناعتك؟ قال: إنا أهل بيت ننظر في النجوم - إلي أن

قال عليه السلام - : ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟ قال: ما أدري (2) قال: صدقت. قال: ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟ قال: ما أدري، قال: صدقت. فقال: ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟ قال: ما أدري، قال: صدقت (3). فقال: ما زحل عندكم؟ فقال سعد:

نجم نحس! فقال أبو عبد الله عليه السلام : لا تقل هذا، هو نجم أمير المؤمنين عليه السلام و هو نجم الأوصياء، *

***** (هامش) *****

(1) الكافي 1: 183، الحديث 7 و فيه: إلا بأسباب.

(2) في المصدر: «فقال اليماني لا أدري» و كذا ما بعده.

(3) وردت العبارة في «ش» و المصدر - من هنا إلي آخر هذه الفقرة - كما يلي: «صدقت في قولك: لا أدري، فما زحل عندكم في النجوم؟ فقال سعد (اليماني) : نجم نحس، فقال أبو عبد الله عليه السلام : لا تقل هذا، فإنه نجم أمير المؤمنين و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الذي قال الله تعالي في كتابه». (*)

*****ص 221*****

و هو النجم الذي قال الله تعالي: * (النجم الثاقب) *» (1).

و في رواية المدائني - المروية عن الكافي - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله خلق نجما في الفلك السابع، فخلقه من ماء بارد و خلق سائر النجوم الجاريات من ماء حار و هو نجم الأوصياء و الأنبياء و هو نجم أمير المؤمنين عليه السلام يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن و لباس الخشن و أكل الجشب و ما خلق الله نجما أقرب إلي الله تعالي منه … الخبر» (2) و الظاهر، أن أمر النجم

بما ذكر من المحاسن كناية عن اقتضائه لها. الرابع: أن يكون ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف بالمكشوف (3) و الظاهر أن هذا الاعتقاد لم يقل أحد بكونه كفرا. قال شيخنا البهائي رحمه الله - بعد كلامه المتقدم (4) الظاهر في تكفير من قال بتأثير الكواكب أو مدخليتها - ما هذا لفظه: و إن قالوا: إن اتصالات تلك الأجرام و ما يعرض لها من الأوضاع علامات علي بعض حوادث هذا العالم، مما يوجده الله سبحانه بقدرته و إرادته، كما أن حركات النبض و اختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب علي ما يعرض للبدن: من قرب الصحة و اشتداد *

***** (هامش) *****

(1) الاحتجاج 2: 100 و الآية من سورة الطارق: 3.

(2) روضة الكافي: 257، الحديث 369.

(3) كذا في «ف» و في غيره: و المكشوف.

(4) تقدم في الصفحة: 210. (*)

*****ص 222*****

المرض و نحوه و كما يستدل باختلاج بعض الأعضاء علي بعض الأحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده و ما روي في صحة علم النجوم و جواز تعلمه محمول علي هذا المعني (1)، انتهي و مما (2) يظهر منه خروج هذا عن مورد طعن العلماء علي المنجمين ما تقدم من قول العلامة رحمه الله إن المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة و بين من قال إنها موجبة (3) و يظهر ذلك من السيد رحمه الله حيث قال - بعد إطالة الكلام في التشنيع عليهم - ما هذا لفظه المحكي: و ما فيهم أحد يذهب إلي أن الله تعالي أجري العادة بأن يفعل عند قرب بعضها من بعض، أو بعده أفعالا من غير أن يكون للكواكب أنفسها تأثير في ذلك.

قال: و من ادعي منهم هذا المذهب الآن، فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء و متجمل (4) بهذا المذهب عند أهل الإسلام (5)، انتهي. لكن ظاهر المحكي عن ابن طاووس: إنكار السيد رحمه الله لذلك، حيث إنه بعدما (6) ذكر أن للنجوم (7) علامات و دلالات علي الحادثات، *

***** (هامش) *****

(1) الحديقة الهلالية: 139.

(2) كذا في «خ» و «ش» و في سائر النسخ: ممن.

(3) تقدم في الصفحة: 216.

(4) في «خ» و «م» : متحمل و في مصححة «ص» : منتحل.

(5) رسائل الشريف المرتضي (المجموعة الثانية) : 302 و حكاه في مفتاح الكرامة 4: 76.

(6) عبارة «إنه بعدما» من «ف» و «ش» فقط.

(7) في «ن» و «خ» : النجوم. (*)

*****ص 223*****

لكن يجوز للقادر الحكيم تعالي أن يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الأسباب، وجوز تعلم علم النجوم و النظر فيه و العمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة و حمل أخبار النهي علي ما إذا اعتقد أنها كذلك ثم (1) أنكر علي علم الهدي تحريم ذلك، ثم ذكر لتأييد ذلك أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به، انتهي (2) و ما ذكره رحمه الله حق إلا أن مجرد كون النجوم دلالات و علامات لا يجدي مع عدم الإحاطة بتلك العلامات و معارضاتها و الحكم مع عدم الإحاطة لا يكون قطعيا، بل و لا ظنيا و السيد علم الهدي إنما أنكر من المنجم أمرين: أحدهما - اعتقاد التأثير و قد اعترف به ابن طاووس و الثاني - غلبة الإصابة في أحكامهم - كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة (3) - و هذا أمر معلوم بعد فرض عدم الإحاطة بالعلامات و معارضاتها

و لقد أجاد شيخنا البهائي أيضا، حيث أنكر الأمرين و قال - بعد كلامه المتقدم في إنكار التأثير و الاعتراف بالأمارة و العلامة - : إعلم أن الامور التي يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية أصول، بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي سلام الله عليهم و بعضها يدعون لها التجربة، *

***** (هامش) *****

(1) لم ترد «ثم» في «ش».

(2) انتهي ما حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 74) ملخصا عن السيد ابن طاووس في كتاب فرج المهموم و انظر الباب الأول منه إلي الباب الخامس.

(3) في الصفحة: 202. (*)

*****ص 224*****

و بعضها مبتن علي امور متشعبة (1) لا تفي القوة البشرية بضبطها و الإحاطة بها، كما يومئ إليه قول الصادق عليه السلام : «كثيره لا يدرك و قليله لا ينتج» (2) و لذلك وجد الاختلاف في كلامهم و تطرق الخطأ إلي بعض أحكامهم و من اتفق له الجري علي الأصول الصحيحة صح كلامه و صدقت أحكامه لا محالة، كما نطق به الصادق عليه السلام و لكن هذا أمر عزيز المنال لا يظفر به إلا القليل و الله الهادي إلي سواء السبيل (3)، انتهي و ما أفاده رحمه الله أولا من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية أمارات و علامات و آخرا من عدم النفع في علم النجوم إلا مع الإحاطة التامة، هو الذي صرح به الصادق عليه السلام في رواية هشام الآتية (4) بقوله: «إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق» و يدل أيضا علي كل من الأمرين، الأخبار المتكثرة. فما يدل علي الأول و هو ثبوت الدلالة و العلامة (5) في الجملة (6) *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ف»

و في سائر النسخ: منشعبة.

(2) الوسائل 12: 101، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول و فيه: و قليله لا ينتفع به.

(3) الحديقة الهلالية: 141.

(4) تأتي في الصفحة: 231.

(5) في «ف» : و العلامية.

(6) عبارة «في الجملة» من «ش» فقط. (*)

*****ص 225*****

- مضافا إلي ما تقدم من رواية سعد المنجم (1) المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها الدال علي سببية طلوع الكواكب لهيجان الإبل و البقر و الكلاب علي كونه أمارة و علامة عليه - المروي في الاحتجاج عن (2) رواية الدهقان المنجم الذي استقبل أمير المؤمنين حين خروجه إلي نهروان، فقال له عليه السلام : «يومك هذا يوم صعب، قد انقلب منه كوكب و انقدح من برجك النيران و ليس لك الحرب بمكان» فقال عليه السلام له: «أيها الدهقان المنبئ عن الآثار، المحذر عن الأقدار». ثم سأله عن مسائل كثيرة من النجوم، فاعترف الدهقان بجهلها - إلي أن قال عليه السلام - له: أما قولك: «انقدح من برجك النيران، فكان الواجب أن تحكم به لي، لا علي، أما نوره و ضياؤه فعندي و أما حريقه و لهبه فذهب عني، فهذه مسألة عميقة، فاحسبها إن كنت حاسبا» (3) و في رواية اخري: أنه عليه السلام قال له: «احسبها إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار، قال: لو علمت هذا لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة» (4) و في الرواية الآتية (5) لعبد الرحمن بن سيابة: «هذا حساب إذا *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة: 220.

(2) كذا في النسخ و المناسب: من.

(3) الاحتجاج 1: 356 - 357.

(4) فرج المهموم:

104 و عنه البحار 58: 231، ذيل الحديث 13.

(5) يأتي صدرها في الصفحة: 226. (*)

*****ص 226*****

حسبه

الرجل و وقف عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة وعدد ما عن يمي نها و عدد ما عن يسارها و عدد ما خلفها و عدد ما أمامها، حتي لا يخفي عليه شيء من قصب الأجمة» (1) و في البحار: وجد في كتاب عتيق، عن عطاء، قال: «قيل لعلي ابن أبي طالب عليه السلام : هل كان للنجوم أصل؟ قال: نعم، نبي من الأنبياء قال له قومه: إنا لا نؤمن بك حتي تعلمنا بدء الخلق و آجالهم (2). فأوحي الله عز و جل إلي غمامة، فأمطرتهم [واستنقع حول الجبل] (3) ماء صاف (4)، ثم أوحي الله عز و جل إلي الشمس و القمر و النجوم أن تجري في [ذلك] (5) الماء. ثم أوحي الله عز و جل إلي ذلك النبي أن يرتقي هو و قومه علي الجبل فقاموا علي الماء، حتي عرفوا بدء الخلق و آجالهم بمجاري (6) الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار و كان أحدهم يعرف متي يموت و متي يمرض و من ذا الذي يولد له و من ذا الذي لا يولد له، فبقوا كذلك برهة من دهرهم. ثم إن داود علي نبينا و آله و عليه السلام قاتلهم علي الكفر، فأخرجوا إلي *

***** (هامش) *****

(1) الكافي 8: 195، الحديث 233 و فيه: «حتي لا يخفي عليه من قصب الأجمة واحدة».

(2) في البحار: آجاله و كذا في ما يأتي.

(3) ما بين المعقوفتين من «ش» و المصدر.

(4) كذا في المصدر و في النسخ: ماء صافيا.

(5) أثبتناه من المصدر.

(6) في أكثر النسخ: و مجاري. (*)

*****ص 227*****

داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم،

فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء أحد، فقال داود:

رب اقاتل علي طاعتك و يقاتل هؤلاء علي معصيتك، يقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد! فأوحي الله عز و جل إليه: أني علمتهم بدء الخلق و آجالهم و إنما أخرجوا إليك من لم يحضره (1) أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم، فمن ثم يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد، قال داود عليه السلام : رب علي ماذا علمتهم؟ قال: علي مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار، قال: فدعا الله عز و جل فحبس الشمس عليهم فزاد النهار و اختلطت الزيادة بالليل و النهار (2) فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم. قال علي عليه السلام : فمن ثم كره النظر في علم النجوم» (3) و في البحار أيضا عن الكافي بالإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل عن النجوم، فقال: لا يعلمها إلا أهل بيت من العرب

***** (هامش) *****

(1) في «ف»، «خ» و «م» : لم يحضر.

(2) في «ش» : «فزاد في النهار و اختلطت الزيادة في الليل و النهار و لم يعرفوا … » و مثله في مصححة «ص» و في سائر النسخ: «فزاد في الليل و النهار و لم يعرفوا … » و ما أثبتناه مطابق لما أورده في البحار و أما عبارة فرج المهموم فهكذا: «فزاد الوقت و اختلط الليل بالنهار، فاختلط حسابهم … ».

(3) البحار 58: 236، الحديث 17، نقلا عن فرج المهموم:

23، مع اختلافات اخري غير ما أشرنا إليها. (*)

*****ص 228*****

و أهل بيت من الهند» (1) و بالإسناد (2) عن محمد بن سالم (3) قال: «قال

أبو عبد الله عليه السلام (4) : قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا و كان ذلك صحيحا (5) حين لم يرد الشمس علي يوشع بن نون و أمير المؤمنين عليه السلام ، فلما رد الله الشمس عليهما ضل فيها (6) علماء (7) النجوم» (8) و خبر يونس، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك! أخبرني عن علم النجوم ما هو؟ قال (9) : علم من علوم الأنبياء، قال: *

***** (هامش) *****

(1) البحار 58: 243، الحديث 23 عن الكافي 8: 330، الحديث 508 و رواه في الوسئل 12: 103، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(2) ظاهر العبارة: أن هذا الحديث أيضا مثل سابقه نقله في البحار عن الكافي و ليس كذلك، بل نقله في البحار عن فرج المهموم بإسناده عن الكليني في كتاب تعبير الرؤيا.

(3) كذا في النسخ و في البحار: «محمد بن سام» و في فرج المهموم:

«محمد بن غانم».

(4) كذا في البحار أيضا، لكن في فرج المهموم هكذا: «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : عندنا قوم يقولون: النجوم أصح من الرؤيا؟ فقال عليه السلام : كان ذلك صحيحا قبل أن ترد الشمس … الخ».

(5) في البحار: و ذلك كانت صحيحة.

(6) لم ترد «فيها» في «فرج المهموم» و الظاهر أنها زائدة.

(7) في البحار: علوم علماء النجوم.

(8) البحار 58: 242، الحديث 22، نقلا عن فرج المهموم:

87.

(9) في البحار: فقال: هو علم من علم الأنبياء و في فرج المهموم:

فقال: هو علم الأنبياء. (*)

*****ص 229*****

فقلت: كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعلمه؟ قال: كان أعلم الناس به … الخبر» (1) و خبر الريان (2) بن الصلت، قال: «حضر عند أبي

الحسن الرضا عليه السلام الصباح بن نصر الهندي و سأله عن النجوم، فقال: هو علم في أصله حق (3) و ذكروا أن أول من تكلم به (4) إدريس علي نبينا و آله و عليه السلام و كان و ذ القرنين به (5) ماهرا و أصل هذا العلم من الله (6) عز و جل» (7) و عن معلي بن خنيس، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم أحق هي؟ فقال: نعم، إن الله عز و جل بعث المشتري إلي الأرض في صورة رجل، فأتي (8) رجلا من العجم فعلمه (9) فلم يستكملوا ذلك، *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و الظاهر زيادة: «الخبر»، إذ الحديث مذكور بتمامه، انظر البحار 58: 235، الحديث 15 و فرج المهموم:

23 - 24.

(2) كذا في «ف» و في غيره: ريان.

(3) في البحار و مصدره: هو علم في أصل صحيح.

(4) في البحار و مصدره: تكلم في النجوم.

(5) كذا في «ش» و فرج المهموم و في سائر النسخ: بها.

(6) في البحار: من عند الله.

(7) البحار 58: 245، الحديث 26، نقلا عن فرج المهموم:

94.

(8) كذا في النسخ و في المصدر: فأخذ.

(9) إلي هنا من رواية «المعلي» و ما بعده من رواية «الريان بن الصلت» السابقة و قد حصل الخلط بينهما، راجع المصدر السابق و الكافي 8: 330، الحديث 507 و الوسائل 12: 102، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3. (*)

*****ص 230*****

فأتي بلد الهند فعلم رجلا منهم، فمن هناك صار علم النجوم [بها] (1) و قد قال قوم:

هو علم من علوم الأنبياء، خصوا به لأسباب شتي، فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها، فشاب الحق بالكذب» (2). إلي غير ذلك مما يدل

علي صحة علم النجوم في نفسه و أما ما دل علي كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين، فهي كثيرة: منها: ما تقدم في الروايات السابقة، مثل قوله عليه السلام في الرواية الأخيرة: «فشاب الحق بالكذب» و قوله عليه السلام : «ضل فيها علماء النجوم» (3) و قوله عليه السلام - في تخطئة ما ادعاه المنجم من أن زحل عندنا كوكب نحس - : «إنه كوكب أمير المؤمنين و الأوصياء صلوات الله و سلامه عليه و عليهم» (4) و تخطئة أمير المؤمنين عليه السلام للدهقان الذي حكم بالنجوم بنحوسة اليوم الذي خرج فيه أمير المؤمنين عليه السلام (5) و منها: خبر عبد الرحمن بن سيابة، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك! إن الناس يقولون: إن النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني، فإن كانت تضر بديني، فلا حاجة لي في شيء يضر بديني، *

***** (هامش) *****

(1) الزيادة من البحار.

(2) انظر الهامش رقم (9) في الصفحة السابقة.

(3) ذيل رواية محمد بن سالم، المتقدمة آنفا.

(4) ذيل حديث اليماني، المتقدم في الصفحة: 222.

(5) تقدمت في الصفحة: 225. (*)

*****ص 231*****

و إن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها (1) ؟ فقال: ليس كما يقولون، لا تضر بدينك، ثم قال: إنكم تنظرون في شيء كثيره لا يدرك و قليله لا ينفع … الخبر» (2) و منها: خبر هشام، قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السلام : كيف بصرك بالنجوم؟ قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني»، ثم سأله عن أشياء لم يعرفها، ثم قال: «فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في ذاك حاسب، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و

يحسب هذا لصاحبه بالظفر، فيلتقيان فيهزم أحدهما الآخر، فأين كانت النجوم؟ قال: فقلت: [لا] (3) و الله ما أعلم ذلك. قال: فقال عليه السلام : صدقت، إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم» (4) و منها: المروي في الاحتجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - أن زنديقا قال له: ما تقول في علم النجوم؟ قال عليه السلام : «هو علم قلت منافعه و كثرت مضاره [لأنه] (5) لا يدفع به المقدور و لا يتقي به المحذور، إن خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز عن (6) القضاء و إن خبر *

(ها مش)

(1) كذا في «ص» و المصدر و في سائر النسخ: النظر إليها.

(2) الوسائل 12: 101، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(3) من المصدر.

(4) الوسائل 12: 102، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(5) من المصدر.

(6) في المصدر: من. (*)

*****ص 232*****

هو بخير لم يستطع تعجيله و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه … الخبر» (1). إلي غير ذلك من الأخبار الدالة علي أن ما وصل إليه المنجمون أقل قليل من أمارات الحوادث من دون وصول إلي معارضاتها و من تتبع هذه الأخبار لم يحصل له ظن بالأحكام المستخرجة عنها، فضلا عن القطع. نعم، قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف الظن - بل العلم - بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الأوضاع الفلكية. فالأولي، التجنب عن الحكم بها و مع الارتكاب فالأولي الحكم علي سبيل التقريب، وأ نه لا يبعد أن يقع كذا عند كذا

و الله المسدد. *

***** (هامش) *****

(1) الاحتجاج 2: 95 و رواه في الوسائل 12: 104، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10. (*)

*****ص 233*****

المسألة السابعة

المسألة السابعة:

حفظ كتب الضلال حرام في الجملة بلا خلاف، كما في التذكرة و عن المنتهي (1) و يدل عليه - مضافا إلي حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد و الذم المستفاد من قوله تعالي: * (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) * (2) و الأمر بالاجتناب عن قول الزور (3) - : قوله عليه السلام في ما تقدم من رواية تحف العقول: «إنما حرم الله تعالي الصناعة التي يجئ منها الفساد محضا … الخ»، بل قوله عليه السلام قبل ذلك: «أو ما يقوي به الكفر في جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق … إلخ» (4). *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 1: 582، المنتهي 2: 1013.

(2) لقمان: 6.

(3) في قوله تعالي: * (واجتنبوا قول الزور) * الحج: 30.

(4) تقدمت في أول الكتاب. (*)

*****ص 234*****

و قوله عليه السلام في رواية عبد الملك - المتقدمة - حيث شكا إلي الصادق عليه السلام : «أني ابتليت بالنظر في النجوم، فقال عليه السلام : أتقضي؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك» (1) بناء علي أن الأمر للوجوب دون الإرشاد للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم و مقتضي الاستفصال في هذه الرواية: أنه إذا لم يترتب علي إبقاء كتب الضلال مفسدة لم يحرم و هذا أيضا مقتضي ما تقدم من إناطة التحريم بما يجئ منه الفساد محضا. نعم، المصلحة الموهومة أو المحققة النادرة لا اعتبار بها، فلا يجوز الإبقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة علي ذلك مع كون الغالب ترتب المفسدة و

كذلك المصلحة النادرة الغير المعتد بها و قد تحصل من ذلك: أن حفظ كتب الضلال لا يحرم إلا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا أو احتمالا قريبا، فإن لم يكن كذلك أو كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة أقوي، أو عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة أقوي، أو أقرب وقوعا منها، فلا دليل علي الحرمة، إلا أن يثبت إجماع، أو يلتزم بإطلاق عنوان معقد نفي الخلاف الذي لا يقصر عن نقل الإجماع.

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 268، الباب 14 من أبواب آداب السفر إلي الحج، الحديث الأول و تقدمت في الصفحة: 206 - 207. (*)

*****ص 235*****

و حينئذ فلا بد من تنقيح هذا العنوان و أن المراد بالضلال ما يكون باطلا في نفسه؟ فالمراد الكتب المشتملة علي المطالب الباطلة، أو أن المراد به مقابل الهداية؟ فيحتمل أن يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال و أن يراد ما أوجب الضلال و إن كان مطالبها حقة، كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة علي ظواهر منكرة يدعون أن المراد غير ظاهرها، فهذه أيضا كتب ضلال علي تقدير حقيتها. ثم (1) الكتب السماوية المنسوخة غير المحرفة لا تدخل في كتب الضلال و أما المحرفة كالتوراة و الانجيل - علي ما صرح به جماعة (2) - فهي داخلة في كتب الضلال بالمعني الأول بالنسبة إلينا، حيث إنها لا توجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة، نعم، توجب الضلالة لليهود و النصاري قبل نسخ دينهما (3)، فالأدلة المتقدمة لا تدل علي حرمة حفظها (4). قال رحمه الله في المبسوط - في باب الغنيمة من الجهاد - : فإن كان في المغنم كتب، نظر، فإن كانت مباحة يجوز إقرار اليد عليها *

***** (هامش) *****

(1) في «ص» :

نعم.

(2) منهم العلامة في التذكرة 1: 582 و الفاضل المقداد في التنقيح 2: 12 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 26.

(3) في «ف»، «خ»، «م» و «ن» : دينها.

(4) في «ف» : حفظهما. (*)

*****ص 236*****

- مثل كتب الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات - فجميع ذلك غنيمة و كذلك المصاحف و علوم الشريعة، الفقه و الحديث، لأن هذا مال يباع و يشتري و إن كانت كتبا لا يحل إمساكها - كالكفر و الزندقة و ما أشبه ذلك - فكل ذلك لا يجوز بيعه، فإن كان ينتفع بأوعيته - كالجلود و نحوها - فإنها غنيمة و إن كان مما لا ينتفع بأوعيته - كالكاغذ - فإنه يمزق و لا يحرق (1) إذ ما من كاغذ إلا و له قيمة و حكم التوراة و الإنجيل هكذا كالكاغذ، فإنه (2) يمزق، لأنه كتاب مغير مبدل (3)، انتهي و كيف كان، فلم يظهر من معقد نفي الخلاف إلا حرمة ما كان موجبا للضلال و هو الذي دل عليه الأدلة المتقدمة. نعم، ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه من دون أن يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الأموال، فلا يقابل بالمال، لعدم المنفعة المحللة المقصودة فيه، مضافا إلي آيتي «لهو الحديث» (4) و «قول *

***** (هامش) *****

(1) في «ش» و هامش «ن» : «فإنها تمزق و لا تحرق» و في «ف»، «م» و «ع» : «فإنها تمزق و تحرق» و في «ن» و «خ» : «فإنها تمزق و تخرق» و الصواب ما أثبتناه من مصححة «ن» و المصدر.

(2) كذا في المبسوط أيضا و المناسب تثنية الضمائر، كما لا يخفي.

(3) المبسوط 2: 30، مع حذف بعض الكلمات.

(4)

لقمان: 6. (*)

*****ص 237*****

الزور» (1)، أما وجوب (2) إتلافها فلا دليل عليه و مما ذكرنا ظهر حكم تصانيف المخالفين في الأصول و الفروع و الحديث و التفسير و اصول الفقه و ما دونها من العلوم، فإن المناط في وجوب الإتلاف جريان الأدلة المتقدمة، فإن الظاهر عدم جريانها في حفظ شيء من تلك الكتب إلا القليل مما ا لف في خصوص إثبات الجبر و نحوه و إثبات تفضيل الخلفاء أو فضائلهم و شبه ذلك و مما ذكرنا أيضا يعرف وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج علي أهلها، أو الإطلاع علي مطالبهم ليحصل به التقية أو غير ذلك و لقد أحسن جامع المقاصد، حيث قال: إن فوائد الحفظ كثيرة (3) و مما ذكرنا أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال، فإن الواجب رفعه و لو بمحو جميع الكتاب، إلا أن يزاحم مصلحة وجوده لمفسدة وجود الضلال و لو كان باطلا في نفسه كان خارجا عن المالية، فلو قوبل بجزء *

***** (هامش) *****

(1) الحج: 30.

(2) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في أصل النسخ: «حرمة إتلافها» و الظاهر أنها من غلط النساخ أو من سهو القلم.

(3) جامع المقاصد 4: 26. (*)

*****ص 238*****

من العوض المبذول، يبطل المعاوضة بالنسبة إليه. ثم الحفظ المحرم يراد به الأعم من الحفظ بظهر القلب و النسخ و المذاكرة و جميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلة.

*****ص 239*****

المسألة الثامنة

المسألة الثامنة:

الرشوة حرام و في جامع المقاصد و المسالك: أن علي تحريمها إجماع المسلمين (1) و يدل عليه: الكتاب (2) و السنة و في المستفيضة: «أنه كفر بالله العظيم، أو شرك». ففي رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير

المؤمنين عليه السلام ، قال: «أيما و ال احتجب عن حوائج الناس، احتجب الله عنه يوم القيامة و عن حوائجه و إن أخذ هدية كان غلولا و إن أخذ رشوة فهو مشرك (3) » (4). *

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 4: 35، المسالك 3: 136.

(2) قوله تعالي: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون) * البقرة: 188، قال الجوهري: قوله تعالي: * (وتدلوا بها إلي الحكام) * يعني الرشوة، انظر الصحاح 6: 2340 «دلو».

(3) كذا في «ف» و المصدر و في النسخ: فهو شرك.

(4) الوسائل 12: 63، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10. (*)

*****ص 240*****

و عن الخصال - في الصحيح - عن عمار بن مروان، قال: «كل شيء غل من الإمام فهو سحت و السحت أنواع كثيرة، منها: ما اصيب من أعمال الولاة الظلمة و منها: اجور القضاة و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة و أما الرشا في الأحكام - يا عمار - فهو الكفر بالله العظيم» (1) و مثلها رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) و في رواية يوسف بن جابر: «لعن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم من نظر إلي فرج امرأة لا تحل له و رجلا خان أخاه في امرأته، ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة» (3) و ظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه، فتكون ظاهرة (4) في حرمة أخذ الرشوة للحكم بالحق أو للنظر في أمر المترافعين، ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من غير اجرة و هذا المعني هو ظاهر

تفسير الرشوة في القاموس بالجعل (5) و إليه *

***** (هامش) *****

(1) الخصال 1: 329، باب الستة … ، الحديث 26 و فيه: «فأما الرشا - يا عمار - في الأحكام، فإن ذلك الكفر بالله العظيم و برسوله» و رواه في الوسائل 12: 64، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12.

(2) الوسائل 18: 162، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، الحديث 3.

(3) الوسائل 18: 163، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، الحديث 5.

(4) في النسخ: فيكون ظاهرا.

(5) القاموس المحيط 4: 334. (*) ص 241

نظر المحقق الثاني، حيث فسر في حاشية الإرشاد (1) الرشوة بما يبذله المتحاكمان (2) و ذكر في جامع المقاصد:

أن الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة (3)، [وهو صريح الحلي أيضا في مسألة تحريم أخذ الرشوة مطلقا و إعطائها، إلا إذا كان علي إجراء حكم صحيح، فلا يحرم علي المعطي (4). هذا،] (5) و لكن عن مجمع البحرين: قلما تستعمل الرشوة إلا فيما يتوصل به إلي إبطال حق أو تمشية باطل (6) و عن المصباح: هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله علي ما يريد (7) و عن النهاية: أنها الوصلة إلي الحاجة بالمصانعة و الراشي: الذي يعطي ما يعينه علي الباطل و المرتشي: الآخذ و الرائش: هو الذي يسعي بينهما، يستزيد لهذا و [يستنقص] (8) لهذا (9). *

***** (هامش) *****

(1) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 206 و فيه: ما يبذله أحد المتخاصمين.

(2) في «ش» : أحد المتحاكمين.

(3) جامع المقاصد 4: 37.

(4) السرائر 2: 166.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في «ف».

(6) مجمع البحرين 1: 184.

(7) المصباح المنير 1: 228.

(8) كذا في المصدر و في النسخ: ينقص.

(9) النهاية لابن الأثير

2: 226. (*)

*****ص 242*****

و مما يدل علي عدم عموم الرشا لمطلق الجعل علي الحكم ما تقدم في رواية عمار بن مروان (1) من جعل الرشاء في الحكم مقابلا لاجور القضاة، خصوصا بكلمة «أما». نعم، لا يختص بما يبذل علي خصوص الباطل، بل يعم ما يبذل لحصول غرضه و هو الحكم له حقا كان أو باطلا و هو ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية و يمكن حمل رواية يوسف بن جابر (2) علي سؤال الرشوة للحكم للراشي حقا أو باطلا. أو يقال: إن المراد الجعل، فاطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة و منه يظهر حرمة أخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين مع تعين الحكومة عليه، كما يدل عليه قوله عليه السلام : «احتاج الناس إليه لفقهه» (3) و المشهور المنع مطلقا، بل في جامع المقاصد:

دعوي النص و الإجماع (4) و لعله لحمل الاحتياج في الرواية علي الاحتياج إلي نوعه و لإطلاق ما تقدم (5) في رواية عمار بن مروان: من جعل اجور القضاة *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة: 240.

(2) تقدمت في الصفحة: 240.

(3) ذيل رواية يوسف بن جابر المتقدمة في الصفحة: 240.

(4) ظاهر العبارة يفيد:

أن في جامع المقاصد دعوي النص و الإجماع علي الحرمة مطلقا، سواء تعين عليه الحكم أو لا، لكن الموجود فيه ادعاء النص و الإجماع علي مطلق الحرمة، انظر جامع المقاصد 4: 36.

(5) في «ف» ما يلي: « … و لإطلاق ما تقدم و يدل أيضا علي حرمة الجعل ما تقدم في رواية عمار بن مروان … الخ». (*)

*****ص 243*****

من السحت (1) بناء علي أن الأجر في العرف يشمل الجعل و إن كان بينهما فرق عند المتشرعة و ربما يستدل علي المنع بصحيحة

ابن سنان، قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قاض بين قريتين (2) يأخذ علي القضاء الرزق من السلطان، قال عليه السلام : ذلك السحت» (3) و فيه: أن ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل السلطان، الظاهر - بل الصريح - في سلطان الجور، إذ ما يؤخذ من العادل لا يكون سحتا قطعا و لا شك أن هذا المنصوب غير قابل للقضاء، فما يأخذه سحت من هذا الوجه و لو فرض كونه قابلا للقضاء لم يكن رزقه من بيت المال أو من جائزة السلطان محرما قطعا، فيجب إخراجه عن العموم. إلا أن يقال: إن المراد الرزق من غير بيت المال و جعله علي القضاء بمعني المقابلة قرينة علي إرادة العوض و كيف كان، فالأولي في الاستدلال علي المنع ما ذكرناه. خلافا لظاهر المقنعة (4) و المحكي عن القاضي (5) من (6) الجواز.

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة: 240.

(2) في «ن» و «ش» : فريقين.

(3) الوسائل 18: 161، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، الحديث الأول.

(4) المقنعة: 588 و كلامه صريح في جواز أخذ الأجر، فراجع.

(5) المهذب 1: 346.

(6) كذا في «ف» و لم ترد «من» في سائر النسخ. (*)

*****ص 244*****

و لعله (1) للأصل و ظاهر رواية حمزة بن حمران، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من استأكل بعلمه افتقر، قلت: إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الإكرام؟ فقال عليه السلام : ليس اولئك بمستأكلين، إنما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدي من الله، ليبطل به الحقوق، طمعا في حطام الدنيا … الخبر» (2) و اللام في قوله: «ليبطل

به الحقوق» إما للغاية أو للعاقبة و علي الأول: فيدل علي حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل و علي الثاني: فيدل علي حرمة الانتصاب للفتوي من غير علم طمعا في الدنيا و علي كل تقدير، فظاهرها حصر الاستيكال المذموم في ما كان لأجل الحكم بالباطل، أو مع عدم معرفة الحق، فيجوز الاستيكال مع الحكم بالحق و دعوي كون الحصر إضافيا بالنسبة إلي الفرد الذي ذكره السائل - فلا يدل إلا علي عدم الذم علي هذا الفرد، دون كل من كان غير المحصور فيه - خلاف الظاهر و فصل في المختلف، فجوز أخذ الجعل و الاجرة مع حاجة القاضي *

***** (هامش) *****

(1) لم يرد في «ف».

(2) كذا في النسخ و الظاهر زيادة: «الخبر»، إذ الحديث مذكور بتمامه، انظر الوسائل 18: 102، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 12 و معاني الأخبار: 181. (*)

*****ص 245*****

و عدم تعين القضاء عليه و منعه مع غناه أو عدم الغني عنه (1) و لعل اعتبار عدم تعين القضاء لما تقرر عندهم من حرمة الاجرة علي الواجبات العينية و حاجته لا تسوغ أخذ الاجرة عليها و إنما يجب علي القاضي و غيره رفع حاجته من وجوه اخر و أما اعتبار الحاجة، فلظهور اختصاص أدلة المنع بصورة الاستغناء، كما يظهر بالتأمل في روايتي يوسف و عمار المتقدمتين (2) و لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه الكفائي، كما هو أحد الأقوال في المسألة الآتية في محلها - إن شاء الله - و أما الارتزاق من بيت المال، فلا إشكال في جوازه للقاضي مع حاجته، بل مطلقا إذا رأي الإمام المصلحة فيه، لما سيجئ من الأخبار الواردة في مصارف الأراضي الخراجية

و يدل عليه ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلي مالك الأشتر من قوله عليه السلام : «و افسح له - أي للقاضي - في البذل (3) ما يزيح علته و تقل معه حاجته إلي الناس» (4) و لا فرق بين أن يأخذ الرزق من السلطان العادل، أو من الجائر، لما سيجئ من حلية بيت المال لأهله و لو خرج من يد الجائر.

***** (هامش) *****

(1) المختلف: 342.

(2) تقدمتا في الصفحة: 240.

(3) كذا في «ف» و المصدر و في سائر النسخ: بالبذل.

(4) نهج البلاغة: 435، الكتاب 53. (*)

*****ص 246*****

و أما ما تقدم في صحيحة ابن سنان (1)، من المنع من أخذ الرزق من السلطان، فقد عرفت الحال فيه و أما الهدية و هي ما يبذله علي وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان أو باطلا و إن لم يقصد المبذول له الحكم إلا بالحق إذا عرف - و لو من القرائن - أن الأول (2) قصد الحكم له علي كل تقدير، فيكون الفرق بينها و بين الرشوة: أن الرشوة تبذل لأجل الحكم و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له علي الحكم علي وفق مطلبه فالظاهر حرمتها، لأنها رشوة أو بحكمها بتنقيح المناط و عليه يحمل ما تقدم من قول أمير المؤمنين عليه السلام : «و إن أخذ - يعني الوالي - هدية كان غلولا» (3) و ما ورد من «أن هدايا العمال غلول» (4) و في آخر: «سحت» (5) و عن عيون الأخبار، عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالي: * (أكالون للسحت) * (6) قال: *

***** (هامش) *****

(1) في الصفحة: 243.

(2) في هامش

«ن»، «خ»، «م»، «ع»، «ص» و «ش» : الباذل (خ ل).

(3) راجع الصفحة: 239.

(4) و (5) أوردهما في المبسوط (8: 151) عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم بلفظ: «هدية العمال … » و في الوسائل عن أمالي الطوسي مسندا، عن جابر، عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم أنه قال: «هدية الامراء غلول»، انظر الوسائل 18: 163، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، الحديث 6.

(6) المائدة: 42. (*

*****ص 247*****

«هو الرجل يقضي لأخيه حاجته، ثم يقبل هديته» (1) و للرواية توجيهات تكون الرواية علي بعضها محمولة علي ظاهرها من التحريم و علي بعضها محمولة علي المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من أهل الحاجة إليه، لئلا يقع في الرشوة يوما و هل تحرم الرشوة في غير الحكم؟ بناء علي صدقها - كما يظهر مما تقدم عن المصباح و النهاية (2) - كأن يبذل له مالا علي أن يصلح أمره عند الأمير. فإن كان أمره منحصرا في المحرم أو مشتركا بينه و بين المحلل لكن بذل علي إصلاحه حراما أو حلالا، فالظاهر حرمته لا لأجل الرشوة - لعدم الدليل عليه عدا بعض الإطلاقات المنصرف إلي الرشا في الحكم - بل لأنه أكل للمال بالباطل، فتكون الحرمة هنا لأجل الفساد، فلا يحرم القبض في نفسه و إنما يحرم التصرف لأنه باق علي ملك الغير. نعم، يمكن أن يستدل علي حرمته بفحوي إطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال (3). *

***** (هامش) *****

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 16 و رواه عنه في الوسائل 12: 64، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11 و فيهما:

يقضي لأخيه الحاجة.

(2) تقدم في الصفحة: 241.

(3) يعني به روايتي أصبغ و عمار المتقدمتين في أول العنوان و ما تقدم آنفا من أن: «هدايا العمال غلول». (*)

*****ص 248*****

و أما بذل المال علي وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة فلا حظر فيه، كما يدل عليه ما ورد في أن الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله ليسكنه؟ قال: «لا بأس» (1) و المراد المنزل المشترك، كالمدرسة و المسجد و السوق و نحوها و مما يدل علي التفصيل في الرشوة بين الحاجة المحرمة و غيرها، رواية الصيرفي، قال: " سمعت أبا الحسن عليه السلام و سأله حفص الأعور، فقال: «إن عمال (2) السلطان يشترون منا القرب و الإداوة (3) فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا، فنرشوه حتي لا يظلمنا؟ فقال: لا بأس بما تصلح به مالك. ثم سكت ساعة، ثم قال: إذا أنت رشوته يأخذ منك أقل من الشرط؟ قلت: نعم، قال: فسدت رشوتك» (4) و مما يعد من الرشوة - أو يلحق بها - المعاملة المشتملة علي المحاباة كبيعه من القاضي ما يساوي عشرة دراهم بدرهم. فإن لم يقصد من المعاملة إلا المحاباة التي في ضمنها، أو قصد المعاملة لكن جعل المحاباة لأجل الحكم له - بأن كان الحكم له من قبيل ما تواطئا عليه من الشروط غير المصرح بها في العقد - *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 207، الباب 85 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و نص الحديث كما يلي: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يَرْشُو الرَّجُلَ الرِّشْوَةَ عَلَي أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَيَسْكُنَهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ.».

(2) لم يرد في المصدر.

(3) كذا و في الوسائل: الأداوي و هو جمع إداوة: إناء صغير

من جلد.

(4) الوسائل 12: 409، الباب 37 من أبواب أحكام العقود، الحديث الأول. (*)

*****ص 249*****

فهي الرشوة و إن قصد أصل المعاملة و حابي فيها لجلب قلب القاضي، فهو كالهدية ملحقة بالرشوة و في فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي. ثم إن كل ما حكم بحرمة أخذه وجب علي الآخذ رده ورد بدله مع التلف إذا قصد مقابلته بالحكم، كالجعل و الاجرة حيث حكم بتحريمهما و كذا الرشوة، لأنها حقيقة جعل علي الباطل و لذا فسره (1) في القاموس بالجعل (2) و لو لم يقصد بها المقابلة، بل أعطي مجانا ليكون داعيا علي الحكم - و هو المسمي بالهدية - فالظاهر عدم ضمانه، لأن مرجعه إلي هبة مجانية فاسدة، إذ الداعي لا يعد عوضا و «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و كونها من «السحت» إنما يدل علي حرمة الأخذ، لا علي الضمان و عموم «علي اليد» مختص بغير اليد المتفرعة علي التسليط المجاني و لذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام و في كلام بعض المعاصرين (3) : أن احتمال عدم الضمان في الرشوة *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و المناسب: فسرها.

(2) القاموس المحيط 4: 334، مادة «الرشوة».

(3) لم نقف عليه، نعم استشكل صاحب الجواهر في الرجوع بها مع تلفها و علم الدافع بالحرمة، باعتبار تسليطه، انظر الجواهر 22: 149. (*)

*****ص 250*****

مطلقا غير بعيد معللا بتسليط المالك عليها مجانا، قال: و لأنها تشبه المعاوضة و «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و لا يخفي ما بين تعليليه من التنافي، لأن شبهه ا بالمعاوضة يستلزم الضمان، لأن المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كل منهما ما وصل إليه بعوضه الذي دفعه، فيكون مع الفساد

مضمونا بعوضه الواقعي و هو المثل أو القيمة و ليس في المعاوضات ما لا يضمن بالعوض بصحيحه حتي لا يضمن بفاسده. نعم، قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات بالنسبة إلي غير العوض، كما أن العين المستأجرة غير مضمونة في يد المستأجر بالإجارة، فربما يدعي: أنها غير مضمونة إذا قبض بالإجارة الفاسدة. لكن هذا كلام آخر (1) و الكلام في ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة و التحقيق: أن كونها معاوضة أو شبيهة بها وجه لضمان العوض فيها لا لعدم الضمان. *

***** (هامش) *****

(1) في هامش «ش» - هنا - ما يلي: قد ثبت فساده بما ذكرناه في باب الغصب من أن المراد من «ما لا يضمن بصحيحه» أن يكون عدم الضمان مستندا إلي نفس العقد الصحيح، لمكان «الباء» و عدم ضمان العين المستأجرة ليس مستندا إلي الإجارة الصحيحة، بل إلي قاعدة الأمانة المالكية و الشرعية، لكون التصرف في العين مقدمة لاستيفاء المنفعة مأذونا فيه شرعا، فلا يترتب عليه الضمان، بخلاف الإجارة الفاسدة، فإن الإذن الشرعي فيها مفقود و الإذن المالكي غير مثمر، لكونه تبعيا و لكونه لمصلحة القابض، فتأمل، كذا في بعض النسخ، (انتهي). (*)

*****ص 251*****

«فروع» في اختلاف الدافع و القابض لو ادعي الدافع أنها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد و الحرمة، وادعي القابض أنها هبة صحيحة لداعي القربة أو غيرها، احتمل تقديم الأول، لأن الدافع أعرف بنيته و لأصالة الضمان في اليد إذا كانت الدعوي بعد التلف و الأقوي تقديم الثاني، لأنه يدعي الصحة و لو ادعي الدافع أنها رشوة أو اجرة علي المحرم، وادعي القابض كونها هبة صحيحة، احتمل أنه كذلك، لأن الأمر يدور بين الهبة الصحيحة و الإجارة الفاسدة و يحتمل العدم، إذ

لا عقد مشترك هنا اختلفا في صحته و فساده، فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض، لا لصحته، فيحلف علي عدم وقوعه و ليس هذا من مورد التداعي، كما لا يخفي (1) و لو ادعي الدافع أنها رشوة و القابض أنها هدية فاسدة لدفع الغرم عن نفسه - بناء علي ما سبق من أن الهدية المحرمة لا توجب الضمان - ففي تقديم الأول لأصالة الضمان في اليد، أو الآخر لأصالة عدم سبب الضمان و منع أصالة الضمان، وجهان: *

***** (هامش) *****

(1) عبارة: «و ليس هذا من مورد التداعي كما لا يخفي» مشطوب عليها في «ف». (*)

*****ص 252*****

أقواهما الأول، لأن عموم خبر «علي اليد» (1) يقضي بالضمان، إلا مع تسليط المالك مجانا و الأصل عدم تحققه و هذا حاكم علي أصالة عدم سبب الضمان، فافهم. *

***** (هامش) *****

(1) عوالي اللآلي 2: 345، الحديث 10 و رواه عنه و عن تفسير أبي الفتوح، العلامة النوري في مستدرك الوسائل 14: 7، الباب الأول من أبواب كتاب الوديعة، الحديث 12. (*)

*****ص 253*****

المسألة التاسعة

المسألة التاسعة:

سب المؤمنين حرام في الجملة بالأدلة الأربعة، لأنه ظلم و إيذاء و إذلال. ففي رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه» (1) و في رواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«سباب المؤمن كالمشرف علي الهلكة» (2) و في رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «جاء رجل من تميم إلي رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ

آلِه وَ سَلَّم فقال له: أوصني، فكان فيما أوصاه: لا تسبوا فتكتسبوا العداوة» (3). *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 609، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(2) الوسائل 8: 611، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 4.

(3) الوسائل8: 610، الباب 158من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2 و فيه: «فتكسبوا العداوة لهم» و في الكافي (2: 360) : «فتكتسبوا العداوة بينهم» (*)

*****ص 254*****

و في رواية ابن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السلام فِي رَجُلَيْنِ يَتَسَابَّانِ، قال: «الْبَادِي مِنْهُمَا أَظْلَمُ - وَ وِزْرُهُ وَ وِزْرُ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْتَذِرْ إِلَي الْمَظْلُوم (1) و في مرجع الضمائر اغتشاش و يمكن الخطأ من الراوي و المراد - و الله أعلم - أن مثل وزر صاحبه عليه لإيقاعه إياه في السب، من غير أن يخفف عن صاحبه شيء، فإذا اعتذر إلي المظلوم عن سبه و إيقاعه إياه في السب برأ من الوزرين. ثم إن المرجع في السب إلي العرف و فسره في جامع المقاصد بإسناد ما يقتضي نقصه إليه، مثل الوضيع و الناقص (2) و في كلام بعض آخر: أن السب و الشتم بمعني واحد (3) و في كلام ثالث: أن السب أن تصف الشخص بما هو إزراء و نقص، فيدخل في النقص كل ما يوجب الأذي، كالقذف و الحقير و الوضيع و الكلب و الكافر و المرتد و التعبير بشئ من بلاء الله تعالي *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 610، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول و فيه: «وَ وِزْرُهُ وَ وِزْرُ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ» و علي هذا فلا اغتشاش في الضمائر، كما لا يخفي و علي فرض صحة ما نقله قدس سره يمكن

التخلص عما قاله من الاغتشاش بإرجاع ضمير «و وزره» علي «السب» المستفاد من المقام، نظير قوله تعالي: * (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوي) *.

(2) جامع المقاصد 4: 27.

(3) صرح به كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : 20. (*)

*****ص 255*****

كالأجذم و الأبرص (1). ثم الظاهر أنه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب. نعم، يعتبر فيه قصد الإهانة و النقص، فالنسبة بينه و بين الغيبة عموم من وجه و الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع، لأن مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه و لو لا لقصد الإهانة غيبة محرمة و الإهانة محرم آخر. ثم إنه يستثني من «المؤمن» المظاهر بالفسق، لما سيجئ في الغيبة (2) : من أنه لا حرمة له و هل يعتبر في جواز سبه كونه من باب النهي عن المنكر فيشترط بشروطه، أم لا؟ ظاهر النصوص و الفتاوي - كما في الروضة (3) - الثاني و الأحوط الأول و يستثني منه المبتدع أيضا، لقوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«إذا رأيتم أهل (4) البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و الوقيعة فيهم» (5) و يمكن أن يستثني من ذلك ما إذا لم يتأثر المسبوب عرفا، بأن لا يوجب قول هذا القائل في حقه مذلة و لا نقصا، كقول الوالد لولده *

***** (هامش) *****

(1) قد وردت العبارة باختلاف يسير في مفتاح الكرامة 4: 68 في تفسير السب من غير أن يسنده إلي أحد، فراجع.

(2) يجئ في الصفحة: 343.

(3) الروضة البهية 9: 175.

(4) في المصدر: أهل الريب و البدع.

(5) الوسائل 11: 508، الباب 39 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث الأول و فيه: وَ أَكْثِرُوا مِنْ

سَبِّهِمْ وَ الْقَوْلِ فِيهِمْ وَ الْوَقِيعَةِ - وَ بَاهِتُوهُمْ كَيْلَا يَطْمَعُوا فِي الْفَسَادِ فِي الْإِسْلَامِ - … الخ». (*)

*****ص 256*****

أو السيد لعبده عند مشاهدة ما يكرهه: «يا حمار» و عند غيظه: «يا خبيث» و نحو ذلك، سواء لم يتأثر المقول فيه (1) بذلك - بأن لم يكرهه أصلا - أم تأثر به، بناء علي أن العبرة بحصول الذل و النقص فيه عرفا و يشكل الثاني بعموم أدلة حرمة الإيذاء (2). نعم، لو قال السيد ذلك في مقام التأديب جاز، لفحوي جواز الضرب و أما الوالد:

فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام : «أنت و مالك لأبيك» (3)، فتأمل. مضافا إلي استمرار السيرة بذلك، إلا أن يقال: إن استمرار السيرة إنما هو مع عدم تأثر السامع و تأذيه بذلك و من هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلم للمتعلم، فإن السيرة إنما نشأت في الأزمنة السابقة من عدم تألم المتعلم بشتم المعلم لعد نفسه أدون من عبده، بل ربما كان يفتخر بالسب، لدلالته علي كمال لطفه و أما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من المعلم مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول و الفعل، فحل إيذائه يحتاج إلي الدليل و الله الهادي إلي سواء السبيل. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في ظاهر «ف» و مصححة «ن» و في «م»، «ع» و «ص» : القول فيه و شطب عليه في «خ» و موضعه بياض في «ش».

(2) مثل قوله تعالي: * (والذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا … ) * الأحزاب: 57 و راجع الوسائل 8: 587، الباب 145 من أبواب أحكام العشرة.

(3) الوسائل 12: 197، الباب

78 من أبواب ما يكتسب به، ضمن الحديث 8. (*)

*****ص 257*****

المسألة العاشرة

المسألة العاشرة:

السحر حرام في الجملة بلا خلاف، بل هو ضروري - كما سيجئ - و الأخبار به مستفيضة: منها - ما تقدم من أن الساحر كالكافر (1) و منها - قوله عليه السلام : «من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه [وحده أن يقتل] (2) إلا أن يتوب» (3) و في رواية السكوني، عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل. قيل: يا رسول الله لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لأن الشرك أعظم من السحر و لأن السحر و الشرك مقرونان» (4) و في نبوي آخر: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر و مدمن سحر،

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة: 205، في مسألة التنجيم.

(2) من «ش» و «ص» و المصدر.

(3) الوسائل 12: 107، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(4) الوسائل 12: 106، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2. (*)

*****ص 258*****

و قاطع رحم» (1). إلي غير ذلك من الأخبار (2). ثم إن الكلام هنا يقع في مقامين: الأول: في المراد بالسحر و هو لغة - علي ما عن بعض أهل اللغة هو (3) - : ما لطف مأخذه ودق (4) و عن بعضهم:

أنه صرف الشيء عن وجهه (5) و عن ثالث: أنه الخدع (6) و عن رابع: «أنه إخراج الباطل في صورة الحق» (7) و قد اختلفت عبارات الأصحاب في بيانه: فقال العلامة رحمه الله - في القواعد و التحرير - : إنه كلام يتكلم به

أو يكتبه، أو رقية، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 107، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(2) راجع الوسائل 12: 103، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7، أحاديث و اخر غير النبويين المذكورين من الباب 25.

(3) كذا في النسخ و الظاهر زيادة «هو».

(4) الصحاح 2: 679، مادة «سحر».

(5) النهاية لابن الأثير 2: 346، مادة «سحر».

(6) الصحاح 2: 679.

(7) نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 69 عن ابن فارس في مجمله. (*)

*****ص 259*****

أو عقله من غير مباشرة (1) و زاد في المنتهي: أو عقد (2) و زاد في المسالك: أو أقسام أو عزائم يحدث بسببها ضرر علي الغير (3) و زاد في الدروس: الدخنة و التصوير و النفث و تصفية النفس (4) و يمكن أن يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد:

«أو يعمل شيئا». نعم ظاهر المسالك و محكي (5) الدروس: أن المعتبر في السحر الإضرار. فإن اريد من «التأثير» - في عبارة القواعد و غيرها - خصوص الإضرار بالمسحور فهو و إلا كان أعم. ثم إن الشهيدين رحمهما الله عدا من السحر: استخدام الملائكة و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب و استحضارهم *

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 121، التحرير 1: 161.

(2) المنتهي 2: 1014.

(3) المسالك 3: 128.

(4) الدروس 3: 163.

(5) كذا في النسخ و لعل الأصح: «و صريح الدروس»، حيث إنه قدس سره نقل آنفا عن الدروس بلا واسطة، فلا وجه لإسناده هنا إلي الحكاية، مع أن عبارة الدروس صريحة في اعتبار الإضرار. إلا أن عبارة المسالك أيضا صريحة في ذلك، فراجع. (*)

*****ص 260*****

و تلبيسهم (1) ببدن

صبي أو امرأة و كشف الغائبات علي (2) لسانه (3) و الظاهر أن المسحور في ما ذكراه هي الملائكة و الجن و الشياطين و الإضرار بهم يحصل بتسخيرهم و تعجيزهم من المخالفة له (4) و إلجائهم إلي الخدمة و قال في الإيضاح: إنه استحداث الخوارق، إما بمجرد التأثيرات النفسانية و هو السحر، أو بالاستعانة بالفلكيات فقط و هو دعوة الكواكب، أو بتمزيج القوي السماوية بالقوي الأرضية و هي الطلسمات، أو علي سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة و هي العزائم و يدخل فيه النيرنجات و الكل حرام في شريعة الإسلام و مستحله كافر (5)، انتهي و تبعه علي هذا التفسير في محكي التنقيح (6) و فسر «النيرنجات» في الدروس بإظهار غرائب خواص الامتزاجات و أسرار النيرين (7) و في الإيضاح: أما ما كان علي سبيل الاستعانة بخواص الأجسام السفلية فهو علم الخواص، أو الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم *

***** (هامش) *****

(1) في «ص» : تلبسهم، تلبيسهم (خ ل) و في «م» : تلبيهم.

(2) في «ش» و الدروس: عن لسانه.

(3) انظر المصدرين المتقدمين.

(4) لم ترد «له» في «ف» و في «م»، «خ»، «ع» و «ص» : به.

(5) انظر إيضاح الفوائد 1: 405 و العبارة المنقولة هنا هي عبارة التنقيح باختلاف يسير و تغيير بعض الضمائر.

(6) التنقيح 2: 12.

(7) الدروس 3: 164. (*)

*****ص 261*****

الحيل و جر الأثقال و هذان ليسا من السحر (1)، انتهي و ما جعله خارجا قد أدخله غيره و في بعض الروايات دلالة عليه و سيجئ المحكي (2) و المروي (3) و لا يخفي أن هذا التعريف أعم من الأول (4)، لعدم اعتبار مسحور فيه فضلا عن الإضرار ببدنه أو عقله و عن الفاضل المقداد في

التنقيح: أنه عمل (5) يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها علي أفعال غريبة بأسباب خفية (6) و هذا يشمل علمي الخواص و الحيل و قال في البحار - بعد ما نقل عن أهل اللغة «أنه ما لطف و خفي سببه» - : إنه في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفي سببه (7) و يتخيل علي غير حقيقته و يجري مجري التمويه و الخداع (8)، انتهي و هذا أعم من الكل، لأنه ذكر بعد ذلك ما حاصله: أن السحر علي أقسام:

*

***** (هامش) *****

(1) إيضاح الفوائد 1: 405.

(2) المراد ما يحكيه بعد أسطر عن الفاضل المقداد في «التنقيح».

(3) المراد ما يرويه عن الاحتجاج من حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة و سيأتي في الصفحة: 263.

(4) أي التعريف الذي تقدم عن العلامة و الشهيدين قدس سره م.

(5) في المصدر: علم يستفاد منه حصول ملكة …

(6) التنقيح 2: 12 و نقله عن بعض.

(7) في أكثر النسخ: سببها.

(8) البحار 59: 277. (*)

*****ص 262*****

الأول - سحر الكلدانيين (1) الذين كانوا في قديم الدهر و هم قوم كانوا يعبدون الكواكب و يزعمون أنها المدبرة لهذا العالم و منها تصدر (2) الخيرات و الشرور و السعادات و النحوسات. ثم ذكر أنهم علي ثلاثة مذاهب: فمنهم:

من يزعم أنها الواجبة لذاتها الخالقة للعالم و منهم:

من يزعم أنها قديمة، لقدم العلة المؤثرة فيها و منهم من يزعم أنها حادثة مخلوقة فعالة مختارة فوض خالقها أمر العالم إليها و الساحر عند هذه الفرق من يعرف القوي العالية الفعالة بسائطها و مركباتها و يعرف ما يليق بالعالم السفلي و يعرف معداتها ليعدها و عوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشرية، فيكون متمكنا من استجذاب

(3) ما يخرق العادة. الثاني (4) - سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية. الثالث - الاستعانة بالأرواح الأرضية و قد أنكرها بعض الفلاسفة و قال بها الأكابر منهم و هي في أنفسها مختلفة، فمنهم خيرة و هم مؤمنو الجن و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم. الرابع - التخيلات و الأخذ بالعيون، مثل راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا. *

***** (هامش) *****

(1) في «ف»، «ن»، «خ»، «م» و «ع» : الكذابين و في المصدر: الكلدانيين و الكذابين.

(2) كذا في المصدر و في «ش» : «تصدير» و في سائر النسخ: تقدير.

(3) كذا في «ف» و المصدر و في سائر النسخ: استحداث.

(4) في «ف» زيادة: ثم قال: الثاني … (*)

*****ص 263*****

الخامس - الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة علي نسب الهندسة، كرقاص يرقص و فارسان يقتتلان. السادس - الاستعانة بخواص الأدوية، مثل أن يجعل في الطعام بعض الأدوية المبلدة أو المزيلة للعقل، أو الدخن المسكر، أو عصارة البنج المجعول في الملبس (1) و هذا مما لا سبيل إلي إنكاره و أثر المغناطيس شاهد (2). السابع - تعليق القلب و هو أن يدعي الساحر أنه يعرف علم الكيميا (3) و علم السيميا (4) و الاسم الأعظم حتي يميل إليه العوام و ليس له أصل. الثامن - النميمة (5)، انتهي الملخص منه و ما ذكره من وجوه السحر بعضها قد تقدم عن الإيضاح (6) و بعضها قد ذكر في ما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الذي *

***** (هامش) *****

(1) بصيغة المفعول من باب التفعيل، يراد منه - هنا - ما يقال [له] : «نقل» في لغة الفرس و الترك و هو قسم من

أقسام الحلويات (شرح الشهيدي: 59).

(2) كذا في النسخ و في المصدر: مشاهد.

(3) الكيمياء علم يراد به تحويل بعض المعادن إلي بعض و علي الخصوص تحويلها إلي الذهب. (محيط المحيط: 801، مادة «كمي»).

(4) في «ش» : اللميا و علم السيمياء: علم يطلق علي غير الحقيقي من السحر و حاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس و قد يطلق علي إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس و تكون صورا في جوهر الهواء. (محيط المحيط: 443، مادة «سوم».

(5) البحار 59: 278 - 297.

(6) تقدم في الصفحة: 260. (*)

*****ص 264*****

سأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة: منها: ما ذكره بقوله:

فَأَخْبِرْنِي عَنِ السِّحْرِ مَا أَصْلُهُ وَ كَيْفَ يَقْدِرُ السَّاحِرُ عَلَي مَا يُوصَفُ مِنْ عَجَائِبِهِ وَ مَا يَفْعَلُ قَالَ أبو عبد الله عليه السلام إِنَّ السِّحْرَ عَلَي وُجُوهٍ شَتَّي وَجْهٌ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الطِّبِّ كَمَا أَنَّ الْأَطِبَّاءَ وَضَعُوا لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَكَذَلِكَ عِلْمُ (1) السِّحْرِ احْتَالُوا لِكُلِّ صِحَّةٍ آفَةً وَ لِكُلِّ عَافِيَةٍ عَاهَةً وَ لِكُلِّ مَعْنًي حِيلَةً

وَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْهُ خَطْفَةٌ وَ سُرْعَةٌ وَ مَخَارِيقُ وَ خِفَّةٌ وَ نَوْعٌ آخَرُ مَا يَأْخُذُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينِ عَنْهُمْ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ الشَّيَاطِينُ السِّحْرَ؟

قَالَ مِنْ حَيْثُ عَرَفَ الْأَطِبَّاءُ الطِّبَّ بَعْضُهُ تَجْرِبَةٌ وَ بَعْضُهُ عِلَاجٌ قَالَ فَمَا تَقُولُ فِي الْمَلَكَيْنِ هَارُوتَ وَ مَارُوتَ وَ مَا يَقُولُ النَّاسُ بِأَنَّهُمَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ؟

قَالَ:

إِنَّهُمَا مَوْضِعُ ابْتِلَاءٍ وَ مَوْقِعُ فِتْنَةٍ تَسْبِيحُهُمَا الْيَوْمَ لَوْ فَعَلَ الْإِنْسَانُ كَذَا وَ كَذَا - لَكَانَ كَذَا وَ كَذَا وَ لَوْ يُعَالِجُ بِكَذَا وَ كَذَا لصار كَذَا … فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا فَيَقُولَانِ لَهُمْ إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَأْخُذُوا عَنَّا مَا يَضُرُّكُمْ وَ لَا يَنْفَعُكُمْ قَالَ أَ فَيَقْدِرُ السَّاحِرُ أَنْ يَجْعَلَ

الْإِنْسَانَ بِسِحْرِهِ فِي صُورَةِ ْكَلْب أَوِ ْحِمَار أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ هُوَ أَعْجَزُ مِنْ ذَلِكَ وَ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يُغَيِّرَ خَلْقَ اللَّهِ إِنَّ مَنْ أَبْطَلَ مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ وَ صَوَّرَهُ وَ غَيَّرَهُ (2) فَهُوَ شَرِيكُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ

***** (هامش) *****

(1) كذا في أكثر النسخ و المصدر و في «ص» و «ش» : علماء.

(2) في المصدر: و صوره و غيره. (*)

*****ص 265*****

تَعَالَي اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً لَوْ قَدَرَ السَّاحِرُ عَلَي مَا وَصَفْتَ لَدَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْهَرَمَ وَ الْآفَةَ وَ الْأَمْرَاضَ وَ لَنَفَي الْبَيَاضَ عَنْ رَأْسِهِ وَ الْفَقْرَ عَنْ سَاحَتِهِ وَ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ السِّحْرِ النَّمِيمَةَ يُفَرَّقُ بِهَا بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ وَ يُجْلَبُ الْعَدَاوَةُ عَلَي الْمُتَصَافِيَيْنِ وَ يُسْفَكُ بِهَا الدِّمَاءُ وَ يُهْدَمُ بِهَا الدُّورُ وَ يُكْشَفُ بِهَا السُّتُورُ وَ النَّمَّامُ أَشَرُّ مَنْ وَطِئَ الْأَرْضَ بِقَدَمه فَأَقْرَبُ أَقَاوِيلِ السِّحْرِ مِنَ الصَّوَابِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطِّبِّ إِنَّ السَّاحِرَ عَالَجَ الرَّجُلَ فَامْتَنَعَ مِنْ مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ فَجَاءَ الطَّبِيبُ فَعَالَجَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ [الْعِلَاجِ] فَأُبْرِئَ … الحديث» (1).

ثم لا يخفي أن الجمع بين ما ذكر في معني السحر في غاية الإشكال، لكن المهم بيان حكمه، لا موضوعه. المقام الثاني - في حكم الأقسام المذكورة. فنقول: أما الأقسام الأربعة المتقدمة من الإيضاح، فيكفي في حرمتها - مضافا إلي شهادة المحدث المجلسي رحمه الله في البحار بدخولها في المعني المعروف للسحر عند أهل الشرع، فيشملها الإطلاقات - دعوي فخر المحققين في الإيضاح (2) كون حرمتها من ضروريات الدين و أن مستحلها كافر (3) [وهو ظاهر الدروس أيضا فحكم بقتل مستحلها (4)] (5)، *

***** (هامش) *****

(1) الاحتجاج 2: 81، مع اختلاف.

(2) إيضاح الفوائد 1: 405 و عبارته خالية من دعوي الضرورة.

(3) في «ن»، «خ»، «م»، «ع» و

«ص» زيادة: و دعوي الشهيدين في الدروس و المسالك أن مستحله يقتل.

(4) الدروس 3: 164.

(5) ما بين المعقوفتين ساقط من «ف». (*)

*****ص 266*****

فإنا و إن لم نطمئن بدعوي الإجماعات المنقولة، إلا أن دعوي ضرورة الدين مما يوجب الاطمئنان بالحكم و اتفاق العلماء عليه في جميع الأعصار. نعم، ذكر شارح النخبة أن ما كان من الطلسمات مشتملا علي إضرار أو تمويه علي المسلمين، أو استهانة بشئ من حرمات الله - كالقرآن و أبعاضه و أسماء الله الحسني و نحو ذلك - فهو حرام بلا ريب، سواء عد من السحر أم لا و ما كان للأغراض - كحضور الغائب و بقاء العمارة و فتح الحصون للمسلمين و نحوه - فمقتضي الأصل جوازه و يحكي عن بعض الأصحاب (1) و ربما يستندون في بعضها (2) إلي أمير المؤمنين عليه السلام و السند غير واضح و ألحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر و وجهه غير واضح، انتهي (3) و لا وجه أوضح من دعوي الضرورة (4) من فخر الدين و الشهيد قدس سره ما. *

***** (هامش) *****

(1) مثل الشهيدين و الفاضل الميسي و المحقق الأردبيلي، كما يأتي في الصفحة: 272.

(2) أي في بعض الطلسمات و لعل مراده بما يسند إليه عليه السلام طلسم «جنة الأسماء» علي ما في بعض الشروح.

(3) شرح النخبة للسيد عبد الله حفيد المحدث الجزائري (لا يوجد لدينا).

(4) نسبة دعوي الضرورة إليهم مع خلو كلامهم عنها إنما هي بلحاظ حكمهم بقتل مستحله، حيث إنه لا يكون إلا إذا كانت حرمته من المسلمات و الضروريات (شرح الشهيدي: 59). (*)

*****ص 267*****

و أما غير تلك الأربعة، فإن كان مما يضر بالنفس المحترمة، فلا إشكال أيضا في حرمته و

يكفي في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان علي مقتضي إرادته، فمثل إحداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا. روي الصدوق في الفقيه - في باب عقاب المرأة علي أن تسحر زوجها - بسنده عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه صلوات الله عليهم قال: «قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم لامرأة سألته: أن لي زوجا و به غلظة علي و أني صنعت شيئا لأعطفه علي؟ فقال لها رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

اف لك! كدرت البحار و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الأخيار و ملائكة السماوات و الأرض. قال: فصامت المرأة نهارها و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح، فبلغ ذلك النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم فقال: إن ذلك لا يقبل منها» (1). بناء علي أن الظاهر من قولها: «صنعت شيئا» المعالجة بشئ غير الأدعية و الصلوات و نحوها و لذا فهم الصدوق منها السحر و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية و أما ما لا يضر، فإن قصد به دفع (2) ضرر السحر أو غيره من المضار الدنيوية أو الاخروية، فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه، للأصل، بل فحوي ما سيجئ من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا و إلا فلا دليل علي تحريمه، إلا أن يدخل في «اللهو» *

***** (هامش) *****

(1) الفقيه 3: 445، الحديث 4544.

(2) في «ن»، «خ»، «م»، «ص» و «ش» : رفع. (*)

*****ص 268*****

أو «الشعبذة». نعم، لو صح سند رواية الاحتجاج (1) صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنته و كذا لو عمل بشهادة من تقدم - كالفاضل المقداد و

المحدث المجلسي رحمهما الله بكون جميع ما تقدم من الأقسام داخلا في السحر (2) - اتجه الحكم بدخولها تحت إطلاقات المنع عن السحر. لكن الظاهر استناد شهادتهم إلي الاجتهاد، مع معارضته بما تقدم من الفخر من إخراج علمي الخواص و الحيل من السحر (3) و ما تقدم من تخصيص صاحب المسالك و غيره السحر بما يحدث ضررا (4)، بل عرفت تخصيص العلامة له بما يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله. فهذه شهادة من هؤلاء علي عدم عموم لفظ «السحر» لجميع ما تقدم من الأقسام و تقديم شهادة الإثبات لا يجري في هذا الموضع، لأن الظاهر استناد المثبتين إلي الاستعمال و النافين إلي الاطلاع علي كون الاستعمال مجازا للمناسبة و الأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الأقسام في البحار (5)، بل لعله لا يخلو عن قوة، لقوة الظن من خبر الاحتجاج و غيره. *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة: 263.

(2) تقدم كلامهما في الصفحة: 261.

(3) تقدم في الصفحة: 260 - 261.

(4) تقدم عنه و عن الشهيد الأول في الصفحة: 259.

(5) تقدم عنه في الصفحات: 261 - 263. (*)

*****ص 269*****

بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر و يمكن أن يستدل له مضافا إلي الأصل - بعد دعوي انصراف الأدلة إلي غير ما قصد به غرض راجح شرعا - بالأخبار: منها: ما تقدم في خبر الاحتجاج و منها: ما في الكافي عن القمي، عن أبيه، عن شيخ من أصحابنا الكوفيين، «قال: دخل عيسي بن شفقي (1) علي أبي عبد الله عليه السلام ، قال: جعلت فداك! أنا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي و قد حججت منه و

قد من الله علي بلقائك و قد تبت إلي الله عز و جل من ذلك، فهل لي في شيء من ذلك مخرج؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام : حل و لا تعقد» (2) و كان الصدوق رحمه الله في العلل أشار إلي هذه الرواية، حيث قال: «روي أن توبة الساحر أن يحل و لا يعقد» (3) و ظاهر المقابلة بين الحل و العقد في الجواز و العدم كون كل منهما *

***** (هامش) *****

(1) في أكثر نسخ الكتاب: «شفيق» و في «ش» : «السقفي» و في «ف» : «شفق» و يحتمل «مشفق» و قد اختلفت المصادر أيضا في ضبط هذه الكلمة، ففي الكافي مثل ما أثبتناه و في الفقيه 3: 180، الحديث 3677 و التهذيب 6: 364، الحديث 1043، - الطبعة الحديثة - و الوسائل: «شقفي» و في الطبعة القديمة للتهذيب: «سيفي».

(2) الكافي 5: 115، باب الصناعات، الحديث 7 و روي عنه في الوسائل 12: 105، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(3) علل الشرائع 2: 546، الباب 338، ذيل الحديث الأول. (*)

*****ص 270*****

بالسحر، فحمل «الحل» علي ما كان بغير السحر من الدعاء و الآيات و نحوهما - كما عن بعض (1) - لا يخلو عن بعد و منها: ما عن العسكري، عن آبائه عليهم السلام - في قوله تعالي: * (وما انزل علي الملكين ببابل هاروت و ماروت) * قال: كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموهون، فبعث الله ملكين إلي نبي ذلك الزمان بذكر (2) ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يرد به كيدهم، فتلقاه النبي عن الملكين و أداه إلي عباد الله بأمر

الله و أمرهم أن يقضوا (3) به علي السحر و أن يبطلوه و نهاهم عن (4) أن يسحروا به الناس و هذا كما يقال: إن السم ما هو؟ و إن ما يدفع به غائلة السم ما هو (5) [ثم يقال للمتعلم:

هذا السم فمن رأيته سم فادفع غائلته بهذا و لا تقتل بالسم] (6) - إلي أن قال - : * (وما يعلمان من أحد) * ذلك السحر و إبطاله * (حتي يقولا) * للمتعلم:

* (إنما نحن فتنة) * و امتحان للعباد، ليطيعوا الله في ما يتعلمون من هذا و يبطلوا به كيد السحرة *

***** (هامش) *****

(1) و هو العلامة قدس سره في المنتهي 2: 1014.

(2) في بعض النسخ: يذكر.

(3) في المصدر: أن يقفوا.

(4) لم ترد «عن» في غير «ش».

(5) هذه الفقرة في المصدر كما يلي: و هذا كما يدل علي السم ما هو و علي ما يدفع به غائلة السم.

(6) ما بين المعقوفتين: ليس في المصدر و عبارة: «ثم يقال للمتعلم» ليس في «ف». (*)

*****ص 271*****

و لا يسحروهم، * (فلا تكفر) * (1) باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار و دعاء الناس إلي أن يعتقدوا أنك تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عز و جل، فإن ذلك كفر - إلي أن قال - : * (ويتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم) *، لأ نهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به، فقد تعلموا ما يضر بدينهم و لا ينفعهم (2) … الحديث " (3) و في رواية [علي بن] (4) محمد بن الجهم، عن مولانا الرضا عليه السلام - في حديث - قال:

«و أما هاروت و ماروت فكانا

ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به عن سحر السحرة و يبطلوا به كيدهم و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتي (5) قالا: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا [بالاحتراز منه] (6) و جعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء و زوجه، قال له تعالي: * (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) * يعني بعلمه» (7). *

***** (هامش) *****

(1) في «ش» : «و لا تسحروهم فلا تكفر» و في «خ»، «م» و «ع» : «و لا تسحروهم فلا تكفروا» و في «ف» : «و لا يسحروهم فلا يكفروا» و في «ن» : «و لا تسحروهم فتكفروا» و ما أثبتناه من المصدر و مصححة «ص».

(2) في «ش» زيادة: فيه.

(3) الوسائل 12: 106، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، مع اختلافات اخري غير ما أشرنا إليها.

(4) ساقط من جميع النسخ، أثبتناه من المصدر و الكتب الرجالية.

(5) في بعض النسخ: إلا (خ ل).

(6) ساقط من أكثر النسخ، إلا أنه استدرك في بعضها.

(7) الوسائل 12: 107، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 و الآية من سورة البقرة: 102.

*****ص 272*****

هذا كله، مضافا إلي أن ظاهر أخبار «الساحر» إرادة من (1) يخشي ضرره، كما اعترف به بعض الأساطين (2) و استقرب لذلك جواز الحل به بعد أن نسبه إلي كثير من أصحابنا. لكنه مع ذلك كله، فقد منع العلامة في غير واحد من كتبه (3) و الشهيد رحمه الله في الدروس (4) و الفاضل الميسي (5) و الشهيد الثاني رحمه الله (6) من حل السحر به و لعلهم حملوا ما دل علي الجواز - مع اعتبار سنده - علي

حالة الضرورة و انحصار سبب الحل فيه، لا مجرد دفع الضرر مع إمكانه بغيره من الأدعية و التعويذات (7) و لذا ذهب جماعة - منهم الشهيدان و الميسي (8) و غيرهم (9) - إلي جواز تعلمه ليتوقي به من السحر و يدفع به دعوي المتنبي و ربما حمل أخبار الجواز - الحاكية لقصة هاروت و ماروت - علي *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : إرادة أن.

(2) هو كاشف الغطاء في شرحه علي القواعد (مخطوط) : 23.

(3) كالمنتهي 2: 1014 و القواعد 1: 121 و التذكرة 1: 582.

(4) الدروس 3: 164.

(5) لا يوجد لدينا كتابه: «الميسية».

(6) لم يصرح بالمنع و لعله يستفاد من مفهوم كلامه، انظر المسالك 3: 128.

(7) في هامش «ن» ما يلي: «إذ إبطال السحر رفع مسببه، كما يشهد به التعبير بالحل، مثلا إطفاء النار التي سحر الساحر بدخنتها، أو حل الخيط المعقود سحرا، أو محو المكتوب، أو إظهار المدفون كذلك ليس إبطالا للسحر، صح».

(8) تقدمت الإشارة إلي موارد كلامهم آنفا.

(9) مثل المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 79 و المحدث الكاشاني في المفاتيح 2: 24. (*)

*****ص 273*****

جواز ذلك في الشريعة السابقة (1) و فيه نظر. ثم الظاهر أن التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر علي جميع تعاريفه و قد عرفت أن الشهيدين مع أخذ الإضرار في تعريف السحر ذكرا أن استخدام الملائكة و الجن من السحر (2) و لعل وجه دخوله تضرر المسخر بتسخيره و أما سائر التعاريف، فالظاهر شمولها لها و ظاهر عبارة الإيضاح (3) أيضا دخول هذه في معقد دعواه الضرورة علي التحريم، لأن الظاهر دخولها في الأقسام و العزائم و النفث و يدخل في ذلك تسخير الحيوانات - من الهوام و

السباع و الوحوش و غير ذلك - خصوصا الإنسان و عمل السيميا ملحق بالسحر اسما أو حكما و قد صرح بحرمته الشهيد في الدروس (4) و المراد به - علي ما قيل (5) - : إحداث خيالات لا وجود لها في الحس يوجب تأثيرا في شيء آخر. *

***** (هامش) *****

(1) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 73.

(2) راجع الصفحة: 259.

(3) تقدمت في الصفحة: 260.

(4) الدروس 3: 164.

(5) لم نقف علي القائل، راجع الصفحة 263، الهامش 4. (*)

*****ص 274*****

المسألة الحادية عشرة

المسألة الحادية عشرة:

الشعبذة حرام بلا خلاف و هي الحركة السريعة بحيث يوجب علي الحس الانتقال من الشيء إلي شبهه، كما تري النار المتحركة علي الاستدارة دائرة متصلة، لعدم إدراك السكونات المتخللة بين الحركات و يدل علي الحرمة - بعد الإجماع، مضافا إلي أنه من الباطل و اللهو - : دخوله في السحر في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج (1)، المنجبر و هنها بالإجماع المحكي (2) و في بعض التعاريف المتقدمة (3) للسحر ما يشملها. *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة: 263 - 264.

(2) صرح العلامة في المنتهي (2: 1014) بعدم الخلاف و هكذا المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة (8: 81) و في الجواهر (22: 94) دعوي الإجماع المحكي و المحصل.

(3) مثل ما تقدم عن البحار في تعريف ما جعله قسما رابعا لأقسام السحر، راجع الصفحة: 262. (*)

*****ص 275*****

المسألة الثانية عشرة

المسألة الثانية عشرة:

الغش حرام بلا خلاف و الأخبار به متواترة، نذكر بعضها تيمنا: فعن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم بأسانيد متعددة: «ليس من المسلمين من غشهم» (1) و في رواية العيون [بأسانيد] (2) قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«ليس منا من غش مسلما، أو ضره، أو ماكره» (3) و في عقاب الأعمال، عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا و يحشر مع إليهود يوم القيامة، لأنه من غش الناس فليس بمسلم - إلي أن قال - : و من غشنا فليس منا - قالها *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 208، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(2) من «ش» و لم ترد في «ف» و وردت في أكثر النسخ

بعد قوله: «قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم».

(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 26 و رواه عنه في الوسائل 12: 2 11، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12. (*)

*****ص 276*****

ثلاثا - و من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه و أفسد (1) عليه معيشته و و كله إلي نفسه» (2) و في مرسلة هشام (3) عن أبي عبد الله عليه السلام : «أنه قال لرجل يبيع الدقيق: إياك و الغش! فإنه (4) من غش غش في ماله، فإن لم يكن له مال غش في أهله» (5) و في رواية سعد الإسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام ، «قال: مر النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أري طعامك إلا طيبا (6) فأوحي الله عز و جل إليه: أن يدس يده في الطعام ففعل، فأخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه: ما أراك إلا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين» (7).

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و المصدر و في سائر النسخ: وسد.

(2) عقاب الأعمال: 334 - 337، باب يجمع عقوبات الأعمال، الحديث الأول و رواه عنه في الوسائل 12: 210، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11.

(3) كذا في النسخ و الصواب: «عبيس بن هشام» كما في الوسائل و التهذيب (7: 12، الحديث 51)، هذا و قال المحدث العاملي في ذيل هذا الحديث: و رواه الشيخ بإسناده عن عبيس «عيسي (خ ل) » بن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام.

(4) كذا في «ف» و المصدر و في سائر النسخ: فإن.

(5) الوسائل 12: 209، الباب

86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(6) في المصدر زيادة: و سأله عن سعره.

(7) الوسائل 12: 209، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8. (*)

*****ص 277*****

و رواية موسي بن بكر (1) عن أبي الحسن عليه السلام : «أنه أخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه ثم قطعه بنصفين (2) ثم قال لي (3) : ألقه في البالوعة حتي لا يباع بشئ (4) فيه غش … الخبر (5) » (6) و قوله: «فيه غش» جملة ابتدائية و الضمير في «لا يباع» راجع إلي الدينار و في رواية هشام بن الحكم، قال: «كنت أبيع السابري في الظلال، فمر بي أبو الحسن عليه السلام فقال: يا هشام إن البيع في الظلال غش و الغش لا يحل» (7) و في رواية الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما فيكون أحسن له و أنفق له أن يبله من غير أن يلتمس زيادته (8). فقال: إن كان بيعا لا يصلحه إلا ذلك و لا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة، فلا بأس و إن كان إنما يغش به المسلمين فلا يصلح» (9). *

***** (هامش) *****

(1) في النسخ: موسي بن بكير و الصواب ما أثبتناه من المصدر و كتب الرجال.

(2) كذا في المصدر و في النسخ: فقطعها نصفين.

(3) ليس في «ف»، «ن»، «خ»، «م» و «ع» : لي.

(4) في الوسائل: شيء.

(5) كذا في أكثر النسخ و الظاهر زيادة: «الخبر»، إذ الحديث مذكور بتمامه.

(6) الوسائل 12: 209، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

(7) الوسائل 12: 208، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(8) في أكثر النسخ: زيادة.

(9) الوسائل 12:

421، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 3. (*)

*****ص 278*****

و روايته الاخري، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام (1) سعرهما بشئ (2)، واحدهما أجود من الآخر، فيخلطهما جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد؟ فقال: لا يصلح له أن يغش المسلمين حتي يبينه» (3) و رواية داود بن سرحان، قال: «كان معي جرابان من مسك، أحدهما رطب و الآخر يابس، فبدأت بالرطب فبعته، ثم أخذت اليابس أبيعه، فإذا أنا لا اعطي باليابس الثمن الذي يسوي و لا يزيدوني علي ثمن الرطب، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك: أيصلح لي أن انديه؟ قال: لا، إلا أن تعلمهم، قال: فنديته ثم أعلمتهم، قال: لا بأس» (4). ثم إن ظاهر الأخبار هو كون الغش بما يخفي، كمزج اللبن بالماء و خلط الجيد بالردئ في مثل الدهن و منه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا و نحو ذلك.

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: من طعام واحد.

(2) كذا في «ن» و في «ش» : سعرهما شتي و في «ف»، «خ»، «م» و «ع» : سعرهما شيء، فالأول مطابق للفقيه و الوسائل و الثاني للتهذيب و الثالث للكافي. انظر الفقيه 3: 207، الحديث 3774 و التهذيب 7: 34، الحديث 140 و الكافي 5: 183، الحديث 2.

(3) الوسائل 12: 420، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 2.

(4) الوسائل 12: 421، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 4 و في آخره: فقال: لا بأس به إذا أعلمتهم. (*)

*****ص 279*****

و أما المزج و الخلط بما لا يخفي فلا يحرم، لعدم انصراف «الغش» إليه و يدل عليه - مضافا إلي بعض الأخبار المتقدمة -

: صحيحة ابن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض و بعضه أجود من بعض، قال: إذا ر ؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردئ» (1) و مقتضي هذه الرواية - بل رواية الحلبي الثانية (2) و رواية سعد الإسكاف (3) - أنه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف إلا من قبل البائع، فيجب الإعلام بالعيب غير الخفي، إلا أن تنزل الحرمة - في موارد الروايات الثلاث - علي ما إذا تعمد الغش برجاء التلبس (4) علي المشتري و عدم التفطن له و إن كان من شأن ذلك العيب أن يتفطن له، فلا تدل الروايات علي وجوب الإعلام إذا كان العيب من شأنه التفطن له، فقصر المشتري و سامح في الملاحظة. ثم إن غش المسلم إنما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله، فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله أو بغيره، فلو حصل اتفاقا أو لغرض فيجب الإعلام بالعيب الخفي و يمكن أن يمنع صدق الأخبار المذكورة إلا علي ما إذا قصد التلبيس و أما ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب عليه الإعلام. *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12: 420، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب، الحديث الأول.

(2) المتقدمة في الصفحة السابقة.

(3) المتقدمة في الصفحة: 276.

(4) في «ش» : التلبيس. (*)

*****ص 280*****

نعم، يحرم عليه إظهار ما يدل علي سلامته من ذلك، فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الأمر علي المشتري، سواء كان العيب خفيا أم جليا - كما تقدم - لا بكتمان العيب مطلقا، أو خصوص الخفي و إن لم يقصد التلبيس و من هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا مع عدم الإعلام بالعيب غشا

(1) و في التفصيل المذكور في رواية الحلبي (2) إشارة إلي هذا المعني، حيث إنه عليه السلام جوز بل الطعام بدون قيد الإعلام إذا لم يقصد به الزيادة و إن حصلت به و حرمه مع قصد الغش. نعم، يمكن أن يقال في صورة تعيب المبيع بخروجه عن مقتضي خلقته الأصلية بعيب خفي أو جلي: إن التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشتري، كما لو صرح باشتراط السلامة، فإن العرف يحكمون علي البائع بهذا الشرط - مع علمه بالعيب - أنه غاش. ثم إن الغش يكون بإخفاء الأدني في الأعلي كمزج الجيد بالردئ، أو غير المراد في المراد كإدخال الماء في اللبن و بإظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا و هو التدليس، أو بإظهار الشيء علي خلاف جنسه كبيع المموه علي أنه ذهب أو فضة. ثم إن في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفي - بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء - وجهين في صحة المعاملة و فسادها، من حيث *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 1: 538.

(2) المتقدمة في الصفحة: 277. (*)

*****ص 281*****

إن المحرم هو الغش و المبيع عين مملوكة ينتفع بها و من أن المقصود بالبيع هو اللبن و الجاري عليه العقد هو المشوب. ثم قال: و في الذكري - في باب الجماعة - ما حاصله، أنه لو نوي الاقتداء بإمام معين علي أنه زيد فبان عمروا، أن في الحكم نظرا و مثله ما لو قال: بعتك هذا الفرس، فإذا هو حمار (1) و جعل منشأ التردد تغليب الإشارة أو الوصف (2)، انتهي و ما ذكره من وجهي الصحة و الفساد جار في مطلق العيب، لأن المقصود هو الصحيح و الجاري عليه العقد

هو المعيب و جعله من باب تعارض الإشارة و الوصف مبني علي إرادة الصحيح من عنوان المبيع، فيكون قوله: «بعتك هذا العبد» بعد تبين كونه أعمي بمنزلة قوله: «بعتك هذا البصير» و أنت خبير بأ نه ليس الأمر كذلك - كما سيجئ في باب العيب - ، بل وصف الصحة ملحوظ علي وجه الشرطية و عدم كونه مقوما للمبيع، كما يشهد به العرف و الشرع. ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح، لم يكن إشكال في تقديم العنوان علي الإشارة بعد ما فرض رحمه الله أن المقصود بالبيع هو اللبن و الجاري عليه العقد هو المشوب، لأن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و لذا اتفقوا علي بطلان الصرف فيما إذا تبين أحد العوضين معيبا من غير الجنس. *

***** (هامش) *****

(1) الذكري: 271.

(2) جامع المقاصد 4: 25. (*)

*****ص 282*****

و أما التردد في مسألة تعارض الإشارة و العنوان، فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات بحسب الدلالة اللفظية، فإنها مرددة بين كون متعلق القصد (1) أولا و بالذات هو العين الحاضرة و يكون اتصافه بالعنوان مبنيا علي الاعتقاد و كون متعلقه هو العنوان و الإشارة إليه باعتبار حضوره. أما علي تقدير العلم بما هو المقصود بالذات و مغايرته للموجود الخارجي - كما فيما نحن فيه - فلا يتردد أحد في البطلان و أما وجه تشبيه مسألة الاقتداء في الذكري بتعارض الإشارة و الوصف في الكلام مع عدم الإجمال في النية، فباعتبار عروض الاشتباه للناوي بعد ذلك في ما نواه، إذ كثيرا ما يشتبه علي الناوي أنه حضر في ذهنه العنوان و نوي الاقتداء به معتقدا لحضوره المعتبر في

إمام الجماعة، فيكون الإمام هو المعنون بذلك العنوان و إنما أشار إليه معتقدا لحضوره، أو (2) أنه نوي الاقتداء بالحاضر و عنونه بذلك العنوان لإحراز معرفته بالعدالة، أو تعنون به بمقتضي الاعتقاد من دون اختيار. هذا، ثم إنه قد يستدل علي الفساد - كما نسب إلي المحقق الأردبيلي رحمه الله (3) - بورود النهي عن هذا البيع، فيكون المغشوش منهيا عن بيعه، كما اشير إليه في رواية قطع الدينار و الأمر بإلقائه *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» و «خ» و نسخة بدل سائر النسخ: العقد.

(2) في «ص»، «ن»، «خ» و «م» : و أنه.

(3) مجمع الفائدة 8: 83. (*)

*****ص 283*****

في البالوعة، معللا بقوله: «حتي لا يباع بشئ» (1) و لأن نفس البيع غش منهي عنه و فيه نظر، فإن النهي عن البيع - لكونه مصداقا لمحرم هو الغش - لا يوجب فساده، كما تقدم في بيع العنب علي من (2) يعمله خمرا (3) و أما النهي عن بيع المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر و أما خبر الدينار، فلو عمل به خرجت (4) المسألة عن مسألة الغش، لأنه إذا وجب إتلاف الدينار و إلقاؤه في البالوعة كان داخلا في ما يكون المقصود منه حراما، نظير آلات اللهو و القمار و قد ذكرنا ذلك في ما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما (5)، فيحمل «الدينار» علي المضروب من غير جنس النقدين أو من غير الخالص منهما لأجل التلبيس علي الناس و معلوم أن مثله بهيئته لا يقصد منه إلا التلبيس، فهو آلة الفساد لكل من دفع إليه و أين هو من اللبن الممزوج بالماء و شبهه؟ *

***** (هامش) *****

(1) تقدمت الرواية في الصفحة: 277.

(2) في

«ش» : ممن، (خ ل).

(3) راجع المسألة الثالثة، في حرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله، في الصفحة: 129 و ما بعدها.

(4) في النسخ: خرج.

(5) راجع البحث حول ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة، في الصفحة: 121 و ما بعدها. (*)

*****ص 284*****

فالأقوي حينئذ في المسألة: صحة البيع في غير القسم الرابع، ثم العمل علي ما تقتضيه القاعدة عند تبين الغش. فإن كان قد غش في إظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس و إن كان من قبيل شوب اللبن بالماء، فالظاهر هنا خيار العيب، لعدم خروجه بالمزج عن مسمي اللبن، فهو لبن معيوب و إن كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة، كان له حكم تبعض الصفقة و نقص الثمن بمقدار التراب الزائد، لأنه غير متمول و لو كان شيئا متمولا بطل البيع في مقابله.

*****ص 285*****

المسألة الثالثة عشر

المسألة الثالثة عشر:

الغناء، لا خلاف في حرمته في الجملة و الأخبار بها مستفيضة و ادعي في الإيضاح تواترها (1). منها: ما ورد مستفيضا في تفسير «قول الزور» في قوله تعالي: * (واجتنبوا قول الزور) * (2) ففي صحيحة الشحام (3) و مرسلة ابن أبي عمير (4) و موثقة أبي بصير (5) المرويات عن الكافي و رواية عبد الأعلي المحكية *

***** (هامش) *****

(1) إيضاح الفوائد 1: 405.

(2) الحج: 30.

(3) الكافي 6: 435، باب النرد و الشطرنج، الحديث 2 و عنه في الوسائل 12: 225، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(4) الكافي 6: 436، باب النرد و الشطرنج، الحديث 7 و عنه في الوسائل 12: 227، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

(5) الكافي 6: 431، باب الغناء، الحديث الأول و عنه في الوسائل

12: 227، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9. (*)

*****ص 286*****

عن معاني الأخبار (1) و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمي رحمه الله (2) : تفسير «قول الزور» بالغناء و منها: ما ورد مستفيضا في تفسير «لهو الحديث» (3)، كما في صحيحة ابن مسلم (4) و رواية مهران بن محمد (5) و رواية الوشاء (6) و رواية الحسن ابن هارون (7) و رواية عبد الأعلي السابقة (8) و منها: ما ورد في تفسير «الزور» في قوله تعالي: * (والذين لا يشهدون الزور) * (9) كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام تارة بلا واسطة و اخري بواسطة أبي الصباح الكناني (10) و قد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الأولي *

***** (هامش) *****

(1) معاني الأخبار: 349 و عنه في الوسائل 12: 229، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 20.

(2) راجع تفسير القمي 2: 84 و الوسائل 12: 230، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 26.

(3) في قوله تعالي: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) * لقمان: 6.

(4) الوسائل 12: 226، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(5) نفس المصدر، الحديث 7.

(6) الوسائل 12: 227، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11.

(7) الوسائل 12: 228، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 16.

(8) المتقدمة آنفا.

(9) الفرقان: 72.

(10) الوسائل 12: 226، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 و 3. (*)

*****ص 287*****

بل الثانية في أن الغناء من مقولة الكلام، لتفسير قول الزور به و يؤيده ما في بعض الأخبار، من أن من قول الزور

أن تقول للذي يغني: أحسنت (1) و يشهد له قول علي بن الحسين عليهما السلام في مرسلة الفقيه الآتية في الجارية التي لها صوت: «لا بأس (2) لَوِ اشْتَرَيْتَهَا فَذَكَّرَتْكَ الْجَنَّة، يَعْنِي بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَ الزُّهْدِ وَ الْفَضَائِلِ الَّتِي لَيْسَتْ بِغِنَاءٍ» (3) و لو جعل التفسير من الصدوق دل علي الاستعمال أيضا و كذا «لَهْوَ الْحَدِيثِ» بناء علي أنه من إضافة الصفة إلي الموصوف، فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا علي الكلام الباطل، فلا تدل علي حرمة نفس الكيفية و لو لم يكن في كلام باطل و منه تظهر الخدشة في الطائفة الثالثة، حيث إن مشاهد الزور التي مدح الله تعالي من لا يشهدها، هي مجالس التغني بالأباطيل من الكلام. فالإنصاف، أنها لا تدل علي حرمة نفس الكيفية إلا من حيث إشعار «لَهْوَ الْحَدِيثِ» بكون اللهو علي إطلاقه مبغوضا لله تعالي. *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 12، 229، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 21 و إليك نصه: «قال: سألته عن قول الزور، قال: منه قول الرجل للذي يغني: أحسنت».

(2) في المصدر: ما عليك.

(3) الفقيه 4: 60، الحديث 5097 و عنه في الوسائل 12: 86، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2. (*)

*****ص 288*****

و كذا الزور بمعني الباطل و إن تحققا (1) في كيفية الكلام، لا في نفسه، كما إذا تغني في كلام حق، من قرآن أو دعاء أو مرثية و بالجملة، فكل صوت يعد في نفسه - مع (2) قطع النظر عن الكلام المتصوت به - لهوا و باطلا فهو حرام و مما يدل علي حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا: رواية عبد الأعلي - و فيها

ابن فضال - قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء و قلت: إنهم يزعمون: أن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم، حيونا حيونا نحيكم، فقال: كذبوا، إن الله تعالي يقول: * (وما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون) * (3)، ثم قال: ويل لفلان مما يصف! - رجل لم يحضر المجلس - … الخبر (4) » (5). فإن الكلام المذكور - المرخص فيه بزعمهم - ليس بالباطل و اللهو اللذين يكذب الإمام عليه السلام رخصة النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم فيه، فليس الإنكار الشديد المذكور و جعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو و الباطل *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و علي فرض مطابقتها لما صدر من قلم المؤلف قدس سره ، فمرجع ضمير التثنية هو «اللهو» و «الزور».

(2) في «ف»، «ن» و «خ» : و مع.

(3) الأنبياء: 16 - 17 - 18.

(4) كذا في النسخ و الظاهر زيادة: «الخبر»، لأن الخبر مذكور بتمامه.

(5) الوسائل 12: 228، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15. (*

*****ص 289*****

إلا من جهة التغني به و رواية يونس، قال: «سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء و قلت: إن العباسي زعم أنك (1) ترخص في الغناء، فقال: كذب الزنديق! ما كذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت له: إن رجلا أتي أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء فقال له: إذا (2) ميز الله بين

الحق و الباطل فأين يكون الغناء؟ قال: مع الباطل، فقال: قد حكمت» (3) و رواية محمد بن أبي عباد - و كان مستهترا (4) بالسماع و يشرب (5) النبيذ - قال: «سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال: لأهل الحجاز (6) فيه رأي و هو في حيز الباطل و اللهو، أما سمعت الله عز و جل يقول: * (و إذا مروا باللغو مروا كراما) *» (7) و الغناء من السماع، كما نص عليه في الصحاح (8) و قال أيضا: *

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: إن العباسي ذكر عنك أنك.

(2) في المصدر: يا فلان إذا …

(3) الوسائل 12: 227، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 13.

(4) في العيون: مشتهرا.

(5) في «ش»، «ف»، «ن» و العيون: بشرب.

(6) في الوسائل زيادة: العراق (خ ل).

(7) الوسائل 12: 229، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 19 و الآية من سورة الفرقان: 72 و انظر عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 128، الحديث 5.

(8) الصحاح 6: 2449، مادة «غني». (*)

*****ص 290*****

جارية مسمعة، أي مغنية (1) و في رواية الأعمش - الواردة في تعداد الكبائر - قوله: «والملاهي التي تصد عن ذكر الله (2) كالغناء و ضرب الأوتار» (3) و قوله عليه السلام - و قد سئل عن الجارية المغنية - : «قد يكون للرجل جارية تلهيه و ما ثمنها إلا كثمن الكلب» (4) و ظاهر هذه الأخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل، فالغناء - و هي من مقولة الكيفية للأصوات، كما سيجيء - ، إن كان مساويا للصوت اللهوي و الباطل - كما هو الأقوي و سيجئ - فهو و إن كان أعم وجب

تقييده بما كان من هذا العنوان، كما أنه لو كان أخص وجب التعدي عنه إلي مطلق الصوت الخارج علي وجه اللهو و بالجملة، فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي التي (5) ورد النهي عن قراءة القرآن بها (6) سواء كان مساويا للغناء *

***** (هامش) *****

(1) الصحاح 3: 1232، مادة «سمع».

(2) في المصدر زيادة: مكروهة.

(3) الخصال: 610، أبواب المائة فما فوقه، ذيل الحديث 9 و عنه الوسائل 11: 262، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 36.

(4) الوسائل 12: 88، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6 و إليك نصه: «سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنية، قال: قد تكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا ثمن كلب … الحديث».

(5) كذا في «ش» و مصححة «ن» و في سائر النسخ: الذي.

(6) الوسائل 4: 858، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، الحديث الأول. (*)

*****ص 291*****

أو أعم أو أخص، مع أن الظاهر أن ليس الغناء إلا هو و إن اختلفت فيه عبارات الفقهاء و اللغويين: فعن المصباح: أن الغناء الصوت (1) و عن آخر: أنه مد الصوت (2) و عن النهاية عن الشافعي: أنه تحسين الصوت (3) و ترقيقه و عنها أيضا: أن كل من رفع صوتا و والاه فصوته عند العرب غناء (4) و كل هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها و عدم صدق الغناء عليها، فكلها إشارة إلي المفهوم المعين عرفا و الأحسن من الكل ما تقدم من الصحاح (5) و يقرب منه المحكي عن المشهور بين الفقهاء (6) من أنه مد الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب و الطرب - علي ما في الصحاح - : خفة

تعتري الإنسان لشدة حزن أو سرور (7) و عن الأساس للزمخشري: خفة لسرور أو هم (8). *

***** (هامش) *****

(1) المصباح المنير: 455، مادة «غنن».

(2) لم نظفر علي قائله و جعله المحقق النراقي ثامن الأقوال من دون إسناد إلي قائل معين، انظر المستند 2: 340.

(3) في المصدر: تحسين القراءة.

(4) النهاية، لابن الأثير 3: 391.

(5) في الصفحة: 289.

(6) انظر مفاتيح الشرائع 2: 20.

(7) الصحاح 1: 171، مادة «طرب».

(8) أساس البلاغة: 277، مادة «طرب». (*)

*****ص 292*****

و هذا القيد (1) هو المدخل للصوت في أفراد اللهو و هو الذي أراده الشاعر بقوله: «أطربا و أنت قنسري» (2) أي شيخ كبير و إلا فمجرد السرور أو الحزن لا يبعد عن الشيخ الكبير و بالجملة، فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع [المطرب، أو و لو مع الترجيع] (3) لا يوجب كونه لهوا و من اكتفي (4) بذكر الترجيع - كالقواعد (5) - أراد به المقتضي للإطراب. قال في (6) جامع المقاصد - في الشرح - : ليس مجرد مد الصوت محرما - و إن مالت إليه النفوس - ما لم ينته إلي حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للإطراب (7)، انتهي. *

***** (هامش) ***** *

(1) في شرح الشهيدي (68) ما يلي: في التعبير مسامحة و المراد من القيد الخفة الناشئة من السرور أو الحزن.

(2) و تمام البيت: و الدهر بالإنسان دواري أفني القرون و هو قعسري قاله العجاج كما في ديوانه: 314 و في لسان العرب: الطرب خفة تلحق الإنسان عند السرور و عند الحزن و المراد به في هذا البيت السرور، يخاطب نفسه فيقول: أتطرب إلي اللهو طرب الشبان و أنت شيخ مسن؟ انظر لسان العرب 5: 117، مادة «قنسر».

(3) الزيادة

من «ش».

(4) في «ف» : اكتفي في التعريف.

(5) القواعد 2: 236، باب الشهادات.

(6) وردت «في» في «ص» و «ع» فقط.

(7) جامع المقاصد 4: 23. (*)

*****ص 293*****

ثم إن المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة إلي المغني أو المستمع، أو ما كان من شأنه الإطراب و مقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع من جهة قبح الصوت أو غيره و أما لو اعتبر الإطراب فعلا - خصوصا بالنسبة إلي كل أحد و خصوصا بمعني الخفة لشدة السرور أو الحزن - فيشكل بخلو أكثر ما هو غناء عرفا عنه و كان هذا هو الذي دعا الشهيد الثاني إلي أن زاد في الروضة و المسالك - بعد تعريف المشهور - قوله: «أو ما يسمي في العرف غناء» (1) و تبعه في مجمع الفائدة (2) و غيره (3) و لعل هذا أيضا دعا صاحب مفتاح الكرامة إلي زعم أن «الإطراب» في تعريف الغناء غير «الطرب» - المفسر في الصحاح بخفة لشدة سرور أو حزن (4) - و إن توهمه (5) صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا. *

***** (هامش) *****

(1) الروضة البهية 3: 212، المسالك 3: 126.

(2) مجمع الفائدة 8: 57، نقله عن بعض الأصحاب و ظاهره تلقيه بالقبول.

(3) الحدائق 18: 101.

(4) تقدم في الصفحة: 291.

(5) في شرح الشهيدي (68) : قضية الإتيان ب «إن» الوصلية و التعبير بالتوهم مخالفة الطريحي في ما ذكره من المغايرة - حيث إن هذا التعبير لا يكون إلا في مقام ذكر المخالف - و عليه يكون مرجع ضمير المفعول في «توهمه» : الاتحاد المدلول عليه بالكلام السابق و لكن لا يخفي عليك أنه ليس في المجمع ما يدل علي الاتحاد و عدم

المغايرة، انتهي و انظر مجمع البحرين 2: 109. (*)

*****ص 294*****

و استشهد (1) علي ذلك بما في الصحاح من أن التطريب في الصوت: مده و تحسينه (2) و ما عن المصباح من أن طرب في صوته: مده و رجعه (3) و في القاموس: الغناء - ككساء - من الصوت ما طرب به و أن التطريب: الإطراب، كالتطرب و التغني (4). قال رحمه الله: فتحصل من ذلك أن المراد بالتطريب و الإطراب غير الطرب بمعني الخفة لشدة حزن أو سرور - كما توهمه صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا (5) - فكأنه قال في القاموس: الغناء من الصوت ما مد و حسن و رجع، فانطبق علي المشهور، إذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت و النفس، فكان لازما للإطراب و التطريب (6)، انتهي كلامه رحمه الله (7) و فيه: أن الطرب إذا كان معناه - علي ما تقدم من الجوهري و الزمخشري (8) - هو ما يحصل للإنسان من الخفة، لا جرم يكون المراد *

***** (هامش) *****

(1) أي صاحب مفتاح الكرامة.

(2) الصحاح 1: 172، مادة «طرب».

(3) المصباح المنير: 370.

(4) القاموس المحيط 4: 372 و 1: 97.

(5) انظر الهامش 5 في الصفحة السابقة.

(6) كذا في «ش» و المصدر و في سائر النسخ: التطرب.

(7) مفتاح الكرامة 4: 50.

(8) تقدم عنهما في الصفحة: 291.

*****ص 295*****

بالإطراب و التطريب إيجاد هذه الحالة و إلا لزم الاشتراك اللفظي، مع أنهم لم يذكروا للطرب معني آخر ليشتق منه لفظ «التطريب» و «الإطراب». مضافا إلي أن ما ذكر في معني التطريب من الصحاح و المصباح إنما هو للفعل القائم بذي الصوت، لا الإطراب القائم بالصوت و هو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور، دون فعل

الشخص، فيمكن أن يكون معني «تطريب الشخص في صوته» : إيجاد سبب الطرب - بمعني الخفة - بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه، كما أن تفريح الشخص: إيجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه، فلا ينافي ذلك ما ذكر في معني الطرب و كذا ما في القاموس من قوله: «ما طرب به» يعني ما اوجد به الطرب. مع أنه لا مجال لتوهم كون التطريب - بمادته - بمعني التحسين و الترجيع، إذ لم يتوهم أحد كون الطرب بمعني الحسن و الرجوع، أو كون التطريب هو نفس المد، فليست هذه الامور إلا أسبابا للطرب يراد إيجاده من فعل (1) هذه الأسباب. هذا كله، مضافا إلي عدم إمكان إرادة [ما ذكر من] (2) المد و التحسين و الترجيع من «المطرب (3) » في قول الأكثر: «إن الغناء مد الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب» كما لا يخفي. مع أن مجرد المد *

***** (هامش) *****

(1) في النسخ: يراد من إيجاده فعل.

(2) مشطوب عليه في «ف».

(3) كذا في «ف»، «ن» و في سائر النسخ: الطرب. (*)

*****ص 296*****

و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا، لما مر و سيجئ. فتبين من جميع ما ذكرنا أن المتعين حمل «المطرب» في تعريف الأكثر للغناء علي الطرب بمعني الخفة و توجيه كلامهم:

بإرادة ما يقتضي الطرب و يعرض له بحسب وضع نوع ذلك الترجيع و إن لم يطرب شخصه لمانع، من غلظة الصوت و مج (1) الأسماع له و لقد أجاد في الصحاح حيث فسر الغناء بالسماع و هو المعروف عند أهل العرف و قد تقدم في رواية محمد بن أبي عباد - المستهتر بالسماع - (2) و كيف كان، فالمحصل من الأدلة المتقدمة حرمة الصوت

المرجع فيه علي سبيل اللهو، فإن اللهو كما يكون بآلة من غير صوت - كضرب الأوتار و نحوه - و بالصوت في الآلة - كالمزمار و القصب و نحوهما - فقد يكون بالصوت المجرد. فكل صوت يكون لهوا بكيفيته و معدودا من ألحان أهل الفسوق و المعاصي فهو حرام و إن فرض أنه ليس بغناء و كل ما لا يعد لهوا فليس بحرام و إن فرض صدق الغناء عليه، فرضا غير محقق، لعدم الدليل علي حرمة الغناء إلا من حيث كونه باطلا و لهوا و لغوا و زورا. ثم إن «اللهو» يتحقق بأمرين: أحدهما - قصد التلهي و إن لم يكن لهوا و الثاني - كونه لهوا في نفسه عند المستمعين و إن لم يقصد به *

***** (هامش) *****

(1) في «ن»، «خ»، «م»، «ع» و «ص» : مجة.

(2) تقدمت في الصفحة: 289. (*)

*****ص 297*****

التلهي. ثم إن المرجع في «اللهو» إلي العرف و الحاكم بتحققه هو الوجدان، حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو و للرقص (1) و لحضور ما تستلذه القوي الشهوية، من كون المغني جارية أو أمردا و نحو ذلك و مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء، فقد يحس (2) بعض الترجيع من مبادئ الغناء و لم يبلغه و ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق أو باطل، فقراءة القرآن و الدعاء و المراثي بصوت يرجع فيه علي سبيل اللهو لا إشكال في حرمتها و لا في تضاعف عقابها، لكونها معصية في مقام الطاعة و استخفافا بالمقرو و المدعو و المرثي و من أوضح تسويلات الشيطان: أن الرجل المتستر (3) قد تدعوه نفسه - لأجل

التفرج و التنزه و التلذذ - إلي ما يوجب نشاطه و رفع الكسالة عنه من الزمزمة الملهية، فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثي و نحوها، فيتغني به، أو يحضر عند من يفعل ذلك و ربما يعد مجلسا لأجل إحضار أصحاب الألحان و يسميه «مجلس المرثية» فيحصل له بذلك ما لا يحصل له من ضرب الأوتار من النشاط و الانبساط و ربما يبكي في خلال ذلك لأجل الهموم المركوزة *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ف» و في سائر النسخ: و الرقص.

(2) كذا في النسخ و الظاهر: يحسب.

(3) المتستر: و هو مقابل المستهتر. (*)

*****ص 298*****

في قلبه، الغائبة (1) عن خاطره، من فقد (2) ما تستحضره القوي الشهوية و يتخيل أنه بكي في المرثية و فاز بالمرتبة العالية و قد أشرف علي النزول إلي دركات الهاوية، فلا ملجأ إلا إلي الله من شر الشيطان و النفس الغاوية و ربما يجرئ (3) علي هذا عروض الشبهة في الأزمنة المتأخرة في هذه المسألة، تارة من حيث أصل الحكم و اخري من حيث الموضوع و ثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع. أما الأول: فلأنه حكي عن المحدث الكاشاني أنه خص الحرام منه بما اشتمل علي محرم من خارج - مثل اللعب بآلات اللهو و دخول الرجال و الكلام بالباطل - و إلا فهو في نفسه غير محرم و المحكي من كلامه في الوافي أنه - بعد حكاية الأخبار التي يأتي بعضها - قال: الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء و ما يتعلق به - من الأجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء، كلها بما (4) كان علي النحو المتعارف (5) في

زمن الخلفاء (6)، من دخول الرجال *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : الفائتة.

(2) في شرح الشهيدي (71) : الظاهر أنه من متعلقات الهموم، يعني الهموم الناشئة من فقد … إلخ.

(3) كذا في «ف»، «ن» و «ش» و في «خ»، «م»، «ع» و «ص» : يجري و في هامش «ن»، «خ»، «م»، «ع» و «ش» : يجتري (خ ل).

(4) في «ف»، «خ»، «ع» و «ص» : مما.

(5) «ص» و «ش» : المعهود المتعارف.

(6) في هامش «ص» و في المصدر: في زمن بني امية و بني العباس.

*****ص 299*****

عليهن و تكلمهن بالباطل و لعبهن بالملاهي من العيدان و القصب و غيرهما، دون ما سوي ذلك من أنواعه، كما يشعر به قوله عليه السلام : «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» (1) - إلي أن قال - : و علي هذا فلا بأس بالتغني (2) بالأشعار المتضمنة لذكر الجنة و النار و التشويق إلي دار القرار و وصف نعم الله الملك الجبار و ذكر العبادات و الترغيب (3) في الخيرات و الزهد في الفانيات و نحو ذلك، كما اشير إليه في حديث الفقيه بقوله: «فذكرتك (4) الجنة» (5) و ذلك لأن هذا كله ذكر الله و ربما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلي ذكر الله (6) و بالجملة، فلا يخفي علي أهل الحجي بعد سماع هذه الأخبار تمييز حق الغناء عن باطله و أن أكثر ما يتغني به الصوفية (7) في محافلهم من قبيل الباطل (8)، انتهي. أقول: لولا استشهاده بقوله: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» *

***** (هامش) *****

(1) هذا قسم من رواية أبي بصير، الآتية في الصفحة: 305.

(2) في «ص» و المصدر: بسماع

التغني.

(3) كذا في «ص» و المصدر و في سائر النسخ: و الرغبات.

(4) كذا في «ص» و في النسخ: ذكرتك.

(5) راجع الصفحة: 287.

(6) اقتباس من سورة الزمر، الآية 23.

(7) في «ص» و المصدر: المتصوفة.

(8) الوافي 17: 218 - 223. (*)

*****ص 300*****

أمكن - بلا تكلف - تطبيق كلامه علي ما ذكرناه من أن المحرم هو الصوت اللهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي و التكلم بالأباطيل و دخول الرجال علي النساء، لحظ (1) السمع و البصر من شهوة الزنا، دون مجرد الصوت الحسن الذي يذكر امور الآخرة و ينسي شهوات الدنيا. إلا أن استشهاده بالرواية: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء لا من حيث نفسه، فإن صوت المغنية التي تزف العرائس علي سبيل اللهو لا محالة و لذا لو قلنا بإباحته فيما يأتي كنا قد خصصناه بالدليل و نسب القول المذكور إلي صاحب الكفاية - أيضا - و الموجود فيها - بعد ذكر الأخبار المتخالفة جوازا و منعا في القرآن و غيره - : أن الجمع بين هذه الأخبار يمكن بوجهين: أحدهما - تخصيص تلك الأخبار الواردة المانعة بما عدا القرآن و حمل ما يدل علي ذم التغني بالقرآن علي قراءة تكون علي سبيل اللهو، كما يصنعه الفساق في غنائهم و يؤيده رواية عبد الله بن سنان المذكورة: «اقرأوا القرآن بألحان العرب و إياكم و لحون أهل الفسق و الكبائر [وسيجئ من بعدي أقوام] (2) يرجعون القرآن ترجيع الغناء» (3).

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و في سائر النسخ: لحق.

(2) في ما عدا «ش» بدل ما بين المعقوفتين: و قوله.

(3) الوسائل 4: 858، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، الحديث الأول، مع تفاوت يسير.

(*)

*****ص 301*****

و ثانيهما - أن يقال - و حاصل ما قال - : حمل الأخبار المانعة علي الفرد الشائع في ذلك الزمان، قال: و الشائع في ذلك الزمان الغناء علي سبيل اللهو من الجواري و غيرهن في مجالس الفجور و الخمور و العمل بالملاهي و التكلم بالباطل و إسماعهن الرجال، فحمل المفرد المعرف - يعني لفظ «الغناء» - علي تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد. ثم ذكر رواية علي بن جعفر الآتية (1) و رواية «اقرأوا القرآن» المتقدمة و قوله: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» (2) مؤيدا لهذا الحمل. قال: إن فيه إشعارا بأن منشأ المنع في الغناء هو بعض الامور المحرمة المقترنة به كالإلتهاء و غيره - إلي أن قال - : إن في عدة من أخبار المنع عن الغناء إشعارا بكونه لهوا باطلا و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الأذكار - المقروة بالأصوات الطيبة المذكرة المهيجة للأشواق إلي العالم الأعلي - محل تأمل. علي أن التعارض واقع بين أخبار الغناء و الأخبار الكثيرة المتواترة الدالة علي فضل قراءة القرآن و الأدعية و الأذكار (3) مع عمومها لغة و كثرتها و موافقتها للأصل و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه، فإذا لا ريب في تحريم الغناء علي سبيل اللهو و الاقتران (4) بالملاهي و نحوهما. *

***** (هامش) *****

(1) تأتي في الصفحة: 304.

(2) الآتية في الصفحة: 305.

(3) في «ص» زيادة: «بالصوت الحسن» و الظاهر أنها زيدت لاقتضاء السياق.

(4) في «ن»، «خ»، «م» و «ع» : الإقران. (*)

*****ص 302*****

ثم إن ثبت إجماع في غيره و إلا بقي حكمه علي الإباحة و طريق الاحتياط واضح (1)، انتهي. أقول: لا يخفي أن الغناء -

علي ما استفدنا من الأخبار، بل فتاوي الأصحاب و قول أهل اللغة - هو من الملاهي، نظير ضرب الأوتار و النفخ في القصب و المزمار و قد تقدم التصريح بذلك في رواية الأعمش - الواردة في الكبائر - فلا يحتاج في حرمته إلي أن يقترن بالمحرمات الاخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين (2). نعم، لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن - كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معني التطريب (3) - توجه ما ذكراه، بل (4) لا أظن أحدا يفتي بإطلاق حرمة الصوت الحسن و الأخبار بمدح الصوت الحسن و أنه من أجمل الجمال و استحباب القراءة و الدعاء به و أنه حلية القرآن و اتصاف الأنبياء *

***** (هامش) *****

(1) كفاية الأحكام:

86، مع اختلاف كثير. قال الشهيدي في الشرح (71) : ينبغي نقل عبارة كفاية الأحكام بعين ألفاظها كي تري أن المصنف كيف غير في النقل فحصل من جهته ما تراه من الإغلاق و الاضطراب، حتي لا تغتر في المنقول بعظم شأن الناقل، بل تراجع إلي الكتاب المنقول منه، كما أوصي بذلك كاشف اللثام في وصاياه و لعمري أنه أجاد فيما أوصاه.

(2) الكاشاني و السبزواري.

(3) مثل ما تقدم عن الصحاح في الصفحة: 294.

(4) كذا في النسخ و المناسب: لكن لا أظن. (*)

*****ص 303*****

و الأئمة صلوات الله عليهم [به] (1) في غاية الكثرة (2) و قد جمعها في الكفاية بعد ما ذكر: أن غير واحد من الأخبار يدل علي جواز الغناء في القرآن، بل استحبابه، بناء علي دلالة الروايات علي استحباب حسن الصوت و التحزين و الترجيع به و الظاهر أن شيئا منها لا يوجد بدون الغناء علي

ما استفيد من كلام أهل اللغة و غيرهم علي ما فصلناه في بعض رسائلنا (3)، انتهي و قد صرح في شرح قوله عليه السلام : «اقرؤا القرآن بألحان العرب» أن اللحن هو الغناء (4) و بالجملة، فنسبة الخلاف إليه في معني الغناء أولي من نسبة التفصيل إليه، بل ظاهر أكثر كلمات المحدث الكاشاني أيضا ذلك، لأنه في مقام نفي التحريم عن الصوت الحسن المذكر لامور الآخرة المنسي لشهوات الدنيا. نعم، بعض كلماتهما ظاهرة في ما نسب إليهما من التفصيل في الصوت اللهوي الذي ليس هو عند التأمل تفصيلا، بل قولا بإطلاق *

***** (هامش) *****

(1) «به» من مصححة «ش» فقط.

(2) قد أورد هذه الروايات الكليني قدس سره في الكافي 2: 614 - 616 في باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن و أورد بعضها في الوسائل 4: 859، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، لكن لم نقف علي خبر يدل علي استحباب الدعاء بالصوت الحسن، فراجع.

(3) كفاية الأحكام:

85.

(4) لم نجد التصريح بذلك في كفاية الأحكام، فراجع و يحتمل بعيدا قراءة «صرح» بصيغة المجهول. (*)

*****ص 304*****

جواز الغناء و أنه لا حرمة فيه أصلا و إنما الحرام ما يقترن به من المحرمات، فهو - علي تقدير صدق نسبته إليهما - في غاية الضعف لا شاهد له يقيد الإطلاقات الكثيرة المدعي تواترها، إلا بعض الروايات التي ذكراها (1) : منها: ما عن الحميري - بسند لم يبعد في الكفاية إلحاقه بالصحاح (2) - عن علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: «سألته عن الغناء في الفطر و الأضحي و الفرح، قال: لا بأس ما لم يعص به» (3) و المراد به - ظاهرا - ما لم يصر الغناء سببا للمعصية

و لا مقدمة للمعاصي المقارنة له و في كتاب علي بن جعفر، عن أخيه، قال: «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحي و الفرح؟ قال: لا بأس ما لم يزمر به» (4) و الظاهر أن المراد بقوله: «لم يزمر به» (5) أي لم يلعب (6) معه بالمزمار، أو ما لم يكن الغناء بالمزمار و نحوه من آلات الأغاني. *

***** (هامش) *****

(1) ليس في النسخة التي بأيدينا من كفاية الأحكام أثر من الروايات التالية و لم نقف عليها في الوافي أيضا في أبواب وجوه المكاسب.

(2) لم تذكر هذه الرواية في كفاية الأحكام، فضلا عن الكلام في سندها.

(3) قرب الإسناد:

294، الحديث 1158 و عنه في الوسائل 12: 85، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

(4) مسائل علي بن جعفر: 156، الحديث 219.

(5) كذا في «ف» و في سائر النسخ: ما لم يزمر.

(6) في «ش» : أي ما لم يزمر. (*)

*****ص 305*****

و رواية أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام (1) عن كسب المغنيات، فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعي إلي الأعراس لا بأس به و هو قول الله عز و جل: * (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) *» (2) و عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال عليه السلام : أَجْرِ الْمُغَنِّيَةِ الَّتِي تَزُفُّ الْعَرَائِسَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَ لَيْسَتْ بِالَّتِي يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَال (3). فإن ظاهر الثانية و صريح الأولي: أن حرمة الغناء منوط بما يقصد منه، فإن كان المقصود إقامة مجلس اللهو حرم و إلا فلا و قوله عليه السلام في الرواية: «و هو قول

الله» إشارة إلي ما ذكره من التفصيل و يظهر منه (4) أن كلا الغنائين من لهو الحديث، لكن يقصد بأحدهما إدخال الناس في المعاصي و الإخراج عن سبيل الحق و طريق الطاعة، دون الآخر و أنت خبير بعدم مقاومة هذه الأخبار للإطلاقات، لعدم ظهور يعتد به في دلالتها، فإن الرواية الأولي لعلي بن جعفر ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء، فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل علي *

***** (هامش) *****

(1) كذا في الوسائل أيضا و في «ص» و الكافي (5: 119، الحديث الأول) و التهذيب (6: 358، الحديث 1024) و الاستبصار (3: 62، الحديث 207) : سألت أبا جعفر عليه السلام.

(2) الوسائل 12: 84، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(3) الوسائل 12: 85، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(4) في شرح الشهيدي (76) : يعني من قوله عليه السلام : «و هو قول الله». (*)

*****ص 306*****

الترجيع و هو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم و قد لا ينتهي إلي ذلك الحد فلا يعصي به و منه يظهر توجيه الرواية الثانية لعلي بن جعفر، فإن معني قوله: «لم يزمر به» لم يرجع فيه ترجيع المزمار، أو لم يقصد منه قصد المزمار، أو أن المراد من «الزمر» التغني علي سبيل اللهو و أما رواية أبي بصير - مع ضعفها سندا بعلي بن أبي حمزة البطائني - فلا تدل إلا علي كون غناء المغنية التي يدخل (1) عليها الرجال داخلا في لهو الحديث في الآية و عدم دخول غناء التي تدعي إلي الأعراس فيه (2) و هذا لا يدل علي دخول ما لم يكن منهما (3) في القسم المباح، مع كونه من لهو

الحديث قطعا. فإذا فرضنا أن المغني يغني بأشعار باطلة، فدخول هذا في الآية أقرب من خروجه و بالجملة، فالمذكور في الرواية (4) تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب من أنها تطلب (5) للتغني، إما في المجالس المختصة بالنساء - كما في الأعراس - و إما للتغني في مجالس الرجال. نعم، الإنصاف أنه لا يخلو (6) من إشعار بكون المحرم هو الذي يدخل فيه الرجال علي المغنيات، لكن المنصف لا يرفع اليد عن *

***** (هامش) *****

(1) في «ف»، «خ»، «م» و «ع» و ظاهر «ن» : لم يدخل.

(2) كذا في مصححة «ص» و «ن» و في سائر النسخ: فيها.

(3) في «خ»، «م»، «ع»، «ص» و «ش» و ظاهر «ن» : منها.

(4) كذا في «ش» و مصححة «ص» و في «ف»، «ن»، «خ»، «م» و «ع» : الآية.

(5) كذا في «ص» و «ش» و في غيرهما: من أنه يطلب.

(6) كذا في النسخ و المناسب: أنها لا تخلو، كما في مصححة «ص». (*)

*****ص 307*****

الإطلاقات لأجل هذا الإشعار، خصوصا مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنية و لو لخصوص مولاها، كما تقدم من قوله عليه السلام : «قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا ثمن الكلب» (1)، فتأمل و بالجملة، فضعف هذا القول - بعد ملاحظة النصوص - أظهر من أن يحتاج إلي الإظهار و ما أبعد بين هذا و بين ما سيجئ من فخر الدين (2) من عدم تجويز الغناء بالأعراس (3)، لأن الروايتين و إن كانتا نصين في الجواز، إلا أ نهما لا تقاومان الأخبار المانعة، لتواترها (4) و أما ما ذكره في الكفاية من تعارض أخبار المنع للأخبار الواردة في فضل

قراءة القرآن (5) فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل و أما الثاني - و هو الاشتباه في الموضوع - : فهو ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا - تقليدا لمن سبقه من أعياننا - من منع صدق الغناء في المراثي و هو عجيب! فإنه إن أراد أن الغناء مما يكون لمواد الألفاظ دخل فيه، فهو تكذيب للعرف و اللغة. أما اللغة فقد عرفت و أما العرف فلأ نه لا ريب أن من سمع من بعيد صوتا مشتملا علي الإطراب المقتضي للرقص أو ضرب آلات *

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة: 290.

(2) يجئ في الصفحة: 314 عنه و عن جماعة من الأعلام، فلا وجه لتخصيصه بالذكر، اللهم إلا بملاحظة التعليل المذكور.

(3) في مصححة «ص» : في الأعراس و هو الأنسب.

(4) التعليل من فخر الدين بتفاوت في العبارة، انظر إيضاح الفوائد 1: 405.

(5) لم نجد التصريح بالتعارض، لكن يستفاد من مضمون كلامه، انظر كفاية الأحكام:

85 - 86. (*)

*****ص 308*****

اللهو لا يتأمل في إطلاق الغناء عليه إلي أن يعلم مواد الألفاظ و إن أراد أن الكيفية التي يقرأ بها للمرثية لا يصدق عليها تعريف الغناء، فهو تكذيب للحس و أما الثالث - و هو اختصاص الحرمة ببعض أفراد الموضوع - : فقد حكي في جامع المقاصد قولا - لم يسم قائله - باستثناء الغناء في المراثي نظير استثنائه في الأعراس و لم يذكر وجهه (1) و ربما وجهه بعض من متأخري المتأخرين (2) بعمومات (3) أدلة الإبكاء و الرثاء و قد أخذ ذلك مما تقدم من صاحب الكفاية من الاستدلال بإطلاق أدلة قراءة القرآن (4) و فيه: أن أدلة المستحبات لا تقاوم أدلة

المحرمات، خصوصا التي تكون من مقدماتها، فإن مرجع أدلة الاستحباب إلي استحباب إيجاد الشيء بسببه المباح، لا بسببه المحرم، ألا تري أنه لا يجوز إدخال السرور في قلب المؤمن و آجابته بالمحرمات، كالزنا و اللواط و الغناء؟ و السر في ذلك أن دليل الاستحباب إنما يدل علي كون الفعل لو خلي و طبعه خاليا عما يوجب لزوم أحد طرفيه، فلا ينافي ذلك طرو عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله أو تركه - كما إذا صار مقدمة لواجب، أو صادفه عنوان محرم - فإجابة المؤمن و إدخال السرور في *

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 4: 23.

(2) مثل المحقق النراقي في المستند 2: 644.

(3) في «ف»، «خ»، «م»، «ع» و «ص» : لعمومات.

(4) في شرح الشهيدي (77) : ليس في كفاية الأحكام من الاستدلال به أثر في كتابي التجارة و الشهادة. (*)

*****ص 309*****

قلبه ليس في نفسه شيء ملزم لفعله أو تركه، فإذا تحقق في ضمن الزنا فقد طرأ عليه عنوان ملزم لتركه، كما أنه إذا أمر به الوالد أو السيد طرأ عليه عنوان ملزم لفعله و الحاصل: أن جهات الأحكام الثلاثة - أعني الإباحة و الاستحباب و الكراهة - لا تزاحم جهة الوجوب أو الحرمة، فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع إحدي الجهات الثلاث و يشهد بما ذكرنا - من عدم تأدي المستحبات في ضمن المحرمات - قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«اقرأوا القرآن بألحان العرب و إياكم و لحون أهل الفسق (1) و الكبائر و سيجئ بعدي أقوام يرجعون ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم» (2). قال في الصحاح: اللحن واحد الألحان و اللحون

و منه الحديث: «اقرأوا القرآن بلحون العرب» و قد لحن في قراءته: إذا طرب بها و غرد و هو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء، انتهي (3) و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعني اللغة، أي بلغة العرب (4) وكأ نه أراد باللغة «اللهجة» و تخيل أن إبقاءه علي معناه يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن. *

***** (هامش) *****

(1) في النسخ: الفسوق و صححناه علي ما ورد في الصفحة: 296 و 305.

(2) الوسائل 4: 858، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن، الحديث الأول، مع تفاوت يسير.

(3) الصحاح 6: 2193، مادة «لحن».

(4) الحدائق 18: 114. (*)

*****ص 310*****

و فيه: ما تقدم من أن مطلق اللحن إذا لم يكن علي سبيل اللهو ليس غناء و قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«و إياكم و لحون أهل الفسق» نهي عن الغناء في القرآن. ثم إن في قوله: «لا يجوز تراقيهم» إشارة إلي أن مقصودهم ليس تدبر معاني القرآن، بل هو مجرد الصوت المطرب و ظهر مما ذكرنا أنه لا تنافي بين حرمة الغناء في القرآن و ما ورد من قوله صلوات الله عليه: «و رجع بالقرآن صوتك، فإن الله يحب الصوت الحسن» (1) فإن المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق و من المعلوم أن مجرد ذلك لا يكون غناء إذا لم يكن علي سبيل اللهو، فالمقصود من الأمر بالترجيع أن لا يقرأ كقراءة عبائر الكتب عند المقابلة، لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء و لذا جعله نوعا منه في قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«يرجعون القرآن ترجيع الغناء» و في محكي شمس العلوم:

أن الترجيع ترديد الصوت مثل ترجيع أهل الألحان

و القراءة و الغناء (2)، انتهي و بالجملة، فلا تنافي بين الخبرين و لا بينهما و بين ما دل علي حرمة الغناء حتي في القرآن، كما تقدم زعمه من صاحب الكفاية تبعا - في بعض ما ذكره من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره - لما ذكره *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 4: 859، الباب 24 أبواب قراءة القرآن، الحديث 5.

(2) شمس العلوم و دواء كلام العرب من الكلوم - في اللغة - ثمانية عشر جزءا، كما في كشف الظنون و في بغية الوعاة: في ثمانية أجزاء و هو لنشوان بن سعيد ابن نشوان اليمني الحميري، المتوفي سنة 573، انظر الذريعة 14: 224. (*)

*****ص 311*****

المحقق الأردبيلي رحمه الله، حيث إنه - بعدما وجه استثناء المراثي و غيرها من الغناء، بأ نه ما ثبت الإجماع إلا في غيرها و الأخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا - أيد استثناء المراثي بأن البكاء و التفجع مطلوب مرغوب و فيه ثواب عظيم و الغناء معين علي ذلك و أنه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلي زماننا هذا من غير نكير. ثم أيده بجواز النياحة و جواز أخذ الأجر عليها و الظاهر أنها لا تكون إلا معه و بأن تحريم الغناء للطرب علي الظاهر و ليس في المراثي طرب، بل ليس إلا الحزن (1)، انتهي و أنت خبير بأن شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء علي الوجه الذي ذكرناه. أما كون الغناء معينا علي البكاء و التفجع، فهو ممنوع، بناء علي ما عرفت من كون الغناء هو «الصوت اللهوي»، بل و علي ظاهر تعريف المشهور من «الترجيع المطرب»، لأن الطرب الحاصل منه إن كان

سرورا فهو مناف للتفجع، لا معين و إن كان حزنا فهو علي ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية، لا علي ما أصاب سادا ت الزمان، مع أنه علي تقدير الإعانة لا ينفع في جواز الشيء كونه مقدمة لمستحب أو مباح، بل لا بد من ملاحظة عموم (2) دليل الحرمة له، فإن كان فهو و إلا فيحكم بإباحته، للأصل و علي أي حال، فلا يجوز التمسك في الإباحة بكونه مقدمة لغير حرام، *

***** (هامش) *****

(1) مجمع الفائدة 8: 61 - 63.

(2) كلمة «عموم» من «ش». (*)

*****ص 312*****

لما عرفت. ثم إنه يظهر من هذا و مما (1) ذكر أخيرا - من أن المراثي ليس فيها طرب - أن نظره إلي المراثي المتعارفة لأهل الديانة التي لا يقصدونها إلا للتفجع و كأ نه لم يحدث في عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو و المترفون من الرجال و النساء (2) عن حضور مجالس اللهو و ضرب العود و الأوتار و التغني بالقصب و المزمار، كما هو الشائع في زماننا الذي قد أخبر النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم بنظيره في قوله: «يتخذون القرآن مزامير» (3)، كما أن زيارة سيدنا و مولانا أبي عبد الله عليه السلام صار سفرها من أسفار اللهو و النزهة لكثير من المترفين و قد أخبر النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم بنظيره في سفر الحج و أنه «يحج أغنياء امتي للنزهة و الأوساط للتجارة و الفقراء للسمعة» (4) و كان كلامه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم - كالكتاب العزيز - وارد في مورد و جار في نظيره و الذي أظن أن ما ذكرنا في

معني الغناء المحرم من أنه «الصوت اللهوي» أن (5) هؤلاء (6) و غيرهم غير مخالفين فيه و أما ما لم يكن *

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ف» و في غيره: و ما.

(2) في أكثر النسخ زيادة: بها.

(3) ائل - كتاب المكاسب - الشيخ الأنصاري ج 1 ص 312 الوسائل 11: 278، الباب 49 من أبواب جهاد النفس، الحديث 22 و لفظه: «يتعلمون القرآن لغير الله فيتخذونه مزامير».

(4) نفس المصدر.

(5) لا يخفي أن العبارة لا تخلو من إغلاق.

(6) الكاشاني و السبزواري و الأردبيلي. (*)

*****ص 313*****

علي جهة (1) اللهو المناسب لسائر آلاته، فلا دليل علي تحريمه لو فرض شمول «الغناء» له، لأن مطلقات الغناء منزلة علي ما دل علي إناطة الحكم فيه باللهو و الباطل من الأخبار المتقدمة، خصوصا مع انصرافها في أنفسها - كأخبار المغنية - إلي هذا الفرد. بقي الكلام فيما استثناه المشهور من الغناء و هو أمران: أحدهما - الحداء - بالضم - كدعاء: صوت يرجع فيه للسير بالإبل و في الكفاية: أن المشهور استثناؤه (2) و قد صرح بذلك في شهادات الشرائع و القواعد و في الدروس (3) و علي تقدير كونه من الأصوات اللهوية - كما يشهد به استثناؤهم إياه عن الغناء بعد أخذهم الإطراب في تعريفه - فلم أجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الأخبار بالتحريم، عدا رواية نبوية - ذكرها في المسالك (4) - من تقرير النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم لعبد الله بن رواحة حيث حدا للإبل و كان حسن الصوت (5) و في دلالته و سنده ما لا يخفي. الثاني - غناء المغنية في الأعراس إذا لم يكتنف بها (6) محرم آخر - من التكلم

بالأباطيل و اللعب بآلات الملاهي المحرمة و دخول *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» : «وجه».

(2) كفاية الأحكام:

86.

(3) الشرائع 4: 128، القواعد 2: 236، الدروس 2: 126.

(4) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 323.

(5) رواها البيهقي في سننه 10: 227 و فيه: أنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم قال لعبد الله ابن رواحة: «حرك بالنوق» فاندفع يرتجز و كان عبد الله جيد الحداء.

(6) كذا في النسخ و في مصححة «ص» : به و هو المناسب. (*)

*****ص 314*****

الرجال علي النساء - و المشهور استثناؤه، للخبرين المتقدمين عن أبي بصير في أجر المغنية التي تزف العرائس (1) و نحوهما ثالث عنه أيضا (2) و إباحة الأجر لازمة لإباحة الفعل و دعوي: أن الأجر لمجرد الزف لا للغناء عنده، مخالفة للظاهر. لكن في سند الروايات «أبو بصير» و هو غير صحيح (3) و الشهرة علي وجه توجب الانجبار غير ثابتة، لأن المحكي عن المفيد رحمه الله (4) و القاضي (5) و ظاهر الحلبي (6) و صريح الحلي و التذكرة و الإيضاح (7)، بل كل من لم يذكر الاستثناء بعد التعميم:

المنع. لكن الإنصاف، أن سند الروايات و إن انتهت إلي «أبي بصير» إلا أنه لا يخلو من وثوق، فالعمل بها - تبعا للأكثر - غير بعيد و إن كان الأحوط - كما في الدروس (8) - الترك و الله العالم. *

***** (هامش) *****

(1) تقدما في الصفحة: 305.

(2) الوسائل 12: 84، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(3) حكمه قدس سره بعدم صحة الروايات معللا بأن في سندها «أبا بصير» فيه ما لا يخفي.

(4) لم يصرح المفيد قدس سره بذلك، بل هو ممن لم يذكر الاستثناء بعد التعميم، انظر

المقنعة: 588.

(5) عده في المكروهات، انظر المهذب 1: 346.

(6) الكافي في الفقه: 281.

(7) السرائر 2: 224، التذكرة 2: 581، إيضاح الفوائد 1: 405.

(8) لم نقف عليه في الدروس و نسبه إليه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 53، انظر الدروس 3: 162. (*)

*****ص 315*****

المسألة الرابعة عشر

المسألة الرابعة عشر:

الغيبة حرام بالأدلة الأربعة و يدل عليه من الكتاب قوله تعالي: * (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) * (1) فجعل المؤمن أخا و عرضه كلحمه و التفكه به أكلا و عدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته و قوله تعالي: * (ويل لكل همزة لمزة) * (2) و قوله تعالي: * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * (3) و قوله تعالي: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) * (4) و يدل عليه من الأخبار ما لا يحصي: فمنها: ما روي عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم بعدة طرق: «أن الغيبة أشد من الزنا و أن الرجل يزني فيتوب و يتوب الله عليه و أن صاحب

***** (هامش) *****

(1) الحجرات: 12.

(2) الهمزة: 1.

(3) النساء: 148.

(4) النور: 19. (*)

*****ص 316*****

الغيبة لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه» (1) و عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

أنه خطب يوما فذكر الربا و عظم شأنه، فقال: «إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم (2) من ستة و ثلاثين زنية و إن أربي الربا عرض الرجل المسلم» (3) و عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين صباحا، إلا أن يغفر له

صاحبه» (4) و عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير» (5) و عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة، فاجتنب (6) الغيبة فإنها إدام كلاب النار» (7). *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 598، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 9، مع اختلاف في العبارة و لعله قدس سره أراد النقل بالمعني.

(2) في تنبيه الخواطر: أعظم عند الله في الخطيئة.

(3) تنبيه الخواطر: 124 و نقل ذيله المحدث النوري في مستدرك الوسائل 9: 119، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 25.

(4) مستدرك الوسائل 9: 122، الباب 132، الحديث 34 و فيه بدل «أربعين صباحا» : «أربعين يوما و ليلة».

(5) الوسائل 8: 602، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 20.

(6) في المصدر: اجتنبوا.

(7) مستدرك الوسائل 9: 121، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 31. (*)

*****ص 317*****

و عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من مشي في غيبة أخيه (1) و كشف عورته كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم» (2) و روي: «أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة و إن لم يتب فهو أول من يدخل النار» (3) و عنه عليه السلام : «أن الغيبة حرام علي كل مسلم … و أن الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» (4) و أكل الحسنات إما أن يكون علي وجه الإحباط، أو لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه، أو لأ نها

تنقل الحسنات إلي المغتاب، كما في غير واحد من الأخبار و منها النبوي: «يؤتي بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب عز و جل و يدفع إليه كتابه، فلا يري حسناته فيه، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي لا أري فيه حسناتي! فيقال له: إن ربك لا يضل و لا ينسي، ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتي بآخر و يدفع إليه كتابه فيري فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي فإني ما عملت هذه الطاعات! *

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: في عيب أخيه.

(2) الوسائل 8: 602، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 21.

(3) البحار 75: 257، ضمن الحديث 48، عن مصباح الشريعة و رواه - باختلاف في اللفظ - المحدث النوري في مستدرك الوسائل 9: 126، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 50، عن لب اللباب، للقطب الراوندي.

(4) البحار 75: 257، الحديث 48. (*)

*****ص 318*****

فيقال له: إن فلانا اغتابك فدفع حسناته إليك … الخبر (1) » (2) و منها: ما ذكره كاشف الريبة رحمه الله من (3) رواية عبد الله (4) ابن سليمان النوفلي - الطويلة - عن الصادق عليه السلام و فيها: عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«أدني الكفر أن يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها، اولئك لا خلاق لهم» و حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السلام أنه: «من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعت اذناه مما يشينه و يهدم مروته، فهو من الذين قال الله عز و جل: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) *» (5). ثم ظاهر هذه الأخبار كون الغيبة

من الكبائر - كما ذكره جماعة (6) - بل أشد من بعضها. وعد في غير واحد من الأخبار من الكبائر الخيانة (7) و يمكن إرجاع الغيبة إليها، فأي خيانة أعظم *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و الظاهر زيادة «الخبر»، إذ الحديث مذكور بتمامه.

(2) مستدرك الوسائل 9: 121، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 30، مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(3) كلمة «من» من «ن» و «ش».

(4) في «ص» و «ش» : عن عبد الله.

(5) كشف الريبة: 130، الحديث 10 من الخاتمة (ما كتبه الصادق عليه السلام إلي عبد الله النجاشي) و عنه في الوسائل 12: 155، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية 3: 129 و كشف الريبة: 52 و نسبه السيد المجاهد في المناهل (261) إلي المقدس الأردبيلي أيضا و استجوده.

(7) الوسائل 11: 261 - 262، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 33 و 36. (*)

*****ص 319*****

من التفكه بلحم الأخ علي غفلة منه و عدم شعور؟ و كيف كان، فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الكبائر أظنها في غير المحل. ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن، فيجوز اغتياب المخالف، كما يجوز لعنه و توهم عموم الآية - كبعض الروايات (1) - لمطلق المسلم، مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الإسلام عليهم إلا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه، مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة و حل ذبائحهم و مناكحتهم (2) و حرمة دمائهم لحكمة دفع الفتنة و نسائهم (3)، لأن لكل قوم نكاحا و نحو ذلك. مع أن التمثيل

المذكور في الآية مختص بمن ثبت اخوته، فلا يعم من وجب التبري عنه و كيف كان، فلا إشكال في المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة و في حكمة حرمتها و في حال غير المؤمن في نظر الشارع. ثم الظاهر دخول الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها، لعموم بعض الروايات المتقدمة و غيرها الدالة علي حرمة اغتياب الناس و أكل *

***** (هامش) *****

(1) مثل النبويين المتقدمين: «من اغتاب مسلما أو مسلمة … » و «إن أربي الربا عرض الرجل المسلم» و نحوهما.

(2) في «ف» : مناكحهم.

(3) في «خ»، «م»، «ع» و «ص» : فسادهم. (*)

*****ص 320*****

لحومهم (1) مع صدق «الأخ» عليه، كما يشهد به قوله تعالي: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم) * (2) مضافا إلي إمكان الاستدلال بالآية (3) و إن كان الخطاب للمكلفين، بناء علي عد أطفالهم منهم تغليبا و إمكان دعوي صدق «المؤمن» عليه مطلقا أو في الجملة و لعله لما ذكرنا صرح في كشف الريبة بعدم الفرق بين الصغير و الكبير (4) و ظاهره الشمول لغير المميز أيضا و منه يظهر حكم المجنون، إلا أنه صرح بعض الأساطين (5) باستثناء من لا عقل له و لا تمييز، معللا بالشك في دخوله تحت أدلة الحرمة و لعله من جهة أن الإطلاقات منصرفة إلي من يتأثر لو سمع و سيتضح ذلك زيادة علي ذلك. *

***** (هامش) *****

(1) مثل قول الصادق عليه السلام : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يغتابه و لا يغشه و لا يحرمه» و قول أمير المؤمنين عليه السلام : «يا نوف! كذب من زعم أ نه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة»، انظر الوسائل

8: 597 - 600، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 5 و 16.

(2) البقرة: 220.

(3) و هي قوله تعالي: * (ولا يغتب بعضكم بعضا … ) * الحجرات: 12.

(4) كشف الريبة: 111.

(5) صرح به كاشف الغطاء قدس سره في شرحه علي القواعد (مخطوط) : 36. (*)

*****ص 321*****

بقي الكلام في امور: الأول الغيبة: اسم مصدر ل «اغتاب» أو مصدر ل «غاب». ففي المصباح: اغتابه، إذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق و الإسم:

الغيبة (1) و عن القاموس: غابه، أي عابه و ذكره بما فيه من السوء (2) و عن النهاية: أن يذكر الإنسان في غيبته بسوء مما يكون فيه (3) و الظاهر من الكل - خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعيب - أن المراد ذكره في مقام الانتقاص و المراد بالموصول (4) هو نفس النقص الذي فيه و الظاهر من «الكراهة» في عبارة المصباح كراهة وجوده و لكنه غير مقصود قطعا. فالمراد إما كراهة ظهوره و لو لم يكره وجوده - كالميل إلي القبائح - و إما كراهة ذكره بذلك العيب و علي هذا التعريف دلت جملة من الأخبار، مثل قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم - و قد سأله أبو ذر عن الغيبة - : «إنها ذكرك أخاك *

***** (هامش) *****

(1) المصباح المنير: 458، مادة «غيب».

(2) القاموس المحيط 1: 112، مادة «غيب».

(3) النهاية لابن الأثير 3: 399، مادة «غيب».

(4) أي «ما» الموصولة في التعاريف المتقدمة. (*)

*****ص 322*****

بما يكرهه» (1) و في نبوي آخر، قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله و رسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره» (2) و لذا قال في جامع المقاصد:

أن

حقيقة (3) الغيبة - علي ما في الأخبار - أن تقول في أخيك ما يكرهه (4) مما هو فيه (5) و المراد ب «ما يكرهه» - كما تقدم في عبارة المصباح - ما يكره ظهوره، سواء كره وجوده كالبرص و الجذام، أم لا، كالميل إلي القبائح و يحتمل أن يراد بالموصول نفس الكلام الذي يذكر الشخص به و يكون كراهته إما لكونه إظهارا للعيب و إما لكونه صادرا علي جهة المذمة و الاستخفاف و الاستهزاء و إن لم يكن العيب مما يكره إظهاره، لكونه ظاهرا بنفسه و إما لكونه مشعرا بالذم و إن لم يقصد المتكلم الذم به، كالألقاب المشعرة بالذم. قال في الصحاح: الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه (6) و ظاهره التكلم بكلام يغمه لو سمعه. *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 598، الباب 151 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 9 و فيه: بما يكره.

(2) تنبيه الخواطر: 126 و كشف الريبة: 52.

(3) في «ش» و المصدر: حد الغيبة.

(4) في المصدر زيادة: لو سمعه.

(5) جامع المقاصد 4: 27.

(6) الصحاح 1: 196، مادة «غيب». (*)

*****ص 323*****

بل في كلام بعض من قارب عصرنا أن الإجماع و الأخبار متطابقان علي أن حقيقة الغيبة أن يذكر الغير بما يكره لو سمعه، سواء كان بنقص في نفسه أو بدنه، أو دينه أو دنياه، أو في ما يتعلق به من الأشياء (1) و ظاهره أيضا إرادة الكلام المكروه و قال الشهيد الثاني في كشف الريبة: إن الغيبة ذكر الإنسان في حال غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص و الذم (2) و يخرج علي هذا التعريف ما إذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة

يكون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلك، مع أنه داخل في التعريف عند الشهيد رحمه الله أيضا، حيث عد من الغيبة ذكر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها، كالأعمش و الأعور و نحوهما و كذلك ذكر عيوب الجارية التي يراد شراؤها إذا لم يقصد من ذكرها إلا بيان الواقع و غير ذلك مما ذكره هو و غيره من المستثنيات و دعوي أن قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص، موجبة لاستدراك ذكره بعد قوله: «مما يعد نقصا» و الأولي بملاحظة ما تقدم من الأخبار و كلمات الأصحاب - بناء علي إرجاع «الكراهة» إلي الكلام المذكور به، لا إلي الوصف - ما تقدم من أن الغيبة أن يذكر الإنسان بكلام يسوؤه، إما بإظهار عيبه المستور و إن لم يقصد انتقاصه و إما بانتقاصه بعيب غير مستور، *

***** (هامش) *****

(1) لم نقف علي قائله.

(2) كشف الريبة: 51. (*)

*****ص 324*****

إما بقصد المتكلم، أو بكون الكلام بنفسه منقصا له، كما إذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم. نعم، لو ارجعت «الكراهة» إلي الوصف الذي يسند إلي الإنسان تعين إرادة كراهة ظهورها، فيختص بالقسم الأول و هو ما كان إظهارا لأمر مستور و يؤيد هذا الاحتمال، بل يعينه، الأخبار المستفيضة الدالة علي اعتبار كون المقول مستورا غير منكشف، مثل قوله عليه السلام في ما رواه العياشي بسنده عن ابن سنان: «الغيبة أن تقول في أخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه» (1) و رواية داود بن سرحان - المروية في الكافي - قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و تبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم

عليه فيه حد» (2) و رواية أبان عن رجل - لا يعلمه (3) إلا يحيي الأزرق - قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام : «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه *

***** (هامش) *****

(1) تفسير العياشي 1: 275، الحديث 270 و عنه الوسائل 8: 602، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 22، مع اختلاف.

(2) الكافي 2: 357، الحديث 3 و عنه الوسائل 8: 604، الباب 154 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.

(3) في المصدر: لا نعلمه. (*)

*****ص 325*****

الناس فقد اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته» (1) و حسنة عبد الرحمن بن سيابة - بابن هاشم - قال، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه و أما الأمر الظاهر - مثل الحدة و العجلة - فلا و البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه» (2) و هذه الأخبار - كما تري - صريحة في اعتبار كون الشيء غير منكشف و يؤيد ذلك ما في الصحاح من أن الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صدقا سمي غيبة و إن كان كذبا سمي بهتانا (3). فإن أراد من «المستور» من حيث ذلك المقول وافق الأخبار و إن أراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة و الملخص من مجموع ما ورد في المقام:

أن الشيء المقول إن لم يكن نقصا، فلا يكون ذكر الشخص حينئذ غيبة و إن اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه، نظير ما إذا نفي عنه الاجتهاد و ليس

ممن يكون ذلك نقصا في حقه إلا أنه معتقد باجتهاد نفسه. نعم، قد يحرم هذا من وجه آخر و إن كان نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب فإن كان مخفيا *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 604، الباب 154 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(2) الوسائل 8: 604، الباب 154 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2.

(3) الصحاح 1: 196، مادة «غيب». (*)

*****ص 326*****

للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس و أراد القائل تنقيص المغتاب به، فهو المتيقن من أفراد الغيبة و إن لم يرد القائل التنقيص فالظاهر حرمته، لكونه كشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر: «من مشي في غيبة أخيه و كشف عورته» (1) و في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: «قلت [له] (2) : عورة المؤمن علي المؤمن حرام؟ قال: نعم. قلت: تعني سفلتيه (3) ؟ قال: ليس حيث تذهب إنما هو (4) إذاعة سره» (5) و في رواية محمد بن فضيل (6) عن أبي الحسن عليه السلام : «و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروته، فتكون من الذين قال الله عز و جل: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) *» (7) و لا يقيد إطلاق النهي بصورة قصد الشين و الهدم من جهة الاستشهاد بآية حب شياع الفاحشة، بل الظاهر أن المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها، مع أنه لا فائدة كثيرة في التنبيه علي دخول القاصد

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة: 317.

(2) من المصدر.

(3) في الكافي (2: 359) : سفليه و في الوسائل: سفلته.

(4) في الكافي: هي.

(5) الوسائل 8: 608، الباب 157 من أبواب أحكام

العشرة، الحديث الأول.

(6) في «ف»، «خ»، «م»، «ن» و «ع» : ابن يعقل.

(7) الوسائل 8: 609، الباب 157 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 4 و الآية من سورة النور: 19. (*)

*****ص 327*****

لإشاعة الفاحشة في عموم الآية و إنما يحسن التنبيه علي أن قاصد السبب قاصد للمسبب و إن لم يقصده بعنوانه و كيف كان، فلا إشكال من حيث النقل و العقل في حرمة إذاعة ما يوجب مهانة المؤمن و سقوطه عن أعين الناس في الجملة و إنما الكلام في أنها غيبة أم لا؟ مقتضي الأخبار المتقدمة بأسرها ذلك، خصوصا المستفيضة الأخيرة (1)، فإن التفصيل فيها بين الظاهر و الخفي إنما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص و أما مع قصده فلا فرق بينهما في الحرمة و المنفي في تلك الأخبار و إن كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة، إلا أن ظاهر سياقها نفي الحرمة فيما عداها (2)، أيضا، لكن مقتضي ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة (3) عدمه، لأ نه اعتبر قصد الانتقاص و الذم. إلا أن يراد اعتبار ذلك فيما يقع علي وجهين، دون ما لا يقع إلا علي وجه واحد، فإن قصد ما لا ينفك عن الانتقاص قصد له و إن كان المقول نقصا ظاهرا للسامع، فإن لم يقصد القائل الذم و لم يكن الوصف من الأوصاف المشعرة بالذم - نظير الألقاب المشعرة به - ، فالظاهر أنه خارج عن الغيبة، لعدم حصول كراهة للمقول فيه، *

***** (هامش) *****

(1) هي روايات ابن سنان و داود بن سرحان و أبان و عبد الرحمن، المتقدمات في الصفحة: 324 - 325.

(2) عبارة «فيما عداها» مشطوب عليها في «ن».

(3) تقدم في الصفحة: 323. (*)

*****ص

328*****

لا من حيث الإظهار و لا من حيث ذم المتكلم و لا من حيث الإشعار و إن كان من الأوصاف المشعرة بالذم أو قصد المتكلم التعيير و المذمة به وجوده، فلا إشكال في حرمة الثاني، بل و كذا الأول، لعموم ما دل علي حرمة إيذاء المؤمن و إهانته (1) و حرمة التنابز بالألقاب (2) و حرمة تعيير المؤمن علي صدور معصية منه، فضلا عن غيرها، ففي عدة من الأخبار: «من عير مؤمنا علي معصية لم يمت حتي يرتكبه» (3) و إنما الكلام في كونهما (4) من الغيبة، فإن ظاهر المستفيضة - المتقدمة - عدم كونهما منها و ظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة (5)، بناء علي إرجاع «الكراهة» فيها إلي كراهة الكلام الذي يذكر به الغير و كذلك كلام أهل اللغة - عدا الصحاح علي بعض احتمالاته - : كونهما غيبة و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة و إن كان ظاهر الأكثر *

***** (هامش) *****

(1) انظر الوسائل 8: 587 - 588، الباب 145 و 146 من أبواب أحكام العشرة.

(2) قال سبحانه و تعالي: * (ولا تنابزوا بالألقاب … ) * الحجرات: 11 و انظر الوسائل 15: 132، الباب 30 من أبواب أحكام الأولاد.

(3) انظر الوسائل 8: 596، الباب 151 من أبواب أحكام العشرة.

(4) مرجع ضمير التثنية الكلام المشعر بالذم و إن لم يقصد به و ما قصد به الذم و إن لم يشعر الكلام به و ما في بعض النسخ: «كونها» بدل «كونهما» سهو و هكذا فيما يأتي.

(5) مثل قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم في تعريف الغيبة: «ذكرك أخاك بما يكره» في النبويين المتقدمين في الصفحة: 321 - 322. (*)

*****ص 329*****

خلافه،

فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة - الذي لا يفيد (1) السامع اطلاعا لم يعلمه و لا يعلمه عادة من غير خبر مخبر - ليس (2) غيبة، فلا يحرم إلا إذا ثبتت الحرمة من حيث المذمة و التعيير، أو من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب - و لو باعتبار بعض التعبيرات - فيحرم من جهة الإيذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير. [ثم الظاهر المصرح به في بعض الروايات: عدم الفرق في ذلك - علي ما صرح به غير واحد (3) - بين ما كان نقصانا] (4) في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه، حتي في ثوبه أو داره أو دابته، أو غير ذلك و قد روي عن مولانا الصادق عليه السلام الإشارة إلي ذلك بقوله: «وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه» (5).

***** (هامش) *****

(1) كذا في «ش» و أما سائر النسخ، ففي بعضها: «التي لا تفيد» و في بعضها الآخر: «التي لا يفيد».

(2) كذا في «ش» و في سائر النسخ: ليست.

(3) منهم الشهيد الثاني في كشف الريبة: 60 و صاحب الجواهر في الجواهر 22: 64.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في «ف»، إلا أن في الهامش بخط مغاير لخط النسخة ما مفاده:

هنا سقط و المناسب للسياق ما يلي: «ثم لا فرق في حرمة ذكر الغيبة بين كون المقول في بدنه».

(5) مستدرك الوسائل 9: 118، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 19 و فيه: «و وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الخلق و العقل و الفعل و المعاملة و المذهب و

الجهل و أشباهه». (*)

*****ص 330*****

قيل (1) : أما البدن، فكذكرك فيه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و الطول و السواد و الصفرة و جميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه و النسب، بأن (2) يقول: أبوه فاسق أو خبيث أو خسيس أو إسكاف أو حائك، أو نحو ذلك مما يكره و أما الخلق، فبأن يقول (3) : إنه سئ الخلق، بخيل، مراء (4) متكبر، شديد الغضب، جبان، ضعيف القلب و نحو ذلك و أما في أفعاله المتعلقة بالدين، فكقولك: سارق، كذاب، شارب، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، لا يحسن الركوع و السجود و لا يجتنب من النجاسات، ليس بارا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة و التعرض لأعراض الناس و أما أفعاله المتعلقة بالدنيا، فكقولك: قليل الأدب، متهاون بالناس، لا يري لأحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الأكل، نؤوم (5) يجلس في غير موضعه.

***** (هامش) *****

(1) القائل هو الشيخ ورام بن أبي فراس في مجموعته (تنبيه الخواطر: 125) و الشهيد الثاني في كشف الريبة: 60 - 61.

(2) في مصححة «ص» و «ش» : و أما النسب فبأن …

(3) في بعض النسخ: تقول.

(4) مراء: بفتح الميم و تشديد الراء من المراء، بمعني المجادلة، لا بضم الميم و تخفيف الراء [من] الرياء، لأ نه من قبيل الأفعال و الكلام … بخلاف الأول، فإنه من الأخلاق (شرح الشهيدي: 84).

(5) نؤوم علي وزن «فعول» بمعني: كثير النوم. (*)

*****ص 331*****

و أما في ثوبه، فكقولك: إنه واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثياب و نحو ذلك (1). ثم إن ظاهر النص و إن كان منصرفا إلي الذكر باللسان، لكن المراد به حقيقة الذكر، فهو مقابل الإغفال، فكل ما

يوجب التذكر للشخص - من القول و الفعل و الإشارة و غيرها - فهو ذكر له و من ذلك المبالغة في تهجين المطلب الذي ذكره بعض المصنفين، بحيث يفهم منها الإزراء بحال ذلك المصنف، فإن قولك: «إن هذا المطلب بديهي البطلان» تعريض لصاحبه بأ نه لا يعرف البديهيات، بخلاف ما إذا قيل: «إنه مستلزم لما هو بديهي البطلان»، لأن فيه تعريضا بأن صاحبه لم ينتقل إلي الملازمة بين المطلب و بين ما هو بديهي البطلان و لعل الملازمة نظرية و قد وقع من بعض الأعلام بالنسبة إلي بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجيه، أعوذ بالله من الغرور و إعجاب المرء بنفسه و حسده علي غيره و الاستيكال بالعلم. ثم إن دواعي الغيبة كثيرة، روي عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها إجمالا بقوله عليه السلام : «أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع: شفاء غيظ و مساعدة قوم و تصديق خبر بلا كشف و تهمة و سوء ظن و حسد و سخرية و تعجب (2) و تبرم و تزين … الخبر» (3). *

***** (هامش) *****

(1) إلي هنا ينتهي ما أورده الشهيد الثاني قدس سره في كشف الريبة: 61.

(2) كذا في «ف» و المصدر و في سائر النسخ: تعجيب.

(3) مستدرك الوسائل 9: 117، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 19. (*)

*****ص 332*****

ثم إن ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة و قد يخفي علي النفس لحب أو بغض، فيري أنه لم يغتب و قد وقع في أعظمها! و من ذلك: أن الإنسان قد يغتم بسبب ما يبتلي به أخوه في الدين لأجل أمر يرجع إلي نقص في فعله أو رأيه، فيذكره المغتم في مقام التأسف

عليه بما يكره ظهوره للغير، مع أنه كان يمكنه بيان حاله للغير علي وجه لا يذكر اسمه، ليكون قد أحرز ثواب الاغتمام علي ما أصاب المؤمن، لكن الشيطان يخدعه و يوقعه في ذكر الإسم. بقي الكلام في أنه هل يعتبر في الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب، أو يكفي ذكره عند نفسه؟ ظاهر الأكثر الدخول، كما صرح به بعض المعاصرين (1). نعم، ربما يستثني من حكمها - عند من استثني - ما لو علم إثنان صفة شخص فيذكر أحدهما بحضرة الآخر و أما علي ما قويناه من الرجوع في تعريف الغيبة إلي ما دلت عليه المستفيضة المتقدمة من كونها «هتك ستر مستور» (2)، فلا يدخل ذلك في الغيبة و منه يظهر أيضا أنه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب مجهولا عند المخاطب مرددا بين أشخاص غير محصورة، كما إذا قال: «جاءني اليوم رجل بخيل دنئ ذميم»، فإن (3) ظاهر تعريف الأكثر (4) دخوله، *

***** (هامش) *****

(1) لم نقف عليه.

(2) راجع الصفحة: 324 و 325.

(3) كذا في النسخ و الأنسب: لكن.

(4) تعريف الأكثر هو: «أن يذكر الإنسان بكلام يسوؤه»، انظر الصفحة: 322. (*)

*****ص 333*****

و إن خرج عن الحكم، بناء علي اعتبار التأثير عند السامع و ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم الدخول. نعم، لو قصد المذمة و التعيير حرم من هذه الجهة، فيجب علي السامع نهي المتكلم عنه، إلا إذا احتمل أن يكون الشخص متجاهرا بالفسق، فيحمل فعل المتكلم علي الصحة، كما سيجئ في مسألة الاستماع (1) و الظاهر أن الذم و التعيير لمجهول العين لا يجب الردع عنه، مع كون الذم و التعيير في موقعهما، بأن كان مستحقا لهما و إن لم يستحق مواجهته بالذم أو ذكره

عند غيره بالذم. هذا كله لو كان الغائب المذكور مشتبها علي الإطلاق، أما لو كان مرددا بين أشخاص، فإن كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم كان كالمشتبه علي الإطلاق، كما لو قال: «جاءني عجمي أو عربي كذا و كذا» إذا لم يكن بحيث يكون الذم راجعا إلي العنوان، كأن يكون في المثالين تعريض إلي ذم تمام العجم أو العرب و إن كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم، كأن يقول: «أحد ابني زيد، أو أحد أخويه كذا و كذا» (2) ففي كونه اغتيابا لكل منهما، لذكرهما بما يكرهانه من التعريض، لاحتمال كونه هو المعيوب و عدمه، *

***** (هامش) *****

(1) سيجئ في الصفحة 359.

(2) في غير نسخة «ش» زيادة ما يلي: «فإن ذكر كل واحد منهما علي وجه يحتمل السامع توجه النقص عليه مما يكرهه كل واحد و لذا لو قال: أحد هذين الرجلين صدر منه القبيح الفلاني، كان ذلك مكروها لكل منهما»، لكن شطب عليها في «ف» و اشير في بعضها إلي كونها زائدة و في بعضها الآخر عليها علامة (خ ل). (*)

*****ص 334*****

لعدم تهتك ستر المعيوب منهما، كما لو قال: «أحد أهل البلد الفلاني كذا و كذا» و إن كان فرق بينهما من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الإساءة إلي المؤمن بتعريضه للاحتمال دون المثال، أو كونه اغتيابا للمعيوب الواقعي منهما و إساءة بالنسبة إلي غيره، لأ نه تهتك بالنسبة إليه، لأ نه إظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركه في احتمال العيب فيكون الاطلاع عليه قريبا و أما الآخر فقد أساء بالنسبة إليه، حيث عرضه لاحتمال العيب، وجوه (1) : قال في جامع المقاصد:

و يوجد في كلام

بعض الفضلاء أن من شرط الغيبة أن يكون متعلقها محصورا و إلا فلا تعد غيبة، فلو قال عن أهل بلدة غير محصورة ما لو قاله عن شخص واحد كان غيبة (2)، لم يحتسب غيبة (3)، انتهي. أقول: إن أراد أن ذم جمع غير محصور لا يعد غيبة و إن قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال: «أهل هذه القرية، أو هذه البلدة كلهم كذا و كذا»، فلا إشكال في كونه غيبة محرمة و لا وجه لاخراجه عن موضوعها أو حكمها و إن أراد أن ذم المردد بين غير المحصور لا يعد غيبة، فلا بأس - كما ذكرنا - و لذا ذكر بعض - تبعا لبعض الأساطين (4) - في مستثنيات *

***** (هامش) *****

(1) من مصححة «ص» و «ش».

(2) كذا في «خ» و ظاهر «م» و في سائر النسخ: غيبته.

(3) جامع المقاصد 4: 27.

(4) صرح به كاشف الغطاء قدس سره في شرحه علي القواعد (مخطوط) : 36 و فيه: «و منها تعليق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو قرية مع قيام القرينة علي عدم إرادة … الخ». (*)

*****ص 335*****

الغيبة ما لو علق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو أهل قرية مع قيام القرينة علي عدم إرادة الجميع، كذم العرب أو العجم أو أهل الكوفة أو البصرة و بعض القري (1)، انتهي و لو أراد الأغلب، ففي كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه، ما تقدم في المحصور و بالجملة، فالمدار في التحريم غير المدار في صدق الغيبة و بينهما عموم من وجه. *

***** (هامش) *****

(1) العبارة من الجواهر 22: 65. (*)

*****ص 336*****

الثاني في كفارة الغيبة الماحية لها و مقتضي كونها من حقوق الناس توقف رفعها علي إسقاط

صاحبها. أما كونها من حقوق الناس: فلأ نه ظلم علي المغتاب و للأخبار في أن «من حق المؤمن علي المؤمن أن لا يغتابه» (1) و أن «حرمة عرض المسلم كحرمة دمه و ماله» (2) و أما توقف رفعها علي إبراء ذي الحق، فللمستفيضة المعتضدة بالأصل: *

***** (هامش) *****

(1) مثل ما ورد عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«للمؤمن علي المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عز و جل - إلي أن قال - : و أن يحرم غيبته» انظر الوسائل 8: 546، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 13 و ما ورد عن الإمام الرضا عليه الصلاة و السلام لما سئل ما حق المؤمن علي المؤمن، قال: «من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره - إلي أن قال - و لا يغتابه» انظر مستدرك الوسائل 9: 45، الباب 105 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 16.

(2) لم نقف علي خبر يصرح بأن «حرمة عرض المسلم كحرمة دمه»، نعم ورد:

«المؤمن حرام كله، عرضه و ماله و دمه»، انظر مستدرك الوسائل 9: 136، الباب 138 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول و ورد أيضا: «سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه»، انظر الوسائل 8: 610، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3 و كلا الخبرين - خصوصا الثاني منهما - لا يدلان علي المطلوب، كما لا يخفي. (*)

*****ص 337*****

منها: ما تقدم من أن الغيبة لا تغفر حتي يغفر صاحبها (1)، [وأنها ناقلة للحسنات و السيئات (2)] (3) و منها: ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي بسنده المتصل إلي علي بن الحسين، عن أبيه

(4) عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«للمؤمن علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأدائها، أو العفو - إلي أن قال - : سمعت رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة، فيقضي له عليه (5) » (6) و النبوي المحكي في السرائر و كشف الريبة: «من كانت لأخيه *

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة: 316.

(2) راجع الصفحة: 317.

(3) لم يرد في «ش» و استدرك في هامش «ف» و في «ن»، «خ»، «م» و «ع» عليه علامة (خ ل).

(4) في النسخ - ما عدا «ش» - زيادة: «عن آبائه» و هو سهو و السند كما في كنز الفوائد:

حدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي، قال: حدثني أبوبكر محمد بن علي الجعابي، قال: حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر العلوي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام … و سيأتي بهذا السند في الصفحة: 365 أيضا.

(5) في النسخ: و يقضي له عليه و في المصدر: فيقضي له و عليه و سوف يأتي معني «يقضي له عليه» في الصفحتين: 340 و 366.

(6) كنز الفوائد 1: 306 و عنه كشف الريبة: 115 و الوسائل 8: 550، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 24. (*)

*****ص 338*****

عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم و لا دينار، فيؤخذ من حسناته، فإن لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فيتزايد (1) علي سيئاته» (2) و في نبوي آخر: «من اغتاب

مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين يوما و ليلة، إلا أن يغفر له صاحبه» (3) و في الدعاء التاسع و الثلاثين من أدعية الصحيفة السجادية (4) و دعاء يوم الإثنين من ملحقاتها (5) ما يدل علي هذا المعني أيضا و لا فرق في مقتضي الأصل و الأخبار بين التمكن من الوصول إلي صاحبه و تعذره، لأن تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق، كما في غير هذا المقام. لكن روي السكوني (6) عن أبي عبد الله عليه السلام عن *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و في كشف الريبة: فتزيد.

(2) السرائر 2: 69، فيه قسم من صدر الحديث، بلفظ: «من كانت عنده مظلمة من أخيه فليستحلله» و أورد تمامه في كشف الريبة: 110، بتفاوت يسير.

(3) مستدرك الوسائل 9: 122، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 34.

(4) حيث قال عليه السلام - في الفقرة الرابعة من الدعاء - : «اللهم و أيما عبد من عبيدك أدركه مني درك أو مسه من ناحيتي أذي … الخ».

(5) و هو قوله عليه السلام : «فأيما عبد من عبيدك أو أمة من إمائك كانت له قبلي مظلمة … إلي أن قال: أو غيبة اغتبته بها … فقصرت يدي و ضاق و سعي عن ردها إليه و التحلل منه … الخ».

(6) كذا في النسخ و هو سهو، لأن راوي الخبر هو «حفص بن عمر» كما في الكافي (2: 357، الحديث 4)، أو «حفص بن عمير» كما في الوسائل و أما رواية السكوني فوردت في باب الظلم و سيذكرها المؤلف قدس سره في الصفحة: 340. (*)

*****ص 339*****

النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

أن «كفارة الاغتياب أن

تستغفر لمن اغتبته كلما (1) ذكرته» (2) و لو صح سنده أمكن تخصيص الإطلاقات المتقدمة به، فيكون الاستغفار طريقا أيضا إلي البراءة. مع احتمال العدم أيضا، لأن كون الاستغفار كفارة لا يدل علي البراءة، فلعله كفارة للذنب من حيث كونه حقا لله تعالي، نظير كفارة قتل الخطأ التي لا توجب براءة القاتل، إلا أن يدعي ظهور السياق في البراءة. قال في كشف الريبة - بعد ذكر النبويين الأخيرين المتعارضين - : و يمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار له علي من لم تبلغ غيبته المغتاب، فينبغي له الاقتصار علي الدعاء و الاستغفار، لأن في محالته إثارة للفتنة و جلبا للضغائن و في حكم من لم تبلغه من لم يقدر علي الوصول إليه لموت أو غيبة و حمل المحالة علي من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة (3). أقول: إن صح النبوي الأخير سندا فلا مانع عن العمل به، بجعله طريقا إلي البراءة مطلقا في مقابل الاستبراء و إلا تعين طرحه و الرجوع إلي الأصل و إطلاق الأخبار المتقدمة و تعذر الاستبراء أو وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرئ آخر. *

***** (هامش) *****

(1) في «ف» و «م» : كما.

(2) الوسائل 8: 605، الباب 155 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول و نصه: عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: «سئل النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم ما كفارة الاغتياب؟ قال: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته».

(3) كشف الريبة: 111. (*)

*****ص 340*****

نعم، أرسل بعض من قارب عصرنا (1) عن الصادق عليه السلام : «أنك إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه و إن لم يبلغه فاستغفر الله له» و في رواية السكوني - المروية في

الكافي في باب الظلم - عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

«من ظلم أحدا ففاته، فليستغفر الله له، فإنه كفارة له» (2) و الإنصاف، أن الأخبار الواردة في هذا الباب كلها غير نقية السند و أصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الاستحلال و لا الاستغفار و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب (بالفتح) علي المغتاب (بالكسر) تقتضي عدم الخروج منه إلا بالاستحلال خاصة، لكن المثبت لكون الغيبة حقا - بمعني وجوب البراءة منه - ليس إلا الأخبار غير النقية السند، مع أن السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة، لذكر حقوق اخر في الروايات، لا قائل بوجوب البراءة منها و معني القضاء يوم القيامة لذيها علي من عليها: المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن، لا العقاب عليها، كما لا يخفي علي من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة في رواية الكراجكي (3).

***** (هامش) *****

(1) هو النراقي الكبير قدس سره أرسله في جامع السعادات 2: 314 و أورد العلامة جلسي الم قدس سره هذا المرسل في البحار (75: 257، الحديث 48) عن مصباح الشريعة.

(2) الكافي 2: 334، الحديث 20 و عنه الوسائل 11: 343، الباب 78 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5.

(3) انظر الصفحات: 337 و 365 - 366. (*)

*****ص 341*****

فالقول بعدم كونه حقا للناس بمعني وجوب البراءة، نظير الحقوق المالية، لا يخلو عن قوة و إن كان الاحتياط في خلافه، بل لا يخلو عن قرب، من جهة كثرة الأخبار الدالة علي وجوب الاستبراء منها، بل اعتبار سند بعضها (1) و الأحوط الاستحلال إن تيسر و إلا فالاستغفار. غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد

و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. *

***** (هامش) *****

(1) مثل الدعاء التاسع و الثلاثين من الصحيفة السجادية، المتقدم في أدلة وجوب الاستحلال (الصفحة: 338) و من البديهي أن الصحيفة وصلت إلينا بسند معتبر عن سيد الساجدين زين العابدين صلوات الله و سلامه عليه و علي آبائه الطاهرين و أبنائه المعصومين. (*)

*****ص 342*****

الثالث فيما استثني من الغيبة و حكم بجوازها بالمعني الأعم فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة و غيرها أن حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، فإذا فرض هناك مصلحة راجعة إلي المغتاب - بالكسر، أو بالفتح، أو ثالث - دل العقل أو الشرع علي كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه، وجب كون الحكم علي طبق أقوي المصلحتين، كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه عليه غير واحد. قال في جامع المقاصد - بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة - : إن ضابط الغيبة المحرمة: كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن، أو التفكه به، أو إضحاك الناس منه و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير و التظلم و سماعه و الجرح و التعديل، ورد من ادعي نسبا ليس له و القدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين (1)، انتهي و في كشف الريبة: اعلم أن المرخص في ذكر مساءة الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل إليه إلا به (2)، انتهي (3). *

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 4: 27.

(2) كذا في المصدر و العبارة في النسخ كما يلي: اعلم أن المرخص في ذكر مساوئ الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا بها.

(3)

كشف الريبة: 77. (*)

*****ص 343*****

و علي هذا، فموارد الاستثناء لا تنحصر في عدد. نعم، الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة: أحدهما: ما إذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق، فإن من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق. نعم، لو كان في مقام ذمه كرهه من حيث المذمة، لكن المذمة علي الفسق المتجاهر به لا تحرم، كما لا يحرم لعنه و قد تقدم (1) عن الصحاح أخذ «المستور» في المغتاب و قد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر: منها: قوله عليه السلام - في رواية هارون بن الجهم - : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» (2) و قوله عليه السلام : «من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له» (3) و رواية أبي البختري: «ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي مبتدع و الإمام الجائر و الفاسق المعلن بفسقه» (4) و مفهوم قوله عليه السلام : " من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم *

***** (هامش) *****

(1) في الصفحة: 322.

(2) الوسائل 8: 604، الباب 154 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 4.

(3) الاختصاص: 242 و عنه مستدرك الوسائل 9: 129، الباب 134 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(4) الوسائل 8: 605، الباب 154 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 5 و فيه: المعلن بالفسق. (*)

*****ص 344*****

يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروته [وظهر عدله] (1) و وجبت اخوته و حرمت غيبته (2) و في صحيحة ابن أبي يعفور - الواردة في بيان العدالة، بعد تعريف العدالة - : أن الدليل علي ذلك أن يكون ساترا لعيوبه حتي يحرم علي المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته (3) دل

(4) علي ترتب حرمة التفتيش علي كون الرجل ساترا، فتنتفي عند انتفائه و مفهوم قوله عليه السلام في رواية علقمة - المحكية عن المحاسن (5) - : من لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالي، داخل في ولاية الشيطان … الخبر (6)، دل علي ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة علي كونه من أهل الستر و كونه من أهل العدالة - علي طريق اللف و النشر - أو علي اشتراط الكل بكون الرجل غير مرئي منه المعصية و لا مشهودا عليه بها،

***** (هامش) *****

(1) من ص و ش و المصدر.

(2) الوسائل 8: 597، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2، مع اختلاف.

(3) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، مع اختلاف.

(4) كذا و المناسب: دلت.

(5) كذا و الظاهر أنه مصحف المجالس، انظر أمالي الصدوق: 91، المجلس 22، الحديث 3 و قد رواها في الوسائل عنه، لا غير.

(6) الوسائل 8: 601، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 20، باختلاف يسير. (*)

*****ص 345*****

و مقتضي المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط، خرج منه غير المتجاهر و كون قوله: من اغتابه … الخ جملة مستأنفة غير معطوفة علي الجزاء، خلاف الظاهر. ثم إن مقتضي إطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر في ما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح و لم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر. نعم، تقدم عن الشهيد الثاني احتمال اعتبار قصد النهي عن المنكر في جواز

سب المتجاهر، مع اعترافه بأن ظاهر النص و الفتوي عدمه (1) و هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به؟ صرح الشهيد الثاني و غيره بعدم الجواز (2) و حكي عن الشهيد أيضا (3) و ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساتر (4) هو الجواز و استظهره في الحدائق من كلام جملة من الأعلام (5) و صرح به بعض الأساطين (6). *

***** (هامش) *****

(1) قد تقدم في حرمة سب المؤمنين نقل ذلك عن الروضة البهية، فراجع الصفحة: 255.

(2) كشف الريبة: 79 و صرح بذلك قبل الشهيد الثاني المحقق الثاني في رسالته في العدالة، انظر رسائل المحقق الكركي، (المجموعة الثانية) : 45.

(3) القواعد و الفوائد 2: 148.

(4) انظر الوسائل 8: 604، الباب 154 من أبواب أحكام العشرة.

(5) راجع الحدائق 18: 166.

(6) صرح به كاشف الغطاء قدس سره في شرحه علي القواعد (مخطوط) الورقة: 35 و فيه: و منها ذكر المتجاهرين بالفسق، فإنهم لا حرمة لهم و لو في غير ما تجاهروا به. (*)

*****ص 346*****

و ينبغي إلحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح، فمن تجاهر باللواط - و العياذ بالله - جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب (1) و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح و لعل هذا هو المراد ب من ألقي جلباب الحياء، لا من تجاهر بمعصية خاصة وعد مستورا بالنسبة إلي غيرها، كبعض عمال الظلمة. ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان أنه قبيح، فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا يعرف فساده

إلا القليل - كما إذا كان من عمال الظلمة و ادعي في ذلك عذرا مخالفا للواقع، أو غير مسموع منه - ، لم يعد متجاهرا. نعم، لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن المتجاهر و لو كان متجاهرا عند أهل بلده أو محلته مستورا عند غيرهم، هل يجوز ذكره عند غيرهم؟ ففيه إشكال، من إمكان (2) دعوي ظهور روايات الرخصة في من لا يستنكف عن الاطلاع علي عمله مطلقا، فرب متجاهر في بلد، متستر في بلاد الغربة أو في طريق الحج و الزيارة، لئلا يقع عن عيون الناس و بالجملة، فحيث كان الأصل في المؤمن الاحترام علي الإطلاق، وجب الاقتصار علي ما تيقن خروجه. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و المناسب: الأجنبيات.

(2) كذا في النسخ و لم يذكر وجه الجواز و لعله تركه لوضوحه. (*)

*****ص 347*****

فالأحوط الاقتصار علي ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير. نعم، لو تأذي من ذمه بذلك دون ظهوره، لم يقدح في الجواز و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا و هذا هو الفارق بين السب و الغيبة، حيث إن مناط الأول المذمة و التنقيص فيجوز و مناط الثاني إظهار عيوبه فلا يجوز إلا بمقدار الرخصة. الثاني: تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم و إن كان متسترا به - كما إذا ضربه في الليل الماضي و شتمه، أو أخذ ماله - جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه، لظاهر قوله تعالي: * (ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق) * (1) و قوله

تعالي: * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * (2) فعن تفسير القمي: أي لا يحب أن يجهر الرجل بالظلم و السوء و يظلم إلا من ظلم، فأطلق له أن يعارضه بالظلم (3) و عن تفسير العياشي، عنه صلوات الله عليه: من أضاف قوما فأساء ضيافتهم (4) فهو ممن ظلم، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه (5). *

***** (هامش) *****

(1) الشوري: 41 - 42.

(2) النساء: 148.

(3) تفسير القمي 1: 157.

(4) في النسخ: إضافتهم و ما أثبتناه من المصدر.

*****ص 348*****

و هذه الرواية و إن وجب توجيهها، إما بحمل الإساءة علي ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم أو بغير ذلك، إلا أنها دالة علي عموم من ظلم في الآية الشريفة و أن كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال في الظالم و نحوها في وجوب (6) التوجيه رواية اخري في هذا المعني محكية عن المجمع: أن الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته، فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء (7) ما فعله (8) و يؤيد الحكم فيما نحن فيه أن في منع المظلوم من هذا - الذي هو نوع من التشفي - حرجا عظيما و لأن في تشريع الجواز مظنة ردع الظالم و هي مصلحة خالية عن مفسدة، فيثبت الجواز، لأن الأحكام تابعة للمصالح و يؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر (9)، بناء علي أن عدم احترامه من جهة جوره، لا من جهة تجاهره و إلا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق و في النبوي: لصاحب الحق مقال (10) و الظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من *

***** (هامش) *****

= (5) تفسير العياشي 1:

283، الحديث 296.

(6) في ن، خ، خ و ع: وجوه.

(7) في أكثر النسخ: أن يذكر سوء.

(8) مجمع البيان 2: 131.

(9) تقدم في رواية أبي البختري، المتقدمة في الصفحة: 343.

(10) أرسله الشهيد الثاني في كشف الريبة: 77. (*)

*****ص 349*****

يرجو إزالة الظلم عنه و قواه بعض الأساطين (1)، خلافا لكاشف الريبة (2) و جمع ممن تأخر عنه (3) فقيدوه، اقتصارا في مخالفة الأصل علي المتيقن من الأدلة، لعدم عموم في الآية و عدم نهوض ما تقدم في تفسيرها للحجية، مع أن المروي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها - المحكي عن مجمع البيان - : أنه لا يحب [الله] (4) الشتم في الانتصار إلا من ظلم، فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين (5). قال في الكتاب المذكور: و نظيره * (وانتصروا من بعد ما ظلموا) * (6) و ما بعد الآية (7) لا يصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلة العقلية و النقلية و مقتضاه الاقتصار علي مورد رجاء تدارك الظلم، فلو لم يكن قابلا للتدارك لم تكن فائدة في هتك الظالم و كذا لو لم يكن *

***** (هامش) *****

(1) صرح به كاشف الغطاء قدس سره في شرحه علي القواعد (مخطوط) : 34 و فيه: و منها التظلم مع ذكر معائب الظالم عند من يرجو أن يعينه … و يقوي جوازه عند غيره لظاهر الكتاب.

(2) كشف الريبة: 77.

(3) كالمحقق السبزواري في كفاية الأحكام:

86 و المحقق النراقي في المستند 2: 347 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 66.

(4) من المصدر.

(5) مجمع البيان 2: 131.

(6) الشعراء: 227.

(7) أراد بما بعد الآية: المؤيدات التي ذكرها و التعبير عنها بعنوان كونها ما بعد

الآية مع كونها بعد الأخبار، مبني علي كون الأخبار واردة في تفسيرها، فهي من توابع الآية و لواحقها (حاشية المامقاني). (*)

*****ص 350*****

ما فعل به ظلما، بل كان من ترك الأولي و إن كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لذلك: فعن الكافي و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان، قال: دخل رجل علي أبي عبد الله عليه السلام فشكا [إليه] (1) رجلا من أصحابه فلم يلبث أن جاء المشكو عليه (2)، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : ما لفلان شكوكي؟ فقال: يشكوني أني استقضيت منه حقي، فجلس أبو عبد الله عليه السلام مغضبا، فقال: كأ نك إذا استقضيت حقك لم تسئ! أرأيت قول الله عز و جل: * (ويخافون سوء الحساب) * (3) أتري أنهم خافوا الله عز و جل أن يجور عليهم؟ لا و الله! ما خافوا إلا الاستقضاء، فسماه الله عز و جل سوء الحساب، فمن استقضي فقد أساء (4) و مرسلة ثعلبة بن ميمون - المروية عن الكافي - ، قال: كان عنده قوم يحدثهم، إذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع فيه و شكاه، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : وأ ني لك بأخيك كله (5)! و أي الرجال (6) *

***** (هامش) *****

(1) من المصدر.

(2) لم يرد عليه في ش و المصدرين.

(3) الرعد:

21.

(4) الكافي 5: 100، الحديث الأول، التهذيب 6: 194، الحديث 425 و عنهما في الوسائل 13: 100، الباب 16 من أبواب الدين و القرض، الحديث الأول.

(5) فسر العلامة المجلسي - في مرآة العقول (12: 550) - عبارة بأخيك كله بقوله: أي كل الأخ التام في الاخوة، أي: لا يحصل مثل ذلك إلا نادرا، فتوقع ذلك كتوقع

أمر محال، فارض من الناس بالقليل.

(6) كذا ورد في ف و المصدر و في سائر النسخ كما يلي: و أني لك بأخيك

*****ص 351*****

المهذب (1)! (2). فإن الظاهر من الجواب أن الشكوي إنما كانت من ترك الأولي الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب و مع ذلك كله، فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر الآتية

(3) التي رخص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوي من مصلحة احترام المغتاب. كما أن الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به و إن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها. فيبقي من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها: منها: نصح المستشير، فإن النصيحة واجبة للمستشير، فإن خيانته قد *

***** (هامش) *****

= الكامل، أي الرجل المهذب.

(1) هذه العبارة وردت في شعر النابغة، حيث قال: حلفت لم أترك لنفسي ريبة و ليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني خيانة لمبلغك الواشي أغش و أكذب فلست بمستبق أخا لا تلمه علي شعث، أي الرجال المهذب؟ انظر مرآة العقول 12: 550.

(2) الكافي 2: 651، الحديث الأول و عنه في الوسائل 8: 458، الباب 56 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.

(3) كذا في ش و في سائر النسخ: المتقدمة. (*)

*****ص 352*****

تكون أقوي مفسدة من الوقوع في المغتاب و كذلك النصح من غير استشارة، فإن من أراد تزويج امرأة و أنت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة (1) و الفساد، فلا ريب أن التنبيه علي بعضها - و إن أوجب الوقيعة فيها - أولي من ترك نصح المؤمن، مع ظهور عدة من الأخبار في وجوبه (2) و

منها: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان حقي، فكيف طريقي في الخلاص؟ هذا إذا كان الاستفتاء موقوفا علي ذكر الظالم بالخصوص و إلا فلا يجوز و يمكن الاستدلال عليه بحكاية هند - زوجة أبي سفيان - و اشتكائها إلي رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و قولها: إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي (3)، فلم يرد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم عليها غيبة أبي سفيان و لو نوقش في هذا الاستدلال - بخروج غيبة مثل أبي سفيان عن محل الكلام - أمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: جاء رجل إلي النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم فقال: إن امي لا تدفع يد لامس! فقال: احبسها، قال: قد فعلت، فقال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

فقيدها، فإنك لا تبرها بشئ أفضل من أن تمنعها *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و لعله تصحيف: العنت أي المشقة.

(2) انظر الوسائل 11: 594، الباب 35 من أبواب فعل المعروف.

(3) مستدرك الوسائل 9: 129، الباب 134 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 4.

*****ص 353*****

عن محارم الله عز و جل … الخبر (1) و احتمال كونها متجاهرة، مدفوع بالأصل و منها: قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله، فإنه أولي من ستر المنكر عليه، فهو في الحقيقة إحسان في حقه، مضافا إلي عموم أدلة النهي عن المنكر (2) و منها: قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس، كالمبتدع الذي يخاف من إضلاله الناس و يدل عليه - مضافا

إلي أن مصلحة دفع فتنته عن الناس أولي من ستر المغتاب - : ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم، كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 18: 414، الباب 48 من أبواب حد الزنا، الحديث الأول.

(2) مثل قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من رأي منكم منكرا فلينكر بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه الوسائل 11: 407، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 12 و قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

مروا بالمعروف و إن لم تعملوا به كله و انهوا عن المنكر و إن لم تنتهوا عنه كله الوسائل 11: 420، الباب 10 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 10 و قول الصادق عليه السلام : أيها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر الوسائل 11: 399، الباب الأول من أبواب الأمر و النهي، الحديث 24 و غير ذلك من الروايات الظاهرة في العموم. (*)

*****ص 354*****

و يحذرهم الناس و لا يتعلموا (1) من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات (2) و منها: جرح الشهود، فإن الإجماع دل علي جوازه و لأن مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق أولي من الستر علي الفاسق و مثله - بل أولي بالجواز - جرح الرواة، فإن مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته و يلحق بذلك: الشهادة بالزنا و غيره لإقامة الحدود و

منها: دفع الضرر عن المغتاب و عليه يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث و قد بين ذلك الإمام عليه السلام بقوله - في بعض ما أمر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ أبيه - : اقرأ مني علي و الدك السلام، فقل له: إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس يسارعون إلي كل من قربناه و مجدناه (3) لإدخال الأذي فيمن نحبه و نقربه و يذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا و يرون إدخال الأذي عليه و قتله و يحمدون كل من عيبناه نحن، *

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: و لا يتعلمون.

(2) الكافي 2: 375، باب مجالسة أهل المعاصي، الحديث 4 و عنه الوسائل 11: 508، الباب 39 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث الأول.

(3) في ف و نسخة بدل ص: حمدناه. (*)

*****ص 355*****

و إنما أعيبك، لأ نك رجل اشتهرت بنا (1) بميلك إلينا و أنت في ذلك مذموم [عند الناس] (2) غير محمود الأمر (3)، لمودتك لنا و ميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك، ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك، يقول الله عز و جل: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * (4). هذا التنزيل من عند الله، لا و الله! ما عابها إلا لكي تسلم من الملك و لا تغصب (5) علي يديه و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ و الحمد لله، فافهم المثل رحمك الله! فإنك أحب الناس إلي و أحب أصحاب أبي إلي حيا و ميتا و إنك أفضل سفن

ذلك البحر القمقام الزاخر و إن وراءك لملكا ظلوما غصوبا، يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصبا و يغصب أهلها، فرحمة الله عليك حيا و رحمة الله عليك ميتا … الخ (6) و يلحق بذلك الغيبة للتقية علي نفس المتكلم أو ماله أو عرضه، *

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و في سائر النسخ و نسخة بدل ش: منا.

(2) من ش و المصدر.

(3) في ش: الأثر (خ ل).

(4) الكهف: 79.

(5) في ف و نسخة بدل ش و المصدر: و لا تعطب.

(6) رجال الكشي 1: 349، الرقم 221، مع اختلافات كثيرة لم نتعرض لذكرها لكثرتها. (*)

*****ص 356*****

أو عن (1) ثالث، فإن الضرورات تبيح المحظورات و منها: ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة التي لا يعرف إلا بها (2) - كالأعمش و الأعرج و الأشتر و الأحول و نحوها - و في الحديث:

جَاءَتْ زَيْنَبُ الْعَطَّارَةُ الْحَوْلَاءُ إِلَي نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم … (3) و لا بأس بذلك فيما إذا صارت الصفة في اشتهار يوصف (4) الشخص بها إلي حيث لا يكره ذلك صاحبها و عليه يحمل ما صدر عن الإمام عليه السلام و غيره من العلماء الأعلام. لكن كون هذا استثناء مبني علي كون مجرد ذكر العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة و قد منعنا ذلك سابقا، إذ لا وجه لكراهة المغتاب، لعدم كونه إظهارا لعيب غير ظاهر و المفروض عدم قصد الذم أيضا. اللهم إلا أن يقال: إن الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به، يكره الإنسان الاتصاف بها و لو من دون قصد الذم، فإن إشعارها بالذم كاف في الكراهة و منها: ما

حكاه في كشف الريبة عن بعض: من أنه إذا علم إثنان من *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و المناسب: علي.

(2) في ف، ن، خ، م و ع: لا تعرف إلا به.

(3) الوسائل 12: 209، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(4) في ن، ش و مصححة ص: توصيف. (*)

*****ص 357*****

رجل معصية شاهداها فأجري أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز، لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا و إن كان الأولي تنزيه النفس و اللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض الصحيحة، خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك، أو خوف اشتهارها (1) عنهما (2)، انتهي. أقول: إذا فرض عدم كون ذكرهما في مقام التعيير و المذمة و ليس هنا هتك ستر أيضا، فلا وجه للتحريم و لا لكونها غيبة، إلا علي ظاهر بعض التعاريف المتقدمة (3) و منها: رد من ادعي نسبا ليس له، فإن مصلحة حفظ الأنساب أولي من مراعاة حرمة المغتاب و منها: القدح في مقالة باطلة و إن دل علي نقصان قائلها، إذا توقف حفظ الحق و إضاعة الباطل عليه و أما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلي من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول، فلم يعرف له وجه، مع شيوعه بينهم من قديم الأيام! ثم إنهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة إلي ذكرها بعد *

***** (هامش) *****

(1) كذا في المصدر و في النسخ: اشتهاره.

(2) كشف الريبة: 80.

(3) مثل ما تقدم في الصفحة: 321، عن المصباح و قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

إنها ذكرك أخاك بما يكرهه. (*)

*****ص 358*****

ما قدمنا (1) أن الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة علي مفسدة هتك احترام (2) المؤمن و

هذا يختلف باختلاف تلك المصالح و مراتب مفسدة هتك المؤمن، فإنها متدرجة في القوة و الضعف، فرب مؤمن لا يساوي عرضه شيء، فالواجب التحري في الترجيح بين المصلحة و المفسدة. *

***** (هامش) *****

(1) في الصفحة: 351.

(2) في ف: علي مصلحة احترام. (*)

*****ص 359*****

الرابع يحرم استماع الغيبة بلا خلاف، فقد ورد:

أن السامع للغيبة أحد المغتابين (1) و الأخبار في حرمته كثيرة (2) إلا أن ما يدل علي كونه من الكبائر - كالرواية المذكورة و نحوها (3) - ضعيفة السند. ثم المحرم سماع الغيبة المحرمة، دون ما علم حليتها و لو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم، فالمحكي جواز الاستماع مع احتمال كونه متجاهرا، لا مع (4) العلم بعدمه. قال في كشف الريبة: إذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة و لا عدمه، قيل: لا يجب نهي القائل، لإمكان الاستحقاق، فيحمل فعل القائل علي الصحة ما لم يعلم فساده و لأن (5) *

***** (هامش) *****

(1) أورده في كشف الريبة: 64، مرسلا عن علي عليه السلام.

(2) انظر الوسائل 8: 606، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة و مستدرك الوسائل 9: 131، الباب 136 من أبواب أحكام العشرة.

(3) مثل ما رواه في كشف الريبة: 64 مرسلا عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، بلفظ: المستمع أحد المغتابين.

(4) في ن، خ، م و ع: إلا مع.

(5) كذا في ش و في غيره: لأن. (*)

*****ص 360*****

ردعه يستلزم انتهاك حرمته و هو أحد المحرمين. ثم قال: و الأولي التنزه عن ذلك (1) حتي يتحقق المخرج منه، لعموم الأدلة و ترك الاستفصال فيها و هو دليل إرادة العموم حذرا

من الإغراء بالجهل و لأن ذلك لو تم لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلي السامع مع احتمال اطلاع القائل علي ما يوجب تسويغ مقالته و هو هدم قاعدة النهي عن الغيبة (2)، انتهي. أقول: و المحكي بقوله: قيل لا دلالة فيه علي جواز الاستماع و إنما يدل علي عدم وجوب النهي عنه و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل، لأن السامع أحد المغتابين، فكما أن المغتاب تحرم عليه الغيبة إلا إذا علم التجاهر المسوغ، فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا إذا علم التجاهر و أما نهي القائل فغير لازم مع دعوي القائل العذر المسوغ، بل مع احتماله في حقه و إن اعتقد الناهي عدم التجاهر. نعم، لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه. هذا و لكن الأقوي جواز الاستماع إذا جاز للقائل، لأنه قول غير منكر، فلا يحرم الإصغاء إليه، للأصل. *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و في المصدر: و الأولي التنبيه علي ذلك، إلا أن في نسخة ف كتب أولا مثل ما في المصدر، ثم شطب عليه و اثبت مثل ما في سائر النسخ.

(2) كشف الريبة: 81. (*)

*****ص 361*****

و الرواية (1) - علي تقدير صحتها - تدل علي أن السامع لغيبة كقائل تلك الغيبة، فإن كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك، فتكون دليلا علي الجواز فيما نحن فيه. نعم، لو استظهر منها أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها، فإن جاز للسامع التكلم بغيبة (2) جاز سماعها و إن حرم عليه حرم سماعها أيضا، كانت الرواية - علي تقدير صحتها - دليلا للتحريم فيما نحن فيه، لكنه خلاف الظاهر من الرواية علي تقدير قراءة المغتابين بالتثنية

و إن كان هو الظاهر علي تقدير قراءته بالجمع، لكن هذا التقدير خلاف الظاهر و قد تقدم في مسألة التشبيب أنه إذا (3) كان شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه، فراجع (4). ثم إنه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة: فعن المجالس بإ سناده عن أبي ذر رضوان الله عليه عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من اغتيب عنده أخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره، نصره الله تعالي في الدنيا و الآخرة و إن خذله و هو يستطيع نصره، خذله الله في الدنيا و الآخرة (5). *

***** (هامش) *****

(1) و هي قوله عليه السلام : إن السامع للغيبة أحد المغتابين، المتقدم في الصفحة: 359.

(2) ظاهر ف: بغيبته.

(3) في ن، ع و ص: إذا كان.

(4) راجع الصفحة: 181.

(5) أمالي الطوسي 2: 150 و عنه الوسائل 8: 608، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 8. (*)

*****ص 362*****

و نحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم لعلي عليه السلام (1) و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة، فإن لم يرد عنه و أعجبه كان عليه كوزر من اغتابه (2) و عن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام - في حديث المناهي - عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من تطول علي أخيه في غيبة سمعها [فيه، في مجلس] (3) فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر في

الدنيا و الآخرة، فإن هو لم يردها و هو قادر علي ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة … الخبر (4) (5) و لعل وجه زيادة عقابه أنه إذا لم يرده تجرأ المغتاب علي الغيبة، فيصر علي هذه الغيبة و غيرها و الظاهر أن الرد غير النهي عن الغيبة و المراد به الانتصار *

***** (هامش) *****

(1) الفقيه 4: 372، باب النوادر، الحديث 5762 و عنه الوسائل 8: 606، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.

(2) عقاب الأعمال: 335 و عنه الوسائل 8: 607، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 5.

(3) من ع، ص و المصدر.

(4) كذا في النسخ و الظاهر زيادة الخبر، لأن الحديث مذكور بتمامه.

(5) الفقيه 4: 15، الحديث 4968 و عنه الوسائل 8: 600، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 13. (*)

*****ص 363*****

للغائب بما يناسب تلك الغيبة، فإن كان عيبا دنيويا انتصر له بأن العيب ليس إلا ما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبه الله به و إن كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية، فإن لم يقبل التوجيه انتصر له بأن المؤمن قد يبتلي بالمعصية، فينبغي أن تستغفر له و تهتم له، لا أن تعير عليه و أن تعييرك إياه لعله أعظم عند الله من معصيته و نحو ذلك. ثم إنه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره و هذا و إن كان في نفسه مباحا إلا أنه إذا انضم مع ذمه في غيبته سمي صاحبه ذو اللسانين (1) و تأكد حرمته و لذا ورد في المستفيضة: أنه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة و له لسانان

من النار (2)، فإن لسان المدح في الحضور و إن لم يكن لسانا من نار، إلا أنه إذا انضم إلي لسان الذم في الغياب صار كذلك و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام ، قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من مدح أخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطعت العصمة بينهما (3). *

***** (هامش) *****

(1) في خ و م زيادة: يوم القيامة.

(2) الوسائل 8: 581، الباب 143 من أبواب أحكام العشرة، الأحاديث 1 و 7 و 8 و 9 و في الجميع: لسانان من نار، بدون الألف و اللام.

(3) أمالي الصدوق: 466، المجلس 85، الحديث 21 مع اختلاف يسير و عنه الوسائل 8: 583، الباب 143 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 10. (*)

*****ص 364*****

و عن الباقر عليه السلام : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين! يطري أخاه شاهدا و يأكله غائبا، إن اعطي حسده و إن ابتلي خذله (1) و اعلم أنه قد يطلق الاغتياب علي البهتان و هو أن يقال في شخص ما ليس فيه و هو أغلظ تحريما من الغيبة و وجهه ظاهر، لأنه جامع بين مفسدتي (2) الكذب و الغيبة و يمكن القول بتعدد العقاب من جهة كل من العنوانين و المركب و في رواية علقمة، عن الصادق عليه السلام : حدثني أبي، عن آبائه عليهم السلام ، عن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أنه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا و من اغتاب مؤمنا بما ليس

فيه فقد انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير (3). *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 582، الباب 143 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2.

(2) في ف: جامع لمفسدتي.

(3) الوسائل 8: 601، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 20، باختلاف يسير. (*)

*****ص 365*****

خاتمة في بعض ما ورد من حقوق المسلم علي أخيه ففي صحيحة مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام : ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن (1) و روي في الوسائل و كشف الريبة، عن كنز الفوائد - للشيخ الكراجكي - ، عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن علي الجعابي، عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوي، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام ، قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

للمسلم علي أخيه ثلاثون حقا، لا براءة له منها إلا بأدائها أو العفو: يغفر زلته و يرحم عبرته و يستر عورته و يقيل عثرته و يقبل معذرته و يرد غيبته و يديم نصيحته و يحفظ خلته و يرعي ذمته و يعود مرضه و يشهد ميتته (2) و يجيب دعوته و يقبل هديته و يكافئ صلته و يشكر نعمته و يحسن نصرته و يحفظ حليلته و يقضي حاجته و يستنجح مسألته و يسمت عطسته و يرشد ضالته و يرد سلامه و يطيب كلامه و يبر إنعامه و يصدق أقسامه، [و يوالي وليه] (3) و لا يعاديه (4) و ينصره ظالما و مظلوما *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 8: 542، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.

(2) كذا في ف و ص و المصادر و في غيرها:

ميته.

(3) كذا في النسخ و شطب عليه في ف و كتب بدله: و يوإليه و العبارة في كشف الريبة أيضا: و يوإليه.

(4) في الوسائل: و لا يعاد و أما في كنز الفوائد فهكذا: و يوالي وليه و يعادي عدوه. (*)

*****ص 366*****

- فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فيعينه علي أخذ حقه - و لا يسلمه و لا يخذله و يحب له من الخير ما يحب لنفسه و يكره له [من الشر] (1) ما يكره لنفسه، ثم قال عليه السلام : سمعت رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له عليه (2) و الأخبار في حقوق المؤمن كثيرة (3) و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التي ينبغي أداؤها و معني القضاء لذيها علي من هي عليه (4) : المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما اعد لمن أدي حقوق الاخوة. ثم إن ظاهرها و إن كان عاما، إلا أنه يمكن تخصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدي لها بحسب اليسر، أما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إليه و لا يوجب إهمالها مطالبته (5) يوم القيامة، لتحقق المقاصة، فإن التهاتر يقع في الحقوق، كما يقع في الأموال. *

***** (هامش) *****

(1) لم ترد في أصل النسخ، إلا أنها استدركت في هامش بعضها من المصدر.

(2) كنز الفوائد 1: 306 و عنه كشف الريبة: 114 و الوسائل 8: 550، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 24 و فيها: فيقضي له و عليه.

(3) انظر الوسائل 8: 542، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة.

(4) كذا في ش و مصححة

ص و في ف، ن، م و ع و هامش ش (خ ل) : لذيها علي من عليها.

(5) في ن، خ، م، ع و ص: مطالبة. (*)

*****ص 367*****

و قد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان، بل لجميعهم إلا القليل: فعن الصدوق رحمه الله - في الخصال و كتاب الإخوان - و الكليني بسندهما عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: قام إلي أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام رجل بالبصرة، فقال: أخبرنا عن الإخوان، فقال عليه السلام : الإخوان صنفان، إخوان الثقة و إخوان المكاشرة (2)، فأما إخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال، فإذا كنت من أخيك علي ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و عيبه (3) و أظهر منه الحسن و اعلم أيها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر! و أما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك، فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان (4) و في رواية عبيد الله الحلبي - المروية في الكافي - عن *

***** (هامش) *****

(1) في ف زيادة: ففي مرسلة أحمد بن محمد بن عيسي، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام.

(2) كاشره: إذا تبسم في وجهه و انبسط معه (مجمع البحرين 3: 474 - كشر).

(3) كذا في ش و الكافي و الخصال و في سائر النسخ: و أعنه، كما في كتاب مصادقة الإخوان و الوسائل.

(4) الخصال 1: 49، باب الإثنين، الحديث 56، مصادقة الإخوان: 30،

الحديث الأول، الكافي 2: 248، الحديث 3 و انظر الوسائل 8: 404، الباب 3 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول. (*)

*****ص 368*****

أبي عبد الله عليه السلام ، قال: لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلي الصداقة و من لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلي شيء من الصداقة: فأولها - أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة و الثانية - أن يري زينك زينه و شينك شينه و الثالثة - أن لا تغيره عليك ولاية و لا مال و الرابعة - أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته (1) و الخامسة - و هي تجمع (2) هذه الخصال - : أن لا يسلمك عند النكبات (3) و لا يخفي أنه إذا لم تكن الصداقة لم تكن الاخوة، فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه و في نهج البلاغة: لا يكون الصديق صديقا حتي يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته و في غيبته و في وفاته (4) و في كتاب الإخوان، بسنده عن الوصافي، عن أبي جعفر عليه السلام ، *

***** (هامش) *****

(1) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: بقدرته.

(2) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: مجمع.

(3) الكافي 2: 639، الحديث 6 و عنه الوسائل 8: 413، الباب 13 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.

(4) نهج البلاغة: 494، الحكمة رقم:

134 و فيه: في نكبته و غيبته و وفاته. (*)

*****ص 369*****

قال: قال لي: أرأيت من كان قبلكم (1) إذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟ قلت: لا، قال: فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه

بفضل إزاره حتي يجد له إزارا؟ قلت: لا، قال: فضرب بيده علي فخذه! و قال: ما هؤلاء بإخوة … الخ (2) (3) دل علي أن من لا يواسي المؤمن ليس بأخ له، فلا يكون له حقوق الاخوة المذكورة في روايات الحقوق و نحوه رواية ابن أبي عمير عن خلاد - رفعه - قال: أبطأ علي رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم رجل، فقال: ما أبطأ بك؟ قال: العري يا رسول الله! فقال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما؟ فقال: بلي يا رسول الله، قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

ما هذا لك بأخ (4) و في رواية يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : اختبروا إخوانكم بخصلتين، فإن كانتا فيهم و إلا، فاعزب ثم *

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: من قبلكم.

(2) كذا في النسخ و الظاهر زيادة: الخ، فإن ما ورد هو تمام الحديث.

(3) مصادقة الإخوان: 36، الحديث الأول و عنه الوسائل 8: 414، الباب 14 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.

(4) مصادقة الإخوان: 36، الحديث 4 و عنه الوسائل 8: 415، الباب 14 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3. (*)

*****ص 370*****

اعزب (1) : المحافظة علي الصلوات في مواقيتها و البر بالإخوان في اليسر و العسر (2). *

***** (هامش) *****

(1) كذا في المصدر و في سائر النسخ: فاغرب ثم اغرب و في المصدر زيادة: ثم اعزب. قال في مجمع البحرين

(2: 120) : اعزب ثم اعزب علي [عن - ظ] الأمر: أي أبعد نفسك عن الأمر ثم ابعد.

(2) الوسائل 8: 503، الباب 103 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول. (*)

*****ص

371*****

المسألة الخامسة عشر

المسألة الخامسة عشر:

القمار حرام إجماعا و يدل عليه الكتاب (1) و السنة المتواترة (2) و هو - بكسر القاف - كما عن بعض أهل اللغة: الرهن علي اللعب بشئ من الآلات المعروفة (3) و حكي عن جماعة أنه قد يطلق علي اللعب بهذه الأشياء مطلقا و لو من دون رهن (4) و به صرح في جامع المقاصد (5) و عن بعض (6) أن أصل المقامرة المغالبة و كيف كان، فهنا مسائل أربع، لأن اللعب قد يكون بآلات القمار *

***** (هامش) *****

(1) مثل قوله تعالي: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) * المائدة: 90.

(2) انظر الوسائل 12: 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به.

(3) انظر مجمع البحرين 3: 463، ففيه ما هو قريب من العبارة المذكورة.

(4) حكاه في مفتاح الكرامة (4: 56) عن ظاهر الصحاح و المصباح المنير و التكملة و الذيل، لكن راجعنا الصحاح و المصباح فلم نقف فيهما علي كلام ظاهر في ذلك و أما التكملة و الذيل فلم تكونا في متناول أيدينا لنراجعهما.

(5) جامع المقاصد 4: 24.

(6) لم نقف عليه. (*)

*****ص 372*****

مع الرهن و قد يكون بدونه و المغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض و قد تكون بدونه. فالاولي - اللعب بآلات القمار مع الرهن و لا إشكال في حرمته و حرمة العوض و الإجماع عليه (1) محقق و الأخبار به (2) متواترة (3). الثانية - اللعب بآلات القمار من دون رهن و في صدق القمار عليه نظر، لما عرفت و مجرد الاستعمال لا يوجب إجراء أحكام المطلقات و لو مع البناء علي أصالة الحقيقة

في الاستعمال، لقوة انصرافها إلي الغالب من وجود الرهن في اللعب بها و منه تظهر الخدشة في الاستدلال علي المطلب بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات، بناء علي انصرافه إلي المتعارف من ثبوت الرهن. نعم، قد يبعد دعوي الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي: عن الشطرنج و النرد؟ قال: لا تقربوهما، قلت: فالغناء؟ قال: لا خير فيه، لا تقربه (4). *

***** (هامش) *****

(1) كذا في جميع النسخ و المناسب: عليها.

(2) كذا في جميع النسخ و المناسب: بها.

(3) انظر الوسائل 12: 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به و راجع الأبواب 102 و 103 و 104.

(4) الوسائل 12: 239، الباب 102 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10. (*)

*****ص 373*****

و الأولي الاستدلال علي ذلك بما تقدم في رواية تحف العقول من أن ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات (1) و في تفسير القمي، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام - في قوله تعالي: * (إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) * (2) - قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب - إلي أن قال - : و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر - إلي أن قال - : و كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشئ من هذا حرام (3) محرم (4) و ليس المراد بالقمار - هنا - المعني المصدري، حتي يرد ما تقدم من انصرافه إلي اللعب مع الرهن، بل المراد الآلات بقرينة قوله: بيعه و شراؤه و قوله: و أما الميسر فهو النرد … الخ و يؤيد الحكم ما عن مجالس

المفيد الثاني رحمه الله - ولد شيخنا الطوسي رحمه الله - بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير الميسر من أن كل ما ألهي عن ذكر الله فهو الميسر (5). *

***** (هامش) *****

(1) تقدم نص الرواية في أول الكتاب.

(2) المائدة: 90.

(3) في المصدر: حرام من الله محرم.

(4) تفسير القمي 1: 180 - 181 و الوسائل 12: 239، الباب 103 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12.

(5) أمالي الطوسي 1: 345 و عنه الوسائل 12: 235، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15. (*)

*****ص 374*****

و رواية الفضيل، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس من النرد و الشطرنج … حتي انتهيت إلي السدر (1)، قال: إذا ميز الله الحق من الباطل مع أيهما يكون؟ قلت (2) : مع الباطل، قال: و ما لك و الباطل؟! (3) و في موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شبيب (4) - التي يقال لها: لعبة الأمير (5) - و عن لعبة الثلاث؟ فقال: أرأيتك (6) إذا ميز الله بين الحق و الباطل مع أيهما تكون؟ قلت (7) : مع الباطل، قال: فلا خير فيه (8) و في رواية عبد الواحد بن مختار، عن اللعب بالشطرنج، قال: إن المؤمن لمشغول عن اللعب (9). فإن مقتضي إناطة الحكم بالباطل و اللعب عدم اعتبار الرهن في *

***** (هامش) *****

(1) السدر - كعبر - لعبة للصبيان (مجمع البحرين 3: 328 - سدر). قال ابن الأثير: السدر لعبة يقامر بها و تكسر سينها و تضم و هي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب (النهاية 2: 354 -

سدر).

(2) من مصححة ص و الكافي (6: 436، الحديث 9) و في سائر النسخ: قال.

(3) الوسائل 12: 242، الباب 104 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(4) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: لعبة شيث.

(5) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: لعبة الأحمر.

(6) في ن، ع و س: أرأيت.

(7) كذا في ف، ص و ش و في سائر النسخ: قال.

(8) الوسائل 12: 238، الباب 102 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

(9) الوسائل 12: 239، الباب 102 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11. (*)

*****ص 375*****

حرمة اللعب بهذه الأشياء و لا يجري دعوي الانصراف هنا. الثالثة - المراهنة علي اللعب بغير الآلات المعدة للقمار. كالمراهنة علي حمل الحجر الثقيل و علي المصارعة و علي الطيور و علي الطفرة و نحو ذلك مما عدوها في باب السبق و الرماية من أفراد غير ما نص علي جوازه و الظاهر الإلحاق بالقمار في الحرمة و الفساد، بل صريح بعض أنه قمار (1) و صرح العلامة الطباطبائي رحمه الله - في مصابيحه - بعدم الخلاف في الحرمة و الفساد (2) و هو ظاهر كل من نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض و جعل محل الخلاف فيها بدون العوض (3)، فإن ظاهر ذلك أن محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك و من المعلوم أنه ليس هنا إلا الحرمة التكليفية، دون خصوص الفساد و يدل عليه أيضا قول الصادق عليه السلام : أنه قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

إن الملائكة لتحضر الرهان في الخف و الحافر

***** (هامش) *****

(1) صرح بذلك السيد الطباطبائي في كتاب السبق و

الرماية من الرياض 2: 41.

(2) (مخطوط) و لم نقف عليه.

(3) من وقفنا عليه منهم هو الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 1: 301 و المحقق النجفي في الجواهر 28: 218 و 219، لكنه في كتاب التجارة استظهر اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار، كما سيأتي.

*****ص 376*****

و الريش و ما سوي ذلك قمار حرام (1) و في رواية العلاء بن سيابة، عن الصادق عليه السلام ، عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

أن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر [والخف] (2) و الريش و النصل (3) و المحكي عن تفسير العياشي، عن ياسر الخادم، عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر، قال: الثقل (4) من كل شيء، قال: و الثقل (5) ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها (6) (7) و في مصححة معمر بن خلاد:

كل ما قومر عليه فهو ميسر (8) و في رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام : قيل: يا رسول الله *

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 13: 349، الباب 3 من أبواب أحكام السبق و الرماية، الحديث 3، باختلاف يسير.

(2) من هامش ص و المصدر.

(3) الوسائل 13: 347، الباب الأول من أبواب أحكام السبق و الرماية، الحديث 6 و قد روي المحدث العاملي هذه الرواية عن الصدوق عن الصادق عليه السلام و ليس في سندها العلاء بن سيابة، لكنه موجود في الفقيه 3: 48، الحديث 3303.

(4) في الوسائل: التفل.

(5) في المصدر: الخبز و الثقل.

(6) في المصدر: و غيره.

(7) تفسير العياشي 1: 341، الحديث 187 و عنه في الوسائل 12: 121، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12.

(8) الوسائل 12: 242، الباب

104 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول. (*)

*****ص 377*****

ما الميسر؟ قال: كل ما يقامر به (1) حتي الكعاب و الجوز (2) و الظاهر أن المقامرة بمعني المغالبة علي الرهن و مع هذه الروايات الظاهرة بل الصريحة في التحريم - المعتضدة بدعوي عدم الخلاف في الحكم ممن تقدم - فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين (3) اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار و أما مطلق الرهان علي المغالبة (4) بغيرها فليس فيه إلا فساد المعاملة و عدم تملك الرهن (5)، فيحرم التصرف فيه، لأنه أكل مال بالباطل و لا معصية من جهة العمل كما في القمار، بل لو أخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد، الذي هو نذر لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل - لا بعنوان أن المقامرة المذكورة أوجبته و ألزمته - أمكن القول بجوازه (6) و قد عرفت من الأخبار إطلاق القمار عليه و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم و أنه من الميسر المقرون بالخمر و أما ما ذكره أخيرا من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد، فلم أفهم معناه، لأن العهد الذي تضمنه العقد الفاسد لا معني لاستحباب الوفاء به، إذ لا يستحب ترتيب آثار الملك علي ما لم يحصل فيه سبب تملك، *

***** (هامش) *****

(1) في المصدر: تقومر به.

(2) الوسائل 12: 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(3) هو صاحب الجواهر قدس سره.

(4) في مصححة خ و ش: مطلق الرهان و المغالبة.

(5) في ص و ش: الراهن.

(6) انتهي ما أفاده صاحب الجواهر - نقلا بالمعني - ، انظر الجواهر 22: 109 - 110. (*)

*****ص 378*****

إلا أن يراد صورة الوفاء، بأن يملكه تمليكا (1) جديدا بعد

الغلبة في اللعب. لكن حل الأكل علي هذا الوجه جار في القمار المحرم أيضا، غاية الأمر الفرق بينهما بأن الوفاء لا يستحب في المحرم، لكن الكلام في تصرف المبذول له (2) بعد التمليك (3) الجديد، لا في فعل الباذل و أنه يستحب له أو لا و كيف كان، فلا أظن الحكم بحرمة الفعل - مضافا إلي الفساد - محل إشكال، بل و لا محل خلاف، كما يظهر من كتاب السبق و الرماية و كتاب الشهادات و تقدم دعواه صريحا من بعض الأعلام (4). نعم، عن الكافي و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل و أصحاب له شاة، فقال: إن أكلتموها فهي لكم و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا، فقضي فيه: أن ذلك باطل، لا شيء في المؤاكلة من الطعام (5) ما قل منه أو كثر (6) و منع غرامة (7) فيه (8). *

***** (هامش) *****

(1) في ف، خ، م، ع و ص: تملكا.

(2) من مصححة ن و ش.

(3) في ن، خ، م، ع و ص: التملك.

(4) تقدمت دعواه عن العلامة الطباطبائي قدس سره في الصفحة: 375.

(5) في التهذيب: لا شيء فيه للمواكلة في الطعام.

(6) في المصدرين: و ما كثر.

(7) في ص و المصدرين: غرامته.

(8) الكافي 7: 428، الحديث 11 و التهذيب 6: 290، الحديث 803 و عنهما الوسائل 16: 114، الباب 5 من أبواب كتاب الجعالة، الحديث الأول و ذيله. (*)

*****ص 379*****

و ظاهرها - من حيث عدم ردع الإمام عليه السلام عن فعل مثل هذا - أنه ليس بحرام، إلا أنه لا يترتب عليه الأثر. لكن هذا وارد

علي تقدير القول بالبطلان و عدم التحريم، لأن (1) التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضا، فتأمل. ثم إن حكم العوض - من حيث الفساد - حكم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة، يجب رده علي مالكه مع بقائه و مع التلف فالبدل مثلا أو قيمة و ما ورد من قئ الإمام عليه السلام البيض الذي قامر به الغلام (2)، فلعله للحذر من أن يصير الحرام جزءا من بدنه، لا للرد علي المالك. لكن يشكل بأن ما كان تأثيره كذلك يشكل أكل المعصوم عليه السلام له جهلا، بناء علي عدم إقدامه علي المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم لا جهلا و لا غفلة، لأن ما دل علي عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب و فعل الحرام دل علي عدم جواز الجهل عليه في ذلك. اللهم إلا أن يقال: بأن مجرد التصرف من المحرمات العلمية و التأثير الواقعي غير المتبدل بالجهل إنما هو في بقائه و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام و الفرض اطلاعه عليه في أوائل وقت تصرف المعدة و لم يستمر جهله. هذا كله لتطبيق فعلهم علي القواعد و إلا فلهم في حركاتهم *

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و العبارة - علي فرض عدم وقوع السقط أو التصحيف فيها - لا تخلو عن إجمال.

(2) الوسائل 12: 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2. (*)

*****ص 380*****

من أفعالهم و اقوالهم شؤون لا يعلمها غيرهم. الرابعة - المغالبة بغير عوض في غير ما نص علي جواز المسابقة فيه و الأكثر - علي ما في الرياض (1) - علي التحريم، بل حكي فيها عن جماعة (2) دعوي الإجماع عليه و هو

الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة. فعن موضع منها: أنه لا تجوز المسابقة علي المصارعة بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا أجمع، لعموم النهي إلا في الثلاثة: الخف و الحافر و النصل (3) و ظاهر استدلاله أن مستند الإجماع هو النهي و هو جار في غير المصارعة أيضا و عن موضع آخر (4) : لا تجوز المسابقة علي رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق، سواء كان بعوض أو بغير عوض عند علمائنا (5) و عنه (6) أيضا: لا يجوز المسابقة علي المراكب و السفن و الطيارات (7)

***** (هامش) *****

(1) الرياض 2: 41 و فيه: النسبة إلي الأشهر.

(2) منهم القاضي في المهذب 1: 331 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 8: 326 و العلامة في التذكرة، كما يأتي.

(3) التذكرة 2: 354.

(4) العبارات المحكية عن التذكرة - هنا - كلها في موضع واحد و صفحة واحدة.

(5) التذكرة 2: 354.

(6) كذا في ف و مصححة م و في سائر النسخ: و فيه.

(7) أي: ما يطير من الحيوانات. (*)

*****ص 381*****

عند علمائنا (1) و قال أيضا: لا يجوز المسابقة علي مناطحة الغنم و مهارشة الديك، بعوض و لا بغير عوض. قال: و كذلك لا يجوز المسابقة علي (2) ما لا ينتفع به في الحرب (3). وعد في ما مثل به اللعب بالخاتم و الصولجان و رمي البنادق و الجلاهق و الوقوف علي رجل واحدة و معرفة ما في اليد من الزوج و الفرد و سائر الملاعب و كذلك اللبث في الماء، قال: و جوزه بعض الشافعية و ليس بجيد (4)، انتهي و ظاهر المسالك الميل إلي الجواز (5) و استجوده في الكفاية (6) و تبعه بعض من

تأخر عنه (7)، للأصل و عدم ثبوت الإجماع و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من عموم النهي و هو غير دال، لأن السبق في الرواية يحتمل التحريك، بل في المسالك: أنه المشهور في الرواية (8) و عليه فلا تدل إلا علي تحريم المراهنة، بل هي غير ظاهرة في التحريم أيضا، لاحتمال إرادة فسادها، بل هو الأظهر، لأن نفي العوض ظاهر *

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 2: 354.

(2) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: و كذلك لا يجوز المسابقة بما …

(3) في ف: ما لا ينفع في الحرب.

(4) التذكرة 2: 354.

(5) المسالك (الطبعة الحجرية) 1: 301.

(6) كفاية الأحكام:

137.

(7) الظاهر المراد به هو المحدث البحراني، انظر الحدائق 22: 366.

(8) المسالك 1: 301. (*)

*****ص 382*****

في نفي استحقاقه و إرادة نفي جواز العقد عليه في غاية البعد و علي تقدير السكون، فكما يحتمل نفي الجواز التكليفي يحتمل نفي الصحة، لوروده مورد الغالب، من اشتمال المسابقة علي العوض و قد يستدل للتحريم أيضا بأدلة القمار، بناء علي أنه مطلق المغالبة و لو بدون العوض، كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية (1) بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا و دعوي أنه يشترط في صدق القمار أحد الأمرين: إما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار و إن لم يكن عوض و إما المغالبة مع العوض و إن لم يكن بالآلات المعدة للقمار - علي ما يشهد به إطلاقه في رواية الرهان في الخف و الحافر (2) - في غاية البعد، بل الأظهر أنه مطلق المغالبة و يشهد له أن إطلاق آلة القمار موقوف علي عدم دخول الآلة في مفهوم القمار، كما في سائر الآلات المضافة

إلي الأعمال و الآلة غير مأخوذة في المفهوم و قد عرفت أن العوض أيضا غير مأخوذ فيه (3)، فتأمل. *

***** (هامش) *****

(1) أي رواية أبي الربيع الشامي أو رواية أبي الجارود، المتقدمتان في الصفحة: 372 و 373 و يحتمل أن يراد بها الجنس، فيكون المراد بها جميع الروايات المذكورة في المسألة الثانية.

(2) رواية العلاء بن سيابة، المتقدمة في الصفحة: 377.

(3) لم نعرف منه فيما تقدم إلا ما ذكره آنفا من إطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا و الكلام هنا في المفهوم العرفي للقمار و لعله إلي ذلك أشار بقوله: فتأمل.

*****ص 383*****

و يمكن أن يستدل علي التحريم أيضا بما تقدم من أخبار حرمة الشطرنج و النرد، معللة بكونهما (1) من الباطل و اللعب و أن كل ما ألهي عن ذكر الله عز و جل فهو الميسر (2) و قوله عليه السلام في بيان حكم اللعب بالأربعة عشر: لا نستحب (3) شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي (4) و المراد رهان الفرس و لا شك في صدق اللهو و اللعب في ما نحن فيه، ضرورة أن العوض لا دخل له في ذلك و يؤيده ما دل علي أن كل لهو المؤمن باطل خلا ثلاثة، وعد منها إجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته (5) و لعله لذلك كله استدل في الرياض (6) تبعا للمهذب (7) [في مسألتنا] (8) بما دل علي حرمة اللهو. لكن قد يشكل الاستدلال في ما إذا تعلق بهذه الأفعال غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا، فيمكن إناطة الحكم باللهو و يحكم *

***** (هامش) *****

(1) كذا في مصححة ن و في سائر النسخ: بكونها.

(2) تقدم في الصفحة: 373.

(3) كذا

في ف و ن و في غيرهما: لا تستحب و في الوسائل: لا يستحب.

(4) الوسائل 12: 235، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 14.

(5) الوسائل 11: 107، الباب 58 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3 و فيه: كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: في تأديبه الفرس و رميه عن قوسه و ملاعبته امرأته … الحديث.

(6) الرياض 2: 41.

(7) لم نقف عليه في مهذب القاضي و الاستدلال المذكور موجود في المهذب البارع 3: 82.

(8) لم يرد في ن، م و ش و شطب عليه في ف. (*)

*****ص 384*****

في غير مصاديقه بالإباحة، إلا أن يكون قولا بالفصل و هو غير معلوم و سيجئ بعض الكلام في ذلك عند التعرض لحكم اللهو و موضوعه إن شاء الله.

*****ص 385*****

المسألة السادسة عشر

المسألة السادسة عشر:

القيادة حرام (1) و هي السعي بين الشخصين لجمعهما علي الوط ء المحرم و هي من الكبائر و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك في مسألة تدليس الماشطة (2) و في صحيحة ابن سنان: أنه يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني، خمسة و سبعين سوطا و ينفي من المصر الذي هو فيه (3). *

***** (هامش) *****

(1) من ش و هامش م

(2) في رواية سعد الاسكاف: … قلنا له: بلغنا أن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم لعن الواصلة و المستوصلة، فقال: ليس هناك، إنما لعن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم الواصلة لاتي تزني في شبابها فإذا كبرت قادت النساء إلي الرجال، فتلك الواصلة، راجع الصفحة 168.

(3) الوسائل 18: 429، الباب 5 من أبواب حد السحق و القيادة، الحديث الأول

*****ص 7*****

المسألة السابعة عشر

المسألة السابعة عشر:

القيافة حرام في الجملة، نسبه في الحدائق إلي الأصحاب

(1) و في الكفاية: لا أعرف خلافا

(2) و عن المنتهي: الإجماع

(3) و القائف - كما عن الصحاح و القاموس و المصباح - : هو الذي يعرف الآثار

(4) و عن النهاية و مجمع البحرين زيادة: أنه يعرف شبه الرجل بأخيه و أبيه

(5) و في جامع المقاصد و المسالك - كما عن إيضاح النافع و الميسية - :

***** (هامش) ***** *

(1) الحدائق 18: 182.

(2) الكفاية: 87.

(3) المنتهي 2: 1014 و فيه: نفي الخلاف و حكي الاجماع عنه المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 80.

(4) الصحاح 4: 1419، مادة: قوف، القاموس المحيط 3: 188، مادة: قوف و لم نقف في المصباح علي التعبير المذكور، انظر المصباح المنير: 519.

(5) النهاية، لابن الأثير 4: 121، مجمع البحرين 5: 110 و العبارة

للأول. (*)

*****ص 8*****

أنها إلحاق الناس بعضهم ببعض (1) و قيد في الدروس و جامع المقاصد - كما عن (2) التنقيح - حرمتها بما إذا ترتب عليها محرم (3) و الظاهر أنه مراد الكل و إلا فمجرد حصول الاعتقاد العلمي أو الظني بنسب شخص لا دليل علي تحريمه و لذا نهي في بعض الأخبار عن إتيان القائف و الأخذ بقوله. ففي المحكي عن الخصال: ما احب أن تأتيهم (4) و عن مجمع البحرين: أن في الحديث: لَا آخُذُ بِقَوْلِ … قَائِفٍ (5) و قد افتري بعض العامة علي رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم في أنه قضي بقول القافة (6) و قد انكر ذلك عليهم في الأخبار، كما يشهد به ما عن الكافي

***** (هامش) ***** *

(1) جامع المقاصد 4: 33، المسالك 3: 129 و العبارة للثاني مع اختلاف يسير و أما إيضاح الفوائد و الميسية: فلا يوجدان عندنا، نعم حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 82.

(2) كذا في ف و في سائر النسخ: في.

(3) الدروس 3: 165، جامع المقاصد 4: 33 و لم نقف علي التقييد المذكور في التنقيح. نعم، حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 82 و انظر التنقيح 2: 13.

(4) الخصال 1: 20، باب الواحد، الحديث 68 و عنه الوسائل 12: 109، الباب 26 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(5) مجمع البحرين 5: 110.

(6) صحيح البخاري 8: 195. (*)

*****ص 9*****

عن زكريا بن يحيي بن نعمان المصري (1)، قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، فقال: و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام. فقال الحسن: إي و الله

جعلت فداك! لقد بغي عليه إخوته. فقال علي بن جعفر: إي و الله! و نحن عمومته بغينا عليه. فقال له الحسن: جعلت فداك! كيف صنعتم، فإني لم أحضركم؟ قال: فقال له إخوته - و نحن أيضا - : ما كان فينا إمام قط حائل اللون! فقال لهم الرضا عليه السلام : هو ابني. فقالوا: إن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم قضي بالقافة، فبيننا و بينك القافة. فقال: ابعثوا أنتم إليهم و أما أنا فلا و لا تعلموهم لما دعوتموهم إليه و ليكونوا في بيوتكم. فلما جاءوا و قعدنا في البستان و اصطف عمومته و إخوته و أخواته و أخذوا الرضا عليه السلام و ألبسوه جبة من صوف و قلنسوة [منها] (2)،

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و في سائر النسخ: زكريا بن يحيي العري، إلا أنه صحح في ن و ص بما في ش و في خ و ع كتب فوق كلمة العري: الصيرفي (خ ل). هذا حال النسخ و أما المصدر: ففي الطبعة الحديثة من الكافي: زكريا بن يحيي بن النعمان الصيرفي و في معجم رجال الحديث (7: 289) ما يلي: في الطبعة القديمة المصرفي بدل الصيرفي و في الوافي: المصري. (2) من المصدر. (*)

*****ص 10*****

و وضعوا علي عنقه مسحاة و قالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه. ثم جاءوا بأبي جعفر عليه السلام و قالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه. فقالوا: ما له هنا أب و لكن هذا عم أبيه و هذا عمه و هذه عمته و إن يكن له هنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه و قدميه واحدة. فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا: هذا أبوه.

فقال علي بن جعفر: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام و قلت: أشهد أنك إمامي (1). الخبر نقلناه بطوله تيمنا.

***** (هامش) ***** *

(1) أوردنا هذا الحديث طبقا لنسخة ش، لكونها أقرب إلي المصدر و هناك اختلافات عديدة وردت في النسخ لم نتعرض لها، انظر الكافي 1: 322، الحديث 14. (*)

*****ص 11*****

المسألة الثامنة عشر

المسألة الثامنة عشر:

الكذب حرام بضرورة العقول و الأديان و يدل عليه الأدلة الأربعة، إلا أن الذي ينبغي الكلام فيه مقامان: أحدهما - في أنه من الكبائر. الثاني (1) - في مسوغاته. [الكلام في المقام الأول] أما الأول - فالظاهر من غير واحد من الأخبار - كالمروي في العيون بسند (2) عن الفضل بن شاذان لا يقصر عن الصحيح (3) و المروي عن الأعمش في حديث شرائع الدين (4) - عده من الكبائر.

***** (هامش) ***** *

(1) في خ، ع، ص و ش: و الثاني.

(2) في ش: بسنده.

(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 127 و الوسائل 11: 261، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 33.

(4) الوسائل 11: 262، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 36. (*)

*****ص 12*****

و في الموثقة بعثمان بن عيسي: إن الله تعالي جعل للشر أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و الكذب شر من الشراب (1) و ارسل عن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

ألا اخبركم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله و عقوق الوالدين و قول الزور (2) أي الكذب و عنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

أن المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك و خرج من قلبه نتن حتي يبلغ العرش و كتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية، أهونها كمن

يزني مع امه (3) و يؤيده ما عن العسكري صلوات الله عليه: جعلت الخبائث كلها في بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب … الحديث (4)، فإن مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة و يمكن الاستدلال علي كونه من الكبائر بقوله تعالي: * (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) * (5)، فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله، كافرا بها.

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 8: 572، الباب 138 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(2) المحجة البيضاء 5: 242.

(3) البحار 72: 263، الحديث 48 و مستدرك الوسائل 9: 86، الباب 120 من أبواب تحريم الكذب، الحديث 15.

(4) البحار 72: 263، الحديث 46.

(5) النحل: 105. (*)

*****ص 13*****

و لذلك كله أطلق جماعة كالفاضلين (1) و الشهيد الثاني (2) - في ظاهر كلماتهم - كونه من الكبائر، من غير فرق بين أن يترتب علي الخبر الكاذب مفسدة أو لا يترتب عليه شيء أصلا و يؤيده ما روي عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم في وصيته لأبي ذر رضوان الله عليه: ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك القوم، ويل له، ويل له، ويل له (3) (4)، فإن الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا إيقاع في المفسدة. نعم، في الأخبار ما يظهر منه عدم كونه علي الإطلاق كبيرة، مثل رواية أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام : إن الكذب علي الله تعالي و رسوله من الكبائر (5). فإنها ظاهرة في اختصاص (6) الكبيرة بهذا الكذب الخاص، لكن يمكن حملها علي كون هذا (7) الكذب الخاص من الكبائر الشديدة العظيمة و لعل هذا أولي من تقييد المطلقات المتقدمة و في مرسلة سيف بن عميرة، عن أبي جعفر عليه

السلام ، قال: كان

***** (هامش) ***** *

(1) لم نقف عليه في كتب المحقق و العلامة قدس سره ما، نعم في القواعد (2: 236) : أن الكبيرة ما توعد الله فيها بالنار و مثله التحرير (2: 208).

(2) الروضة البهية 3: 129.

(3) محل ويل له الثالث بياض في ش و في سائر النسخ: ويل له و ويل له و ويل له.

(4) الوسائل 8: 577، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة، ذيل الحديث 4.

(5) الوسائل 8: 575، الباب 139 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(6) كذا في ش و في سائر النسخ: باختصاص.

(7) لم ترد هذا في ف. (*)

*****ص 14*****

يقول علي بن الحسين عليهما السلام لولده:

اتقوا الكذب، الصغير منه و الكبير، في كل جد و هزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ علي الكبير … الخبر (1) و يستفاد منه: أن عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد و في صحيحة ابن الحجاج: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الكذاب هو الذي يكذب في الشيء؟ قال: لا، ما من أحد إلا و يكون منه ذلك و لكن المطبوع (2) علي الكذب (3)، فإن قوله: ما من أحد … الخبر يدل علي أن الكذب من اللمم الذي يصدر من كل أحد، لا من الكبائر و عن الحارث الأعور، عن علي عليه السلام ، قال: لا يصلح من الكذب جد و [لا] (4) هزل و لا يعدن (5) أحدكم صبيه ثم لا يفي له، إن الكذب يهدي إلي الفجور و الفجور يهدي إلي النار و ما زال أحدكم يكذب حتي يقال: كذب و فجر … الخبر (6) و فيه أيضا إشعار بأن مجرد الكذب ليس فجورا و

قوله: لا يعدن أحدكم صبيه ثم لا يفي له، لا بد أن يراد به

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 8: 577، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.

(2) كذا في ص و في سائر النسخ: المطوع.

(3) الوسائل 8: 573، الباب 138 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 9.

(4) من الوسائل.

(5) في الوسائل: و لا أن يعد.

(6) الوسائل 8: 577، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3. (*)

*****ص 15*****

النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهرا بقوله تعالي: * (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (1)، بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا و أن إطلاق الكذب عليه في الرواية لكونه في حكمه من حيث الحرمة، أو لأن الوعد مستلزم للإخبار بوقوع الفعل، كما أن سائر الإنشاءات كذلك و لذا ذكر بعض الأساطين: أن الكذب و إن كان من صفات الخبر، إلا أن حكمه يجري في الإنشاء المنبئ عنه، كمدح المذموم و ذم الممدوح و تمني المكاره (2) و ترجي غير المتوقع و إيجاب غير الموجب و ندب غير النادب و وعد غير العازم (3) و كيف كان، فالظاهر عدم دخول خلف الوعد في الكذب، لعدم كونه من مقولة الكلام، نعم، هو كذب للوعد، بمعني جعله مخالفا للواقع، كما أن إنجاز الوعد صدق له، بمعني جعله مطابقا للواقع، فيقال: صادق الوعد و وعد غير مكذوب و الكذب بهذا المعني ليس محرما علي المشهور و إن كان غير واحد من الأخبار ظاهرا في حرمته (4) و في بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة. ثم إن ظاهر الخبرين الأخيرين - خصوصا المرسلة - حرمة الكذب حتي في الهزل و يمكن أن يراد به: الكذب

في مقام الهزل و أما نفس

***** (هامش) ***** *

(1) الصف: 3.

(2) في ف: و تمني ما يكره الكاره.

(3) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 20.

(4) انظر الوسائل 8: 515، الباب 109 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2 و 3 و أيضا 11: 270، الباب 49 من أبواب جهاد النفس، الحديث 6 و 11. (*)

*****ص 16*****

الهزل - و هو الكلام الفاقد للقصد إلي تحقق مدلوله - فلا يبعد أنه غير محرم مع نصب القرينة علي إرادة الهزل كما صرح به بعض (1) و لعله (2) لانصراف الكذب إلي الخبر المقصود و للسيرة و يمكن حمل الخبرين علي مطلق المرجوحية و يحتمل غير بعيد حرمته، لعموم ما تقدم، خصوصا الخبرين الأخيرين و النبوي في وصية أبي ذر رضي الله عنه (3)، لأن الأكاذيب المضحكة أكثرها من قبيل الهزل و عن الخصال بسنده عن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

أنا زعيم بيت في أعلي الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا و لمن ترك الكذب و إن كان هازلا و لمن حسن خلقه (4) و قال أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام:

لا يجد الرجل طعم الإيمان حتي يترك الكذب هزله وجده (5). ثم إنه لا ينبغي الإشكال في أن المبالغة في الادعاء و إن بلغت ما بلغت، ليست من الكذب.

***** (هامش) ***** *

(1) لم نعثر علي من صرح بذلك، انظر مفتاح الكرامة 4: 67 و الجواهر 22: 72.

(2) لم ترد:

كما صرح به بعض و لعله في ف.

(3) تقدم في الصفحة 13.

(4) الخصال 1: 144، الحديث 170 و الوسائل 8: 568، الباب 135 من أبواب أحكام

العشرة، الحديث 8.

(5) الوسائل 8: 577، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2. (*)

*****ص 17*****

و ربما يدخل فيه إذا كانت في غير محلها، كما لو مدح إنسانا (1) قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر، إلا إذا بني علي كونه كذلك في نظر المادح، فإن الأنظار تختلف في التحسين و التقبيح كالذوائق في المطعومات و أما التورية و هي (2) : أن يريد بلفظ معني مطابقا للواقع و قصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك، مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب، أو المخاطب الخاص - كما لو قلت في مقام إنكار ما قلته في حق أحد:

علم الله ما قلته و أردت بكلمة ما الموصولة و فهم المخاطب النافية و كما لو استأذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو ها هنا و أشار إلي موضع خال في البيت (3) و كما لو قلت: اليوم ما أكلت الخبز، تعني بذلك حالة النوم أو حالة الصلاة، إلي غير ذلك - فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب و لذا صرح الأصحاب فيما سيأتي من وجوب التورية عند الضرورة (4)، بأنه يوري (5) بما يخرجه من الكذب، بل اعترض جامع المقاصد علي قول العلامة في القواعد - في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم، بأنه يجوز الحلف كاذبا و تجب التورية علي العارف بها - : بأن

***** (هامش) ***** *

(1) في ش: إنسان.

(2) كذا في نسخة بدل ص و في النسخ: و هو.

(3) في ظاهر ف: في البيت خال.

(4) ستأتي تصريحاتهم في الصفحة 22 و 23.

(5) في ش: يؤدي. (*)

*****ص 18*****

العبارة لا تخلو من (1) مناقشة، حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية و معلوم أن لا

كذب معها (2)، انتهي و وجه ذلك: أن الخبر باعتبار معناه - و هو المستعمل فيه كلامه - ليس مخالفا للواقع و إنما فهم المخاطب من كلامه أمرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ. نعم، لو ترتب عليها مفسدة حرمت من تلك الجهة، اللهم إلا أن يدعي أن مفسدة الكذب - و هي الإغراء - موجودة فيها و هو ممنوع، لأن الكذب محرم، لا لمجرد الإغراء و ذكر بعض الأفاضل (3) : أن المعتبر في اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لا ما هو المراد منه، فلو قال: رأيت حمارا و أراد منه البليد من دون نصب قرينة، فهو متصف بالكذب و إن لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهي موضع الحاجة. فإن أراد اتصاف الخبر في الواقع، فقد تقدم أنه دائر مدار موافقة مراد المخبر و مخالفته للواقع، لأنه معني الخبر و المقصود منه، دون ظاهره الذي لم يقصد و إن أراد اتصافه عند الواصف، فهو حق مع فرض جهله بإرادة خلاف الظاهر. لكن توصيفه - حينئذ - باعتقاد أن هذا هو مراد المخبر و مقصوده،

***** (هامش) ***** *

(1) في غير ش: عن.

(2) جامع المقاصد 6: 38.

(3) هو المحقق القمي في قوانين الأصول 1: 419. (*)

*****ص 19*****

فيرجع الأمر إلي إناطة الاتصاف بمراد المتكلم و إن كان الطريق إليه اعتقاد المخاطب و مما يدل علي سلب الكذب عن التورية ما روي في الاحتجاج: أنه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز و جل - في قصة إبراهيم علي نبينا و آله و عليه السلام - : * (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) * (1)، قال: ما

فعله (2) كبيرهم و ما كذب إبراهيم، قيل: و كيف ذلك؟ فقال: إنما قال إبراهيم:

* (إن كانوا ينطقون) *، أي: إن نطقوا فكبيرهم فعل و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب إبراهيم و سئل عليه السلام عن قوله تعالي: * (أيتها العير إنكم لسارقون) * (3). قال: إنهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا تري أنهم قالوا: * (نفقد صواع الملك) * (4) و لم يقولوا: سرقتم صواع الملك و سئل عن قول الله عز و جل حكاية عن ابراهيم عليه السلام : * (إني سقيم) * (5) قال: ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب، إنما عني سقيما في دينه، أي: مرتادا (6).

***** (هامش) ***** *

(1) الأنبياء: 63.

(2) في خ: ما فعل.

(3) يوسف: 70.

(4) يوسف: 72.

(5) الصافات: 89.

(6) الاحتجاج 2: 105 مع اختلاف يسير و المرتاد:

الطالب للشئ. (*)

*****ص 20*****

و في مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يستأذن عليه، فيقول (1) للجارية: قولي: ليس هو ها هنا، فقال: لا بأس، ليس بكذب (2)، فإن سلب الكذب مبني علي أن المشار إليه بقوله: ها هنا موضع خال من الدار، إذ لا وجه له سوي ذلك و روي في باب الحيل من كتاب الطلاق للمبسوط: أن واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر، فاعترضهما في الطريق أعداء المصحوب، فأنكر الصاحب أنه هو، فأحلفوه، فحلف لهم أنه أخوه، فلما أتي النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم قال له: صدقت، المسلم أخو المسلم (3). إلي غير ذلك مما يظهر منه ذلك (4).

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: يقول.

(2)

مستطرفات السرائر (السرائر) 3: 632 و الوسائل 8: 580، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 8.

(3) المبسوط 5: 95.

(4) راجع الوسائل 8: 578، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة. (*)

*****ص 21*****

أما الكلام في المقام الثاني و هو مسوغات الكذب فاعلم أنه يسوغ الكذب لوجهين: أحدهما - الضرورة إليه: فيسوغ معها بالأدلة الأربعة، قال الله تعالي: * (إلا من اكره و قلبه مطمئن بالإيمان) * (1) و قال تعالي: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقية) * (2) و قوله عليه السلام : ما من شيء إلا و قد أحله الله لمن اضطر إليه (3) و قد اشتهر أن الضرورات تبيح المحظورات و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي و قد استفاضت أو تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه (4) و الإجماع أظهر من أن يدعي أو يحكي و العقل مستقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين مع بقائه علي قبحه، أو انتفاء قبحه، لغلبة الآخر عليه، علي القولين (5) في كون القبح العقلي

***** (هامش) ***** *

(1) النحل: 106.

(2) آل عمران: 28.

(3) الوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 6 و 7، مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(4) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان.

(5) تعرض لهما القوشجي في شرح التجريد:

338. (*)

*****ص 22*****

- مطلقا، أو في خصوص الكذب - لأجل الذات، أو بالوجوه و الاعتبارات و لا إشكال في ذلك كله، إنما الإشكال و الخلاف في أنه هل يجب حينئذ التورية لمن يقدر عليها، أم لا؟ ظاهر المشهور هو الأول،

كما يظهر من المقنعة (1) و المبسوط (2) و الغنية (3) و السرائر (4) و الشرائع (5) و القواعد (6) و اللمعة و شرحها (7) و التحرير (8) و جامع المقاصد (9) و الرياض (10) و محكي مجمع البرهان (11) في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة. قال في المقنعة: من كانت عنده أمانة فطالبه ظالم فليجحد و إن استحلفه ظالم علي ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب - إلي أن قال (12) - : فإن لم يحسن التورية و كان نيته حفظ

***** (هامش) ***** *

(1) المقنعة: 556.

(2) لم نقف عليه فيه.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية) : 538.

(4) السرائر 3: 43.

(5) الشرائع 2: 163 و 3: 32.

(6) القواعد 1: 190.

(7) اللمعة الدمشقية و شرحها (الروضة البهية) 4: 235.

(8) التحرير 1: 266.

(9) جامع المقاصد 4: 27.

(10) الرياض 1: 622.

(11) مجمع الفائدة 10: 300.

(12) وردت هذه العبارة في ش مضطربة. (*)

*****ص 23*****

الأمانة أجزأته النية و كان مأجورا (1)، انتهي و قال في السرائر في هذه المسألة - أعني مطالبة الظالم الوديعة - : فإن قنع الظالم منه بيمي نه، فله أن يحلف و يوري في ذلك (2)، انتهي و في الغنية - في هذه المسألة - : و يجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة و يوري في يمي نه بما يسلم به من الكذب، بدليل إجماع الشيعة (3)، انتهي و في النافع: حلف موريا (4) و في القواعد:

و يجب التورية علي العارف بها (5)، انتهي و في التحرير - في باب الحيل من كتاب الطلاق - : لو أنكر الاستدانة خوفا من الإقرار بالإبراء، أو القضاء جاز الحلف مع صدقه، بشرط التورية بما

يخرجه عن الكذب (6)، انتهي و في اللمعة: يحلف عليه فيوري (7) و قريب منه في شرحها (8) و في جامع المقاصد - في باب المكاسب - : يجب التورية بما يخرجه عن (9) الكذب (10)، انتهي.

***** (هامش) ***** *

(1 - 3) تقدم التخريج عنها في الصفحة السابقة.

(4) المختصر النافع 1: 150.

(5 - 8) تقدم التخريج عنها في الصفحة السابقة.

(9) كذا في ف و في سائر النسخ: من.

(10) لم نقف في باب المكاسب من جامع المقاصد (4: 27) إلا علي ما يلي: و لو اقتضت المصلحة الكذب وجبت التورية، نعم في باب الوديعة (6: 38) ما يلي: و تجب التورية علي العارف بها بأن يقصد ما يخرجه عن الكذب. (*)

*****ص 24*****

و وجه ما ذكروه: أن الكذب حرام و لم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة علي التورية، فيدخل تحت العمومات (1)، مع أن قبح الكذب عقلي، فلا يسوغ إلا مع تحقق عنوان حسن في ضمنه يغلب حسنه علي قبحه و يتوقف تحققه علي تحققه و لا يكون التوقف إلا مع العجز عن التورية و هذا الحكم جيد، إلا أن مقتضي إطلاقات أدلة الترخيص في الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه، عدم اعتبار ذلك. ففي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام : قال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

إحلف بالله كاذبا و نج أخاك من القتل (2) و صحيحة اسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : سألته عن رجل يخاف علي ماله من السلطان، فيحلف له لينجو به منه. قال: لا بأس و سألته: هل يحلف الرجل علي

مال أخيه كما يحلف علي مال نفسه (3) ؟ قال: نعم (4) و عن الفقيه، قال: قال الصادق عليه السلام : اليمين علي وجهين - إلي أن قال - : فأما اليمين التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذب

***** (هامش) ***** *

(1) المتقدمة في أول البحث.

(2) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان، الحديث 4.

(3) في الوسائل و نسخة بدل ش: ماله.

(4) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان، الحديث الأول. (*)

*****ص 25*****

و (1) لم تلزمه الكفارة، فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم، أو خلاص ماله من متعد يتعدي عليه من لص، أو غيره (2) و في موثقة زرارة بابن بكير: إنا نمر علي هؤلاء القوم، فيستحلفونا علي أموالنا و قد أدينا زكاتها؟ فقال: يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم بما شاؤا (3) و رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام : إذا حلف الرجل تقية (4) لم يضره إذا هو (5) اكره، أو اضطر (6) إليه و قال: ليس شيء مما (7) حرم الله إلا و قد أحله لمن اضطر إليه (8). إلي غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب (9) و فيما يأتي (10)،

***** (هامش) ***** *

(1) الواو غير موجودة في خ، م و ع.

(2) الفقيه 3: 366 - 367، الحديث 4297 و فيه: و لا تلزمه الكفارة و الوسائل 16: 135، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان، الحديث 9.

(3) الوسائل 16: 136، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان، الحديث 14 و فيه: ما شاؤا، نعم وردت عبارة بما شاؤا في جواب السؤال عن الحلف بالطلاق و العتاق.

(4) لم ترد تقية في غير ص و

ش.

(5) لم ترد هو في ف، ن، خ، م و ع.

(6) في الوسائل: و اضطر.

(7) في ف، ن، م و ص: فيما.

(8) الوسائل 16: 137، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان، الحديث 18.

(9) الوسائل 16: 137، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان.

(10) يأتي في الصفحة 31، (الثاني من مسوغات الكذب). (*)

*****ص 26*****

من جواز الكذب في الإصلاح، التي يصعب علي الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة علي التورية و أما حكم العقل بقبح الكذب في غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه، فهو و إن كان مسلما إلا أنه يمكن القول بالعفو عنه شرعا، للأخبار المذكورة، كما عفي عن الكذب في الإصلاح و عن السب و التبري مع الإكراه، مع أنه قبيح عقلا أيضا، مع أن إيجاب التورية علي القادر لا يخلو عن التزام ما يعسر (1) كما لا يخفي، فلو قيل بتوسعة الشارع علي العباد بعدم ترتيب الآثار علي الكذب في ما نحن فيه و إن قدر علي التورية، كان حسنا، إلا أن الاحتياط في خلافه، بل هو المطابق للقواعد لولا استبعاد التقييد في هذه المطلقات، لأن النسبة بين هذه المطلقات و بين ما دل - كالرواية الأخيرة و غيرها - علي اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم للمنع مع عدمه مطلقا، عموم من وجه، فيرجع إلي عمومات حرمة الكذب، فتأمل. هذا، مع إمكان منع الاستبعاد المذكور، لأن مورد الأخبار عدم الالتفات إلي التورية في مقام الضرورة إلي الكذب، إذ مع الالتفات فالغالب اختيارها، إذ لا داعي إلي العدول عنها إلي الكذب. ثم إن أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة (2) علي التورية (3)، أطلقوا القول بلغوية ما اكره عليه، من العقود

***** (هامش) *****

*

(1) كذا في ف و مصححة م و نسخة بدل ش و في النسخ: بالعسر.

(2) في ف: بالقدرة بدل بعدم القدرة.

(3) راجع الصفحة 22. (*)

*****ص 27*****

و الإيقاعات و الأقوال المحرمة كالسب و التبري، من دون تقييد بصورة عدم التمكن من التورية (1)، بل صرح (2) بعض هؤلاء كالشهيد في الروضة (3) و المسالك (4) - في باب الطلاق (5) - بعدم اعتبار العجز عنها، بل في كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه (6)، مع أنه يمكن أن يقال: إن المكره علي البيع إنما اكره علي التلفظ بالصيغة و أما إرادة المعني فمما لا تقبل الإكراه، فإذا أراده مع القدرة علي عدم إرادته (7) فقد اختاره، فالإكراه علي البيع الواقعي يختص بغير القادر علي التورية، لعدم المعرفة بها، أو عدم الالتفات إليها، كما أن الاضطرار إلي الكذب يختص بغير القادر عليها و يمكن أن يفرق بين المقامين: بأن الإكراه إنما يتعلق بالبيع الحقيقي، أو الطلاق الحقيقي، غاية الأمر قدرة المكره علي التفصي عنه بإيقاع الصورة من دون إرادة المعني، لكنه غير المكره عليه و حيث إن الأخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه، لم يعتبر ذلك

***** (هامش) ***** *

(1) انظر النهاية: 510 و السرائر 2: 665 و الشرائع 2: 14 و 3: 12 و المختصر 1: 197 و التنقيح 3: 294 و الكفاية: 198 و الرياض 2: 169 و غيرها.

(2) في ف: و بعض هؤلاء، بدل: بل صرح بعض هؤلاء.

(3) الروضة البهية 6: 21.

(4) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 3.

(5) في ف: بل صرح في باب الطلاق.

(6) راجع الجواهر 32: 15.

(7) في ف: علي العدم. (*)

*****ص 28*****

في حكم الإكراه و هذا بخلاف الكذب، فإنه لم

يسوغ إلا عند الاضطرار إليه و لا اضطرار مع القدرة. نعم، لو كان الإكراه من أفراد الاضطرار - بأن كان المعتبر في تحقق موضوعه عرفا أو لغة العجز عن التفصي كما ادعاه بعض (1)، أو قلنا باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار، بأن كان عدم ترتب الأثر علي المكره عليه من حيث إنه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس و المال - كان ينبغي فيه اعتبار العجز عن (2) التورية، لعدم الاضطرار مع القدرة عليها و الحاصل: أن المكره إذا قصد المعني مع التمكن من التورية، صدق علي ما أوقع أنه مكره عليه، فيدخل في عموم رفع ما اكرهوا عليه (3) و أما المضطر، فإذا كذب مع القدرة علي التورية، لم يصدق أنه مضطر إليه، فلا يدخل في عموم رفع ما اضطروا إليه (4). هذا كله علي مذاق المشهور من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه حتي من جهة العجز عن التورية و أما علي ما استظهرناه

***** (هامش) ***** *

(1) لم نعثر عليه، نعم في الحدائق (25: 159)، من شرائط الإكراه: عجز المكره عن دفع ما توعد به.

(2) كذا في ف و في سائر النسخ: من.

(3) راجع الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس.

(4) راجع الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1 و 3. (*)

*****ص 29*****

من الأخبار (1) - كما اعترف به جماعة (2) - من جوازه مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية، فلا فرق بينه و بين الإكراه. كما أن الظاهر أن أدلة نفي الإكراه راجعة إلي الاضطرار، لكن (3) من غير جهة التورية، فالشارع رخص في ترك التورية في كل كلام مضطر

إليه للإكراه عليه أو دفع الضرر به. هذا و لكن الأحوط التورية في البابين. ثم إن الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات. نعم، يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف و عليه يحمل قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك، علي الكذب حيث ينفعك (4). ثم إن الأقوال الصادرة عن أئمتنا صلوات الله عليهم في مقام التقية في بيان الأحكام، مثل قولهم:

لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر (5) و نحو ذلك و إن أمكن حمله علي الكذب لمصلحة - بناء علي ما استظهرن

***** (هامش) ***** *

(1) كما تقدم في الصفحة 24 عند قوله: إلا أن مقتضي إطلاقات أدلة الترخيص …

(2) لم نقف عليه.

(3) كلمة لكن مشطوب عليها في ف.

(4) نهج البلاغة - الحكمة: 458 و انظر الوسائل 8: 580، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 11، لكن لم ترد كلمة علامة في نهج البلاغة.

(5) الوسائل 2: 1055، الباب 38 من أبواب النجاسات، الاحاديث 2 و 10 - 13 و غيرها. (*)

*****ص 30*****

جوازه من الأخبار - (1)، إلا أن الأليق بشأنهم عليهم السلام هو الحمل علي إرادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة، بأن يريد من جواز الصلاة في الثوب المذكور جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار إلي اللبس و قد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة في بعض الموارد، مثل أنه ذكر عليه السلام : أن النافلة فريضة، ففزع المخاطب، ثم قال: إنما أردت صلاة الوتر علي النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم (2) و من هنا يعلم أنه إذا دار الأمر في بعض المواضع بين الحمل علي التقية و الحمل علي الاستحباب، كما

في الأمر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا (3)، تعين الثاني، لأن التقية تتأدي بإرادة المجاز و إخفاء القرينة.

***** (هامش) ***** *

(1) في الصفحة 24 عند قوله: إلا أن مقتضي إطلاقات أدلة الترخيص …

(2) الوسائل 3: 49، الباب 16 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 6.

(3) راجع الوسائل 1: 189، الباب 6 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 12 و 13 و الصفحة 198، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الأحاديث 12 و 14 و 16 و 17 و غيرها. (*)

*****ص 31*****

الثاني من مسوغات الكذب - إرادة الاصلاح: و قد استفاضت الأخبار بجواز الكذب عند إرادة الإصلاح، ففي صحيحة معاوية بن عمار: المصلح ليس بكذاب (1) و نحوها رواية معاوية بن حكم (2)، عن أبيه، عن جده، عن أبي عبد الله عليه السلام (3) و في رواية عيسي بن حنان (4)، عن الصادق عليه السلام : كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما، إلا كذبا في ثلاثة: رجل كايد (5) في حربه فهو موضوع عنه و (6) رجل أصلح بين إثنين، يلقي هذا بغير ما يلقي (7) هذا، يريد بذلك الإصلاح و (8) رجل وعد أهله (9) و هو لا يريد أن يتم لهم (10) و بمضمون هذه الرواية في استثناء هذه الثلاثة، روايات (11) و في مرسلة الواسطي، عن أبي عبد الله عليه السلام : قال: الكلام

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 8: 578، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(2) كذا في النسخ و في المصادر: معاوية بن حكيم.

(3) الوسائل 8: 580، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 9.

(4) في المصادر الحديثية: عيسي بن حسان.

(5) في الوسائل: كائد.

(6) و (8) في الوسائل و

هامش ص: أو.

(7) في الوسائل: يلقي به.

(9) في الوسائل و هامش ص زيادة: شيئا.

(10) الوسائل 8: 579، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 5.

(11) نفس المصدر، الأحاديث 1 و 2 و 5. (*)

*****ص 32*****

ثلاثة: صدق و كذب و إصلاح بين الناس (1). قيل له: جعلت فداك و ما (2) الإصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث (3) نفسه، فتقول: سمعت فلانا قال فيك من الخير كذا و كذا، خلاف ما سمعته (4) و عن الصدوق - في كتاب الإخوان - بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : قال: إن الرجل ليصدق علي أخيه فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله و إن الرجل ليكذب علي أخيه يريد به نفعه فيكون عند الله صادقا (5). ثم إن ظاهر الأخبار المذكورة عدم وجوب التورية و لم أر من اعتبر العجز عنها في جواز الكذب في هذا المقام و تقييد الأخبار المذكورة بصورة العجز عنها في غاية البعد و إن كان مراعاته مقتضي الاحتياط. ثم (6) إنه قد ورد في أخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة، بل مطلق الأهل (7) و الله العالم.

***** (هامش) ***** *

(1) في الوسائل و هامش ص زيادة: قال.

(2) في الوسائل: ما.

(3) في ن، خ، م و ع: فتخبت.

(4) الوسائل 8: 579، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 6.

(5) الوسائل 8: 580، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 10 مع اختلاف.

(6) العبارة من هنا إلي كلمة الأهل لم ترد في ف.

(7) راجع الوسائل 8: 578، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الأحاديث 1 و 2 و 5. (*)

*****ص 33*****

المسألة التاسعة عشر

المسألة التاسعة عشر:

الكهانة حرام و هي

(1) : من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة - كما في الصحاح - إذا تكهن، قال: و يقال كهن - بالضم - ، كهانة - بالفتح - : إذا صار كاهنا (2) و عن القاموس أيضا: الكهانة - بالكسر (3) - ، لكن عن المصباح: كهن يكهن - كقتل - كهانة - بالفتح - (4) و كيف كان، فعن النهاية: أن الكاهن من يتعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان و قد كان في العرب كهنة، فمنهم:

من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار و منهم:

من كان يزعم أنه يعرف الامور بمقدمات و أسباب يستدل بها علي مواقعها من كلام من سأله، أو فعله،

***** (هامش) ***** *

(1) عبارة حرام و هي من ش.

(2) الصحاح 6: 2191، مادة: كهن.

(3) القاموس 4: 264، مادة: كهن.

(4) المصباح المنير: 543، مادة: كهن. (*)

*****ص 34*****

أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف (1) و المحكي (2) عن الأكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد، من أنه: من كان له رئي من الجن يأتيه الأخبار (3) و عن التنقيح: أنه المشهور (4) و نسبه في التحرير (5) إلي القيل (6). ورئي - علي فعيل - من رأي، يقال: فلان رئي القوم، أي صاحب رأيهم، قيل: و قد يكسر راؤه إتباعا (7) و عن القاموس: و الرئي (8) كغني: جني يري فيحب (9) و عن النهاية: يقال للتابع من الجن رئي بوزن كمي (10). أقول: روي الطبرسي في الاحتجاج في جملة الأسئلة التي سأل

***** (هامش) ***** *

(1) النهاية، لابن الأثير 4: 214، مادة: كهن.

(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 74.

(3) القواعد 1: 121 و فيه: بالأخبار.

(4) التنقيح الرائع

2: 13.

(5) كذا في ف و في غيره: ئر و هو سهو، لأنه لم يتعرض في السرائر لتعريف الكهانة.

(6) انظر التحرير 1: 161 و ليس فيه النسبة إلي القيل، نعم حكي السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 74) النسبة إلي القيل عن التحرير.

(7) قاله ابن الأثير في النهاية 2: 178، مادة: رأي.

(8) كذا في ص و في سائر النسخ: رأي.

(9) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: فيخبر. انظر القاموس المحيط 4: 331، مادة: الرؤية

(10) النهاية، لابن الأثير 2: 178. (*)

*****ص 35*****

الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام : قال الزنديق: فمن أين أصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث؟ قال عليه السلام : إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم، فيخبرهم بأشياء (1) تحدث و ذلك في (2) وجوه شتي: فراسة العين و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فطنة الروح، مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم (3) الشيطان و يؤديه إلي الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف و أما أخبار السماء، فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل (4) الوحي من خبر السماء، فيلبس (5) علي أهل الأرض ما جاءهم عن الله تعالي لإثبات الحجة و نفي الشبهة و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر

***** (هامش) ***** *

(1) في ف و هامش ن و م:

بأسباب و في المصدر و

نسخة بدل ش و خ: عن أشياء.

(2) في المصدر و نسخة بدل ش: من.

(3) في مصححة ن: يعلمه.

(4) في ش و المصدر: سبب تشاكل.

(5) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: و يلبس. (*)

*****ص 36*****

السماء بما يحدث الله (1) في خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها إلي الأرض، فيقذفها إلي الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان (2) يخبر به (3) فهو (4) ما أداه إليه شيطانه مما سمعه و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة و اليوم إنما تؤدي الشياطين إلي كهانها أخبارا للناس (5) مما (6) يتحدثون به و ما يحدثونه (7) و الشياطين تؤدي إلي الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث، من سارق سرق و من (8) قاتل قتل و من (9) غائب غاب و هم أيضا بمنزلة الناس (10) صدوق و كذوب … الخبر (11) و قوله عليه السلام : مع قذف في قلبه يمكن أن يكون قيدا للأخير و هو فطنة الروح، فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين، كما هو ظاهر

***** (هامش) ***** *

(1) في المصدر و هامش ص و خ: من الله.

(2) عبارة: مما كان من ص و المصدر و هامشي م و ش.

(3) لم ترد به في ف، ن و م.

(4) في ن، م و ش: هو.

(5) كذا في ف، ن، خ و ع و المصدر و في ص: أخبار الناس و في ش: أخبار للناس.

(6) في ش: بما.

(7) لم ترد و ما يحدثونه في ن و ص و شطب عليها في ف.

(8) و (9) لم

ترد من في ف، ن، م و ص.

(10) في ص و المصدر: و هم بمنزلة الناس أيضا.

(11) الاحتجاج 2: 81. (*)

*****ص 37*****

ما تقدم عن النهاية (1) و يحتمل أن يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة، فيكون المراد تركب أخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان و ما يحدث (2) في نفسه، لتلك الوجوه و غيرها، كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك: زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل و كيف كان، ففي قوله: انقطعت الكهانة دلالة علي ما عن المغرب من أن الكهانة في العرب كانت قبل المبعث (3)، قبل منع الشياطين (4) عن استراق السمع (5). لكن (6) قوله عليه السلام : إنما تؤدي الشياطين إلي كهانها أخبارا للناس (7) و قوله عليه السلام قبل ذلك: مع قذف في قلبه … الخ دلالة علي صدق الكاهن علي من لا يخبر إلا بأخبار الأرض، فيكون المراد من الكهانة المنقطعة: الكهانة الكاملة التي يكون الكاهن بها حاكما في جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات، كما ذكر في أول الرواية و كيف كان، فلا خلاف في حرمة الكهانة.

***** (هامش) ***** *

(1) تقدم في الصفحة 33 - 34.

(2) كذا في ش و في ف: و مما يحدثه و في سائر النسخ: و ما يحدثه.

(3) في ش: البعث.

(4) في ع و ص: الشيطان.

(5) المغرب 2: 237 و نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 74.

(6) كذا في النسخ و الظاهر سقوط كلمة في.

(7) في م، ص و ش: أخبار الناس. (*)

*****ص 38*****

و في المروي عن الخصال: من تكهن، أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم (1) و قد تقدم رواية: أن

الكاهن كالساحر و أن تعلم النجوم يدعو إلي الكهانة (2) و روي في مستطرفات السرائر، عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن الهيثم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يسرق، أو شبه ذلك، فنسأله؟ (3) فقال: قال رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من مشي إلي ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه فيما يقول (4)، فقد كفر بما أنزل الله من كتاب، الخبر (5) (6) و ظاهر هذه الصحيحة أن الإخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم محرم مطلقا، سواء كان بالكهانة أو بغيرها، لأنه عليه السلام جعل المخبر بالشئ الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب و جعل الكل حراما.

***** (هامش) ***** *

(1) الخصال: 19، الحديث 68 و الوسائل 12: 108، الباب 26 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(2) راجع المكاسب 1: 205 - 206.

(3) لم ترد فنسأله في ف، ن، خ، م و ع و في المصدر: أفنسأله؟

(4) في المصدر: بما يقول.

(5) كذا في النسخ و الظاهر زيادة الخبر إذ الحديث مذكور بتمامه.

(6) مستطرفات السرائر (السرائر) 3: 593 و الوسائل 12: 109، الباب 26 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3. (*)

*****ص 39*****

و يؤيده النهي في النبوي المروي في الفقيه في حديث المناهي أنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم نهي عن إتيان العراف و قال: من أتاه و صدقه فقد برئ مما أنزل الله علي محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم (1) و قد عرفت من النهاية أن المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن و يخص باسم العراف (2) و يؤيد ذلك: ما تقدم

في رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام : لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي … الخ (3)، فإن ظاهره كون ذلك مبغوضا للشارع من أي سبب كان، فتبين من ذلك أن الإخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها من غير النظر (4) في بعض ما صح اعتباره - كبعض الجفر و الرمل - محرم و لعله لذا عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة: الإخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم لغير نبي، أو وصي نبي، سواء كان بالتنجيم، أو الكهانة، أو القيافة، أو غير ذلك (5).

***** (هامش) ***** *

(1) الفقيه 4: 6، ضمن حديث المناهي و الوسائل 12: 108، الباب 26 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(2) راجع الصفحة 33 - 34.

(3) راجع الصفحة 35.

(4) كذا في ف و خ و في غيرهما: نظر.

(5) مفاتيح الشرائع 2: 23. (*)

*****ص 41*****

المسألة العشرون

المسألة العشرون:

اللهو حرام، علي ما يظهر من المبسوط (1) و السرائر (2) و المعتبر (3) و القواعد (4) و الذكري (5) و الجعفرية (6) و غيرها، حيث عللوا لزوم الإتمام في سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو. قال في المبسوط: السفر علي أربعة أقسام - و ذكر الواجب و الندب و المباح - ، ثم قال: الرابع سفر المعصية، وعد من أمثلتها من طلب الصيد للهو و البطر (7) و نحوه بعينه عبارة السرائر (8) و قال في المعتبر: قال علماؤنا: اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا،

***** (هامش) ***** *

(1) المبسوط 1: 136.

(2) السرائر 1: 327.

(3) المعتبر 2: 471.

(4) القواعد (الطبعة الجديدة) 1: 325.

(5) الذكري: 258.

(6) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 123.

(7) و (8) تقدم التخريج عنهما. (*)

*****ص 42*****

لا يترخص، لنا أن اللهو حرام

فالسفر له معصية (1)، انتهي و قال في القواعد:

الخامس من شروط القصر: إباحة السفر، فلا يرخص العاصي بسفره كتابع الجائر و المتصيد لهوا (2)، انتهي و قال في المختلف في كتاب المتاجر: حرم الحلبي الرمي عن (3) قوس الجلاهق (4)، قال: و هذا الاطلاق ليس بجيد، بل ينبغي تقييده باللهو و البطر (5) و قد صرح الحلي - في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان - بحرمته و قال: إن اللعب بجميع الأشياء قبيح (6). ورده بعض: بمنع حرمة مطلق اللعب (7) و انتصر في الرياض للحلي بأن ما دل علي قبح اللعب و ورد بذمه من الآيات و الروايات، أظهر من أن يخفي، فإذا ثبت القبح (8) ثبت النهي، ثم قال: و لو لا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفا للإجماع لكان المصير إلي قوله ليس بذلك البعيد (9)، انتهي و لا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب و شذوذ

***** (هامش) ***** *

(1) و (2) تقدم التخريج عنهما.

(3) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: من.

(4) راجع الكافي في الفقه: 282.

(5) المختلف 5: 18.

(6) السرائر 2: 124.

(7) راجع المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 323 و المستند 2: 636.

(8) في ش و المصدر: القبح و الذم.

(9) الرياض 2: 430. (*)

*****ص 43*****

القول بحرمته مع دعوي كثرة الروايات، بل الآيات علي حرمة مطلق اللهو، لأجل النص علي الجواز فيه في قوله عليه السلام : لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام (1) و استدل في الرياض أيضا - تبعا للمهذب (2) - علي حرمة المسابقة بغير المنصوص علي (3) جوازه بغير عوض، بما دل علي تحريم اللهو و اللعب، قال: لكونها منه بلا تأمل (4)، انتهي

و الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدا. منها: ما تقدم من قوله (5) في رواية تحف العقول: و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه (6) شيء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه (7) و منها: ما تقدم من رواية الأعمش، حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الأوتار (8)،

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 13: 349، الباب 3 من أبواب السبق، الحديث 3.

(2) لم يتعرض القاضي للاستدلال في المهذب، نعم تعرض له الحلي في المهذب البارع 3: 82.

(3) في ن بدل علي: و عدم.

(4) الرياض 2: 41.

(5) لم ترد من قوله في ف.

(6) كذا في ش و في م:

و في و في غيرهما: و فيه.

(7) تحف العقول: 335 - 336 و راجع المكاسب 1: 11.

(8) الوسائل 11: 262، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 36 و راجع المكاسب 1: 290. (*)

*****ص 44*****

فإن الملاهي جمع الملهي مصدرا، أو الملهي (1) وصفا، لا الملهاة آلة، لأنه لا يناسب التمثيل بالغناء و نحوها - في عد الاشتغال بالملاهي من الكبائر - رواية العيون الواردة في الكبائر (2) و هي حسنة كالصحيحة بل صحيحة و منها: ما تقدم في روايات القمار في قوله عليه السلام : كل ما ألهي عن ذكر الله فهو الميسر (3) و منها: قوله عليه السلام في جواب من خرج في السفر يطلب (4) الصيد بالبزاة و الصقور: إنما خرج في لهو، لا يقصر (5) و منها: ما تقدم في رواية الغناء في حديث الرضا عليه السلام في جواب من سأله

عن السماع، فقال (6) : إن لأهل الحجاز فيه رأيا و هو في حيز اللهو (7).

***** (هامش) ***** *

(1) في خ و ع: و الملهي و وردت العبارة في ف هكذا: جمع الملهي مصدرا، أو الملهي و الملهي وصفا.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 127، ذيل الحديث الأول و الوسائل 11: 261، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 33.

(3) الوسائل 12: 235، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15 و راجع المكاسب 1: 373.

(4) في ف و ن: لطلب.

(5) الوسائل 5: 511، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث الأول.

(6) في ما عدا ف زيادة: قال.

(7) الوسائل 12: 229، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 19، راجع

و المكاسب 1: 289. (*)

*****ص 45*****

و قوله عليه السلام - في رد من زعم أن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم (1) … الخ - : كذبوا، إن الله يقول: * (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا … ) * إلي آخر الآيتين (2) و منها: ما دل علي أن اللهو من الباطل (3) بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل، كما تقدم في روايات الغناء (4). ففي بعض الروايات: كل لهو المؤمن من الباطل (5) ما خلا ثلاثة: المسابقة و ملاعبة الرجل أهله … الخ (6) و في رواية علي بن جعفر عليه السلام ، عن أخيه، قال: سألته عن اللعب بالأربعة عشر و شبهه ا، قال: لا نستحب (7) شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي (8).

***** (هامش) ***** *

(1) في خ، م، ع و ص: حياكم حياكم.

(2) الوسائل 12: 228، الباب 99

من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15 و تقدم في المكاسب 1: 288 و الآيتان من سورة الأنبياء: 17 - 18.

(3) كرواية عبد الأعلي و غيرها المؤمي إليها في أول البحث عن الغناء، راجع المكاسب 1: 288 - 290.

(4) راجع المكاسب 1: 288 - 289.

(5) في ف و خ و نسخة بدل ع و ش: باطل.

(6) الوسائل 13: 347، الباب الأول من أبواب السبق، الحديث 5 و فيه: كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: في تأديبه الفرس و رميه عن قوسه و ملاعبته امرأته.

(7) في ف و ص: لا تستحب.

(8) مسائل علي بن جعفر: 162، الحديث 252 و الوسائل 12: 235، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 14 و تقدم في المكاسب 1: 383. (*)

*****ص 46*****

إلي غير ذلك مما يقف عليه المتتبع و يؤيده أن حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر أنه من حيث اللهو، لا من حيث خصوص الآلة. ففي رواية سماعة: قال أبو عبد الله عليه السلام : لما مات آدم شمت به إبليس و قابيل، فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس و قابيل المعازف الملاهي شماتة بآدم علي نبينا و آله و عليه السلام ، فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذلك (1) (2) فإن فيه إشارة إلي أن المناط هو مطلق التلهي و التلذذ و يؤيده ما تقدم (3) من أن المشهور حرمة المسابقة علي ما عدا المنصوص بغير عوض، فإن الظاهر أنه لا وجه له عدا كونه لهوا و إن لم يصرحوا بذلك عدا القليل منهم، كما تقدم (4). نعم، صرح العلامة في التذكرة بحرمة المسابقة علي جميع الملاعب كما

تقدم نقل كلامه في مسألة القمار (5).

***** (هامش) ***** *

(1) في خ، م، ع و ص بدل فإنما هو من ذلك ما يلي: من الزفن و المزمار و الكوبات و الكبرات و في هامش ن بعد كلمة الكبرات: فإنما هو من ذلك - صح و الظاهر أن ما ورد في هذه النسخ مأخوذ من رواية اخري وردت ذيل هذا الحديث في الوسائل.

(2) الوسائل 12: 233، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

(3) راجع المكاسب 1: 380.

(4) راجع المكاسب 1: 383.

(5) التذكرة 2: 354 و راجع المكاسب 1: 381. (*)

*****ص 47*****

هذا و لكن الإشكال في معني اللهو، فإنه إن اريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح (1) و القاموس (2)، فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة، فإن اللعب هي (3) الحركة لا لغرض عقلائي (4) و (5) لا خلاف ظاهرا في عدم حرمته علي الاطلاق. نعم، لو خص اللهو بما يكون عن (6) بطر - و فسر بشدة الفرح - كان الأقوي تحريمه و يدخل في ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطشت بدل الدف و كل ما يفيد فائدة آلات اللهو و لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي (7) مع انبعاثها عن القوي الشهوية، ففي حرمته تردد و اعلم أن هنا عنوانين آخرين: اللعب و اللغو. أما اللعب، فقد عرفت أن ظاهر بعض ترادفهما (8) و لكن مقتضي (9)

***** (هامش) ***** *

(1) صحاح اللغة 6: 2487، مادة: لها.

(2) القاموس المحيط 4: 388، مادة: لها.

(3) في غير ش: و هي.

(4) في خ، م، ع و ص: عقلاني و في ف، ن، خ، م و ع زيادة:

لعب.

(5) الواو مشطوب عليها في ص.

(6) في غير ف: من.

(7) في خ، م، ع و ص: عقلاني.

(8) كما تقدم عن الصحاح و القاموس.

(9) في خ: يقتضي و في ن، م، ع و ص: يقضي. (*)

*****ص 48*****

تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز (1) تغايرهما و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين (2) إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا و لعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال الغير المنبعثة عن القوي الشهوية و اللهو ما تلتذ به النفس و ينبعث عن القوي الشهوية و قد ذكر غير واحد أن قوله تعالي: * (إنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة) * (3) الآية، بيان ملاذ الدنيا علي ترتيب تدرجه في العمر و قد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين (4) و كيف كان، فلم أجد من أفتي بحرمة اللعب عدا الحلي علي ما عرفت من كلامه (5) و لعله يريد اللهو و إلا فالأقوي الكراهة و أما اللغو، فإن جعل مرادف اللهو - كما يظهر من بعض الأخبار - كان في حكمه. ففي رواية محمد بن أبي عباد المتقدمة (6) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : أن السماع في حيز اللهو و الباطل، أما سمعت قول الله

***** (هامش) ***** *

(1) كما في سورة الأنعام:

32 و العنكبوت: 64 و محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

36 و الحديد:

20 و غيرها.

(2) من هنا إلي أول بحث النميمة ساقط من ف.

(3) الحديد:

20.

(4) لم نعثر عليه بعينه، انظر تفسير الصافي 5: 137 و التفسير الكبير 30: 233، ذيل الآية المذكورة.

(5) في الصفحة 42.

(6) تقدمت في المكاسب 1: 289. (*)

*****ص 49*****

تعالي: * (و إذا مروا باللغو مروا كراما) *

(1) (2) و نحوها رواية أبي أيوب (3)، حيث أراد باللغو الغناء مستشهدا بالآية و إن اريد به مطلق الحركات اللاغية، فالأقوي فيها الكراهة و في رواية أبي خالد الكابلي، عن سيد الساجدين، تفسير الذنوب التي تهتك العصم ب: شرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح و ذكر عيوب الناس (4) و في وصية النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم لأبي ذر رضي الله عنه: إن الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوي ما بين السماء و الأرض (5).

***** (هامش) ***** *

(1) الفرقان: 72.

(2) الوسائل 12: 229، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 19.

(3) الوسائل 12: 236، الباب 101 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(4) الوسائل 11: 520، الباب 41 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 8.

(5) الوسائل 8: 577، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 4 و فيه: إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء و الأرض. (*)

*****ص 51*****

المسألة الحادية و العشرون

المسألة الحادية و العشرون:

مدح من لا يستحق المدح، أو يستحق الذم. ذكره العلامة في المكاسب المحرمة (1) و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا و يدل عليه من الشرع قوله تعالي: * (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) * (2) و عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم - فيما رواه الصدوق - : من عظم صاحب دنيا (3) و أحبه طمعا في دنياه، سخط الله عليه و كان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار (4) و في النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي: من مدح سلطان

***** (هامش) *****

*

(1) التذكرة 1: 582 و القواعد 1: 121 و التحرير 1: 161.

(2) هود:

113.

(3) في ش: الدنيا.

(4) عقاب الأعمال: 331 و الوسائل 12: 131، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 14 مع اختلاف. (*)

*****ص 52*****

جائرا، أو تخفف و (1) تضعضع له طمعا فيه، كان قرينه في النار (2) و مقتضي هذه الأدلة حرمة المدح طمعا في الممدوح و أما لدفع شره فهو واجب و قد ورد في عدة أخبار: أن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم (3).

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ن و المصدر و في سائر النسخ: أو.

(2) الوسائل 12: 133، الباب 43 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول و انظر الفقيه 4: 11 حديث المناهي.

(3) راجع الوسائل 11: 326، الباب 70 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7 و 8 و الخصال 1: 14، الحديث 49 و المستدرك 12: 77، الباب 70 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1، 2، 4 و 6. (*)

*****ص 53*****

المسألة الثانية و العشرون

المسألة الثانية و العشرون:

معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلة الأربعة و هو (1) من الكبائر، فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس، قال: قال عليه السلام : من مشي إلي ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الإسلام. قال: و قال عليه السلام : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد:

أين الظلمة، أين أعوان الظلمة، أين أشباه الظلمة حتي من بري لهم قلما أو لاق لهم دواة، فيجتمعون في تابوت من حديد، ثم يرمي بهم في جهنم (2) و في النبوي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها (3) الله حية طولها سبعون (4) ألف ذراع، فيسلطها (5)

الله عليه

***** (هامش) ***** *

(1) في ن: و هي.

(2) تنبيه الخواطر (مجموعة ورام) 1: 62 و الوسائل 12: 131، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15 و 16.

(3) في عقاب الأعمال: جعله الله.

(4) في عقاب الأعمال: ستون.

(5) في ن، خ، م، ع و ص: فيسلط و في الوسائل و نسخة بدل ش: فيسلطه. (*)

*****ص 54*****

في نار جهنم خالدا فيها مخلدا (1) و أما معونتهم في غير المحرمات، فظاهر كثير من الأخبار حرمتها أيضا كبعض ما تقدم و قول الصادق عليه السلام - في رواية يونس بن يعقوب - : لا تعنهم علي بناء مسجد (2) و قوله عليه السلام : ما احب أني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين لابتيها، لا (3) و لا مدة بقلم، إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يفرغ الله من الحساب (4) (5). لكن المشهور عدم الحرمة، حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها في الظلم و الأقوي التحريم مع عد الشخص من الأعوان، فإن مجرد إعانتهم علي بناء المسجد ليست محرمة، إلا أنه إذا عد الشخص معمارا للظالم أو بناء له و لو في خصوص المساجد - بحيث صار هذا العمل منصبا له في باب السلطان - كان محرما و يدل علي ذلك: جميع ما ورد في ذم أعوان الظلمة (6) و قول

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 131، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 14 و راجع عقاب الأعمال: 284.

(2) الوسائل 12: 129، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

(3) لم ترد لا في ن، خ و ع.

(4) في المصدر و نسخة بدل ش:

حتي يحكم الله بين العباد.

(5) الوسائل 12: 129، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(6) راجع الوسائل 12: 127، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به. (*)

*****ص 55*****

أبي عبد الله عليه السلام - في رواية الكاهلي - : من سود اسمه في ديوان ولد سابع (1) حشره الله يوم القيامة خنزيرا (2) و قوله عليه السلام : ما اقترب عبد من سلطان جائر (3) إلا تباعد من الله (4) و عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

إياكم و أبواب السلطان و حواشيها فإن أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم عن الله تعالي (5) و أما العمل له في المباحات لاجرة أو تبرعا، من غير أن يعد معينا له في ذلك، فضلا من أن يعد من أعوانه، فالأولي عدم الحرمة، للأصل و عدم الدليل عدا ظاهر بعض الأخبار، مثل رواية ابن أبي يعفور، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا (6) فقال له: جعلت فداك (7)، ربما أصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعي إلي البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : ما احب أني عقدت

***** (هامش) ***** *

(1) مقلوب عباس.

(2) الوسائل 12: 130، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9.

(3) لم ترد جائر في ن، خ، م و ع و وردت في ص في الهامش.

(4) الوسائل 12: 130، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12.

(5) الوسائل 12: 130، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 13.

(6) لم ترد من أصحابنا في خ، م، ن، ع و

ص.

(7) لم ترد جعلت فداك في خ، م، ن، ع و ص. (*)

*****ص 56*****

لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين لابتيها … إلي آخر ما تقدم (1) و رواية محمد بن عذافر عن أبيه، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا عذافر بلغني أنك تعامل أبا أيوب و أبا الربيع، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال: فوجم (2) أبي، فقال له (3) أبو عبد الله عليه السلام - لما رأي ما أصابه - : أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني الله عز و جل به. قال محمد:

فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات (4) و رواية صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت علي أبي الحسن الأول (5) عليه السلام ، فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت: جعلت فداك، أي شيء؟ قال عليه السلام : إكراؤك جمالك من هذا الرجل - يعني هارون (6) - ، قلت: و الله ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا لصيد (7) و لا للهو (8) و لكن أكريته لهذا الطريق - يعني طريق مكة - و لا أتولاه بنفسي و لكن أبعث معه غلماني.

***** (هامش) ***** *

(1) في الصفحة 54.

(2) في خ، م، ع و ص: ففزع.

(3) لم ترد له في ن، خ، م و ع.

(4) الوسائل 12: 128، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(5) لم ترد الأول في خ، م و ع.

(6) في ش زيادة: الرشيد.

(7) في الوسائل: للصيد.

(8) في ع و ص: و لا لهو. (*)

*****ص 57*****

فقال لي: يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت:

نعم، جعلت فداك. قال: أتحب بقاءهم حتي يخرج كراؤك؟ قلت: نعم. قال: من (1) أحب بقاءهم فهو منهم و من كان منهم كان وروده إلي النار. قال صفوان: فذهبت و بعت (2) جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلي (3) هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان، بلغني أنك بعت جمالك؟ قلت: نعم. قال: و لم؟ قلت: أنا شيخ كبير و أن الغلمان لا يقومون (4) بالأعمال. فقال: هيهات هيهات، إني لأعلم من أشار عليك بهذا (5)، إنما أشار عليك (6) بهذا موسي بن جعفر. قلت: ما لي (7) و لموسي بن جعفر. قال: دع هذا عنك و الله لولا (8) حسن صحبتك لقتلتك (9) و ما ورد في تفسير الركون إلي الظالم:

من أن الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلي أن يدخل يده في كيسه فيعطيه (10) و غير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم.

***** (هامش) ***** *

(1) في ص: فمن.

(2) في ش و الوسائل: فبعت.

(3) لم ترد إلي في ن، خ، م و ع.

(4) في الوسائل و نسخة بدل ص و ش: لا يفون.

(5) عبارة: إني لأعلم من أشار إليك بهذا من ش و المصدر.

(6) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: إليك.

(7) في خ: فمالي.

(8) في ص و الوسائل: فوالله لولا و في خ، ن، م و ع: فلولا.

(9) الوسائل 12: 131، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 17.

(10) راجع الوسائل 12: 133، الباب 44 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول. (*)

*****ص 58*****

و من هنا لما قيل لبعض: إني رجل أخيط للسلطان ثيابه، فهل تراني بذلك داخلا في أعوان الظلمة؟ قال له: المعين من يبيعك الإبر و الخيوط و أما

أنت فمن (1) الظلمة أنفسهم (2) و في رواية سليمان الجعفري - المروية عن تفسير العياشي - : أن الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر و النظر إليهم علي العمد من الكبائر التي يستحق (3) بها النار (4). لكن الإنصاف: أن شيئا مما ذكر لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم علي غير جهة المعونة. أما الرواية الاولي (5)، فلأن التعبير فيها - في الجواب بقوله: ما احب - ظاهر في الكراهة و أما قوله عليه السلام : إن أعوان الظلمة … الخ، فهو من باب التنبيه علي أن القرب إلي الظلمة و المخالطة معهم مرجوح و إلا فليس من يعمل لهم الأعمال المذكورة في السؤال - خصوصا مرة أو مرتين، خصوصا مع الاضطرار - معدودا من أعوانهم.

***** (هامش) ***** *

(1) في ن، خ، م و ع: من.

(2) حكاه الشيخ البهائي في الأربعين حديثا: 239.

(3) كذا في ن و الوسائل و في سائر النسخ: تستحق.

(4) الوسائل 12: 138، الباب 45 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12 و انظر تفسير العياشي 1: 238، الحديث 110.

(5) لم ترد الاولي في خ، م، ع و ص و وردت في ن تصحيحا. (*)

*****ص 59*****

و كذلك يقال في رواية عذافر، مع احتمال أن تكون (1) معاملة عذافر مع أبي أيوب و أبي الربيع علي وجه يكون معدودا من أعوانهم و عمالهم و أما رواية صفوان، فالظاهر منها أن نفس المعاملة معهم ليست محرمة، بل من حيث محبة بقائهم و إن لم تكن معهم معاملة و لا يخفي علي الفطن العارف بأساليب الكلام أن قوله عليه السلام : و من أحب بقاءهم كان منهم لا

يراد به من أحبهم مثل محبة صفوان بقاءهم حتي يخرج كراؤه، بل هذا من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتي لا يفضي ذلك إلي صيرورتهم من أعوانهم و أن يشرب القلب حبهم، لأن القلوب مجبولة علي حب من أحسن إليها و قد تبين مما ذكرنا: أن المحرم من العمل للظلمة قسمان: أحدهما - الإعانة لهم علي الظلم و الثاني - ما يعد معه (2) من أعوانهم و المنسوبين إليهم، بأن يقال: هذا خياط السلطان و هذا معماره و أما ما عدا ذلك فلا دليل معتبر علي تحريمه.

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ص و في سائر النسخ: يكون.

(2) في ش: معهم. (*)

*****ص 61*****

المسألة الثالثة و العشرون

المسألة الثالثة و العشرون:

النجش - بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة، أو المفتوحة - حرام، لما في النبوي (1) - المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد (2) و المنتهي (3) - من لعن الناجش و المنجوش له (4) و قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

و لا تناجشوا (5) و يدل علي قبحه: العقل، لأنه غش و تلبيس و إضرار و هو كما عن جماعة (6) : أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها، ليسمعه غيره فيزيد لزيادته، بشرط المواطاة مع

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 337، الباب 49 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(2) جامع المقاصد 4: 39.

(3) منتهي المطلب 2: 1004.

(4) لم ترد له في خ، م، ع و ص.

(5) الوسائل 12: 338، الباب 49 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.

(6) انظر: جامع المقاصد 4: 39 و مجمع الفائدة 8: 136 و الجواهر 22: 476. (*)

*****ص 62*****

البائع، أو لا بشرطها، كما حكي عن بعض (1)

و حكي (2) تفسيره - أيضا - بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها، لمواطاة بينه و بين البائع، أو لا معها و حرمته بالتفسير الثاني - خصوصا لا مع المواطاة - يحتاج إلي دليل و حكي الكراهة عن بعض (3).

***** (هامش) ***** *

(1) جامع المقاصد 4: 39.

(2) حكاه كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 31 و فيه: و فسر أيضا بأن يمدح السلعة في البيع …

(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة

(4: 106) عن المحقق و العلامة و غيرهما، انظر الشرائع 2: 21 و المختصر النافع 1: 120 و الإرشاد 1: 359 و التنقيح 2: 40 - 41. (*)

*****ص 63*****

المسألة الرابعة و العشرون

المسألة الرابعة و العشرون:

النميمة محرمة بالأدلة الأربعة و هي نقل قول الغير إلي المقول فيه، كأن يقول: تكلم فلان فيك بكذا و كذا. قيل: هي من نم الحديث، من باب قتل و ضرب، أي سعي به لإيقاع فتنة أو وحشة (1) و هي من الكبائر، قال الله تعالي: * (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار) * (2) و النمام قاطع لما أمر الله بصلته و مفسد. قيل (3) : و هي المرادة (4) بقوله تعالي: * (والفتنة أكبر من القتل) * (5).

***** (هامش) ***** *

(1) راجع المصباح المنير 2: 626، مادة: نم و مجمع البحرين 6: 180، مادة: نمم.

(2) الرعد:

25.

(3) قاله كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 20 و فيه: و هي المعنية بقوله تعالي: * (والفتنة أكبر من القتل) * و انظر الجواهر 22: 73.

(4) كذا في ف و في سائر النسخ: المراد.

(5) البقرة: 217. (*)

*****ص

64*****

و قد تقدم في باب السحر (1) قوله عليه السلام - في ما رواه في الاحتجاج في وجوه السحر - : و إن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين (2) و عن عقاب الأعمال، عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

من مشي في نميمة بين اثنين (3) سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه و إذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتي يدخل النار (4) و قد استفاضت الأخبار بعدم دخول النمام الجنة (5) و يدل علي حرمتها - مع كراهة المقول عنه لإظهار القول عند المقول فيه - جميع ما دل علي حرمة الغيبة و يتفاوت عقوبته بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد و قيل: إن حد النميمة بالمعني الأعم كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه، أم كرهه ثالث و سواء كان الكشف بالقول أم بغيره من الكتابة و الرمز و الإيماء و سواء كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال و سواء كان ذلك عيبا و نقصانا علي المنقول عنه

***** (هامش) ***** *

(1) راجع المكاسب 1: 265.

(2) الاحتجاج 2: 82.

(3) في ش: الاثنين.

(4) عقاب الأعمال: 335، (باب مجمع عقوبات الأعمال) و الوسائل 8: 618، الباب 164 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 6.

(5) الوسائل 8: 616، الباب 164 من أبواب أحكام العشرة و المستدرك 9: 149 الباب 44 من أبواب أحكام العشرة. (*)

*****ص 65*****

أم لا، بل حقيقة النميمة إفشاء السر و هتك الستر عما يكره كشفه (1)، انتهي موضع الحاجة. ثم إنه قد يباح ذلك (2) لبعض المصالح التي هي آكد من مفسدة إفشاء السر، كما تقدم في الغيبة (3)،

بل قيل: إنها قد تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين (4)، لكن الكلام في النميمة علي المؤمنين.

***** (هامش) ***** *

(1) راجع المحجة البيضاء 5: 277.

(2) في ف: بعض ذلك.

(3) راجع المكاسب 1: 351 (الصور التي رخص فيها الغيبة لمصلحة أقوي).

(4) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 22: 73 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 68. (*)

*****ص 67*****

المسألة الخامسة و العشرون

المسألة الخامسة و العشرون:

النوح بالباطل، ذكره في المكاسب المحرمة الشيخان (1) و سلار (2) و الحلي (3) و المحقق (4) و من تأخر عنه (5) و الظاهر حرمته من حيث الباطل، يعني الكذب و إلا فهو في نفسه ليس بمحرم و علي هذا التفصيل دل غير واحد من الأخبار (6).

***** (هامش) ***** *

(1) المقنعة: 588 و النهاية: 365.

(2) المراسم:

170.

(3) السرائر 2: 222.

(4) الشرائع 2: 10.

(5) كالعلامة في الإرشاد 1: 357 و القواعد:

121 و غيرهما و الشهيد في الدروس 3: 162 - 163.

(6) راجع الوسائل 12: 90، الباب 17 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6 و 9 و المستدرك 13: 93، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول. (*)

*****ص 68*****

و ظاهر المبسوط (1) و ابن حمزة (2) التحريم مطلقا كبعض الأخبار (3) و كلاهما محمولان علي المقيد، جمعا.

***** (هامش) ***** *

(1) المبسوط 1: 189.

(2) الوسيلة: 69.

(3) راجع الوسائل 12: 91، الباب 17 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12. (*)

*****ص 69*****

المسألة السادسة و العشرون

المسألة السادسة و العشرون:

الولاية من قبل الجائر - و هي صيرورته و اليا علي قوم منصوبا من قبله - محرمة، لأن الوالي من أعظم الأعوان و لما تقدم (1) في رواية تحف العقول، من قوله: و أما وجه الحرام من الولاية: فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته، فالعمل (2) لهم و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم، معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير، لأن كل شيء من جهة المعونة له (3) معصية كبيرة من الكبائر و ذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله، وإحياء الباطل كله و إظهار الظلم و الجور و الفساد و إبطال الكتب

و قتل الأنبياء و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه، فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة، نظير الضرورة إلي الدم

***** (هامش) ***** *

(1) راجع المكاسب 1: 6 و 7.

(2) كذا في ش و مصححة ن و في غيرهما: و العمل.

(3) في هامش م:

لهم. (*)

*****ص 70*****

و الميتة … الخبر (1) و في رواية زياد بن أبي سلمة: أهون ما يصنع الله عز و جل بمن تولي لهم عملا، أن يضرب عليه (2) سرادق (3) من نار إلي أن يفرغ الله من حساب الخلائق (4) (5). ثم إن ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليها (6) من ظلم الغير، مع أن الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية و ربما كان في بعض الأخبار إشارة إلي كونه من جهة الحرام الخارجي، ففي صحيحة داود بن زربي، قال: أخبرني (7) مولي لعلي ابن الحسين عليه السلام ، قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه السلام الحيرة، فأتيته، فقلت له: جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء، فأدخل (8) في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت لأفعل، فانصرفت إلي منزلي فتفكرت (9) : ما أحسبه أنه منعني إلا مخافة أن

***** (هامش) ***** *

(1) تحف العقول: 331 و الوسائل 12: 55 الباب 2 من أبواب ما يكتسب به.

(2) في غير ش: أن يضرب الله عليه.

(3) ما أثبتناه من المصادر الحديثية و في النسخ: سرادقا.

(4) في نسخة بدل ش: الخلق.

(5) الوسائل 12: 140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9.

(6) في النسخ: عليه.

(7) في ف: خبرني.

(8) في غير ن و ش:

فادخلت.

(9) في ص و المصدر زيادة: فقلت. (*)

*****ص 71*****

أظلم أو أجور و الله لآتينه و أعطينه (1) الطلاق و العتاق و الأيمان المغلظة (2) أن لا أجورن علي أحد و لا أظلمن و لأعدلن. قال: فأتيته، فقلت: جعلت فداك إني فكرت في إبائك علي و ظننت أنك إنما منعتني (3) مخافة أن أظلم أو أجور و إن كل امرأة لي طالق و كل مملوك لي حر (4) إن ظلمت أحدا، أو جرت علي أحد (5) و إن (6) لم أعدل. قال: فكيف (7) قلت؟ فأعدت عليه الأيمان، فنظر (8) إلي السماء و قال: تنال هذه (9) السماء أيسر عليك من ذلك (10) (11)، بناء علي أن المشار إليه هو العدل و ترك الظلم و يحتمل أن يكون هو الترخص في الدخول.

***** (هامش) ***** *

(1) في ص و المصدر: و لاعطينه.

(2) في ف: الغليظة.

(3) في هامش ص و المصدر زيادة: و كرهت ذلك.

(4) في ش زيادة: و علي و في الوسائل: و علي و علي و في الكافي: علي و علي.

(5) في المصدر و نسخة بدل ش: عليه.

(6) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: بل إن.

(7) في المصدر: كيف.

(8) في المصدر و نسخة بدل ش: فرفع رأسه.

(9) في المصدر و نسخة بدل ش: تناول و لم ترد هذه في المصدر.

(10) في غير ش زيادة: الخبر.

(11) الكافي 5: 107، الحديث 9 و عنه الوسائل 12: 136، الباب 45 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، مع حذف بعض فقراته. (*)

*****ص 72*****

ثم إنه يسوغ الولاية المذكورة أمران: أحدهما - القيام بمصالح العباد، بلا خلاف، علي الظاهر المصرح به في المحكي (1) عن بعض، حيث قال:

إن تقلد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكن معه من إيصال الحق لمستحقه، بالاجماع و السنة الصحيحة و قوله تعالي: * (اجعلني علي خزائن الأرض) * (2) و يدل عليه - قبل الاجماع - : أن الولاية إن كانت محرمة لذاتها، كان (3) ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر و إن كانت لاستلزامها الظلم علي الغير، فالمفروض عدم تحققه هنا و يدل عليه: النبوي الذي رواه الصدوق في حديث المناهي، قال: من تولي عرافة قوم اتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان إلي عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله تعالي أطلقه الله و إن كان ظالما يهوي به في نار جهنم و بئس المصير (4) و عن عقاب الأعمال: و من تولي عرافة قوم و لم يحسن فيهم

***** (هامش) ***** *

(1) في م:

و المحكي.

(2) فقه القرآن، للراوندي 2: 24، (باب المكاسب المحظورة و المكروهة) و الآية من سورة يوسف: 55.

(3) كذا في النسخ و في هامش ش: جاز - ظ.

(4) الفقيه 4: 18، ذيل الحديث 4968 و الوسائل 12: 136 الباب 45 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6 و فيهما: هوي به. (*)

*****ص 73*****

حبس علي شفير جهنم بكل (1) يوم ألف سنة و حشر و يداه مغلولتان (2) إلي عنقه، فإن كان (3) قام فيهم بأمر الله أطلقه الله و إن كان ظالما هوي به في نار جهنم سبعين خريفا (4) و لا يخفي أن العريف - سيما في ذلك الزمان - لا يكون إلا من قبل الجائر و صحيحة زيد الشحام، المحكية عن الأمالي، عن أبي عبد الله عليه السلام

: من تولي أمرا من امور الناس فعدل فيهم و فتح بابه و رفع ستره و نظر في امور الناس، كان حقا علي الله أن يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة (5) و رواية زياد بن أبي سلمة عن موسي بن جعفر (6) عليه السلام : يا زياد لئن اسقط من شاهق (7) فأتقطع (8) قطعة قطعة أحب إلي من

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: لكل.

(2) كذا في النسخ و في المصدر: و يده مغلولة.

(3) لم ترد كان في م و ش.

(4) عقاب الأعمال: 288 (باب مجمع عقوبات الأعمال) و الوسائل 12: 137، الباب 45 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(5) أمالي الصدوق: 203، المجلس 43 و عنه الوسائل 12: 140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(6) كذا في ش و في غيره: عن الصادق.

(7) كذا في النسخ و في الوسائل و نسخة بدل ش: حالق و في الكافي: جالق.

(8) كذا في ن، ش و المصدر و في سائر النسخ: فانقطع. (*)

*****ص 74*****

أن أتولي لأحد منهم (1) عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلا لماذا؟ قلت: لا أدري، جعلت فداك. قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن (2)، أو فك أسره، أو قضاء دينه (3) و رواية علي بن يقطين: إن لله تبارك و تعالي مع السلطان أولياء يدفع (4) بهم عن أوليائه (5). قال الصدوق (6) : و في خبر آخر: اولئك عتقاء الله من النار (7). قال: و قال الصادق عليه السلام : كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان (8) و عن المقنع (9) : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن

رجل يحب آل محمد و هو في ديوان هؤلاء، فيقتل (10) تحت رايتهم، قال: يحشره الله علي

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و المصدر و نسخة بدل ص و في سائر النسخ: أتولي لهم.

(2) كذا في مصححة ص و المصدر و في سائر النسخ: كربة مؤمن.

(3) الوسائل 12: 140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9.

(4) كذا في ف و نسخة بدل م و المصدر و في سائر النسخ: من يدفع.

(5) الوسائل 12: 139، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول و انظر الفقيه 3: 176، الحديث 3664.

(6) لم ترد الصدوق في غير ن و ش.

(7) الفقيه 3: 176، الحديث 3665 و الوسائل 12: 139، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(8) المصدران السابقان، الفقيه: الحديث 3666 و الوسائل: الحديث 3.

(9) في ف زيادة: قال.

(10) كذا في ن و المصدر و في سائر النسخ: يقتل. (*)

*****ص 75*****

نيته (1) … إلي غير ذلك و ظاهرها إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الإحسان بالإخوان، فيكون نظير الكذب في الإصلاح و ربما يظهر من بعضها (2) الاستحباب و ربما يظهر من بعضها أن الدخول أولا غير جائز إلا أن الإحسان إلي الإخوان كفارة له، كمرسلة الصدوق المتقدمة و في ذيل رواية زياد بن أبي سلمة المتقدمة: فإن (3) و ليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلي إخوانك يكون (4) واحدة (5) بواحدة (6) و الأولي أن يقال: إن الولاية الغير المحرمة: منها: ما يكون (7) مرجوحة و هي ولاية من (8) تولي لهم لنظام معاشه قاصدا الإحسان في خلال ذلك إلي المؤمنين و دفع الضر عنهم، ففي رواية أبي بصير:

ما من جبار إلا و معه مؤمن يدفع الله به عن

***** (هامش) ***** *

(1) المقنع (الجوامع الفقهية) : 31 و الوسائل 12: 139، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(2) كصحيحة زيد الشحام و رواية علي بن يقطين المتقدمتين.

(3) في ش: و إن.

(4) كلمة يكون مشطوب عليها في ص و لم ترد في المصدر.

(5) في ص و المصدر: فواحدة.

(6) الوسائل 12: 140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9.

(7) كذا في النسخ و هكذا في ما يليه.

(8) كذا في ش و في سائر النسخ: و هو من. (*)

*****ص 76*****

المؤمنين و هو أقلهم حظا في الآخرة، لصحبة الجبار (1) و منها: ما يكون مستحبة و هي ولاية من (2) لم يقصد بدخوله إلا الإحسان إلي المؤمنين، فعن رجال الكشي في ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : قال: إن لله تعالي في أبواب الظلمة من نور الله به البرهان و مكن له في البلاد، ليدفع (3) بهم عن أوليائه و يصلح الله (4) بهم امور المسلمين، إليهم (5) ملجأ المؤمنين من الضر (6) و إليهم مرجع ذوي الحاجة (7) من شيعتنا، بهم يؤمن الله روعة المؤمنين في دار الظلمة (8)، اولئك المؤمنون حقا، اولئك امناء (9) الله في أرضه، اولئك نور الله في رعيته يوم القيامة و يزهر (10) نورهم لأهل

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 134، الباب 44 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(2) كذا في ش و في سائر النسخ: و هو من.

(3) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: فيدفع.

(4) من ش و المصدر.

(5) كذا في ش و المصدر و

في سائر النسخ: لأنهم.

(6) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: الضرر.

(7) في ف: يرجع ذو الحاجة و في نسخة بدل ش و المصدر: يفزع ذو الحاجة.

(8) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: الظلم.

(9) كذا في ف و ش و المصدر و في سائر النسخ: منار.

(10) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: اولئك نور الله في رعيتهم و يزهر. (*)

*****ص 77*****

السماوات كما يزهر نور الكواكب الدرية (1) لأهل الأرض، اولئك من (2) نورهم يوم القيامة (3) تضئ القيامة (4)، خلقوا - و الله - للجنة و خلقت (5) الجنة لهم فهنيئا لهم (6)، ما علي أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله. قلت: بماذا، جعلت فداك؟ قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور علي المؤمنين من شيعتنا (7)، فكن منهم (8) يا محمد (9) و منها: ما يكون واجبة و هي ما توقف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليه، فإن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مع القدرة و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب في هذه الصورة أيضا: قال في النهاية: تولي الأمر من قبل السلطان العادل جائز

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد الدرية في غير ش و المصدر و في ف: يزهر الكواكب الزهر.

(2) لم ترد من في ش.

(3) كذا في النسخ و في المصدر: نور القيامة.

(4) في ش: منه القيامة و في المصدر: يضئ منهم يوم القيامة.

(5) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: و خلق.

(6) عبارة فهنيئا لهم من ش و المصدر.

(7) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: بإدخال السرور علي شيعتنا.

(8) كذا في ش

و المصدر و في سائر النسخ: معهم.

(9) لم نقف عليه في رجال الكشي و نسبه إليه في الجواهر (22: 161) أيضا، نعم ورد الحديث في رجال النجاشي: 331، ذيل ترجمة محمد بن اسماعيل ابن بزيع (رقم 893)، مع اختلاف في بعض الألفاظ. (*)

*****ص 78*****

مرغب فيه و ربما بلغ حد الوجوب، لما في ذلك من التمكن من الأمر (1) بالمعروف و النهي عن المنكر و وضع الأشياء مواقعها و أما سلطان الجور، فمتي علم الإنسان أو غلب علي ظنه أنه متي تولي الأمر من قبله، أمكنه (2) التوصل إلي إقامة الحدود و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قسمة الأخماس و الصدقات في أربابها وصلة الإخوان و لا يكون [في] (3) جميع ذلك (4) مخلا بواجب و لا فاعلا لقبيح، فإنه يستحب (5) له أن يتعرض لتولي الأمر من قبله (6)، انتهي و قال في السرائر: و أما السلطان الجائر، فلا يجوز لأحد أن يتولي شيئا من الامور مختارا من قبله إلا أن يعلم أو يغلب علي ظنه … إلي آخر عبارة النهاية بعينها (7) و في الشرائع: و لو أمن من ذلك - أي اعتماد ما يحرم - و قدر علي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (8) استحبت (9).

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و ش و المصدر و في سائر النسخ: من التمكن بالأمر.

(2) كذا في ف و المصدر و مصححة م و في سائر النسخ: أمكن.

(3) من المصدر.

(4) في ش: مع ذلك و كتب في ص فوق جميع: مع.

(5) كذا في المصدر و في ف: المستحب و في ن، خ، م، ع و ص: استحب و في ش: ليستحب.

(6) النهاية:

356.

(7) السرائر 2: 202.

(8) عبارة و النهي عن المنكر من ش و المصدر.

(9) الشرائع 2: 12. (*)

*****ص 79*****

قال في المسالك - بعد أن اعترف أن مقتضي ذلك وجوبها - : و لعل و جه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم (1) و عموم النهي عن الدخول معهم و تسويد الاسم في ديوانهم، فإذا لم يبلغ حد المنع فلا أقل من عدم الوجوب (2) و لا يخفي ما في ظاهره من الضعف كما اعترف به غير واحد (3)، لأن الأمر بالمعروف واجب، فإذا لم يبلغ ما ذكره - من كونه بصورة النائب … إلي آخر ما ذكره - حد المنع، فلا مانع من (4) الوجوب المقدمي للواجب و يمكن توجيهه بأن نفس الولاية قبيح محرم، لأنها توجب إعلاء كلمة الباطل و تقوية شوكته، فإذا عارضها قبيح آخر و هو ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ليس أحدهما أقل قبحا من الآخر، فللمكلف فعلها، تحصيلا لمصلحة الأمر بالمعروف و تركها دفعا لمفسدة تسويد الاسم في ديوانهم الموجب لإعلاء كلمتهم و قوة شوكتهم. نعم، يمكن الحكم باستحباب اختيار أحدهما لمصلحة لم تبلغ حد الإلزام حتي يجعل أحدهما أقل قبحا، ليصير واجبا و الحاصل: أن جواز الفعل و الترك هنا ليس من باب عدم جريان

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد عن الظالم في ف.

(2) المسالك 3: 138 - 139.

(3) منهم صاحب المسالك نفسه، حيث قال بعد التوجيه المذكور: و لا يخفي ما في هذا التوجيه و السيد المجاهد في المناهل: 316.

(4) في ف: عن. (*)

*****ص 80*****

دليل قبح الولاية و تخصيص دليله بغير هذه الصورة (1)، بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الأمر بالمعروف، فللمكلف ملاحظة

كل منهما و العمل بمقتضاه، نظير تزاحم الحقين في غير هذا (2) المقام. هذا ما (3) أشار إليه الشهيد بقوله: لعموم النهي … الخ (4) و في الكفاية: أن الوجوب في ما نحن فيه حسن لو ثبت كون وجوب الأمر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة و ليس بثابت (5) و هو ضعيف، لأن عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية كاف، مع إطلاق أدلة الأمر بالمعروف السالم عن التقييد بما عدا القدرة العقلية المفروضة في المقام. نعم، ربما يتوهم انصراف الإطلاقات الواردة (6) إلي القدرة العرفية الغير المحققة في المقام، لكنه تشكيك ابتدائي لا يضر بالإطلاقات و أضعف منه ما ذكره بعض (7) - بعد الاعتراض علي ما في المسالك

***** (هامش) ***** *

(1) في ش زيادة: الخ.

(2) لم ترد هذا في ف.

(3) في ف: كما.

(4) تقدم في الصفحة السابقة بلفظ: و عموم النهي.

(5) الكفاية: 88.

(6) لم ترد الواردة في ف.

(7) هو صاحب الجواهر. (*)

*****ص 81*****

بقوله: و لا يخفي ما فيه - قال: و يمكن توجيه (1) عدم الوجوب بتعارض ما دل علي وجوب الأمر بالمعروف و ما دل علي حرمة الولاية عن الجائر، بناء علي حرمتها في ذاتها و النسبة عموم من وجه، فيجمع بينهما (2) بالتخيير المقتضي للجواز، رفعا (3) لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب و قيد المنع من (4) الفعل من أدلة الحرمة و أما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه في (5) خبر محمد بن إسماعيل (6) و غيره (7)، الذي هو أيضا شاهد للجمع، خصوصا بعد الاعتضاد بفتوي المشهور و بذلك يرتفع إشكال عدم معقولية الجواز بالمعني الأخص في مقدمة الواجب، ضرورة

ارتفاع (8) الوجوب للمعارضة، إذ عدم (9) المعقولية مسلم في ما لم يعارض فيه

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و ش و في سائر النسخ: تقوية و في نسخة بدلها: توجيه.

(2) في غير ف و ن: ما بينهما.

(3) كذا في ف و خ و المصدر و مصححة ن و في سائر النسخ: دفعا.

(4) في ف: عن.

(5) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: فيستفاد من خبر … الخ.

(6) المتقدم في الصفحة 76.

(7) كصحيحة زيد الشحام، المتقدمة في الصفحة 73 و رواية علي بن يقطين، المتقدمة في الصفحة 74.

(8) في ف، ن، خ، م و ع: ضرورة أن ارتفاع.

(9) كذا في ش و مصححة ص و ن و في سائر النسخ: أو عدم. (*)

*****ص 82*****

مقتضي الوجوب (1)، انتهي و فيه: أن الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقف و الرجوع إلي الاصول لا التخيير، كما قرر في محله (2) و مقتضاها إباحة الولاية، للأصل و وجوب الأمر بالمعروف، لاستقلال العقل به كما ثبت في بابه. ثم علي تقدير الحكم بالتخيير، فالتخيير الذي يصار إليه عند تعارض الوجوب و التحريم هو التخيير الظاهري و هو الأخذ بأحدهما بالتزام الفعل أو الترك، لا التخيير الواقعي. ثم المتعارضان بالعموم من وجه، لا يمكن إلغاء ظاهر كل منهما مطلقا، بل (3) بالنسبة إلي مادة الاجتماع، لوجوب إبقائهما علي ظاهرهما في مادتي الافتراق، فيلزم (4) استعمال كل من الأمر و النهي في أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن الولاية (5)، في الإلزام و الإباحة. ثم دليل الاستحباب أخص - لا محالة - من أدلة التحريم، فتخصص به، فلا ينظر بعد ذلك في أدلة (6) التحريم، بل لا

بد بعد ذلك

***** (هامش) ***** *

(1) راجع الجواهر 22: 164.

(2) انظر فرائد الاصول: 757 و 762.

(3) عبارة مطلقا، بل من ش فقط و لم ترد في سائر النسخ.

(4) كذا في ف و في غيره: فيلزمك.

(5) كذا في ف، ن و ش و مصححة ع و نسخة بدل خ و ص و في سائر النسخ: عن المنكر.

(6) في ف: فلا ينظر إلي أدلة. (*)

*****ص 83*****

من ملاحظة النسبة بينه و بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف و من المعلوم المقرر في غير مقام (1) أن دليل استحباب الشيء الذي قد يكون مقدمة لواجب (2) لا يعارض (3) أدلة وجوب ذلك الواجب، فلاوجه لجعله شاهدا علي الخروج عن مقتضاها، لأن دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشيء في نفسه، مع قطع النظر عن الملزمات (4) العرضية، كصيرورته مقدمة لواجب أو مأمورا به لمن يجب إطاعته، أومنذورا و شبهه. فالأحسن في توجيه كلام من عبر بالجواز (5) مع التمكن من الأمر بالمعروف (6) : إرادة الجواز بالمعني الأعم و أما من عبر بالاستحباب (7)، فظاهره إرادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي، لأجل الأمر بالمعروف الواجب كفاية، نظير قولهم:

يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه (8)، مع أنه واجب

***** (هامش) ***** *

(1) في ص: المقام.

(2) في م، ع و ص: الواجب.

(3) كذا في ن و في غيره: لا تعارض.

(4) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: الملزومات.

(5) كذا في ص و ش و في سائر النسخ: الجواز.

(6) كالعلامة في القواعد 1: 122.

(7) كالمحقق في الشرائع 2: 12.

(8) قاله المحقق في الشرائع 4: 68 و العلامة في التحرير 2: 179 و القواعد 2: 201 و المحقق السبزواري في

الكفاية: 262 و غيرهم. (*)

*****ص 84*****

كفائي (1)، أو يقال: إن مورد كلامهم ما إذا لم يكن هنا معروف متروك يجب فعلا الأمر به، أو منكر مفعول يجب النهي عنه كذلك، بل يعلم بحسب العادة تحقق مورد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بعد ذلك و من المعلوم أنه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما، خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه و كيف كان، فلا إشكال في وجوب تحصيل الولاية إذا كان هناك معروف متروك، أو منكر مركوب، يجب فعلا الأمر بالأول و النهي عن الثاني.

***** (هامش) ***** *

(1) وردت هذه العبارة في النسخ بصور مختلفة و ما أثبتناه مطابق ل ف و مصححة م و وردت العبارة في ش هكذا: و من عبر بالاستحباب فظاهره إرادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي، نظير قولهم:

يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه، مع أنه واجب كفائي، لأجل الأمر بالمعروف الواجب كفاية و في م، خ، ع و ص كما يلي: و أما من عبر بالاستحباب - نظير قولهم:

يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه، مع أنه واجب كفائي - إرادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي، لأجل الأمر بالمعروف الواجب كفاية و وردت في ن نفس هذه العبارة بزيادة كلمة: فظاهره قبل كلمة: إرادة. (*)

*****ص 85*****

الثاني مما يسوغ الولاية - الإكراه عليه بالتوعيد (1) علي تركها من الجائر بما يوجب ضررا بدنيا أو ماليا عليه، أو علي من يتعلق به بحيث يعد الإضرار به إضرارا به و يكون تحمل الضرر عليه شاقا علي النفس كالأب و الولد و من جري مجراهما و هذا مما لا إشكال في تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة في نفسها، لعموم

قوله تعالي: * (إلا أن تتقوا منهم تقية) * في الاستثناء عن عموم * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) * (2) و النبوي: رفع عن امتي ما اكرهوا عليه (3) و قولهم عليهم السلام : التقية في كل ضرورة (4) و ما من شيء إلا و قد أحله الله لمن اضطر إليه (5). إلي غير ذلك مما لا يحصي كثرة من العمومات و ما يختص بالمقام (6).

***** (هامش) ***** *

(1) في ف و ن: بالوعيد.

(2) آل عمران: 28.

(3) الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1 و 2.

(4) الوسائل 11: 468 و 469، الباب 25 من أبواب النهي و الأمر، الحديث 1 و 8.

(5) الوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب القيام، الأحاديث 6 و 7.

(6) راجع الوسائل 12: 145، الباب 48 من أبواب ما يكتسب به. (*)

*****ص 86*****

و ينبغي التنبيه علي أمور: الأول أنه كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الاخر و ما يتفق في خلالها، مما يصدر الأمر به من السلطان الجائر، ما عدا إراقة الدم إذا لم يمكن التفصي عنه و لا إشكال في ذلك، إنما الإشكال في أن ما يرجع إلي الإضرار بالغير - من نهب الأموال و هتك الأعراض و غير ذلك من العظائم - هل يباح (1) كل ذلك بالإكراه و لو كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه (2)، كما إذا خاف علي عرضه من كلمة خشنة لا تليق به (3)، فهل يباح بذلك أعراض الناس و أموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم لا بد من ملاحظة

الضررين و الترجيح بينهما؟ وجهان: من إطلاق أدلة الإكراه و أن الضرورات تبيح المحظورات (4) و من أن المستفاد من أدلة الإكراه تشريعه لدفع الضرر، فلا يجوز (5) دفع الضرر بالإضرار بالغير و لو كان ضرر الغير أدون، فضلا عن أن

***** (هامش) ***** *

(1) في النسخ: تباح.

(2) شطب في ف علي كلمة: عليه.

(3) كذا في ن و في سائر النسخ: لا يليق به.

(4) المتقدمة في الصفحة 85.

(5) في ف: و لا يجوز. (*)

*****ص 87*****

يكون أعظم و إن شئت قلت: إن حديث رفع الإكراه و رفع الاضطرار، مسوق للامتنان علي جنس الامة و لا حسن في الامتنان علي بعضهم بترخيصه في الإضرار بالبعض الآخر، فإذا توقف دفع الضرر عن نفسه علي الإضرار (1) بالغير لم يجز و وجب تحمل الضرر. هذا و لكن الأقوي هو الأول، لعموم دليل نفي الإكراه لجميع المحرمات حتي الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدم و عموم نفي الحرج (2)، فإن إلزام الغير تحمل الضرر و ترك ما اكره عليه حرج و قوله عليه السلام : إنما جعلت التقية لتحقن بها (3) الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقية (4)، حيث إنه دل علي أن حد التقية بلوغ الدم، فتشرع لما عداه و أما ما ذكر من استفادة كون نفي الإكراه لدفع الضرر، فهو مسلم، بمعني دفع توجه الضرر و حدوث مقتضيه، لا بمعني دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه. بيان ذلك: أنه إذا توجه الضرر إلي شخص بمعني حصول مقتضيه، فدفعه عنه بالإضرار بغيره غير لازم، بل غير جائز في الجملة، فإذا توجه ضرر علي المكلف بإجباره علي مال (5) و فرض أن نهب

***** (هامش) ***** *

(1) في غير ش: بالاضرار.

(2) المستفاد

من قوله تعالي: * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * الحج: 78.

(3) في النسخ: به.

(4) الوسائل 11: 483، الباب 31 من أبواب الأمر و النهي.

(5) لم ترد بإجباره علي مال في ف. (*)

*****ص 88*****

مال الغير دافع له، فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الجبر (1) عن نفسه و كذلك إذا اكره علي نهب مال غيره، فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب لدفع الضرر المتوجه إلي الغير و توهم أنه كما يسوغ النهب في الثاني لكونه مكرها عليه فيرتفع حرمته، كذلك يسوغ في الأول لكونه مضطرا إليه، ألا تري أنه لو توقف دفع الضرر علي محرم آخر غير الإضرار بالغير كالإفطار في شهر رمضان أو ترك الصلاة أو غيرهما، ساغ له ذلك المحرم و بعبارة اخري: الإضرار بالغير من المحرمات، فكما يرتفع حرمته بالإكراه كذلك ترتفع بالاضطرار، لأن نسبة الرفع إلي ما اكرهوا عليه و ما اضطروا إليه علي حد سواء، مدفوع: بالفرق بين المثالين في الصغري بعد اشتراكهما في الكبري المتقدمة - و هي أن الضرر المتوجه إلي شخص لا يجب دفعه بالإضرار بغيره - بأن الضرر في الأول متوجه إلي نفس الشخص، فدفعه عن نفسه بالإضرار بالغير غير جائز و عموم رفع ما اضطروا إليه لا يشمل الإضرار بالغير المضطر إليه، لأنه مسوق للامتنان علي الامة، فترخيص بعضهم في الإضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه و صرف الضرر (2) إلي

غيره، مناف للامتنان، بل يشبه الترجيح بلا مرجح، فعموم ما اضطروا إليه في حديث الرفع مختص بغير الإضرار بالغير من المحرمات و أما الثاني: فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه إلي الغير بحسب

***** (هامش) ***** *

(1) في نسخة بدل ش: الضرر.

(2) في

غير ش زيادة: عن نفسه. (*)

*****ص 89*****

إلزام المكره - بالكسر - و إرادته (1) الحتمية و المكره - بالفتح - و إن كان مباشرا إلا أنه ضعيف لا ينسب إليه توجيه الضرر إلي الغير حتي يقال: إنه أضر بالغير لئلا يتضرر نفسه. نعم، لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير إلي نفسه عرفا، لكن الشارع لم يوجب هذا و الامتنان بهذا علي بعض الامة لا قبح فيه، كما أنه لو أراد ثالث الإضرار بالغير لم يجب علي الغير تحمل الضرر و صرفه عنه إلي نفسه. هذا كله، مع أن أدلة نفي الحرج (2) كافية في الفرق بين المقامين، فإنه لا حرج في أن لا يرخص الشارع دفع (3) الضرر عن أحد بالإضرار بغيره، بخلاف ما لو ألزم الشارع الإضرار علي نفسه لدفع الضرر المتوجه إلي الغير، فإنه حرج قطعا.

***** (هامش) ***** *

(1) في ن، م و ع: و إرادة.

(2) من الكتاب قوله تعالي: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * الحج: 78 و من السنة ما ورد في الوسائل 10: 14، الباب 39 من أبواب الذبح، الحديث 4 و 6 و غير ذلك.

(3) في ش: في دفع. (*)

*****ص 90*****

الثاني أن الإكراه يتحقق بالتوعد بالضرر علي ترك المكره عليه، ضررا متعلقا بنفسه أو ماله أو عرضه أو بأهله، ممن يكون ضرره راجعا إلي تضرره و تألمه و أما إذا لم يترتب علي ترك المكره عليه إلا الضرر علي بعض المؤمنين ممن يعد أجنبيا من المكره - بالفتح - فالظاهر أنه لا يعد ذلك إكراها عرفا، إذ لا خوف له يحمله علي فعل ما امر به و بما ذكرنا -

من اختصاص الإكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه، أو بمن يجري مجراه كالأب و الولد - صرح في الشرائع (1) و التحرير (2) و الروضة (3) و غيرها (4). نعم، لو خاف علي بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة، بل غيرها من المحرمات الإلهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين، لقيام الدليل علي وجوب مراعاة المؤمنين و عدم تعريضهم للضرر، مثل ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام : قال:

وَ لَئِنْ تَبْرَأْ (5) مِنَّا سَاعَةً بِلِسَانِكَ وَ أَنْتَ مُوَالٍ لَنَا بِجَنَانِكَ لِتُبْقِيَ عَلَي نَفْسِكَ رُوحَهَا الَّتِي بِهَا (6)

***** (هامش) ***** *

(1) الشرائع 3: 13.

(2) التحرير 2: 51.

(3) الروضة البهية 6: 19.

(4) كنهاية المرام 2: 11 و الحدائق 25: 159 و الرياض 2: 169.

(5) في المصدر: و لئن تبرأت.

(6) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: الذي هو. (*)

*****ص 91*****

قِوَامُهَا وَ مَالَهَا الَّذِي بِهِ قِيَامُهَا (1) وَ جَاهَهَا الَّذِي بِهِ تَمَسُّكُهَا (2) وَ تَصُونَ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ أَوْلِيَاءَنَا وَ إِخْوَانَك (3) فَإِنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تَتَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ وَ تَنْقَطِعَ بِهِ عَنْ عَمَلك فِي الدِّينِ (4) وَ صَلَاحِ إِخْوَانِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَ التَّقِيَّةَ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِهَا فَإِنَّكَ شَائِطٌ بِدَمِكَ وَ دِمَاءِ إِخْوَانِكَ مُعَرِّضٌ لِنِعْمَتِكَ وَ نِعْمَتِهِمْ (5) لِلزَّوَالِ مُذِلٌّ لَهُمْ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ دِينِ اللَّهِ وَ قَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ (6) بِإِعْزَازِهِمْ فَإِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَ وَصِيَّتِي كَانَ ضَرَرُكَ عَلَي إِخْوَانِكَ وَ نَفْسِكَ أَشَدَّ مِنْ ضَرَرِ النَّاصِبِ لَنَا الْكَافِرِ بِنَا … الحديث (8).

لكن لا يخفي أنه لا يباح بهذا النحو من التقية الإضرار بالغير، لعدم شمول أدلة الإكراه لهذا، لما عرفت من عدم تحققه مع

عدم لحوق ضرر بالمكره و لا بمن يتعلق به و عدم جريان أدلة نفي الحرج، إذ لاحرج علي المأمور، لأن المفروض تساوي من امر بالإضرار به و من

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: نظامها.

(2) في المصدر: تماسكها.

(3) في المصدر و نسخة بدل ص: إخواننا.

(4) في المصدر: عمل الدين.

(5) كذا في ن و المصدر و في سائر النسخ: نعمتهم.

(6) لفظة الجلالة من ص و المصدر.

(7) في ص و المصدر: نفسك و إخوانك.

(8) الاحتجاج 1: 355، ضمن حديث طويل و عنه الوسائل 11: 479، الباب 29 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 11. (*)

*****ص 92*****

يتضرر بترك هذا الأمر، من حيث النسبة إلي المأمور (1)، مثلا لو امر الشخص بنهب مال مؤمن و لا يترتب علي مخالفة المأمور به إلا نهب مال مؤمن آخر، فلا حرج حينئذ في تحريم نهب مال الأول، بل تسويغه لدفع النهب عن الثاني قبيح، بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة من الغرض في التقية، خصوصا مع كون المال المنهوب للأول أعظم بمراتب، فإنه يشبه بمن فر من المطر إلي الميزاب، بل اللازم في هذا المقام عدم جواز الإضرار بمؤمن و لو لدفع الضرر الأعظم عن (2) غيره. نعم، إلا لدفع ضرر النفس في وجه، مع ضمان ذلك الضرر و بما ذكرنا ظهر: أن إطلاق جماعة (3) لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات بترتب ضرر مخالفة المكره عليه علي نفس المكره و علي أهله أو علي الأجانب من المؤمنين، لا يخلو من (4) بحث، إلا أن يريدوا الخوف علي خصوص نفس بعض المؤمنين، فلا إشكال في تسويغه لماعدا الدم من المحرمات، إذ لا يعادل (5) نفس المؤمن

شيء، فتأمل. قال في القواعد:

و تحرم الولاية من الجائر إلا مع (6) التمكن من

***** (هامش) ***** *

(1) في ف: المأمور به.

(2) في غير ف: من.

(3) راجع التحرير 1: 163 و الشرائع 2: 12 و الدروس 3: 174 و الرياض 1: 510.

(4) في ف: عن.

(5) في النسخ: تعادل.

(6) في خ، ع، ص و ش زيادة: عدم. (*)

*****ص 93*****

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أو مع الإكراه بالخوف علي النفس أو المال أو الأهل، أو علي بعض المؤمنين، فيجوز (1) ائتمار (2) ما يأمره إلاالقتل (3)، انتهي و لو أراد ب الخوف علي بعض المؤمنين الخوف علي أنفسهم دون أموالهم و أعراضهم، لم يخالف ما ذكرنا و قد شرح العبارة بذلك بعض الأساطين، فقال: إلا مع الإكراه بالخوف علي النفس من تلف أو ضرر في البدن، أو المال المضر بالحال من تلف أو حجب، أو العرض من جهة النفس أو الأهل، أو الخوف فيما عدا الوسط علي بعض المؤمنين، فيجوز حينئذ ائتمار ما يأمره (4)، انتهي و مراده ب ما عدا الوسط الخوف علي نفس بعض المؤمنين و أهله و كيف كان، فهنا عنوانان: الإكراه و دفع الضرر المخوف عن نفسه و عن غيره من المؤمنين من دون إكراه و الأول يباح به كل محرم (5) و الثاني إن كان متعلقا بالنفس جاز له كل محرم حتي الإضرار المالي بالغير، لكن الأقوي استقرار (6) الضمان عليه إذا تحقق سببه، لعدم

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد فيجوز في ف.

(2) في ف و المصدر: اعتماد.

(3) القواعد 1: 122.

(4) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 36.

(5) في ن زيادة: إلا القتل.

(6) لم ترد استقرار في ف. (*)

*****ص 94*****

الإكراه المانع عن الضمان،

أو استقراره و أما الإضرار بالعرض بالزنا و نحوه، ففيه تأمل و لا يبعد ترجيح النفس عليه و إن كان متعلقا بالمال، فلا يسوغ معه الإضرار بالغير أصلا حتي في اليسير من المال، فإذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس لم يجز و إن كان متعلقا بالعرض، ففي جواز الإضرار بالمال مع الضمان أو العرض الأخف من العرض المدفوع عنه، تأمل و أما الإضرار بالنفس، أو العرض الأعظم، فلا يجوز بلا إشكال. هذا و قد وقع في كلام بعض تفسير الإكراه بما يعم لحوق الضرر. قال في المسالك: ضابط الإكراه المسوغ للولاية: الخوف علي النفس أو المال أو العرض عليه، أو علي بعض المؤمنين (1)، انتهي و يمكن أن يريد بالإكراه مطلق المسوغ للولاية، لكن صار هذا عبير

الت منه رحمه الله منشأ لتخيل غير واحد (2) أن الإكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعني.

***** (هامش) ***** *

(1) المسالك 3: 139.

(2) انظر الرياض 1: 510 و المستند 2: 351 و الجواهر 22: 168 و غيرها. (*)

*****ص 95*****

الثالث أنه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين (1) : أنه يظهر من الأصحاب أن (2) في اعتبار عدم القدرة علي التفصي من المكره عليه و عدمه، أقوالا، ثالثها: التفصيل بين الإكراه علي نفس الولاية المحرمة فلا يعتبر و بين غيرها من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي و الذي يظهر من ملاحظة كلماتهم في باب الإكراه: عدم الخلاف في اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجا و لم يتوقف علي ضرر، كما إذا اكره علي أخذ المال من مؤمن، فيظهر أنه أخذ المال و جعله في بيت المال، مع عدم أخذه واقعا، أو أخذه جهرا ثم

رده إليه سرا كما كان يفعله ابن يقطين و كما إذا أمره بحبس مؤمن فيدخله في دار واسعة من دون قيد و يحسن ضيافته و يظهر أنه حبسه و شدد عليه و كذا لا خلاف في أنه لا يعتبر العجز عن التفصي إذا كان فيه ضرر كثير و كان منشأ زعم الخلاف ما ذكره في المسالك في شرح عبارة الشرائع مستظهرا منه خلاف ما اعتمد عليه (3).

***** (هامش) ***** *

(1) لعل المراد به السيد المجاهد، لكنه لم يسند الأقوال الثلاثة إلي ظاهر الأصحاب، بل قال - بعد طرح المسألة - : فيه أقوال - إلي أن قال: - الثاني: ما استظهره في المصابيح من كلام بعض الأصحاب من التفرقة بين التولية و فعل المحرم … انظر المناهل: 318 و انظر المصابيح (مخطوط) : 53.

(2) لم ترد أن في ف، ن، خ، م و ع.

(3) راجع المسالك 3: 139. (*)

*****ص 96*****

قال في الشرائع - بعد الحكم بجواز الدخول في الولاية، دفعا للضرر اليسير مع الكراهة و الكثير بدونها - : إذا أكرهه الجائر علي الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره

(1) مع عدم القدرة علي التفصي منه

(2) (3)، انتهي. قال في المسالك ما ملخصه: إن المصنف قدس سره ذكر في هذه المسألة شرطين: الإكراه و العجز عن التفصي و هما متغايران و الثاني أخص و الظاهر أن مشروطهما

(4) مختلف، فالأول شرط لأصل قبول الولاية و الثاني شرط للعمل بما يأمره. ثم فرع عليه: أن الولاية إن اخذت مجردة عن الأمر بالمحرم فلا يشترط في جوازه الإكراه و أما العمل بما يأمره من المحرمات فمشروط بالإكراه خاصة

(5) و لا يشترط فيه الإلجاء إليه

(6) بحيث لا يقدر

علي خلافه و قد صرح به الأصحاب في كتبهم، فاشتراط

(7) العجز عن التفصي غير واضح، إلا أن يريد به أصل الاكراه - إلي أن قال: - إن

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و المصدر و مصححة م و في ف، ن، خ، م و ع: و اعتماد ما يأمره و في ص: و ائتمار ما يأمره.

(2) في ش زيادة ما يلي: إلا في الدماء المحرمة، فإنه لا تقية فيها.

(3) الشرائع 2: 12.

(4) في ع و ص و ظاهر م:

شروطهما.

(5) في ف و مصححة م و نسخة بدل ع: بإكراه صاحبه.

(6) في ف، خ، م، ع و ص: فيه.

(7) في ف، م، ع و ص: و اشتراط. (*)

*****ص 97*****

الإكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به و إن قدر علي المخالفة مع خوف الضرر (1)، انتهي موضع الحاجة من كلامه. أقول: لا يخفي علي المتأمل أن المحقق رحمه الله لم يعتبر شرطا زائدا علي الإكراه، إلا أن الجائر إذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته - كما هو الغالب - و أمكن في بعضها المخالفة واقعا و دعوي الامتثال ظاهرا كما مثلنا لك سابقا (2)، قيد امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي و كيف كان، فعبارة الشرائع واقعة علي طبق المتعارف من تولية الولاة و أمرهم في ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها و ليس المراد بالتفصي المخالفة مع تحمل الضرر، كما لا يخفي و مما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره (3) من نسبة الخلاف (4) المتقدم إلي الأصحاب من أنه علي القول باعتبار العجز عن التفصي لو توقف المخالفة علي بذل مال كثير لزم علي هذا القول، ثم قال: و هو أحوط، بل

و أقرب (5).

***** (هامش) ***** *

(1) راجع المسالك 3: 139 - 140.

(2) في الصفحة 95.

(3) أي صاحب المناهل في أول هذا التنبيه، فإنه و إن لم يصرح به وجود الخلاف، لكن مجرد ذكر أقوال ثلاثة في المسألة دال عليه.

(4) في ش: من نسب عدم الخلاف.

(5) المناهل: 318. (*)

*****ص 98*****

الرابع أن قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال رخصة، لا عزيمة، فيجوز تحمل الضرر المذكور، لأن الناس مسلطون علي أموالهم، بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم. الخامس لا يباح بالإكراه قتل المؤمن و لو توعد علي تركه بالقتل إجماعا، علي الظاهر المصرح به في بعض الكتب (1) و إن كان مقتضي عموم نفي الإكراه و الحرج الجواز، إلا أنه قد صح عن (2) الصادقين صلوات الله عليهما أنه: إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت الدم فلا تقية (3) و مقتضي العموم أنه (4) لا فرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر و الكبر و الذكورة و الانوثة و العلم و الجهل و الحر و العبد و غير ذلك و لو كان المؤمن مستحقا للقتل لحد ففي العموم وجهان: من إطلاق قولهم:

لا تقية في الدماء و من أن المستفاد من قوله عليه السلام : ليحقن بها الدم (5) فإذا بلغ الدم فلا تقية أن المراد الدم المحقون دون

***** (هامش) ***** *

(1) صرح به في: الرياض 1: 510 و الجواهر 22: 169.

(2) كذا في ف و في سائر النسخ: من.

(3) الوسائل 11: 483، الباب 31 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1 و 2.

(4) في غير ش: أن.

(5) في غير ش: به الدماء. (*)

*****ص 99*****

المأمور بإهراقه و ظاهر المشهور الأول

و أما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة إلي غير ولي الدم و مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف، لأن التقية إنما شرعت لحقن دماء الشيعة، فحدها بلوغ دمهم، لا دم غيرهم. وبعبارة اخري: محصل (1) الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية في إهراق الدماء، لأنها شرعت لحقنها فلا يشرع لأجلها إهراقها و من المعلوم أنه إذا اكره المؤمن علي قتل مخالف فلا يلزم من شرعية التقية في قتله إهراق ما شرع التقية لحقنه. هذا كله في غير الناصب و أما الناصب فليس محقون الدم و إنما منع منه حدوث الفتنة، فلا إشكال في مشروعية قتله للتقية و مما ذكرنا يعلم حكم دم الذمي و شرعية التقية في إهراقه و بالجملة، فكل دم غير محترم (2) بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين، فحكم إهراقه حكم سائر المحرمات التي شرعت التقية فيها. بقي الكلام في أن الدم يشمل (3) الجرح و قطع الأعضاء، أو يختص

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف، خ، ص، ش و نسخة بدل ع و ن و مصححة م و في ن، م و ع و نسخة بدل خ: محل.

(2) في ن، خ و ع و ظاهر ف: محرم.

(3) في ف: يشتمل. (*)

*****ص 100*****

بالقتل؟ وجهان: من إطلاق الدم و هو المحكي عن الشيخ (1) و من عمومات التقية و نفي الحرج و الإكراه و ظهور الدم المتصف بالحقن في الدم المبقي للروح و هو المحكي (2) عن الروضة (3) و المصابيح (4) و الرياض (5) و لا يخلو عن قوة.

***** (هامش) ***** *

(1) حكاه الشهيد الثاني في المسالك 3: 141، فقال: و به صرح الشيخ

رحمه الله في الكلام، انظر كتاب الاقتصاد:

240.

(2) حكاه السيد المجاهد في المناهل: 317.

(3) الروضة البهية 2: 420.

(4) المصابيح (مخطوط) : 52.

(5) الرياض 1: 510. (*)

*****ص 101*****

خاتمة في ما ينبغي للوالي العمل به في نفسه و في رعيته روي شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله في رسالته المسماة بكشف الريبة عن أحكام الغيبة، بإسناده عن شيخ الطائفة، عن مفيدها (1)، عن جعفر ابن محمد (2) بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه محمد بن عيسي (3) الأشعري، عن عبد الله بن سليمان النوفلي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فإذا بمولي لعبد الله النجاشي قد (4) ورد عليه فسلم (5) و أوصل إليه كتابا، ففضه و قرأه، فإذا أول سطر فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله تعالي (6) بقاء سيدي و جعلني

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و مصححة ن و في ش: المفيد و في سائر النسخ: مفيد.

(2) عبارة جعفر بن محمد من ش و المصدر.

(3) عبارة عن أبيه محمد بن عيسي من ش و المصدر و مصححة ص.

(4) كلمة قد من ش و المصدر و مصححة ص.

(5) في ف، ن، خ، م و ع: و سلم.

(6) كلمة تعالي من ص و المصدر. (*)

*****ص 102*****

من كل سوء فداه و لا أراني فيه مكروها، فإنه ولي ذلك و القادر عليه. اعلم سيدي و مولاي (1)، أني بليت بولاية الأهواز، فإن رأي سيدي و مولاي أن يحد لي حدا و يمثل (2) لي مثالا لأستدل (3) به علي ما يقربني إلي الله عز و جل و إلي رسوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ

سَلَّم و يلخص (4) في كتابه ما يري لي العمل به و في ما أبذله (5) و أين أضع زكاتي و في من أصرفها (6) و بمن آنس و إلي من أستريح و بمن أثق و آمن و ألجأ إليه في سري، فعسي أن يخلصني الله تعالي بهدايتك و ولايتك (7)، فإنك حجة الله علي خلقه و أمي نه في بلاده، لا (8) زالت نعمته عليك. قال عبد الله بن سليمان، فأجابه أبو عبد الله عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم (9)، حاطك (10) الله بصنعه و لطف بك بمنه و كلأك برعايته، فإنه ولي ذلك.

***** (هامش) ***** *

(1) كلمة و مولاي من ش و المصدر.

(2) في خ و ص و الوسائل: أو يمثل.

(3) كذا في ش و هامش ص و المصدر و في سائر النسخ: استدل.

(4) في خ و ش زيادة: لي.

(5) في نسخة بدل ش: ابتذله و في المصدر: ابتدله و ابتذله.

(6) كذا في ص و ش و المصدر و في سائر النسخ: أصرف.

(7) في المصدر: بهدايتك و دلالتك و ولايتك.

(8) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: و لا.

(9) التسمية من ش و المصدر و هامش ن، خ و ص في الهامش.

(10) في نسخة بدل ص: صالحك. (*)

*****ص 103*****

أما بعد، فقد جاءني (1) رسولك بكتابك، فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه و ذكرت أنك بليت بولاية الأهواز، فسرني (2) ذلك وساءني و ساخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرني إن شاء الله تعالي. فأما (3) سروري بولايتك (4)، فقلت: عسي أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا (5) من أولياء آل محمد صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه

وَ سَلَّم و يعز بك ذليلهم و يكسو بك عاريهم و يقوي بك ضعيفهم و يطفئ بك نار المخالفين عنهم و أما الذي ساءني من ذلك، فإن أدني ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم رائحة (6) حظيرة القدس، فإني ملخص لك جميع ما سألت عنه، فإن (7) أنت عملت به و لم تجاوزه، رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالي. أخبرني - يا عبد الله - أبي، عن آبائه، عن علي عليه السلام ، عن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أنه قال: من استشاره أخوه المؤمن (8)

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، ن، خ، م و ع: جاء إلي.

(2) في ش: و سرني.

(3) في ش: و أما.

(4) لم ترد بولايتك في ف، خ، م و ع.

(5) لم ترد خائفا في ف، ن، خ، م و ع.

(6) لم ترد رائحة في ف، ن، م و ع.

(7) في ص و المصدر: إن.

(8) في نسخة بدل ن، خ، م و ع: المسلم و في ش: المؤمن المسلم. (*)

*****ص 104*****

فلم يمحضه النصيحة، سلب (1) الله لبه (2) و اعلم، أني سأشير عليك برأي (3) إن أنت عملت به تخلصت مما أنت تخافه (4) و اعلم أن خلاصك و نجاتك في حقن الدماء و كف الأذي عن أولياء الله و الرفق بالرعية و التأني و حسن المعاشرة، مع لين في غير ضعف و شدة في غير عنف و مداراة صاحبك و من يرد عليك من رسله و ارفق برعيتك (5) بأن توقفهم علي ما وافق الحق و العدل إن شاء الله تعالي و إياك و السعاة و أهل النمائم، فلا يلزقن (6) بك

منهم أحد و لا يراك (7) الله يوما و ليلة و أنت تقبل منهم صرفا و لا عدلا فيسخط الله عليك و يهتك سترك و احذر مكر خوزي (8) الأهواز، فإن أبي أخبرني (9) عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال (10) : إن الإيمان

***** (هامش) ***** *

(1) في ص و المصدر و نسخة بدل ش: سلبه.

(2) في ش و مصححتي م و ع: لبه عنه و في خ: عنه لبه.

(3) كذا في الوسائل و في ف، خ، م و ع: رأيي و في ن و ش و المصدر: برأيي.

(4) في المصدر: متخوفه و في ف: تخوفه.

(5) في خ و المصدر و نسخة بدل ص و ش: و ارتق فتق رعيتك.

(6) في المصدر و نسخة بدل ش: يلتزقن.

(7) في ف: و لا رآك و في م و ع: و لا أراك.

(8) في ف: خوازي و في المصدر: خوز.

(9) في غير ش زيادة: عن أبيه.

(10) في ص و المصدر: أنه قال. (*)

*****ص 105*****

لا يثبت (1) في قلب يهودي و لا خوزي أبدا و أما (2) من تأنس به و تستريح إليه و تلجئ امورك إليه، فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك علي دينك و ميز أعوانك و جرب الفريقين، فإن رأيت هنالك رشدا فشأنك و إياه و إياك أن تعطي درهما أو تخلع (3) ثوبا أو تحمل علي دابة في غير ذات الله، لشاعر أو مضحك أو ممتزح (4)، إلا أعطيت مثله في ذات الله و لتكن (5) جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد و الرسل و الأحفاد و أصحاب الرسائل و أصحاب الشرط و الأخماس و ما أردت أن تصرف في وجوه

البر و النجاح و الصدقة و الفطرة (6) و الحج و الشرب (7) و الكسوة التي تصلي فيها و تصل بها و الهدية التي تهديها إلي الله عز و جل و إلي رسوله (8) من أطيب كسبك.

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، ن و نسخة بدل خ: لا ينبت.

(2) في ص و المصدر: فأما.

(3) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: و تخلع.

(4) كذا في ف، ص و المصدر و مصححة خ و في سائر النسخ: ممزح.

(5) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: و ليكن.

(6) لم ترد و الفطرة في ف، خ، م، ع و ص و كتب في ص فوق الصدقة: و العتق و الفتوة و وردت العبارة في المصدر هكذا: … و النجاح و الفتوة و الصدقة و الحج.

(7) في ص و المصدر و مصححة ن: و المشرب.

(8) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: و رسوله. (*)

*****ص 106*****

و انظر (1) يا عبد الله أن لا تكنز ذهبا و لا فضة فتكون من أهل هذه الآية: * (الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * (2) و لا تستصغرن من حلو أو فضل طعام (3) تصرفه في بطون خالية تسكن بها غضب الله رب العالمين و اعلم، أني سمعت أبي يحدث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام : أن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم (4) قال يوما لأصحابه: ما آمن بالله و اليوم الآخر من بات شبعانا و جاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله، فقال: من فضل طعامكم و من فضل تمركم و

رزقكم و خلقكم و خرقكم تطفئون بها غضب الرب تعالي و سانبئك بهوان (5) الدنيا و هوان شرفها علي من مضي من السلف و التابعين، فقد حدثني أبي (6)، محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، قال: لما تجهز الحسين عليه السلام إلي الكوفة (7) أتاه ابن عباس فناشده الله و الرحم أن يكون هو المقتول بالطف، فقال: أنا أعرف (8) بمصرعي منك،

***** (هامش) ***** *

(1) في المصدر و مصححة ص: يا عبد الله اجهد.

(2) التوبة: 34.

(3) في ص: و لا فضل طعام.

(4) في المصدر و نسخة بدل ش: أنه سمع النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، بدل: أن رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم.

(5) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: علي هوان.

(6) لم ترد أبي في المصدر.

(7) عبارة إلي الكوفة من ص، ش و المصدر.

(8) عبارة أنا أعرف من ش و المصدر. (*)

*****ص 107*****

و ما وكدي من الدنيا إلا فراقها، ألا اخبرك يا بن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه السلام و الدنيا؟ فقال له (1) : بلي لعمري إني احب أن تحدثني بأمرها. فقال أبي: قال علي بن الحسين عليه السلام : سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام ، قال: إني كنت بفدك (2) في بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة عليها السلام ، فإذا أنا بامرأة قد قحمت علي و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها، فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها، فشبهتها ببثينة (3) بنت عامر الجمحي (4) و كانت من أجمل نساء قريش. فقالت: يا بن أبي طالب، هل لك أن

تتزوج بي فاغنيك (5) عن هذه المسحاة و أدلك علي خزائن الأرض فيكون لك [الملك] (6) ما بقيت و لعقبك من بعدك؟ فقال لها: من أنت حتي أخطبك من أهلك؟ فقالت: أنا الدنيا.

***** (هامش) ***** *

(1) كلمة له من ش و المصدر. (2) في ش: إني بفدك. (3) كذا في المصدر و اختلفت النسخ في ضبط الكلمة من حيث تقديم بعض الحروف و تأخيرها. (4) كذا في ف و المصدر و اختلفت سائر النسخ في ضبط الكلمة كسابقتها. (5) في ن، خ، م و ع: فأغنيتك. (6) من المصدر. (*)

*****ص 108*****

قال: [قلت] (1) لها: فارجعي و اطلبي زوجا غيري فلست من شأني (2)، فأقبلت علي مسحاتي و أنشأت أقول: لقد خاب من غرته دنيا دنية * و ما هي أن غرت قرونا بنائل (3) أتتنا علي زي العزيز بثينة (4) * و زينتها في مثل تلك الشمائل فقلت لها: غري سواي فإنني * عزوف عن (5) الدنيا و لست بجاهل و ما أنا و الدنيا فإن محمدا * أحل صريعا بين تلك الجنادل و هيهات امني بالكنوز و ودها (6) * و أموال قارون و ملك القبائل أليس جميعا للفناء مصيرنا (7) * و يطلب من خزانها بالطوائل؟ فغري سواي إنني غير راغب * بما فيك من ملك و عز (8) و نائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل فإني أخاف الله يوم لقائه * و أخشي عذابا دائما غير زائل فخرج من الدنيا و ليس في عنقه تبعة (9) لأحد، حتي لقي الله

***** (هامش) ***** *

(1) من المصدر.

(2) عبارة فلست من شأني من ش و المصدر.

(3) في المصدر

و نسخة بدل ش و م:

بطائل.

(4) اختلفت النسخ في ضبط الكلمة هنا أيضا كما تقدم.

(5) في ن، خ، م، ع و ش: من.

(6) في المصدر: و هبها أتتنا بالكنوز و درها و كذا في مصححة ص إلا أن فيها: أتتني.

(7) في مصححة ص: مصيرها.

(8) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: من عز و ملك.

(9) في ف، خ، م و ع: بيعة. (*)

*****ص 109*****

تعالي محمودا غير ملوم و لا مذموم، ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم، لم يتلطخوا بشيء من بوائقها و قد

و جهت إليك بمكارم الدنيا و الآخرة عن (1) الصادق (2) المصدق رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا، ثم كانت عليك من الذنوب و (3) الخطايا كمثل أوزان الجبال و أمواج البحار، رجوت الله أن يتجافي (4) عنك جل و عز بقدرته. يا عبد الله، إياك (5) أن تخيف مؤمنا، فإن أبي (6) حدثني عن أبيه، عن جده (7) علي بن أبي طالب عليه و عليهم السلام ، أنه كان يقول: من نظر إلي مؤمن نظرة ليخيفه بها، أخافه الله يوم لا ظل إلا ظله و حشره علي (8) صورة الذر لحمه و جسده و جميع أعضائه، حتي يورده مورده و حدثني أبي (9)، عن آبائه، عن علي عليه السلام ، عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، قال: من أغاث لهفانا من المؤمنين (10) أغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله،

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في مصححتي ن و خ و في سائر النسخ و المصدر: و عن.

(2) لم ترد الصادق في ف.

(3)

عبارة الذنوب و من ص، ش و المصدر.

(4) في نسخة بدل م:

يتجاوز و في نسخة بدل ش: يتحامي.

(5) كذا في ص، ش و المصدر و في سائر النسخ: و إياك.

(6) في ص و المصدر: فإن أبي، محمد بن علي.

(7) في غير ش زيادة: عن.

(8) في ش و المصدر: في.

(9) في غير ش زيادة: عن أبيه.

(10) عبارة من المؤمنين من ص و ش و المصدر. (*)

*****ص 110*****

و آمنه من الفزع الأكبر و آمنه من سوء المنقلب و من قضي لأخيه المؤمن حاجة قضي الله له حوائج كثيرة، إحداها (1) الجنة و من كسا أخاه المؤمن (2) جبة (3) عن (4) عري، كساه الله من سندس الجنة و استبرقها و حريرها و لم يزل يخوض في رضوان الله ما دام علي المكسو منها سلك و من أطعم أخاه من جوع، أطعمه الله من طيبات الجنة و من سقاه من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم و من أخدم أخاه، أخدمه الله من الولدان المخلدين و أسكنه مع أوليائه الطاهرين و من حمل أخاه المؤمن علي راحلة (5)، حمله الله علي ناقة من نوق الجنة و باهي به الملائكة المقربين يوم القيامة و من زوج أخاه [المؤمن] (6) امرأة يأنس بها و تشد (7) عضده

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، ن، خ، م و ع: أحدها.

(2) كلمة المؤمن من ش و المصدر و مصححة ص.

(3) لم ترد جبة في المصدر و كتب فوقها في ن، خ و ع: خ ل.

(4) في ف و ن و هامش ص: من.

(5) في نسخة بدل ش: رحله.

(6) من المصدر.

(7) في ف، خ، م، ع و ش: و يشد. (*)

*****ص 111*****

و يستريح إليها،

زوجه الله من الحور العين و آنسه بمن أحبه (1) من الصديقين من أهل بيت نبيه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و إخوانه و آنسهم به و من أعان أخاه المؤمن (2) علي سلطان جائر، أعانه الله علي إجازة (3) الصراط عند (4) زلة الأقدام و من زار أخاه المؤمن في منزله لا لحاجة منه إليه، كتب (5) من زوار الله و كان حقيقا علي الله أن يكرم زائره. يا عبد الله و حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السلام ، أنه سمع رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم يقول لأصحابه يوما: معاشر الناس إنه ليس

بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه، فلا تتبعوا عثرات المؤمنين، فإنه من تتبع (6) عثرة مؤمن يتبع (7) الله عثرته (8) يوم القيامة و فضحه في جوف بيته و حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السلام أنه (9) قال: أخذ الله

***** (هامش) ***** *

(1) في ف و المصدر: أحب.

(2) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: المسلم.

(3) في ف: إجادة.

(4) كذا في ش و المصدر و مصححة ص و في سائر النسخ: يوم.

(5) كذا في ش و المصدر و مصححة ص و في سائر النسخ: كتبه.

(6) في ص: يتبع و في المصدر: اتبع.

(7) في ف و م:

تتبع و في ص و المصدر و نسخة بدل ش: اتبع.

(8) في ص و المصدر: عثراته.

(9) أنه من ص و المصدر. (*)

*****ص 112*****

ميثاق المؤمن علي (1) أن لا يصدق في مقالته و لا ينتصف من عدوه و علي أن لا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه، لأن المؤمن (2) ملجم و ذلك لغاية قصيرة

و راحة طويلة، أخذ (3) الله ميثاق المؤمن علي أشياء أيسرها عليه (4) مؤمن مثله يقول بمقالة (5) يبغيه و يحسده و شيطان (6) يغويه و يمقته و سلطان (7) يقفو إثره و يتبع عثراته و كافر بالذي هو مؤمن به يري سفك دمه دينا و إباحة حريمه غنما، فما بقاء المؤمن بعد هذا؟. يا عبد الله و حدثني أبي، عن آبائه عن علي عليه السلام (8) عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، قال: نزل جبرئيل عليه السلام ، فقال: يا محمد إن الله يقرؤك (9) السلام و يقول: اشتققت (10) للمؤمن اسما من أسمائي، سميته مؤمنا، فالمؤمن مني و أنا منه، من استهان بمؤمن (11) فقد استقبلني

***** (هامش) ***** *

(1) علي من ف و ش.

(2) في ص و المصدر و نسخة بدل ش: لأن كل مؤمن.

(3) في ف و ص: و أخذ.

(4) كلمة عليه من المصدر و مصححة ص.

(5) في المصدر و مصححة ص: بمقالته.

(6) في ص و المصدر و مصححة خ و نسخة بدل ش: و الشيطان.

(7) كذا في ش و ن و في سائر النسخ و المصدر: و السلطان.

(8) عبارة عن علي عليه السلام من ش و المصدر و نسخة بدل ص.

(9) في المصدر و نسخة بدل ش: يقرأ عليك.

(10) كذا في خ، ص، ش و المصدر و اختلفت سائر النسخ فيها.

(11) في نسخة بدل ش: مؤمنا. (*)

*****ص 113*****

بالمحاربة. يا عبد الله و حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السلام عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم أنه قال يوما (1) : يا علي، لا تناظر رجلا حتي تنظر في سريرته، فإن كانت سريرته حسنة فإن

الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه و إن كانت (2) سريرته ردية فقد يكفيه مساويه، فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما (3) عمل به من معاصي الله عز و جل ما قدرت عليه. يا عبد الله و حدثني أبي (4)، عن آبائه، عن علي (5) عليهم السلام ، عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم، أنه قال: أدني الكفر أن يسمع الرجل من (6) أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها، اولئك لا خلاق لهم. يا عبد الله، وحدثني أبي (7)، عن آبائه، عن علي عليه السلام ، أنه قال: من قال في مؤمن ما رأت عيناه و سمعت اذناه ما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله عز و جل: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) * (8).

***** (هامش) ***** *

(1) من ش و المصدر و مصححة ص.

(2) كذا في ف، ش و المصدر و مصححة ص و في سائر النسخ: كان.

(3) في ف، ن، م، ع و ش: ما.

(4) في غير ص و ش زيادة: عن أبيه.

(5) لم ترد عن علي في ص.

(6) في ص و المصدر: عن.

(7) في غير ش زيادة: عن أبيه.

(8) النور: 19. (*)

*****ص 114*****

يا عبد الله و حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السلام ، أنه قال: من روي عن (1) أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته و شينه (2)، أوثقه (3) الله بخطيئته يوم القيامة حتي يأتي بالمخرج (4) مما قال و لن يأتي بالمخرج منه أبدا و من أدخل علي أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل علي أهل بيت نبيه صَلَّي

اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم (5) سرورا و من أدخل علي أهل بيت نبيه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم سرورا فقد أدخل علي رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم سرورا و من أدخل علي رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم سرورا فقد سر الله و من سر الله فحقيق علي الله أن يدخله جنته. ثم إني (6) اوصيك بتقوي الله و إيثار طاعته و الاعتصام بحبله، فإنه من اعتصم بحبل الله فقد هدي إلي صراط مستقيم. فاتق الله و لا تؤثر أحدا علي رضاه و هواه (7)، فإنه وصية الله عز و جل إلي خلقه لا يقبل منهم غيرها و لا يعظم سواها.

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، ن، خ، م و ع: علي.

(2) في ص و المصدر و نسخة بدل ش: ثلبه.

(3) في خ، ص و المصدر و نسخة بدل ش: أوبقه.

(4) في ص و الوسائل و مصححة ش: بمخرج.

(5) في المصدر و نسخة بدل ش: أهل البيت عليهم السلام.

(6) من ص، ش و المصدر.

(7) من ف، ص، ش و المصدر. (*)

*****ص 115*****

و اعلم، أن الخلق (1) لم يوكلوا بشئ أعظم من تقوي الله (2)، فإنه وصيتنا أهل البيت، فإن استطعت أن لا تنال من الدنيا شيئا يسأل الله عنه (3) غدا فافعل. قال عبد الله بن سليمان: فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام إلي النجاشي نظر فيه، فقال: صدق - و الله الذي لا إله إلا هو - مولاي، فم

عمل أحد بما في هذا الكتاب إلا نجا. قال: فلم يزل عبد الله يعمل به أيام حياته (4) (5).

***** (هامش) ***** *

(1) في المصدر و

نسخة بدل ش: الخلائق.

(2) في المصدر و نسخة بدل ش: التقوي.

(3) في المصدر: تسأل عنه.

(4) في غير ش زيادة: الخبر.

(5) كشف الريبة: 122 - 131 و رواه في الوسائل 12: 150، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به. (*)

*****ص 117*****

المسألة السابعة و العشرون

المسألة السابعة و العشرون:

هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة، لأنه همز و لمز و أكل اللحم و تعيير و إذاعة سر و كل ذلك كبيرة موبقة، فيدل (1) عليه فحوي جميع ما تقدم في الغيبة (2)، بل البهتان أيضا (3)، بناء علي تفسير الهجاء بخلاف المدح كما عن الصحاح (4)، فيعم ما فيه من المعايب و ما ليس فيه، كما عن القاموس (5) و النهاية (6) و المصباح (7)، لكن مع تخصيصه فيها بالشعر و أما تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر كما هو ظاهر جامع المقاصد (8)،

***** (هامش) ***** *

(1) في ص: و يدل.

(2) راجع المكاسب 1: 315 - 318.

(3) راجع المكاسب 1: 325.

(4) صحاح اللغة 6: 2533، مادة: هجا.

(5) القاموس المحيط 4: 402، مادة: هجا.

(6) النهاية، لابن الأثير 5: 248، مادة: هجا.

(7) المصباح المنير: 635، مادة: هجا.

(8) جامع المقاصد 4: 26. (*)

*****ص 118*****

فلا يخلو عن تأمل و لا فرق في المؤمن بين الفاسق و غيره و أما الخبر: محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين (1) فالمراد به الخارجون عن الإيمان أو المتجاهرون بالفسق و احترز بالمؤمن عن المخالف، فإنه يجوز هجوه لعدم احترامه و كذا يجوز هجاء الفاسق (2) المبدع، لئلا يؤخذ ببدعه (3)، لكن بشرط الاقتصار علي المعائب الموجودة فيه، فلا يجوز بهته بما ليس فيه، لعموم حرمة الكذب و ما تقدم من الخبر في الغيبة من قوله عليه السلام في حق المبتدعة: باهتوهم كيلا (4)

يطمعوا في إضلالكم (5) محمول علي اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به، بأن يقال: لعله زان، أو سارق (6) و كذا إذا زاده (7) ذكر ما ليس فيه من باب المبالغة و يحتمل إبقاؤه علي ظاهره بتجويز الكذب عليهم لأجل المصلحة،

***** (هامش) ***** *

(1) لم نقف عليه في المصادر الحديثية، لكن حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 64) عن حواشي الشهيد علي القواعد و فيه: محصوا ذنوبكم بغيبة الفاسقين.

(2) لم ترد الفاسق في ف.

(3) في نسخة بدل ش: ببدعته.

(4) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: لكيلا.

(5) الوسائل 11: 508، الباب 39 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث الأول و قد تقدم في المكاسب 1: 353.

(6) في ف: و سارق.

(7) في ف: و كذا إرادة و في ص: و كذا إذا زاد. (*)

*****ص 119*****

فإن مصلحة تنفير (1) الخلق عنهم أقوي من مفسدة الكذب و في رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم، فقال: الكف عنهم أجمل. ثم قال لي: و الله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا. ثم قال: نحن أصحاب الخمس و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا (2) و في صدرها دلالة علي جواز الافتراء و هو القذف علي كراهة، ثم أشار عليه السلام إلي أولوية قصد الصدق بإرادة الزنا من حيث استحلال حقوق الأئمة عليهم السلام.

***** (هامش) ***** *

(1) في خ، م، ع و ص: تنفر.

(2) الوسائل 11: 331، الباب 73 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3. (*)

*****ص 121*****

المسألة الثامنة و العشرون

المسألة الثامنة و

العشرون:

الهجر - بالضم - و هو الفحش من القول و ما استقبح التصريح به منه، ففي صحيحة أبي عبيدة: البذاء من الجفاء و الجفاء في النار (1) و في النبوي: إن الله حرم الجنة علي كل فحاش بذئ قليل الحياء، لا يبالي بما قال و لا ما قيل فيه (2) و في رواية سماعة: إياك أن تكون فحاشا (3) و في النبوي: إن من أشر (4) عباد الله من يكره مجالسته لفحشه (5) و في رواية: من علامات شرك الشيطان الذي لا شك (6) فيه:

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 11: 330، الباب 72 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3.

(2) الوسائل 11: 329، الباب 72 من أبواب جهاد النفس، الحديث 2.

(3) الوسائل 11: 328، الباب 71 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

(4) كذا في ف، م و المصدر و في سائر النسخ: شر.

(5) الوسائل 11: 328، الباب 71 من أبواب جهاد النفس، الحديث 8.

(6) في المصدر و نسخة بدل ش: لا يشك. (*)

*****ص 122*****

أن يكون فحاشا لا يبالي بما قال و لا ما قيل فيه (1). إلي غير ذلك من الأخبار (2). هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة.

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 11: 327، الباب 71 من أبواب جهاد النفس، الحديث الأول.

(2) الوسائل 11: 327، الباب 71 من أبواب جهاد النفس، الأحاديث 3 و 4 و غيرهما. (*)

*****ص 123*****

النوع الخامس: مما يحرم التكسب به

النوع الخامس: مما يحرم التكسب به

مما يحرم التكسب به

النوع الخامس (1) مما يحرم التكسب به ما يجب علي الإنسان فعله عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا علي المشهور كما في المسالك (2)، بل عن مجمع البرهان: كأن دليله الإجماع (3) و الظاهر أن نسبته إلي

الشهرة في المسالك، في مقابل قول السيد (4) المخالف في وجوب تجهيز الميت علي غير الولي، لا في حرمة أخذ الأجرة علي تقدير الوجوب عليه و في جامع المقاصد:

الاجماع علي عدم جواز أخذ الأجرة علي تعليم صيغة النكاح، أو إلقائها علي المتعاقدين (5)، انتهي.

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ص و في سائر النسخ: الخامس.

(2) المسالك 3: 130.

(3) مجمع الفائدة 8: 89.

(4) لم نقف عليه في ما بأيدينا من كتب السيد و رسائله، نعم حكاه عنه الشهيد في الدروس 3: 172.

(5) جامع المقاصد 4: 37 و لم يذكر إلا إلقاء الصيغة علي المتعاقدين. (*)

*****ص 126*****

و كأن لمثل هذا و نحوه (1) ذكر في الرياض: أن علي هذا الحكم الاجماع في كلام جماعة و هو الحجة (2)، انتهي و اعلم أن موضوع هذه المسألة: ما إذا كان للواجب (3) علي العامل منفعة تعود إلي من يبذل بإزائه المال، كما لو كان كفائيا و أراد سقوطه منه فاستأجر غيره، أو كان عينيا علي العامل و رجع نفع (4) منه إلي باذل المال، كالقضاء للمدعي إذا وجب عينا و بعبارة اخري: مورد الكلام ما لو فرض مستحبا لجاز الاستئجار عليه، لأن الكلام في كون مجرد الوجوب علي الشخص مانعا عن أخذه (5) الأجرة عليه، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الأجرة عليه، لا لوجوبها، بل لعدم وصول عوض المال إلي باذله، فإن النافلة أيضا كذلك و من هنا يعلم فساد الاستدلال علي هذا المطلب بمنافاة ذلك للإخلاص في العمل (6)، لانتقاضه طردا و عكسا بالمندوب و الواجب التوصلي و قد يرد ذلك (7) بأن تضاعف الوجوب بسبب الإجارة يؤكد

***** (هامش) ***** *

(1) في م:

أو

نحوه.

(2) الرياض 1: 505.

(3) كذا في ف و ن و في سائر النسخ: الواجب.

(4) كذا في ف و في سائر النسخ: نفعه.

(5) كذا في ف و في سائر النسخ: أخذ.

(6) استدل عليه السيد الطباطبائي في الرياض 1: 505.

(7) رده السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 92. (*)

*****ص 127*****

الإخلاص و فيه - مضافا إلي اقتضاء ذلك، الفرق بين الإجارة و الجعالة، حيث إن الجعالة لا توجب العمل علي العامل - (1) أنه إن اريد أن تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص، فلا ريب أن الوجوب الحاصل بالإجارة توصلي لا يشترط في حصول ما وجب به قصد القربة، مع أن غرض المستدل منافاة قصد أخذ المال لتحقق الاخلاص في العمل، لا لاعتباره في وجوبه و إن اريد أنه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل، فهو مخالف للواقع قطعا، لأن ما لا يترتب عليه أجر دنيوي أخلص مما يترتب عليه ذلك بحكم الوجدان. هذا، مع أن الوجوب الناشئ من الإجارة إنما يتعلق بالوفاء بعقد الإجارة و مقتضي الاخلاص المعتبر في ترتب الثواب علي موافقة هذا الأمر - و لو لم (2) يعتبر في سقوطه - هو إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له (3) بإزاء ماله، فهذا المعني ينافي وجوب إتيان العبادة لأجل استحقاقه تعالي إياه و لذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء - كما في الجعالة - لم يمكن قصد الإخلاص مع قصد استحقاق العوض، فلا إخلاص هنا حتي يؤكده وجوب الوفاء بعد الإيجاب بالإجارة، فالمانع حقيقة هو عدم القدرة علي إيجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض،

***** (هامش) ***** *

(1) لم يرد قوله مضافا - إلي - العامل في ف.

(2) في ف: و إن لم.

(3) في م:

المستأجر به

و في الهامش: المستأجر له. (*)

*****ص 128*****

سواء كانت المعاوضة لازمة أم جائزة و أما تأتي القربة في العبادات المستأجرة، فلأن الإجارة إنما تقع علي الفعل المأتي به تقربا إلي الله، نيابة عن فلان. توضيحه: أن الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان في العمل متقربا إلي الله، فالمنوب عنه يتقرب إليه تعالي بعمل نائبه و تقربه و هذا الجعل في نفسه مستحب، لأنه إحسان إلي المنوب عنه و إيصال نفع إليه و قد يستأجر الشخص عليه فيصير واجبا بالإجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه التقرب. فالأجير إنما يجعل نفسه - لأجل استحقاق الأجرة - نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقربا إلي الله، فالأجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرب به إلي الله التي مرجع نفعها إلي المنوب عنه و هذا بخلاف ما نحن فيه، لأن الأجرة هنا في مقابل العمل تقربا إلي الله لأن العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه إلا إلي العامل، لأن المفروض أنه يمتثل ما وجب علي نفسه، بل في مقابل نفس العمل، فهو يستحق نفس العمل و المفروض أن الإخلاص إتيان العمل لخصوص أمر الله تعالي (1) و التقرب يقع للعامل دون الباذل و و قوعه للعامل يتوقف علي أن لا يقصد بالعبادة سوي امتثال أمر الله تعالي. فإن قلت: يمكن للأجير أن يأتي بالفعل مخلصا لله تعالي، بحيث لا يكون للإجارة دخل في إتيانه فيستحق الأجرة، فالإجارة غير مانعة

***** (هامش) ***** *

(1) شطب في ف علي عبارة لأن العمل - إلي - تعالي و كتب عليها في ن، خ، م، ع و ش: نسخة. (*)

*****ص 129*****

عن (1) قصد الإخلاص. قلت: الكلام في أن مورد الإجارة لا بد أن (2)

يكون عملا قابلا لأن يوفي به بعقد (3) الإجارة و يؤتي به لأجل استحقاق المستأجر إياه و من باب تسليم مال الغير إليه و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك. فإن قلت: يمكن أن يكون غاية الفعل التقرب و المقصود من تيان

إ هذا الفعل المتقرب به استحقاق الأجرة، كما يؤتي بالفعل تقربا إلي الله و يقصد منه حصول المطالب الدنيوية، كأداء الدين و سعة الرزق و غيرهما من الحاجات الدنيوية. قلت: فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل و بين الغرض الحاصل من غيره و هو استحقاق الأجرة، فإن طلب الحاجة (4) من الله تعالي سبحانه و لو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح في العبادة، بل ربما يؤكدها (5) و كيف كان، فذلك الاستدلال حسن في بعض موارد المسألة و هو الواجب التعبدي في الجملة، إلا أن مقتضاه جواز أخذ الأجرة في

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و في غيرها: من.

(2) في ص: و أن.

(3) في ص: عقد.

(4) كتب في ش علي عبارة: فإن طلب الحاجة: نسخة.

(5) لم ترد عبارة فإن طلب الحاجة - إلي - يؤكدها في ف و كتب عليها في ن، خ، م و ع: نسخة. (*)

*****ص 130*****

التوصليات و عدم جوازه في المندوبات التعبدية، فليس مطردا و لا منعكسا. نعم، قد استدل علي المطلب بعض الأساطين في شرحه علي القواعد بوجوه، أقواها: أن التنافي بين صفة الوجوب و التملك ذاتي، لأن المملوك و المستحق (1) لا يملك و لا يستحق ثانيا (2). توضيحه: أن الذي يقابل المال لا بد أن يكون كنفس المال مما يملكه المؤجر حتي يملكه المستأجر (3) في مقابل تمليكه

المال إياه، فإذا فرض العمل واجبا لله ليس للمكلف تركه، فيصير نظير العمل المملوك للغير، ألا تري أنه إذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص لم يجز له أن يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر لذلك العمل و ليس إلا لأن الفعل صار مستحقا للأول و مملوكا له، فلا معني لتمليكه ثانيا للآخر مع فرض بقائه علي ملك الأول و هذا المعني موجود فيما أوجبه الله تعالي، خصوصا فيما يرجع إلي حقوق الغير، حيث إن حاصل الإيجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل، كأحكام تجهيز الميت التي جعل الشارع الميت مستحقا لها علي الحي، فلا يستحقها غيره ثانيا. هذا و لكن الإنصاف أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة، لإمكان منع المنافاة بين الوجوب الذي هو طلب الشارع الفعل و بين

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: المملوك المستحق.

(2) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 27.

(3) في ف: للمستأجر. (*)

*****ص 131*****

استحقاق المستأجر له و ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع من طلبه من قبيل استحقاق الآدمي و تملكه الذي ينافي تملك الغير و استحقاقه. ثم إن هذا الدليل باعتراف المستدل يختص بالواجب العيني و أما الكفائي، فاستدل (1) علي عدم جواز أخذ الأجرة عليه: بأن الفعل متعين له (2) فلا يدخل في ملك آخر و بعدم (3) نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره، لأنه بمنزلة قولك: استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك أو لغيرك و فيه: منع وقوع الفعل له بعد إجارة نفسه للعمل للغير، فإن آثار الفعل حينئذ ترجع إلي الغير، فإذا وجب إنقاذ غريق كفاية أو إزالة النجاسة عن المسجد، فاستأجر واحد (4) غيره،

فثواب الإنقاذ و الإزالة يقع للمستأجر دون الأجير المباشر لهما. نعم، يسقط الفعل عنه، لقيام المستأجر به و لو بالاستنابة و من هذا القبيل الاستئجار للجهاد مع وجوبه كفاية علي الأجير و المستأجر و بالجملة، فلم أجد دليلا علي هذا المطلب وافيا بجميع أفراده عدا الإجماع الذي لم يصرح به إلا المحقق الثاني (5)، لكنه موهون به وجود

***** (هامش) ***** *

(1) المستدل هو كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 27.

(2) في ف: بأن الفعل يتعين له و في ن: بأنه بالفعل يتعين له و في المصدر: فلأنه بفعله يتعين له.

(3) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: و لعدم.

(4) في ف، خ، م و ع: واحدا.

(5) جامع المقاصد 4: 36 - 37. (*)

*****ص 132*****

القول بخلافه من أعيان الأصحاب من القدماء و المتأخرين، علي ما يشهد به الحكاية و الوجدان. أما الحكاية، فقد نقل المحقق و العلامة رحمهما الله و غيرهما القول بجواز أخذ الأجرة علي القضاء عن بعض. فقد قال في الشرائع: أما لو أخذ الجعل من المتحاكمين، ففيه خلاف (1) و كذلك العلامة رحمه الله في المختلف (2) و قد حكي العلامة الطباطبائي في مصابيحه (3) عن فخر الدين و جماعة (4) التفصيل بين العبادات و غيرها (5) و يكفي في ذلك ملاحظة الأقوال التي ذكرها في المسالك في باب المتاجر (6) و أما ما وجدناه، فهو أن ظاهر المقنعة (7)، بل النهاية (8) و محكي القاضي (9) جواز الأجر علي القضاء مطلقا و إن أول بعض (10)

***** (هامش) ***** *

(1) الشرائع 4: 69.

(2) المختلف 5: 17.

(3) المصابيح (مخطوط) : 59.

(4) لم ترد و جماعة في ف.

(5) لم نعثر علي

هذا التفصيل في الإيضاح، نعم سيأتي عنه التفصيل في الكفائي بين العبادي و التوصلي.

(6) المسالك 3: 132.

(7) المقنعة: 588.

(8) النهاية: 367.

(9) انظر المهذب 1: 346 و حكاه عنه النراقي في المستند 2: 350.

(10) راجع مفتاح الكرامة 4: 96. (*)

*****ص 133*****

كلامهم بإرادة الارتزاق و قد اختار جماعة (1) جواز أخذ الأجر عليه إذا لم يكن متعينا، أو تعين و كان القاضي محتاجا و قد صرح فخر الدين في الإيضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية و غيرها، فجوز أخذ الأجرة في الأول، قال في شرح عبارة و الده في القواعد - في الاستئجار علي تعليم الفقه - ما لفظه: الحق عندي أن كل واجب علي شخص معين لا يجوز للمكلف أخذ الأجرة عليه و الذي وجب كفاية، فإن كان مما لو أوقعه بغير نية لم يصح و لم يزل الوجوب، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه، لأنه عبادة محضة و قال الله تعالي: * (وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (2)، حصر غرض الأمر في انحصار غاية الفعل في الإخلاص و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك و غير ذلك يجوز أخذ الأجرة عليه إلا ما نص الشارع علي تحريمه كالدفن (3)، انتهي. نعم، رده في محكي جامع المقاصد بمخالفة (4) هذا التفصيل لنص (5)

***** (هامش) ***** *

(1) منهم:

العلامة في المختلف 5: 18 و غيره و المحقق في الشرائع 4: 69 و راجع مفتاح الكرامة 4: 98.

(2) البينة: 5.

(3) إيضاح الفوائد 2: 264.

(4) في ع و ص: لمخالفة.

(5) في ف: نص. (*)

*****ص 134*****

الأصحاب (1). أقول: لا يخفي أن الفخر أعرف بنص الأصحاب من المحقق الثاني، فهذا و الده قد صرح في المختلف بجواز أخذ الأجر (2)

علي القضاء إذا لم يتعين (3) و قبله المحقق في الشرائع (4)، غير أنه قيد صورة عدم التعيين بالحاجة و لأجل ذلك اختار العلامة الطباطبائي في مصابيحه (5) ما اختاره فخر الدين من التفصيل و مع هذا فمن أين الوثوق علي إجماع لم يصرح به إلا المحقق الثاني (6)، مع ما طعن به الشهيد الثاني علي إجماعاته بالخصوص في رسالته في صلاة الجمعة (7) ؟! فالذي (8) ينساق إليه النظر: أن مقتضي القاعدة في كل عمل له منفعة محللة مقصودة، جواز أخذ الأجرة و الجعل عليه و إن كان داخلا في العنوان الذي أوجبه الله علي المكلف، ثم إن صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإيجاب المذكور أو إسقاطه به أو عنده، سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة و إن لم يصلح استحق الأجرة و بقي

***** (هامش) ***** *

(1) جامع المقاصد 7: 182 و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 93.

(2) كذا في ف و في غيرها: الأجرة.

(3) المختلف 5: 18.

(4) انظر الشرائع 4: 69.

(5) المصابيح (مخطوط) : 59 - 60.

(6) جامع المقاصد 4: 36 - 37.

(7) رسالة في صلاة الجمعة، (المطبوعة ضمن رسائل الشهيد) : 92.

(8) كذا في ف و ش و في سائر النسخ: و الذي. (*)

*****ص 135*****

الواجب في ذمته لو بقي وقته و إلا عوقب علي تركه و أما مانعية مجرد الوجوب عن (1) صحة المعاوضة علي الفعل، فلم تثبت علي الإطلاق، بل اللازم التفصيل: فإن كان العمل واجبا عينيا تعيينيا (2) لم يجز أخذ الأجرة، لأن أخذ (3) الأجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله، أكل للمال بالباطل، لأن عمله هذا لا يكون محترما، لأن استيفاءه

منه لا يتوقف علي طيب نفسه، لأنه يقهر عليه مع عدم طيب النفس و الامتناع و مما يشهد بما ذكرناه: أنه لو فرض أن المولي أمر بعض عبيده بفعل لغرض و كان مما يرجع نفعه أو بعض نفعه إلي غيره، فأخذ العبد العوض من ذلك الغير علي ذلك العمل عد أكلا للمال مجانا بلا عوض. ثم إنه لا ينافي ما ذكرنا حكم الشارع بجواز أخذ الأجرة علي العمل بعد إيقاعه، كما أجاز للوصي أخذ اجرة المثل أو مقدار الكفاية، لأن هذا حكم شرعي، لا من باب المعاوضة. ثم لا فرق فيما ذكرناه بين التعبدي من الواجب و التوصلي، مضافا في التعبدي إلي ما تقدم من منافاة أخذ الأجرة علي العمل للإخلاص، كما نبهنا عليه سابقا و تقدم عن الفخر رحمه الله (4) و قرره عليه بعض من

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و في سائر النسخ: من.

(2) في ن، م، ع، ص و نسخة بدل ش: تعينيا.

(3) في ف: أكل.

(4) تقدم في الصفحة 133. (*)

*****ص 136*****

تأخر عنه (1) و منه يظهر عدم جواز أخذ الأجرة علي المندوب إذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب و أما الواجب التخييري، فإن كان توصليا فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة علي أحد فرديه بالخصوص بعد فرض كونه مشتملا علي نفع محلل للمستأجر و المفروض أنه محترم لا يقهر المكلف عليه، فجاز أخذ الأجرة بإزائه. فإذا تعين دفن الميت علي شخص و تردد الأمر بين حفر أحد موضعين، فاختار الولي أحدهما بالخصوص لصلابته أو لغرض آخر، فاستأجر ذلك لحفر ذلك الموضع بالخصوص، لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه، مقدمة للدفن و إن كان تعبديا، فإن

قلنا بكفاية الإخلاص بالقدر المشترك و إن كان إيجاد خصوص بعض الأفراد لداع غير الإخلاص، فهو كالتوصلي و إن قلنا بأن اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما في القصد، كان حكمه كالتعييني و أما الكفائي، فإن كان توصليا أمكن أخذ الأجرة علي إتيانه لأجل باذل الأجرة، فهو العامل في الحقيقة و إن كان تعبديا لم يجز الامتثال به و أخذ الأجرة عليه. نعم، يجوز النيابة إن كان مما يقبل النيابة، لكنه يخرج عن محل الكلام، لأن محل الكلام أخذ الأجرة علي ما هو واجب علي الأجير،

***** (هامش) ***** *

(1) و هو العلامة الطباطبائي في مصابيحه، كما تقدم في الصفحة 134. (*)

*****ص 137*****

لا علي النيابة فيما هو واجب علي المستأجر، فافهم. ثم إنه قد يفهم من أدلة وجوب الشيء كفاية كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين، فكل من أقدم عليه فقد أدي حق ذلك المخلوق، فلا يجوز له أخذ الأجرة منه و لا من غيره ممن وجب عليه أيضا كفاية و لعل من هذا القبيل تجهيز الميت و إنقاذ الغريق، بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك. ثم إن هنا إشكالا مشهورا و هو أن الصناعات التي يتوقف النظام عليها تجب كفاية، لوجوب إقامة النظام، بل قد يتعين بعضها علي بعض المكلفين عند انحصار المكلف القادر فيه، مع أن جواز أخذ الأجرة عليها مما لا كلام لهم فيه و كذا يلزم أن يحرم علي الطبيب أخذ الأجرة علي الطبابة، لوجوبها عليه كفاية، أو عينا كالفقاهة و قد تفصي منه (1) بوجوه (2) : أحدها - الالتزام بخروج ذلك بالاجماع و السيرة القطعيين. الثاني - الالتزام بجواز (3) أخذ الأجرة علي الواجبات إذا لم

تكن تعبدية و قد حكاه في المصابيح عن جماعة (4) و هو ظاهر كل من جوز أخذ الأجرة علي القضاء بقول مطلق يشمل (5) صورة تعينه عليه،

***** (هامش) ***** *

(1) في ف: عنها و في ن، خ، م، ع و ص: منها.

(2) انظر مجمع الفائدة 8: 89.

(3) في ف: التزام جواز.

(4) المصابيح (مخطوط) : 59.

(5) في ف: ليشمل. (*)

*****ص 138*****

كما تقدم حكايته في الشرائع و المختلف عن بعض (1) و فيه: ما تقدم سابقا (2) من أن الأقوي عدم جواز أخذ الأجرة عليه. الثالث - ما عن المحقق الثاني من اختصاص جواز الأخذ بصورة قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ واجبا (3) و فيه: أن ظاهر العمل و الفتوي جواز الأخذ و لو مع بقاء الوجوب الكفائي، بل و مع (4) وجوبه عينا للانحصار. الرابع - ما في مفتاح الكرامة من أن المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها، كأحكام الموتي و تعليم الفقه، دون ما يجب لغيره كالصنائع (5) و فيه: أن هذا التخصيص إن كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم أو عنوانات كلامهم، فهو خلاف الموجود منها و إن كان لدليل (6) يقتضي الفرق فلا بد من بيانه. الخامس - أن المنع عن أخذ الأجرة علي الصناعات الواجبة لإقامة النظام يوجب اختلال النظام، لوقوع أكثر الناس في المعصية

***** (هامش) ***** *

(1) تقدم في الصفحة 132.

(2) في الصفحة 135.

(3) جامع المقاصد 7: 182.

(4) في ش: بل مع.

(5) مفتاح الكرامة 4: 85 و 92.

(6) كذا في ف و ن و في سائر النسخ: الدليل. (*)

*****ص 139*****

بتركها أو ترك الشاق منها و الالتزام بالأسهل، فإنهم لا يرغبون في الصناعات الشاقة أو الدقيقة إلا طمعا في الأجرة و زيادتها

علي ما يبذل لغيرها من الصناعات، فتسويغ أخذ الأجرة عليها لطف في التكليف بإقامة النظام و فيه: أن المشاهد بالوجدان أن اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها ناش عن الدواعي الاخر غير زيادة الأجرة، مثل عدم قابليته لغير ما يختار، أو عدم ميله إليه، أو عدم كونه شاقا عليه، لكونه ممن نشأ في تحمل المشقة، ألا تري أن أغلب الصنائع الشاقة من الكفائيات كالفلاحة و الحرث و الحصاد و شبه ذلك لا تزيد اجرتها علي الأعمال السهلة؟ السادس - أن الوجوب في هذه الامور مشروط بالعوض. قال بعض الأساطين - بعد ذكر ما يدل علي المنع عن أخذ الأجرة علي الواجب - : أما ما كان واجبا مشروطا فليس بواجب قبل حصول الشرط، فتعلق الإجارة به قبله لا مانع منه و لو كانت هي الشرط في وجوبه، فكل ما وجب كفاية من حرف و صناعات لم تجب إلا بشرط العوض بإجارة أو جعالة أو نحوهما، فلا فرق بين وجوبها العيني، للانحصار و وجوبها الكفائي، لتأخر (1) الوجوب عنها و عدمه قبلها، كما أن بذل الطعام و الشراب للمضطر إن بقي علي الكفاية أو تعين يستحق (2) فيه أخذ العوض علي الأصح، لأن وجوبه مشروط، بخلاف

***** (هامش) ***** *

(1) في ن، خ، م، ع و ص: لتأخير.

(2) في ف: فيستحق. (*)

*****ص 140*****

ما وجب مطلقا بالأصالة كالنفقات، أو بالعارض كالمنذور و نحوه (1)، انتهي كلامه رفع مقامه و فيه: أن وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض، لأنه لإقامة النظام التي هي من الواجبات المطلقة، فإن الطبابة و الفصد و الحجامة و غيرها - مما يتوقف عليه بقاء الحياة في بعض الأوقات - واجبة، بذل له العوض أم

لم يبذل. السابع - أن وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها و إنما ثبت من حيث الأمر بإقامة النظام و إقامة النظام غير متوقفة علي العمل تبرعا، بل تحصل به و بالعمل بالأجرة، فالذي يجب علي الطبيب لأجل إحياء النفس و إقامة النظام هو بذل نفسه للعمل، لا بشرط التبرع به، بل له أن يتبرع به و له (2) أن يطلب الأجرة و حينئذ فإن بذل المريض الأجرة وجب عليه العلاج و إن لم يبذل الأجرة - و المفروض أداء ترك العلاج إلي الهلاك - أجبره الحاكم حسبة علي بذل الأجرة للطبيب و إن كان المريض مغمي عليه دفع عنه وليه و إلا جاز للطبيب العمل بقصد الأجرة فيستحق الأجرة في ماله و إن لم يكن له مال ففي ذمته، فيؤدي في حياته أو بعد مماته من الزكاة أو غيرها و بالجملة، فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه، بناء علي المشهور و أما ما امر به من باب إقامة النظام، فإقامة النظام تحصل ببذل النفس

***** (هامش) ***** *

(1) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 27.

(2) لم ترد له في ف. (*)

*****ص 141*****

للعمل به في الجملة و أما العمل تبرعا فلا و حينئذ فيجوز طلب الأجرة من المعمول له إذا كان أهلا للطلب منه و قصدها إذا لم يكن ممن يطلب منه، كالغائب الذي يعمل في ماله عمل لدفع الهلاك عنه و كالمريض المغمي عليه و فيه: أنه إذا فرض وجوب إحياء النفس و وجوب (1) العلاج، لكونه (2) مقدمة له، فأخذ الأجرة عليه غير جائز. فالتحقيق علي ما ذكرنا سابقا (3) : أن

الواجب إذا كان عينيا تعينيا (4) لم يجز أخذ الأجرة عليه و لو كان من الصناعات، فلا يجوز للطبيب أخذ الأجرة علي بيان الدواء أو تشخيص الداء (5) و أما أخذ الوصي الأجرة علي تولي أموال الطفل الموصي عليه، الشامل بإطلاقه لصورة تعين العمل عليه، فهو من جهة الإجماع و النصوص المستفيضة علي أن له أن يأخذ شيئا (6) و إنما وقع الخلاف في تعيينه، فذهب جماعة

***** (هامش) ***** *

(1) في ش و مصححة ن: و وجب.

(2) كذا في ش و مصححة ن و في ف، خ، م، ع و ص: كونه و لكن شطب عليها في ص.

(3) في الصفحة 135.

(4) في نسخة بدل ص: تعيينيا.

(5) في خ، م، ع و ص: أو بعد تشخيص الداء، لكن شطب في ص علي أو و في خ كتب فوق أو بعد تشخيص الداء: خ ل.

(6) راجع الوسائل 12: 184، الباب 72 من أبواب ما يكتسب به و غيره من الأبواب. (*)

*****ص 142*****

إلي أن له اجرة المثل (1)، حملا للأخبار علي ذلك و لأنه إذا فرض احترام عمله بالنص و الاجماع فلا بد من كون العوض اجرة المثل و بالجملة، فملاحظة النصوص و الفتاوي في تلك المسألة ترشد إلي خروجها عما نحن فيه و أما باذل المال للمضطر فهو إنما يرجع بعوض المبذول، لا باجرة البذل، فلا يرد نقضا في المسألة و أما رجوع الام المرضعة بعوض إرضاع اللبأ مع وجوبه عليها - بناء علي توقف حياة الولد عليه - فهو إما من قبيل بذل المال للمضطر و إما من قبيل رجوع الوصي باجرة المثل من جهة عموم آية (2) : * (فإن أرضعن لكم فآتوهن اجورهن) *

(3)، فافهم و إن كان كفائيا جاز الاستئجار عليه، فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه، عنه و عن غيره و إن لم يحصل الامتثال و من هذا الباب أخذ الطبيب الأجرة علي حضوره عند المريض إذا تعين عليه علاجه، فإن العلاج و إن كان معينا عليه، إلا أن الجمع بينه و بين المريض مقدمة للعلاج واجب كفائي بينه و بين أولياء المريض، فحضوره أداء للواجب الكفائي كإحضار الأولياء، إلا أنه لا بأس بأخذ الأجرة عليه.

***** (هامش) ***** *

(1) كالشيخ في النهاية: 362 و المحقق في الشرائع 2: 258 و العلامة في القواعد 1: 355 و الشهيد في الدروس 2: 327 و اللمعة: 181.

(2) في غير ش: الآية.

(3) الطلاق: 6. (*)

*****ص 143*****

نعم، يستثني من الواجب الكفائي ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقا للغير يستحقه من المكلف، كما قد يدعي (1) أن الظاهر من أدلة وجوب تجهيز الميت أن للميت حقا علي الأحياء في التجهيز، فكل من فعل شيئا منه في الخارج فقد أدي حق الميت، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه و كذا تعليم الجاهل أحكام عباداته الواجبة عليه و ما يحتاج إليه، كصيغة النكاح و نحوها، لكن تعيين هذا يحتاج إلي لطف قريحة. هذا تمام الكلام في أخذ الأجرة علي الواجب و أما الحرام فقد عرفت عدم جواز أخذ الأجرة عليه (2) و أما المكروه و المباح فلا إشكال في جواز أخذ الأجرة عليهما و أما المستحب - و المراد منه ما كان له نفع قابل لأن يرجع إلي المستأجر، لتصح الإجارة من هذه الجهة - فهو بوصف كونه مستحبا علي المكلف لا يجوز أخذ الأجرة عليه، لأن الموجود من هذا الفعل في الخارج لا

يتصف بالاستحباب إلا مع الاخلاص الذي ينافيه إتيان الفعل، لاستحقاق المستأجر إياه، كما تقدم في الواجب (3) و حينئذ، فإن كان حصول النفع المذكور منه متوقفا علي نية القربة لم يجز أخذ الأجرة عليه، كما إذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدي به، لأن المفروض بعد الإجارة عدم تحقق الإخلاص و المفروض مع

***** (هامش) ***** *

(1) لم نقف عليه.

(2) في ف: عدم جواز الأخذ عليه.

(3) تقدم في الصفحة 127 - 128. (*)

*****ص 144*****

عدم تحقق الإخلاص عدم حصول نفع منه عائد إلي المستأجر و ما يخرج بالإجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به لم يجز الاستئجار عليه و من هذا القبيل الاستئجار علي العبادة لله تعالي أصالة، لا نيابة و إهداء ثوابها إلي المستأجر، فإن ثبوت الثواب للعامل موقوف علي قصد الإخلاص المنفي مع الإجارة و إن كان حصول النفع غير متوقف علي الإخلاص جاز الاستئجار عليه كبناء المساجد و إعانة المحاويج، فإن من بني لغيره مسجدا عاد إلي الغير نفع بناء المسجد - و هو ثوابه - و إن لم يقصد البناء من عمله إلا أخذ الأجرة و كذا من استأجر غيره لإعانة المحاويج و المشي في حوائجهم، فإن الماشي لا يقصد إلا الأجرة، إلا أن نفع المشي عائد إلي المستأجر و من هذا القبيل استئجار الشخص للنيابة عنه في العبادات التي تقبل النيابة، كالحج و الزيارة و نحوهما، فإن نيابة الشخص عن غيره في ما ذكر و إن كانت مستحبة (1) إلا أن ترتب الثواب للمنوب عنه و حصول هذا النفع له لا يتوقف علي قصد النائب الإخلاص في نيابته، بل متي جعل نفسه بمنزلة الغير و عمل العمل بقصد التقرب الذي هو تقرب المنوب

عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه، سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الإخلاص في امتثال أوامر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت إليها أصلا و لم يعلم به وجودها، فضلا عن أن يقصد امتثالها. ألا تري أن أكثر العوام الذين يعملون الخيرات لأمواتهم

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في مصححة ص و في غيرها: و إن كان مستحبا. (*)

*****ص 145*****

لا يعلمون ثبوت (1) الثواب لأنفسهم في هذه النيابة، بل يتخيل (2) النيابة مجرد إحسان إلي الميت لا يعود نفع منه إلي نفسه (3) و التقرب الذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا، هو تقرب المنوب عنه، لا تقرب النائب، فيجوز أن ينوب لأجل مجرد استحقاق الأجرة عن فلان، بأن ينزل نفسه منزلته في إتيان الفعل قربة إلي الله، ثم إذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الإجارة فالأجير غير متقرب في نيابته، لأن الفرض عدم علمه أحيانا بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب، لكنه متقرب بعد جعل نفسه نائبا عن غيره، فهو متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير، فالتقرب يحصل للغير. فإن قلت: الموجود في الخارج من الأجير ليس إلا الصلاة عن الميت مثلا و هذا هو (4) متعلق الإجارة و النيابة، فإن لم يمكن الإخلاص في متعلق الإجارة لم يترتب علي تلك الصلاة نفع للميت و إن أمكن لم يناف الإخلاص لأخذ الأجرة (5) كما ادعيت و ليست النيابة عن الميت في الصلاة المتقرب بها إلي الله تعالي شيئا و نفس الصلاة شيئا آخر حتي يكون الأول متعلقا للإجارة و الثاني موردا للإخلاص. قلت: القربة المانع اعتبارها عن (6) تعلق الإجارة، هي المعتبرة في

***** (هامش) ***** *

(1) في ف: بثبوت.

(2) في نسخة

بدل ش: يتخيلون و هو الأنسب.

(3) كذا في النسخ و الأنسب: إلي أنفسهم.

(4) لم ترد هو في غير ف.

(5) في ش و مصححة ن: و إن أمكن الإخلاص لم يناف لأخذ الأجرة.

(6) كذا في ف و في سائر النسخ: من. (*)

*****ص 146*****

نفس متعلق الإجارة و إن اتحد خارجا مع ما لا يعتبر (1) فيه القربة ممالا (2) يكون متعلقا للإجارة، فالصلاة الموجودة في الخارج علي جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنها نيابة عن الغير و بهذا الاعتبار ينقسم في حقه إلي المباح و الراجح و المرجوح و فعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب - يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال - و بهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية و الاخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة و الإجارة تتعلق به بالاعتبار الأول و التقرب بالاعتبار الثاني، فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان، نيابة صادرة عن الأجير النائب، فيقال: ناب عن فلان و فعل كأنه صادر عن المنوب عنه، فيمكن أن يقال علي سبيل المجاز: صلي فلان و لا يمكن أن يقال: ناب فلان، فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستئجار علي الأول الذي لا يعتبر فيه القربة و قد ظهر مما قررناه وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوي (3) و عملا من جواز الاستئجار علي العبادات للميت و أن الاستشكال في ذلك بمنافاة ذلك لاعتبار التقرب فيها ممكن الدفع، خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستئجار للحج (4).

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ص و ش و في غيرهما: ما يعتبر.

(2) كلمة لا مشطوب عليها في ص.

(3) راجع القواعد 1: 228 و

الذكري: 75 و جامع المقاصد 7: 152 و 153 و مفتاح الكرامة 7: 164.

(4) الوسائل 8: 115، الباب الأول من أبواب النيابة في الحج. (*)

*****ص 147*****

و دعوي خروجه بالنص فاسدة، لأن مرجعها إلي عدم اعتبار القربة في الحج و أضعف منها: دعوي أن الاستئجار علي المقدمات، كما لا يخفي، مع أن ظاهر ما ورد في استئجار مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده اسماعيل (1) كون الإجارة علي نفس الأفعال. ثم اعلم أنه كما لا يستحق الغير بالإجارة ما وجب علي المكلف علي وجه العبادة، كذلك لا يؤتي علي وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالإجارة، فلو استؤجر لإطافة صبي أو مغمي عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه، كما صرح به في المختلف (2)، بل و كذلك لو استؤجر (3) لحمل غيره في الطواف، كما صرح به جماعة (4) تبعا للإسكافي (5)، لأن المستأجر يستحق الحركة المخصوصة عليه، لكن ظاهر جماعة جواز الاحتساب في هذه الصورة، لأن استحقاق الحمل غير استحقاق الإطافة به كما لو استؤجر لحمل متاع و في المسألة أقوال: قال في الشرائع: و لو حمله حامل في الطواف أمكن أن يحتسب

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 8: 115، الباب الأول من أبواب النيابة في الحج، الحديث الأول.

(2) المختلف 4: 186.

(3) كذا في ن و في ش: بل كذلك لو استؤجر و في سائر النسخ: بل لو استؤجر.

(4) لم نعثر علي المصرح بعدم الاحتساب مطلقا.

(5) انظر المختلف 4: 185. (*)

*****ص 148*****

كل منهما طوافه عن نفسه (1)، انتهي و قال في المسالك: هذا إذا كان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو كان مستأجرا للحمل في طوافه، أما لو استؤجر للحمل مطلقا لم يحتسب

للحامل، لأن الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره، فلا يجوز صرفها إلي نفسه و في المسألة أقوال هذا أجودها (2)، انتهي و أشار بالأقوال إلي القول بجواز الاحتساب مطلقا، كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد (3) علي إشكال و القول الآخر: ما في الدروس، من أنه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجره للحمل لا في طوافه (4)، انتهي و الثالث - ما ذكره في المسالك من التفصيل (5) و الرابع - ما ذكره بعض محشي الشرائع (6) من استثناء صورة الاستئجار علي الحمل.

***** (هامش) ***** *

(1) الشرائع 1: 233.

(2) المسالك 2: 177.

(3) انظر القواعد 1: 411.

(4) الدروس 1: 322.

(5) المتقدم في الصفحة السابقة.

(6) لم نقف عليه و لعله يشير إلي ما ذكره الشهيد الثاني في حاشيته علي الشرائع (مخطوط) : 182، أو المحقق الكركي في حاشيته علي الشرائع (مخطوط) : 70. (*)

*****ص 149*****

و الخامس - الفرق بين الاستئجار للطواف به و بين الاستئجار لحمله في الطواف و هو ما اختاره في المختلف (1) و بني فخر الدين في الإيضاح جواز الاحتساب في صورة الاستئجار للحمل - التي استشكل و الده رحمه الله فيها (2) - علي أن ضم نية التبرد إلي الوضوء قادح أم لا (3) ؟ و المسألة مورد نظر و إن كان ما تقدم من المسالك (4) لا يخلو عن وجه. ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه (5) من عدم جواز الاستئجار علي المستحب إذا كان من العبادات، أنه لا يجوز أخذ الأجرة علي أذان المكلف لصلاة نفسه إذا كان مما يرجع نفع منه إلي الغير يصح لأجله الاستئجار كالإعلام بدخول الوقت، أو الاجتزاء به في الصلاة و

كذا أذان المكلف للإعلام عند الأكثر كما عن الذكري (6) و علي الأشهر (7) كما في الروضة (8) و هو المشهور كما في المختلف (9) و مذهب الأصحاب

***** (هامش) ***** *

(1) المختلف 4: 186.

(2) تقدم آنفا.

(3) إيضاح الفوائد 1: 278.

(4) في الصفحة السابقة.

(5) في الصفحة 143.

(6) الذكري: 173.

(7) كذا في ف و في سائر النسخ: الأشبه.

(8) الروضة البهية 3: 217.

(9) المختلف 2: 134. (*)

*****ص 150*****

إلا من شذ، كما عنه (1) و عن جامع المقاصد (2) و بالاجماع كما عن محكي الخلاف (3)، بناء علي أنها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله فلا يجوز أن يستحقها الغير و في رواية زيد بن علي (4) عن آبائه عن علي عليه السلام : أنه أتاه رجل، فقال له: و الله إني احبك لله، فقال له: لكني ابغضك لله، قال: و لم؟ قال: لأنك تبغي في الأذان أجرا و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا (5) و في رواية حمران الواردة في فساد الدنيا و اضمحلال الدين و فيها قوله عليه السلام : و رأيت الأذان بالأجر (6) و الصلاة بالأجر (7) و يمكن أن يقال: إن مقتضي كونها عبادة عدم حصول الثواب إذا لم يتقرب بها، لا فساد الإجارة مع فرض كون العمل مما ينتفع به و إن لم يتقرب به.

***** (هامش) ***** *

(1) و (2) حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 274 - 275 و لم نقف عليه فيهما.

(3) الخلاف 1: 291، كتاب الصلاة، المسألة 36.

(4) كذا في ش و في سائر النسخ و المصادر الحديثية زيادة: عن أبيه.

(5) الوسائل 4: 666، الباب 38 من أبواب الأذان، الحديث 2، مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(6) كذا في ف

و ص و المصادر الحديثية و في سائر النسخ: بالأجرة.

(7) الوسائل 11: 518، الباب 41 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 6. (*)

*****ص 151*****

نعم، لو قلنا بأن الإعلام بدخول الوقت المستحب كفاية لا يتأتي بالأذان الذي لا يتقرب به، صح ما ذكر، لكن ليس كذلك و أما الرواية فضعيفة و من هنا استوجه الحكم بالكراهة في الذكري (1) و المدارك (2) و مجمع البرهان (3) و البحار (4) بعد أن حكي عن علم الهدي رحمه الله و لو اتضحت دلالة الروايات أمكن جبر سند الاولي بالشهرة، مع أن رواية حمران حسنة علي الظاهر بابن هاشم و من هنا (5) يظهر وجه (6) ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الأجرة علي الإمامة (7)، مضافا إلي موافقتها للقاعدة المتقدمة (8) من أن ما كان انتفاع الغير به موقوفا علي تحققه علي وجه الاخلاص لا يجوز (9) الاستئجار عليه، لأن شرط العمل المستأجر عليه قابلية إيقاعه لأجل استحقاق المستأجر له حتي يكون وفاءا بالعقد و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.

***** (هامش) ***** *

(1) الذكري: 173.

(2) المدارك 3: 276.

(3) مجمع الفائدة 8: 92.

(4) بحار الأنوار 84: 161.

(5) في مصححة ن: و منها.

(6) لم ترد وجه في ف، ن، ح، م و ع.

(7) راجع النهاية: 365 و السرائر 2: 217 و الشرائع 2: 11 و نهاية الإحكام 2: 474 و غيرها.

(8) راجع الصفحة 144.

(9) كذا في ص و في سائر النسخ: فلا يجوز. (*)

*****ص 152*****

ثم إن من الواجبات التي يحرم أخذ الأجرة عليها (1) عند المشهور تحمل الشهادة، بناء علي وجوبه كما هو أحد الأقوال في المسألة، لقوله تعالي: * (ولا يأب الشهداء إذا ما

دعوا) * (2) المفسر في الصحيح بالدعاء للتحمل (3) و كذلك أداء الشهادة، لوجوبه عينا أو كفاية و هو مع الوجوب العيني واضح و أما مع الوجوب الكفائي، فلأن المستفاد من أدلة الشهادة كون التحمل و الأداء حقا للمشهود له علي الشاهد، فالموجود في الخارج من الشاهد حق للمشهود له (4) لا يقابل بعوض، للزوم مقابلة حق الشخص بشئ من ماله، فيرجع إلي أكل المال بالباطل و منه يظهر أنه كما لا يجوز أخذ الأجرة من المشهود له، كذلك (5) لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية إذا استأجره لفائدة إسقاطها عن نفسه. ثم إنه لا فرق في حرمة الأجرة بين توقف التحمل أو الأداء علي قطع مسافة طويلة و عدمه. نعم، لو احتاج إلي بذل مال فالظاهر عدم وجوبه و لو أمكن إحضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة، فله أن يمتنع من الحضور و يطلب الإحضار.

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، خ، م و ع: عليه.

(2) البقرة: 282.

(3) الوسائل 18: 225، الباب الأول من أبواب الشهادات.

(4) لم ترد له في ف.

(5) لم ترد كذلك في ف. (*)

*****ص 153*****

بقي الكلام في شيء و هو أن كثيرا من الأصحاب (1) صرحوا في كثير من الواجبات و المستحبات (2) التي يحرم أخذ الأجرة عليها (3) بجواز ارتزاق مؤديها من بيت المال المعد لمصالح المسلمين و ليس المراد أخذ الأجرة أو الجعل من بيت المال، لأن ما دل علي تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال أو من غيره (4)، بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير يجب أداؤه إليه عينا أو كفاية، فيكون أكل المال بازائه أكلا له بالباطل، كان

(5) إعطاؤه العوض من بيت المال أولي بالحرمة، لأنه تضييع له و إعطاء مال المسلمين بازاء ما يستحقه المسلمون علي العامل. بل المراد أنه إذا قام المكلف بما يجب عليه كفاية أو عينا، مما يرجع إلي مصالح المؤمنين (6) و حقوقهم - كالقضاء و الإفتاء و الأذان و الإقامة و نحوها - و رأي ولي المسلمين المصلحة في تعيين شيء من بيت

***** (هامش) ***** *

(1) كالشيخ في المبسوط 8: 160 و الحلي في السرائر 1: 215 و 2: 217 و المحقق في الشرائع 2: 11 و 4: 69 و 70 و العلامة في القواعد 1: 121 و 2: 202 و الشهيد في الدروس 3: 172 و راجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4: 95 - 99. (2) في ف، ن، خ، م و ع: أو المستحبات. (3) في ن، خ، م و ع: عليهما. (4) في ص: و من غيره. (5) في م، ع و ص: كأنه و في خ: و كان و في هامش ص: كان. (6) في نسخة بدل ن، خ، م، ع، ص و ش: المسلمين. (*)

*****ص 154*****

المال له في اليوم أو الشهر أو السنة، من جهة قيامه بذلك الأمر، لكونه (1) فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته، فيعين (2) له ما يرفع حاجته و إن كان أزيد من اجرة المثل أو أقل منها (3) و لا فرق بين أن يكون تعيين الرزق له بعد القيام أو قبله، حتي أنه لو قيل له: إقض في البلد و أنا أكفيك مؤونتك من بيت المال جاز و لم يكن جعالة و كيف كان، فمقتضي القاعدة عدم جواز الارتزاق إلا مع الحاجة علي

وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المؤونة، فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة، غير جائز و يظهر من إطلاق جماعة (4) في باب القضاء خلاف ذلك، بل صرح غير واحد (5) بالجواز مع وجدان الكفاية.

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، خ، م، ع و ص: إما لكونه.

(2) في ف: فيتعين و في خ، م و ع: فتعين.

(3) في غير ش: منه.

(4) منهم الشيخ في المبسوط 8: 160 و الحلي في السرائر 2: 217 و المحقق في الشرائع 4: 69.

(5) منهم المحقق السبزواري في الكفاية: 262 و الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 285، لكن مع تقييدهما بصورة عدم التعين عليه و أما مع عدم التعين فقالا: بأن الأشهر المنع. (*)

*****ص 155*****

خاتمة: تشتمل علي مسائل

المسألة الأولي

صرح جماعة - كما عن النهاية (1) و السرائر (2) و التذكرة (3) و الدروس (4) و جامع المقاصد (5) - بحرمة بيع المصحف و المراد به - كما صرح به (6) في الدروس (7) - خطه و ظاهر المحكي عن نهاية الإحكام اشتهارها بين الصحابة، حيث تمسك علي الحرمة بمنع الصحابة (8) و عليه تدل ظواهر الأخبار المستفيضة: ففي موثقة سماعة: لا تبيعوا المصاحف، فإن بيعها حرام، قلت:

***** (هامش) ***** *

(1) النهاية: 368.

(2) السرائر 2: 218.

(3) التذكرة 1: 582.

(4) الدروس 3: 165.

(5) جامع المقاصد 4: 33.

(6) لم ترد به في غير ش.

(7) الدروس 3: 165.

(8) نهاية الإحكام 2: 472 و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 82. (*)

*****ص 156*****

فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و إياك أن تشتري منه الورق و فيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما و

علي من باعه حراما (1) و مضمرة عثمان بن عيسي، قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها (2) ؟ قال (3) : لا تشتر كلام الله و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفة و قل: أشتري منك هذا بكذا و كذا (4) و رواه في الكافي عن عثمان بن عيسي، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام (5) و رواية جراح المدائني في بيع المصاحف: قال: لا تبع الكتاب و لا تشتره و بع الورق و الأديم و الحديد (6) و رواية عبد الرحمن بن سيابة (7)، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 116، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11.

(2) لم ترد شراءها في ف، ن، خ، م و ع.

(3) في ص و هامش ش: فقال.

(4) الوسائل 12: 114، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3. مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(5) رواه في الكافي 5: 121، الحديث 2 و عنه في الوسائل 12: 114، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(6) الوسائل 12: 115، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(7) كذا في خ و ص و في ف، ن، م و ع: عبد الله بن سبابة و في ش: عبد الله بن سيابة و في نسخة بدل ص و الكافي: عبد الرحمان بن سليمان. (*)

*****ص 157*****

يقول: إن المصاحف لن تشتري، فإذا اشتريت فقل: إنما أشتري منك الورق و ما فيه من الأديم (1) و حليته و ما فيه من عمل يدك، بكذا و كذا (2) و ظاهر قوله عليه السلام : إن المصاحف لن تشتري أنها لا

(3) تدخل في ملك أحد علي وجه العوضية عما بذله من الثمن (4) و أنها أجل من ذلك و يشير إليه تعبير الإمام في بعض الأخبار ب كتاب الله و كلام الله (5)، الدال علي التعظيم و كيف كان، فالحكم في المسألة واضح بعد الأخبار و عمل من عرفت، حتي مثل الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الأخبار عن ظواهرها، مثل رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها. قال: إنما كان يوضع (6) عند القامة و المنبر. قال: و كان بين الحائط و المنبر قدر (7) ممر شاة أو رجل و هو (8) منحرف، فكان الرجل

***** (هامش) ***** *

(1) في ص و نسخة بدل الوسائل: من الأدم.

(2) الوسائل 12: 114، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(3) كذا في ش و مصححة ن، م و ع و في سائر النسخ: لن.

(4) لم ترد عبارة علي وجه - إلي - الثمن في ف.

(5) مثل مضمرة عثمان بن عيسي و رواية الكافي المتقدمتين آنفا.

(6) في ش: يوضع الورق.

(7) في ص و المصادر الحديثية: قيد.

(8) و هو من ش و المصدر. (*)

*****ص 158*****

يأتي فيكتب السورة (1) و يجئ آخر فيكتب السورة (2) كذلك كانوا، ثم إنهم (3) اشتروا بعد ذلك. قلت: فما تري في ذلك؟ قال: أشتريه أحب إلي من أن أبيعه (4) و مثله رواية روح بن عبد الرحيم (5) و زاد فيه: قلت: فما تري أن اعطي علي كتابته أجرا؟ قال: لا بأس و لكن هكذا كانوا يصنعون (6)، فإنها تدل علي جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين

بقوله: ثم إنهم اشتروا بعد ذلك و قوله: أشتريه أحب إلي من أن أبيعه و نفي البأس عن الاستئجار لكتابته، كما في أخبار اخر غيرها (7)، فيجوز تملك الكتابة بالأجرة، فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها و من القرطاس و غيرهما. لكن الإنصاف: أن لا دلالة فيها علي جواز اشتراء خط المصحف و إنما تدل علي أن تحصيل المصحف في الصدر الأول كان بمباشرة كتابته، ثم قصرت الهمم فلم يباشروها بأنفسهم و حصلو

***** (هامش) ***** *

(1) في ص و المصدر و نسخة بدل ش: البقرة.

(2) كذا في ف، ص و المصدر و في سائر النسخ زيادة: و يجئ آخر فيكتب السورة.

(3) كلمة إنهم من ش و المصدر و مصححة م و ص.

(4) الوسائل 12: 115، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

(5) في ف، ن، خ، م و ع: عبد الرحمن.

(6) الوسائل 12: 116، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9.

(7) الوسائل 12: 115 - 116، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الأحاديث 4، 12 و 13. (*)

*****ص 159*****

المصاحف بأموالهم شراء و استئجارا و لا دلالة فيها علي كيفية الشراء و أن الشراء و المعاوضة لا بد أن لا يقع إلا علي ما عدا الخط، من القرطاس و غيره و في بعض الروايات دلالة علي أن الأولي مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه أن يستكتب بلا شرط ثم يعطيه ما يرضيه، مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: إن ام عبد الله بنت الحسن (1) أرادت أن تكتب مصحفا فاشترت ورقا من عندها و دعت رجلا فكتب

لها علي غير شرط، فأعطته حين فرغ خمسين دينارا و أنه لم تبع المصاحف إلا حديثا (2) و مما يدل علي الجواز: رواية عنبسة الوراق، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني رجل أبيع المصاحف فإن نهيتني لم أبعها. قال: ألست تشتري ورقا و تكتب فيه؟ قلت: نعم (3) و اعالجها. قال: لا بأس بها (4) و هي و إن كانت ظاهرة في الجواز إلا أن ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع، في مقام الحاجة إلي البيان، فلا تعارض ما تقدم من الأخبار المتضمنة للبيان.

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، ن، خ، م، ع و ص: عبد الله بن الحارث.

(2) الوسائل 12: 116، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10.

(3) في ص و المصدر: بلي.

(4) الوسائل 12: 115، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5. (*)

*****ص 160*****

و كيف كان، فالأظهر في الأخبار (1) ما تقدم من الأساطين المتقدم إليهم الإشارة (2). بقي الكلام في المراد من حرمة البيع و الشراء، بعد فرض أن الكاتب للمصحف في الأوراق المملوكة مالك للأوراق و ما فيها من النقوش، فإن النقوش: إن لم تعد من الأعيان المملوكة (3)، بل من صفات المنقوش الذي (4) تتفاوت (5) قيمته به وجودها و عدمها، فلا حاجة إلي النهي عن بيع الخط، فإنه لا يقع بإزائه جزء من الثمن حتي يقع في حيز البيع و إن عدت من الأعيان المملوكة (6)، فإن فرض بقاؤها علي ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد، فيلزم شركته مع المشتري و هو خلاف الاتفاق و إن انتقلت إلي المشتري، فإن كان بجزء من العوض فهو البيع المنهي عنه، لأن بيع

المصحف المركب من الخط و غيره ليس إلا جعل جزء من الثمن بإزاء الخط و إن انتقلت إليه قهرا تبعا لغيرها (7)، لا بجزء (8) من

***** (هامش) ***** *

(1) في ص: الاختيار.

(2) راجع أول البحث عن بيع المصحف.

(3) في ش زيادة: عرفا.

(4) في خ و ع: صفات النقش التي و في م و ص: صفات المنقش التي.

(5) في غير ص: يتفاوت.

(6) في ش زيادة: عرفا.

(7) كذا في ص و في سائر النسخ: لغيره.

(8) كذا في ف و في سائر النسخ: لا لجزء. (*)

*****ص 161*****

العوض - نظير بعض ما يدخل في المبيع - فهو خلاف مقصود المتبايعين. مع أن هذا - كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد به وجود هذه النقوش فيه، لا الورق و النقوش، فإن النقوش (1) غير مملوكة بحكم الشارع - مجرد تكليف صوري، إذ لا أظن أن تعطل أحكام الملك، فلا تجري علي الخط المذكور إذا بنينا علي أنه ملك عرفا قد نهي عن المعاوضة عليه، بل الظاهر أنه إذا لم يقصد بالشراء إلا الجلد و الورق كان الخط باقيا علي ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة، فالظاهر أنه لا مناص من (2) التزام التكليف الصوري، أو يقال: إن الخط لا يدخل في الملك شرعا و إن دخل فيه عرفا، فتأمل و لأجل ما ذكرناه التجأ بعض (3) إلي الحكم بالكراهة و أولوية الاقتصار في المعاملة علي ذكر الجلد و الورق بترك إدخال الخط فيه احتراما و قد تعارف إلي الآن تسمية ثمن القرآن هدية. ثم إن المشهور بين العلامة رحمه الله و من تأخر عنه (4) عدم جواز بيع

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، ن، خ و ص: و إن النقوش و

في م و ع: و إن المنقوش.

(2) في غير ف: عن.

(3) هو العلامة الطباطبائي في مصابيحه (مخطوط) : 62 - 63 و تبعه صاحب الجواهر، انظر الجواهر 22: 128.

(4) انظر القواعد 1: 121 و إيضاح الفوائد 1: 407 و الدروس 3: 175 و جامع المقاصد 4: 33 و المسالك 3: 88. (*)

*****ص 162*****

المصحف من الكافر علي الوجه الذي يجوز بيعه (1) من المسلم و لعله لفحوي ما دل علي عدم تملك الكافر للمسلم (2) و أن الإسلام يعلو و لا يعلي عليه (3)، فإن الشيخ رحمه الله قد استدل به علي عدم تملك الكافر للمسلم (4) و من المعلوم أن ملك الكافر للمسلم إن كان علوا علي الإسلام فملكه للمصحف أشد علوا عليه و لذا لم يوجد هنا قول بتملكه واجباره علي البيع، كما قيل به في العبد المسلم (5) و حينئذ، فلو كفر المسلم انتقل مصحفه إلي وارثه و لو كان الوارث هو الإمام. هذا و لكن ذكر في المبسوط في باب الغنائم:

أن ما يوجد في دار الحرب من المصاحف و الكتب التي ليست بكتب الزندقة و الكفر داخل في الغنيمة و يجوز بيعها (6) و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف و إلا لم يكن وجه لدخولها في الغنيمة، بل كانت من مجهول المالك المسلم و إرادة غير القرآن من المصاحف بعيدة.

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد بيعه في ف.

(2) كقوله تعالي: * (ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا) * النساء: 141 و رواية حماد بن عيسي المروية في الوسائل 12: 282، الباب 28 من أبواب عقد البيع و الإجماع المدعي في الغنية (الجوامع الفقهية) : 523.

(3) الوسائل 17: 376، الباب الأول من

كتاب الفرائض و المواريث، الحديث 11.

(4) راجع المبسوط 2: 167 و 168.

(5) حكاه المحقق في الشرائع 2: 16 و لم نقف علي القائل به بعينه.

(6) المبسوط 2: 30. (*)

*****ص 163*****

و الظاهر أن أبعاض المصحف في حكم الكل إذا كانت مستقلة (1) و أما المتفرقة في تضاعيف غير التفاسير من الكتب، للاستشهاد بلفظها أو معناها (2)، فلا يبعد عدم اللحوق، لعدم تحقق الإهانة و العلو (3) و في إلحاق الأدعية المشتملة علي أسماء الله تعالي - كالجوشن الكبير - مطلقا، أو مع كون الكافر ملحدا بها دون المقر بالله المحترم لأسمائه، لعدم الإهانة و العلو، وجوه و في إلحاق الأحاديث النبوية بالقرآن وجهان، حكي الجزم بهما (4) عن الكركي و فخر الدين قدس سره ما و التردد بينهما (5) عن التذكرة (6) و علي اللحوق، فيلحق اسم النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم بطريق أولي، لأنه أعظم من كلامه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و حينئذ فيشكل أن يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة في زماننا، المكتوب عليها اسم النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم،

***** (هامش) ***** *

(1) في غير ص و ش: كان مستقلا.

(2) كذا في ص و في غيرها: بلفظه أو معناه.

(3) لم ترد و العلو في ش.

(4) كذا في ف و مصححتي ن و ص و في خ، م و ع: بها و في ش: به و الصحيح ما أثبتناه، لرجوع الضمير إلي الوجهين، حيث حكي السيد العاملي - في مفتاح الكرامة - القول بالتحريم عن المحقق الكركي و الجواز عن فخر الدين في شرح الإرشاد، انظر مفتاح الكرامة 4: 83 و حاشية الشرائع للمحقق الكركي (مخطوط)

: الورقة 97 و أما شرح الإرشاد فهو مخطوط و لا يوجد لدينا، نعم استقرب الكراهة في الإيضاح 1: 396.

(5) كذا في ن و ص و في ف: فيها و في سائر النسخ: بينها.

(6) انظر التذكرة 1: 463. (*)

*****ص 164*****

إلا أن يقال: إن المكتوب فيها غير مملوك عرفا و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث إنه اسمه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم جزء من الثمن، فهو كاسمه المبارك المكتوب علي سيف أو علي باب دار أو جدار، إلا أن يقال: إن مناط الحرمة التسليط، لا المعاوضة، بل و لا التمليك (1) و يشكل أيضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادي بمسه إياه (2) خصوصا مع الرطوبة.

***** (هامش) ***** *

(1) في ف: و لا التكسب.

(2) في ف: إياها. (*)

*****ص 165*****

المسألةالثانية

المسألةالثانية:

جوائز السلطان و عماله، بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا، لا يخلو عن أحوال: لأنه إما أن لا يعلم أن (1) في جملة أموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو (2) من ذلك المال و إما أن يعلم و علي الثاني: فإما أن لا يعلم أن ذلك المحرم أو شيئا منه هو (3) داخل في المأخوذ و إما أن يعلم ذلك و علي الثاني: فإما أن يعلم تفصيلا و إما أن يعلم إجمالا، فالصور أربع: أما الاولي، فلا إشكال فيها في جواز الأخذ و حلية التصرف، للأصل و الإجماع و الأخبار الآتية، لكن ربما يوهم بعض الأخبار أنه يشترط في حل مال الجائر ثبوت مال حلال له، مثل ما عن

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد أن في ش.

(2) شطب علي هو في ف و ن.

(3) شطب علي

هو في ن. (*)

*****ص 166*****

الاحتجاج عن الحميري، أنه كتب إلي صاحب الزمان عجل الله فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا (1) لما في يده و لا يتورع (2) عن (3) أخذ ماله، ربما نزلت في قرية (4) و هو فيها، أو أدخل (5) منزله و قد حضر طعامه، فيدعوني إليه، فإن لم آكل (6) عاداني عليه (7)، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه و أتصدق بصدقة؟ و كم مقدار الصدقة؟ و إن أهدي هذا الوكيل هدية إلي رجل آخر (8) فيدعوني إلي أن أنال منها و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل علي فيه (9) شيء إن أنا نلت منه؟ (10). الجواب: إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده،

***** (هامش) ***** *

(1) في الوسائل و نسخة بدل ش: مستحل.

(2) في المصدر و نسخة بدل ش: و لا يرع.

(3) في ف: من.

(4) في المصدر و ص: قريته.

(5) في خ: و أدخل.

(6) في المصدر و ص و نسخة بدل ش زيادة: من طعامه و في مصححة م:

طعامه.

(7) لم ترد عليه في غير ش.

(8) ورد في ف، ن، خ، م و ع بدل عبارة: و إن أهدي - إلي - آخر العبارة التالية: و إن أهدي إلي هذا الوكيل.

(9) لم ترد فيه في ف، خ، م و ع.

(10) عبارة: إن أنا نلت منه من ش و المصدر. (*)

*****ص 167*****

فاقبل بره (1) و إلا فلا (2)، بناء علي أن الشرط في الحلية هو وجود مال آخر، فإذا لم يعلم به لم يثبت الحل، لكن هذه الصورة قليلة (3) التحقق و أما الثانية، فإن كانت الشبهة

فيها غير محصورة، فحكمها كالصورة الاولي و كذا إذا كانت محصورة بين ما لا يبتلي المكلف به و بين ما من شأنه الابتلاء به، كما إذا علم أن الواحد المردد بين هذه الجائزة و بين ام ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب و ذلك لما تقرر في الشبهة المحصورة (4) من اشتراط (5) تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعي بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا لو فرض كونه هو المحرم الواقعي، لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفاؤه في أحدهما (6) في المثال، فإن التكليف - حينئذ (7) - غير منجز بالحرام الواقعي علي أي تقدير، لاحتمال كون المحرم في المثال هي ام الولد و توضيح المطلب في محله.

***** (هامش) ***** *

(1) في المصدر: فكل طعامه و أقبل بره.

(2) الاحتجاج 2: 306 و الوسائل 12: 160، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15.

(3) كذا في ص و في سائر النسخ: قليل.

(4) راجع فرائد الاصول: 419 (التنبيه الثالث).

(5) في ش زيادة: تنجز.

(6) شطب في ف علي عبارة: المفروض انتفاؤه في أحدهما و كتب بدله: إذا فرض عدم ابتلائه بأحدهما.

(7) من ف فقط. (*)

*****ص 168*****

ثم إنه صرح جماعة (1) بكراهة الأخذ و عن المنتهي (2) الاستدلال له باحتمال الحرمة و بمثل قولهم عليهم السلام (3) : دع ما يريبك (4) و قولهم:

من ترك الشبهات نجا من المحرمات … الخ (5) و ربما يزاد علي ذلك: بأن أخذ المال منهم يوجب محبتهم، فإن القلوب مجبولة علي حب من أحسن إليها و يترتب عليه (6) من المفاسد ما لا يخفي و في الصحيح: إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله

(7) و ما (8) عن الإمام الكاظم من (9) قوله عليه السلام : لولا أني أري من

***** (هامش) ***** *

(1) كالعلامة في المنتهي 2: 1026 و الشهيد الثاني في المسالك 3: 141 و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 86 و المحدث البحراني في الحدائق 18: 261 و السيد الطباطبائي في الرياض 1: 509 و السيد المجاهد في المناهل: 303.

(2) تقدم التخريج عنه.

(3) في ف: و لمثل قولهم و في ن: و بمثل قوله و في سائر النسخ: و لمثل قوله.

(4) الوسائل 18: 127، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 56.

(5) الوسائل 18: 114، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

(6) في ف علي ذلك.

(7) الوسائل 12: 129، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

(8) شطب علي ما في ف.

(9) شطب علي من في ف. (*)

*****ص 169*****

ازوجه بها (1) من عزاب آل (2) أبي طالب - لئلا ينقطع نسله - ما قبلتها (3) أبدا (4). ثم إنهم ذكروا ارتفاع الكراهة بامور: منها: إخبار المجيز بحليته (5)، بأن يقول: هذه الجائزة من تجارتي أو زراعتي، أو نحو ذلك مما يحل للآخذ التصرف فيه و ظاهر المحكي عن الرياض (6) تبعا لظاهر الحدائق (7) أنه مما لا خلاف فيه و اعترف ولده قدس سره في المناهل (8) بأنه لم يجد (9) له مستندا، مع أنه (10) لم يحك التصريح به إلا عن الأردبيلي (11)، ثم عن (12) العلامة الطباطبائي (13).

***** (هامش) ***** *

(1) من ش و المصدر.

(2) في المصدر و نسخة بدل ش: بني.

(3) كذا في ش و مصححة ن و المصدر و في سائر النسخ: ما قبلته.

(4) الوسائل 12: 159، الباب 51

من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11.

(5) في ش: بحلية.

(6) الرياض 1: 509 و حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 117.

(7) الحدائق 18: 261.

(8) المناهل: 303.

(9) كذا في ف و في غيرها: لم نجد.

(10) في ف شطب علي مع أنه و كتب فوقه: و.

(11) مجمع الفائدة 8: 86.

(12) في ف شطب علي ثم عن و كتب فوقه: و.

(13) حكاه السيد المجاهد في المناهل: 303. (*)

*****ص 170*****

و يمكن أن يكون المستند ما دل علي قبول قول (1) ذي اليد (2) فيعمل بقوله، كما لو قامت البينة علي تملكه و شبهة الحرمة و إن لم ترتفع بذلك، إلا أن الموجب للكراهة ليس مجرد الاحتمال و إلا لعمت (3) الكراهة أخذ المال من كل أحد، بل الموجب له: كون الظالم مظنة الظلم و الغصب و غير متورع عن المحارم، نظير كراهة سؤر من لا يتوقي النجاسة و هذا المعني يرتفع بإخباره، إلا إذا كان خبره ك يده مظنة للكذب، لكونه ظالما غاصبا، فيكون خبره حينئذ ك يده و تصرفه غير مفيد إلا للإباحة الظاهرية الغير المنافية للكراهة، فيخص (4) الحكم برفع الكراهة بما إذا كان مأمونا في خبره و قد صرح الأردبيلي قدس سره بهذا القيد في إخبار وكيله (5) و بذلك يندفع ما يقال (6) : من أنه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه و بين خبره، في كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط، فلا وجه لوجود الكراهة الناشئة عن حسن الاحتياط مع اليد و ارتفاعها مع الأخبار، فتأمل.

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد قول في ن و كتب عليها في خ: زائد.

(2) انظر الوسائل 18: 214، الباب 25

من أبواب كيفية الحكم و آداب القاضي.

(3) في ص: عمت.

(4) في مصححة ن و نسخة بدل ص و ش: فيختص.

(5) راجع مجمع الفائدة 8: 86.

(6) لم نقف علي القائل. (*)

*****ص 171*****

و منها: إخراج الخمس منه، حكي عن المنتهي (1) و المحقق الأردبيلي قدس سره (2) و ظاهر الرياض (3) هنا أيضا عدم الخلاف و لعله لما ذكر في المنتهي - في وجه استحباب إخراج الخمس من هذا المال - : من أن الخمس مطهر للمال المختلط يقينا بالحرام، فمحتمل الحرمة أولي بالطهر به (4)، فإن مقتضي الطهارة بالخمس صيرورة المال حلالا واقعيا، فلا يبقي حكم الشبهة كما لا يبقي في المال المختلط يقينا بعد إخراج الخمس. نعم (5)، يمكن الخدشة في أصل الاستدلال: بأن الخمس إنما يطهر المختلط بالحرام، حيث إن بعضه حرام و بعضه حلال، فكأن الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام، فمعني تطهيره تخليصه بإخراج الخمس مما فيه من الحرام، فكأن المقدار الحلال طاهر (6) في نفسه إلا أنه قد تلوث - بسبب الاختلاط مع الحرام (7) - بحكم الحرام و هو وجوب

***** (هامش) ***** *

(1) المنتهي 2: 1025.

(2) مجمع الفائدة 8: 87.

(3) الرياض 1: 509.

(4) كذا في ف و ن و في خ، م، ع و ص: بالطهرية و في ش: بالتطهير به.

(5) في نسخة بدل ش: لكن و شطب في ف علي نعم و كتب بدله: لكن.

(6) كذا في ف و في غيرها: فكان المقدار الحلال طاهرا.

(7) في هامش ص زيادة: فصار محكوما - صح. (*)

*****ص 172*****

الاجتناب، فإخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة (1) العرضية و أما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما و قذرا ذاتيا فلا معني لتطهره

(2) بإخراج خمسه، بل المناسب لحكم الأصل - حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية - كون الحرام قذر العين و لازمه أن المال المحتمل الحرمة غير قابل للتطهير فلا بد من الاجتناب عنه. نعم، يمكن أن يستأنس أو يستدل علي استحباب الخمس - بعد فتوي النهاية (3) التي هي كالرواية، ففيها (4) كفاية في الحكم بالاستحباب (5) و كذلك فتوي السرائر (6) مع عدم العمل فيها إلا بالقطعيات - بالموثقة المسؤول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام : لا، إلا أن لا يقدر علي شيء يأكل و يشرب (7) و لا يقدر علي حيلة (8) فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلي أهل البيت عليهم السلام (9)، فإن موردها و إن كان ما يقع في يده بإزاء العمل إلا أن الظاهر عدم الفرق بينه و بين ما يقع في اليد علي وجه الجائزة.

***** (هامش) ***** *

(1) في ن، خ، م و ع: القذرة.

(2) في ص و ش: لتطهيره.

(3) النهاية: 357 - 358.

(4) في ف: ففيه.

(5) عبارة في الحكم بالاستحباب مشطوب عليها في ف.

(6) السرائر 2: 203.

(7) في الوسائل: و لا يشرب.

(8) عبارة علي شيء - إلي - علي حيلة من ش و المصدر.

(9) الوسائل 12: 146، الباب 48 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3. (*)

*****ص 173*****

و يمكن أن يستدل له أيضا بما دل علي وجوب الخمس في الجائزة مطلقا و هي عدة أخبار مذكورة في محلها (1) و حيث إن المشهور غير قائلين بوجوب الخمس في الجائزة حملوا تلك الأخبار علي الاستحباب (2). ثم إن المستفاد مما تقدم (3) من اعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب

الطالبيين لئلا ينقطع نسلهم و من غيره: أن الكراهة ترتفع بكل مصلحة هي أهم في نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة و يمكن أن يكون اعتذاره عليه السلام إشارة إلي أنه لولا صرفها فيما يصرف فيه المظالم المردودة لما قبلها، فيجب أو ينبغي أن يأخذها ثم يصرفها في مصارفها (4) و هذه الفروع كلها بعد الفراغ عن إباحة أخذ الجائزة و المتفق عليه من صورها: صورة عدم العلم بالحرام في ماله أصلا، أو العلم

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 و 7.

(2) لم نجد التصريح به في كلمات الأصحاب، نعم مقتضي فتوي المشهور بعدم وجوب الخمس في الجوائز و الهدايا حمل تلك الأخبار علي الاستحباب، قال المحقق السبزواري قدس سره في الذخيرة (483) : المشهور بين الأصحاب وجوب الخمس في جميع أنواع التكسب: من تجارة و صناعة و زراعة و غير ذلك عدا الميراث و الصداق و الهبة و مثله في الحدائق 12: 351 و 352.

(3) في الصفحة 170 - 171.

(4) العبارة في غير ش هكذا: ثم يصرفها في مصارف الحرام، لكن شطب عليها في ف و ورد في هامش ن، م و ص بعد كلمة الحرام:

المجهول المالك - صح. (*)

*****ص 174*****

به وجود الحرام مع كون الشبهة غير محصورة، أو محصورة ملحقة بغير المحصورة، علي ما عرفت و إن كانت الشبهة محصورة بحيث تقتضي قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع، لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم إجمالا، فظاهر جماعة - المصرح به في المسالك و غيره - الحل و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا. قال في الشرائع: جوائز السلطان الظالم (1) إن علمت حراما بعينها

فهي حرام (2) و نحوه عن نهاية الإحكام (3) و الدروس (4) و غيرهما (5). قال في المسالك: التقييد بالعين إشارة إلي جواز أخذها و إن علم أن في ماله مظالم، كما هو مقتضي حال الظالم و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع، للنص علي ذلك (6)، انتهي. أقول: ليس في أخبار الباب ما يكون حاكما علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة، بل هي مطلقة أقصاها كونها من قبيل

***** (هامش) ***** *

(1) في ش: جوائز السلطان الجائر و في المصدر: جوائز الجائر.

(2) الشرائع 2: 12.

(3) نهاية الإحكام 2: 525.

(4) الدروس 3: 170.

(5) كالكفاية: 88 و الرياض 1: 509.

(6) المسالك 3: 141 و راجع النص في الوسائل 12: 156، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به. (*)

*****ص 175*****

قولهم عليهم السلام : كل شيء لك حلال (1)، أو كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال (2) و قد تقرر (3) حكومة قاعدة الاحتياط علي ذلك، فلا بد حينئذ من حمل الأخبار علي مورد لا تقتضي القاعدة لزوم الاجتناب عنه، كالشبهة الغير المحصورة أو المحصورة التي (4) لم يكن كل من محتملاتها (5) موردا لابتلاء المكلف، أو علي أن ما يتصرف فيه الجائر بالإعطاء يجوز أخذه، حملا لتصرفه علي الصحيح، أو لأن تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره (6)، من قبيل التردد بين ما ابتلي به المكلف و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه (7)، فلا يحرم قبول ما ملكه، لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه، فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي غير منجز عليه كما أشرنا إليه سابقا (8)،

***** (هامش)

***** *

(1) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 و فيه: هو لك حلال.

(2) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(3) انظر فرائد الاصول: 403.

(4) في غير ش: المحصور الذي.

(5) في غير ش: محتملاته.

(6) شطب في ف علي غيره و كتب بدله بخط مغاير لخط المتن: ما لم يعرضه الجائر لتمليكه.

(7) شطب في ف علي عبارة: و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه و كتب عليه في م، خ و ش: نسخة.

(8) في الصفحة 169. (*)

*****ص 176*****

فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة، كما إذا أراد أخذ شيء من ماله مقاصة، أو أذن له الجائر في أخذ شيء من أمواله علي سبيل التخيير (1)، أو علم أن المجيز قد أجازه من المال المختلط في اعتقاده بالحرام - بناء (2) علي أن اليد لا تؤثر في حل ما كلف (3) ظاهرا بالاجتناب عنه (4)، كما لو علمنا أن الشخص أعارنا أحد الثوبين المشتبهين في نظره، فإنه لا يحكم بطهارته - فالحكم في هذه الصور (5) بجواز أخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه (6) و طرح قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة في غاية الاشكال، بل الضعف. فلنذكر النصوص الواردة في هذا المقام و نتكلم في مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره (7) حتي يعلم عدم نهوضها للحكومة علي القاعدة. فمن الأخبار التي استدل بها في هذا المقام:

قوله عليه السلام : كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام منه بعينه

***** (هامش) ***** *

(1) وردت عبارة: أو أذن له - إلي - التخيير في خ، م، ع و ص بعد قوله:

أو علم أن المجيز قد أجازه.

(2) من ش و مصححة ن.

(3) كذا في ش و مصححة ف و ن و نسخة بدل ص و العبارة في خ، م، ع و ص هكذا: لا تؤثر فيه لما كلف.

(4) عنه من ش و مصححة ن.

(5) كذا في ش و مصححة ف و ن و في غيرها: الصورة.

(6) في نسخة بدل ش: عنه.

(7) بعد ذكره مشطوب عليها في ف. (*)

*****ص 177*****

فتدعه (1) و قوله عليه السلام : كل شيء لك حلال حتي تعرف الحرام منه بعينه (2) و لا يخفي أن المستند في المسألة لو كان مثل هذا لكان الواجب إما التزام أن القاعدة في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا، كما عليه شرذمة من متأخري المتأخرين (3)، أو أن مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الأصحاب و علي أي تقدير فهو علي طرف النقيض مما تقدم عن المسالك (4) و منها: صحيحة أبي ولاد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تري في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم و أنا أمر به و أنزل عليه فيضيفني و يحسن إلي و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: كل و خذ منها (5)، فلك المهنأ (6) و عليه الوزر (7) (8) و الاستدلال به علي المدعي لا يخلو عن نظر، لأن الاستشهاد إن

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(2) الوسائل 12: 60، نفس الباب، الحديث 4 و فيه: حتي تعلم أنه حرام بعينه.

(3) لم نقف عليهم.

(4) راجع الصفحة 176.

(5) في مصححة ص

و المصدر: منه.

(6) في نسخة بدل م و ش و نسخة بدل المصدر: الحظ.

(7) في غير ش زيادة: الخبر و الظاهر أنه لا حاجة إليه، لأن الخبر مذكور بتمامه.

(8) الوسائل 12: 156، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول. (*)

*****ص 178*****

كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز للسائل، فلا يخفي أن الظاهر من هذه الرواية و من غيرها من الروايات: حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له و أن العمل للسلطان من المكاسب المحرمة، فالحكم بالحل ليس إلا من حيث احتمال كون ما يعطي من غير أعيان ما يأخذه من السلطان، بل مما اقترضه أو اشتراه في الذمة و أما من حيث إن ما يقع من العامل بيد السائل لكونه من (1) مال السلطان حلال لمن وجده، فيتم الاستشهاد. لكن فيه - مع أن الاحتمال الأول مسقط للاستدلال علي حل المشتبه المحصور الذي تقضي (2) القاعدة لزوم الاحتياط فيه، لأن الاعتماد حينئذ علي اليد، كما لو فرض مثله في غير الظلمة - : أن الحكم بالحل علي هذا الاحتمال غير وجيه، إلا علي تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة، إذ لو كان من صلب مال السلطان أو غيره لم يتجه حله لغير المالك بغير رضاه، لأن المفروض حرمته علي العامل، لعدم احترام عمله و كيف كان، فالرواية إما من أدلة حل مال السلطان، المحمول (3) بحكم الغلبة إلي (4) الخراج و المقاسمة و إما من أدلة حل المال المأخوذ من المسلم، لاحتمال كون المعطي مالكا له و لا اختصاص له بالسلطان

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد من في ف.

(2) في مصححة ص: تقتضي.

(3) في خ:

المحمولة.

(4) في مصححة ن: علي. (*)

*****ص 179*****

أو عماله أو مطلق الظالم أو غيره و أين هذا من المطلب الذي هو حل ما في يد الجائر مع العلم إجمالا بحرمة بعضه، المقتضي مع حصر الشبهة للاجتناب عن جميعه؟ و مما ذكرنا يظهر الكلام في مصححة (1) أبي المغرا (2) : أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، قلت: و أحج بها؟ قال: (3) نعم و حج بها (4) و رواية محمد بن هشام:

أمر بالعامل فيصلني بالصلة (5) أقبلها؟ قال: نعم. قلت: و أحج بها (6) ؟ قال: نعم و (7) حج بها (8) (9) و رواية (10) محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام : جوائز السلطان ليس بها بأس (11).

***** (هامش) ***** *

(1) في م:

صحيحة.

(2) في ف، ع، ش و ظاهر ص: المعزا.

(3) عبارة نعم، قلت: و أحج بها؟ قال: من ش و المصدر.

(4) الوسائل 12: 156، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و ذيله.

(5) كذا في ش و مصححة م و في ف، ن، خ و ع: الصلة.

(6) في المصدر و مصححة ص: منها.

(7) عبارة نعم و من ش و مصححة م.

(8) في المصدر و مصححة ص: منها.

(9) الوسائل 12: 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(10) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: و أما رواية.

(11) الوسائل 12: 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 و الرواية مضمرة و فيها: جوائز العمال … (*)

*****ص 180*****

إلي غير ذلك من الإطلاقات التي لا تشمل من صورة العلم الإجمالي به وجود الحرام إلا الشبهة غير المحصورة و علي تقدير شمولها لصورة العلم

الإجمالي مع انحصار الشبهة، فلا تجدي، لأن الحل فيها مستند إلي تصرف الجائر بالإباحة و التمليك و هو محمول علي الصحيح، مع أنه لو اغمض النظر عن هذا أو رد بشمول (1) الأخبار لما إذا أجاز الجائر من المشتبهات في نظره بالشبهة المحصورة - و لا يجري هنا أصالة الصحة في تصرفه - يمكن (2) استناد الحل فيها إلي ما ذكرنا سابقا (3)، من أن تردد الحرام بين ما أباحه الجائر أو ملكه و بين ما بقي تحت يده من الأموال التي لا دخل فيها للشخص المجاز، تردد بين ما ابتلي به المكلف من المشتبهين و بين ما لم يبتل به و لا يجب الاجتناب حينئذ عن شيء منهما، من غير فرق بين هذه المسألة و غيرها من موارد الاشتباه، مع كون أحد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به. ثم لو فرض نص مطلق في حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين، لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة، كما لا ينهض ما تقدم من قولهم عليهم السلام : كل شيء حلال … الخ.

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: لشمول.

(2) كذا في ف، ش و مصححة ن و في مصححة ص: فيمكن و في سائر النسخ: و يمكن.

(3) في غير ش: ما ذكر سابقا. (*)

*****ص 181*****

و مما ذكرنا يظهر: أن إطلاق الجماعة (1) لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا: إن كان شاملا لصورة العلم الإجمالي به وجود حرام في الجائزة مردد بين هذا و بين غيره مع انحصار الشبهة، فهو مستند إلي حمل تصرفه علي الصحة أو

إلي عدم الاعتناء بالعلم الإجمالي، لعدم ابتلاء المكلف بالجميع، لا لكون هذه المسألة خارجة بالنص عن (2) حكم الشبهة المحصورة. نعم، قد يخدش في حمل تصرف الظالم علي الصحيح من حيث إنه مقدم علي التصرف فيما في يده من المال المشتمل علي الحرام علي وجه عدم المبالاة بالتصرف في الحرام، فهو كمن أقدم علي ما في يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام و لم يقل أحد بحمل تصرفه حينئذ علي الصحيح. لكن الظاهر أن هذه الخدشة غير مسموعة عند الأصحاب، فإنهم لا يعتبرون في الحمل علي الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام لكونه حراما، بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع اخر و أما عدم الحمل فيما إذا أقدم المتصرف علي الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده، فلفساد تصرفه في ظاهر الشرع، فلا يحمل علي الصحيح الواقعي، فتأمل، فإن المقام لا يخلو عن إشكال و علي أي تقدير، فلم يثبت من النص و لا الفتوي - مع اجتماع

***** (هامش) ***** *

(1) المتقدم ذكرهم في الصفحة 176.

(2) كذا في ف و نسخة بدل م و في سائر النسخ: من. (*)

*****ص 182*****

شرائط إعمال قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة - عدم وجوب الاجتناب في المقام و إلغاء (1) تلك القاعدة و أوضح ما في هذا الباب من عبارات الأصحاب ما في السرائر، حيث قال: إذا كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا إلا أنه غير متميز العين، بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها علي جهة الخراج، فلا بأس بشرائه منه و قبول صلته، لأنها صارت بمنزلة المستهلك، لأنه غير قادر علي ردها بعينها (2)، انتهي و قريب منها ظاهر عبارة النهاية

(3) بدون ذكر التعليل و لا ريب أن الحلي لم يستند في تجويز أخذ المال المردد إلي النص، بل إلي ما زعمه من القاعدة و لا يخفي عدم تماميتها (4)، إلا أن يريد به الشبهة الغير المحصورة بقرينة الاستهلاك، فتأمل (5). الصورة الثالثة: أن (6) يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه و لا إشكال (7) في حرمته حينئذ علي الآخذ (8)، إلا أن الكلام في حكمه إذا وقع في يده،

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: إبقاء.

(2) السرائر 2: 203.

(3) النهاية: 358.

(4) في ف: تمامها.

(5) لم ترد فتأمل في ف.

(6) وردت العبارة في ش هكذا: و أما الصورة الثالثة: فهو أن.

(7) في ش: فلا إشكال.

(8) العبارة في ف هكذا: و لا إشكال حينئذ في حرمته علي الآخذ. (*)

*****ص 183*****

فنقول: علمه بحرمته إما أن يكون قبل وقوعه في يده و إما أن يكون بعده. فإن كان قبله لم يجز له أن يأخذه بغير نية الرد إلي صاحبه، سواء أخذه اختيارا أو تقية، لأن أخذه بغير هذه النية (1) تصرف لم يعلم رضا صاحبه به و التقية تتأدي (2) بقصد الرد، فإن أخذه بغير هذه النية كان غاصبا ترتب عليه أحكامه و إن أخذه بنية الرد كان محسنا و كان في يده أمانة شرعية و إن كان العلم به بعد وقوعه في يده كان كذلك أيضا و يحتمل قويا الضمان هنا، لأنه أخذه بنية التملك، لا بنية الحفظ و الرد و مقتضي عموم علي اليد (3) الضمان و ظاهر المسالك عدم الضمان رأسا مع القبض جاهلا، قال: لأنه يد أمانة فيستصحب (4) و حكي موافقته عن العلامة الطباطبائي رحمه الله في

مصابيحه (5)، لكن المعروف من المسالك (6) و غيره (7) في مسألة ترتب الأيدي علي مال الغير، ضمان كل منهم و لو مع الجهل، غاية الأمر

***** (هامش) ***** *

(1) عبارة بغير هذه النية مشطوب عليها في ف ظاهرا.

(2) كذا في ن و ص و في ف، خ، م و ع: تنادي و في ش: تتنادي.

(3) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106 و الصفحة 389، الحديث 21.

(4) المسالك 3: 142.

(5) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 22: 179 و انظر المصابيح (مخطوط) : 55.

(6) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 205.

(7) راجع جامع المقاصد 6: 225. (*)

*****ص 184*****

رجوع الجاهل علي العالم إذا لم يقدم علي أخذه مضمونا و لا إشكال عندهم ظاهرا في أنه لو استمر جهل القابض المتهب إلي أن تلف في يده كان للمالك الرجوع عليه و لا رافع (1) يقينيا (2) لهذا المعني مع حصول العلم بكونه مال الغير، فيستصحب الضمان لا عدمه و ذكر في المسالك في من استودعه الغاصب مالا مغصوبا: أنه لا يرده إليه مع الإمكان و لو أخذه منه قهرا ففي الضمان نظر و الذي يقتضيه قواعد الغصب أن للمالك الرجوع علي أيهما شاء و إن كان قرار الضمان علي الغاصب (3)، انتهي و الظاهر أن مورد كلامه: ما إذا أخذ الودعي المال من الغاصب جهلا بغصبه ثم تبين له و هو الذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز أو تلف بغير تفريط و علي أي حال، فيجب علي المجاز رد الجائزة بعد العلم بغصبيتها (4) إلي مالكها أو وليه و الظاهر أنه لا خلاف في كونه فوريا (5). نعم، يسقط بإعلام صاحبه به و ظاهر أدلة وجوب أداء

الأمانة وجوب الإقباض و عدم كفاية التخلية، إلا أن يدعي أنها في مقام حرمة الحبس و وجوب التمكين، لا تكليف الأمين بالإقباض و من هن

***** (هامش) ***** *

(1) في ص: و لا دافع.

(2) من ش فقط.

(3) المسالك 5: 99 - 100.

(4) في ف: بغصبها.

(5) كذا في ف و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: ضامنا. (*)

*****ص 185*****

ذكر غير واحد (1) - كما عن التذكرة (2) و المسالك (3) و جامع المقاصد (4) - : أن المراد برد الأمانة رفع يده عنها و التخلية بينه و بينها و علي هذا فيشكل حملها إليه، لأنه تصرف لم يؤذن فيه، إلا إذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه أو أحفظ، فإن الظاهر جواز نقل الأمانة الشرعية من مكان إلي ما لا يكون أدون من الأول في الحفظ و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الإمكان، لتوقف الأداء الواجب - بمعني التمكين و عدم الحبس - علي الفحص، مضافا إلي الأمر به في الدين المجهول المالك (5)، ثم لو ادعاه مدع، ففي سماع قول من يدعيه مطلقا، لأنه لا معارض له، أو مع الوصف، تنزيلا له منزلة اللقطة، أو يعتبر الثبوت شرعا، للأصل، وجوه و يحتمل غير بعيد:

عدم وجوب الفحص، لإطلاق غير واحد من الأخبار (6) (7).

***** (هامش) ***** *

(1) راجع الحدائق 21: 426 و الرياض 1: 622 و الكفاية: 133 و غيرها.

(2) التذكرة 2: 205.

(3) المسالك 5: 97.

(4) جامع المقاصد 6: 43.

(5) راجع الوسائل 17: 583، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثي و ما أشبهه، الحديث 1 و 2.

(6) راجع الوسائل 12: 144، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول و 17: 357، الباب

7 من أبواب اللقطة، الحديث 2.

(7) في هامش ف زيادة عبارة: و إمكان الفرق بينه و بين الدين و الظاهر أن محلها بعد قوله: … من الأخبار. (*)

*****ص 186*****

ثم إن المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه في تعريف اللقطة (1) و لو احتاج الفحص إلي بذل مال، كاجرة دلال صائح عليه، فالظاهر عدم وجوبه علي الآخذ (2)، بل يتولاه الحاكم ولاية عن صاحبه و يخرج من (3) العين اجرة الدلال ثم يتصدق بالباقي إن لم يوجد (4) صاحبه و يحتمل وجوبه عليه، لتوقف الواجب عليه و ذكر جماعة (5) في اللقطة: أن اجرة التعريف علي الواجد، لكن حكي عن التذكرة: أنه إن قصد الحفظ دائما يرجع أمره إلي الحاكم، ليبذل اجرته من بيت المال، أو يستقرض علي المالك، أو يبيع بعضها إن رآه أصلح (6) و استوجه ذلك جامع المقاصد (7). ثم إن الفحص لا يتقيد بالسنة، علي ما ذكره الأكثر هنا (8)، بل حده اليأس و هو مقتضي الأصل، إلا أن المشهور - كما في

***** (هامش) ***** *

(1) راجع مفتاح الكرامة 6: 160 و الجواهر 38: 359 - 361.

(2) في غير ش: الواجد.

(3) كذا في ف و ن و في غيرهما: عن.

(4) في نسخة بدل ص: يجد.

(5) منهم العلامة في القواعد 1: 198 و الشهيد في الدروس 3: 89 و السبزواري في الكفاية: 238.

(6) التذكرة 2: 258.

(7) جامع المقاصد 6: 162.

(8) لم نعثر علي مصرح بهذا و لعله يظهر من إطلاق من أوجب الاجتهاد، كما استظهره في المناهل: 305، راجع: السرائر 2: 203 و المنتهي 2: 1027. (*)

*****ص 187*****

جامع المقاصد (1) - علي أنه إذا أودع الغاصب مال الغصب لم يجز الرد

إليه، بل يجب رده إلي (2) مالكه، فإن جهل عرف سنة ثم يتصدق به عنه مع الضمان و به رواية حفص بن غياث، لكن موردها في من أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم، فهل يرد عليه؟ فقال: لا يرد (3)، فإن أمكنه أن يرده علي صاحبه فعل و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه (4) و إلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيره (5) بين الغرم و الأجر، فإن اختار الأجر فالأجر له (6) و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له (7) (8) و قد (9) تعدي الأصحاب من اللص إلي مطلق الغاصب، بل الظالم (10) و لم يتعدوا من الوديعة المجهول مالكها إلي مطلق ما يعطيه الغاصب و لو بعنوان غير الوديعة، كما فيما نحن فيه.

***** (هامش) ***** *

(1) جامع المقاصد 6: 46.

(2) في ف: علي.

(3) في ص: يردها.

(4) عبارة ردها عليه من ص و المصدر.

(5) كذا في ص و المصدر و في سائر النسخ: خير.

(6) في ص و المصدر: فله الأجر.

(7) في غير ص و ش زيادة: الخبر.

(8) الوسائل 17: 368، الباب 18 من أبواب اللقطة.

(9) في ش: و قد تقدم.

(10) عبارة بل الظالم من ش و مصححة ن. (*)

*****ص 188*****

نعم، ذكر في السرائر - في ما نحن فيه - : أنه روي: أنه بمنزلة اللقطة (1)، ففهم التعدي من الرواية و ذكر في التحرير: أن إجراء حكم اللقطة في ما نحن فيه ليس ببعيد (2)، كما أنه عكس في النهاية و السرائر (3)، فألحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك (4) و الإنصاف: أن الرواية يعمل بها

في الوديعة أو مطلق ما اخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك، لا مطلق ما اخذ منه حتي لمصلحة الآخذ، فإن الأقوي فيه تحديد التعريف فيه باليأس، للأصل بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه. مضافا إلي ما ورد من الأمر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة المالك، كما في الرواية الواردة في بعض عمال بني امية - لعنهم الله - من الأمر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع في يده من أموال الناس بغير حق (5). ثم الحكم بالصدقة هو المشهور في ما نحن فيه، أعني جوائز الظالم و نسبه في السرائر (6) إلي رواية أصحابنا، فهي مرسلة مجبورة

***** (هامش) ***** *

(1) السرائر 2: 204.

(2) التحرير 1: 163.

(3) في ش، ع و م ورد الرمز هكذا: ير.

(4) النهاية: 436 و السرائر 2: 204 - 205 و 435.

(5) الوسائل 12: 144، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(6) السرائر 2: 204. (*)

*****ص 189*****

بالشهرة المحققة، مؤيدة بأن التصدق أقرب طرق الإيصال و ما ذكره الحلي (1) : من إبقائها أمانة في يده و الوصية (2)، معرض المال (3) للتلف، مع أنه لا يبعد دعوي شهادة حال المالك، للقطع برضاه بانتفاعه بماله في الآخرة علي تقدير عدم انتفاعه به في الدنيا. هذا و العمدة: ما أرسله في السرائر (4)، مؤيدا بأخبار اللقطة (5) و ما في حكمها (6) و ببعض الأخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمال بني امية، الشامل بإطلاقها (7) لما نحن فيه من جوائز بني امية، حيث قال عليه السلام له (8) : اخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من

لم تعرف تصدقت (9) و يؤيده أيضا: الأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين من أجزاء النقدين (10) و ما ورد من الأمر بالتصدق بغلة الوقف المجهول أربابه (11)،

***** (هامش) ***** *

(1) في السرائر 2: 204.

(2) كذا و المناسب: و الوصية بها.

(3) في ش: للمال.

(4) السرائر 2: 204.

(5) الوسائل 17: 349 و 389، الباب 2 و 18 من أبواب اللقطة.

(6) في ش و مصححة ن: و ما في منزلتها.

(7) في نسخة بدل ص: بإطلاقه.

(8) في ع و ش: قال له عليه السلام.

(9) الوسائل 12: 144، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(10) الوسائل 12: 484، الباب 16 من أبواب الصرف، الحديث 1 و 2.

(11) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث الأول. (*)

*****ص 190*****

و ما ورد من الأمر بالتصدق بما يبقي في ذمة الشخص لأجير استأجره (1) و مثل (2) مصححة يونس: فقلت: جعلت فداك (3) كنا مرافقين لقوم بمكة، فارتحلنا عنهم وحملنا بعض متاعهم بغير علم و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم و قد بقي المتاع عندنا، فما نصنع به؟ قال: تحملونه حتي تلحقوهم بالكوفة. قال يونس: قلت له: لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال: فقال عليه السلام (4) : بعه واعط ثمنه أصحابك. قال: فقلت (5) : جعلت فداك، أهل الولاية؟ قال: فقال: نعم (6) (7). نعم، يظهر من بعض الروايات: أن مجهول المالك مال الإمام عليه السلام ، كرواية داود بن أبي يزيد (8) عن أبي عبد الله: قال: قال له رجل: (9) إني قد أصبت مالا و إني قد خفت فيه (10) علي نفسي،

***** (هامش) ***** *

(1)

الوسائل 17: 585، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثي، الحديث 11.

(2) كذا في ف و في غيرها: و مثله.

(3) عبارة فقلت: جعلت فداك من ش و المصدر.

(4) لم ترد فقال عليه السلام في غير ش.

(5) في غير ش بدل قال فقلت: قلت.

(6) في غير ش: قال: نعم.

(7) الكافي 5: 309، الحديث 22 و انظر الوسائل 17: 357، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث 2.

(8) كذا في ص و ش و المصدر و في سائر النسخ: أبي زيد.

(9) عبارة عن أبي عبد الله قال: قال له رجل من ش و المصدر.

(10) كذا في ف و المصدر و نسخة بدل ص و في سائر النسخ: منه. (*)

*****ص 191*****

فلو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلصت منه (1). قال: فقال له (2) أبو عبد الله عليه السلام : لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ فقال: إي و الله. فقال عليه السلام : و الله (3) ما له صاحب غيري. قال: فاستحلفه أن يدفعه إلي من يأمره. قال (4) : فحلف. قال: فاذهب و قسمه (5) بين (6) إخوانك و لك الأمن مما خفت (7). قال: فقسمه بين إخوانه (8) (9). هذا و أما باقي (10) ما ذكرناه في وجه التصدق من أنه إحسان و أنه أقرب طرق الإيصال و أن الإذن فيه حاصل بشهادة الحال، فلا يصلح شيء منها للتأييد، فضلا عن الاستدلال، لمنع جواز كل إحسان في مال الغائب و منع كونه أقرب طرق الإيصال، بل الأقرب دفعه إلي الحاكم الذي هو ولي الغائب.

***** (هامش) ***** *

(1) في غير ش: عنه.

(2) في غير ش بدل قال فقال له: فقال.

(3) في الفقيه و مصححة ص: فلا و الله و في

الكافي و الوسائل: فأنا و الله.

(4) لم ترد قال في غير ص و ش.

(5) في ص و المصادر: فاقسمه.

(6) في المصادر و نسخة بدل ص: في.

(7) في ص: خفت منه و في ش: خفته.

(8) كذا في ش و الفقيه و في الكافي و الوسائل و مصححة ن: فقسمته بين إخواني و في سائر النسخ: فقسمه بين أصحابه.

(9) الوسائل 17: 357، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.

(10) لم ترد باقي في خ، م، ع و ص. (*)

*****ص 192*****

و أما شهادة الحال، فغير مطردة، إذ بعض الناس لا يرضي بالتصدق، لعدم يأسه عن وصوله إليه، خصوصا إذا كان المالك مخالفا أو ذميا يرضي بالتلف و لا يرضي بالتصدق علي الشيعة. فمقتضي القاعدة - لولا ما تقدم من النص (1) - : هو لزوم الدفع إلي الحاكم، ثم الحاكم يتبع شهادة حال المالك، فإن شهدت برضاه بالصدقة أو بالإمساك، عمل عليها (2) و إلا تخير (3) بينهما، لأن كلا منهما تصرف لم يؤذن فيه من المالك و لا بد من أحدهما و لا ضمان فيهما (4) و يحتمل قويا تعين (5) الإمساك، لأن الشك في جواز التصدق يوجب بطلانه، لأصالة الفساد و أما بملاحظة ورود النص بالتصدق، فالظاهر عدم جواز الإمساك أمانة، لأنه تصرف لم يؤذن فيه من المالك و لا الشارع و يبقي الدفع إلي الحاكم و التصدق (6) و قد يقال: إن مقتضي الجمع بينه و بين دليل ولاية الحاكم هو

***** (هامش) ***** *

(1) تقدم في الصفحة 191 و ما بعدها.

(2) في ش: عليهما.

(3) في م، ع و ش: يخير.

(4) في غير ن و ش: فيها و في هامش ص: فيهما.

(5) في ف، خ و

ع: تعيين.

(6) شطب علي عبارة و يبقي الدفع إلي الحاكم و التصدق في ف - هنا - و كتبت في الهامش مشيرا إلي محلها بعد قوله: لم يؤذن فيه من المالك، قبل خمسة أسطر. (*)

*****ص 193*****

التخيير بين الصدقة و الدفع إلي الحاكم، فلكل منهما الولاية و يشكل بظهور النص في تعيين التصدق. نعم، يجوز الدفع إليه من حيث ولايته علي مستحقي الصدقة و كونه أعرف بمواقعها و يمكن أن يقال: إن أخبار التصدق واردة في مقام إذن الإمام عليه السلام بالصدقة، أو محمولة علي بيان المصرف، فإنك إذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة علي إذن الحاكم وجدتها واردة في النصوص علي طريق الحكم العام، كإقامة البينة و الإحلاف و المقاصة و كيف كان، فالأحوط - خصوصا بملاحظة ما دل (1) علي أن مجهول المالك مال الإمام عليه السلام - مراجعة الحاكم في الدفع إليه أو استئذانه و يتأكد ذلك في الدين المجهول المالك، إذ الكلي لا يتشخص للغريم إلا بقبض الحاكم الذي هو وليه و إن كان ظاهر الأخبار الواردة فيه (2) ثبوت الولاية للمديون. ثم إن حكم تعذر الإيصال إلي المالك المعلوم تفصيلا حكم جهالة المالك و تردده بين غير محصورين في التصدق استقلالا أو بإذن الحاكم، كما صرح به جماعة، منهم المحقق في الشرائع (3) و غيره (4). ثم إن مستحق هذه الصدقة هو الفقير، لأنه المتبادر من إطلاق

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 17: 357، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.

(2) انظر الصفحة 192 و ما بعدها.

(3) الشرائع 2: 13.

(4) مثل العلامة في التحرير 1: 163 و السبزواري في الكفاية: 88 و الطباطبائي في الرياض 1: 509 و ولده المجاهد في المناهل:

304. (*)

*****ص 194*****

الأمر بالتصدق و في جواز إعطائها للهاشمي قولان: من أنها صدقة مندوبة علي (1) المالك و إن وجب علي من هي بيده إلا أنه نائب كالوكيل و الوصي و من أنها (2) مال تعين صرفه بحكم الشارع، لا بأمر المالك حتي تكون مندوبة، مع أن كونها من المالك غير معلوم فلعلها ممن تجب عليه. ثم إن في الضمان - لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق - و عدمه مطلقا أو بشرط عدم ترتب يد الضمان - كما إذا أخذه من الغاصب حسبة لا بقصد التملك - وجوها (3)، من أصالة براءة ذمة المتصدق و أصالة لزوم الصدقة بمعني عدم انقلابها عن الوجه الذي وقعت عليه و من عموم ضمان من أتلف و لا ينافيه إذن الشارع، لاحتمال أنه أذن في التصدق علي هذا الوجه كإذنه في التصدق باللقطة المضمونة - بلا خلاف - و بما استودع من الغاصب و ليس هنا أمر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان حتي يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه و لكن يضعف هذا الوجه: أن ظاهر دليل الإتلاف (4) كونها علة تامة للضمان و ليس كذلك ما نحن فيه و إيجابه للضمان مراعي بعدم إجازة المالك يحتاج إلي دليل آخر، إلا أن يقال: إنه ضامن بمجرد

***** (هامش) ***** *

(1) في مصححة خ و نسخة بدل ع: عن.

(2) في غير ش: أنه.

(3) في غير ش: وجوه.

(4) مثل ما في الوسائل 18: 239، الباب 11 من أبواب الشهادات، الحديث 2 و 3. (*)

*****ص 195*****

التصدق و يرتفع بإجازته، فتأمل. هذا، مع أن الظاهر من دليل الإتلاف اختصاصه بالإتلاف علي المالك، لا الإتلاف له و الإحسان إليه و المفروض

أن الصدقة إنما قلنا بها (1)، لكونها إحسانا و أقرب طرق (2) الإيصال بعد اليأس من وصوله إليه و أما احتمال كون التصدق مراعي - كالفضولي - فمفروض الانتفاء، إذ لم يقل أحد برجوع المالك علي الفقير مع بقاء العين و انتقال الثواب من شخص إلي غيره حكم شرعي و كيف كان، فلا مقتضي للضمان و إن كان مجرد الإذن في الصدقة غير مقتض لعدمه، فلا بد من الرجوع إلي الأصل، لكن الرجوع إلي أصالة البراءة إنما يصح فيما لم يسبق يد الضمان و هو ما إذا أخذ المال من الغاصب حسبة و أما إذا تملكه منه ثم علم بكونه مغصوبا فالأجود استصحاب الضمان في هذه الصورة، لأن المتيقن هو ارتفاع الضمان بالتصرف الذي يرضي به المالك بعد الاطلاع، لا مطلقا. فتبين: أن التفصيل بين يد الضمان و غيرها أوفق بالقاعدة، لكن الأوجه الضمان مطلقا، إما تحكيما للاستصحاب، حيث يعارض البراءة و لو بضميمة عدم القول بالفصل و إما للمرسلة المتقدمة (3) عن السرائر،

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد بها في ف.

(2) في ن، ع و ص: طريق.

(3) في الصفحة 190. (*)

*****ص 196*****

و أما لاستفادة ذلك من خبر الوديعة (1) إن لم نتعد (2) عن (3) مورده إلي ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة، لكن يستفاد منه أن الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك. ثم الضمان، هل يثبت بمجرد التصدق و آجازته رافعة، أو يثبت بالرد من حينه، أو من حين التصدق؟ وجوه: من دليل الإتلاف و الاستصحاب و من أصالة عدم الضمان قبل الرد و من ظاهر الرواية المتقدمة (4) في أنه بمنزلة (5) اللقطة و لو مات المالك، ففي قيام وارثه

مقامه في إجازة التصدق ورده وجه قوي، لأن ذلك من قبيل الحقوق المتعلقة بالأموال (6)، فيورث كغيره من الحقوق و يحتمل العدم، لفرض لزوم التصدق بالنسبة إلي العين، فلا حق لأحد فيه و المتيقن من الرجوع إلي القيمة هو المالك و لو مات المتصدق فرد المالك، فالظاهر خروج الغرامة من تركته، لأنه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله.

***** (هامش) ***** *

(1) المتقدم في الصفحة 189.

(2) في ف: و إن لم نتعد.

(3) في ف و خ: من.

(4) و هي رواية حفص بن غياث المتقدمة في الصفحة 189.

(5) عبارة أنه بمنزلة من ش.

(6) كذا في ش و مصححة ن و في ص: بتلك الأموال و في خ، م و ع: بذلك الأموال و في ف: المتعلقة بذلك و شطب علي بذلك و كتب فوقه: بالأموال. (*)

*****ص 197*****

هذا كله علي تقدير مباشرة المتصدق له و لو دفعه إلي الحاكم فتصدق به بعد اليأس، فالظاهر عدم الضمان، لبراءة ذمة الشخص بالدفع إلي ولي الغائب و تصرف الولي كتصرف المولي عليه و يحتمل الضمان، لأن الغرامة هنا ليست (1) لأجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق حتي يفرق بين تصرف الولي و غيره، لثبوت الولاية للمتصدق في هذا التصرف (2) كالحاكم و لذا لا يسترد العين من الفقير إذا رد المالك، فالتصرف لازم و الغرامة حكم شرعي تعلق بالمتصدق كائنا من كان، فإذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع في يده - لكونه هو المأيوس - و الحاكم وكيلا، كان الغرم علي الموكل و إن كان المكلف هو الحاكم - لوقوع المال في يده قبل اليأس عن مالكه، فهو المكلف بالفحص ثم التصدق - كان الضمان

عليه و أما الصورة الرابعة: و هو (3) ما علم إجمالا اشتمال الجائزة علي رام

الح، فإما أن يكون الاشتباه موجبا لحصول الاشاعة و الاشتراك (4) و إما أن لا يكون و علي الأول: فالقدر و المالك إما معلومان أو مجهولان أو مختلفان و علي الأول: فلا إشكال و علي الثاني: فالمعروف إخراج الخمس علي

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ص و في سائر النسخ: ليس.

(2) في النسخ زيادة: لأن المفروض ثبوت الولاية له و لكن شطب عليها في ف.

(3) العبارة في ف هكذا: القسم الرابع فحكمه حكم الحلال المختلط بالحرام و هو … و كتب فوق القسم الرابع: الصورة الرابعة.

(4) لم ترد و الاشتراك في ش. (*)

*****ص 198*****

تفصيل مذكور في باب الخمس (1) و لو علم القدر فقد تقدم في القسم الثالث و لو علم المالك وجب التخلص معه بالمصالحة و علي الثاني: فيتعين القرعة أو البيع و الاشتراك في الثمن و تفصيل ذلك كله في كتاب الخمس (2) و اعلم، أن أخذ ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ إلي الأحكام الخمسة و باعتبار نفس المال إلي المحرم و المكروه و الواجب. فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ و المكروه المال المشتبه و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس، حتي أنه يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمته من حقوق السادة و الفقراء و لو بعنوان المقاصة، بل يجوز ذلك لآحاد الناس، خصوصا نفس المستحقين مع تعذر استئذان الحاكم و كيف كان، فالظاهر أنه لا إشكال في كون ما في ذمته من قيم المتلفات غصبا من جملة ديونه، نظير ما استقر في ذمته بقرض أو

ثمن مبيع أو صداق أو غيرها و مقتضي القاعدة كونها كذلك بعد موته، فيقدم جميع ذلك علي الإرث و الوصية، إلا أنه ذكر بعض الأساطين: أن ما في يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون في التقديم علي الوصايا و المواريث، لعدم انصراف الدين إليه - و إن كان منه - و بقاء عموم الوصية و الميراث علي حاله و للسيرة المأخوذة يدا بيد من مبدأ الإسلام إلي يومنا هذا،

***** (هامش) ***** *

(1) راجع كتاب الخمس (للمؤلف قدس سره ) : 256.

(2) راجع كتاب الخمس (للمؤلف قدس سره ) : 243، المسألة 16. (*)

*****ص 199*****

فعلي هذا لو أوصي بها بعد التلف اخرجت من الثلث (1) و فيه: منع الانصراف (2)، فإنا لا نجد بعد مراجعة العرف فرقا بين ما أتلفه هذا الظالم عدوانا و بين ما أتلفه نسيانا و لا بين ما أتلفه عدوانا هذا الظالم (3) و بين ما أتلفه شخص آخر من غير الظلمة، مع أنه لا إشكال في جريان أحكام الدين عليه في حال حياته من جواز المقاصة من ماله كما هو المنصوص (4) و تعلق (5) الخمس و الاستطاعة و غير ذلك، فلو تم الانصراف لزم إهمال الأحكام المنوطة بالدين وجودا و عدما (6) من غير فرق بين حياته و موته و ما ادعاه من السيرة، فهو ناش من قلة مبالاة الناس كما هو ديدنهم في أكثر السير التي استمروا عليها و لذا لا يفرقون في ذلك بين الظلمة و غيرهم ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء، أو من جهة العلم بفساد أكثر معاملاته و لا في إنفاذ وصايا الظلمة و توريث ورثتهم بين

اشتغال ذممهم بعوض المتلفات وأرش (7) الجنايات و بين اشتغالها بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم

***** (هامش) ***** *

(1) شرح القواعد (مخطوط)، الورقة: 37.

(2) كذا في النسخ و لعل الأولي: عدم الإنصراف، كما في هامش ش.

(3) كذا في ف و في غيرها: ما أتلفه هذا الظالم عدوانا.

(4) انظر الوسائل 12: 202، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(5) في ش: و لعدم تعلق و في نسخة بدل ن: و عدم تعلق.

(6) في ف: أو عدما.

(7) في ف: واروش. (*)

*****ص 200*****

و صدقاتهم الواجبة (1) عليهم و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا و بين ما لم يعلم، فإنك إذا تتبعت أحوال الظلمة وجدت ما استقر في ذممهم - من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا، أو من جهة (2) خصوص (3) أشخاص معلومين تفصيلا، أو مشتبهين في محصور - كافيا (4) في استغراق تركتهم المانع من التصرف فيها بالوصية أو الإرث و بالجملة، فالتمسك بالسيرة المذكورة أوهن من دعوي الانصراف السابقة، فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجه.

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في مصححة ص و في غيرها: الواجب.

(2) لم ترد جهة في ف.

(3) في ش: وجود.

(4) كذا في نسخة بدل ص و في النسخ: كافية. (*)

*****ص 201*****

المسألة الثالثة

المسألة الثالثة:

ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمهما و من الأنعام باسم الزكاة، يجوز أن يقبض منه مجانا أو بالمعاوضة و إن كان مقتضي القاعدة حرمته، لأنه غير مستحق لأخذه، فتراضيه مع من عليه الحقوق المذكورة في تعيين شيء من ماله لأجلها فاسد، كما إذا تراضي الظالم مع مستأجر دار الغير في دفع شيء إليه عوض الأجرة، هذا مع التراضي و

أما إذا قهره علي أخذ شيء بهذه العنوانات ففساده أوضح و كيف كان، فما يأخذه الجائر باق علي ملك المأخوذ منه و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الأصحاب و عن بعض حكاية الإجماع عليه: قال في محكي التنقيح: لأن الدليل علي جواز شراء الثلاثة من الجائر و إن لم يكن مستحقا له: النص الوارد عنهم عليهم السلام و الإجماع و إن لم يعلم مستنده و يمكن أن يكون مستنده أن ذلك حق للأئمة عليهم السلام و قد أذنوا لشيعتهم في شراء ذلك، فيكون تصرف الجائر كتصرف

*****ص 202*****

الفضولي إذا انضم إليه إذن المالك (1)، انتهي. أقول: و الأولي أن يقال (2) : إذا انضم إليه إذن متولي الملك، كما لا يخفي و في جامع المقاصد:

أن عليه إجماع فقهاء الإمامية و الأخبار المتواترة عن الأئمة الهداة عليهم السلام (3) و في المسالك: أطبق عليه علماؤنا و لا نعلم فيه مخالفا (4) و عن المفاتيح: أنه لا خلاف فيه (5) و في الرياض: أنه (6) استفاض نقل الإجماع عليه (7) و قد تأيدت دعوي هؤلاء بالشهرة المحققة بين الشيخ و من تأخر عنه و يدل عليه - قبل الإجماع، مضافا إلي لزوم الحرج العظيم في الاجتناب عن هذه الأموال، بل اختلال النظام و إلي الروايات المتقدمة (8) لأخذ الجوائز من السلطان، خصوصا الجوائز العظام التي لا يحتمل عادة أن تكون من غير الخراج و كان الإمام عليه السلام يأبي عن

***** (هامش) ***** *

(1) التنقيح الرائع 2: 19.

(2) في ف: يقول.

(3) جامع المقاصد 4: 45.

(4) المسالك 3: 142.

(5) مفاتيح الشرائع 3: 10.

(6) لم ترد أنه في ف.

(7) الرياض 1: 508.

(8) المتقدمة في الصفحة

178 و ما بعدها. (*)

*****ص 203*****

أخذها أحيانا، معللا بأن فيها حقوق الامة - روايات: منها: صحيحة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان (1) من إبل الصدقة و غنمها و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم. قال (2) : فقال: ما الإبل و الغنم إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك، لا بأس به حتي يعرف الحرام بعينه فيجتنب (3). قلت: فما تري في مصدق يجيئنا فيأخذ منا (4) صدقات أغنامنا، فنقول: بعناها، فيبيعنا إياها (5)، فما تري في شرائها (6) منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير، يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه، فيعزله (7) بكيل، فما تري في شراء ذلك الطعام (8) منه؟ فقال: إن كان قد قبضه بكيل و أنتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل (9) (10).

***** (هامش) ***** *

(1) في ش: من عمال السلطان و في ن، م و ع: عن السلطان.

(2) لم ترد قال في غير ص و ش.

(3) في ف: فليجتنب و لم ترد الكلمة في المصدر.

(4) لم ترد منا في ف، ن، خ، م و ع.

(5) في ص و المصدر: فيبيعناها.

(6) في غير ش: في شراء ذلك.

(7) كذا في ش و المصدر و مصححتي ن و ص و في سائر النسخ: فنأخذه.

(8) لم ترد الطعام في ف، ن، خ، م و ع.

(9) عبارة شرائه منه من غير كيل من ن و ش و المصدر.

(10) الوسائل 12: 161 - 162، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5. (*)

*****ص

204*****

دلت هذه الرواية علي أن شراء الصدقات من الأنعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز عند السائل و إنما سأل أولا:

عن الجواز مع العلم الإجمالي بحصول الحرام في أيدي العمال،

و ثانيا:

من جهة توهم الحرمة أو الكراهة في شراء ما يخرج في الصدقة، كما ذكر في باب الزكاة (1)،

و ثالثا:

من جهة كفاية الكيل الأول و بالجملة، ففي هذه الرواية - سؤالا و جوابا - إشعار بأن الجواز كان من الواضحات الغير المحتاجة إلي السؤال و إلا لكان أصل الجواز أولي بالسؤال، حيث إن ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا، فلا فرق بين أخذ الحق الذي يجب عليهم و أخذ أكثر منه و يكفي قوله عليه السلام : حتي يعرف الحرام منه في الدلالة علي مفروغية حل ما يأخذونه من الحق و أن الحرام هو الزائد و المراد بالحلال هو الحلال بالنسبة إلي من ينتقل إليه و إن كان حراما بالنسبة إلي الجائر الآخذ له، بمعني معاقبته علي أخذه و ضمانه و حرمة التصرف في ثمنه و في وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية دلالة علي عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع أنواع الانتقال إلي الشخص، فاندفع ما قيل: من أن الرواية مختصة بالشراء فليقتصر في مخالفة القواعد عليه (2).

***** (هامش) ***** *

(1) راجع كتاب الزكاة (للمؤلف قدس سره ) : 222، المسألة 25.

(2) لم نقف علي القائل. (*)

*****ص 205*****

ثم الظاهر من الفقرة الثالثة (1) : السؤال و الجواب عن حكم المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفي - الذي صنف في الرد علي رسالة المحقق الكركي المسماة ب قاطعة اللجاج في حل الخراج رسالة زيف فيها جميع ما في الرسالة من أدلة الجواز - بعدم دلالة

الفقرة الثالثة (2) علي حكم المقاسمة و احتمال كون القاسم هو مزارع (3) الأرض أو وكيله (4)، ضعيف جدا و تبعه علي هذا الاعتراض المحقق الأردبيلي و زاد عليه ما سكت هو عنه: من عدم دلالة الفقرة الاولي علي حل شراء الزكاة، بدعوي: أن قوله عليه السلام : لا بأس حتي يعرف الحرام منه لا يدل إلا علي جواز شراء ما كان حلالا بل مشتبها و عدم جواز شراء ما كان معروفا أنه حرام بعينه و لا يدل علي جواز شراء الزكاة بعينها صريحا. نعم ظاهرها ذلك، لكن لا ينبغي الحمل عليه، لمنافاته العقل و النقل و يمكن أن يكون سبب الإجمال منه (5) التقية و يؤيد عدم الحمل علي الظاهر: أنه غير مراد بالاتفاق، إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر، فتأمل (6)، انتهي.

***** (هامش) ***** *

(1) في ف، خ، م، ع و ص: الثانية.

(2) في ف، خ، م، ع و ص: الثانية.

(3) في خ، ن، م، ع و ص: زارع.

(4) راجع السراج الوهاج (المطبوع ضمن الخراجيات) : 109.

(5) في نسخة بدل ش: فيه.

(6) مجمع الفائدة 8: 101 - 102. (*)

*****ص 206*****

و أنت خبير بأنه ليس في العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور و أي فارق بين هذا و بين ما أحلوه عليهم السلام لشيعتهم مما فيه حقوقهم؟ و لا في النقل إلا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الأصحاب رواية و عملا مع نقل الاتفاق عن جماعة (1) و أما الحمل علي التقية، فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات، كما لا يخفي و منها: رواية إسحاق بن عمار، قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم. قال: يشتري منه

ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا (2). وجه الدلالة: أن الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه و هو الذي يأخذه من الحقوق من قبل (3) السلطان. نعم، لو بني علي المناقشة احتمل أن يريد السائل شراء أملاك العامل منه، مع علمه بكونه ظالما غاصبا، فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة، لكنه خلاف الإنصاف و إن ارتكبه صاحب الرسالة (4) و منها: رواية أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام و عنده ابنه اسماعيل، فقال: ما يمنع ابن أبي سماك (5)

***** (هامش) ***** *

(1) الذين تقدم ذكرهم في الصفحة 203.

(2) الوسائل 12: 163، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(3) لم ترد قبل في ن و م و وردت نسخة بدل في خ، ع و ص.

(4) راجع السراج الوهاج (المطبوع ضمن الخراجيات) : 107 - 108.

(5) في الوسائل: السمال و في نسختي بدله: السماك، الشمال. (*)

*****ص 207*****

أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفي الناس و يعطيهم ما يعطي الناس. قال: ثم قال لي (1) : لم تركت عطاءك؟ قلت: مخافة علي ديني. قال: ما منع ابن أبي سماك (2) أن يبعث إليك بعطائك، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟ (3). فإن ظاهره (4) حل ما يعطي من بيت المال عطاء أو اجرة للعمل في ما يتعلق به، بل قال المحقق الكركي: إن هذا الخبر نص في الباب، لأنه عليه السلام بين أن لا خوف علي السائل في دينه، لأنه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال و قد ثبت في الاصول تعدي الحكم بتعدي العلة المنصوصة (5)، انتهي و إن تعجب منه الأردبيلي و

قال: أنا ما فهمت منه (6) دلالة ما و ذلك لأن غايتها ما ذكر و (7) قد يكون شيء (8) من بيت المال و يجوز (9) أخذه و إعطاؤه للمستحقين، بأن يكون منذورا أو وصية لهم بأن يعطيهم ابن أبي سماك و غير ذلك (10)، انتهي.

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و ص و في غيرهما: ثم قال.

(2) في الوسائل: السمال و في نسختي بدله: السماك، الشمال.

(3) الوسائل 12: 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(4) كذا و المناسب: ظاهرها.

(5) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 272.

(6) كذا و المناسب: منها كما في المصدر.

(7) في مصححة ن: و ذلك، كما في المصدر.

(8) لم ترد شيء في ش و المصدر.

(9) في ن و ش و المصدر: بيت مال يجوز.

(10) مجمع الفائدة 8: 104، مع تفاوت. (*)

*****ص 208*****

و قد تبع في ذلك صاحب الرسالة، حيث قال: إن الدليل لا إشعار فيه بالخراج (1). أقول: الإنصاف أن الرواية ظاهرة في حل ما في بيت المال مما يأخذه الجائر و منها: الأخبار الواردة في أحكام تقبل الخراج من السلطان (2) علي وجه يستفاد من بعضها كون أصل التقبل مسلم الجواز عندهم. فمنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام - في جملة حديث - قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان و عن مزارعة أهل الخراج بالنصف و الربع و الثلث (3) ؟ قال: نعم، لا بأس به و قد قبل رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم خيبرا أعطاها (4) اليهود، حيث (5) فتحت عليه بالخبر (6) و الخبر هو النصف (7).

***** (هامش) ***** *

(1) السراج الوهاج

(المطبوع ضمن الخراجيات) : 105.

(2) انظر الوسائل 13: 261، الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث 3، 4 و 5 و غيرها.

(3) في ش: بالنصف و الثلث و الربع.

(4) كذا في ش و المصدر و مصححة ن و في سائر النسخ: أعطاه.

(5) في المصدر و نسخة بدل ص: حين.

(6) الخبر بفتح الخاء و كسرها و سكون الباء بمعني المخابرة و هي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض. (لسان العرب 4: 13، مادة خبر).

(7) الوسائل 13: 214، الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث 3 و الصفحة 200، الباب 8 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث 8 و فيه: أنه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث. (*)

*****ص 209*****

و منها: الصحيح عن اسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رؤوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير و هو لا يدري، لعل هذا لا يكون أبدا، أيشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل؟ قال: إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبل به (1) و نحوها الموثق المروي في الكافي (2) و التهذيب (3) عن اسماعيل بن الفضل (4) الهاشمي بأدني تفاوت و رواية الفيض بن المختار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك، ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم او اجرها من أكرتي (5) علي أن ما أخرج الله تعالي منها من شيء لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان؟ قال: لا بأس، كذلك اعامل أكرتي (6). إلي غير ذلك من الأخبار الواردة في

باب قبالة الأرض و استئجار أرض الخراج من السلطان ثم إجارتها للزارع بأزيد من ذلك (7).

***** (هامش) ***** *

(1) الفقيه 3: 224، الحديث 3832.

(2) الكافي 5: 195، الحديث 12.

(3) التهذيب 7: 124، الحديث 544 و انظر الوسائل 12: 264، الباب 12 من أبواب عقد البيع، الحديث 4.

(4) كذا في ص و المصادر الحديثية و في سائر النسخ: الفضيل.

(5) في ص: لأكرتي و في المصدر: او اجرها أكرتي.

(6) الوسائل 13: 208، الباب 15 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث 3.

(7) الوسائل 13: 207، الباب 15 من أبواب أحكام المزارعة و 260، الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة و غيرهما. (*)

*****ص 210*****

و قد يستدل بروايات اخر (1) لا تخلو عن قصور في الدلالة: منها: الصحيح عن جميل بن صالح، قال: أرادوا بيع تمر عين أبي زياد (2) و أردت أن أشتريه، فقلت: لا حتي أستأمر (3) أبا عبد الله عليه السلام ، فسألت معاذا أن يستأمره، فسأله، فقال: قل له: يشتره، فإنه إن لم يشتره اشتراه غيره (4) و دلالته مبنية علي كون عين زياد من الأملاك الخراجية و لعله من الأملاك المغصوبة من الإمام أو غيره الموقوف اشتراء حاصلها علي إذن الإمام عليه السلام و يظهر من بعض الأخبار أن عين زياد كان ملكا لأبي عبد الله عليه السلام (5) و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام : ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام، إني أظنك ضيقا؟ قلت: نعم و إن شئت وسعت علي. قال: اشتره (6) و بالجملة، ففي الأخبار المتقدمة غني عن ذلك.

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ص و ش و في سائر النسخ:

اخري.

(2) اختلفت المصادر الحديثية في هذه العبارة، ففي بعضها: عين أبي زياد و في بعضها الآخر: عين أبي ابن زياد و في ثالث: عين ابن زياد و في رابع: عين زياد و الظاهر أنها كانت لأبي عبد الله عليه السلام فغصبت منه، انظر الكافي 3: 569.

(3) في ص: أستأذن.

(4) الوسائل 12: 162، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.

(5) الوسائل 6: 140، الباب 18 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(6) الوسائل 12: 161، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول. (*)

*****ص 211*****

و ينبغي (1) التنبيه علي أمور

الأمر الأول

إن ظاهر عبارات الأكثر، بل الكل: أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان، فقبل أخذه للخراج لا يجوز المعاملة عليه بشراء ما في ذمة مستعمل الأرض أو الحوالة عليه و نحو ذلك و به صرح السيد العميد فيما حكي عن شرحه (2) علي النافع (3)، حيث قال: إنما يحل ذلك بعد قبض السلطان أو نائبه و لذا قال المصنف: يأخذه، انتهي. لكن صريح جماعة (4) : عدم الفرق، بل صرح المحقق الثاني بالإجماع علي عدم الفرق بين القبض و عدمه (5) و في الرياض صرح بعدم الخلاف (6).

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف، خ و ص و في سائر النسخ: ينبغي.

(2) في ف: من شرحه.

(3) لم نقف في الفهارس علي شرح للسيد عميد الدين الأعرجي للنافع. نعم، قال الفاضل القطيفي في السراج الوهاج (المطبوع ضمن الخراجيات

: 115) : قال الفاضل السيد ابن عبد الحميد الحسيني في شرحه للنافع … و لعل منشأ ما نسبه المؤلف قدس سره هو ما ذكره السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 247.

(4) منهم:

الشهيد الأول في الدروس 3: 170 و الفاضل المقداد في التنقيح 2:

19 و الشهيد الثاني في المسالك 3: 143 و راجع المناهل: 310.

(5) جامع المقاصد 4: 45.

(6) الرياض 1: 508. (*)

*****ص 212*****

و هذا هو الظاهر من الأخبار المتقدمة (1) الواردة في قبالة الأرض و جزية الرؤوس، حيث دلت علي أنه يحل ما في ذمة مستعمل الأرض من الخراج لمن تقبل الأرض من السلطان و الظاهر من الأصحاب (2) في باب المساقاة - حيث يذكرون أن خراج السلطان علي مالك الأشجار إلا أن يشترط خلافه - : إجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل في براءة (3) ذمة مستعمل الأرض الذي استقر عليه اجرتها بأداء غيره، بل ذكروا في المزارعة - أيضا - : أن خراج الأرض كما في كلام الأكثر (4) أو الأرض الخراجية كما في الغنية (5) و السرائر (6) علي مالكها و إن كان يشكل توجيهه من جهة عدم المالك للأراضي الخراجية و كيف كان، فالأقوي أن المعاملة علي الخراج جائزة و لو قبل قبضها و أما تعبير الأكثر (7) بما يأخذه، فالمراد به إما الأعم مما يبني علي

***** (هامش) ***** *

(1) في الصفحة 209 و ما بعدها.

(2) منهم الشيخ المفيد في المقنعة: 638 و الحلبي في الكافي: 348 و الشيخ الطوسي في النهاية: 442 و الحلي في السرائر 2: 452.

(3) في ف، خ و ص و مصححة ع: إبراء.

(4) انظر الشرائع 2: 153 و القواعد 1: 238 و الكفاية: 122 و الحدائق 21: 336 و غيرها.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية) : 540.

(6) السرائر 2: 443.

(7) كالشيخ في النهاية: 358 و القاضي في المهذب 1: 348 و الحلي في السرائر 2: 204 و المحقق في الشرائع 2: 13. (*)

*****ص 213*****

أخذه و (1) لو لم

يأخذه فعلا و إما المأخوذ فعلا، لكن الوجه في تخصيص العلماء العنوان به جعله كالمستثني من جوائز السلطان، التي حكموا بوجوب ردها علي مالكها إذا علمت حراما بعينها، فافهم و يؤيد الثاني: سياق كلام بعضهم، حيث يذكرون هذه المسألة عقيب مسألة الجوائز، خصوصا عبارة القواعد، حيث صرح بتعميم الحكم بقوله: و إن عرف (2) أربابه (3) و يؤيد الأول: أن المحكي عن الشهيد قدس سره - في حواشيه علي القواعد - أنه علق علي قول العلامة: إن الذي يأخذه الجائر … إلي آخر قوله: و إن لم يقبضها الجائر (4)، انتهي.

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد و في خ، م و ع و وردت في ن مصححة.

(2) في ش: عرفت.

(3) القواعد 1: 122.

(4) حاشية القواعد، لا يوجد لدينا و حكاه المحقق الثاني في قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 277. (*)

*****ص 214*****

الأمر الثاني

الأمر الثاني:

هل يختص حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل إليه، فلا استحقاق للجائر في أخذه أصلا، فلم يمض الشارع من هذه المعاملة إلا حل ذلك للمنتقل إليه، أو يكون الشارع قد أمضي سلطنة الجائر عليه، فيكون منعه عنه أو عن بدله المعوض عنه في العقد معه حراما، صريح الشهيدين (1) و المحكي عن جماعة ذلك. قال المحقق الكركي في رسالته: ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم الشيخ علي بن هلال قدس سره ، أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده و لا منعه و لا شيء منه، لأن ذلك حق واجب عليه (2)، انتهي و في المسالك - في باب الأرضين - : و ذكر الأصحاب أنه لا

يجوز لأحد جحدها و لا منعها و لا التصرف فيها بغير إذنه، بل ادعي بعضهم الاتفاق عليه، انتهي و في آخر كلامه أيضا: إن ظاهر الأصحاب أن الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه أو يتوقف علي إذنه (3)، انتهي و علي هذا عول بعض الأساطين في شرحه علي القواعد، حيث قال: و يقوي حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها و عن

***** (هامش) ***** *

(1) انظر الدروس 3: 170 و المسالك 3: 55 و 143.

(2) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 285.

(3) المسالك 3: 55 - 56. (*)

*****ص 215*****

تسليم ثمنها (1) بعد شرائها إلي الجائر و إن حرمت عليه و دخل تسليمها في الإعانة علي الإثم في البداية أو الغاية، لنص الأصحاب علي ذلك و دعوي الإجماع عليه (2)، انتهي. أقول: إن اريد منع الحصة مطلقا فيتصرف في الأرض من دون اجرة، فله وجه، لأنها ملك المسلمين، فلا بد لها من اجرة تصرف في مصالحهم و إن اريد منعها من خصوص الجائر، فلا دليل علي حرمته، لأن اشتغال ذمة مستعمل الأرض بالأجرة لا يوجب دفعها إلي الجائر، بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن، لأنه غير مستحق فيسلم إلي العادل أو نائبه الخاص أو العام و مع التعذر يتولي صرفه في المصالح حسبة. مع أن في بعض الأخبار ظهورا في جواز الامتناع، مثل صحيحة زرارة: اشتري ضريس بن عبد الملك و أخوه (3) أرزا من هبيرة بثلاثمائة ألف درهم. قال: فقلت له: ويلك - أو ويحك - انظر إلي خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي، فأبي علي و أدي المال و قدم هؤلاء فذهب أمر بني امية. قال:

فقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام ، فقال مبادرا للجواب: هو له، هو له (4)، فقلت له: إنه أداها، فعض علي

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: و الامتناع من تسليم ثمنها.

(2) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 38.

(3) لم ترد في ف، خ، م و ع.

(4) كذا في ف، ن و ص و لم ترد هو له الثانية في سائر النسخ. (*)

*****ص 216*****

إصبعه (1). فإن أوضح محامل هذا الخبر أن يكون الأرز من المقاسمة و أما حمله علي كونه مال الناصب أعني هبيرة أو بعض بني امية، فيكون دليلا علي حل مال الناصب بعد إخراج خمسه كما استظهره في الحدائق (2)، فقد ضعف في محله بمنع هذا الحكم و مخالفته لاتفاق أصحابنا كما تحقق (3) في باب الخمس (4) و إن ورد به غير واحد من الأخبار (5) و أما الأمر بإخراج الخمس في هذه الرواية، فلعله من جهة اختلاط مال المقاسمة بغيره (6) من وجوه الحرام فيجب تخميسه، أو من جهة احتمال اختلاطه بالحرام فيستحب تخميسه (7) كما تقدم في جوائز الظلمة (8) و ما روي من أن علي بن يقطين قال له الإمام عليه السلام : إن كنت و لا بد فاعلا، فاتق أموال الشيعة و أنه كان يجبيها من الشيعة علانية

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 161، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(2) الحدائق 18: 270.

(3) في ص: حقق.

(4) انظر كتاب الخمس (للمؤلف قدس سره ) : 23.

(5) الوسائل 6: 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6، 7 و 8.

(6) كذا في ص و مصححة ن و في

سائر النسخ: لغيره.

(7) في ف شطب علي تخميسه و وردت الكلمة في هامش ن، خ، م و ع بصورة نسخة بدل و في خ و ع زيادة: فيجتنب و في هامشهما: فيجب - خ ل.

(8) راجع الصفحة 173 و ما بعدها. (*)

*****ص 217*****

و يردها (1) عليهم سرا (2). قال المحقق الكركي في قاطعة اللجاج: إنه يمكن أن يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة و يمكن أن يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات، لأنها و إن كانت حقا عليهم، لكنها ليست حقا للجائر، فلا يجوز جمعها لأجله إلا عند الضرورة و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم … إلي آخر ما تقدم نقله عن مشايخه (3). أقول: ما ذكره من الحمل علي وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام في قول الإمام عليه السلام : فاتق أموال الشيعة، فالاحتمال الثاني أولي، لكن بالنسبة إلي ما عدا الزكوات، لأنها كسائر وجوه الظلم المحرمة، خصوصا بناء علي عدم الاجتزاء بها عن الزكاة الواجبة، لقوله عليه السلام : إنما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم و إنما الزكاة لأهلها (4) و قوله عليه السلام : لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فإن المال لا ينبغي أن يزكي مرتين (5).

***** (هامش) ***** *

(1) في ش: و يرد.

(2) الوسائل 12: 140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

(3) في الصفحة 216 و انظر قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 285.

(4) الوسائل 6: 175، الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6 و فيه: إنما الصدقة لأهلها.

(5) الوسائل 6: 174، الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 و فيه: فإن المال لا

يبقي علي هذا أن يزكيه مرتين. (*)

*****ص 218*****

و فيما ذكره (1) المحقق من الوجه الثاني دلالة علي أن مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة إلي خصوص الجائر و جواز منعه عنه و إن نقل بعد (2) عن مشايخه في كلامه المتقدم (3) ما يظهر منه خلاف ذلك، لكن يمكن - بل لا يبعد - أن يكون مراد مشايخه: المنع عن سرقة الخراج أو جحوده رأسا حتي عن نائب العادل، لا منعه عن خصوص الجائر مع دفعه إلي نائب العادل أو صرفه حسبة في وجوه بيت المال، كما يشهد لذلك تعليل المنع بكونه حقا واجبا عليه، فإن وجوبه عليه إنما يقتضي حرمة منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر، لأنه ليس حقا واجبا له و لعل ما ذكرناه هو مراد المحقق، حيث نقل هذا المذهب عن مشايخه رحمهم الله بعدما ذكره من التوجيه المتقدم بلا فصل من دون إشعار بمخالفته لذلك الوجه (4) و مما يؤيد ذلك: أن المحقق المذكور بعدما ذكر أن هذا - يعني حل ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة - مما وردت به النصوص و أجمع عليه الأصحاب، بل المسلمون قاطبة، قال: فإن قلت: فهل يجوز أن يتولي من له النيابة حال الغيبة ذلك،

***** (هامش) ***** *

(1) في غير ف: و فيما ذكر.

(2) لم ترد بعد في ف.

(3) في الصفحة 216.

(4) راجع قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 285 و راجع الصفحة السابقة. (*)

*****ص 219*****

أعني الفقيه الجامع للشرائط؟ قلنا: لا نعرف للأصحاب في ذلك تصريحا، لكن من جوز للفقهاء حال الغيبة تولي استيفاء الحدود و غير ذلك من توابع منصب الإمامة، ينبغي له تجويز ذلك بطريق أولي، لا سيما و المستحقون

لذلك موجودون في كل عصر و من تأمل في أحوال (1) كبراء علمائنا الماضين قدس الله أسرارهم - مثل علم الهدي و علم المحققين نصير الملة و الدين و بحر العلوم جمال الملة و الدين (2) العلامة رحمه الله و غيرهم - نظر متأمل منصف لم يشك في أنهم كانوا (3) يسلكون هذا المسلك و ما كانوا يودعون في كتبهم إلا ما يعتقدون صحته (4)، انتهي و حمل ما ذكره من تولي الفقيه، علي صورة عدم تسلط الجائر، خلاف الظاهر و أما قوله: و من تأمل … الخ فهو استشهاد علي أصل المطلب و هو حل ما يؤخذ من السلطان من الخراج علي وجه الاتهاب و من الأراضي علي وجه الاقتطاع (5) و لا دخل له بقوله: فإن قلت و قلنا (6) أصلا، فإن علماءنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: أقوال.

(2) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: جمال الدين.

(3) لم ترد كانوا في غير ش.

(4) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 270.

(5) في ع، ص و ش: الانقطاع و في مصححة ص: الاقتطاع.

(6) كذا في مصححة ص و في سائر النسخ: قلت وقلته. (*)

*****ص 220*****

الاستقلال علي أراضي الخراج بغير إذن السلطان و ممن يتراءي منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر شيخنا الشهيد رحمه الله في الدروس، حيث قال رحمه الله: يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة و إن لم يكن مستحقا له. ثم قال: و لا يجب رد المقاسمة و شبهه ا علي المالك و لا يعتبر رضاه و لا يمنع تظلمه من

الشراء و كذا لو علم أن العامل يظلم، إلا أن يعلم الظلم بعينه، نعم، يكره معاملة الظلمة و لا يحرم، لقول الصادق عليه السلام : كل شيء فيه حلال و حرام فهو حلال حتي تعرف الحرام بعينه (1) و لا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله و بين (2) عدم القبض، فلو أحاله بها و قبل الثلاثة، أو وكله في قبضها، أو باعها و هي في يد المالك (3) أو في ذمته، جاز التناول و يحرم علي المالك المنع و كما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات و الوقف و الهبة (4) و الصدقة و لا يحل تناولها بغير ذلك (5)، انتهي. لكن الظاهر من قوله: و يحرم علي المالك المنع أنه عطف علي قوله: جاز التناول، فيكون من أحكام الإحالة بها و التوكيل و البيع،

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول، مع اختلاف يسير.

(2) لم ترد بين في غير ش.

(3) في غير ش: البائع.

(4) لم ترد الهبة في غير ش.

(5) الدروس 3: 169 - 170. (*)

*****ص 221*****

فالمراد:

منع المالك المحال و المشتري عنها (1) و هذا لا إشكال فيه، لأن اللازم من فرض صحة الإحالة و الشراء تملك المحال و المشتري فلا يجوز منعهما عن ملكهما و أما قوله رحمه الله: و لا يحل تناولها بغير ذلك، فلعل المراد به ما تقدم (2) في كلام مشايخ المحقق الكركي من إرادة تناولها بغير إذن أحد حتي الفقيه النائب عن السلطان العادل (3) و قد عرفت أن هذا مسلم فتوي و نصا و أن الخراج لا يسقط من مستعملي (4) أراضي المسلمين. ثم إن ما ذكره من جواز

الوقف لا يناسب ذكره في جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر و إن أراد وقف الأرض المأخوذة منه إذا نقلها السلطان إليه لبعض مصالح المسلمين، فلا يخلو عن إشكال و أما ما تقدم (5) من المسالك من نقل الاتفاق علي عدم جواز المنع عن الجائر (6) و الجحود، فالظاهر منه أيضا ما ذكرناه من جحود الخراج و منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر مع تسليمه إلي الفقيه النائب عن العادل، فإنه رحمه الله - بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق،

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و ش و مصححة ن و في غيرها: عنهما.

(2) في الصفحة 216.

(3) في ش: العارف.

(4) في ف: عن مستعمل.

(5) في الصفحة 216.

(6) لم ترد عن الجائر في ش. (*)

*****ص 222*****

قال بلا فصل: و هل يتوقف التصرف في هذا القسم (1) علي إذن الحاكم الشرعي إذا كان متمكنا من صرفها علي وجهها (2)، بناء علي كونه نائبا عن المستحق عليه السلام (3) و مفوضا إليه ما هو أعظم من ذلك؟ الظاهر ذلك و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين و مع عدم التمكن أمرها إلي الجائر و أما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا، بل لم أقف علي قائل به، لأن المسلمين بين قائل بأولوية الجائر و توقف التصرف علي إذنه و بين مفوض الأمر إلي الإمام عليه السلام و مع غيبته يرجع الأمر إلي نائبه، فالتصرف بدونهما لا دليل عليه (4)، انتهي و ليس مراده رحمه الله من التوقف التوقف علي إذن الحاكم بعد الأخذ من الجائر و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر علي الأرض، كما لا يخفي و كيف كان،

فقد تحقق مما ذكرناه: أن غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوي كفاية إذن الجائر في حل الخراج و كون تصرفه بالإعطاء و المعاوضة و الإسقاط و غير ذلك نافذا. أما انحصاره بذلك، فلم يدل عليه دليل و لا أمارة، بل لو نوقش

***** (هامش) ***** *

(1) في ش زيادة: منها، كما في المصدر.

(2) في ش هكذا: متمكنا في صرفها في وجهها.

(3) التسليم من ف.

(4) المسالك 3: 55. (*)

*****ص 223*****

في كفاية تصرفه في الحلية و عدم توقفها علي إذن الحاكم الشرعي مع التمكن - بناء علي أن الأخبار الظاهرة في الكفاية (1) منصرفة إلي الغالب من عدم تيسر استئذان الإمام عليه السلام أو نائبه - أمكن ذلك، إلا أن المناقشة في غير محلها، لأن المستفاد من الأخبار الإذن العام من الأئمة عليهم السلام ، بحيث لا يحتاج بعد ذلك إلي إذن خاص في الموارد الخاصة منهم عليهم السلام و لا من نوابهم. هذا كله مع استيلاء الجائر علي تلك الأرض و التمكن من استئذانه و أما مع عدم استيلائه علي أرض خراجية، لقصور يده عنها، لعدم انقياد أهلها له ابتداء، أو طغيانهم عليه بعد السلطنة عليهم، فالأقوي - خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداء - عدم جواز استئذانه و عدم مضي إذنه فيها، كما صرح به بعض الأساطين، حيث قال - بعد بيان أن الحكم مع حضور الإمام عليه السلام مراجعته، أو مراجعة الجائر مع التمكن - : و أما مع فقد سلطان الجور، أو ضعفه عن التسلط، أو عدم التمكن من مراجعته، فالواجب الرجوع إلي الحاكم الشرعي (2)، إذ ولاية الجائر إنما ثبتت علي من دخل في قسم رعيته حتي يكون في سلطانه و يكون مشمولا

لحفظه من الأعداء و حمايته، فمن بعد عن سلطانهم، أو كان علي الحد فيما بينهم، أو تقوي (3) عليهم فخرج عن مأموريتهم،

***** (هامش) ***** *

(1) انظر الوسائل 12: 161 - 162، الباب 52 و 53 من أبواب ما يكتسب به و راجع الصفحة 204 و ما بعدها.

(2) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة 81، مع اختلاف في الألفاظ.

(3) في خ، م، ع و ص: يقوي و في ش: قوي. (*)

*****ص 224*****

فلا يجري عليه (1) حكمهم، اقتصارا علي المقطوع به من الأخبار و كلام الأصحاب في قطع الحكم بالاصول (2) و القواعد و تخصيص ما دل علي المنع عن الركون إليهم و الانقياد لهم.

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و ش و مصححة ن و ص و في سائر النسخ: عليهم. (2) شطب في ف علي كلمة الحكم و الباء الجارة، فصارت العبارة: في قطع الاصول … و كذا في مصححة ن. (*)

*****ص 225*****

الأمر الثالث

الأمر الثالث:

أن ظاهر الأخبار (1) و إطلاق الأصحاب: حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الأراضي التي يعتقد الجائر كونها خراجية و إن كانت عندنا من الأنفال و هو الذي يقتضيه نفي الحرج. نعم، مقتضي بعض أدلتهم و بعض كلماتهم هو الاختصاص، فإن العلامة قدس سره قد استدل في كتبه علي حل الخراج و المقاسمة بأن هذا مال لا يملكه (2) الزارع و لا صاحب الأرض، بل هو حق لله (3) أخذه غير مستحقه، فبرأت ذمته و جاز شراؤه (4) و هذا الدليل و إن كان فيه ما لا يخفي من الخلل إلا أنه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الأراضي التي (5) لها حق علي الزارع و ليس الأنفال كذلك،

لكونها مباحة للشيعة. نعم، لو قلنا بأن غيرهم يجب عليه اجرة الأرض - كما لا يبعد - أمكن تحليل ما يأخذه منهم الجائر بالدليل المذكور لو تم و مما (6) يظهر منه الاختصاص: ما تقدم (7) من الشهيد و مشايخ

***** (هامش) ***** *

(1) المتقدمة في الصفحات 204 - 211.

(2) في ش: ما لم يملكه، بدل: مال لا يملكه.

(3) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: حق الله.

(4) التذكرة 1: 583 و لم نعثر عليه في غير التذكرة.

(5) لم ترد التي في غير ش.

(6) في ف: و ممن.

(7) في الصفحة 216. (*)

*****ص 226*****

المحقق الثاني من حرمة جحود الخراج و المقاسمة، معللين ذلك بأن ذلك حق عليه، فإن الأنفال لا حق و لا اجرة في التصرف فيها و كذا ما تقدم (1) من التنقيح (2) - حيث ذكر بعد دعوي الإجماع علي الحكم - : أن تصرف الجائر في الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولي إذا أجاز المالك و الإنصاف: أن كلمات الأصحاب بعد التأمل في أطرافها ظاهرة في الاختصاص بأراضي المسلمين، خلافا لما استظهره المحقق الكركي قدس سره (3) من كلمات الأصحاب و إطلاق الأخبار، مع أن الأخبار (4) أكثرها لا عموم فيها و لا إطلاق. نعم، بعض الأخبار الواردة في المعاملة علي الأراضي الخراجية التي جمعها صاحب الكفاية (5) شاملة لمطلق الأرض المضروب عليها الخراج من السلطان. نعم، لو فرض أنه ضرب الخراج علي ملك غير الإمام، أو علي ملك الإمام لا بالإمامة، أو علي الأراضي التي أسلم أهلها عليها طوعا، لم يدخل في منصرف الأخبار قطعا و لو أخذ الخراج من الأرض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه إياها، ففيه وجهان.

***** (هامش) *****

*

(1) في ن، خ، م، ع و ص: ما تقدم فيها، لكن شطب في ن علي فيها.

(2) في الصفحة 203.

(3) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 258.

(4) التي تقدم شطر منها في الصفحات: 209 - 211.

(5) الكفاية: 77. (*)

*****ص 227*****

الأمر الرابع

الأمر الرابع:

ظاهر الأخبار و منصرف كلمات الأصحاب: الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله، فلا يشمل من تسلط علي قرية أو بلدة خروجا علي سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين. نعم، ظاهر الدليل المتقدم (1) عن (2) العلامة شموله له، لكنك عرفت أنه قاصر عن إفادة المدعي، كما أن ظاهره عدم الفرق بين السلطان المخالف المعتقد لاستحقاق أخذ الخراج و المؤمن و الكافر و إن اعترفا بعدم الاستحقاق، إلا أن ظاهر الأخبار الاختصاص بالمخالف و المسألة مشكلة: من اختصاص موارد الأخبار بالمخالف المعتقد لاستحقاق أخذه (3) و لا عموم فيها لغير المورد، فيقتصر في مخالفة القاعدة عليه و من لزوم الحرج و دعوي الاطلاق في بعض الأخبار المتقدمة، مثل قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي: لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان (4) و قوله عليه السلام - في صحيحة محمد بن مسلم - : كل أرض دفعها إليك سلطان فعليك فيما أخرج الله منه

***** (هامش) ***** *

(1) في الصفحة 227.

(2) كذا في ف و في غيرها: من.

(3) في ف: الأخذ.

(4) الوسائل 13: 214، الباب 18 من أبواب المزارعة، الحديث 3. (*)

*****ص 228*****

الذي قاطعك عليه (1) و غير ذلك و يمكن أن يرد لزوم الحرج بلزومه علي كل تقدير، لأن المفروض أن السلطان المؤمن - خصوصا في هذه الأزمنة - يأخذ الخراج عن كل أرض و لو لم تكن خراجية و أنهم

يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما إلي الخراج و ليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور و سائر ما يظلمون به الناس، كما لا يخفي علي من لاحظ سيرة عمالهم، فلا بد إما من الحكم بحل ذلك (2) كله، لدفع الحرج و إما من الحكم بكون ما في يد السلطان و عماله، من الأموال المجهولة المالك و أما الإطلاقات، فهي - مضافا إلي إمكان دعوي انصرافها إلي الغالب كما في المسالك (3) - مسوقة لبيان حكم آخر، كجواز إدخال أهل الأرض الخراجية في تقبل الأرض في صحيحة الحلبي (4)، لدفع توهم حرمة ذلك كما يظهر من أخبار اخر (5) و كجواز أخذ أكثر مما (6) تقبل به الأرض من السلطان في رواية الفيض بن المختار (7) و كغير ذلك من

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 6: 129، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول.

(2) عبارة بحل ذلك ساقطة من ش.

(3) المسالك 3: 144.

(4) المتقدمة في الصفحة 209.

(5) مثل صحيح اسماعيل بن فضل المتقدم في الصفحة 210.

(6) كذا في ف و مصححة ن و في سائر النسخ: ما.

(7) المتقدمة في الصفحة 210. (*)

*****ص 229*****

أحكام قبالة الأرض و استئجارها فيما عداها من الروايات و الحاصل: أن الاستدلال بهذه الأخبار علي عدم البأس بأخذ أموالهم، مع اعترافهم بعدم الاستحقاق مشكل و مما (1) يدل علي عدم (2) شمول كلمات الأصحاب: أن عنوان المسألة في كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة (3) المقاسمة أو الزكاة كما في المنتهي (4)، أو باسم الخراج أو المقاسمة (5) كما في غيره (6) و ما يأخذه الجائر المؤمن ليس لشبهة الخراج و المقاسمة، لأن المراد بشبهتهما: شبهة استحقاقهما الحاصلة

في مذهب العامة، نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون مما لا يستحقون، لأن مذهب الشيعة: أن الولاية في الأراضي الخراجية إنما هي للإمام عليه السلام ، أو نائبه الخاص، أو العام، فما يأخذه الجائر المعتقد (7) لذلك إنما هو شيء يظلم به في اعتقاده، معترفا بعدم براءة ذمة زارع الأرض من اجرتها شرعا، نظير ما يأخذه من الأملاك الخاصة التي لا خراج عليها أصلا و لو فرض حصول شبهة الاستحقاق لبعض سلاطين الشيعة من

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف، ش و مصححة ن و في سائر النسخ: و ما.

(2) كلمة عدم ساقطة من ش.

(3) في ف، خ، م و ع: لشبه.

(4) منتهي المطلب 2: 1027.

(5) في ف: و المقاسمة.

(6) الشرائع 2: 13 و القواعد 1: 122 و الدروس 3: 169 و غيرها.

(7) كذا في ف و ن و في غيرهما: الجائر و المعتقد. (*)

*****ص 230*****

بعض الوجوه، لم يدخل بذلك في عناوين الأصحاب قطعا، لأن مرادهم من الشبهة: الشبهة من حيث المذهب التي أمضاها الشارع للشيعة، لا الشبهة في نظر شخص خاص، لأن الشبهة الخاصة إن كانت عن سبب صحيح، كاجتهاد أو تقليد، فلا إشكال في حليته له و استحقاقه للأخذ بالنسبة إليه و إلا كانت باطلة غير نافذة في حق أحد و الحاصل: أن آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الأصحاب ليس إلا الجائر المخالف و مما (1) يؤيده أيضا: عطف الزكاة عليها، مع أن الجائر الموافق لا يري لنفسه ولاية جباية الصدقات و كيف كان، فالذي أتخيل: أنه (2) كلما ازداد (3) المنصف التأمل في كلماتهم يزداد (4) له هذا المعني وضوحا، فما أطنب به بعض (5) في دعوي عموم النص

و كلمات الأصحاب مما لا ينبغي أن يغتر به و لأجل ما ذكرنا و غيره فسر صاحب إيضاح النافع (6) - في ظاهر كلامه المحكي - الجائر في عبارة النافع (7) : بمن تقدم (8) علي

***** (هامش) ***** *

(1) في ن، خ، م، ع و ص: و ما.

(2) لم ترد أنه في ش.

(3) في ف: أزاد.

(4) في ف: يزاد.

(5) الظاهر أنه صاحب الجواهر قدس سره ، انظر الجواهر 22: 190 - 195.

(6) مخطوط و لا يوجد لدينا. نعم، حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 247.

(7) المختصر النافع: 118.

(8) في مصححة ن: يقدم. (*)

*****ص 231*****

أمير المؤمنين عليه السلام و اقتفي أثر الثلاثة، فالقول بالاختصاص - كما استظهره في المسالك (1) و جزم به في إيضاح النافع (2) - و جعله الأصح في الرياض (3) - لا يخلو عن قوة. فينبغي في الأراضي التي بيد الجائر الموافق، في المعاملة علي عينها أو علي ما يؤخذ عليها مراجعة الحاكم الشرعي و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يري نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه و إنما أخذ ما يأخذ نظير ما يأخذه (4) علي غير الأراضي الخراجية من الأملاك الخاصة، فهو أيضا غير داخل في منصرف الأخبار و لا في كلمات الأصحاب، فحكمه حكم السلطان الموافق و أما السلطان الكافر، فلم أجد فيه نصا و ينبغي لمن تمسك بإطلاق النص و الفتوي (5) التزام دخوله فيهما، لكن الإنصاف انصرافهما (6) إلي غيره، مضافا إلي ما تقدم (7) في السلطان الموافق من اعتبار كون الأخذ بشبهة الاستحقاق و قد تمسك في ذلك بعض (8) بنفي السبيل للكافر علي المؤمن، فتأمل.

***** (هامش) ***** *

(1) المسالك 3: 144.

(2) مخطوط و لا

يوجد لدينا.

(3) الرياض 1: 507.

(4) في غير ش و ص: يأخذ.

(5) مثل صاحب الجواهر، كما تقدم في الصفحة السابقة.

(6) في غير ش: انصرافها.

(7) في الصفحة 231.

(8) لم نقف عليه. (*)

*****ص 232*****

الأمر الخامس

الأمر الخامس:

الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للأخذ، فلا فرق حينئذ بين المؤمن و المخالف و الكافر، لإطلاق بعض الأخبار المتقدمة (1) و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما في روايتي الحذاء و إسحاق بن عمار (2) و بعض روايات قبالة الأراضي الخراجية (3) و لم يستبعد بعض (4) اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الآخذ، مع اعترافه بأن ظاهر الأصحاب التعميم و كانه أدخل هذه المسألة - يعني مسألة حل الخراج و المقاسمة - في القاعدة المعروفة، من: إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم و وجوب المضي معهم في أحكامهم (5)

***** (هامش) ***** *

(1) في الصفحة 204 و ما بعدها.

(2) تقدمتا في الصفحة 204 و 207 و لكن ليس في رواية إسحاق ما يدل علي الاختصاص، فراجع.

(3) الوسائل 13: 214، الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث 4.

(4) هو الفاضل القطيفي في رسالة السراج الوهاج (المطبوعة ضمن الخراجيات) : 124 - 125.

(5) هذه القاعدة مستفادة من روايات عديدة، انظر الوسائل 15: 320، الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق و 17: 485، الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 5. (*)

*****ص 233*****

علي ما يشهد به تشبيه بعضهم (1) ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمي من ثمن (2) ما باعه من الخمر و الخنزير و الأقوي: أن المسألة أعم من ذلك و إنما (3) الممضي في ما نحن فيه تصرف الجائر في تلك

الأراضي مطلقا.

***** (هامش) ***** *

(1) لم نقف عليه، نعم شبه الفاضل القطيفي - في رسالة السراج الوهاج (المطبوعة ضمن الخراجيات) : 124 - ما نحن فيه بجواز ابتياع عوض الخمر من اليهود.

(2) في ف و خ: من عين.

(3) في ف، ن، خ، م و ص: و أن و في نسخة بدل ص: إنما. (*)

*****ص 234*****

الأمر السادس

الأمر السادس:

ليس للخراج قدر معين، بل المناط فيه ما تراضي فيه السلطان و مستعمل الأرض، لأن الخراج هي اجرة الأرض، فينوط (1) برضي المؤجر و المستأجر. نعم، لو استعمل أحد الأرض قبل تعيين الأجرة تعين عليه اجرة المثل و هي مضبوطة عند أهل الخبرة و أما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه و نسب ما ذكرناه إلي ظاهر الأصحاب (2) و يدل عليه قول أبي الحسن عليه السلام في مرسلة حماد بن عيسي: و الأرض التي اخذت عنوة بخيل و ركاب، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها علي صلح ما يصالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الخراج: النصف، أو الثلث، أو الثلثان، علي قدر ما يكون لهم صالحا و لا يضر بهم … الحديث (3) و يستفاد منه: أنه إذا جعل (4) عليهم من (5) الخراج أو المقاسمة

***** (هامش) ***** *

(1) في هامش ن: فيناط - خ ل و في هامش ص: فيناط - ظ.

(2) لم نعثر عليه.

(3) التهذيب 4: 130، الحديث 366 و انظر الوسائل 11: 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(4) في ف، خ، م، ع و ص: جعلت.

(5) لم ترد من في ن، خ، م، ع و ص. (*)

*****ص 235*****

ما يضر بهم لم يجز ذلك، كالذي يؤخذ من بعض

مزارعي (1) بعض بلادنا، بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج، فيجبرونه علي الزراعة و حينئذ ففي حرمة كل ما يؤخذ أو المقدار الزائد علي ما تضر (2) الزيادة عليه، وجهان و حكي (3) عن بعض: أنه يشترط أن لا يزيد علي ما كان يأخذه المتولي له - الإمام العادل - إلا برضاه و التحقيق: أن مستعمل الأرض بالزرع و الغرس إن كان مختارا في استعمالها فمقاطعة الخراج و المقاسمة باختياره و اختيار الجائر، فإذا تراضيا علي شيء فهو الحق، قليلا كان أو كثيرا و إن كان لا بد له من استعمال الأرض - لأنها كانت مزرعة له مدة سنين (4) و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية إلي غيرها - فالمناط ما ذكر في المرسلة، من عدم كون المضروب عليهم مضرا، بأن لا يبقي لهم بعد أداء الخراج ما يكون بإزاء ما أنفقوا علي الزرع من المال و بذلوا له من أبدانهم الأعمال.

***** (هامش) ***** *

(1) في غير ش: مزارع.

(2) في غير ص: يضر.

(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 247 عن السيد عميد الدين.

(4) في ف و م:

مد سنين و صحح في ن ب مدة و لعله كان في الأصل: مذ سنين. (*)

*****ص 236*****

الأمر السابع

الأمر السابع:

ظاهر إطلاق الأصحاب: أنه لا يشترط في من يصل إليه الخراج أو الزكاة من السلطان علي وجه الهدية، أو يقطعه الأرض الخراجية إقطاعا، أن يكون مستحقا له و نسبه الكركي رحمه الله في رسالته (1) إلي إطلاق الأخبار و الأصحاب و لعله أراد إطلاق ما دل علي حل جوائز السلطان و عماله (2) مع كونها غالبا من بيت المال و إلا فما استدلوا به لأصل المسألة إنما

هي الأخبار الواردة في جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة (3) و الواردة في حل تقبل (4) الأرض الخراجية من السلطان (5) و لا ريب في عدم اشتراط كون المشتري و المتقبل مستحقا لشئ من بيت المال و لم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من الخراج حتي يتمسك بإطلاقه عدا أخبار جوائز السلطان، مع أن تلك الأخبار واردة أيضا في أشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال. فالحكم بنفوذ تصرف الجائر علي الاطلاق في الخراج - من حيث البذل و التفريق - كنفوذ تصرفه علي الاطلاق فيه بالقبض و الأخذ و المعاملة عليه، مشكل.

***** (هامش) ***** *

(1) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 283.

(2) المتقدم في الصفحة 178 و ما بعدها.

(3) راجع الصفحة 204 و ما بعدها.

(4) في غير ص: تقبيل.

(5) انظر الصفحة 209 و ما بعدها. (*)

*****ص 237*****

و أما قوله عليه السلام - في رواية الحضرمي السابقة - : ما يمنع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك، أما علم أن لك نصيبا من بيت المال (1)، فإنما يدل علي أن كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الأخذ، لا أن كل من لا نصيب له لا يجوز أخذه و كذا تعليل العلامة قدس سره فيما تقدم من دليله: بأن الخراج حق لله أخذه غير مستحقه (2)، فإن هذا لا ينافي إمضاء الشارع لبذل الجائر إياه كيف شاء، كما أن للإمام عليه السلام أن يتصرف في بيت المال كيف شاء. فالاستشهاد بالتعليل المذكور في (3) الرواية المذكورة (4) و المذكور (5) في كلام العلامة رحمه الله علي اعتبار استحقاق الآخذ لشئ (6) من بيت المال، كما في

الرسالة الخراجية (7)، محل نظر. ثم أشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل أحد، كما هو

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6 و تقدمت في الصفحة 208.

(2) تقدم في الصفحة 227.

(3) في م:

وفي.

(4) لم ترد المذكورة في ف و ن.

(5) لم ترد المذكور في ص و لم ترد:

و المذكور في خ، م و ع.

(6) في غير ف و ص: بشئ.

(7) رسالة قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1: 283. (*)

*****ص 238*****

ظاهر إطلاقهم (1) القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة و في المسالك: أنه يشترط أن يكون صرفه لها علي وجهها (2) المعتبر عندهم، بحيث لا يعد عندهم غاصبا (3)، إذ (4) يمتنع الأخذ منه عندهم أيضا. ثم قال: و يحتمل الجواز مطلقا، نظرا إلي إطلاق النص و الفتوي. قال: و يجئ (5) مثله في المقاسمة و الخراج، فإن مصرفهما (6) بيت المال و له أرباب مخصوصون عندهم أيضا (7)، انتهي.

***** (هامش) ***** *

(1) كالمحقق في الشرائع 2: 13 و العلامة في القواعد 1: 122 و الشهيد في الدروس 3: 170 و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2: 19 و غيرهم.

(2) في غير ش: وجهه.

(3) في ص و ش: عاصيا.

(4) في غير ص و ش: أو.

(5) في خ، م، ع و ص: و يجوز.

(6) كذا في المصدر و مصححة ن و هامش ص و في النسخ: مصرفها.

(7) المسالك 3: 143. (*)

*****ص 239*****

الأمر الثامن

الأمر الثامن:

أن كون الأرض خراجية (1)، بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج و المقاسمة، يتوقف علي امور ثلاثة: الأول: كونها مفتوحة عنوة، أو صلحا علي أن تكون (2) الأرض للمسلمين،

إذ ما عداهما (3) من الأرضين لا خراج عليها. نعم، لو قلنا بأن حكم (4) ما يأخذه الجائر من الأنفال حكم ما يأخذه من أرض الخراج، دخل ما يثبت كونه من الأنفال في حكمها. فنقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم و بشهادة عدلين و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم، بناء علي كفايته في كل ما يعسر إقامة البينة عليه، كالنسب و الوقف و الملك المطلق و أما ثبوتها بغير ذلك من الأمارات الظنية حتي قول من يوثق به من المؤرخين فمحل إشكال، لأن الأصل عدم الفتح عنوة و عدم تملك المسلمين. نعم، الأصل عدم تملك غيرهم أيضا، فإن فرض دخولها بذلك في الأنفال و ألحقناها بأرض الخراج في الحكم فهو و إلا فمقتضي القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها و أما الزراع فيجب عليهم

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و مصححة ن و في سائر النسخ: الخراجية.

(2) في غير ص: يكون.

(3) في ف، خ، خ، ع و ص: عداها.

(4) لم ترد حكم في ف، خ، م و ع. (*)

*****ص 240*****

مراجعة حاكم الشرع، فيعمل فيها معهم علي طبق ما يقتضيه القواعد عنده:

من كونه مال الإمام عليه السلام ، أو مجهول المالك، أو غير ذلك و المعروف بين الإمامية - بلا خلاف ظاهر - أن أرض العراق فتحت عنوة و حكي ذلك عن التواريخ المعتبرة (1) و حكي عن بعض العامة أنها فتحت صلحا (2) و ما دل علي كونها ملكا للمسلمين يحتمل الأمرين (3). ففي صحيحة الحلبي: أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن أرض السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم (4) و لمن يدخل في الإسلام

بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد (5) و رواية أبي الربيع الشامي: لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة، فإنما هي فئ للمسلمين (6) و قريب منها صحيحة ابن الحجاج (7) و أما غير هذه الأرض مما ذكر أو اشتهر (8) فتحها عنوة، فإن

***** (هامش) ***** *

(1) حكاه المحقق السبزواري في الكفاية: 79 و انظر تأريخ الطبري 3: 87.

(2) حكاه العلامة في التذكرة 1: 428 عن أبي حنيفة و بعض الشافعية.

(3) في خ، م، ع و ص: أمرين.

(4) كذا في ف و في سائر النسخ: اليوم مسلم.

(5) الوسائل 12: 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 4.

(6) نفس المصدر، الحديث 5.

(7) الوسائل 17: 330، الباب 4 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.

(8) في ش: و اشتهر. (*)

*****ص 241*****

أخبر به عدلان (1) يحتمل حصول العلم لهما من السماع أو الظن المتاخم من الشياع أخذ به، علي تأمل في الأخير كما في العدل الواحد و إلا فقد عرفت (2) الإشكال في الاعتماد علي مطلق الظن و أما العمل بقول المؤرخين - بناء علي أن قولهم في المقام نظير قول اللغوي في اللغة و قول الطبيب و شبههما - فدون إثباته خرط القتاد و أشكل منه إثبات ذلك باستمرار السيرة علي أخذ الخراج من أرض، لأن ذلك إما من جهة ما قيل: من كشف السيرة عن ثبوت ذلك من الصدر الأول من غير نكير، إذ لو كان شيئا حادثا لنقل في كتب التواريخ، لاعتناء أربابها بالمبتدعات و الحوادث (3) و إما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو أخذهم الخراج علي الصحيح و يرد علي الأول - مع أن عدم التعرض

يحتمل كونه لأجل عدم اطلاعهم الذي لا يدل علي العدم - : أن هذه الأمارة (4) ليست (5) بأولي من تنصيص أهل التواريخ الذي عرفت حاله و علي الثاني: أنه إن اريد بفعل المسلم تصرف السلطان بأخذ الخراج، فلا ريب أن أخذه حرام و إن علم كون الأرض خراجية، فكونها كذلك لا يصحح فعله.

***** (هامش) ***** *

(1) في خ، م و ع: أخبره عدلان و صحح في ع بما في المتن.

(2) في الصفحة 237.

(3) قاله المحقق السبزواري في الكفاية: 79.

(4) في غير ف: الأمارات.

(5) كذا في ف و في غيرها: ليس. (*)

*****ص 242*****

و دعوي: أن أخذه الخراج من أرض الخراج أقل فسادا من أخذه من غيرها، توهم، لأن مناط الحرمة في المقامين واحد و هو أخذ مال الغير من غير استحقاق و اشتغال ذمة المأخوذ منه باجرة الأرض الخراجية و عدمه في غيرها لا يهون الفساد. نعم، بينهما فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان و هو من يقع في يده شيء من الخراج بمعاوضة أو تبرع، فيحل في الأرض الخراجية دون غيرها، مع أنه لا دليل علي وجوب حمل الفاسد علي الأقل فسادا إذا لم يتعدد عنوان الفساد - كما لو دار الأمر بين الزنا مكرها للمرأة و بين الزنا برضائها، حيث إن الظلم محرم آخر غير الزنا، بخلاف ما نحن فيه - مع أن أصالة الصحة لا تثبت الموضوع و هو كون الأرض خراجية. إلا أن يقال: إن المقصود ترتب آثار الأخذ الذي هو أقل فسادا و هو حل تناوله من الآخذ و إن لم يثبت كون الأرض خراجية بحيث يترتب عليه الآثار الاخر، مثل وجوب دفع اجرة الأرض إلي حاكم الشرع

ليصرفه في المصالح إذا فرض عدم السلطان الجائر و مثل حرمة التصرف فيه من دون دفع اجرة أصلا، لا إلي الجائر و لا إلي حاكم الشرع و إن اريد بفعل المسلم تصرف المسلمين فيما يتناولونه من الجائر من خراج هذه الأرض، ففيه: أنه لا عبرة بفعلهم إذا علمنا بأنهم لا يعلمون حال هذه الأراضي، كما هو الغالب في محل الكلام، إذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم إحراز الموضوع و لو احتمل تقليدهم لمن

*****ص 243*****

يري تلك (1) الأرض خراجية (2) لم ينفع و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية كان اللازم من ذلك جواز التناول من أيديهم لا من يد السلطان، كما لا يخفي. الثاني: أن يكون الفتح بإذن الإمام عليه السلام و إلا كان المفتوح مال الإمام عليه السلام ، بناء علي المشهور، بل عن المجمع: أنه كاد يكون إجماعا (3) و نسبه في المبسوط إلي رواية أصحابنا و هي مرسلة العباس الوراق و فيها: أنه إذا غزي قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها (4) للإمام (5). قال في المبسوط: و علي هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم إلا ما فتحت في زمان الوصي عليه السلام من مال الإمام عليه السلام (6)، انتهي. أقول: فيبتني حل المأخوذ منها خراجا علي ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الأنفال (7) و الظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك

***** (هامش) ***** *

(1) في ن، خ، م، ع و ص: تملك.

(2) في ن، خ، م، ع و ص: الخراجية.

(3) مجمع الفائدة 7: 473.

(4) لم ترد كلها في غير ش.

(5) الوسائل 6: 369، الباب

الأول من أبواب الأنفال، الحديث 16.

(6) المبسوط 2: 34، نقلا بالمعني.

(7) تقدم في الصفحة 227. (*)

*****ص 244*****

ما دل علي أنها للمسلمين (1) و أما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني و هي أغلب ما فتحت، فظاهر بعض الأخبار كون ذلك - أيضا - بإذن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و أمره، ففي الخصال - في أبواب السبعة، في باب أن الله تعالي يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن و بعد وفاتهم في سبعة مواطن - ، عن أبيه و شيخه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن جعفر بن محمد النوفلي، عن يعقوب بن الرائد (2)، عن أبي عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن يعقوب بن عبد الله الكوفي، عن موسي بن عبيد (3)، عن عمرو (4) ابن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام : أنه أتي يهودي أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن وقعة النهروان فسأله عن تلك المواطن و فيه قوله عليه السلام : و أما الرابعة - يعني من المواطن الممتحن بها بعد النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم - : فإن القائم بعد صاحبه - يعني عمر بعد أبي بكر - كان يشاورني في موارد الامور (5)، فيصدرها عن أمري و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي (6) لا أعلم

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 12: 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 4 و 5.

(2) في ش: يعقوب الرائد و في المصدر: يعقوب بن يزيد.

(3) في المصدر: موسي

بن عبيدة.

(4) في غير ش: عمر.

(5) في ش زيادة: و مصادرها.

(6) في غير ش: رأي. (*)

*****ص 245*****

أحدا (1) و لا يعلمه أصحابي، يناظره في ذلك غيري (2) … الخبر (3) و الظاهر أن عموم الامور إضافي بالنسبة إلي ما لا يقدح في رئاسته مما يتعلق بالسياسة و لا يخفي أن الخروج إلي الكفار و دعاءهم إلي الإسلام من أعظم تلك الامور، بل لا أعظم منه و في سند الرواية جماعة تخرجها عن حد الاعتبار، إلا أن اعتماد القميين عليها و روايتهم لها، مع ما عرف من حالهم - لمن تتبعها - من أنهم لا يخرجون (4) في كتبهم رواية في راويها (5) ضعف إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها، جابر لضعفها في الجملة. مضافا إلي ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات (6) و دخول بعض خواص أمير المؤمنين عليه السلام من الصحابة كعمار في أمرهم (7).

***** (هامش) ***** *

(1) ما أثبتناه مطابق للمصدر و في ش: لا يعلمه أحد و في ص: لا علمه أحد و في سائر النسخ: لا أعلمه أحد.

(2) ما أثبتناه مطابق للمصدر و في مصححة ن ظاهرا: و لا يناظر في ذلك غيري و في النسخ: و لا يناظرني غيره.

(3) الخصال: 374، باب السبعة، الحديث 58.

(4) كذا في ف و خ و نسخة بدل ن، ع و ش و في ن، م، ع، ص و ش و نسخة بدل خ: لا يثبتون.

(5) كذا في ش و في غيرها: راوية.

(6) راجع تأريخ الطبري 3: 323 و الكامل في التأريخ لابن الأثير 3: 109، لكنهما ذكرا حضور أبي محمد الحسن و أبي عبد الله الحسين عليهما

السلام.

(7) راجع اسد الغابة 4: 46 (ترجمة عمار بن ياسر رضي الله عنه). (*

*****ص 246*****

و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم؟ فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين … الخبر (1) و ظاهرها أن سائر الأرضين المفتوحة بعد النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم حكمها حكم أرض العراق، مضافا إلي أنه يمكن الاكتفاء عن إذن الإمام المنصوص في مرسلة الوراق (2) بالعلم بشاهد الحال برضي أمير المؤمنين عليه السلام و سائر الأئمة بالفتوحات (3) الإسلامية الموجبة لتأيد هذا الدين و قد ورد:

أن الله تعالي يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه (4). مع أنه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد علي الوجه الصحيح (5) و هو كونه بأمر الإمام عليه السلام. مع أنه يمكن أن يقال: إن عموم ما دل من الأخبار الكثيرة علي

***** (هامش) ***** *

(1) الوسائل 11: 117، الباب 69 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2) الوسائل 6: 369، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 16.

(3) في ف، ن، خ، م و ع: بالمفتوحات.

(4) الوسائل 11: 28، الباب 9 من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول و فيه: ينصر هذا الدين.

(5) كذا في ص و في ف: علي الصحيح و في سائر النسخ: علي وجه الصحيح. (*)

*****ص 247*****

تقيد الأرض المعدودة من الأنفال بكونها مما لم يوجف (1) عليه بخيل و لا ركاب (2) و علي أن ما اخذت بالسيف من الأرضين يصرفها في مصالح

المسلمين (3)، معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق (4)، فيرجع إلي عموم قوله تعالي: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربي) * الآية (5)، فيكون الباقي للمسلمين، إذ ليس لمن قاتل (6) شيء من الأرضين نصا و إجماعا.

الثالث: أن يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام عليه السلام محياة حال الفتح، لتدخل في الغنائم و يخرج منها الخمس - أولا - علي المشهور و يبقي الباقي للمسلمين، فإن كانت حينئذ مواتا كانت للإمام، كما هو المشهور، بل المتفق عليه، علي الظاهر المصرح به عن الكفاية (7) و محكي التذكرة (8) و يقتضيه إطلاق الإجماعات المحكية (9) علي أن الموات

***** (هامش) ***** *

(1) في ن، خ، م، ع و ش: لا يوجف.

(2) انظر الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال.

(3) انظر الوسائل 11: 119، الباب 72 من أبواب جهاد العدو و 12: 273، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه.

(4) الوسائل 6: 369، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 16.

(5) الأنفال: 41.

(6) كذا في ص و في سائر النسخ: قابل و في نسخة بدل أكثرها: قاتل.

(7) انظر كفاية الأحكام:

239 و فيه: بلا خلاف.

(8) التذكرة 2: 402 و فيه: عند علمائنا.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية) : 540 و انظر الخلاف 3: 525 - 526، كتاب إحياء الموات، المسألة 3 و جامع المقاصد 7: 9. (*)

*****ص 248*****

من الأنفال، لإطلاق الأخبار الدالة علي أن الموات بقول مطلق له عليه السلام (1) و لا يعارضها إطلاق الاجماعات (2) و الأخبار (3) الدالة علي أن المفتوحة عنوة للمسلمين (4)، لأن موارد الاجماعات هي (5) الأرض المغنومة (6) من (7) الكفار - كسائر الغنائم

التي يملكونها منهم و يجب فيها الخمس - و ليس الموات من أموالهم (8) و إنما هي مال الإمام و لو فرض جريان أيديهم عليه كان بحكم المغصوب لا يعد في الغنيمة و ظاهر الأخبار خصوص المحياة، مع أن الظاهر عدم الخلاف. نعم، لو مات المحياة حال الفتح، فالظاهر بقاؤها علي ملك المسلمين، بل عن ظاهر الرياض (9) استفادة عدم الخلاف في ذلك من السرائر (10)، لاختصاص أدلة الموات بما إذا لم يجر عليه ملك مسلم، دون ما عرف صاحبه.

***** (هامش) ***** *

(1) انظر الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال.

(2) انظر الخلاف 2: 67 - 70، كتاب الزكاة، المسألة 80 و الغنية (الجوامع الفقهية) : 522 و المنتهي 2: 934 و الرياض 1: 495.

(3) انظر الوسائل 12: 273، الباب 21 من أبواب عقد البيع.

(4) في ف: للإمام.

(5) في غير ش: هو.

(6) في ف: المفتوحة.

(7) في ش: عن.

(8) العبارة في ف هكذا: و الموات ليس من أموالهم.

(9) الرياض 1: 496.

(10) انظر السرائر 1: 481. (*)

*****ص 249*****

ثم إنه يثبت الحياة حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة و مع الشك فيها فالأصل العدم و إن وجدناها الآن محياة، لأصالة عدمها حال الفتح، فيشكل الأمر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة. نعم، ما وجد منها في يد مدع للملكية حكم بها له. أما (1) إذا كانت بيد السلطان أو من أخذها منه فلا يحكم لأجلها بكونها خراجية، لأن يد السلطان عادية علي الأراضي الخراجية أيضا و ما لا يد لمدعي الملكية عليها كان مرددا بين المسلمين و مالك خاص مردد بين الإمام عليه السلام - لكونها تركة من لا وارث له - و

بين غيره، فيجب مراجعة حاكم الشرع في أمرها و وظيفة الحاكم في الأجرة المأخوذة منها: إما القرعة و إما صرفها في مصرف مشترك بين الكل، كفقير يستحق الإنفاق من بيت المال، لقيامه ببعض مصالح المسلمين. ثم اعلم أن ظاهر الأخبار (2) تملك المسلمين لجميع أرض العراق المسمي بأرض السواد من غير تقييد بالعامر، فينزل علي أن كلها كانت عامرة حال الفتح و يؤيده أنهم ضبطوا أرض الخراج - كما في المنتهي (3) و غيره (4) - بعد المساحة (5) بستة أو اثنين و ثلاثين ألف ألف جريب و حينئذ فالظاهر

***** (هامش) ***** *

(1) لم ترد أما في ف.

(2) الوسائل 12: 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 4 و 5.

(3) المنتهي 2: 937.

(4) المبسوط 2: 34.

(5) في ع و ص: المسامحة. (*)

*****ص 250*****

أن البلاد الإسلامية المبنية في العراق هي مع ما يتبعها (1) من القري، من المحياة حال الفتح التي تملكها (2) المسلمون و ذكر العلامة رحمه الله في كتبه (3) - تبعا لبعض ما عن المبسوط (4) و الخلاف (5) - أن حد سواد العراق ما بين منقطع الجبال بحلوان (6) إلي طرف القادسية (7) المتصل بعذيب (8) من أرض العرب عرضا و من تخوم الموصل إلي ساحل البحر ببلاد عبادان طولا و زاد العلامة رحمه الله قوله: من شرقي دجلة، فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هو إسلامي، مثل شط عثمان بن أبي العاص و ما و الاها،

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و مصححة ص و في ش و مصححة ن: هي و ما يتبعها و في سائر النسخ: و هي ما يتبعها.

(2) في ف: يملكها.

(3) المنتهي 2: 937 و

التحرير 1: 142 و التذكرة 1: 428.

(4) المبسوط 2: 34.

(5) الخلاف 4: 196، كتاب الفئ و قسمة الغنائم، المسألة 19.

(6) في معجم البلدان 2: 290 مادة حلو: حلوان العراق و هي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد.

(7) قرية قرب الكوفة، من جهة البر، بينها و بين الكوفة خمسة عشر فرسخا و بينها و بين العذيب أربعة أميال. (مراصد الاطلاع 3: 1054، معجم البلدان 4: 291 مادة قادس).

(8) العذيب: يخرج من قادسية الكوفة إليه و كانت مسلحة للفرس، بينها و بين القادسية حائطان متصلان، بينهما نخل و هي ستة أميال، فإذا خرجت منه دخلت البادية. (معجم البلدان 4: 92 مادة عذب). (*)

*****ص 251*****

كانت سباخا (1) فأحياها عثمان و يظهر من هذا التقييد أن ما عدا ذلك كانت محياة، كما يؤيده ما تقدم من تقدير الأرض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب. فما قيل: من أن البلاد المحدثة (2) بالعراق - مثل بغداد و الكوفة و الحلة و المشاهد المشرفة - إسلامية بناها المسلمون و لم تفتح عنوة و لم يثبت أن أرضها تملكها (3) المسلمون بالاستغنام و التي فتحت عنوة و اخذت من الكفار قهرا قد انهدمت (4)، لا يخلو عن نظر، لأن المفتوح عنوة لا يختص بالأبنية حتي يقال: إنها انهدمت، فإذا كانت البلاد المذكورة و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة، فأين أرض العراق المفتوحة عنوة المقدر (5) بستة و ثلاثين ألف ألف جريب؟ و أيضا من البعيد عادة أن يكون بلد المدائن (6) علي طرف العراق، بحيث يكون الخارج منها مما يليه البلاد المذكورة موات

***** (هامش) ***** *

(1) كذا في ف و نسخة بدل ن، خ، م،

ع، ص و ش و في سائر النسخ: مماتا و في المصدر: سباخا و مواتا.

(2) كذا في ص و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: المحدث.

(3) كذا في ص و في غيرها: يملكها.

(4) لم نقف علي القائل.

(5) كذا و المناسب: المقدرة.

(6) في معجم البلدان (5: 75، مادة مدائن) : المسمي بهذا الاسم بليدة شبيهة بالقرية، بينها و بين بغداد ستة فراسخ و أهلها فلاحون يزرعون و يحصدون و الغالب علي أهلها التشيع علي مذهب الإمامية و بالمدينة الشرقية قرب الإيوان قبر سلمان الفارسي رضي الله عنه و عليه مشهد يزار إلي وقتنا هذا. (*)

*****ص 252*****

غير معمورة وقت الفتح (1) و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

***** (هامش) ***** *

(1) من هنا إلي آخر العبارة لم ترد في ف. (*)

*****ص 253*****

إلي هنا تم الجزء الثاني من المكاسب المحرمة و يليه الجزء الثالث في البيع

كتاب المكاسب ج3 (البيع)

اشارة

كتاب البيع

بسم الله الرحمن الرحيم

*****ص 6*****

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

*****ص 7*****

كتاب البيع و هو في الأصل - كما عن المصباح (1) - : مبادلة مال بمال و الظاهر اختصاص المعوض بالعين، فلا يعم إبدال المنافع بغيرها و عليه استقر اصطلاح الفقهاء (2) في البيع (3). نعم، ربما يستعمل في كلمات بعضهم (4) في نقل غيرها، بل يظهر ذلك من كثير من الأخبار، كالخبر الدال علي جواز بيع خدمة المدبر (5) و بيع سكني الدار التي لا يعلم صاحبها (6) و كأخبار بيع الأرض الخراجية و شرائها (7) و الظاهر أنها مسامحة في التعبير، كما أن

***** (هامش) *****

(1)

المصباح المنير: 69، مادة: بيع.

(2) في ص و نسخة بدل ن، خ، م و ع زيادة: في تعين العوض و المعوض.

(3) لم ترد في البيع في ف.

(4) كالشيخ قدس سره في المبسوط 6: 172.

(5) الوسائل 16: 74، الباب 3 من أبواب التدبير، الأحاديث 1، 3 و 4.

(6) الوسائل 12: 250، الباب الأول من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 5.

(7) الوسائل 11: 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1 و 6 و 12: 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 9 و 10. (*)

*****ص 8*****

لفظ الإجارة يستعمل عرفا في نقل بعض الأعيان، كالثمرة علي الشجرة و أما العوض، فلا إشكال في جواز كونها منفعة، كما في غير موضع من القواعد (1) و عن التذكرة (2) و جامع المقاصد (3) و لا يبعد عدم الخلاف فيه. نعم، نسب (4) إلي بعض الأعيان (5) الخلاف فيه و لعله لما اشتهر في كلامهم:

من أن البيع لنقل (6) الأعيان و الظاهر إرادتهم بيان المبيع (7)، نظير قولهم:

إن الإجارة لنقل المنافع و أما عمل الحر، فإن قلنا: إنه قبل المعاوضة عليه من الأموال، فلا إشكال و إلا ففيه إشكال، من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع مالا قبل المعاوضة، كما يدل عليه ما تقدم عن المصباح و أما الحقوق (8)، فإن لم (9) تقبل المعاوضة بالمال - كحق الحضانة

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 136 و 225.

(2) التذكرة 1: 556 - 557 و 2: 292.

(3) جامع المقاصد 7: 103.

(4) نسبه الشيخ الكبير قدس سره في شرحه علي القواعد (مخطوط) : الورقة 48.

(5) هو الوحيد البهبهاني قدس سره في رسالته العملية الموسومة ب آداب التجارة (انظر

هداية الطالب: 149).

(6) في غير ف: نقل.

(7) في ش: البيع.

(8) في غير ش زيادة: الاخر. قال الشهيدي في شرحه (الصفحة 149) : الظاهر زيادة كلمة الاخر.

(9) في ف: فلو لم. (*)

*****ص 9*****

و الولاية (1) - فلا إشكال و كذا لو لم تقبل النقل (2)، كحق الشفعة و حق الخيار، لأن البيع تمليك الغير و لا ينتقض (3) ببيع الدين علي من هو عليه، لأنه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط و لذا جعل الشهيد في قواعده الإبراء مرددا بين الإسقاط و التمليك (4) و الحاصل: أنه يعقل أن يكون مالكا لما (5) في ذمته فيؤثر تمليكه السقوط و لا يعقل أن يتسلط علي نفسه و السر: أن هذا (6) الحق طنة سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد، بخلاف الملك، فإنها نسبة بين المالك و المملوك و لا يحتاج إلي من يملك عليه حتي يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه، فافهم و أما الحقوق القابلة للانتقال - كحق التحجير و نحوه - فهي و إن قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح، إلا أن في جواز وقوعها عوضا للبيع إشكالا، من أخذ المال في عوضي المبايعة لغة و عرفا، مع ظهور كلمات الفقهاء - عند التعرض لشروط العوضين و لما يصح أن يكون اجرة في الإجارة - في حصر الثمن في المال.

***** (هامش) *****

(1) عبارة كحق الحضانة و الولاية من ش.

(2) كذا في ف و ش و نسخة بدل ن، خ، م و ع و في غيرها: الانتقال.

(3) النقض من صاحب الجواهر، انظر الجواهر 22: 209.

(4) القواعد و الفوائد 1: 291.

(5) لم ترد لما في ش.

(6) في ش و هامش ن: مثل هذا. (*)

*****ص

10*****

ثم الظاهر: أن لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية (1)، بل هو باق علي معناه العرفي، كما سنوضحه إن شاء الله، إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه، ففي المبسوط (2) و السرائر (3) و التذكرة (4) و غيرها (5) : انتقال عين من شخص إلي غيره بعوض مقدر علي وجه التراضي و حيث إن في هذا التعريف مسامحة واضحة، عدل آخرون (6) إلي تعريفه ب: الإيجاب و القبول الدالين علي الانتقال و حيث إن البيع من مقولة المعني دون اللفظ - مجردا أو بشرط قصد المعني و إلا لم يعقل إنشاؤه باللفظ - عدل جامع المقاصد إلي تعريفه ب: نقل العين بالصيغة المخصوصة (7) و يرد عليه - مع أن النقل ليس مرادفا للبيع و لذا صرح في التذكرة: بأن إيجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت و جعله من الكنايات (8)،

***** (هامش) *****

(1) في ف: متشرعة.

(2) المبسوط 2: 76.

(3) لم ترد السرائر في غير ف، انظر السرائر 2: 240.

(4) التذكرة 1: 462.

(5) في ن، ع، ص و ش: غيرهما، انظر القواعد 1: 123 و التحرير 1: 164.

(6) منهم:

المحقق في المختصر النافع: 118 و الشهيد في الدروس 3: 191 و الفاضل المقداد في التنقيح 2: 24.

(7) جامع المقاصد 4: 55.

(8) لم نعثر عليه بعينه، نعم فيه - بعد ذكر شرط التصريح - : عدم انعقاده بمثل: أدخلته في ملكك أو جعلته لك، انظر التذكرة 1: 462. (*)

*****ص 11*****

و إن المعاطاة عنده (1) بيع مع خلوها عن الصيغة - : أن النقل بالصيغة أيضا لا يعقل إنشاؤه بالصيغة و لا يندفع هذا: بأن المراد أن البيع نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة، فجعله

مدلول الصيغة إشارة إلي تعيين ذلك الفرد من النقل، لا أنه (2) مأخوذ في مفهومه حتي يكون مدلول بعت: نقلت بالصيغة، لأنه إن اريد بالصيغة خصوص بعت لزم الدور، لأن المقصود معرفة مادة بعت و إن اريد بها ما يشمل (3) ملكت وجب الاقتصار علي مجرد التمليك و النقل. فالأولي تعريفه بأنه: إنشاء تمليك عين بمال و لا يلزم عليه شيء مما تقدم. نعم، يبقي عليه امور: منها: أنه موقوف علي جواز الإيجاب بلفظ ملكت و إلا لم يكن مرادفا له (4) و يرده:

أنه الحق كما سيجئ (5) و منها: أنه لا يشمل بيع الدين علي من هو عليه، لأن الإنسان لا يملك مالا علي نفسه.

***** (هامش) *****

(1) أي عند المحقق الثاني، راجع جامع المقاصد 4: 58.

(2) في ف: لا لأنه.

(3) في ف: يشتمل.

(4) في غير ش و مصححة ن: لها.

(5) يجئ في الصفحة 15 و 120. (*)

*****ص 12*****

و فيه - مع ما عرفت (1) و ستعرف من تعقل تملك ما علي نفسه (2) و رجوعه إلي سقوطه عنه، نظير تملك ما هو مساو لما في ذمته و سقوطه بالتهاتر - : أنه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع، إذ ليس للبيع - لغة و عرفا - معني غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الألفاظ و لذا قال فخر الدين: إن معني بعت في لغة العرب: ملكت غيري (3)، فإذا لم يعقل ملكية (4) ما في ذمة نفسه لم يعقل شيء مما يساويها، فلا يعقل البيع و منها: أنه يشمل التمليك بالمعاطاة، مع حكم المشهور، بل دعوي الإجماع علي أنها ليست بيعا (5) و فيه: ما سيجئ من كون المعاطاة

بيعا (6) و أن (7) مراد النافين نفي صحته و منها: صدقه علي الشراء، فإن المشتري بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع.

***** (هامش) *****

(1) راجع الصفحة 9، قوله: و الحاصل: أنه يعقل …

(2) في ف: ما في ذمة نفسه و في مصححة ن و نسخة بدل ش: ما في ذمته.

(3) قاله في شرح الإرشاد، علي ما حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 152.

(4) في ف: ملكيته.

(5) كما ادعاه ابن زهرة في الغنية: 214.

(6) يأتي في الصفحة 40.

(7) في ش: لأن. (*)

*****ص 13*****

و فيه: أن التمليك فيه ضمني و إنما حقيقته التملك بعوض و لذا لا يجوز الشراء بلفظ ملكت، تقدم علي الإيجاب أو تأخر و به يظهر اندفاع الإيراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين (1)، حيث إن الاستئجار يتضمن تمليك العين بمال، أعني: المنفعة و منها: انتقاض طرده بالصلح علي العين بمال و بالهبة المعوضة و فيه: أن حقيقة الصلح - و لو تعلق بالعين - ليس هو التمليك علي وجه المقابلة و المعاوضة، بل معناه الأصلي هو التسالم و لذا لا يتعدي بنفسه إلي المال. نعم، هو متضمن للتمليك إذا تعلق بعين، لا أنه نفسه و الذي يدلك علي هذا: أن الصلح قد يتعلق بالمال عينا أو منفعة، فيفيد التمليك و قد يتعلق بالانتفاع به (2)، فيفيد فائدة العارية و هو مجرد التسليط (3) و قد يتعلق بالحقوق، فيفيد الإسقاط أو الانتقال و قد يتعلق بتقرير أمر بين المتصالحين - كما في قول أحد الشريكين لصاحبه: صالحتك علي أن يكون الربح لك و الخسران عليك - فيفيد مجرد التقرير. فلو كانت (4) حقيقة الصلح هي عين كل من (5) هذه المفادات الخمسة لزم

كونه مشتركا لفظيا و هو واضح البطلان، فلم يبق إلا أن يكون مفهومه معني آخر و هو التسالم، فيفيد في كل موضع (6) فائدة من

***** (هامش) *****

(1) لم ترد بعين في ف.

(2) لم ترد به في غير ف.

(3) في ف: التسلط.

(4) في غير ش: كان.

(5) لم ترد كل من في ف.

(6) في هامش ف زيادة: من المواضع. (*)

*****ص 14*****

الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلقه. فالصلح علي العين بعوض: تسالم عليه (1) و هو يتضمن التمليك، لا أن مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام و حقيقته هو إنشاء التمليك و من هنا لم يكن طلبه من الخصم إقرارا (2)، بخلاف طلب التمليك و أما الهبة المعوضة - و المراد بها هنا: ما اشترط فيها (3) العوض - فليست إنشاء تمليك بعوض علي جهة المقابلة و إلا لم يعقل تملك أحدهما لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر (4)، مع أن ظاهرهم عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب الهبة (5)، بل غاية الأمر أن المتهب لو لم يؤد العوض كان للواهب الرجوع في هبته، فالظاهر أن التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط فيها في كونه تمليكا (6) مستقلا يقصد به وقوعه عوضا، لا أن حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة في كل من العوضين، كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن (7) الهبة الاولي (8).

***** (هامش) *****

(1) في ف زيادة: به.

(2) في ش زيادة: له.

(3) في ص: فيه.

(4) لم ترد للآخر في ف.

(5) في ش و م و نسخة بدل ن، خ و ع: بالهبة.

(6) في ف: تملكا.

(7) في ف بدل ضمن: إنشاء.

(8) في غير ف و ش زيادة ما يلي: و مما ذكرنا تقدر

علي إخراج القرض من التعريف، إذ ليس المقصود الأصلي منه المعاوضة و المقابلة، فتأمل، لكن شطب عليها في م و كتب عليها في ن: زائد. (*)

*****ص 15*****

فقد تحقق مما ذكرنا: أن حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلا البيع، فلو قال: ملكتك كذا بكذا كان بيعا و لا يصح صلحا و لا هبة معوضة و إن قصدهما، إذ التمليك علي جهة المقابلة الحقيقية ليس صلحا و لا هبة، فلا يقعان به. نعم، لو قلنا بوقوعهما بغير الألفاظ الصريحة توجه تحققهما مع قصدهما، فما قيل من أن البيع هو الأصل في تمليك الأعيان بالعوض، فيقدم علي الصلح و الهبة المعوضة (1)، محل تأمل، بل منع، لما عرفت من أن تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير. نعم، لو اتي بلفظ التمليك بالعوض و احتمل إرادة غير حقيقته كان [مقتضي] (2) الأصل اللفظي حمله علي المعني الحقيقي، فيحكم بالبيع، لكن الظاهر أن الأصل بهذا المعني ليس مراد القائل المتقدم و سيجئ توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع إن شاء الله (3). بقي (4) القرض داخلا في ظاهر الحد و يمكن إخراجه بأن مفهومه ليس نفس المعاوضة، بل هو تمليك علي وجه ضمان المثل (5) أو القيمة، لا معاوضة للعين بهما و لذا لا يجري فيه ربا المعاوضة (6) و لا الغرر

***** (هامش) *****

(1) انظر الجواهر 22: 246.

(2) لم ترد مقتضي في النسخ، إلا أنها زيدت في ن، ص و ش تصحيحا أو استظهارا.

(3) يجئ في الصفحة 91 عند قوله: الخامس في حكم جريان المعاطاة …

(4) في ف و ن: و بقي.

(5) في ف: الضمان للمثل.

(6) في ف: المعاوضات. (*)

*****ص 16*****

المنفي فيها و لا ذكر العوض و لا

العلم به، فتأمل (1). ثم إن ما ذكرنا، تعريف للبيع المأخوذ في صيغة بعت و غيره (2) من المشتقات و يظهر من بعض من قارب عصرنا (3) استعماله في معان اخر غير ما ذكر (4) : أحدها: التمليك المذكور، لكن (5) بشرط تعقبه بتملك المشتري و إليه نظر بعض مشايخنا (6)، حيث أخذ قيد التعقب (7) بالقبول (8) في تعريف البيع المصطلح و لعله لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ، بل و صحة السلب عن المجرد و لهذا لا يقال: باع فلان ماله، إلا بعد أن يكون قد اشتراه غيره و يستفاد من قول القائل: بعت مالي، أنه اشتراه غيره، لا أنه أوجب (9) البيع فقط.

***** (هامش) *****

(1) عبارة بقي القرض - إلي - فتأمل لم ترد في خ و كتب عليها في غير ف و ش: زائد و قد تقدم (في الصفحة 14، الهامش 8) زيادة عبارة عن بعض النسخ ترتبط بإخراج القرض و الظاهر أن المؤلف قدس سره كتب أولا تلك العبارة ثم أعرض عنها و بينها هنا بلفظ أوفي، فصار ذلك منشأ لاختلاف النسخ.

(2) في ف: غيرها.

(3) انظر مقابس الأنوار: 107 (كتاب البيع) و 275 (كتاب النكاح).

(4) عبارة غير ما ذكر من ف و ش و مصححة ن.

(5) في ف: لكنه.

(6) لم نعثر عليه و لعله المحقق النراقي، انظر المستند 2: 360.

(7) في ف: التعقيب.

(8) في غير ش زيادة: مأخوذا و شطب عليها في ن.

(9) في ف: وجب. (*)

*****ص 17*****

الثاني: الأثر الحاصل من الإيجاب و القبول و هو الانتقال، كما يظهر من المبسوط (1) و غيره (2). الثالث: نفس العقد المركب من الإيجاب و القبول و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد

(3). قال (4) : بل الظاهر اتفاقهم علي إرادة هذا المعني في عناوين أبواب المعاملات، حتي الإجارة و شبهه ا التي ليست هي في الأصل (5) اسما لأحد طرفي العقد (6). أقول: أما البيع بمعني الإيجاب المتعقب للقبول، فالظاهر أنه ليس مقابلا للأول و إنما هو فرد انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة علي إرادة الإيجاب المثمر، إذ لا ثمرة في الإيجاب المجرد، فقول المخبر: بعت، إنما أراد الإيجاب المقيد، فالقيد مستفاد من الخارج، لا أن البيع مستعمل في الإيجاب المتعقب للقبول و كذلك لفظ النقل و الإبدال و التمليك و شبهه ا، مع أنه لم يقل (7) أحد بأن تعقب القبول له دخل في معناها. نعم، تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج، لا في نظر الناقل، إذ

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 2: 76.

(2) السرائر 2: 240.

(3) مثل الحلبي في الكافي: 352 و ابن حمزة في الوسيلة: 236 و اختاره العلامة في المختلف 5: 51.

(4) أي بعض من قارب عصر المؤلف قدس سره ، المشار إليه آنفا.

(5) لم ترد هي في الأصل في ف.

(6) انظر مقابس الأنوار: 107 و 275.

(7) في ف: لم ينقل. (*)

*****ص 18*****

لا ينفك التأثير عن الأثر (1)، فالبيع و ما يساويه معني من قبيل الإيجاب و الوجوب، لا الكسر و الانكسار - كما تخيله بعض (2) - فتأمل و منه يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معني البيع المصطلح، فضلا عن أن يجعل أحد معانيها (3) و أما البيع بمعني الأثر و هو الانتقال، فلم يوجد في اللغة و لا في العرف (4) و إنما وقع في تعريف جماعة تبعا للمبسوط (5) و قد يوجه (6) : بأن المراد بالبيع المحدود المصدر من

المبني للمفعول، أعني: المبيعية و هو تكلف حسن و أما البيع بمعني العقد، فقد صرح الشهيد الثاني رحمه الله: بأن إطلاقه عليه مجاز، لعلاقة السببية (7) و الظاهر أن المسبب هو الأثر الحاصل في نظر الشارع، لأنه المسبب عن العقد، لا النقل الحاصل من فعل الموجب، لما عرفت من أنه حاصل بنفس إنشاء الموجب من دون توقف علي شيء، كحصول وجوب الضرب في نظر الآمر (8) بمجرد الأمر و إن لم يصر واجبا في

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و مصححة ن و قد وردت العبارة في سائر النسخ مع اختلاف - غير مخل - في التقديم و التأخير.

(2) المراد به - ظاهرا - الشيخ أسد الله التستري، راجع مقابس الأنوار: 107.

(3) كذا في النسخ و المناسب: معانيه.

(4) العبارة في ف هكذا: فلم يوجد له أثر في اللغة و لا العرف.

(5) راجع الصفحة 10.

(6) وجهه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 274.

(7) المسالك 3: 144.

(8) في ف: في نفس الآمر. (*)

*****ص 19*****

الخارج (1) في نظر غيره و إلي هذا نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوي من قولهم:

لزم البيع، أو وجب، أو لا بيع بينهما، أو أقاله في البيع و نحو ذلك و الحاصل: أن البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعني اسم المصدر مع اعتبار تحققه في نظر الشارع، المتوقف علي تحقق الإيجاب و القبول، فإضافة العقد إلي البيع بهذا المعني ليست بيانية و لذا يقال: انعقد البيع و لا ينعقد البيع. ثم إن الشهيد الثاني نص في كتاب اليمين من المسالك علي أن عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح، مجاز في الفاسد، لوجود خواص الحقيقة و المجاز، كالتبادر

و صحة السلب. قال: و من ثم حمل (2) الإقرار به عليه، حتي لو ادعي إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة و انقسامه إلي الصحيح و الفاسد أعم من الحقيقة (3)، انتهي و قال الشهيد الأول (4) في قواعده:

الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و سائر العقود لا تطلق علي الفاسد إلا الحج، لوجوب المضي فيه (5)، انتهي و ظاهره إرادة الإطلاق الحقيقي و يشكل ما ذكراه بأن وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك

***** (هامش) *****

(1) لم ترد في الخارج في ف و شطب عليها في ن.

(2) في غير ش: قبل و صحح في أكثر النسخ بما في المتن.

(3) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 159.

(4) لم ترد الأول في ف.

(5) القواعد و الفوائد 1: 158. (*)

*****ص 20*****

بإطلاق نحو * (وأحل الله البيع) * (1) و إطلاقات (2) أدلة سائر العقود في مقام الشك في اعتبار شيء فيها، مع أن سيرة علماء الإسلام التمسك بها في هذه المقامات. نعم، يمكن أن يقال: إن البيع و شبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول القائل (3) : بعت عند الإنشاء، لا يستعمل حقيقة إلا في ما كان صحيحا مؤثرا و لو في نظر القائل (4)، ثم إذا كان مؤثرا في نظر الشارع كان بيعا عنده و إلا كان صورة بيع، نظير بيع الهازل عند العرف. فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل: بعت عند العرف و الشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر و مجاز في غيره، إلا أن الإفادة و ثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف و الشرع

و أما وجه تمسك العلماء بإطلاق أدلة البيع و نحوه، فلأن الخطابات لما وردت علي طبق العرف، حمل لفظ البيع و شبهه في الخطابات الشرعية علي ما هو الصحيح المؤثر عند العرف، أو علي المصدر الذي يراد من لفظ بعت، فيستدل بإطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء علي كونه مؤثرا في نظر الشارع أيضا، فتأمل فإن للكلام محلا آخر.

* (ها مش) *

(1) البقرة: 275. (2) في ف: إطلاق. (3) كلمة القائل من ش و مصححة ن. (4) في ف: نظر الفاعل و في ش: نظرهم و في سائر النسخ جمع بين ما أثبتناه و ما في ش. (*)

*****ص 21*****

الكلام في المعاطاة

الكلام في المعاطاة

*****ص 23*****

الكلام في المعاطاة إعلم أن المعاطاة - علي ما فسره جماعة (1) - : أن يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر و هو يتصور علي وجهين: أحدهما: أن يبيح كل منهما للآخر التصرف فيما يعطيه، من دون نظر إلي تمليكه. الثاني: أن يتعاطيا علي وجه التمليك و ربما يذكر وجهان آخران (2) : أحدهما: أن يقع النقل (3) من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة، بل يعطي شيئا ليتناول شيئا فدفعه (4) الآخر إليه. الثاني: أن يقصد الملك المطلق، دون خصوص البيع.

***** (هامش) *****

(1) منهم المحقق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : 215 و الشهيد الثاني في الروضة البهية 3: 222 و السيد الطباطبائي في الرياض 1: 510.

(2) ذكره صاحب الجواهر في الجواهر 22: 226 و 227.

(3) في ن: الفعل.

(4) كذا في النسخ و المناسب: فيدفعه، كما في مصححة ع.

*****ص 24*****

و يرد الأول: بامتناع خلو الدافع (1) عن قصد عنوان من عناوين البيع، أو الإباحة، أو العارية، أو

الوديعة، أو القرض، أو غير ذلك من العنوانات الخاصة و الثاني: بما تقدم في تعريف البيع (2) : من أن التمليك بالعوض علي وجه المبادلة هو مفهوم البيع، لا غير. نعم، يظهر من غير واحد منهم (3) في بعض (4) العقود - كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك - : كون التمليك المطلق أعم من البيع. ثم إن المعروف بين علمائنا في حكمها: أنها مفيدة لإباحة التصرف (5) و يحصل الملك بتلف إحدي العينين و عن المفيد (6) و بعض العامة (7) : القول بكونها لازمة كالبيع و عن العلامة رحمه الله في النهاية:

***** (هامش) *****

(1) في نسخة بدل ن، خ، م، ع و ش: الواقع.

(2) تقدم في الصفحة 15.

(3) انظر المختلف 5: 249 و الدروس 3: 197 و جامع المقاصد 4: 110.

(4) كذا في ش و في سائر النسخ بدل في بعض: كون بعض.

(5) كما سيأتي عن الحلبي و الشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس و العلامة في التذكرة.

(6) نقله عنه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : 216 و فيه: خلافا للمفيد رحمه الله فإنه جعلها كالعقد و نسبه في جامع المقاصد (4: 58) إلي ظاهر عبارة المفيد و نحوه في مجمع الفائدة (8: 142) و في الجواهر (22: 210) : اشتهر نقل هذا عن المفيد و لكن قال بعد أسطر: و ليس فيما وصل إلينا من كلام المفيد تصريح بما نسب إليه.

(7) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر (22: 210) عن أحمد و مالك و انظر المغني لابن قدامة 3: 561 و المجموع 9: 191. (*)

*****ص 25*****

احتمال كونها بيعا فاسدا في عدم إفادتها لإباحة التصرف (1) و لا بد - أولا

- من ملاحظة أن النزاع في المعاطاة المقصود بها الإباحة، أو في المقصود بها التمليك؟ الظاهر من الخاصة و العامة هو المعني الثاني و حيث إن الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف و حصوله بعده لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطيين، نزل المحقق الكركي الإباحة في كلامهم علي الملك الجائز المتزلزل و أنه يلزم بذهاب إحدي العينين و حقق ذلك في شرحه علي القواعد و تعليقه علي الإرشاد بما لا مزيد عليه (2). لكن بعض المعاصرين لما استبعد هذا الوجه التجأ إلي جعل محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرد الإباحة و رجح بقاء الإباحة في كلامهم علي ظاهرها المقابل للملك و نزل مورد حكم قدماء الأصحاب بالإباحة علي هذا الوجه و طعن علي من جعل محل النزاع في المعاطاة بقصد التمليك، قائلا: إن القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب إلي أصاغر الطلبة، فضلا عن أعاظم الأصحاب و كبرائهم (3) و الإنصاف: أن ما ارتكبه المحقق الثاني في توجيه الإباحة بالملك المتزلزل، بعيد في الغاية عن مساق كلمات الأصحاب، مثل: الشيخ في

***** (هامش) *****

(1) نهاية الإحكام 2: 449.

(2) جامع المقاصد 4: 58، حاشية الإرشاد (مخطوط) : 216.

(3) الجواهر 22: 224 - 225. (*)

*****ص 26*****

المبسوط و الخلاف (1) و الحلي في السرائر (2) و ابن زهرة في الغنية (3) و الحلبي في الكافي (4) و العلامة في التذكرة و غيرها (5)، بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك - كما ستعرف - إلا أن جعل محل النزاع ما إذا قصد الإباحة دون التمليك أبعد منه، بل لا يكاد يوجد في كلام أحد منهم ما يقبل (6) الحمل علي هذا المعني

و لننقل - أولا - كلمات جماعة ممن ظفرنا علي كلماتهم، ليظهر منه بعد تنزيل الإباحة علي الملك المتزلزل - كما صنعه المحقق الكركي (7) - و أبعدية جعل محل الكلام في كلمات قدمائنا الأعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون التمليك (8)، فنقول و بالله التوفيق: قال (9) في الخلاف: إذا دفع قطعة إلي البقلي أو الشارب، فقال: أعطني بها بقلا أو ماء، فأعطاه، فإنه لا يكون بيعا - و كذلك سائر المحقرات - و إنما يكون إباحة له، فيتصرف كل منهما في ما أخذه تصرفا

***** (هامش) ***** *

(1) المبسوط 2: 87، الخلاف 3: 41، كتاب البيوع، المسألة 59.

(2) السرائر 2: 250.

(3) الغنية: 214.

(4) الكافي في الفقه: 352 - 353.

(5) التذكرة 1: 462 و انظر المختلف 5: 51 و الإرشاد 1: 359 و القواعد 1: 123.

(6) العبارة في ف هكذا: بل لا يكاد يوجد كلام منهم يقبل …

(7) تقدم عنه في الصفحة السابقة.

(8) في ف زيادة: كما صنعه بعض المعاصرين.

(9) في ف: قال الشيخ. (*)

*****ص 27*****

مباحا من دون أن يكون ملكه و فائدة ذلك: أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك، لأن الملك لم يحصل لهما و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا و إن لم يحصل (1) الإيجاب و القبول و قال ذلك في المحقرات، دون غيرها. دليلنا: إن العقد حكم شرعي و لا دلالة في الشرع علي وجوده هنا (2)، فيجب أن لا يثبت و أما الإباحة بذلك، فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها (3)، انتهي و لا يخفي صراحة (4) هذا الكلام في عدم

حصول الملك و في أن محل الخلاف بينه و بين أبي حنيفة ما لو قصد البيع، لا الإباحة المجردة، كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنفية، حيث إنه - بعد تفسير البيع ب: مبادلة مال بمال - قال: و ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي (5)، (6) و أيضا، فتمسكه بأن العقد حكم شرعي، يدل علي عدم انتفاء قصد البيعية و إلا لكان الأولي، بل المتعين: التعليل به، إذ مع انتفاء حقيقة

***** (هامش) *****

(1) في ش و المصدر: لم يوجد.

(2) في ف و المصدر: ها هنا.

(3) الخلاف 3: 41، كتاب البيوع، المسألة 59.

(4) في ن، خ، م و ع: ظهور و في نسخة بدلها: صراحة.

(5) في ف: و التعاطي.

(6) انظر الفتاوي الهندية 3: 2 و فيه - بعد التعريف المذكور - : و أما ركنه، فنوعان: أحدهما الإيجاب و القبول و الثاني التعاطي و هو الأخذ و الإعطاء. (*)

*****ص 28*****

البيع لغة و عرفا لا معني للتمسك بتوقيفية (1) الأسباب الشرعية، كما لا يخفي و قال في السرائر - بعد ذكر اعتبار الإيجاب و القبول و اعتبار تقدم الأول علي الثاني - ما لفظه: فإذا دفع قطعة إلي البقلي أو إلي الشارب، فقال: أعطني، فإنه لا يكون بيعا و لا عقدا، لأن الإيجاب و القبول ما حصلا و كذلك سائر المحقرات و سائر الأشياء محقرا كان أو غير محقر، من الثياب و الحيوان أو غير ذلك و إنما يكون إباحة له، فيتصرف كل منهما في ما أخذه تصرفا مباحا، من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه و لكل منهما أن يرجع في ما بذله، لأن الملك لم يحصل لهما و ليس ذلك من العقود

الفاسدة، لأنه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار إلي كل واحد منهما و إنما ذلك علي جهة الإباحة (2)، انتهي. فإن تعليله (3) عدم الملك بعدم حصول الإيجاب و القبول يدل علي أن ليس المفروض (4) ما لو لم يقصد التمليك، مع أن ذكره في حيز شروط العقد يدل علي ما ذكرنا و لا ينافي ذلك (5) قوله: و ليس هذا من العقود الفاسدة … الخ (6) كما لا يخفي.

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و ش و في سائر النسخ: بتوقفه علي، إلا أنه صحح في ن و ع بما في المتن.

(2) السرائر 2: 250.

(3) في ف: تعليل.

(4) في ظاهر ف: المقصود.

(5) لم ترد ذلك في ف.

(6) لم ترد الخ في ف. (*)

*****ص 29*****

و قال في الغنية - بعد ذكر الإيجاب و القبول في عداد شروط صحة انعقاد البيع، كالتراضي و معلومية العوضين و بعد بيان الاحتراز بكل (1) من الشروط عن المعاملة الفاقدة له - ما هذا لفظه: و اعتبرنا حصول الإيجاب و القبول، تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و الإيجاب من البائع، بأن يقول: بعنيه بألف، فيقول: بعتك بألف، فإنه لا ينعقد بذلك، بل لا بد أن يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت أو قبلت حتي ينعقد و احترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة، نحو أن يدفع إلي البقلي قطعة و يقول: اعطني بقلا، فيعطيه، فإن ذلك ليس ببيع و إنما هو إباحة للتصرف. يدل علي ما قلناه: الإجماع المشار إليه و أيضا فما اعتبرناه مجمع علي صحة العقد به و ليس علي صحته بما عداه دليل و لما ذكرنا نهي (2) صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ

سَلَّم عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة علي التأويل الآخر و معني ذلك: أن يجعل اللمس بشيء (3) و النبذ له و إلقاء الحصاة بيعا موجبا (4)، انتهي. فإن دلالة هذا الكلام علي أن المفروض قصد المتعاطيين التمليك (5)، من وجوه متعددة:

***** (هامش) *****

(1) في غير ش: لكل.

(2) في ف: نهي النبي.

(3) كذا في النسخ و الأصح: للشيء، كما في المصدر.

(4) الغنية: 214.

(5) في ف: التملك. (*)

*****ص 30*****

منها: ظهور أدلته (1) الثلاثة في ذلك و منها: احترازه عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء بنحو واحد و قال في الكافي - بعد ذكر أنه يشترط في صحة (2) البيع امور ثمانية - ما لفظه: و اشتراط (3) الإيجاب و القبول، لخروجه من دونهما عن حكم البيع - إلي أن قال - : فإن اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع و لم يستحق التسليم و إن جاز التصرف مع إخلال بعضها، للتراضي، دون عقد البيع و يصح معه الرجوع (4)، انتهي و هو في الظهور قريب من عبارة الغنية و قال المحقق رحمه الله في الشرائع: و لا يكفي التقابض من غير لفظ و إن حصل من الأمارات ما دل علي إرادة البيع (5)، انتهي و ذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة لما لم يقصد (6) به البيع، بل للتنبيه علي أنه لا عبرة بقصد البيع من الفعل و قال في التذكرة في حكم الصيغة: الأشهر عندنا أنه لا بد منها، فلا يكفي التعاطي في الجليل و الحقير، مثل أعطني بهذا الدينار ثوبا

***** (هامش) *****

(1) كذا في خ، ش و نسخة بدل ع و ظاهر ف و في سائر النسخ: أدلة.

(2) لم ترد صحة

في ف.

(3) في غير ف: و اشترط.

(4) الكافي في الفقه: 352 - 353.

(5) الشرائع 2: 13.

(6) في ف: لما يقصد. (*)

*****ص 31*****

فيعطيه ما يرضيه، أو يقول (1) : خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه و به قال الشافعي مطلقا، لأصالة بقاء الملك و قصور الأفعال عن الدلالة علي المقاصد و عن (2) بعض الحنفية و ابن شريح في الجليل و قال أحمد:

ينعقد مطلقا و نحوه قال مالك، فإنه قال: ينعقد (3) بما يعتقده (4) الناس بيعا (5)، انتهي (6) و دلالته علي قصد المتعاطيين للملك لا يخفي من وجوه، أدونها: جعل مالك موافقا لأحمد في الانعقاد من جهة أنه قال: ينعقد بما يعتقده (7) الناس بيعا و قال الشهيد في قواعده - بعد قوله: قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي و ذكر أمثلة لذلك - ما لفظه: و أما المعاطاة في المبايعات، فهي تفيد الإباحة لا الملك و إن كان في الحقير عندنا (8)، انتهي (9) و دلالتها علي قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفي.

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و ص و المصدر و في ف: و بقوله و في سائر النسخ: أو بقوله.

(2) لم ترد عن في ف و المصدر.

(3) في ف و نسخة بدل م و ع: يبيع.

(4) في غير ش: يقصده.

(5) لم ترد بيعا في ف.

(6) التذكرة 1: 462.

(7) تقدم آنفا اختلاف النسخ في هذه العبارة، انظر الهامش 3 و 4.

(8) القواعد و الفوائد 1: 178، القاعدة 47.

(9) كلمة انتهي من ف. (*)

*****ص 32*****

هذا كله، مع أن الواقع في أيدي الناس هي المعاطاة بقصد التمليك و يبعد فرض الفقهاء - من العامة و الخاصة - الكلام في غير ما هو الشائع

بين الناس، مع أنهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس. ثم إنك قد عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك، بل صراحة بعضها، كالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد و مع ذلك كله فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد:

إنهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل، فقال: المعروف بين الأصحاب أن المعاطاة بيع و إن لم تكن كالعقد في اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد و لا يقول أحد (1) بأنها بيع فاسد سوي المصنف في النهاية و قد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها (2) و قوله تعالي: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (3) عام إلا ما أخرجه الدليل و ما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب: من أنها تفيد الإباحة و تلزم بذهاب إحدي العينين، يريدون به عدم اللزوم في أول الأمر و بالذهاب يتحقق اللزوم، لامتناع إرادة الإباحة المجردة عن (4)

***** (هامش) *****

(1) في ش و المصدر زيادة: من الأصحاب.

(2) في ش و المصدر زيادة: و قوله تعالي * (أحل الله البيع) * يتناولها، لأنها بيع بالاتفاق حتي من القائلين بفسادها، لأنهم يقولون: هي بيع فاسد.

(3) النساء: 29.

(4) في غير ف و ص: من. (*)

*****ص 33*****

أصل الملك، إذ المقصود للمتعاطيين (1) الملك، فإذا لم يحصل كان بيعا فاسدا (2) و لم يجز التصرف (3) و كافة الأصحاب علي خلافه و أيضا، فإن الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا و رأسا، فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده؟ و إنما الأفعال لما لم تكن دلالتها علي المراد بالصراحة كالقول - لأنها (4) تدل بالقرائن - منعوا من لزوم العقد بها، فيجوز التراد ما دام ممكنا و

مع (5) تلف إحدي العينين يمتنع التراد فيتحقق (6) اللزوم (7) و يكفي تلف بعض إحدي العينين، لامتناع التراد في الباقي، إذ هو موجب لتبعض الصفقة و الضرر (8)، انتهي (9) و نحوه المحكي عنه في تعليقه علي الإرشاد و زاد فيه: أن مقصود المتعاطيين إباحة مترتبة علي ملك الرقبة كسائر البيوع، فإن حصل مقصودهما ثبت ما قلنا و إلا لوجب أن لا تحصل إباحة بالكلية، بل يتعين الحكم بالفساد، إذ المقصود غير واقع، فلو وقع غيره لوقع بغير

***** (هامش) *****

(1) في ش و المصدر زيادة: إنما هو.

(2) في ش و المصدر: كانت فاسدة.

(3) في ش و المصدر زيادة: في العين.

(4) العبارة في ش و المصدر هكذا: في الصراحة كالأقوال و إنما.

(5) في ش و المصدر: فمع.

(6) في ش: و يتحقق.

(7) في ش و المصدر زيادة: لأن إحداهما في مقابل الاخري.

(8) جامع المقاصد 4: 58.

(9) لم ترد انتهي في ف. (*)

*****ص 34*****

قصد و هو باطل و عليه يتفرع النماء و جواز وط ء الجارية و من منع فقد أغرب (1)، انتهي و الذي يقوي في النفس: إبقاء ظواهر كلماتهم علي حالها و أنهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك في المعاطاة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و أن الإباحة لم تحصل بإنشائها ابتداء، بل إنما حصلت - كما اعترف به في المسالك (2) - من استلزام إعطاء كل منهما سلعته مسلطا عليها الإذن في التصرف فيه بوجوه التصرفات، فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقق المتقدم في عبارته المتقدمة و حاصله: أن المقصود هو الملك، فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة التصرف، إذ الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنه لم يصدر منه إلا التمليك و

إن كانت من الشارع فليس عليها دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد إلي نص في ذلك، مع أن إلغاء الشارع للأثر المقصود و ترتيب غيره بعيد جدا، مع أن التأمل في كلامهم يعطي إرادة الإباحة المالكية لا الشرعية و يؤيد إرادة الملك: أن ظاهر إطلاقهم إباحة التصرف شمولها للتصرفات التي لا تصح إلا من المالك، كالوط ء و العتق و البيع لنفسه و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات - كما إذا وقعت هذه التصرفات من ذي الخيار، أو من (3) الواهب الذي يجوز له الرجوع - بعيد.

***** (هامش) *****

(1) حاشية الإرشاد (مخطوط) : 216.

(2) المسالك 3: 148.

(3) في ف: و من. (*)

*****ص 35*****

و سيجيء (1) ما ذكره بعض الأساطين: من أن هذا القول مستلزم لتأسيس قواعد جديدة. لكن الإنصاف: أن القول بالتزامهم لهذه الامور (2) أهون من توجيه كلماتهم، فإن هذه الامور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضي الأصل عدم الملكية و لم يساعد عليها دليل معتبر و اقتضي الدليل صحة التصرفات المذكورة، مع أن المحكي (3) عن حواشي الشهيد علي القواعد (4) : المنع عما يتوقف علي الملك، كإخراجه في خمس، أو زكاة (5) و كوط ء الجارية (6) و مما يشهد علي نفي البعد عما ذكرنا - من إرادتهم الإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك - : أنه قد صرح الشيخ في المبسوط (7) و الحلي في السرائر (8)، كظاهر العلامة في القواعد (9) بعدم حصول الملك

***** (هامش) *****

(1) يجيء في الصفحة 44.

(2) في ف: لهذه الوجوه.

(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 158.

(4) لم ترد علي القواعد في ف.

(5) في ف: و زكاة.

(6) في غير ف و ش زيادة ما

يلي: و صرح الشيخ في المبسوط: بأن الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الإيجاب و القبول و لا يحل و طؤها، لكن شطب عليها في ن و قال المامقاني رحمه الله: و هذه العبارة بتمامها قد خط - أي شطب - عليها المصنف قدس سره في نسخته. انظر غاية الآمال: 178.

(7) المبسوط 3: 315.

(8) السرائر 3: 177.

(9) القواعد 1: 274. (*)

*****ص 36*****

بإهداء الهدية بدون الإيجاب و القبول و لو من الرسول، نعم يفيد ذلك إباحة التصرف، لكن الشيخ استثني وط ء الجارية. ثم إن المعروف بين المتأخرين: أن من قال بالإباحة المجردة في المعاطاة، قال بأنها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة (1) و معقد إجماع الغنية (2) و ما أبعد ما بينه و بين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم (3)! و كلاهما خلاف الظاهر و يدفع الثاني (4) : تصريح بعضهم (5) بأن شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار، فكل بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات و تصريح غير واحد (6) بأن الإيجاب و القبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة (7) و أما الأول (8)، فإن قلنا بأن البيع عند المتشرعة حقيقة في الصحيح

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة 26 عبارة الشيخ قدس سره في الخلاف: فإنه لا يكون بيعا و في الصفحة 28 عبارة الحلي في السرائر: فإنه لا يكون بيعا و لا عقدا.

(2) تقدم في الصفحة 29.

(3) تقدم كلامه في الصفحة 32.

(4) أي توجيه المحقق الثاني.

(5) لم نقف علي مصرح بذلك، نعم قال العلامة قدس سره في القواعد (1: 141

- 142) : الأصل في البيع اللزوم و إنما يخرج عن أصله بأمرين: ثبوت خيار

و ظهور عيب.

(6) كالحلبي في الكافي: 353 و ابن زهرة في الغنية: 214 و تقدم كلامهما في الصفحة 29 و 30، فراجع.

(7) قال الشهيدي في شرحه بعد ذكر توجيه للعبارة: فالظاهر بل المتعين أن كلمة بالصيغة من غلط النسخة. (هداية الطالب: 160).

(8) أي ما هو المعروف بين المتأخرين من أن المعاطاة ليست بيعا حقيقة. (*)

*****ص 37*****

- و لو بناء علي ما قدمناه في آخر تعريف البيع (1) : من أن البيع في العرف اسم للمؤثر منه في النقل، فإن كان في نظر الشارع أو المتشرعة، من حيث إنهم متشرعة و متدينون بالشرع، صحيحا مؤثرا في الانتقال كان بيعا حقيقيا و إلا كان (2) صوريا، نظير بيع الهازل في نظر العرف - فيصح علي ذلك نفي البيعية علي وجه الحقيقة في كلام كل من اعتبر في صحته الصيغة، أو فسره بالعقد، لأ نهم في مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر في النقل في نظر الشارع. إذا عرفت ما ذكرنا

الأقوال في المعاطاة

الأقوال في المعاطاة

فالأقوال في المعاطاة - علي ما يساعده ظواهر كلماتهم - ستة: اللزوم مطلقا، كما عن ظاهر (3) المفيد (4) و يكفي في وجود القائل به قول العلامة رحمه الله في التذكرة: الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة (5) و اللزوم بشرط كون الدال علي التراضي أو المعاملة لفظا، حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني (6) و بعض متأخري المحدثين (7)، لكن

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة 20.

(2) في ف زيادة: بيعا.

(3) كذا في ف و ن و في م و ص: كما هو ظاهر المفيد و في خ و مصححة ع: كما هو عن ظاهر المفيد و في ش: كما هو ظاهر

عن المفيد.

(4) راجع الصفحة 24، الهامش 6.

(5) التذكرة 1: 462.

(6) هو السيد حسن بن السيد جعفر، علي ما في مفتاح الكرامة 4: 156 و قد حكاه الشهيد الثاني عنه بلفظ: و قد كان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب إلي ذلك، المسالك 3: 147.

(7) و هو المحدث البحراني في الحدائق 18: 355. (*)

*****ص 38*****

في عد هذا من الأقوال في المعاطاة تأمل (1) و الملك الغير اللازم، ذهب إليه المحقق الثاني و نسبه إلي كل من قال بالإباحة (2) و في النسبة ما عرفت (3) و عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك، كما هو ظاهر عبائر كثير (4)، بل ذكر في المسالك: أن كل من قال بالإباحة يسوغ جميع التصرفات (5) و إباحة ما لا يتوقف علي الملك و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشي الشهيد علي القواعد (6) و هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية من دون إيجاب و قبول (7) و القول بعدم إباحة التصرف مطلقا، نسب إلي ظاهر النهاية (8)، لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها (9) و المشهور بين علمائنا: عدم ثبوت الملك بالمعاطاة و إن قصد

***** (هامش) *****

(1) كتب في ش علي قوله: لكن - إلي - تأمل: هذه حاشية منه قدس سره.

(2) جامع المقاصد 4: 58.

(3) راجع الصفحة 25 - 26 و 34.

(4) تقدمت عباراتهم في الصفحة 26 - 31.

(5) المسالك 3: 149 و لفظه: لأن من أجاز المعاطاة سوغ أنواع التصرفات.

(6) تقدم في الصفحة 35.

(7) راجع الصفحة 35 - 36.

(8) نهاية الإحكام 2: 449، حيث قرب فيها كون حكم المعاطاة حكم المقبوض بالعقود الفاسدة.

(9) كما سيأتي عن التحرير. (*)

*****ص 39*****

المتعاطيان بها التمليك (1)،

بل لم نجد قائلا به إلي زمان المحقق الثاني الذي قال به و لم يقتصر علي ذلك حتي نسبه إلي الأصحاب (2). نعم، ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير، حيث قال فيه: الأقوي أن المعاطاة غير لازمة، بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية، فإن تلفت لزمت، انتهي و لذا نسب ذلك إليه في المسالك (3)، لكن قوله بعد ذلك: و لا يحرم علي كل منهما الانتفاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد (4) ظاهر في أن مراده مجرد الانتفاع، إذ لا معني لهذه العبارة بعد الحكم بالملك و أما قوله: و الأقوي … الخ، فهو إشارة إلي خلاف المفيد رحمه الله و العامة القائلين باللزوم و إطلاق المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان و إطلاق الفسخ علي الرد (5) بهذا الاعتبار أيضا و كذا اللزوم و يؤيد ما ذكرنا - بل يدل عليه - : أن الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقفها علي الإيجاب و القبول، ثم قال (6) : و هل يستغني عن

***** (هامش) *****

(1) عبارة و إن قصد - إلي - التمليك لم ترد في ف و ش و شطب عليها في خ و كتب عليها في ن: زائد.

(2) راجع الصفحة 32.

(3) المسالك 3: 148.

(4) التحرير 1: 164.

(5) في ف: التراد.

(6) كذا في النسخ و العبارة لا تخلو من تأمل و المعني واضح. (*)

*****ص 40*****

الإيجاب و القبول في هدية الأطعمة؟ الأقرب عدمه، نعم يباح التصرف بشاهد الحال (1)، انتهي و صرح بذلك أيضا في الهدية (2)، فإذا لم يقل في الهبة بصحة المعاطاة فكيف يقول بها في البيع؟ و ذهب جماعة (3) - تبعا للمحقق الثاني - إلي حصول الملك

و لا يخلو عن قوة، للسيرة المستمرة علي معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه بالعتق و البيع و الوط ء و الإيصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك و يدل عليه أيضا: عموم قوله تعالي: * (وأحل الله البيع) * (4)، حيث إنه يدل علي حلية جميع التصرفات المترتبة علي البيع، بل قد يقال: بأن الآية دالة عرفا بالمطابقة (5) علي صحة البيع، لا مجرد الحكم التكليفي. لكنه محل تأمل و أما منع صدق البيع عليه عرفا فمكابرة و أما دعوي الإجماع في كلام بعضهم علي عدم كون المعاطاة بيع

***** (هامش) *****

(1) التحرير 1: 281.

(2) التحرير 1: 284.

(3) منهم:

المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 139 - 141 و المحدث الكاشاني في المفاتيح 3: 48 و المحدث البحراني في الحدائق 18: 350 و 361 و المحقق النراقي في المستند 2: 361 - 362 و نفي عنه البعد المحقق السبزواري في الكفاية: 88.

(4) البقرة: 275.

(5) في ف: دالة بالمطابقة عرفا. (*)

*****ص 41*****

- كابن زهرة في الغنية (1) - فمرادهم بالبيع: المعاملة اللازمة التي هي إحدي (2) العقود و لذا صرح في الغنية بكون الإيجاب و القبول من شرائط صحة البيع و دعوي: أن البيع الفاسد عندهم ليس بيعا، قد عرفت الحال فيها (3) و مما ذكر يظهر وجه التمسك بقوله تعالي: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض) * (4) و أما قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

الناس مسلطون علي أموالهم (5) فلا دلالة فيه علي المدعي، لأن عمومه باعتبار أنواع السلطنة، فهو إنما يجدي فيما إذا شك في أن هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا في حقه،

أم لا؟ أما إذا قطعنا بأن (6) سلطنة خاصة - كتمليك ماله للغير - نافذة في حقه، ماضية شرعا، لكن شك في أن هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطي مع القصد، أم لا بد من القول الدال عليه (7) ؟ فلا يجوز الاستدلال علي سببية المعاطاة في الشريعة للتمليك

***** (هامش) *****

(1) تقدم كلامه في الصفحة 29.

(2) في ف و ش: أحد.

(3) راجع الصفحة 19 و غيرها.

(4) النساء: 29.

(5) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(6) في ف: بأنه.

(7) في ع و ش زيادة: فلا استدراكا. (*)

*****ص 42*****

بعموم تسلط الناس علي أموالهم و منه يظهر - أيضا - : عدم جواز التمسك به (1) لما سيجئ من شروط الصيغة و كيف كان، ففي الآيتين مع السيرة كفاية. اللهم إلا أن يقال: إنهما لا تدلان علي الملك و إنما تدلان علي إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك، كالبيع و الوط ء و العتق و الإيصاء و إباحة هذه التصرفات إنما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع و عدم القول بالانفكاك، دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم، حيث أطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات و صرح في المسالك: بأن من أجاز المعاطاة سوغ جميع التصرفات (2)، غاية الأمر أنه لا بد من التزامهم بأن التصرف المتوقف علي الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما، فإن الجمع بين إباحة هذه التصرفات و بين توقفها علي الملك يحصل بالتزام هذا المقدار و لا يتوقف علي الإلتزام بالملك من أول الأمر (3) ليقال (4) : إن مرجع هذه الإباحة أيضا إلي التمليك و أما ثبوت (5) السيرة و استمرارها علي التوريث، فهي كسائر سيراتهم

الناشيءة عن المسامحة و قلة المبالاة في الدين مما لا يحصي في عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم، كما لا يخفي.

***** (هامش) *****

(1) لم ترد به في خ، م و ع.

(2) المسالك 3: 149.

(3) في هامش ف زيادة: كما التزمه المحقق الثاني - صح.

(4) في غير ف و ش: فيقال.

(5) في ف: و أما ترتب. (*)

*****ص 43*****

و دعوي: أنه لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة علي الملك - كما يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد علي القواعد من منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي و عدم جواز وط ء الجارية المأخوذة بها (1) و قد صرح الشيخ رحمه الله بالأخير في معاطاة الهدايا (2) - فيتوجه (3) التمسك حينئذ بعموم الآية علي جوازها، فيثبت الملك، مدفوعة: بأنه و إن لم يثبت ذلك، إلا أنه لم يثبت أن كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال بالملك من أول الأمر، فيجوز للفقيه حينئذ التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف علي الملك، لا من أول الأمر. فالأولي حينئذ: التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا. هذا، مع إمكان إثبات صحة المعاطاة في الهبة و الإجارة ببعض إطلاقاتهما و تتميمه في البيع بالإجماع المركب. هذا، مع أن (4) ما ذكر: من أن للفقيه (5) التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه، لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه! و لذا ذكر

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة 35.

(2) المبسوط 3: 315.

(3) في ف: فيوجه.

(4) في ن شطب علي كلمة: أن.

(5) في ن شطب علي كلمة: للفقيه. (*)

*****ص 44*****

بعض الأساطين - في شرحه علي

القواعد في مقام الاستبعاد - : أن القول بالإباحة المجردة، مع فرض (1) قصد المتعاطيين التمليك و البيع، مستلزم لتأسيس قواعد جديدة: منها: أن العقود و ما قام مقام ها لا تتبع القصود و منها: أن يكون إرادة التصرف من المملكات، فتملك (2) العين أو المنفعة بإرادة التصرف بهما (3)، أو معه (4) دفعة و إن لم يخطر ببال المالك الأول الإذن في شيء من هذه التصرفات، لأنه قاصد للنقل من حين الدفع و أنه (5) لا سلطان له بعد ذلك، بخلاف من قال: اعتق عبدك عني و تصدق بمالي عنك و منها: أن الأخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاسمة (6) و الشفعة و المواريث و الربا و الوصايا تتعلق بما (7) في اليد، مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف فيه، أو عدم العلم به، فينفي بالأصل، فتكون متعلقة بغير الأملاك و أن صفة الغني و الفقر تترتب

***** (هامش) *****

(1) لم ترد فرض في ف.

(2) كذا في ص و مصححة ن و في غيرهما: فيملك.

(3) كذا في ش و ص و المصدر و مصححة ن و في خ: فيها و في سائر النسخ: بها.

(4) في أكثر النسخ: بيعه، إلا أنه صحح بعضها طبقا لما أثبتناه.

(5) في ش: لأنه.

(6) في ش و مصححتي ن و ع: المقاصة.

(7) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: بما يتعلق، لكنه صحح بعضها طبقا لما أثبتناه. (*)

*****ص 45*****

عليه كذلك، فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك و منها: كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر، مضافا إلي غرابة استناد الملك إلي التصرف و منها: جعل التلف السماوي من جانب مملكا للجانب الآخر

و التلف من الجانبين (1) معينا للمسمي من الطرفين و لا رجوع إلي قيمة المثل حتي يكون له الرجوع بالتفاوت و مع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها، فالقول بأنه المطالب، لأنه تملك (2) بالغصب أو التلف في يد الغاصب، غريب! و القول بعدم الملك بعيد جدا، مع أن في التلف القهري إن ملك التالف قبل التلف فهو عجيب (3)! و معه بعيد، لعدم قابليته (4) و بعده ملك معدوم و مع عدم الدخول في الملك يكون ملك الآخر بغير عوض و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين و منها: أن التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف علي النية، فهو بعيد و إن أوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها (5) و اطئا بالشبهة و الجاني عليه و المتلف (6) جانيا علي مال الغير و متلفا له.

***** (هامش) *****

(1) في ش و هامش ن زيادة: مع التفريط.

(2) في ص و المصدر: يملك.

(3) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: فعجيب.

(4) في ص و المصدر زيادة: حينئذ.

(5) في المصدر: من غير علم.

(6) في ش زيادة: له. (*)

*****ص 46*****

و منها: أن النماء الحادث قبل التصرف، إن جعلنا حدوثه مملكا له دون العين فبعيد، أو معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الأكثر و شمول الإذن له خفي (1) و منها: قصر التمليك (2) علي التصرف مع الاستناد فيه إلي أن (3) إذن المالك فيه إذن في التمليك، فيرجع إلي كون المتصرف في تمليكه (4) نفسه موجبا قابلا و ذلك جار في القبض، بل هو أولي منه، لاقترانه بقصد التمليك، دونه (5)، انتهي و المقصود من ذلك كله استبعاد هذا القول، لا أن

الوجوه المذكورة تنهض (6) في مقابل الاصول و العمومات، إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء. أما حكاية تبعية العقود و ما قام مقام ها للقصود، ففيها: أولا: أن المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود و لا من القائم مقام ها شرعا، فإن تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه عنه إنما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد، بمعني ترتب الأثر المقصود عليه، فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه،

***** (هامش) *****

(1) في ف: و شمول العين له غير خفي.

(2) في المصدر: التملك.

(3) لم ترد أن في ش.

(4) كذا في ف و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: في تمليك.

(5) شرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء (مخطوط) : الورقة: 50.

(6) في ف: لأن الوجوه المذكورة لا تنهض. (*)

*****ص 47*****

أما المعاملات الفعلية التي لم يدل علي صحتها دليل، فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها، كما نبه عليه الشهيد في كلامه المتقدم (1) من أن السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المبايعات (2)، نعم إذا دل الدليل علي ترتب أثر عليه حكم به (3) و إن لم يكن مقصودا و ثانيا: أن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير، فإنهم أطبقوا علي أن عقد المعاوضة إذا كان فاسدا يؤثر في ضمان كل من العوضين القيمة (4)، لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه، مع أنهما لم يقصدا إلا ضمان كل منهما بالآخر و توهم:

أن دليلهم علي ذلك قاعدة اليد، مدفوع: بأنه لم يذكر هذا الوجه إلا بعضهم معطوفا علي الوجه الأول و هو إقدامهما علي الضمان، فلاحظ المسالك (5) و كذا الشرط الفاسد (6) لم يقصد

المعاملة إلا (7) مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء.

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة 31.

(2) في ن، خ، م و ع: المعاملات و في نسخة بدلها: المبايعات.

(3) العبارة في ف هكذا: علي عدم ترتب الأثر عليه يحكم به.

(4) في مصححة ن: بالقيمة.

(5) المسالك 3: 154.

(6) كذا في النسخ و صححت العبارة في ص بزيادة: مع أنه.

(7) لم ترد إلا في ف. (*)

*****ص 48*****

و بيع ما يملك و ما لا يملك صحيح عند الكل و بيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع إجازته علي قول كثير (1) و ترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما، علي قول نسبه في المسالك و كشف اللثام إلي المشهور (2). نعم، الفرق بين العقود و ما نحن فيه: أن التخلف عن القصود (3) يحتاج إلي الدليل المخرج عن أدلة صحة العقود و فيما نحن فيه عدم الترتب مطابق للأصل و أما ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملكا، فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضي الجمع بين الأصل و دليل جواز التصرف المطلق و أدلة توقف بعض التصرفات علي الملك، فيكون كتصرف ذي الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما بالوط ء و البيع و العتق و شبهه ا (4) و أما ما ذكره من تعلق الأخماس و الزكوات - إلي آخر ما ذكره - فهو استبعاد محض و دفعه بمخالفته (5) للسيرة رجوع إليها، مع أن تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغني المانع عن استحقاق الزكاة، لا يتوقفان علي الملك.

* (ها مش) *

(1) منهم العلامة في المختلف 5: 55 و التحرير 2: 142 و القواعد 1: 124 و غيرها و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 69

و الفاضل المقداد في التنقيح 2: 27 و انظر مقابس الأنوار: 130. (2) المسالك 7: 447. كشف اللثام 2: 55. (3) في بعض النسخ: المقصود. (4) في ف: و شبههما. (5) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: و دفعها بمخالفت ها. (*)

*****ص 49*****

و أما كون التصرف مملكا للجانب الآخر، فقد ظهر جوابه و أما كون التلف مملكا للجانبين، فإن ثبت بإجماع أو سيرة - كما هو الظاهر - كان كل من المالين مضمونا بعوضه، فيكون تلفه في يد كل منهما من ماله مضمونا بعوضه، نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع، لأن هذا هو مقتضي الجمع بين هذا الإجماع و بين عموم علي اليد ما أخذت (1) و بين أصالة عدم الملك إلا في الزمان المتيقن وقوعه (2) فيه. توضيحه: أن الإجماع لما دل علي عدم ضمانه بمثله أو قيمته، حكم بكون التلف (3) من مال ذي اليد، رعاية لعموم علي اليد ما أخذت، فذلك الاجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة في أن: تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه (4)، فإذا قدر التلف (5) من مال ذي اليد (6)، فلا بد من أن يقدر في آخر أزمنة إمكان تقديره، رعاية لأصالة عدم حدوث الملكية قبله، كما يقدر ملكية المبيع للبائع و فسخ البيع من حين التلف، استصحابا لأثر العقد و أما ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة، فالظاهر علي

***** (هامش) *****

(1) مستدرك الوسائل 14: 8، الباب الأول من كتاب الوديعة، الحديث 12.

(2) كذا في ص و في سائر النسخ: بوقوعه.

(3) في مصححة ن: التالف.

(4) مستدرك الوسائل 13: 303، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث الأول و انظر الوسائل

12: 358، الباب 10 من أبواب الخيار.

(5) في مصححة ن: التالف.

(6) في غير ش: البائع، إلا أنه صحح في ن، ع و ص بما في المتن. (*)

*****ص 50*****

القول بالإباحة أن لكل منهما المطالبة ما دام باقيا و إذا تلف، فظاهر إطلاقهم التملك (1) بالتلف: تلفه من مال المغصوب منه. نعم، لو [لا] (2) قام إجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله و أما ما ذكره من حكم النماء، فظاهر المحكي عن بعض أن القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلي الآخذ (3)، بل حكمه حكم أصله و يحتمل أن يحدث النماء في ملكه بمجرد الإباحة. ثم إنك بملاحظة ما ذكرنا (4) تقدر علي التخلص عن سائر ما ذكره، مع أنه رحمه الله لم يذكرها للاعتماد و الإنصاف: أنها استبعادات في محلها و بالجملة، فالخروج عن أصالة عدم الملك المعتضد بالشهرة المحققة إلي زمان المحقق الثاني و بالاتفاق المدعي في الغنية (5) و القواعد (6) - هنا - و في المسالك - في مسألة توقف الهبة علي الإيجاب و القبول (7) - مشكل و رفع اليد عن عموم أدلة البيع و الهبة و نحوهما المعتضدة بالسيرة

***** (هامش) *****

(1) في ف، م، ع و ص: التمليك.

(2) الزيادة من ش و مصححة ن و في شرح الشهيدي: حكي أن نسخة المصنف رحمه الله صححت هكذا (هداية الطالب

: 169).

(3) في ش: بالأخذ.

(4) كذا في ف و ص و مصححتي خ و ع و في ن و م:

ثم إن مما ذكرنا و في ش: ثم إنك مما ذكرنا.

(5) تقدم في الصفحة 29.

(6) أي قواعد الشهيد، كما تقدم في الصفحة 31.

(7) المسالك 6: 10. (*)

*****ص 51*****

القطعية المستمرة

و بدعوي الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني (1) - بناء علي تأويله لكلمات القائلين بالإباحة - أشكل.

هل المعاطاة لازمة أم جائزة؟

هل المعاطاة لازمة أم جائزة؟

فالقول الثاني لا يخلو عن قوة و عليه، فهل هي لازمة ابتداء مطلقا؟ كما حكي عن ظاهر المفيد رحمه الله (2)، أو بشرط كون الدال علي التراضي لفظا؟ كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني (3) و قواه جماعة من متأخري المحدثين (4)، أو هي غير لازمة مطلقا فيجوز لكل منهما الرجوع في ماله؟ كما عليه أكثر القائلين بالملك، بل كلهم عدا من عرفت، وجوه: أوفقها بالقواعد هو الأول، بناء علي أصالة اللزوم في الملك، للشك في زواله بمجرد رجوع مالكه الأصلي و دعوي: أن الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل و المستقر و المفروض انتفاء الفرد الأول بعد الرجوع و الفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أول الأمر، فلا ينفع الاستصحاب، بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الأول، مدفوعة - مضافا إلي إمكان دعوي كفاية تحقق القدر المشترك في الاستصحاب، فتأمل - : بأن انقسام الملك إلي المتزلزل و المستقر ليس باعتبار اختلاف في حقيقته و إنما هو باعتبار حكم الشارع عليه في

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة 32.

(2) راجع الصفحة 24 و 37.

(3) راجع الصفحة 37.

(4) كالمحدث البحراني في الحدائق 18: 355 و لم نعثر علي غيره و قد تقدم في الصفحة 37 عن بعض متأخري المحدثين. (*)

*****ص 52*****

بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الأصلي و منشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك، لا اختلاف حقيقة الملك. فجواز الرجوع و عدمه من الأحكام الشرعية للسبب، لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب و يدل عليه - مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك في

أن اللزوم من خصوصيات الملك. أو من لوازم السبب المملك و مع أن المحسوس بالوجدان أن إنشاء الملك في الهبة اللازمة و غيرها علي نهج (1) واحد - : أن اللزوم و الجواز لو كانا (2) من خصوصيات الملك، فإما أن يكون تخصيص القدر المشترك بإحدي الخصوصيتين بجعل المالك، أو بحكم الشارع. فإن كان الأول، كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب (3) قصد الرجوع و قصد عدمه، أو عدم قصده و هو بديهي البطلان، إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع و عدمه و إن كان الثاني، لزم إمضاء الشارع العقد علي غير ما قصده المنشيء و هو باطل في العقود، لما تقدم أن العقود المصححة (4) عند الشارع تتبع القصود و إن أمكن القول بالتخلف هنا في مسألة المعاطاة، بناء علي ما ذكرنا سابقا انتصارا للقائل بعدم الملك: من منع وجوب

***** (هامش) *****

(1) في ف: منهج.

(2) كذا في ش و مصححة ص و في غيرهما: لو كان.

(3) العبارة في ف هكذا: التفصيل في أقسام التمليك بين.

(4) في ف: الصحيحة. (*)

*****ص 53*****

إمضاء المعاملات الفعلية علي طبق قصود المتعاطيين (1)، لكن الكلام في قاعدة اللزوم في الملك يشمل (2) العقود أيضا و بالجملة، فلا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعا و كذا لو شك في أن الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز، كالصلح من دون عوض و الهبة. نعم، لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة و يدل علي اللزوم - مضافا إلي ما ذكر - عموم قوله (3) صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

الناس مسلطون علي أموالهم (4) فإن مقتضي السلطنة أن لا يخرج عن ملكيته

(5) بغير اختياره، فجواز تملكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة. فاندفع ما ربما يتوهم:

من أن غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص علي ملكه و لا نسلم ملكيته (6) له بعد رجوع المالك الأصلي و لما (7) ذكرنا تمسك المحقق رحمه الله - في الشرائع - علي لزوم القرض

***** (هامش) *****

(1) راجع الصفحة 47.

(2) كذا في ف و ن و في غيرهما: تشمل.

(3) كذا في ف و في سائر النسخ: قولهم.

(4) عوالي اللآلي 3: 208، الحديث 49.

(5) في ف: عن الملكية و في نسخة بدل ش: عن ملكه.

(6) كذا في ص و في سائر النسخ: ملكية.

(7) في أكثر النسخ: بما. (*)

*****ص 54*****

بعد القبض: بأن فائدة الملك السلطنة (1) و نحوه العلامة رحمه الله في موضع (2) آخر (3) و منه يظهر جواز التمسك بقوله عليه السلام : لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفسه (4)، حيث دل علي انحصار سبب حل مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك، فلا يحل بغير رضاه و توهم:

تعلق الحل بمال الغير و كونه مال الغير بعد الرجوع أول الكلام، مدفوع: بما تقدم (5)، مع أن (6) تعلق الحل بالمال يفيد العموم، بحيث يشمل التملك أيضا، فلا يحل التصرف فيه و لا تملكه إلا بطيب نفس المالك و يمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالي: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض) * (7) و لا ريب أن الرجوع

***** (هامش) *****

(1) الشرائع 2: 68.

(2) في ف: مواضع.

(3) لعله أشار بذلك إلي ما أفاده في التذكرة (1: 464) بقوله: يجوز بيع كل ما فيه منفعة، لأن الملك سبب لإطلاق التصرف، أو إلي ما أفاده

في (1: 595) بقوله: و فائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات.

(4) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309 و فيه: لا يحل مال امرئ مسلم … و جاء في تحف العقول مرسلا عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

و لا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، تحف العقول: 34.

(5) تقدم في الصفحة السابقة عند دفع التوهم عن الاستدلال بقوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

الناس مسلطون …

(6) في ش و مصححة ن: من أن. (7)

النساء: 29. (*)

*****ص 55*****

ليست (1) تجارة و لا عن تراض، فلا يجوز أكل المال و التوهم المتقدم في السابق [غير] (2) جار هنا، لأن حصر مجوز أكل المال في التجارة إنما يراد به أكله علي أن يكون ملكا للآكل لا لغيره و يمكن التمسك أيضا بالجملة المستثني منها، حيث إن أكل المال و نقله عن مالكه بغير رضا المالك، أكل و تصرف بالباطل عرفا. نعم، بعد إذن المالك الحقيقي - و هو الشارع - و حكمه بالتسلط (3) علي فسخ المعاملة من دون رضا المالك يخرج عن (4) البطلان و لذا كان أكل المارة من الثمرة الممرور بها أكلا بالباطل لولا إذن المالك الحقيقي و كذا الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من الأسباب (5) القهرية. هذا كله، مضافا إلي ما دل علي لزوم خصوص البيع، مثل قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

البيعان بالخيار ما لم يفترقا (6).

***** (هامش) *****

(1) في ص و مصححة ن: ليس.

(2) لم ترد غير في النسخ و وردت في هامش نسخ ن، ع و ش استظهارا و قد أيد الشهيدي قدس سره ضرورة هذه الزيادة، انظر هداية الطالب:

170.

(3) كذا في ف و مصححة ن و في سائر النسخ: التسلط.

(4) في ف: من.

(5) كذا في ف و ش و في غيرهما: النواقل.

(6) عوالي اللآلي 3: 209، الحديث 51 و انظر الوسائل 12: 345، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2. (*)

*****ص 56*****

و قد يستدل أيضا بعموم قوله تعالي: * (أوفوا بالعقود) * (1)، بناء علي أن العقد هو مطلق العهد، كما في صحيحة عبد الله بن سنان (2)، أو العهد المشدد، كما عن بعض أهل اللغة (3) و كيف كان، فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة و كذلك قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

المؤمنون عند شروطهم (4)، فإن الشرط لغة مطلق الإلتزام (5)، فيشمل ما كان بغير اللفظ و الحاصل: أن الحكم باللزوم في مطلق الملك و في خصوص البيع مما لا ينكر، إلا أن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع علي عدم لزوم المعاطاة، بل ادعاه صريحا بعض الأساطين في شرح القواعد (6) و يعضده الشهرة المحققة، بل لم يوجد به قائل إلي زمان بعض متأخري المتأخرين (7)، فإن العبارة المحكية عن المفيد رحمه الله (8) في المقنعة لا تدل

***** (هامش) *****

(1) المائدة: 1.

(2) تفسير القمي 1: 160 و تفسير العياشي 1: 289، الحديث 5 و عنه الوسائل 16: 206، الباب 25 من كتاب النذر و العهد، الحديث 3.

(3) انظر لسان العرب 9: 309 و القاموس 1: 315، مادة: عقد و مجمع البحرين 3: 103.

(4) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.

(5) قال الفيروزآبادي في القاموس (2

: 368) : الشرط إلزام الشيء و التزامه في البيع و نحوه.

(6) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة: 49.

(7) كالمحقق

الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 144 و المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 48.

(8) عبارة المحكية عن المفيد لم ترد في ف و شطب عليها في ن. (*)

*****ص 57*****

علي هذا القول - كما عن المختلف الاعتراف به (1) - فإنه قال (2) : ينعقد البيع علي تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا و تراضيا بالبيع و تقابضا و افترقا بالأبدان (3)، انتهي و يقوي إرادة بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره في اللزوم و كانه لذلك (4) حكي كاشف الرموز عن المفيد و الشيخ رحمهما الله: أنه لا بد في البيع عندهما من لفظ مخصوص (5) و قد تقدم دعوي الإجماع من الغنية علي عدم كونها بيعا (6) و هو نص في عدم اللزوم و لا يقدح كونه ظاهرا في عدم الملكية الذي لا نقول به و عن جامع المقاصد:

يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع (7). نعم، قول العلامة رحمه الله في التذكرة: إن الأشهر عندنا أنه لا بد

***** (هامش) *****

(1) المختلف 5: 51 و فيه - بعد نقل عبارة المقنعة - : و ليس في هذا تصريح بصحته إلا أنه موهم.

(2) كذا في ف، ش و مصححة ن و في سائر النسخ: فإن المحكي عنه أنه قال.

(3) المقنعة: 591.

(4) في ف: لذا.

(5) كشف الرموز 1: 445 - 446.

(6) تقدم في الصفحة 29.

(7) جامع المقاصد 5: 309 و فيه: لأن النطق معتبر في العقود اللازمة بالإجماع و حكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 276. (*)

*****ص 58*****

من الصيغة (1) يدل علي وجود الخلاف المعتد به في المسألة و لو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور و كذلك نسبته في

المختلف إلي الأكثر (2) و في التحرير: أن الأقوي أن المعاطاة غير لازمة (3). ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء علي عدم لزومها - مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلي أنها ليست مملكة و إنما تفيد الإباحة - لم يكن هذا الاتفاق كاشفا، إذ القول باللزوم فرع الملكية و لم يقل بها إلا بعض من تأخر عن المحقق الثاني (4) تبعا له و هذا مما يوهن حصول القطع - بل الظن - من الاتفاق المذكور، لأن قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء (5) الموضوع. نعم، يمكن أن يقال - بعد ثبوت الاتفاق المذكور - : إن أصحابنا بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا، فالقول بالملك اللازم قول ثالث، فتأمل و كيف كان، فتحصيل الإجماع علي وجه استكشاف قول الإمام عن قول غيره من العلماء - كما هو طريق (6) المتأخرين - مشكل،

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 1: 462.

(2) المختلف 5: 51.

(3) التحرير 1: 164.

(4) مثل المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 139 و غيره، راجع الصفحة 40، الهامش 3.

(5) في ف: منتفية.

(6) في ف: طريقة. (*)

*****ص 59*****

لما ذكرنا (1) و إن كان هذا لا يقدح في الإجماع علي طريق القدماء، كما بين في الاصول (2) و بالجملة، فما ذكره في المسالك من قوله - بعد ذكر قول من اعتبر (3) مطلق اللفظ في اللزوم - : ما أحسنه و أمتن (4) دليله إن لم يكن إجماع (5) علي خلافه (6) في غاية الحسن و المتانة و الإجماع و إن لم يكن محققا علي وجه يوجب القطع، إلا أن المظنون قويا تحققه علي عدم اللزوم، مع عدم لفظ دال علي إنشاء التمليك، سواء

لم يوجد لفظ أصلا أم وجد و لكن لم ينشأ التمليك به (7)، بل كان من جملة القرائن علي قصد التمليك بالتقابض و قد يظهر ذلك من غير واحد من الأخبار (8)، بل يظهر (9) منها أن إيجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطي كان متعارفا بين أهل السوق و التجار.

***** (هامش) *****

(1) في الصفحة السابقة.

(2) راجع فرائد الاصول: 79 - 83.

(3) في ش: من لم يعتبر.

(4) كذا في ف و في غيره: و ما أمتن.

(5) في ش و المصدر: إن لم ينعقد الإجماع.

(6) المسالك 3: 152.

(7) في ف: به التمليك.

(8) انظر الوسائل 12: 114، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به و الصفحة 375 و 385، الباب 8 و 14 من أبواب أحكام العقود.

(9) في ف: بل قد يظهر. (*)

*****ص 60*****

بل يمكن دعوي السيرة علي عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة التي يراد بها عدم الرجوع بمجرد التراضي. نعم، ربما يكتفون بالمصافقة، فيقول البائع: بارك الله لك، أو ما أدي هذا المعني بالفارسية (1). نعم، يكتفون بالتعاطي في المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها، بل ينكرون علي الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين. نعم، الاكتفاء في اللزوم (2) بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد، للسيرة و لغير واحد من الأخبار، كما سيجيء إن شاء الله تعالي في شروط الصيغة. بقي الكلام في الخبر الذي تمسك به في باب المعاطاة، تارة علي عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرف و اخري علي عدم إفادتها اللزوم، جمعا بينه و بين ما دل علي صحة مطلق البيع - كما صنعه في الرياض (3) - و هو قوله عليه السلام : إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام و توضيح المراد منه

يتوقف علي بيان تمام الخبر و هو ما رواه ثقة الإسلام في باب بيع ما ليس عنده و الشيخ في باب النقد و النسيئة عن ابن أبي عمير، عن يحيي بن الحجاج، عن خالد بن الحجاج (4) - أو ابن نجيح (5) - قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل

***** (هامش) *****

(1) وردت عبارة: نعم - إلي - بالفارسية في أكثر النسخ في المتن و في بعضها في الهامش، لكن شطب عليها في ف و كتب عليها في ن: زائد.

(2) في ف: باللزوم.

(3) الرياض 1: 511.

(4) كما في التهذيب.

(5) كما في الكافي. (*)

*****ص 61*****

يجيئني و يقول: اشتر لي هذا الثوب و اربحك كذا و كذا. فقال: أليس إن شاء أخذ و إن شاء ترك؟ قلت: بلي. قال: لا بأس، إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام (1) (2) و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات اخر مجردة عن قوله عليه السلام : إنما يحلل … الخ (3)، كلها تدل علي أنه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه و نقول: إن هذه الفقرة - مع قطع النظر عن صدر الرواية - تحتمل وجوها: الأول: أن يراد من الكلام في المقامين اللفظ الدال علي التحليل و التحريم (4)، بمعني أن تحريم شيء و تحليله لا يكون إلا بالنطق بهما، فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال. الثاني: أن يراد ب الكلام اللفظ مع مضمونه، كما في قولك: هذا الكلام صحيح أو فاسد، لا مجرد اللفظ - أعني الصوت - و يكون المراد:

أن المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعي حلا و

حرمة (5)

***** (هامش) *****

(1) في ن، خ، م و ع زيادة: الخبر و الظاهر أنه لا وجه له، لأن الخبر مذكور بتمامه.

(2) انظر الكافي 5: 201، الحديث 6 و التهذيب 7: 50، الحديث 216 و الوسائل 12: 376، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4.

(3) انظر الوسائل 12: 375، الباب 8 من أبواب العقود.

(4) كذا في ف و في غيره: التحريم و التحليل.

(5) في ف: أو حرمة. (*)

*****ص 62*****

باختلاف المضامين المؤداة بالكلام، مثلا (1) : المقصود الواحد و هو التسليط علي البضع مدة معينة يتأتي بقولها: ملكتك بضعي أو سلطتك عليه أو آجرتك نفسي أو أحللتها لك و بقولها: متعتك (2) نفسي بكذا، فما عدا الأخير موجب لتحريمه و الأخير محلل و بهذا (3) المعني ورد قوله عليه السلام : إنما يحرم الكلام في عدة من روايات المزارعة (4). منها: ما في التهذيب عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير (5)، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر، فقال: لا ينبغي له أن يسمي بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع في أرضك و لك منها كذا و كذا: نصف، أو ثلث، أو ما كان من شرط و لا يسمي بذرا و لا بقرا، فإنما يحرم الكلام (6).

***** (هامش) *****

(1) كلمة مثلا ساقطة من خ، م، ع و ص.

(2) كذا في ف و في غيره: متعت.

(3) كذا في ف و في غيره: علي هذا.

(4) راجع الوسائل 13: 200 - 201، الباب 8 من أبواب المزارعة و المساقاة، الحديث 4، 6 و 10.

(5)

عبارة عن خالد بن جرير من ش و المصدر.

(6) التهذيب 7: 194، الحديث 857 و عنه الوسائل 13: 201، الباب 8 من أبواب المزارعة، الحديث 10 و بما أن الحديث ورد مختلفا في النسخ و مع تقديم و تأخير في بعضها، فلذلك أثبتناه طبقا لنسخة ش التي هي مطابقة مع المصدر. (*)

*****ص 63*****

الثالث: أن يراد ب الكلام في الفقرتين الكلام الواحد و يكون تحليله و تحريمه (1) باعتبار (2) وجوده و عدمه، فيكون وجوده محللا و عدمه محرما، أو بالعكس، أو باعتبار محله و غير محله، فيحل في محله و يحرم في غيره و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة. الرابع: أن يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة و من الكلام المحرم إيجاب البيع و إيقاعه. ثم إن الظاهر عدم إرادة المعني الأول، لأنه مع لزوم تخصيص الأكثر - حيث إن ظاهره حصر أسباب التحليل و التحريم في الشريعة في اللفظ - يوجب عدم ارتباطه بالحكم المذكور في الخبر جوابا عن السؤال، مع كونه كالتعليل له، لأن ظاهر الحكم - كما يستفاد من عدة روايات اخر (3) - تخصيص الجواز بما إذا لم يوجب البيع علي الرجل قبل شراء (4) المتاع من مالكه و لا دخل لاشتراط النطق في التحليل و التحريم في هذا الحكم أصلا، فكيف يعلل به؟ و كذا المعني الثاني، إذ ليس هنا مطلب واحد حتي يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما.

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و في غيرها: تحريمه و تحليله.

(2) كذا في م، ص و مصححة ن و في غيرها: اعتبار.

(3) انظر الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب العقود، الحديث 4 و الصفحة 374،

الباب 7 من الأبواب، الحديث 3 و الصفحة 378، الباب 8 من الأبواب، الحديث 11 و 13.

(4) في ف: اشتراء. (*)

*****ص 64*****

فتعين: المعني الثالث و هو: أن الكلام الدال علي الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة إلا وجوده قبل شراء العين التي يريدها الرجل، لأنه بيع ما ليس عنده و لا يحلل إلا عدمه، إذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل إلا التواعد بالمبايعة و هو غير مؤثر. فحاصل الرواية: أن سبب التحليل و التحريم في هذه المعاملة منحصر في الكلام عدما و وجودا (1). أو المعني الرابع و هو: أن المقاولة و المراضاة مع المشتري الثاني قبل اشتراء العين محلل للمعاملة و إيجاب البيع معه محرم لها و علي كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة علي اعتبار الكلام في التحليل، كما هو المقصود في مسألة المعاطاة. نعم، يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع بوجه آخر - بعد ما عرفت من أن (2) المراد ب الكلام هو إيجاب البيع - بأن يقال: إن حصر المحلل و المحرم في الكلام لا يتأتي إلا مع انحصار إيجاب البيع في الكلام، إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم في الكلام، إلا أن يقال: إن وجه انحصار إيجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في خصوص المورد، إذ المفروض أن المبيع عند مالكه الأول، فتأمل و كيف كان، فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور. كما يشعر به قوله عليه السلام في رواية اخري واردة في هذا الحكم أيضا و هي رواية

***** (هامش) ***** *

(1) في ف: أو وجودا.

(2) في خ، م، ع، ص و مصححة ن: بأن. (*)

*****ص

65*****

يحيي بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام : عن رجل قال لي: اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابة و بعنيها اربحك (1) فيها كذا و كذا؟ قال: لا بأس بذلك، اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها (2)، فإن الظاهر أن المراد من مواجبة البيع ليس مجرد إعطاء العين للمشتري (3) و يشعر به أيضا رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلي أصل المال، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يريد أن يبيع بيعا فيقول: أبيعك بده دوازده، [أو ده يازده] (4) ؟ فقال: لا بأس، إنما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة (5)، فإن ظاهره - علي ما فهمه بعض الشراح (6) - : أنه لا يكره ذلك في المقاولة التي قبل العقد و إنما يكره حين العقد و في صحيحة ابن سنان: لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك، تساومه ثم تشتري له نحو الذي طلب، ثم توجبه علي نفسك، ثم تبيعه منه بعد (7).

***** (هامش) *****

(1) في ش: ارابحك.

(2) الوسائل 12: 378، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 13.

(3) لم ترد عبارة: فإن الظاهر - إلي - للمشتري في ف.

(4) من ش و المصدر.

(5) الوسائل 12: 386، الباب 14 من أبواب أحكام العقود، الحديث 5.

(6) و هو المحدث الكاشاني قدس سره في الوافي 18: 693، الحديث 18131.

(7) الوسائل 12: 375، الباب 8 من أبواب العقود، الحديث الأول. (*)

*****ص 66*****

التنبيه علي أمور: و ينبغي التنبيه علي امور

الأمر الأول: هل المعاطاة بيع حقيقة أم لا؟

الظاهر (1) : أن المعاطاة قبل اللزوم - علي القول بإفادتها الملك - بيع، بل الظاهر من كلام المحقق الثاني في جامع المقاصد (2) : أنه مما لا كلام فيه

حتي عند القائلين بكونها فاسدة، كالعلامة في النهاية (3) و دل علي ذلك تمسكهم له بقوله تعالي: * (أحل الله البيع) * (4) و أما علي القول بإفادتها للإباحة (5)، فالظاهر: أنها (6) بيع عرفي لم يؤثر شرعا إلا الإباحة، فنفي البيع عنها في كلامهم (7) و معاقد إجماعاتهم (8) هو البيع المفيد شرعا اللزوم زيادة علي الملك. هذا علي ما اخترناه سابقا (9) : من أن مقصود المتعاطيين في

***** (هامش) *****

(1) في ف: أن الظاهر.

(2) جامع المقاصد 4: 58.

(3) نهاية الإحكام 2: 449.

(4) البقرة: 275.

(5) في ف زيادة: دون الملك.

(6) كذا في ف و مصححة م و ص و في غيرها: أنه.

(7) مثل ما تقدم عن الخلاف في الصفحة 26 و عن السرائر و الغنية في الصفحة 28 و 29.

(8) كذا في ف و في غيرها: إجماعهم.

(9) في الصفحتين 25 و 32. (*)

*****ص 67*****

المعاطاة التملك (1) و البيع (2) و أما علي ما احتمله بعضهم (3) - بل استظهره (4) - : من أن محل الكلام هو ما إذا قصدا (5) مجرد الإباحة، فلا إشكال في عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا و علي هذا فلا بد عند الشك في اعتبار شرط فيها من الرجوع إلي الأدلة الدالة علي صحة هذه الإباحة العوضية من خصوص أو عموم و حيث إن المناسب لهذا القول التمسك في مشروعيته بعموم:

الناس مسلطون علي أموالهم (6) كان مقتضي القاعدة هو نفي شرطية غير ما ثبت شرطيته، كما أنه لو تمسك لها بالسيرة كان مقتضي القاعدة العكس و الحاصل: أن المرجع - علي هذا - عند الشك في شروطها، هي أدلة هذه المعاملة، سواء اعتبرت في البيع أم لا

و أما علي المختار: من أن الكلام فيما قصد (7) به البيع، فهل (8)

***** (هامش) *****

(1) في هامش ص: التمليك - ظ و هكذا أثبته المامقاني قدس سره في حاشيته، انظر غاية الآمال: 187.

(2) لم ترد و البيع في ف.

(3) و هو صاحب الجواهر قدس سره ، انظر الجواهر 22: 224.

(4) في ف: استظهر.

(5) في ف: قصد.

(6) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(7) في ف: يقصد.

(8) كذا في ص و ش و في غيرهما: هل. (*)

*****ص 68*****

يشترط فيه شروط البيع مطلقا، أم لا كذلك، أم يبتني (1) علي القول بإفادتها للملك و القول بعدم إفادتها إلا الإباحة (2) ؟ وجوه: يشهد للأول: كونها بيعا عرفا، فيشترط (3) فيها جميع ما دل علي اشتراطه في البيع و يؤيده:

أن محل النزاع بين العامة و الخاصة في المعاطاة هو: أن الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشرائط، أم لا؟ - كما يفصح عنه عنوان المسألة في كتب كثير من الخاصة و العامة (4) - فما انتفي فيه غير الصيغة من شروط البيع، خارج عن هذا العنوان و إن فرض مشاركا له في الحكم و لذا ادعي (5) في الحدائق: أن المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة: صحة المعاطاة المذكورة إذا استكملت (6) شروط البيع غير الصيغة المخصوصة و أنها تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض (7) و مقابل المشهور في كلامه، قول العلامة رحمه الله في النهاية بفساد المعاطاة (8) - كما صرح به بعد ذلك - فلا يكون كلامه موهما لثبوت

***** (هامش) *****

(1) في ف: مبني.

(2) في ف: إلا للإباحة.

(3) في ف: ليشترط.

(4) كذا في ف و في غيرها: العامة و الخاصة.

(5) كذا في

ش و في ف غير مقروءة و في غيرهما: أفتي.

(6) كذا في ف و في غيرها: استكمل.

(7) الحدائق 18: 356.

(8) نهاية الإحكام 2: 449. (*)

*****ص 69*****

الخلاف في اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شرائط البيع و يشهد للثاني: أن البيع في النص و الفتوي ظاهر فيما حكم فيه باللزوم و ثبت له الخيار في قولهم:

البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه. أما علي القول بالإباحة، فواضح، لأن المعاطاة ليست علي هذا القول بيعا في نظر الشارع و المتشرعة، إذ لا نقل فيه عند الشارع، فإذا ثبت إطلاق الشارع عليه في مقام (1)، فنحمله علي الجري علي ما هو بيع باعتقاد العرف، لاشتماله علي النقل في نظرهم و قد تقدم سابقا - في تصحيح دعوي الإجماع علي عدم كون المعاطاة بيعا (2) - بيان ذلك و أما علي القول بالملك، فلأن المطلق ينصرف إلي الفرد المحكوم باللزوم في قولهم:

البيعان بالخيار و قولهم:

إن الأصل في البيع اللزوم و الخيار إنما ثبت لدليل و أن البيع بقول مطلق (3) من العقود اللازمة و قولهم:

البيع هو العقد الدال علي كذا و نحو ذلك و بالجملة، فلا يبقي للمتأمل شك في أن إطلاق البيع في النص و الفتوي يراد به ما لا يجوز فسخه إلا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل (4) و وجه الثالث: ما تقدم للثاني علي القول بالإباحة، من سلب

***** (هامش) *****

(1) لم ترد في مقام في ف.

(2) في الصفحة 41 و غيرها.

(3) في ف: و أن البيع مطلقا.

(4) في ف: لخيار أو لتقايل. (*)

*****ص 70*****

البيع عنه و للأول علي القول بالملك، من صدق البيع عليه حينئذ و إن لم يكن لازما و يمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره

في البيع من النص، فيحمل علي البيع العرفي و إن لم يفد عند الشارع إلا الإباحة و بين ما ثبت بالإجماع علي اعتباره في البيع بناء علي انصراف البيع في كلمات المجمعين إلي العقد اللازم و الاحتمال الأول لا يخلو عن قوة، لكونها بيعا ظاهرا علي القول بالملك - كما عرفت من جامع المقاصد (1) - و أما علي القول بالإباحة، فلأنها لم تثبت إلا في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط، فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا. ثم إنه حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه علي القواعد أنه - بعد ما منع من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي إلا بعد تلف العين، يعني العين الاخري - ذكر: أنه يجوز أن يكون الثمن و المثمن في المعاطاة مجهولين، لأنها ليست عقدا و كذا جهالة الأجل و أنه لو اشتري أمة بالمعاطاة لم يجز له (2) نكاحها قبل تلف الثمن (3)، انتهي و حكي عنه في باب الصرف أيضا: أنه لا يعتبر التقابض في المجلس في معاطاة النقدين (4).

***** (هامش) *****

(1) راجع الصفحة 32 و غيرها.

(2) لم ترد له في ف.

(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 158.

(4) نفس المصدر، الصفحة 397. (*)

*****ص 71*****

أقول: حكمه قدس سره بعدم جواز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح المأخوذ بها، صريح في عدم (1) إفادتها للملك، إلا أن حكمه رحمه الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة (2) للبيع و الصرف معللا بأن المعاطاة ليست عقدا، يحتمل أن يكون باعتبار عدم الملك، حيث إن المفيد للملك منحصر في العقد و أن يكون باعتبار عدم اللزوم، حيث إن الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي

اللازم و الأقوي: اعتبارها و إن قلنا بالإباحة، لأنها بيع عرفي و إن لم يفد شرعا إلا الإباحة و مورد الأدلة الدالة علي اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي لا خصوص العقدي، بل تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب و لما عرفت من أن الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك، الفساد و عدم تأثيره شيئا، خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم و العدم و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة و بقي الباقي و بما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيها (3) أيضا و إن خصصنا الحكم بالبيع، بل الظاهر التحريم حتي عند من لا يراها (4) مفيدة للملك، لأنها معاوضة عرفية و إن لم تفد الملك، بل معاوضة شرعية، كما (5) اعترف به

***** (هامش) *****

(1) في ف: صريح في قوله بعدم.

(2) في ف: باعتبار الشرط المذكور.

(3) كذا في ف و م و في غيرهما: فيه.

(4) في ف: عند من يراها.

(5) كما ساقطة من ش. (*)

*****ص 72*****

الشهيد رحمه الله في موضع من الحواشي، حيث قال: إن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة (1)، انتهي و لو قلنا بأن المقصود للمتعاطيين (2) الإباحة لا الملك، فلا يبعد أيضا جريان الربا، لكونها معاوضة عرفا، فتأمل (3) و أما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم، فيمكن نفيه علي المشهور، لأنها إباحة (4) عندهم، فلا معني للخيار (5) و إن قلنا بإفادة الملك، فيمكن القول بثبوت الخيار فيه (6) مطلقا، بناء علي صيرورتها بيعا بعد اللزوم - كما سيأتي عند تعرض الملزمات - فالخيار موجود من زمان المعاطاة، إلا أن أثره يظهر بعد اللزوم و علي هذا فيصح إسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم

و يحتمل أن يفصل بين الخيارات المختصة بالبيع، فلا تجري، لاختصاص أدلتها بما وضع علي اللزوم من غير جهة الخيار (7) و بين

***** (هامش) *****

(1) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 158.

(2) في ف زيادة: إنشاء.

(3) وردت عبارة و لو قلنا - إلي - فتأمل في ف و هامش ن، خ و م و كتب بعدها في ن: إلحاق منه دام ظله و في خ و م:

إلحاق منه رحمه الله.

(4) كذا في ف و ش و في غيرهما: جائزة بدل إباحة، لكن صححت في ع بما أثبتناه.

(5) في ف زيادة: مطلقا.

(6) لم ترد فيه في ف.

(7) عبارة لاختصاص - إلي - الخيار ساقطة من ف. (*)

*****ص 73*****

غيرها - كخيار الغبن و العيب بالنسبة إلي الرد دون الأرش - فتجري (1)، لعموم أدلتها و أما حكم الخيار بعد اللزوم، فسيأتي (2) بعد ذكر الملزمات إن شاء الله (3).

***** (هامش) *****

(1) كذا في ص و مصححة ن و في غيرهما: فيجري.

(2) سيأتي في الأمر السابع، الصفحة 103.

(3) التعليق علي المشيئة من ف. (*)

*****ص 74*****

الأمر الثاني: حكم الإعطاء من جانب واحد

الأمر الثاني: حكم الإعطاء من جانب واحد:

إن المتيقن من مورد المعاطاة: هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين، فالملك أو الإباحة في كل منهما بالإعطاء، فلو حصل الإعطاء من جانب واحد لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر أو ملكيته، فلا يتحقق المعاوضة و لا الإباحة رأسا، لأن كلا منهما ملك أو مباح في مقابل ملكية (1) الآخر أو إباحته، إلا أن الظاهر من جماعة من متأخري المتأخرين (2) - تبعا للشهيد في الدروس (3) - جعله (4) من المعاطاة و لا ريب أنه لا يصدق معني المعاطاة، لكن هذا لا يقدح في

جريان حكمها عليه، بناء علي عموم الحكم لكل بيع فعلي، فيكون إقباض أحد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض، أو مبيحا (5) له به و أخذ الآخر له تملكا له بالعوض، أو إباحة له بإزائه، فلو كان المعطي هو الثمن كان

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و في ف: الملك و في ن: ملك و في غيرها: ملكه.

(2) منهم:

المحقق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : 217 و السيد المجاهد في المناهل: 270 و الشيخ الكبير في شرحه علي القواعد (مخطوط) : الورقة: 51 و صاحب الجواهر في الجواهر 22: 238 و يظهر من المحدث البحراني و السيد العاملي أيضا، انظر الحدائق 18: 364 و مفتاح الكرامة 4: 158.

(3) الدروس 3: 192.

(4) كذا في ش و في غيرها: جعلوه، إلا أنه صحح في خ، ع و ص بما في المتن.

(5) في ص: إباحة. (*)

*****ص 75*****

دفعه علي القول بالملك و البيع (1) اشتراء و أخذه بيعا للمثمن به، فيحصل الإيجاب و القبول الفعليان (2) بفعل واحد في زمان واحد. ثم صحة هذا علي القول بكون المعاطاة بيعا مملكا واضحة، إذ يدل عليها ما دل علي صحة المعاطاة من الطرفين و أما علي القول بالإباحة، فيشكل بأنه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل علي تأثيرها في الإباحة، اللهم إلا أن يدعي قيام السيرة عليها، كقيامها علي المعاطاة الحقيقية و ربما يدعي انعقاد المعاطاة بمجرد إيصال الثمن و أخذ المثمن من غير صدق إعطاء أصلا، فضلا عن التعاطي، كما تعارف أخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس في المكان المعد له إذا علم من حال السقاء الرضا بذلك و كذا غير الماء من المحقرات كالخضروات (3) و

نحوها و من هذا القبيل الدخول في الحمام و وضع الاجرة في كوز صاحب الحمام مع غيبته. فالمعيار في المعاطاة: وصول العوضين، أو أحدهما (4) مع الرضا بالتصرف و يظهر ذلك من المحقق الأردبيلي رحمه الله أيضا في مسألة المعاطاة (5) و سيأتي توضيح ذلك في مقامه (6) إن شاء الله.

***** (هامش) *****

(1) في ف: أو البيع.

(2) كذا في ف و في غيرها: الفعليين.

(3) كذا في ف و في غيرها: كالخضريات.

(4) في ف زيادة: مقامه.

(5) انظر مجمع الفائدة 8: 141.

(6) سيأتي في الصفحة 112 - 113. (*)

*****ص 76*****

ثم إنه لو قلنا بأن اللفظ الغير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة، أمكن خلو المعاطاة من الإعطاء و الإيصال رأسا، فيتقاولان علي مبادلة شيء بشيء من غير إيصال و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء علي الملك و أما علي القول بالإباحة، فالإشكال المتقدم هنا آكد.

*****ص 77*****

الأمر الثالث تميز البائع من المشتري في المعاطاة ا

الأمر الثالث تميز البائع من المشتري في المعاطاة الفعلية:

مع كون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا - كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة - واضح، فإن صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرح بالخلاف و أما مع كون العوضين من غيرها، فالثمن ما قصدا (2) قيامه مقام الثمن (3) في العوضية، فإذا أعطي الحنطة في مقابل اللحم قاصدا إن هذا المقدار (4) من الحنطة يسوي درهما هو ثمن اللحم، فيصدق عرفا (5) أنه اشتري اللحم بالحنطة و إذا انعكس انعكس الصدق، فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدرهم و الدينار هو الثمن و صاحبه هو (6) المشتري و لو لم يلاحظ إلا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نية قيام أحدهما مقام الثمن في العوضية، أو لوحظ

القيمة في كليهما، بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار (7) من الحنطة بدرهم،

***** (هامش) *****

(1) من ص.

(2) في ف: ما قصد.

(3) في ف، خ، ع و ص: المثمن.

(4) في ف: القدر.

(5) لم ترد عرفا في ف.

(6) لم ترد هو في ف.

(7) في ف: القدر. (*)

*****ص 78*****

فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدل علي كون أحدهما بالخصوص بائعا: ففي كونه بيعا و شراء بالنسبة إلي كل منهما، بناء علي أن البيع لغة - كما عرفت - مبادلة مال بمال و الاشتراء: ترك شيء و الأخذ بغيره - كما عن بعض أهل اللغة (1) - فيصدق علي صاحب اللحم أنه باعه بحنطة و أنه اشتري الحنطة، فيحنث لو حلف علي عدم بيع اللحم و عدم شراء الحنطة. نعم، لا يترتب عليهما أحكام البائع و لا المشتري، لانصرافهما في أدلة تلك الأحكام إلي من اختص بصفة (2) البيع أو الشراء، فلا يعم من كان في معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين. أو كونه بيعا بالنسبة إلي من يعطي أولا، لصدق الموجب عليه و شراء بالنسبة إلي الآخذ، لكونه قابلا عرفا. أو كونها (3) معاطاة مصالحة، لأنها بمعني التسالم علي شيء و لذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه: لك ما عندك، ولي ما عندي (4) علي الصلح (5).

***** (هامش) *****

(1) انظر لسان العرب 7: 103 و القاموس 4: 348، مادة: شري.

(2) في خ، ع و ص: بصيغة و في نسخة بدلها: بصفة.

(3) كذا في ف، ش و مصححة ن و في غيرها: كونهما و تأنيث الضمير باعتبار الخبر، كما هي طريقة المصنف قدس سره.

(4) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب أحكام الصلح، الحديث

الأول.

(5) فإنهم استدلوا بالرواية المذكورة علي صحة المصالحة مع جهالة المصطلحين بما وقعت فيه المنازعة، انظر المسالك 4: 263 و الحدائق 21: 92 و الجواهر 26: 216. (*)

*****ص 79*****

أو كونها معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة، وجوه. لا يخلو ثانيها عن قوة، لصدق تعريف البائع لغة و عرفا علي الدافع أولا، دون الآخر و صدق المشتري علي الآخذ أولا، دون الآخر، فتدبر.

*****ص 80*****

الأمر الرابع: أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطين

الأمر الرابع: أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطين:

أن أصل المعاطاة - و هي إعطاء كل منهما الآخر (2) ماله - يتصور بحسب قصد المتعاطيين علي وجوه: أحدها: أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر، فيكون الآخر (3) في أخذه قابلا و متملكا (4) بإزاء ما يدفعه، فلا يكون في دفعه العوض إنشاء تمليك، بل دفع لما التزمه علي نفسه بإزاء ما تملكه، فيكون الإيجاب و القبول (5) بدفع العين الاولي و قبضها، فدفع العين الثاني (6) خارج عن حقيقة المعاطاة، فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه صححنا سابقا (7) عدم توقف المعاطاة علي قبض كلا العوضين، فيكون إطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول، لا من حيث كونها متقومة

***** (هامش) *****

(1) من ص.

(2) في ف: لآخر.

(3) عبارة فيكون الآخر ساقطة من ش.

(4) كذا في ش و مصححتي ن و ص و في ف: أو مملكا و في سائر النسخ: و مملكا.

(5) وردت عبارة إنشاء تمليك - إلي - الإيجاب و القبول في ف هكذا: أنشأ نفسه بإزاء ما تملكه، فيكون تمليك، بل دفع لما التزمه علي الإيجاب و القبول.

(6) كذا في النسخ و الصواب: الثانية، كما في مصححة ص.

(7) راجع

الصفحة 74 - 75. (*)

*****ص 81*****

بالعطاء من الطرفين و مثله في هذا الإطلاق: لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها و بهذا الإطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن و القرض و الهبة و ربما يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل و لو لم يكن عطاء و في صحته تأمل. ثانيها (1) : أن يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله إياه، فيكون تمليكا (2) بإزاء تمليك، فالمقاولة بين التمليكين لا الملكين و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين (3)، فلو مات الثاني قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة و هذا بعيد عن معني البيع و قريب إلي الهبة المعوضة، لكون كل من المالين خاليا عن العوض، لكن إجراء حكم الهبة المعوضة عليه مشكل، إذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الأول، لأ نه إنما ملكه بإزاء تمليكه، فما لم يتحقق تمليك الثاني لم يتحقق تمليكه (4)، إلا أن يكون تمليك الآخر له ملحوظا عند تمليك الأول علي نحو الداعي، لا العوض، فلا يقدح تخلفه. فالأولي أن يقال: إنها مصالحة و تسالم علي أمر معين أو معاوضة مستقلة.

***** (هامش) *****

(1) في ف: الثاني.

(2) كذا في ف و في غيرها: تمليك.

(3) عبارة من الطرفين ساقطة من ف.

(4) كذا في ف و في ص و ش: تملكه و في ن و م:

تملكا و في خ و ع: تملك. (*)

*****ص 82*****

ثالثها: أن يقصد الأول إباحة ماله بعوض، فيقبل الآخر بأخذه إياه، فيكون الصادر من الأول الإباحة بالعوض و من الثاني - بقبوله لها - التمليك، كما لو صرح بقوله: أبحت لك كذا بدرهم. رابعها: أن يقصد كل منهما الإباحة بإزاء إباحة الآخر (1)، فيكون إباحة

بإزاء إباحة، أو إباحة بداعي (2) إباحة، علي ما تقدم نظيره في الوجه الثاني من إمكان تصوره علي نحو الداعي و علي نحو العوضية و كيف كان، فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين علي فرض قصد المتعاطيين لهما و منشأ الإشكال: أولا - الإشكال في صحة إباحة (3) جميع التصرفات حتي المتوقفة علي ملكية المتصرف، بأن يقول: أبحت لك كل تصرف، من دون أن يملكه العين و ثانيا - الإشكال في صحة الإباحة بالعوض، الراجعة إلي عقد مركب من إباحة و تمليك. فنقول: أما إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك، فالظاهر (4) أنها (5) لا تجوز، إذ التصرف الموقوف علي الملك لا يسوغ

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و في سائر النسخ: آخر و في مصححة ع و نسخة بدل ش: اخري.

(2) كذا في ص و في غيرها: لداعي.

(3) لم ترد إباحة في ف.

(4) لم ترد فالظاهر في ف.

(5) كذا في ش و في غيرها: أنه. (*)

*****ص 83*****

لغير المالك بمجرد إذن المالك، فإن إذن المالك ليس مشرعا و إنما يمضي فيما يجوز شرعا، فإذا كان بيع الإنسان مال غيره لنفسه - بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره - غير معقول - كما صرح به العلامة في القواعد (1) - فكيف يجوز للمالك أن يأذن فيه؟ نعم، يصح ذلك بأحد وجهين، كلاهما في المقام مفقود (2) : أحدهما: أن يقصد المبيح بقوله: أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك أن ينشأ (3) توكيلا له في بيع ماله له، ثم نقل الثمن إلي نفسه بالهبة، أو في نقله أولا إلي نفسه ثم بيعه، أو تمليكا له بنفس هذه الإباحة، فيكون إنشاء تمليك له و يكون

بيع المخاطب بمنزلة قبوله، كما صرح في التذكرة: بأن قول الرجل (4) لمالك العبد:

أعتق عبدك عني بكذا استدعاء لتمليكه و إعتاق المولي عنه جواب لذلك الاستدعاء (5)، فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب و يقدر وقوعه قبل العتق آنا ما، فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج إلي الشروط المقررة

***** (هامش) *****

(1) انظر القواعد 1: 166 و فيه: لأنه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه،

(2) في مصححة ن: مفقودان.

(3) كذا في ف، ش و مصححة ن و في ع، ص و نسخة بدل ش: إنشاء توكيل و نسبه الشهيدي - في شرحه - إلي بعض النسخ المصححة، انظر هداية الطالب: 180.

(4) وردت عبارة بمنزلة قبوله - إلي - قول الرجل في ف هكذا: بمنزلة قبول له، كما صرح به في التذكرة بأن يقول الرجل.

(5) التذكرة 1: 462. (*)

*****ص 84*****

لعقد البيع و لا شك أن المقصود فيما نحن فيه ليس الإذن في نقل المال إلي نفسه أولا و لا في نقل الثمن إليه ثانيا و لا قصد التمليك بالإباحة المذكورة و لا قصد المخاطب التملك (1) عند البيع حتي يتحقق تمليك (2) ضمني مقصود للمتكلم و المخاطب، كما كان مقصودا و لو إجمالا في مسألة اعتق عبدك عني و لذا عد (3) العامة و الخاصة من الاصوليين دلالة هذا الكلام علي التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرفوها: بأنها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا أو شرعا عليه، فمثلوا للعقلي (4) بقوله تعالي: * (واسأل القرية) * (5) و للشرعي (6) بهذا المثال (7) و من المعلوم - بحكم الفرض - أن المقصود فيما نحن فيه ليس إلا مجرد الإباحة. الثاني: أن يدل دليل

شرعي علي حصول الملكية للمباح له بمجرد الإباحة، فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آنا ما، فيقع البيع في ملكه (8)، أو يدل دليل شرعي علي انتقال الثمن عن المبيح

***** (هامش) *****

(1) في ف: التمليك.

(2) في ف بدل تمليك: قصد.

(3) في ف، خ، م و ع: عده.

(4) في ف: العقلي.

(5) يوسف: 82.

(6) في ف: و الشرعي.

(7) انظر: الإحكام في اصول الأحكام، للآمدي 3: 72 (طبعة دار الكتاب العربي) و الوافية في اصول الفقه: 228.

(8) كذا في ش و في ف و خ: يقع المبيع في ملكه له و هكذا في سائر النسخ مع اختلاف يسير، إلا أنه صحح في بعضها بما في المتن. (*)

*****ص 85*****

بلا فصل بعد البيع، فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما لا يقبل غير العتق، فإنه حينئذ يقال بالملك المقدر آنا ما، للجمع بين الأدلة و هذا الوجه مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض أنه لم يدل دليل بالخصوص علي صحة هذه الإباحة العامة و إثبات صحته بعموم مثل الناس مسلطون علي أموالهم (1) يتوقف علي عدم مخالفة مؤداها لقواعد اخر مثل: توقف انتقال الثمن إلي الشخص علي كون المثمن مالا له و توقف صحة العتق علي الملك و صحة الوط ء علي التحليل بصيغة خاصة، لا بمجرد الإذن في مطلق التصرف و لأجل ما ذكرنا صرح المشهور، بل قيل: لم يوجد خلاف (2)، في أنه لو دفع إلي غيره مالا و قال: اشتر به لنفسك طعاما - من غير قصد الإذن في اقتراض المال قبل الشراء، أو اقتراض الطعام، أو استيفاء الدين منه بعد الشراء - لم يصح، كما صرح به في مواضع من

القواعد (3) و علله في بعضها (4) بأنه لا يعقل شراء شيء لنفسه

***** (هامش) *****

(1) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(2) قاله صاحب الجواهر قدس سره ، انظر الجواهر 23: 174.

(3) لم نظفر علي التصريح بذلك إلا في مورد واحد و هو حكم التسليم و القبض، انظر القواعد 1: 151.

(4) لا يوجد هذا التعليل في المورد المتقدم، نعم قال في كتاب الرهن: و لو قال: بعه لنفسك بطل الإذن، لأنه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه، القواعد 1: 166 و سيأتي نقل المؤلف لهذا المطلب بعينه من كتب العلامة لا خصوص القواعد، في الصفحة 386. (*)

*****ص 86*****

بمال الغير (1) و هو كذلك، فإن مقتضي مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوض (2) عن ملكه و إلا لم يكن عوضا و بدلا و لما ذكرنا حكم الشيخ (3) و غيره (4) بأن الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف، لكن لا يجوز وط ء الجارية مع أن الإباحة المتحققة من الواهب تعم جميع التصرفات و عرفت أيضا: أن الشهيد في الحواشي لم يجوز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي و لا وط ء الجارية (5)، مع أن مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة و دعوي: أن الملك التقديري هنا أيضا لا يتوقف علي دلالة دليل خاص، بل يكفي الدلالة بمجرد (6) الجمع بين عموم الناس مسلطون علي أموالهم (7) الدال علي جواز هذه الإباحة المطلقة و بين أدلة توقف مثل العتق و البيع علي الملك (8)، نظير الجمع بين الأدلة في الملك التقديري،

***** (هامش) *****

(1) في ف: بمال غيره.

(2) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ:

العوض.

(3) المبسوط 3: 315.

(4) الدروس 2: 291.

(5) راجع الصفحة 35 و 70.

(6) كذا في النسخ و المناسب: يكفي في الدلالة مجرد …

(7) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(8) راجع: الوسائل 16: 6، الباب 5 من أبواب العتق و 12: 248 - 252، الباب 1 و 2 من أبواب عقد البيع و عوالي اللآلي 2: 299، الحديث 4 و الصفحة 247، الحديث 16. (*)

*****ص 87*****

مدفوعة: بأن عموم الناس مسلطون علي أموالهم إنما يدل علي تسلط الناس علي أموالهم لا علي أحكامهم، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرف جائز شرعا، فالإباحة و إن كانت مطلقة، إلا أنه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلا ما هو جائز بذاته في الشريعة و من المعلوم:

أن بيع الإنسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضي العقل و النقل الدال علي لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوض، فلا يشمله العموم في الناس مسلطون علي أموالهم حتي يثبت التنافي بينه و بين الأدلة الدالة علي توقف البيع علي الملك، فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديري آنا ما و بالجملة، دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم علي عموم الناس مسلطون علي أموالهم الدال علي إمضاء الإباحة المطلقة من المالك علي إطلاقها، نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير علي عموم (1) وجوب الوفاء بالنذر و العهد إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه، فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر. نعم، لو كان هناك تعارض و تزاحم من (2) الطرفين، بحيث أمكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر، أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري آنا ما، فتأمل.

***** (هامش) *****

(1) من الكتاب: الآية 29 من سورة الحج و الآية

91 من سورة النحل و الآية 34 من سورة الإسراء و من السنة: ما ورد في الوسائل 16: 182، كتاب النذر و العهد.

(2) في ف: في. (*)

*****ص 88*****

و أما حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع و العتق، فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه، فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة إلي الميت، أو شراء العبد المعتق عليه، بل هو ملك حقيقي حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله في الآن المتصل، بناء علي الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع و ليس كذلك فيما نحن فيه و بالجملة، فما نحن فيه لا ينطبق علي التمليك الضمني المذكور أولا في أعتق عبدك عني، لتوقفه علي القصد و لا علي الملك المذكور ثانيا في شراء من ينعتق عليه، لتوقفه علي التنافي بين دليل التسلط و دليل توقف العتق علي الملك و عدم حكومة الثاني علي الأول و لا علي التمليك الضمني المذكور (1) ثالثا في بيع الواهب و ذي الخيار، لعدم تحقق سبب الملك هنا سابقا بحيث يكشف البيع عنه، فلم يبق إلا الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره، سواء صرح بذلك كما لو قال: بع مالي لنفسك، أو اشتر بمالي لنفسك، أم أدخله في عموم قوله: أبحت لك كل تصرف، فإذا باع المباح له علي هذا الوجه وقع البيع للمالك إما لازما، بناء علي أن قصد (2) البائع البيع (3) لنفسه غير مؤثر (4)، أو موقوفا علي الإجازة، بناء علي أن المالك لم ينو تملك الثمن.

***** (هامش) *****

(1) لم ترد المذكور في ف.

(2) في خ و نسخة بدل ع و ص: نية.

(3) لم ترد البيع في خ، م، ع و

ص.

(4) في ف و خ: غير مؤثرة. (*)

*****ص 89*****

هذا و لكن الذي يظهر من جماعة - منهم قطب الدين (1) و الشهيد قدس سره ما - في باب بيع الغاصب: أن تسليط المشتري للبائع الغاصب علي الثمن و الإذن في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا و أنه يملك الثمن (2) بدفعه إليه، فليس للمالك إجازة هذا الشراء (3) و يظهر أيضا من محكي المختلف، حيث استظهر من كلامه فيما لو اشتري جارية بعين مغصوبة أن له وط ء الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن، فراجع (4) و مقتضي ذلك: أن يكون تسليط الشخص لغيره علي ماله و إن لم يكن علي وجه الملكية يوجب جواز التصرفات المتوقفة علي الملك، فتأمل و سيأتي توضيحه في مسألة الفضولي إن شاء الله تعالي و أما الكلام في صحة الإباحة بالعوض - سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة علي الملك أم خصصنا الإباحة بغيرها - فمحصله: أن هذا النحو من الإباحة المعوضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين في ملك مالك العوض الآخر، بل كلاهما ملك للمبيح، إلا أن

***** (هامش) *****

(1) و هو محمد بن محمد الرازي البويهي، من تلامذة العلامة الحلي قدس سره و روي عنه الشهيد قدس سره و هو من أولاد أبي جعفر ابن بابويه، ذكره الشهيد الثاني - في بعض إجازاته - و غيره. انظر رياض العلماء 5: 168.

(2) في ش: المثمن.

(3) يظهر ذلك مما قالاه في حاشيتهما علي القواعد، علي ما حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 192.

(4) راجع المختلف 5: 259. (*)

*****ص 90*****

المباح له يستحق التصرف، فيشكل الأمر فيه (1) من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا،

مع التأمل في صدق التجارة عليها (2)، فضلا عن البيع، إلا أن يكون نوعا من الصلح، لمناسبة (3) له لغة، لأنه في معني التسالم علي أمر بناء علي أنه لا يشترط فيه لفظ الصلح، كما يستفاد من بعض الأخبار الدالة علي صحته بقول المتصالحين: لك ما عندك ولي ما عندي (4) و نحوه ما ورد في مصالحة الزوجين (5) و لو كانت معاملة مستقلة كفي فيها عموم الناس مسلطون علي أموالهم (6) و المؤمنون عند شروطهم (7) و علي تقدير الصحة، ففي لزومها مطلقا، لعموم المؤمنون عند شروطهم، أو من طرف المباح له، حيث إنه يخرج ماله عن ملكه، دون المبيح، حيث إن ماله باق علي ملكه، فهو مسلط عليه، أو جوازها مطلقا، وجوه، أقواها أولها، ثم أوسطها و أما حكم الإباحة بالإباحة، فالإشكال فيه أيضا يظهر مما ذكرنا في سابقه و الأقوي فيها أيضا الصحة و اللزوم، للعموم، أو الجواز من الطرفين، لأصالة التسلط.

***** (هامش) *****

(1) كذا و لعل تذكير الضمير باعتبار عوده إلي هذا النحو.

(2) أي الإباحة المعوضة.

(3) في ش: لمناسبته.

(4) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب أحكام الصلح، الحديث الأول.

(5) انظر الوسائل 15: 90 - 91، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز.

(6) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(7) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4. (*)

*****ص 91*****

الأمر الخامس: جريان المعاطاة في غير البيع

الأمر الخامس: جريان المعاطاة في غير البيع:

في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه إعلم أنه ذكر المحقق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد - علي ما حكي عنه - : أن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة و كذا في (2) الهبة و

ذلك لأنه (3) إذا أمره بعمل علي عوض معين فعمله استحق (4) الاجرة و لو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل و لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد و ظاهرهم الجواز بذلك و كذا لو وهب بغير عقد، فإن ظاهرهم جواز الإتلاف و لو كانت هبة فاسدة لم يجز، بل منع (5) من مطلق التصرف و هي ملحظ (6) وجيه (7)، انتهي و فيه: أن معني جريان المعاطاة في الإجارة علي مذهب المحقق الثاني: الحكم بملك المأمور (8) الأجر المعين علي الآمر و ملك الآمر العمل

***** (هامش) *****

(1) من ص.

(2) عبارة كذا في من ش و المصدر و هامش ص.

(3) في غير ش: أنه.

(4) في خ، م، ع، ص و المصدر: عمله و استحق و في ف: و عمله استحق.

(5) في ص: يمنع.

(6) في المصدر: و هو ملخص.

(7) جامع المقاصد 4: 59.

(8) لم ترد المأمور في ف. (*)

*****ص 92*****

المعين علي المأمور به و لم نجد من صرح به في المعاطاة و أما قوله: لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل فموضع (1) نظر، لأن فساد المعاملة لا يوجب منعه عن (2) العمل، سيما إذا لم يكن العمل تصرفا (3) في عين من أموال المستأجر و قوله: لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد، ممنوع، لأن الظاهر ثبوت اجرة المثل، لأنه لم يقصد التبرع و إنما قصد عوضا لم يسلم له و أما مسألة الهبة، فالحكم فيها بجواز إتلاف الموهوب لا يدل علي جريان المعاطاة فيها (4)، إلا إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة، فإن جماعة - كالشيخ (5) و الحلي (6) و العلامة (7) - صرحوا بأن إعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الإباحة

دون الملك، لكن المحقق الثاني رحمه الله ممن لا يري (8) كون (9) المعاطاة عند القائلين بها مفيدا للإباحة المجردة (10) و توقف الملك في الهبة علي الإيجاب و القبول كاد أن يكون متفق

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و في غيرها: موضع.

(2) في ف: من.

(3) لم ترد تصرفا في ف.

(4) كذا في ش و في غيرها: فيه.

(5) المبسوط 3: 315.

(6) السرائر 3: 177.

(7) القواعد 1: 274.

(8) في ف و خ و مصححة ن: لا يرضي.

(9) كذا في ص و في غيرها: بكون.

(10) جامع المقاصد 4: 58. (*)

*****ص 93*****

عليه كما يظهر من المسالك (1) و مما ذكرنا يظهر المنع في قوله: بل مطلق التصرف. هذا و لكن الأظهر بناء علي جريان المعاطاة في البيع جريانها في غيره من الإجارة و الهبة، لكون الفعل مفيدا للتمليك فيهما (2) و ظاهر المحكي عن التذكرة: عدم القول بالفصل بين البيع و غيره، حيث قال في باب الرهن: إن الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الإيجاب عليه المذكورة (3) في البيع آت هنا (4)، انتهي. لكن استشكله في محكي جامع المقاصد:

بأن البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع، بخلاف ما هنا (5) و لعل وجه الإشكال: عدم تأتي المعاطاة بالإجماع في الرهن علي النحو الذي أجروها في البيع، لأنها هناك إما مفيدة للإباحة أو الملكية الجائزة - علي الخلاف - و الأول غير متصور هنا و أما الجواز (6) فكذلك، لأنه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن، خصوصا بملاحظة أنه لا يتصور هنا ما يوجب رجوعها إلي اللزوم، ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان.

***** (هامش) *****

(1) المسالك 6: 10.

(2) في ف: فيها.

(3) في ش و مصححة ن:

المذكور.

(4) التذكرة 2: 12.

(5) جامع المقاصد 5: 45.

(6) العبارة في ف هكذا: هناك أما الجواز. (*)

*****ص 94*****

و إن جعلناها مفيدة للزوم، كان مخالفا لما أطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة علي اللفظ و كان هذا هو الذي دعا المحقق الثاني إلي الجزم بجريان المعاطاة في مثل الإجارة و الهبة و القرض (1) و الاستشكال في الرهن. نعم، من لا يبالي مخالفة ما هو المشهور، بل المتفق عليه بينهم، من توقف العقود اللازمة علي اللفظ، أو حمل تلك العقود علي اللازمة من الطرفين، فلا يشمل الرهن - و لذا جوز بعضهم (2) الإيجاب بلفظ الأمر ك خذه و الجملة الخبرية - أمكن أن يقول بإفادة المعاطاة في الرهن اللزوم، لإطلاق بعض أدلة الرهن (3) و لم يقم هنا إجماع علي عدم اللزوم كما قام في المعاوضات و لأجل ما ذكرنا في الرهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف بأن يكتفي فيه بالإقباض، لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللزوم علي اللفظ و الجواز غير معروف في الوقف من الشارع، فتأمل. نعم، احتمل (4) الاكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من

***** (هامش) *****

(1) تقدم - منه قدس سره - ما يرتبط بالأولين في الصفحة 91 و أما بالنسبة إلي القرض فليراجع جامع المقاصد 5: 20.

(2) كالشهيد قدس سره في كتاب الرهن من الدروس 3: 383.

(3) مثل قوله تعالي: * (فرهان مقبوضة) * البقرة: 283 و مثل ما ورد في الوسائل 13: 121، كتاب الرهن.

(4) كذا في ف و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: يظهر و في نسخة بدل خ، م و ع: يحتمل. (*)

*****ص 95*****

الذكري (1) تبعا للشيخ رحمه

الله (2). ثم إن الملزم للمعاطاة فيما تجري فيه من العقود الاخر هو الملزم في باب البيع، كما سننبه به بعد هذا الأمر.

***** (هامش) *****

(1) الذكري: 158.

(2) المبسوط 1: 162. (*)

*****ص 96*****

الأمر السادس في ملزمات المعاطاة

الأمر السادس في ملزمات المعاطاة:

علي كل من القول بالملك و القول بالإباحة إعلم:

أن الأصل علي القول بالملك اللزوم، لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة (1) و أما علي القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم، لقاعدة تسلط الناس علي أموالهم و أصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة و هي حاكمة علي أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها. إذا عرفت هذا فاعلم:

أن تلف العوضين ملزم إجماعا - علي الظاهر المصرح به في بعض العبائر (2) - أما علي القول بالإباحة فواضح، لأن تلفه من مال مالكه و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا مندفع بما سيجئ (3) و أما علي القول بالملك، فلما عرفت (4) من أصالة اللزوم و المتيقن

***** (هامش) *****

(1) المتقدمة في الصفحة 51 - 56.

(2) صرح بعدم الخلاف: المحدث البحراني في الحدائق 18: 362 و الشيخ الكبير - كاشف الغطاء - في شرحه علي القواعد (مخطوط) : الورقة: 50 و السيد المجاهد في المناهل: 269 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 157.

(3) يجئ في الصفحة 98 عند قوله: و التمسك بعموم علي اليد هنا في غير محله.

(4) في الصفحة 51. (*)

*****ص 97*****

من مخالفت ها جواز تراد العينين (1) و حيث ارتفع مورد التراد امتنع و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة علي نحو جواز البيع الخياري حتي يستصحب بعد التلف، لأن ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين، فلا

مانع من بقائه، بل لا دليل علي ارتفاعه بعد تلفهما (2)، بخلاف ما نحن فيه، فإن الجواز فيه هنا بمعني جواز الرجوع في العين، نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة، فلا يبقي بعد التلف متعلق الجواز (3)، بل الجواز هنا يتعلق (4) بموضوع التراد، لا مطلق الرجوع الثابت في الهبة. هذا، مع أن الشك في أن متعلق الجواز هل هو أصل (5) المعاملة أو الرجوع في العين، أو تراد العينين؟ يمنع من استصحابه، فإن المتيقن تعلقه بالتراد، إذ لا دليل في مقابلة أصالة اللزوم علي ثبوت أزيد من جواز تراد العينين الذي لا يتحقق إلا مع بقائهما و منه يعلم حكم ما لو تلف إحدي العينين أو بعضها علي القول بالملك و أما علي القول بالإباحة، فقد استوجه بعض مشايخنا (6) - وفاق

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف، ش و نسخة بدل م، ع، ص و مصححة ن و في سائر النسخ: العين.

(2) كذا في ف و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: تلفها.

(3) في ف: للجواز.

(4) في ف: متعلق.

(5) لم ترد أصل في ف.

(6) و هو السيد المجاهد في المناهل: 269. (*)

*****ص 98*****

لبعض معاصريه (1)، تبعا للمسالك (2) - أصالة عدم اللزوم، لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها و فيه: أنها معارضة بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف (3) أو قيمته و التمسك بعموم علي اليد هنا في غير محله، بعد القطع بأن هذه اليد قبل تلف العين لم تكن يد ضمان، بل و لا بعده إذا بني مالك العين الموجودة علي إمضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع، إنما الكلام في الضمان إذا أراد الرجوع و ليس هذا من

مقتضي اليد قطعا. هذا و لكن يمكن أن يقال: إن أصالة بقاء السلطنة حاكمة علي أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة، مع أن ضمان (4) التالف ببدله معلوم، إلا أن الكلام في أن البدل هو البدل الحقيقي، أعني المثل أو القيمة، أو البدل الجعلي، أعني العين الموجودة، فلا أصل. هذا، مضافا إلي ما قد يقال: من أن عموم الناس مسلطون علي أموالهم يدل علي السلطنة علي المال الموجود بأخذه و علي المال التالف بأخذ بدله الحقيقي و هو المثل أو القيمة، فتدبر و لو كان أحد العوضين دينا في ذمة أحد المتعاطيين، فعلي القول بالملك يملكه من في ذمته، فيسقط عنه و الظاهر أنه في حكم التلف،

***** (هامش) *****

(1) و هو الفاضل النراقي في المستند 2: 363.

(2) المسالك 3: 149.

(3) في ش زيادة: عنده.

(4) ورد في ف بدل عبارة و لكن يمكن أن يقال - إلي - مع أن ضمان ما يلي: و لكن يمكن أن يمنع أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة، لأن ضمان … (*)

*****ص 99*****

لأن الساقط لا يعود و يحتمل العود و هو ضعيف و الظاهر أن الحكم كذلك علي القول بالإباحة، فافهم و لو نقل العينان (1) أو إحداهما (2) بعقد لازم، فهو كالتلف علي القول بالملك، لامتناع التراد و كذا علي القول بالإباحة إذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة و لو عادت العين بفسخ، ففي جواز التراد علي القول بالملك، لإمكانه فيستصحب و عدمه، لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه، وجهان. أجودهما ذلك، إذ لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم جواز التراد بقول مطلق، بل المتيقن منه غير ذلك، فالموضوع غير محرز في الاستصحاب و

كذا علي القول بالإباحة، لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرف، فيرجع بالفسخ إلي ملك الثاني، فلا دليل علي زواله، بل الحكم هنا أولي منه علي القول بالملك، لعدم تحقق جواز التراد في السابق هنا حتي يستصحب، بل المحقق أصالة بقاء سلطنة المالك الأول المقطوع بانتفائها. نعم، لو قلنا: بأن الكاشف عن الملك هو العقد الناقل، فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك إلي المالك الأول و إن كان مباحا لغيره ما لم يسترد عوضه، كان مقتضي قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر باقيا علي ملك مالكه الأول، أو عائدا (3) إليه بفسخ.

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و في غيرها: العينين.

(2) في ف: أحدهما.

(3) في خ، م، ع و ص: و عائدا. (*)

*****ص 100*****

و كذا لو قلنا: بأن (1) البيع لا يتوقف علي سبق الملك، بل يكفي فيه إباحة التصرف و الإتلاف و يملك الثمن بالبيع، كما تقدم استظهاره عن جماعة في الأمر الرابع (2). لكن الوجهين (3) ضعيفان، بل الأقوي رجوعه بالفسخ إلي البائع و لو كان الناقل عقدا جائزا لم يكن لمالك العين الباقية إلزام الناقل بالرجوع فيه و لا رجوعه بنفسه إلي عينه، فالتراد غير متحقق و تحصيله غير واجب و كذا علي القول بالإباحة، لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك. نعم، لو كان غير معاوضة كالهبة و قلنا بأن التصرف في مثله لا يكشف (4) عن سبق الملك - إذ لا عوض فيه حتي لا يعقل كون العوض مالا لواحد و انتقال المعوض (5) إلي الآخر (6)، بل الهبة ناقلة للملك (7) عن ملك المالك إلي المتهب فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلي المالك لا الواهب -

اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين

***** (هامش) *****

(1) في ف: أن.

(2) تقدم استظهار ذلك عن قطب الدين و الشهيد قدس سره ما في الصفحة 89.

(3) كذا في ش و مصححة ص و في غيرهما: الوجهان.

(4) كذا في ش و نسخة بدل م، ع، ص و مصححة ن و في سائر النسخ: للكشف.

(5) كذا في ف و ش و أما سائر النسخ، ففي بعضها: لانتقال العين و في بعضها: و انتقال العين.

(6) في مصححة ن و خ: آخر.

(7) لم ترد للملك في ف. (*)

*****ص 101*****

الاخري أو عودها إلي مالكها (1) بهذا النحو من العود، إذ لو عادت (2) بوجه آخر كان حكمه حكم التلف و لو باع العين ثالث فضولا، فأجاز المالك الأول، علي القول بالملك، لم يبعد كون إجازته رجوعا كبيعه و سائر تصرفاته الناقلة و لو أجاز المالك الثاني، نفذ بغير إشكال و ينعكس الحكم إشكالا و وضوحا علي القول بالإباحة و لكل منهما رده قبل إجازة الآخر و لو رجع الأول فأجاز الثاني، فإن جعلنا الإجازة كاشفة لغي الرجوع و يحتمل عدمه، لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فينفذ (3) و يلغو الإجازة و إن جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعا و لو امتزجت العينان أو إحداهما، سقط الرجوع علي القول بالملك، لامتناع التراد و يحتمل الشركة و هو ضعيف. أما علي القول بالإباحة، فالأصل بقاء التسلط علي ماله الممتزج بمال الغير، فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به، نعم لو كان المزج ملحقا له بالإتلاف جري عليه حكم التلف و لو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة - كطحن الحنطة و فصل الثوب - فلا لزوم علي القول بالإباحة و علي القول بالملك،

ففي اللزوم

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: عوده إلي مالكه.

(2) في غير ش: لو عاد.

(3) كذا في ف، ش و نسخة بدل ن و في ص: و يفسد و في سائر النسخ: فيفسد. (*)

*****ص 102*****

وجهان مبنيان علي جريان استصحاب جواز التراد و منشأ الإشكال: أن الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي. ثم إنك قد عرفت مما ذكرنا أنه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود اللازمة حتي يورث بالموت و يسقط بالإسقاط ابتداء أو في ضمن المعاملة، بل هو علي القول بالملك نظير الرجوع في الهبة و علي القول بالإباحة نظير الرجوع في إباحة الطعام، بحيث يناط الحكم فيه بالرضا الباطني، بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف، فلو مات أحد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع علي القول بالملك للأصل، لأن من له و إليه الرجوع هو المالك الأصلي و لا يجري الاستصحاب و لو جن أحدهما، فالظاهر قيام وليه مقامه في الرجوع علي ولين

الق.

*****ص 103*****

الأمر السابع: هل المعاطاة بعد التلف بيع أم معاوضة

الأمر السابع: هل المعاطاة بعد التلف بيع أم معاوضة مستقلة؟

أن الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلة، قال: يحتمل الأول، لأن المعاوضات محصورة و ليست إحداها و كونها معاوضة برأسها يحتاج إلي دليل و يحتمل الثاني، لإطباقهم علي أنها ليست بيعا حال وقوعها، فكيف تصير بيعا بعد التلف؟ و تظهر الفائدة في ترتب الأحكام المختصة بالبيع عليها، كخيار الحيوان، لو كان التالف الثمن أو بعضه و علي تقدير ثبوته، فهل الثلاثة من حين المعاطاة، أو من حين اللزوم؟ كل محتمل و يشكل الأول بقولهم:

إنها ليست بيعا و الثاني

بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها (2)، اللهم إلا أن يجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه و الأقوي عدم ثبوت خيار الحيوان هنا، بناء علي أنها ليست لازمة و إنما يتم علي قول المفيد و من تبعه (3) و أما خيار العيب و الغبن فيثبتان علي التقديرين كما أن خيار المجلس منتف (4)، انتهي و الظاهر أن هذا تفريع علي القول بالإباحة في المعاطاة و أما علي

***** (هامش) *****

(1) من ص.

(2) في المصدر و نسخة بدل ن: بنفسه.

(3) من القائلين بلزوم المعاطاة كما تقدم عنهم في الصفحة 37 و غيرها.

(4) المسالك 3: 151. (*)

*****ص 104*****

القول بكونها (1) مفيدة للملك المتزلزل، فيلغي (2) الكلام في كونها معاوضة مستقلة أو بيعا متزلزلا قبل اللزوم، حتي يتبعه حكمها (3) بعد اللزوم، إذ الظاهر أنه (4) عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا إشكال (5) في ذلك عندهم - علي ما تقدم من المحقق الثاني (6) - فإذا لزم صار بيعا لازما، فيلحقه أحكام البيع عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه علي اللزوم لولا الخيار و قد تقدم (7) أن الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار و كيف كان، فالأقوي أنها علي القول بالإباحة بيع عرفي لم يصححه الشارع و لم يمضه إلا بعد تلف إحدي العينين أو ما في حكمه و بعد التلف يترتب عليه أحكام البيع عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع صحيحا من أول الأمر و المحكي عن حواشي الشهيد:

أن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة

***** (هامش) *****

(1) في ف: بأنها.

(2) في ف و مصححة ن: فيبقي و في ص: فيلغو و في نسخة بدل ش: فينبغي و جاء في هامش ن: الظاهر أن

يقال: فلا ينبغي الكلام و في شرح الشهيدي

(187) : الصحيح ينبغي بدل يلغي.

(3) كذا في النسخ و المناسب: حكمه، كما في مصححة ن.

(4) كذا في النسخ و المناسب: أنها، كما في مصححة ن.

(5) كذا في ف و ش و في غيرهما: بل لا إشكال.

(6) تقدم في الصفحة 32.

(7) تقدم في الصفحة 97. (*)

*****ص 105*****

أو لازمة (1) و الظاهر أنه أراد التفريع علي مذهبه من الإباحة و كونها معاوضة قبل اللزوم، من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الاخري، لكن لزوم (2) هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفي، فلا بد أن يقول بالإباحة اللازمة، فافهم.

***** (هامش) *****

(1) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 158.

(2) في ف بدل لزوم:

رفع. (*)

*****ص 106*****

الأمر الثامن: العقد غير الجامع لشرائط اللزوم معاط

الأمر الثامن: العقد غير الجامع لشرائط اللزوم معاطاة أم لا؟

لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصة و العامة بما إذا تحقق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل و هو قبض العينين. أما إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللزوم:

فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشيء زائد علي الإنشاء اللفظي - كما قويناه سابقا (2) بناء علي التخلص بذلك عن اتفاقهم علي توقف العقود اللازمة علي اللفظ - فلا إشكال في صيرورة المعاملة بذلك عقدا لازما و إن قلنا بمقالة المشهور من اعتبار امور زائدة علي اللفظ، فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلي حكم المعاطاة مطلقا، أو بشرط تحقق قبض العين معه، أو لا يتحقق (3) به مطلقا؟ نعم، إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق المعاطاة، فالإنشاء القولي السابق كالعدم، لا عبرة به و لا بوقوع القبض بعده خاليا عن قصد الإنشاء، بل بانيا علي

كونه حقا لازما لكونه من آثار الإنشاء القولي السابق، نظير القبض في العقد الجامع للشرائط.

***** (هامش) *****

(1) من ص.

(2) في الصفحة 60.

(3) لم ترد عبارة أو لا يتحقق في ش. (*)

*****ص 107*****

ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين (1) : الأول، تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين. قال المحقق في صيغ عقوده - علي ما حكي عنه بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة (2) - : إنه لو أوقع البيع بغير ما قلناه و علم التراضي منهما كان معاطاة (3)، انتهي و في الروضة - في مقام عدم كفاية الإشارة مع القدرة علي النطق - : أنها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح (4)، انتهي و ظاهر الكلامين: صورة وقوع الإنشاء بغير القبض، بل يكون القبض من آثاره و ظاهر تصريح (5) جماعة - منهم المحقق (6) و العلامة (7) - : بأنه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان مضمونا عليه، هو الوجه الأخير، لأن مرادهم بالعقد الفاسد إما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد (8) اختلال شروط الصيغة - كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط

***** (هامش) *****

(1) منهم:

السيد المجاهد في المناهل: 270 و الفاضل النراقي في المستند 2: 361 - 362 و صاحب الجواهر في الجواهر 22: 256 - 257.

(2) عبارة علي ما حكي عنه - إلي - في الصيغة لم ترد في ف و ش.

(3) رسائل المحقق الكركي 1: 178.

(4) الروضة البهية 3: 225.

(5) في ع و ص: و ظاهره كصريح جماعة.

(6) الشرائع 2: 13.

(7) القواعد 1: 123.

(8) لم ترد مجرد في ف. (*)

*****ص 108*****

الصيغة و قبل شروط العوضين و المتعاقدين -

و إما (1) ما يشمل هذا و غيره كما هو الظاهر و كيف كان، فالصورة الاولي داخلة قطعا و لا يخفي أن الحكم فيها بالضمان مناف لجريان حكم المعاطاة و ربما يجمع (2) بين هذا الكلام و ما تقدم من المحقق و الشهيد الثانيين، فيقال: إن موضوع المسألة في عدم جواز التصرف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرضا إلا بزعم صحة المعاملة، فإذا انتفت الصحة انتفي (3) الإذن، لترتبه (4) علي زعم الصحة، فكان التصرف تصرفا بغير إذن و أكلا للمال بالباطل، لانحصار وجه الحل في كون المعاملة بيعا أو تجارة عن تراض أو هبة، أو نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض و الأولان قد انتفيا بمقتضي الفرض و كذا البواقي، للقطع - من جهة زعمهما صحة المعاملة - بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شيء في المقابل، فالرضا المقدم كالعدم. فإن تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد و استمر رضاهما فلا كلام في صحة المعاملة و رجعت إلي المعاطاة، كما إذا علم الرضا من أول الأمر بإباحتهما التصرف بأي وجه اتفق، سواء صحت المعاملة أم فسدت، فإن ذلك ليس من البيع الفاسد

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و في سائر النسخ: أو.

(2) الجامع هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة.

(3) في ف، خ، م و ع: انتفت.

(4) في ف، خ، ع و ن: لترتبها و صحح في ن بما أثبتناه في المتن. (*)

*****ص 109*****

في شيء (1)، انتهي (2). أقول: المفروض أن الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمن إلا إنشاء واحدا هو التمليك و من المعلوم أن هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن الحاصل في ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك و الموجود

بعده إن كان إنشاء آخر في ضمن التقابض خرج عن محل الكلام، لأن المعاطاة حينئذ إنما تحصل به، لا بالعقد الفاقد للشرائط، مع أنك عرفت أن ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الإشارة المفهمة بقصد البيع و بنفس الصيغة الخالية عن الشرائط، لا بالتقابض الحاصل بعدهما و منه يعلم:

فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراض جديد بعد العقد غير مبني علي صحة العقد. ثم إن ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد - مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد، دون غيره من الصور، مع أن كلام الجميع مطلق - يرد عليه: أن هذا التراضي إن كان تراضيا آخر حادثا بعد العقد:

فإن كان (3) لا علي وجه المعاطاة، بل كل منهما رضي بتصرف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضا صاحبه بتصرفه في ماله، فهذا ليس من المعاطاة، بل هي إباحة مجانية من الطرفين تبقي ما دام العلم

***** (هامش) *****

(1) مفتاح الكرامة 4: 168.

(2) كلمة انتهي من ف و خ.

(3) في ف: و إن كان. (*)

*****ص 110*****

بالرضا و لا يكفي فيه عدم العلم بالرجوع (1)، لأنه كالإذن الحاصل من شاهد الحال و لا يترتب عليه أثر المعاطاة: من اللزوم بتلف إحدي العينين، أو جواز التصرف إلي حين العلم بالرجوع (2) و إن كان علي وجه المعاطاة فهذا ليس إلا التراضي السابق علي ملكية كل منهما لمالك الآخر (3) و ليس تراضيا جديدا، بناء (4) علي أن المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور (5) - خصوصا المحقق الثاني (6) - فلا يجوز له أن يريد بقوله - المتقدم عن صيغ العقود - : إن الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي

تدخل في المعاطاة (7) التراضي (8) الجديد الحاصل بعد العقد، لا علي وجه المعاوضة و تفصيل الكلام:

أن المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط: إما أن يقع تقابضهما بغير رضا من كل منهما في تصرف الآخر - بل حصل قهرا عليهما أو علي أحدهما، واجبارا علي العمل بمقتضي العقد - فلا إشكال في حرمة التصرف في المقبوض علي هذا الوجه.

***** (هامش) *****

(1) في مصححة ن و ش: عدم العلم به و بالرجوع.

(2) في غير ف و ش زيادة: أو مع ثبوت أحدهما، إلا أنه شطب عليها في ن و م.

(3) في ص: لمال الآخر.

(4) لم ترد بناء في ف.

(5) راجع الصفحة 25 و ما بعدها.

(6) تقدم كلامه في الصفحة 32.

(7) تقدم في الصفحة 107.

(8) في ف و ن: بالتراضي و لكن صحح في الأخير بما أثبتناه في المتن. (*)

*****ص 111*****

و كذا إن وقع علي وجه الرضا الناشيء عن بناء كل منهما علي ملكية الآخر اعتقادا أو تشريعا - كما في كل قبض وقع علي هذا الوجه - ، لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه (1) جهة تقييدية مأخوذة في الرضا ينتفي بانتفائها في الواقع، كما في نظائره و هذان الوجهان مما لا إشكال فيه (2) في حرمة التصرف في العوضين، كما أنه لا إشكال في الجواز إذا أعرضا عن أثر العقد و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد و أما إن وقع (3) الرضا بالتصرف بعد العقد من دون ابتنائه علي استحقاقه بالعقد السابق و لا قصد لإنشاء التمليك (4)، بل وقع مقارنا لاعتقاد (5) الملكية الحاصلة، بحيث لولاها لكان الرضا أيضا موجودا و كان المقصود الأصلي من المعاملة التصرف و

أوقعا العقد الفاسد وسيلة له - و يكشف عنه أنه لو سئل كل منهما عن رضاه (6) بتصرف صاحبه علي تقدير عدم التمليك، أو بعد تنبيهه علي عدم حصول الملك كان راضيا - فإدخال هذا في المعاطاة يتوقف علي أمرين:

***** (هامش) *****

(1) في ف: لما يستحقه.

(2) كلمة فيه من ش فقط.

(3) في ف: أن يقع.

(4) كذا في ف و ش و في غيرهما: تمليك.

(5) في ف: لاعتقاده.

(6) كذا في ف و ص و في غيرهما: من رضاه. (*)

*****ص 112*****

الأول: كفاية هذا الرضا المركوز في النفس، بل الرضا الشأني، لأن الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا في نظره و قد صرح بعض من قارب عصرنا بكفاية ذلك (1) و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره (2) إلي هذا و لعله لصدق طيب النفس علي هذا الأمر المركوز في النفس. الثاني: أنه لا يشترط في المعاطاة (3) إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض، بل و لا بمطلق الفعل، بل يكفي وصول كل من العوضين إلي مالك (4) الآخر و الرضا بالتصرف قبله أو بعده علي الوجه المذكور و فيه إشكال: من أن ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلي كما ينبئ عنه قول العلامة رحمه الله (5) - في رد كفاية المعاطاة في البيع - : إن الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد (6) و كذا استدلال المحقق الثاني - علي عدم لزومها - : بأن الأفعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة (7)، وكذ

***** (هامش) *****

(1) الظاهر هو المحقق التستري، انظر مقابس الأنوار: 128.

(2) يعني به ما أفاده السيد العاملي بقوله: كما إذا علم الرضا من أول الأمر … الخ المتقدم في الصفحة 108.

(3)

في ش: المباحات.

(4) كذا في ف و ص و في غيرهما: المالك.

(5) في ف زيادة: في التذكرة و لم ترد فيها عبارة الترحيم.

(6) التذكرة 1: 462.

(7) جامع المقاصد 4: 58. (*)

*****ص 113*****

ما تقدم من الشهيد رحمه الله في قواعده:

من أن الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول و إنما يفيد الإباحة (1)، إلي غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في أن محل الكلام هو الإنشاء الحاصل بالتقابض و كذا كلمات العامة، فقد ذكر بعضهم أن البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي (2) و من أن الظاهر أن عنوان التعاطي (3) في كلماتهم لمجرد الدلالة علي الرضا و أن عمدة الدليل علي ذلك هي (4) السيرة و لذا تعدوا إلي ما إذا لم يحصل إلا قبض أحد العوضين و السيرة موجودة في المقام - أيضا (5) - فإن بناء الناس علي أخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها (6) مع عدم حضورهم و وضعهم (7) الفلوس في الموضع المعد له (8) و علي دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس في كوز الحمامي.

***** (هامش) *****

(1) القواعد و الفوائد 1: 178، القاعدة 47.

(2) راجع الصفحة 27.

(3) في ف و نسخة بدل ن، خ، م، ع، ص و ش: التقابض.

(4) في ف: هو.

(5) كلمة أيضا من ف و مصححة ن.

(6) في ف، خ، م، ع، ص و نسخة بدل ن: أربابهم و في مصححة ن و ص: أربابها.

(7) كذا في ش و في سائر النسخ: يضعون و في نسخة بدل أكثرها ما أثبتناه في المتن.

(8) في مصححة ص: لها. (*)

*****ص 114*****

فالمعيار في المعاطاة: وصول (1) المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف

و هذا ليس ببعيد علي القول بالإباحة.

***** (هامش) *****

(1) في ف، خ و ع: دخول و في نسخة بدل ع: وصول. (*)

*****ص 115*****

الكلام في عقد البيع

الكلام في عقد البيع

مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع (1) :

قد عرفت أن اعتبار اللفظ في البيع - بل في جميع العقود - مما نقل عليه (2) الإجماع (3) و تحقق فيه الشهرة العظيمة، مع الإشارة إليه في بعض النصوص (4)، لكن هذا يختص (5) بصورة القدرة، أما مع العجز عنه كالأخرس، فمع عدم القدرة علي التوكيل لا إشكال و لا خلاف في عدم اعتبار اللفظ و قيام الإشارة مقامه و كذا مع القدرة علي التوكيل، لا لأصالة عدم وجوبه - كما قيل (6) - لأن الوجوب بمعني الاشتراط

***** (هامش) *****

(1) سيأتي ذكر ذي المقدمة في الصفحة 130 و هو قوله: إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الإيجاب و القبول …

(2) في غير ف و ش زيادة: عقد، إلا أنه شطب عليه في ن.

(3) تقدم عن السيد ابن زهرة في الصفحة 29 و عن المحقق الكركي في الصفحة 57.

(4) نحو قوله عليه السلام : إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام، الوسائل 12: 376، الباب 8 من أبواب العقود، الحديث 4 و غير ذلك و راجع الصفحة 62 - 63.

(5) في ف: مختص.

(6) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 164. (*)

*****ص 118*****

- كما فيما نحن فيه - هو الأصل، بل لفحوي ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس (1)، فإن حمله علي صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق علي الفرد النادر، مع أن الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب. ثم لو قلنا: بأن الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها الملكية

(2)، فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين علي مباشرة اللفظ و الظاهر أيضا: كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة، لفحوي ما ورد من النص علي جوازها في الطلاق (3)، مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه و أما مع القدرة علي الإشارة فقد رجح بعض (4) الإشارة و لعله لأنها أصرح في الإنشاء من الكتابة و في بعض روايات الطلاق ما يدل علي العكس (5) و إليه ذهب الحلي رحمه الله هناك (6). ثم الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ: تارة يقع في مواد الألفاظ من حيث إفادة المعني بالصراحة

***** (هامش) *****

(1) الوسائل 15: 299، الباب 19 من أبواب الطلاق.

(2) كذا في ف و في غيرها: للملكية.

(3) الوسائل 15: 299، الباب 19 من أبواب الطلاق، الحديث الأول.

(4) كالشيخ الكبير كاشف الغطاء، انظر شرحه علي القواعد (مخطوط) : الورقة 49.

(5) مثل صحيحة البزنطي المشار إليها في الهامش 3.

(6) السرائر 2: 678. (*)

*****ص 119*****

و الظهور و الحقيقة و المجاز و الكناية و من حيث اللغة المستعملة في معني المعاملة (1) و اخري في هيئة كل من الإيجاب و القبول، من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية و كونه بالماضي و ثالثة في هيئة تركيب الإيجاب و القبول من حيث الترتيب و الموالاة. أما الكلام من حيث المادة، فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات. قال في التذكرة: الرابع من شروط الصيغة: التصريح (2)، فلا يقع بالكناية بيع البتة، مثل قوله: أدخلته في ملكك، أو جعلته لك، أو خذه مني بكذا (3)، أو سلطتك عليه بكذا، عملا بأصالة بقاء الملك و لأن المخاطب لا يدري بم خوطب (4)، انتهي و زاد في غاية المراد علي الأمثلة مثل (5) قوله (6) : أعطيتكه بكذا

أو تسلط عليه بكذا (7).

***** (هامش) *****

(1) لم ترد عبارة و من حيث اللغة المستعملة في معني المعاملة في ف.

(2) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: الصريح.

(3) من ش و المصدر.

(4) التذكرة 1: 462.

(5) لم ترد مثل في ف.

(6) في ش: قولك. (7) لم يزد إلا مثالا واحدا و هو: أعطيتك إياه بكذا، انظر غاية المراد:

81. (*)

*****ص 120*****

و ربما يبدل هذا باشتراط الحقيقة في الصيغة، فلا ينعقد بالمجازات، حتي صرح بعضهم:

بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد (1) و المراد بالصريح - كما يظهر من جماعة من الخاصة (2) و العامة (3) في باب الطلاق و غيره - : ما كان موضوعا لعنوان (4) ذلك العقد لغة أو شرعا و من الكناية: ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع، فيفيد إرادة نفسه بالقرائن و هي علي قسمين عندهم:

جلية و خفية و الذي يظهر من النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللازمة (5) و الفتاوي المتعرضة لصيغها في البيع بقول مطلق و في بعض أنواعه و في غير البيع من العقود اللازمة (6)، هو: الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي معتد به في المعني المقصود، فلا فرق بين قوله: بعت و ملكت و بين قوله: نقلت إلي ملكك، أو جعلته ملكا لك بكذا و هذا هو الذي قواه جماعة من متأخري المتأخرين.

***** (هامش) *****

(1) حكي ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 149) عن استاذه الشريف السيد الطباطبائي (بحر العلوم) و صرح بعدم الفرق - أيضا - صاحب الجواهر، انظر الجواهر 22: 249.

(2) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3: 12 و الشهيد الثاني في المسالك 5: 172.

(3) انظر المغني 6: 532 (فصل انعقاد

النكاح و ألفاظه) و 7: 121 (باب ألفاظ الطلاق).

(4) في خ، م، ع و ص: بعنوان.

(5) منها ما تقدمت الإشارة إليها في المعاطاة، راجع الصفحة 59، الهامش 8.

(6) سيأتي نص فتاوي بعضهم. (*)

*****ص 121*****

و حكي عن جماعة ممن تقدمهم - كالمحقق علي ما حكي عن تلميذه كاشف الرموز، أنه حكي عن شيخه المحقق - : أن عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص و أنه اختاره أيضا (1) و حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه: أنه جوز البيع بكل لفظ دل عليه، مثل: سلمت (2) إليك و عاوضتك (3) و حكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين (4). بل هو ظاهر العلامة رحمه الله في التحرير، حيث قال: إن الإيجاب اللفظ الدال علي النقل، مثل: بعتك أو ملكتك، أو ما يقوم مقامهما (5) و نحوه المحكي عن التبصرة و الإرشاد (6) و شرحه لفخر الإسلام (7). فإذا كان الإيجاب هو اللفظ الدال علي النقل، فكيف لا ينعقد بمثل نقلته إلي ملكك، أو جعلته ملكا لك بكذا؟! بل ربم

***** (هامش) *****

(1) كشف الرموز 1: 446.

(2) كذا في ف و مصححة ن و في غيرهما: أسلمت.

(3) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 150.

(4) المسالك 3: 147 و قد تقدمت ترجمة الشخص المذكور في الصفحة 37، الهامش 6.

(5) التحرير 1: 164.

(6) كذا حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 150، لكن الموجود فيهما لا يوافقه، انظر التبصرة: 88 و الإرشاد 1: 359.

(7) شرح الإرشاد (مخطوط)، لا يوجد لدينا، لكن حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 150. (*)

*****ص 122*****

يدعي (1) : أنه ظاهر كل من أطلق اعتبار الإيجاب و القبول فيه من دون

ذكر لفظ خاص، كالشيخ (2) و أتباعه (3)، فتأمل (4) و قد حكي عن الأكثر: تجويز البيع حالا بلفظ السلم (5) و صرح جماعة أيضا في بيع التولية: بانعقاده بقوله: وليتك العقد (6) أو وليتك السلعة (7) و التشريك في المبيع بلفظ: شركتك (8) و عن المسالك - في مسألة تقبل (9) أحد الشريكين في النخل حصة صاحبه بشيء معلوم من الثمرة - : أن ظاهر الأصحاب جواز ذلك بلفظ التقبيل (10)، مع أنه لا يخرج عن البيع أو الصلح أو معاملة ثالثة لازمة

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و ش و مصححة ن و في غيرهما: قد يدعي.

(2) انظر الخلاف 3: 7، كتاب البيوع، المسألة 6.

(3) انظر المراسم:

171، المهذب 1: 350، الوسيلة: 236.

(4) لم يرد فتأمل إلا في ف و ش و نسخة بدل ن.

(5) حكاه الشهيد الثاني قدس سره في المسالك 3: 405.

(6) ممن صرح بذلك العلامة قدس سره في التذكرة 1: 545 و الشهيد الأول في الدروس 3: 221 و الشهيد الثاني في المسالك 3: 313 و الروضة 3: 436.

(7) لم نقف علي من صرح بانعقاده بهذه الصيغة، إلا أن الشهيدين قالا: و لو قال: وليتك السلعة، احتمل الجواز، انظر الدروس 3: 221 و المسالك 3: 314.

(8) صرح به الشهيدان في الدروس 3: 221 و اللمعة و شرحها (الروضة البهية) 3: 436 - 437.

(9) في غير ش و مصححة ن: تقبيل.

(10) المسالك 3: 370. (*)

*****ص 123*****

عند جماعة (1). هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع و أما في غيره، فظاهر جماعة (2) في القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص، فجوزوه بقوله: تصرف فيه - أو انتفع به - و عليك رد عوضه، أو

خذه بمثله و أسلفتك و غير ذلك مما عدوا مثله في البيع من الكنايات، مع أن القرض من العقود اللازمة علي حسب لزوم البيع و الإجارة و حكي عن جماعة (3) في الرهن: أن إيجابه يؤدي بكل لفظ يدل عليه، مثل قوله: هذه وثيقة عندك و عن الدروس تجويزه بقوله: خذه، أو أمسكه بمالك (4) و حكي عن غير واحد (5) : تجويز إيجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ تعهدت المال و تقلدته و شبه ذلك.

***** (هامش) *****

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 368 و نسبه في المسالك 3: 370 إلي ظاهر الأصحاب و في مفتاح الكرامة (4: 391) نسبه إلي صريح جماعة.

(2) منهم المحقق في الشرائع 2: 67 و العلامة في القواعد 1: 156 و الشهيدان في الدروس 3: 318 و المسالك 3: 440.

(3) منهم المحقق في الشرائع 2: 75 و العلامة في التحرير 1: 201 و الشهيدان في اللمعة و شرحها (الروضة البهية) 4: 54 و المحقق السبزواري في الكفاية: 107.

(4) الدروس 3: 383.

(5) مثل العلامة في التذكرة 2: 85 و الفاضل المقداد في التنقيح 2: 183 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 5: 351 و انظر المناهل: 112. (*)

*****ص 124*****

و قد (1) ذكر المحقق (2) و جماعة ممن تأخر عنه (3) : جواز الإجارة بلفظ العارية، معللين بتحقق القصد و تردد جماعة (4) في انعقاد الإجارة بلفظ بيع المنفعة و قد ذكر جماعة (5) : جواز المزارعة بكل لفظ يدل علي تسليم الأرض للمزارعة و عن مجمع البرهان (6) - كما في غيره (7) - : أنه لا خلاف في جوازها بكل لفظ يدل علي المطلوب، مع كونه ماضيا

و عن المشهور: جوازها بلفظ ازرع (8) و قد جوز جماعة (9) : الوقف بلفظ: حرمت و تصدقت مع

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و ش و في غيرهما: و لقد.

(2) الشرائع 2: 179.

(3) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 10: 9، لكن قيده بانضمام شيء يدل علي الإجارة و صاحب الروض علي ما نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 74 و صاحب الجواهر في الجواهر 27: 205.

(4) منهم المحقق في الشرائع 2: 179 و الشهيد في اللمعة الدمشقية: 162.

(5) كالمحقق في الشرائع 2: 149 و العلامة في التذكرة 2: 337 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 299 و صاحب الجواهر في الجواهر 27: 3.

(6) مجمع الفائدة 10: 96.

(7) مفتاح الكرامة 7: 299.

(8) الروضة البهية 4: 276.

(9) كالمحقق في الشرائع 2: 211 و العلامة في القواعد 1: 266 و الشهيدين في اللمعة و شرحها (الروضة البهية) 3: 164 و المسالك 5: 310 و انظر مفتاح الكرامة 9: 5. (*)

*****ص 125*****

القرينة الدالة علي إرادة الوقف، مثل: أن لا يباع و لا يورث، مع عدم الخلاف - كما عن غير واحد (1) - علي أنهما من الكنايات. وجوز جماعة (2) : وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع مع أنه ليس صريحا فيه و مع هذه الكلمات، كيف يجوز أن يسند (3) إلي العلماء أو أكثرهم وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له و أنه لا يجوز بالألفاظ المجازية؟! خصوصا مع تعميمها للقريبة (4) و البعيدة (5) كما تقدم عن بعض المحققين (6) و لعله لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم من عدم جواز التعبير بالألفاظ المجازية في العقود اللازمة، مع ما عرفت منهم من الاكتفاء في

أكثرها بالألفاظ الغير الموضوعة لذلك العقد، جمع المحقق الثاني - علي ما حكي عنه في باب السلم و النكاح - بين كلماتهم بحمل المجازات

***** (هامش) *****

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 5: 310 و السيد الطباطبائي في الرياض 2: 17 و صاحب الجواهر في الجواهر 28: 3.

(2) منهم المحقق في المختصر: 169 و الشرائع 2: 273 و فيه بعد التردد:

و جوازه أرجح و العلامة في القواعد 2: 4 و الإرشاد 2: 6 و الشهيد في اللمعة: 184.

(3) في غير ص و ش: يستند و صحح في ن بما في المتن.

(4) في خ، م و ع: للقرينة.

(5) لم ترد و البعيدة في خ، م، ع و ص.

(6) تقدمت حكايته عن العلامة بحر العلوم في الصفحة 120. (*)

*****ص 126*****

الممنوعة علي المجازات البعيدة (1) و هو جمع حسن و لعل الأحسن منه (2) : أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية، سواء كان اللفظ الدال علي إنشاء العقد موضوعا له بنفسه أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر، ليرجع الإفادة بالأخرة إلي الوضع، إذ لا يعقل الفرق في الوضوح - الذي هو مناط الصراحة - بين إفادة لفظ للمطلب بحكم الوضع، أو إفادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع علي إرادة المطلب من ذلك اللفظ و هذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته علي المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد، فإن الاعتماد عليه في متفاهم (3) المتعاقدين - و إن كان من المجازات القريبة جدا - رجوع عما بني عليه من عدم العبرة بغير الأقوال في إنشاء المقاصد و لذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال أو اقتران حال

تدل (4) علي إرادة البيع جزما و مما ذكرنا يظهر الإشكال في الاقتصار علي المشترك اللفظي اتكالا علي القرينة الحالية المعينة و كذا المشترك المعنوي.

***** (هامش) *****

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 149 و انظر جامع المقاصد 4: 207 - 208 و 12: 70.

(2) كذا في ف و مصححة ن و كذا في ش لكن بدون لعل و في سائر النسخ: و لعل الأولي أن يراد.

(3) في ف: تفاهم.

(4) في ص: يدل. (*)

*****ص 127*****

و يمكن أن ينطبق علي ما ذكرنا الاستدلال المتقدم في عبارة التذكرة بقوله قدس سره : لأن المخاطب لا يدري بم خوطب (1)، إذ ليس المراد:

أن المخاطب لا يفهم منها المطلب و لو بالقرائن الخارجية، بل المراد أن الخطاب بالكناية لما لم يدل علي المعني المنشأ ما لم يقصد الملزوم، - لأن اللازم الأعم، كما هو الغالب بل المطرد في الكنايات، لا يدل علي الملزوم ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد المجامع (2) مع الملزوم الخاص - فالخطاب في نفسه محتمل، لا يدري المخاطب بم خوطب و إنما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم و المفروض - علي ما تقرر في مسألة المعاطاة (3) - أن النية بنفسها أو مع انكشافها بغير الأقوال لا تؤثر في النقل و الانتقال، فلم يحصل هنا عقد لفظي يقع التفاهم به، لكن هذا الوجه (4) لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثلة الكناية. ثم إنه ربما يدعي: أن العقود المؤثرة في النقل و الانتقال أسباب شرعية توقيفية، كما حكي عن الإيضاح من أن كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة بالاستقراء (5)، فلا بد من الاقتصار علي المتيقن.

***** (هامش) *****

(1)

تقدم في الصفحة 119.

(2) في خ، م و ش: الجامع.

(3) تقدم في الوجه الأول من الوجوه الأربعة في معني قوله عليه السلام : إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام في الصفحة 61.

(4) شطب في ف علي الوجه و كتب فوقه: التوجيه.

(5) إيضاح الفوائد 3: 12. (*)

*****ص 128*****

و هو كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوي العلماء، فضلا عن الروايات المتكثرة الآتية (1) بعضها و أما ما ذكره الفخر قدس سره ، فلعل المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا، هي: اشتمالها علي العنوان المعبر عن تلك المعاملة به في كلام الشارع، فإذا كانت (2) العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة معبرا عنها في كلام الشارع بالنكاح، أو الزوجية، أو المتعة، فلا بد من اشتمال عقدها علي هذه العناوين، فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك و هكذا الكلام في العقود المنشأة للمقاصد الاخر كالبيع و الإجارة و نحوهما. فخصوصية اللفظ من حيث اعتبار اشتمالها علي هذه العنوانات الدائرة في لسان الشارع، أو ما يرادفها (3) لغة أو عرفا، لأنها بهذه العنوانات موارد للأحكام (4) الشرعية التي لا تحصي و علي هذا، فالضابط: وجوب إيقاع العقد بإنشاء العناوين الدائرة في لسان الشارع، إذ لو وقع بإنشاء غيرها، فإن كان (5) لا مع قصد تلك العناوين - كما لو لم تقصد المرأة إلا هبة نفسها أو إجارة نفسها مدة للاستمتاع (6) - لم يترتب عليه الآثار المحمولة في الشريعة علي الزوجية

***** (هامش) *****

(1) في ص و مصححة خ: الآتي.

(2) في غير ش: كان.

(3) في ف: أو بما يرادفها.

(4) كذا في ف و ش و في غيرهما: الأحكام.

(5) كذا في ن و

في غيرها كانت.

(6) كذا في ف و في غيرها: مدة الاستمتاع. (*)

*****ص 129*****

الدائمة أو المنقطعة و إن كان (1) بقصد هذه العناوين دخلت في الكناية التي عرفت أن تجويزها رجوع إلي عدم اعتبار إفادة المقاصد بالأقوال. فما ذكره الفخر قدس سره (2) مؤيد لما ذكرناه و استفدناه من كلام و الده قدس سره (3) و إليه يشير - أيضا - ما عن جامع المقاصد:

من أن العقود متلقاة من الشارع، فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه (4) و ما عن المسالك: من أنه يجب الاقتصار في العقود اللازمة علي الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة (5) و مراده من المنقولة (6) شرعا، هي: المأثورة في كلام الشارع و عن كنز العرفان - في باب النكاح - : أنه حكم شرعي حادث فلا بد له من دليل يدل علي حصوله و هو العقد اللفظي المتلقي من النص. ثم ذكر لإيجاب النكاح ألفاظا (7) ثلاثة و عللها بورودها في القرآن (8).

***** (هامش) *****

(1) كذا في مصححة ن و في النسخ: كانت.

(2) و هو قوله: كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة المتقدم في الصفحة 127.

(3) يعني كلامه في التذكرة: لأن المخاطب لا يدري بم خوطب المتقدم في الصفحة 127.

(4) جامع المقاصد 7: 83.

(5) المسالك 5: 172.

(6) في غير ف: بالمنقولة.

(7) كذا في ش و في ص: ثلاثة ألفاظ و في سائر النسخ: ألفاظ ثلاثة.

(8) كنز العرفان 2: 146. (*)

*****ص 130*****

و لا يخفي أن تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه (1) : من تفسير (2) توقيفية العقود و أنها متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار علي المتيقن و من هذا الضابط تقدر علي تمييز (3) الصريح المنقول شرعا

المعهود لغة - من الألفاظ المتقدمة في أبواب العقود المذكورة - من غيره و أن الإجارة بلفظ العارية غير جائزة و بلفظ بيع المنفعة أو السكني - مثلا - لا يبعد جوازه و هكذا. إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الإيجاب و القبول:

ألفاظ الإيجاب

ألفاظ الإيجاب

منها: لفظ بعت في الإيجاب و لا خلاف فيه فتوي و نصا و هو و إن كان من الأضداد بالنسبة إلي البيع و الشراء، لكن كثرة استعماله في وقوع البيع تعينه (4) و منها (5) : لفظ شريت (6) لوضعه له، كما يظهر من المحكي عن بعض أهل اللغة (7)، بل قيل: لم يستعمل في القرآن الكريم إلا في البيع (8).

***** (هامش) *****

(1) انظر الصفحة 127 - 129.

(2) لم ترد تفسير في خ، م، ع و ص.

(3) في ف، خ، م و ع: تميز.

(4) كذا في ف و مصححة ن و كذا في ش مع زيادة به بعد البيع و في سائر النسخ: لكن كثرة استعماله في البيع وصلت إلي حد تغنيها عن القرينة.

(5) كذا في ف و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: و أما.

(6) في غير ف و ش زيادة: فلا إشكال في وقوع البيع به.

(7) انظر الصحاح 6: 2391 و لسان العرب 7: 103 و القاموس المحيط 4: 347.

(8) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 153. (*)

*****ص 131*****

و عن القاموس: شراه يشريه: ملكه (1) بالبيع و باعه، كاشتري (2) فيهما (3) ضد و عنه أيضا: كل من ترك شيئا و تمسك بغيره فقد اشتراه (4) و ربما يستشكل فيه: بقلة استعماله عرفا في البيع و كونه محتاجا إلي القرينة المعينة و عدم نقل الإيجاب به في

الأخبار و كلام القدماء و لا يخلو عن وجه و منها: لفظ ملكت - بالتشديد - و الأكثر علي وقوع البيع به، بل ظاهر نكت الإرشاد الاتفاق، حيث قال: إنه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه ك بعت و ملكت (5) و يدل عليه (6) : ما سبق في تعريف البيع، من أن التمليك بالعوض المنحل إلي مبادلة العين بالمال هو المرادف للبيع عرفا و لغة، كما صرح به فخر الدين، حيث قال: إن معني بعت في لغة العرب: ملكت غيري (7) و ما قيل (8) : من أن التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرها. فيه: أن الهبة إنما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض،

***** (هامش) *****

(1) في ف: إذا ملكه.

(2) كذا في ن و المصدر و في ش: كاشتراه و في سائر النسخ: و اشتراه.

(3) كذا في ن و المصدر و في سائر النسخ: فهما.

(4) القاموس المحيط 4: 347 - 348، مادة: شري.

(5) غاية المراد:

80.

(6) في ف: عليها.

(7) قاله في شرح الإرشاد، علي ما حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 152.

(8) قاله الشهيد الثاني في الروضة البهية 3: 413. (*)

*****ص 132*****

لا من مادة التمليك، فهي مشتركة معني بين ما يتضمن المقابلة و بين المجرد عنها، فإن اتصل بالكلام ذكر العوض أفاد المجموع المركب - بمقتضي الوضع التركيبي - البيع و إن تجرد عن ذكر العوض اقتضي تجريده الملكية المجانية و قد عرفت سابقا: أن تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقي، فلو أراد منه الهبة المعوضة أو قصد المصالحة، بني صحة العقد به علي صحة عقد بلفظ غيره مع النية و يشهد لما ذكرنا قول فخر الدين في

شرح الإرشاد:

إن معني بعت في لغة العرب ملكت غيري (1) و أما الإيجاب ب اشتريت، ففي مفتاح الكرامة: أنه قد يقال بصحته، كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة و المنقول عنها في نسختين من تعليق الإرشاد (2). أقول: و قد يستظهر ذلك (3) من عبارة كل من عطف علي بعت و ملكت، شبههما أو ما يقوم مقامهما (4)، إذ إرادة خصوص لفظ شريت من هذا بعيد جدا و حمله علي إرادة ما يقوم مقامهما في اللغات الاخر للعاجز عن العربية أبعد، فيتعين (5) إرادة ما يرادفهما لغة

***** (هامش) *****

(1) تقدم آنفا.

(2) مفتاح الكرامة 4: 150.

(3) لم ترد ذلك في ف.

(4) مثل العلامة في التحرير 1: 164 و الشهيد في غاية المراد:

80.

(5) في ف: فتعين. (*)

*****ص 133*****

أو عرفا، فيشمل شريت و اشتريت، لكن الإشكال المتقدم

(1) في شريت أولي بالجريان هنا، لأن شريت استعمل في القرآن الكريم في البيع، بل لم يستعمل فيه إلا فيه، بخلاف اشتريت و دفع (2) الإشكال في تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدال علي كونه إيجابا - إما بناء علي لزوم تقديم الإيجاب علي القبول و إما لغلبة ذلك - غير صحيح، لأن الاعتماد علي القرينة الغير اللفظية في تعيين المراد من ألفاظ العقود قد عرفت ما فيه (3)، إلا أن يدعي أن ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته علي خصوص العقد و تميزه عما عداه من العقود و أما تميز إيجاب عقد معين عن قبوله الراجع إلي تميز البائع عن المشتري فلا يعتبر فيه الصراحة، بل يكفي استفادة المراد و لو بقرينة المقام أو غلبته (4) أو نحوهما (5) و فيه إشكال.

ألفاظ القبول

ألفاظ القبول

و

أما القبول، فلا ينبغي الإشكال في وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و شريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا.

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة المتقدمة بقوله: و ربما يستشكل فيه بقلة استعماله عرفا في البيع.

(2) كلمة دفع من ش و مصححة ن.

(3) أشار بذلك إلي ما ذكره في الصفحة 126 من قوله: فإن الاعتماد عليه في متفاهم المتعاقدين رجوع عما بني عليه …

(4) في ف: بغلبته.

(5) في ف، ن و ش: و نحوها. (*)

*****ص 134*****

و أما بعت، فلم ينقل إلا من الجامع (1)، مع أن المحكي عن جماعة من أهل اللغة: اشتراكه بين البيع و الشراء (2) و لعل الإشكال فيه كإشكال اشتريت في الإيجاب و اعلم أن المحكي عن نهاية الإحكام و المسالك: أن الأصل في القبول قبلت و غيره بدل، لأن القبول علي الحقيقة مما لا يمكن به الابتداء (3) و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن و سيأتي توضيح ذلك في اشتراط تقديم الإيجاب (4). ثم إن في انعقاد القبول بلفظ الإمضاء و الإجازة و الإنفاذ و شبهه ا، وجهين.

فرع: لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة ثم اختلفا:

لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الإيجاب و القبول، ثم اختلفا في تعيين الموجب و القابل - إما بناء علي جواز تقديم القبول و إما من جهة اختلافهما في المتقدم - فلا يبعد الحكم بالتحالف، ثم عدم ترتب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء علي واحد منهما.

***** (هامش) *****

(1) نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 152، لكن الموجود في الجامع: ابتعت، انظر الجامع للشرائع: 246.

(2) انظر الصحاح 3: 1189 و المصباح المنير: 69 و القاموس 3: 8، مادة: بيع.

(3) حكاه السيد

العاملي في مفتاح الكرامة 4: 153 و انظر نهاية الإحكام 2: 448 و المسالك 3: 154.

(4) يأتي في الصفحة 143 و 148. (*)

*****ص 135*****

مسألة (1) : هل تعتبر العربية في العقد؟

مسألة (1) : هل تعتبر العربية في العقد:

المحكي عن جماعة، منهم:

السيد عميد الدين (1) و الفاضل المقداد (2) و المحقق (3) و الشهيد (4) الثانيان: اعتبار العربية في العقد، للتأسي - كما في جامع المقاصد - و لأن عدم صحته بالعربي الغير الماضي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطريق أولي و في الوجهين ما لا يخفي و أضعف منهما: منع صدق العقد علي غير العربي (5). فالأقوي صحته بغير العربي و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة، بناء علي اشتراط العربي؟ الأقوي ذلك، بناء علي أن دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار علي المتيقن من أسباب النقل و كذا اللحن في الإعراب.

***** (هامش) *****

(1) حكاه عنه الشهيد في حواشيه، علي ما في مفتاح الكرامة 4: 162.

(2) التنقيح الرائع 2: 184 و كنز العرفان 2: 72.

(3) جامع المقاصد 4: 59.

(4) الروضة البهية 3: 225.

(5) في غير ف زيادة: مع التمكن من العربي. (*)

*****ص 136*****

و حكي عن فخر الدين: الفرق بين ما لو قال: بعتك - بفتح الباء - و بين ما لو قال: جوزتك بدل زوجتك، فصحح الأول دون الثاني إلا مع العجز عن التعلم (1) و التوكيل (2) و لعله لعدم معني صحيح في الأول إلا البيع، بخلاف التجويز (3)، فإن له معني آخر، فاستعماله في التزويج غير جائز و منه يظهر أن اللغات المحرفة لا بأس بها إذا لم يتغير بها المعني. ثم هل المعتبر (4) عربية جميع أجزاء الإيجاب و القبول، كالثمن و المثمن، أم يكفي

عربية الصيغة الدالة علي إنشاء الإيجاب و القبول، حتي لو (5) قال: بعتك اين كتاب را به ده درهم كفي؟ الأقوي (6) هو الأول، لأن غير العربي كالمعدوم، فكأنه لم يذكر في الكلام. نعم، لو لم يعتبر ذكر متعلقات الإيجاب - كما لا يجب في القبول - و اكتفي بانفهامها و لو من غير اللفظ، صح الوجه الثاني (7)، لكن

***** (هامش) *****

(1) في ف: العلم.

(2) حكاه الشهيد عن فخر الدين علي ما في مفتاح الكرامة 4: 163.

(3) في ف: بخلاف الثاني.

(4) في ف: هل يعتبر.

(5) لم ترد لو في النسخ، إلا أنها زيدت في ش و ص تصحيحا.

(6) في غير ف: و الأقوي.

(7) في غير ش: الأول، إلا أنه صحح في بعضها بما في المتن و الظاهر أن الكلمة وردت في النسخة الأصلية هكذا: الأول، فإن الفاضل المامقاني قال - بعد أن أثبتها - : الظاهر هو الثاني بدل الأول و كانه سهو من قلم الناسخ و قال الشهيدي: أقول: الصواب الثاني بدل الأول كما لا يخفي، انظر غاية الآمال: 239 و شرح الشهيدي (هداية الطالب) : 191. (*)

*****ص 137*****

الشهيد رحمه الله في غاية المراد - في مسألة تقديم القبول - نص علي وجوب ذكر العوضين في الإيجاب (1). ثم إنه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعني اللفظ، بأن يكون فارقا بين معني بعت و أبيع و أنا بائع، أو يكفي مجرد علمه بأن هذا اللفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع؟ الظاهر هو الأول، لأن عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام، بل بقصد (2) المتكلم منه المعني الذي وضع له عند العرب، فلا يقال: إنه تكلم و أدي المطلب علي طبق لسان العرب،

إلا إذا ميز بين معني بعت و أبيع و أوجدت البيع و غيرها. بل علي هذا لا يكفي (3) معرفة أن بعت مرادف لقوله: فروختم، حتي يعرف أن الميم في الفارسي عوض تاء المتكلم، فيميز بين بعتك و بعت - بالضم - و بعت - بفتح التاء - فلا ينبغي ترك الاحتياط و إن كان في تعينه نظر (4) و لذا نص بعض (5) علي عدمه.

***** (هامش) *****

(1) انظر غاية المراد:

80.

(2) كذا في ن، خ و م و في سائر النسخ: يقصد.

(3) في غير ش و مصححة ص: يكتفي.

(4) في ف: في تعيينه نظرا.

(5) لم نعثر عليه. (*)

*****ص 138*****

مسألة (2) : هل تعتبر الماضوية في العقد؟

مسألة (2) : هل تعتبر الماضوية في العقد؟

المشهور - كما عن غير واحد (1) - : اشتراط الماضوية، بل في التذكرة: الإجماع علي عدم وقوعه بلفظ أبيعك أو اشتر مني (2) و لعله لصراحته في الإنشاء، إذ المستقبل أشبه بالوعد و الأمر استدعاء لا إيجاب، مع أن قصد الإنشاء في المستقبل خلاف المتعارف و عن القاضي في الكامل و المهذب (3) : عدم اعتبارها و لعله لإطلاق البيع و التجارة و عموم العقود و ما دل في بيع الآبق (4) و اللبن في الضرع (5) : من الإيجاب بلفظ المضارع و فحوي ما دل عليه

***** (هامش) *****

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 145 و المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 49 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 162.

(2) في التذكرة: أشتري بدل اشتر مني، انظر التذكرة 1: 462.

(3) حكاه عنهما العلامة في المختلف 5: 53. أما الكامل فلا يوجد لدينا و أما المهذب فلم نقف فيه علي ما يدل علي المطلب.

(4) انظر الوسائل

12: 262، الباب 11 من أبواب أحكام العقد.

(5) الوسائل 12: 259، الباب 8 من أبواب أحكام العقد. (*)

*****ص 139*****

في النكاح (1) و لا يخلو هذا من قوة لو فرض صراحة المضارع في الإنشاء علي وجه لا يحتاج إلي قرينة المقام، فتأمل.

***** (هامش) *****

(1) انظر الوسائل 14: 197، الباب الأول من أبواب عقد النكاح، الحديث 10 و 466، الباب 18 من أبواب المتعة و غيرهما من الأبواب. (*)

*****ص 140*****

مسألة (3) : هل يعتبر تقديم الإيجاب علي القبول؟

مسألة (3) : هل يعتبر تقديم الإيجاب علي القبول؟

الأشهر - كما قيل (1) - : لزوم تقديم الإيجاب علي القبول و به صرح في الخلاف (2) و الوسيلة (3) و السرائر (4) و التذكرة (5)، كما عن الإيضاح (6) و جامع المقاصد (7) و لعله للأصل (8) بعد حمل آية وجوب الوفاء (9) علي العقود المتعارفة، كإطلاق البيع و التجارة في الكتاب و السنة و زاد بعضهم:

أن القبول فرع الإيجاب فلا يتقدم عليه و أنه تابع

***** (هامش) *****

(1) قاله العلامة في المختلف 5: 52.

(2) الخلاف 3: 39، كتاب البيوع، المسألة 56.

(3) الوسيلة: 237.

(4) السرائر 2: 243.

(5) التذكرة 1: 462.

(6) إيضاح الفوائد 1: 413.

(7) جامع المقاصد 4: 60.

(8) كذا في ف و في غيرها: الأصل.

(9) و هي قوله تعالي: * (أوفوا بالعقود) *، المائدة: 1. (*)

*****ص 141*****

له فلا يصح تقدمه عليه (1) و حكي في (2) غاية المراد عن الخلاف: الإجماع عليه (3) و ليس في الخلاف في هذه المسألة إلا أن البيع مع تقديم (4) الإيجاب متفق عليه فيؤخذ به، فراجع (5). خلافا للشيخ في المبسوط في باب النكاح و إن وافق الخلاف في البيع (6) إلا أنه عدل عنه في باب النكاح، بل ظاهر كلامه عدم

الخلاف في صحته بين الإمامية، حيث إنه - بعد ما ذكر أن تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح بأن يقول الرجل: زوجني فلانة جائز بلا خلاف - قال: أما البيع، فإنه إذا قال: بعنيها فقال: بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم:

لا يصح حتي يسبق الإيجاب (7)، انتهي و كيف كان، فنسبة القول الأول إلي المبسوط مستند إلي كلامه في باب البيع و أما في باب النكاح فكلامه صريح في جواز التقديم،

***** (هامش) *****

(1) ذكره المحقق الثاني و قال: فإن القبول مبني علي الإيجاب، انظر جامع المقاصد 4: 60.

(2) كذا في ف و ش و في سائر النسخ: عن، إلا أنه صحح في بعضها بما في المتن.

(3) غاية المراد:

80.

(4) في ف: تقدم.

(5) الخلاف 3: 39، كتاب البيوع، المسألة 56.

(6) المبسوط 2: 87.

(7) المبسوط 4: 194. (*)

*****ص 142*****

كالمحقق رحمه الله في الشرائع (1) و العلامة في التحرير (2) و الشهيدين في بعض كتبهما (3) و جماعة ممن تأخر عنهما (4)، للعمومات السليمة عما يصلح لتخصيصها و فحوي جوازه في النكاح الثابت بالأخبار، مثل خبر أبان بن تغلب - الوارد في كيفية الصيغة - المشتمل علي صحة تقديم القبول بقوله للمرأة: أتزوجك متعة علي كتاب الله و سنة رسول الله (5) صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم - إلي أن قال - : فإذا قالت: نعم فهي امرأتك و أنت أولي الناس بها (6) و رواية سهل الساعدي المشهورة في كتب الفريقين - كما قيل (7) - المشتملة علي تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها (8).

***** (هامش) *****

(1) الشرائع 2: 13.

(2) التحرير 1: 164.

(3) الشهيد الأول في الدروس 3: 191 و

اللمعة: 109 و الشهيد الثاني في المسالك 3: 154 و حاشية الشرائع (مخطوط) : 271.

(4) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 145 و المحقق السبزواري في الكفاية: 89 و المحدث البحراني في الحدائق 18: 349 و صاحب الجواهر في الجواهر 22: 254 و غيرهم.

(5) في ف: رسوله و في المصدر: نبيه.

(6) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث الأول.

(7) قاله الشهيد الثاني في المسالك 7: 89 و السيد الطباطبائي في الرياض 2: 69.

(8) عوالي اللآلي 2: 263، الحديث 8 و سنن البيهقي 7: 242، باب النكاح علي تعليم القرآن و انظر الكافي 5: 380، الحديث 5 و التهذيب 7: 354، الحديث 1444. (*)

*****ص 143*****

و التحقيق: أن القبول إما أن يكون بلفظ قبلت و رضيت و إما أن يكون بطريق الأمر و الاستيجاب، نحو بعني فيقول المخاطب: بعتك و إما أن يكون بلفظ اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت. فإن كان بلفظ قبلت فالظاهر عدم جواز تقديمه، وفاقا لمن عرفته (1) في صدر المسألة (2)، بل المحكي عن الميسية (3) و المسالك (4) و مجمع الفائدة (5) : أنه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ قبلت و هو المحكي عن نهاية الإحكام و كشف اللثام في باب النكاح (6) و قد اعترف به غير واحد من متأخري المتأخرين (7) أيضا، بل المحكي هناك عن ظاهر التذكرة: الإجماع عليه (8) و يدل عليه - مضافا إلي ما ذكر و إلي كونه خلاف المتعارف من

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و في ش: لما عرفت و في سائر النسخ: لمن عرفت.

(2) راجع الصفحة 140 - 141.

(3) لا يوجد لدينا و حكاه السيد العاملي في

مفتاح الكرامة 4: 165.

(4) المسالك 3: 154.

(5) مجمع الفائدة 8: 146.

(6) حكي ذلك عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 165 و انظر نهاية الإحكام 2: 448 و كشف اللثام 2: 12.

(7) منهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 165 و السيد المجاهد في المناهل: 272.

(8) المشار إليه بقوله: هناك هو باب النكاح، لكن لم نقف في مسألة تقديم الإيجاب علي القبول علي ما يظهر منه الإجماع و الموجود فيه أنه نقل المنع عن أحمد و نفي عنه البأس، انظر التذكرة 2: 583. (*)

*****ص 144*****

العقد - : أن القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الإيجاب، فلا يعقل تقدمه عليه و ليس المراد من هذا القبول الذي هو ركن للعقد (1) مجرد الرضا بالإيجاب حتي يقال: إن الرضا بشيء لا يستلزم تحققه قبله (2)، فقد يرضي الإنسان بالأمر المستقبل، بل المراد منه الرضا بالإيجاب علي وجه يتضمن إنشاء نقل ماله في الحال إلي الموجب علي وجه العوضية، لأن المشتري ناقل كالبائع و هذا لا يتحقق إلا مع تأخر الرضا عن الإيجاب، إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال، فإن من رضي بمعاوضة ينشيءها الموجب في المستقبل لم ينقل في الحال ماله إلي الموجب، بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقا، فإنه يرفع بهذا الرضا يده من ماله و ينقله إلي غيره علي وجه العوضية و من هنا يتضح فساد ما حكي عن بعض المحققين في رد الدليل المذكور - و هو كون القبول فرعا للإيجاب (3) و تابعا له - و هو: أن تبعية القبول للإيجاب ليس تبعية اللفظ للفظ و لا القصد للقصد حتي يمتنع تقديمه و إنما هو علي سبيل

الفرض و التنزيل، بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقي إليه من الموجب و الموجب مناولا، كما يقول السائل في

***** (هامش) *****

(1) لم ترد عبارة الذي هو ركن للعقد في ف.

(2) كذا في ف و ش و العبارة في سائر النسخ هكذا: مجرد الرضا بالإيجاب سواء تحقق قبل ذلك أم لا، حيث إن الرضا بشيء لا يستلزم تحققه في الماضي، فقد يرضي الإنسان … الخ إلا أنه شطب في ن علي بعض الكلمات و صححت العبارة بنحو ما أثبتناه في المتن.

(3) كذا في ف و في غيرها: فرع الإيجاب. (*)

*****ص 145*****

مقام الإنشاء: أنا راض بما تعطيني و قابل لما تمنحني فهو متناول، قدم إنشاءه أو أخر (1)، فعلي هذا يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت إن لم يقم إجماع علي خلافه (2)، انتهي و وجه الفساد:

ما عرفت سابقا (3) من أن الرضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه، ليس فيه إنشاء نقل من القابل في الحال، بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال و ليس المراد أن أصل الرضا بشيء تابع لتحققه في الخارج أو لأصل الرضا به (4) حتي يحتاج إلي توضيحه بما ذكره من المثال، بل المراد الرضا الذي يعد قبولا و (5) ركنا في العقد و مما ذكرنا يظهر الوجه في المنع عن تقديم (6) القبول بلفظ الأمر، كما لو قال: بعني هذا بدرهم فقال: بعتك، لأن غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة علي الرضا بها، لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال للدرهم إلي البائع، كما لا يخفي.

***** (هامش) *****

(1) في ف زيادة: قال.

(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة

4: 165، لكن إلي كلمة أو أخر، ثم قال: و هذا قد ذكره الاستاذ دام ظله.

(3) في الصفحة السابقة.

(4) في ش: أولا قبل الرضا به و يظهر من شرحي المامقاني و الشهيدي أن الموجود في نسختيهما هو ما أثبتناه، انظر غاية الآمال: 245 و هداية الطالب: 193.

(5) لم ترد قبولا و في ف و ش و شطب عليها في ن.

(6) كذا في ش و في غيرها: تقدم. (*)

*****ص 146*****

و أما ما يظهر من المبسوط من الاتفاق - هنا - علي الصحة به (1)، فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر علي خلافه و أما فحوي جوازه في النكاح، ففيها - بعد الإغماض عن حكم الأصل، بناء علي منع دلالة رواية سهل (2) علي كون لفظ الأمر هو القبول، لاحتمال تحقق القبول بعد إيجاب النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم و يؤيده أنه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الإيجاب و القبول - منع الفحوي و قصور دلالة رواية أبان (3)، من حيث اشتمالها علي كفاية قول المرأة: نعم في الإيجاب. ثم اعلم:

أن في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر اختلافا كثيرا بين كلمات الأصحاب، فقال في المبسوط: إن قال: بعنيها بألف فقال: بعتك، صح و الأقوي عندي أنه لا يصح حتي يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت (4) و اختار ذلك في الخلاف (5) و صرح به في الغنية، فقال: و اعتبرنا حصول الإيجاب من البائع و القبول من المشتري، حذرا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و هو أن يقول: بعنيه بألف، فيقول: بعتك فإنه لا ينعقد حتي يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت أو قبلت (6) و صرح به

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 4: 194 و قد

تقدم في الصفحة 141.

(2) تقدمت الإشارة إليها في الصفحة 142.

(3) تقدمت في الصفحة 142.

(4) المبسوط 2: 87.

(5) الخلاف 3: 39، كتاب البيوع، المسألة 56.

(6) الغنية: 214. (*)

*****ص 147*****

أيضا في السرائر (1) و الوسيلة (2) و عن جامع المقاصد:

أن ظاهرهم أن هذا الحكم اتفاقي (3) و حكي الإجماع أيضا (4) عن ظاهر الغنية أو صريحها (5) و عن المسالك: المشهور (6)، بل قيل: إن هذا الحكم ظاهر كل من اشترط الإيجاب و القبول (7) و مع ذلك كله، فقد صرح الشيخ في المبسوط - في باب النكاح - : بجواز التقديم بلفظ الأمر بالبيع و نسبته إلينا مشعر (8) - بقرينة السياق - إلي عدم الخلاف فيه بيننا، فقال: إذا تعاقدا، فإن تقدم الإيجاب علي القبول فقال: زوجتك

***** (هامش) *****

(1) السرائر 2: 249 - 250.

(2) لم نقف في الوسيلة علي هذا التفصيل و لكن عد فيها من شرائط الصحة: تقديم الإيجاب علي القبول، انظر الوسيلة: 237، نعم صرح بذلك العلامة في نهاية الإحكام 2: 449 و لعل التشابه بين رمز الوسيلة له و رمز النهاية يه صار منشأ لاشتباه النساخ و يؤيد هذا الاحتمال تأخير ذكرها عن السرائر.

(3) جامع المقاصد 4: 59.

(4) وردت أيضا في ع، ص و ش بعد عبارة ظاهر الغنية.

(5) الغنية: 214 و الترديد من السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 161.

(6) المسالك 3: 153.

(7) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 161 و فيه: … الإيجاب و القبول و الماضوية فيهما.

(8) كذا في ش و في غيرها: مشعرا و في مصححة ص: و نسبه إلينا مشعرا. (*)

*****ص 148*****

فقال: قبلت التزويج صح و كذا إذا تقدم الإيجاب علي القبول في البيع صح بلا

خلاف و أما إن تأخر الإيجاب و سبق القبول، فإن كان في النكاح فقال الزوج: زوجنيها فقال: زوجتكها صح و إن لم يعد الزوج القبول، بلا خلاف، لخبر الساعدي: قال (1) : زوجنيها يا رسول الله، فقال: زوجتكها بما معك من القرآن (2)، فتقدم (3) القبول و تأخر الإيجاب و إن كان هذا في البيع فقال: بعنيها فقال: بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم (4) : لا يصح حتي يسبق الإيجاب (5)، انتهي و حكي جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضي في الكامل (6)، بل يمكن نسبة هذا الحكم إلي كل من جوز تقديم القبول علي الإيجاب بقول مطلق و تمسك له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبر فيها عن القبول بطلب التزويج، إلا أن المحقق رحمه الله مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب صرح بجواز تقديم القبول علي الإيجاب (7).

***** (هامش) *****

(1) في ش: قال الرجل.

(2) انظر عوالي اللآلي 2: 263، الحديث 8 و سنن البيهقي 7: 242، باب النكاح علي تعليم القرآن.

(3) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ: فقدم.

(4) انظر المغني، لابن قدامة 3: 561 و المجموع 9: 198.

(5) المبسوط 4: 194.

(6) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 53.

(7) الشرائع 2: 13. (*)

*****ص 149*****

و ذكر العلامة قدس سره الاستيجاب و الإيجاب و جعله خارجا عن قيد اعتبار الإيجاب و القبول كالمعاطاة و جزم بعدم كفايته، مع أنه تردد في اعتبار تقديم القبول (1) و كيف كان، فقد عرفت (2) أن الأقوي المنع في البيع، لما عرفت، بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ قبلت يمكن المنع هنا، بناء علي اعتبار الماضوية فيما

دل علي القبول. ثم إن هذا كله بناء علي المذهب المشهور بين الأصحاب: من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك و أما علي ما قويناه (3) سابقا في مسألة المعاطاة: من أن البيع العرفي موجب للملك و أن الأصل في الملك اللزوم (4)، فاللازم الحكم باللزوم في كل مورد لم يقم إجماع علي عدم اللزوم و هو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ رأسا، أو كان اللفظ المنشأ به المعاملة مما قام الإجماع علي عدم إفادتها اللزوم (5) و أما في غير ذلك فالأصل اللزوم.

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 123.

(2) في الصفحة 145.

(3) في نسخة بدل ن، خ، م، ع و ش: اخترناه.

(4) راجع الصفحة 40 و 96.

(5) في غير ف و ش زيادة: و هو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء و في ن، خ، م و ع كتب عليها: نسخة. (*)

*****ص 150*****

و قد عرفت أن القبول علي وجه طلب البيع قد صرح في (1) المبسوط بصحته، بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكي عن الكامل أيضا (2)، فتأمل و إن كان التقديم بلفظ اشتريت أو (3) ابتعت أو تملكت أو ملكت هذا بكذا فالأقوي جوازه، لأنه أنشأ ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضا، ففي الحقيقة أنشأ المعاوضة كالبائع (4) إلا أن البائع ينشيء ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه و المشتري ينشيء ملكية مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله، ففي الحقيقة كل منهما يخرج ماله إلي صاحبه و يدخل مال صاحبه في ملكه، إلا أن الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض و في القبول مفهوم من نفس الفعل و الإخراج بالعكس و حينئذ

فليس في حقيقة الاشتراء - من حيث هو - معني القبول، لكنه لما كان الغالب وقوعه عقيب الإيجاب و إنشاء انتقال مال البائع إلي نفسه إذا وقع عقيب نقله (5) إليه يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول، اطلق عليه القبول و هذا المعني مفقود في الإيجاب المتأخر، لأن المشتري إنما ينقل ماله إلي البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضا و البائع إنما ينشيء انتقال المثمن (6) إليه كذلك، لا بمدلول الصيغة.

***** (هامش) *****

(1) لم ترد في في غير ش.

(2) كما تقدم في الصفحة 148.

(3) في ش بدل أو: و.

(4) في ف: كالتبايع.

(5) في ف، ن و خ زيادة: له.

(6) كذا في ف و في سائر النسخ: الثمن. (*)

*****ص 151*****

و قد صرح في النهاية و المسالك - علي ما حكي (1) - : بأن اشتريت ليس قبولا حقيقة و إنما هو بدل و أن الأصل في القبول قبلت، لأن القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به و مرادهما (2) : أنه بنفسه لا يكون قبولا، فلا ينافي ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع، كما أن رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلي البائع إلا إذا وقع متأخرا و لذا منعنا عن تقديمه. فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة إلي إفادة نقل المال و مطاوعة البيع عند التقدم و التأخر متعاكسان. فإن قلت: إن الإجماع علي اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله (3) : اشتريت حتي يقع قبولا، لأن إنشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معني الانتقال و قبول الأثر، فيكون اشتريت متأخرا التزاما بالأثر

عقيب إنشاء التأثير من البائع، بخلاف ما لو تقدم، فإن مجرد إنشاء المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول، كما لو نوي تملك (4) المباحات أو اللقطة، فإنه لا قبول فيه رأسا.

***** (هامش) *****

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 153 و انظر نهاية الإحكام 2: 448 و المسالك 3: 154.

(2) في ف: مرادهم.

(3) في ف: قول و في خ: قبوله.

(4) في ف: ملك. (*)

*****ص 152*****

قلت: المسلم من الإجماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعني الشامل للرضا بالإيجاب و أما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و قبول الأثر، فلا. فقد (1) تبين من جميع ذلك: أن إنشاء القبول لا بد أن يكون جامعا لتضمن إنشاء النقل و للرضا بإنشاء البائع - تقدم أو تأخر - و لا يعتبر إنشاء انفعال نقل البائع. فقد تحصل مما ذكرناه: صحة تقديم القبول إذا كان بلفظ اشتريت وفاقا لمن عرفت (2)، بل هو ظاهر إطلاق الشيخ في الخلاف، حيث إنه لم يتعرض إلا للمنع عن الانعقاد بالاستيجاب و الإيجاب (3) و قد عرفت (4) عدم الملازمة بين المنع عنه و المنع عن تقديم مثل اشتريت و كذا السيد في الغنية، حيث أطلق اعتبار الإيجاب و القبول و احترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الإيجاب (5) و كذا ظاهر إطلاق الحلبي في الكافي، حيث لم يذكر تقديم الإيجاب من شروط الانعقاد (6).

***** (هامش) *****

(1) في ف: وقد.

(2) في الصفحة السابقة.

(3) الخلاف 3: 39، كتاب البيوع، المسألة 56.

(4) انظر الصفحة 148 - 149.

(5) الغنية: 214.

(6) انظر الكافي في الفقه: 352 (فصل في عقد البيع). (*)

*****ص 153*****

و الحاصل: أن المصرح بذلك - في ما وجدت من القدماء -

الحلي (1) و ابن حمزة (2)، فمن التعجب بعد ذلك حكاية الإجماع عن الخلاف (3) علي (4) تقديم الإيجاب، مع أنه لم يزد علي الاستدلال لعدم (5) كفاية الاستيجاب و الإيجاب (6) بأن ما عداه مجمع علي صحته و ليس علي صحته دليل (7) و لعمري أن مثل هذا مما يوهن الاعتماد علي الإجماع المنقول و قد نبهنا علي أمثال ذلك في مواردها. نعم، يشكل الأمر بأن المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الإيجاب و لا فرق بين المتعارف هنا و بينه في المسألة الآتية و هو الوصل بين الإيجاب و القبول، فالحكم لا يخلو عن شوب الإشكال. ثم إن ما ذكرنا جار في كل قبول يؤدي بإنشاء مستقل كالإجارة التي يؤدي قبولها بلفظ تملكت منك منفعة كذا أو ملكت و النكاح

***** (هامش) *****

(1) السرائر 2: 243، هكذا وردت الكلمة في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: الحلبي بدل الحلي و هو سهو أو تصحيف، فإنه قد تقدم آنفا: أن الحلبي أطلق و لم يذكر تقديم الإيجاب.

(2) الوسيلة: 237.

(3) حكاه عنه الشهيد الأول في غاية المراد:

80، كما تقدم في صدر المسألة و الشهيد الثاني في المسالك 3: 153.

(4) في ص زيادة: لزوم.

(5) كذا في ش و في سائر النسخ: بعدم.

(6) كذا في النسخ و الظاهر سقوط كلمة: إلا.

(7) انظر الخلاف 3: 40، كتاب البيوع، ذيل المسألة 56. (*)

*****ص 154*****

الذي يؤدي قبوله (1) بلفظ أنكحت (2) و تزوجت و أما ما لا إنشاء في قبوله إلا قبلت أو ما يتضمنه ك ارتهنت فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه، إذ لا التزام في قبوله بشيء (3) كما كان في قبول البيع التزام (4) بنقل ماله إلي

البائع، بل لا ينشيء به معني غير الرضا بفعل الموجب و قد تقدم (5) أن الرضا يجوز تعلقه بأمر مترقب (6) كما يجوز تعلقه بأمر محقق، فيجوز أن يقول: رضيت برهنك هذا عندي فيقول: رهنت و التحقيق: عدم الجواز، لأن اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن و لا يخفي أنه لا يصدق الارتهان علي قبول الشخص إلا بعد تحقق الرهن، لأن الإيجاب إنشاء للفعل و القبول إنشاء للانفعال (7) و كذا القول (8) في الهبة و القرض، فإنه لا يحصل من إنشاء القبول

***** (هامش) *****

(1) في غير ش: قبولها.

(2) كذا في ف و في سائر النسخ: نكحت.

(3) كذا في ف و في سائر النسخ: لشيء.

(4) كذا في ش و في سائر النسخ: التزاما.

(5) تقدم في الصفحة 144.

(6) في ف: مستقبل.

(7) في نسخة بدل خ، م، ع و ش: لأن الإيجاب إنشاء للنقل و القبول إنشاء للانتقال.

(8) في خ، ص و مصححة ع: القبول. (*)

*****ص 155*****

فيهما (1) التزام بشيء و إنما يحصل به الرضا بفعل الموجب و نحوها (2) قبول المصالحة المتضمنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض و أما المصالحة المشتملة علي المعاوضة، فلما كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين و كان نسبتها إليهما (3) علي وجه سواء و ليس الالتزام (4) الحاصل من أحدهما أمرا مغايرا للالتزام الحاصل من الآخر، كان البادئ منهما موجبا، لصدق الموجب عليه لغة و عرفا. ثم لما انعقد الإجماع علي توقف العقد علي القبول، لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول، إذ لو قال أيضا: صالحتك كان إيجابا آخر، فيلزم تركيب العقد من إيجابين و تحقق من جميع ذلك: أن تقديم القبول في الصلح أيضا

غير جائز، إذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت و قد عرفت (5) أن قبلت و رضيت مع التقديم لا يدل علي إنشاء لنقل العوض في الحال. فتلخص مما ذكرنا: أن القبول في العقود علي أقسام (6) :

***** (هامش) *****

(1) كذا في ش و مصححة ن و ص و في غيرها: فيها.

(2) في ص: نحوهما.

(3) في ف: إليها.

(4) في ف: و كان الالتزام.

(5) في الصفحة 143 - 144.

(6) في خ، م، ع و ص: ثلاثة أقسام، إلا أن ثلاثة محيت في ن تصحيحا. (*)

*****ص 156*****

لأنه إما أن يكون التزاما بشيء من القابل، كنقل مال عنه أو زوجية و إما أن لا يكون فيه سوي الرضا بالإيجاب و الأول علي قسمين: لأن الالتزام الحاصل من القابل، إما أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة، أو متغايرا كالاشتراء و الثاني أيضا علي قسمين: لأنه إما أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض (1) و إما أن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من الرضا بالإيجاب كالوكالة و العارية و شبههما. فتقديم القبول علي الإيجاب لا يكون إلا في القسم الثاني من كل من القسمين. ثم إن مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام إيجابه اعتبار عرفي، فكل من التزم بنقل ماله علي وجه العوضية لمال آخر يسمي مشتريا و كل من نقل ماله علي أن يكون عوضه مالا من آخر يسمي بائعا و بعبارة اخري: كل من ملك ماله غيره بعوض فهو البائع و كل (2) من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشتري و إلا فكل منهما في الحقيقة يملك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله.

***** (هامش)

*****

(1) في ف: الإقراض.

(2) في ش: فكل. (*)

*****ص 157*****

و من جملة شروط العقد:

الموالاة بين إيجابه و قبوله ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع (1)، ثم العلامة (2) و الشهيدان (3) و المحقق الثاني (4) و الشيخ المقداد (5). قال الشهيد في القواعد:

الموالاة معتبرة في العقد و نحوه و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء (6) و المستثني منه و قال (7) بعض العامة: لا يضر قول الزوج بعد الإيجاب: الحمد لله و الصلاة

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 4: 362.

(2) القواعد 2: 4 و 80، في النكاح و الخلع.

(3) أما الشهيد الأول فقد صرح بذلك في كتاب الوقف من الدروس 2: 264 و قال في كتاب البيع منه: و لا يقدح تخلل آن أو تنفس أو سعال، الدروس 3: 191 و أما الشهيد الثاني فقد صرح بذلك في الهبة و الخلع من المسالك، انظر المسالك 6: 9 و 9: 384.

(4) رسائل المحقق الكركي 1: 201، في الخلع و جامع المقاصد 4: 59، في البيع.

(5) التنقيح الرائع 2: 24.

(6) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: المستثني.

(7) في غير ش: فقال. (*)

*****ص 158*****

علي رسول الله، قبلت نكاحها (1) و منه: الفورية في استتابة المرتد، فيعتبر في الحال و قيل (2) : إلي ثلاثة أيام و منه: السكوت في أثناء الأذان، فإن كان كثيرا أبطله و منه: السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها (3) و كذا التشهد و منه: تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع، فإن تعمدوا أو نسوا حتي ركع فلا جمعة و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة و منه: الموالاة في التعريف بحيث لا ينسي (4) أنه تكرار و

الموالاة في سنة التعريف، فلو رجع في أثناء المدة استؤنفت (5) ليتوالي (6)، انتهي (7). أقول: حاصله أن الأمر المتدرج شيئا فشيئا إذا كان له صورة اتصالية في العرف، فلا بد في ترتب الحكم المعلق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتصالية، فالعقد المركب من الإيجاب و القبول القائم

***** (هامش) *****

(1) قاله النووي، انظر المجموع 17: 307.

(2) قاله العلامة في الإرشاد 2: 189.

(3) في المصدر زيادة: خلالها.

(4) في ف: لا يصدق.

(5) في ف: استأنف و في المصدر: استؤنف.

(6) القواعد و الفوائد 1: 234، القاعدة 73.

(7) لم ترد انتهي في ف و م. (*)

*****ص 159*****

بنفس المتعاقدين بمنزلة (1) كلام واحد مرتبط بعضه ببعض، فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئته الاتصالية و لذا لا يصدق التعاقد (2) إذا كان الفصل مفرطا في الطول كسنة أو أزيد و انضباط ذلك إنما يكون بالعرف، فهو في كل أمر بحسبه، فيجوز الفصل بين كل من الإيجاب و القبول بما لا يجوز بين كلمات كل واحد (3) منهما و يجوز الفصل (4) بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف، كما في الأذان و القراءة و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم في المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا، كما هو مقتضي التمسك بآية الوفاء بالعقود (5) و بإطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم بل الملك، أما لو كان منوطا بصدق البيع أو (6) التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد و أما جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثني منه، فلأنه منشأ الانتقال إلي هذه القاعدة، فإن أكثر الكليات إنما يلتفت إليها من التأمل في مورد خاص و قد صرح في القواعد

***** (هامش) *****

(1)

لم ترد بمنزلة في ف.

(2) كذا في ف و في غيرها: المعاقدة.

(3) لم ترد واحد في ف.

(4) لم ترد الفصل في ن، م و ش و وردت في ص و نسخة بدل خ و ع بعد الكلمات و ما أثبتناه مطابق ل ف.

(5) المائدة: 1.

(6) في ف بدل أو: و. (*)

*****ص 160*****

مكررا بكون الأصل في هذه القاعدة كذا (1) و يحتمل بعيدا أن يكون الوجه فيه: أن الاستثناء أشد ربطا بالمستثني منه من سائر اللواحق، لخروج المستثني منه معه عن حد الكذب إلي الصدق، فصدقه يتوقف عليه، فلذا كان طول الفصل هناك أقبح، فصار أصلا في اعتبار الموالاة بين أجزاء الكلام، ثم تعدي منه إلي سائر الامور المرتبطة بالكلام لفظا أو معني، أو من حيث صدق عنوان خاص عليه، لكونه (2) عقدا أو قراءة أو أذانا و نحو ذلك. ثم في تطبيق بعضها علي ما ذكره خفاء، كمسألة توبة المرتد، فإن غاية ما يمكن أن يقال في توجيهه: إن المطلوب في الإسلام الاستمرار، فإذا انقطع فلا بد من إعادته في أقرب الأوقات و أما مسألة الجمعة، فلأن هيئة الاجتماع في جميع أحوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود مطلوبة، فيقدح الإخلال بها و للتأمل في هذه الفروع و في صحة تفريعها علي الأصل المذكور مجال.

***** (هامش) *****

(1) منها ما أفاده في القاعدة المشار إليها آنفا من قوله: و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثني منه و منها قوله في القاعدة 80 (الصفحة 243) : و هو مأخوذ من قاعدة المقتضي في اصول الفقه و منها قوله في القاعدة 86 (الصفحة 270) : لعلهما مأخوذان من قاعدة جواز النسخ قبل الفعل و

منها قوله في القاعدة 105 (الصفحة 308) : و أصله الأخذ بالاحتياط غالبا.

(2) في ص: ككونه. (*)

*****ص 161*****

ثم إن المعيار في الموالاة موكول إلي العرف، كما في الصلاة و القراءة و الأذان و نحوها و يظهر من رواية سهل الساعدي - المتقدمة (1) في مسألة تقديم القبول - جواز الفصل بين الإيجاب و القبول بكلام طويل أجنبي، بناء علي ما فهمه الجماعة من أن القبول فيها قول ذلك الصحابي: زوجنيها و الإيجاب قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم بعد فصل طويل: زوجتكها بما معك من القرآن و لعل هذا موهن آخر للرواية، فافهم.

***** (هامش) *****

(1) راجع الصفحة 142 و 148. (*)

*****ص 162*****

و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة: التنجيز في العقد بأن لا يكون معلقا علي شيء بأداة الشرط، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشيء، لا في غيرها و ممن صرح بذلك: الشيخ (1) و الحلي (2) و العلامة (3) و جميع من تأخر عنه، كالشهيدين (4) و المحقق الثاني (5) و غيرهم (6) قدس الله تعالي أرواحهم و عن فخر الدين - في شرح الإرشاد في باب الوكالة - : أن تعليق (7) الوكالة علي الشرط لا يصح عند الإمامية و كذا غيره من

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 2: 399 و الخلاف 3: 354، كتاب الوكالة، المسألة 23.

(2) السرائر 2: 99.

(3) التذكرة 2: 114 و 433 و القواعد 1: 252 و 266 و 2: 4 و غيرها.

(4) اللمعة الدمشقية و شرحها (الروضة البهية) 3: 168، الدروس 2: 263 و المسالك 5: 239 و 357.

(5) جامع المقاصد 8: 180 و 9: 14 - 15 و 12: 77.

(6) كالمحقق الحلي في

الشرائع 2: 193 و 216 و المحقق السبزواري في الكفاية: 128 و 140 و المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 189 و 207.

(7) كذا في ش و مصححتي ن و ص و في غيرها: تعلق. (*)

*****ص 163*****

العقود، لازمة كانت أو جائزة (1) و عن تمهيد القواعد:

دعوي الإجماع عليه (2) و ظاهر المسالك - في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف - : الاتفاق عليه (3) و الظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد (4) و إن لم يتعرض الأكثر في هذا المقام و يدل عليه: فحوي فتاويهم و معاقد الإجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة، مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كل ما دل علي الإذن، حتي أن العلامة ادعي الإجماع - علي ما حكي عنه - علي عدم صحة (5) أن يقول الموكل: أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي (6) و علي صحة (7) قوله: أنت وكيلي و لا تبع عبدي إلا في يوم

***** (هامش) *****

(1) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 526.

(2) تمهيد القواعد:

533، القاعدة 198 و فيه: الاتفاق عليه و حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 639.

(3) المسالك 5: 357.

(4) كالعلامة في التحرير 1: 284 و المحقق السبزواري في الكفاية: 140 و المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 207.

(5) كذا في ف، ش و مصححة ن و في سائر النسخ: علي صحة.

(6) كذا في ف، ش و مصححة ن و في سائر النسخ: أنت وكيلي في أن تبيع عبدي يوم الجمعة.

(7) كذا في ف و ش و في سائر النسخ: و علي عدم صحة و شطب في ن علي كلمة عدم. (*)

*****ص 164*****

الجمعة (1)،

مع كون المقصود واحدا و فرق بينهما جماعة (2) - بعد الاعتراف بأن هذا في معني التعليق - : بأن العقود لما كانت متلقاة من الشارع انيطت (3) بهذه الضوابط و بطلت فيما خرج عنها و إن أفادت فائدتها. فإذا كان الأمر كذلك عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع؟ و بالجملة، فلا شبهة في اتفاقهم علي الحكم و أما (4) الكلام في وجه الاشتراط، فالذي صرح به العلامة في التذكرة: أنه مناف للجزم حال الإنشاء، بل جعل الشرط هو الجزم ثم فرع عليه عدم جواز التعليق، قال: الخامس من الشروط: الجزم، فلو علق العقد علي شرط لم يصح و إن شرط (5) المشيئة، للجهل بثبوتها حال العقد و بقائها مدته و هو أحد قولي الشافعي و أظهرهما عندهم:

الصحة، لأن هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد، لأنه لو لم يشأ لم يشتر (6)، انتهي كلامه.

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 2: 114 و العبارة منقولة بالمعني، كما صرح بذلك المحقق المامقاني، انظر غاية الآمال: 225.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 5: 240 - 241 و تبعه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 527.

(3) كذا في ف و ش و مصححة ن و في غيرها: نيطت.

(4) في ف و ن: و إنما.

(5) في ش و المصدر: و إن كان الشرط.

(6) التذكرة 1: 462. (*)

*****ص 165*****

و تبعه علي ذلك الشهيد رحمه الله في قواعده، قال: لأن الانتقال بحكم الرضا و لا رضا إلا مع الجزم و الجزم ينافي التعليق (1)، انتهي و مقتضي ذلك: أن المعتبر هو عدم التعليق علي أمر مجهول الحصول، كما صرح به المحقق في باب الطلاق (2) و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان في الجامع (3)

و المسالك (4) - في مسألة إن كان لي فقد بعته - : أن التعليق إنما ينافي الإنشاء في العقود و الإيقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول. لكن الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدم:

أن الجزم ينافي التعليق، لأنه بعرضة عدم الحصول و لو قدر العلم بحصوله، كالتعليق علي الوصف، لأن الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه، فاعتبر المعني العام دون خصوصيات الأفراد. ثم قال: فإن قلت: فعلي هذا (5) يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل (6) : إن كان لي فقد بعته منك بكذا (7). قلت: هذا تعليق علي واقع، لا [علي] (8) متوقع الحصول، فهو علة للوقوع أو

***** (هامش) *****

(1) القواعد و الفوائد 1: 65، القاعدة 35.

(2) الشرائع 3: 19.

(3) جامع المقاصد 8: 305 و اللفظ له.

(4) المسالك 5: 276.

(5) عبارة فعلي هذا من ش و المصدر.

(6) في ف: الوكيل.

(7) عبارة منك بكذا من ش و المصدر.

(8) من المصدر. (*)

*****ص 166*****

مصاحب له، لا معلق عليه الوقوع و كذا (1) لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج و إنكار التزويج حيث تدعيه المرأة: إن كانت زوجتي فهي طالق (2)، انتهي كلامه رحمه الله و علل العلامة في القواعد صحة إن كان لي فقد بعته بأنه أمر واقع يعلمان وجوده، فلا يضر جعله شرطا و كذا كل شرط علم وجوده، فإنه لا يوجب شكا في البيع و لا و قوفه (3)، انتهي و تفصيل الكلام:

أن المعلق عليه، إما أن يكون معلوم التحقق و إما أن يكون محتمل التحقق و علي الوجهين، فإما أن يكون تحققه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل و علي التقادير، فإما أن يكون الشرط مما يكون مصححا للعقد - ككون

الشيء مما يصح تملكه شرعا، أو مما يصح إخراجه عن الملك، كغير ام الولد و غير الموقوف (4) و نحوه و كون المشتري ممن يصح تملكه شرعا، كأن لا يكون عبدا و ممن يجوز العقد معه بأن يكون بالغا - و إما أن لا يكون كذلك. ثم التعليق، إما مصرح به و إما لازم من الكلام، كقوله: ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة و قوله في القرض و الهبة: خذ هذ

***** (هامش) *****

(1) في ش زيادة: نقول و في المصدر: و كذا القول.

(2) القواعد و الفوائد 1: 65، القاعدة 35.

(3) القواعد 1: 260 - 261.

(4) في غير ش زيادة: عليه. (*)

*****ص 167*****

بعوضه، أو خذه بلا عوض يوم الجمعة، فإن التمليك معلق علي تحقق الجمعة في الحال أو في الاستقبال و لهذا احتمل العلامة في النهاية (1) و و لده في الإيضاح (2) بطلان بيع الوارث لمال مورثه بظن حياته (3)، معللا بأن العقد و إن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق و التقدير: إن مات مورثي فقد بعتك. فما كان منها معلوم الحصول حين العقد، فالظاهر أنه غير قادح و فاقا لمن عرفت كلامه - كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني (4) و الصيمري (5) - و حكي أيضا (6) عن المبسوط (7) و الإيضاح (8) في مسألة ما لو قال: إن كان لي فقد بعته، بل لم يوجد في ذلك خلاف صريح و لذا ادعي في الرياض - في باب الوقف - عدم الخلاف فيه صريحا (9) و ما كان معلوم الحصول في المستقبل - و هو المعبر عنه بالصفة - فالظاهر أنه داخل في معقد اتفاقهم علي عدم الجواز - و

إن كان تعليلهم

***** (هامش) *****

(1) نهاية الإحكام 2: 477.

(2) إيضاح الفوائد 1: 420.

(3) كذا في ف و نسخة بدل ن و في سائر النسخ: موته.

(4) تقدم النقل عن هؤلاء الأعلام في الصفحة 165 - 166.

(5) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتابه و لا علي الحاكي عنه.

(6) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 639.

(7) المبسوط 2: 385.

(8) إيضاح الفوائد 2: 360.

(9) الرياض 2: 18. (*)

*****ص 168*****

للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه - كما اعترف به الشهيد فيما تقدم عنه (1) و نحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه (2)، بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه مما لا خلاف فيه بيننا، بل بين العامة، فإنه قال: إذا قال الواقف: إذا جاء رأس الشهر فقد و قفته لم يصح الوقف بلا خلاف، لأنه مثل البيع و الهبة و عندنا مثل العتق أيضا (3)، انتهي (4)، فإن ذيله يدل علي أن مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير مختص بالإمامية، نعم مماثلته للعتق مختص بهم و ما كان منها مشكوك الحصول و ليست صحة العقد معلقة عليه في الواقع - كقدوم الحاج - فهو المتيقن من معقد اتفاقهم و ما كان صحة العقد معلقة عليه - كالأمثلة المتقدمة - فظاهر إطلاق كلامهم يشمله، إلا أن الشيخ في المبسوط حكي في مسألة إن كان لي فقد بعته قولا من بعض الناس بالصحة و أن الشرط لا يضره، مستدلا بأنه لم يشترط إلا ما يقتضيه إطلاق العقد، لأنه إنما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل إذا كان أذن له في الشراء، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضر إظهاره و شرطه، كما لو شرط في البيع تسليم الثمن أو

تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك (5)، انتهي.

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة 165.

(2) انظر المسالك 5: 239.

(3) المبسوط 3: 299.

(4) لم ترد انتهي في ف.

(5) المبسوط 2: 385. (*)

*****ص 169*****

و هذا الكلام و إن حكاه عن بعض الناس، إلا أن الظاهر ارتضاؤه له و حاصله: أنه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه، كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو معلق عليه في الواقع، فتعليقه ببعض مقدماته كالإلزام ببعض (1) غاياته، فكما لا يضر الإلزام بما يقتضي العقد التزامه (2)، كذلك التعليق بما كان الإطلاق معلقا عليه و مقيدا به و هذا الوجه و إن لم ينهض لدفع محذور التعليق في إنشاء العقد - لأن المعلق علي ذلك الشرط في الواقع هو ترتب الأثر الشرعي علي العقد، دون إنشاء مدلول الكلام الذي هو وظيفة المتكلم، فالمعلق في كلام المتكلم غير معلق في الواقع علي شيء و المعلق علي شيء ليس معلقا في كلام المتكلم علي شيء، بل و لا منجزا، بل هو شيء خارج عن مدلول الكلام - إلا أن ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظن بتحقق الإجماع عليه. مع أن ظاهر هذا التوجيه لعدم قدح التعليق يدل علي أن محل الكلام فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه، فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم (3) و يؤيد ذلك: أن الشهيد في قواعده جعل الأصح صحة تعليق البيع علي ما هو شرط فيه، كقول البائع: بعتك إن قبلت (4) و يظهر

***** (هامش) *****

(1) في ف، ن و م:

كإلزام بعض.

(2) في ف: أو التزامه.

(3) لم ترد عبارة مع أن الظاهر - إلي - بصورة العلم في ف و كتب عليها

ن في: نسخة.

(4) القواعد و الفوائد 1: 155 - 156، القاعدة 41. (*)

*****ص 170*****

منه ذلك أيضا في أواخر (1) القواعد (2). ثم إنك قد عرفت أن العمدة في المسألة هو الإجماع و ربما يتوهم أن الوجه في اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الإنشاء للتعليق و بطلانه واضح، لأن المراد بالإنشاء إن كان هو مدلول الكلام فالتعليق غير متصور فيه، إلا أن الكلام ليس فيه و إن كان الكلام في أنه كما يصح إنشاء الملكية المتحققة علي كل تقدير، فهل يصح إنشاء الملكية المتحققة علي تقدير دون آخر، كقوله: هذا لك إن جاء زيد غدا، أو (3) خذ المال قرضا - أو قراضا - إذا أخذته من فلان و نحو ذلك؟ فلا ريب في أنه أمر متصور واقع في العرف و الشرع كثيرا في الأوامر و المعاملات، من العقود و الإيقاعات و يتلو هذا الوجه في الضعف: ما قيل: من أن ظاهر ما دل علي سببية العقد ترتب مسببه عليه حال وقوعه، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك (4) و فيه - بعد الغض عن عدم انحصار أدلة الصحة و اللزوم في مثل قوله تعالي: * (أوفوا بالعقود) * (5)، لأن دليل حلية البيع (6) و تسلط الناس

***** (هامش) *****

(1) في م و ش: آخر و هكذا في ن إلا أنها صححت بما أثبتناه.

(2) انظر القواعد و الفوائد 2: 237، القاعدة 238 و 258، القاعدة 251 و غيرهما.

(3) كذا في ف و ن و في غيرهما: و.

(4) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 23: 198 و 27: 352 و 32: 79.

(5) المائدة: 1.

(6) مثل قوله تعالي: * (وأحل الله البيع) *، البقرة: 275. (*)

*****ص 171*****

علي أموالهم

(1) كاف في إثبات ذلك - : أن العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به علي طبق مدلوله، فليس مفاد * (أوفوا بالعقود) * إلا مفاد * (أوفوا بالعهد) * (2) في أن العقد كالعهد إذا وقع علي وجه التعليق فترقب تحقق المعلق عليه في تحقق المعلق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد و الحاصل: أنه إن اريد بالمسبب هو مدلول العقد، فعدم تخلفه عن إنشاء العقد من البديهيات التي لا يعقل خلافها و إن اريد به الأثر الشرعي و هو ثبوت الملكية، فيمنع كون أثر مطلق البيع الملكية المنجزة، بل هو مطلق الملك، فإن كان البيع غير معلق كان أثره الشرعي الملك الغير المعلق و إن كان معلقا فأثره الملكية المعلقة، مع أن تخلف الملك عن العقد كثير جدا. مع أن ما ذكره لا يجري في مثل قوله: بعتك إن شيءت أو إن (3) قبلت، فإنه لا يلزم هنا تخلف أثر العقد عنه. مع أن هذا لا يجري في الشرط المشكوك المتحقق في الحال، فإن العقد حينئذ يكون مراعي لا موقوفا. مع أن ما ذكره لا يجري (4) في غيره من العقود التي قد يتأخر مقتضاها عنها كما لا يخفي و ليس الكلام في خصوص البيع و ليس علي

***** (هامش) *****

(1) مثل قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

الناس مسلطون علي أموالهم، انظر عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(2) الإسراء: 34.

(3) في ف و ش: و إن.

(4) عبارة في الشرط المشكوك - إلي - لا يجري ساقطة من ف. (*)

*****ص 172*****

هذا الشرط في كل عقد دليل علي حدة. ثم الأضعف من الوجه المتقدم:

التمسك في ذلك بتوقيفية الأسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها علي المتيقن

و ليس إلا العقد العاري عن التعليق. إذ فيه: أن إطلاق الأدلة - مثل حلية البيع و تسلط الناس علي أموالهم و حل التجارة عن تراض و وجوب الوفاء بالعقود و أدلة سائر العقود - كاف في التوقيف (1) و بالجملة، فإثبات هذا الشرط في العقود مع عموم أدلتها و وقوع كثير منها في العرف علي وجه التعليق بغير الإجماع محققا أو منقولا مشكل. ثم إن القادح هو تعليق الإنشاء و أما إذا أنشأ من غير تعليق صح العقد و إن كان المنشيء مترددا في ترتب الأثر عليه شرعا أو عرفا، كمن ينشيء البيع و هو لا يعلم أن المال له، أو أن المبيع مما يتمول، أو أن (2) المشتري راض حين الإيجاب أم لا، أو غير ذلك مما يتوقف صحة العقد عليه عرفا أو شرعا، بل الظاهر أنه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الأثر عليه إذا تحقق القصد إلي التمليك العرفي و قد صرح بما ذكرنا بعض المحققين، حيث قال: لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد (3).

***** (هامش) *****

(1) في ف: بالتوقيف.

(2) في ف: و أن.

(3) صرح به المحقق التستري في مقابس الأنوار: 115. (*)

*****ص 173*****

نعم، ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقومة - كعدم الزوجية - أو الشك فيها في إنشاء الطلاق، فإنه لا يتحقق القصد إليه منجزا من دون العلم بالزوجية و كذا الرقية في العتق و حينئذ فإذا مست الحاجة إلي شيء من ذلك للاحتياط و قلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء علي ما هو شرط فيه، فلا بد من إبرازه بصورة التنجيز (1) و إن كان في الواقع معلقا، أو يوكل غيره الجاهل بالحال بإيقاعه و

لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا علي كون الموكل مالكا للفعل، لأن فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن. إلا أن ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوجه (2) امرأة يشك في أنها محرمة عليه أو محللة (3)، فظهر حلها و علل ذلك بعدم الجزم حال العقد. قال: و كذا الإيقاعات، كما لو خالع امرأة أو طلقها و هو شاك في زوجيتها، أو ولي نائب الإمام عليه السلام قاضيا لا يعلم أهليته و إن ظهر أهلا. ثم قال: و يخرج من هذا بيع مال مورثه لظنه حياته، فبان ميتا، لأن الجزم هنا حاصل، لكن خصوصية البائع غير معلومة و إن قيل بالبطلان أمكن، لعدم القصد إلي نقل ملكه و كذا لو زوج أمة أبيه (4) فظهر ميتا (5)، انتهي.

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف، ن، خ و م و في سائر النسخ: التنجز.

(2) كذا في ف و المصدر و في سائر النسخ: زوج.

(3) أو محللة من ف و المصدر.

(4) في ف: أمته ابنه.

(5) القواعد و الفوائد 2: 238، القاعدة 238. (*)

*****ص 174*****

و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه، بإمكان الجزم فيهما، دون مثال الطلاق، فافهم و قال في موضع آخر: و لو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين، أمكن الصحة و كذا بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا و يشكلان في العالم بالحكم، لعدم قصدهما (1) إلي طلاق صحيح (2)، انتهي.

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و الصواب: قصده، كما في المصدر و مصححة ص. (2) القواعد و الفوائد 1: 367، القاعدة 143. (*)

*****ص 175*****

و من جملة شروط العقد:

التطابق بين الإيجاب و القبول فلو اختلفا في المضمون بأن أوجب البائع البيع علي وجه

خاص من حيث خصوص المشتري أو المثمن أو الثمن أو توابع العقد من الشروط، فقبل المشتري علي وجه آخر، لم ينعقد و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالإيجاب، فحينئذ لو قال: بعته من موكلك بكذا فقال: اشتريته لنفسي لم ينعقد و لو قال: بعت هذا من موكلك، فقال الموكل الغير المخاطب: قبلت صح و كذا لو قال: بعتك فأمر المخاطب و كيله بالقبول فقبل و لو قال: بعتك العبد بكذا، فقال: اشتريت نصفه بتمام الثمن - أو نصفه - لم ينعقد و كذا (1) لو قال: بعتك العبد بمائة درهم، فقال: اشتريته بعشرة دينار (2) و لو قال للإثنين: بعتكما العبد بألف، فقال أحدهما (3) :

***** (هامش) *****

(1) لم ترد كذا في ف.

(2) كذا في النسخ و الصواب: دنانير.

(3) في ف: أحد. (*)

*****ص 176*****

اشتريت نصفه بنصف الثمن لم يقع و لو قال كل منهما ذلك، لا يبعد الجواز و نحوه لو قال البائع: بعتك العبد بمائة فقال المشتري: اشتريت كل نصف منه بخمسين و فيه إشكال.

*****ص 177*****

و من جملة الشروط في العقد (1) : أن يقع كل من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد (2) منهما الإنشاء فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير قابل للقبول، أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الإيجاب، لم ينعقد. ثم إن عدم قابليتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب - كالموت و الجنون و الإغماء بل النوم - فوجه الاعتبار عدم تحقق معني المعاقدة و المعاهدة حينئذ و أما صحة القبول من الموصي له بعد موت الموصي، فهو شرط حقيقة (3)، لا ركن، فإن حقيقة الوصية الإيصاء

و لذا (4) لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه و لو رد جاز له القبول بعد ذلك و إن كان لعدم الاعتبار (5) برضاهما، فلخروجه أيضا عن مفهوم

***** (هامش) *****

(1) لم ترد في العقد في ف.

(2) لم ترد واحد في ف.

(3) في ص: شرط تحققه.

(4) في غير ن و ش: و كذا.

(5) في ف: اعتبار. (*)

*****ص 178*****

التعاهد و التعاقد، لأن المعتبر فيه عرفا رضا كل منهما لما ينشيءه الآخر حين إنشائه، كمن يعرض له الحجر بفلس أو سفه أو رق - لو فرض - أو مرض موت و الأصل في جميع ذلك: أن الموجب لو فسخ قبل القبول لغي الإيجاب السابق و كذا لو كان المشتري في زمان الإيجاب غير راض، أو كان ممن لا يعتبر رضاه - كالصغير - ، فصحة كل من الإيجاب و القبول يكون معناه قائما في نفس المتكلم من أول العقد إلي أن يتحقق تمام السبب و به يتم معني المعاقدة، فإذا لم يكن هذا المعني قائما في نفس أحدهما، أو قام و لم يكن قيامه معتبرا، لم يتحقق معني المعاقدة. ثم إنهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره من أحدهما حين العقد، بل يكفي حصوله بعده، فضلا عن حصوله بعد الإيجاب و قبل القبول، اللهم إلا أن يلتزم بكون الحكم في المكره علي خلاف القاعدة لأجل الإجماع.

فرع: في اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة

فرع: في اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة:

لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة، فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا؟ وجوه،

ثالثها: اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا في النقل - كما لو فرضنا أنه لا قائل

بجواز تقديم القبول علي الإيجاب و جواز العقد بالفارسي - أردؤها أخيرها و الأولان مبنيان علي أن الأحكام الظاهرية - المجتهد فيها - بمنزلة

*****ص 179*****

الواقعية الاضطرارية، فالإيجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة إشارة الأخرس و إيجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة إلي واجد الماء، أم هي أحكام عذرية لا يعذر فيها إلا (1) من اجتهد أو قلد فيها و المسألة محررة في الاصول (2). هذا كله إذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا إلي فعل الآخر، كالصراحة و العربية و الماضوية و الترتيب و أما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين علي صفات صحة الإنشاء إلي آخر العقد، فالظاهر أن اختلافها يوجب فساد المجموع، لأن بالإخلال (3) بالموالاة أو التنجيز أو البقاء علي صفات صحة الإنشاء، يفسد عبارة من يراها شروطا، فإن الموجب إذا علق مثلا، أو لم يبق علي صفة صحة الإنشاء إلي زمان القبول باعتقاد مشروعية ذلك، لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الإيجاب بالقبول و كذا القابل إذا لم يقبل إلا بعد فوات الموالاة بزعم صحة ذلك، فإنه يجب علي الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة، فتأمل.

***** (هامش) *****

(1) لم ترد إلا في ف.

(2) انظر مطارح الأنظار: 22 (هداية في الأمر الظاهري الشرعي) و راجع غيرها من كتب الاصول في مبحث إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي.

(3) في ع و ص: الإخلال و الظاهر من ف كونها: بالاختلال. (*)

*****ص 180*****

أحكام المقبوض بالعقد الفاسد (1)

الأول: ضمان المقبوض بالعقد الفاسد

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و كان مضمونا عليه. أما عدم الملك، فلأنه مقتضي فرض الفساد و أما الضمان بمعني كون تلفه عليه - و هو أحد الامور

(3) المتفرعة علي القبض بالعقد الفاسد - فهو المعروف و ادعي الشيخ في باب الرهن (4) و في موضع من البيع: الإجماع عليه صريحا (5) و تبعه في ذلك (6) فقيه عصره في شرح القواعد (7) و في السرائر: أن البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجري الغصب في الضمان (8) و في موضع آخر نسبه إلي أصحابنا (9).

***** (هامش) *****

(1) و (2) العنوان منا.

(3) كذا في ف و مصححة خ و ص و في سائر النسخ: امور.

(4) المبسوط 2: 204.

(5) نفس المصدر 2: 150.

(6) في ف: علي ذلك.

(7) هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : 52.

(8) و (9) السرائر 2: 285 و 326. (*)

*****ص 181*****

و يدل عليه: النبوي المشهور: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي (1) و الخدشة في دلالته: بأن كلمة علي ظاهرة في الحكم التكليفي فلا يدل علي الضمان، ضعيفة جدا، فإن هذا الظهور إنما هو إذا اسند الظرف إلي فعل من أفعال المكلفين، لا إلي مال من الأموال، كما يقال: عليه دين، فإن لفظة علي حينئذ لمجرد الاستقرار في العهدة، عينا كان أو دينا و من هنا كان المتجه صحة الاستدلال به علي ضمان الصغير، بل المجنون إذا لم يكن يدهما ضعيفة، لعدم التمييز (2) و الشعور و يدل علي الحكم المذكور أيضا: قوله عليه السلام في الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري: إنه (3) يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة (4)، فإن ضمان الولد بالقيمة - مع كونه نماء لم يستوفه المشتري - يستلزم ضمان الأصل بطريق أولي و ليس (5) استيلادها من قبيل إتلاف النماء، بل من قبيل إحداث نمائها (6) غير

قابل للملك، فهو كالتالف لا المتلف (7)، فافهم.

***** (هامش) *****

(1) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106 و 389، الحديث 22.

(2) كذا في ن و في سائر النسخ: التميز.

(3) لم ترد إنه في ف.

(4) الوسائل 14: 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 3.

(5) في ش: فليس.

(6) في ش: إنمائها.

(7) في ش: لا كالمتلف. (*)

*****ص 182*****

ثم إن هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و هذه القاعدة أصلا و عكسا و إن لم أجدها بهذه العبارة في كلام من تقدم علي العلامة، إلا أنها تظهر من كلمات الشيخ رحمه الله في المبسوط (1)، فإنه علل الضمان في غير واحد من العقود الفاسدة: بأنه دخل علي أن يكون المال مضمونا عليه و حاصله: أن قبض المال مقدما علي ضمانه بعوض واقعي أو جعلي موجب للضمان و هذا المعني يشمل المقبوض (2) بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها و ذكر أيضا في مسألة عدم الضمان في الرهن الفاسد:

أن صحيحه لا يوجب الضمان فكيف يضمن بفاسده (3) ؟ و هذا يدل علي العكس المذكور و لم أجد من تأمل فيها عدا الشهيد في المسالك فيما لو فسد عقد السبق في أنه (4) يستحق السابق اجرة المثل أم لا؟ (5) و كيف كان، فالمهم بيان معني القاعدة أصلا و عكسا، ثم بيان المدرك فيها.

***** (هامش) *****

(1) راجع المبسوط 3: 58، 65، 68، 85 و 89.

(2) في ش: القبوض.

(3) المبسوط 2: 204.

(4) كذا في ف و هامش خ و م و في سائر النسخ: بدل في أنه: فهل.

(5) المسالك 6: 110. (*)

*****ص 183*****

فنقول و من الله

الاستعانة: إن المراد ب العقد أعم من الجائز و اللازم، بل مما كان فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب إليه، فيشمل الجعالة و الخلع و المراد بالضمان في الجملتين: هو كون درك المضمون، عليه، بمعني كون خسارته و دركه في ماله الأصلي، فإذا تلف وقع نقصان فيه، لوجوب تداركه منه و أما مجرد كون تلفه في ملكه بحيث يتلف مملوكا له - كما يتوهم (1) - فليس هذا معني للضمان أصلا، فلا يقال: إن الإنسان ضامن لأمواله. ثم تداركه من ماله، تارة يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضي هو و المالك علي كونه عوضا و أمضاه الشارع، كما في المضمون بسبب العقد الصحيح و اخري بأداء عوضه الواقعي و هو المثل أو القيمة و إن لم يتراضيا عليه و ثالثة بأداء أقل الأمرين من العوض الواقعي و الجعلي، كما ذكره بعضهم في بعض المقامات (2) مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.

***** (هامش) *****

(1) قيل: إنه الشيخ علي في حواشي الروضة في تفسير القاعدة. انظر غاية الآمال: 277 و هداية الطالب: 210 و لعل المراد من الشيخ علي المذكور هو صاحب الدر المنثور حفيد صاحب المعالم، انظر الذريعة 12: 67.

(2) ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد 9: 178 و الشهيد الثاني في المسالك 6: 63. (*)

*****ص 184*****

فإذا ثبت هذا، فالمراد بالضمان بقول مطلق، هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي، لأن هذا هو التدارك حقيقة و لذا (1) لو اشترط (2) ضمان العارية لزم غرامة مثلها أو قيمتها و لم يرد في أخبار ضمان المضمونات (3) - من المغصوبات و غيرها - عدا لفظ الضمان بقول مطلق و أما تداركه بغيره فلا بد من ثبوته من

طريق آخر، مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع. فاحتمال: أن يكون المراد بالضمان في قولهم:

يضمن بفاسده هو وجوب أداء العوض المسمي - نظير الضمان في العقد الصحيح - ، ضعيف في الغاية (4)، لا لأن ضمانه بالمسمي يخرجه من فرض الفساد، إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين علي ملك مالكه و إن كان عند تلف أحدهما يتعين الآخر للعوضية - نظير المعاطاة علي القول بالإباحة - بل لأجل ما عرفت من معني الضمان و أن التدارك بالمسمي (5) في الصحيح لإمضاء الشارع ما تواطئا علي عوضيته، لا لأن

***** (هامش) *****

(1) في ف: و لهذا.

(2) في ع و ص: شرط و كتب فوق الكلمة في ص: اشترط.

(3) انظر الوسائل 13: 257 - 258، الباب 17 من أبواب أحكام الإجارة، الأحاديث 2 - 6 و 13: 271 و 276، الباب 29 و 30 و 19: 179 - 182، الباب 8 - 11 من كتاب الديات و غيرها.

(4) قال المحقق المامقاني - بعد نقل العبارة - : تعريض بما في شرح القواعد، انظر غاية الآمال: 279 و شرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء (مخطوط) : الورقة 52.

(5) كذا في ف و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: المسمي. (*)

*****ص 185*****

معني الضمان في الصحيح مغاير لمعناه في الفاسد حتي يوجب ذلك تفكيكا في العبارة، فافهم. ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع ليكون أفراده مثل البيع و الصلح و الإجارة و نحوها، لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان و إنما المقتضي له بعض أصنافه، فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف، مثلا الصلح

بنفسه لا يوجب الضمان، لأنه قد لا يفيد إلا فائدة الهبة الغير المعوضة أو الإبراء، فالموجب للضمان هو المشتمل علي المعاوضة، فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب (1) للضمان أيضا و لا يلتفت إلي أن نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضمانا فلا يضمن بفاسده و كذا الكلام في الهبة المعوضة و كذا عارية الذهب و الفضة. نعم، ذكروا في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم:

أن صحيح العارية لا يوجب الضمان فينبغي أن لا يضمن بفاسدها (2) و لعل المراد عارية غير الذهب و الفضة و غير المشروط ضمانها. ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له بنفسه، فلو اقتضاه الشرط المتحقق (3) في ضمن العقد الصحيح، ففي الضمان بالفاسد

***** (هامش) *****

(1) في ف: يوجب.

(2) انظر المسالك 5: 139 و الحدائق 21: 489 و مفتاح الكرامة 6: 56 و غيرها و سوف يجئ الكلام في المسألة عند التعرض للإشكال في اطراد القاعدة في الصفحة 195.

(3) في ف: المحقق. (*)

*****ص 186*****

من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسكا بهذه القاعدة إشكال، كما لو استأجر إجارة فاسدة و اشترط فيها ضمان العين و قلنا بصحة هذا الشرط، فهل يضمن بهذا الفاسد لأن صحيحه يضمن به (1) و لو لأجل الشرط، أم لا؟ و كذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة و يظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقا (2)، تبعا لظاهر المسالك (3) و يمكن جعل الهبة المعوضة من هذا القبيل، بناء علي أنها هبة مشروطة لا معاوضة و ربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه: أن كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا، يضمن به مع الفساد و يترتب (4) عليه

عدم الضمان فيما (5) لو استأجر بشرط أن لا اجرة كما اختاره الشهيدان (6)، أو باع بلا ثمن، كما هو أحد وجهي العلامة في القواعد (7) و يضعف: بأن الموضوع هو العقد الذي يوجد (8) له بالفعل صحيح

***** (هامش) *****

(1) لم ترد به في ف.

(2) انظر الرياض 1: 625.

(3) المسالك 5: 139 - 141.

(4) كذا في ف و في سائر النسخ: و رتب.

(5) لم ترد فيما في ف.

(6) نقله المحقق الثاني في جامع المقاصد 7: 120، عن حواشي الشهيد و لكنها لا توجد لدينا و نقله الشهيد الثاني أيضا في المسالك 5: 184 و قال: و هو حسن.

(7) القواعد 1: 134.

(8) كذا في ف و في غيرها: وجد. (*)

*****ص 187*****

و فاسد، لا ما يفرض تارة صحيحا و اخري فاسدا، فالمتعين بمقتضي هذه القاعدة: الضمان في مسألة البيع، لأن البيع الصحيح يضمن به. نعم، ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة: بأنه أقدم علي العين (1) مضمونة عليه، لا يجري في هذا الفرع، لكن الكلام في معني القاعدة، لا في مدركها. ثم إن لفظة الباء في بصحيحه و بفاسده، إما بمعني في، بأن يراد:

كل ما تحقق الضمان في صحيحه تحقق في فاسده و إما لمطلق السببية الشامل للناقصة لا العلة التامة، فإن العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلا بعد القبض، كما في السلم و الصرف، بل مطلق البيع، حيث إن المبيع قبل القبض مضمون علي البائع، بمعني أن دركه عليه و يتداركه برد الثمن، فتأمل و كذا الإجارة و النكاح و الخلع، فإن المال في ذلك كله مضمون علي من انتقل عنه إلي أن يتسلمه من انتقل إليه و أما العقد الفاسد، فلا يكون علة

تامة أبدا، بل يفتقر في ثبوت الضمان به (2) إلي القبض فقبله لا ضمان، فجعل الفاسد سببا: إما لأنه المنشأ للقبض علي وجه الضمان الذي هو سبب للضمان و إما لأنه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض و لذا علل الضمان الشيخ (3) و غيره (4)

***** (هامش) *****

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 3: 154.

(2) لم ترد به في غير ف.

(3) تقدم في الصفحة 182.

(4) مثل الشهيد الثاني في المسالك 3: 154 و 4: 56. (*)

*****ص 188*****

بدخوله علي أن تكون العين مضمونة عليه و لا ريب أن دخوله علي الضمان إنما هو بإنشاء العقد الفاسد، فهو سبب لضمان ما يقبضه و الغرض من ذلك كله: دفع ما يتوهم أن سبب الضمان في الفاسد هو القبض، لا العقد الفاسد، فكيف يقاس الفاسد علي الصحيح في سببية الضمان و يقال: كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده؟ و قد ظهر من ذلك أيضا: فساد توهم أن ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان في الفاسد علي (1) القبض، فلا بد من تخصيص القاعدة بإجماع و نحوه. ثم إن المدرك لهذه الكلية - علي ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل (2) - هو: إقدام الآخذ علي الضمان، ثم أضاف إلي ذلك قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

علي اليد ما أخذت حتي تؤدي (3) و الظاهر أنه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط (4)، حيث علل الضمان في موارد كثيرة - من البيع و الإجارة الفاسدين - : بدخوله علي أن يكون المال مضمونا عليه بالمسمي، فإذا لم يسلم له المسمي رجع إلي المثل أو القيمة و هذا الوجه لا يخلو عن (5)

تأمل، لأنهما إنما أقدما و تراضي

***** (هامش) *****

(1) كذا في ن و في سائر النسخ: إلي.

(2) المسالك 4: 56.

(3) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106 و 1: 389، الحديث 22.

(4) تقدم في الصفحة 182.

(5) في ف: من. (*)

*****ص 189*****

و تواطئا بالعقد الفاسد علي ضمان خاص، لا الضمان بالمثل أو القيمة (1) و المفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاص و مطلق الضمان لا يبقي بعد انتفاء الخصوصية حتي يتقوم به خصوصية اخري، فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت، فحكم شرعي تابع لدليله و ليس مما أقدم عليه المتعاقدان. هذا كله، مع أن مورد هذا التعليل أعم من وجه من المطلب، إذ قد يكون الإقدام موجودا و لا ضمان، كما (2) قبل القبض و قد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقق الضمان، كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع علي البائع إذا تلف في يد المشتري و كما إذا قال: بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا اجرة. نعم قوي الشهيدان في الأخير عدم الضمان (3) و استشكل العلامة في مثال البيع في باب السلم (4) و بالجملة، فدليل الإقدام - مع أنه مطلب يحتاج إلي دليل لم نحصله - منقوض طردا و عكسا و أما خبر اليد (5) فدلالته و إن كانت ظاهرة و سنده منجبرا، إلا أن

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و في سائر النسخ: و القيمة.

(2) لم ترد كما في ف.

(3) تقدم عنهما في الصفحة 186.

(4) القواعد 1: 134.

(5) و هو قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم:

علي اليد ما أخذت حتي تؤدي، عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106. (*)

*****ص 190*****

مورده مختص بالأعيان، فلا يشمل المنافع و الأعمال المضمونة

في الإجارة الفاسدة. اللهم إلا أن يستدل علي الضمان فيها بما دل علي احترام مال المسلم (1) و أنه لا يحل مال امرئ (2) إلا عن طيب نفسه (3) و أن حرمة ماله كحرمة دمه (4) و أنه لا يصلح (5) ذهاب حق أحد (6)، مضافا إلي أدلة نفي الضرر (7)، فكل عمل وقع من عامل لأحد بحيث يقع بأمره و تحصيلا لغرضه، فلا بد من أداء عوضه، لقاعدتي الاحترام و نفي الضرار. ثم إنه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ و من تبعه من الاستدلال علي الضمان بالإقدام و الدخول عليه: بيان أن العين و المنفعة اللذين (8) تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا و تبرعا حتي لا يقضي احترامهم

***** (هامش) *****

(1) انظر الوسائل 17: 309، الباب الأول من أبواب الغصب، الحديث 4 و عوالي اللآلي 3: 473، الأحاديث 1 - 5.

(2) لم ترد مال امرئ في غير ف.

(3) الوسائل 3: 425، الباب 3 من أبواب مكان المصلي، الحديث 3، مع اختلاف في اللفظ و عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.

(4) الوسائل 8: 599، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 9 و الصفحة 610، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(5) في غير ش: لا يصح.

(6) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 3.

(7) منها ما ورد في الوسائل 17: 340، الباب 12 من أبواب إحياء الموات.

(8) كذا في النسخ و المناسب: اللتين. (*)

*****ص 191*****

بتداركهما بالعوض، كما في العمل المتبرع به و العين المدفوعة مجانا أو أمانة، فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضي اليد في الأموال و احترام الأعمال. نعم، في المسالك ذكر كلا

من الإقدام و اليد دليلا مستقلا (1)، فيبقي عليه ما ذكر سابقا من النقض و الاعتراض (2) و يبقي الكلام حينئذ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلي الضامن و لم يقع بأمره، كالسبق في المسابقة الفاسدة، حيث حكم الشيخ (3) و المحقق (4) و غيرهما (5) بعدم استحقاق السابق اجرة المثل، خلافا لآخرين (6) و وجهه: أن عمل العامل لم يعد نفعه إلي الآخر و لم يقع بأمره أيضا، فاحترام الأموال - التي منها الأعمال - لا يقضي بضمان

***** (هامش) *****

(1) المسالك 3: 154 و 4: 56.

(2) أما النقض، فهو ما أفاده في الصفحة السابقة بقوله: و بالجملة فدليل الإقدام … منقوض طردا و عكسا و أما الاعتراض، فهو ما ذكره في الصفحة 188 - 189 بقوله: لأنهما إنما أقدما و تراضيا و تواطئا بالعقد الفاسد علي ضمان خاص لا الضمان بالمثل أو القيمة.

(3) المبسوط 6: 302، لكنه نفي فيه استحقاق المسمي و أما اجرة المثل فقد نسب إلي قوم ثبوته و إلي آخرين سقوطه.

(4) الشرائع 2: 240.

(5) كالشهيد الثاني في المسالك 6: 109 - 110 و السبزواري في الكفاية: 139.

(6) منهم العلامة في القواعد 1: 263 و التذكرة 2: 357 و ولده فخر المحققين في الإيضاح 2: 368 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 8: 337. (*)

*****ص 192*****

الشخص له (1) و وجوب (2) عوضه عليه، لأنه ليس كالمستوفي له و لذا كانت شرعيته علي خلاف القاعدة، حيث إنه بذل مال في مقابل عمل لا ينفع الباذل و تمام الكلام في بابه. ثم إنه لا فرق في ما ذكرنا من الضمان في الفاسد، بين جهل الدافع بالفساد و بين علمه مع جهل

القابض و توهم:

أن الدافع في هذه الصورة هو الذي سلطه عليه و المفروض أن القابض جاهل، مدفوع: بإطلاق النص و الفتوي و ليس الجاهل مغرورا، لأنه أقدم علي الضمان قاصدا و تسليط الدافع العالم لا يجعلها (3) أمانة مالكية، لأنه دفعه علي أنه ملك المدفوع إليه، لا أنه أمانة عنده أو عارية و لذا لا يجوز له التصرف فيه و الانتفاع به و سيأتي تتمة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري (4). هذا كله في أصل الكلية المذكورة و أما عكسها و هو: أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، فمعناه: أن كل عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضمانا، كما في عقد الرهن و الوكالة و المضاربة و العارية الغير المضمونة، بل المضمونة - بناء علي أن المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه، لا بأمر خارج عنه، كالشرط الواقع في متنه - و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة.

***** (هامش) *****

(1) لم ترد له في ف.

(2) في ف: أو وجوب.

(3) كذا في النسخ.

(4) عبارة ثم إنه لا فرق - إلي - علم المشتري لم ترد في ف. (*)

*****ص 193*****

ثم إن مقتضي ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا، لأن صحيح الإجارة غير مفيد لضمانها كما صرح به في القواعد (1) و التحرير (2) و حكي عن التذكرة (3) و (4) إطلاق الباقي (5)، إلا أن صريح الرياض الحكم بالضمان و حكي فيها عن بعض نسبته إلي المفهوم من كلمات الأصحاب (6) و الظاهر أن المحكي عنه هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة (7) و ما أبعد ما بينه و بين ما عن جامع المقاصد، حيث قال في باب

الغصب: إن الذي يلوح من كلامهم هو (8) عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة و الذي ينساق إليه النظر هو الضمان، لأن التصرف فيه (9) حرام، لأنه غصب فيضمنه، ثم قال: إلا أن كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك،

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 234.

(2) تحرير الأحكام 1: 252، هذا و قد وردت الكلمة في أكثر النسخ هكذا: ئر و لكننا لم نقف عليه في السرائر، فراجع.

(3) التذكرة 2: 318.

(4) لم ترد و في ف.

(5) كابن حمزة في الوسيلة: 267 و المحقق في الشرائع 2: 179 و الشهيدين في اللمعة و شرحها (الروضة البهية) 4: 331.

(6) الرياض 2: 8.

(7) مجمع الفائدة 10: 50.

(8) لم ترد هو في ف

(9) كذا في النسخ و المناسب: فيها. (*)

*****ص 194*****

فيقال: إنه دخل علي عدم الضمان بهذا الاستيلاء و إن لم يكن مستحقا و الأصل براءة الذمة من الضمان فلا تكون العين بذلك مضمونة و لولا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لأن استيلاءه بغير حق و هو باطل (1)، انتهي و لعل الحكم بالضمان في المسألة: إما لخروجها عن قاعدة ما لا يضمن، لأن المراد بالمضمون مورد العقد و مورد العقد في الإجارة المنفعة، فالعين يرجع في حكمها إلي القواعد و حيث كانت في صحيح الإجارة أمانة مأذونا فيها شرعا و من طرف المالك، لم يكن فيه (2) ضمان و أما في فاسدها، فدفع المؤجر للعين إنما هو للبناء علي استحقاق المستأجر لها، لحق الانتفاع فيه (3) و المفروض عدم الاستحقاق، فيده عليه (4) يد عدوان موجبة للضمان و إما لأن (5) قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد و الأقوي:

عدم الضمان، فالقاعدة المذكورة غير مخصصة بالعين المستأجرة و لا متخصصة. ثم إنه يشكل اطراد القاعدة في موارد:

منها: الصيد الذي استعاره المحرم من المحل، بناء علي فساد العارية، فإنهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة، مع أن صحيح العارية

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 6: 216.

(2) و (3) كذا في النسخ و المناسب: فيها.

(4) كذا و المناسب: عليها.

(5) كلمة لأن وردت في غير ف مستدركة. (*)

*****ص 195*****

لا يضمن به و لذا ناقش الشهيد الثاني في الضمان علي تقديري الصحة و الفساد (1). إلا أن يقال: إن وجه ضمانه - بعد البناء علي أنه يجب علي المحرم إرساله و أداء قيمته - : أن المستقر عليه قهرا (2) بعد العارية هي القيمة لا العين، فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد، لا بسبب التلف و يشكل اطراد القاعدة أيضا في المبيع (3) فاسدا بالنسبة إلي المنافع التي لم يستوفها، فإن هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح، مع أنها مضمونة في العقد الفاسد، إلا أن يقال: إن ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح و الفاسد و فيه نظر، لأن نفس المنفعة غير مضمونة بشيء في العقد الصحيح، لأن الثمن إنما هو بإزاء العين دون المنافع و يمكن نقض القاعدة أيضا بحمل المبيع فاسدا، علي ما صرح به في المبسوط (4) و الشرائع (5) و التذكرة (6) و التحرير (7) : من كونه مضمونا علي

***** (هامش) *****

(1) المسالك 5: 139.

(2) لم ترد قهرا في ف.

(3) كذا في ف و ظاهر ن و في سائر النسخ: البيع.

(4) المبسوط 3: 65.

(5) الشرائع 3: 236.

(6) التذكرة 1: 496 و

2: 397.

(7) التحرير 2: 137. (*)

*****ص 196*****

المشتري، خلافا للشهيدين (1) و المحقق الثاني (2) و بعض آخر (3) تبعا للعلامة في القواعد (4)، مع أن الحمل غير مضمون في البيع الصحيح، بناء علي أنه للبائع و عن الدروس توجيه كلام العلامة بما إذا اشترط الدخول في البيع (5) و حينئذ لا نقض علي القاعدة و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة، بناء علي أنه لا يجوز التصرف بها، فأخذ المال المشترك حينئذ عدوانا موجب للضمان. ثم إن مبني هذه القضية السالبة - علي (6) ما تقدم من كلام الشيخ في المبسوط (7) - هي الأولوية و حاصلها: أن الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده؟ و توضيحه: أن الصحيح من العقد إذا لم يقتض الضمان مع إمضاء الشارع له، فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثر في الضمان، لأن أثر الضمان إما من الإقدام علي الضمان و المفروض عدمه و إلا لضمن

***** (هامش) *****

(1) الدروس 3: 108 و الروضة البهية 7: 24 و 25 و المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 205.

(2) جامع المقاصد 6: 220.

(3) مثل المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 10: 511.

(4) القواعد 1: 202.

(5) الدروس 3: 108 و العبارة في ف هكذا: إذا شرط الدخول في المبيع.

(6) كلمة علي و عبارة هي الأولوية وردتا في ف في الهامش استدراكا.

(7) تقدمت في الصفحة 182. (*)

*****ص 197*****

بصحيحه و إما من (1) حكم الشارع بالضمان بواسطة هذه المعاملة الفاسدة و المفروض أنها لا تؤثر شيئا و وجه الأولوية: أن الصحيح إذا كان مفيدا للضمان أمكن أن يقال: إن الضمان من مقتضيات الصحيح، فلا يجري (2) في الفاسد، لكونه لغوا غير مؤثر، علي ما سبق تقريبه: من أنه أقدم علي

ضمان خاص و الشارع لم يمضه فيرتفع أصل الضمان (3). لكن يخدشها: أنه يجوز أن يكون صحة الرهن و الإجارة المستلزمة لتسلط المرتهن و المستأجر علي العين شرعا مؤثرة في رفع الضمان، بخلاف الفاسد الذي لا يوجب تسلطا لهما علي العين، فلا أولوية. فإن قلت: إن الفاسد و إن لم يكن له دخل في الضمان، إلا أن مقتضي عموم علي اليد هو الضمان، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة علي القابض و بقي الباقي. قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها و هي (4) عموم ما دل علي أن من لم يضمنه المالك - سواء ملكه إياه بغير عوض، أو سلطه علي الانتفاع به، أو استأمنه عليه (5) لحفظه، أو دفعه إليه لاستيفاء حقه، أو العمل فيه بلا اجرة أو

***** (هامش) *****

(1) كلمة من من ش و مصححة خ.

(2) في ف: و لا يجري.

(3) سبق تقريبه في الصفحة 189.

(4) كذا في النسخ و في ف غير واضحة و المناسب: هو.

(5) في ف: أو استأمنه به. (*)

*****ص 198*****

معها أو غير ذلك - فهو غير ضامن (1). أما في غير التمليك بلا عوض - أعني الهبة - فالدليل المخصص لقاعدة الضمان عموم ما دل علي أن من استأمنه المالك علي ملكه غير ضامن (2)، بل ليس لك أن تتهمه (3) (4) و أما في الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال علي خروجها من عموم اليد:

بفحوي ما دل علي خروج صور (5) الاستئمان (6)، فإن استئمان المالك لغيره علي ملكه إذا اقتضي عدم ضمانه له، اقتضي التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق أولي و التقييد بالمجانية لخروج التسليط المطلق بالعوض،

كما في المعاوضات، فإنه عين التضمين. فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن: أن من دفع المالك إليه ملكه علي وجه لا يضمنه بعوض واقعي - أعني المثل أو القيمة (7) - و لا جعلي، فليس عليه ضمان.

***** (هامش) *****

(1) قال الشهيدي في شرحه: لم نعثر بهذا الدليل، بل الظاهر من عبارة المصنف فيما بعد عدم عثوره عليه أيضا (هداية الطالب: 218).

(2) راجع الوسائل 13: 227، الباب 4 من أبواب أحكام الوديعة و الصفحة 270، الباب 28 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث الأول.

(3) كما ورد في الحديث 9 و 10 من الباب 4 من أبواب أحكام الوديعة.

(4) عبارة بل ليس لك أن تتهمه لم ترد في ف.

(5) كذا في ف و مصححة ن و نسخة بدل ش و في سائر النسخ بدل صور: مورد.

(6) انظر الهامش 2.

(7) في ن، م و ش: و القيمة. (*)

*****ص 199*****

الثاني: وجوب رد المقبوض بالبيع الفاسد

الثاني: وجوب رد المقبوض بالبيع الفاسد:

الثاني من الامور المتفرعة علي عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد، وجوب رده فورا إلي المالك و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه علي تقدير عدم جواز التصرف فيه كما يلوح (2) من مجمع الفائدة (3)، بل صرح في التذكرة (4) - كما عن جامع المقاصد - : أن مؤونة الرد علي المشتري لوجوب ما لا يتم الرد إلا به (5) و إطلاقه يشمل ما لو كان في رده مؤونة كثيرة، إلا أن يقيد بغيرها بأدلة نفي الضرر و يدل عليه: أن الإمساك آنا ما تصرف في مال الغير بغير إذنه، فلا يجوز، لقوله عجل الله فرجه: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه (6).

***** (هامش) *****

(1) العنوان منا.

(2) الضمير في قوله يلوح عائد

إلي عدم جواز التصرف، لا إلي نفي الخلاف، كما صرح به المحقق المامقاني، انظر غاية الآمال: 286.

(3) مجمع الفائدة 8: 192.

(4) التذكرة 1: 495.

(5) جامع المقاصد 4: 435.

(6) الوسائل 17: 309، الباب الأول من أبواب الغصب، الحديث 4. (*)

*****ص 200*****

و لو نوقش في كون الإمساك تصرفا، كفي عموم قوله صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم (1) : لا يحل مال امرئ مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه (2) حيث يدل علي تحريم جميع الأفعال المتعلقة به، التي منها كونه في يده و أما توهم:

أن هذا بإذنه حيث إنه دفعه باختياره، فمندفع: بأنه إنما ملكه إياه عوضا، فإذا انتفت صفة العوضية باعتبار عدم سلامة العوض له شرعا (3) و المفروض أن كونه علي وجه الملكية المجانية مما لم ينشيءها المالك و كونه مالا للمالك و (4) أمانة في يده أيضا مما لم يؤذن فيه و لو أذن له فهو استيداع جديد، كما أنه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة. هذا و لكن الذي يظهر من المبسوط (5) : عدم الإثم في إمساكه (6) و كذا السرائر ناسبا له إلي الأصحاب (7) و هو ضعيف و النسبة غير ثابتة و لا يبعد إرادة صورة الجهل، لأنه لا يعاقب.

***** (هامش) *****

(1) في ف، ن، خ و ع: عليه السلام.

(2) الوسائل 3: 425، الباب 3 من أبواب مكان المصلي، الحديث 3، باختلاف في اللفظ و رواه في عوالي اللآلي 2: 113 و 240، الحديث 309 و 6.

(3) الظاهر سقوط جواب الشرط و هو انتفي الإذن.

(4) لم ترد و في ف.

(5) في غير ف و ش زيادة: في قبضه معللا بأنه قبضه بإذن مالكه و قد تقدم أيضا من

التحرير التصريح بعدم الإثم و شطب عليها في ن و لعلها كانت حاشية خلطت بالمتن و يشهد لذلك عدم تقدم كلام من التحرير في المسألة و لم نقف في التحرير أيضا علي التصريح بعدم الإثم في الإمساك.

(6) المبسوط 2: 149.

(7) السرائر 2: 326. (*)

*****ص 201*****

الثالث: ضمان المنافع المستوفاة في المقبوض بالعقد

الثالث: ضمان المنافع المستوفاة في المقبوض بالعقد الفاسد:

أنه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد، كان عليه عوضها علي المشهور، بل ظاهر ما تقدم من السرائر، من كونه بمنزلة المغصوب (1) : الاتفاق علي الحكم و يدل عليه: عموم قوله عليه السلام : لا يحل مال امرئ مسلم (2) إلا عن طيب نفسه (3)، بناء علي صدق المال علي المنفعة و لذا يجعل ثمنا في البيع و صداقا في النكاح. خلافا للوسيلة، فنفي الضمان، محتجا بأن الخراج بالضمان (4) كما في النبوي المرسل (5) و تفسيره: أن من ضمن شيئا و تقبله لنفسه فخراجه له، فالباء

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الصفحة 180.

(2) في ش زيادة: لأخيه.

(3) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.

(4) الوسيلة: 255.

(5) عوالي اللآلي 1: 219، الحديث 89. (*)

*****ص 202*****

للسببية أو المقابلة، فالمشتري لما أقدم علي ضمان المبيع و تقبله علي نفسه بتقبيل البائع و تضمي نه إياه علي أن يكون الخراج له مجانا، كان اللازم علي (1) ذلك أن خراجه له علي تقدير الفساد، كما أن الضمان عليه علي هذا التقدير أيضا و الحاصل: أن ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج و مرجعه إلي أن الغنيمة و الفائدة بإزاء الغرامة و هذا المعني مستنبط من أخبار كثيرة متفرقة، مثل قوله عليه السلام في مقام الاستشهاد علي كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري: ألا تري

أنها لو احرقت كانت من مال المشتري؟ (2) و نحوه في الرهن (3) و غيره و فيه: أن هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتي يكون الخراج بإزائه و إنما هو أمر قهري حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم و المغصوب. فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج: التزام الشيء علي نفسه و تقبله له مع إمضاء الشارع له و ربما ينتقض ما ذكرنا في معني الرواية بالعارية المضمونة، حيث إنه أقدم علي ضمانها، مع أن خراجها ليس له، لعدم تملكه للمنفعة و إنم

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و في سائر النسخ: من.

(2) الوسائل 12: 356، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 3 و لفظ الحديث: أ رأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار، دار المشتري؟! و مثله في الدلالة الحديث الأول من هذا الباب.

(3) الوسائل 13: 126، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، الحديث 6 و غيره. (*)

*****ص 203*****

تملك الانتفاع الذي عينه المالك، فتأمل و الحاصل: أن دلالة الرواية (1) لا تقصر عن سندها في الوهن، فلا يترك لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم و احترامه و عدم حله إلا عن طيب النفس و ربما يرد هذا القول: بما ورد في شراء الجارية المسروقة، من ضمان قيمة الولد و عوض اللبن، بل عوض كل ما انتفع (2) و فيه: أن الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين من جهة أن مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن، لا ما كان فساده من جهة التصرف في مال الغير و أضعف من ذلك رده بصحيحة أبي ولاد (3) المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة، ردا علي أبي حنيفة القائل

بأنه إذا تحقق ضمان العين و لو بالغصب سقط كراها (4)، كما يظهر من تلك الصحيحة. نعم، لو كان القول المذكور موافقا لقول أبي حنيفة في إطلاق القول بأن الخراج بالضمان، انتهضت الصحيحة و ما قبلها ردا عليه. هذا كله في المنفعة المستوفاة و أما المنفعة الفائتة بغير استيفاء،

***** (هامش) *****

(1) أي النبوي المرسل: الخراج بالضمان، المتقدم في الصفحة 201.

(2) انظر الوسائل 14: 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الأحاديث 2 - 5.

(3) الوسائل 17: 313، الباب 7 من أبواب الغصب، الحديث الأول.

(4) انظر بداية المجتهد 2: 231 و المغني لابن قدامة 5: 501. (*)

*****ص 204*****

فالمشهور فيها أيضا الضمان و قد عرفت عبارة السرائر المتقدمة (1) و لعله لكون المنافع أموالا في يد من بيده العين، فهي مقبوضة في يده و لذا يجري علي المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين، فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر و يتحقق قبض الثمن في السلم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا، مضافا إلي أنه مقتضي احترام مال المسلم، إذ كونه في يد غير مالكه مدة طويلة من غير اجرة مناف للاحترام. لكن يشكل الحكم - بعد تسليم كون المنافع أموالا حقيقة - : بأن مجرد ذلك لا يكفي في تحقق الضمان، إلا أن يندرج في عموم علي اليد ما أخذت (2) و لا إشكال (3) في عدم شمول صلة الموصول للمنافع و حصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ و دعوي: أنه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض (4) الأعيان، مشكلة و أما احترام مال المسلم، فإنما يقتضي عدم حل التصرف فيه (5) و إتلافه بلا عوض

و إنما يتحقق ذلك في الاستيفاء.

***** (هامش) *****

(1) تقدمت في الصفحة 180 و إليك نصها: إن البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجري الغصب في الضمان.

(2) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106.

(3) في ش: فلا إشكال.

(4) كذا في ش و مصححة ن و في ف: لبعض و في سائر النسخ: لقبض.

(5) لم ترد فيه في ف. (*)

*****ص 205*****

فالحكم بعدم الضمان مطلقا - كما عن الإيضاح (1) - أو مع علم البائع بالفساد - كما عن بعض آخر (2) - موافق للأصل السليم. مضافا إلي أنه قد يدعي شمول قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده [له] (3) و من المعلوم (4) أن صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشتري للمنفعة، لأنها له مجانا و لا يتقسط الثمن عليها و ضمانها مع الاستيفاء لأجل الإتلاف، فلا ينافي القاعدة المذكورة، لأنها بالنسبة إلي التلف لا الإتلاف. مضافا إلي الأخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة (5)، الساكتة من ضمان غيرها في مقام البيان و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة في من باع وليدة أبيه بغير إذنه، فقال عليه السلام : الحكم أن يأخذ الوليدة و ابنها (6) و سكت عن المنافع الفائتة، فإن عدم الضمان في هذه الموارد مع كون العين لغير البائع يوجب عدم الضمان هنا بطريق أولي.

***** (هامش) *****

(1) إيضاح الفوائد 2: 194.

(2) نسبه المؤلف قدس سره إلي بعض من كتب علي الشرائع، انظر الصفحة الآتية.

(3) من مصححة ص.

(4) في ف: إذ من المعلوم.

(5) الوسائل 14: 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الأحاديث 2 - 5.

(6) نفس المصدر، الحديث الأول. (*)

*****ص 206*****

و الإنصاف: أن للتوقف في المسألة - كما

في المسالك (1) تبعا للدروس (2) و التنقيح (3) - مجالا و ربما يظهر من القواعد في باب الغصب - عند التعرض لأحكام البيع الفاسد - : اختصاص الإشكال و التوقف بصورة علم البائع (4) علي ما استظهره السيد العميد (5) و المحقق الثاني (6) من عبارة الكتاب و عن الفخر: حمل الإشكال في العبارة علي مطلق صورة عدم الاستيفاء (7). فتحصل (8) من ذلك كله: أن الأقوال في ضمان المنافع الغير المستوفاة خمسة: الأول: الضمان و كانه للأكثر. الثاني: عدم الضمان، كما عن الإيضاح. الثالث: الضمان إلا مع علم البائع، كما عن بعض من كتب علي الشرائع (9).

***** (هامش) *****

(1) المسالك 3: 154.

(2) الدروس 3: 194.

(3) التنقيح الرائع 2: 32.

(4) القواعد 1: 208.

(5) كنز الفوائد 1: 676.

(6) جامع المقاصد 6: 324 - 325.

(7) إيضاح الفوائد 2: 194.

(8) كذا في ف و ص و في ش و ظاهر ن: فيتحصل و في سائر النسخ: فيحصل.

(9) لم نقف عليه. (*)

*****ص 207*****

الرابع: التوقف في هذه الصورة، كما استظهره جامع المقاصد و السيد العميد من عبارة القواعد. الخامس: التوقف مطلقا، كما عن الدروس و التنقيح و المسالك و محتمل القواعد، كما يظهر من فخر الدين و قد عرفت أن التوقف أقرب إلي الإنصاف، إلا أن المحكي من التذكرة ما لفظه (1) : إن منافع الأموال من العبيد (2) و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية، فلو غصب عبدا أو جارية (3) أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه - سواء أتلفها بأن استعملها، أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدة في يده (4) لا يستعملها - عند علمائنا أجمع (5) و لا

يبعد أن يراد ب اليد العادية مقابل اليد الحقة، فيشمل يد المشتري في ما نحن فيه، خصوصا مع علمه (6)، سيما مع جهل البائع به و أظهر منه ما في السرائر - في آخر باب الإجارة - : من الاتفاق أيضا علي ضمان منافع المغصوب الفائتة (7)، مع قوله في باب البيع: إن

***** (هامش) *****

(1) لم ترد ما لفظه في ف و ش.

(2) كذا في ف و ن و في سائر النسخ: العبد.

(3) في المصدر زيادة: أو ثوبا.

(4) في ف: بأن بقيت تحت يده مدة.

(5) التذكرة 2: 381.

(6) كذا في ش و مصححة ن و م و في سائر النسخ: غلبته.

(7) السرائر 2: 479. (*)

*****ص 208*****

البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشيء المغصوب إلا في ارتفاع الإثم عن إمساكه (1)، انتهي و علي هذا، فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة و إن كان المتراءي من ظاهر صحيحة أبي ولاد (2) اختصاص الضمان في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلي غير محل الرخصة، إلا أنا لم نجد بذلك عاملا في المغصوب الذي هو موردها.

***** (هامش) *****

(1) السرائر 2: 326.

(2) الوسائل 17: 313، الباب 7 من أبواب الغصب، الحديث الأول. (*)

*****ص 209*****

الرابع: ضمان المثلي بالمثل

الرابع: ضمان المثلي بالمثل:

إذا تلف المبيع، فإن كان مثليا وجب مثله بلا خلاف إلا ما يحكي عن ظاهر الإسكافي (1) و قد اختلف كلمات أصحابنا في تعريف المثلي، فالشيخ (2) و ابن زهرة (3) و ابن إدريس (4) و المحقق (5) و تلميذه (6) و العلامة (7) و غيرهم (8) قدس الله أسرارهم، بل المشهور - علي ما حكي (9) - أنه: ما يتساوي أجزاؤه من حيث القيمة.

***** (هامش) *****

(1) حكاه العلامة في المختلف

6: 131 و الشهيد في غاية المراد:

135 و غيرهما.

(2) المبسوط 3: 59.

(3) الغنية: 278.

(4) السرائر 2: 480.

(5) الشرائع 3: 239.

(6) و هو الفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 382.

(7) القواعد 1: 203.

(8) مثل أبي العباس في المهذب البارع 4: 251 و المقتصر: 342.

(9) حكاه الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 208 و المحقق السبزواري في الكفاية: 257 و السيد الطباطبائي في الرياض 2: 303. (*)

*****ص 210*****

و المراد بأجزائه: ما يصدق عليه اسم الحقيقة و المراد بتساويها من حيث القيمة: تساويها بالنسبة، بمعني كون قيمة كل بعض بالنسبة إلي قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار و لذا قيل في توضيحه: إن المقدار منه إذا كان يستوي (1) قيمة (2)، فنصفه يستوي (3) نصف تلك القيمة (4) و من هنا رجح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميا، قال: إذ لو انفصلت نقصت قيمتها (5). قلت: و هذا يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليا، إذ لو انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع (6)، إلا أن يقال: إن الدرهم مثلي بالنسبة إلي نوعه و هو الصحيح و لذا لا يعد الجريش مثلا للحنطة و لا الدقاقة مثلا للأرز و من هنا يظهر أن كل نوع من أنواع الجنس الواحد، بل كل

***** (هامش) *****

(1) و (3) كذا في النسخ و لعله مصحف يسوي بمعني: يساوي، لكن عن الأزهري: أن قولهم يسوي ليس عربيا صحيحا، انظر المصباح المنير، مادة: سوي.

(2) في م زيادة: معينة.

(4) قاله الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 208 و السيد الطباطبائي في الرياض 2: 303.

(5) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 209.

(6) كذا في ش و مصححة ن و

في ف و مصححة ص: نقص قيمة نصفيه عن قيمة المجموع و في سائر النسخ: نقص قيمة نصفه عن قيمة المجموع. (*)

*****ص 211*****

صنف من أصناف نوع واحد مثلي بالنسبة إلي أفراد ذلك النوع أو الصنف. فلا يرد ما قيل: من أنه إن اريد التساوي بالكلية، فالظاهر عدم صدقه علي شيء من المعرف، إذ ما من مثلي إلا و أجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة، فإن قفيزا من حنطة (1) يساوي عشرة و من اخري يساوي عشرين و إن اريد التساوي في الجملة، فهو في القيمي موجود، كالثوب و الأرض (2)، انتهي و قد لوح هذا المورد في آخر كلامه إلي دفع إيراده بما ذكرنا: من أن كون الحنطة مثلية معناه: أن كل صنف منها (3) متماثل الأجزاء (4) و متساو (5) في القيمة، لا بمعني أن جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة، فإذا كان المضمون بعضا من صنف، فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف، لا القيمة و لا بعض من صنف (6) آخر (7). لكن الإنصاف: أن هذا خلاف ظاهر كلماتهم، فإنهم يطلقون المثلي علي جنس الحنطة و الشعير و نحوهما، مع عدم صدق التعريف

***** (هامش) *****

(1) في ف: الحنطة.

(2) قاله المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 10: 522 - 523.

(3) في غير ش: منه.

(4) كذا في ن و في ش: لأجزاء و في سائر النسخ: للأجزاء.

(5) في غير ش: متساوية.

(6) في ف: الصنف الآخر.

(7) انظر مجمع الفائدة 10: 525 - 526. (*)

*****ص 212*****

عليه و إطلاق المثلي علي الجنس باعتبار مثلية أنواعه أو أصنافه و إن لم يكن بعيدا، إلا أن انطباق التعريف علي الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدا، إلا أن يهملوا خصوصيات الأصناف الموجبة لزيادة

القيمة و نقصانها، كما التزمه بعضهم (1). غاية الأمر وجوب رعاية الخصوصيات عند أداء المثل عوضا عن التالف، أو القرض و هذا أبعد. هذا، مضافا إلي أنه يشكل اطراد التعريف بناء علي هذا، بأنه: إن اريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيا، فقل ما (2) يتفق ذلك في الصنف الواحد من النوع، لأن أشخاص ذلك الصنف لا تكاد تتساوي في القيمة، لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة و نقصانها، كما لا يخفي و إن اريد تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة و إن لم يتساو حقيقة، تحقق ذلك في أكثر القيميات، فإن لنوع الجارية أصنافا متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة و بهذا الاعتبار يصح السلم فيها و لذا اختار العلامة في باب القرض من التذكرة - علي ما حكي عنه (3) - أن ما يصح فيه السلم من القيميات مضمون في القرض بمثله (4).

***** (هامش) *****

(1) لم نقف عليه بعينه و لعله ينظر إلي ما قاله الشهيد الثاني و غيره في المثلي: من أن المثل ما يتساوي قيمة أجزائه، أي أجزاء النوع الواحد منه، انظر المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 208 و الكفاية: 257 و غيرهما.

(2) في مصححة ص: فإنه قلما.

(3) عبارة علي ما حكي عنه لم ترد في ش و شطب عليها في ن.

(4) التذكرة 2: 5. (*)

*****ص 213*****

و قد عد الشيخ في المبسوط الرطب و الفواكه من القيميات (1)، مع أن كل نوع منها مشتمل علي أصناف متقاربة في القيمة، بل متساوية عرفا. ثم لو فرض أن الصنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيمية عزيز الوجود بخلاف الأنواع المثلية، لم يوجب ذلك إصلاح طرد التعريف. نعم، يوجب ذلك

الفرق بين النوعين في حكمة الحكم بضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة. ثم إنه قد (2) عرف المثلي بتعاريف اخر أعم من التعريف المتقدم أو أخص: فعن التحرير: أنه ما تماثلت أجزاؤه و تقاربت صفاته (3) و عن الدروس و الروضة: أنه المتساوي الأجزاء و المنفعة، المتقارب الصفات (4) و عن المسالك و الكفاية: أنه أقرب التعريفات إلي السلامة (5) و عن غاية المراد:

ما تساوي أجزاؤه في الحقيقة النوعية (6).

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 3: 99.

(2) لم ترد قد في ف.

(3) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 242 و انظر التحرير 2: 139 و فيه: و يتفاوت صفاته و لم نقف علي غيره.

(4) الدروس 3: 113، الروضة البهية 7: 36.

(5) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 208، الكفاية: 257 و اللفظ للأخير و حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 242.

(6) غاية المراد:

135 و فيه: ما تتساوي. (*)

*****ص 214*****

و عن بعض العامة: أنه ما قدر بالكيل أو الوزن (1) و عن آخر منهم زيادة: جواز بيعه سلما (2) و عن ثالث منهم زيادة: جواز بيع بعضه ببعض (3)، إلي غير ذلك مما حكاه في التذكرة عن العامة (4). ثم (5) لا يخفي أنه ليس للفظ المثلي حقيقة شرعية و لا متشرعية (6) و ليس المراد معناه اللغوي، إذ المراد بالمثل لغة: المماثل، فإن اريد من جميع الجهات فغير منعكس و إن اريد من بعضها، فغير مطرد و ليس في النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان حتي يبحث عنه. نعم، وقع هذا العنوان في معقد إجماعهم (7) علي أن المثلي يضمن بالمثل و غيره بالقيمة و من المعلوم أنه لا يجوز الاتكال في تعيين معقد الإجماع علي

قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين و حينئذ فينبغي أن يقال: كل ما كان مثليا باتفاق المجمعين

***** (هامش) *****

(1) بداية المجتهد 2: 317 و المغني، لابن قدامة 5: 239 - 240 و المحلي 6: 437.

(2) انظر مغني المحتاج 2: 281.

(3) لم نقف عليه في ما بأيدينا من كتب العامة.

(4) التذكرة 2: 381.

(5) في ف: ثم إنه.

(6) في النسخ: و لا متشرعة.

(7) انظر جامع المقاصد 6: 245 و الرياض 2: 303 و المناهل: 299 و مفتاح الكرامة 6: 241 و الجواهر 37: 85. (*)

*****ص 215*****

فلا إشكال في ضمانه بالمثل، للإجماع و يبقي ما كان مختلفا فيه بينهم، كالذهب و الفضة الغير المسكوكين، فإن صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميات (1) و ظاهر غيره (2) كونهما مثليين و كذا الحديد و النحاس و الرصاص، فإن ظواهر عبائر المبسوط (3) و الغنية (4) و السرائر (5) كونها قيمية و عبارة التحرير صريحة في كون اصولها مثلية و إن كان المصوغ منها قيميا (6) و قد صرح الشيخ في المبسوط: بكون الرطب و العنب قيميا (7) و التمر و الزبيب مثليا (8) و قال في محكي المختلف: إن في الفرق إشكالا (9)، بل صرح بعض

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 3: 61.

(2) كالمحقق في الشرائع 3: 240 و العلامة في التحرير 2: 139 و التذكرة 2: 384 و المختلف 6: 122 و الشهيد في الدروس 3: 116 و نسبه الشهيد الثاني إلي المشهور، انظر المسالك 2: 209 و مثله في الكفاية: 258.

(3) المبسوط 3: 60.

(4) الغنية: 278.

(5) السرائر 2: 480.

(6) التحرير 2: 139.

(7) كذا في النسخ و المناسب: قيميين، كما في مصححة ص و هكذا الكلام في مثليا.

(8) انظر المبسوط

3: 99 - 100.

(9) المختلف 6: 135. (*)

*****ص 216*****

من قارب عصرنا بكون الرطب و العنب مثليين (1) و قد حكي عن موضع من جامع المقاصد:

أن الثوب مثلي (2) و المشهور خلافه و أيضا فقد مثلوا للمثلي بالحنطة و الشعير (3) و لم يعلم أن المراد نوعهما أو كل صنف؟ و ما المعيار في الصنف؟ و كذا التمر و الحاصل: أن موارد عدم تحقق الإجماع علي المثلية فيها كثيرة، فلا بد من ملاحظة أن الأصل الذي يرجع إليه عند الشك هو الضمان بالمثل، أو بالقيمة، أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل و القيمة؟ و لا يبعد أن يقال: إن الأصل هو تخيير الضامن، لأصالة براءة ذمته عما زاد علي ما يختاره، فإن فرض إجماع علي خلافه فالأصل تخيير المالك، لأصالة عدم براءة ذمته بدفع ما لا يرضي به المالك، مضافا إلي عموم علي اليد ما أخذت حتي تؤدي (4) فإن مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين، خرج ما إذا رضي المالك بشيء آخر و الأقوي: تخيير المالك من أول الأمر، لأصالة الاشتغال و التمسك بأصالة البراءة لا يخلو من منع.

***** (هامش) *****

(1) صرح به المحقق القمي في جامع الشتات (الطبعة الحجرية) 2: 543 - 544.

(2) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 249 و انظر جامع المقاصد 6: 250.

(3) كما في جامع المقاصد 6: 243 و الروضة البهية 7: 36 و مجمع الفائدة 10: 522.

(4) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106 و 389، الحديث 22. (*)

*****ص 217*****

نعم، يمكن أن يقال - بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال و الإجماع علي عدم تخيير المالك - : التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر بين

المحذورين، أعني: تعين المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة و لا للضامن الامتناع و تعيين (1) القيمة كذلك، فلا متيقن في البين و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح، فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوي، فتأمل. هذا و لكن يمكن أن يقال: إن القاعدة المستفادة من إطلاقات الضمان في المغصوبات و الأمانات المفرط فيها و غير ذلك، هو الضمان بالمثل، لأنه أقرب إلي التالف من حيث المالية و الصفات، ثم بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما، لأنهما (2) أقرب من حيث المالية، لأن ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد إرجاعه إليهما و لأجل الاتكال علي هذا الظهور لا تكاد تظفر علي مورد واحد من هذه الموارد علي كثرتها قد نص الشارع فيه علي ذكر المضمون به، بل كلها - إلا ما شذ و ندر - قد اطلق فيها الضمان، فلولا الإعتماد علي ما هو المتعارف لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان و قد استدل في المبسوط (3) و الخلاف (4) علي ضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة بقوله تعالي: * (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل

***** (هامش) *****

(1) في غير ش: و بين تعيين.

(2) كذا في ش و في سائر النسخ: لأنه.

(3) المبسوط 3: 60.

(4) الخلاف 3: 402 و 406، كتاب الغصب، المسألة 11 و 18. (*)

*****ص 218*****

ما اعتدي عليكم) * (1) بتقريب: أن مماثل ما اعتدي هو المثل في المثلي و القيمة في غيره و اختصاص الحكم بالمتلف عدوانا (2) لا يقدح بعد عدم القول بالفصل و ربما يناقش في الآية بأن مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الإعتداء لا المعتدي به (3) و فيه نظر. نعم، الإنصاف عدم وفاء

الآية - كالدليل السابق عليه (4) - بالقول المشهور، لأن مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية في الحقيقة و المالية و هذا يقتضي اعتبار المثل حتي في القيميات، سواء وجد المثل فيها أم لا. أما مع وجود المثل فيها، كما لو أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات، فإن مقتضي العرف و الآية: إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك - و لو بأضعاف قيمته - و دفعه إلي مالك الذراع المتلف، مع أن القائل بقيمية الثوب لا يقول به و كذا لو أتلف عليه عبدا و له في ذمة المالك - بسبب القرض أو السلم - عبد موصوف بصفات التالف، فإنهم لا يحكمون بالتهاتر القهري، كما يشهد به ملاحظة كلماتهم في بيع عبد من عبدين (5).

***** (هامش) *****

(1) البقرة: 194.

(2) لم ترد عدوانا في ف.

(3) المناقشة من السيد الطباطبائي في الرياض 2: 303.

(4) و هو استظهار الضمان بالمثل عرفا من إطلاقات أدلة الضمان - في الصفحة السابقة - بقوله: و لكن يمكن أن يقال … الخ.

(5) راجع الخلاف 3: 217، كتاب السلم، المسألة 38 و الشرائع 2: 18 و الدروس 3: 201 و مفتاح الكرامة 4: 353. (*) / حة

*****ص 219*****

نعم، ذهب جماعة - منهم الشهيدان في الدروس و المسالك (1) - إلي جواز رد العين المقترضة إذا كانت قيمية، لكن لعله من جهة صدق أداء القرض بأداء العين، لا من جهة ضمان القيمي (2) بالمثل و لذا اتفقوا علي عدم وجوب قبول غيرها و إن كان مماثلا لها من جميع الجهات و أما مع عدم وجود المثل للقيمي التالف، فمقتضي الدليلين (3) عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر، كما لو تعذر

المثل في المثلي، فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلي و لا يقولون به و أيضا، فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا، فمقتضي ذلك عدم وجوب (4) إلزام المالك بالمثل، لاقتضائهما (5) اعتبار المماثلة في الحقيقة و المالية، مع أن المشهور - كما يظهر من بعض (6) - إلزامه به و إن قوي خلافه بعض (7)، بل ربما احتمل جواز دفع

***** (هامش) *****

(1) الدروس 3: 320، المسالك 3: 449.

(2) كذا في ش و ص و مصححة خ، م، ع و نسخة بدل ن و في ف: المثلي و في ن: القيمية.

(3) أي: الاستظهار العرفي و الآية.

(4) في شرح الشهيدي: الصواب الجواز بدل الوجوب كما لا يخفي، انظر هداية الطالب: 231.

(5) كذا في ش و مصححة ن و خ و في سائر النسخ: لاقتضائها.

(6) انظر مفتاح الكرامة 6: 252 و الجواهر 37: 99.

(7) قواه الشهيد قدس سره في الدروس 3: 113 و لكنه فيما لو خرج المثلي عن القيمة. (*)

*****ص 220*****

المثل و لو سقط من القيمة بالكلية (1) و إن كان الحق خلافه. فتبين: أن النسبة بين مذهب المشهور و مقتضي العرف و الآية عموم من وجه، فقد يضمن بالمثل بمقتضي الدليلين و لا يضمن به عند المشهور، كما في المثالين المتقدمين (2) و قد ينعكس الحكم كما في المثال الثالث (3) و قد يجتمعان في المضمون به كما في أكثر الأمثلة. ثم إن الإجماع علي ضمان القيمي بالقيمة علي تقدير تحققه لا يجدي بالنسبة إلي ما لم يجمعوا علي كونه قيميا، ففي موارد الشك يجب الرجوع إلي المثل بمقتضي الدليل السابق (4) و عموم الآية (5)، بناء علي ما هو الحق المحقق:

من أن العام المخصص بالمجمل مفهوما، المتردد بين الأقل و الأكثر لا يخرج عن الحجية بالنسبة إلي موارد الشك. فحاصل الكلام:

أن ما اجمع علي كونه مثليا يضمن بالمثل، مع مراعاة الصفات التي تختلف بها الرغبات و إن فرض نقصان قيمته في زمان الدفع أو مكانه (6) عن قيمة التالف، بناء علي تحقق الإجماع علي إهمال هذا التفاوت، مضافا إلي الخبر الوارد في أن الثابت في ذمة من

***** (هامش) *****

(1) احتمله العلامة في القواعد 1: 204.

(2) يعني: مثالي إتلاف الكرباس و إتلاف العبد، المتقدمين في الصفحة 218.

(3) هو ما لو فرض نقصان قيمة المثل عن قيمة التالف نقصانا فاحشا.

(4) تقدم في الصفحة 217 المشار إليه بقوله: و لكن يمكن أن يقال …

(5) المتقدمة في الصفحة 217 - 218.

(6) لم ترد مكانه في ف. (*)

*****ص 221*****

اقترض دراهم (1) و أسقطها السلطان و روج غيرها، هي الدراهم الاولي (2) (3) و ما اجمع علي كونه قيميا يضمن بالقيمة - بناء علي ما سيجئ من الاتفاق علي ذلك (4) - و إن وجد مثله أو كان مثله في ذمة الضامن (5) و ما شك في كونه قيميا أو مثليا يلحق بالمثلي، مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع و التالف و مع الاختلاف الحق بالقيمي، فتأمل.

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف، خ، م، ع، ص و نسخة بدل ش و في ن و ش هكذا: في أن اللازم علي من عليه دراهم و قال الشهيدي بعد نقل هذه العبارة: هكذا في النسخ المصححة، انظر هداية الطالب: 231.

(2) الوسائل 12: 488، الباب 20 من أبواب الصرف، الحديث 2.

(3) في ن زيادة: فتأمل استدراكا و يشهد علي وجودها في الأصل أن المامقاني و

الشهيدي قدس سره ما نقلاها في شرحهما و علقا عليها، انظر غاية الآمال: 305 و هداية الطالب: 231.

(4) يجئ في الأمر السابع.

(5) في ش: في ذمة المالك. (*)

*****ص 222*****

الخامس ذكر في القواعد:

أنه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل

الخامس ذكر في القواعد:

أنه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل:

ففي وجوب الشراء تردد (1)، انتهي. أقول: كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل بأن صارت قيمته أضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر أنه لا إشكال في وجوب الشراء و لا خلاف، كما صرح به في الخلاف، حيث قال: إذا غصب ما له مثل - كالحبوب (2) و الأدهان - فعليه مثل ما تلف في يده، يشتريه بأي ثمن كان، بلا خلاف (3)، انتهي (4) و في المبسوط: يشتريه بأي ثمن كان إجماعا (5)، انتهي (6).

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 204.

(2) كذا في ش و المصدر و في ف و مصححة ن و نسخة بدل ش: كاللحوم و في سائر النسخ: الحبوب.

(3) الخلاف 3: 415، كتاب البيوع، المسألة 29.

(4) لم ترد انتهي في ش.

(5) المبسوط 3: 103.

(6) عبارة و في المبسوط: - إلي - انتهي من ش و هامش ن. (*)

*****ص 223*****

و وجهه: عموم النص و الفتوي بوجوب المثل في المثلي و يؤيده فحوي حكمهم بأن تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال إلي القيمة، بل ربما احتمل بعضهم (1) ذلك مع سقوط المثل في زمان الدفع عن المالية، كالماء علي الشاطئ و الثلج في الشتاء و أما إن كان (2) لأجل تعذر المثل و عدم وجدانه إلا عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس مع وصف الإعواز، بحيث

يعد بذل ما يريد (3) مالكه بإزائه ضررا عرفا - و الظاهر أن هذا هو المراد بعبارة القواعد (4)، لأن الثمن في الصورة الاولي ليس بأزيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل و إنما زاد علي ثمن التالف يوم التلف - و حينئذ (5) فيمكن (6) التردد في الصورة الثانية كما قيل (7) : من أن الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم، كالرقبة في الكفارة و الهدي و أنه يمكن معاندة البائع و طلب أضعاف القيمة و هو ضرر.

***** (هامش) *****

(1) احتمله العلامة في القواعد 1: 204.

(2) كذا في النسخ و المناسب: إن كانت.

(3) في بعض النسخ: يزيد.

(4) تقدمت عبارته في صدر المسألة.

(5) في مصححتي ن و ص: فحينئذ.

(6) في مصححة ن: و يمكن و في مصححة ص: يمكن.

(7) قاله العلامة في التذكرة 2: 384 و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 254. (*)

*****ص 224*****

و (1) لكن الأقوي مع ذلك: وجوب الشراء، وفاقا للتحرير (2) كما عن الإيضاح (3) و الدروس (4) و جامع المقاصد (5)، بل إطلاق السرائر (6) و نفي الخلاف المتقدم عن الخلاف (7)، لعين ما ذكر في الصورة الاولي (8). ثم إنه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره و لا بين كون قيمته (9) في مكان المطالبة أزيد من قيمته في مكان التلف، أم لا، وفاقا لظاهر المحكي (10) عن السرائر (11) و التذكرة (12) و الإيضاح (13) و الدروس (14) و جامع المقاصد (15).

***** (هامش) *****

(1) لم ترد و في ف.

(2) التحرير 2: 139.

(3) إيضاح الفوائد 2: 178.

(4) الدروس 3: 113.

(5) جامع المقاصد 6: 260.

(6) انظر السرائر 2: 480.

(7) تقدم في

الصفحة 222.

(8) و هو ما أفاده بقوله: و وجهه عموم النص و الفتوي بوجوب المثل في المثلي.

(9) في ن، خ، م، ع و ص زيادة: الاولي، إلا أنه شطب عليها في ن.

(10) حكاه عنهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 252.

(11) السرائر 2: 490.

(12) التذكرة 2: 383.

(13) إيضاح الفوائد 2: 176.

(14) الدروس 3: 114.

(15) جامع المقاصد 6: 256. (*)

*****ص 225*****

و في السرائر: أنه الذي يقتضيه عدل الإسلام و الأدلة و اصول المذهب (1) و هو كذلك، لعموم الناس مسلطون علي أموالهم (2). هذا مع وجود المثل في بلد المطالبة و أما مع تعذره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة.

***** (هامش) *****

(1) انظر السرائر 2: 490 - 491.

(2) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99. (*)

*****ص 226*****

السادس: إذا تعذر المثلي بالمثل

السادس: إذا تعذر المثلي بالمثل

لو تعذر المثل في المثلي، فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك، لأن منع المالك ظلم و إلزام الضامن بالمثل منفي بالتعذر، فوجب القيمة، جمعا بين الحقين. مضافا إلي قوله تعالي: * (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم) * (1) فإن الضامن إذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه أزيد مما اعتدي و أما مع عدم مطالبة المالك، فلا دليل علي إلزامه بقبول القيمة، لأن المتيقن أن دفع القيمة علاج لمطالبة المالك و جمع بين حق المالك بتسليطه علي المطالبة و حق الضامن بعدم (2) تكليفه بالمعذور أو المعسور، أما مع عدم المطالبة فلا دليل علي سقوط حقه عن المثل و ما ذكرناه (3) يظهر من المحكي عن التذكرة و الإيضاح، حيث ذكر

***** (هامش) *****

(1) البقرة: 194.

(2) كذا في ش و في سائر النسخ: لعدم.

(3) كذا في ف و في سائر النسخ: و ما ذكرنا. (*)

*****ص 227*****

في رد

بعض الاحتمالات الآتية في حكم تعذر المثل ما لفظه: إن المثل لا يسقط بالإعواز، ألا تري أن المغصوب منه لو صبر إلي زمان وجدان المثل ملك المطالبة به؟ و إنما المصير إلي القيمة وقت تغريمها (1)، انتهي. لكن أطلق كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذر المثل و لعلهم يريدون صورة المطالبة و إلا فلا دليل علي الإطلاق و يؤيد ما ذكرنا: أن المحكي عن الأكثر في باب القرض: أن المعتبر في المثل (2) المتعذر قيمته يوم المطالبة (3)، نعم عبر بعضهم بيوم الدفع (4)، فليتأمل و كيف كان، فلنرجع إلي حكم المسألة فنقول: المشهور (5) أن العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمته يوم الدفع (6)، لأن المثل (7) ثابت في الذمة إلي ذلك الزمان و لا دليل علي سقوطه بتعذره، كما لا يسقط الدين بتعذر أدائه.

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 2: 383، إيضاح الفوائد 2: 175 و قوله: إنما المصير … الخ ليس في الإيضاح.

(2) كذا في ش و في سائر النسخ: المثلي.

(3) حكاه السيد المجاهد في المناهل: 8، قال بعد نقل أقوال أربعة: لا يبعد أن يقال: إن الأحوط هو القول الأول، لأن القائل به أكثر.

(4) عبر به العلامة في المختلف 5: 392.

(5) في غير ف: إن المشهور.

(6) وردت العبارة في ف هكذا: إن العبرة بقيمة يوم دفع قيمة المثل المتعذر.

(7) كذا في ف، م و ش و مصححة ن و في غيرها: المثلي. (*)

*****ص 228*****

و قد صرح بما ذكرنا المحقق الثاني (1) و قد عرفت من التذكرة الإيضاح ما يدل عليه (2) و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل و هو للحلي في البيع الفاسد (3) و للتحرير في باب القرض (4) و محكي (5)

عن المسالك (6)، لأنه وقت الانتقال إلي القيمة و يضعفه: أنه إن اريد بالانتقال انقلاب ما في الذمة إلي القيمة في ذلك الوقت، فلا دليل عليه و إن اريد عدم وجوب إسقاط ما في الذمة إلا بالقيمة، فوجوب الإسقاط بها و إن حدث يوم التعذر مع المطالبة، إلا أنه لو أخر الإسقاط بقي المثل في الذمة إلي تحقق الإسقاط و إسقاطه في كل زمان بأداء قيمته في ذلك الزمان و ليس في الزمان الثاني مكلفا بما صدق عليه الإسقاط في الزمان الأول. هذا و لكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلي ما تقدم سابقا: من الآية (7) و من أن المتبادر من إطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع إلي أقرب الأموال إلي التالف بعد تعذر المثل، توجه القول

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 6: 245 و 255.

(2) راجع الصفحة السابقة.

(3) السرائر 2: 285.

(4) تحرير الأحكام 1: 200.

(5) في ف و ن: حكي.

(6) المسالك 3: 174.

(7) المتقدمة في الصفحة 226. (*)

*****ص 229*****

بصيرورة التالف قيميا بمجرد تعذر المثل، إذ لا فرق في تعذر المثل بين تحققه ابتداء كما في القيميات و بين طروه بعد التمكن، كما في ما نحن فيه و دعوي: اختصاص الآية و إطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذر المثل ابتداء، لا يخلو عن تحكم. ثم إن في المسألة احتمالات اخر، ذكر أكثرها في القواعد (1) و قوي بعضها في الإيضاح (2) و بعضها بعض الشافعية (3) و حاصل جميع الاحتمالات في المسألة مع مبانيها (4)، أنه: إما أن نقول باستقرار المثل في الذمة إلي أوان الفراغ منه بدفع القيمة و هو الذي اخترناه - تبعا للأكثر - من اعتبار القيمة عند الإقباض و ذكره في

القواعد خامس الاحتمالات و إما أن نقول بصيرورته قيميا عند الإعواز، فإذا صار كذلك، فإما أن نقول: إن المثل المستقر في الذمة قيمي، فتكون القيمية صفة للمثل بمعني أنه لو تلف وجب قيمته و إما أن نقول: إن المغصوب انقلب قيميا بعد أن كان مثليا. فإن قلنا بالأول، فإن جعلنا الاعتبار في القيمي بيوم التلف - كم

***** (هامش) *****

(1) قواعد الأحكام 1: 203 - 204.

(2) إيضاح الفوائد 2: 175.

(3) قال النووي: و الأصح أن المعتبر أقصي قيمة من وقت الغصب إلي تعذر المثل. مغني المحتاج 2: 283 و انظر التذكرة 2: 383.

(4) كذا في ف و ش و في غيرهما: بيانها. (*)

*****ص 230*****

هو أحد الأقوال - كان المتعين قيمة المثل يوم الإعواز، كما صرح به في السرائر في البيع الفاسد (1) و التحرير في باب القرض (2)، لأنه يوم تلف القيمي و إن جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان - كما هو القول الآخر في القيمي - كان المتجه اعتبار زمان تلف العين، لأنه أول أزمنة وجوب المثل في الذمة المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه و هذا مبني علي القول بالاعتبار في القيمي بوقت الغصب كما عن الأكثر (3) و إن جعلنا الاعتبار فيه بأعلي القيم من زمان الضمان إلي زمان التلف - كما حكي عن جماعة من القدماء في الغصب (4) - كان المتجه الاعتبار بأعلي القيم من يوم تلف العين إلي زمان الإعواز و ذكر هذا الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات (5) و إن قلنا: إن التالف انقلب قيميا، احتمل الاعتبار بيوم الغصب - كما في القيمي المغصوب - و الاعتبار بالأعلي منه إلي (6) يوم التلف و ذكر هذا أول الاحتمالات في القواعد

(7).

***** (هامش) *****

(1) السرائر 2: 285.

(2) تحرير الأحكام 1: 200.

(3) نسبه إلي الأكثر المحقق في الشرائع 3: 240 و العلامة في التحرير 2: 139.

(4) منهم:

الشيخ في المبسوط 3: 72 و ابن حمزة في الوسيلة: 276 و ابن زهرة في الغنية: 279 و غيرهم، انظر مفتاح الكرامة 6: 244.

(5) القواعد 1: 203.

(6) في ف بدل إلي: لا.

(7) القواعد 1: 203 - 204. (*)

*****ص 231*****

و إن قلنا: إن المشترك بين العين و المثل صار قيميا، جاء احتمال الاعتبار بالأعلي من يوم الضمان إلي يوم تعذر المثل، لاستمرار الضمان فيما قبله من الزمان، إما للعين و إما للمثل، فهو مناسب لضمان الأعلي من حين الغصب إلي التلف و هذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات (1) و احتمل الاعتبار بالأعلي من يوم الغصب إلي دفع المثل (2) و وجهه في محكي التذكرة و الإيضاح: بأن المثل لا يسقط بالإعواز، قالا: ألا تري أنه لو صبر المالك إلي وجدان المثل، استحقه؟ فالمصير إلي القيمة عند تغريمها (3) و القيمة الواجبة علي الغاصب أعلي القيم و حاصله: أن وجوب دفع قيمة المثل (4) يعتبر (5) من زمن وجوبه أو (6) وجوب مبدله - أعني العين - فيجب أعلي القيم منها، فافهم.

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 203 - 204.

(2) في مصححة ن: إلي دفع قيمة المثل. قال الشهيدي قدس سره : و جعله في القواعد رابع الاحتمالات، فإنه قال: الرابع: أقصي القيم من وقت الغصب إلي وقت دفع القيمة، انتهي و منه يعلم أن الصواب في عبارة المصنف أن يقول: إلي دفع القيمة بدل إلي دفع المثل و علي تقدير صحة النسخة فلا بد من الالتزام بتقدير القيمة مضافة إلي المثل، يعني:

دفع قيمة المثل المفروض تعذره. انظر هداية الطالب: 234.

(3) التذكرة 1: 383، إيضاح الفوائد 2: 175.

(4) كذا في ف و ش و مصححة ن و في غيرها: المثلي.

(5) لم ترد يعتبر في ف.

(6) في ش بدل أو: إلي. (*)

*****ص 232*****

إذا عرفت هذا، فاعلم:

أن المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثلي هو أنه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة، غاية الأمر يجب إسقاطه مع مطالبة المالك، فالعبرة بما هو إسقاط حين الفعل، فلا عبرة بالقيمة إلا يوم الإسقاط و تفريغ الذمة و أما بناء علي ما ذكرنا (1) - من أن المتبادر من أدلة الضمان التغريم بالأقرب إلي التالف فالأقرب - كان المثل مقدما مع تيسره و مع تعذره ابتداء كما في القيمي، أو بعد التمكن كما فيما نحن فيه، كان المتعين هو القيمة، فالقيمة قيمة للمغصوب من حين (2) صار قيميا و هو حال الإعواز، فحال الإعواز معتبر من حيث أنه أول أزمنة صيرورة التالف قيميا، لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين، فعلي القول باعتبار يوم التلف في القيمي توجه ما اختاره الحلي رحمه الله (3) و لو قلنا بضمان القيمي بأعلي القيم من حين الغصب إلي حين التلف - كما عليه جماعة من القدماء (4) - توجه ضمانه فيما نحن فيه بأعلي القيم من حين الغصب إلي زمان الإعواز، إذ (5) كما أن ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذر أدائه (6) المتدارك لارتفاع القيم،

***** (هامش) *****

(1) ذكره في الصفحة 228.

(2) في ف: من حيث.

(3) و هو ثمن المثل يوم الإعواز، راجع السرائر 2: 285.

(4) تقدم التخريج عنهم في الصفحة 230، الهامش رقم 4.

(5) لم ترد إذ في

ف و وردت في مصححة ن و م.

(6) في ص و مصححة ن: أدائها. (*)

*****ص 233*****

كذلك (1) بشرط (2) تعذر المثل في المثلي، إذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية و حيث (3) كانت العين فيما نحن فيه مثلية (4) كان أداء مثلها عند تلفها كرد عينها (5) في إلغاء ارتفاع القيم، فاستقرار ارتفاع القيم إنما يحصل بتلف العين و المثل. فإن قلنا: إن تعذر المثل يسقط المثل (6) كما أن تلف العين يسقط العين توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلي زمان الإعواز و هو أصح الاحتمالات في المسألة عند الشافعية علي ما قيل (7) و إن قلنا: إن تعذر المثل لا يسقط المثل و ليس كتلف العين، كان ارتفاع القيمة فيما بعد تعذر المثل أيضا مضمونا، فيتوجه ضمان القيمة من

***** (هامش) *****

(1) عبارة بشرط تعذر أدائه المتدارك لارتفاع القيم كذلك لم ترد في ف و كتب عليها في ن: زائد و ورد في هامشها - تصحيحا - العبارة التالية: ند

ع التلف في القيمي، كذلك ارتفاع القيمة مع بقاء العين أو المثل مضمون بشرط … نسخة و وردت هذه العبارة في نسخة بدل ش أيضا.

(2) في ص: يشترط.

(3) في ف: فحيث.

(4) كذا في ص و في غيرها: مثليا.

(5) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: أداء مثله عند تلفه كرد عينه.

(6) في غير ف زيادة: كما إن تلف العين يسقط المثل و لكن شطب عليها في غير ش.

(7) قاله العلامة في التذكرة 2: 383 و انظر مغني المحتاج 2: 283. (*)

*****ص 234*****

حين الغصب إلي حين دفع القيمة و هو المحكي عن الإيضاح (1) و هو أوجه الاحتمالات علي القول

بضمان ارتفاع القيمة مراعي بعدم رد العين أو المثل. ثم اعلم:

أن العلامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات: أنه لو تلف المثلي و المثل موجود ثم أعوز (2) و ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرأ (3) تعذر المثل بعد تيسره (4) في بعض أزمنة التلف، لا ما تعذر فيه المثل ابتداء و عن جامع المقاصد:

أنه يتعين حينئذ قيمته (5) يوم التلف (6) و لعله لعدم تنجز التكليف بالمثل عليه في وقت من الأوقات و يمكن أن يخدش فيه: بأن التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه في الذمة ابتداء، كما لا يشترط في استقراره استدامة (7) - علي ما اعترف به (8) - مع طرو التعذر بعد التلف و لذا لم يذكر أحد هذا التفصيل في باب القرض.

***** (هامش) *****

(1) إيضاح الفوائد 2: 175.

(2) انظر القواعد 1: 203.

(3) العبارة في ف هكذا: بما طرأ فيه.

(4) كذا في ف و ش و مصححة ن و في سائر النسخ: بعد وجود المثل.

(5) كذا في ف و في غيرها: قيمة.

(6) جامع المقاصد 6: 252.

(7) كذا في ش و مصححة ن و ص و في سائر النسخ: استدامته.

(8) انظر جامع المقاصد 6: 255. (*)

*****ص 235*****

و بالجملة، فاشتغال الذمة بالمثل إن قيد بالتمكن لزم الحكم بارتفاعه بطرو التعذر و إلا لزم الحكم بحدوثه مع التعذر من أول الأمر، إلا أن يقول (1) : إن أدلة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكن و إن لم يكن مشروطا به عقلا، فلا تعم صورة العجز. نعم، إذا طرأ العجز فلا دليل علي سقوط المثل و انقلابه قيميا و قد يقال علي المحقق المذكور: إن اللازم مما ذكره (2) أنه لو ظفر المالك بالمثل قبل

أخذ القيمة لم يكن له المطالبة و لا أظن أحدا يلتزمه و فيه تأمل. ثم إن المحكي عن التذكرة: أن المراد بإعواز المثل: أن لا يوجد في البلد و ما (3) حوله (4) و زاد في المسالك قوله: مما ينقل عادة منه إليه، كما ذكروا في انقطاع المسلم فيه (5) و عن جامع المقاصد:

الرجوع فيه إلي العرف (6) و يمكن أن يقال: إن مقتضي عموم وجوب أداء مال الناس (7)

***** (هامش) *****

(1) في ش: أن يقال.

(2) في ف: مما ذكر.

(3) في ف: و لا ما.

(4) التذكرة 2: 383.

(5) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 208.

(6) جامع المقاصد 6: 245.

(7) يدل عليه ما في الوسائل 17: 308، الباب الأول من أبواب الغصب و مستدرك الوسائل 17: 87، الباب الأول من أبواب الغصب. (*)

*****ص 236*****

و تسليطهم علي أموالهم (1) - أعيانا كانت أم في الذمة (2) - : وجوب تحصيل المثل - كما كان يجب رد العين أينما كانت - و لو كانت في تحصيله مؤونة كثيرة و لذا كان يجب تحصيل المثل بأي ثمن كان و ليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة (3). نعم، لو انعقد الإجماع علي ثبوت القيمة عند الإعواز تعين ما عن جامع المقاصد، كما أن المجمعين إذا كانوا بين معبر بالإعواز و معبر بالتعذر، كان المتيقن الرجوع إلي الأخص و هو التعذر (4) لأنه المجمع عليه. نعم، ورد في بعض أخبار السلم:

أنه إذا لم يقدر المسلم إليه علي إيفاء المسلم فيه تخير المشتري (5) و من المعلوم:

أن المراد بعدم القدرة ليس التعذر العقلي المتوقف علي استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه عرفا ما عن التذكرة و هذا يستأنس به للحكم فيما

نحن فيه. ثم، إن في معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه إشكالا، من حيث إن العبرة بفرض وجوده و لو في غاية العزة - كالفاكهة في أول زمانها أو آخره - أو وجود المتوسط؟ الظاهر هو الأول، لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب في بيعه و شرائه، فلا عبرة بفرض وجوده عند من

***** (هامش) *****

(1) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(2) في ف: الذمم.

(3) التذكرة 2: 383.

(4) كذا في ف ظاهرا و في سائر النسخ: المتعذر.

(5) راجع الوسائل 13: 69، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 7 و غيره. (*)

*****ص 237*****

يستغني عن بيعه بحيث لا يبيعه إلا إذا بذل له عوض لا يبذله (1) الراغبون في هذا الجنس بمقتضي (2) رغبتهم. نعم (3)، لو الجئ إلي شرائه لغرض آخر بذل ذلك، كما لو فرض الجمد في الصيف عند ملك العراق، بحيث لا يعطيه إلا أن يبذله بإزاء عتاق الخيل و شبهه ا، فإن الراغب في الجمد في العراق من حيث إنه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه و إنما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالإهداء إلي سلطان قادم إلي العراق مثلا، أو معالجة مشرف علي الهلاك به و نحو ذلك من الأغراض و لذا لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذر كما ذكرنا في المسألة الخامسة (4). فكل موجود لا يقدح وجوده في صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده في التقويم عند عدمه. ثم إنك قد عرفت أن للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه و لو كان في غير بلد الضمان و كان قيمة المثل هناك أزيد (5) و أما مع تعذره و كون قيمة المثل في بلد التلف مخالفا لها

في بلد المطالبة، فهل له المطالبة بأعلي القيمتين، أم يتعين قيمة بلد المطالبة، أم بلد التلف؟ وجوه و فصل الشيخ في المبسوط - في باب الغصب - : بأنه إن لم يكن في نقله مؤونة - كالنقدين - فله المطالبة بالمثل، سواء أكانت القيمتان

***** (هامش) *****

(1) في ش: لا يبذل.

(2) في ف بدل بمقتضي: بمقدار.

(3) كذا في ف، ش و مصححة ن و في سائر النسخ: ثم.

(4) راجع الصفحة 223.

(5) راجع الصفحة 224. (*)

*****ص 238*****

مختلفتين أم لا و إن كان في نقله مؤونة، فإن كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا، لأنه لا ضرر عليه في ذلك و إلا فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصبر حتي يوفيه بذلك البلد، ثم قال: إن الكلام في القرض كالكلام في الغصب (1) و حكي نحو هذا عن القاضي أيضا (2)، فتدبر و يمكن أن يقال: إن الحكم باعتبار بلد القرض أو السلم - علي القول به - مع الإطلاق لانصراف العقد إليه و ليس في باب الضمان ما يوجب هذا الانصراف. بقي الكلام في أنه هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة - كالماء علي الشاطئ إذا أتلفه في مفازة و الجمد في الشتاء إذا أتلفه في الصيف - أم لا؟ الأقوي بل المتعين هو الأول، بل حكي عن بعض نسبته إلي الأصحاب و غيرهم (3) و المصرح به في محكي التذكرة (4) و الإيضاح (5) و الدروس (6) : قيمة المثل في تلك المفازة و يحتمل آخر مكان أو زمان سقط المثل فيه (7) عن المالية.

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 3: 76.

(2) المهذب 1: 443.

(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 252 عن جامع

المقاصد 6: 258.

(4) التذكرة 2: 384.

(5) إيضاح الفوائد 2: 177.

(6) الدروس 3: 113.

(7) في ش: به. (*)

*****ص 239*****

فرع: لو تمكن من المثل بعد دفع القيمة

فرع: لو تمكن من المثل بعد دفع القيمة:

لو دفع القيمة في المثلي (1) المتعذر مثله ثم تمكن من المثل، فالظاهر عدم عود المثل في ذمته، وفاقا للعلامة رحمه الله (2) و من تأخر عنه (3) ممن تعرض للمسألة، لأن المثل كان دينا في الذمة سقط بأداء عوضه مع التراضي فلا يعود، كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده. هذا علي المختار، من عدم سقوط المثل عن الذمة بالإعواز و أما علي القول بسقوطه و انقلابه قيميا، فإن قلنا: بأن المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله، فأولي بالسقوط، لأن المدفوع نفس ما في الذمة و إن قلنا: بأن (4) المثل بتعذره - النازل منزلة التلف - صار قيميا، احتمل وجوب المثل عند وجوده، لأن القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل و سيأتي أن حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة (5).

***** (هامش) *****

(1) كذا في ف و ن و في سائر النسخ: المثل.

(2) القواعد 1: 204 و التذكرة 2: 384.

(3) مثل الشهيد في الدروس 3: 113 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 6: 255 - 25 6 و الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 208 و غيرهم.

(4) كذا في ف و في غيرها: إن.

(5) يأتي في الصفحة 267، عند قوله: ثم إنه لا إشكال في أنه إذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا وجب ردها إلي مالكها. (*)

*****ص 240*****

السابع: ضمان القيمي بالقيمة في المقبوض بالعقد الفا

السابع: ضمان القيمي بالقيمة في المقبوض بالعقد الفاسد:

لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا، فقد حكي: الاتفاق علي كونه مضمونا بالقيمة (1) و يدل عليه: الأخبار المتفرقة في كثير من القيميات (2) فلا حاجة إلي التمسك بصحيحة أبي ولاد الآتية في ضمان البغل (3) و لا بقوله عليه

السلام : من أعتق شقصا من عبد قوم عليه (4) بل الأخبار

***** (هامش) *****

(1) لم نعثر علي حكاية الاتفاق، نعم استظهر السيد المجاهد عدم الخلاف بين الأصحاب، راجع المناهل: 298.

(2) انظر الوسائل 17: 372، الباب 23 من أبواب اللقطة، الحديث الأول و 18: 538، الباب 3 من أبواب الحدود و التعزيرات، الحديث الأول.

(3) تأتي في الصفحة 246 - 247.

(4) رواه ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِه وَ سَلَّم مع اختلاف في اللفظ، انظر عوالي اللآلي 3: 427، الحديث 24 و عنه في مستدرك الوسائل 15: 461، الباب 16 من أبواب العتق، الحديث 5 و لفظ الحديث موجود في الغنية: 279. (*)

*****ص 241*****

كثيرة (1)، بل قد عرفت (2) أن مقتضي إطلاق أدلة الضمان في القيميات هو ذلك بحسب المتعارف، إلا أن المتيقن من هذا المتعارف (3) ما كان المثل فيه متعذرا، بل يمكن دعوي انصراف الإطلاقات الواردة في خصوص بعض القيميات - كالبغل و العبد و نحوهما (4) - لصورة تعذر المثل، كما هو الغالب. فالمرجع في وجوب القيمة في القيمي و إن فرض تيسر المثل له - كما في من أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه و كما لو أتلف عليه ذراعا من مائة ذراع كرباس منسوج علي طريقة واحدة لا تفاوت في أجزائه أصلا - هو الإجماع، كما يستظهر و علي تقديره، ففي شموله لصورة تيسر المثل من جميع الجهات تأمل، خصوصا مع الاستدلال عليه - كما (5) في الخلاف (6) و غيره (7) - بقوله تعالي: * (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم) * (8)، بناء علي أن القيمة

***** (هامش) *****

(1)

انظر الوسائل 16: 20 - 21، الباب 18 من أبواب العتق، الأحاديث 1، 4، 5، 9 و 10 و غيرها.

(2) في الصفحة 228.

(3) في ف: من التعارف.

(4) تقدمت الإشارة إلي مواردها في الصفحة السابقة.

(5) لم ترد كما في ف.

(6) الخلاف 3: 402، كتاب الغصب، المسألة 11 و 406، المسألة 18.

(7) مثل السرائر 2: 480 و التذكرة 2: 383.

(8) البقرة: 194. (*)

*****ص 242*****

مماثلة (1) للتالف في المالية، فإن ظاهر ذلك جعلها من باب الأقرب إلي التالف بعد تعذر المثل و كيف كان، فقد حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي (2) و عن الشيخ و المحقق في الخلاف و الشرائع في باب القرض (3). فإن أرادوا ذلك مطلقا حتي مع تعذر المثل فيكون القيمة عندهم بدلا عن المثل حتي يترتب عليه وجوب قيمة يوم دفعها - كما ذكروا ذلك احتمالا في مسألة تعين القيمة (4) متفرعا علي هذا القول - فيرده إطلاقات (5) الروايات الكثيرة في موارد كثيرة: منها: صحيحة أبي ولاد الآتية (6) و منها: رواية تقويم العبد (7) و منها: ما دل علي أنه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من ذمته (8)

***** (هامش) *****

(1) كذا في مصححة ص و في غيرها: مماثل.

(2) حكي عنه و عن ظاهر الشيخ و المحقق، السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 243.

(3) الخلاف 3: 175، كتاب البيوع، المسألة 287 و الشرائع 2: 68، لكنه استحسن ضمان المثل بعد أن أفتي بضمان القيمة.

(4) انظر مفتاح الكرامة 6: 243 و الجواهر 25: 20.

(5) في ف، ن، خ و م:

إطلاق.

(6) يأتي في الصفحة 246 - 247.

(7) المراد بها ظاهرا ما تقدم في الصفحة 240 من قوله عليه السلام : من أعتق شقصا

من عبد قوم عليه.

(8) في ن و ش: دينه. (*)

*****ص 243*****

بحساب ذلك (1)، فلولا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين بمجرد ضمان التالف و منها: غير ذلك من الأخبار الكثيرة (2) و إن أرادوا أنه مع تيسر المثل يجب المثل لم يكن بعيدا، نظرا إلي ظاهر آية الاعتداء (3) و نفي الضرر (4)، لأن خصوصيات الحقائق قد تقصد، اللهم إلا أن يحقق إجماع علي خلافه و لو من جهة أن ظاهر كلمات هؤلاء (5) إطلاق القول بضمان المثل، فيكون الفصل بين التيسر و عدمه قولا ثالثا في المسألة. ثم إنهم اختلفوا في تعيين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد. فالمحكي في غاية المراد (6) عن الشيخين و أتباعهما: تعين قيمة يوم التلف و عن الدروس (7) و الروضة (8) نسبته إلي الأكثر و الوجه فيه - علي ما نبه عليه جماعة، منهم العلامة في التحرير (9) - : أن الانتقال إلي البدل إنما هو يوم التلف، إذ الواجب قبله

***** (هامش) *****

(1) انظر الوسائل 13: 129، الباب 7 من أبواب أحكام الرهن.

(2) المشار إليها في هامش الصفحة 241.

(3) البقرة: 194.

(4) انظر الوسائل 17: 340، الباب 12 من أبواب إحياء الموات.

(5) يعني الإسكافي و الشيخ و المحقق قدس سره م.

(6) غاية المراد:

85.

(7) الدروس 3: 113.

(8) الروضة البهية 7: 41 و انظر الجواهر 37: 105.

(9) التحرير 2: 139. (*)

*****ص 244*****

هو رد العين و ربما يورد (1) عليه: أن يوم التلف يوم الانتقال إلي القيمة، أما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا و يدفع: بأن معني ضمان العين عند قبضه: كونه في عهدته و معني ذلك وجوب تداركه ببدله عند التلف، حتي يكون عند التلف (2) كأنه

لم يتلف و تداركه (3) علي هذا النحو بالتزام مال معادل له [قائم] (4) مقامه و مما ذكرنا ظهر أن الأصل في ضمان التالف: ضمانه بقيمته يوم التلف، فإن خرج المغصوب من ذلك (5) - مثلا - فبدليل من (6) خارج. نعم، لو تم ما تقدم عن الحلي في هذا المقام:

من دعوي الاتفاق علي كون البيع (7) فاسدا بمنزلة المغصوب إلا في ارتفاع الإثم (8)، ألحقناه بالمغصوب إن ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل، بل يمكن أن يقال: إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب - كما هو ظاهر صحيحة

***** (هامش) *****

(1) لم نعثر علي المورد، نعم أورده في المناهل: 298 بلفظ: و لا يقال.

(2) عبارة حتي يكون عند التلف لم ترد في ف.

(3) في ن، م، ع و ص و نسخة بدل خ زيادة: ببدله و لكن شطب عليها في ن.

(4) من ش فقط.

(5) لم يرد من ذلك في ف.

(6) كلمة من لم ترد في غير ف.

(7) في ص و مصححة ن: المبيع.

(8) تقدم في الصفحة 207 - 208. (*)

*****ص 245*****

أبي ولاد الآتية - كشف ذلك عن عدم اقتضاء إطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، إذ يلزم حينئذ أن يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف أضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك عند التلف، لما ذكرنا من أن معني التدارك التزام (1) بقيمته يوم وجوب التدارك. نعم، لو فرض دلالة الصحيحة علي وجوب أعلي القيم، أمكن جعل التزام الغاصب بالزائد علي مقتضي التدارك مؤاخذة له بأشق الأحوال. فالمهم - حينئذ - صرف الكلام إلي معني الصحيحة بعد ذكرها، ليلحق به البيع الفاسد، إما لما ادعاه الحلي (2) و إما لكشف الصحيحة

عن معني التدارك و الغرامة في المضمونات و كون العبرة في جميعها بيوم الضمان، كما هو أحد الأقوال فيما نحن فيه من البيع الفاسد و حيث إن الصحيحة مشتملة علي أحكام كثيرة و فوائد خطيرة، فلا بأس بذكرها جميعا و إن كان الغرض متعلقا ببعضها. فروي (3) الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد، قال: اكتريت بغلا إلي قصر بني هبيرة (4) ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و المناسب: الإلتزام، كما في مصححة ص.

(2) راجع الصفحة السابقة.

(3) لما كانت النسخ مختلفة اختلافا كثيرا في نقل الرواية، آثرنا نقلها من التهذيب.

(4) الوسائل: قصر ابن هبيرة و هو الموافق لما في معجم البلدان 4: 365. (*)

*****ص 246*****

لي، فلما صرت إلي قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلي النيل (1)، فتوجهت نحو النيل، فلما أتيت النيل خبرت أنه توجه إلي بغداد، فأتبعته فظفرت به و فرغت فيما بيني و بينه و رجعت إلي الكوفة و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت أن أتحلل منه فيما صنعت و ارضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما فأبي أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة و أخبرته بالقصة و أخبره الرجل، فقال لي: ما صنعت بالبغل؟ فقلت: قد رجعته سليما. قال: نعم، بعد خمسة عشر يوما! قال: فما تريد من الرجل؟ قال: اريد كري بغلي فقد حبسه علي خمسة عشر يوما. فقال: إني ما أري لك حقا، لأنه اكتراه إلي قصر بني هبيرة فخالف فركبه إلي النيل و إلي بغداد، فضمن قيمة البغل و سقط الكري، فلما رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكري. قال:

فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما أفتي به أبو حنيفة و أعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام بما أفتي به أبو حنيفة، فقال: في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركتها. قال: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : فما تري أنت؟ قال: أري له عليك مثل كري البغل ذاهبا من الكوفة إلي النيل و مثل كري البغل من النيل إلي بغداد و مثل كري البغل من بغداد إلي الكوفة و توفيه إياه. قال: قلت: جعلت فداك، قد علفته بدراهم، فلي عليه علفه؟ قال: لا، لأنك غاصب. فقلت: أرأيت لو عطب البغل أو أنفق، أليس كان يلزمني؟

***** (هامش) *****

(1) سوف يأتي توضيحه في هامش الصفحة 366. (*)

*****ص 247*****

قال: نعم، قيمة بغل يوم خالفته. قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟ فقال: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه. قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: أنت و هو، إما أن يحلف هو علي القيمة فيلزمك، فإن رد اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك. قلت: إني أعطيته دراهم و رضي بها و حللني. قال: إنما رضي فأحلك حين قضي عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع إليه و أخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك … الخبر (1) و محل الاستشهاد فيه فقرتان: الاولي: قوله: نعم، قيمة بغل يوم خالفته إلي ما بعد، فإن الظاهر أن اليوم قيد للقيمة،

إما بإضافة القيمة المضافة إلي البغل إليه ثانيا، يعني قيمة يوم المخالفة للبغل، فيكون إسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة، لا لأن ذا القيمة بغل غير معين، حتي توهم الرواية مذهب من جعل القيمي مضمونا بالمثل و القيمة إنما هي قيمة المثل و إما بجعل اليوم قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلي البغل و أما ما احتمله جماعة (2) من تعلق الظرف بقوله: نعم القائم

***** (هامش) *****

(1) التهذيب 7: 215، الحديث 943 و أورده في الوسائل 13: 255، الباب 17 من أبواب الإجارة، الحديث الأول، عن الكافي.

(2) منهم:

السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 244 و المحقق النراقي في المستند 2: 368 و صاحب الجواهر في الجواهر 37: 101 - 102. (*)

*****ص 248*****

مقام قوله عليه السلام : يلزمك - يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل - فبعيد جدا، بل غير ممكن، لأن السائل إنما سأل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان، كما يدل عليه: أرأيت لو عطب البغل، أو نفق أليس كان يلزمني؟ ، فقوله: نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته و قد أطنب بعض في (1) جعل الفقرة ظاهرة في تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه (2) و لم يأت بشيء يساعده التركيب اللغوي و لا المتفاهم العرفي. الثانية: قوله: أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا، فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوي فيه، لعدم الاعتبار به (3)، فلا بد أن يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة، بناء علي أنه يوم الاكتراء، لأن الظاهر من صدر الرواية أنه

خالف المالك بمجرد خروجه من (4) الكوفة و من المعلوم أن اكتراء البغل لمثل تلك (5) المسافة القليلة إنما يكون يوم

***** (هامش) *****

(1) في ش بدل في: من.

(2) الظاهر أنه قدس سره أشار بهذا الكلام إلي ما حكاه صاحب الجواهر رحمه الله في كتاب الغصب بقوله: نعم، ربما قيل: إنه ظاهر فيه، يعني في تعلق الظرف بالفعل المدلول عليه بقوله عليه السلام : نعم، كذا أفاده العلامة المامقاني في غاية الآمال: 315 و انظر الجواهر 37: 102.

(3) في ف زيادة: قطعا.

(4) كذا في ش و مصححة ن و في سائر النسخ: إلي.

(5) لم ترد تلك في ف. (*)

*****ص 249*****

الخروج، أو في عصر اليوم السابق و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة و أما قوله عليه السلام في جواب السؤال عن إصابة العيب: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده فالظرف متعلق ب عليك لا قيد للقيمة، إذ لا عبرة في أرش العيب بيوم الرد إجماعا، لأن النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين، فالمعني: عليك أداء الأرش يوم رد البغلة و يحتمل أن يكون قيدا ل العيب و المراد:

العيب الموجود في يوم الرد، لاحتمال ازدياد العيب إلي يوم الرد فهو المضمون، دون العيب القليل الحادث أولا، لكن يحتمل أن يكون العيب قد تناقص إلي يوم الرد و العبرة حينئذ بالعيب الموجود حال حدوثه، لأن المعيب لو رد إلي الصحة أو نقص لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع علي مقتضي الفتوي (1)، فهذا الاحتمال من هذه الجهة ضعيف أيضا، فتعين تعلقه بقوله عليه السلام : عليك و المراد ب قيمة ما بين الصحة (2) و العيب قيمة

التفاوت بين الصحة و العيب و لا تعرض في الرواية ليوم هذه القيمة، فيحتمل يوم الغصب و يحتمل يوم حدوث العيب الذي هو يوم تلف وصف الصحة الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات و المعاوضات و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه و اللاحقة له في اعتبار يوم الغصب، تعين حمل هذا أيضا علي ذلك.

***** (هامش) *****

(1) عبارة علي مقتضي الفتوي لم ترد في ف.

(2) في ف: قيمة يوم الصحة. (*)

*****ص 250*****

نعم، يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنه لا يبعد أن يكون مبني الحكم في الرواية علي ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدة خمسة عشر يوما و يكون السر في التعبير ب يوم المخالفة دفع ما ربما يتوهمه أمثال صاحب البغل من العوام:

أن العبرة بقيمة ما اشتري به البغل و إن نقص بعد ذلك، لأنه خسره (1) المبلغ الذي اشتري به البغلة و يؤيده:

التعبير عن يوم المخالفة في ذيل الرواية ب يوم الاكتراء (2) فإن فيه إشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة من حيث إنه يوم المخالفة. إلا أن يقال: إن الوجه في التعبير بيوم الاكتراء مع كون المناط يوم المخالفة هو التنبيه علي سهولة إقامة الشهود علي قيمته في زمان الاكتراء، لكون البغل فيه غالبا بمشهد من الناس و جماعة من المكارين، بخلاف زمان المخالفة من حيث إنه زمان المخالفة، فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه علي سهولة معرفة القيمة بالبينة كاليمين (3)، في مقابل قول السائل: و من يعرف ذلك؟ ، فتأمل.

***** (هامش) *****

(1) في ع و خ: خسرة، قال في شرح الشهيدي - بعد أن أثبت خسره

و شرح معناها - : هذا بناء علي خسره بالضمير و أما بناء علي عدمه كما في بعض النسخ المصححة من جهة حك الضمير فيه، فالمعني واضح. انظر هداية الطالب: 239.

(2) التعبير الموجود في ذيل الرواية هو: حين اكتري و لعل المؤلف قدس سره نقل ذلك بالمعني.

(3) لم ترد كاليمين في ف. (*)

*****ص 251*****

و يؤيده أيضا: قوله عليه السلام في ما بعد، في جواب قول السائل: و من يعرف ذلك؟ قال: أنت و هو، إما أن يحلف هو علي القيمة فيلزمك، فإن رد اليمين عليك (1) فحلفت علي القيمة (2) لزمه، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون علي (3) أن قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا، فيلزمك … الخبر، فإن العبرة لو كان (4) به خصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفا للأصل، ثم لا وجه لقبول بينته، لأن من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه و حمل الحلف هنا علي الحلف المتعارف الذي يرضي به المحلوف له و يصدقه فيه من دون محاكمة - و التعبير برده (5) اليمين علي الغاصب من جهة أن المالك أعرف بقيمة بغله، فكأن الحلف حق (6) له ابتداء - خلاف الظاهر و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف، فإنه يمكن أن يحمل توجه اليمين علي المالك علي ما إذا اختلفا في تنزل القيمة يوم التلف مع اتفاقهما أو الاطلاع من الخارج علي قيمته سابقا و لا شك حينئذ أن القول قول المالك و يكون سماع البينة في صورة اختلافهما في قيمة البغل

***** (هامش) *****

(1) كلمة عليك من ش و المصدر.

(2) كذا في ش و المصدر و في سائر النسخ بدل

علي القيمة: له.

(3) لم ترد علي في المصدر و شطب عليها في ص.

(4) كذا و المناسب: كانت، كما في مصححة ص.

(5) في ف: برد.

(6) في ش: فكان الحلف حقا. (*)

*****ص 252*****

سابقا مع اتفاقهما علي بقائه عليها إلي يوم التلف، فتكون الرواية قد تكفلت بحكم صورتين من صور تنازعهما و يبقي بعض الصور، مثل دعوي المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة و لعل حكمها - أعني حلف الغاصب - يعلم من حكم عكسها المذكور في الرواية و أما علي تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة، فلا بد من حمل الرواية علي ما إذا اتفقا علي قيمة اليوم السابق علي يوم المخالفة، أو اللاحق له و ادعي الغاصب نقصانه عن تلك (1) يوم المخالفة و لا يخفي بعده و أبعد منه: حمل النص علي التعبد و جعل الحكم في خصوص الدابة المغصوبة أو مطلقا (2) مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا (3) و فتوي: من كون البينة علي المدعي و اليمين علي من أنكر (4)، كما حكي عن الشيخ في بابي الإجارة و الغصب (5) و أضعف من ذلك: الاستشهاد بالرواية علي اعتبار أعلي القيم من

***** (هامش) *****

(1) في ف بدل تلك: الملك.

(2) كذا في ف و مصححة ن و في ش: و جعل حكم خصوص الدابة أو مطلقا و في سائر النسخ: و جعل الحكم مخصوصا في الدابة المغصوبة أو مطلقا.

(3) انظر الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم و الدعوي و غيره.

(4) في ف: علي المنكر.

(5) انظر النهاية: 446، هذا في الإجارة و لم نعثر عليه في الغصب. (*)

*****ص 253*****

حين الغصب إلي التلف - كما حكي عن الشهيد الثاني (1) -

إذ لم يعلم لذلك وجه صحيح و لم أظفر بمن وجه دلالتها علي هذا المطلب. نعم، استدلوا علي هذا القول بأن العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته (2) و فيه: إن ضمانها في تلك الحال، إن اريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلم، إذ تداركه لا يكون إلا بذلك، لكن المفروض أنها لم تتلف فيه و إن اريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه فعلا و إن تنزلت بعد ذلك، فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين و إن اريد استقرارها عليه بمجرد الارتفاع مراعي بالتلف، فهو و إن لم يخالف الاتفاق إلا أنه مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل، عدا ما حكاه في الرياض عن خاله العلامة قدس الله تعالي روحهما من قاعدة نفي الضرر الحاصل علي المالك (3).

***** (هامش) *****

(1) المسالك 2: 209 و الروضة البهية 7: 43 - 44 و حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 244.

(2) ممن استدل بذلك: الفاضل المقداد في التنقيح 4: 70 و ابن فهد الحلي في المهذب البارع 4: 252 و الشهيد الثاني في المسالك 2: 209 و انظر مفتاح الكرامة 6: 244.

(3) الرياض 2: 304 و المراد ب خاله العلامة هو العلامة الأكبر الآغا محمد باقر الوحيد البهبهاني قدس سره. (*)

*****ص 254*****

و فيه نظر، كما اعترف به بعض من تأخر (1). نعم، يمكن توجيه الاستدلال المتقدم - من كون العين مضمونة في جميع الأزمنة - : بأن العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان و صار ماليتها مقومة بتلك القيمة، فكما أنه إذا تلفت حينئذ يجب تداركها بتلك القيمة، فكذا إذا

حيل بينها و بين المالك حتي تلفت، إذ لا فرق مع عدم التمكن منها بين أن تتلف أو تبقي. نعم، لو ردت تدارك تلك المالية بنفس العين و ارتفاع القيمة السوقية أمر اعتباري لا يضمن بنفسه، لعدم كونه مالا و إنما هو مقوم لمالية المال و به تمايز (2) الأموال كثرة و قلة و الحاصل: أن للعين في كل زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية، ازيلت يد المالك منها و انقطعت سلطنته عنها، فإن ردت العين فلا مال سواها يضمن و إن تلفت استقرت عليا (3) تلك المراتب (4)، لدخول الأدني تحت الأعلي، نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادة، حيث إنه يضمن الأعلي منها و لأجل ذلك استدل العلامة في التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله: لأنه زمان إزالة يد المالك (5) و نقول في توضيحه: إن كل زمان من أزمنة الغصب قد ازيلت

***** (هامش) *****

(1) المراد به صاحب الجواهر قدس سره في الجواهر 37: 105.

(2) في ف: تميز.

(3) في ف و ن: أعلي.

(4) في ف زيادة: عليه.

(5) التحرير 2: 139. (*)

*****ص 255*****

يدفيه المالك من العين علي حسب ماليته، ففي زمان ازيلت من مقدار درهم و في آخر عن درهمين و في ثالث عن ثلاثة، فإذا استمرت الإزالة إلي زمان التلف وجبت غرامة أكثرها، فتأمل و استدل في السرائر و غيرها علي هذا القول بأصالة الاشتغال (1)، لاشتغال ذمته بحق المالك (2) و لا يحصل البراءة إلا بالأعلي و قد يجاب بأن الأصل في المقام البراءة، حيث إن الشك في التكليف بالزائد (3). نعم، لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد من حديث اليد (4). ثم إنه حكي عن المفيد و القاضي

و الحلبي: الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده من جهة التفويض (5) إلي حكم المشتري (6) و لم يعلم له وجه و لعلهم يريدون به يوم القبض، لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض، فافهم.

***** (هامش) *****

(1) السرائر 2: 481، الرياض 2: 304، المناهل: 299.

(2) في ف: لاشتغال ذمة المالك.

(3) أجاب عنها بذلك في الجواهر 37: 106.

(4) و هو ما ورد عنه صلي الله عليه و آله : علي اليد ما أخذت حتي تؤدي، عوالي اللآلي 3: 246، الحديث 2.

(5) في غير ش: تفويض.

(6) المقنعة: 593 و لم نعثر عليه في الكافي و المهذب و الظاهر أن المؤلف قدس سره أخذ ذلك عن العلامة قدس سره في المختلف 5: 243 و 244، حيث نقل عن الشيخ في النهاية ما نصه: من اشتري شيئا بحكم نفسه و لم يذكر الثمن بعينه كان البيع باطلا، فإن هلك في يد المبتاع كان عليه قيمته يوم ابتياعه - إلي أن قال - و كذا قال المفيد و ابن البراج و أبو الصلاح. (*)

*****ص 256*****

ثم إنه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف علي جميع الأقوال، إلا أنه تردد فيه في الشرائع (1) و لعله - كما قيل (2) - من جهة احتمال كون القيمي مضمونا بمثله و دفع القيمة إنما هو لإسقاط المثل و قد تقدم أنه مخالف لإطلاق النصوص و الفتاوي (3). ثم إن ما ذكرنا (4) من الخلاف إنما هو في ارتفاع القيمة بحسب الأزمنة و أما إذا كان بسبب الأمكنة، كما إذا كان في محل الضمان بعشرة و في مكان التلف بعشرين و في مكان المطالبة بثلاثين، فالظاهر اعتبار محل التلف، لأن مالية الشيء تختلف بحسب الأماكن و

تداركه بحسب ماليته. ثم إن جميع ما ذكرنا من الخلاف إنما هو في ارتفاع القيمة السوقية الناشيءة من تفاوت رغبة الناس و أما إذا كان حاصلا من زيادة في العين، فالظاهر - كما قيل (5) - عدم الخلاف في ضمان أعلي القيم و في الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة و إنما زيادتها في بعض أوقات الضمان لأجل الزيادة العينية الحاصلة فيه النازلة منزلة الجزء الفائت.

***** (هامش) *****

(1) الشرائع 3: 240.

(2) قاله الشهيد الثاني في الروضة البهية 7: 40.

(3) راجع الصفحة 240 - 242.

(4) في ف: ما ذكره.

(5) قاله الشهيد الثاني قدس سره في عكس المسألة و هو ما إذا استند نقص القيمة إلي نقص في العين، انظر المسالك 2: 209 و الروضة البهية 7: 44 و قرره في الجواهر 37: 107 و الظاهر أن المؤلف قدس سره أراد من الزيادة: الزيادة الفائتة، بدليل قوله فيما سيأتي: النازلة منزلة الجزء الفائت و قوله: نعم يجري الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة. (*)

*****ص 257*****

نعم، يجري الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة و أن (1) العبرة بيوم فواتها أو يوم ضمانها أو أعلي القيم. ثم إن في حكم تلف العين في جميع ما ذكر - من ضمان المثل أو القيمة - حكم تعذر الوصول إليه و إن لم يهلك، كما لو سرق أو غرق أو ضاع أو أبق، لما دل علي الضمان بهذه الامور في باب الأمانات المضمونة (2) و هل يقيد ذلك بما إذا حصل اليأس من الوصول إليه، أو بعدم رجاء وجدانه، أو يشمل ما لو علم وجدانه في مدة طويلة (3) يتضرر المالك من انتظارها، أو (4) و لو كانت قصيرة؟ وجوه. ظاهر

أدلة ما ذكر من الامور (5) : الاختصاص بأحد الأولين، لكن ظاهر إطلاق الفتاوي الأخير، كما يظهر من إطلاقهم أن اللوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل إلي قيمته إلي أن يبلغ الساحل (6).

***** (هامش) *****

(1) في ش: فإن.

(2) راجع الوسائل 13: 127، الباب 5 من أبواب أحكام الرهن، الحديث 8 و الصفحة 229، الباب 5، الحديث الأول.

(3) كلمة طويلة مشطوب عليها في خ و ص.

(4) لم ترد أو في خ، م، ع و ص.

(5) يعني: السرقة و الغرق و الضياع و الإباق.

(6) صرح بذلك العلامة في القواعد 1: 207 و التذكرة 2: 396 و نسبه السيد العاملي إلي صريح جامع المقاصد و المسالك و الروضة و ظاهر غيرها، راجع مفتاح الكرامة 6: 284. (*)

*****ص 258*****

و يؤيده:

أن فيه جمعا بين الحقين بعد فرض رجوع القيمة إلي ملك الضامن عند التمكن من العين، فإن تسلط الناس علي مالهم الذي فرض كونه في عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذر نفسه، نظير ما تقدم في تسلطه علي مطالبة القيمة للمثل المتعذر في المثلي (1). نعم، لو كان زمان التعذر قصيرا جدا، بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة و التدارك علي أداء القيمة، أشكل الحكم. ثم الظاهر عدم اعتبار التعذر المسقط للتكليف، بل لو كان ممكنا بحيث يجب عليه السعي في مقدماته لم يسقط القيمة زمان السعي، لكن ظاهر كلمات بعضهم (2) : التعبير بالتعذر و هو الأوفق بأصالة عدم تسلط المالك علي أزيد من إلزامه برد العين، فتأمل و لعل المراد به التعذر في الحال و إن كان لتوقفه علي مقدمات زمانية يتأخر لأجلها ذو المقدمة. ثم إن ثبوت

القيمة مع تعذر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقا للضامن، فلا يجوز للمالك الامتناع (3)، بل له أن يمتنع (4) من

***** (هامش) *****

(1) تقدم في الأمر السادس، الصفحة 226.

(2) كالمحقق في الشرائع 3: 239 و 241 و العلامة في القواعد 1: 205 و التحرير 2: 139 و 140 و غيرهما و الشهيد في الدروس 3: 112 و المحقق السبزواري في الكفاية: 258.

(3) عبارة فلا يجوز للمالك الامتناع وردت في ف قبل قوله: ثم إن ثبوت …

(4) كذا في ص و مصححة ن و في سائر النسخ: أن يمنع. (*)

*****ص 259*****

أخذها و يصبر إلي زوال العذر، كما صرح به الشيخ في المبسوط (1) و يدل عليه قاعدة تسلط الناس علي أموالهم و كما أن تعذر رد العين في حكم التلف فكذا خروجه عن التقويم. ثم إن المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف، - كما في المبسوط (2) و الخلاف (3) و الغنية (4) و السرائر (5) - و ظاهرهم إرادة نفي الخلاف بين المسلمين و لعل الوجه فيه: أن التدارك لا يتحقق إلا بذلك و لولا ظهور الإجماع و أدلة الغرامة (6) في الملكية لاحتملنا أن يكون مباحا له إباحة مطلقة و إن لم يدخل في ملكه، نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة علي القول بها فيها و يكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين و حكي الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمي رحمه الله في أجوبة مسائله (7) و علي أي حال، فلا ينتقل العين إلي الضامن، فهي غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه و دخول العين في ملكه،

***** (هامش) *****

(1) المبسوط 3: 87.

(2) المبسوط 3: 95.

(3) الخلاف 3: 412،

كتاب الغصب، المسألة 26.

(4) الغنية: 282.

(5) السرائر 2: 486.

(6) مثل قاعدة علي اليد و آية الاعتداء و قاعدة الإقدام و الروايات الواردة في الموارد الخاصة، المتقدمة في الصفحات السابقة.

(7) لم نعثر عليه. (*)

*****ص 260*****

و ليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض و المعوض، فالمبذول هنا بذول

كالم مع تلف العين في عدم البدل له و قد استشكل في ذلك المحقق و الشهيد الثانيان: قال الأول في محكي جامعه: إن هنا إشكالا، فإنه كيف يجب القيمة و يملكها الآخذ و يبقي العين علي ملكه؟ و جعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتضح معناه (1)، انتهي و قال الثاني: إن هذا لا يخلو من إشكال من حيث اجتماع العوض و المعوض علي ملك المالك من دون دليل واضح و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا و (2) توقف تملك المغصوب منه للبدل علي اليأس من العين و إن جاز له التصرف، كان وجها في المسألة (3)، انتهي و استحسنه في محكي الكفاية (4). أقول: الذي ينبغي أن يقال هنا: إن معني ضمان العين ذهابها من مال الضامن و لازم ذلك إقامة مقابله من ماله مقامه (5)، ليصدق ذهابها من كيسه.

***** (هامش) *****

(1) جامع المقاصد 6: 261 و فيه: إن هنا إشكالا، فإنه كيف تجب القيمة و يملكها بالأخذ و يبقي العبد علي ملكه …

(2) في مصححة ن و المصدر: أو.

(3) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 210.

(4) كفاية الأحكام:

259.

(5) كذا في النسخ و المناسب: إقامة مقابلها من ماله مقام ها، لرجوع الضمير إلي العين و كذا الكلام في الضمائر في الفقرة الآتية. (*)

*****ص 261*****

ثم إن الذهاب إن كان علي وجه التلف الحقيقي، أو العرفي المخرج للعين عن قابلية الملكية (1) عرفا،

وجب قيام مقابله من ماله مقامه في الملكية و إن كان الذهاب بمعني انقطاع سلطنته عنه و فوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكية، وجب قيام مقابله مقامه في السلطنة، لا في الملكية، ليكون مقابلا و تداركا للسلطنة الفائتة، فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك في هذه الصورة. نعم، لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقفة علي الملك، لتوقف بعض التصرفات عليها، وجب ملكيته للمبذول تحقيقا لمعني التدارك و الخروج عن العهدة و علي أي تقدير: فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة علي ملك مالكها، إنما الكلام في البدل المبذول و لا كلام أيضا في وجوب الحكم بالإباحة و بالسلطنة المطلقة عليها (2) و بعد ذلك فيرجع محصل الكلام حينئذ إلي أن إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك هل تستلزم الملك من حين الإباحة، أو يكفي فيه حصوله من حين التصرف؟ و قد تقدم في المعاطاة بيان ذلك. ثم إنه قد تحصل مما ذكرنا: أن تحقق (3) ملكية البدل أو السلطنة المطلقة عليه مع بقاء العين علي ملك مالكها، إنما هو مع فوات معظم الانتفاعات به، بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا، أما لو لم يفت إل

***** (هامش) *****

(1) في ف: الملك.

(2) كذا في النسخ و المناسب: عليه، كما في مصححة ن.

(3) كذا في ن و مصححة م و في غيرهما: تحقيق. (*)

*****ص 262*****

بعض ما ليس به قوام الملكية، فالتدارك لا يقتضي ملكه و لا السلطنة المطلقة علي البدل و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته حينئذ لم يبعد انكشاف (1) ذلك عن انتقال العين إلي الغارم و لذا استظهر غير واحد (2) أن الغارم لقيمة الحيوان الذي وطأه

يملكه، لأنه و إن وجب بالوط ء نفيه عن البلد و بيعه في بلد آخر، لكن هذا لا يعد فواتا لما به قوام المالية. هذا كله مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها علي مقدار ملكيتها (3) السابقة. أما لو خرج (4) عن التقويم مع بقائها علي صفة الملكية، فمقتضي قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة، مع بقاء العين علي ملك المالك (5)، لأن القيمة عوض الأوصاف أو الأجزاء (6) التي خرجت العين لفواتها عن التقويم، لا عوض العين نفسها، كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب، فإن بقاءها علي ملك مالكها لا ينافي معني الغرامة،

***** (هامش) *****

(1) كذا في النسخ و الصواب: كشف، كما في مصححة ن و استظهر في ص و ش.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية 9: 311 و السيد الطباطبائي في الرياض 2: 499.

(3) كذا و الأولي التعبير ب ماليتها كما في مصححة ن.

(4) كذا و المناسب: خرجت.

(5) في ما عدا ش زيادة: به، إلا أنه شطب عليها في ن.

(6) في م و ش: و الأجزاء. (*)

*****ص 263*****

لفوات معظم الانتفاعات به (1)، فيقوي عدم جواز المسح بها إلا بإذن المالك و لو بذل القيمة. قال في القواعد (2) - في ما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة - : و لو طلب المالك نزعها و إن أفضي إلي التلف وجب، ثم يضمن الغاصب النقص و لو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة، انتهي و عطف علي ذلك في محكي جامع المقاصد (3) قوله: و لا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك، كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين و لو استوعبت (4) القيمة أخذها و لم تدفع العين

(5)، انتهي و عن المسالك في هذه المسألة: أنه إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق، فيجمع بين العين و القيمة (6). لكن عن مجمع البرهان - في هذه المسألة - : اختيار عدم وجوب النزع، بل قال: يمكن أن لا يجوز و يتعين القيمة، لكونه بمنزلة التلف و حينئذ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط، إذ لا غصب فيه يجب

***** (هامش) *****

(1) لم ترد به في ش.

(2) في ش: شرح القواعد و المظنون بل المقطوع أن ما صدر عن قلمه الشريف هو القواعد، كما ورد في سائر النسخ، بدليل قوله فيما سيأتي: و عطف علي ذلك في محكي جامع المقاصد، لكن مصحح ش لما رأي أن المنقول لم يكن بتمامه في القواعد، أضاف إليه كلمة: شرح.

(3) عبارة في محكي جامع المقاصد لم ترد في ش.

(4) في غير ف: استوعب.

(5) جامع المقاصد 6: 304 - 305 و انظر القواعد 1: 207.

(6) المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 207 - 208. (*)

*****ص 264*****

رده، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل و قبل المسح (1)، انتهي و استجوده بعض المعاصرين (2)، ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه، لصيرورته عوضا شرعا و فيه: أنه لا منشأ لهذا الاقتضاء و أدلة الضمان قد عرفت أن محصلها يرجع إلي وجوب تدارك ما ذهب من المالك، سواء كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقي، أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليتها كغرق المال، أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء

ملكيته (3) و لا يخفي أن العين علي التقدير الأول خارج (4) عن الملكية عرفا و علي الثاني: السلطنة المطلقة علي البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين و هذا معني بدل الحيلولة و علي الثالث: فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم، لا عن نفس العين، فالمضمون في الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة، لا نفس العين الباقية، كيف! و لم تتلف هي و ليس لها علي تقدير التلف أيضا عهدة مالية؟ بل الأمر بردها مجرد تكليف لا يقابل بالمال، بل لو استلزم رده (5) ضررا ماليا علي الغاصب

***** (هامش) *****

(1) مجمع الفائدة 10: 521.

(2) هو صاحب الجواهر في الجواهر 37: 80.

(3) كذا و المناسب: ملكيتها.

(4) كذا و المناسب: خارجة.

(5) كذا في النسخ و المناسب: ردها. (*)

*****ص 265*****

أمكن سقوطه، فتأمل و لعل ما عن المسالك: من أن ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالإخراج، فتعين القيمة فقط (1)، محمول علي صورة تضرر المالك بفساد الثوب المخيط أو البناء المستدخل فيه الخشبة، كما لا يأبي عنه عنوان المسألة، فلاحظ و حينئذ فلا تنافي ما تقدم عنه (2) سابقا: من بقاء الخيط علي ملك مالكه و إن وجب بذل قيمته (3). ثم إن هنا قسما رابعا و هو ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الأولوية فيه، كما لو صار الخل المغصوب خمرا، فاستشكل في القواعد وجوب ردها مع القيمة (4) و لعله من استصحاب وجوب ردها و من أن الموضوع في المستصحب ملك المالك، إذ لم يجب إلا رده و لم يكن المالك إلا أولي به (5). إلا أن يقال: إن الموضوع في الاستصحاب

عرفي و لذا كان الوجوب مذهب جماعة، منهم الشهيدان (6) و المحقق الثاني (7) و يؤيده أنه لو عاد خلا ردت إلي المالك بلا خلاف ظاهر.

***** (هامش) *****

(1) انظر المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 207 و العبارة منقولة بالمعني.

(2) كلمة عنه من ف و ش.

(3) راجع الصفحة 263.

(4) القواعد 1: 206.

(5) في ف: و لم يكن المالك أولي إلا به.

(6) الدروس 3: 112، المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 214.

(7) جامع المقاصد 6: 292. (*)

*****ص 266*****

ثم إن مقتضي صدق الغرامة علي المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين و ضمانها، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع، سواء كان للسوق أو للزيادة المتصلة، بل المنفصلة - كالثمرة - و لا يضمن منافعه، فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك و عن التذكرة (1) و بعض آخر (2) : ضمان المنافع و قواه في المبسوط بعد أن جعل الأقوي خلافه (3) و في موضع من جامع المقاصد:

أنه موضع توقف و في موضع آخر رجح الوجوب (4). ثم إن ظاهر عطف التعذر علي التلف في كلام بعضهم (5) - عند التعرض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة - يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذر و قبل الدفع، كالحاصل بعد التلف، لكن مقتضي القاعدة ضمانه له، لأن (6) مع التلف يتعين القيمة و لذا ليس له الامتناع من أخذها، بخلاف تعذر العين، فإن القيمة غير متعينة، فلو صبر المالك حتي يتمكن من العين كان له ذلك و يبقي العين في عهدة

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 2: 382.

(2) و قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة (6: 249) : و هو الأصح و فيه أيضا: و مال إليه في المسالك، انظر المسالك (الطبعة الحجرية)

2: 210.

(3) المبسوط 3: 96.

(4) جامع المقاصد 6: 251 و 273.

(5) مثل المحقق في المختصر 2: 256 و العلامة في التحرير 2: 139.

(6) في ف بدل لأن: إذ. (*)

*****ص 267*****

الضامن في هذه المدة، فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف، أو أعلي القيم إليه، أو يوم الغصب، علي الخلاف و الحاصل: أن قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة في عهدة الضامن، فلا عبرة بيوم التعذر و الحكم بكون يوم التعذر بمنزلة يوم التلف مع الحكم بضمان الاجرة و النماء إلي دفع البدل و إن تراخي عن التعذر، مما لا يجتمعان ظاهرا، فمقتضي القاعدة ضمان الارتفاع إلي يوم دفع البدل، نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر في المثلي. ثم إنه لا إشكال في أنه إذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا، وجب ردها إلي مالكها (1) - كما صرح به في جامع المقاصد (2) - فورا و إن كان في إحضارها (3) مؤونة، كما كان قبل التعذر، لعموم علي اليد ما أخذت حتي تؤدي (4) و دفع البدل لأجل الحيلولة إنما أفاد خروج الغاصب عن الضمان، بمعني أنه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك و استلزم (5) ذلك - علي ما اخترناه (6) - عدم (7) ضمان المنافع و النماء المنفصل و المتصل بعد دفع الغرامة.

***** (هامش) *****

(1) في غير ش: رده إلي مالكه.

(2) جامع المقاصد 6: 261.

(3) في غير ش: إحضاره.

(4) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106 و الصفحة 389، الحديث 22.

(5) في ش كتب فوق الكلمة: و لازم - ظ.

(6) تقدم في الصفحة 266.

(7) في غير ف و ش: من عدم، إلا أنه شطب علي من في ن و خ.

(*)

*****ص 268*****

و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلي، فلا يجوز استصحابه، بل مقتضي الاستصحاب و العموم هو الضمان المدلول عليه بقوله عليه السلام : علي اليد ما أخذت المغيا بقوله: حتي تؤدي و هل الغرامة المدفوعة تعود ملكه (1) إلي الغارم بمجرد طرو التمكن، فيضمن العين من يوم التمكن ضمانا جديدا بمثله أو قيمته يوم حدوث الضمان أو يوم التلف أو أعلي القيم، أو أنها باقية علي ملك مالك العين و كون (2) العين مضمونة بها لا بشيء آخر في ذمة الغاصب، فلو تلفت استقر ملك المالك علي الغرامة، فلم يحدث في العين إلا حكم تكليفي بوجوب رده و أما الضمان و عهدة جديدة فلا؟ وجهان: أظهرهما الثاني، لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة و عدم طرو ما يزيل ملكيته عن الغرامة أو يحدث ضمانا جديدا و مجرد عود التمكن لا يوجب عود سلطنة المالك حتي يلزم من بقاء ملكيته (3) علي الغرامة الجمع بين العوض و المعوض، غاية ما في الباب قدرة الغاصب علي إعادة السلطنة الفائتة المبدلة (4) عنها بالغرامة و وجوبها عليه و حينئذ، فإن دفع العين فلا إشكال في زوال ملكية (5) المالك

***** (هامش) *****

(1) كذا و الصحيح: ملكها.

(2) شطب علي كلمة كون في ن و صحح في ص ب تكون.

(3) في ش: مالكيته.

(4) كذا و المناسب: المبدل، كما في مصححة ن.

(5) في نسخة بدل ش: مالكية. (*)

*****ص 269*****

للغرامة و توهم:

أن المدفوع كان بدلا (1) عن القدر الفائت من السلطنة في زمان التعذر فلا يعود لعدم عود مبدله، ضعيف في الغاية، بل كان بدلا عن أصل السلطنة يرتفع بعودها، فيجب دفعه، أو دفع بدله مع تلفه، أو خروجه عن ملكه بناقل

لازم بل جائز و لا يجب رد نمائه المنفصل و لو لم يدفعها (2) لم يكن له مطالبة الغرامة أولا، إذ ما لم يتحقق السلطنة لم يعد الملك إلي الغارم، فإن الغرامة عوض السلطنة لا عوض قدرة الغاصب علي تحصيلها للمالك، فتأمل. نعم، للمالك مطالبة عين ماله، لعموم الناس مسلطون علي أموالهم (3) و ليس ما عنده من المال عوضا من مطلق السلطنة حتي سلطنة المطالبة، بل سلطنة الانتفاع بها علي الوجه المقصود من الأملاك و لذا لا يباح (4) لغيره بمجرد بذل الغرامة و مما ذكرنا (5) يظهر أنه ليس للغاصب حبس العين إلي أن يدفع

***** (هامش) *****

(1) لم ترد بدلا في ف.

(2) كذا في ش و مصححة خ و في سائر النسخ: يدفعه و الصحيح ما أثبتناه كما أثبته المامقاني و قال: هذه الجملة عطف علي قوله: فإن دفع العين و الضمير المنصوب بقوله: لم يدفع، عائد إلي العين، غاية الآمال: 319 و أثبتها الشهيدي كما في سائر النسخ، لكنه قال: الصواب: يدفعها، لأن الضمير راجع إلي العين، هداية الطالب: 245.

(3) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.

(4) كذا و المناسب: لا تباح، كما في مصححة خ.

(5) في خ، ع و ص زيادة: أيضا. (*)

*****ص 270*****

المالك القيمة، كما اختاره في التذكرة (1) و الإيضاح (2) و جامع المقاصد (3) و عن التحرير: الجزم بأن له ذلك (4) و لعله لأن القيمة عوض إما عن العين و إما عن السلطنة عليه (5) و علي أي تقدير فيتحقق التراد و حينئذ فلكل من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتي يتسلم ما بيد الآخر و فيه: أن العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا و لذا تحقق

للمالك الجمع بينها و بين الغرامة، فالمالك مسلط عليها و المعوض للغرامة (6) السلطنة الفائتة التي هي في معرض العود بالتراد. اللهم إلا أن يقال: له حبس العين من حيث تضمنه لحبس مبدل الغرامة و هي السلطنة الفائتة و الأقوي: الأول. ثم لو قلنا بجواز الحبس، لو حبسه (7) فتلفت العين محبوسا، فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المغصوب، لأنه حبسه بحق، نعم

***** (هامش) *****

(1) التذكرة 2: 385.

(2) إيضاح الفوائد 2: 178.

(3) جامع المقاصد 6: 261.

(4) التحرير 2: 140 و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 6: 256.

(5) كذا في النسخ و المناسب: عليها، كما استظهر في ص.

(6) في ش: لغرامة.

(7) كذا و المناسب: حبسها، لعود الضمير إلي العين و كذا الكلام فيما يأتي من الضمائر. (*)

*****ص 271*****

يضمنه، لأنه قبضه لمصلحة نفسه و الظاهر أنه بقيمة يوم التلف - علي ما هو الأصل في كل مضمون - و من قال بضمان المقبوض بأعلي القيم يقول به هنا من زمان الحبس إلي زمان التلف و ذكر العلامة في القواعد:

أنه لو حبس فتلف محبوسا، فالأقرب ضمان قيمته الآن و استرجاع القيمة الاولي (1) و الظاهر أن مراده ب قيمة (2) الآن: مقابل القيمة السابقة، بناء علي زوال حكم الغصب عن العين، لكونه محبوسا بغير عدوان، لا خصوص حين التلف و كلمات كثير منهم لا يخلو عن اضطراب. ثم إن أكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب، لكن الظاهر أن أكثرها بل جميعها حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا، إذ ليس في الغصب خصوصية زائدة. نعم، ربما يفرق من جهة نص في المغصوب مخالف لقاعدة الضمان، كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من

جهة صحيحة أبي ولاد (3) أو أعلي القيم علي ما تقدم من الشهيد الثاني دعوي دلالة الصحيحة عليه (4) و أما ما اشتهر من أن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال، فلم نعرف له مأخذا واضحا.

***** (هامش) *****

(1) القواعد 1: 204.

(2) في ف: بقيمته.

(3) تقدمت في الصفحة 246 - 247.

(4) تقدم في الصفحة 252. (*)

*****ص 272*****

و لنختم بذلك أحكام المبيع بالبيع الفاسد و إن بقي منه أحكام (1) اخر أكثر مما ذكر و لعل بعضها يجئ في بيع الفضولي إن شاء الله تعالي (2).

***** (هامش) *****

(1) لم ترد أحكام في ش.

(2) يجئ في الصفحة 345. (*)

*****ص 273*****

بداية الحكمة

مقدمة في تعريف هذا الفن و موضوعه و غايته

مقدمة في تعريف هذا الفن و موضوعه و غايته

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و له الثناء بحقيقته و الصلاة و السلام علي رسوله محمد خير خليقته و آله الطاهرين من أهل بيته و عترته.

الحكمة الإلهية علم يبحث فيه عن أحوال الموجود بما هو موجود و موضوعها الذي يبحث فيه عن أعراضه الذاتية هو الموجود بما هو موجود و غايتها معرفة الموجودات علي وجه كلي و تمييزها مما ليس بموجود حقيقي.

توضيح ذلك أن الإنسان يجد من نفسه أن لنفسه حقيقة و واقعية و أن هناك حقيقة و واقعية وراء نفسه و أن له أن يصيبها فلا يطلب شيئا من الأشياء و لا يقصده إلا من جهة أنه هو ذلك الشي ء في الواقع و لا يهرب من شي ء و لا يندفع عنه إلا لكونه هو ذلك الشي ء في الحقيقة. فالطفل الذي يطلب الضرع مثلا إنما يطلب ما هو بحسب الواقع لبن لا ما هو بحسب التوهم و الحسبان كذلك و الإنسان الذي يهرب من سبع إنما يهرب مما هو بحسب الحقيقة

سبع لا بحسب التوهم و الخرافة. لكنه ربما أخطأ في نظره فرأي ما ليس بحق حقا واقعا في الخارج

*****ص 7*****

كالبخت و الغول أو اعتقد ما هو حق واقع في الخارج باطلا خرافيا كالنفس المجردة و العقل المجرد فمست الحاجة بادئ بدء إلي معرفة أحوال الموجود بما هو موجود الخاصة به ليميز بها ما هو موجود في الواقع مما ليس كذلك و العلم الباحث عنها هو الحكمة الإلهية.

فالحكمة الإلهية هي العلم الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود و يسمي أيضا الفلسفة الأولي و العلم الأعلي و موضوعه الموجود بما هو موجود و غايته تمييز الموجودات الحقيقية من غيرها و معرفة العلل العالية للوجود و بالأخص العلة الأولي التي إليه تنتهي سلسلة الموجودات و أسمائه الحسني و صفاته العليا و هو الله عز إسمه

المرحلة الأولي في كليات مباحث الوجود و فيها اثنا عشر فصل

اشارة

المرحلة الأولي في كليات مباحث الوجود و فيها اثنا عشر فصل

الفصل الأول في بداهة مفهوم الوجود

الفصل الثاني في أن مفهوم الوجود مشترك معنوي

الفصل الثالث في أن الوجود زائد علي الماهية عارض له

الفصل الرابع في أصالة الوجود و اعتبارية الماهية

الفصل الخامس في أن الوجود حقيقة واحدة مشككة

الفصل السادس في ما يتخصص به الوجود

الفصل السابع في أحكام الوجود السلبية

الفصل الثامن في معني نفس الأمر

الفصل التاسع الشيئية تساوق الوجود

الفصل العاشر في أنه لا تمايز و لا علية في العدم

الفصل الحادي عشر في أن المعدوم المطلق لا خبر عنه

الفصل الثاني عشر في امتناع إعادة المعدوم بعينه

الفصل الأول: في بداهة مفهوم الوجود

الفصل الأول في بداهة مفهوم الوجود

مفهوم الوجود بديهي معقول بنفس ذاته لا يحتاج فيه إلي توسيط شي ء آخر فلا معرف له من حد أو رسم لوجوب كون المعرف أجلي و أظهر من المعرف فما أورد في تعريفه من أن الوجود أو الموجود بما هو موجود هو الثابت العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه من قبيل شرح الاسم دون المعرف الحقيقي علي أنه سيجي ء أن الوجود لا جنس له و لا فصل له ول خاصة له بمعني إحدي الكليات الخمس و المعرف يتركب منها فلا معرف للوجود

الفصل الثاني: في أن مفهوم الوجود مشترك معنوي

الفصل الثاني في أن مفهوم الوجود مشترك معنوي

يحمل الوجود علي موضوعاته بمعني واحد اشتراكا معنوي.

و من الدليل عليه أنا نقسم الوجود إلي أقسامه المختلفة كتقسيمه إلي وجود الواجب و وجود الممكن و تقسيم وجود الممكن إلي وجود الجوهر و وجود العرض ثم وجود الجوهر إلي أقسامه و وجود العرض إلي أقسامه و من المعلوم أن التقسيم يتوقف في صحته علي وحدة المقسم و وجوده في الأقسام.

*****ص 11*****

و من الدليل عليه أنا ربما أثبتنا وجود شي ء ثم ترددنا في خصوصية ذاته كما لو أثبتن للعالم صانعا ثم ترددنا في كونه واجبا أو ممكنا و في كونه ذا ماهية أو غير ذي ماهية و كما لو أثبتنا للإنسان نفسا ثم شككنا في كونها مجردة أو مادية وجوهرا أو عرضا مع بقاء العلم به وجوده علي ما كان فلو لم يكن للوجود معني واحد بل كان مشتركا لفظي متعددا معناه بتعدد موضوعاته لتغير معناه بتغير موضوعاته بحسب الاعتقاد بالضرورة.

و من الدليل عليه أن العدم يناقض الوجود و له معني واحد إذ لا تمايز في العدم فللوجود الذي هو نقيضه معني واحد

و إلا ارتفع النقيضان و هو محال و القائلون باشتراكه اللفظي بين الأشياء أو بين الواجب و الممكن إنما ذهبوا إليه حذر من لزوم السنخية بين العلة و المعلول مطلقا أو بين الواجب و الممكن ورد بأنه يستلزم تعطيل العقول عن المعرفة فإنا إذا قلنا الواجب موجود فإن كان المفهوم منه المعني الذي يفهم من وجود الممكن لزم الاشتراك المعنوي و إن كان المفهوم منه ما يقابله و هو مصداق نقيضه كان نفيا لوجوده تعالي عن ذلك و إن لم يفهم منه شي ء كان تعطيلا للعقل عن المعرفة و هو خلاف ما نجده من أنفسنا بالضرورة

الفصل الثالث: في أن الوجود زائد علي الماهية عارض له

الفصل الثالث في أن الوجود زائد علي الماهية عارض له

بمعني أن المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر فللعقل أن يجرد الماهية و هي م يقال في جواب ما هو عن الوجود فيعتبرها وحدها فيعقلها ثم

*****ص 12*****

يصفها بالوجود و هو معني العروض فليس الوجود عينا للماهية و لا جزءا له و الدليل عليه أن الوجود يصح سلبه عن الماهية و لو كان عينا أو جزءا لها لم يصح ذلك لاستحالة سلب عين الشي ء و جزئه عنه و أيضا حمل الوجود علي الماهية يحتاج إلي دليل فليس عينا و لا جزءا لها لأن ذات الشي ء و ذاتياته بينة الثبوت له لا تحتاج فيه إلي دليل و أيضا الماهية متساوية النسبة في نفسها إلي الوجود و العدم و لو كان الوجود عينا أو جزءا لها استحالت نسبتها إلي العدم الذي هو نقيضه

الفصل الرابع: في أصالة الوجود و اعتبارية الماهية

الفصل الرابع في أصالة الوجود و اعتبارية الماهية

إنا لا نرتاب في أن هناك أمورا واقعية ذات آثار واقعية ليست بوهم الواهم ثم ننتزع من كل من هذه الأمور المشهودة لنا في عين أنه واحد في الخارج مفهومين اثنين كل منهما غير الآخر مفهوما و إن اتحدا مصداقا و هما الوجود و الماهية كالإنسان الذي في الخارج المنتزع عنه أنه إنسان و أنه موجود و قد اختلف الحكماء في الأصيل منهما فذهب المشاءون إلي أصالة الوجود و نسب إلي الإشراقيين القول بأصالة الماهية و أما القول بأصالتهما معا فلم يذهب إليه أحد منهم لاستلزام ذلك كون كل شي ء شيئين اثنين و هو خلاف الضرورة و الحق ما ذهب إليه المشاءون من أصالة الوجود و البرهان عليه أن الماهية من حيث هي ليست إلا هي متساوية

*****ص 13*****

النسبة

إلي الوجود و العدم فلو لم يكن خروجها من حد الاستواء إلي مستوي الوجود بحيث تترتب عليها الآثار بواسطة الوجود كان ذلك منها انقلابا و هو محال بالضرورة فالوجود هو المخرج لها عن حد الاستواء فهو الأصيل و ما قيل إن الماهية بنسبة مكتسبة من الجاعل تخرج من حد الاستواء إلي مرحلة الأصالة فتترتب عليها الآثار مندفع بأنها إن تفاوتت حالها بعد الانتساب فما به التفاوت هو الوجود الأصيل و إن سمي نسبة إلي الجاعل و إن لم تتفاوت و مع ذلك حمل عليها أنه موجودة و ترتبت عليها الآثار كان من الانقلاب كما تقدم. برهان آخر الماهيات مثار الكثرة و الاختلاف بالذات فلو لم يكن الوجود أصيلا لم تتحقق وحدة حقيقية و لا اتحاد بين ماهيتين فلم يتحقق الحمل الذي هو الاتحاد في الوجود و الضرورة تقضي بخلافه فالوجود هو الأصيل الموجود بالذات و الماهية موجودة به. برهان آخر الماهية توجد به وجود خارجي فتترتب عليها آثارها و توجد بعينها به وجود ذهني كما سيأتي فلا يترتب عليها شي ء من تلك الآثار فلو لم يكن الوجود هو الأصيل و كانت الأصالة للماهية و هي محفوظة في الوجودين لم يكن فرق بينهما و التالي باطل فالمقدم مثله. برهان آخر الماهية من حيث هي تستوي نسبتها إلي التقدم و التأخر و الشدة و الضعف و القوة و الفعل لكن الأمور الموجودة في الخارج مختلفة في هذه الأوصاف فبعضها متقدم أو قوي كالعلة و بعضها بخلاف ذلك كالمعلول و بعضها بالقوة و بعضها بالفعل فلو لم يكن الوجود هو الأصيل كان اختلاف هذه الصفات مستندة إليها و هي متساوية النسبة إلي الجميع هذ خلف و هناك حجج

أخري مذكورة في المطولات و للقائلين بأصالة الماهية و اعتبارية الوجود حجج مدخولة كقولهم لو كان الوجود أصيل كان موجودا في الخارج فله وجود و لوجوده وجود

*****ص 14*****

فيتسلسل و هو محال و أجيب عنه بأن الوجود موجود لكن بنفس ذاته لا به وجود آخر فلا يذهب الأمر إلي غير النهاية و يظهر مما تقدم ضعف قول آخر في المسألة منسوب إلي المحقق الدواني و هو أصالة الوجود في الواجب تعالي و أصالة الماهية في الممكنات و عليه فإطلاق الموجود علي الواجب بمعني أنه نفس الوجود و علي الماهيات بمعني أنها منتسبة إلي الوجود كاللابن و التامر بمعني المنتسب إلي اللبن و التمر هذا و أما علي المذهب المختار فالوجود موجود بذاته و الماهية موجودة بالعرض.

الفصل الخامس: في أن الوجود حقيقة واحدة مشككة

الفصل الخامس في أن الوجود حقيقة واحدة مشككة

اختلف القائلون بأصالة الوجود فذهب بعضهم إلي أن الوجود حقيقة واحدة مشككة و هو المنسوب إلي الفهلويين من حكماء الفرس فالوجود عندهم لكونه ظاهرا بذاته مظهرا لغيره من الماهيات كالنور الحسي الذي هو ظاهر بذاته مظهر لغيره من الأجسام الكثيفة للأبصار. فكما أن النور الحسي نوع واحد حقيقته أنه ظاهر بذاته مظهر لغيره و هذا المعني متحقق في جميع مراتب الأشعة و الأظلة علي كثرتها و اختلافها فالنور الشديد شديد في نوريته التي يشارك فيها النور الضعيف و النور الضعيف ضعيف في نوريته التي يشارك فيها النور الشديد فليست شدة الشديد منه جزءا مقوما للنورية حتي يخرج الضعيف منه و لا عرض خارجا عن الحقيقة و ليس ضعف الضعيف قادحا في نوريته و لا أنه مركب من النور و الظلمة لكونها أمرا عدميا بل شدة الشديد في أصل النورية و كذا ضعف الضعيف

*****ص

15*****

فللنور عرض عريض باعتبار مراتبه المختلفة بالشدة و الضعف و لكل مرتبة عرض عريض باعتبار القوابل المختلفة من الأجسام الكثيفة. كذلك الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة متمايزة بالشدة و الضعف و التقدم و التأخر و غير ذلك فيرجع ما به الامتياز فيها إلي ما به الاشتراك و ما به الاختلاف إلي ما به الاتحاد فليست خصوصية شي ء من المراتب جزءا مقوما للوجود لبساطته كما سيجي ء ول أمرا خارجا عنه لأن أصالة الوجود تبطل ما هو غيره الخارج عنه بل الخصوصية في كل مرتبة مقومة لنفس المرتبة بمعني ما ليس بخارج منه و لها كثرة طولية باعتبار المراتب المختلفة الآخذة من أضعف المراتب و هي التي ل فعلية لها إلا عدم الفعلية و هي المادة الأولي الواقعة في أفق العدم ثم تتصاعد المراتب إلي أن تنتهي إلي المرتبة الواجبة لذاتها و هي التي لا حد لها إلا عدم الحد و لها كثرة عرضية باعتبار تخصصها بالماهيات المختلفة التي هي مثار الكثرة و ذهب قوم من المشاءين إلي كون الوجود حقائق متباينة بتمام ذواتها أما

*****ص 16*****

كونه حقائق متباينة فلاختلاف آثارها و أما كونها متباينة بتمام الذوات فلبساطته و علي هذا يكون مفهوم الوجود المحمول عليها عرضيا خارجا عنها لازما له و الحق أنه حقيقة واحدة مشككة أما كونها حقيقة واحدة فلأنه لو لم تكن كذلك لكانت حقائق مختلفة متباينة بتمام الذوات و لازمه كون مفهوم الوجود و هو مفهوم واحد كم تقدم منتزعا من مصاديق متباينة بما هي متباينة و هو محال بيان الاستحالة أن المفهوم و المصداق واحد ذاتا و إنما الفارق كون الوجود ذهنيا أو خارجيا فلو انتزع الواحد بم هو واحد من الكثير

بما هو كثير كان الواحد بما هو واحد كثيرا بما هو كثير و هو محال و أيضا لو انتزع المفهوم الواحد بما هو واحد من المصاديق الكثيرة بما هي كثيرة فإم أن تعتبر في صدقه خصوصية هذا المصداق لم يصدق علي ذلك المصداق و إن اعتبر فيه خصوصية ذاك لم يصدق علي هذا و إن اعتبر فيه الخصوصيتان معا لم يصدق علي شي ء منهما و إن لم يعتبر شي ء من الخصوصيتين بل انتزع من القدر المشترك بينهما لم يكن منتزعا من الكثير بما هو كثير بل بما هو واحد كالكلي المنتزع من الجهة المشتركة بين الأفراد الصادق علي الجميع هذا خلف و أما أن حقيقته مشككة فلما يظهر من الكمالات الحقيقية المختلفة التي هي صفات متفاضلة غير خارجة عن الحقيقة الواحدة كالشدة و الضعف و التقدم و التأخر و القوة و الفعل و غير ذلك فهي حقيقة واحدة متكثرة في

*****ص 17*****

ذاتها يرجع فيها كل ما به الامتياز إلي ما به الاشتراك و بالعكس و هذا هو التشكيك.

الفصل السادس: في ما يتخصص به الوجود

الفصل السادس في ما يتخصص به الوجود

تخصص الوجود بوجوه ثلاثة أحدها تخصص حقيقته الواحدة الأصلية بنفس ذاتها القائمة بذاتها و ثانيها تخصصها به خصوصيات مراتبها غير الخارجة عن المراتب و ثالثها تخصص الوجود بإضافته إلي الماهيات المختلفة الذوات و عروضه لها فيختلف باختلافها بالعرض و عروض الوجود للماهية و ثبوته لها ليس من قبيل العروض المقولي الذي يتوقف فيه ثبوت العارض علي ثبوت المعروض قبله فإن حقيقة ثبوت الوجود للماهية هي ثبوت الماهية به لأن ذلك هو مقتضي أصالته و اعتباريتها و إنما العقل لمكان أنسه بالماهيات يفترض الماهية موضوعه و يحمل الوجود عليها و هو في الحقيقة

من عكس الحمل و بذلك يندفع الإشكال المعروف في حمل الوجود علي الماهية من أن قاعدة الفرعية أعني أن ثبوت شي ء لشي ء فرع ثبوت المثبت له توجب ثبوتا للمثبت له قبل ثبوت الثابت فثبوت الوجود للماهية يتوقف علي ثبوت الماهية قبله فإن كان ثبوتها عين ثبوته لها لزم تقدم الشي ء علي نفسه و إن كان غيره توقف ثبوته لها علي ثبوت آخر لها و هلم جرا فيتسلسل و قد اضطر هذا الإشكال بعضهم إلي القول بأن القاعدة مخصصة بثبوت الوجود للماهية و بعضهم إلي تبديل الفرعية بالاستلزام فقال الحق أن

*****ص 18*****

ثبوت شي ء لشي ء مستلزم لثبوت المثبت له و لو بهذا الثابت و ثبوت الوجود للماهية مستلزم لثبوت الماهية بنفس هذا الوجود فلا إشكال و بعضهم إلي القول بأن الوجود لا تحقق له و لا ثبوت في ذهن و لا في خارج و للموجود معني بسيط يعبر عنه بالفارسية ب هست و الاشتقاق صوري فلا ثبوت له حتي يتوقف علي ثبوت الماهية و بعضهم إلي القول بأن الوجود ليس له إلا المعني المطلق و هو معني الوجود العام و الحصص و هو المعني العام مضافا إلي ماهية ماهية بحيث يكون التقييد داخلا و القيد خارجا و أما الفرد و هو مجموع المقيد و التقييد و القيد فليس له ثبوت و شي ء من هذه الأجوبة علي فسادها لا يغني طائلا و الحق في الجواب ما تقدم من أن القاعدة إنما تجري في ثبوت شي ء لشي ء لا في ثبوت الشي ء و بعبارة أخري مجري القاعدة هو الهلية المركبة دون الهلية البسيطة كما في ما نحن فيه

الفصل السابع: في أحكام الوجود السلبية

الفصل السابع في أحكام الوجود السلبية

منها أن الوجود لا غير له و

ذلك لأن انحصار الأصالة في حقيقته يستلزم بطلان كل م يفرض غيرا له أجنبيا عنه بطلانا ذاتي و منها أنه لا ثاني له لأن أصالة حقيقته الواحدة و بطلان كل ما يفرض غيرا له ينفي عنه كل خليط داخل فيه أو منضم إليه فهو صرف في

*****ص 19*****

نفسه و صرف الشي ء لا يتثني و لا يتكرر فكل ما فرض له ثانيا عاد أولا و إلا امتاز عنه بشي ء غيره داخل فيه أو خارج عنه و المفروض انتفاؤه هذا خلف و منها أنه ليس جوهرا و لا عرضا أما أنه ليس جوهرا فلأن الجوهر ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت لا في الموضوع و الوجود ليس من سنخ الماهية و أما أنه ليس بعرض فلأن العرض متقوم الوجود بالموضوع و الوجود متقوم بنفس ذاته و كل شي ء متقوم به و منها أنه ليس جزءا لشي ء لأن الجزء الآخر المفروض غيره و الوجود لا غير له و ما قيل إن كل ممكن زوج تركيبي من ماهية و وجود فاعتبار عقلي ناظر إلي الملازمة بين الوجود الإمكاني و الماهية لا أنه تركيب من جزءين أصيلين و منها أنه لا جزء له لأن الجزء إما جزء عقلي كالجنس و الفصل و إما جزء خارجي كالمادة و الصورة و إما جزء مقداري كأجزاء الخط و السطح و الجسم التعليمي و ليس للوجود شي ء من هذه الأجزاء. أما الجزء العقلي فلأنه لو كان للوجود جنس و فصل فجنسه إما الوجود فيكون فصله المقسم مقوما لأن الفصل بالنسبة إلي الجنس يفيد تحصل ذاته لا أصل ذاته و تحصل الوجود هو ذاته هذا خلف و إما غير الوجود و لا غير للوجود و أما

الجزء الخارجي و هو المادة و الصورة فلأن المادة و الصورة هما الجنس و الفصل مأخوذين بشرط لا فانتفاء الجنس و الفصل يوجب انتفاءهم و أما الجزء المقداري فلأن المقدار من عوارض الجسم و الجسم مركب من المادة و الصورة و إذ لا مادة و لا صورة للوجود فلا جسم له و إذ لا

*****ص 20*****

جسم له فلا مقدار له و مما تقدم يظهر أنه ليس نوعا لأن تحصل النوع بالتشخص الفردي و الوجود متحصل بنفس ذاته.

الفصل الثامن: في معني نفس الأمر

الفصل الثامن في معني نفس الأمر

قد ظهر مما تقدم أن لحقيقة الوجود ثبوتا و تحققا بنفسه بل الوجود عين الثبوت و التحقق و أن للماهيات و هي التي تقال في جواب ما هو و توجد تارة به وجود خارجي فتظهر آثاره و تارة به وجود ذهني فلا تترتب عليها الآثار ثبوتا و تحققا بالوجود لا بنفس ذاتها و إن كانا متحدين في الخارج و أن المفاهيم الاعتبارية العقلية و هي التي لم تنتزع من الخارج و إنما اعتبرها العقل بنوع من التعمل لضرورة تضطره إلي ذلك كمفاهيم الوجود و الوحدة و العلية و نحو ذلك أيضا لها نحو ثبوت بثبوت مصاديقها المحكية بها و إن لم تكن هذه المفاهيم مأخوذة في مصاديقها أخذ الماهية في أفرادها و في حدود مصاديقه و هذا الثبوت العام الشامل لثبوت الوجود و الماهية و المفاهيم الاعتبارية العقلية هو المسمي بنفس الأمر التي يعتبر صدق القضايا بمطابقتها فيقال إن كذا كذا في نفس الأمر. توضيح ذلك أن من القضايا ما موضوعها خارجي بحكم خارجي كقولنا الواجب تعالي موجود و قولنا خرج من في البلد و قولن

*****ص 21*****

الإنسان ضاحك بالقوة و صدق الحكم فيها بمطابقته

للوجود العيني و منها ما موضوعها ذهني بحكم ذهني أو خارجي مأخوذ بحكم ذهني كقولنا الكلي إما ذاتي أو عرضي و الإنسان نوع و صدق الحكم فيها بمطابقته للذهن لكون موطن ثبوتها هو الذهن و كلا القسمين صادقان بمطابقتهما لنفس الأمر فالثبوت النفس الأمري أعم مطلقا من كل من الثبوت الذهني و الخارجي و قيل إن نفس الأمر عقل مجرد فيه صور المعقولات عامة و التصديقات الصادقة في القضاي الذهنية و الخارجية تطابق ما عنده من الصور المعقولة و فيه أنا ننقل الكلام إلي ما عنده من الصور العلمية فهي تصديقات تحتاج في صدقها إلي ثبوت لمضامي نها خارج عنها تطابقه.

الفصل التاسع: الشيئية تساوق الوجود

الفصل التاسع الشيئية تساوق الوجود

الشيئية تساوق الوجود و العدم لا شيئية له إذ هو بطلان محض لا ثبوت له فالثبوت و النفي في معني الوجود و العدم و عن المعتزلة أن الثبوت أعم مطلقا من الوجود فبعض المعدوم ثابت عندهم و هو المعدوم الممكن و يكون حينئذ النفي أخص من العدم و لا يشمل إلا المعدوم الممتنع و عن بعضهم أن بين الوجود و العدم واسطة و يسمونها الحال و هي صفة الموجود التي ليست بموجودة و لا معدومة كالعالمية و القادرية و الوالدية من الصفات الانتزاعية التي ل وجود منحازا لها فلا يقال إنها موجودة و الذات الموجودة تتصف بها فلا يقال إنه معدومة و أما الثبوت و النفي

*****ص 22*****

فهما متناقضان لا واسطة بينهما و هذه كلها أوهام يكفي في بطلانها قضاء الفطرة بأن العدم بطلان لا شيئية له.

الفصل العاشر: في أنه لا تمايز و لا علية في العدم

الفصل العاشر في أنه لا تمايز و لا علية في العدم

أما عدم التمايز فلأنه فرع الثبوت و الشيئية و لا ثبوت و لا شيئية في العدم نعم ربم يتميز عدم من عدم بإضافة الوهم إياه إلي الملكات و أقسام الوجود فيتميز بذلك عدم من عدم كعدم البصر و عدم السمع و عدم زيد و عدم عمرو و أما العدم المطلق فلا تميز فيه و أما عدم العلية في العدم فلبطلانه و انتفاء شيئيته و قولهم عدم العلة علة لعدم المعلول قول علي سبيل التقريب و المجاز فقولهم مثلا لم يكن غيم فلم يكن مطر معناه بالحقيقة أنه لم يتحقق العلية التي بين وجود الغيم و وجود المطر و هذا كما قيل نظير إجراء أحكام القضايا الموجبة في السالبة فيقال سالبة حملية و سالبة شرطية و

نحو ذلك و إنما فيها سلب الحمل و سلب الشرط.

*****ص 23*****

الفصل الحادي عشر: في أن المعدوم المطلق لا خبر عنه

الفصل الحادي عشر في أن المعدوم المطلق لا خبر عنه

و يتبين ذلك بما تقدم أنه بطلان محض لا شيئية له بوجه و إنما يخبر عن شي ء بشي ء و أما الشبهة بأن قولهم المعدوم المطلق لا يخبر عنه يناقض نفسه فإنه بعينه إخبار عنه بعدم الإخبار فهي مندفعة بما سيجي ء في مباحث الوحدة و الكثرة من أن من الحمل ما هو أولي ذاتي يتحد فيه الموضوع و المحمول مفهوما و يختلفان اعتبارا كقولنا الإنسان إنسان و منه ما هو شائع صناعي يتحدان فيه وجودا و يختلفان مفهوما كقولنا الإنسان ضاحك و المعدوم المطلق معدوم مطلق بالحمل الأولي و لا يخبر عنه و ليس بمعدوم مطلق بل موجود من الموجودات الذهنية بالحمل الشائع و لذا يخبر عنه بعدم الإخبار عنه فلا تناقض و بهذا التقريب يندفع الشبهة عن عدة قضايا توهم التناقض كقولنا الجزئي جزئي و هو بعينه كلي يصدق علي كثيرين و قولنا شريك الباري ممتنع مع أنه معقول في الذهن فيكون موجودا فيه ممكنا و قولنا الشي ء إما ثابت في الذهن أو لا ثابت فيه و اللا ثابت في الذهن ثابت فيه لأنه معقول. وجه الاندفاع أن الجزئي جزئي بالحمل الأولي كلي بالشائع و شريك الباري شريك الباري بالحمل الأولي و ممكن مخلوق للباري

*****ص 24*****

بالشائع و اللا ثابت في الذهن كذلك بالحمل الأولي و ثابت فيه بالشائع.

الفصل الثاني عشر: في امتناع إعادة المعدوم بعينه

الفصل الثاني عشر في امتناع إعادة المعدوم بعينه

قالت الحكماء إن إعادة المعدوم بعينه ممتنعة و تبعهم فيه بعض المتكلمين و أكثرهم علي الجواز و قد عد الشيخ امتناع إعادة المعدوم ضروريا و هو من الفطريات لقضاء الفطرة ببطلان شيئية المعدوم فلا يتصف بالإعادة و القائلون بنظرية المسألة احتجوا

عليه بوجوه منها أنه لو جاز للمعدوم في زمان أن يعاد في زمان آخر بعينه لزم تخلل العدم بين الشي ء و نفسه و هو محال لأنه حينئذ يكون موجودا بعينه في زمانين بينهما عدم متخلل. حجة أخري لو جازت إعادة الشي ء بعينه بعد انعدامه جاز إيجاد ما يماثله من جميع الوجوه ابتداء و استئنافا و هو محال أما الملازمة فلأن حكم الأمثال فيما يجوز و فيم لا يجوز واحد و مثل الشي ء ابتداء و معاده ثانيا لا فرق بينهما بوجه لأنهما يساويان الشي ء المبتدأ من جميع الوجوه و أما استحالة اللازم فلاستلزام اجتماع المثلين في الوجود عدم التميز بينهما و هو وحدة الكثير من حيث هو كثير و هو محال. حجة أخري إن إعادة المعدوم توجب كون المعاد هو المبتدأ و هو محال لاستلزامه الانقلاب أو الخلف بيان الملازمة أن إعادة المعدوم بعينه يستلزم كون المعاد هو المبتدأ ذات و في جميع الخصوصيات المشخصة حتي الزمان

*****ص 25*****

فيعود المعاد عين المبتدأ و هو الانقلاب أو الخلف. حجة أخري لو جازت الإعادة لم يكن عدد العود بالغا معينا يقف عليه إذ لا فرق بين العودة الأولي و الثانية و هكذا إلي ما لا نهاية له كما لم يكن فرق بين المعاد و المبتدإ و تعين العدد من لوازم وجود الشي ء المتشخص. احتج المجوزون بأنه لو امتنعت إعادة المعدوم لكان ذلك إما لماهيته و إما للازم ماهيته و لو كان كذلك لم يوجد ابتداء و هو ظاهر و إما لعارض مفارق فيزول الامتناع بزواله. ورد بأن الامتناع لأمر لازم لكن لوجوده و هويته لا لماهيته كما هو ظاهر من الحجج المتقدمة و عمدة ما دعاهم إلي القول بجواز

الإعادة زعمهم أن المعاد و هو مما نطقت به الشرائع الحقة من قبيل إعادة المعدوم و يرده أن الموت نوع استكمال لا انعدام و زوال

المرحلة الثانية في انقسام الوجود إلي خارجي و ذهني

اشارة

المرحلة الثانية في انقسام الوجود إلي خارجي و ذهني و فيها فصل واحد

الفصل الأول في الوجود الخارجي و الوجود الذهني

تتمة

الإشكال الأول

الإشكال الثاني

الإشكال الثالث

الإشكال الرابع

الإشكال الخامس

الإشكال السادس

الإشكال السابع

الفصل الأول: في الوجود الخارجي و الوجود الذهني

اشارة

المشهور بين الحكماء أن للماهيات وراء الوجود الخارجي و هو الوجود الذي يترتب عليه فيه الآثار المطلوبة منها وجودا آخر لا يترتب عليها فيه الآثار و يسمي وجودا ذهني فالإنسان الموجود في الخارج قائم لا في موضوع بما أنه جوهر و يصح أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة بما أنه جسم و بما أنه نبات و حيوان و إنسان ذو نفس نباتية و حيوانية و ناطقة و يظهر معه آثار هذه الأجناس و الفصول و خواصها و الإنسان الموجود في الذهن المعلوم لن إنسان ذاتا واجد لحده غير أنه لا يترتب عليه شي ء من تلك الآثار الخارجية و ذهب بعضهم إلي أن المعلوم لنا المسمي بالموجود الذهني شبح الماهية لا نفسها و المراد به عرض و كيف قائم بالنفس يباين المعلوم الخارجي في ذاته و يشابهه و يحكيه في بعض خصوصياته كصورة الفرس المنقوشة علي الجدار الحاكية للفرس الخارجي و هذا في الحقيقة سفسطة

*****ص 29*****

ينسد معها باب العلم بالخارج من أصله و ذهب بعضهم إلي إنكار الوجود الذهني مطلق و أن علم النفس بشي ء إضافة خاصة منها إليه و يرده العلم بالمعدوم إذ لا معني محصل للإضافة إلي المعدوم و احتج المشهور علي ما ذهبوا إليه من الوجود الذهني بوجوه الأول أنا نحكم علي المعدومات بأحكام إيجابية كقولنا بحر من زيبق كذا و قولنا اجتماع النقيضين غير اجتماع الضدين إلي غير ذلك و الإيجاب إثبات و إثبات شي ء لشي ء فرع ثبوت المثبت له فلهذه الموضوعات المعدومة وجود و

إذ ليس في الخارج ففي موطن آخر و نسميه الذهن. الثاني أنا نتصور أمورا تتصف بالكلية و العموم كالإنسان الكلي و الحيوان الكلي و التصور إشارة عقلية لا تتحقق إلا بمشار إليه موجود و إذ لا وجود للكلي بما هو كلي في الخارج فهي موجودة في موطن آخر و نسميه الذهن. الثالث أنا نتصور الصرف من كل حقيقة و هو الحقيقة محذوفا عنها ما يكثرها بالخلط و الانضمام كالبياض المتصور بحذف جميع الشوائب الأجنبية و صرف الشي ء لا يتثني ول يتكرر فهو واحد وحدة جامعة لكل ما هو من سنخه و الحقيقة بهذا الوصف غير موجودة في الخارج فهي موجودة في موطن آخر نسميه الذهن.

*****ص 30*****

تتمة

قد استشكل علي وجود الماهيات في الذهن بمعني حصولها بأنفسها فيه إشكالات:

الإشكال الأول

الإشكال الأول

أن القول بحصول الماهيات بأنفسها في الذهن يستلزم كون الشي ء الواحد جوهر و عرضا معا و هو محال بيان الملازمة أن الجوهر المعقول في الذهن جوهر بناء علي انحفاظ الذاتيات و هو بعينه عرض لقيامه بالنفس قيام العرض بمعروضه و أما بطلان اللازم فللزوم كونه قائما بالموضوع و غير قائم به.

الإشكال الثاني

الإشكال الثاني

أن الماهية الذهنية مندرجة تحت مقولة الكيف بناء علي ما ذهبوا إليه من كون الصور العلمية كيفيات نفسانية ثم إنا إذا تصورنا جوهرا كان مندرجا تحت مقولة الجوهر لانحفاظ الذاتيات و تحت مقولة الكيف كما تقدم و المقولات متباينة بتمام الذوات فيلزم التناقض في الذات و كذا إذا تصورنا مقولة أخري غير الجوهر كانت الماهية المتصورة مندرجة تحت مقولتين و كذا لو تصورنا كيفا محسوسا كان مندرجا تحت الكيف المحسوس و الكيف النفساني و هو اندراج شي ء واحد تحت نوعين متباينين من مقولة و استحالته ضرورية. قالوا و هذا الإشكال أصعب من الأول إذ لا كثير إشكال في كون شي ء واحد جوهرا و عرض لأن التباين الذاتي الذي بين المقولات إنما هو بين الجوهر و الكيف و الكم و غيرها و أم مفهوم العرض بمعني القائم

*****ص 31*****

بالموضوع فهو عرض عام صادق علي تسع من المقولات و من الجائز أن يعم الجوهر الذهني أيضا و يصدق عليه لأن المأخوذ في رسم الجوهر أنه ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت ل في موضوع فمن الجائز أن يقوم في الذهن في موضوع و هو إذا وجد في الخارج كان لا في موضوع هذا و أما دخول الماهية الواحدة تحت مقولتين كالجوهر و الكيف و كالكم و الكيف و المقولات متباينات بتمام الذوات فاستحالته ضرورية لا

مدفع له و بالتوجه إلي ما تقدم من الإشكال و نحوه ذهب بعضهم إلي إنكار الوجود الذهني من أصله بالقول بأن العلم بإضافة من النفس إلي الخارج فالمعلوم مندرج تحت مقولته الخارجية فقط و قد عرفت ما فيه و بعضهم إلي أن الماهيات الخارجية موجودة في الذهن بأشباحها لا بأنفسها و شبح الشي ء يغاير الشي ء و يباينه فالصورة الذهنية كيفية نفسانية و أما المقولة الخارجية فغير باقية فيها فلا إشكال و قد عرفت ما فيه و قد أجيب عن الإشكال بوجوه منها ما عن بعضهم أن العلم غير المعلوم فعند حصول ماهية من الماهيات الخارجية في الذهن أمران أحدهما الماهية الحاصلة نفسها علي ما كانت عليه في الخارج و هو المعلوم و هو غير قائم بالنفس بل قائم بنفسه حاصل فيه حصول الشي ء في الزمان و المكان و الآخر صفة حاصلة للنفس قائمة بها يطرد بها عنها الجهل و هو العلم و علي هذا فالمعلوم مندرج تحت مقولته الخارجية من جوهر أو كم أو غير ذلك و العلم كيف نفساني فلا اجتماع أصلا لا لمقولتين و لا لنوعين من مقولة

و فيه أنه خلاف ما نجده من أنفسنا عند العلم فإن الصورة الحاصلة في نفوسنا عند العلم بشي ء هي بعينها التي تطرد عنا الجهل و تصير وصفا لن

*****ص 32*****

نتصف به و منها ما عن بعض القائلين بأصالة الماهية أن الصورة الحاصلة في الذهن منسلخة عن ماهيتها الخارجية و منقلبة إلي الكيف بيان ذلك أن موجودية الماهية متقدمة علي نفسه فمع قطع النظر عن الوجود لا ماهية أصلا و الوجود الذهني و الخارجي مختلفان بالحقيقة فإذا تبدل الوجود بصيرورة الوجود الخارجي ذهنيا جاز أن تنقلب الماهية

بأن يتبدل الجوهر أو الكم أو غير ذلك كيفا فليس للشي ء بالنظر إلي ذاته حقيقة معينة بل الكيفية الذهنية إذا وجدت في الخارج كانت جوهرا أو غيره و الجوهر الخارجي إذا وجد في الذهن كان كيفا نفسانيا و أما مباينة الماهية الذهنية للخارجية مع أن المدعي حصول الأشياء بأنفسها في الذهن و هو يستدعي أصلا مشتركا بينهما فيكفي في تصويره أن يصور العقل أمرا مبهما مشتركا بينهما يصحح به أن ما في الذهن هو الذي في الخارج كما يصور المادة المشتركة بين الكائن و الفاسد الماديين و فيه أولا أنه لا محصل لما ذكره من تبدل الماهية و اختلاف الوجودين في الحقيقة بناء علي ما ذهب إليه من أصالة الماهية و اعتبارية الوجود و ثانيا أنه في معني القول بالشبح بناء علي ما التزم به من المغايرة الذاتية بين الصورة الذهنية و المعلوم الخارجي فيلحقه ما لحقه من محذور السفسطة و منها ما عن بعضهم أن العلم لما كان متحدا بالذات مع المعلوم بالذات كان من مقولة المعلوم إن جوهرا فجوهر و إن كما فكم و هكذا و أما تسميتهم العلم كيفا فمبني علي المسامحة في التعبير كما يسمي كل وصف ناعت للغير كيفا في العرف العام و إن كان جوهر و بهذا يندفع إشكال اندراج المقولات الآخر تحت الكيف و إما إشكال كون شي ء واحد جوهرا و عرضا معا فالجواب عنه

*****ص 33*****

ما تقدم أن مفهوم العرض عرض عام شامل للمقولات التسع العرضية و للجوهر الذهني ول إشكال فيه و فيه أن مجرد صدق مفهوم مقولة من المقولات علي شي ء لا يوجب اندراجه تحتها كم ستجي ء الإشارة إليه. علي أن كلامهم صريح في كون العلم

الحصولي كيفا نفسانيا داخلا تحت مقولة الكيف حقيقة من غير مسامحة و منها ما ذكره صدر المتألهين ره في كتبه و هو الفرق في إيجاب الاندراج بين الحمل الأولي و بين الحمل الشائع فالثاني يوجبه دون الأول بيان ذلك أن مجرد أخذ مفهوم جنسي أو نوعي في حد شي ء و صدقه عليه لا يوجب اندراج ذلك الشي ء تحت ذلك الجنس أو النوع بل يتوقف الاندراج تحته علي ترتب آثار ذلك الجنس أو النوع الخارجية علي ذلك الشي ء. فمجرد أخذ الجوهر و الجسم مثلا في حد الإنسان حيث يقال الإنسان جوهر جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق لا يوجب اندراجه تحت مقولة الجوهر أو جنس الجسم حتي يكون موجودا لا في موضوع باعتبار كونه جوهرا و يكون بحيث يصح أن يفرض فيه الأبعاد الثلاثة باعتبار كونه جسما و هكذ و كذا مجرد أخذ الكم و الاتصال في حد السطح حيث يقال السطح كم متصل قار منقسم في جهتين لا يوجب اندراجه تحت الكم و المتصل مثلا حتي يكون قابلا للانقسام بذاته من جهة أنه كم و مشتملا علي الفصل المشترك من جهة أنه متصل و هكذ و لو كان مجرد صدق مفهوم علي شي ء موجبا للاندراج لكان كل مفهوم كلي فردا لنفسه لصدقه بالحمل الأولي علي نفسه فالاندراج يتوقف علي ترتب الآثار و معلوم أن ترتب الآثار إنما يكون في الوجود الخارجي دون الذهني.

*****ص 34*****

فتبين أن الصورة الذهنية غير مندرجة تحت ما يصدق عليها من المقولات لعدم ترتب آثارها عليها لكن الصورة الذهنية إنما لا تترتب عليها آثار المعلوم الخارجي من حيث هي وجود مقيس إلي ما بحذائها من الوجود الخارجي و أما من حيث إنها

حاصلة للنفس حال أو ملكة تطرد عنها الجهل فهي وجود خارجي موجود للنفس ناعت لها يصدق عليه حد الكيف بالحمل الشائع و هو أنه عرض لا يقبل قسمة و لا نسبة لذاته فهو مندرج بالذات تحت مقولة الكيف و إن لم يكن من جهة كونه وجودا ذهنيا مقيسا إلي الخارج داخلا تحت شي ء من المقولات لعدم ترتب الآثار اللهم إلا تحت مقولة الكيف بالعرض و بهذا البيان يتضح اندفاع ما أورده بعض المحققين علي كون العلم كيفا بالذات و كون الصورة الذهنية كيفا بالعرض من أن وجود تلك الصور في نفسها و وجودها للنفس واحد و ليس ذلك الوجود و الظهور للنفس ضميمة تزيد علي وجودها تكون هي كيفا في النفس لأن وجوده الخارجي لم يبق بكليته و ماهياتها في أنفسها كل من مقولة خاصة و باعتبار وجوده الذهني لا جوهر و لا عرض و ظهورها لدي النفس ليس سوي تلك الماهية و ذلك الوجود إذ ظهور الشي ء ليس أمرا ينضم إليه و إلا لكان ظهور نفسه و ليس هناك أمر آخر و الكيف من المحمولات بالضميمة و الظهور و الوجود للنفس لو كان نسبة مقولية كان ماهية العلم إضافة لا كيفا و إذا كان إضافة إشراقية كان وجودا فالعلم نور و ظهور وهما وجود و الوجود ليس ماهية. وجه الاندفاع أن الصورة العلمية هي الموجودة للنفس الظاهرة لها لكن لا من حيث كونه موجودا ذهنيا مقيسا إلي خارج لا تترتب عليها آثاره بل من حيث كونها حالا أو ملكة للنفس تطرد عنها عدما و هي كمال للنفس زائد عليها ناعت لها و هذا أثر خارجي مترتب عليها و إذا كانت النفس

*****ص 35*****

موضوعة لها مستغنية

عنها في نفسها فهي عرض لها و يصدق عليها حد الكيف و دعوي أن ليس هناك أمر زائد علي النفس منضم إليها ممنوعة. فظهر أن الصورة العلمية من حيث كونها حالا أو ملكة للنفس كيف حقيقة و بالذات و من حيث كونها موجودا ذهنيا كيف بالعرض و هو المطلوب.

الإشكال الثالث

الإشكال الثالث

أن لازم القول بالوجود الذهني و حصول الأشياء بأنفسها في الأذهان كون النفس حارة باردة عريضة طويلة متحيزة متحركة مربعة مثلثة مؤمنة كافرة و هكذا عند تصور الحرارة و البرودة إلي غير ذلك و هو باطل بالضرورة بيان الملازمة أنا لا نعني بالحار و البارد و العريض و الطويل و نحو ذلك إلا ما حصلت له هذه المعاني و قامت به و الجواب عنه أن المعاني الخارجية كالحرارة و البرودة و نحوهما إنما تحصل في الأذهان بماهياتها لا به وجوداتها العينية و تصدق عليها بالحمل الأولي دون الشائع و الذي يوجب الاتصاف حصول هذه المعاني به وجوداتها الخارجية و قيامها بموضوعاتها دون حصول ماهياته لها و قيام ما هي هي بالحمل الأولي.

الإشكال الرابع

الإشكال الرابع

أنا نتصور المحالات الذاتية كشريك الباري و اجتماع النقيضين و ارتفاعهما و سلب الشي ء عن نفسه فلو كانت الأشياء حاصلة بأنفسها في الأذهان استلزم ذلك ثبوت المحالات الذاتية و الجواب عنه أن الحاصل من المحالات الذاتية في الأذهان مفاهيمها بالحمل الأولي دون الحمل الشائع فشريك الباري في الذهن شريك الباري بالحمل الأولي و أما بالحمل الشائع فهو كيفية نفسانية ممكنة مخلوقة للباري و هكذا في سائر المحالات.

الإشكال الخامس

الإشكال الخامس

أنا نتصور الأرض بما رحبت بسهولها وجبالها و

*****ص 36*****

براريها و بحارها و ما فوقها من السماء بأرجائها البعيدة و النجوم و الكواكب بأبعاده الشاسعة و حصول هذه المقادير العظيمة في الذهن بمعني انطباعها في جزء عصبي أو قوة دماغية كما قالوا به من انطباع الكبير في الصغير و هو محال و دفع الإشكال بأن المنطبع فيه منقسم إلي غير النهاية لا يجدي شيئا فإن الكف لا تسع الجبل و إن كانت منقسمة إلي غير النهاية و الجواب عنه أن الحق كما سيأتي أن الصور الإدراكية الجزئية غير مادية بل مجردة تجردا مثاليا فيها آثار المادة من مقدار و شكل و غيرهما دون نفس المادة فهي حاصلة للنفس في مرتبة تجرده المثالي من غير أن تنطبع في جزء بدني أو قوة متعلقة بجزء بدني و أما الأفعال و الانفعالات الحاصلة في مرحلة المادة عند الإحساس بشي ء أو عند تخيله فإنما هي معدات تتهيأ بها النفس لحصول الصور العلمية الجزئية المثالية عنده.

الإشكال السادس

الإشكال السادس

أن علماء الطبيعة بينوا أن الإحساس و التخيل بحصول صور الأجسام المادية بما لها من النسب و الخصوصيات الخارجية في الأعضاء الحاسة و انتقالها إلي الدماغ مع ما لها من التصرف فيها بحسب طبائعها الخاصة و الإنسان ينتقل إلي خصوصية مقاديرها و أبعادها و أشكالها بنوع من المقايسة بين أجزاء الصورة الحاصلة عنده علي م فصلوه في محله و مع ذلك لا مجال للقول بحضور الماهيات الخارجية بأنفسها في الأذهان و الجواب عنه أن ما ذكروه من الفعل و الانفعال المادي عند حصول العلم بالجزئيات في محله لكن هذه الصور المنطبعة المغايرة للمعلومات الخارجية ليست هي المعلومة بالذات بل هي معدات تهيي ء النفس

لحضور الماهيات الخارجية عندها به وجود مثالي غير مادي و إل لزمت السفسطة لمكان

*****ص 37*****

المغايرة بين الصور الحاصلة في أعضاء الحس و التخيل و بين ذوات الصور. بل هذا من أقوي الحجج علي حصول الماهيات بأنفسها عند الإنسان به وجود غير مادي فإن الوجود المادي لها كيفما فرض لم يخل عن مغايرة ما بين الصور الحاصلة و بين الأمور الخارجية ذوات الصور و لازم ذلك السفسطة ضرورة.

الإشكال السابع

الإشكال السابع

أن لازم القول بالوجود الذهني كون الشي ء الواحد كليا و جزئيا مع و بطلانه ظاهر بيان الملازمة أن ماهية الإنسان المعقولة مثلا من حيث تجويز العقل صدقها علي كثيرين كلية و من حيث حصولها لنفس عاقلها الشخصية و قيامها بها جزئية متشخصة بتشخصها متميزة من ماهية الإنسان المعقولة لغير تلك النفس من النفوس فهي كلية و جزئية مع و الجواب عنه أن الجهة مختلفة فهي من حيث إنها وجود ذهني مقيس إلي الخارج كلية تقبل الصدق علي كثيرين و من حيث إنها كيفية نفسانية من غير مقايسة إلي الخارج جزئية.

المرحلة الثالثة في انقسام الوجود

اشارة

المرحلة الثالثة في انقسام الوجود

الفصل الأول الوجود في نفسه و الوجود في غيره

الفصل الثاني كيفية اختلاف الرابط و المستقل

الفصل الثالث من الوجود في نفسه ما هو لغيره و منه ما هو لنفسه

المرحلة الثالثة في انقسام الوجود

المرحلة الثالثة

في انقسام الوجود إلي ما في نفسه و ما في غيره و انقسام ما في نفسه إلي ما لنفسه و ما لغيره

و فيها ثلاثة فصول

*****ص 40*****

الفصل الأول: الوجود في نفسه و الوجود في غيره

الفصل الأول الوجود في نفسه و الوجود في غيره

من الوجود ما هو في غيره و منه خلافه و ذلك أنا إذا اعتبرنا القضايا الصادقة كقولنا الإنسان ضاحك وجدنا فيها وراء الموضوع و المحمول أمرا آخر به يرتبط و يتصل بعضهما إلي بعض ليس يوجد إذا اعتبر الموضوع وحده و لا المحمول وحده و لا إذا اعتبر كل منهما مع غير الآخر فله وجود ثم إن وجوده ليس ثالثا لهما واقعا بينهما مستقلا عنهما و إل احتاج إلي رابطين آخرين يربطانه بالطرفين فكان المفروض ثلاثة خمسة ثم الخمسة تسعة و هلم جرا و هو باطل. فوجوده قائم بالطرفين موجود فيهما غير خارج منهما و لا مستقل بوجه عنهما لا معني له مستقلا بالمفهومية و نسميه الوجود الرابط و ما كان بخلافه كوجود الموضوع و المحمول و هو الذي له معني مستقل بالمفهومية نسميه الوجود المحمولي و الوجود المستقل فإذن الوجود منقسم إلي مستقل و رابط و هو المطلوب و يظهر مما تقدم أولا أن الوجودات الرابطة لا ماهية لها لأن الماهية ما يقال في جواب ما هو فلها لا محالة وجود محمولي ذو معني مستقل بالمفهومية و الرابط ليس كذلك و ثانيا أن تحقق الوجود الرابط بين أمرين يستلزم اتحادا ما بينهما لكونه

*****ص 41*****

واحدا

غير خارج من وجودهم و ثالثا أن الرابط إنما يتحقق في مطابق الهليات المركبة التي تتضمن ثبوت شي ء لشي ء و أما الهليات البسيطة التي لا تتضمن إلا ثبوت الشي ء و هو ثبوت موضوعها فلا رابط في مطابقها إذ لا معني لارتباط الشي ء بنفسه و نسبته إليه

الفصل الثاني: كيفية اختلاف الرابط و المستقل

الفصل الثاني كيفية اختلاف الرابط و المستقل

اختلفوا في أن الاختلاف بين الوجود الرابط و المستقل هل هو اختلاف نوعي بمعني أن الوجود الرابط ذو معني تعلقي لا يمكن تعقله علي الاستقلال و يستحيل أن يسلخ عنه ذلك الشأن فيعود معني اسميا بتوجيه الالتفات إليه بعد ما كان معني حرفيا أو لا اختلاف نوعيا بينهم و الحق هو الثاني لما سيأتي في مرحلة العلة و المعلول أن وجودات المعاليل رابطة بالنسبة إلي عللها و من المعلوم أن منها ما وجوده جوهري و منها ما وجوده عرضي و هي جميعا وجودات محمولية مستقلة تختلف حالها بالقياس إلي عللها و أخذها في نفسها فهي بالنظر إلي عللها وجودات رابطة و بالنظر إلي أنفسها وجودات مستقلة فإذن المطلوب ثابت و يظهر مما تقدم أن المفهوم تابع في استقلاله بالمفهومية و عدمه لوجوده الذي ينتزع منه و ليس له من نفسه إلا الإبهام

*****ص 42*****

الفصل الثالث: من الوجود في نفسه ما هو لغيره و منه ما هو لنفسه

الفصل الثالث من الوجود في نفسه ما هو لغيره و منه ما هو لنفسه

و المراد بكون وجود الشي ء لغيره أن يكون الوجود الذي له في نفسه و هو الذي يطرد عن ماهيته العدم هو بعينه يطرد عدما عن شي ء آخر لا عدم ذاته و ماهيته و إلا كان لوجود واحد ماهيتان و هو كثرة الواحد بل عدما زائدا علي ذاته و ماهيته له نوع مقارنة له كالعلم الذي يطرد به وجوده العدم عن ماهيته الكيفية و يطرد به بعينه عن موضوعه الجهل الذي هو نوع من العدم يقارنه و كالقدرة فإنها كما تطرد عن ماهية نفسها العدم تطرد بعينها عن موضوعها العجز و الدليل علي تحقق هذا القسم وجودات الأعراض فإن كلا منها كما يطرد عن

ماهية نفسه العدم يطرد بعينه عن موضوعه نوعا من العدم و كذلك الصور النوعية الجوهرية فإن له نوع حصول لموادها تكملها و تطرد عنها نقصا جوهريا و هذا النوع من الطرد هو المراد بكون الوجود لغيره و كونه ناعت و يقابله ما كان طاردا لعدم نفسه فحسب كالأنواع التامة الجوهرية كالإنسان و الفرس و يسمي هذا النوع من الوجود وجودا لنفسه فإذن المطلوب ثابت و ذلك ما أردناه و ربما يقسم الوجود لذاته إلي الوجود بذاته و الوجود بغيره و هو بالحقيقة راجع إلي العلية و المعلولية و سيأتي البحث عنهم.

*****ص 43*****

المرحلة الرابعة في المواد الثلاث الوجوب و الإمكان

اشارة

المرحلة الرابعة في المواد الثلاث الوجوب و الإمكان و الامتناع

الفصل الأول في تعريف المواد الثلاث و انحصارها فيه

الفصل الثاني انقسام كل من المواد إلي ما بالذات و ما بالغير و ما بالقياس

الفصل الثالث واجب الوجود ماهيته إنيته

الفصل الرابع واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات

الفصل الخامس في أن الشي ء ما لم يجب لم يوجد

الفصل السادس في معاني الإمكان

الفصل السابع في أن الإمكان اعتبار عقلي و أنه لازم للماهية

الفصل الثامن في حاجة الممكن إلي العلة و ما هي علة احتياجه إليه

الفصل التاسع الممكن محتاج إلي علته بقاء كما أنه محتاج إليها حدوث

خاتمة

المرحلة الرابعة

في المواد الثلاث الوجوب و الإمكان و الامتناع

و البحث عنها في الحقيقة بحث عن انقسام الوجود إلي الواجب و الممكن و البحث عن الممتنع تبعي و فيها تسعة فصول

*****ص 44*****

الفصل الأول: في تعريف المواد الثلاث و انحصارها فيه

الفصل الأول في تعريف المواد الثلاث و انحصارها فيه

كل مفهوم إذا قيس إلي الوجود فإما أن يجب له فهو الواجب أو يمتنع و هو الممتنع أو ل يجب له و لا يمتنع و هو الممكن فإنه إما أن يكون الوجود له ضروريا و هو الأول أو يكون العدم له ضروريا و هو الثاني و إما أن لا يكون شي ء منهما له ضروريا و هو الثالث و أما احتمال كون الوجود و العدم كليهما ضروريين فمرتفع بأدني التفات و هي بينة المعاني لكونها من المعاني العامة التي لا يخلو عن أحدها مفهوم من المفاهيم و لذا كانت لا تعرف إلا بتعريفات دورية كتعريف الواجب بما يلزم من فرض عدمه محال ثم تعريف المحال و هو الممتنع بما يجب أن لا يكون أو ما ليس بممكن و لا واجب و تعريف الممكن بما لا يمتنع

وجوده و عدمه.

الفصل الثاني: انقسام كل من المواد إلي ما بالذات و ما بالغير و ما بالقياس

الفصل الثاني انقسام كل من المواد إلي ما بالذات و ما بالغير و ما بالقياس

كل واحدة من المواد ثلاثة أقسام ما بالذات و ما بالغير و ما بالقياس

*****ص 45*****

إلي الغير إلا الإمكان فلا إمكان بالغير و المراد بما بالذات أن يكون وضع الذات كافيا في تحققه و إن قطع النظر عن كل ما سواه و بما بالغير ما يتعلق بالغير و بم بالقياس إلي الغير أنه إذا قيس إلي الغير كان من الواجب أن يتصف به. فالوجوب بالذات كما في الواجب الوجود تعالي فإن ذاته بذاته يكفي في ضرورة الوجود له من غير حاجة إلي شي ء غيره و الوجوب بالغير كما في الممكن الموجود الواجب وجوده بعلته و الوجوب بالقياس إلي الغير كما في وجود أحد المتضائفين إذا قيس إلي وجود الآخر فإن وجود العلو إذا قيس إليه وجود السفل يأبي إلا أن يكون للسفل وجود فلوجود السفل وجوب بالقياس إلي وجود العلو وراء وجوبه بعلته و الامتناع بالذات كما في المحالات الذاتية كشريك الباري و اجتماع النقيضين و الامتناع بالغير كما في وجود المعلول الممتنع لعدم علته و عدمه الممتنع لوجود علته و الامتناع بالقياس إلي الغير كما في وجود أحد المتضائفين إذا قيس إلي عدم الآخر و في عدمه إذ قيس إلي وجود الآخر و الإمكان بالذات كما في الماهيات الإمكانية فإنها في ذاتها لا تقتضي ضرورة الوجود و لا ضرورة العدم و الإمكان بالقياس إلي الغير كما في الواجبين بالذات المفروضين ففرض وجود أحدهما لا يأبي وجود الآخر و لا عدمه إذ ليس بينهما علية و معلولية و لا هم معلولا علة ثالثة و أما الإمكان بالغير فمستحيل لأنا

إذا فرضنا ممكنا بالغير فهو في ذاته إما واجب بالذات أو ممتنع بالذات أو ممكن بالذات إذ المواد منحصرة في الثلاث و الأولان يوجبان الانقلاب و الثالث يوجب كون اعتبار الإمكان بالغير لغو.

*****ص 46*****

الفصل الثالث: واجب الوجود ماهيته إنيته

الفصل الثالث واجب الوجود ماهيته إنيته

واجب الوجود ماهيته إنيته بمعني أن لا ماهية له وراء وجوده الخاص به و ذلك أنه لو كانت له ماهية و ذات وراء وجوده الخاص به لكان وجوده زائدا علي ذاته عرضيا له و كل عرضي معلل بالضرورة فوجوده معلل و علته إما ماهيته أو غيرها فإن كانت علته ماهيته و العلة متقدمة علي معلولها بالوجود بالضرورة كانت الماهية متقدمة عليه بالوجود و تقدمها عليه إما بهذا الوجود و لازمه تقدم الشي ء علي نفسه و هو محال و إما به وجود آخر و ننقل الكلام إليه و يتسلسل و إن كانت علته غير ماهيته فيكون معلولا لغيره و ذلك ينافي وجوب الوجود بالذات و قد تبين بذلك أن الوجوب بذاته وصف منتزع من حاق وجود الواجب كاشف عن كون وجوده بحتا في غاية الشدة غير مشتمل علي جهة عدمية إذ لو اشتمل علي شي ء من الأعدام حرم الكمال الوجودي الذي في مقابله فكانت ذاته مقيدة بعدمه فلم يكن واجبا بالذات صرفا له كل كمال.

الفصل الرابع: واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جمي

الفصل الرابع واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات

إذ لو كان غير واجب بالنسبة إلي شي ء من الكمالات التي تمكن له بالإمكان العام كان ذا جهة إمكانية بالنسبة إليه فكان خاليا في ذاته عنه متساوية نسبته إلي وجوده و عدمه و معناه تقيد ذاته بجهة عدمية و قد

*****ص 47*****

عرفت في الفصل السابق استحالته.

الفصل الخامس: في أن الشي ء ما لم يجب لم يوجد

الفصل الخامس في أن الشي ء ما لم يجب لم يوجد

و بطلان القول بالأولوية لا ريب أن الممكن الذي يتساوي نسبته إلي الوجود و العدم عقلا يتوقف وجوده علي شي ء يسمي علة و عدمه علي عدمه و هل يتوقف وجود الممكن علي أن يوجب العلة وجوده و هو الوجوب بالغير أو أنه يوجد بالخروج عن حد الاستواء و إن لم يصل إلي حد الوجوب و كذا القول في جانب العدم و هو المسمي بالأولويه و قد قسموها إلي الأولوية الذاتية و هي التي يقتضيها ذات الممكن و ماهيته و غير الذاتية و هي خلافها و قسموا كلا منهما إلي كافية في تحقق الممكن و غير كافية و الأولوية بأقسامها باطلة. أما الأولوية الذاتية فلأن الماهية قبل الوجود باطلة الذات لا شيئية لها حتي تقتضي أولوية الوجود كافية أو غير كافية و بعبارة أخري الماهية من حيث هي ليست إلا هي ل موجودة و لا معدومة و لا أي شي ء آخر و أما الأولوية الغيرية و هي التي تأتي من ناحية العلة فلأنها لما لم تصل إلي حد الوجوب لا يخرج بها الممكن من حد الاستواء و لا يتعين بها له الوجود أو العدم ول ينقطع بها السؤال إنه لم وقع هذا دون ذاك و هو الدليل علي أنه لم تتم بعد للعلة

عليته.

*****ص 48*****

فتحصل أن الترجيح إنما هو بإيجاب العلة وجود المعلول بحيث يتعين له الوجود و يستحيل عليه العدم أو إيجابها عدمه فالشي ء أعني الممكن ما لم يجب لم يوجد. خاتمة ما تقدم من الوجوب هو الذي يأتي الممكن من ناحية علته و له وجوب آخر يلحقه بعد تحقق الوجود أو العدم و هو المسمي بالضرورة بشرط المحمول فالممكن الموجود محفوف بالضرورتين السابقة و اللاحقة.

الفصل السادس: في معاني الإمكان

الفصل السادس في معاني الإمكان

الإمكان المبحوث عنه هاهنا هو لا ضرورة الوجود و العدم بالنسبة إلي الماهية المأخوذة من حيث هي و هو المسمي بالإمكان الخاص و الخاصي و قد يستعمل الإمكان بمعني سلب الضرورة عن الجانب المخالف سواء كان الجانب الموافق ضروريا أو غير ضروري فيقال الشي ء الفلاني ممكن أي ليس بممتنع و هو المستعمل في لسان العامة أعم من الإمكان الخاص و لذا يسمي إمكانا عاميا و عام و قد يستعمل في معني أخص من ذلك و هو سلب الضرورات الذاتية و الوصفية و الوقتية كقولن الإنسان كاتب بالإمكان حيث إن الإنسانية لا تقتضي ضرورة الكتابة و لم يؤخذ في الموضوع وصف يوجب الضرورة و لا وقت كذلك و تحقق الإمكان بهذا المعني في القضية بحسب

*****ص 49*****

الاعتبار العقلي بمقايسة المحمول إلي الموضوع لا ينافي ثبوت الضرورة بحسب الخارج بثبوت العلة و يسمي الإمكان الأخص و قد يستعمل بمعني سلب الضرورة من الجهات الثلاث و الضرورة بشرط المحمول أيضا كقولن زيد كاتب غدا بالإمكان و يختص بالأمور المستقبلة التي لم تتحقق بعد حتي يثبت فيه الضرورة بشرط المحمول و هذا الإمكان إنما يثبت بحسب الظن و الغفلة عن أن كل حادث مستقبل إما واجب أو ممتنع لانتهائه إلي علل موجبة

مفروغ عنها و يسمي الإمكان الاستقبالي و قد يستعمل الإمكان بمعنيين آخرين أحدهما ما يسمي الإمكان الوقوعي و هو كون الشي ء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال أي ليس ممتنعا بالذات أو بالغير و هو سلب الامتناع عن الجانب الموافق كما أن الإمكان العام سلب الضرورة عن الجانب المخالف و ثانيهما الإمكان الاستعدادي و هو كما ذكروه نفس الاستعداد ذاتا و غيره اعتبارا فإن تهيؤ الشي ء لأن يصير شيئا آخر له نسبة إلي الشي ء المستعد و نسبة إلي الشي ء المستعد له فبالاعتبار الأول يسمي استعدادا فيقال مثلا النطفة لها استعداد أن تصير إنسانا و بالاعتبار الثاني يسمي الإمكان الاستعدادي فيقال الإنسان يمكن أن يوجد في النطفة و الفرق بينه و بين الإمكان الذاتي أن الإمكان الذاتي كما سيجي ء اعتبار تحليلي عقلي يلحق الماهية المأخوذة من حيث هي و الإمكان الاستعدادي صفة وجودية تلحق الماهية الموجودة فالإمكان الذاتي يلحق الماهية الإنسانية المأخوذة من حيث هي و الإمكان الاستعدادي يلحق

*****ص 50*****

النطفة الواقعة في مجري تكون الإنسان و لذا كان الإمكان الاستعدادي قابلا للشدة و الضعف فإمكان تحقق الإنسانية في العلقة أقوي منه في النطفة بخلاف الإمكان الذاتي فلا شدة و لا ضعف فيه و لذا أيضا كان الإمكان الاستعدادي يقبل الزوال عن الممكن فإن الاستعداد يزول بعد تحقق المستعد له بالفعل بخلاف الإمكان الذاتي فإنه لازم الماهية هو معها حيثم تحققت و لذا أيضا كان الإمكان الاستعدادي و محله المادة بالمعني الأعم يتعين معه الممكن المستعد له كالإنسانية التي تستعد لها المادة بخلاف الإمكان الذاتي الذي في الماهية فإنه لا يتعين معه لها الوجود أو العدم و الفرق بين الإمكان الاستعدادي و الوقوعي أن الاستعدادي إنما

يكون في الماديات و الوقوعي أعم مورد.

الفصل السابع: في أن الإمكان اعتبار عقلي و أنه لازم ل

الفصل السابع في أن الإمكان اعتبار عقلي و أنه لازم للماهية

أما أنه اعتبار عقلي فلأنه يلحق الماهية المأخوذة عقلا مع قطع النظر عن الوجود و العدم و الماهية المأخوذة كذلك اعتبارية بلا ريب فما يلحق بها بهذا الاعتبار كذلك بلا ريب و هذا الاعتبار العقلي لا ينافي كونها بحسب نفس الأمر إما موجودة أو معدومة و لازمه كونها محفوفة بوجوبين أو امتناعين

*****ص 51*****

و أما كونه لازما للماهية فلأنا إذا تصورنا الماهية من حيث هي مع قطع النظر عن كل م سواها لم نجد معها ضرورة وجود أو عدم و ليس الإمكان إلا سلب الضرورتين فهي بذاته ممكنة و أصل الإمكان و إن كان هذين السلبين لكن العقل يضع لازم هذين السلبين و هو استواء النسبة مكانهما فيعود الإمكان معني ثبوتيا و إن كان مجموع السلبين منفي.

الفصل الثامن: في حاجة الممكن إلي العلة و ما هي علة ا

الفصل الثامن في حاجة الممكن إلي العلة و ما هي علة احتياجه إليه

حاجة الممكن إلي العلة من الضروريات الأولية التي مجرد تصور موضوعها و محمولها كاف في التصديق بها فإن من تصور الماهية الممكنة المتساوية النسبة إلي الوجود و العدم و تصور توقف خروجها من حد الاستواء إلي أحد الجانبين علي أمر آخر يخرجها منه إليه لم يلبث أن يصدق به و هل علة حاجة الممكن إلي العلة هي الإمكان أو الحدوث الحق هو الأول و به قالت الحكماء و استدل عليه بأن الماهية باعتبار وجودها ضرورية الوجود و باعتبار عدمها ضرورية العدم و هاتان الضرورتان بشرط المحمول و ليس الحدوث إلا ترتب إحدي الضرورتين علي الأخري فإنه كون وجود الشي ء بعد عدمه و معلوم أن الضرورة مناط الغني عن السبب و ارتفاع الحاجة فما لم تعتبر الماهية بإمكانها

لم يرتفع الوجوب و لم تحصل الحاجة إلي العلة. برهان آخر إن الماهية لا توجد إلا عن إيجاد من العلة و إيجاد العلة

*****ص 52*****

لها متوقف علي وجوب الماهية المتوقف علي إيجاب العلة و قد تبين مما تقدم و إيجاب العلة متوقف علي حاجة الماهية إليها و حاجة الماهية إليها متوقفة علي إمكانها إذ لو لم تمكن بأن وجبت أو امتنعت استغنت عن العلة بالضرورة فلحاجتها توقف ما علي الإمكان بالضرورة و لو توقفت مع ذلك علي حدوثها و هو وجودها بعد العدم سواء كان الحدوث علة و الإمكان شرطا أو عدمه مانعا أو كان الحدوث جزء علة و الجزء الآخر هو الإمكان أو كان الحدوث شرطا أو عدمه الواقع في مرتبته مانعا فعلي أي حال يلزم تقدم الشي ء علي نفسه بمراتب و كذا لو كان وجوبها أو إيجاب العلة لها هو علة الحاجة بوجه. فلم يبق إلا أن يكون الإمكان وحده علة للحاجة إذ ليس في هذه السلسلة المتصلة المترتبة عقلا قبل الحاجة إلا الماهية و إمكانه و بذلك يندفع ما احتج به بعض القائلين بأن علة الحاجة إلي العلة هو الحدوث دون الإمكان من أنه لو كان الإمكان هو العلة دون الحدوث جاز أن يوجد القديم الزماني و هو الذي لا أول لوجوده و لا آخر له و معلوم أن فرض دوام وجوده يغنيه عن العلة إذ لا سبيل للعدم إليه حتي يحتاج إلي ارتفاعه. وجه الاندفاع أن المفروض أن ذاته هو المنشأ لحاجته و الذات محفوظة مع الوجود الدائم فله علي فرض دوام الوجود حاجة دائمة في ذاته و إن كان مع شرط الوجود له بنحو الضرورة بشرط المحمول مستغنيا عن العلة بمعني

ارتفاع حاجته به و أيضا سيجي ء أن وجود المعلول سواء كان حادثا أو قديما وجود رابط متعلق الذات بعلته غير مستقل دونها فالحاجة إلي العلة ذاتية

*****ص 53*****

ملازمة له.

الفصل التاسع: الممكن محتاج إلي علته بقاء كما أنه مح

الفصل التاسع الممكن محتاج إلي علته بقاء كما أنه محتاج إليها حدوث

و ذلك لأن علة حاجته إلي العلة إمكانه اللازم لماهيته و هي محفوظة معه في حال البقاء كما أنها محفوظة معه في حال الحدوث فهو محتاج إلي العلة حدوثا و بقاء مستفيض في الحالين جميع. برهان آخر أن وجود المعلول كما تكررت الإشارة إليه و سيجي ء بيانه وجود رابط متعلق الذات بالعلة متقوم بها غير مستقل دونها فحاله في الحاجة إلي العلة حدوثا و بقاء واحد و الحاجة ملازمة و قد استدلوا علي استغناء الممكن عن العلة في حال البقاء بأمثلة عامية كمثال البناء و البناء حيث إن البناء يحتاج في وجوده إلي البناء حتي إذا بناه استغني عنه في بقائه. ورد بأن البناء ليس علة موجدة للبناء بل حركات يده علل معدة لحدوث الاجتماع بين أجزاء البناء و اجتماع الأجزاء علة لحدوث شكل البناء ثم اليبوسة علة لبقائه مدة يعتد به.

خاتمة

خاتمة

قد تبين من الأبحاث السابقة أن الوجوب و الإمكان و الامتناع

*****ص 54*****

كيفيات ثلاث لنسب القضايا و أن الوجوب و الإمكان أمران وجوديان لمطابقة القضاي الموجهة بهما للخارج مطابقة تامة بما لها من الجهة فهما موجودان لكن به وجود موضوعهم لا به وجود منحاز مستقل فهما كسائر المعاني الفلسفية من الوحدة و الكثرة و القدم و الحدوث و القوة و الفعل و غيرها أوصاف وجودية موجودة للموجود المطلق بمعني كون الاتصاف بها في الخارج و عروضها في الذهن و هي المسماة بالمعقولات الثانية باصطلاح الفلسفة و ذهب بعضهم إلي كون الوجوب و الإمكان موجودين في الخارج به وجود منحاز مستقل و لا يعبؤ به هذا في الوجوب و الإمكان و أما الامتناع فهو

أمر عدمي بلا ريب. هذا كله بالنظر إلي اعتبار العقل الماهيات و المفاهيم موضوعات للأحكام و أما بالنظر إلي كون الوجود هو الموضوع لها حقيقة لأصالته فالوجوب كون الوجود في نهاية الشدة قائما بنفسه مستقلا في ذاته علي الإطلاق كما تقدمت الإشارة إليه و الإمكان كونه متعلق النفس بغيره متقوم الذات بسواه كوجود الماهيات فالوجوب و الإمكان وصفان قائمان بالوجود غير خارجين من ذات موضوعهم

*****ص 55*****

المرحلة الخامسة في الماهية و أحكامه

اشارة

المرحلة الخامسة في الماهية و أحكامه

الفصل الأول الماهية من حيث هي ليست إلا هي الماهية

الفصل الثاني في اعتبارات الماهية

الفصل الثالث في معني الذاتي و العرضي

الفصل الرابع في الجنس و الفصل و النوع و بعض ما يلحق بذلك

الفصل الخامس في بعض أحكام الفصل

الفصل السادس في النوع و بعض أحكامه

الفصل السابع في الكلي و الجزئي و نحو وجودهم

الفصل الثامن في تميز الماهيات و تشخصه

المرحلة الخامسة

في الماهية و أحكامه

و فيها ثمانية فصول

*****ص 56*****

الفصل الأول: الماهية من حيث هي ليست إلا هي الماهية

الفصل الأول الماهية من حيث هي ليست إلا هي الماهية

و هي ما يقال في جواب ما هو لما كانت تقبل الاتصاف بأنها موجودة أو معدومة أو واحدة أو كثيرة أو كلية أو فرد و كذا سائر الصفات المتقابلة كانت في حد ذاته مسلوبة عنها الصفات المتقابلة. فالماهية من حيث هي ليست إلا هي لا موجودة و لا لا موجودة و لا شيئا آخر و هذا معني قولهم إن النقيضين يرتفعان عن مرتبة الماهية يريدون به أن شيئا من النقيضين غير مأخوذ في الماهية و إن كانت في الواقع غير خالية عن أحدهما بالضرورة. فماهية الإنسان و هي الحيوان الناطق مثلا و إن كانت إما موجودة و إما معدومة لا يجتمعان و لا يرتفعان لكن شيئا من الوجود و العدم غير مأخوذ فيها فللإنسان معني و لكل من الوجود و العدم معني آخر و كذا الصفات العارضة حتي عوارض الماهية فلماهية الإنسان مثلا معني و للإمكان العارض لها معني آخر و للأربعة مثلا معني و للزوجية العارضة له معني آخر و محصل القول إن الماهية يحمل عليها بالحمل الأولي نفسها و يسلب عنها بحسب هذا الحمل ما وراء ذلك.

*****ص 57*****

الفصل الثاني: في اعتبارات الماهية

الفصل الثاني في اعتبارات الماهية

و ما يلحق بها من المسائل للماهية بالإضافة إلي ما عداها مما يتصور لحوقه بها ثلاث اعتبارات إما أن تعتبر بشرط شي ء أو بشرط لا أو لا بشرطي شي ء و القسمة حاصرة أما الأول فإن تؤخذ بما هي مقارنة لما يلحق بها من الخصوصيات فتصدق علي المجموع كالإنسان المأخوذ مع خصوصيات زيد فيصدق عليه و أما الثاني فإن يشترط معها أن لا يكون معها غيرها و هذا يتصور علي قسمين أحدهما أن

يقصر النظر في ذاتها و أنها ليست إلا هي و هو المراد من كون الماهية بشرط لا في مباحث الماهية كما تقدم و ثانيهما أن تؤخذ الماهية وحدها بحيث لو قارنها أي مفهوم مفروض كان زائدا عليها غير داخل فيها فتكون إذا قارنها جزء من المجموع مادة له غير محمولة عليه و أما الثالث فأن لا يشترط معها شي ء بل تؤخذ مطلقة مع تجويز أن يقارنها شي ء أو ل يقارنه. فالقسم الأول هو الماهية بشرط شي ء و تسمي المخلوطة و القسم الثاني هو الماهية بشرط لا و تسمي المجردة و القسم الثالث هو الماهية لا بشرط و تسمي المطلقة و الماهية التي هي المقسم للأقسام الثلاثة هي الكلي الطبيعي

*****ص 58*****

و هي التي تعرضها الكلية في الذهن فتقبل الانطباق علي كثيرين و هي موجودة في الخارج لوجود قسمين من أقسامها أعني المخلوطة و المطلقة فيه و المقسم محفوظ في أقسامه موجود به وجوده و الموجود منها في كل فرد غير الموجود منها في فرد آخر بالعدد و لو كان واحدا موجود بوحدته في جميع الأفراد لكان الواحد كثيرا بعينه و هو محال و كان الواحد بالعدد متصف بصفات متقابلة و هو محال.

الفصل الثالث: في معني الذاتي و العرضي

الفصل الثالث في معني الذاتي و العرضي

المعاني المعتبرة في الماهيات المأخوذة في حدودها و هي التي ترتفع الماهية بارتفاعه تسمي الذاتيات و ما وراء ذلك عرضيات محمولة فإن توقف انتزاعها و حملها علي انضمام سميت محمولات بالضميمة كانتزاع الحار و حملها علي الجسم من انضمام الحرارة إليه و إل فالخارج المحمول كالعالي و السافل و الذاتي يميز من غيره بوجوه من خواصه منها أن الذاتيات بينة لا تحتاج في ثبوتها لذي الذاتي إلي وسط

و منها أنها غنية عن السبب بمعني أنها لا تحتاج إلي سبب وراء سبب ذي الذاتي فعله وجود الماهية بعينها علة أجزائها الذاتية و منها أن الأجزاء الذاتية متقدمة علي ذي الذاتي و الإشكال في تقدم الأجزاء علي الكل بأن الأجزاء هي الكل بعينه فكيف تتقدم علي نفسه مندفع بأن الاعتبار مختلف فالأجزاء بالأسر متقدمة علي الأجزاء بوصف الاجتماع و الكلية علي أنها إنم

*****ص 59*****

سميت أجزاء لكون الواحد منها جزءا من الحد و إلا فالواحد منها عين الكل أعني ذي الذاتي.

الفصل الرابع: في الجنس و الفصل و النوع و بعض ما يلحق بذلك

الفصل الرابع في الجنس و الفصل و النوع و بعض ما يلحق بذلك

الماهية التامة التي لها آثار خاصة حقيقية من حيث تمامها تسمي نوعا كالإنسان و الفرس. ثم إنا نجد بعض المعاني الذاتية التي في الأنواع يشترك فيه أكثر من نوع واحد كالحيوان المشترك بين الإنسان و الفرس و غيرهما كما أن فيها ما يختص بنوع كالناطق المختص بالإنسان و يسمي المشترك فيه جنسا و المختص فصلا و ينقسم الجنس و الفصل إلي قريب و بعيد و أيضا ينقسم الجنس و النوع إلي عال و متوسط و سافل و قد فصل ذلك في المنطق ثم إن إذا أخذنا ماهية الحيوان مثلا و هي مشترك فيها أكثر من نوع و عقلناها بأنها جسم نام حساس متحرك بالإرادة جاز أن نعقلها وحدها بحيث يكون كل ما يقارنها من المفاهيم زائدا عليها خارجا من ذاتها و تكون هي مباينة للمجموع غير محمولة عليه كما أنها غير محمولة علي المقارن الزائد كانت الماهية المفروضة مادة بالنسبة إلي ما يقارنها و علة مادية للمجموع و جاز أن نعقلها مقيسة إلي عدة من الأنواع كان نعقل ماهية الحيوان بأنها الحيوان

الذي هو إما إنسان و إما فرس و إما بقر و إما غنم فتكون ماهية ناقصة غير محصلة حتي ينضم إليها فصل أحد تلك الأنواع فيحصلها نوعا تاما فتكون هي ذلك النوع بعينه و تسمي الماهية المأخوذة بهذا الاعتبار جنسا و الذي يحصله فصل.

*****ص 60*****

و الاعتباران في الجزء المشترك جاريان بعينهما في الجزء المختص و يسمي بالاعتبار الأول صورة و يكون جزءا لا يحمل علي الكل و لا علي الجزء الآخر و بالاعتبار الثاني فصلا يحصل الجنس و يتمم النوع و يحمل عليه حملا أولي و يظهر مما تقدم أولا أن الجنس هو النوع مبهما و أن الفصل هو النوع محصلا و النوع هو الماهية التامة من غير نظر إلي إبهام أو تحصيل و ثانيا أن كلا من الجنس و الفصل محمول علي النوع حملا أوليا و أما النسبة بينهم أنفسهما فالجنس عرض عام بالنسبة إلي الفصل و الفصل خاصة بالنسبة إليه و ثالثا أن من الممتنع أن يتحقق جنسان في مرتبة واحدة و كذا فصلان في مرتبة واحدة لنوع لاستلزام ذلك كون نوع واحد نوعين و رابعا أن الجنس و المادة متحدان ذاتا مختلفان اعتبارا فالمادة إذا أخذت لا بشرط كانت جنسا كما أن الجنس إذا أخذ بشرط لا كان مادة و كذا الصورة فصل إذا أخذت لا بشرط كما أن الفصل صورة إذا أخذ بشرط ل و اعلم أن المادة في الجواهر المادية موجودة في الخارج علي ما سيأتي و أما الأعراض فهي بسيطة غير مركبة في الخارج ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز و إنما العقل يجد فيها مشتركات و مختصات فيعتبرها أجناسا و فصولا ثم يعتبرها بشرط لا فتصير

مواد و صورا عقلية.

*****ص 61*****

الفصل الخامس: في بعض أحكام الفصل

الفصل الخامس في بعض أحكام الفصل

ينقسم الفصل نوع انقسام إلي المنطقي و الاشتقاقي. فالفصل المنطقي هو أخص اللوازم التي تعرض النوع و أعرفها و هو إنما يؤخذ و يوضع في الحدود مكان الفصول الحقيقية لصعوبة الحصول غالبا علي الفصل الحقيقي الذي يقوم النوع كالناطق للإنسان و الصاهل للفرس فإن المراد بالنطق مثلا إما النطق بمعني التكلم و هو من الكيفيات المسموعة و إما النطق بمعني إدراك الكليات و هو عندهم من الكيفيات النفسانية و الكيفية كيفما كانت من الأعراض و العرض لا يقوم الجوهر و كذ الصهيل و لذا ربما كان أخص اللوازم أكثر من واحد فتوضع جميعا موضع الفصل الحقيقي كم يؤخذ الحساس و المتحرك بالإرادة جميعا فصلا للحيوان و لو كان فصلا حقيقيا لم يكن إل واحدا كما تقدم و الفصل الاشتقاقي مبدأ الفصل المنطقي و هو الفصل الحقيقي المقوم للنوع ككون الإنسان ذا نفس ناطقة في الإنسان و كون الفرس ذا نفس صاهلة في الفرس. ثم إن حقيقة النوع هي فصله الأخير و ذلك لأن الفصل المقوم هو محصل نوعه فما أخذ في أجناسه و فصوله الآخر علي نحو الإبهام مأخوذ فيه علي وجه التحصل و يتفرع عليه أن هذية النوع به فنوعية النوع محفوظة به و لو تبدل بعض

*****ص 62*****

أجناسه و كذا لو تجردت صورته التي هي الفصل بشرط لا عن المادة التي هي الجنس بشرط ل بقي النوع علي حقيقة نوعيته كما لو تجردت النفس الناطقة عن البدن. ثم إن الفصل غير مندرج تحت جنسه بمعني أن الجنس غير مأخوذ في حده و إلا احتاج إلي فصل يقومه و ننقل الكلام إليه و يتسلسل بترتب

فصول غير متناهية.

الفصل السادس: في النوع و بعض أحكامه

الفصل السادس في النوع و بعض أحكامه

الماهية النوعية توجد أجزاؤها في الخارج به وجود واحد لأن الحمل بين كل منها و بين النوع أولي و النوع موجود به وجود واحد و أما في الذهن فهي متغايرة بالإبهام و التحصل و لذلك كان كل من الجنس و الفصل عرضيا للآخر زائدا عليه كما تقدم و من هنا ما ذكروا أنه لا بد في المركبات الحقيقية أي الأنواع المادية المؤلفة من مادة و صورة أن يكون بين أجزائها فقر و حاجة من بعضها إلي بعض حتي ترتبط و تتحد حقيقة واحدة و قد عدوا المسألة ضرورية لا تفتقر إلي برهان و يمتاز المركب الحقيقي من غيره بالوحدة الحقيقية و ذلك بأن يحصل من تألف الجزئين مثلا أمر ثالث غير كل واحد منهما له آثار خاصة غير آثارهما الخاصة كالأمور المعدنية التي لها آثار خاصة غير آثار عناصرها ل

*****ص 63*****

كالعسكر المركب من أفراد و البيت المؤلف من اللبن و الجص و غيرهم و من هنا أيضا يترجح القول بأن التركيب بين المادة و الصورة اتحادي لا انضمامي كم سيأتي. ثم إن من الماهيات النوعية ما هي كثيرة الأفراد كالأنواع التي لها تعلق ما بالمادة مثل الإنسان و منها ما هو منحصر في فرد كالأنواع المجردة تجردا تاما من العقول و ذلك لأن كثرة أفراد النوع إما أن تكون تمام ماهية النوع أو بعضها أو لازمة لها و علي جميع هذه التقادير لا يتحقق لها فرد لوجوب الكثرة في كل ما صدقت عليه و لا كثرة إل مع الآحاد هذا خلف و إما أن تكون لعرض مفارق يتحقق بانضمامه و عدم انضمامه الكثرة و من الواجب

حينئذ أن يكون في النوع إمكان العروض و الانضمام و لا يتحقق ذلك إلا بمادة كم سيأتي فكل نوع كثير الأفراد فهو مادي و ينعكس إلي أن ما لا مادة له و هو النوع المجرد ليس بكثير الأفراد و هو المطلوب.

الفصل السابع: في الكلي و الجزئي و نحو وجودهم

الفصل السابع في الكلي و الجزئي و نحو وجودهم

ربما ظن أن الكلية و الجزئية إنما هما في نحو الإدراك فالإدراك الحسي لقوته يدرك الشي ء بنحو يمتاز من غيره مطلقا و الإدراك العقلي لضعفه يدركه بنحو لا يمتاز مطلق و يقبل الانطباق علي أكثر من واحد كالشبح المرئي من

*****ص 64*****

بعيد المحتمل أن يكون هو زيدا أو عمرا أو خشبة منصوبة أو غير ذلك و هو أحدها قطع و كالدرهم الممسوح القابل الانطباق علي دراهم مختلفة و يدفعه أن لازمه أن لا يصدق المفاهيم الكلية كالإنسان مثلا علي أزيد من واحد من أفرادها حقيقة و أن يكذب القوانين الكلية المنطبقة علي مواردها اللا متناهية إلا في واحد منها كقولنا الأربعة زوج و كل ممكن فلوجوده علة و صريح الوجدان يبطله فالحق أن الكلية و الجزئية نحوان من وجود الماهيات.

الفصل الثامن: في تميز الماهيات و تشخصه

الفصل الثامن في تميز الماهيات و تشخصه

تميز ماهية من ماهية أخري بينونتها منها و مغايرتها لها بحيث لا تتصادقان كتميز الإنسان من الفرس باشتماله علي الناطق و التشخص كون الماهية بحيث يمتنع صدقها علي كثيرين كتشخص الإنسان الذي هو زيد و من هنا يظهر أولا أن التميز و صف إضافي للماهية بخلاف التشخص فإنه نفسي غير إضافي و ثانيا أن التميز لا ينافي الكلية فإن انضمام كلي إلي كلي لا يوجب الجزئية ول ينتهي إليها و إن تكرر بخلاف التشخص. ثم إن التميز بين ماهيتين إما بتمام ذاتيهما كالأجناس العالية البسيطة إذ لو كان بين جنسين عاليين مشترك ذاتي كان جنسا لهما واقعا فوقهما و قد فرضا جنسين عاليين هذ خلف و إما ببعض الذات و هذا فيما كان بينهما جنس مشترك فتتمايزان

*****ص 65*****

بفصلين كالإنسان و الفرس و

إما بالخارج من الذات و هذا فيما إذا اشتركتا في الماهية النوعية فتتمايزان بالأعراض المفارقة كالإنسان الطويل المتميز بطوله من الإنسان القصير و هاهنا قسم رابع أثبته من جوز التشكيك في الماهية و هو اختلاف نوع واحد بالشدة و الضعف و التقدم و التأخر و غيرها في عين رجوعها إلي ما به الاشتراك و الحق أن لا تشكيك إلا في حقيقة الوجود و فيها يجري هذا القسم من الاختلاف و التمايز و أما التشخص فهو في الأنواع المجردة من لوازم نوعيتها لما عرفت أن النوع المجرد منحصر في فرد و هذا مرادهم بقولهم إنها مكتفية بالفاعل توجد بمجرد إمكانها الذاتي و في الأنواع المادية كالعنصريات بالأعراض اللاحقة و عمدتها الأين و متي و الوضع و هي تشخص النوع بلحوقها به في عرض عريض بين مبدإ تكونه إلي منتهاه كالفرد من الإنسان الواقع بين حجم كذا و حجم كذا و مبدأ زماني كذا إلي مبدإ زماني كذا و علي هذا القياس هذا هو المشهور عندهم و الحق كما ذهب إليه المعلم الثاني و تبعه صدر المتألهين أن التشخص بالوجود لأن انضمام الكلي إلي الكلي لا يفيد الجزئية فما سموها أعراضا مشخصة هي من لوازم التشخص و أماراته.

*****ص 67*****

المرحلة السادسة في المقولات العشر

اشارة

المرحلة السادسة في المقولات العشر

الفصل الأول تعريف الجوهر و العرض عدد المقولات

الفصل الثاني في أقسام الجوهر

الفصل الثالث في الجسم

الفصل الرابع في إثبات المادة الأولي و الصورة الجسمية

الفصل الخامس في إثبات الصور النوعية

الفصل السادس في تلازم المادة و الصورة

الفصل السابع في أن كلا من المادة و الصورة محتاجة إلي الأخري

الفصل الثامن النفس و العقل موجودان

الفصل التاسع في الكم و انقساماته و خواصه

الفصل العاشر في الكيف

الفصل الحادي عشر في المقولات

النسبية

المرحلة السادسة

في المقولات العشر و هي الأجناس العالية التي إليها تنتهي أنواع الماهيات

و فيها أحد عشر فصل

*****ص 68*****

الفصل الأول: تعريف الجوهر و العرض عدد المقولات

الفصل الأول تعريف الجوهر و العرض عدد المقولات

تنقسم الماهية انقساما أوليا إلي جوهر و عرض فإنها إما أن تكون بحيث إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها في وجوده سواء وجدت لا في موضوع أصلا كالجواهر العقلية القائمة بنفسها أو وجدت في موضوع لا يستغني عنها في وجوده كالصور العنصرية المنطبعة في المادة المتقومة بها و إما أن تكون بحيث إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع مستغن عنها كماهية القرب و البعد بين الأجسام و كالقيام و القعود و الاستقبال و الاستدبار من الإنسان و وجود القسمين في الجملة ضروري فمن أنكر وجود الجوهر لزمه جوهرية الأعراض فقال به وجوده من حيث لا يشعر و الأعراض تسعة هي المقولات و الأجناس العالية و مفهوم العرض عرض عام لها لا جنس فوقه كما أن المفهوم من الماهية عرض عام لجميع المقولات العشر و ليس بجنس له و المقولات التسع العرضية هي الكم و الكيف و الأين و متي

*****ص 69*****

و الوضع و الجدة و الإضافة و أن يفعل و أن ينفعل هذا ما عليه المشاءون من عدد المقولات و مستندهم فيه الاستقراء و ذهب بعضهم إلي أنها أربع بجعل المقولات النسبية و هي المقولات السبع الأخيرة واحدة و ذهب شيخ الإشراق إلي أنها خمس و زاد علي هذه الأربعة الحركة و الأبحاث في هذه المقولات و انقساماتها إلي الأنواع المندرجة تحتها طويلة الذيل جد و نحن نلخص القول علي ما هو المشهور من مذهب المشائين مع إشارات إلي غيره.

الفصل الثاني: في أقسام الجوهر

الفصل الثاني في أقسام الجوهر

قسموا الجوهر تقسيما أوليا إلي خمسة أقسام المادة و الصورة و الجسم و النفس و العقل و مستند هذا التقسيم

في الحقيقة استقراء ما قام علي وجوده البرهان من الجواهر فالعقل هو الجوهر المجرد عن المادة ذاتا و فعلا و النفس هي الجوهر المجرد عن المادة ذات المتعلق بها فعلا و المادة هي الجوهر الحامل للقوة و الصورة الجسمية هي الجوهر المفيد لفعلية المادة من حيث الامتدادات الثلاث و الجسم هو الجوهر الممتد في جهاته الثلاث و دخول الصورة الجسمية في التقسيم دخول بالعرض لأن الصورة هي الفصل مأخوذا بشرط ل و فصول الجواهر غير مندرجة تحت مقولة الجوهر

*****ص 70*****

و إن صدق عليها الجوهر كما عرفت في بحث الماهية و يجري نظير الكلام في النفس.

الفصل الثالث: في الجسم

الفصل الثالث في الجسم

لا ريب أن هناك أجساما مختلفة تشترك في أصل الجسمية التي هي الجوهر الممتد في الجهات الثلاث فالجسم بما هو جسم قابل للانقسام في جهاته المفروضة و له وحدة اتصالية عند الحس فهل هو متصل واحد في الحقيقة كما هو عند الحس أو مجموعة أجزاء ذات فواصل علي خلاف ما عند الحس و علي الأول فهل الأقسام التي له بالقوة متناهية أو غير متناهية و علي الثاني فهل الأقسام التي هي بالفعل و هي التي انتهي التجزي إليها لا تقبل الانقسام خارجا لكن تقبله و هما و عقلا لكونها أجساما صغارا ذوات حجم أو أنها لا تقبل الانقسام لا خارج و لا و هما و لا عقلا لعدم اشتمالها علي حجم و إنما تقبل الإشارة الحسية و هي متناهية أو غير متناهية و لكل من الشقوق المذكورة قائل. فالأقوال خمسة الأول إن الجسم متصل واحد بحسب الحقيقة كما هو عند الحس و له أجزاء بالقوة متناهية و نسب إلي الشهرستاني.

*****ص 71*****

الثاني أنه متصل حقيقة كما هو متصل

حسا و هو منقسم انقسامات غير متناهية بمعني ل يقف أي أنه يقبل الانقسام الخارجي بقطع أو باختلاف عرضين و نحوه حتي إذا لم يعمل الآلات القطاعة في تقسيمه لصغره قسمة الوهم حتي إذا عجز عن تصوره لصغره البالغ حكم العقل كليا بأنه كلما قسم إلي أجزاء كان الجزء الحاصل لكونه ذا حجم له طرف غير طرف يقبل القسمة من غير وقوف فإن ورود القسمة لا يعدم الحجم و نسب إلي الحكماء. الثالث أنه مجموعة أجزاء صغار صلبه لا تخلو من حجم يقبل القسمة الوهمية و العقلية دون الخارجية و نسب إلي ذي مقراطيس. الرابع أنه مؤلف من أجزاء لا تتجزأ لا خارجا و لا و هما و لا عقلا و إنما تقبل الإشارة الحسية و هي متناهية ذوات فواصل في الجسم تمر الآلة القطاعة من مواضع الفصل و نسب إلي جمهور المتكلمين. الخامس تأليف الجسم منها كما في القول الرابع إلا أنها غير متناهية و يدفع القولين الرابع و الخامس أن ما ادعي من الأجزاء التي لا تتجزأ إن لم تكن ذوات حجم امتنع أن يتحقق من اجتماعها جسم ذو حجم بالضرورة و إن كانت ذوات حجم لزمها الانقسام الوهمي و العقلي بالضرورة و إن فرض عدم انقسامها الخارجي لنهاية صغره. علي أنها لو كانت غير متناهية كان الجسم المتكون من اجتماعها غير متناهي الحجم بالضرورة و قد أقيمت علي بطلان الجزء الذي لا يتجزي وجوه من البراهين مذكورة في المطولات و يدفع القول الثاني و هن الوجوه التي أقيمت علي كون الجسم البسيط ذا اتصال واحد جوهري من غير فواصل كما هو عند الحس و قد

*****ص 72*****

تسلم علماء الطبيعة أخيرا بعد تجربات علمية

ممتدة أن الأجسام مؤلفة من أجزاء صغار ذرية مؤلفة من أجزاء أخري لا تخلو من نواة مركزية ذات جرم و ليكن أصلا موضوعا لن و يدفع القول الأول أنه يرد عليه ما يرد علي القول الثاني و الرابع و الخامس لجمعه بين القول باتصال الجسم بالفعل و بين انقسامه بالقوة إلي أجزاء متناهية تقف القسمة دونه علي الإطلاق. فالجسم الذي هو جوهر ذو اتصال يمكن أن يفرض فيه الامتدادات الثلاث ثابت لا ريب فيه لكن مصداقه الأجزاء الأولية التي يحدث فيها الامتداد الجرمي و إليها تتجزأ الأجسام النوعية دون غيرها علي ما تقدمت الإشارة إليه و هو قول ذي مقراطيس مع إصلاح م.

الفصل الرابع: في إثبات المادة الأولي و الصورة الجسمي

الفصل الرابع في إثبات المادة الأولي و الصورة الجسمية

إن الجسم من حيث هو جسم و نعني به ما يحدث فيه الامتداد الجرمي أولا و بالذات أمر بالفعل و من حيث ما يمكن أن يلحق به شي ء من الصور النوعية و لواحقها أمر بالقوة و حيثية الفعل غير حيثية القوة لأن الفعل متقوم بالوجدان و القوة متقومة بالفقدان ففيه جوهر هو قوة الصور الجسمانية بحيث إنه ليس له من الفعلية إلا فعلية أنه قوة محضة و هذا نحو وجودها و الجسمية التي بها الفعلية صورة مقومة لها فتبين أن الجسم مؤلف من مادة و صورة جسمية و المجموع المركب منهما هو الجسم

*****ص 73*****

تتمة فهذه هي المادة الشائعة في الموجودات الجسمانية جميعا و تسمي المادة الأولي و الهيولي الأولي. ثم هي مع الصورة الجسمية مادة قابلة للصور النوعية اللاحقة و تسمي المادة الثانية.

الفصل الخامس: في إثبات الصور النوعية

الفصل الخامس في إثبات الصور النوعية

الأجسام الموجودة في الخارج تختلف اختلافا بينا من حيث الأفعال و الآثار و هذه الأفعال لها مبدأ جوهري لا محالة و ليس هو المادة الأولي لأن شأنها القبول و الانفعال دون الفعل و لا الجسمية المشتركة لأنها واحدة مشتركة و هذه الأفعال كثيرة مختلفة فله مباد مختلفة و لو كانت هذه المبادي أعراضا مختلفة وجب انتهاؤها إلي جواهر مختلفة و ليست هي الجسمية لما سمعت من اشتراكها بين الجميع فهي جواهر متنوعة تتنوع به الأجسام تسمي الصور النوعية.

تتمة

أول ما تتنوع الجواهر المادية بعد الجسمية المشتركة إنما هو بالصور النوعية التي تتكون بها العناصر ثم العناصر مواد لصور أخري تلحق بها و كان القدماء من علماء الطبيعة يعدون العناصر أربعا و أخذ الإلهيون ذلك أصل

*****ص 74*****

موضوعا و قد أنهاها

الباحثون أخيرا إلي ما يقرب من مائة و بضع عنصر.

الفصل السادس: في تلازم المادة و الصورة

الفصل السادس في تلازم المادة و الصورة

المادة الأولي و الصورة متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخري. أما أن المادة لا تتعري عن الصورة فلأن المادة الأولي حقيقتها أنها بالقوة من جميع الجهات فلا توجد إلا متقومة بفعلية جوهرية متحدة بها إذ لا تحقق لموجود إلا بفعلية و الجوهر الفعلي الذي هذا شأنه هو الصورة فإذن المطلوب ثابت.

و أما أن الصور التي من شأنها أن تقارن المادة لا تتجرد عنها فلأن شيئا من الأنواع التي ينالها الحس و التجربة لا يخلو من قوة التغير و إمكان الانفعال و هذا أصل موضوع مأخوذ من العلوم الطبيعية و ما فيه القوة و الإمكان لا يخلو من مادة فإذن المطلوب ثابت.

الفصل السابع: في أن كلا من المادة و الصورة محتاجة الأخري

الفصل السابع في أن كلا من المادة و الصورة محتاجة إلي الأخري

بيان ذلك أما إجمالا فإن التركيب بين المادة و الصورة تركيب حقيقي اتحادي ذو وحدة حقيقية و قد تقدم أن بعض أجزاء المركب الحقيقي محتاج إلي بعض.

*****ص 75*****

و أما تفصيلا فالصورة محتاجة إلي المادة في تعينها فإن الصورة إنما يتعين نوعه باستعداد سابق تتحمله المادة و هي تقارن صورة سابقة و هكذ و أيضا هي محتاجة إلي المادة في تشخصها أي في وجودها الخاص بها من حيث ملازمته للعوارض المسماة بالعوارض المشخصة من الشكل و الوضع و الأين و متي و غيره و أما المادة فهي متوقفة الوجود حدوثا و بقاء علي صورة ما من الصور الواردة عليه تتقوم بها و ليست الصورة علة تامة و لا علة فاعلية لها لحاجتها في تعينها و في تشخصه إلي المادة و العلة الفاعلية إنما تفعل به وجودها الفعلي فالفاعل لوجود المادة جوهر مفارق للمادة من جميع الجهات فهو عقل

مجرد أوجد المادة و هو يستحفظها بالصورة بعد الصورة التي يوجدها في المادة. فالصورة جزء للعلة التامة و شريكة العلة للمادة و شرط لفعلية وجوده و قد شبهوا استبقاء العقل المجرد المادة بصورة ما بمن يستحفظ سقف بيت بأعمدة متبدلة فلا يزال يزيل عمودا و ينصب مكانه آخر.

و اعترض عليه بأنهم ذهبوا إلي كون هيولي عالم العناصر واحدة بالعدد فكون صورة ما و هي واحدة بالعموم شريكة العلة لها يوجب كون الواحد بالعموم علة للواحد بالعدد و هو أقوي وجودا من الواحد بالعموم مع أن العلة يجب أن تكون أقوي من معلوله و لو أغمضنا عن ذلك فلا ريب أن تبدل الصور يستوجب بطلان الصورة السابقة و تحقق حقه في محلها و إذ فرض أن الصورة جزء العلة التامة للمادة فبطلانها يوجب بطلان الكل أعني العلة التامة و يبطل بذلك المادة فأخذ صورة ما شريكة العلة لوجود المادة يؤدي إلي نفي المادة و الجواب أنه سيأتي في مرحلة القوة و الفعل أن تبدل الصور في

*****ص 76*****

الجواهر المادية ليس بالكون و الفساد و بطلان صورة و حدوث أخري بل الصور المتبدلة موجودة به وجود واحد سيال يتحرك الجوهر المادي فيه و كل واحد منها حد من حدود هذه الحركة الجوهرية فهي موجودة متصلة واحدة بالخصوص و إن كانت وحدة مبهمة تناسب إبهام ذات المادة التي هي قوة محضة و قولنا إن صورة ما واحدة بالعموم شريكة العلة للمادة إنما هو باعتبار ما يطرأ عليها من الكثرة بالانقسام.

الفصل الثامن: النفس و العقل موجودان

الفصل الثامن النفس و العقل موجودان

أما النفس و هي الجوهر المجرد من المادة ذاتا المتعلق بها فعلا فلما نجد في النفوس الإنسانية من خاصة العلم و سيأتي في مرحلة

العاقل و المعقول أن الصور العلمية مجردة من المادة موجودة للعالم حاضرة عنده و لو لا تجرد العالم بتنزهه عن القوة و محوضته في الفعلية لم يكن معني لحضور شي ء عنده فالنفس الإنسانية العاقلة مجردة من المادة و هي جوهر لكونها صورة لنوع جوهري و صورة الجوهر جوهر علي ما تقدم و أما العقل فلما سيأتي أن النفس في مرتبة العقل الهيولاني أمر بالقوة بالنسبة إلي الصور المعقولة لها فالذي يفيض عليها الفعلية فيها يمتنع أن يكون نفسها و هي بالقوة و لا أي أمر مادي مفروض فمفيضها جوهر مجرد منزه عن القوة و الإمكان و هو العقل.

*****ص 77*****

و أيضا تقدم أن مفيض الفعلية للأنواع المادية بجعل المادة و الصورة و استحفاظ المادة بالصورة عقل مجرد فالمطلوب ثابت و علي وجودهما براهين كثيرة آخر ستأتي الإشارة إلي بعضه.

خاتمة

من خواص الجوهر أنه لا تضاد فيه لأن من شرط التضاد تحقق موضوع يعتوره الضدان ول موضوع للجوهر.

الفصل التاسع: في الكم و انقساماته و خواصه

الفصل التاسع في الكم و انقساماته و خواصه

الكم عرض يقبل القسمة الوهمية بالذات و قد قسموه قسمة أولية إلي المتصل و المنفصل و المتصل ما يمكن أن يفرض فيه أجزاء بينها حد مشترك و الحد المشترك ما إن اعتبر بداية لأحد الجزءين أمكن أن يعتبر بداية للآخر و إن اعتبر نهاية لأحدهما أمكن أن يعتبر نهاية للآخر كالنقطة بين جزئي الخط و الخط بين جزئي السطح و السطح بين جزئي الجسم التعليمي و الان بين جزئي الزمان و المنفصل ما كان بخلافه كالخمسة مثلا فإنها إن قسمت إلي ثلاثة و اثنين لم يوجد فيه حد مشترك و إلا فإن كان واحدا منها عادت الخمسة أربعة و إن كان واحدا من

خارج عادت ستة هذا خلف.

*****ص 78*****

الثاني أعني المنفصل هو العدد الحاصل من تكرر الواحد و إن كان الواحد نفسه ليس بعدد لعدم صدق حد الكم عليه و قد عدوا كل واحدة من مراتب العدد نوعا علي حدة لاختلاف الخواص و الأول أعني المتصل ينقسم إلي قار و غير قار و القار ما لأجزائه المفروضة اجتماع في الوجود كالخط مثلا و غير القار بخلافه و هو الزمان فإن كل جزء منه مفروض لا يوجد إل و قد انصرم السابق عليه و لما يوجد الجزء اللاحق و المتصل القار علي ثلاثة أقسام جسم تعليمي و هو الكمية السارية في الجهات الثلاث من الجسم الطبيعي المنقسمة فيها و سطح و هو نهاية الجسم التعليمي المنقسمة في جهتين و خط و هو نهاية السطح المنقسمة في جهة واحدة و للقائلين بالخلاء بمعني الفضاء الخالي من كل موجود شاغل يملؤه شك في الكم المتصل القار لكن الشأن في إثبات الخلاء بهذا المعني. تتمة يختص الكم بخواص الأولي أنه لا تضاد بين شي ء من أنواعه لعدم اشتراكها في الموضوع و الاشتراك في الموضوع من شرط التضاد. الثانية قبول القسمة الوهمية بالفعل كما تقدم. الثالثة وجود ما يعده أي يفنيه بإسقاطه منه مرة بعد مرة فالكم المنفصل و هو العدد مبدؤه الواحد و هو عاد لجميع أنواعه مع أن بعض أنواعه عاد لبعض كالإثنين للأربعة و الثلاثة للتسعة و الكم المتصل منقسم ذو أجزاء فالجزء منه يعد الكل. الرابعة المساواة و اللا مساواة و هما خاصتان للكم و تعرضان غيره

*****ص 79*****

بعروضه. الخامسة النهاية و اللا نهاية و هما كسابقتيهم.

الفصل العاشر: في الكيف

الفصل العاشر في الكيف

و هو عرض لا يقبل القسمة و لا النسبة لذاته

و قد قسموه بالقسمة الأولية إلي أربعة أقسام أحدها الكيفيات النفسانية كالعلم و الإرادة و الجبن و الشجاعة و اليأس و الرجاء و ثانيها الكيفيات المختصة بالكميات كالاستقامة و الانحناء و الشكل مما يختص بالكم المتصل و كالزوجية و الفردية في الأعداد مما يختص بالكم المنفصل و ثالثها الكيفيات الاستعدادية و تسمي أيضا القوة و اللا قوة كالاستعداد الشديد نحو الانفعال كاللين و الاستعداد الشديد نحو اللا انفعال كالصلابة و ينبغي أن يعد منه مطلق الاستعداد القائم بالمادة و نسبة الاستعداد إلي القوة الجوهرية التي هي المادة نسبة الجسم التعليمي الذي هو فعلية الامتداد في الجهات الثلاث إلي الجسم الطبيعي الذي فيه إمكانه و رابعها الكيفيات المحسوسة بالحواس الخمس الظاهرة و هي إن كانت سريعة الزوال كحمرة الخجل و صفرة الوجل سميت انفعالات

*****ص 80*****

و إن كانت راسخة كصفرة الذهب و حلاوة العسل سميت انفعاليات و لعلماء الطبيعة اليوم تشكيك في كون الكيفيات المحسوسة موجودة في الخارج علي ما هي عليه في الحس مشروح في كتبهم.

الفصل الحادي عشر: في المقولات النسبية

الفصل الحادي عشر في المقولات النسبية

و هي الأين و متي و الوضع و الجدة و الإضافة و الفعل و الانفعال أما الأين فهو هيئة حاصلة من نسبة الشي ء إلي المكان و أما متي فهو هيئة حاصلة من نسبة الشي ء إلي الزمان و كونه فيه أعم من كونه في نفس الزمان كالحركات أو في طرفه و هو الان كالموجودات الانية الوجود من الاتصال و الانفصال و المماسة و نحوها و أعم أيضا من كونه علي وجه الانطباق كالحركة القطعية أو لا علي وجهه كالحركة التوسطية و أما الوضع فهو هيئة حاصلة من نسبة أجزاء الشي ء بعضها إلي بعض و المجموع إلي

الخارج كالقيام الذي هو هيئة حاصلة للإنسان من نسبة خاصة بين أعضائه نفسها و بينها و بين الخارج من كون رأسه إلي فوق و قدميه إلي تحت و أما الجدة و يقال له الملك فهو هيئة حاصلة من إحاطة شي ء بشي ء بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط سواء كانت الإحاطة إحاطة تامة كالتجلبب أو إحاطة ناقصة كالتقمص و التنعل و أما الإضافة فهي هيئة حاصلة من تكرر النسبة بين شيئين فإن مجرد النسبة لا يوجب إضافة مقولية و إنما تفيدها نسبة الشي ء الملحوظ من حيث

*****ص 81*****

أنه منتسب إلي شي ء هو منتسب إليه لهذا المنتسب كالأب المنسوب من حيث أنه أب لهذ الابن إليه من حيث إنه ابن له و تنقسم الإضافة إلي متشابهة الأطراف كالأخوة و الأخوة و مختلفة الأطراف كالأبوة و البنوة و الفوقية و التحتية و من خواص الإضافة أن المضافين متكافئان وجودا و عدما و فعلا و قوة لا يختلفان من حيث الوجود و العدم و الفعل و القوة.

و اعلم أن المضاف قد يطلق علي نفس الإضافة كالأبوة و البنوة و يسمي المضاف الحقيقي و قد يطلق علي معروضها كالأب و الابن و يسمي المضاف المشهوري و أما الفعل فهو الهيئة الحاصلة من تأثير المؤثر ما دام يؤثر كالهيئة الحاصلة من تسخين المسخن ما دام يسخن و أما الانفعال فهو الهيئة الحاصلة من تأثر المتأثر ما دام يتأثر كالهيئة الحاصلة من تسخن المتسخن ما دام يتسخن و اعتبار التدرج في تعريف الفعل و الانفعال لإخراج الفعل و الانفعال إلا بداعيين كفعل الواجب تعالي بإخراج العقل المجرد من العدم إلي الوجود و انفعال العقل بخروجه من العدم إلي الوجود بمجرد إمكانه الذاتي.

*****ص 83*****

المرحلة السابعة في العلة و المعلول

اشارة

المرحلة

السابعة في العلة و المعلول

الفصل الأول في إثبات العلية و المعلولية و أنهما في الوجود

الفصل الثاني في انقسامات العلة

الفصل الثالث في وجوب المعلول عند وجود العلة

الفصل الرابع قاعدة الواحد

الفصل الخامس في استحالة الدور و التسلسل في العلل

الفصل السادس العلة الفاعلية و أقسامه

الفصل السابع في العلة الغائية

الفصل الثامن في إثبات الغاية

الفصل التاسع في نفي القول بالاتفاق

الفصل العاشر في العلة الصورية و المادية

الفصل الحادي عشر في العلة الجسمانية

الفصل الأول: في إثبات العلية و المعلولية و أنهما في الوجود

الفصل الأول في إثبات العلية و المعلولية و أنهما في الوجود

قد تقدم أن الماهية في ذاتها ممكنة تستوي نسبتها إلي الوجود و العدم و أنها في رجحان أحد الجانبين محتاجة إلي غيرها و عرفت أن القول بحاجتها في رجحان عدمها إلي غيره نوع تجوز و إنما الحاجة في الوجود فلوجودها توقف علي غيره و هذا التوقف لا محالة علي وجود الغير فإن المعدوم من حيث هو معدوم لا شيئية له فهذ الموجود المتوقف عليه في الجملة هو الذي نسميه علة و الماهية المتوقفة عليه في وجودها معلولته. ثم إن المجعول للعلة و الأثر الذي تضعه في المعلول إما أن يكون هو وجوده أو ماهيته أو صيرورة ماهيته موجودة لكن يستحيل أن يكون المجعول هو الماهية لما تقدم أنه اعتبارية و الذي للمعلول من علته أمر أصيل علي أن الذي تستقر فيه حاجة الماهية المعلولة و يرتبط بالعلة هو وجودها لا ذاته.

*****ص 85*****

و يستحيل أن يكون المجعول هو الصيرورة لأنها معني نسبي قائم بطرفيه و من المحال أن يقوم أمر أصيل خارجي بطرفين اعتباريين غير أصيلين فالمجعول من المعلول و الأثر الذي تفيده العلة هو وجوده لا ماهيته و لا صيرورة ماهيته موجودة و هو المطلوب.

الفصل الثاني: في انقسامات العلة

الفصل الثاني في انقسامات العلة

تنقسم العلة إلي تامة و ناقصة فإنها إما أن تشتمل علي جميع ما يتوقف عليه وجود المعلول بحيث لا يبقي للمعلول معها إلا أن يوجد و هي العلة التامة و إما أن تشتمل علي البعض دون الجميع و هي العلة الناقصة و تفترقان من حيث إن العلة التامة يلزم من وجودها وجود المعلول و من عدمها عدمه و العلة الناقصة لا يلزم من وجودها وجود المعلول

و لكن يلزم من عدمها عدمه و تنقسم أيضا إلي الواحدة و الكثيرة و تنقسم أيضا إلي البسيطة و هي ما لا جزء له و المركبة و هي بخلافها و البسيطة إما بسيطة بحسب الخارج كالعقل المجرد و الأعراض و أم بحسب العقل و هي ما لا تركيب فيه خارجا من مادة و صورة و لا عقلا من جنس و فصل و أبسط البسائط ما لم يتركب من وجود و ماهية و هو الواجب عز اسمه و تنقسم أيضا إلي قريبة و بعيدة و القريبة ما لا واسطة بينها و بين معلولها و البعيدة بخلافها كعلة العلة و تنقسم العلة إلي داخلية و خارجية و العلل الداخلية و تسمي أيضا علل القوام هي المادة و الصورة المقومتان للمعلول و العلل الخارجية

*****ص 86*****

و تسمي أيضا علل الوجود و هي الفاعل و الغاية و ربما سمي الفاعل ما به الوجود و الغاية ما لأجله الوجود و تنقسم العلة إلي العلل الحقيقية و المعدات و في تسمية المعدات عللا تجوز فليست علل حقيقية و إنما هي مقربات تقرب المادة إلي إفاضة الفاعل كورود المتحرك في كل حد من حدود المسافة فإنه يقربه إلي الورود في حد يتلوه و كانصرام القطعات الزمانية فإنه يقرب موضوع الحادث إلي فعلية الوجود.

الفصل الثالث: في وجوب المعلول عند وجود العلة

الفصل الثالث في وجوب المعلول عند وجود العلة

التامة و وجوب وجود العلة عند وجود المعلول

إذا كانت العلة التامة موجودة وجب وجود معلولها و إلا جاز عدمه مع وجودها و لازمه تحقق عدمه المعلول لعدم العلة من دون علة و إذا كان المعلول موجودا وجب وجود علته و إلا جاز عدمها مع وجود المعلول و قد تقدم أن العلة سواء كانت

تامة أو ناقصة يلزم من عدمها عدم المعلول و من هنا يظهر أن المعلول لا ينفك وجوده عن وجود علته كما أن العلة التامة لا تنفك عن معلوله. فلو كان المعلول زمانيا موجودا في زمان بعينه كانت علته موجودة واجبة في ذلك الزمان بعينه لأن توقف وجوده علي العلة في ذلك الزمان

*****ص 87*****

فترجيح العلة لوجوده و إفاضتها له في ذلك الزمان و لو كانت العلة موجودة في زمان آخر معدومة في زمان وجود المعلول و الإفاضة قائمة به وجودها كانت مفيضة للمعلول و هي معدومة هذا محال. برهان آخر حاجة الماهية المعلولة إلي العلة ليست إلا حاجة وجودها إلي العلة و ليست الحاجة خارجة من وجودها بمعني أن يكون هناك وجود و حاجة بل هي مستقرة في حد ذات وجوده فوجودها عين الحاجة و الارتباط فهو وجود رابط بالنسبة إلي علته لا استقلال له دونه و هي مقومة له و ما كان هذا شأنه استحال أن يوجد إلا متقوما بعلته معتمدا عليها فعند وجود المعلول يجب وجود علته و هو المطلوب.

الفصل الرابع: قاعدة الواحد

الفصل الرابع قاعدة الواحد

الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد و ذلك أن من الواجب أن يكون بين العلة و معلولها سنخية ذاتية ليست بين الواحد منهما و غير الآخر و إلا جاز كون كل شي ء علة لكل شي ء و كل شي ء معلولا لكل شي ء ففي العلة جهة مسانخة لمعلولها هي المخصصة لصدوره عنها فلو صدرت عن العلة الواحدة و هي

*****ص 88*****

التي ليست لها في ذاتها إلا جهة واحدة معاليل كثيرة بما هي كثيرة متباينة غير راجعة إلي جهة واحدة بوجه من الوجوه لزمه تقرر جهات كثيرة في ذاتها و هي ذات جهة واحدة و

هذا محال و يتبين بذلك أن ما يصدر عنه الكثير من حيث هو كثير فإن في ذاته جهة كثرة و يتبين أيضا أن العلل الكثيرة لا تتوارد علي معلول واحد.

الفصل الخامس: في استحالة الدور و التسلسل في العلل

الفصل الخامس في استحالة الدور و التسلسل في العلل

أما استحالة الدور و هو توقف وجود الشي ء علي ما يتوقف عليه وجوده إما بلا واسطة و هو الدور المصرح و إما بواسطة أو أكثر و هو الدور المضمر فلأنه يستلزم توقف وجود الشي ء علي نفسه و لازمه تقدم الشي ء علي نفسه بالوجود لتقدم وجود العلة علي وجود المعلول بالضرورة و أما استحالة التسلسل و هو ترتب العلل لا إلي نهاية فمن أسد البراهين عليها م أقامه الشيخ في إلهيات الشفاء و محصله أنا إذا فرضنا معلولا و علته و علة علته و أخذن هذه الجملة وجدنا كلا من الثلاثة ذا حكم ضروري يختص به فالمعلول المفروض معلول فقط و علته علة لما بعدها معلولة لما قبلها و علة العلة علة فقط غير معلولة فكان ما هو معلول فقط طرفا و ما هو علة فقط طرفا آخر و كان ما هو علة و معلول معا وسطا بين طرفين ثم إذا فرضنا الجملة أربعة مترتبة كان للطرفين ما تقدم من حكم الطرفين و كان الاثنان الواقعان بين الطرفين مشتركين في حكم الوسط و هو أن لهما العلية و المعلولية مع بالتوسط بين طرفين ثم كلما زدنا في عدد الجملة إلي ما لا نهاية له كان الأمر جاري علي مجري واحد و كان مجموع ما بين

*****ص 89*****

الطرفين و هي العدة التي كل واحد من آحادها علة و معلول معا وسطا له حكمه. فلو فرضنا سلسلة من العلل مترتبة إلي

غير النهاية كان ما وراء المعلول الأخير من الجملة غير المتناهية وسطا لا طرف له و هو محال و هذا البرهان يجري في كل سلسلة مترتبة من العلل التي لا تفارق وجودها وجود المعلول سواء كانت تامة أو ناقصة دون العلل المعدة و يدل علي وجوب تناهي العلل التامة خاصة ما تقدم أن وجود المعلول وجود رابط بالنسبة إلي علته فإنه لو ترتبت العلية و المعلولية في سلسلة غير متناهية من غير أن تنتهي إلي علة غير معلولة كانت وجودات رابطة متحققة من غير وجود نفسي مستقل تقوم به و هو محال و لهم علي استحالة التسلسل حجج أخري مذكورة في المطولات.

الفصل السادس: العلة الفاعلية و أقسامه

الفصل السادس العلة الفاعلية و أقسامه

العلة الفاعلية و هي التي تفيض وجود المعلول و تفعله علي أقسام و قد ذكروا في وجه ضبطها أن الفاعل إما أن يكون له علم بفعله أو لا و الثاني إما أن يلائم فعله طبعه و هو الفاعل بالطبع أو لا يلائم و هو الفاعل بالقسر و الأول و هو الذي له علم بفعله إن لم يكن فعله بإرادته فهو الفاعل بالجبر و إن كان بها فإما أن يكون علمه بفعله في مرتبة فعله بل عين فعله و هو الفاعل بالرضا و إما أن يكون علمه بفعله قبل فعله

*****ص 90*****

و حينئذ إما أن يكون علمه مقرونا بداع زائد و هو الفاعل بالقصد و إما أن لا يكون علمه مقرونا بداع زائد بل يكون نفس العلم فعليا منشأ لصدور المعلول و حينئذ فإما أن يكون علمه زائدا علي ذاته و هو الفاعل بالعناية أو غير زائد علي ذاته و هو الفاعل بالتجلي و الفاعل في ما تقدم إذا نسب

إلي فعله من جهة أنه و فعله فعل لفاعل آخر كان فاعل بالتسخير. فللفاعل أقسام ثمانية أحدها الفاعل بالطبع و هو الذي لا علم له بفعله مع كون الفعل ملائما لطبعه كالنفس في مرتبة القوي البدنية الطبيعية تفعل أفعالها بالطبع. الثاني الفاعل بالقسر و هو الذي لا علم له بفعله و لا فعله ملائم لطبعه كالنفس في مرتبة القوي عند المرض فإن الأفعال تنحرف فيه عن مجري الصحة لعوامل قاسرة. الثالث الفاعل بالجبر و هو ما له علم بفعله و ليس بإرادته كالإنسان يكره علي فعل م لا يريده. الرابع الفاعل بالرضا و هو الذي له إرادة و علمه التفصيلي بالفعل عين الفعل و ليس له قبل الفعل إلا علم إجمالي به بعلمه بذاته كالإنسان يفعل الصور الخيالية و علمه التفصيلي بها عينها و له قبلها علم إجمالي بها بعلمه بذاته و كفاعلية الواجب للأشياء عند الإشراقيين. الخامس الفاعل بالقصد و هو الذي له إرادة و علم بفعله قبل الفعل بداع زائد كالإنسان في أفعاله الاختيارية. السادس الفاعل بالعناية و هو الذي له إرادة و علم سابق علي الفعل زائد علي ذات الفاعل نفس الصورة العلمية منشأ لصدور الفعل من غير داع زائد كالإنسان الواقع علي جذع عال فإنه بمجرد توهم السقوط يسقط علي الأرض و كالواجب في إيجاده علي قول المشائين. السابع الفاعل بالتجلي و هو الذي يفعل الفعل و له علم سابق

*****ص 91*****

تفصيلي به هو عين علمه الإجمالي بذاته كالنفس الإنسانية المجردة فإنها لما كانت الصورة الأخيرة لنوعها كانت علي بساطتها هي المبدأ لجميع كمالاتها و آثارها الواجدة لها في ذاتها و علمها الحضوري بذاتها علم بتفاصيل كمالاتها و إن لم يتميز بعضها

من بعض و كالواجب تعالي بناء علي ما سيجي ء من أن له تعالي علما إجماليا في عين الكشف التفصيلي. الثامن الفاعل بالتسخير و هو الفاعل إذا نسب إليه فعله من جهة أن لنفس الفاعل فاعل آخر إليه يستند هو و فعله فهو فاعل مسخر في فعله كالقوي الطبيعية و النباتية و الحيوانية المسخرة في أفعالها للنفس الإنسانية و كالفواعل الكونية المسخرة للواجب تعالي في أفعاله و في كون الفاعل بالجبر و الفاعل بالعناية مباينين للفاعل بالقصد مباينة نوعية علي م يقتضيه التقسيم كلام.

الفصل السابع: في العلة الغائية

الفصل السابع في العلة الغائية

و هي الكمال الأخير الذي يتوجه إليه الفاعل في فعله. فإن كان لعلم الفاعل دخل في فاعليته كانت الغاية مرادة للفاعل في فعله و إن شئت فقل كان الفعل مرادا له لأجلها و لهذا قيل إن الغاية متقدمة علي الفعل تصورا و متأخرة عنه وجود و إن لم يكن للعلم دخل في فاعلية الفاعل كانت الغاية ما ينتهي إليه الفعل و ذلك أن لكمال الشي ء نسبة ثابتة إليه فهو مقتض لكماله و منعه

*****ص 92*****

من مقتضاه دائما أو في أكثر أوقات وجوده قسر دائمي أو أكثري ينافي العناية الإلهية بإيصال كل ممكن إلي كماله الذي أودع فيه استدعاؤه فلكل شي ء غاية هي كماله الأخير الذي يقتضيه و أما القسر الأقلي فهو شر قليل يتداركه ما بحذائه من الخير الكثير و إنما يقع فيما يقع في نشأة المادة بمزاحمة الأسباب المختلفة.

الفصل الثامن: في إثبات الغاية

الفصل الثامن في إثبات الغاية

فيما يعد لعبا أو جزافا أو باطلا و الحركات الطبيعية و غير ذلك

ربما يظن أن الفواعل الطبيعية لا غاية لها في أفعالها ظنا أن الغاية يجب أن تكون معلومة مرادة للفاعل لكنك عرفت أن الغاية أعم من ذلك و أن للفواعل الطبيعية غاية في أفعالها هي ما ينتهي إليه حركاته و ربما يظن أن كثيرا من الأفعال الاختيارية لا غاية لها كملاعب الصبيان بحركات ل غاية لهم فيها و كاللعب باللحية و كالتنفس و كانتقال المريض النائم من جانب إلي جانب و كوقوف المتحرك إلي غاية عن غايته بعروض مانع يمنعه عن ذلك إلي غير ذلك من الأمثلة و الحق أن شيئا من هذه الأفاعيل لا يخلو عن غاية توضيح ذلك أن في الأفعال الإرادية مبدأ قريبا للفعل

هو القوة العاملة المنبثة في العضلات و مبدأ متوسطا قبله و هو الشوق المستتبع للإرادة و الإجماع و مبدأ بعيدا قبله هو العلم و هو تصور الفعل علي وجه جزئي الذي ربما قارن التصديق بأن

*****ص 93*****

الفعل خير للفاعل و لكل من هذه المبادي الثلاثة غاية و ربما تطابقت أكثر من واحد منها في الغاية و ربم لم يتطابق. فإذا كان المبدأ الأول و هو العلم فكريا كان للفعل الإرادي غاية فكرية و إذا كان تخيلا من غير فكر فربما كان تخيلا فقط ثم تعلق به الشوق ثم حركت العاملة نحوه العضلات و يسمي الفعل عندئذ جزافا كما ربما تصور الصبي حركة من الحركات فيشتاق إليه فيأتي بها و ما انتهت إليه الحركة حينئذ غاية للمبادي كله و ربما كان تخيلا مع خلق و عادة كالعبث باللحية و يسمي عادة و ربما كان تخيلا مع طبيعة كالتنفس أو تخيلا مع مزاج كحركات المريض و يسمي قصدا ضروريا و في كل من هذه الأفعال لمباديها غاياتها و قد تطابقت في أنها ما انتهت إليه الحرة و أما الغاية الفكرية فليس لها مبدأ فكري حتي تكون له غايته و كل مبدإ من هذه المبادي إذا لم يوجد غايته لانقطاع الفعل دون البلوغ إلي الغاية بعروض مانع من الموانع سمي الفعل بالنسبة إليه باطلا و انقطاع الفعل بسبب مانع يحول بينه و بين الوصول إلي الغاية غير كون الفاعل لا غاية له في فعله.

الفصل التاسع: في نفي القول بالاتفاق

الفصل التاسع في نفي القول بالاتفاق

و هو انتفاء الرابطة بين ما يعد غاية للأفعال و بين العلل الفاعلية

ربما يظن أن من الغايات المترتبة علي الأفعال ما هي غير مقصودة

*****ص 94*****

لفاعلها و لا مرتبطة به و

مثلوا له بمن يحفر بئرا ليصل إلي الماء فيعثر علي كنز و العثور علي الكنز ليس غاية لحفر البئر مرتبطة به و يسمي هذا النوع من الاتفاق بخت سعيدا و بمن يأوي إلي بيت ليستظل فينهدم عليه فيموت و يسمي هذا النوع من الاتفاق بخت شقي و علي ذلك بني بعض علماء الطبيعة كينونة العالم فقال إن عالم الأجسام مركبة من أجزاء صغار ذرية مبثوثة في خلاء غير متناه و هي دائمة الحركة فاتفق أن تصادمت جملة منه فاجتمعت فكانت الأجسام فما صلح للبقاء بقي و ما لم يصلح لذلك فني سريعا أو بطيئ و الحق أن لا اتفاق في الوجود و لنقدم لتوضيح ذلك مقدمة هي أن الأمور الكائنة يمكن أن تتصور علي وجوه أربعة منها ما هو دائمي الوجود و منها ما هو أكثري الوجود و منها م يحصل بالتساوي كقيام زيد و قعوده مثلا و منها ما يحصل نادرا و علي الأقل كوجود الإصبع الزائد في الإنسان و الأمر الأكثري الوجود يفارق الدائمي الوجود به وجود معارض يعارضه في بعض الأحيان كعدد أصابع اليد فإنها خمسة علي الأغلب و ربما أصابت القوة المصورة للإصبع مادة زائدة صالحة لصورة الإصبع فصورتها إصبعا و من هنا يعلم أن كون الأصابع خمسة مشروط بعدم مادة زائدة و أن الأمر بهذا الشرط دائمي الوجود لا أكثريه و أن الأقلي الوجود مع اشتراط المعارض المذكور أيضا دائمي الوجود لا أقليه و إذا كان الأكثري و الأقلي دائميين بالحقيقة فالأمر في المساوي ظاهر فالأمور كلها دائمية الوجود جارية علي نظام ثابت لا يختلف و لا يتخلف و إذا كان كذلك فلو فرض أمر كمالي مترتب علي فعل فاعل

ترتبا دائميا لا يختلف ول يتخلف حكم العقل حكما ضروريا فطريا به وجود رابطة وجودية بين الأمر الكمالي المذكور و بين فعل الفاعل رابطة تقضي بنوع من الاتحاد الوجودي بينهما ينتهي إليه قصد الفاعل لفعله و هذا هو الغاية.

*****ص 95*****

و لو جاز لنا أن نرتاب في ارتباط غايات الأفعال بفواعلها مع ما ذكر من دوام الترتب جاز لنا أن نرتاب في ارتباط الأفعال بفواعلها و توقف الحوادث و الأمور علي علة فاعلية إذ ليس هناك إلا ملازمة وجودية و ترتب دائمي و من هنا ما أنكر كثير من القائلين بالاتفاق العلة الفاعلية كما أنكر العلة الغائية و حصر العلية في العلة المادية و ستجي ء الإشارة إليه. فقد تبين من جميع ما تقدم أن الغايات النادرة الوجود المعدودة من الاتفاق غايات دائمية ذاتية لعللها و إنما تنسب إلي غيرها بالعرض فالحافر لأرض تحتها كنز يعثر علي الكنز دائما و هو غاية له بالذات و إنما تنسب إلي الحافر للوصول إلي الماء بالعرض و كذا البيت الذي اجتمعت عليه أسباب الانهدام ينهدم علي من فيه دائما و هو غاية للمتوقف فيه بالذات و إنما عدت غاية للمستظل بالعرض فالقول بالاتفاق من الجهل بالسبب.

الفصل العاشر: في العلة الصورية و المادية

الفصل العاشر في العلة الصورية و المادية

أما العلة الصورية فهي الصورة بمعني ما به الشي ء هو هو بالفعل بالنسبة إلي النوع المركب منها و من المادة فإن لوجود النوع توقفا عليها بالضرورة و أما بالنسبة إلي المادة فهي صورة و شريكة العلة الفاعلية علي ما تقدم و قد تطلق الصورة علي معان أخر خارجة من غرضن و أما العلة المادية فهي المادة بالنسبة إلي النوع المركب منها و من الصورة فإن لوجود النوع توقفا

عليها بالضرورة و أما بالنسبة إلي الصورة فهي

*****ص 96*****

مادة قابلة معلولة لها علي ما تقدم و قد حصر قوم من الطبيعيين العلة في المادة و الأصول المتقدمة ترده فإن المادة سواء كانت الأولي أو الثانية حيثيتها القوة و لازمها الفقدان و من الضروري أنه لا يكفي لإعطاء فعلية النوع و إيجادها فلا يبقي للفعلية إلا أن توجد من غير علة و هو محال و أيضا قد تقدم أن الشي ء ما لم يجب لم يوجد و الوجوب الذي هو الضرورة و اللزوم ل مجال لاستناده إلي المادة التي حيثيتها القبول و الإمكان فوراء المادة أمر يوجب الشي ء و يوجده و لو انتفت رابطة التلازم التي إنما تتحقق بين العلة و المعلول أو بين معلولي علة ثالثة و ارتفعت من بين الأشياء بطل الحكم باستتباع أي شي ء لأي شي ء و لم يجز الاستناد إلي حكم ثابت و هو خلاف الضرورة العقلية و للمادة معان أخر غير ما تقدم خارجة من غرضن.

الفصل الحادي: عشر في العلة الجسمانية

الفصل الحادي عشر في العلة الجسمانية

العلل الجسمانية متناهية أثرا من حيث العدة و المدة و الشدة قالوا لأن الأنواع الجسمانية متحركة بالحركة الجوهرية فالطبائع و القوي التي لها منحلة منقسمة إلي حدود و أبعاض كل منها محفوف بالعدمين محدود ذاتا و أثر و أيضا العلل الجسمانية لا تفعل إلا مع وضع خاص بينها و بين المادة قالوا لأنها لم احتاجت في وجودها إلي المادة احتاجت في إيجادها إليها و الحاجة إليها في الإيجاد هي بأن يحصل لها بسببها وضع خاص مع المعلول و لذلك كان للقرب و البعد و الأوضاع الخاصة دخل في تأثير العلل الجسمانية.

*****ص 97*****

المرحلة الثامنة في انقسام الموجود إلي الواحد و الك

اشارة

المرحلة الثامنة في انقسام الموجود إلي الواحد و الكثير

الفصل الأول في معني الواحد و الكثير

الفصل الثاني في أقسام الواحد

الفصل الثالث الهوهوية و هو الحمل

الفصل الرابع تقسيمات للحمل الشائع

الفصل الخامس في الغيرية و التقابل

الفصل السادس في تقابل التضايف

الفصل السابع في تقابل التضاد

الفصل الثامن في تقابل العدم و الملكة

الفصل التاسع في تقابل التناقض

الفصل العاشر في تقابل الواحد و الكثير

الفصل الأول: في معني الواحد و الكثير

الفصل الأول في معني الواحد و الكثير

الحق أن مفهومي الوحدة و الكثرة من المفاهيم العامة التي تنتقش في النفس انتقاش أوليا كمفهوم الوجود و مفهوم الإمكان و نظائرهما و لذا كان تعريفهما بأن الواحد ما ل ينقسم من حيث إنه لا ينقسم و الكثير ما ينقسم من حيث إنه ينقسم تعريفا لفظيا و لو كانا تعريفين حقيقيين لم يخلوا من فساد لتوقف تصور مفهوم الواحد علي تصور مفهوم م ينقسم و هو مفهوم الكثير و توقف تصور مفهوم الكثير علي تصور مفهوم المنقسم الذي هو عينه و بالجملة الوحدة هي حيثية عدم الانقسام و الكثرة حيثية الانقسام.

تنبيه

الوحدة تساوق الوجود مصداقا كما أنها تباينه مفهوما فكل موجود فهو من حيث إنه موجود واحد كما أن كل واحد فهو من حيث إنه واحد موجود فإن قلت انقسام الموجود المطلق إلي الواحد و الكثير يوجب كون الكثير موجودا كالواحد لأنه من أقسام الموجود و يوجب أيض كون الكثير غير الواحد مباينا له لأنهما قسيمان و القسيمان متباينان بالضرورة فبعض

*****ص 99*****

الموجود و هو الكثير من حيث هو كثير ليس بواحد و هو يناقض القول بأن كل موجود فهو واحد. قلت للواحد اعتباران اعتباره في نفسه من دون قياس الكثير إليه فيشمل الكثير فإن الكثير من حيث هو موجود فهو واحد له وجود

واحد و لذا يعرض له العدد فيقال مثلا عشرة واحدة و عشرات و كثرة واحدة و كثرات و اعتباره من حيث يقابل الكثير فيباينه. توضيح ذلك أنا كما نأخذ الوجود تارة من حيث نفسه و وقوعه قبال مطلق العدم فيصير عين الخارجية و حيثية ترتب الآثار و نأخذه تارة أخري فنجده في حال تترتب عليه آثاره و في حال أخري لا تترتب عليه تلك الآثار و إن ترتبت عليه آثار أخري فنعد وجوده المقيس وجودا ذهنيا لا تترتب عليه الآثار و وجوده المقيس عليه وجودا خارجيا تترتب عليه الآثار و لا ينافي ذلك قولنا إن الوجود يساوق العينية و الخارجية و إنه عين ترتب الآثار. كذلك ربما نأخذ مفهوم الواحد بإطلاقه من غير قياس فنجده يساوق الوجود مصداقا فكل م هو موجود فهو من حيث وجوده واحد و نجده تارة أخري و هو متصف بالوحدة في حال و غير متصف بها في حال أخري كالإنسان الواحد بالعدد و الإنسان الكثير بالعدد المقيس إلي الواحد بالعدد فنعد المقيس كثيرا مقابلا للواحد الذي هو قسيمه و لا ينافي ذلك قولنا الواحد يساوق الموجود المطلق و المراد به الواحد بمعناه الأعم المطلق من غير قياس.

الفصل الثاني: في أقسام الواحد

الفصل الثاني في أقسام الواحد

الواحد إما حقيقي و إما غير حقيقي و الحقيقي ما اتصف بالوحدة

*****ص 100*****

بنفسه من غير واسطة في العروض كالإنسان الواحد و غير الحقيقي بخلافه كالإنسان و الفرس المتحدين في الحيوانية و الواحد الحقيقي إما ذات متصفة بالوحدة و إما ذات هي نفس الوحدة الثاني هي الوحدة الحقة كوحدة الصرف من كل شي ء و إذا كانت عين الذات فالواحد و الوحدة فيه شي ء واحد و الأول هو الواحد غير الحق

كالإنسان الواحد و الواحد بالوحدة غير الحقة إما واحد بالخصوص و إما واحد بالعموم و الأول هو الواحد بالعدد و هو الذي يفعل بتكرره العدد و الثاني كالنوع الواحد و الجنس الواحد و الواحد بالخصوص إما أن لا ينقسم من حيث الطبيعة المعروضة للوحدة أيضا كما لا ينقسم من حيث وصف وحدته و إما أن ينقسم و الأول إما نفس مفهوم الوحدة و عدم الانقسام و إم غيره و غيره إما وضعي كالنقطة الواحدة و إما غير وضعي كالمفارق و هو إما متعلق بالمادة بوجه كالنفس و إما غير متعلق كالعقل و الثاني و هو الذي يقبل الانقسام بحسب طبيعته المعروضة إما أن يقبله بالذات كالمقدار الواحد و إما أن يقبله بالعرض كالجسم الطبيعي الواحد من جهة مقداره و الواحد بالعموم إما واحد بالعموم المفهومي و إما واحد بالعموم بمعني السعة الوجودية و الأول إما واحد نوعي كوحدة الإنسان و إما واحد جنسي كوحدة الحيوان و إما واحد عرضي كوحدة الماشي و الضاحك و الواحد بالعموم بمعني السعة الوجودية كالوجود المنبسط و الواحد غير الحقيقي ما اتصف بالوحدة بعرض غيره بأن يتحد نوع اتحاد مع واحد حقيقي كزيد و عمرو فإنهما واحد في الإنسان و الإنسان و الفرس فإنهما واحد في الحيوان و تختلف أسماء الواحد غير الحقيقي

*****ص 101*****

باختلاف جهة الوحدة بالعرض فالوحدة في معني النوع تسمي تماثلا و في معني الجنس تجانسا و في الكيف تشابها و في الكم تساويا و في الوضع توازيا و في النسبة تناسبا و وجود كل من الأقسام المذكورة ظاهر كذا قررو.

الفصل الثالث: الهوهوية و هو الحمل

الفصل الثالث الهوهوية و هو الحمل

من عوارض الوحدة الهوهوية كما أن من عوارض الكثرة الغيرية ثم الهوهوية

هي الاتحاد في جهة ما مع الاختلاف من جهة ما و هذا هو الحمل و لازمه صحة الحمل في كل مختلفين بينهما اتحاد ما لكن التعارف خص إطلاق الحمل علي موردين من الاتحاد بعد الاختلاف. أحدهما أن يتحد الموضوع و المحمول مفهوما و ماهية و يختلفا بنوع من الاعتبار كالاختلاف بالإجمال و التفصيل في قولنا الإنسان حيوان ناطق فإن الحد عين المحدود مفهوما و إنم يختلفان بالإجمال و التفصيل و كالاختلاف بفرض انسلاب الشي ء عن نفسه فتغاير نفسه نفسه ثم يحمل علي نفسه لدفع توهم المغايرة فيقال الإنسان إنسان و يسمي هذا الحمل بالحمل الذاتي الأولي و ثانيهما أن يختلف أمران مفهوما و يتحدا وجودا كقولنا الإنسان ضاحك و زيد قائم و يسمي هذا الحمل بالحمل الشائع

*****ص 102*****

الصناعي.

الفصل الرابع: تقسيمات للحمل الشائع

الفصل الرابع تقسيمات للحمل الشائع

و ينقسم الحمل الشائع إلي حمل هو هو و هو أن يحمل المحمول علي الموضوع بلا اعتبار أمر زائد نحو الإنسان ضاحك و يسمي أيضا حمل المواطاة و حمل ذي هو و هو أن يتوقف اتحاد المحمول مع الموضوع علي اعتبار زائد كتقدير ذي أو الاشتقاق كزيد عدل أي ذو عدل أو عادل و ينقسم أيضا إلي بتي و غير بتي و البتي ما كانت لموضوعه أفراد محققة يصدق عليه عنوانه كالإنسان ضاحك و الكاتب متحرك الأصابع و غير البتي ما كانت لموضوعه أفراد مقدرة غير محققة كقولنا كل معدوم مطلق فإنه لا يخبر عنه و كل اجتماع النقيضين محال و ينقسم أيضا إلي بسيط و مركب و يسميان الهلية البسيطة و الهلية المركبة و الهلية البسيطة ما كان المحمول فيها وجود الموضوع كقولنا الإنسان موجود و المركبة ما كان المحمول فيها أثرا

من آثار وجوده كقولنا الإنسان ضاحك و بذلك يندفع ما استشكل علي قاعدة الفرعية و هي أن ثبوت شي ء لشي ء فرع ثبوت المثبت له بأن ثبوت الوجود للإنسان مثلا في قولنا الإنسان موجود فرع ثبوت الإنسان قبله فله وجود قبل ثبوت الوجود له و تجري فيه قاعدة الفرعية و هلم جرا فيتسلسل.

*****ص 103*****

وجه الاندفاع أن قاعدة الفرعية إنما تجري في ثبوت شي ء لشي ء و مفاد الهلية البسيطة ثبوت الشي ء لا ثبوت شي ء لشي ء فلا تجري فيها القاعدة.

الفصل الخامس: في الغيرية و التقابل

الفصل الخامس في الغيرية و التقابل

قد تقدم أن من عوارض الكثرة الغيرية و هي تنقسم إلي غيرية ذاتية و غير ذاتية و الغيرية الذاتية هي كون المغايرة بين الشي ء و غيره لذاته كالمغايرة بين الوجود و العدم و تسمي تقابلا و الغيرية غير الذاتية هي كون المغايرة لأسباب أخر غير ذات الشي ء كافتراق الحلاوة و السواد في السكر و الفحم و تسمي خلاف و ينقسم التقابل و هو الغيرية الذاتية و قد عرفوه بامتناع اجتماع شيئين في محل واحد من جهة واحدة في زمان واحد إلي أربعة أقسام فإن المتقابلين إما أن يكونا وجوديين أو ل و علي الأول إما أن يكون كل منهما معقولا بالقياس إلي الآخر كالعلو و السفل فهم متضائفان و التقابل تقابل التضايف أو لا يكونا كذلك كالسواد و البياض فهما متضادان و التقابل تقابل التضاد و علي الثاني يكون أحدهما وجوديا و الآخر عدميا إذ لا تقابل بين عدميين و حينئذ إما أن يكون هناك موضوع قابل لكل منهم

*****ص 104*****

كالعمي و البصر و يسمي تقابلهما تقابل العدم و الملكة و إما أن لا يكون كذلك كالنفي و الإثبات و يسميان متناقضين و تقابلهما

تقابل التناقض كذا قررو و من أحكام مطلق التقابل أنه يتحقق بين طرفين لأنه نوع نسبة بين المتقابلين و النسبة تتحق بين طرفين.

الفصل السادس: في تقابل التضايف

الفصل السادس في تقابل التضايف

من أحكام التضايف أن المتضايفين متكافئان وجودا و عدما و قوة و فعلا فإذا كان أحدهم موجودا كان الآخر موجودا بالضرورة و إذا كان أحدهما معدوما كان الآخر معدوم بالضرورة و إذا كان أحدهما بالفعل أو بالقوة كان الآخر كذلك بالضرورة و لازم ذلك أنهما معان لا يتقدم أحدهما علي الآخر لا ذهنا و لا خارج.

الفصل السابع: في تقابل التضاد

الفصل السابع في تقابل التضاد

التضاد علي ما تحصل من التقسيم السابق كون أمرين وجوديين غير

*****ص 105*****

متضائفين متغايرين بالذات أي غير مجتمعين بالذات و من أحكامه أن لا تضاد بين الأجناس العالية من المقولات العشر فإن الأكثر من واحد منها تجتمع في محل واحد كالكم و الكيف و غيرهما في الأجسام و كذا أنواع كل منها مع أنواع غيره و كذا بعض الأجناس المندرجة تحت الواحد منها مع بعض آخر كاللون مع الطعم مثلا فالتضاد بالاستقراء إنما يتحقق بين نوعين أخيرين مندرجين تحت جنس قريب كالسواد و البياض المندرجين تحت اللون كذا قررو و من أحكامه أنه يجب أن يكون هناك موضوع يتواردان عليه إذ لو لا موضوع شخصي مشترك لم يمتنع تحققهما في الوجود كوجود السواد في جسم و البياض في آخر و لازم ذلك أن لا تضاد بين الجواهر إذ لا موضوع لها توجد فيه فالتضاد إنما يتحقق في الأعراض و قد بدل بعضهم الموضوع بالمحل حتي يشمل مادة الجواهر و علي هذا يتحقق التضاد بين الصور الجوهرية الحالة في المادة و من أحكامه أن يكون بينهما غاية الخلاف فلو كان هناك أمور وجودية متغايرة بعضه أقرب إلي بعضها من بعض فالمتضادان هما الطرفان اللذان بينهما غاية البعد و الخلاف كالسواد و البياض الواقع

بينهما ألوان أخري متوسطة بعضها أقرب إلي أحد الطرفين من بعض كالصفرة التي هي أقرب إلي البياض من الحمرة مثل و مما تقدم يظهر معني تعريفهم المتضادين بأنهما أمران وجوديان متواردان علي موضوع واحد داخلان تحت جنس قريب بينهما غاية الخلاف.

*****ص 106*****

الفصل الثامن: في تقابل العدم و الملكة

الفصل الثامن في تقابل العدم و الملكة

و يسمي أيضا تقابل العدم و القنية و هما أمر وجودي لموضوع من شأنه أن يتصف به و عدم ذلك الأمر الوجودي في ذلك الموضوع كالبصر و العمي الذي هو فقد البصر للموضوع الذي من شأنه أن يكون ذا بصر. فإن أخذ موضوع الملكة هو الطبيعة الشخصية أو النوعية أو الجنسية التي من شأنها أن تتصف بالملكة في الجملة من غير تقييد بوقت خاص سميا ملكه و عدما حقيقيين فعدم البصر في العقرب عمي و عدم ملكة لكون جنسه و هو الحيوان موضوعا قابلا للبصر و إن كان نوعه غير قابل له كما قيل و كذا مرودة الإنسان قبل أوان التحائه من عدم الملكة و إن كان صنفه غير قابل للالتحاء قبل أوان البلوغ و إن أخذ الموضوع هو الطبيعة الشخصية و قيد بوقت الاتصاف سميا عدما و ملكة مشهوريين و عليه فقد الأكمه و هو الممسوح العين للبصر و كذا المرودة ليسا من العدم و الملكة في شي ء.

الفصل التاسع: في تقابل التناقض

الفصل التاسع في تقابل التناقض

و هو تقابل الإيجاب و السلب بأن يرد السلب علي نفس ما ورد عليه الإيجاب فهو بحسب الأصل في القضايا و قد يحول مضمون القضية إلي

*****ص 107*****

المفرد فيقال التناقض بين وجود الشي ء و عدمه كما قد يقال نقيض كل شي ء رفعه و حكم النقيضين أعني الإيجاب و السلب أنهما لا يجتمعان معا و لا يرتفعان معا علي سبيل القضية المنفصلة الحقيقية و هي من البديهيات الأولية التي عليها يتوقف صدق كل قضية مفروضة ضرورية كانت أو نظرية إذ لا يتعلق العلم بقضية إلا بعد العلم بامتناع نقيضه فقولنا الأربعة زوج إنما يتم تصديقه إذا علم كذب

قولنا ليست الأربعة زوجا و لذا سميت قضية امتناع اجتماع النقيضين و ارتفاعهما أولي الأوائل و من أحكام التناقض أنه لا يخرج عن حكم النقيضين شي ء البتة فكل شي ء مفروض إما أن يصدق عليه زيد أو اللا زيد و كل شي ء مفروض إما أن يصدق عليه البياض أو اللا بياض و هكذ و أما ما تقدم في مرحلة الماهية أن النقيضين مرتفعان عن مرتبة الذات كقولنا الإنسان من حيث إنه إنسان ليس بموجود و لا لا موجود فقد عرفت أن ذلك ليس بحسب الحقيقة من ارتفاع النقيضين في شي ء بل مآله إلي خروج النيقضين معا عن مرتبة ذات الشي ء فليس يحد الإنسان بأنه حيوان ناطق موجود و لا يحد بأنه حيوان ناطق معدوم و من أحكامه أن تحققه في القضايا مشروط بثمان وحدات معروفة مذكورة في كتب المنطق و زاد عليها صدر المتألهين ره وحدة الحمل بأن يكون الحمل فيهما جميعا حملا أوليا أو فيهما معا حملا شايعا من غير اختلاف

*****ص 108*****

فلا تناقض بين قولنا الجزئي جزئي أي مفهوما و قولنا ليس الجزئي بجزئي أي مصداق.

الفصل العاشر: في تقابل الواحد و الكثير

الفصل العاشر في تقابل الواحد و الكثير

اختلفوا في تقابل الواحد و الكثير هل هو تقابل بالذات أو لا و علي الأول ذهب بعضهم إلي أنهما متضائفان و بعضهم إلي أنهما متضادان و بعضهم إلي أن تقابلهما نوع خامس غير الأنواع الأربعة المذكورة و الحق أن ما بين الواحد و الكثير من الاختلاف ليس من التقابل المصطلح في شي ء لأن اختلاف الموجود المطلق بانقسامه إلي الواحد و الكثير اختلاف تشكيكي يرجع فيه ما به الاختلاف إلي ما به الاتفاق نظير انقسامه إلي الوجود الخارجي و الذهني و انقسامه إلي ما

بالفعل و ما بالقوة و الاختلاف و المغايرة التي في كل من أقسام التقابل الأربع يمتنع أن يرجع إلي ما به الاتحاد فلا تقابل بين الواحد و الكثير بشي ء من أقسام التقابل الأربعة. تتمة التقابل بين الإيجاب و السلب ليس تقابلا حقيقيا خارجيا بل عقلي بنوع من الاعتبار لأن التقابل نسبة خاصة بين المتقابلين و النسب وجودات رابطة قائمة بطرفين موجودين محققين واحد الطرفين في التناقض هو السلب الذي هو عدم و بطلان لكن العقل يعتبر السلب طرفا للإيجاب فيري عدم

*****ص 109*****

جواز اجتماعهما لذاتيهم و أما تقابل العدم و الملكة فللعدم فيه حظ من التحقق لكونه عدم صفة من شأن الموضوع أن يتصف بها فينتزع عدمها منه و هذا المقدار من الوجود الانتزاعي كاف في تحقق النسبة.

*****ص 111*****

المرحلة التاسعة في السبق و اللحوق و القدم و الحدوث

اشارة

المرحلة التاسعة في السبق و اللحوق و القدم و الحدوث

الفصل الأول في معني السبق و اللحوق و أقسامهما و المعية

الفصل الثاني في ملاك السبق في أقسامه

الفصل الثالث في القدم و الحدوث و أقسامهم

الفصل الأول: في معني السبق و اللحوق و أقسامهما و المعي

الفصل الأول في معني السبق و اللحوق و أقسامهما و المعية

إن من عوارض الموجود بما هو موجود السبق و اللحوق و ذلك أنه ربما كان لشيئين بما هم موجودان نسبة مشتركة إلي مبدإ وجودي لكن لأحدهما منها ما ليس للآخر كنسبة الاثنين و الثلاثة إلي الواحد لكن الاثنين أقرب إليه فيسمي سابقا و متقدما و تسمي الثلاثة لاحقة و متأخرة و ربما كانت النسبة المشتركة من غير تفاوت بين المنتسبين فتسمي حالهم بالنسبة إليه معية و هما معان و قد عدوا للسبق و اللحوق أقساما عثروا عليها بالاستقراء. منها السبق الزماني و هو السبق الذي لا يجامع فيه السابق اللاحق كتقدم أجزاء الزمان بعضها علي بعض كالأمس علي اليوم و تقدم الحوادث الواقعة في الزمان السابق علي الواقعة في الزمان اللاحق و يقابله اللحوق الزماني و منها السبق بالطبع و هو تقدم العلة الناقصة علي المعلول كتقدم الاثنين علي الثلاثة و منها السبق بالعلية و هو تقدم العلة التامة علي المعلول و منها السبق بالماهية و يسمي أيضا التقدم بالتجوهر و هو تقدم علل القوام علي معلوله كتقدم أجزاء الماهية النوعية علي النوع و عد منه تقدم

*****ص 113*****

الماهية علي لوازمها كتقدم الأربعة علي الزوجية و يقابله اللحوق و التأخر بالماهية و التجوهر و تسمي هذه الأقسام الثلاثة أعني ما بالطبع و ما بالعلية و ما بالتجوهر سبقا و لحوق بالذات و منها السبق بالحقيقة و هو أن يتلبس السابق بمعني من المعاني

بالذات و يتلبس به اللاحق بالعرض كتلبس الماء بالجريان حقيقة و بالذات و تلبس الميزاب به بالعرض و يقابله اللحوق بذاك المعني و هذا القسم مما زاده صدر المتألهين و منها السبق و التقدم بالدهر و هو تقدم العلة الموجبة علي معلولها لكن لا من حيث إيجابها لوجود المعلول و إفاضتها له كما في التقدم بالعلية بل من حيث انفكاك وجوده و انفصاله عن وجود المعلول و تقرر عدم المعلول في مرتبة وجودها كتقدم نشأة التجرد العقلي علي نشأة المادة و يقابله اللحوق و التأخر الدهري و هذا القسم قد زاده السيد الداماد ره بناء علي ما صوره من الحدوث و القدم الدهريين و سيجي ء بيانه و منها السبق و التقدم بالرتبة أعم من أن يكون الترتيب بحسب الطبع أو بحسب الوضع و الاعتبار فالأول كالأجناس و الأنواع المترتبة فإنك إن ابتدأت آخذا من جنس الأجناس كان سابقا متقدما علي ما دونه ثم الذي يليه و هكذا حتي ينتهي إلي النوع الأخير و إن ابتدأت آخذا من النوع الأخير كان الأمر في التقدم و التأخر بالعكس و الثاني كالإمام و المأموم فإنك إن اعتبرت المبدأ هو المحراب كان الإمام هو السابق علي من يليه من المأمومين ثم من يليه علي من يليه و إن

*****ص 114*****

اعتبرت المبدأ هو الباب كان أمر السبق و اللحوق بالعكس و يقابل السبق و التقدم بالرتبة اللحوق و التأخر بالرتبة و منها السبق بالشرف و هو السبق في الصفات الكمالية كتقدم العالم علي الجاهل و الشجاع علي الجبان.

الفصل الثاني: في ملاك السبق في أقسامه

الفصل الثاني في ملاك السبق في أقسامه

و هو الأمر المشترك فيه بين المتقدم و المتأخر الذي فيه التقدم. ملاك السبق في السبق الزماني

هو النسبة إلي الزمان سواء في ذلك نفس الزمان و الأمر الزماني و في السبق بالطبع هو النسبة إلي الوجود و في السبق بالعلية هو الوجوب و في السبق بالماهية و التجوهر هو تقرر الماهية و في السبق بالحقيقة هو مطلق التحقق الأعم من الحقيقي و المجازي و في السبق الدهري هو الكون بمتن الواقع و في السبق بالرتبة النسبة إلي مبدإ محدود كالمحراب أو الباب في الرتبة الحسية و كالجنس العالي أو النوع الأخير في الرتبة العقلية و في السبق بالشرف هو الفضل و المزية.

الفصل الثالث: في القدم و الحدوث و أقسامهم

الفصل الثالث في القدم و الحدوث و أقسامهم

كانت العامة تطلق اللفظتين القديم و الحادث علي أمرين يشتركان في الانطباق علي زمان واحد إذا كان زمان وجود أحدهما أكثر من

*****ص 115*****

زمان وجود الآخر فكان الأكثر زمانا هو القديم و الأقل زمانا هو الحادث و الحديث و هم وصفان إضافيان أي إن الشي ء الواحد يكون حادثا بالنسبة إلي شي ء و قديما بالنسبة إلي آخر فكان المحصل من مفهوم الحدوث هو مسبوقية الشي ء بالعدم في زمان و من مفهوم القدم عدم كونه مسبوقا بذلك. ثم عمموا مفهومي اللفظين بأخذ العدم مطلقا يعم العدم المقابل و هو العدم الزماني الذي لا يجامع الوجود و العدم المجامع الذي هو عدم الشي ء في حد ذاته المجامع لوجوده بعد استناده إلي العلة. فكان مفهوم الحدوث مسبوقية الوجود بالعدم و مفهوم القدم عدم مسبوقيته بالعدم و المعنيان من الأعراض الذاتية لمطلق الوجود فإن الموجود بما هو موجود إما مسبوق بالعدم و إما ليس بمسبوق به و عند ذلك صح البحث عنهما في الفلسفة. فمن الحدوث الحدوث الزماني و هو مسبوقية وجود الشي ء بالعدم الزماني كمسبوقية اليوم بالعدم

في أمس و مسبوقية حوادث اليوم بالعدم في أمس و يقابله القدم الزماني و هو عدم مسبوقية الشي ء بالعدم الزماني كمطلق الزمان الذي لا يتقدمه زمان و لا زماني و إل ثبت الزمان من حيث انتفي هذا خلف و من الحدوث الحدوث الذاتي و هو مسبوقية وجود الشي ء بالعدم في ذاته كجميع الموجودات الممكنة التي لها الوجود بعلة خارجة من ذاتها و ليس لها في ماهيتها وحد ذاتها إلا العدم. فإن قلت الماهية ليس لها في حد ذاتها إلا الإمكان و لازمه تساوي نسبتها إلي الوجود و العدم و خلو الذات عن الوجود و العدم جميعا دون التلبس بالعدم كما قيل قلت الماهية و إن كانت في ذاتها خالية عن الوجود و العدم مفتقرة في

*****ص 116*****

تلبسها بأحدهما إلي مرجح لكن عدم مرجح الوجود و علته كاف في كونها معدومة و بعبارة أخري خلوها في حد ذاتها عن الوجود و العدم و سلبهما عنها إنما هو بحسب الحمل الأولي و هو لا ينافي اتصافها بالعدم حينئذ بحسب الحمل الشائع و يقابل الحدوث بهذا المعني القدم الذاتي و هو عدم مسبوقية الشي ء بالعدم في حد ذاته و إنما يكون فيما كانت الذات عين حقيقة الوجود الطارد للعدم بذاته و هو الوجود الواجبي الذي ماهيته إنيته و من الحدوث الحدوث الدهري الذي ذكره السيد المحقق الداماد ره و هو مسبوقية وجود مرتبة من مراتب الوجود بعدمه المتقرر في مرتبة هي فوقها في السلسلة الطولية و هو عدم غير مجامع لكنه غير زماني كمسبوقية عالم المادة بعدمه المتقرر في عالم المثال و يقابله القدم الدهري و هو ظاهر.

*****ص 117*****

المرحلة العاشرة في القوة و الفعل

اشارة

المرحلة العاشرة في القوة و الفعل

المرحلة العاشرة

في القوة و

الفعل

و فيها ستة عشر فصلا

*****ص 118*****

المرحلة العاشرة في القوة و الفعل وجود الشي ء في الأعيان بحيث يترتب عليه آثاره المطلوبة منه يسمي فعلا و يقال إن وجوده بالفعل وإمكانه الذي قبل تحققه يسمي قوة و يقال إن وجوده بالقوة بعد و ذلك كالماء يمكن أن يتبدل هواء فإنه ما دام ماء ماء بالفعل و هواء بالقوة فإذا تبدل هواء صار هواء بالفعل و بطلت القوة فمن الوجود ما هو بالفعل و منه ما هو بالقوة و القسمان هما المبحوث عنهما في هذه المرحلة و فيها ستة عشر فصل

الفصل الأول: كل حادث زماني مسبوق بقوة الوجود

الفصل الأول كل حادث زماني مسبوق بقوة الوجود

كل حادث زماني فإنه مسبوق بقوة الوجود لأنه قبل تحقق وجوده يجب أن يكون ممكن الوجود يجوز أن يتصف بالوجود كما يجوز أن لا يوجد إذ لو كان ممتنع الوجود استحال تحققه كم أنه لو كان واجبا لم يتخلف عن الوجود لكنه ربما لم يوجد و إمكانه هذا غير قدرة الفاعل عليه لأن إمكان وجوده وصف له بالقياس إلي وجوده لا بالقياس إلي شي ء آخر كالفاعل.

*****ص 119*****

و هذا الإمكان أمر خارجي لا معني عقلي اعتباري لاحق بماهية الشي ء لأنه يتصف بالشدة و الضعف و القرب و البعد فالنطفة التي فيها إمكان أن يصير إنسانا أقرب إلي الإنسانية من الغذاء الذي يتبدل نطفة و الإمكان فيها أشد منه فيه و إذ كان هذا الإمكان أمرا موجودا في الخارج فليس جوهرا قائما بذاته و هو ظاهر بل هو عرض قائم بشي ء آخر فلنسمه قوة و لنسم موضوعه مادة فإذن لكل حادث زماني مادة سابقة عليه تحمل قوة وجوده و يجب أن تكون المادة غير آبية عن الفعلية التي تحمل إمكانها فهي في

ذاتها قوة الفعلية التي فيها إمكانها إذ لو كانت ذات فعلية في نفسها لأبت عن قبول فعلية أخري بل هي جوهر فعلية وجوده أنه قوة الأشياء و هي لكونها جوهرا بالقوة قائمة بفعلية أخري إذا حدثت الفعلية التي فيها قوتها بطلت الفعلية الأولي و قامت مقام ها الفعلية الحديثة كالماء إذا صار هواء بطلت الصورة المائية التي كانت تقوم المادة الحاملة لصورة الهواء و قامت الصورة الهوائية مقام ها فتقومت بها المادة التي كانت تحمل إمكانه و مادة الفعلية الجديدة الحادثة و الفعلية السابقة الزائلة واحدة و إلا كانت حادثة بحدوث الفعلية الحادثة فاستلزمت إمكانا آخر و مادة أخري و هكذا فكانت لحادث واحد مواد و إمكانات غير متناهية و هو محال و نظير الإشكال لازم فيما لو فرض للمادة حدوث زماني و قد تبين بما مر أيضا أولا أن كل حادث زماني فله مادة تحمل قوة وجوده و ثانيا أن مادة الحوادث الزمانية واحدة مشتركة بينه و ثالثا أن النسبة بين المادة و قوة الشي ء التي تحملها نسبة الجسم الطبيعي و الجسم التعليمي فقوة الشي ء الخاص تعين قوة المادة المبهمة كما أن الجسم التعليمي تعين الامتدادات الثلاث المبهمة في الجسم الطبيعي و رابعا أن وجود الحوادث الزمانية لا ينفك عن تغير في صورها إن

*****ص 120*****

كانت جواهر أو في أحوالها إن كانت أعراض و خامسا أن القوة تقوم دائما بفعلية و المادة تقوم دائما بصورة تحفظها فإذا حدثت صورة بعد صورة قامت الصورة الحديثة مقام القديمة و قومت المادة و سادسا يتبين بما تقدم أن القوة تتقدم علي الفعل الخاص تقدما زمانيا و أن مطلق الفعل يتقدم علي القوة بجميع أنحاء التقدم من علي و طبعي و

زماني و غيره.

الفصل الثاني: في تقسيم التغير

الفصل الثاني في تقسيم التغير

قد عرفت أن من لوازم خروج الشي ء من القوة إلي الفعل حصول التغير إما في ذاته أو في أحوال ذاته فاعلم أن حصول التغير إما دفعي و إما تدريجي و الثاني هو الحركة و هي نحو وجود تدريجي للشي ء ينبغي أن يبحث عنها من هذه الجهة في الفلسفة الأولي.

الفصل الثالث: في تحديد الحركة

الفصل الثالث في تحديد الحركة

قد تبين في الفصل السابق أن الحركة خروج الشي ء من القوة إلي الفعل تدريجا و إن شئت فقل هي تغير الشي ء تدريجا و التدريج معني بديهي التصور بإعانة الحس عليه و عرفه المعلم الأول بأنها كمال أول لما بالقوة من حيث إنه بالقوة و توضيحه أن حصول ما يمكن أن يحصل

*****ص 121*****

للشي ء كمال له و الشي ء الذي يقصد بالحركة حالا من الأحوال كالجسم مثلا يقصد مكان ليتمكن فيه فيسلك إليه كان كل من السلوك و التمكن في المكان الذي يسلك إليه كمال لذلك الجسم غير أن السلوك كمال أول لتقدمه و التمكن كمال ثان فإذا شرع في السلوك فقد تحقق له كمال لكن لا مطلقا بل من حيث إنه بعد بالقوة بالنسبة إلي كماله الثاني و هو التمكن في المكان الذي يريده فالحركة كمال أول لما هو بالقوة بالنسبة إلي الكمالين من حيث إنه بالقوة بالنسبة إلي الكمال الثاني و قد تبين بذلك أن الحركة تتوقف في تحققها علي أمور ستة المبدأ الذي منه الحركة و المنتهي الذي إليه الحركة و الموضوع الذي له الحركة و هو المتحرك و الفاعل الذي يوجد الحركة و هو المحرك و المسافة التي فيها الحركة و الزمان الذي ينطبق عليه الحركة نوع من الانطباق و سيجي ء توضيح ذلك.

الفصل الرابع: في انقسام الحركة إلي توسطية و قطعية

الفصل الرابع في انقسام الحركة إلي توسطية و قطعية

تعتبر الحركة بمعنيين أحدهما كون الجسم بين المبدإ و المنتهي بحيث كل حد فرض في الوسط فهو ليس قبله و لا بعده فيه و هو حالة بسيطة ثابتة لا انقسام فيها و تسمي الحركة التوسطية و ثانيهما الحالة المذكورة من حيث لها نسبة إلي حدود المسافة من حد تركها

و من حد لم يبلغها أي إلي قوة تبدلت فعلا و إلي قوة باقية علي حالها بعد يريد المتحرك أن يبدله فعلا و لازمه الانقسام إلي الأجزاء و الانصرام و التقضي تدريجا كما أنه خروج من القوة إلي الفعل تدريجا و تسمي الحركة

*****ص 122*****

القطعية و المعنيان جميعا موجودان في الخارج لانطباقهما عليه بجميع خصوصياتهم و أما الصورة التي يأخذها الخيال من الحركة بأخذ الحد بعد الحد من الحركة و جمعها فيه صورة متصلة مجتمعة منقسمة إلي الأجزاء فهي ذهنية لا وجود لها في الخارج لعدم جواز اجتماع الأجزاء في الحركة و إلا كان ثباتا لا تغير و قد تبين بذلك أن الحركة و نعني بها القطعية نحو وجود سيال منقسم إلي أجزاء تمتزج فيه القوة و الفعل بحيث يكون كل جزء مفروض فيه فعلا لما قبله من الأجزاء و قوة لم بعده و ينتهي من الجانبين إلي قوة لا فعل معها و إلي فعل لا قوة معه.

الفصل الخامس: في مبدأ الحركة و منتهاه

الفصل الخامس في مبدأ الحركة و منتهاه

قد عرفت أن في الحركة انقساما لذاتها فاعلم أن هذا الانقسام لا يقف علي حد نظير الانقسام الذي في الكميات المتصلة القارة من الخط و السطح و الجسم إذ لو وقف علي حد كان جزءا لا يتجزأ و قد تقدم بطلانه و أيضا هو انقسام بالقوة لا بالفعل إذ لو كان بالفعل بطلت الحركة لانتهاء القسمة إلي أجزاء دفعية الوقوع و بذلك يتبين أنه لا مبدأ للحركة و لا منتهي لها بمعني الجزء الأول

*****ص 123*****

الذي لا ينقسم من جهة الحركة و الجزء الآخر الذي كذلك لما عرفت آنفا أن الجزء بهذ المعني دفعي الوقوع غير تدريجية فلا ينطبق عليه حد الحركة لأنها

تدريجية الذات و أما ما تقدم أن الحركة تنتهي من الجانبين إلي قوة لا فعل معها و فعل لا قوة معه فهو تحديد لها بالخارج من ذاته.

الفصل السادس: في موضوع الحركة و هو المتحرك الذي يتلبس به

الفصل السادس في موضوع الحركة و هو المتحرك الذي يتلبس به

قد عرفت أن الحركة خروج الشي ء من القوة إلي الفعل تدريجا و أن هذه القوة يجب أن تكون محمولة في أمر جوهري قائمة به و هذا الذي بالقوة كمال بالقوة للمادة متحد معه فإذا تبدلت القوة فعلا كان الفعل متحدا مع المادة مكان القوة فمادة الماء مثلا هواء بالقوة و كذا الجسم الحامض حلو بالقوة فإذا تبدلت الماء هواءا و الحموضة حلاوة كانت المادة التي في الماء هي المتلبسة بالهوائية و الجسم الحامض هو المتلبس بالحلاوة ففي كل حركة موضوع تنعته الحركة و تجري عليه و يجب أن يكون موضوع الحركة أمرا ثابتا تجري و تتجدد عليه الحركة و إلا كان ما بالقوة غير ما يخرج إلي الفعل فلم تتحقق الحركة التي هي خروج الشي ء من القوة إلي الفعل تدريج و يجب أن لا يكون موضوع الحركة أمرا بالفعل من كل جهة كالعقل

*****ص 124*****

المجرد إذ لا حركة إلا مع قوة ما فما لا قوة فيه فلا حركة له و لا أن يكون بالقوة من جميع الجهات إذ لا وجود لما هو كذلك بل أمرا بالقوة من جهة و بالفعل من جهة كالمادة الأولي التي لها قوة الأشياء و فعلية أنها بالقوة و كالجسم الذي هو مادة ثانية له قوة الصور النوعية و الأعراض المختلفة و فعلية الجسمية و بعض الصور النوعية.

الفصل السابع: في فاعل الحركة و هو المحرك

الفصل السابع في فاعل الحركة و هو المحرك

يجب أن يكون المحرك غير المتحرك إذ لو كان المتحرك هو الذي يوجد الحركة في نفسه لزم أن يكون شي ء واحد فاعلا و قابلا من جهة واحدة و هو محال فإن حيثية الفعل هي حيثية الوجدان و

حيثية القبول هي حيثية الفقدان و لا معني لكون شي ء واحد واجدا و فاقدا من جهة واحدة و أيضا المتحرك هو بالقوة بالنسبة إلي الفعل الذي يحصل له بالحركة و فاقد له و ما هو بالقوة لا يفيد فعل و يجب أن يكون الفاعل القريب للحركة أمرا متغيرا متجدد الذات إذ لو كان أمرا ثابت الذات من غير تغير و سيلان كان الصادر منه أمرا ثابتا في نفسه فلم يتغير جزء من الحركة إلي غيره من الأجزاء لثبات علته من غير تغير في حالها فلم تكن الحركة حركة هذا خلف

*****ص 125*****

الفصل الثامن: في ارتباط المتغير بالثابت

الفصل الثامن في ارتباط المتغير بالثابت

ربما قيل إن وجوب استناد المتغير المتجدد إلي علة متغيرة متجددة مثله يوجب استناد علته المتغيرة المتجددة أيضا إلي مثلها في التغير و التجدد و هلم جرا و يستلزم ذلك أم التسلسل أو الدور أو التغير في المبدإ الأول تعالي عن ذلك و أجيب بأن التجدد و التغير ينتهي إلي جوهر متحرك بجوهره فيكون التجدد ذاتيا له فيصح استناده إلي علة ثابتة توجد ذاته لأن إيجاد ذاته عين إيجاد تجدده

الفصل التاسع: في المسافة التي يقطعها المتحرك بالحركة

الفصل التاسع في المسافة التي يقطعها المتحرك بالحركة

مسافة الحركة هي الوجود المتصل السيال الذي يجري علي الموضوع المتحرك و ينتزع منه ل محالة مقولة من المقولات لكن لا من حيث إنه متصل واحد متغير فإن لازمه وقوع التشكيك في الماهية و هو محال بل من حيث إنه منقسم إلي أقسام آنية الوجود كل قسم منه نوع من أنواع المقولة مبائن لغيره كنمو الجسم مثلا فإنه حركة منه في الكم يرد عليه في كل آن من آنات الحركة نوع من أنواع الكم المتصل مبائن للنوع الذي ورد عليه في الآن السابق و النوع الذي سيرد عليه في اللاحق.

*****ص 126*****

فمعني حركة الشي ء في المقولة أن يرد علي الموضوع في كل آن نوع من أنواع المقولة مبائن للنوع الذي يرد عليه في آن غيره.

الفصل العاشر: في المقولات التي تقع فيها الحركة

الفصل العاشر في المقولات التي تقع فيها الحركة

المشهور بين قدماء الفلاسفة أن المقولات التي تقع فيها الحركة أربع مقولات الأين و الكيف و الكم و الوضع. أما الأين فوقوع الحركة فيه ظاهر كالحركات المكانية التي في الأجسام لكن في كون الأين مقولة برأسها كلام و إن كان مشهورا بينهم بل الأين ضرب من الوضع و عليه فالحركة الأينية ضرب من الحركة الوضعية و أما الكيف فوقوع الحركة فيه و خاصة في الكيفيات غير الفعلية كالكيفيات المختصة بالكميات كالاستواء و الاعوجاج و نحوهما ظاهر فإن الجسم المتحرك في كمه يتحرك في الكيفيات القائمة بكمه و أما الكم فالحركة فيه تغير الجسم في كمه تغيرا متصلا بنسبة منتظمة تدريجا كالنمو الذي هو زيادة الجسم في حجمه زيادة متصلة منتظمة تدريج و قد أورد عليه أن النمو إنما يتحقق بانضمام أجزاء من خارج إلي أجزاء الجسم فالكم

الكبير اللاحق هو الكم العارض لمجموع الأجزاء الأصلية و المنضمة و الكم الصغير السابق هو الكم العارض لنفس الأجزاء الأصلية و الكمان متباينان غير متصلين لتباين موضوعيهم فلا حركة في كم بل هو زوال كم و حدوث آخر.

*****ص 127*****

و أجيب عنه أن انضمام الضمائم لا ريب فيه لكن الطبيعة تبدل الأجزاء المنضمة بعد الضم إلي صورة الأجزاء الأصلية و لا تزال تبدل و تزيد كمية الأجزاء الأصلية تدريجا بانضمام الأجزاء و تغيرها إلي الأجزاء الأصلية فيزداد الكم العارض للأجزاء الأصلية زيادة متصلة تدريجية و هي الحركة و أما الوضع فالحركة فيه أيضا ظاهر كحركة الكرة علي محورها فإنه تتبدل بها نسبة النقاط المفروضة عليها إلي الخارج عنها و هو تغير تدريجي في وضعه. قالوا و لا تقع حركة في باقي المقولات و هي الفعل و الانفعال و متي و الإضافة و الجدة و الجوهر. أما الفعل و الانفعال فإنه قد أخذ في مفهوميهما التدريج فلا فرد آني الوجود لهم و وقوع الحركة فيهما يقتضي الانقسام إلي أقسام آنية الوجود و ليس لهما ذلك و كذا الكلام في متي فإنه الهيأة الحاصلة من نسبة الشي ء إلي الزمان فهي تدريجية تنافي وقوع الحركة فيها المقتضية للانقسام إلي أقسام آنية الوجود و أما الإضافة فإنها انتزاعية تابعة لطرفيها فلا تستقل بشي ء كالحركة و كذا الجدة فإن التغير فيها تابع لتغير موضوعها كتغير النعل أو القدم عما كانتا عليه و أما الجوهر فوقوع الحركة فيه يستلزم تحقق الحركة من غير موضوع ثابت و قد تقدم أن تحقق الحركة موقوف علي موضوع ثابت باق ما دامت الحركة.

*****ص 128*****

الفصل الحادي عشر: في تعقيب ما مر في الفصل السابق

الفصل الحادي عشر في تعقيب ما مر في الفصل السابق

ذهب صدر المتألهين

ره إلي وقوع الحركة في مقولة الجوهر و استدل عليه بأمور أوضحها أن وقوع الحركة في المقولات الأربع العرضية يقضي بوقوعها في مقولة الجوهر لأن الأعراض تابعة للجواهر مستندة إليها استناد الفعل إلي فاعله فالأفعال الجسمانية مستندة إلي الطبائع و الصور النوعية و هي الأسباب القريبة لها و قد تقدم أن السبب القريب للحركة أمر تدريجي كمثلها فالطبائع و الصور النوعية في الأجسام المتحركة في الكم و الكيف و الأين و الوضع متغيرة سيالة الوجود كأعراضها و لو لا ذلك لم يتحقق سبب لشي ء من هذه الحركات و أورد عليه أنا ننقل الكلام إلي الطبيعة المتجددة كيف صدرت عن المبدإ الثابت و هي متجددة و أجيب عنه بأن الحركة لما كانت في جوهرها فالتغير و التجدد ذاتي لها و الذاتي لا يعلل فالجاعل إنما جعل المتجدد لا أنه جعل المتجدد متجدد و أورد عليه أنا نوجه استناد الأعراض المتجددة إلي الطبيعة بهذا الوجه بعينه من غير حاجة إلي جعل الطبيعة متجددة فالتجدد ذاتي للعرض المتجدد و الطبيعة جعلت العرض المتجدد و لم تجعل المتجدد متجدد و أجيب عنه بأن الأعراض مستندة في وجودها إلي الجوهر و تابعة له

*****ص 129*****

فالذاتية لا بد أن تتم في الجواهر و أورد عليه أيضا أن القوم صححوا ارتباط هذه الأعراض المتجددة إلي المبدإ الثابت من طبيعة و غيرها بنحو آخر و هو أن التغير لاحق لها من خارج كتجدد مراتب قرب و بعد من الغاية المطلوبة في الحركات الطبيعية و كتجدد أحوال أخري في الحركات القسرية التي علي خلاف الطبيعة و كتجدد إرادات جزئية منبعثة من النفس في كل حد من حدود الحركات النفسانية التي مبدؤها النفس و أجيب عنه

بأنا ننقل الكلام إلي هذه الأحوال و الإرادات المتجددة من أين تجددت فإنه لا محالة تنتهي في الحركات الطبيعية إلي الطبيعة و كذا في القسرية فإن القسر ينتهي إلي الطبيعة و كذا في النفسانية فإن الفاعل المباشر للتحريك فيها أيضا الطبيعة كم سيجي ء و يمكن أن يستدل علي الحركة في الجوهر بما تقدم أن وجود العرض من مراتب وجود الجوهر من حيث كون وجوده في نفسه عين وجوده للجوهر فتغيره و تجدده تغير للجوهر و تجدد له.

و يتفرع علي ما تقدم أولا أن الصور الطبيعية المتبدلة صورة بعد صورة علي المادة بالحقيقة صورة جوهرية واحدة سيالة تجري علي المادة و ينتزع من كل حد من حدودها مفهوم مغاير لما ينتزع من غيره. هذا في تبدل الصور الطبيعية بعضها من بعض و هناك حركة اشتدادية جوهرية أخري هي حركة المادة الأولي إلي الطبيعية ثم النباتية ثم الحيوانية ثم الإنسانية و ثانيا أن الجوهر المتحرك في جوهره متحرك بجميع أعراضه لما سمعت

*****ص 130*****

من حديث كون وجود الأعراض من مراتب وجود الجوهر الموضوع له و لازم ذلك كون حركة الجوهر في المقولات الأربع أو الثلاث من قبيل الحركة في الحركة و علي هذا ينبغي أن تسمي هذه الحركات الأربع أو الثلاث حركات ثانية و ما لمطلق الأعراض من الحركة بتبع الجوهر لا بعرضه حركات أولي و ثالثا أن العالم الجسماني بمادته الواحدة حقيقة واحدة سيالة متحركة بجميع جواهره و أعراضها قافلة واحدة إلي غاية ثابتة لها الفعلية المحضة.

الفصل الثاني عشر: في موضوع الحركة الجوهرية و فاعله

الفصل الثاني عشر في موضوع الحركة الجوهرية و فاعله

قالوا إن موضوع هذه الحركة هو المادة المتحصلة بصورة ما من الصور المتعاقبة المتحدة بالاتصال و السيلان فوحدة المادة و شخصيتها محفوظة

بصورة ما من الصور المتبدلة و صورة ما و إن كانت مبهمة لكن وحدتها محفوظة بجوهر مفارق هو الفاعل للمادة الحافظ له و لوحدتها و شخصيتها بصورة ما فصورة ما شريكة العلة للمادة و المادة المتحصلة بها هي موضوع الحركة و هذا كما أن القائلين بالكون و الفساد النافين للحركة الجوهرية قالوا أن فاعل المادة هو صورة ما محفوظة وحدتها بجوهر مفارق يفعلها و يفعل المادة بواسطتها فصورة ما شريكة العلة بالنسبة إلي المادة حافظة لتحصلها و وحدته و التحقيق أن حاجة الحركة إلي موضوع ثابت باق ما دامت الحركة إن كانت لأجل أن تنحفظ به وحدة الحركة و لا تنثلم بطرو الانقسام عليه

*****ص 131*****

و عدم اجتماع أجزائها في الوجود فاتصال الحركة في نفسها و كون الانقسام و هميا غير فكي كاف في ذلك و إن كانت لأجل أنها معني ناعتي يحتاج إلي أمر موجود لنفسه حتي يوجد له وينعته كما أن الأعراض و الصور الجوهرية المنطبعة في المادة تحتاج إلي موضوع كذلك توجد له و تنعته فموضوع الحركات العرضية أمر جوهري غيرها و موضوع الحركة الجوهرية نفس الحركة إذ لا نعني بموضوع الحركة إلا ذاتا تقوم به الحركة و توجد له و الحركة الجوهرية لما كانت ذاتا جوهرية سيالة كانت قائمة بذاتها موجودة لنفسها فهي حركة و متحركة في نفسه و إسناد الموضوعية إلي المادة التي تجري عليها الصور الجوهرية علي نحو الاتصال و السيلان لمكان اتحادها معها و إلا فهي في نفسها عارية عن كل فعلية.

الفصل الثالث عشر: في الزمان

الفصل الثالث عشر في الزمان

إنا نجد الحوادث الواقعة تحت الحركة منقسمة إلي قطعات لا تجامع قطعة منها القطعة الأخري في فعلية الوجود لما أن فعلية وجود القطعة

المفروضة ثانيا متوفقة علي زوال الوجود الفعلي للقطعة الأولي ثم نجد القطعة الأولي المتوقف عليها منقسمة في نفسه إلي قطعتين كذلك لا تجامع إحداهما الأخري و هكذا كلما حصلنا قطعة قبلت القسمة إلي قطعتين كذلك من دون أن تقف القسمة علي حد و لا يتأتي هذا إلا بعروض امتداد كمي علي الحركة تتقدر به و تقبل الانقسام و ليس هذ الامتداد نفس حقيقة الحركة لأنه امتداد متعين وم

*****ص 132*****

في الحركة في نفسها امتداد مبهم نظير الامتداد المبهم الذي في الجسم الطبيعي و تعينه الذي هو الجسم التعليمي. فهذا الامتداد الذي به تعين امتداد الحركة كم متصل عارض للحركة نظير الجسم التعليمي الذي به تعين امتداد الجسم الطبيعي للجسم الطبيعي إلا أن هذا الكم العارض للحركة غير قار و لا يجامع بعض أجزائه المفروضة بعضا بخلاف كمية الجسم التعليمي فإنها قارة مجتمعة الأجزاء و هذا هو الزمان العارض للحركة و مقدارها و كل جزء منه من حيث أنه متوقف عليه الآخر متقدم بالنسبة إليه و من حيث إنه متوقف متأخر بالنسبة إلي ما توقف عليه و الطرف منه الحاصل بالقسمة هو الآن و قد تبين بما تقدم أولا أن لكل حركة زمانا خاصا بها هو مقدار تلك الحركة و قد أطبق الناس علي تقدير عامة الحركات و تعيين النسب بينها بالزمان العام الذي هو مقدار الحركة اليومية لكونه معروفا عندهم مشهودا لهم كافة و قد قسموه إلي القرون و السنين و الشهور و الأسابيع و الأيام و الساعات و الدقائق و الثواني و غيرها لتقدير الحركات بالتطبيق عليه و الزمان الذي له دخل في الحوادث الزمانية عند المثبتين للحركة الجوهرية هو زمان الحركة الجوهرية و ثانيا

أن التقدم و التأخر ذاتيان بين أجزاء الزمان بمعني أن كون وجود الزمان سيال غير قار يقتضي أن ينقسم لو انقسم إلي جزء يتوقف علي زواله وجود جزء آخر بالفعل و المتوقف عليه هو المتقدم و المتوقف هو المتأخر و ثالثا أن الآن و هو طرف الزمان و الحد الفاصل بين الجزءين لو انقسم هو أمر عدمي لكون الانقسام وهميا غير فكي و رابعا أن تتالي الآنات و هو اجتماع حدين عدميين أو أكثر من غير تخلل جزء من الزمان فاصل بينهما محال و هو ظاهر و مثله الكلام في تتالي الآنيات المنطبقة علي طرف الزمان كالوصول و الافتراق.

*****ص 133*****

و خامسا أن الزمان لا أول له و لا آخر له بمعني الجزء الذي لا ينقسم من مبتدئه أو منتهاه لأن قبول القسمة ذاتي له.

الفصل الرابع عشر: في السرعة و البطؤ

الفصل الرابع عشر في السرعة و البطؤ

إذا فرضنا حركتين و اعتبرنا النسبة بينهما فإن تساوتا زمانا فأكثرهما قطعا للمسافة أسرعهما و إن تساوتا مسافة فأقلهما زمانا أسرعهما فالسرعة قطع مسافة كثيرة في زمان قليل و البطؤ خلافه. قالوا إن البطؤ ليس بتخلل السكون بأن تكون الحركة كلما كان تخلل السكون فيها أكثر كانت أبطأ و كلما كان أقل كانت أسرع و ذلك لاتصال الحركة بامتزاج القوة و الفعل فيه فلا سبيل إلي تخلل السكون فيه و قالوا إن السرعة و البطؤ متقابلان تقابل التضاد و ذلك لأنهما وجوديان فليس تقابلهم تقابل التناقض أو العدم و الملكة و ليسا بالمتضائفين و إلا كانا كلما ثبت أحدهما ثبت الآخر و ليس كذلك فلم يبق إلا أن يكونا متضادين و هو المطلوب و فيه أن من شرط المتضادين أن يكون بينهما غاية الخلاف و

ليست بمتحققة بين السرعة و البطؤ إذ ما من سريع إلا و يمكن أن يفرض ما هو أسرع منه و كذا ما من بطي ء إلا و يمكن أن يفرض ما هو أبطأ منه و الحق أن السرعة و البطؤ وصفان إضافيان فسرعة حركة بالنسبة إلي أخري بطؤ بعينه بالنسبة إلي ثالثة و كذلك الأمر في البطؤ و السرعة بمعني الجريان و السيلان خاصة لمطلق الحركة ثم تشتد و تضعف فيحدث بإضافة بعضها إلي بعض السرعة و البطؤ الإضافيان.

*****ص 134*****

الفصل الخامس عشر: في السكون

الفصل الخامس عشر في السكون

يطلق السكون علي خلو الجسم من الحركة قبلها أو بعدها و علي ثبات الجسم علي حاله التي هو عليها و الذي يقابل الحركة هو المعني الأول و الثاني لازمه و هو معني عدمي بمعني انعدام الصفة عن موضوع قابل هو الجسم فيكون هو عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك فالتقابل بينه و بين الحركة تقابل العدم و الملكة و لا يكاد يخلو عن الحركة جسم أو أمر جسماني إلا ما كان آني الوجود كالوصول إلي حد المسافة و انفصال شي ء من شي ء و حدوث الأشكال الهندسية و نحو ذلك.

الفصل السادس عشر: في انقسامات الحركة

الفصل السادس عشر في انقسامات الحركة

تنقسم الحركة بانقسام الأمور الستة التي تتعلق بها ذاته. فانقسامها بانقسام المبدإ و المنتهي كالحركة من مكان كذا إلي مكان كذا و الحركة من لون كذا إلي لون كذا و حركة النبات من قدر كذا إلي قدر كذ و انقسامها بانقسام الموضوع كحركة النبات و حركة الحيوان و حركة الإنسان و انقسامها بانقسام المقولة كالحركة في الكيف و الحركة في الكم

*****ص 135*****

و الحركة في الوضع و انقسامها بانقسام الزمان كالحركة الليلية و الحركة النهارية و الحركة الصيفية و الحركة الشتوية و انقسامها بانقسام الفاعل كالحركة الطبيعية و الحركة القسرية و الحركة الإرادية و يلحق بها بوجه الحركة بالعرض فإن الفاعل إما أن يكون ذا شعور و إرادة بالنسبة إلي فعله أم لا و الأول هو الفاعل النفساني و الحركة نفسانية كالحركات الإرادية التي للإنسان و الحيوان و الثاني إما أن تكون الحركة منبعثة عن نفسه لو خلي و نفسه و إما أن تكون منبعثة عنه لقهر فاعل آخر إياه علي الحركة و الأول هو الفاعل الطبيعي

و الحركة طبيعية و الثاني هو الفاعل القاسر و الحركة قسرية كالحجر المرمي إلي فوق. قالوا إن الفاعل القريب للحركة في جميع هذه الحركات هو طبيعة المتحرك عن تسخير نفساني أو اقتضاء طبيعي أو قهر الطبيعة القاسرة لطبيعة المقسور علي الحركة و المبد المباشر المتوسط بين الفاعل و بين الحركة هو مبدأ الميل الذي يوجده الفاعل في طبيعة المتحرك و تفصيل الكلام فيه في الطبيعيات

خاتمة

خاتمة

ليعلم أن القوة أو ما بالقوة كما تطلق علي حيثية القبول كذلك تطلق علي حيثية الفعل إذا كانت شديدة و كما تطلق علي مبدإ القبول القائم به ذلك كذلك تطلق علي مبدإ الفعل كما تطلق القوي النفسانية و يراد بها مبادي الآثار النفسانية من إبصار و سمع و تخيل و غير ذلك و كذلك القوي الطبيعية لمبادي الآثار الطبيعية و هذه القوة الفاعلة إذا قارنت العلم و المشية سميت قدرة الحيوان

*****ص 136*****

و هي علة فاعلة تحتاج في تمام عليتها و وجوب الفعل بها إلي أمور خارجة كحضور المادة القابلة و صلاحية أدوات الفعل و غيرها تصير باجتماعها علة تامة يجب معها الفعل و من هنا يظهر أولا عدم استقامة تحديد بعضهم للقدرة بأنها ما يصح معه الفعل و الترك فإن نسبة الفعل و الترك إلي الفاعل إنما تكون بالصحة و الإمكان إذا كان جزءا من العلة التامة لا يجب الفعل به وحده بل به و ببقية الأجزاء التي تتم بها العلة التامة و أم الفاعل التام الفاعلية الذي هو وحدة علة تامة كالواجب تعالي فلا معني لكون نسبة الفعل و الترك إليه بالإمكان و لا يوجب كون فعله واجبا أن يكون موجبا مجبرا علي الفعل غير قادر عليه إذ

هذ الوجوب لاحق بالفعل من قبله و هو أثره فلا يضطره إلي الفعل و لا أن هناك فاعلا آخر يؤثر فيه بجعله مضطرا إلي الفعل و ثانيا بطلان ما قال به قوم إن صحة الفعل متوقفة علي كونه مسبوقا بالعدم الزماني فالفعل الذي لا يسبقه عدم زماني ممتنع و هو مبني علي القول بأن علة الاحتياج إلي العلة هي الحدوث دون الإمكان و قد تقدم إبطاله و إثبات أن علة الحاجة إلي العلة هو الإمكان دون الحدوث علي أنه منقوض بنفس الزمان و ثالثا بطلان قول من قال إن القدرة إنما تحدث مع الفعل و لا قدرة علي فعل قبله و فيه أنهم يرون أن القدرة هي كون الشي ء بحيث يصح منه الفعل و الترك فلو ترك الفعل زمان ثم فعل صدق عليه قبل الفعل أنه يصح منه الفعل و الترك و هي القدرة.

*****ص 137*****

المرحلة الحادية عشر في العلم و العالم و المعلوم

اشارة

المرحلة الحادية عشر في العلم و العالم و المعلوم

المرحلة الحادية

عشر في العلم و العالم و المعلوم

و فيها اثنا عشر فصلا

*****ص 138*****

المرحلة الحادية عشر في العلم و العالم و المعلوم قد تحصل مما تقدم أن الموجود ينقسم إلي ما بالقوة و ما بالفعل و الأول هو المادة و الماديات و الثاني غيرهما و هو المجرد و مما يعرض المجرد عروضا أوليا أن يكون علما و عالما و معلوما لأن العلم كما سيجي ء بيانه حضور وجود مجرد لوجود مجرد فمن الحري أن نبحث عن ذلك في الفلسفة الأولي و فيه اثنا عشر فصل.

الفصل الأول: في تعريف العلم و انقسامه الأولي

الفصل الأول في تعريف العلم و انقسامه الأولي

حصول العلم لنا ضروري و كذلك مفهومه عندنا و إنما نريد في هذا الفصل معرفة ما هو أظهر خواصه لنميز بها مصاديقه و خصوصياته. فنقول قد تقدم في بحث الوجود الذهني أن لنا علما بالأمور الخارجة عنا في الجملة بمعني أنها تحصل لنا و تحضر عندنا بماهياتها لا به وجوداتها الخارجية التي تترتب عليه الآثار فهذا قسم من العلم و يسمي علما حصولي.

*****ص 139*****

و من العلم علم الواحد منا بذاته التي يشير إليها بأنا فإنه لا يغفل عن نفسه في حال من الأحوال سواء في ذلك الخلاء و الملاء و النوم و اليقظة و أية حال أخري و ليس ذلك بحضور ماهية ذاتنا عندنا حضورا مفهوميا و علما حصوليا لأن المفهوم الحاضر في الذهن كيفما فرض لا يأبي الصدق علي كثيرين و إنما يتشخص بالوجود الخارجي و هذ الذي نشاهده من أنفسنا و نعبر عنه بأنا أمر شخصي لذاته لا يقبل الشركة و التشخص شأن الوجود فعلمنا بذواتنا إنما هو بحضورها لنا به وجودها الخارجي الذي هو

ملاك الشخصية و ترتب الآثار و هذا قسم آخر من العلم و يسمي العلم الحضوري.

و هذان قسمان ينقسم إليهما العلم قسمة حاصرة فإن حصول المعلوم للعالم إما بماهيته أو به وجوده و الأول هو العلم الحصولي و الثاني هو العلم الحضوري.

ثم إن كون العلم حاصلا لنا معناه حصول المعلوم لنا لأن العلم عين المعلوم بالذات إذ لا نعني بالعلم إلا حصول المعلوم لنا و حصول الشي ء و حضوره ليس إلا وجوده و وجوده نفسه و لا معني لحصول المعلوم للعالم إلا اتحاد العالم معه سواء كان معلوما حضوريا أو حصوليا فإن المعلوم الحضوري إن كان جوهرا قائما بنفسه كان وجوده لنفسه و هو مع ذلك للعالم فقد اتحد العالم مع نفسه و إن كان أمرا وجوده لموضوعه و المفروض أن وجوده للعالم فقد اتحد العالم مع موضوعه و العرض أيضا من مراتب وجود موضوعه غير خارج منه فكذلك مع ما اتحد مع موضوعه و كذا المعلوم الحصولي موجود للعالم سواء كان جوهر موجودا لنفسه أو أمرا موجودا لغيره و لازم كونه موجودا للعالم اتحاد العالم معه. علي أنه سيجي ء أن العلم الحصولي علم حضوري في الحقيقة.

*****ص 140*****

فحصول العلم للعالم من خواص العلم لكن لا كل حصول كيف كان بل حصول أمر بالفعل فعلية محضة لا قوة فيه لشي ء مطلقا فإنا نشاهد بالوجدان أن المعلوم من حيث هو معلوم ل يقوي علي شي ء آخر و لا يقبل التغير عما هو عليه فهو حصول أمر مجرد عن المادة خال من غواشي القوة و نسمي ذلك حضور. فحضور المعلوم يستدعي كونه أمرا تاما في فعليته من غير تعلق بالمادة و القوة يوجب نقصه و عدم تمامه من حيث

كمالاته التي بالقوة و مقتضي حضور المعلوم أن يكون العالم الذي يحصل له العلم أمرا فعليا تام الفعلية غير ناقص من جهة التعلق بالقوة و هو كون العالم مجردا عن المادة خاليا عن القوة. فقد بان أن العلم حضور موجود مجرد لموجود مجرد سواء كان الحاصل عين ما حصل له كم في علم الشي ء بنفسه أو غيره بوجه كما في علم الشي ء بالماهيات الخارجة عنه و تبين أيضا أولا أن المعلوم الذي هو متعلق العلم يجب أن يكون أمرا مجردا عن المادة و سيجي ء معني تعلق العلم بالأمور المادية و ثانيا أن العالم الذي يقوم به العلم يجب أن يكون مجردا عن المادة أيض.

الفصل الثاني: ينقسم العلم الحصولي إلي كلي و جزئي

الفصل الثاني ينقسم العلم الحصولي إلي كلي و جزئي

و الكلي ما لا يمتنع فرض صدقه علي كثيرين كالعلم بماهية الإنسان

*****ص 141*****

و يسمي عقلا و تعقلا و الجزئي ما يمتنع فرض صدقه علي كثيرين كالعلم بهذا الإنسان بنوع من الاتصال بمادته الحاضرة و يسمي علما إحساسيا و كالعلم بالإنسان الفرد من غير حضور مادته و يسمي علما خياليا وعد هذين القسمين ممتنع الصدق علي كثيرين إنما هو من جهة اتصال أدوات الإحساس بالمعلوم الخارجي في العلم الإحساسي و توقف العلم الخيالي علي العلم الإحساسي و إلا فالصورة الذهنية كيفما فرضت لا تأبي أن تصدق علي كثيرين.

و القسمان جميعا مجردان عن المادة لما تقدم من فعلية الصورة العلمية في ذاتها و عدم قبولها للتغير و أيضا الصورة العلمية كيفما فرضت لا تمتنع عن الصدق علي كثيرين و كل أمر مادي متشخص ممتنع الصدق علي أزيد من شخص واحد و أيضا لو كانت الصورة الحسية أو الخيالية مادية منطبعة بنوع من الانطباع في جزء

بدني لكانت منقسمة بانقسام محلها و لكان في مكان و زمان و ليس كذلك فالعلم لا يقبل القسمة و لا يشار إليه إشارة وضعية مكانية و لا أنه مقيد بزمان لصحة تصورنا الصورة المحسوسة في وقت بعد أمد بعيد علي ما كانت عليه من غير تغير فيها و لو كانت مقيدة بالزمان لتغيرت بتقضيه و ما يتوهم من مقارنة حصول العلم للزمان إنما هو مقارنة شرائط حصول الاستعداد له ل نفس العلم و أما توسط أدوات الحس في حصول الصورة المحسوسة وتوقف الصورة الخيالية علي ذلك فإنم هو لحصول الاستعداد الخاص للنفس لتقوي به علي تمثيل الصورة العلمية و تفصيل القول في علم النفس و مما تقدم يظهر أن قولهم

*****ص 142*****

إن التعقل إنما هو بتقشير المعلوم عن المادة و الأعراض المشخصة له حتي لا يبقي إل الماهية المعراة عن القشور كالإنسان المجرد عن المادة الجسمية و المشخصات الزمانية و المكانية و الوضعية و غيرها بخلاف الإحساس المشروط بحضور المادة و اكتناف الأعراض و الهيئات الشخصية و الخيال المشروط ببقاء الأعراض و الهيئات المشخصة من دون حضور المادة قول علي سبيل التمثيل للتقريب و إلا فالمحسوس صورة مجردة علمية و اشتراط حضور المادة و الاكتناف بالأعراض المشخصة لحصول الاستعداد في النفس للإحساس و كذا اشتراط الاكتناف بالمشخصات للتخيل و كذا اشتراط التقشير في التعقل للدلالة علي اشتراط تخيل أزيد من فرد واحد في حصول استعداد النفس لتعقل الماهية الكلية المعبر عنه بانتزاع الكلي من الأفراد.

و تبين مما تقدم أيضا أن الوجود ينقسم من حيث التجرد عن المادة و عدمه إلي ثلاثة عوالم كلية أحدها عالم المادة و القوة و الثاني عالم التجرد عن المادة دون آثارها

من الشكل و المقدار و الوضع و غيرها ففيه الصور الجسمانية و أعراضها و هيئاتها الكمالية من غير مادة تحمل القوة و الانفعال و يسمي عالم المثال و البرزخ بين عالم العقل و عالم المادة و الثالث عالم التجرد عن المادة و آثارها و يسمي عالم العقل و قد قسموا عالم المثال إلي المثال الأعظم القائم بذاته و المثال الأصغر القائم بالنفس الذي تتصرف فيه النفس كيف تشاء بحسب الدواعي المختلفة الحقة و الجزافية فتأتي أحيانا بصور حقة صالحة و أحيانا بصور جزافية تعبث به.

و العوالم الثلاثة المذكورة مترتبة طولا فأعلاها مرتبة و أقواها و أقدمها وجود و أقربها من المبدإ الأول تعالي عالم العقول المجردة لتمام فعليتها و تنزه ذواتها عن شوب المادة و القوة ويليه عالم المثال المتنزه عن المادة دون آثارها ويليه عالم المادة موطن كل نقص وشر و لا يتعلق بما فيه علم إلا من

*****ص 143*****

جهة ما يحاذيه من المثال و العقل.

الفصل الثالث: ينقسم العلم انقساما آخر إلي كلي و جزئي

الفصل الثالث ينقسم العلم انقساما آخر إلي كلي و جزئي

و المراد بالكلي ما لا يتغير بتغير المعلوم بالعرض كصورة البناء التي يتصورها البناء في نفسه ليبني عليها فالصورة عنده علي حالها قبل البناء و مع البناء و بعد البناء و إن خرب و انهدم و يسمي علم ما قبل الكثرة و العلوم الحاصلة من طريق العلل كلية من هذ القبيل دائما كعلم المنجم بأن القمر منخسف يوم كذا ساعة كذا إلي مدة كذا يعود فيه الوضع السماوي بحيث يوجب حيلولة الأرض بينه و بين الشمس فعلمه ثابت علي حاله قبل الخسوف و معه و بعده و المراد بالجزئي ما يتغير بتغير المعلوم بالعرض كما إذا علمنا من طريق الإبصار

بحركة زيد ثم إذا وقف عن الحركة تغيرت الصورة العلمية من الحركة إلي السكون و يسمي علم ما بعد الكثرة. فإن قلت التغير لا يكون إلا بقوة سابقة و حاملها المادة و لازمه كون العلوم الجزئية مادية لا مجردة. قلنا العلم بالتغير غير تغير العلم و المتغير ثابت في تغيره لا متغير و تعلق العلم به أعني حضوره عند العالم من حيث ثباته لا تغيره و إلا لم يكن حاضرا فلم يكن العلم حضور شي ء لشي ء هذا خلف.

*****ص 144*****

الفصل الرابع: في أنواع التعقل

الفصل الرابع في أنواع التعقل

ذكروا أن التعقل علي ثلاثة أنواع أحدها أن يكون العقل بالقوة أي لا يكون شيئا من المعقولات بالفعل و لا له شي ء من المعقولات بالفعل لخلو النفس عن عامة المعقولات. الثاني أن يعقل معقولا أو معقولات كثيرة بالفعل مميزا لبعضها من بعض مرتبا لها و هو العقل التفصيلي. الثالث أن يعقل معقولات كثيرة عقلا بالفعل من غير أن يتميز بعضها من بعض و إنما هو عقل بسيط إجمالي فيه كل التفاصيل و مثلوا له بما إذا سألك سائل عن عدة من المسائل التي لك علم بها فحضرك الجواب في الوقت فأنت في أول لحظة تأخذ في الجواب تعلم به جميعا علما يقينيا بالفعل لكن لا تميز لبعضها من بعض و لا تفصيل و إنما يحصل التميز و التفصيل بالجواب كان ما عندك منبع تنبع و تجري منه التفاصيل و يسمي عقلا إجمالي.

الفصل الخامس: في مراتب العقل

الفصل الخامس في مراتب العقل

ذكروا أن مراتب العقل أربع إحداها كونه بالقوة بالنسبة إلي جميع المعقولات و يسمي عقل

*****ص 145*****

هيولانيا لشباهته في خلوه عن المعقولات الهيولي في كونها بالقوة بالنسبة إلي جميع الصور و ثانيتها العقل بالملكة و هي المرتبة التي تعقل فيها الأمور البديهية من التصورات و التصديقات فإن تعلق العلم بالبديهيات أقدم من تعلقه بالنظريات و ثالثتها العقل بالفعل و هو تعلقه النظريات بتوسيط البديهيات و إن كانت مرتبة بعضه علي بعض و رابعتها عقله لجيمع ما استفاده من المعقولات البديهية و النظرية المطابقة لحقائق العالم العلوي و السفلي باستحضاره الجميع و التفاته إليها بالفعل فيكون عالما علمي مضاهيا للعالم العيني و يسمي العقل المستفاد.

الفصل السادس: في مفيض هذه الصور العلمية

الفصل السادس في مفيض هذه الصور العلمية

أما الصور العقلية الكلية فإن مفيضها المخرج للإنسان مثلا من القوة إلي الفعل عقل مفارق للمادة عنده جميع الصور العقلية الكلية و ذلك أنك قد عرفت أن هذه الصور بم أنها علم مجردة عن المادة علي أنها كلية تقبل الاشتراك بين كثيرين و كل أمر حال في المادة واحد شخصي لا يقبل الاشتراك فالصورة العقلية مجردة عن المادة ففاعلها المفيض لها أمر مجرد عن المادة لأن الأمر المادي ضعيف الوجود فلا يصدر عنه ما هو أقوي منه وجودا علي أن فعل المادة مشروط بالوضع الخاص و لا وضع للمجرد و ليس هذا المفيض المجرد هو النفس العاقلة لهذه الصور المجردة العلمية

*****ص 146*****

لأنها بعد بالقوة بالنسبة إليها و حيثيتها حيثية القبول دون الفعل و من المحال أن يخرج ما بالقوة نفسه من القوة إلي الفعل. فمفيض الصورة العقلية جوهر عقلي مفارق للمادة فيه جميع الصور العقلية الكلية علي نحو ما تقدم من العلم

الإجمالي العقلي تتحد معه النفس المستعدة للتعقل علي قدر استعدادها الخاص فيفيض عليها ما تستعد له من الصور العقلية و هو المطلوب و بنظير البيان السابق يتبين أن مفيض الصور العليمة الجزئية جوهر مثالي مفارق فيه جميع الصور المثالية الجزئية علي نحو العلم الإجمالي تتحد معه النفس علي قدر ما له من الاستعداد.

الفصل السابع: ينقسم العلم الحصولي إلي تصور و تصديق

الفصل السابع ينقسم العلم الحصولي إلي تصور و تصديق

لأنه إما صورة حاصلة من معلوم واحد أو كثير من غير إيجاب أو سلب و يسمي تصورا كتصور الإنسان و الجسم و الجوهر و إما صورة حاصلة من معلوم معها إيجاب شي ء لشي ء أو سلب شي ء عن شي ء كقولنا الإنسان ضاحك و قولنا ليس الإنسان بحجر و يسمي تصديقا و باعتبار حكمه قضية. ثم إن القضية بما تشتمل علي إثبات شي ء لشي ء أو نفي شي ء عن شي ء مركبة من أجزاء فوق الواحد و المشهور أن القضية الموجبة مؤلفة من الموضوع و المحمول و النسبة الحكمية و هي نسبة المحمول إلي الموضوع و الحكم باتحاد الموضوع مع المحمول هذا في الهليات المركبة التي محمولاتها غير وجود الموضوع و أم

*****ص 147*****

الهليات البسيطة التي محمولها وجود الموضوع كقولنا الإنسان موجود فأجزاؤها ثلاثة الموضوع و المحمول و الحكم إذ لا معني لتخلل النسبة و هي الوجود الرابط بين الشي ء و نفسه و أن القضية السالبة مؤلفة من الموضوع و المحمول و النسبة الحكمية الإيجابية و لا حكم فيها لا أن فيها حكما عدميا لأن الحكم جعل شي ء شيئا و سلب الحكم عدم جعله لا جعل عدمه و الحق أن الحاجة إلي تصور النسبة الحكمية إنما هي من جهة الحكم بما هو فعل النفس ل بما هو جزء القضية

أي إن القضية إنما هي الموضوع و المحمول و الحكم و لا حاجة في تحقق القضية بما هي قضية إلي تصور النسبة الحكمية و إنما الحاجة إلي تصورها لتحقق الحكم من النفس و جعلها الموضوع هو المحمول و يدل علي ذلك تحقق القضية في الهليات البسيطة بدون النسبة الحكمية التي تربط المحمول بالموضوع. فقد تبين بهذا البيان أولا أن القضية الموجبة ذات أجزاء ثلاثة الموضوع و المحمول و الحكم و السالبة ذات جزءين الموضوع و المحمول و أن النسبة الحكمية تحتاج إليها النفس في فعلها الحكم لا القضية بما هي قضية في انعقاده و ثانيا أن الحكم فعل من النفس في ظرف الإدراك الذهني و ليس من الانفعال التصوري في شي ء و حقيقة الحكم في قولنا زيد قائم مثلا أن النفس تنال من طريق الحس موجودا واحد هو زيد القائم ثم تجزئه إلي مفهومي زيد و القائم و تخزنهما عندها ثم إذا أرادت حكاية ما وجدته في الخارج أخذت صورتي زيد و القائم من خزانتها و هما اثنتان ثم جعلتهم واحدا ذا وجود واحد و هذا هو الحكم الذي ذكرنا أنه فعل للنفس تحكي به الخارج علي ما كان.

فالحكم فعل للنفس و هو مع ذلك من الصور الذهنية الحاكية لم

*****ص 148*****

وراءها و لو كان الحكم تصورا مأخوذا من الخارج كانت القضية غير مفيدة لصحة السكوت كما في كل من المقدم و التالي في القضية الشرطية و لو كان تصورا أنشأته النفس من عندها من غير استعانة من الخارج لم يحك الخارج و ثالثا أن التصديق يتوقف علي تصور الموضوع و المحمول فلا تصديق إلا عن تصور.

الفصل الثامن: و ينقسم العلم الحصولي إلي بديهي و نظري

الفصل الثامن و ينقسم العلم الحصولي إلي بديهي و

نظري

و البديهي منه ما لا يحتاج في تصوره أو التصديق به إلي اكتساب و نظر كتصور مفهوم الشي ء و الوحدة و نحوهما و كالتصديق بأن الكل أعظم من جزئه و أن الأربعة زوج و النظري ما يتوقف في تصوره أو التصديق به علي اكتساب و نظر كتصور ماهية الإنسان و الفرس و التصديق بأن الزوايا الثلاث من المثلث مساوية لقائمتين و أن الإنسان ذو نفس مجردة و العلوم النظرية تنتهي إلي العلوم البديهية و تتبين بها و إلا ذهب الأمر إلي غير النهاية ثم لم يفد علما علي ما بين في المنطق و البديهيات كثيرة مبينة في المنطق و أولاها بالقبول الأوليات و هي القضايا التي يكفي في التصديق بها تصور الموضوع و المحمول كقولنا الكل أعظم من جزئه و قولنا الشي ء ل يسلب عن نفسه و أولي الأوليات بالقبول قضية استحالة اجتماع النقيضين و ارتفاعهما و هي قضية منفصلة حقيقية إما أن يصدق الإيجاب أو يصدق السلب و لا تستغني عنها في إفادة العلم قضية نظرية و لا بديهية حتي الأوليات فإن قولنا الكل أعظم من جزئه إنما يفيد علما إذا كان نقيضه و هو قولن

*****ص 149*****

ليس الكل بأعظم من جزئه كاذب.

فهي أول قضية مصدق بها لا يرتاب فيها ذو شعور و تبتني عليها العلوم فلو وقع فيها شك سري ذلك في جميع العلوم و التصديقات.

تتمة

السوفسطي المنكر لوجود العلم غير مسلم لقضية أولي الأوائل إذ في تسليمها اعتراف بأن كل قضيتين متناقضتين فإن إحداهما حقة صادقة. ثم السوفسطي المدعي لانتفاء العلم و الشاك في كل شي ء إن اعترف بأنه يعلم أنه شاك فقد اعترف بعلم ما و سلم قضية أولي الأوائل فأمكن أن يلزم

بعلوم كثيرة تماثل علمه بأنه شاك كعلمه بأنه يري و يسمع و يلمس و يذوق و يشم و أنه ربما جاع فقصد ما يشبعه أو ظمأ فقصد ما يرويه و إذا ألزم بها ألزم بما دونها من العلوم لأن العلم ينتهي إلي الحس كما تقدم و إن لم يعترف بأنه يعلم أنه شاك بل أظهر أنه شاك في كل شي ء وشاك في شكه لا يدري شيئا سقطت معه المحاجة و لم ينجع فيه برهان و هذا الإنسان إما مبتلي بمرض أورثه اختلالا في الإدراك فليراجع الطبيب و إما معاند للحق يظهر ما يظهر لدحضه فليضرب و ليؤلم و ليمنع مما يقصده و يريده و ليؤمر بما يبغضه و يكرهه إذ لا يري حقيقة لشي ء من ذلك. نعم ربما راجع بعضهم هذه العلوم العقلية و هو غير مسلح بالأصول المنطقية و لا متدرب في صناعة البرهان فشاهد اختلاف الباحثين في المسائل بين الإثبات و النفي و الحجج التي أقاموها علي كل من طرفي النقيض

*****ص 150*****

و لم يقدر لقلة بضاعته علي تمييز الحق من الباطل فتسلم طرفي النقيض في مسألة بعد مسألة فأساء الظن بالمنطق و زعم أن العلوم نسبية غير ثابتة و الحقيقة بالنسبة إلي كل باحث ما دلت عليه حجته و ليعالج أمثال هؤلاء بإيضاح القوانين المنطقية و إراءة قضايا بديهية لا تقبل الترديد في حال من الأحوال كضرورة ثبوت الشي ء لنفسه و استحالة سلبه عن نفسه و غير ذلك و ليبالغ في تفهيم معاني أجزاء القضايا و ليؤمروا أن يتعلموا العلوم الرياضية و هاهنا طائفتان أخريان من الشكاكين فطائفة يتسلمون الإنسان و إدراكاته و يظهرون الشك في ما وراء ذلك فيقولون نحن و إدراكاتنا

و نشك فيما وراء ذلك و طائفة أخري تفطنوا بم في قولهم نحن و إدراكاتنا من الاعتراف بحقائق كثيرة من أناسي و إدراكات لهم و تلك حقائق خارجية فبدلوا الكلام بقولهم أنا و إدراكاتي و ما وراء ذلك مشكوك و يدفعه أن الإنسان ربما يخطي في إدراكاته كما في موارد أخطاء الباصرة و اللامسة و غيرها من أغلاط الفكر و لو لا أن هناك حقائق خارجة من الإنسان و إدراكاته تنطبق عليها إدراكاته أو لا تنطبق لم يستقم ذلك بالضرورة و ربما قيل إن قول هؤلاء ليس من السفسطة في شي ء بل المراد أن من المحتمل أن ل تنطبق الصور الظاهرة للحواس بعينها علي الأمور الخارجية بما لها من الحقيقة كما قيل إن الصوت بما له من الهوية الظاهرة علي السمع ليس له وجود في خارجه بل السمع إذ اتصل بالارتعاش بعدد كذا ظهر في السمع في صورة الصوت و إذا بلغ عدد الارتعاش كذ ارتعاشا ظهر في البصر في صورة الضوء و اللون فالحواس التي هي مبادي الإدراك لا تكشف عما وراءها من الحقائق و سائر الإدراكات منتهية إلي الحواس.

*****ص 151*****

و فيه أن الإدراكات إذا فرضت غير كاشفة عما وراءها فمن أين علم أن هناك حقائق وراء الإدراك لا يكشف عنها الإدراك ثم من أدرك أن حقيقة الصوت في خارج السمع ارتعاش بعدد كذا و حقيقة المبصر في خارج البصر ارتعاش بعدد كذا و هل يصل الإنسان إلي الصواب الذي يخطي فيه الحواس إلا من طريق الإدراك الإنساني و بعد ذلك كله تجويز أن لا ينطبق مطلق الإدراك علي ما وراءه لا يحتمل إلا السفسطة حتي أن قولنا يجوز أن لا ينطبق شي ء من

إدراكاتنا علي الخارج لا يؤمن أن لا يكشف بحسب مفاهيم مفرداته و التصديق الذي فيه عن شي ء.

الفصل التاسع: و ينقسم العلم الحصولي إلي حقيقي و اعتباري

الفصل التاسع و ينقسم العلم الحصولي إلي حقيقي و اعتباري

و الحقيقي هو المفهوم الذي يوجد تارة به وجود خارجي فيترتب عليه آثاره و تارة به وجود ذهني لا يترتب عليه آثاره و هذا هو الماهية و الاعتباري ما كان بخلاف ذلك و هو إما من المفاهيم التي حيثية مصداقها حيثية أنه في الخارج كالوجود و صفاته الحقيقية كالوحدة و الفعلية و غيرهما فلا يدخل الذهن و إلا لانقلب و إما من المفاهيم التي حيثية مصداقه حيثية أنه في الذهن كمفهوم الكلي و الجنس و النوع فلا يوجد في الخارج و إلا لانقلب و هذه المفاهيم إنما يعملها الذهن بنوع من التعمل و يوقعها علي مصاديقها لكن لا كوقوع الماهية و حملها علي أفرادها بحيث تؤخذ في حده و مما تقدم يظهر أولا أن ما كان من المفاهيم محمولا علي الواجب

*****ص 152*****

و الممكن معا كالوجود و الحياة فهو اعتباري و إلا لكان الواجب ذا ماهية تعالي عن ذلك و ثانيا أن ما كان منها محمولا علي أزيد من مقولة واحدة كالحركة فهو اعتباري و إلا كان مجنسا بجنسين فأزيد و هو محال و ثالثا أن المفاهيم الاعتبارية لا حد لها و لا تؤخذ في حد ماهية من الماهيات و للاعتباري معان أخر خارجة عن بحثنا منها الاعتباري مقابل الأصيل كالماهية مقابل الوجود و منها الاعتباري بمعني ما ليس له وجود منحاز مقابل ما له وجود منحاز كالإضافة الموجودة به وجود طرفيها مقابل الجوهر الموجود بنفسه و منها ما يوقع و يحمل علي الموضوعات بنوع من التشبيه و المناسبة للحصول

علي غاية عملية كإطلاق الرأس علي زيد لكون نسبته إلي القوم كنسبة الرأس إلي البدن حيث يدبر أمرهم و يصلح شأنهم و يشير إلي كل بما يخصه من واجب العمل.

الفصل العاشر: في أحكام متفرقة

الفصل العاشر في أحكام متفرقة

منها أن المعلوم بالعلم الحصولي ينقسم إلي معلوم بالذات و معلوم بالعرض و المعلوم بالذات هو الصورة الحاصلة بنفسها عند العالم و المعلوم بالعرض هو الأمر الخارجي الذي يحكيه الصورة العلمية و يسمي معلوما بالعرض و المجاز لاتحاد ما له مع المعلوم بالذات.

*****ص 153*****

و منها أنه تقدم أن كل معقول فهو مجرد كما أن كل عاقل فهو مجرد فليعلم أن هذه المفاهيم الظاهرة للقوة العاقلة التي تكتسب بحصولها لها الفعلية حيث كانت مجردة فهي أقوي وجودا من النفس العاقلة التي تستكمل بها و آثارها مترتبة عليها فهي في الحقيقة موجودات مجردة تظهر به وجوداتها الخارجية للنفس العالمة فتتحد النفس بها إن كانت صور جواهر و بموضوعاتها المتصفة بها إن كانت أعراضا لكنا لاتصالنا من طريق أدوات الإدراك بالمواد نتوهم أنها نفس الصور القائمة بالمواد نزعناها من المواد من دون آثاره المترتبة عليها في نشأة المادة فصارت وجودات ذهنية للأشياء لا يترتب عليها آثاره. فقد تبين بهذا البيان أن العلوم الحصولية في الحقيقة علوم حضورية و بان أيضا أن العقول المجردة عن المادة لا علم حصوليا عندها لانقطاعها عن المادة ذاتا و فعل.

الفصل الحادي عشر: كل مجرد فهو عاقل

الفصل الحادي عشر كل مجرد فهو عاقل

لأن المجرد تام ذاتا لا تعلق له بالقوة فذاته التامة حاضرة لذاته موجودة لها ول نعني بالعلم إلا حضور شي ء لشي ء بالمعني الذي تقدم هذا في علمه بنفسه و أما علمه بغيره فإن له لتمام ذاته إمكان أن يعقل كل ذات تام يمكن أن يعقل و ما للموجود المجرد بالإمكان فهو له بالفعل فهو عاقل بالفعل لكل مجرد تام الوجود كما أن كل مجرد فهو معقول بالفعل و عقل بالفعل.

*****ص 154*****

فإن قلت مقتضي

ما ذكر كون النفس الإنسانية عاقلة لكل معقول لتجردها و هو خلاف الضرورة. قلت هو كذلك لكن النفس مجردة ذاتا لا فعلا فهي لتجردها ذاتا تعقل ذاتها بالفعل لكن تعلقها فعلا يوجب خروجها من القوة إلي الفعل تدريجا بحسب الاستعدادات المختلفة فإذ تجردت تجردا تاما و لم يشغلها تدبير البدن حصلت لها جميع العلوم حصولا بالعقل الإجمالي و تصير عقلا مستفادا بالفعل و غير خفي أن هذا البرهان إنما يجري في الذوات المجردة الجوهرية التي وجودها لنفسه و أما أعراضها التي وجودها لغيرها فلا بل العاقل لها موضوعاته.

الفصل الثاني عشر: في العلم الحضوري و أنه لا يختص بعل

الفصل الثاني عشر في العلم الحضوري و أنه لا يختص بعلم الشي ء بنفسه

قد تقدم أن الجواهر المجردة لتمامها و فعليتها حاضرة في نفسها لنفسها فهي عالمة بنفسها علما حضوريا فهل يختص العلم الحضوري بعلم الشي ء بنفسه أو يعمه و علم العلة بمعلولها إذا كانا مجردين و بالعكس المشاءون علي الأول و الإشراقيون علي الثاني و هو الحق و ذلك لأن وجود المعلول كما تقدم رابط لوجود العلة قائم به غير مستقل عنه فهو إذ كانا مجردين حاضر بتمام وجوده عند علته لا حائل بينهما فهو بنفس وجوده معلوم له علما حضوري و كذلك العلة حاضرة به وجودها لمعلولها القائم بها المستقل باستقلالها إذا كانا مجردين من غير حائل يحول بينهما فهي معلومة لمعلولها علما حضوريا و هو المطلوب

*****ص 155*****

المرحلة الثانية عشر: فيما يتعلق بالواجب تعالي من إثبات ذاته و صفاته و أفعاله

اشارة

المرحلة الثانية عشر فيما يتعلق بالواجب تعالي من إثبات ذاته و صفاته و أفعاله

و فيه أربعة عشر فصلا

*****ص 156*****

الفصل الأول: في إثبات ذاته تعالي

الفصل الأول في إثبات ذاته تعالي

حقيقة الوجود التي هي أصيلة لا أصيل دونها و صرفة لا يخالطها غيرها لبطلان الغير فلا ثاني لها كما تقدم في المرحلة الأولي واجبة الوجود لضرورة ثبوت الشي ء لنفسه و امتناع صدق نقيضه و هو العدم عليه و وجوبها إما بالذات أو بالغير لكن كون وجوبه بالغير خلف إذ لا غير هناك و لا ثاني لها فهي واجبة الوجود بالذات.

حجة أخري

الماهيات الممكنة المعلولة موجودة فهي واجبة الوجود لأن الشي ء ما لم يجب لم يوجد و وجوبها بالغير إذ لو كان بالذات لم يحتج إلي علة و العلة التي بها يجب وجوده موجودة واجبة و وجوبها إما بالذات أو بالغير و ينتهي إلي الواجب بالذات لاستحالة الدور و التسلسل.

*****ص 157*****

الفصل الثاني: في إثبات وحدانيته تعالي

الفصل الثاني في إثبات وحدانيته تعالي

كون واجب الوجود تعالي حقيقة الوجود الصرف التي لا ثاني لها يثبت وحدانيته تعالي بالوحدة الحقة التي يستحيل معها فرض التكثر فيها إذ كل ما فرض ثانيا لها عاد أول لعدم الميز بخلاف الوحدة العددية التي إذا فرض معها ثان عاد مع الأول اثنين و هكذ.

حجة أخري

لو كان هناك واجبان فصاعدا امتاز أحدهما من الآخر بعد اشتراكهما في وجوب الوجود وم به الامتياز غير ما به الاشتراك بالضرورة و لازمه تركب ذاتهما مما به الاشتراك وم به الامتياز و لازم التركب الحاجة إلي الأجزاء و هي تنافي الوجوب الذاتي الذي هو مناط الغني الصرف.

تتمة

أورد ابن كمونة علي هذه الحجة أنه لم لا يجوز أن يكون هناك هويتان بسيطتان مجهولت الكنه مختلفتان بتمام الماهية يكون كل منهما واجب الوجود بذاته و يكون مفهوم واجب الوجود منتزعا منهما مقولا عليهما قولا عرضي و أجيب عنه بأن فيه انتزاع

مفهوم واحد من مصاديق مختلفة بما هي

*****ص 158*****

مختلفة و هو غير جائز. علي أن فيه إثبات الماهية للواجب و قد تقدم إثبات أن ماهيته تعالي وجوده و فيه أيض اقتضاء الماهية للوجود و قد تقدم أصالته و اعتباريتها و لا معني لاقتضاء الاعتباري للأصيل و يتفرع علي وحدانيته تعالي بهذا المعني أن وجوده تعالي غير محدود بحد عدمي يوجب انسلابه عما وراءه و يتفرع أيضا أن ذاته تعالي بسيطة منفي عنها التركيب بأي وجه فرض إذ التركيب بأي وجه فرض لا يتحقق إلا بأجزاء يتألف منها الكل و يتوقف تحققه علي تحققها و هو الحاجة إليه و الحاجة تنافي الوجوب الذاتي.

الفصل الثالث: في أن الواجب تعالي هو المبدأ المفيض لكل وجود و كمال وجودي

الفصل الثالث في أن الواجب تعالي هو المبدأ المفيض لكل وجود و كمال وجودي

كل موجود غيره تعالي ممكن بالذات لانحصار الوجوب بالذات فيه تعالي و كل ممكن فإن له ماهية هي التي تستوي نسبتها إلي الوجود و العدم و هي التي تحتاج في وجودها إلي علة بها يجب وجودها فتوجد و العلة إن كانت واجبة بالذات فهو و إن كانت واجبة بالغير انتهي ذلك إلي الواجب بالذات فالواجب بالذات هو الذي يفيض عنه وجود كل ذي وجود من الماهيات.

*****ص 159*****

و من طريق آخر

ما سواه تعالي من الوجودات الإمكانية فقراء في أنفسها متعلقات في حدود ذواتها فهي وجودات رابطة لا استقلال لها حدوثا و لا بقاء و إنما تتقوم بغيرها و ينتهي ذلك إلي وجود مستقل في نفسه غني في ذاته لا تعلق له بشي ء تعلق الفقر و الحاجة و هو الواجب الوجود تعالي و تقدس. فتبين أن الواجب الوجود تعالي هو المفيض لوجود ما سواه و كما أنه مفيض لها مفيض لآثارها القائمة بها

و النسب و الروابط التي بينها فإن العلة الموجبة للشي ء المقومة لوجوده علة موجبة لآثاره و النسب القائمة به و مقومة لها فهو تعالي وحده المبدأ الموجد لما سواه المالك لها المدبر لأمرها فهو رب العالمين لا رب سواه.

تتمة

قالت الثنوية إن في الوجود خيرا و شرا و هما متضادان لا يستندان إلي مبدإ واحد فهناك مبدئان مبدأ الخيرات و مبدأ الشرور و عن أفلاطون في دفعه أن الشر عدم و العدم لا يحتاج إلي علة فياضة بل علته عدم الوجود و قد بين الصغري بأمثلة جزئية كالقتل الذي هو شر مثلا فإن الشر ليس هو قدرة القاتل عليه فإنه كمال له و لا حدة السيف مثلا و صلاحيته للقطع فإنه كمال فيه و لا انفعال رقبة المقتول من الضربة فإنه من كمال البدن فلا يبقي للشر إلا بطلان حياة المقتول بذلك و هو أمر عدمي و علي هذا القياس في سائر الموارد و عن أرسطو أن الأقسام خمسة ما هو خير محض و ما خيره كثير و شره

*****ص 160*****

قليل و ما خيره و شره متساويان و ما شره كثير و خيره قليل و ما هو شر محض و أول الأقسام موجود كالعقول المجردة التي ليس فيها إلا الخير و كذا القسم الثاني كسائر الموجودات المادية التي فيها خير كثير بالنظر إلي النظام العام فإن في ترك إيجاده شرا كثير و أما الأقسام الثلاثة الباقية فهي غير موجودة إما ما خيره و شره متساويان فإن في إيجاده ترجيحا بلا مرجح و أما ما شره كثير و خيره قليل فإن في إيجاده ترجيح المرجوح علي الراجح و أما ما هو شر محض فأمره واضح و بالجملة

لم يستند بالذات إلي العلة إل الخير المحض و الخير الكثير و أما الشر القليل فقد استند إليها بعرض الخير الكثير الذي يلزمه.

الفصل الرابع: في صفات الواجب الوجود تعالي و معني اتصافه به

الفصل الرابع في صفات الواجب الوجود تعالي و معني اتصافه به

تنقسم الصفات الواجبية بالقسمة الأولية إلي ما تكفي في ثبوته الذات المتعالية من غير حاجة إلي فرض أمر خارج كحياته تعالي و علمه بنفسه و تسمي الصفة الذاتية و ما ل يتم الاتصاف به إلا مع فرض أمر خارج من الذات كالخلق و الرزق و الإحياء و تسمي الصفة الفعلية و الصفات الفعلية كثيرة و هي علي كثرتها منتزعة من مقام الفعل خارجة عن الذات و الكلام في هذه الفصول في الصفات الذاتية فنقول قد عرفت أنه تعالي هو المبدأ المفيض لكل وجود و كمال وجودي و قد ثبت في المباحث السابقة أن العلة المفيضة لشي ء واجدة

*****ص 161*****

لحقيقة ذلك الشي ء بنحو أعلي و أشرف فمعطي الشي ء غير فاقد له فله سبحانه اتصاف م بصفات الكمال كالعلم و القدرة و الحياة فلننظر في أقسام الصفات و نحو اتصافه بها فنقول تنقسم الصفة إلي ثبوتية كالعالم و القادر و سلبية تفيد معني سلبيا لكنك عرفت آنفا أنه لا يجوز سلب كمال من الكمالات منه تعالي لكونه مبدأ كل كمال فصفاته السلبية ما دل علي سلب النقص و الحاجة كمن ليس بجاهل و من ليس بعاجز و ما ليس بجوهر و لما كان النقص و الحاجة في معني سلب الكمال كانت الصفة السلبية المفيدة لسلب النقص راجعة إلي سلب سلب الكمال و هو إيجاب الكمال فمعني ليس بجاهل سلب سلب العلم و معناه إيجاب العلم. ثم الصفات الثبوتية تنقسم إلي حقيقية كالعالم و إضافية كالقادرية

و العالمية و تنقسم الحقيقية إلي حقيقية محضة كالحي و حقيقية ذات إضافة كالعالم بالغير و لا ريب في زيادة الصفات الإضافية علي الذات المتعالية لأنها معان اعتبارية و جلت الذات أن تكون مصداقا لها و الصفات السلبية ترجع إلي الثبوتية الحقيقية فحكمه حكمه و أما الصفات الحقيقية أعم من الحقيقية المحضة و الحقيقية ذات الإضافة ففيها أقوال أحدها أنها عين الذات المتعالية و كل منها عين الأخري و ثانيها أنها زائدة علي الذات لازمة لها فهي قديمة بقدمها و ثالثها أنها زائدة علي الذات حادثة و رابعها أن معني اتصاف الذات بها كون الفعل الصادر منها فعل من تلبس بها فمعني كونها عالمة أنه تفعل فعل العالم في إتقانه و إحكامه و دقة جهاته و هكذا فالذات نائبة مناب الصفات.

*****ص 162*****

و الحق هو الأول المنسوب إلي الحكماء لما عرفت أن ذاته المتعالية مبدأ لكل كمال وجودي و مبدأ الكمال غير فاقد له ففي ذاته حقيقة كل كمال يفيض عنه و هو العينية. ثم حيث كانت كل من صفات كماله عين الذات الواجدة للجميع فهي أيضا واجدة للجميع و عينها فصفات كماله مختلفة بحسب المفهوم واحدة بحسب المصداق الذي هو الذات المتعالية و قول بعضهم إن علة الإيجاد مشيئته و إرادته تعالي دون ذاته كلام لا محصل له فإن الإرادة عند هذا القائل إن كانت صفة ذاتية هي عين الذات كانت نسبة الإيجاد إلي الإرادة عين نسبته إلي الذات فلم يأت بطائل و إن كانت من صفات الفعل المنتزعة من مقام الفعل فللفعل تقدم عليها و استناده في وجوده إليها تقدم المعلول علي العلة و هو محال علي أن لازم هذا القول كون نسبة الإيجاد

و الخلق إليه تعالي مجاز و أما القول الثاني و هو منسوب إلي الأشاعرة ففيه أن هذه الصفات و هي علي ما عدوه الحياة و القدرة و العلم و السمع و البصر و الإرادة و الكلام إما أن تكون معلولة أو غير معلولة لشي ء. فإن لم تكن معلولة لشي ء و كانت موجودة في نفسها واجبة في ذاتها كانت هناك واجبات ثمان و هي الذات و الصفات السبع و أدلة وحدانية الواجب تبطله و إن كانت معلولة فإما أن تكون معلولة لغير الذات المتصفة بها أو معلولة لها و علي الأول كانت واجبة بالغير و ينتهي وجوبها بالغير إلي واجب بالذات غير الواجب بالذات الموصوف بها و أدلة وحدانية الواجب تبطله كالشق السابق علي أن فيه حاجة الواجب الوجود لذاته في اتصافه بصفات كماله إلي غيره و هو محال و علي الثاني يلزم كون الذات المفيضة لها متقدمة عليها بالعلية و هي

*****ص 163*****

فاقدة لما تعطيه من الكمال و هو محال. علي أن فيه فقدان الواجب في ذاته صفات الكمال و قد تقدم أنه صرف الوجود الذي لا يشذ عنه وجود و لا كمال وجودي هذا خلف و أما القول الثالث و هو منسوب إلي الكرامية فلازم ما فيه من كون الصفات زائدة حادثة كون الذات المتعالية ذات مادة قابلة للصفات التي تحدث فيها و لازمة تركب الذات و هو محال و كون الذات خالية في نفسها عن الكمال و هو محال و أما القول الرابع و هو منسوب إلي المعتزلة فلازم ما فيه من نيابة الذات عن الصفات خلوها عنها و هو كما عرفت وجود صرف لا يشذ عنه وجود و لا كمال وجودي هذا خلف.

الفصل الخامس: في علمه تعالي

الفصل الخامس في علمه تعالي

قد تقدم أن لكل مجرد عن المادة علما بذاته لحضور ذاته عند ذاته و هو علمه بذاته و تقدم أيضا أن ذاته المتعالية صرف الوجود الذي لا يحده حد و لا يشذ عنه وجود ول كمال وجودي فما في تفاصيل الخلقة من وجود أو كمال وجودي بنظامها الوجودي فهو موجود عنده بنحو أعلي و أشرف غير متميز بعضها من بعض فهو معلوم عنده علما إجماليا في عين الكشف التفصيلي. ثم إن الموجودات بما هي معاليل له قائمة الذوات به قيام الرابط

*****ص 164*****

بالمستقل حاضرة به وجوداتها عنده فهي معلومة له علما حضوريا في مرتبة وجوداته المجردة منها بأنفسها و المادية منها بصورها المجردة. فقد تحقق أن للواجب تعالي علما حضوريا بذاته و علما حضوريا تفصيليا بالأشياء في مرتبة ذاته قبل إيجادها و هو عين ذاته و علما حضوريا تفصيليا بها في مرتبتها و هو خارج من ذاته و من المعلوم أن علمه بمعلولاته يستوجب العلم بما عندها من العلم.

تتمة

و لما كانت حقيقة السمع و البصر هي العلم بالمسموعات و المبصرات كانا من مطلق العلم و ثبتا فيه تعالي فهو تعالي سميع بصير كما أنه عليم خبير.

تنبيه و إشارة

للناس في علمه تعالي أقوال مختلفة و مسالك متشتتة أخر نشير إلي ما هو المعروف منه أحدها أن لذاته تعالي علما بذاته دون معلولاته لأن الذات أزلية و لا معلول إلا حادث و فيه أن العلم بالمعلول في الأزل لا يستلزم وجوده في الأزل به وجوده الخاص به كم عرفت. الثاني ما نسب إلي المعتزلة أن للماهيات ثبوتا عينيا في العدم و هي التي تعلق به علمه تعالي قبل الإيجاد و فيه أنه تقدم بطلان

القول بثبوت المعدومات.

*****ص 165*****

الثالث ما نسب إلي الصوفية أن للماهيات الممكنة ثبوتا علميا بتبع الأسماء و الصفات هو المتعلق لعلمه تعالي قبل الإيجاد و فيه أن القول بأصالة الوجود و اعتبارية الماهيات ينفي أي ثبوت مفروض للماهية قبل وجودها العيني الخاص به. الرابع ما نسب إلي أفلاطن أن علمه تعالي التفصيلي بالأشياء هو المفارقات النورية و المثل الإلهية التي تتجمع فيها كمالات الأنواع و فيه أن ذلك علي تقدير ثبوتها إنما يكفي لتصوير العلم التفصيلي بالأشياء في مرتبته لا في مرتبة الذات فتبقي الذات خالية من الكمال العلمي و هو وجود صرف لا يشذ عنه كمال وجودي هذا خلف. الخامس ما نسب إلي شيخ الإشراق و تبعه جمع من المحققين أن الأشياء بأسرها من المجردات و الماديات حاضرة به وجودها عنده تعالي غير غائبة عنه و هو علمه التفصيلي بالأشياء و فيه أن المادية لا تجامع الحضور كما تقدم في مباحث العلم و المعلوم علي أنه إنم يكفي لتصوير العلم التفصيلي في مرتبة الأشياء فتبقي الذات خالية في نفسها عن الكمال العلمي كما في القول الرابع. السادس ما نسب إلي ثاليس المطلي و هو أنه تعالي يعلم العقل الأول و هو المعلول الأول بحضور ذاته عنده و يعلم سائر الأشياء بارتسام صورها في العقل الأول و فيه أنه يرد عليه ما ورد علي سابقه. السابع قول بعضهم إن ذاته تعالي علم تفصيلي بالمعلول الأول و إجمالي بما دونه و ذات المعلول الأول علم تفصيلي بالمعلول الثاني و إجمال بما دونه و هكذ و فيه ما في سابقه.

*****ص 166*****

الثامن ما نسب إلي فرفوريوس أن علمه تعالي باتحاده مع المعقول و فيه أنه إنما يكفي لبيان نحو

تحقق العلم و أنه بالاتحاد دون العروض و نحوه و أما كونه علما تفصيليا بالأشياء قبل الإيجاد مثلا فلا ففيه ما في سابقه. التاسع ما نسب إلي أكثر المتأخرين أن علمه بذاته علم إجمالي بالأشياء فهو تعالي يعلم الأشياء كلها إجمالا بعلمه بذاته و أما علمه بالأشياء تفصيلا فبعد وجودها لأن العلم تابع للمعلوم و لا معلوم قبل وجود المعلوم و فيه ما في سابقه علي أن كون علمه تعالي علي نحو الارتسام و الحصول ممنوع كما سيأتي. العاشر ما نسب إلي المشاءين أن علمه تعالي بالأشياء قبل إيجادها بحضور ماهياتها علي النظام الموجود في الوجود لذاته تعالي لا علي نحو الدخول فيها و الاتحاد بها بل علي نحو قيامها بها بالثبوت الذهني علي وجه الكلية بمعني عدم تغير العلم بتغير المعلوم فهو علم عنائي حصوله العلمي مستتبع لحصوله العيني و قد جري علي هذا القول أكثر المتكلمين و إن خطئوه و طعنوا فيه من حيث إثبات الكلية في العلم فإنهم جروا علي كونه علما حصوليا قبل الإيجاد و أنه علي حاله قبل وجود الأشياء و بعده و فيه ما في سابقه علي أن فيه إثبات العلم الحصولي لموجود مجرد ذاتا و فعلا و قد تقدم في مباحث العلم و المعلوم أن الموجود المجرد ذاتا و فعلا لا يتحقق فيه علم حصولي علي أن فيه إثبات وجود ذهني من غير وجود عيني يقاس إليه و لازمه أن يعود وجودا عينيا آخر للموجود الخارجي قبل وجوده العيني الخاص به و منفصلا عنه تعالي و يرجع لا محالة إلي القول الرابع.

*****ص 167*****

الفصل السادس: في قدرته تعالي

الفصل السادس في قدرته تعالي

قد تقدم أن القدرة كون الشي ء مصدرا للفعل عن علم و

من المعلوم أن الذي ينتهي إليه الموجودات الممكنة هو ذاته المتعالية إذ لا يبقي وراء الوجود الممكن إلا الوجود الواجبي من غير قيد و شرط فهو المصدر للجميع و علمه عين ذاته التي هي المبدأ لصدور المعاليل الممكنة فله القدرة و هي عين ذاته. فإن قلت أفعال الإنسان الاختيارية مخلوقة لنفس الإنسان لأنها منوطة باختياره إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل و لو كانت مخلوقة لله سبحانه مقدورة له كان الإنسان مجبر علي الفعل لا مختارا فيه فأفعال الإنسان الاختيارية خارجة عن تعلق القدرة فالقدرة لا تعم كل شي ء. قلت ليس معني كون الفعل اختياريا تساوي نسبته إلي الوجود و العدم حتي حين الصدور فمن المحال صدور الممكن من غير ترجح و تعين لأحد جانبي وجوده و عدمه بل الفعل الاختياري لكونه ممكنا في ذاته يحتاج في وجوده إلي علة تامة لا يتخلف عنها نسبته إليها نسبة الوجوب و أما نسبته إلي الإنسان الذي هو جزء من أجزاء علته التامة فبالإمكان كسائر الأجزاء التي لها من المادة القابلة و سائر الشرائط الزمانية و المكانية و غيره. فالفعل الاختياري لا يقع إلا واجبا بالغير كسائر المعلولات و من المعلوم أن الوجوب بالغير لا يتحقق إلا بالانتهاء إلي واجب بالذات و لا واجب

*****ص 168*****

بالذات إلا هو تعالي فقدرته تعالي عامة حتي للأفعال الاختيارية و من طريق آخر الأفعال كغيرها من الممكنات معلولة و قد تقدم في مرحلة العلة و المعلول أن وجود المعلول رابط بالنسبة إلي علته و لا يتحقق وجود رابط إلا بالقيام بمستقل يقومه و لا مستقل بالذات إلا الواجب بالذات فهو مبدأ أول لصدور كل معلول متعلق الوجود بعلة و هو

علي كل شي ء قدير. فإن قلت الالتزام بعموم القدرة للأفعال الاختيارية التزام بكونها جبرية فإن لازمه القول بتعلق الإرادة الإلهية بالفعل الاختياري و هي لا تتخلف عن المراد فيكون ضروري الوقوع و يكون الإنسان مجبرا عليه لا مختارا فيه و بوجه آخر ما وقع من الفعل متعلق لعلمه تعالي فوقوعه ضروري و إلا عاد علمه جهلا تعالي عن ذلك فالفعل جبري لا اختياري. قلت كلا فالإرادة الإلهية إنما تعلقت بالفعل علي ما هو عليه في نفسه و الذي عليه الفعل هو أنه منسوب إلي الإنسان الذي هو جزء علته التامة بالإمكان و لا يتغير بتعلق الإرادة عما هو عليه فقد تعلقت الإرادة بالفعل من طريق اختيار الإنسان و مراده تعالي أن يفعل الإنسان الفعل الفلاني باختياره و من المحال أن يتخلف مراده تعالي عن إرادته و الجواب عن الاحتجاج بتعلق العلم الأزلي بالفعل كالجواب عن تعلق الإرادة به فالعلم إنما تعلق بالفعل علي ما هو عليه و هو أنه فعل اختياري يتمكن الإنسان منه و من تركه و لا يخرج العلم المعلوم عن حقيقته فلو لم يقع اختياريا كان علمه تعالي جهل. فإن قلت السلوك إلي بيان عموم القدرة من طريق توقف وجود المعلول الممكن علي وجوبه بالغير و انتهاء ذلك إلي الواجب بالذات ينتج خلاف

*****ص 169*****

المطلوب فإن كون فعله تعالي واجبا يستلزم كونه تعالي موجبا بفتح الجيم أي واجب عليه الفعل ممتنعا عليه الترك و لا معني لعموم القدرة حينئذ. قلت الوجوب كما تعلم منتزع من الوجود فكما أن وجود المعلول من ناحية العلة كذلك وجوبه بالغير من ناحيتها و من المحال أن يعود الأثر المترتب علي وجود الشي ء مؤثر في وجود مؤثرة فالإيجاب

الجائي من ناحيته تعالي إلي فعله يستحيل أن يرجع فيوجب عليه تعالي فعله و يسلب عنه بذلك عموم القدرة و هي عين ذاته و يتبين بما تقدم أنه تعالي مختار بالذات إذ لا إجبار إلا من أمر وراء الفاعل يحمله علي خلاف ما يقتضيه أو علي ما لا يقتضيه و ليس وراءه تعالي إلا فعله و الفعل ملائم لفاعله فما فعله من فعل هو الذي تقتضيه ذاته و يختاره بنفسه.

الفصل السابع: في حياته تعالي

الفصل السابع في حياته تعالي

الحي عندنا هو الدراك الفعال فالحياة مبدأ الإدراك و الفعل أي مبدأ العلم و القدرة أو أمر يلازمه العلم و القدرة و إذ كانت الحياة تحمل علينا و العلم و القدرة فينا زائدتان علي الذات فحملها علي ما كانتا فيه موجودتين للذات علي نحو العينية كالذات الواجبة الوجود بالذات أولي و أحق فهو تعالي حياة وحي بالذات. علي أنه تعالي مفيض لحياة كل حي و معطي الشي ء غير فاقد له.

*****ص 170*****

الفصل الثامن: في إرادته تعالي و كلامه

الفصل الثامن في إرادته تعالي و كلامه

قالوا إرادته تعالي علمه بالنظام الأصلح و بعبارة أخري علمه بكون الفعل خيرا فهي وجه من وجوه علمه تعالي كما أن السمع بمعني العلم بالمسموعات و البصر بمعني العلم بالمبصرات وجهان من وجوه علمه فهو عين ذاته تعالي و قالوا الكلام فيما نتعارفه لفظ دال علي ما في الضمير كاشف عنه فهناك موجود اعتباري و هو اللفظ الموضوع يدل دلالة وضعية اعتبارية علي موجود آخر و هو الذي في الذهن و لو كان هناك موجود حقيقي دال بالدلالة الطبعية علي موجود آخر كذلك كالأثر الدال علي مؤثره وصفة الكمال في المعلول الكاشفة عن الكمال الأتم في علته كان أولي و أحق بأن يسمي كلاما لقوة دلالته و لو كان هناك موجود أحدي الذات ذو صفات كمال في ذاته بحيث يكشف بتفاصيل كماله و ما يترتب عليه من الآثار عن وجوده الأحدي و هو الواجب تعالي كان أولي و أحق باسم الكلام و هو متكلم لوجود ذاته لذاته. أقول فيه إرجاع تحليلي لمعنيي الإرادة و الكلام إلي وجه من وجوه العلم و القدرة فل ضرورة تدعو إلي إفرادهما عن العلم و القدرة و ما نسب

إليه تعالي في الكتاب و السنة من الإرادة و الكلام أريد به صفة الفعل بالمعني الذي سيأتي إن شاء الله

*****ص 171*****

الفصل التاسع: في فعله تعالي و انقساماته

الفصل التاسع في فعله تعالي و انقساماته

لفعله تعالي بمعني المفعول و هو الوجود الفائض منه انقسامات بحسب ما تحصل من الأبحاث السابقة كانقسامه إلي مجرد و مادي و انقسامه إلي ثابت و سيال و إلي غير ذلك و المراد في هذا الفصل الإشارة إلي ما تقدم سابقا أن العوالم الكلية ثلاثة عالم العقل و عالم المثال و عالم المادة. فعالم العقل مجرد عن المادة و آثاره و عالم المثال مجرد عن المادة دون آثارها من الأبعاد و الأشكال و الأوضاع و غيرها ففيه أشباح جسمانية متمثلة في صفة الأجسام التي في عالم المادة علي نظام يشبه نظامها في عالم المادة غير أن تعقب بعضها لبعض بالترتب الوجودي بينها لا بتغير صورة إلي صورة أو حال إلي حال بالخروج من القوة إلي الفعل من طريق الحركة علي ما هو الشأن في عالم المادة فحال الصور المثالية في ترتب بعضها علي بعض حال الصور الخيالية من الحركة و التغير و العلم مجرد لا قوة فيه و لا تغير فهو علم بالتغير لا تغير في العلم و عالم المادة بجواهرها و أعراضها مقارن للمادة و العوالم الثلاثة مترتبة وجودا فعالم العقل قبل عالم المثال و عالم المثال قبل عالم المادة وجودا و ذلك لأن الفعلية المحضة التي لا تشوبها قوة أقوي و أشد وجودا مما هو بالقوة محضا أو تشوبه قوة فالمفارق قبل المقارن للمادة

*****ص 172*****

ثم العقل المفارق أقل حدودا و قيودا و أوسع و أبسط وجودا من المثال المجرد و كلما كان الوجود أقوي و أوسع

كانت مرتبته في السلسلة المترتبة من حقيقة الوجود المشككة أقدم و من المبدإ الأول الذي هو وجود صرف ليس له حد يحده و لا كمال يفقده أقرب فعالم العقل أقدم وجودا من الجميع و يليه عالم المثال و يليه عالم المادة و يتبين بما ذكر أن الترتيب المذكور ترتيب في العلية أي إن عالم العقل علة مفيضة لعالم المثال و عالم المثال علة مفيضة لعالم المادة و يتبين أيضا بمعونة ما تقدم من أن العلة مشتملة علي كمال المعلول بنحو أعلي و أشرف أن العوالم الثلاثة متطابقة متوافقة ففي عالم المثال نظام مثالي يضاهي النظام المادي و هو أشرف منه و في عالم العقل ما يطابقه لكنه موجود بنحو أبسط و أجمل و يطابقه النظام الربوبي الموجود في علم الواجب تعالي.

الفصل العاشر: في العقل المفارق و كيفية حصول الكثرة ف

الفصل العاشر في العقل المفارق و كيفية حصول الكثرة فيه لو كانت فيه كثرة

و ليعلم أن الماهية لا تتكثر تكثرا إفراديا إلا بمقارنة المادة و البرهان عليه إن الكثرة العددية إما أن تكون تمام ذات الماهية أو بعض ذاتها أو خارجة من ذاتها إم لازمة أو مفارقة و الأقسام الثلاثة الأول يستحيل أن يوجد لها فرد إذ كلما وجد له فرد كان كثيرا و كل كثير مؤلف من آحاد و الواحد منها يجب أن يكون كثيرا لكونه مصداق للماهية و هذا الكثير أيضا مؤلف من آحاد فيتسلسل و لا ينتهي إلي واحد فلا يتحقق له واحد فلا يتحقق كثير هذا خلف فلا تكون الكثرة إلا خارجة مفارقة يحتاج لحوقه

*****ص 173*****

إلي مادة قابلة فكل ماهية كثيرة الأفراد فهي مادية و ينعكس عكس النقيض إلي أن كل ماهية غير مادية و هي المجردة وجودا لا تتكثر

تكثرا إفراديا و هو المطلوب. نعم تمكن الكثرة الأفرادية في العقل المفارق فيما لو استكملت أفراد من نوع مادي كالإنسان بالحركة الجوهرية من مرحلة المادية و الإمكان إلي مرحلة التجرد و الفعلية فتستصحب التميز الفردي الذي كان لها عند كونها مادية. ثم إنه لما استحالت الكثرة الأفرادية في العقل المفارق فلو كانت فيه كثرة فهي الكثرة النوعية بأن توجد منه أنواع متباينة كل نوع منها منحصر في فرد و يتصور ذلك علي أحد وجهين إما طولا و إما عرضا و الكثرة طولا أن يوجد هناك عقل ثم عقل إلي عدد معين كل سابق منها علة فاعلة للاحقه مباين له نوعا و الكثرة عرضا أن يوجد هناك أنواع كثيرة متباينة ليس بعضها علة لبعض و لا معلولا و هي جميعا معلولات عقل واحد فوقه.

الفصل الحادي عشر: في العقول الطولية و أول ما يصدر من

الفصل الحادي عشر في العقول الطولية و أول ما يصدر منه

لما كان الواجب تعالي واحدا بسيطا من جميع الجهات امتنع أن يصدر منه الكثير سواء كان الصادر مجردا كالعقول العرضية أو ماديا كالأنواع المادية لأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد فأول صادر منه تعالي عقل واحد يحاكي به وجوده الواحد الظلي وجود الواجب تعالي في وحدته و لما كان معني أوليته هو تقدمه في الوجود علي غيره من الوجودات الممكنة و هو العلية كان علة متوسطة بينه تعالي و بين سائر الصوادر منه فهو الواسطة في صدور ما دونه م ليس في ذلك تحديد القدرة المطلقة الواجبية

*****ص 174*****

التي هي عين الذات المتعالية علي ما تقدم البرهان عليها و ذلك لأن صدور الكثير من حيث هو كثير من الواحد من حيث هو واحد ممتنع علي ما تقدم و القدرة لا تتعلق إل

بالممكن و أما المحالات الذاتية الباطلة الذوات كسلب الشي ء عن نفسه و الجمع بين النقيضين و رفعهما مثلا فلا ذات لها حتي تتعلق بها القدرة فحرمانها من الوجود ليس تحديدا للقدرة و تقييدا لإطلاقه. ثم إن العقل الأول و إن كان واحدا في وجوده بسيطا في صدوره لكنه لمكان إمكانه تلزمه ماهية اعتبارية غير أصيلة لأن موضوع الإمكان هي الماهية و من وجه آخر هو يعقل ذاته و يعقل الواجب تعالي فيتعدد فيه الجهة و يمكن أن يكون لذلك مصدرا لأكثر من معلول واحد. لكن الجهات الموجودة في عالم المثال الذي دون عالم العقل بالغة مبلغا لا تفي بصدورها الجهات القليلة التي في العقل الأول فلا بد من صدور عقل ثان ثم ثالث و هكذ حتي تبلغ جهات الكثرة عددا يفي بصدور العالم الذي يتلوه من المثال. فتبين أن هناك عقولا طولية كثيرة و إن لم يكن لنا طريق إلي إحصاء عدده.

الفصل الثاني عشر: في العقول العرضية

الفصل الثاني عشر في العقول العرضية

أثبت الإشراقيون في الوجود عقولا عرضية لا علية و لا معلولية بينها هي

*****ص 175*****

بحذاء الأنواع المادية التي في هذا العالم المادي يدبر كل منها ما يحاذيه من النوع و تسمي أرباب الأنواع و المثل الأفلاطونية لأنه كان يصر علي القول بها و أنكره المشاءون و نسبوا التدابير المنسوبة إليها إلي آخر العقول الطولية الذي يسمونه العقل الفعال و قد اختلفت أقوال المثبتين في حقيقتها و أصح الأقوال فيها علي ما قيل هو أن لكل نوع من هذه الأنواع المادية فردا مجردا في أول الوجود واجدا بالفعل جميع الكمالات الممكنة لذاك النوع يعتني بأفراده المادية فيدبرها بواسطة صورته النوعية فيخرجها من القوة إلي الفعل بتحريكها حركة جوهرية بما يتبعها

من الحركات العرضية و قد احتجوا لإثباتها بوجوه منها أن القوي النباتية من الغاذية و النامية و المولدة أعراض حالة في جسم النبات متغيرة بتغيره متحللة بتحلله ليس لها شعور و إدراك فيستحيل أن تكون هي المبادئ الموجدة لهذه التراكيب و الأفاعيل المختلفة و الأشكال و التخاطيط الحسنة الجميلة علي ما فيها من نظام دقيق متقن تتحير فيه العقول و الألباب فليس إل أن هناك جوهرا مجردا عقليا يدبر أمرها و يهديها إلي غايتها فتستكمل بذلك و فيه أن من الجائز أن ينسب ما نسبوه إلي رب النوع إلي غيره فإن أفعال كل نوع مستندة إلي صورته النوعية و فوقها العقل الأخير الذي يثبته المشاءون و يسمونه العقل الفعال و منها أن الأنواع الواقعة في عالمنا هذا علي النظام الجاري في كل منها دائما من غير تبدل و تغير ليست واقعة بالاتفاق فلها و لنظامها الدائمي المستمر علل حقيقية و ليست إلا جواهر مجردة توجد هذه الأنواع و تعتني بتدبير أمرها دون ما يتخرصون به من نسبة الأفاعيل و الآثار إلي الأمزجة و نحوه

*****ص 176*****

من غير دليل بل لكل نوع مثال كلي يدبر أمره و ليس معني كليته جواز صدقه علي كثيرين بل إنه لتجرده تستوي نسبته إلي جميع الأفراد و فيه أن الأفعال و الآثار المترتبة علي كل نوع مستندة إلي صورته النوعية و لو لا ذلك لم تتحقق نوعية لنوع فالأعراض المختصة بكل نوع هي الحجة علي أن هناك صورة جوهرية هي المبدأ القريب لها كما أن الأعراض المشتركة دليل علي أن هناك موضوعا مشترك. ففاعل النظام الجاري في النوع هو صورته النوعية و فاعل الصورة النوعية كما تقدم جوهر مجرد يفيضها علي

المادة المستعدة فتختلف الصور باختلاف الاستعدادات و إما أن هذ الجوهر المجرد عقل عرضي يخص النوع و يوجده و يدبر أمره أو أنه جوهر عقلي من العقول الطولية إليه ينتهي أمر عامة الأنواع فليست تكفي في إثباته هذه الحجة و منها الاحتجاج علي إثباتها بقاعدة إمكان الأشرف فإن الممكن الأخس إذا وجد وجب أن يوجد الممكن الأشرف قبله و هي قاعدة مبرهن عليها و لا ريب في أن الإنسان المجرد الذي هو بالفعل في جميع الكمالات الإنسانية مثلا أشرف وجودا من الإنسان المادي الذي هو بالقوة في معظم كمالاته فوجود الإنسان المادي الذي في هذا العالم دليل علي وجود مثاله العقلي الذي هو رب نوعه و فيه أن جريان قاعدة إمكان الأشرف مشروط بكون الأشرف و الأخس مشتركين في الماهية النوعية حتي يدل وجود الأخس في الخارج علي إمكان الأشرف بحسب ماهيته و مجرد صدق مفهوم علي شي ء لا يستلزم كون المصداق فردا نوعيا له كما أن صدق مفهوم العلم علي العلم الحضوري لا يستلزم كونه كيفا نفسانيا فمن الجائز أن يكون مصداق مفهوم الإنسان الكلي

*****ص 177*****

الذي نعقله مثلا عقلا كليا من العقول الطولية عنده جميع الكمالات الأولية و الثانوية التي للأنواع المادية فيصدق عليه مفهوم الإنسان مثلا لوجدانه كماله الوجودي ل لكونه فردا من أفراد الإنسان و بالجملة صدق مفهوم الإنسان مثلا علي الإنسان الكلي المجرد الذي نعقله لا يستلزم كون معقولنا فردا للماهية النوعية الإنسانية حتي يكون مثالا عقليا للنوع الإنساني.

الفصل الثالث عشر: في المثال

الفصل الثالث عشر في المثال

و يسمي البرزخ لتوسطه بين العقل المجرد و الجوهر المادي و الخيال المنفصل لاستقلاله عن الخيال الحيواني المتصل به و هو كما تقدم مرتبة من الوجود مفارق للمادة

دون آثارها و فيه صور جوهرية جزئية صادرة من آخر العقول الطولية و هو العقل الفعال عند المشاءين أو من العقول العرضية علي قول الإشراقيين و هي متكثرة حسب تكثر الجهات في العقل المفيض لها متمثلة لغيرها بهيئات مختلفة من غير أن ينثلم باختلاف الهيئات في كل واحد منها وحدته الشخصية

الفصل الرابع عشر: في العالم المادي

الفصل الرابع عشر في العالم المادي

و هو العالم المشهود أنزل مراتب الوجود و أخسها و يتميز من غيره بتعلق

*****ص 178*****

الصور الموجودة فيه بالمادة و ارتباطها بالقوة و الاستعداد فما من موجود فيه إلا و عامة كمالاته في أول وجود بالقوة ثم يخرج إلي الفعلية بنوع من التدريج و الحركة و ربما عامة من ذلك عائق فالعالم عالم التزاحم و التمانع و قد تبين بالأبحاث الطبيعية و الرياضية إلي اليوم شي ء كثير من أجزاء هذا العالم و الأوضاع و النسب التي بينها و النظام الحاكم فيها و لعل ما هو مجهول منها أكثر مما هو معلوم و هذا العالم بما بين أجزائه من الارتباط الوجودي واحد سيال في ذاته متحرك بجوهره و يتبعه أعراضه و علي هذه الحركة العامة حركات جوهرية خاصة نباتية و حيوانية و إنسانية و الغاية التي تقف عندها هذه الحركة هي التجرد التام للمتحرك كما تقدم في مرحلة القوة و الفعل و لما كان هذا العالم متحركا بجوهره سيالا في ذاته كانت ذاته عين التجدد و التغير و بذلك صح استناده إلي العلة الثابتة فالجاعل الثابت جعل المتجدد لا أنه جعل الشي ء متجددا حتي يلزم محذور استناد المتغير إلي الثابت و ارتباط الحادث بالقديم.

تم الكتاب

و الحمد لله و وقع الفراغ من تأليفه في اليوم السابع من شهر رجب من شهور

سنة ألف و ثلاث مائة و تسعين قمرية هجرية في العتبة المقدسة الرضوية علي صاحبها أفضل السلام و التحية

محاضرات في الالهيات

علم الكلام رائد الفطرة الإنسانية

علم الكلام رائد الفطرة الإنسانية

علم الكلام رائد الفطرة الاِنسانية الاِلتفات إلي ما وراء الطبيعة إنجذاب طبيعيّ و ميل فطريّ بشريّ، يظهر في كلّ فردٍ من أفراد النوع البشري من أوائل شبابه و مطلع عمره مادامت مرآة تلك الفطرة نقيّة صافية لم تنكسف بآراء بشريّة غير نقيّة و ذلك الاِلتفات و الانجذاب نعمة كبيرة من نعمِ اللّه سبحانه علي العباد، حيث يدفعهم نحو مبدأ هذا الكون و صانعه و منشئه و ما يترتب علي ذلك من مسائل حيويّة و لكن هذا الانجذاب إنّما يجديه إذا خضع لتربية الاَنبياء و رعايتهم و صار مشفوعاً بالدليل و البرهان، إذ حينذاك يُصبِحُ هذا الانجذاب كشجرة مباركة «توَتي أُكلها كلَّ حين» و لا تُضعْضعها العواصف مهما كانت شديدة قالعة و أمّا إذا ترك حتي استغلّته الاَهواء و الآراء المنحرفة، انطفأت هذه الشعلة المقدّسة و اختفت تحت ركام من الاَوهام و الخرافات و لاَجل ذلك يجب علي القائمين علي شوَون التربية أن يُطْعِموا الفطرة البشريّة بالبراهين العقليّة القاطعة الساطعة الّتي هدانا إليها الذكر الحكيم و الاَحاديث الصحيحة الشريفة و ما أنتجته الاَبحاث الفكريّة طوال العصور و الاَزمنة في الاَوساط الدينيّة

1ومن هنا عمد أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - واحداً تلو الآخر، بصقل الاَذهان و تنويرها بالبراهين الدامغة، مراعين فيها مستوي الاَذهان يومذاك، بل و آخذين بالاعتبار، مستوي أذهان الاَجيال القادمة و قد اهتمّ المسلمون من عصر الاِمام أمير الموَمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - بتدوين علم الكلام، مقتبسين أُصوله من خطبه و كلمه، فلم يزل ينمو و يتكامل

في ظلِّ الاحتكاكات و المذاكرات، إلي أن دخل رابع القرون، فقامت شخصيات مفكّرة كبيرة ألَّفت في ذلك المضمار كتباً قيِّمة. فمن الشيعة نجد الشيخ الاَقدم أبا إسحاق إبراهيم بن نوبخت و الشيخ المفيد (413 ه) و الشريف المرتضي (436 ه) و أبا الصلاح الحلبي (م447ه) و شيخ الطائفة الطوسي (460ه) و ابن زهرة الحلبي (585ه) و سديد الدين الحمصي (600ه) و المحقّق الطوسي (672ه) و ابن ميثم البحراني (679ه) و العلاّمة الحلّي (726ه) و الفاضل المقداد (826ه) و … من الاَعلام الفطاحل و العلماء الاَفذاذ و ما كتبته تلك الثلّة المباركة في هذا الضمار رسائل جليلة تكفّلت أداء الرسالة بصورة كاملة و لكن حيث إنّ كلّ عصر يطلب لنفسه طوراً من التأليف يتناسب مع حاجات ذلك العصر و يستجيب لمطالبه، فلابدّ من أبحاث في هذا العصر تناسب حاجاته و متطلّباته و قد قام شيخنا العلاّمة الحجّة آية اللّه السبحاني دام ظلّه بهذه المهمَّة في عصرنا الحاضر و هو ممّن كرّس قسماً كبيراً من حياته في هذا المجال و قد أكثر من التأليف في هذا العلم و دبّجت يراعته أسفاراً متنوعة مناسبة لكلّ مستوي من المستويات و من أحسن نتاجاته المباركة في هذا

2العلم محاضراته القيّمة التي ألقاها في جامعة قم الدينية العلمية و حرَّرها تلميذه الفاضل الشيخ حسن مكّي العاملي حفظه اللّه، حيث كانت جامعة لاَطراف هذا العلم و متكفّلة لجميع مسائله المهمَّة و قد تعرّض فيها للآراء في كلّ مسألة، مستمدَّة من الاَُصول الاَصلية في الكلام و قضي بين الآراء بعد أن حاكمها قضاء منطقياً منصفاً، فكان الكتاب الحاضر الذي يغني الطالب الديني الذي يريد أن يحيط بالآراء الكلامية في جميع الاَبواب و قد صار

محور الدراسة الكلامية في جامعة قم منذ سنين و قد قمت بإذن من شيخنا الاَُستاذ بتلخيص هذا الكتاب القيِّم علي وجه لا يُخلّ بمقاصده و أهدافه و منهجه و تمثّل عملي هذا في: تلخيص العبارات و الاِكتفاء بأقصرها و أقلّها أوّلاً و الاقتصار علي أقوي البراهين و أوضحها ثانياً و حذف الاَقوال و الاَبحاث الموجبة للاِطناب ثالثاً و التصرّف في تنسيق الاَبحاث و ترتيبها رابعاً و استدراك ما فات شيخنا الاَُستاذ في بعض المجالات خامساً و إن كان ما أحدثناه مستفاداً من مشكاة علمه و مستقي من معين فضله و له حقوق كبيرة علي العلم و أهله و الجيل المعاصر، حفظه اللّه مناراً للعلم و مشعلاً للهداية، انّه سميع مجيب. جامعة قم علي الربّاني الكلبايكاني 30 رجب 1414ه. ق المطابق ل23 بهمن 1372ه. ش

3الباب الاَوّل فيما يتعلّق بذاته تعالي و توحيده

و فيه ثلاثة فصول:

1. لماذا نبحث عن وجود اللّه تعالي؟

2. براهين إثبات وجوده سبحانه.

3. التوحيدومراتبه

الباب الاول فيما يتعلق بذاته تعالي و توحيده

الفصل الاول:

لماذا نبحث عن وجود الله سبحانه؟

الفصل الاَوّل لماذا نبحث عن وجود اللّه سبحانه؟ إنّ هاهنا سوَالين في مجال البحث عن اللّه و الاِيمان به، ينبغي أن نبحث عنهما قبل كلّ شيء، هما:

1. ما الّذي يبعث الاِنسان إلي البحث عن وجود مبديَ العالم و صانعه؟

2. ماذا يترتب علي معرفة صانع العالم و الاِيمان به و بالتالي، الاِيمان بالدين الاِلهي؟ فالجواب عن السوَال الاَوّل بوجهين:

1. لزوم دفع الضّرر المحتمل إنّهناك عاملاً روحيّاً يحفزنا إلي البحث عن هذه الاَُمور الخارجة عن إطار المادّة و المادّيات و هو انّ هناك مجموعة كبيرة من رجالات الاِصلاح و الاَخلاق الديني فدوا أنفسهم في طريق إصلاح المجتمع و تهذيبه و توالوا علي مدي القرون و الاَعصار و

دعوا المجتمعات البشريّة إلي الاعتقاد باللّه سبحانه و صفاته الكمالية و ادّعوا انّ له تكاليف علي عباده و وظائف وضعها عليهم و انّ الحياة لا تنقطع بالموت و إنّما ينقل

5الاِنسان من دار إلي دار و انّ من قام بتكاليفه فله الجزاء الاَوفي و من خالف و استكبر فله النّكاية الكبري. هذا ما سمعته آذان أهل الدنيا من رجالات الوحي و الاِصلاح و لم يكن هوَلاء متَّهمين بالكذب و الاختلاق، بل كانت علائم الصدق لائحة من خلال حياتهم و أفعالهم و إذكارهم، عند ذلك يدفع العقل الاِنسان المفكّر إلي البحث عن صحّة مقالتهم دفعاً للضرر المحتمل أو المظنون الذي يورثه أمثال هوَلاء.

2. لزوم شكر المنعم لا شكّ انّ الاِنسان في حياته غارق في النعم و هذا ممّا لا يمكن لاَحد إنكاره و من جانب آخر انّ العقل يستقلّ بلزوم شكر المنعم و لا يتحقّق الشكر إلاّ بمعرفته. (1) و علي هذين الاَمرين يجب البحث عن المنعم الّذي غمر الاِنسان بالنعم و أفاضها عليه، فالتعرّف عليه من خلال البحث إجابةٌ لهتاف العقل و دعوته إلي شكر المنعم المتوقف علي معرفته. (2) و في الجواب عن السوَال الثاني نقول: (1) إن كان شكر المنعم لازماً فيجب معرفته، لكنّ المقدّم حقّ، فالتالي كذلك. أمّا حقيّة المقدّم فلاَنّه من البديهيات العقلية و أمّا الملازمة فلاَنّه أداء للشكر و الاِتيان به موقوف علي معرفة المنعم و هو واضح. (2) إنّ هاهنا جواباً آخر عن هذا السوَال و هو أنّ الاِنسان بفطرته يبحث عن علل الحوادث، فما من حادثة إلاّ و هو يفحص عن علّتها و يشتاق إلي الوقوف عليها، عندئذٍ ينقدح في ذهنه السوَال عن علّة العالم و مجموع الحوادث. هل

هناك علّة موجدة للعالم الكوني وراء العلل و الاَسباب الماديّة أو لا؟ فالبحث عن وجود صانع العالم فطري للاِنسان. راجع أُصول الفلسفة للعلاّمة الطباطبائي: المقالة 14

6دور الدين الاِلهي في حياة الاِنسان الدين ثورة فكريّة تقود الاِنسان إلي الكمال و الترقّي في جميع المجالات المهمّة بالنسبة إلي حياة الاِنسان منها: ألف. تقويم الاَفكار و العقائد و تهذيبهما عن الاَوهام و الخرافات. ب. تنمية الاَُصول الاَخلاقية. ج. تحسين العلاقات الاِجتماعية. د. إلغاء الفوارق القومية و إليك تبيين وجه قيادة الدين في هذه المآرب الاَربعة: أمّا في المجال الاَوّل: فإنّ الدّين يفسِّر واقع الكون بأنّه إبداع موجود عال قام بخلق المادة و تصويرها و تحديدها بقوانين و حدود، كما انّه يفسِّر الحياة الاِنسانية بأنّها لم تظهر علي صفحة الكون عبثاً و لم يخلق الاِنسان سدي، بل لتكوّنه في هذا الكوكب غاية عليا يصل إليها في ظلّ تعاليم الاَنبياء و الهداة المبعوثين من جانب اللّه تعالي و في مقابل هذا التفسير الديني لواقع الكون و الحياة الاِنسانية تفسير المادّي القائل بأنّ المادّة الاَُولي قديمة بالذات و هي التي قامت فأعطت لنفسها نظماً و انّه لا غاية لها و لا للاِنسان القاطن فيها وراء هذه الحياة المادّية و هذا التفسير يقود الاِنسان إلي الجهل و الخرافة، إذ كيف يمكن للمادّة أن تمنح نفسها نظماً؟! و هل يمكن أن تتّحد العلّة و المعلول و الفاعل و المفعول و الجاعل و المجعول؟ و من هنا يتبيّن أنّ التكامل الفكري إنّما يتحقّق في ظلّ الدين، لاَنّه يكشف آفاقاً وسيعة أمام عقله و تفكّره

7و أما في المجال الثاني: فإنّ العقائد الدينية تُعدّ رصيداً للاَُصول الاَخلاقية، إذ التقيّد بالقيم و رعايتها لا ينفك عن مصاعب

و آلام يصعب علي الاِنسان تحمّلها إلاّ بعامل روحي يسهِّلها و يزيل صعوبتها له و هذا كالتضحية في سبيل الحقّ و العدل و رعاية الاَمانة و مساعدة المستضعفين، فهذه بعض الاَُصول الاَخلاقية التي لا تنكر صحّتها، غير أنّ تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاماً و صعوبات و الاعتقاد باللّه سبحانه و ما في العمل بها من الاَجر و الثواب خير عامل لتشويق الاِنسان علي إجرائها و تحمّل المصائب و الآلام و أمّا في المجال الثالث: فإنّ العقيدة الدينيّة تساند الاَُصول الاِجتماعية، لاَنّها تصبح عند الاِنسان المتديّن تكاليف لازمة و يكون الاِنسان بنفسه مقوداً إلي العمل و الاِجراء، أي إجراء التكاليف و القوانين الاِجتماعية في شتّي الحقول و أمّا في المجال الرابع: فإنّ الدين يعتبر البشر كلّهم مخلوقين لمبدأ واحد، فالكل بالنسبة إليه حسب الذات و الجوهر كأسنان المشط و لا يري أيّمعني للمميّزات القوميّة و التفاريق الظاهريّة. فهذه بعض المجالات الّتي للدّين فيها دور و تأثير واضح، أفيصحّ بعد الوقوف علي هذه التأثيرات المعجبة أن نهمل البحث عنه و نجعله في زاوية النسيان؟ نعم ما ذكرنا من دور الدين و تأثيره في الجوانب الحيويّة من الاِنسان إنّما هو من شوَون الدين الحقيقي الذي يوَيّد العلم و يوَكّد الاَخلاق و لا يخالفهما و أمّا الاَديان المنسوبة إلي الوحي بكذب و زور فخارجة عن موضوع بحثنا.

الفصل الثاني: براهين إثبات الخالق

اشارة

الفصل الثاني: براهين إثبات الخالق

براهين إثبات الخالق

الفصل الثاني براهين وجوده سبحانه؟ إنّ البراهين الدالّة علي وجود خالق لهذا الكون و مفيضٍ لهذه الحياة كثيرة متعدّدة و نحن نكتفي بتقرير ثلاثة منها:

1. برهان النظم.

2. برهان الاِمكان و الوجوب.

3. برهان الحدوث و نركّز البحث أوّلاً علي برهان النظم الّذي يتجاوب مع جميع العقول علي

اختلاف سطوح تفكيرها فنقول:

1 - تقرير برهان النظم
اشارة

برهان النظم إنّ من أوضح البراهين العقلية و أيسرها تناولاً للجميع هو برهان النظم و هو الاهتداء إلي وجود اللّه سبحانه عن طريق مشاهدة النظام الدقيق البديع السائد في عالم الكون. ما هو النظم؟ إنّ مفهوم النظم من المفاهيم الواضحة لدي الاَذهان و من خواصّه أنّه يتحقّق بين أُمور مختلفة سواء كانت أجزاء لمركب أو افراداً من ماهية واحدة أو ماهيات مختلفة، فهناك ترابط و تناسق بين الاَجزاء، أو توازن و انسجام بين الاَفراد يوَدّي إلي هدف و غاية مخصوصة، كالتلائم الموجود بين أجزاء الشجر و كالتوازن الحاصل بين حياة الشجر و الحيوان. شكل البرهان و صورته إنّ برهان النظم يقوم علي مقدّمتين: إحداهما حسيّة و الاَُخري عقلية. أمّا الاَُولي: فهي انّ هناك نظاماً سائداً علي الظواهر الطبيعية التي يعرفها الاِنسان إمّا بالمشاهدة الحسّية الظاهرية و إمّا بفضل الاَدوات

برهان النظم في الوحي الالهي

برهان النظم في الوحي الالهي

و الطرق العلميّة التجريبيّة و مازالت العلوم الطبيعيّة تكشف مظاهر و أبعاداً جديدة من النظام السائد في عالم الطبيعية و هناك مئات بل آلاف من الرسائل و الكتب الموَلّفة حول العلوم الطبيعيّة مليئة بذكر ما للعالم الطبيعي من النظام المعجب. فلا حاجة إلي تطويل الكلام في هذا المجال و أمّا الثانية: فهي أنّ العقل بعد ما لاحظ النظام و ما يقوم عليه من المحاسبة و التقدير و التوازن و الانسجام، يحكم بالبداهة بأنّ أمراً هكذا شأنه يمتنع صدوره إلاّ عن فاعل قادر عليم ذي إرادة و قصد و يستحيل تحقّقها صدفة و تبعاً لحركات فوضويّة للمادّة العمياء الصمّاء، فإنّ تصوّر مفهوم النظم و أنّه ملازم للمحاسبة و العلم يكفي في التصديق بأنّ النظم لا ينفك عن وجود ناظم عالم أوجده و هذا

علي غرار حكم العقل بأنّ كلّ ممكن فله علّة موجدة و غير ذلك من البديهيات العقلية. برهان النظم في الوحي الاِلهي إنّ الوحي الاِلهي قد أعطي برهان (1) النظم إهتماماً بالغاً و هناك آيات كثيرة من القرآن تدعو الاِنسان إلي مطالعة الكون و ما فيه من النظم و الاِتقان حتّي يهتدي إلي وجود اللّه تعالي و علمه و حكمته. نري أنّ القرآن الكريم يلفت نظر الاِنسان إلي السّير في الآفاق و الاَنفس و يقول: (1) إنّ برهان النظم متفرّع علي قانون العلّية و إنّ كلّ حادثة فلها علّة محدثة لا محالة و حينئذٍ يقع الكلام في صفات تلك العلّة، فهل يجب أن تكون عالماً و قادراً و مختاراً أو لا يجب ذلك؟ و برهان النظم بصدد إثبات وجود هذه الصفات لعلّة الحوادث الكونية و فاعلها و هذا ما يرتئيه القرآن الكريم و الاَحاديث الاِسلامية في الدعوة إلي مطالعة الكون و التفكّر في آياتههههه

11

«سَنُرِيْهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ و في أَنْفُسِهِمْ حَتّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ». (1) و يقول: «قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ و الاََرْضِ». (2) و يقول: «إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ و الاََرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ و النَّهارِوَالْفُلْكِ الّتي تَجْري فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَل اللّهُ مِنَ السَّماءِمِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الاََرْضَ بَعْدَ مَوتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ تَصْرِيْفِ الرِّياحِ و السَّحابِالْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ و الاََرْضِ لآياتٍ لِقَومٍ يَعْقِلُونَ». (3) و يقول: «أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ». (4) و يقول أيضاً: «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ». (5) و قال علي - عليه السلام - : «ألا ينظرون إلي صغير ما خلق؟ كيف أحكم خلقه

- - -

و أتقن تركيبه، (1) فصلت:

53. (2) يونس: 101. (3) البقرة: 164. (4) الروم:

8. (5) الذاريات: 21

12

و فلق له السّمع و البصر و سوّي له العظم و البشر، أُنظروا إلي النّملة في صغر جثّتها و لطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر و لا بمستدرك الفكر، كيف دبّت علي أرضها وصبّت علي رزقها، تنقل الحبّة إلي جحرها و تعدّها في مستقرها، تجمع في حرِّها لبردها و في وِرْدِها لصَدْرها (1). . فالويل لمن أنكر المقدِّر و جحد المدبِّر … ». (2) و قال الاِمام الصادق - عليه السلام - في ما أملاه علي تلميذه المفضّل بن عمر: «أوّل العبر و الاَدلّة علي الباري جلّ قدسه، تهيئة هذا العالم و تأليف أجزائه و نظمها علي ما هي عليه، فإنّك إذا تأمّلت بفكرك و ميّزته بعقلك وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسّماء مرفوعة كالسّقف و الاَرض ممدودة كالبساط و النجوم مضيئة كالمصابيح و الجواهر مخزونة كالذخائر و كل شيء فيه لشأنه معدّ و الاِنسان كالمملَّك ذلك البيت و المُخَوَّل جميع ما فيه و ضروب النبات مهيئة لمآربه و صنوف الحيوان مصروفة في مصالحه و منافعه. ففي هذا دلالة واضحة علي أنّ العالم مخلوق بتقدير و حكمة و نظام و ملائمة و انّ الخالق له واحد و هو الذي ألّفه و نظّمه بعضاً إلي بعض جلّ قدسه و تعالي جدّه». (3)

- - -

(1) الصدر بالتحريك رجوع المسافر من مقصده، أي تجمع في أيّام التمكّن من الحركة لاَيّام العجز عنها. (2) نهج البلاغة: الخطبة 185، هذا و للاِمام - عليه السلام - وصف رائع لخلقة النحل و الخفّاش و الطاووس يستدل به علي وجود الخالق و قدرته و علمه.

(3) بحار الاَنوار: 3|62

13

إشكالات و الإجابة عنها

إشكالات و الإجابة عنها

إشكالات و الاِجابة عنها إنّ هناك إشكالات طرحت حول برهان النظم يجب علينا الاِجابة عنها و المعروف منها ما طرحه ديفويد هيوم الفيلسوف الانكليزي (1711 1776م) في كتابه «المحاورات» (1) و هي ستّة إشكالات كما يلي: الاِشكال الاَوّل إنّ برهان النّظم لا يتمتّع بشرائط البرهان التجريبي، لاَنّه لم يجرّب في شأن عالم آخر غير هذا العالم، صحيح انّا جرّبنا المصنوعات البشريّة فرأينا انّها لا توجد إلاّ بصانع عاقل كما في البيت و السفينة و السّاعة و غير ذلك و لكننا لم نجرّب ذلك في الكون، فإنّ الكون لم يتكرّر وجوده حتّي يقف الاِنسان علي كيفية خلقه و إيجاده و لهذا لا يمكن أن يثبت له علّة خالقة علي غرار المصنوعات البشريّة و الجواب عنه: انّ برهان النظم ليس برهاناً تجريبيّاً بأن يكون الملاك فيه هو تعميم الحكم علي أساس المماثلة الكاملة بين الاَشياء المجرّبة و غير المجرّبة و ليس أيضاً من مقولة التمثيل الذي يكون الملاك فيه التشابه بين فردين، بل هو برهان عقلي يحكم العقل فيه بأمر بعد ملاحظة نفس الشيء و ماهيته و بعد سلسلة من المحاسبات العقلية من دون تمثيل أو إسراء حكم، كما يتمّ ذلك في التمثيل و التجربة و كون إحدي مقدّمتيه حسّيّة لا يضرّ بكون البرهان عقلياً، فإنّ دور الحسّ فيه ينحصر في إثبات الموضوع، أي إثبات النظم في عالم الكون،

- - -

(1) الكتاب موَلّف علي شكل حوار بين ثلاثة أشخاص إفتراضيين و قد نشر الكتاب المذكور بعد وفاة «هيوم»

14

و أما الحكم و الاستنتاج يرجع إلي العقل و يبتني علي محاسبات عقلية و هو نظير ما إذا ثبت بالحس انّهاهنا مربّعاً، فإنّ

العقل يحكم من فوره بأنّ أضلاعه الاَربعة متساوية في الطول. فالعقل يري ملازمة بيّنة بين النظم بمقدّماته الثلاث، أعني: الترابط و التناسق و الهدفيّة و بين دخالة الشعور و العقل، فعندما يلاحظ ما في جهاز العين مثلاً من النظام بمعني تحقّق أجزاء مختلفة كمّاً و كيفاً و تناسقها بشكل يمكنها من التعاون و التفاعل فيما بينها و يتحقّق الهدف الخاص منه، يحكم بأنّها من فعل خالق عظيم، لاحتياجه إلي دخالة شعور و عقل و هدفيّة و قصد. الاِشكال الثاني إنّ هناك في عالم الطبيعة ظواهر و حوادث غير متوازنة خارجة عن النظام و هي لاتتّفق مع النظام المدّعي و لا مع الحكمة الّتي يوصف بها خالق الكون، كالزلازل و الطوفانات و الجواب عنه: انّ هذا الاِشكال لا صلة له بمسألة النظم فانّ ما تعدّ من الحوادث الكونيّة شروراً كالزلازل و الطوفانات لها نظام خاص في صفحة الكون، ناشئة عن علل و أسباب معيّنة تتحكّم عليها محاسبات و معادلات خاصّة و قد وفّق الاِنسان إلي اكتشاف بعضها و إن بقي بعض آخر منها مجهولاً له بعد. (1)

- - -

(1) فإن قلت: كون الشرور الطبيعية تابعاً لقوانين كونية و ناشئاً عن أسباب طبيعية خاصّة راجع إلي النظم العلّي و النظم المقصود في برهان النظم هو النظم الغائي و الشرور توجب اختلال النظم بهذا المعني. قلت: حقيقة النظم الغائي هي انّ هناك تلائم و انسجام سائد في الاَشياء تتّجه إلي غاية مخصوصة و كمال مناسب لها و إن كان قد يتخلّف بعروض مانع عن الوصول إلي الغاية كما في فرض الشرور و مثل هذا الفعل يسمّي عندهم باطلاً، لا فاقداً للغاية

15

و أما انّها ملائمة لمصالح الاِنسان أو غير

ملائمة له، فلا صلة له ببرهان النظم الّذي بصدد إثبات انّ هناك مبدئاً و فاعلاً لعالم الطبيعة ذا علم و قدرة و إرادة و أمّا سائر صفاته كالوجوب الذاتي و العدل و الحكمة و نحوها فلاِثباتها طرق أُخر و سيجيء البحث عنها في الفصول القادمة فانتظره. الاِشكال الثالث ماذا يمنع من أن نعتقد بأنّ النظام السائد في عالم الطبيعة حاصل من قبل عامل كامن في نفس الطبيعة، أي انّ النظام يكون ذاتيّاً للمادّة؟ إذ لكلّ مادّة خاصيّة معيّنة لا تنفكّ عنها و هذه الخواص هي التي جعلت الكون علي ما هو عليه الآن من النظام و يردّه انّ غاية ما تعطيه خاصيّة المادّة هي أن تبلغ بنفسها فقط إلي مرحلة معيّنة من التكامل الخاصّ و النظام المعيّن علي فرض صحّة هذا القول لا أن تتحسّب للمستقبل و تتهيّأ للحاجات الطارئة و لا أن تقيم حالة عجيبة ورائعة من التناسق و الاِنسجام بينها و بين الاَشياء المختلفة و العناصر المتنافرة في الخواصّ و الاَنظمة و لنأت بمثال لما ذكرناه و هو مثال واحد من آلاف الاَمثلة في هذا الكون، هب أنّ خاصيّة الخليّة البشريّة عندما تستقرّ في رحم المرأة، هي أن تتحرّك نحو الهيئة الجنينية، ثمّ تصير إنساناً ذا أجهزة منظّمة و لكن هناك في الكون في مجال الاِنسان تحسُّباً للمستقبل و تهيُّوَاً لحاجاته القادمة لا يمكن أن يستند إلي خاصيّة المادّة و هو انّه قبل أن تتواجد الخليّة البشريّة في رحم الاَُمّ وجدت المرأة ذات تركيبة و أجهزة خاصّة تناسب حياة الطفل ثمّ تحدث للاَُمّ تطوّرات في أجهزتها البدنية و الروحيّة مناسبة لحياة الطفل و تطوّراته

16

هل يمكن أن نعتبر كلّ هذا التحسّب من خواصّ الخليّة

البشريّة و ما علاقة هذا بذاك؟ و للمزيد من التوضيح نأتي بمثال آخر و نقول: إنّ جملة «أفلاطون كان فيلسوفاً» تتكوّن من (17) حرفاً، فلو انّ أحداً قال: إنّ لكلّ حرف من هذه الحروف صوتاً خاصّاً يختصّ به و إنّ هذا الصوت هو خاصّية ذلك الحرف لما قال جزافاً و لكن لو قال بأنّ هناك وراء صوت كلّ حرف و خاصّيته أمراً آخر و هو التناسق و التناسب و الانسجام الّذي يوَدّي إلي بيان ما يوجد في ذهن المتكلم من المعاني، هو كون أفلاطون فيلسوفاً، وانّ هذا التناسق هو خاصيّة كلّ حرف من هذه الحروف، فقد ارتكب خطأ كبيراً وادّعي أمراً سخيفاً، فإنّ خاصية كلّ حرف هي صوته الخاص به و لا يستدعي الحرف هذا التناسق، مع أنّه يمكن أن تتشكّل و ينشأ من هذه الحروف آلاف الاَشكال و الاَنظمة الاَُخري غير نظام «أفلاطون كان فيلسوفاً». فإذا لم يصحّ هذا في جملة صغيرة مركّبة من عدّة أحرف ذات أصوات مختلفة و خواصّ متنوّعة، فكيف بالكون و النظام الكوني العامّ الموَلّف من ملايين الموادّ و الخواصّوالاَنظمة الجزئيّة المتنوعة؟! ثلاثة إشكالات أُخري لهيوم

1. من أين نثبت انّ النظام الموجود فعلاً هو النظام الاَكمل، لاَنّا لم نلاحظ مشابهه حتي نقيس به؟

2. من يدري لعلّ خالق الكون جرّب صنع الكون مراراً حتي اهتدي إلي النظام الفعلي؟

17

3. لو فرضنا انّ برهان النظم أثبت وجود الخالق العالم القادر، بيد انّه لا يدلّ مطلقاً علي الصفات الكمالية كالعدالة و الرحمة الّتي يوصف بها و الجواب عنها: انّ هذه الاِشكالات ناشئة من عدم الوقوف علي رسالة برهان النظم و مدي ما يسعي إلي إثباته، انّ رسالة برهان النظم تتلخّص في إثبات انّ النظام

السائد في الكون ليس ناشئاً من الصدفة و لا من خاصّية ذاتية للمادّة العمياء، بل وجد بعقل و شعور و محاسبة و تخطيط، فله خالق عالم قادر و امّا انّ هذا الخالق الصانع هو اللّه الواجب الوجود الاَزلي الاَبدي أم لا و انّ علمه بالنظام الاَحسن هل هو ذاتي فعلي أو إنفعالي تدريجي و انّ النظام الموجود هل هو أحسن نظام أو لا؟ فهي ممّا لا يتكفّل بإثباته هذا البرهان و لا انّه في رسالته و لا مقتضاه، بل لابدّ في هذا المورد من الاستناد إلي براهين أُخري مثل برهان الاِمكان و الوجوب و الاستناد بقواعد عقلية بديهية أو مبرهنة مذكورة في كتب الفلسفة و الكلام، مثل انّ علمه تعالي ذاتي فعلي و ليس بانفعالي تدريجي و انّ النظام الكياني ناشيَ عن النظام الربّاني و مطابق له و ذلك النظام الربّاني العلمي أكمل نظام ممكن، إلي غير ذلك من الاَُصول الفلسفية

2. برهان الإمكان و الوجوب
اشارة

برهان الاِمكان و الوجوب تقرير هذا البرهان يتوقّف علي بيان أُمور: الاَمر الاَوّل: تقسيم الموجود إلي الواجب و الممكن و ذلك لاَنّ الموجود إمّا أن يستدعي من صميم ذاته ضرورة وجوده و لزوم تحقّقه في الخارج، فهذا هو الواجب لذاته و إمّا أن يكون متساوي النسبة إلي الوجود و العدم و لا يستدعي في حدّ ذاته أحدهما أبداً و هو الممكن لذاته، كأفراد الاِنسان و غيره. الاَمر الثاني: كلّ ممكن يحتاج إلي علّة في وجوده و هذا من البديهيات التي لا يرتاب فيها ذو مُسكة، فإنّ العقل يحكم بالبداهة علي أنّ ما لا يستدعي في حدّذاته الوجود، يتوقف وجوده علي أمر آخر و هو العلّة و إلاّ فوجوده ناش من ذاته، هذا خلف. الاَمر

الثالث: الدور ممتنع و هو عبارة عن كون الشيء موجداً لثان و في الوقت نفسه يكون الشيء الثاني موجداً لذاك الشيء الاَوّل. وجه امتناعه انّ مقتضي كون الاَوّل علّة للثاني، تقدّمه عليه و تأخّر الثاني عنه و مقتضي كون الثاني علّة للاَوّل تقدّم الثاني عليه، فينتج كون الشيء الواحد، في حالة واحدة و بالنسبة إلي شيء واحد، متقدّماً و غير متقدّم و متأخّراً و غير متأخّر و هذا هو الجمع بين النقيضين.

19

إنّ امتناع الدور وجداني و لتوضيح الحال نأتي بمثال: إذا اتّفق صديقان علي إمضاء وثيقة و اشترط كلّ واحد منهما لاِمضائها، إمضاء الآخر فتكون النتيجة توقّف إمضاء كلٍّ علي إمضاء الآخر و عند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلي يوم القيامة و هذا ممّا يدركه الاِنسان بالوجدان وراء دركه بالبرهان الاَمر الرابع: التسلسل محال و هو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل و المعاليل الممكنة، مترتبة غير متناهية و يكون الكلّ متَّسماً بوصف الاِمكان، بأن يتوقف (أ) علي (ب) و (ب) علي (ج) و (ج) علي (د) و هكذا من دون أن تنتهي إلي علّة ليست بممكنة و لا معلولة و الدليل علي استحالته انّ المعلوليّة وصف عامّ لكلّ جزء من أجزاء السلسلة، فعندئذ يطرح هذا السوَال نفسه: إذا كانت السلسلة الهائلة معلولة، فما هي العلّة التي أخرجتها من كتم العدم إلي عالم الوجود؟ و المفروض انّه ليس هناك شيء يكون علّة و لا يكون معلولاً و إلاّ يلزم إنقطاع السلسلة و توقّفها عند نقطة خاصّة و هي الموجود الذي قائم بنفسه و غير محتاج إلي غيره و هو الواجب الوجود بالذات. فإن قلت: إنّ كلّمعلول من السلسلة متقوّم بالعلّة التي تتقدّمه و

متعلّق بها، فالجزء الاَوّل من آخر السلسلة وجد بالجزء الثاني و الثاني بالثالث و هكذا إلي أجزاء و حلقاتٍ غير متناهية و هذا المقدار من التعلّق يكفي لرفع الفقر و الحاجة. قلت: المفروض انّ كلّ جزء من أجزاء السلسلة مُتَّسم بوصف الاِمكان و المعلولية و علي هذا فوصف العلّية له ليس بالاَصالة و الاستقلال، فليس لكلّ حلقة دور الاِفاضة و الاِيجاد بالاِستقلال، فلابدّ أن يكون هناك علّة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها و تكون سناداً لها.

تقرير برهان الإمكان و الوجوب

تقرير برهان الإمكان و الوجوب

و لتوضيح الحال نمثّل بمثال و هو انّ كلّ واحدة من هذه المعاليل بحكم فقرها الذاتي، بمنزلة الصفر، فاجتماع هذه المعاليل بمنزلة إجتماع الاَصفار و من المعلوم انّ الصفر بإضافة أصفار متناهية أو غير متناهية إليه لا ينتج عدداً، بل يجب أن يكون إلي جانب هذه الاَصفار عدد صحيح قائم بالذات حتي يكون مصحِّحاً لقراءة تلك الاَصفار. فقد خرجنا بهذه النتيجة و هي انّ فرض علل و معاليل غير متناهية مستلزم لاَحد أمرين: إمّا تحقّق المعلول بلا علّة و إمّا عدم وجود شيء في الخارج رأساً و كلاهما بديهي الاِستحالة تقرير برهان الاِمكان إلي هنا تمّت المقدّمات الّتي يبتني عليها برهان الاِمكان و إليك نفس البرهان: لا شكّ انّ صفحة الوجود مليئة بالموجودات الاِمكانية، بدليل انّها توجد و تنعدم و تحدث و تفني و يطرأ عليها التبدّل و التغير، إلي غير ذلك من الحالات الّتي هي آيات الاِمكان وسمات الافتقار و أمر وجودها لا يخلو عن الفروض التالية:

1. لا علّة لوجودها و هذا باطل بحكم المقدّمة الثانية (كلّ ممكن يحتاج إلي علّة).

2. البعض منها علّة لبعض آخر و بالعكس و هو محال بمقتضي المقدّمة الثالثة

(بطلان الدور).

3. بعضها معلول لبعض آخر و ذلك البعض معلول لآخر من غير أن

21

برهان الإمكان و الوجوب في الذكر الحكيم

برهان الإمكان و الوجوب في الذكر الحكيم

ينتهي إلي علّة ليست بمعلول و هو ممتنع بمقتضي المقدّمة الرابعة (استحالة التسلسل).

4. وراء تلك الموجودات الاِمكانية علّة ليست بمعلولة بل يكون واجب الوجود لذاته و هو المطلوب. فاتّضح انّه لا يصحّ تفسير النظام الكوني إلاّ بالقول بانتهاء الممكنات إلي الواجب لذاته القائم بنفسه، فهذه الصورة هي التي يصحِّحها العقل و يعدُّها خالية عن الاِشكال و أمّا الصور الباقية، فكلّها تستلزم المحال و المستلزم للمحال محال برهان الاِمكان في الذكر الحكيم و قد أُشير في الذكر الحكيم إلي شقوق برهان الاِمكان، فإلي أنّ حقيقة الممكن حقيقة مفتقرة لا تملك لنفسها وجوداً و تحقّقاً و لا أيّ شيء آخر أشار بقوله: «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَي اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَميدُ». (1) و مثله قوله سبحانه: «وَأَنَّهُ هُوَ أَغْني وَ أَقْني». (2) و قوله سبحانه: «وَاللّهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ». (3) و إلي أنّ الممكن و منه الاِنسان لا يتحقّق بلا علّة و لا تكون علّته

- - -

(1) فاطر:

15. (2) النجم:

48. (3) محمّد:

38

22

الإجابة عن إشكال

نفسه، أشار سبحانه بقوله: «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ». (1) و إلي أنّ الممكن لا يصحّ أن يكون خالقاً لممكن آخر بالاَصالة و الاِستقلال و من دون الاِستناد إلي خالق واجب أشار بقوله: «أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ و الاََرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ». (2) إجابة عن إشكال قد استشكل علي القول بانتهاء الممكنات إلي علّة أزليّة ليست بمعلول، بأنّه يستلزم تخصيص القاعدة العقلية، فإنّ العقل يحكم بأنّ الشيء لا يتحقّق بلا علّة و الجواب: انّ القاعدة العقليّة تختص بالموجودات

الاِمكانية الّتي لا تقتضي في ذاتها وجوداً و لا عدماً، إذ الحاجة إلي العلّة، ليس من خصائص الموجود بما هو موجود، بل هي من خصائص الموجود الممكن، فإنّه حيث لا يقتضي في حدِّ ذاته الوجود و لا العدم، لابدَّ له من علّة توجده و يجب انتهاء أمر الاِيجاد إلي ما يكون الوجود عين ذاته و لا يحتاج إلي غيره، لما تقدّم من إقامة البرهان علي امتناع التسلسل، فالاشتباه نشأ من الغفلة عن وجه الحاجة إلي العلّة و هو الاِمكان لا الوجود.

- - -

(1) الطور: 35.

(2) الطور: 36.

3. برهان الحدوث
تعريف الحدوث و أقسامه

برهان الحدوث من البراهين التي يُستدلّ بها علي إثبات وجود خالق الكون، برهان الحدوث و قد استدلّ به إمام الموحّدين علي - عليه السلام - علي وجود اللّه سبحانه و أزليّته في مواضع من كلماته و خطبه التوحيدية، منها قوله - عليه السلام - : «الحمد للّه الّذي لا تدركه الشواهد و لا تحويه المشاهد و لا تراه النواظر و لا تحجبه السواتر، الدالّ علي قدمه بحدوث خلقه و بحدوث خلقه علي وجوده». (1) يعني انّ حدوث العالم يدلّ علي محدِث له و هو اللّه تعالي و إذا كان العالم بوصف كونه حادثاً مخلوقاً له تعالي، فهو قديم أزلي و إلاّ كان حادثاً و احتاج إلي محدث، هذا خلف تعريف الحدوث و أقسامه الحدوث وصف للوجود باعتبار كونه مسبوقاً بالعدم و هو علي قسمين: الاَوّل: الحدوث الزماني و هو مسبوقيّة وجود الشيء بالعدم الزماني كمسبوقيّة اليوم بالعدم في أمس و مسبوقية حوادث اليوم بالعدم في أمس.

- - -

(1) نهج البلاغة: الخطبة 185.

العلوم الطبيعية و حدوث عالم المادة

العلوم الطبيعية و حدوث عالم المادة

و الثاني: الحدوث الذّاتي و هو مسبوقيّة وجود الشيء بالعدم في ذاته، كجميع الموجودات الممكنة التي لها الوجود بعلّة خارجة من ذاتها و ليس لها في ماهيتها و حدّ ذاتها إلاّ العدم، هذا حاصل ما ذكروه في تعريف الحدوث و تقسيمه إلي الزماني و الذاتي و التفصيل يطلب من محلّه. (1) ثمّ إنّ مرجع الحدوث الذاتي إلي الاِمكان الذاتي، فالاستدلال بالحدوث الذاتي راجع إلي برهان الاِمكان و الوجوب، فلنركّز البرهان هنا علي الحدوث الزّماني فنقول: العلوم الطبيعيّة و حدوث الحياة في عالم المادّة أثبت العلم بوضوح أنّ هناك انتقالاً حراريّاً مستمرّاً من الاَجسام الحارّة إلي الاَجسام الباردة و

لا تتحقّق في عالم الطبيعة عملية طبيعية معاكسةً لذلك و معني ذلك انّ الكون يتّجه إلي درجة تتساوي فيها جميع الاَجسام من حيث الحرارة و عند ذلك لن تتحقّق عمليات كيميائيّة أو طبيعيّة و يستنتج من ذلك: إنّ الحياة في عالم المادّة أمر حادث و لها بداية، إذ لو كانت موجوداً أزلياً و بلا إبتداء لزم استهلاك طاقات المادّة و انضباب ظاهرة الحياة المادّية منذ زمن بعيد و إلي ما ذكرنا أشار «فرانك آلن» أُستاذ علم الفيزياء بقوله: «قانون «ترموديناميا» أثبت انّ العالم لا يزال يتّجه إلي نقطة تتساوي فيها درجة حرارة جميع الاَجسام و لا توجد هناك طاقة موَثِّرة لعمليّة الحياة، فلو لم يكن للعالم بداية و كان موجوداً من الاَزل لزم أن يقضي للحياة أجلها منذ أمدٍ بعيدٍ، فالشَّمس المشرقة و النجوم و الاَرض المليئة من

- - -

(1) لاحظ بداية الحكمة: المرحلة 9، الفصل 3.

25

تقرير برهان الحدوث

تقرير برهان الحدوث

الظواهر الحيويّة و عملياتها أصدق شاهد علي أنّ العالم حدث في زمان معيَّن، فليس العالم إلاّمخلوقاً حادثاً». (1) تقرير برهان الحدوث ممّا تقدّم تبيَّنت صغري برهان الحدوث و هي انّ الحياة في العالم المادّي حادث، فليس بذاتي له، (2) و ليُضمَّ إليها الاَصل البديهي العقلي و هو انّ كلّ أمر غير ذاتي معلَّل، كما انّ كلّ حادث لابدّ له من محدث و خالق، فما هو المحدث لحياة المادة؟ إمّا هي نفسها أو غيرها؟ و لكن الفرض الاَوّل باطل، لاَنّ المفروض انّها كانت قبل حدوث الحياة لها فاقدة لها و فاقد الشيء يستحيل أن يكون معطياً له، فلا مناص من قبول الفرض الثاني، فهناك موجود آخر وراء عالم المادّة هو الموجد للمادّة و محدث الحياة لها. إلي

هنا تمّ دور الحدوث الزماني في البرهان و أنتج انّ هناك موجوداً غير مادّي، محدثاً لهذا العالم المادّي و امّا انّ ذلك المحدث هل هو ممكن أو واجب و حادث أو قديم، فلابدّ لاِثباته من اللجوء إلي برهان الاِمكان و امتناع الدور و التسلسل المتقدّم بيانها.

- - -

(1) اثبات وجود خدا (فارسي) : 21. يحتوي الكتاب علي مقالات من أربعين من المتمهرين في العلوم المختلفة، جمعها العالم المسيحي «جان كلورمونسما».

(2) إثبات الحدوث الزماني للعالم المادّي لا ينحصر فيما ذكر في المتن من طريق العلم التجريبي، بل هناك طريق أدقّ منه اكتشفها الفيلسوف الاِسلامي العظيم صدر المتألهين (قدّس سرّه) علي ضوء ما أثبته من الحركة الجوهرية للمادّة، قال في رسالة الحدوث بعد إثبات الحركة الجوهرية: «قد علَّمناك و هديناك طريقاً عرشياً لم يسبقنا أحد من المشهورين بهذه الصناعة النظرية في إثبات حدوث العالم الجسماني بجميع ما فيه من السّماوات و الاَرضين و ما بينهما حدوثاً زمانياً تجدّدياً … » الرسائل: 48 و لشيخنا الاَُستاذ دام ظلّه تحقيق جامع حول مسألة الحركة الجوهرية و ما يترتب عليها من حدوث عالم المادّة، راجع كتاب «اللّه خالق الكون»

26

الفصل الثالث: التوحيد و مراتبه

اشارة

الفصل الثالث: التوحيد و مراتبه

التوحيد و مراتبه

الفصل الثالث التوحيد و مراتبه يحتلّ التوحيد المكانة العليا في الشرائع السماوية، فكان أوّل كلمة في تبليغ الرسل الدعوة إلي التوحيد و رفض الثنوية و الشرك، يقول سبحانه: «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ … ». ( (1) ) و لاَجل ذلك يجب علي الاِلهي التركيز علي مسألة التوحيد أكثر من غيرها و استيفاء الكلام فيه موقوف علي البحث حول أهمِّ مراحل التوحيد و هي:

(1). التوحيد في الذات.

2. التوحيد

في الصفات.

3. التوحيد في الخالقية.

4. التوحيد في الربوبية.

5. التوحيد في العبادة و إليك دراسة المواضيع المتقدّمة:

(- - -

(1) ) النحل: 36

27

1. التوحيد في الذات
اشارة

1. التوحيد في الذات

1التوحيد في الذات يعني بالتوحيد في الذات أمران: الاَوّل انّ ذاته سبحانه بسيط لا جزء له و الثاني انّ ذاته تعالي متفرِّد ليس له مثل و لا نظير و قد يعبَّر عن الاَوّل بأحديّة الذات و عن الثاني بواحديّته و قد ورد في روايات أهل البيت - عليهم السلام - : «انّه تعالي واحد أحديّ المعني». (1) البرهان علي بساطة ذاته تعالي اعلم أنّ التركيب علي أقسام:

1. التركيب من الاَجزاء العقلية فقط.

2. التركيب منهما و من الاَجزاء الخارجية كالمادّة و الصورة و الاَجزاء العنصرية.

3. التركيب من الاَجزاء المقدارية كأجزاء الخط و السطح و المدّعي انّ ذاته تعالي بسيط ليس بمركب من الاَجزاء مطلقاً و الدليل علي أنّه ليس مركّباً من الاَجزاء الخارجية و المقدارية انّه سبحانه منزّه عن الجسم و المادّة كما سيوافيك البحث عنه في الصفات السلبية.

- - -

(1) التوحيد، للشيخ الجليل الصدوق: الباب 11، الحديث 9

28

دلائل وحدانيته

دلالئل وحدانيته

و البرهان علي عدم كونه مركباً من الاَجزاء العقلية هو انّ واجب الوجود بالذات لا ماهية له و ما لا ماهية له ليس له أجزاء عقلية الّتي هي الجنس و الفصل. (1) و الوجه في انتفاء الماهية عنه تعالي بهذا المعني هو انّ الماهيّة من حيث هي هي، مع قطع النظر عن غيرها، متساوية النسبة إلي الوجود و العدم، فكلّ ماهيّة من حيث هي، تكون ممكنة، فما ليس بممكن، لا ماهيّة له و اللّه تعالي بما انّه واجب الوجود بالذات، لا يكون ممكناً بالذات فلا ماهيّة له. دلائل وحدانيته: التعدّد يستلزم التركيب لو كان هناك واجب وجود آخر لتشارك الواجبان في كونهما واجبي الوجود، فلابدّ من تميّز أحدهما عن الآخر بشيء وراء ذلك

الاَمر المشترك و ذلك يستلزم تركب كلّ منهما من شيئين: أحدهما يرجع إلي ما به الاشتراك و الآخر إلي ما به الامتياز و قد عرفت انّ واجب الوجود بالذات بسيط ليس مركّباً لا من الاَجزاء العقلية و لا الخارجية. صرف الوجود لا يتثنّي و لا يتكرّر قد تبيّن انّ واجب الوجود بالذات لا ماهيّة له، فهو صرف الوجود و لا يخلط وجوده نقص و فقدان و من الواضح انّ كلّ حقيقة من الحقائق إذا

- - -

(1) انّ الماهية تطلق علي معنيين: أحدهما ما يقال في جواب «ما» الحقيقية و يعبَّر عنها بالذات و الحقيقة أيضاً و ثانيهما ما يكون به الشيء هو هو بالفعل، أي الهويّة و المراد من نفي الماهية عنه سبحانه هو المعني الاَوّل

29

التوحيد الذاتي في القرآن و الحديث

التوحيد الذاتي في القرآن و الحديث

تجرّدت عن أيّ خليط و صارت صرف الشيء، لا يمكن أن تثنّي و تعدّد و علي هذا، فإذا كان سبحانه بحكم انّه لا ماهيّة له وجوداً صرفاً، لا يتطرّق إليه التعدّد، ينتج انّه تعالي واحد لا ثاني له و لا نظير و هو المطلوب. التوحيد الذاتي في القرآن و الحديث إنّ القرآن الكريم عندما يصف اللّه تعالي بالوحدانية، يصفه ب «القهّاريّة» و يقول: «هُوَ اللّهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ». (1) و بهذا المضمون آيات متعدّدة أُخري في الكتاب المجيد و ما ذلك إلاّ لاَنّ الموجود المحدود المتناهي مقهور للحدود و القيود الحاكمة عليه، فإذا كان قاهراً من كلّ الجهات لم تتحكّم فيه الحدود، فاللاّ محدودية تلازم وصف القاهرية و من هنا يتضح انّ وحدته تعالي ليست وحدة عددية و لا مفهومية، قال العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) : «إنّ كلاً من الوحدة العددية كالفرد الواحد من النوع

و الوحدة النوعية كالاِنسان الذي هو نوع واحد في مقابل الاَنواع الكثيرة، مقهور بالحدّ الذي يميّز الفرد عن الآخر و النوع عن مثله، فإذا كان تعالي لا يقهره شيء و هو القاهر فوق كلّشيء، فليس بمحدود في شيء، فهو موجود لا يشوبه عدم، وحقّ لا يعرضه باطل، فللّه من كلّ كمال محضه». (2)

- - -

(1) الزمر: 4 (2) الميزان: 6|88 9 8 بتلخيص.

30

ثمّ إنّ إمام الموحّدين عليّاً - عليه السلام - عندما سئل عن وحدانيّته تعالي، ذكر للوحدة أربعة معان، اثنان منها لا يليقان بساحته تعالي و اثنان منها ثابتان له. أمّا اللّذان لا يليقان بساحته تعالي، فهما: الوحدة العددية و الوحدة المفهومية حيث قال: «فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه، فقول القائل واحد يقصد به باب الاَعداد، فهذا مالا يجوز، لاَنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاَعداد، أما تري انّه كفر من قال إنّه ثالث ثلاثة و قول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز لاَنّه تشبيه و جلّ ربُّنا و تعالي عن ذلك» و أمّا اللذان ثابتان له تعالي، فهما: بساطة ذاته و عدم المثل و النظير له، حيث قال: «و أما الوجهان اللّذان يثبتان فيه، فقول القائل: هو واحد ليس له في الاَشياء شبه … و انّه عز و جل أحديّ المعني … لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم … ». (1) ثمّ إنّ في سورة التوحيد أُشير إلي هذين المعنيين، فإلي المعني الاَوّل، أُشير بقوله تعالي: «قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ» و إلي المعني الثاني بقوله تعالي: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ».

- - -

(1) التوحيد للصدوق: الباب 3، الحديث

3.

نظريّة التثليث و نقدها

نظريّة التثليث و نقدها

نظريّة التثليث عند النصاري إنّ كلمات المسيحيين في كتبهم الكلاميّة تحكي عن أنّ الاعتقاد بالتثليث من المسائل الاَساسية التي تبني عليها عقيدتهم و لا مناص لاَيِّ مسيحي من الاعتقاد به و في عين الوقت يعتبرون أنفسهم موحّدين غير مشركين و انّ الاِله في عين كونه واحداً ثلاثة و مع كونه ثلاثة واحد أيضاً و أقصي ما عندهم في تفسير الجمع بين هذين النقيضين هو انّ عقيدة التثليث عقيدة تعبّديّة محضة و لا سبيل إلي نفيها و إثباتها إلاّ الوحي، فإنّها فوق التجربيات الحسيّة و الاِدراكات العقليّة المحدودة للاِنسان نقد هذه النظرية و يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ استناد هذه النظرية إلي الوحي من طريق الاَناجيل مردود، لاَنّها ليست كتباً سماوية، بل تدلّ طريقة كتابتها علي أنّها أُلّفت بعد رفع المسيح إلي اللّه سبحانه أو بعد صلبه علي زعم المسيحيين و الشاهد انّه وردت في آخر الاَناجيل الاَربعة كيفية صلبه و دفنه ثمّ عروجه إلي السماء. أضف إلي ذلك انّ عقيدة التثليث بالتفسير المتقدّم مشتملة علي التناقض الصريح، إذ من جانب يعرّفون كلّ واحد من الآلهة الثلاثة بأنّه متشخّص و متميّز عن البقية و في الوقت نفسه يعتبرون الجميع واحداً حقيقة لا مجازاً، أفيمكن الاعتقاد بشيء يضادّ بداهة العقل، ثمّ إسناده إلي ساحة الوحي الاِلهي؟! و ثانياً:

نسأل ما هو مقصودكم من الاَقانيم و الآلهة الثلاثة الّتي تتشكّل منها الطبيعة الاِلهية الواحدة، فإنّ لها صورتين لا تناسب واحدة منهما ساحته سبحانه:

32

1. أن يكون لكلّ واحد من هذه الآلهة الثلاثة وجوداً مستقلاً عن الآخر بحيث يظهر كلّ واحد منها في تشخّص و وجود خاص و يكون لكلّ واحد من هذه الاَقانيم أصل مستقل و شخصية

خاصة مميزة عمّا سواها. لكن هذا هو الاعتقاد بتعدّد الاِله الواجب بذاته و قد وافتك أدلّة وحدانيته تعالي.

2. أن تكون الاَقانيم الثلاثة موجودة به وجود واحد، فيكون الاِله هو المركّب من هذه الاَُمور الثلاثة و هذا هو القول بتركّب ذات الواجب و قد عرفت بساطة ذاته تعالي (1) تسرّب خرافة التثليث إلي النصرانية إنّ التاريخ البشري يرينا انّه طالما عمد بعض أتباع الاَنبياء بعد وفاة الاَنبياء أو خلال غيابهم إلي الشرك و الوثنية، تحت تأثير المضلّين، إنّ عبادة بني إسرائيل للعجل في غياب موسي - عليه السلام - أظهر نموذج لما ذكرناه و هو ممّا أثبته القرآن و التاريخ و علي هذا فلا عجب إذا رأينا تسرُّب خرافة التثليث إلي العقيدة النصرانية بعد ذهاب السيد المسيح (عليه السّلام) و غيابه عن أتباعه. إنّالقرآن الكريم يصرّح بأنّ التثليث دخل النصرانية بعد رفع المسيح، من العقائد الخرافية السابقة عليها، حيث يقول تعالي:

- - -

(1) فإن قلت: إنّهاهنا تفسيراً آخر للتثليث و هو انّ الحقيقة الواحدة الاِلهية تتجلّي في أقانيم ثلاثة. قلت: تجلّي تلك الحقيقة فيها لا يخلو عن وجهين: الاَوّل، أن تصير بذلك ثلاث ذوات كلّ منها واجدة لكمال الحقيقة الاِلهية و هذا ينافي التوحيد الذاتي و الثاني أن تكون الذات الواجدة لكمال الاَُلوهية واحدة و لها تجلّيات صفاتية و أفعالية و منها المسيح و روح القدس و هذا و إن كان صحيحاً إلاّ أنّه ليس من التثليث الذي يتبنّاه المسيحيون في شيء.

33

«وَقالَتِ النَّصاري المَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّي يُوَْفَكُونَ». (1) لقد أثبتت الاَبحاث التاريخية أنّ هذا التثليث كان في الديانة البرهمانية و الهندوكيّة قبل ميلاد السيّد

المسيح بمئات السنين، فقد تجلّي الربّ الاَزلي الاَبدي لديهم في ثلاثة مظاهر و آلهة:

1. براهما (الخالق).

2. فيشنوا (الواقي).

3. سيفا (الهادم) و بذلك يظهر قوّة ما ذكره الفيلسوف الفرنسي «غستاف لوبون» قال: «لقد واصلت المسيحية تطوّرها في القرون الخمسة الاَُولي من حياتها، مع أخذ ما تيسّر من المفاهيم الفلسفية و الدينية اليونانية و الشرقية و هكذا أصبحت خليطاً من المعتقدات المصرية و الاِيرانية التي انتشرت في المناطق الاَُوروبية حوالي القرن الاَوّل الميلادي فاعتنق الناس تثليثاً جديداً مكوّناً من الاَب و الابن و روح القدس، مكان التثليث القديم المكوّن من [نروبي تر] و [وزنون] و [نرو] ». (2)

- - -

(1) التوبة: 30.

(2) قصّة الحضارة، ويل دورانت (معاصر).

2. التوحيد في الصفات

2. التوحيد في الصفات

2التوحيد في الصفات اختلف الاِلهيون في كيفية إجراء صفات اللّه الذاتية عليه سبحانه علي قولين: الاَوّل: عينية الصفات مع الذات و هذا ما تبنّاه أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - و اختاره الحكماء الاِلهيون و عليه جمهور المتكلّمين من الاِماميّة و المعتزلة و غيرهما و الثاني: زيادتها علي الذات و هو مختار المشبِّهة من أصحاب الصفات و الاَشاعرة، قال الشيخ المفيد في هذا المجال: «إنّ اللّه عز و جل اسمه حيّ لنفسه لا بحياة و انّه قادر لنفسه و عالم لنفسه لا بمعني كما ذهب إليه المشبِّهة من أصحاب الصفات … و هذا مذهب الاِمامية كافّة و المعتزلة إلاّ من سمّيناه (1) و أكثر المرجئة و جمهور الزيدية و جماعة من أصحاب الحديث و المكِّمة». (2) قوله: «لا بحياة» يعني حياة زائدة علي الذات و قوله: «لا بمعني» أي صفة زائدة كالعلم و القدرة. إذا عرفت ذلك فاعلم:

انّ الصحيح هو القول بالعينيّة، فإنّ القول

- - -

(1)

المراد أبو هاشم الجبّائي.

(2) أوائل المقالات: 56

35

بالزيادة يستلزم افتقاره سبحانه في العلم بالاَشياء و خلقه إيّاها إلي أُمور خارجة عن ذاته، فهو يعلم بعلم هو سوي ذاته و يخلق بقدرة هي خارجة عن حقيقته و هكذا و الواجب بالذات منزّه عن الاحتياج إلي غير ذاته و الاَشاعرة و إن كانوا قائلين بأزليّة الصفات مع زيادتها علي الذات، لكنّ الاَزلية لا ترفع الفقر و الحاجة عنه، لاَنّ الملازمة غير العينية، قال الاِمام علي - عليه السلام - : «وكمال الاِخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة انّها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف انّه غير الصفة، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثنّاه و من ثنّاه فقد جزّأه و من جزّأه فقد جهله». (1) و قال الاِمام الصادق - عليه السلام - : «لم يزل اللّه جلّ و عزّ ربُّنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور». (2) فإن قلت: لا شكّ انّ للّه تعالي صفات و أسماء مختلفة أُنهيت في الحديث النبوي المعروف إلي تسع و تسعين، فكيف يجتمع ذلك مع القول بالعينيّة و وحدة الذات و الصفات؟ قلت: كثرة الاَسماء و الصفات راجعة إلي عالم المفهوم، مع أنّ العينية ناظرة إلي مقام الواقع العيني و لا يمتنع كون الشيء علي درجة من الكمال يكون فيها كلّه علماً و قدرة و حياة و مع ذلك فينتزع منه باعتبارات مختلفة صفات متعدّدة متكثّرة و هذا كما انّ الاِنسان الخارجي مثلاً بتمام وجوده

- - -

(1) نهج البلاغة: الخطبة الاَُولي.

(2) التوحيد للصدوق: الباب 11، الحديث 1

36

مخلوق

للّه سبحانه و معلوم له و مقدور له، من دون أن يخصّ جزء منه بكونه معلوماً و جزء آخر بكونه مخلوقاً أو مقدوراً، بل كلّه معلوم و كلّه مخلوق و كلّه مقدور. ثمّ إنّ الشيخ الاَشعري استدلّ علي نظرية الزيادة بوجهين: الاَوّل: انّه يستحيل أن يكون العلم عالماً، أو العالم علماً و من المعلوم انّ اللّه عالم و من قال: إنّ علمه نفس ذاته لا يصحّ له أن يقول إنّه عالم، فتعيّن أن يكون عالماً بعلم يستحيل أن يكون هو نفسه. (1) يلاحظ عليه: أنّ الحكم باستحالة اتحاد العلم و العالم و عينيتهما مأخوذ عمّا نعرفه في الاِنسان و نحوه من الموجودات الممكنة في ذاتها و لا شكّ في مغايرة الذات و الصفة في هذا المجال و لكن لا يصحّ تسرّيته إلي الواجب الوجود بالذات، فإذا قام البرهان علي العينية هنا، فلا استحالة في كون العلم عالماً و بالعكس. الثاني: لو كان علمه سبحانه عين ذاته لصحّ أن نقول: يا علم اللّه اغفر لي و ارحمني. (2) يلاحظ عليه: أنّ الاِضافة في قولنا: «يا علم اللّه» بيانيّة لا غير، فيصير المعني يا علماً هو اللّه و من المعلوم جواز ذلك عقلاً و شرعاً، كما يقال: يا عدل و يا حكمة و يراد منه الواجب عزّ اسمه و هناك أدلّة أُخري للاَشاعرة علي إثبات نظريّتهم و الكلّمخدوشة كما اعترف بذلك صاحب المواقف. (3) ثمّ إنّ المشهور انّ المعتزلة نافون للصفات مطلقاً و قائلون بنيابة

- - -

(1) اللمع: 30، باختصار.

(2) الاَبانة: 108.

(3) راجع شرح المواقف: 8|4547

37

الذات عن الصفات و لكنه لا أصل له، فالمنفي عندهم هو الصفات الزائدة الاَزلية، لا أصل الصفات فهم قائلون بالعينية كالاِمامية و

يدل علي ذلك كلام الشيخ المفيد الآنف الذكر، نعم يظهر القول بالنيابة من عبّاد بن سليمان و أبي علي الجبائي. (1)

- - -

(1) للوقوف علي آرائهم في هذا المجال راجع الملل و النحل لشيخنا الاَُستاذ السبحاني دام ظلّه: 3|271 279.

3. التوحيد في الخالقية
اشارة

3. التوحيد في الخالقية

3التوحيد في الخالقية دلّت البراهين العقليّة علي أنّه ليس في الكون خالق أصيل إلاّ اللّه سبحانه و أنّ الموجودات الاِمكانية مخلوقة للّه تعالي و ما يتبعها من الاَفعال و الآثار، حتي الاِنسان و ما يصدر منه، مستندة إليه سبحانه بلا مجاز و شائبة عناية، غاية الاَمر أنّ ما في الكون مخلوق له إمّا بالمباشرة أو بالتسبيب و ذلك لما عرفت من أنّه سبحانه هو الواجب الغني و غيره ممكن بالذات و لا يعقل أن يكون الممكن غنياً في ذاته و فعله عن الواجب، فكما انّ ذاته قائمة باللّه سبحانه، فهكذا فعله و هذا ما يعبّر عنه بالتوحيد في الخالقية و من عرف الممكن حقّ المعرفة و انّه الفقير الفاقد لكلّ شيء في حدّ ذاته، يعد المسألة بديهيّة. هذا ما لدي العقل و أمّا النقل فقد تضافرت النصوص القرآنية علي أنّ اللّه سبحانه هو الخالق و لا خالق سواه و إليك نماذج من الآيات الواردة في هذا المجال: «قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ و هو الْواحِدُ القَهّارُ». (1) «اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ و هو عَلي كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ». (2)

- - -

(1) الرعد:

16.

(2) الزمر: 62

39

موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلية

«ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ». (1) «أَنّي يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ و لم تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ». (2) «يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ

غَيْرُ اللّه». (3) إلي غير ذلك من الآيات القرآنية الدالّة علي ذلك. موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلّية إنّالامعان في الآيات الكريمة يدفع الاِنسان إلي القول بأنّ الكتاب العزيز يعترف بأنّ النظام الاِمكاني نظام الاَسباب و المسبّبات، فإنّ المتأمّل في الذكر الحكيم لا يشكّ في أنّه كثيراً ما يسند آثاراً إلي الموضوعات الخارجية و الاَشياء الواقعة في دار المادّة، كالسماء و كواكبها و نجومها و الاَرض وجبالها و بحارها و براريها و عناصرها و معادنها و السحاب و الرعد و البرق و الصواعق و الماء و الاَعشاب و الاَشجار و الحيوان و الاِنسان، إلي غير ذلك من الموضوعات الواردة في القرآن الكريم، فمن أنكر إسناد القرآن آثار تلك الاَشياء إلي أنفسها فإنّما أنكره بلسانه و قلبه مطمئن بخلافه و إليك ذكر نماذج من الآيات الواردة في هذا المجال:

1. «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمراتِ رِزْقاً لَكُمْ». (4) فقد صرّح في هذه الآية بتأثير الماء في تكوّن الثمرات و النباتات، فإنّ الباء في قوله: «بِهِ» بمعني السببية و نظيرها الآية: 27 من سورة

- - -

(1) الموَمن: 62.

(2) الاَنعام:

101.

(3) فاطر: 3.

(4) البقرة: 22

40

السجدة و الآية: 4 من سورة الرعد و غيرها من الآيات.

2. «اللّهُ الّذِيْ يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ». (1) فقوله سبحانه: «فَتُثِيرُ سَحاباً» صريح في أنّ الرياح تحرّك السحاب و تسوقها من جانب إلي جانب، فالرياح أسباب و علل تكوينية لحركة السحاب و بسطها في السماء.

3. «وَتَرَي الاََرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيْجٍ». (2) فالآية تصرّح بتأثير الماء في اهتزاز الاَرض و ربوتها، ثمّ تصرّح بإنبات الاَرض من كلّ زوج

بهيج.

4. «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ». (3) فالآية تسند إنبات السنابل السبع إلي الحبَّة. ثمّ إنّ هناك أفعالاً أسندها القرآن إلي الاِنسان لا تقوم إلاّ به و لا يصحّ إسنادها إلي اللّه سبحانه بحدودها و بلا واسطة كأكله و شربه و مشيه و قعوده و نكاحه و نموّه و فهمه و شعوره و سروره و صلاته و صيامه، فهذه أفعال قائمة بالاِنسان مستندة إليه، فهو الّذي يأكل و يشرب و ينمو و يفهم. فالقرآن يعدّ الاِنسان فاعلاً لهذه الاَفعال و علّة لها.

- - -

(1) الروم:

48.

(2) الحج: 5.

(3) البقرة: 261.

41

التفسير الصحيح للتوحيد في الخالقية؟

التفسير الصحيح للتوحيد في الخالقية؟

كما انّ في القرآن آيات مشتملة علي الاَوامر و النواهي الاِلهيّة و تدلّ علي مجازاته علي تلك الاَوامر و النواهي، فلو لم يكن للاِنسان دور في ذلك المجال و تأثير في الطاعة و العصيان فما هي الغاية من الاَمر و النهي و ما معني الجزاء و العقوبة؟ التفسير الصحيح للتوحيد في الخالقية إنّ المقصود من حصر الخالقية باللّه تعالي هو الخالقية علي سبيل الاستقلال و بالذات و أمّا الخالقية المأذونة من جانبه تعالي فهي لا تنافي التوحيد في الخالقية. كما انّ المراد من السببية الاِمكانية (أعمّ من الطبيعيّة و غيرها) ليست في عرض السببية الاِلهية، بل المقصود انّ هناك نظاماً ثابتاً في عالم الكون تجري عليه الآثار الطبيعية و الاَفعال البشرية، فلكلّ شيء أثر تكويني خاصّ، كما انّلكلّ أثر و فعل مبدأً فاعلياً خاصّاً، فليس كلّفاعل مبدأً لكلّ فعل، كما ليس كلّ فعل و أثر صادراً من كلّ مبدأ فاعلي، كلّ ذلك بإذن منه سبحانه، فهو الّذي أعطي السببيّة للنّار كما أعطي لها الوجود، فهي

توَثّر بإذن و تقدير منه سبحانه، هذا هو قانون العلّية العامّ الجاري في النظام الكوني الّذي يوَيّده الحسّ و التجربة و تبتني عليه حياة الاِنسان في ناحية العلم و العمل و بهذا البيان يرتفع التنافي البدئي بين طائفتين من الآيات القرآنية، الطائفة الدالّة علي حصر الخالقية باللّه تعالي و الطائفة الدالّة علي صحّة قانون العلّية و المعلولية و استناد الآثار إلي مبادئها الغريبة و الشاهد علي صحّة هذا الجمع، لفيف من الآيات و هي التي تسند الآثار إلي أسباب كونية خاصّة و في عين الوقت تسندها إلي اللّه سبحانه و كذلك تسند بعض

42

الاَفعال إلي الاِنسان أو غيره من ذوي العلم و الشعور و في الوقت نفسه تسند نفس تلك الاَفعال إلي مشيَّته سبحانه و إليك فيما يلي نماذج من هذه الطائفة:

1. انّ القرآن الكريم أسند حركة السحاب إلي الرياح و قال: «اللّهُ الَّذي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً». (1) كما أسندها إلي اللّه تعالي و قال: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِيْ سَحاباً ثُمَّ يُوََلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُه رُكاماً». (2)

2. القرآن يسند الاِنبات تارة إلي الحبّة و يقول: «أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ». (3) و قال: «وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهيجٍ». (4) و اخري إلي اللّه تعالي و يقول: «وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ». (5)

3. انّه تعالي نسب توفّي الموتي إلي الملائكة تارة و إلي نفسه أُخري فقال: «حَتّي إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا». (6) و قال:

- - -

(1) الروم:

48.

(2) النور: 43.

(3) البقرة: 261.

(4) الحج: 5.

(5) النمل: 60.

(6) الاَنعام:

61.

43

«اللّهُ يَتَوَفَّي الاََنْفُسَ حِينَ مَوْتِها». (1)

4. انّ الذكر الحكيم يصفه سبحانه بأنّه الكاتب لاَعمال عباده و يقول: «وَاللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ». (2) و لكن في

الوقت نفسه ينسب الكتابة إلي رسله و يقول: «بَلي وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (3)

5. لا شكّ انّ التدبير كالخلقة منحصر في اللّه تعالي و القرآن يأخذ من المشركين الاعتراف بذلك و يقول: «وَمَنْ يُدَبِّرُ الاََمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ». (4) و مع ذلك يصرّح بمدبّريّة غير اللّه سبحانه حيث يقول: «فَالمُدَبِّراتِ أَمْراً». (5)

6. إنّ القرآن يشير إلي كلتا النسبتين (أي نسبة الفعل إلي اللّه سبحانه و إلي الاِنسان) في جملة و يقول: «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ و لكن اللّهَ رَمي». (6) فهو يصف النبي الاَعظم (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) بالرمي و ينسبه إليه حقيقة و يقول: «إِذْ رَمَيْتَ» و مع ذلك يسلبه عنه ويري أنّه سبحانه الرامي الحقيقي. (1) الزمر: 42.

(2) النساء: 81.

(3) الزخرف: 80.

(4) يونس: 31.

(5) النازعات: 5.

(6) الاَنفال: 17

44

الإجابة عن شبهات

الإجابة عن شبهات

هذه المجموعة من الآيات ترشدك إلي النظرية الحقّة في تفسير التوحيد في الخالقية و هو كما تقدّم انّ الخالقية بالاَصالة و بالذات و علي وجه الاستقلال منحصرة فيه سبحانه و غيره من الاَسباب الكونيّة و الفواعل الشاعرة إنّما تكون موَثرات و فواعل بإذنه تعالي و مشيَّته و ليست سببيّتها و فاعليتها في عرض فاعليته تعالي، بل في طولها. الاِجابة عن شبهات قدعرفت أنّ خالقيّته تعالي عامّة لجميع الاَشياء و الحوادث و كل ما في صفحة الوجود يستند إليه سبحانه و عندئذٍ تطرح إشكالات أو شبهات يجب علي المتكلّم الاِجابة عنها و هي: ألف. شبهة الثنويّة في خلق الشرور. ب. شبهة استناد القبائح إلي اللّه تعالي. ج. شبهة الجبر في الاَفعال الاِرادية. ألف. الثنوية و شبهة الشرور نسب إلي الثنوية القول بتعدّد الخالق و استدلّوا عليه بما يشاهد في عالم المادّة من

الشرور و البلايا، قالوا: إنّ الشر يقابل الخير، فلا يصحّ استنادهما إلي مبدأ واحد، فزعموا انّ هناك مبدأين: أحدهما: مبدأ الخيرات و ثانيهما: مبدأ الشرور. الشرّ أمر قياسي إذا كانت هناك ظاهرة ليست لها صلة وثيقة بحياة الاِنسان، أو لا توَدّي صلته بها إلي اختلال في حياته فلا تتصف بالشرّ و البلاء، إنّما تتّصف

45

بصفة الشرّيّة إذا أوجبت نحو اختلال في حياة الاِنسان بحيث يوجب هلاكة نفسه أو ما يتعلّق به أو يتضرّر به بوجه و من المعلوم أنّ هذه النسبة و الاِضافة متأخّرة عن وجود ذلك الموجود أو تلك الحادثة، فلو تحقّقت الظاهرة و قطع النظر عن المقايسة و الاِضافة لا يتّصف إلاّ بالخير، بمعني أنّ وجود كلّ شيء يلائم ذاته و إنّما يأتي حديث الشرّ إذا كانت هناك مقايسة إلي موجود آخر، إذا عرفت ذلك فاعلم:

أنّما يستند إلي الجاعل أوّلاً و بالذات، هو وجوده النفسي و المفروض أنّ وجود كلّ من المقيس و المقيس إليه، لا يتصفان بالشرّ و البلاء، بل بالخير و الكمال و أمّا الوجود الاِضافي المنتزع من مقايسة أحد الظاهرتين مع الاَُخري فليس أمراً واقعياً محتاجاً إلي مبدأ يحقّقها و إلي ما ذكرنا أشار الحكيم السبزواري بقوله: «كلّ وجود و لو كان إمكانياً خير بذاته و خير بمقايسته إلي غيره و هذه المقايسة قسمان: أحدهما مقايسته إلي علّته، فإنّ كلّ معلول ملائم لعلّته المقتضية إيّاه و ثانيهما مقايسته إلي ما في عرضه ممّا ينتفع به و في هذه المقايسة الثانية يقتحم شرٌّ مّا في بعض الاَشياء الكائنة الفاسدة في أوقات قليلة». (1) الشر عدمي هناك تحليل آخر للشبهة و هو ما نقل عن أفلاطون و حاصله: أنّ ما يسمّي بالشرّ من

الحوادث و الوقائع يرجع عند التحليل إلي العدم، فالّذي يسمّي بالشرّ عند وقوع القتل ليس إلاّ انقطاع حياة البدن الناشيَ عن قطع

- - -

(1) الحكيم السبزواري (م1289ه) : شرح المنظومة: المقصد 3، الفريدة 1، غرر في دفع شبهة الثنوية

46

علاقة النفس عن البدن و ما يسمّي بالشر عند وقوع المرض ليس إلاّ الاختلال الواقع في أجهزة البدن و زوال ما كان موجوداً له عند الصحّة من التعادل الطبيعي في الاَعضاء و الاَجهزة البدنية و كذلك سائر الحوادث التي تتّصف بالبليّة و الشرّيّة و من المعلوم أنّ الذي يحتاج إلي الفاعل المفيض هو الوجود و أمّا العدم فليس له حظ من الواقعيّة حتي يحتاج إلي المبدأ الجاعل و إلي هذا أشار الحكيم السبزواري في منظومة حكمته: و الشّرّ أعدام فكم قد ضلّ من * يقول باليزدان ثمّ الاَهرمن (1) و قال العلاّمة الطباطبائي: إنّ الشرور إنّما تتحقّق في الاَُمور الماديّة و تستند إلي قصور الاِستعدادات علي اختلاف مراتبها، لا إلي إفاضة مبدأ الوجود، فانّ علّة العدم عدم، كما انّ علّة الوجود وجود. فالّذي تعلّقت به كلمة الاِيجاد و الاِرادة الاِلهيّة و شمله القضاء بالذات في الاَُمور التي يقارنها شيء من الشرّ إنّما هو القدر الذّي تلبّس به من الوجود حسب استعداده و مقدار قابليته و أمّا العدم الّذي يقارنه فليس إلاّ مستنداً إلي عدم قابليته و قصور استعداده، نعم ينسب إليه الجعل و الاِفاضة بالعرض لمكان نوع من الاتحاد بينه و بين الوجود الّذي يقارنه. (2)

- - -

(1) المصدر نفسه.

(2) الميزان: 13|187 188 بتصرف قليل

47

الف. الثنوية و شبهة الشرور ب. التوحيد في الخالقية و قبائح الأفعال

ب. التوحيد في الخالقية و قبائح الاَفعال ربّما يقال الالتزام بعمومية خالقيته

تعالي لكلّ شيء يستلزم إسناد قبائح الاَفعال إليه تعالي و هذا ينافي تنزُّهه سبحانه من كلّ قبح و شين و الجواب أنّ للاَفعال جهتين، جهة الثبوت و الوجود، وجهة استنادها إلي فواعلها بالمباشرة، فعنوان الطّاعة و المعصية ينتزع من الجهة الثانية و ما يستند إلي اللّه تعالي هي الجهة الاَُولي و الاَفعال بهذا اللحاظ متّصفة بالحسن و الجمال، أي الحسن التكويني و بعبارة أُخري: عنوان الحسن و القبح المنطبق علي الاَفعال الصادرة عن فاعل شاعر مختار، هو الذي يدركه العقل العملي بلحاظ مطابقة الاَفعال لاَحكام العقل و الشرع و عدمها و هذا الحسن و القبح يرجع إلي الفاعل المباشر للفعل. نعم أصل وجود الفعل مع قطع النظر عن مقايسته إلي حكم العقل أو الشرع يستند إلي اللّه تعالي و ينتهي إلي إرادته سبحانه و الفعل بهذا الاعتبار لا يتّصف بالقبح، فإنّه وجود و الوجود خير و حسن في حدّ ذاته. قال سبحانه: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ». (1) و قال: «اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ». (2) فكلّ شيء كما انّه مخلوق، حسن، فالخلقة و الحسن متصاحبان لا ينفكّ أحدهما عن الآخر أصلاً و أمّا الاِجابة عن شبهة الجبر علي القول بعموم الخالقية فسيوافيك بيانها في الفصل المختصّ بذلك.

- - -

(1) السجدة: 7.

(2) الزمر: 62

4. التوحيد في الربوبيّة
اشارة

يستفاد من الكتاب العزيز انّ التوحيد في الخالقية كان موضع الوفاق عند الوثنيّين قال سبحانه: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ و الاََرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ». (1) و مثله في سورة الزمر الآية

38 و قال سبحانه: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنّي يُوَْفَكُونَ». (2) و أمّا مسألة التوحيد في التدبير فلم تكن أمراً مسلّماً عندهم، بل الشرك في التدبير كان شائعاً بين الوثنيين،

كما انّ عبدة الكواكب و النجوم في عصر بطل التوحيد «إبراهيم» كانوا من المشركين في أمر التدبير، حيث كانوا يعتقدون بأنّ الاَجرام العلوية هي المتصرّفة في النظام السفلي من العالم و انّ أمر تدبير الكون و منه الاِنسان، فوّض إليها فهي أرباب لهذا العالم و مدبّرات له لا خالقات له و لاَجل ذلك نجد انّ إبراهيم يردّ عليهم بإبطال ربوبيتها عن طريق الاِشارة إلي أُفولها و غروبها، يقول سبحانه حاكياً عنه:

- - -

(1) لقمان: 25.

(2) الزخرف: 87

49

ماهي حقيقة الربوبية و التدبير؟

ماهي حقيقة الربوبية و التدبير؟

«فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَباً قالَهذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ* فَلَمّا رَءَا الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبِّي لاََكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّآلّينَ* فَلَمّا رَءَا الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ». (1) تري أنّه - عليه السلام - استعمل كلمة الربّ في إحتجاجه مع المشركين و لم يستعمل كلمة الخالق، للفرق الواضح بين التوحيدين و عدم إنكارهم التوحيد في الاَوّل و إصرارهم علي الشرك في الثاني. (2) ما هي حقيقة الربوبية و التدبير؟ لفظة الربّ في لغة العرب بمعني المتصرّف و المدبّر و المتحمّل أمر تربية الشيء و حقيقة التدبير جعل شيء عقيب آخر و تنظيم الاَشياء و تنسيقها بحيث يتحقق بذلك مطلوب كلّ منهما و تحصل له غايته المطلوبة له و علي هذا فحقيقة تدبيره سبحانه ليست إلاّ خلق العالم و جعل الاَسباب و العلل بحيث تأتي المعاليل و المسبّبات دبر الاَسباب و عقيب العلل، فيوَثّر بعض أجزاء الكون في البعض الآخر حتّي يصل كلّ موجود إلي كماله المناسب و هدفه المطلوب، يقول سبحانه:

«رَبُّنَا الَّذي أَعْطي كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدي». (3)

- - -

(1) الاَنعام:

76 78.

(2) و المشركون في عصر الرسالة و إن كانوا معترفين بربوبيته تعالي بالنسبة إلي التدبير الكلّي لنظام العالم، كما يستفاد من الآية 31 من سورة يونس و نحوها، لكنّهم كانوا معتقدين بربوبية ما يعبدونه من الآلهة كما يدلّ عليه بعض الآيات القرآنية، كالآية 74 من سورة يس و الآية 81 من سورة مريم.

(3) طه: 50

ما هو المراد من التوحيد في الربوبية؟

ما هو المراد من التوحيد في الربوبية؟

ما هو المراد من التوحيد في الربوبيّة؟ التوحيد في الربوبيّة هو الاعتقاد بأنّ تدبير الحياة و الكون و منه الاِنسان كلّها بيد اللّه سبحانه و انّ مصير الاِنسان في حياته كلّها إليه سبحانه و لو كان في عالم الكون أسباب و مدبّرات له، فكلّها جنود له سبحانه يعملون بأمره و يفعلون بمشيئته و يقابله الشرك في الربوبية و هو تصور انّ هناك مخلوقات للّه سبحانه لكن فوّض إليها أمر تدبير الكون و مصير الاِنسان في حياته تكويناً و تشريعاً و هاهنا نكتة يجب التنبيه عليها و هي انّ الوثنيّة لم تكن معتقدة بربوبيّة الاَصنام الحجريّة و الخشبية و نحوها بل كانوا يعتقدون بكونها أصناماً للآلهة المدبِّرة لهذا الكون و لمّا لم تكن هذه الآلهة المزعومة في متناول أيديهم و كانت عبادة الموجود البعيد عن متناول الحسّ صعبة التصور عمدوا إلي تجسيم تلك الآلهة و تصويرها في أوثان و أصنام من الخشب و الحجر و صاروا يعبدونها عوضاً عن عبادة أصحابها الحقيقية و هي الآلهة المزعومة. دلائل التوحيد في الربوبيّة

1. التدبير لا ينفكّ عن الخلق إنّ النكتة الاَساسية في خطأ المشركين تتمثّل في أنّهم قاسوا تدبير عالم الكون بتدبير أُمور عائلة أو موَسَّسة

و تصوّروا أنّهما من نوع واحد، مع أنّهما مختلفان في الغاية، فإنّ تدبير الكون في الحقيقة إدامة الخلق و الاِيجاد

51

توضيح ذلك: أنّ كلّ فرد من النظام الكوني بحكم كونه فقيراً ممكناً فاقد للوجود الذاتي، لكن فقره ليس منحصراً في بدء خلقته و إنّما يستمرّ هذا الفقر معه في جميع الاَزمنة و الاَمكنة و علي هذا، فتدبير الكون لا ينفكّ عن خلقته و إيجاده بل الخلق تدبير باعتبار و التدبير خلق باعتبار آخر. فتدبير الوردة مثلاً ليس إلاّ تكوّنها من المواد السُّكرية في الاَرض ثمّ توليدها الاوكسجين في الهواء إلي غير ذلك من عشرات الاَعمال الفيزيائية و الكيميائية في ذاتها و ليست كلّمنها إلاّ شعبة من الخلق و مثلها الجنين مذ تكوّنه في رحم الاَُمّ، فلا يزال يخضع لعمليّات التفاعل و النمو حتي يخرج من بطنها و ليست هذه التفاعلات إلاّ شعبة من عمليّة الخلق و فرع منه و لاَجل وجود الصلة الشديدة بين التدبير و الخلق نري أنّه سبحانه بعدما يذكر مسألة خلق السماوات و الاَرض يطرح مسألة تسخير الشمس و القمر الذي هو نوع من التدبير، قال تعالي: «اللّهُ الّذِي رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوي عَلَي الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ و الْقَمَر كُلٌّ يَجْرِي لاََِجَلٍ مُسَمًّي يُدَبِّرُ الاََمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِرَبِّكُمْ تُوقِنُونَ». (1) و من هذا الطريق يوقفنا القرآن الكريم علي حقيقة التدبير الذي هو نوع من الخلق و قد عرفت أنّ لا خالق إلاّ اللّه تعالي.

2. إنسجام النظام و اتصال التدبير إنّ مطالعة كلّ صفحة من الكتاب التكويني العظيم يقودنا إلي وجود

- - -

(1) الرعد:

2

52

نظام موحَّد و ارتباط وثيق بين أجزائه و من المعلوم انّ وحدة النظام و انسجامه و

تلائمه لا تتحقّق إلاّ إذا كان الكون بأجمعه تحت نظر حاكم و مدبِّر واحد و لو خضع الكون لاِرادة مدبِّرين لما كان من اتصال التدبير و انسجام أجزاء الكون أيّ أثر، لاَنّ تعدّد المدبّر و المنظِّم بحكم اختلافهما في الذات أو في الصفات و المشخِّصات يستلزم بالضرورة الاختلاف في التدبير و الاِرادة و ذلك ينافي الانسجام و التلائم في أجزاء الكون. فوحدة النظام و انسجامه و تلاصقه و تلائمه كاشف عن وحدة التدبير و المدبّر و إلي هذا يشير قوله سبحانه: «لَوْ كانَفِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا». (1) و هذا الاستدلال بعينه موجود في الاَحاديث المروية عن أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - يقول الاِمام الصادق - عليه السلام - : «دلّ صحّة الاَمر و التدبير و ائتلاف الاَمر علي أنّ المدبّر واحد». (2) و سأله هشام بن الحكم:

ما الدليل علي أنّ اللّه واحد؟ فقال - عليه السلام - : «إتّصال التدبير و تمام الصنع، كما قال اللّه عز و جل: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدتا» ». (3) ثمّ إنّ المراد من حصر الربوبيّة و التدبير باللّه سبحانه، هي الربوبيّة

- - -

(1) الاَنبياء: 22.

(2) توحيد الصدوق: الباب 36، الحديث 1.

(3) المصدر السابق: الحديث 2

شؤون التوحيد في الربوبية

شؤون التوحيد في الربوبية

علي وجه الاستقلال و بالذات و ذلك لا ينافي وجود مدبرات في الكون مسخرات للّه تعالي، قال سبحانه: «فَالْمُدبِّراتِ أَمْراً». (1) و قال سبحانه: «وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً». (2) فالاعتراف بمثل هذه المدبّرات لا يمنع من انحصار التدبير الاستقلالي في اللّه سبحانه. شوَون التوحيد في الربوبية إنّ للتوحيد في الربوبية نطاقاً واسعاً شاملاً لجميع المظاهر الكونية و الحقائق الوجودية فلا مدبِّر

في صفحة الوجود، بالذات و علي وجه الاستقلال، سوي اللّه تعالي فهو ربّ العالمين لا ربّ سواه. فهذا إبراهيم بطل التوحيد يصف التوحيد في الربوبية بقوله: «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ* الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* و الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ* و إذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ*وَالّذي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيِينِ* و الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّيْنِ* رَبِّ هَبْلِي حُكْماً و أَلْحِقْنِي بِالصّالِحينَ». (3)

- - -

(1) النازعات: 5.

(2) الاَنعام:

61.

(3) الشعراء: 7783

54

و ينبغي في ختام هذا البحث أن نشير إلي ثلاثة أقسام لها أهميّة خاصّة في حياة الاِنسان الاِجتماعية و هي تتفرّع علي التوحيد في الخالقية و الربوبيّة و هي:

1. التوحيد في الحاكمية الحاكم هو الذي له تسلّط علي النفوس و الاَموال و التصرّف في شوَون المجتمع بالاَمر و النهي و العزل و النصب و التحديد و التوسيع و نحو ذلك و من المعلوم انّ هذا يحتاج إلي ولاية له بالنسبة إلي المسلّط عليه و لو لا ذلك لعدّ التصرّف عدوانياً، هذا من جانب و من جانب آخر الولاية علي الغير متفرّع علي كون الوالي مالكاً للمولّي عليه أو مدبّر أُموره في الحياة و بما انّ لا مالكية لاَحد علي غيره إلاّ للّه تعالي و لا مدبِّر سواه، فانّه الخالق الموجد للجميع و المدبِّر للكون بأجمعه، فلا ولاية لاَحد علي أحد بالذات سوي اللّه تعالي، فحقّ الولاية منحصر للّه تعالي. قال سبحانه: «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ». (1) و قال سبحانه: «إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ و هو خَيْرُ الْفاصِلينَ». (2) و من جانب ثالث: انّ وجود الحكومة و الحاكم البشري في المجتمع أمر ضروري كما أشار إليه الاِمام علي

- عليه السلام - بقوله:

- - -

(1) الشوري: 9.

(2) الاَنعام:

57

55

«لابدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر». (1) و من المعلوم انّ ممارسة الاِمرة و تجسيد الحكومة في الخارج ليس من شأنه سبحانه، بل هو شأن من يماثل المحكوم عليه في النوع و يشافهه و يقابله مقابلة الاِنسان للاِنسان و علي ذلك، فوجه الجمع بين حصر الحاكمية في اللّه سبحانه و لزوم كون الحاكم و الاَمير بشراً كالمحكوم عليه، هو لزوم كون من يمثّل مقام الاِمرة مأذوناً من جانبه سبحانه لاِدارة الاَُمور و التصرّف في النفوس و الاَموال و أن تكون ولايته مستمدّة من ولايته سبحانه و منبعثة منها و علي هذا فالحكومات القائمة في المجتمعات يجب أن تكون مشروعيّتها مستمدّة من ولايته سبحانه و حكمه بوجه من الوجوه و إذا كانت علاقتها منقطعة غير موصولة به سبحانه فهي حكومات طاغوتية لا مشروعيّة لها.

2. التوحيد في الطّاعة لا شكّ انّ من شوَون الحاكم و الولي، لزوم إطاعته علي المحكوم و المولّي عليه، فإنّ الحكومة من غير لزوم إطاعة الحاكم تصبح لغواً و قد تقدّم انّ الحاكم بالذات ليس إلاّ اللّه تعالي و علي هذا، فليس هناك مطاع بالذّات إلاّ هو تعالي و أمّا غيره تعالي، فبما انّه ليس له ولاية و لا حكومة علي أحد إلاّ بإذنه تعالي و باستناد حكومته إلي حكومته سبحانه، فليس له حقّ الطّاعة علي أحد إلاّ كذلك.

- - -

(1) نهج البلاغة: الخطبة 40

56

قال تعالي: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَبِإِذْنِ اللّهِ». (1) و قال سبحانه: «وَمَنْ أَطاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّه». (2)

3. التوحيد في التشريع إنّ الربوبيّة علي قسمين: تكوينيّة و تشريعيّة و دلائل التوحيد في الربوبيّة التكوينية يثبت التوحيد في

الربوبيّة التشريعية أيضاً، فإنّ التقنين و التشريع نوع من التدبير، يدبّر به أمر الاِنسان و المجتمع البشري، كما انّه نوع من الحكومة و الولاية علي الاَموال و النفوس، فبما انّالتدبير و الحكومة منحصرتان في اللّه تعالي، فكذلك ليس لاَحد حقّ التقنين و التشريع إلاّ له تعالي و أمّا الفقهاء و المجتهدون فليسوا بمشرّعين، بل هم متخصّصون في معرفة تشريعه سبحانه و وظيفتهم الكشف عن الاَحكام بعد الرجوع إلي مصادرها و جعلها في متناول الناس و أمّا ما تعورف في القرون الاَخيرة من إقامة مجالس النوّاب أو الشوري في البلاد الاِسلامية، فليست لها وظيفة سوي التخطيط لاِعطاء البرنامج للمسوَولين في الحكومات في ضوء القوانين الاِلهيّة لتنفيذها و التخطيط غير التشريع كما هو واضح و هناك آيات من الذكر الحكيم تدلّ بوضوح علي اختصاص التشريع

- - -

(1) النساء: 64.

(2) النساء: 80

57

باللّه سبحانه نشير إلي بعضها: قال سبحانه:

1. «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ». (1)

2. «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ». (2)

3. «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الاِِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ و من لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ». (3)

- - -

(1) المائدة: 44.

(2) المائدة: 45.

(3) المائدة: 47

5. التوحيد في العبادة
اشارة

التوحيد في العبادة ممّا اتّفق علي اختصاصه باللّه سبحانه جميع المسلمين بل الاِلهيين و هو الهدف و الغاية الاَسني من بعث الاَنبياء و المرسلين، قال سبحانه: «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطّاغُوت». (1) و ناهيك في أهميّة ذلك انّ الاِسلام قرّره شعاراً للمسلمين يوَكّدون عليه في صلواتهم الواجبة و المندوبة بقولهم:

«إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعين». (2) كما أنّ مكافحة النبي (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) بل

و سائر الاَنبياء للوثنيين تتركّز علي هذه النقطة غالباً كما هو ظاهر لمن راجع القرآن الكريم و بالجملة لا تجد مسلماً ينكر هذا الاَصل أو يشكّ فيه و إنّما الكلام في تشخيص مصاديق العبادة و جزئياتها عن غيرها، فتري انّ أتباع الوهّابيّة يرمون غيرهم بالشرك في العبادة بالتبرّك بآثار الاَنبياء و التوسّل بهم إلي اللّه سبحانه و نحو ذلك، فتمييز العبادة عن غيرها هي المشكلة الوحيدة في هذا المجال، فيجب قبل كلّ شيء دراسة واقعية عن حقيقة العبادة علي ضوء العقل و الكتاب و السنة فنقول:

- - -

(1) النحل: 36.

(2) الفاتحة: 5

ما هي حقيقة العبادة؟

ما هي حقيقة العبادة؟

ما هي حقيقة العبادة؟ قد تعرّف العبادة ب «الخضوع و التذلّل» أو «نهاية الخضوع» و لكنهما تعريفان ناقصان لا يساعدهما القرآن الكريم. توضيح ذلك: انّ القرآن الكريم أمر الاِنسان بالتذلّل لوالديه فيقول: «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّياني صَغيراً». (1) فلو كان الخضوع و التذلّل عبادة لمن يتذلّل له لكان أمره تعالي بذلك أمراً باتّخاذ الشريك له تعالي في العبادة! كما أنّه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم فيقول: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكةِ اسْجُدُوا لآدمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ». (2) مع أنّ السجود نهاية التذلّل و الخضوع للمسجود له، فهل تري أنّ اللّه سبحانه يأمر الملائكة بالشّرك في العبادة؟! إنّ إخوة يوسف و والديه سجدوا جميعاً ليوسف بعد استوائه علي عرش الملك و السلطنة، كما يقول سبحانه: «وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً». (3) إذن ليس معني العبادة التي تختصّ باللّه سبحانه و لا تجوز لغيره تعالي هو الخضوع و التذلّل، أو نهاية الخضوع، فما هي حقيقة العبادة؟

- - -

(1) الاِسراء: 24.

(2) البقرة: 34.

(3) يوسف: 100

60

حقيقة العبادة علي ما يستفاد

من القرآن الكريم هي «الخضوع و التذلّل، لفظاً أو عملاً مع الاعتقاد بأُلوهية المخضوع له» فما لم ينشأ الخضوع من هذا الاعتقاد، لا يكون عبادة و يدل علي ذلك الآيات الّتي تأمر بعبادة اللّه و تنهي عن عبادة غيره، معلّلة ذلك بأنّه لا إله إلاّ اللّه، كقوله سبحانه: «وَيا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ». (1) و قد ورد هذا المضمون في عشرة موارد أو أكثر في القرآن الكريم. (2) و معني هذا التعليل انّ الذي يستحقّ العبادة هو من كان إلهاً و ليس هو إلاّ اللّه، فإذا تحقّق وصف الاَُلوهية في شيء جازت بل وجبت عبادته و اتّخاذه معبوداً و حيث إنّ الوصف لا يوجد إلاّ في اللّه سبحانه وجب عبادته دون سواه و المراد من الاَُلوهيّة هو ما يعدّ من شوَون الاِله، أعني: الاستقلال في الذات و الصفات و الاَفعال، فمن اعتقد لشيء نحواً من الاستقلال إمّا في وجوده، أو في صفاته، أو في أفعاله و آثاره فقد اتّخذه إلهاً و الاَبحاث المتقدّمة حول التوحيد الذاتي و الصفاتي و الاَفعالي كانت هادفة لحصر الاَُلوهية المطلقة للّه سبحانه و إبطال أُلوهيّة غيره تعالي. ثمّ إنّ المستفاد من مطالعة عقائد الوثنية في كتب الملل و النحل و يوَيده القرآن الكريم أيضاً انّ معظم الاِنحرافات في مسألة التوحيد كان في مجال الربوبيّة و التدبير، فالمشركون مع اعترافهم بحصر الخالقية باللّه تعالي و انّ جميع من سواه مخلوق للّه سبحانه، كانوا معتقدين به وجود

- - -

(1) الاَعراف: 59.

(2) يمكن للقاريَ أن يراجع لذلك الآيات التالية: الاَعراف|65، 73، 85؛ هود|50، 61، 84؛ طه|14؛ الاَنبياء|25؛ الموَمنون|2223

61

أرباب من دون اللّه و انّ لهم الاَُلوهيّة في مجال الربوبيّة و

التدبير و كان الغرض من عبادتهم الاستنصار علي الاَعداء و العزّة و الغلبة، يقول سبحانه: «واتّخذوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصُرون» (1) و يقول سبحانه: «واتَّخذوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلهةً ليَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً». (2) و من هنا نري أنّ قسماً من الآيات تعلّل الاَمر بحصر العبادة في اللّه وحده، بأنّه الرَّبّ، فمن ذلك قوله سبحانه: «وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَني إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ ربَّكُمْ». (3) و قوله سبحانه: «إِنَّ هذهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحدةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون». (4) و قوله سبحانه: «إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيم». (5) و غير ذلك من الآيات الّتي تجعل العبادة دائرة مدار الربوبية. (6) و من المعلوم انّالربوبيّة بالذات و الاستقلال من شوَون الاَلوهيّة.

- - -

(1) يس: 74.

(2) مريم:

81.

(3) المائدة: 72.

(4) الاَنبياء: 92.

(5) آل عمران: 51.

(6) لاحظ الآيات الكريمات التاليات: يونس|3؛ الحجر|9؛ مريم|36، 65؛ الزخرف|64

62

زبدة المقال خلاصة القول في المقام، انّ أيَّ خضوع ينبع من الاعتقاد بأنّ المخضوع له إله العالم أو ربّه أو فُوِّض إليه تدبير العالم كلّه أو بعضه، يكون الخضوع بأدني مراتبه عبادة و يكون صاحبه مشركاً في العبادة إذا أتي به لغير اللّه و يقابل ذلك الخضوع غير النابع من هذا الاعتقاد، فخضوع أحد أمام موجود و تكريمه مبالغاً في ذلك من دون أن ينبع من الاعتقاد بأُلوهيّته، لا يكون شركاً و لا عبادة لهذا الموجود و إن كان من الممكن أن يكون حراماً، مثل سجود العاشق للمعشوقة، أو المرأة لزوجها، فإنّه و إن كان حراماً في الشريعة الاِسلامية لكنّه ليس عبادة بل حرام لوجه آخر و لعل الوجه في حرمته هو انّ السجود حيث إنّه وسيلة عامّة للعبادة عند

جميع الاَقوام و الملل، صار بحيث لا يراد منه إلاّ العبادة، لذلك لم يسمح الاِسلام بأن يستفاد منها حتّي في الموارد الّتي لا تكون عبادة و التحريم إنّما هو من خصائص الشريعة الاِسلامية، إذ لم يكن حراماً قبله و إلاّ لما سجد يعقوب و أبناوَه ليوسف - عليه السلام - إذ يقول عز و جل: «وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَي الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً». (1) و من هذا القبيل سجود الملائكة لآدم - عليه السلام -. قال الجصّاص: قد كان السجود جائزاً في شريعة آدم - عليه السلام - للمخلوقين و يشبه أن يكون قد كان باقياً إلي زمان يوسف - عليه السلام - … إلاّ انّ السجود لغير اللّه علي وجه التكرمة و التحيّة منسوخ بما روت عائشة و جابر و أنس انّ النبي (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) قال: «ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر و لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لاَمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقِّه عليها». (2)

- - -

(1) يوسف: 100.

(2) أحكام القرآن: 1|32

نتائج البحث

نتائج البحث

نتائج البحث و علي ما ذكرنا لا يكون تقبيل يد النبيّ أو الاِمام، أو المعلّم أو الوالدين، أو تقبيل القرآن أو الكتب الدينية، أو أضرحة الاَولياء و ما يتعلّق بهم من آثارٍ، إلاّتعظيماً و تكريماً، لا عبادة و بذلك يتّضح انّكثيراً من الموضوعات الّتي تعرّفها فرقة الوهّابيّة عبادة لغير اللّه و شركاً به، ليس صحيحاً علي إطلاقه و إنّما هو شرك و عبادة إذا كان المخضوع له معنوناً بالاَُلوهيّة و انّه فوّض إليه الخلق و التدبير و الاِحياء و الاِماتة و الرزق و غير ذلك من شوَون الاِلهيّة المطلقة، أو الاعتقاد بأنّ

في أيديهم مصير العباد في حياتهم الدنيوية و الاَُخروية و أمّا إذا كان بداعي تكريم أولياء اللّه تعالي كان مستحسناً عقلاً و شرعاً، لاَنّه وسيلة لاِبراز المحبّة و المودّة للصالحين من عباد اللّه تعالي الذي فيه رضاه سبحانه بالضّرورة.

64

الباب الثاني في أسمائه و صفاته تعالي

اشارة

الباب الثاني في أسمائه و صفاته تعالي

الباب الثاني فيأسمائه و صفاته تعالي و فيه ستّة فصول:

1. كيف نتعرّف علي صفاته تعالي؟

2. التقسيمات الرائجة في صفاته سبحانه.

3. الصفات الثبوتية الذاتية.

4. الصفات الثبوتية الفعلية.

5. الصفات الخبريّة.

6. الصفات السلبية

الفصل الاول؛ كيف نتعرف علي صفاته تعالي

اشارة

الفصل الاَوّل كيف نتعرّف علي صفاته تعالي؟ اعتاد الاِنسان الساكن بين جدران الزمان و المكان أن يتعرّف علي الاَشياء مقيّدة بالزمان و المكان موصوفة بالتحيّز و التجسيم، متَّسمة بالكيف و الكم، إلي ذلك من لوازم المادَّة و مواصفات الجسمانية، فقد قضت العادة الملازمة للاِنسان، أعني: أُنسه بالمادّة و اعتياده علي معرفة كلّ شيء في الاِطار المادّي، أن يُصوِّر لربِّه صوراً خيالية علي حسب ما يألفه من الاَُمور المادّية الحسيّة و قلَّ ما أن يتّفق لاِنسان أن يتوجّه إلي ساحة العزّة و الكبرياء و نفسه خالية عن المحاكاة. بين التشبيه و التعطيل علي ذلك الاَساس افترق جماعة من الاِلهيين إلي مشبِّه و معطِّل، فالاَوّلون تورّطوا في مهلكة التشبيه و شبهوا بارئهم بإنسان له لحم و دم و شعر و عظم و له جوارح و أعضاء حقيقية من يد و رجل و رأس و يجوز عليه المصافحة و الانتقال. (1) و إنكار باريَ بهذه الاَوصاف المادّية المنكرة

- - -

(1) الملل و النحل: 1|104

66

أولي من إثباته ربّاً للعالم، لاَنّ الاعتقاد بالباريَ بهذه الصفات يجعل الاَُلوهية و الدعوة إليها منكراً تتنفّر منه العقول و الاَفكار المنيرة و الطائفة الثانية أرادت التحرّز عن وصمة التشبيه و عار التجسيم فوقعت في إسارة التعطيل، فحكمت بتعطيل العقول عن معرفته سبحانه و معرفة صفاته و أفعاله، قائلة بأنّه ليس لاَحد الحكم علي المبدأ الاَعلي بشيء من الاَحكام و ليس إلي معرفته من سبيل إلاّبقراءة ما ورد في

الكتاب و السنّة، فقالت: إنّالنجاة كلّ النجاة في الاعتراف بكلّ ما ورد في الشرع الشريف من دون بحث و نقاش، فقد نقل عن سفيان بن عيينة انّه قال: «كلّما وصف اللّه به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته و السكوت عليه». (1) ما هو المسلك الصحيح؟ و لكن هناك طائفة ثالثة تري أنّ من الممكن التعرّف علي صفاته سبحانه من طريق التدبّر و علي ضوء ما أفاض اللّه سبحانه علي عباده من نعمة العقل و الفكر و حجّتهم في ذلك انّ اللّه سبحانه ما نصّعلي أسمائه وصفاته في كتابه و سنّة نبيّه إلاّلكي يتدبّر فيها الاِنسان بعقله و فكره في حدود الممكن، فهذا أمر يدعو إليه العقل و الكتاب العزيز و السنة الصحيحة و يكفي في تعيّن هذا الطريق ما ورد في أوائل سورة الحديد من قوله سبحانه: «سَبَّحَ للّهِ ما فِي السَّماواتِ و الاََرْضِ».

- - -

(1) الملل و النحل: 1|93

67

إلي قوله: «وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُور» و ما ورد في آخر سورة الحشر من قوله سبحانه: «هُوَ اللّهُ الّذي لا إله إِلاّهُوَ المَلِكُ». إلي قوله: «وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكيم» و غير ذلك من الآيات المتضافرة في بيان صفات ذاته و أفعاله تعالي. فهل يظنّ عاقل انّ تلك الآيات المتكثّرة إنّما أنزلها اللّه تعالي لمجرّد القراءة و التلاوة و لو كان كذلك فما معني التدبّر في الآيات القرآنية الّذي دعا القرآن نفسه إليه بوجه أكيد؟ كلمة قيِّمة من الاِمام علي - عليه السلام - و هناك كلمة قيِّمة للاِمام علي - عليه السلام - تدعو إلي ذلك الطريق الوسط، قال - عليهم السلام - : «لَمْ يُطْلِع العقول علي تَحديد صِفته و لم يَحجُبْها عن واجب مَعرفته». (1)

و العبارة تهدف إلي أنّ العقول و إن كانت غير مأذونة في تحديد الصفات الاِلهية، لكنّها غير محجوبة عن التعرّف حسب ما يمكن و أوضح دليل علي قدرة العقل علي البحث و دراسة الحقائق السفلية و العلوية حَثُّ الوحي علي التعقّل سبع و أربعين مرَّة و علي التفكّر ثماني عشرة مرّة و علي التدبّر أربع مرّات في الكتاب العزيز.

- - -

(1) نهج البلاغة: الخطبة 291

68

و تخصيص هذه الآيات بما وقع في أُفق الحسّ تخصيص بلا دليل و لو كان عمل السلف في هذا المجال حجّة فهذا الاِمام علي بن أبي طالب - عليه السلام - قد خاض في الاِلهيات في خطبه و رسائله و كلماته القصار، فلا ندري لماذا تحتج سلفيّة العصر الحاضر و الماضي بعمل أهل الحديث من الحنابلة و الاَشاعرة و لا تحتجّ بفعل الاِمام أمير الموَمنين - عليه السلام - ربيب أحضان النبيّ ص و تلميذه الاَوّل و خليفة المسلمين أجمعين؟! عودة نظريّة التعطيل في ثوب جديد لقد عادت نظريّة التعطيل في العصر الحاضر بشكل جديد و هو انّ التحقيق في المسائل الاِلهية لا يمكن إلاّمن خلال مطالعة الطبيعة، قال محمّد فريد وجدي: «بما انّ خصومنا يعتمدون علي الفلسفة الحسيّة و العلم الطبيعي في الدعوة إلي مذهبهم فنجعلهما عمدتنا في هذه المباحث، بل لا مناص لنا من الاعتماد عليهما، لاَنّهما اللّذان أوصلا الاِنسان إلي هذه المنصَّة من العهد الروحاني». (1) أقول: لا شكّ انّ القرآن يدعو إلي مطالعة الطبيعة كما مرَّ، إلاّ أنّ الكلام في مدي كفاية النظر في الطبيعة و دراستها في البرهنة علي المسائل التي طرحها القرآن الكريم مثل قوله سبحانه: «لَيْسَكَمِثْلِهِ شَيءٌ». (2) «وَللّهِ الْمَثَلُ الاََعْلي». (3)

- - -

(1)

لي أطلال المذهب المادي: 1| 16.

(2) الشوري: 11.

(3) النحل: 60

69

«لَهُ الاََسْماءُ الْحُسْني». (1) «هُوَ الاََوَّلُ و الآخِرُ و الظاهِرُ و الْباطِنُ و هو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ». (2) «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَما كُنْتُمْ». (3) إلي غير ذلك من المباحث و المعارف التي لا تنفع دراسة الطبيعة و مطالعة العالم المادّي في فكِّ رموزها و الوقوف علي حقيقتها، بل تحتاج إلي مباديَ و مقدّمات عقلية و أُسس منطقية. إنّ مطالعة الطبيعة تهدينا إلي أنّ للكون صانعاً عالماً قادراً و لكن لا تهدينا إلي أجوبة عن سوَالات عديدة في هذا المجال، مثلاً: هل الصانع أزليّ أو حادث، واحد أو كثير، بسيط أو مركب، جامع لجميع صفات الجمال و الكمال أو لا؟ هل لعلمه حدّ ينتهي إليه أو لا؟ هل لقدرته نهاية تقف عندها أو لا؟ هل هو أوّل الاَشياء و آخرها؟ هل هو ظاهر الاَشياء و باطنها؟ فالاِمعان في عالم الطبيعة لا يفيد في الاِجابة عن هذه التساوَلات و غيرها من المعارف المطروحة في القرآن و عندئذٍ لا مناص عن سلوك أحد الطريقين: إمّا أن يصار إلي التعطيل و تحريم البحث حول هذه المعارف و إمّا الاِذعان به وجود طريق عقلي يوصلنا إلي تحليل هذه المعارف و بما انّ التعطيل مخالف لصريح العقل و النقل، فالمتعيّن هو الطريق الثاني و هو المطلوب.

- - -

(1) طه: 8.

(2) الحديد:

3.

(3) الحديد:

4

الطرق الصحيحة إلي معرفة صفاته تعالي

الطرق الصحيحة إلي معرفة صفاته تعالي

الطرق الصحيحة إلي معرفة صفاته تعالي قدعرفت أنّ ذاته سبحانه و أسماءه و صفاته و إن كانت غير مسانخة لمدركات العالم المحسوس، لكنّها ليست علي نحو يستحيل التعرّف عليها بوجه من الوجوه و من هنا نجد أنّ الحكماء و المتكلّمين يسلكون طرقاً مختلفة للتعرّف علي ملامح

العالم الربوبي و ها نحن نشير إلي هذه الطرق: الاَوّل: الطريق العقلي إذا ثبت كونه سبحانه غنيّاً غير محتاج إلي شيء، فإنّ هذا الاَمر يمكن أن يكون مبدأً لاِثبات كثير من الصفات الجلالية، فانّ كلّ وصف استلزم خللاً في غناه و نقصاً له، انتفي عنه و لزم سلبه عن ذاته و قد سلك الفيلسوف الاِسلامي نصير الدين الطوسي هذا السبيل للبرهنة علي جملة من الصفات الجلالية حيث قال: «وجوب الوجود يدلُّ علي سرمديته و نفي الزائد و الشريك و المثل و التركيب بمعانيه و الضد و التحيّز و الحلول و الاتحاد و الجهة و حلول الحوادث فيه و الحاجة و الاَلم مطلقاً و اللذة المزاجية و المعاني و الاَحوال و الصفات الزائدة و الروَية». بل انطلق المحقّق من نفس هذه القاعدة لاِثبات سلسلة من الصفات الثبوتية حيث قال:

71

«وجوب الوجود يدل علي ثبوت الجود و الملك و التمام و الحقيّة و الخيرية و الحكمة و التّجبُّر و القهر و القيُّومية». (1) و قد سبقه إلي ذلك موَلّف الياقوت إذ قال: «وهو (وجوب الوجود) ينفي جملة من الصفات عن الذات الاِلهية و انّه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض و لا حالاّ ً في شيء و لا تقوم الحوادث به و إلاّ لكان حادثاً». (2) و علي ذلك يمكن الاِذعان بما في العالم الربوبي من الكمال و الجمال بثبوت أصل واحد و هو كونه سبحانه موجوداً غنياً و اجب الوجود، لاَجل بطلان التسلسل الذي عرفته و ليس إثبات غناه و وجوب وجوده أمراً مشكلاً علي النفوس و من هذا تنفتح نوافذ علي الغيب و التعرّف علي صفاته الثبوتية و السلبية و ستعرف البرهنة علي هذه الصفات

من هذا الطريق. الثاني: المطالعة في الآفاق و الاَنفس من الطرق و الاَُصول التي يمكن التعرّف بها علي صفات اللّه، مطالعة الكون المحيط بنا و ما فيه من بديع النظام، فإنّه يكشف عن علم واسع و قدرة مطلقة عارفة بجميع الخصوصيات الكامنة فيه و كل القوانين التي تسود الكائنات، فمن خلال هذه القاعدة و عبر هذا الطريق أي مطالعة الكون، يمكن للاِنسان أن يهتدي إلي قسم كبير من الصفات الجمالية و بهذا يتبيّن أنّ ذات اللّه سبحانه و صفاته ليست محجوبة عن التعرّف

- - -

(1) كشف المراد:

المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة: 7 21.

(2) أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 76، 80، 81، 99

72

المطلق و غير واقعة في أُفق التعقّل، حتّي نعطّل العقول و قد أمر الكتاب العزيز بسلوك هذا الطريق، يقول سبحانه: «قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ و الاََرْضِ». (1) و قال سبحانه: «إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ و الاََرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ و النَّهارِ لآياتٍ لاَُولي الاََلْبابِ». (2) و قال سبحانه: «إِنَّ في اخْتِلافِ اللَّيْلِ و النَّهارِ و ما خَلقَ اللّه فِي السَّماواتِ و الاََرْضِ لآياتٍ لِقَومٍ يَتَّقُونَ». (3) الثالث: الرجوع إلي الكتاب و السنة الصحيحة و هناك أصل ثالث يعتمد عليه أتباع الشرع و هو التعرّف علي أسمائه و صفاته و أفعاله بما ورد في الكتب السماويّة و أقوال الاَنبياء و كلماتهم و ذلك بعدما ثبت وجوده سبحانه و قسم من صفاته و وقفنا علي أنّ الاَنبياء مبعوثون من جانب اللّه و صادقون في أقوالهم و كلماتهم و باختصار، بفضل الوحي الّذي لا خطأ فيه و لا زلل نقف علي ما في المبدأ الاَعلي من نعوت و شوَون، فمن ذلك قوله سبحانه: «هُوَ اللّهُ الَّذِي

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُوَْمِنُ الْمُهَيْمِنُ

- - -

(1) يونس: 101.

(2) آل عمران: 190.

(3) يونس: 6

73

«الْعَزِيْزُ الْجَبارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِيَُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاََسْماءُ الْحُسْني يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ و الاََرْضِ و هو الْعَزيزُ الْحَكيمُ». (1) الرابع: الكشف و الشهود و هناك ثلّة قليلة يشاهدون بعيون القلوب ما لا يدرك بالاَبصار، فيرون جماله و جلاله و صفاته و أفعاله بإدراك قلبي، يدرك لاَصحابه و لا يوصف لغيرهم و الفتوحات الباطنية من المكاشفات أو المشاهدات الروحية و الاِلقاءات في الروع غير مسدودة، بنص الكتاب العزيز. قال سبحانه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً». (2) أي يجعل في قلوبكم نوراً تفرّقون به بين الحقّ و الباطل و تميّزون به بين الصحيح و الزائف، لا بالبرهنة و الاستدلال بل بالشهود و المكاشفة و قال سبحانه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُوَْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِر لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ». (3) و المراد من النور هو ما يمشي الموَمن في ضوئه طيلة حياته في

- - -

(1) الحشر: 22 23.

(2) الاَنفال: 29.

(3) الحديد:

28

74

معاشه و معاده، في دينه و دنياه. (1) و قال سبحانه: «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا». (2) إلي غير ذلك من الآيات الظاهرة في أنّ الموَمن يصل إلي معارف و حقائق في ضوء المجاهدة و التقوي، إلي أن يقدر علي روَية الجحيم في هذه الدنيا المادية. قال سبحانه: «كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقين* لَتَرَوُنَّ الْجَحيم». (3) نعم ليس كلُّ من رمي، أصاب الغرض و ليست الحقائق رمية للنبال و إنّما يصل إليها الاَمثل فالاَمثل،

فلا يحظي بما ذكرناه من المكاشفات الغيبية و الفتوحات الباطنية إلاّ النزر القليل ممّن خلَّص روحه و صفّا قلبه.

- - -

(1) أمّا في الدنيا فهو النور الذي أشار إليه سبحانه بقوله: (أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ و جعلنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَبِخارِجٍ مِنْها). (الاَنعام:

122) و أمّا في الآخرة فهو ما أشار إليه سبحانه بقوله: (يَوْمَ تَرَي الْمُوَْمِنينَ وَ المُوَْمِناتِ يَسْعي نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ). (الحديد:

12).

(2) العنكبوت: 29.

(3) التكاثر: 5 6

الفصل الثاني: القسيمات الرائجة في صفاته سبحانه

الفصل الثاني: القسيمات الرائجة في صفاته سبحانه

الفصل الثاني التقسيمات الرائجة في صفاته سبحانهقد ذكروا لصفاته تعالي تقسيمات و هي:

1. الصفات الجمالية و الجلالية إذا كانت الصفة مثبتة لجمال و مشيرة إلي واقعية في ذاته تعالي سمّيت «ثبوتية» أو «جمالية» و إذا كانت الصفة هادفة إلي نفي نقص و حاجة عنه سبحانه سمّيت «سلبية» أو «جلالية». فالعلم و القدرة و الحياة من الصفات الثبوتية المشيرة إلي وجود كمال و واقعية في الذات الاِلهية و لكن نفي الجسمانية و التحيّز و الحركة و التغيّر من الصفات السلبية الهادفة إلي سلب ما هو نقص عن ساحته سبحانه. قال صدر المتألّهين: «إنّ هذين الاِصطلاحين [الجمالية] و [الجلالية] قريبان ممّا ورد في

76

الكتاب العزيز، قال سبحانه: «تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ و الاِِكْرامِ». (1) فصفة الجلال ما جلّت ذاته عن مشابهة الغير و صفة الاِكرام ما تكرّمت ذاته بها و تجمّلت، فيوصف بالكمال و ينزّه بالجلال». (2)

2. صفات الذات و صفات الفعل قسَّم المتكلّمون صفاته سبحانه إلي صفة الذات و صفة الفعل و الاَوّل: ما يكفي في وصف الذات به، فرض نفس الذات فحسب، كالقدرة و الحياة و العلم و الثاني: ما يتوقف

توصيف الذات به علي فرض الغير وراء الذات و هو فعله سبحانه. فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل، بمعني انّ الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل و ذلك كالخلق و الرزق و نظائرهما من الصفات الفعلية الزائدة علي الذات بحكم انتزاعها من مقام الفعل و معني انتزاعها، انّا إذ نلاحظ النعم التي يتنعّم بها الناس و ننسبها إلي اللّه سبحانه، نسمّيها رزقاً رزقه اللّه سبحانه، فهو رزّاق و مثل ذلك الرَّحمة و المغفرة فهما يطلقان عليه علي الوجه الذي بيّنّاه.

3. الحقيقيّة و الاِضافيّة و للصّفات تقسيم آخر و هو تقسيمها إلي الحقيقيّة و الاِضافيّة و المراد من الاَُولي ما تتصف به الذات حقيقة و هي إمّا ذات إضافة كالعلم و القدرة،

- - -

(1) الرحمن: 78.

(2) الاَسفار: 6|118

77

و أما حقيقة محضة كالحياة و الاِضافية هي الصفات الانتزاعيّة كالعالميّة و القادريّة و الخالقية و الرازقية و العليّة.

4. الصفات الخبريّة و المراد منها ما ورد توصيفه تعالي بها في الخبر الاِلهي من الكتاب و السنة من العلو و كونه ذا وجه و يدين و أعين، إلي غير ذلك من الاَلفاظ الواردة في القرآن أو الحديث التي لو أُجريت علي اللّه سبحانه بمعانيها المتبادرة عند العرف لزم التجسيم و التشبيه. هل أسماء اللّه توقيفيّة؟ نقل غير واحد من المتكلّمين و المفسّرين أنّ أسماءه تعالي و صفاته توقيفية و جوّزوا إطلاق كلّ ما ورد في الكتاب و الاَحاديث الصحيحة دعاءً أووصفاً له و إخباراً عنه و منعوا كلّ مالم يرد فيهما و سمّوا ذلك إلحاداً في أسمائه و علي ذلك منع جمهور أهل السنَّة كلّ ما لم يأذن به الشارع، مطلقاً و جوّز المعتزلة ما صحّ معناه

و دلّ الدليل علي اتصافه به و لم يوهم إطلاقه نقصاً و قد مال إلي قول المعتزلة بعض الاَشاعرة، كالقاضي أبي بكر الباقلاني و توقف إمام الحرمين الجويني و التفصيل يقع في مقامين: الاَوّل: تفسير ما استدلوا به من الآية. الثاني: تجويز مالم يوهم إطلاقه نقصاً. أمّا الاَوّل: فقد قال سبحانه: «وَللّهِ الاََسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمائهِ»

78

سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ». (1) الاستدلال مبني علي أمرين: أ. إنّ اللام في الاَسماء الحسني للعهد، تشير إلي الاَسماء الواردة في الكتاب و السنة الصحيحة. ب. إنّ المراد من الاِلحاد، التعدّي إلي غير ما ورد. وكلا الاَمرين غير ثابت، أمّا الاَوّل فالظاهر أنّ اللام للاِستغراق قدّم عليها لفظ الجلالة لاَجل إفادة الحصر و معني الآية إنّ كلّ اسم أحسن في عالم الوجود فهو للّه سبحانه، لا يشاركه فيه أحد، فإذا كان اللّه سبحانه ينسب بعض هذه الاَسماء إلي غيره كالعالم و الحي، فأحسنها للّه، أعني: الحقائق الموجودة بنفسها الغنية عن غيرها و الثابت لغيره من العلم و الحياة و القدرة المفاضة من جانبه سبحانه، من تجليات صفاته و فروعها و شوَونها و الآية بمنزلة قوله سبحانه: «أَنَّ الْقُوَّةَ للّهِ جَمِيعاً». (2) و قوله سبحانه: «إِنَّ الْعِزَّةَ للّهِ جَمِيعاً». (3) إلي غير ذلك و علي ذلك فمعني الآية أنّ للّه سبحانه حقيقةُ كلّ اسم أحسن لا يشاركه غيره إلاّبما ملّكهم منه، كيف ما أراد و شاء و أمّا الثاني: فلاَنّ الاِلحاد هو التطرّف و الميل عن الوسط إلي أحد

- - -

(1) الاَعراف: 180.

(2) البقرة: 165.

(3) يونس: 65

79

الجانبين و أمّا الاِلحاد في أسمائه فيتحقّق بأُمور:

1. إطلاق أسمائه علي الاَصنام بتغيير مّا، كإطلاق «اللاّت» المأخوذة من الاِله

بتغيير، علي الصنم المعروف و إطلاق «العُزّي» المأخوذ من العزيز و «المناة» المأخوذ من المنّان، فيلحدون و يميلون عن الحقّ بسبب هذه الاِطلاقات لاِرادتهم التشريك و الحط من مرتبة اللّه و تعلية ما صنعوه من الاَصنام و سيجزي هوَلاء علي طبق أعمالهم فلا يصل النقص إلي اللّه و لا يرتفع مقام مصنوعاته.

2. تسميته بما لا يجوز وصفه به لما فيه من النقص، كوصفه سبحانه بأبيض الوجه و جعد الشعر و من هذا القبيل تسميته سبحانه بالماكر و الخادع تمسّكاً بقوله سبحانه: «وَمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ و اللّهُ خَيْرُ الْماكِرين». (1) و قوله سبحانه: «إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ و هو خادِعُهُمْ». (2) فإنّ المتبادر من هذين اللفظين غير ما هو المتبادر من الآية، فإنّ المتبادر منهما منفردين مفهوم يلازم النقص و العيب بخلاف المفهوم من الآيتين فإنّه جزاءُ الخادع و الماكر علي وجه لا يبقي لفعلهما أثر.

3. تسميته ببعض أسمائه الحسني دون بعض كأن يقولوا «يا اللّه» و لا يقولوا «يا رحمن» و قد قال اللّه تعالي: «قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيّاً ما تَدْعُوا فَلَهُ الاََسْماءُ الْحُسْني». (3)

- - -

(1) آل عمران: 54.

(2) النساء: 142.

(3) الاِسراء: 110

80

و قال سبحانه: «و إذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا للرَّحْمنِ قالُوا و ما الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً». (1) إلي غير ذلك من أقسام الاِلحاد و العدول عن الحق في أسمائه و بذلك يظهر أنّه لا مانع من توصيفه سبحانه بالواجب أو واجب الوجود أو الصانع أو الاَزلي، أو الاَبدي و إن لم ترد في النصوص، إذ ليس في إطلاقها عليه سبحانه طروء نقص أوإيماء إلي عيب، مع أنّه سبحانه يقول: «صُنْعَ اللّهِ الّذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ».

(2) هذا كلّه حول المقام الاَوّل و أمّا المقام الثاني: و هو تجويز تسميته تعالي بكلّما يدل علي الكمال أو يتنزّه عن النقص و العيب، فذلك لاَنّ الاَلفاظ التي نستعملها في حقّه سبحانه لم توضع إلاّ لما نجده في حياتنا المشوبة بالنقص و العيب، فالعلم فينا الاِحاطة بالشيء من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل مادّية و القدرة فينا هي المنشئيّة للفعل بكيفية ماديّة موجودة في عضلاتنا و من المعلوم أنّ هذه المعاني لا يصحّ نسبتها إلي اللّه إلاّ بالتجريد، كأن يفسّر العلم بالاِحاطة بالشيء بحضوره عند العالم و القدرة المنشئيّة للشيء بإيجاده و مثله مفاهيم الحياة و الاِرادة و السمع و البصر، فلا تطلق عليه سبحانه إلاّ بما يليق بساحة قدسه، منزّهة عن النقائص، فإذا كان الاَمر علي هذا المنوال في الاَسماء التي وردت في النصوص فيسهل الاَمر فيمالم يرد فيها و كان رمزاً للكمال أو مُعرباًعن فعله سبحانه علي صفحات الوجود، أو

- - -

(1) الفرقان: 60.

(2) النمل: 88

81

مشيراً إلي تنزيهه و غير ذلك من الملاكات المسوغة لتسميته و توصيفه. نعم بما أنّ العوام من الناس ربما لا يتبادر إلي أذهانهم ما يدلّ علي الكمال أو يرمز إلي التنزيه، فيبادرون إلي تسميته و توصيفه بأسماء و صفات فيها أحد المحاذير السابقة، فمقتضي الاحتياط في الدين الاقتصار في التسمية بما ورد من طريق السمع بل التجنّب عن الاِجراء و الاِطلاق عليه سبحانه و إن لم يكن هناك تسمية

الفصل الثالث: الصفات الثبوتية الذاتية

[سؤال]

هل أسماء الله توقيفيّة؟

1. علمه تعالي

الفصل الثالث الصفات الثبوتية الذاتية

1علمه تعالي ما هوالعلم؟ عرّف العلم بأنّه صورة حاصلة من الشيء في الذهن و هذا التعريف لا يشمل إلاّ العلم الحصولي، مع أنّ هناك قسماً آخر للعلم و هو العلم الحضوري و الفرق بين القسمين انّ في العلم الحصولي ما هو حاضر عند العالم و حاصل له هي الصورة المنتزعة من الشيء بأدوات الاِحساس و هذه الصورة الذهنية وسيلة وحيدة لدرك الخارج و إحساسه و لاَجل ذلك أصبح الشيء الخارجي معلوماً بالعرض و الصورة الذهنية معلومة بالذات و أمّا العلم الحضوري فهو عبارة عن حضور المدرَك لدي المدرِك من دون توسط أيّ شيء و ذلك كعلم الاِنسان بنفسه

83

علي ضوء ما ذكرنا من تقسيم العلم إلي الحصولي و الحضوري يصحّ أن يقال: «إنّ العلم علي وجه الاِطلاق عبارة عن حضور المعلوم لدي العالم» و هذا التعريف يشمل العلم بكلا قسميه، غير انّ الحاضر في الاَوّل هو الصورة الذهنية دون الواقعية الخارجية و في الثاني نفس واقعية المعلوم من دون و سيط بينها و بين العالم. إذا وقفت علي حقيقة العلم، فاعلم أنّ الاِلهيّين أجمعوا علي أنّ العلم من صفات اللّه الذاتية الكمالية و انّ العالم من أسمائه الحسني و هذا لم يختلف فيه اثنان علي إجماله و لكن مع ذلك اختلفوا في حدود علمه تعالي و كيفيته علي أقوال، يلزمنا البحث عنها لتحقيق الحال في هذا المجال، فنقول:

1. علمه سبحانه بذاته قد ذكروا لاِثبات علمه تعالي بذاته وجوهاً من البراهين نكتفي بذكر وجهين منها: الاَوّل: مفيض الكمال ليس فاقداً له إنّه سبحانه خلق الاِنسان العالم بذاته علماً حضورياً، فمعطي هذا الكمال يجب أن يكون واجداً له علي الوجه

الاَتم و الاَكمل، لاَنّ فاقد الكمال لا يعطيه و نحن و إن لم نحط و لن نحيط به خصوصية حضور ذاته لدي ذاته، غير انّا نرمز إلي هذا العلم ب «حضور ذاته لدي ذاته و علمه بها من دون وساطة شيء في البين»

84

الثاني: التجرّد عن المادة ملاك الحضور ملاك الحضور و الشهود العلمي ليس إلاّ تجرّد الوجود عن المادّة، فإنّ الموجود المادّي بما انّه موجود كمّي ذو أبعاض و أجزاء ليس لها وجود جمعي و يغيب بعض أجزائه عن البعض الآخر، مضافاً إلي أنّه في تحوّل و تغيّر دائمي، فلا يصحّ للموجود المادّي من حيث إنّه مادّي أن يعلم بذاته، لعدم تحقّق ملاك العلم الذي هو حضور شيء لدي آخر. فإذا كان الموجود منزّهاً من المادّة و الجزئية و التبعّض، كانت ذاته حاضرة لديها حضوراً كاملاً و بذلك نشاهد حضور ذواتنا عند ذواتنا، فلو فرضنا موجوداً علي مستوي عال من التجرّد و البساطة عارياً عن كلّ عوامل الغيبة التي هي من خصائص الكائن المادّي، كانت ذاته حاضرة لديه و هذا معني علمه سبحانه بذاته أي حضور ذاته لدي ذاته بأتمّ وجه لتنزّهه عن المادّية و التركّب و التفرّق كما تقدّم برهان بساطته عند البحث عن التوحيد. ثمّ إنّ المغايرة الاعتبارية تكفي لانتزاع عناوين العلم و المعلوم و العالم من ذات واحدة و ليس التغاير الحقيقي من خواصّ العلم حتّي يستشكل في علم الذات بنفس ذاته بتوحّد العالم و المعلوم، بل الملاك كلّه هو الحضور و هذا حاصل في الموجود المجرّد كما تقدّم و بذلك يظهر و هن ما استدلّ به النافون لعلمه تعالي بذاته من لزوم التغاير الحقيقي بين العالم و المعلوم.

2. علمه سبحانه بالاَشياء

قبل إيجادها إنّ علمه سبحانه بالاَشياء علي قسمين: علم قبل الاِيجاد و علم بعد الاِيجاد و نستدل علي القسم الاَوّل بوجهين:

85

الاَوّل: العلم بالسّبب علم بالمسبَّب إنّ العلم بالسبب و العلّة بما هو سبب و علّة، علم بالمسبّب و المراد من العلم بالسّبب و العلّة، العلم بالحيثية التي صارت مبدأ لوجود المعلول و حدوثه و لتوضيح هذه القاعدة نمثل بمثالين:

1. انّ المنجّم العارف بالقوانين الفلكيّة و المحاسبات الكونيّة يقف علي أنّ الخسوف و الكسوف أو ما شاكل ذلك يتحقّق في وقت أو وضع خاص و ليس علمه بهذه الطواريَ، إلاّ من جهة علمه بالعلّة من حيث هي علّة لكذا و كذا.

2. انّ الطبيب العارف بحالات النبض و أنواعه و أحوال القلب و أوضاعه يقدر علي التنبّوَ بما سيصيب المريض في مستقبل أيامه و ليس هذا العلم إلاّ من جهة علمه بالعلّة من حيث هي علّة. إذا عرفت كيفيّة حصول العلم بالمعلول قبل إيجاده من العلم بالعلّة نقول: إنّ العالم بأجمعه معلول لوجوده سبحانه و ذاته تعالي علّة له و قد تقدّم انّ ذاته سبحانه عالم بذاته و بعبارة أُخري: العلم بالذات علم بالحيثية التي صدر منها الكون بأجمعه و العلم بتلك الحيثية يلازم العلم بالمعلول. قال صدر المتألّهين: «إنّ ذاته سبحانه لمّا كانت علّة للاَشياء بحسب وجودها و العلم بالعلّة يستلزم العلم بمعلولها … فتعقّلها من هذه الجهة لابدّ أن يكون علي ترتيب صدورها واحداً بعد واحد». (1)

- - -

(1) الاَسفار: 6|275

86

الثاني: إتقان الصنع يدلّ علي علم الصانع إنّ وجود المعلول كما يدلّ علي وجود العلّة، كذلك خصوصيّاته تدلّ علي خصوصيّات علّته، فإنّ المصنوع من جهة الترتيب الذي في أجزائه و من جهة موافقة جميع الاَجزاء

للغرض المقصود من ذلك المصنوع، يدلّ علي أنّه لم يحدث عن فاعل غير عالم بتلك الخصوصيات. فالعالم بما انّه مخلوق للّه سبحانه يدلّ ما فيه من بديع الخلق و دقيق التركيب علي أنّ خالقه عالم بما خلق، عليم بما صنع، فالخصوصيات المكنونة في المخلوق ترشدنا إلي صفات صانعه و قد أشار القرآن الكريم إلي هذا الدليل بقوله: «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ و هو اللَّطِيفُ الْخَبيرُ». (1) و قال الاِمام علي - عليه السلام - : «وعَلِمَ ما يمضي و ما مضي، مبتدع الخلائق بعلمه و منشئهم بحكمه». (2) و قال الاِمام علي بن موسي الرضا (عليهما السّلام) : «سبحان من خلق الخلق بقدرته، أتقن ما خلق بحكمته و وضع كلّ شيء منه موضعه بعلمه». (3) و إلي هذا الدليل أشار المحقّق الطوسي في «تجريد الاعتقاد» بقوله: «والاِحكام دليل العلم».

- - -

(1) الملك: 14.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 191.

(3) بحار الاَنوار: 4|85

87

3. علمه سبحانه بالاَشياء بعد إيجادها إنّ كلّ ممكن، معلول في تحقّقه للّه سبحانه و ليس للمعلولية معني سوي تعلّق وجود المعلول بعلّته و قيامه بها قياماً واقعياً كقيام المعني الحرفي بالمعني الاسمي، فكما انّ المعني الحرفي بكل شوَونه قائم بالمعني الاسمي فهكذا المعلول قائم بعلّته المفيضة لوجوده و ما هذا شأنه لا يكون خارجاً عن وجود علّته، إذ الخروج عن حيطته يلازم الاستقلال و هو لا يجتمع مع كونه ممكناً. فلازم الوقوع في حيطته و عدم الخروج عنها، كون الاَشياء كلّها حاضرة لدي ذاته و الحضور هو العلم، لما عرفت من أنّ العلم عبارة عن حضور المعلوم لدي العالم و يترتب علي ذلك انّ العالم كما هو فعله، فكذلك علمه سبحانه و علي سبيل التقريب

لاحظ الصور الذهنية التي تخلقها النفس في وعاء الذهن، فهي فعل النفس و في نفس الوقت علمها و لا تحتاج النفس في العلم بتلك الصور إلي صور ثانية و كما أنّ النفس محيطة بتلك الصور و هي قائمة بفاعلها و خالقها، فهكذا العالم دقيقه و جليله مخلوق للّه سبحانه قائم به و هو محيط به، فعلم اللّه و فعله مفهومان مختلفان و لكنهما متصادقان في الخارج و قد اتّضح بما تعرّفت أنّ علمه تعالي بأفعاله بعد إيجادها حضوري، كما أنّ علمه سبحانه بذاته و بأفعاله قبل إيجادها حضوري، فإنّ المناط في كون العلم حضورياً هو حصول نفس المعلوم و حضوره لدي العالم لا حضور صورته و ماهيته و هذا المناط متحقّق في علمه تعالي بذاته و بأفعاله مطلقاً

88

علمه تعالي بالجزئيات و الاِمعان فيما ذكرنا حول الموجودات الاِمكانية يوضح لزوم علمه سبحانه بالجزئيات وضوحاً كاملاً و ذلك لما تقدّم انّ نفس وجود كلِّ شيء عين معلوميته للّه تعالي و لا فرق في مناط هذا الحكم بين المجرّد و المادّي و الكلّي و الجزئي، فكما انّ الموجود الثابت معلوم له تعالي بثباته، كذلك الموجود المتغيّر معلوم للّه سبحانه بتغيره و تبدّله فالاِفاضة التدريجيّة و الحضور بوصف التدرّج لديه سبحانه يلازم علمه تبارك و تعالي بالجزئيّات الخارجيّة. شبهات المنكرين قد عرفت برهان علمه سبحانه بالجزئيات و بقي الكلام في تحليل الشبهات التي أُثيرت في هذا المجال و إليك بيانها:

1. العلم بالجزئيات يلازم التغيّر في علمه تعالي قالوا لو علم سبحانه ما يجري في الكون من الجزئيات لزم تغيّر علمه بتغيّر المعلوم و إلاّ لانتفت المطابقة و علي هذا فهو سبحانه إنّما يعلم الجزئيات من حيث هي ماهيات معقولة

لا بما هي جزئية متغيّرة. إنّ الشبهة قائمة علي فرض كون علمه سبحانه بالاَشياء علماً حصولياً علي طريق الصور المرتسمة القائمة بذاته سبحانه و عند ذلك يكون التغيّر في المعلوم ملازماً لتغيّر الصور القائمة به و يلزم علي ذلك كون ذاته محلاً للتغيّر و التبدّل و قد عرفت أنّ علمه تعالي بالموجودات حضوري بمعني أنّ الاَشياء بهويّاتها الخارجية و حقائقها العينية حاضرة لديه سبحانه، فلا مانع من

89

القول بطروء التغيّر علي علمه سبحانه إثر طروء التغيّر علي الموجودات العينية، فإنّ التغيّر الممتنع علي علمه إنّما هو العلم الموصوف بالعلم الذاتي و أمّا العلم الفعلي أي العلم في مقام الفعل، فلا مانع من تغيّره كتغيّر فعله، فإنّ العلم في مقام الفعل لا يعدو عن كون نفس الفعل علمه لا غير.

2. إدراك الجزئيات يحتاج إلي آلة إنّ إدراك الجزئيات يحتاج إلي أدوات مادّية و آلات جسمانية و هو سبحانه منزّه عن الجسم و لوازمه الجسمانيّة و الجواب عن هذه الشبهة واضح، فإنّ العلم بالجزئيات عن طريق الاَدوات الماديّة إنّما هو شأن من لم يحط الاَشياء إحاطة قيّوميّة و لم تكن الاَشياء قائمة به حاضرة لديه، كالاِنسان في علمه الحصولي بالجزئيات الخارجية، فإنّ علمه بها لمّا كان عن طريق انتزاع الصور بوسيلة الاَدوات الحسيّة كان إدراك الجزئيات متوقفاً علي تلك الاَدوات و أمّا الواجب عزّ اسمه فلمّا كان علمه عن طريق إحاطته بالاَشياء و قيامها به قياماً حقيقياً فلا يتوقّف علمه بها علي الاَدوات و إعمالها. تكملة قد ورد في الشريعة الاِسلامية الحقّة توصيفه تعالي بالسمع و البصر وعدّ السميع و البصير من أسمائه سبحانه (1) و الحقّ انّ سمعه و بصره تعالي ليسا وصفين يغايران وصف العلم، إنّما

المغايرة بلحاظ المفهوم لا من حيث الحقيقة و المصداق، فقد عرفت أنّ جميع العوالم الاِمكانية حاضرة لديه سبحانه، فالاَشياء علي الاِطلاق و المسموعات و المبصرات خصوصاً، أفعاله سبحانه و في الوقت نفسه علمه تعالي.

- - -

(1) انّه سبحانه وصف نفسه بالبصير 42 مرّة و بالسميع 41 مرّة في الكتاب العزيز

90

ثمّ إنّ الملاك المتقدّم و إن كان موجوداً في المشمومات و المذوقات و الملموسات، فإنّها أيضاً حاضرة لديه سبحانه كالمسموعات و المبصرات، لكن لمّا كان إطلاق هذه الاَسماء ملازماً للمادّة و الاِحساس في أذهان الناس، لم يصحّ إطلاق اللامس و الذائق و الشامّ عليه و من الغايات التي يرشد إليها الذكر الحكيم في مقام التوصيف بالسميع و البصير هو إيقاف الاِنسان علي أنّ ربَّه سميع يسمع ما يتلفّظه من كلام، بصير يري كلّ عمل يصدر منه فيحاسبه يوماً حسب ما سمعه ورآه. ثمّ إنّ بعض المتكلّمين قد عدّ الاِدراك من صفاته تعالي و المدرك بصيغة الفاعل من أسمائه، تبعاً لقوله سبحانه: «لا تُدْرِكُهُ الاََبْصارُ و هو يُدْرِكُ الاََبْصارَ و هو اللَّطيفُ الْخَبِيرُ». (1) و لا شكّ انّه سبحانه بحكم الآية الشريفة مدرك، لكن الكلام في أنّ الاِدراك هل هو وصف وراء العلم بالكليات و الجزئيات؟ أو هو يعادل العلم ويرادفه؟ أو هو علم خاص؟ و الاَقرب هوالاَخير و هو العلم بالموجودات الجزئية العينية، فإدراكه سبحانه هو شهود الاَشياء الخارجية و و قوفه عليها وقوفاً تاماً. قال سبحانه: «أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلي كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ». (2)

- - -

(1) الاَنعام:

103.

(2) فصلت: 53

2. قدرته تعالي

2. قدرته تعالي

2قدرته تعالي اتّفق الاِلهيّون علي أنّ القدرة من صفاته الذاتية الكمالية كالعلم و لاَجل ذلك يعدّالقادر و القدير من أسمائه سبحانه. تعريف

القدرة إنّ هناك تعريفين للقدرة مشهورين: أحدهما: أنّها عبارة عن صحّة الفعل و الترك و المراد من الصحّة: الاِمكان، فالقادر هو الّذي يصحّ أن يفعل و أن يترك و الثاني: أنّها عبارة عن صدور الفعل بالمشيّة و الاختيار، فالقادر من إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل و قد أُورد علي التعريف الاَوّل بأنّ الاِمكان المأخوذ في التعريف، إمّا إمكان ماهوي يقع وصفاً للماهية، أو إمكان استعدادي يقع وصفاً للمادّة؛ و علي كلا التقديرين لا يصحّ أخذه في تعريف قدرته سبحانه، لاَنّ اللّه تعالي منزّه عن الماهية و المادّة و المراد من المشيّة في التعريف الثاني هو الاختيار الذاتي له سبحانه، فهو تعالي يفعل باختياره الذاتي و يترك كذلك، أي ليس فعله و تركه لازماً عليه لعدم وجود قدرة غالبة تضطرّه علي الفعل أو الترك

92

برهان قدرته تعالي استدلّ علي قدرته سبحانه بوجوه نكتفي بواحد منها و هو برهان إحكام الصنع و إتقانه. توضيحه: أنّه قد عرفت في الاَبحاث المتقدّمة انّ الفعل كما يدلّ علي وجود الفاعل، كذلك خصوصياته تدلّ علي خصوصيات الفاعل، فإذا كان الفعل متَّسماً بالاِحكام و الاِتقان و الجمال و البهاء يدلّ ذلك علي علم الفاعل بتلك الجهات و قدرته علي إيجاد مثل ذلك الصنع و لاَجل ذلك نري أنّه سبحانه عندما يصف روائع أفعاله و بدائع صنعه في آيات الذكر الحكيم، يختمها بذكر علمه تعالي و قدرته، يقول سبحانه: «اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ و من الاََرْضِمِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاََمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً». (1) فالاِحكام و الاِتقان في الفعل آيتا العلم و علامتا القدرة و انّا نري في

كلمات الاِمام علي - عليه السلام - انّه يستند في البرهنة علي قدرته تعالي بروعة فعله و جمال صنعه سبحانه: قال - عليه السلام - : «وأرانا من ملكوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حكمته». (2)

- - -

(1) الطلاق: 12.

(2) نهج البلاغة: خطبة الاَشباح، الخطبة 91

93

و قال أيضاً: «وأقام من شواهد البيّنات علي لطيف صنعته و عظيم قدرته». (1) و قال أيضاً: «فأقام من الاَشياء أودها و نهج حدودها و لاءم بقدرته بين متضادّها». (2) سعة قدرته تعالي إنّ الفطرة البشرية تقضي بأنّ الكمال المطلق الذي ينجذب إليه الاِنسان في بعض الاَحايين قادر علي كلّ شيء ممكن و لا يتبادر إلي الاَذهان أبداً لولا تشكيك المشكّكين انّ لقدرته حدوداً، أو انّه قادر علي شيء دون شيء و لقد كان المسلمون في الصدر الاَوّل علي هذه العقيدة استلهاماً من كتاب اللّه العزيز الناصّ علي عمومية قدرة اللّه سبحانه. قال سبحانه: «وَكانَ اللّهُعَلي كُلِّ شَيْءٍ قَديراً». (3) و قال تعالي: «وَكانَ اللّهُ عَلي كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً». (4) كما صرّح بعمومية قدرته تعالي في الاَحاديث المرويّة عن أئمّة أهل البيت:

- - -

(1) نهج البلاغة: الخطبة 165.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 91.

(3) الاَحزاب: 27.

(4) الكهف: 45.

94

قال الاِمام الصادق - عليه السلام - : «الاَشياء له سواء علماً و قدرةً و سلطاناً و ملكاً و إحاطةً». (1) البرهان العقلي علي عمومية قدرته تعالي إذا تعرّفت علي قضاء الفطرة علي عموميّة قدرته تعالي و نصّ القرآن و الحديث علي ذلك، فاعلم أنّ هناك براهين عقلية علي ذلك نكتفي بتقرير واحد منها و هو: إنّ وجوده سبحانه غير محدود و لا متناه، بمعني انّه وجود مطلق لا يحدّه شيء من الحدود

العقلية و الخارجية و ما هو غير متناه في الوجود، غير متناه في الكمال و الجمال، لاَنّ منبع الكمال هو الوجود، فعدم التناهي في جانب الوجود يلازم عدمه في جانب الكمال و أيّ كمال أبهي من القدرة، فهي غير متناهية تبعاً لعدم تناهي وجوده و كماله. دفع شبهات في المقام ثمّ إنّ هناك شبهات، أُوردت علي القول بعمومية قدرته تعالي ربما يعسر دفعها علي الطالب، يجب أن نذكرها و نبين وجه الدفع عنها:

1. هل هو سبحانه قادر علي خلق مثله؟ فلو أُجيب بالاِيجاب لزم افتراض الشريك له سبحانه و لو أُجيب بالنفي ثبت ضيق قدرته و عدم عمومها و يدفع ذلك بأنّه ممتنع فلا يصل الكلام إلي تعلّق القدرة به أو عدمه،

- - -

(1) التوحيد للصدوق: الباب9، الحديث 15

95

و الوجه في امتناعه هو لزوم اجتماع النقيضين، أعني: كون شيء واحد واجباً بالذات و ممكناً كذلك، فإنّ ذلك المثل بما انّه مخلوق، يكون ممكناً و بما انّه مثل له تعالي، فهو وا جب بالذات و هو محال بالضرورة.

2. هل هو قادر علي أن يجعل العالم الفسيح في البيضة من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة؟ و الجواب عنه كسابقه، فإنّ جعل الشيء الكبير في الظرف الصغير أمر ممتنع في حدّ ذاته، إذ البداهة تحكم بأنّ الظرف يجب أن يكون مساوياً للمظروف، فجعل الشيء الكبير في الظرف الصغير يستلزم كون ذلك الظرف مساوياً للمظروف لما يقتضيه قانون مساواة الظرف و المظروف و أن يكون أصغر منه غير مساوٍ له لما هو المفروض و هذا محال و إنّما يبحث عن عمومية القدرة و عدمها بعد فرض كون الشيء ممكناً في ذاته و إلي هذا أشار الاِمام

علي - عليه السلام - في الجواب عن نفس السوَال بقوله: «إنّ اللّه تبارك و تعالي لا ينسب إلي العجز و الذي سألتني لا يكون». (1)

3. هل يمكنه سبحانه أن يوجد شيئاً لا يقدر علي إفنائه، فإن أُجيب بالاِيجاب لزم عدم سعة قدرته حيث لا يقدر علي إفنائه و إن أُجيب بالسلب لزم أيضاً عدم عموم قدرته و الجواب عنه: انّ الشيء المذكور بما انّه ممكن فهو قابل للفناء و بما انّه مقيّد بعدم إمكان إفنائه فهو واجب غير ممكن، فتصبح القضية كون شيء واحد ممكناً و واجباً، قابلاً للفناء و غير قابل له و هو محال، فالفرض المذكور مستلزم للمحال و المستلزم للمحال محال و هو خارج عن موضوع بحث عموميّة القدرة، كما تقدّم.

- - -

(1) التوحيد للصدوق: الباب9، الحديث9

96

3. حياته تعالي

3. حياته تعالي

3حياته تعالي اتّفق الاِلهيّون علي أنّ الحياة من صفاته تعالي و انّ الحيّ من أسمائه الحسني و لكن إجراء هذا الاسم عليه سبحانه يتوقّف علي فهم معني الحياة و كيفية إجرائها علي اللّه تعالي، فنقول: الدرك و الفعل ركنان للحياة إنّ الحياة المادّية في النبات و الحيوان و الاِنسان بما انّه حيوان تقوم بأمرين، هما: الفعّاليّة و الدرّاكيّة، فالخصائص الاَربع (1) التي ذكرها علماء الطبيعة راجعة إلي الفعل و الانفعال و التأثير و التأثّر و نرمز لها «بالفعّاليّة»، كما نرمز إلي الحسّ و الاِدراك المتسالم علي وجودهما في أنواع الحيوان و قد يقال به وجودهما في النبات أيضاً، ب «الدرّاكيّة» فالحيّ هو الدرّاك و الفعّال، كما هو المصطلح عند الفلاسفة الاِلهيين. فملاك الحياة الطبيعيّة هو الفعل و الدرك و هو محفوظ في جميع المراتب لكن بتطوير و تكامل، أعني: حذف النواقص و

الشوائب الملازمة للمرتبة النازلة عن المرتبة العالية، فالفعل المترقب من الحياة العقلية في

- - -

(1) و هي: الجذب و الدفع، النمو و الرشد، التوالد و التكاثر، الحركة وردّة الفعل

97

الاِنسان لا يقاس بفعل الخلايا النباتية و الحيوانية، كما أنّ درك الاِنسان للمسائل الكلية أعلي و أكمل من حسّ النبات و شعور الحيوان و مع هذا البون الشاسع بين الحياتين، تجد أنّا نصف الكلّ بالحياة بمعني واحد و ليس ذاك المعني الواحد إلاّ كون الموجود «درّاكاً» و «فعالاً». ما هو معني حياته تعالي؟ فإذا صحّ إطلاق الحياة بمعني واحد علي تلك الدرجات المتفاوتة فليصحّ علي الموجودات الحيّة العلوية لكن بنحو متكامل، فاللّه سبحانه حيّ بالمعني الذي تفيده تلك الكلمة، لكن حياة مناسبة لمقامه الاَسني، بحذف النواقص و الاَخذ بالزّبدة و اللّب، فهو تعالي حيّ أي «فاعل» و «مدرك» و إن شئت قلت: «فعّال» و «درّاك» لا كفعاليّة الممكنات و درّاكيتها. دلائل حياته تعالي قد ثبت بالبرهان انّه سبحانه عالم و قادر و قد تقدّم البحث فيه و قد بيّنا انّ حقيقة الحياة في الدرجات العلوية، لا تخرج عن كون المتّصف بها درّاكاً و فعّالاً و لا شكّ انّ للّه تعالي أتمّ مراتب الدرك و الفعل، لاَنّ له أكمل مراتب العلم و القدرة و هما عين ذاته سبحانه، فهوحيّ بحياة ذاتية. أضف إلي ذلك انّه سبحانه خلق موجودات حيّة، مدركة فاعلة، فمن المستحيل أن يكون معطي الكمال فاقداً له. تذييل عُدَّ من صفاته الثبوتية الذاتية، الاَزلية و الاَبدية و السرمديّة و القدم

98

و البقاء و عليه فهو سبحانه قديم أزليّ، باق أبديّ و موجود سرمديّ، قالوا: يطلق عليه الاَوّلان لاَجل انّه المصاحب لمجموع الاَزمنة المحقّقة أو المقدَّرة في الماضي،

كما يطلق عليه الآخران لاَجل انّه الموجود المستمرّ الوجود في الاَزمنة الآتية محقّقة كانت أو مقدَّرة و يطلق عليه السرمديّة بمعني الموجود المجامع لجميع الاَزمنة السابقة و اللاحقة. هذا ما عليه المتكلّمون في تفسير هذه الاَسماء و الصفات. يلاحظ عليه: أنّه يناسب شأن الموجود الزماني الّذي يصاحب الاَزمنة المحقّقة أو المقدَّرة، الماضيّة أو اللاحقة و اللّه سبحانه منزَّه عن الزمان و المصاحبة له، بل هو خالق للزمان سابقه و لاحقه، فهو فوق الزمان و المكان، لا يحيطه زمان و لا يحويه مكان و علي ذلك فالصحيح أن يقال: إنّ الموجود الاِمكاني ما يكون وجوده غير نابع من ذاته، مسبوقاً بالعدم في ذاته لا يمتنع طروء العدم عليه و يقابله واجب الوجود بالذات و هو ما يكون وجوده نابعاً من ذاته و يمتنع عليه طروء العدم و لا يلابسه أبداً و مثل ذلك لا يسبق وجوده العدم، فيكون قديماً أزليّاً، كما يمتنع أن يطرأ عليه العدم، فيكون أبديّاً باقياً و بملاحظة ذينك الاَمرين، أعني: عدم مسبوقية وجوده بالعدم و امتناع طروء العدم عليه، يتصف بالسّرمديّة و يقال: إنّه سرمديّ

4. إرادته تعالي

4. إرادته تعالي

4إرادته تعالي إنّ الاِرادة من صفاته سبحانه و المريد من أسمائه و لا يشكّ في ذلك أحد من الاِلهيين أبداً و إنّما اختلفوا في حقيقتها و انّها هل تكون من صفات الذات أو من صفات الفعل؟ الاَقوال في تفسير إرادته تعالي إنّ الاِرادة في الاِنسان بأيّ معني فسّرت، ظاهرة تظهر في لوح النفس تدريجية و من المعلوم انّ الاِرادة بهذا المعني لا يمكن توصيفه سبحانه بها، لاَنّه يستلزم كونه موجوداً ماديّاً يطرأ عليه التغيّر و التبدّل من الفقدان إلي الوجدان و ما هذا شأنه لا

يليق بساحة الباري و لاَجل ذلك اختلفت كلمة الاِلهيين في تفسير إرادته تعالي و إليك بعض الآراء المطروحة في هذا المجال:

1. إرادته سبحانه، علمه بالنظام الاَصلح فسّرت طائفة من المحقّقين إرادة اللّهتعالي بعلمه بالنظام الاَصلح و الاَتم، قال صدر المتألهين: «معني كونه مريداً انّه سبحانه يعقل ذاته و يعقل نظام الخير الموجود

100

في الكلّ من ذاته و انّه كيف يكون». (1) و قال الحكيم السبزواري: «الاِرادة و القدرة عين علمه العنائي و هو عين ذاته». (2) يلاحظ عليه: أنّ تفسير الاِرادة بالعلم، يرجع إلي إنكار حقيقة الاِرادة فيه سبحانه و لاَجل عدم صحّة هذا التفسير نري أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) ينكرون تفسيرها بالعلم، قال بكير بن أعين: قلت لاَبي عبد اللّه الصادق - عليه السلام - : علمه و مشيئته مختلفان أو متفقان … ؟ فقال - عليه السلام - : «العلم ليس هو المشيئة، ألا تري أنّك تقول سأفعل كذا إن شاء اللّه و لا تقول سأفعل كذا إن علم اللّه». (3)

2. إرادته سبحانه ابتهاجه بذاته و بفعله قد يقال: إنّللاِرادة مقامين:

1. إرادة في مقام الذات و هي ابتهاجه تعالي في ذاته.

2. إرادة في مقام الفعل و هي رضاه سبحانه بفعله. توضيح ذلك: أنّ ذاته تعالي لمّا كانت صرف الخير و تمامه كان مبتهجاً بذاته أتمّ الابتهاج و ينبعث من الابتهاج الذاتي ابتهاج في مرحلة الفعل، فإنّ من أحبّ شيئاً أحبّ آثاره و لوازمه و هذه المحبَّة الفعلية هي الاِرادة في مرحلة الفعل و هي الّتي وردت في الاَخبار التي جعلت الاِرادة من صفات فعله و إليها أشار الحكيم السبزواري بقوله:

- - -

(1) الاَسفار: 6| 316.

(2) شرح الاَسماء الحسني: 42.

(3) الكافي: 1|109، باب

الاِرادة

101

رضاوَه بالذات بالفعل رضا * وذا الرّضا إرادة لمن قضي و يرد علي هذه النظرية ما أوردناه علي سابقها، فإنّ حقيقة الاِرادة غير حقيقة الرضا و الابتهاج، فتفسير الاِرادة بهما يرجع إلي إنكارها.

3. الاِرادة إعمال القدرة ربما تفسّر إرادته سبحانه بإعمال القدرة و يقال: (1) «انّا لا نتصور لاِرادته تعالي معني غير إعمال القدرة و السلطنة و لمّا كانت سلطنته تعالي تامّة من جميع الجهات و لا يتصوّر فيه النقص أبداً فبطبيعة الحال يتحقّق الفعل في الخارج و يوجد بصرف إعمال القدرة من دون توقّفه علي أيّة مقدّمة أُخري كما هو مقتضي قوله سبحانه: «إِنّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون». (2) يلاحظ عليه: أنّ إعمال القدرة و السلطنة إمّا فعل اختياري له سبحانه أو إضطراري و لا سبيل إلي الثاني لاَنّه يستلزم أن يكون تعالي فاعلاً مضطرّاً و علي الاَوّل فما هو ملاك كونه مختاراً؟ لاَنّه لابدّ أن يكون هناك قبل إعمال السلطنة و تنفيذ القدرة شيء يدور عليه كونه فاعلاً مختاراً، نعم يمكن تصحيح هذا القول بإرجاعه إلي القول الآتي.

- - -

(1) المحاضرات: 2|36و 72.

(2) يس: 82

102

4. إرادته، كونه مختاراً بالذات الحقّ انّ الاِرادة من الصفات الذاتية و تجري عليه سبحانه مجرّدة من شوائب النقص و سمات الاِمكان، فالمراد من توصيفه بالاِرادة كونه فاعلاً مختاراً في مقابل كونه فاعلاً مضطرّاً، لا إثبات الاِرادة له بنعت كونها طارئة زائلة عند حدوث المراد، أو كون الفاعل خارجاً بها عن القوّة إلي الفعل، لاَنّها لا تعدّ من صفات الكمال مقيّدة بهذه الخصائص، بل كمالها في كون صاحبها مختاراً، مالكاً لفعله آخذاً بزمام عمله، فإذا كان هذا كمال الاِرادة فاللّه سبحانه واجد له علي

النحو الاَكمل، إذ هو الفاعل المختار غير المقهور في سلطانه و ليس هذا بمعني إرجاع الاِرادة إلي وصف سلبي و هو كونه غير مقهور و لا مستكره، كما نقل عن النجّار، بل هي وصف وجودي هو نفس ذاته و التعبير عنه بوصف سلبي لا يجعله أمراً سلبياً كتفسير العلم بعدم الجهل و القدرة بعدم العجز. فلو صحَّ تسمية هذا الاختيار الذاتي بالاِرادة، فالاِرادة من صفات ذاته تعالي و إلاّ وجب القول بكونها من صفات الفعل. (1)

- - -

(1) ما أفاده شيخنا الاَُستاذ دام ظلّه في تفسير إرادته تعالي يوافق نظرية العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) فإنّه أيضاً ناقش الرأي المشهور عند الفلاسفة من تفسير الاِرادة بالعلم بالنظام الاَصلح، ثمّ أثبت للّه تعالي اختياراً ذاتياً، ثمّ بيّن انّ الاِرادة بمعناها المعهود عندنا إنّما يصحّ إطلاقها علي اللّه تعالي بعد التجريد عن النواقص، بما هي صفة فعلية منتزعة عن مقام فعله سبحانه، نظير الخلق و الاِيجاد و الرحمة و ذلك باعتبار تمامية الفعل من حيث السبب و حضور العلّة التامة للفعل كما يقال عند مشاهدة جمع الفاعل أسباب الفعل ليفعل، انّه يريد كذا فعلاً. راجع الاَسفار: 6|315316؛ نهاية الحكمة: المرحلة 12، الفصل 13؛ بداية الحكمة: المرحلة 12، الفصل 6و8

103

الاِرادة في روايات أهل البيت - عليهم السلام -. يظهر من الروايات المأثورة عن أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - انّ مشيئته و إرادته من صفات فعله، كالرازقية و الخالقية و إليك نبذاً من هذه الروايات:

1. روي عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللّه - عليه السلام - قال: «قلت: لم يزل اللّه مريداً؟ قال: إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه، لم يزل اللّه عالماً قادراً ثمّ أراد».

(1)

2. روي صفوان بن يحيي قال: قلت لاَبي الحسن - عليه السلام - : أخبرني عن الاِرادة من اللّه و من الخلق؟ قال: فقال - عليه السلام - : «الاِرادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل و أمّا من اللّه تعالي فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لاَنّه لا يروّي و لا يهمّ و لا يتفكّر و هذه الصفات منفيّة عنه و هي صفات الخلق، فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همّة و لا تفكّر و لا كيف لذلك، كما انّه لا كيف له». (2)

3. روي محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه - عليه السلام - قال: «المشيئة محدثة». (3) تري أنّ الرواية الاَُولي تنفي صفة الاَزليّة عن الاِرادة، فلا تكون من

- - -

(1) الكافي: 1|109، باب الاِرادة، الحديث 1.

(2) نفس المصدر: الحديث 3.

(3) نفس المصدر: الحديث7

104

صفاته الذاتية الّتي هي عين ذاته تعالي، كما أنّ الرواية الثالثة صرّحت علي أنّ المشيئة محدثة، فلا تكون من صفاته الذاتية و قد صرّحت الرواية الثانية علي أنّ إرادته تعالي عين إحداثه تعالي و إيجاده فهي عين فعله و لكن الروايات لا تنفي كون الاِرادة بالمعني الّذي فسّرناها به، أعني: الاختيار الذاتي من صفات ذاته، بل الذي نفته، هي الاِرادة بالمعني الموجود في الاِنسان، لاَنّ إثبات هذه الاِرادة للّه تعالي يستلزم محذورين: الاَوّل: قدم المراد أو حدوث المريد، كما ورد في الرواية الاَُولي. الثاني: طروء التغيّر و التدريج علي ذاته سبحانه، كما ورد في الرواية الثانية

الفصل الرابع: الصفات الثبوتية الفعلية

اشارة

إنّ صفات اللّه تعالي الفعلية التي تنتزع من مقام فعله سبحانه كثيرة و الّذي نخصّه بالبحث

هنا أمران: التكلّم و الحكمة، فنقول

: 1التكلّم

أجمع المسلمون تبعاً للكتاب و السنة علي كونه سبحانه متكلّماً و لكنهم اختلفوا في أمرين: ألف. تفسير حقيقة كلامه تعالي و ما هو المراد منه. ب. حدوثه و قدمه. لقد شغلت هذه المسألة بال العلماء و المفكّرين الاِسلاميّين في عصر الخلفاء و حدثت بسببه مشاجرات بل صدامات دامية مذكورة في التاريخ

106

الأقوال في تفسير كلامه تعالي

تفصيلاً و عرفت ب «محنة القرآن» فيلزمنا البحث و التحليل حول ذينك الاَمرين علي ضوء العقل و القرآن و النقل المعتبر فنقول: الاَقوال في تفسير كلامه تعالي الاَقوال التي ذكرها المتكلّمون و الفلاسفة في هذا المجال أربعة:

1. ما اختاره المعتزلة: و هو انّ كلامه تعالي عبارة عن أصوات و حروف غير قائمة باللّه تعالي قياماً حلولياً أو عروضياً، بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أوجبرائيل أو النبي أو غير ذلك، قال القاضي عبد الجبار: «حقيقة الكلام الحروف المنظومة و الاَصوات المقطّعة و هذا كما يكون منعماً بنعمة توجد في غيره و رازقاً برزق يوجد في غيره، فهكذا يكون متكلّماً بإيجاد الكلام في غيره و ليس من شرط الفاعل أن يحلّ عليه فعل». (1) و هذا المعني من الكلام هو الّذي يسمّي بالكلام اللفظي و هو من صفات فعله تعالي، حادث بحدوث الفعل.

2. نظرية الاَشاعرة: يظهر من موَلّف المواقف (2) انّ الاَشاعرة معترفون به و بأنّه حادث و لكنهم يدّعون معني آخر وراءه و يسمّونه بالكلام النفسي. قال الفاضل القوشجي في تفسير الكلام النفسي: «إنّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو إخبار أو استخبار أو غير ذلك يجد في نفسه معاني يعبّر عنها بالاَلفاظ التي نسمّيها بالكلام الحسّي، فالمعني الذي يجده في نفسه

و يدور في خلده، لا يختلف باختلاف

- - -

(1) شرح الاَُصول الخمسة: 528. (2) شرح المواقف: 8|93

107

العبارات بحسب الاَوضاع و الاصطلاحات و يقصد المتكلم حصوله في نفس السامع ليجري علي موجبه، هو الّذي نسمّيه الكلام النفسي». (1) و هذا المعني من الكلام علي فرض ثبوته يكون من صفات ذاته تعالي و قديم بقدم الذات و لكنه ليس أمراً وراء العلم التصوّري أو التصديقي.

3. نظريّة الحكماء: ذهبت الحكماء إلي أنّ لكلامه سبحانه مفهوماً أوسع ممّا ذكره المعتزلة من الكلام اللفظي، بل كلامه تعالي مساوق لفعله سبحانه فكلّ موجود كما هو فعله و مخلوقه، كذلك كلام له تعالي و نسمّيه ب «الكلام الفعلي». توضيح ذلك: أنّ الغرض المقصود من الكلام اللفظي ليس إلاّ إبراز ما هو موجود في نفس المتكلّم و مستور عن المخاطب و السامع، فالكلام ليس إلاّ لفظاً دالاً علي المعني الذي تصوّره المتكلّم و أراد إيجاده في ذهن السامع، فحقيقة الكلام هي الدلالة و الحكاية و لا شكّ انّ الفعل كما يدلّ علي وجود فاعله فهكذا خصوصياته الوجودية دالّة علي خصوصياته الوجودية و ليس الفرق بين دلالة اللفظ علي المعني و دلالة الفعل علي الفاعل، إلاّ أنّ دلالة الاَوّل وضعي اعتباري و دلالة الثاني تكويني عقلي و الدلالة التكوينية العقلية أقوي من الدلالة اللفظية الوضعيّة و علي هذا، فكلّ فعل من المتكلّم أفاد نفس الاَثر الذي يفيده الكلام، من إبراز ما يكتنفه الفاعل في سريرته من المعاني و الحقائق، يصحّ تسميته كلاماً من باب التوسع و التطوير.

- - -

(1) شرح التجريد للقوشجي: 319

كلامه تعالي في القرآن و الحديث

كلامه تعالي في القرآن و الحديث

كلامه تعالي في القرآن و الحديث إنّ لكلامه تعالي في القرآن الكريم معاني أو مصاديق ثلاثة

نشير إليها:

1. الكلام اللفظي: قال سبحانه: «فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِيَِ الوادِ الاََيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِالْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسي إِنِّي أَنَا اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ». (1) دلّت الآية الكريمة علي أنّه تعالي نادي نبيه موسي - عليه السلام - و كلّمه من طريق الشجرة، إمّا بإيجاد الكلام فيها كما قال بعضهم أو بأخذه حجاباً و تكليمه من ورائه. (2)

2. الكلام بالاِيحاء: و هو إلقاء المعني فقط أو اللفظ و المعني معاً في روع الاَنبياء و غيرهم من الاَولياء الاِلهيين، إمّا بلا واسطة أو معها، قال سبحانه: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَ حْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ». (3) فقوله: «إِلاّوَحْياً» إشارة إلي الاِيحاء بلا واسطة و قوله: «أَو يُرسِلَ رَسُولاً … » إشارة إلي الاِيحاء بواسطة ملك الوحي كما قال تعالي: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاََمْينُ* عَلي قَلْبِكَ». (4) كما أنّ قوله: «أَو مِنْ وَراء حِجاب» إشارة إلي الكلام المسموع كما تقدّم.

- - -

(1) القصص: 30.

(2) و علي الاحتمال الثاني فالآية راجعة إلي قوله تعالي: (أَوْمِنْ وَراءِ حِجاب) (الشوري|51).

(3) الشوري: 51.

(4) الشعراء: 193194

109

فتري انّه سبحانه أطلق لفظ الكلام علي الوحي بقسميه، وعدَّ إيحاءه سبحانه، تكليماً له، فالوحي كلامه و الاِيحاء تكليمه.

3. نفس وجود الاَشياء: هناك آيات تدلّ علي أنّ وجود الاَشياء كلام له تعالي، تري أنّه تعالي يصف المسيح - عليه السلام - بأنّه كلمة اللّه التي ألقاها إلي مريم العذراء، قال تعالي: «إِنَّما الْمَسيحُ عِيْسَي ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلي مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ». (1)

4. القضاء و الحكم الاِلهي قد استعملت الكلمة في كثير من الآيات فيما قاله تعالي و

حكم به، كقوله: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْني عَلي بَني إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا». (2) و قوله: «و كذلك حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلي الّذينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لايُوَْمِنُونَ». (3) و قوله: «وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ». (4) إلي غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المجال.

- - -

(1) النساء: 171.

(2) الاَعراف: 137.

(3) يونس: 33.

(4) يونس: 19

110

و قد فسّر الاِمام علي - عليه السلام - قوله تعالي بفعله الذي ينشئه و يمثله، حيث قال: «يقول لمن أراد كونه كن فيكون، لا بصوت يقرع و لا بنداء يسمع و إنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثله». (1) فتحصّل بذلك، انّ كلامه سبحانه في القرآن لا ينحصر في الكلام اللفظي، كما لا يكون منحصراً في الكلام الفعلي، بل هناك قسمان آخران سمّيا بالكلام، أحدهما: الوحي و ثانيهما: قضاوَه تعالي و حكمه، نعم يمكن إرجاع هذين القسمين إلي الكلام الفعلي، بلحاظ انّ الاِيحاء و القضاء أيضاً من أفعاله سبحانه و بذلك يظهر انّ الصواب من الآراء المتقدّمة هو نظريّة الحكماء و أمّا نظرية المعتزلة فهي غير منطبقة علي جميع مصاديق كلامه سبحانه و إنّما هو قسم قليل منه و أمّا نظرية الاَشاعرة فليس له أثر في الكتاب العزيز. فالمعتزلة أصابوا في جهة و أخطأوا في جهة أُخري، أصابوا في جعلهم كلامه تعالي من صفات أفعاله سبحانه و أخطأوا في حصره في الكلام اللفظي و لكن الاَشاعرة أخطأوا في جهتين: في حصر الكلام الفعلي بالكلام اللفظي و في ادّعاء قسم آخر من كلام سمّوه بالكلام النفسي و جعلوه وصفاً ذاتياً له تعالي. إلي هنا تمّ الكلام في تفسير حقيقة كلامه تعالي و تحليل الآراء المطروحة في هذا المجال.

- - -

(1)

نهج البلاغة: الخطبة 186

كلامه سبحانه حادث أو قديم؟

كلامه سبحانه حادث أو قديم؟

كلامه سبحانه حادث أو قديم؟ من المسائل التي اختلفت فيها كلمات المتكلّمين، مسألة حدوث كلامه تعالي أو قدمه و يمكن إرجاع هذه المسألة إلي القرن الثاني و قد يقال أوّل من قال بكون القرآن مخلوقاً هو جعد بن درهم و بقيت في طيّالكتمان إلي زمن المأمون و إليك دراسة الآراء و تطوّرها في المسألة:

1. نظرية أهل الحديث و الحنابلة أوّل من أكّد القول بعدم حدوث القرآن و عدم كون كلامه تعالي مخلوقاً و أصرّ عليه، أهل الحديث و في مقدّمتهم «أحمد بن حنبل» فإنّه الذي أخذ يروّج فكرة عدم خلق القرآن و يدافع عنها بحماس، متحمّلاً في سبيلها من المشاقّ ما هو مسطور في زبر التاريخ و إليك نصّنظريته في هذه المسألة: «والقرآن كلام اللّه ليس بمخلوق، فمن زعم انّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر و من زعم انّ القرآن كلام اللّه عز و جل و وقف و لم يقل مخلوق و لا غير مخلوق، فهو أخبث من الاَوّل». (1) ثمّ إنّه قد نقل عنه ما يوافق التوقّف في المسألة و لذلك يري المحقّقون انّ إمام الحنابلة كان في أوّليّات حياته يري البحث حول القرآن بأنّه مخلوق أو غير مخلوق، بدعة و لكنه بعدما زالت المحنة و طلب منه

- - -

(1) السنّة: 49

112

الخليفة العباسي المتوكّل، الاِدلاء برأيه، اختار كون القرآن ليس بمخلوق و مع ذلك لم يوَثر انّه قال إنّه قديم. (1)

2. نظرية المعتزلة قد تبنَّت المعتزلة القول بخلق القرآن و انبروا يدافعون عنه بشتّي الوسائل و لمّا كانت الخلافة العباسية في عصر المأمون و من بعده إلي زمن الواثق باللّه، توَيد حركة الاِعتزال و آراءها، استعان

المعتزلة من هذا الغطاء و قاموا باختبار علماء الاَمصار الاِسلامية في هذه المسألة و كانت نتيجة هذا الامتحان أن أجاب جميع الفقهاء في ذلك العصر بنظرية الخلق و لم يمتنع إلاّ نفر قليل علي رأسهم الاِمام أحمد بن حنبل و إليك ما ذكره القاضي عبد الجبّار في هذا المجال: «أمّا مذهبنا في ذلك انّ القرآن كلام اللّه تعالي و وحيه و هو مخلوق محدث، أنزله اللّه علي نبيّه ليكون علماً و دالاًّ علي نبوته و جعله دلالة لنا علي الاَحكام لنرجع إليه في الحلال و الحرام و استوجب منّا بذلك الحمد و الشكر و إذا هو الذي نسمعه اليوم و نتلوه و إن لم يكن (ما نقروَه) محدثاً من جهة اللّه تعالي فهو مضاف إليه علي الحقيقة كما يضاف ما ننشره اليوم من قصيدة امريَ القيس علي الحقيقة و إن لم يكن امروَ القيس محدثاً لها الآن». (2)

3. نظرية الشيخ الاَشعري أوّل ما أعلنه الشيخ الاَشعري في هذا المجال هو القول بعدم كون القرآن مخلوقاً حيث قال:

- - -

(1) تاريخ المذاهب الاِسلامية: 300.

(2) شرح الاَُصول الخمسة: 528

113

«ونقول: إنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوق و انّ من قال بخلق القرآن فهو كافر». (1) 7 و لكنه رأي أنّ القول بقدم القرآن المقروء و الملفوظ شيئاً لا يقبله العقل السليم، فجاء بنظرية جديدة أصلح بها القول بعدم خلق القرآن و التجأ إلي أنّ المراد من كلام اللّه تعالي ليس القرآن المقروء بل الكلام النفسي. دلالة القرآن علي حدوث كلامه تعالي صرّح القرآن الكريم علي حدوث كلامه تعالي أعني: القرآن في قوله سبحانه: «ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ». (2) و المراد

من «الذكر» هو القرآن نفسه لقوله سبحانه: «إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ». (3) و قوله سبحانه: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَومِكَ». (4) و المراد من «محدث» هو الجديد و هو وصف «للذكر» و معني كونه جديداً انّه أتاهم بعد الاِنجيل، كما أنّ الاِنجيل جديد، لاَنّه أتاهم بعد التوراة و كذلك بعض سور القرآن و آياته ذكر جديد أتاهم بعد بعض،

- - -

(1) الاِبانة: 21 و لاحظ مقالات الاِسلاميين: 321.

(2) الاَنبياء: 2.

(3) الحجر: 9

(4) الزخرف: 44

114

و ليس المراد كونه محدثاً من حيث نزوله، بل المراد كونه محدثاً بذاته بشهادة انّه وصف ل «ذكر»، فالذكر بذاته محدث، لا بنزوله فلا معني لتوصيف المحدث بالذات بكونه من حيث النزول، لتقدّم ما بالذات علي ما بالعرض و يدل علي حدوثه قوله سبحانه: «ولَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً». (1) فهل يصحّ توصيف القديم بالاِذهاب و الاِعدام؟! موقف أهل البيت: إنّ تاريخ البحث و ما جري علي الفريقين من المحن، يشهد بأنّ التشدّد فيه لم يكن لاِحقاق الحقّ وإزاحة الشكوك بل استغلّت كلّ طائفة تلك المسألة للتنكيل بخصومها، فلاَجل ذلك نري أنّ أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - منعوا أصحابهم من الخوض في تلك المسألة، فقد سأل الريّان بن الصلت الاِمام الرضا - عليه السلام - و قال له: ما تقول في القرآن؟ فقال - عليه السلام - : «كلام اللّه لا تتجاوزوه و لا تطلبوا الهدي في غيره فتضلوا». (2) فانّا نري أنّ الاِمام - عليه السلام - يبتعد عن الخوض في هذه المسألة لما رأي من أنّ الخوض فيها ليس لصالح الاِسلام و انّ الاكتفاء بأنّه كلام

اللّه أحسم لمادّة الخلاف.

- - -

(1) الاِسراء: 86.

(2) التوحيد للصدوق: الباب 30، الحديث 2

2. الصدق

2. الصدق

و لكنّهم - عليهم السلام - عندما أحسّوا بسلامة الموقف، أدلوا برأيهم في الموضوع و صرّحوا بأنّ الخالق هو اللّه سبحانه و غيره مخلوق و القرآن ليس نفسه سبحانه و إلاّ يلزم اتحاد المنزِل و المنزَل، فهو غيره، فيكون لامحالة مخلوقاً. فقد روي محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني انّه كتب علي بن محمّد بن علي ابن موسي الرضا - عليه السلام - إلي بعض شيعته ببغداد و فيه: «و ليس الخالق إلاّ اللّه عز و جل و ما سواه مخلوق و القرآن كلام اللّه لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين». (1) تكملة اتّفق المسلمون و الاِلهيون علي أنّ الصدق من صفاته تعالي و انّه سبحانه صادق و المراد من صدقه تعالي كون كلامه منزّهاً عن شوب الكذب و لمّا كان المختار عندنا في «الكلام» انّه من الصفات الفعلية يكون الصدق في الكلام مثله و هو واضح و يمكن الاستدلال علي صدقه بأنّ الكذب قبيح عقلاً و هو سبحانه منزّه عمّا يعدّ العقل من القبائح و البرهان مبني علي قاعدة التحسين و التقبيح العقليين و هي من القواعد الاَساسية في كلام العدلية.

- - -

(1) المصدر السابق: الحديث 4

3. الحكمة

3. الحكمة

2الحكمة من الصفات الفعلية الحكمة و هي تطلق علي معنيين: أحدهما: كون الفعل في غاية الاِحكام و الاِتقان و غاية الاِتمام و الاِكمال و ثانيهما: كون الفاعل لا يفعل قبيحاً و لا يخل بواجب. قال الرازي: « … معني الاِحكام في حقّ اللّه تعالي في خلق الاَشياء هو إتقان التدبير فيها و حسن التقدير لها ففيها ما لا يوصف بوثاقة البنية كالبقّة و النملة و غيرهما، إلاّ أنّ آثار التدبير فيها وجهات

الدلالات فيها علي قدرة الصانع و علمه ليست بأقلّ من دلالة السماوات و الاَرض و الجبال علي علم الصانع و قدرته». ثمّ ذكر معني ثانياً للحكيم و قال: «الثاني انّه عبارة عن كونه مقدّساً عن فعل مالا ينبغي قال تعالي: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً» (1) ".

- - -

(1) الموَمنون: 115؛ لاحظ شرح أسماء اللّه الحسني: 279280

117

و قال: «وما خَلَقْنَا السَّماءَ و الاََرْضَ و ما بَيْنَهُما باطِلاً». (1) و يمكن الاستدلال علي حكمته تعالي بمعني إتقان فعله و تدبيره بوجهين:

1. التدبّر في نظام الكون و بدائعه أوضح دليل علي أنّه تعالي حكيم بهذا المعني، انّ فعله في غاية البداعة و الاِحكام و الاِتقان فانّ الناظر يري أنّ العالم خلق علي نظام بديع و انّ كلّ نوع خلق بأفضل صورة تناسبه و جهّز بكلّ ما يحتاج إليه من أجهزة تهديه في حياته و تساعده علي السير إلي الكمال و إن شئت فانظر إلي الاَشياء المحيطة بك ممّا هو من مظاهر حكمته تعالي. فلاحظ القلب و هو مضخّة الحياة التي لا تكلّ عن العمل فإنّه ينبض يوميّاًما يزيد علي مائة ألف مرّة، يضخّ خلالها ثمانية آلاف لتر من الدم و بمعدّل وسطي يضخّ ستة و خمسين مليون غالون علي مدي حياة الاِنسان، فتري هل يستطيع محرّك آخر للقيام بمثل هذا العمل الشاقّ لمثل تلك الفترة الطويلة من دون حاجة لاِصلاح … ؟ و أمثال ذلك الكثير ممّا لا تستوعبه السطور بل و لا الزبر. إنّ معطيات العلوم الطبيعية عمّا في الكون أفضل دليل علي وجود الحكمة الاِلهية في الفلكيات و الاَرضيات.

- - -

(1) ص: 27

118

2. مناسبة الفعل لفاعله إنّ أثر كلّ فاعل يناسب واقع فاعله و موَثره فهو

كظلّ يناسب ذا الظلّ، فالفاعل الكامل من جميع الجهات يكون مصدراً لفعل كامل و موجود متوازن أخذاً بقاعدة مشابهة الظلّ لذي الظلّ و قد استعملت الحكمة بهذا المعني في كلمات الاِمام علي - عليه السلام - حيث قال: « … وأرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته … فظهرت البدائع التي أحدثتها آثار صنعته وأعلام حكمته … قدّر ما خلق فأحكم تقديره ودبّره فألطف تدبيره إلي أن قال: بدايا خلائق أحكم صنعها وفطرها علي ما أراد وابتدعها». (1) و أمّا البحث عن حكمته تعالي، بالمعني الثاني فسيجيء عند البحث عن عدله سبحانه فانتظره.

- - -

(1) نهج البلاغة: الخطبة 91

الفصل الخامس: الصفات الخبريّة

اشارة

قسّم بعض المتكلّمين صفاته سبحانه إلي ذاتيّة و خبريّة و المراد من الاَُولي أوصافه المعروفة من العلم و القدرة و الحياة و المراد من الثانية ما أثبتته ظواهر الآيات و الاَحاديث له سبحانه من العلو و الوجه و اليدين إلي غير ذلك و قد اختلفت آراء المتكلّمين في تفسير هذا القسم من الصفات إلي أقوال:

الاَوّل: الاِثبات مع التكييف و التشبيه

الاَوّل: الاِثبات مع التكييف و التشبيه

زعمت المجسِّمة و المشبِّهة انّ للّه سبحانه عينين و يدين مثل الاِنسان. قال الشهرستاني: «أمّا مشبِّهة الحشويّة … أجازوا علي ربِّهم الملامسة و المصافحة و انّ المسلمين المخلصين يعانقونه سبحانه في الدنيا و الآخرة، إذا بلغوا في الرياضة و الاجتهاد إلي حدّ الاِخلاص». (1)

- - -

(1) الملل و النحل: 1|105

الثاني: الإثبات بلا تشبيه

الثاني: الإثبات بلا تشبيه

و بما انّ التشبيه و التجسيم باطل بالعقل و النقل فلا نبحث حول هذه النظرية. الثاني: الاِثبات بلا تكييف و لا تشبيه إنّ الشيخ الاَشعري و من تبعه يجرون هذه الصفات علي اللّه سبحانه بالمعني المتبادر منها في العرف، لكن لاَجل الفرار عن التشبيه يقولون «بلا تشبيه و لا تكييف». يقول الاَشعري في كتابه (الاِبانة) : إنّ للّه سبحانه وجهاً بلا كيف، كما قال: «وَيَبْقي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَ الاِِكْرامِ». (1) و انّ له يدين بلا كيف، كما قال: «خَلَقْتُ بِيَدَيَّ». (2) و قد نقل هذه النظرية عن أبي حنيفة و الشافعي و ابن كثير. (3) و حاصل هذه النظرية انّ له سبحانه هذه الحقائق لكن لا كالموجودة في البشر، فله يد و عين، لا كأيدينا و أعيننا و بذلك توفقوا علي حسب زعمهم في الجمع بين ظواهر النصوص و مقتضي التنزيه. أقول: القول بأنّ للّه يداً لا كأيدينا، أو وجهاً لا كوجوهنا و هكذا سائر الصفات الخبرية أشبه بالاَلغاز فاستعمالها في المعاني الحقيقة و إثبات معانيها علي اللّه سبحانه بلا كيفية أشبه بكون حيوان أسداً حقيقة و لكن بلا ذنب و لا مخلب و لا ناب و لا …

- - -

(1) الرحمن: 27.

(2) ص: 75.

(3) لاحظ «علاقة الاِثبات و التفويض» : 4649

121

و إبراز العقيدة الاِسلامية

بصورة الاِبهام و الاَلغاز كما في هذه النظرية كإبرازها بصورة التشبيه و التجسيم المأثور من اليهودية و النصرانية كما في النظرية الاَُولي، لا يجتمع مع موقف الاِسلام و القرآن في عرض العقائد علي المجتمع الاِسلامي و ممن خالف هذه النظرية منهم أبو حامد الغزالي و حاصل ما ذكره في نقدها انّ هذه الاَلفاظ التي تجري في العبارات القرآنية و الاَحاديث النبويّة لها معان ظاهرة و هي الحسيّة التي نراها و هي محالة علي اللّه تعالي و معان أُخري مجازية مشهورة يعرفها العربي من غير تأويل و لا محاولة تفسير، فإذا سمع اليد في قوله (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) : «إنّ اللّه خمّر آدم بيده و إنّ قلب الموَمن بين إصبعين من أصابع الرحمان» فينبغي أن يعلم أنّ هذه الاَلفاظ تطلق علي معنيين: أحدهما و هو الوضع الاَصلي: هو عنصر مركب من لحم و عظم و عصب و قد يستعار هذا اللفظ، أعني: اليد، لمعني آخر ليس هذا المعني بجسم أصلاً، كما يقال: «البلدة في يد الاَمير». فإنّ ذلك مفهوم و إن كان الاَمير مقطوع اليد، فعلي العامّي و غير العامّي أن يتحقّق قطعاً و يقيناً انّ الرسول لم يرد بذلك جسماً و انّ ذلك في حقّ اللّه محال، فإن خطر بباله انّ اللّه جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم، فانّ كلّ جسم مخلوق و عبادة المخلوق كفر و عبادة الصنم كانت كفراً لاَنّه مخلوق. (1) و منهم أبو زهرة المعاصر فإنّه أيضاً قدح في هذه النظرية و قال: «قولهم بأنّ للّه يداً و لكن لا نعرفها». «وللّه نزولاً لكن ليس كنزولنا» الخ.

- - -

(1) الجاء العوام

الثالث: التفويض

الثالث: التفويض

هذه إحالات علي مجهولات،

لا نفهم موَدّاها و لا غاياتها. (1) الثالث: التفويض و قد ذهب جمع من الاَشاعرة و غيرهم إلي إجراء هذه الصفات علي اللّه سبحانه مع تفويض المراد منها إليه. قال الشهرستاني: «إنّ جماعة كثيرة من السّلف يثبتون صفات خبرية مثل اليدين و الوجه و لا يوَوّلون ذلك، إلاّ أنّهم يقولون انّا لا نعرف معني اللفظ الوارد فيه، مثل قوله: «اَلرَّحْمنُ عَلي الْعَرْشِ اسْتَوي» و مثل قوله: «لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» و لسنا مكلّفين بمعرفة تفسير هذه الآيات بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنّه لا شريك له و ذلك قد أثبتناه». (2) و إليه جنح الرازي و قال: «هذه المتشابهات يجب القطع بأنّ مراد اللّه منها شيء غير ظواهرها كما يجب تفويض معناها إلي اللّه تعالي و لا يجوز الخوض في تفسيرها». (3)

- - -

(1) تاريخ المذاهب الاِسلامية: 1|219 220.

(2) الملل و النحل: 1|9293 بتلخيص.

(3) أساس التقديس: 223

123

الرابع: التأويل

الرابع: التأويل

أقول: «إنّ لاَهل التفويض عذراً واضحاً في هذا المجال، فإنّهم يتصوّرون انّ الآيات المشتملة علي الصفات الخبريّة من الآيات المتشابهة و قد نهي سبحانه عن ابتغاء تأويلها و أمر عباده بالاِيمان بها». (1) نعم يلاحظ علي مقالتهم هذه انّ الآيات ليست من الآيات المتشابهة، فإنّ المفاد فيها غير متشابه (2) إذا أمعن فيها الاِنسان المتجرّد عن كلّ رأي سابق. الرابع: التأويل (3) إنّ العدليّة من المتكلّمين هم المشهورون بهذه النظرية حيث يفسّرون اليد بالنعمة و القدرة و الاستواء بالاستيلاء و إظهار القدرة. أقول: إنّ الظاهر علي قسمين: الظاهر الحرفي و الظاهر الجملي، فإنّ اليد مثلاً مفردة ظاهرة في العضو الخاص و ليست كذلك فيما إذا حفت بها القرائن، فإنّقول القائل في مدح إنسان انّه «باسط اليد»، أو في

ذمه «قابض اليد» ليس ظاهراً في اليد العضوية التي أسميناها بالمعني الحرفي، بل ظاهر في البذل و العطاء أو في البخل و الاقتار و ربما يكون مقطوع اليد و حمل الجملة علي غير ذلك المعني، حمل علي غير ظاهرها و علي ذلك يجب ملاحظة كلام الموَوِّلة فإن كان تأويلهم علي غرار

- - -

(1) لاحظ آل عمران: 7.

(2) يعني انّ هذه الآيات و إن كانت متشابهة في باديَ الرأي و قبل إرجاعها إلي المحكمات، لكنّها تصير محكمة بعد إرجاعها إليها.

(3) قد استوفي شيخنا الاَُستاذ دام ظلّه الكلام في أقسام التأويل في مقدمة الجزء الخامس من موسوعته القرآنية «مفاهيم القرآن» : 12 16

124

ما بيّناه فهوَلاء ليسوا بموَوِّلة بل هم مقتفون لظاهر الكتاب و السنّة و لا يكون تفسير الكتاب العزيز علي ضوء القرائن الموجودة فيه تأويلاً و إنّما هو اتّباع للنصوص و الظواهر و إن كان تأويلهم باختراع معان للآيات من دون أن تكون في الآيات قرائن متصلة أو منفصلة دالّة عليها فليس التأويل بهذا المعني بأقلّ خطراً من الاِثبات المنتهي إمّا إلي التجسيم أو إلي التعقيد و الاِبهام و علي ضوء ما قرّرنا من الضابطة و الميزان، تقدر علي تفسير ما ورد في التنزيل من الوجه (1) و العين (2) و الجنب (3) و الاِتيان (4) و الفوقية (5) و العرش (6) و الاستواء (7) و ما يشابهها، من دون أن تمسّ كرامة التنزية و من دون أن تخرج عن ظواهر الآيات بالتأويلات الباردة غير الصحيحة.

- - -

(1) (كُلّ شيءٍ هالِك إِلاّ وجهه) (القصص|88).

(2) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ و حينا) (هود|37).

(3) (أَنْ تقول نفس يا حَسرتي عَلي ما فَرَّطْت في جَنْب اللّه) (الزمر|56).

(4) (وَجاءَ رَبّكَ و

المَلَكُ صَفّاً صَفّاً) (الفجر|22). (فَأتي اللّه بنيانهم من القواعد) (النحل|26).

(5) (يَدُ اللّهِ فَوقَ أَيدِيهِمْ) (الفتح|10).

(6) (إِذاً لابْتَغَوا إِلي ذِي الْعَرشِ سَبيلاً) (الاِسراء|42).

(7) (الرَّحْمنُ عَلَي الْعَرشِ اسْتَوي) (طه|5)

الفصل السادس: الصفات السلبيّة

اشارة

الصفة السلبية ما تفيد معني سلبياً، لكن اللّه تعالي لا يجوز سلب كمال من الكمالات عنه لكونه مبدأ كل كمال، فصفاته السلبية ما دلّ علي سلب النقص و الحاجة، كمن ليس بجاهل و ليس بعاجز و لمّا كان معني النقص و الحاجة في معني سلب الكمال كانت الصفة السلبية المفيدة لسلب النقص، راجعة إلي سلب واحد و هو سلب النقص و الاحتياج و لقد أجاد الحكيم السبزواري في المقام حيث قال: وَ وَصْفُهُ السَّلْبيُّ سَلْبُ السَّلْبِ جا في سَلْبِ الاحتياجِ كُلاً أَدْرِجا و قد ظهرت في مجال صفاته السلبية عقائد و آراء سخيفة كالحلول و الجهة و الروَية و غير ذلك، فدعا ذلك المتكلّمين أن يبحثوا عن هذه الصفات السلبية في مسفوراتهم الكلامية و الاَصل الكافل لاِبطال جميع تلك المذاهب و الآراء وجوب الوجود بالذات، فإنّ الجميع مستلزم للتركيب و الجسمية و هما آيتا الفقر و الحاجة المنافية لوجوب الوجود بالذات.

126

و قد تقدّم الكلام حول بعض هذه الصفات، كنفي الشريك و التركيب و الصفات الزائدة علي الذات في مباحث التوحيد و نبحث الآن عن غيرها فنقول:

1. ليس بجسم الجسم علي ما نعرف له من الخواص هو ما يشتمل علي الاَبعاد الثلاثة من الطول و العرض و العمق و هو ملازم للتركيب و المركب محتاج إلي أجزائه و المحتاج لا يكون واجب الوجود بالذات 2. ليس في جهة و لا محلّوقد تبيّن استغناوَه عنهما ممّا ذكرنا من الدليل علي نفي الجسمية، فإنّ الواقع في جهة أو محلّ لا يكون

إلاّجسماً أوجسمانياً. (1)

3. ليس حالاً في شيء إنّ المعقول من الحلول قيام موجود بموجود آخر علي سبيل التبعية و هذا المعني لا يصحّ في حقّه سبحانه لاستلزامه الحاجة و قيامه في الغير.

- - -

(1) بجهة طرف الامتداد في مأخذ الاِشارة مرادي انّ طرف كلّ امتداد و نهايته من حيث هو طرف إمّا نقطة و إمّا سطح و إمّا خط و من حيث هو واقع في مأخذ الاِشارة الحسّية جهة و الفرق بينها و بين المكان انّ الجهة مقصد المتحرك من حيث الوصول إليه و المكان مقصد له من حيث الحصول فيه. الحكيم السبزواري، شرح المنظومة.

127

4. ليس متحداً مع غيره حقيقة الاتحاد عبارة عن صيرورة الشيئين المتغايرين شيئاً واحداً و هو مستحيل في ذاته، فضلاً عن استحالته في حقّه تعالي، فإنّ ذلك الغير بحكم انحصار واجب الوجود في واحد، ممكن، فبعد الاِتحاد إمّا أن يكونا موجودين فلا اتحاد، أو يكون واحد منهما موجوداً و الآخر معدوماً و المعدوم إمّا هو الممكن، فيلزم الخلف و عدم الاِتحاد، أو الواجب فيلزم إنعدام الواجب و هو محال.

5. ليس محلاً للحوادث و الدليل علي ذلك انّه لو قام بذاته شيء من الحوادث للزم تغيّره و اللازم باطل، فالملزوم مثله، بيان الملازمة: انّ التغيّر عبارة عن الانتقال من حالة إلي أُخري، فعلي تقدير حدوث ذلك الاَمر القائم بذاته، يحصل في ذاته شيء لم يكن من قبل، فيحصل الانتقال من حالة إلي أُخري و أمّا بطلان اللازم، فلانّ التغيّر نتيجة وجود استعداد في المادّة التي تخرج تحت شرائط خاصّة من القوّة إلي الفعل، فلو صحّ علي الواجب كونه محلاً للحوادث، لصحّ أن يحمل وجوده استعداداً للخروج من القوّة إلي الفعلية و هذا

من شوَون الاَُمور الماديّة و هو سبحانه أجلّ من أن يكون مادّة أو مادّياً

6. لا تقوم اللَّذة و الاَلم بذاته قد يطلق الاَلم و اللّذة و يراد منهما الاَلم و اللّذة المزاجيان و الاتصاف بهما يستلزم الجسميّة و المادّة و هو تعالي منزّه عنهما كما تقدّم و قد يطلقان و يراد منهما العقليان، أعني إدراك القوّة العقلية ما يلائمها أو ينافيها و بما انّه لا منافي في عالم الوجود لذاته تعالي لاَنّ الموجودات

128

أفاعليه و مخلوقاته و بين الفعل و فاعله كمال الملائمة الوجودية، فلا يتصوّر ألمٌ عقلي له سبحانه و أمّا اللَّذة العقلية فأثبتها للّه تعالي بعضهم قائلين بأنّ واجب الوجود في غاية الجمال و الكمال و البهاء، فإذا عقل ذاته فقد عقل أتمَّ الموجودات و أكملها، فيكون أعظم مدرِك لاَجلّ مدرَك بأتم إدراك و لكن منع بعضهم عن توصيفه سبحانه باللَّذة العقلية أيضاً لعدم الاِذن الشرعي بذلك و ممن جوز الاتصاف باللّذة العقلية من متكلّمي الاِماميّة، موَلّف الياقوت حيث قال: «الموَثّر مبتهج بالذات لاَنّ علمه بكماله الاَعظم يوجب له ذلك، فكيف لا و الواحد منّا يلتذُّ بكماله النقصاني». (1) و هو ظاهر كلام المحقّق الطوسي في تجريد الاعتقاد، حيث نفي الاَلم مطلقاً و قيد اللَّذة المنفية بالمزاجيّة (2) و من المانعين له المحقّق البحراني حيث قال: «اتّفق المسلمون علي عدم إطلاق هذين اللفظين عليه تعالي … و أمّا الفلاسفة فإنّهم … لمّا فسروا اللَّذة بأنّها إدراك الملائم أطلقوا عليه لفظ اللَّذة و عنوا بها علمه بكمال ذاته، فلا نزاع معهم إذن في المعني، إذ لكلّ أحد أن يفسِّر لفظه بما شاء، لكنّا ننازع في إطلاق هذا اللفظ عليه لعدم الاِذن الشرعي». (3)

- - -

(1)

أنوار الملكوت: 102.

(2) كشف المراد:

المقصد 3، الفصل 2، المسألة 18.

(3) قواعد المرام:

القاعدة 4، الركن 2، البحث 8

129

انّه تعالي ليس بمرئي

انّه تعالي ليس بمرئي

7. انّه تعالي ليس بمرئيّ إتّفقت العدلّية علي أنّه تعالي لا يُري بالاَبصار لا في الدنيا و لا في الآخرة و أمّا غيرهم فالكراميّة و المجسِّمة الذين يصفون اللّه سبحانه بالجسم و يثبتون له الجهة، جوَّزوا روَيته بلا إشكال في الدارين و أهل الحديث و الاَشاعرة مع تحاشيهم عن إثبات الجسميّة و الجهة له سبحانه قالوا بروَيته يوم القيامة و انّ الموَمنين يرونه كما يري القمر ليلة البدر و تحقيق الكلام في هذا المجال رهن دراسة تحليلية حول أُمور ثلاثة: ألف. تحديد محلّ النزاع. ب. أدلّة امتناع الروَية. ج. أدلّة القائلين بالجواز. فنقول: ما هو موضوع النزاع؟ الروَية التي تكون في محلّ الاستحالة و المنع عند العدلية هي الروَية البصرية بمعناها الحقيقي، لا ما يعبّر عنه بالروَية القلبية كما ورد في روايات أهل البيت - عليهم السلام - و الشهود العلمي التام في مصطلح العرفاء و هذا المعني من الروَية هو الظاهر من كلام الشيخ الاَشعري حيث قال: «وندين بأنّ اللّه تعالي يري في الآخرة بالاَبصار كما يري القمر ليلة البدر، يراه الموَمنون كما جاءت الروايات عن رسول اللّه ص». (1)

- - -

(1) الاِبانة: 21

130

و قال أيضاً: «إن قال قائل: لم قلتم إنّ روَية اللّه بالاَبصار جائزة من باب القياس؟ قيل له: قلنا ذلك لاَنّ مالا يجوز أن يوصف به اللّه تعالي و يستحيل عليه، لا يلزم في القول بجوازالروَية». (1) لكنّ المتأخرين منهم لمّا رأوا انّ القول بجواز الروَية بالاَبصار تستحيل في حقّه تعالي، حاولوا تصحيح مقولتهم بوجوه مختلفة فقال الاِمام الرازي: «وقبل الشروع

في الدلالة لابدّ من تلخيص محلّ النزاع، فإنّ لقائل أن يقول: إن أردت بالروَية الكشف التامّ، فذلك ممّا لا نزاع في ثبوته و إن أردت بها الحالة التي نجدها من أنفسنا عند إبصارنا الاَجسام فذلك ممّا لا نزاع في انتفائه إلي أن قال: و الجواب انّا إذا علمنا الشيء حال مالم نره، ثمّ رأيناه، فانّا ندرك تفرقة بين الحالين و تلك التفرقة لا تعود إلي ارتسام الشبح في العين و لا إلي خروج الشعاع منها، بل هي عائدة إلي حالة أُخري مسمّاة بالروَية، فندّعي انّ تعلّق هذه الصفة بذات اللّه تعالي جائز». (2) و حاصله كما لخّصه المحقّق الطوسي: انّ الحالة الحاصلة عند ارتسام الشبح في العين أو خروج الشعاع منها، المغايرة للحالة الحاصلة عند العلم، يمكن أن يحصل مع عدم الارتسام و خروج الشعاع. يلاحظ عليه: أنّ الحالة المذكورة إمّا تكون روَية بصرية بالحقيقة، فذلك محال في حقّه تعالي كما اعترف به الرازي أيضاً و إمّا لا تكون كذلك و إنّما هي مشتركة مع الروَية البصرية في النتيجة، أعني: المشاهدة،

- - -

(1) اللمع: 61 بتلخيص.

(2) تلخيص المحصل: 316

131

فهي راجعة إلي الكشف التام و الروَية القلبية و لا نزاع فيها، قال المحقّق الطوسي: «ويحتاج في إثبات كون تلك الحالة غير الكشف التام إلي دليل». (1) و قال الفضل بن روزبهان الاشعري: «إذا نظرنا إلي الشمس فرأيناها ثمّ غمضنا العين، فعند التغميض نعلم الشمس علماً جليّاً و هذه الحالة مغايرة للحالة الاَُولي التي هي الروَية بالضرورة … و يجوز عقلاً أن يكون تلك الحالة تدرك الاَشياء من غير شرط و محلّ و إن كان يستحيل أن يدرك الاِنسان بلا مقابلة و باقي الشروط عادة، فالتجويز عقلي

و الاستحالة عادية». (2) يلاحظ عليه: أنّ تلك الحالة الحاصلة عند التغميض إنّما هي صورة المرئي و محلّها الحس المشترك أو الخيال لا الباصرة و هي موقوفة علي سبق الروَية، فإن كانت روَية اللّه سبحانه ممتنعة، فقد امتنعت هذه الحالة و إلاّ فلا حاجة إلي تكلّف إثبات هذه الحالة و جعلها محلّ النزاع، هذا إذا كان مراده حصول تلك الحالة حقيقة و أمّا إن كان مراده ما يشبه تلك الحالة لا نفسها، فهو خارج عن محلّ النزاع لاَنّه راجع إلي الروَية القلبيّة و لا تكون ممتنعاً لا عقلاً و لا عادة. فأمثال هذه المحاولات لا تخلو من بطلانه رأساً، أو خروجه عمّا كان محلّ النزاع في الصدر الاَوّل بين الاَشاعرة و العدلية.

- - -

(1) نفس المصدر: 328.

(2) دلائل الصدق: 1|183184

132

أدلّة امتناع روَيته تعالي يدلّ علي امتناع الروَية وجوه:

1. انّ الروَية إنّما تصحّ لمن كان مقابلاً كالجسم أو في حكم المقابل كالصورة في المرآة و المقابلة و ما في حكمها إنّما تحقّق في الاَشياء ذوات الجهة و اللّه منزّه عنها فلا يكون مرئياً و إليه أشار موَلّف الياقوت بقوله: «ولا يصحّ روَيته، لاستحالة الجهة عليه». (1)

2. انّ الروَية لا تحقق إلاّ بانعكاس الاَشعَّة من المرئي إلي أجهزة العين و هو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ذا أبعاد.

3. انّ الروَية بأجهزة العين نوع إشارة إليه بالحدقة و هي إشارة حسّية لا تتحقق إلاّ بمشار إليه حسّي واقع في جهة و اللّه تعالي منزّه عن الجسمانيّة و الجهة.

4. انّ الروَية إمّا أن تقع علي الذات كلِّها أو علي بعضها، فعلي الاَوّل يلزم أن يكون المرئي محدوداً متناهياً و علي الثاني يلزم أن يكون مركّباً ذا أجزاء و أبعاض

و الجميع مستحيل في حقِّه تعالي. أدلّة القائلين بالجواز إنّ للقائلين بجواز روَيته تعالي أدلّة عقلية و نقلية، فمن أدلّتهم العقلية ما ذكره الاَشعري بقوله: «ليس في جواز الروَية إثبات حدث، لاَنّ المرئي لم يكن مرئياً لاَنّه محدث و لو كان مرئياً لذلك للزمه أن يري كلّمحدث و ذلك باطل عنده». (2)

- - -

(1) أنوار الملكوت: 82.

(2) اللمع: 61

133

يلاحظ عليه: أنّ الحدوث ليس شرطاً كافياً في الروَية حتّي تلزم روَية كلّ محدث، بل هو شرط لازم يتوقف علي انضمام سائر الشروط التي أشرنا إليها و بما انّ بعضها غير متوفّر في الموجودات المجرّدة المحدثة، لا تقع عليها الروَية و هناك دليل عقلي استدلّ به مشايخ الاَشاعرة في العصور المتأخرة و حاصله انّملاك الروَية و المصحّح لها أمر مشترك بين الواجب و الممكن و هو الوجود، قالوا: «إنّ الروَية مشتركة بين الجوهر و العرض و لابدّ للروَية المشتركة من علّة واحدة و هي إمّا الوجود أو الحدوث و الحدوث لا يصلح للعليّة لاَنّه أمر عدمي، فتعيّن الوجود، فينتج انّ صحّة الروَية مشتركة بين الواجب و الممكن». (1) و هذا الدليل ضعيف جدّاً و من هنا لم يتمّ عند المفكرين من الاَشاعرة أيضاً، إذ لقائل أن يقول: إنّ الجهة المشتركة للروَية في الجوهر و العرض ليست هي الوجود بما هو وجود، بل الوجود المقيّد بعدّة قيود و هي كونه ممكناً، مادّياً، يقع في إطار شرائط خاصّة، يستحيل في حقّه تعالي و لو كان الوجود هو الملاك التام لصحّة الروَية للزم صحّة روَية الاَفكار و العقائد و الروحيات و النفسانيات كالقدرة و الاِرادة و غير ذلك من الاَُمور الروحية الوجودية الّتي لا تقع في محلّ الروَية.

- - -

(1)

شرح المواقف: 8|115؛ شرح التجريد للقوشجي: 329330؛ تلخيص المحصل: 317؛ كشف المراد:

231؛ قواعد المرام:

78

134

استدلال المجوّزين بالكتاب العزيز استدلّ القائلون بالجواز بآيات من الكتاب العزيز:

1. قوله تعالي: «وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلي رَبِّها ناظِرَةٌ». (1) و توضيح الاستدلال: «انّ النظر في اللّغة جاء بمعني الانتظار و يستعمل بغير صلة و جاء بمعني التفكّر و يستعمل ب (في) و جاء بمعني الرأفة و يستعمل ب (اللام) و جاء بمعني الروَية و يستعمل ب (إلي) و النظر في الآية موصول ب (إلي) فوجب حمله علي الروَية». (2) يلاحظ عليه: أنّ النظر المتعدّي ب «إلي» كما يجيء بمعني الروَية، كذلك يجيء كناية عن التوقّع و الانتظار كما قال الشاعر: وجوه ناظرات يوم بدر * إلي الرحمان يأتي بالفلاح و كقول آخر: إنّي إليك لما وعدت لناظر * نظر الفقير إلي الغني الموسر و قد شاع في المحاورات: «فلان ينظر إلي يد فلان» يراد انّه رجل معدم محتاج يتوقع عطاء الآخر.

- - -

(1) القيامة: 22 23.

(2) شرح التجريد للفاضل القوشجي: 331

135

و التأمّل في الآيتين بمقارنتهما بالآيتين الواقعتين في تلوهما يهدينا إلي أنّ المراد من النظر في الآية، هو التوقع و الانتظار، لا الروَية و إليك تنظيم الآيات حسب المقابلة:

1. «وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ» و يقابلها قوله تعالي:

2. «وُجُوهٌ يَومَئِذٍ باسِرَةٌ».

3. «إِلي رَبِّها ناظِرَةٌ» و يقابلها قوله تعالي:

4. «تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ». فالفقرتان الاَوليتان تصفان الناس يوم القيامة و انّهم علي طائفتين: طائفة مطيعة و هم ذات وجوه ناضرة و طائفة عاصية و هم ذات وجوه باسرة، ثمّ ذكر لكلّ منهما وصفاً آخر، فللاَُولي انّهم ناظرة إلي ربّها و للثانية انّهم يظنون أن يفعل بهم فاقرة أي يتوقعون أن ينزل عليهم عذاب

يكسر فقارهم و يقصم ظهورهم. فالمقابلة بين الفقرة الثالثة و الرابعة تشهد علي المراد من الفقرة الثالثة الّتي مضادَّة للرابعة و بما انّ الفقرة الرابعة ظاهرة في أنّ المراد توقُّع العصاة العذاب الفاقر، يكون المراد من الفقرة الثالثة توقع الرحمة و الكرم من اللّه تعالي لا روَيته تعالي. ثمّ إنّ الرازي ناقش في تفسير النظر في الآية بالانتظار، بأنّالانتظار سبب الغم و الآية مسوقة لبيان النعم و آجاب عنه المحقّق الطوسي، بأنّ الظاهر من الآيات، انّالحالة التي عبّر عنها تعالي بقوله: «وُجُوهٌ يَومئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلي رَبّها ناظِرَة» متقدّمة علي حالة استقرار أهل الجنّة في الجنة

136

و أهل النار في النار و ذلك لاَنّ في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل بها الفاقرة و عليه فانتظار النعمة بعد البشارة بها فرح يقتضي نضارة الوجه و ليس سبباً للغم، كما أنّانتظار العقاب بعد الاِنذار بوروده غمّ عظيم يقتضي بسارة الوجه. (1)

2. قوله تعالي حكاية عن موسي - عليه السلام - : «رَبِّ أَرِني أَنْظُر إِلَيْكَ». (2) وجه الاستدلال: انّ الروَية لو لم تكن جائزة لكان سوَال موسي جهلاً أو عبثاً. (3) و الجواب عنه انّ التدبر في مجموع ما ورد من الآيات في القصة يدلّنا علي أنّ موسي - عليه السلام - ما كان طلب الروَية إلاّ لتبكيت قومه عندما طلبوا منه أن يسأله الروَية لنفسه، حتي تحلّ روَيته للّه مكان روَيتهم و ذلك بعد ما سألوه أن يريهم اللّه جهرة لكي يوَمنوا بأنّ اللّه كلّمه، فأخذتهم الصاعقة، فطلب الكليم منه سبحانه أن يحييهم اللّه تعالي، حتي يدفع اعتراض قومه عن نفسه إذا رجع إليهم، فلربما قالوا: إنّك لم تكن صادقاً في قولك انّ اللّه يكلّمك،

ذهبت بهم فقتلتهم، فعند ذلك أحياهم اللّه و بعثهم معه و إليك الآيات الواردة في القصّة: ألف. «وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسي لَنْ نُوَْمِنَ لَكَ حَتّي نَرَي اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ». (4) ب. «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسي أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ». (5)

- - -

(1) تلخيص المحصل: 320 321.

(2) الاَعراف: 143.

(3) تلخيص المحصل: 320.

(4) البقرة: 55.

(5) النساء: 153

137

ج. «وَاخْتارَ مُوسي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا». (1) د. «وَلَمّا جاءَ مُوسي لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ». (2) فالآيتان الاَُولي و الثانية تدلاّن علي أنّ أهل الكتاب طلبوا من موسي أن يسأل من اللّه تعالي أن يريهم ذاته، فاستحقّوا بسوَالهم هذا العذاب و الدمار فأخذتهم الصاعقة و الآية الثالثة تدلّ علي أنّ الذين اختارهم موسي لميقات ربّه أخذتهم الرجفة و لم تأخذهم إلاّ بما فعلوه من السفاهة و الظاهر انّ المراد منها هو سوَال الروَية المذكور في الآيتين المتقدمتين و المقصود من الرجفة، هي رجفة الصاعقة، كما عبّر عن هلاكة قوم صالح تارة بالرجفة (3) و اخري بالصاعقة. (4) و بما انّه لم يكن لموسي مع قومه إلاّ ميقات واحد، كان الميقات الوارد في الآية الثالثة نفس الميقات الوارد في الآية الرابعة، ففي هذا الميقات وقع السوَالان، غير أنّسوَال الروَية عن جانب القوم كان قبل سوَال موسي الروَية لنفسه و القوم سألوا الروَية حقيقة و موسي سألها تبكيتاً لقومه و إسكاتاً لهم، يدلّ علي ذلك انّه لم يوجّه إلي الكليم من جانبه

سبحانه أيّ لوم و عتاب أو موَاخذة و عذاب بل اكتفي تعالي بقوله: «لَنْ تَراني».

- - -

(1) الاَعراف: 155.

(2) الاَعراف: 143.

(3) لاحظ الاَعراف: 78.

(4) حم السجدة: 17

138

3. قوله تعالي فيما أجاب موسي عند سوَال الروَية لنفسه: «وَلكِنِ انْظُرْ إِلَي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَرانِي». (1) وجه الاستدلال: «انّه تعالي علّق الروَية علي استقرار الجبل و هو ممكن و المعلّق علي الممكن، ممكن فالروَية ممكنة». (2) يلاحظ عليه: أنّ المعلَّق عليه ليس هو إمكان الاستقرار، بل وجوده و تحقّقه بعد تجلّيه تعالي علي الجبل و المفروض انّه لم يستقرّ بعد التجلّي، كما قال تعالي: «فَلَمّا تَجَلّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَ خَرَّ مُوسي صَعِقاً». (3) أضف إلي ذلك انّ المذكور في الآية هو استقرار الجبل في حال النظر إليه بعد تجلّيه تعالي عليه و من المعلوم استحالة استقراره في تلك الحالة و إليه أشار المحقّق الطوسي بقوله: «وتعليق الروَية باستقرار المتحرك لا يدلّ علي الاِمكان». (4) الروَية في روايات أهل البيت - عليهم السلام - إنّ المراجع إلي خطب الاِمام علي - عليه السلام - في التوحيد و ما أُثر عن أئمة العترة الطاهرة يقف علي أنّ مذهبهم في ذلك امتناع الروَية، فعلي

- - -

(1) الاَعراف: 143.

(2) تلخيص المحصل: 319؛ شرح التجريد للقوشجي: 329.

(3) الاَعراف: 143.

(4) كشف المراد:

231؛ تلخيص المحصل: 319

139

من أراد الوقوف علي كلمات الاِمام علي - عليه السلام - أن يراجع نهج البلاغة و علي كلمات سائر أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - أن يراجع الكافي لثقة الاِسلام الكليني و التوحيد للشيخ الصدوق. (1) ثمّ إنّهم - عليهم السلام - رغم تأكيدهم علي إبطال الروَية الحسية البصرية صرّحوا علي إمكان الروَية القلبيّة،

فهذا هو الاِمام علي (عليه السّلام) حينما سأله ذعلب اليماني هل رأيت ربّك يا أمير الموَمنين؟ فقال - عليه السلام - : «أفأعبد ما لا أري؟! » فقال: و كيف تراه؟ فقال: «لا تدركه العيون بمشاهدة العيان و لكن تدركه القلوب بحقائق الاِيمان». (2) و هكذا أجاب - عليه السلام - سوَال حبر من اليهود حينما سأله بنفس ذلك السوَال. (3) و روي الصدوق بسنده عن عبد اللّه بن سنان عن أبيه، قال: حضرت أبا جعفر - عليه السلام - فدخل عليه رجل من الخوارج، فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟ قال: «اللّه»، قال: رأيته؟ قال: «لم تراه العيون بمشاهدة العيان و لكن رأته القلوب بحقائق الاِيمان». (4) إلي غير ذلك من الروايات و أمّا البحث عن حقيقة تلك الروَية القلبية التي هي غير الروَية البصريّة الحسية، فليطلب من مظانّه.

- - -

(1) الكافي: ج1، باب إبطال الروَية؛ التوحيد:

الباب الثامن و يراجع أيضاً بحار الاَنوار: ج4، باب نفي الروَية و تأويل الآيات فيها.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 179.

(3) لاحظ التوحيد للصدوق: الباب 8، الحديث 6.

(4) المصدر السابق: الحديث 5

140

الباب الثالث في مباحث العدل و الحكمة و فيه اثنا عشر فصلاً:

1. التحسين و التقبيح العقليّان

2. العدل الاِلهي.

3. أفعال اللّه سبحانه معلّلة بالغايات.

4. المصائب و الشرور و حكمته تعالي.

5. التكليف بما لا يطاق قبيح.

6. وجوب اللطف عند المتكلّمين

7. في الجبر و الكسب.

8. نظرية التفويض.

9. أمر بين أمرين.

10. الاِجابة عن شبهات و شكوك.

11. في القضاء و القدر.

12. في حقيقة البداء

الباب الثالث في مباحث العدل و الحكمة

الفصل الأوّل: التحسين و التقبيح العقليان

الفصل الاَوّل التحسين و التقبيح العقليان إنّ العدل عند المتكلمين عبارة عن تنزّهه تعالي عن فعل ما لا ينبغي و هذا أحد معاني الحكمة، فالعدل الحكيم هو الذي

لا يفعل القبيح و لا يُخلُّ بالحسن و التصديق بثبوت هذه الصفة للباري تعالي مبنيّ علي القول بالتحسين و التقبيح العقليين، فإنّ مفاد تلك المسألة انّ هناك أفعالاً يدرك العقل كونها حسنة أو قبيحة و يدرك انّ الغنيّ بالذّات منزّه عن الاتصاف بالقبيح و فعل مالا ينبغي و من هنا يلزمنا البحث عن تلك المسألة علي ضوء العقل و الكتاب العزيز فنقول: ذهبت العدلية إلي أنّ هناك أفعالاً يدرك العقل من صميم ذاته من دون استعانة من الشرع انّها حسنة و أفعالاً أُخري يدرك أنّها قبيحة كذلك و قالت الاَشاعرة: لا حكم للعقل في حسن الاَشياء و قبحها، فلا حسن إلاّما حسّنه الشارع و لا قبيح إلاّ ما قبّحه و النزاع بين الفريقين دائر بين الاِيجاب الجزئي و السلب الكلي، فالعدلية يقولون بالاَوّل و الاَشاعرة بالثاني. إطلاقات الحسن و القبح و ملاكاتهمالا شكّ انّ للحسن و القبح معني واحداً و إنّما الكلام في ملاك كون

142

الشيء حسناً أو قبيحاً و هو يختلف باختلاف الموارد، فقد ذكر للحسن و القبيح ملاكات نوردها فيما يلي:

1. ملائمة الطبع و منافرته: فالمشهد الجميل بما انّه يلائم الطبع حسن، كما أنّ المشهد المخوف بما انّه منافر للطبع يعدّقبيحاً و مثله الطعام اللّذيذ و الصوت الناعم، فإنّهما حسنان، كما انّ الدواء المرّ و نهيق الحمار قبيحان. .

2. موافقة الغرض و المصلحة و مخالفتهما: و الغرض و المصلحة إمّا شخصيان و إمّا نوعيان، فقتل عدوّ الاِنسان يعدّ حسناً عنده لاَنّه موافق لغرضه و لكنه قبيح لاَصدقاء المقتول و أهله، لمخالفته لاَغراضهم و مصالحهم الشخصية، هذا في المجال الشخصي و أمّا في المجال النوعي، فإنّ العدل بما انّه حافظ لنظام المجتمع و مصالح النوع

فهوحسن و بما انّ الظلم هادم للنظام و مخالف لمصلحة النوع فهو قبيح. .

3. كون الشيء كمالاً للنفس أونقصاناً لها: كالعلم و الجهل، فالاَوّل زين لها و الثاني شين و مثلهما الشجاعة و الجبن و غيرهما من كمالات النفس و نقائصها. .

4. ما يوجب مدح الفاعل و ذمّه عند العقل: و ذلك بملاحظة الفعل من حيث إنّه مناسب لكمال وجودي للموجود العاقل المختار أو نقصان له، فيستقل العقل بحسنه و وجوب فعله، أو قبحه و وجوب تركه و هذا كما إذا لاحظ العقل جزاء الاِحسان بالاِحسان، فيحكم بحسنه و جزاء الاِحسان بالاِساءة فيحكم بقبحه، فالعقل في حكمه هذا لا يلاحظ سوي انّ بعض الاَفعال كمال للموجود الحيّ المختار و بعضها الآخر نقص له فيحكم بحسن الاَوّل و قبح الثاني. تعيين محلّ النزاع لا نزاع في الحسن و القبح بالملاك الاَوّل و الثالث و هو واضح،

143

و كذلك في الحسن و القبيح بملاك الغرض و المصلحة الشخصيين و أمّا الغرض و المصلحة النوعيان فإنّ كثيراً من الباحثين عن التحسين و التقبيح العقليين يعلّلون حسن العدل و الاِحسان و قبح الظلم و العدوان، باشتمال الاَوّل علي مصلحة عامّة و الثاني علي مفسدة كذلك و هذا الملاك في الحقيقة من مصاديق الملاك الرابع كما لا يخفي. دلائل المثبتين و النافين ألف. دلائل المثبتين: استدلّ القائلون بالتحسين و التقبيح العقليين بوجوه عديدة نكتفي بذكر وجهين منها: الدليل الاَوّل: و هو ما أشار إليه المحقّق الطوسي بقوله: «ولانتفائهما مطلقاً لو ثبتا شرعاً». توضيحه: انّ الحسن و القبح لو كانا بحكم العقل، بحيث كان العقل مستقلاً في إدراك حسن الصدق و قبح الكذب فلا إشكال في أنّ ما أخبر الشارع عن حسنه

حسن و ما أخبر عن قبحه قبيح، لحكم العقل بأنّ الكذب قبيح و الشارع منزَّه عن ارتكاب القبيح و أمّا لو لم يستقلّ العقل بذلك، فلو أخبر الشارع بحسن فعل أو قبحه فلا يمكن لنا الجزم بكونه صادقاً في كلامه حتي نعتقد بمضمون أخباره و نستكشف منه حسن الفعل أو قبحه و ذلك لاحتمال عدم صدق الشارع في اخباره، فإنّ الكذب حسب الفرض لم يثبت قبحه بعد و إثبات قبح الكذب باخبار الشارع عن قبحه مستلزم للدور. الدليل الثاني: و هو ما ذكره العلاّمة الحلّي بقوله:

144

«لو كان الحسن و القبح باعتبار السمع لا غير لما قبح من اللّه تعالي شيء (1) و لو كان كذلك لما قبح منه تعالي إظهار المعجزات علي يد الكاذبين و تجويز ذلك يسدّ باب معرفة النبوة، فانّ أيّ نبيّأظهر المعجزة عقيب ادّعاء النبوّة لا يمكن تصديقه مع تجويز إظهار المعجزة علي يد الكاذب في دعوي النبوة». (2) و العجب انّ الفضل بن روزبهان حاول الاِجابة عن هذا الدليل بقوله: «عدم إظهار المعجزة علي يد الكذّابين ليس لكونه قبيحاً عقلاً بل لعدم جريان عادة اللّه الجاري مجري المحال العادي بذلك». (3) فعند ذلك لا ينسدّ باب معرفة النبوة لاَنّ العلم العادي حاكم باستحالة هذا الاِظهار. يلاحظ عليه: أنّه من أين وقف علي تلك العادة و انّ اللّه لا يجري الاِعجاز علي يد الكاذب؟ و لو كان التصديق متوقّفاً علي إحرازها لزم أن يكون المكذّبون بنبوّة نوح أو من قبله و من بعده معذورين في إنكارهم لنبوّة الاَنبياء، إذ لم تثبت عندهم تلك العادة، لاَنّ العلم بها إنّما يحصل من تكرّر روَية المعجزة علي يد الصادقين دون الكاذبين. ب. أدلّة النافين الدليل

الاَوّل: قالوا: لو كان العلم بحسن الاِحسان و قبح العدوان

- - -

(1) لما تقدّم في الدليل الاَوّل من عدم إثبات حسن فعل أو قبحه مطلقاً.

(2) نهج الحق و كشف الصدق: 84.

(3) دلائل الصدق: 1|369، ثمّ إنّ هناك أدلّة أُخري لاِثبات عقلية الحسن و القبح طوينا الكلام عنها لرعاية الاختصار، للطالب أن يراجع الاِلهيات: 1|246

145

ضرورياً لما وقع التفاوت بينه و بين العلم بأنّالواحد نصف الاثنين، لكنّ التالي باطل بالوجدان و يلاحظ عليه أوّلاً: أنّه يجوز التفاوت في الاِدراكات البديهية، فالاَوّليات متقدمة علي المشاهدات و هي علي الفطريات و هكذا، فوجود التفاوت بين البديهيات لا ينافي بداهتها و إليه أشار المحقّق الطوسي بقوله: «ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصوّر». (1) و ثانياً:

نفي كون الحكم بحسن فعل أو قبحه بديهيّاً لا يدلّعلي نفي كونه عقلياً، فانّ نفي الاَخص لا يدلّ علي نفي الاَعم، فمن الجائز أن يكون العقل مستقلاً بحسن فعل أو قبحه لكن بالتأمل و النظر، فعلي فرض قبول ما ادعي من التفاوت لا يجدي المنكر شيئاً. الدليل الثاني لو كان الحسن و القبح عقليين لما اختلفا، أي لما حسن القبيح و لما قبح الحسن و التالي باطل، فإنّ الكذب قد يحسن و الصدق قد يقبح و ذلك فيما إذا تضمّن الكذب انقاذ نبيّ من الهلاك و الصدق إهلاكه. فلو كان الكذب قبيحاً لذاته لما كان واجباً و لا حسناً عندما استفيد به عصمة دم نبيّ عن ظالم يقصد قتله. (2) و الجواب عنه: انّ كلاً من الكذب في الصورة الاَُولي و الصدق في الصورة الثانية علي حكمه من القبح و الحسن، إلاّ انّ ترك إنقاذ النبي أقبح

- - -

(1) كشف المراد:

236.

(2) شرح التجريد للقوشجي: 339

146

من الكذب

و إنقاذه أحسن من الصدق، فيحكم العقل بترك الصدق و ارتكاب الكذب قضاءً لتقديم الاَرجح علي الراجح، فإنّ تقديم الراجح علي الاَرجح قبيح عند العقل. الدليل الثالث إنّ القول بالتحسين و التقبيح العقليين دخالة في شوَون ربّ العالمين الذي هو مالك كلّ شيء حتي العقل، فله أن يتصرّف في ملكه كيف يشاء و لازم القول بأنّ العقل حاكم بحسن بعض الاَفعال و قبحه تحديد لملكه و قدرته سبحانه و يردّه انّ العقل ليس فارضاً علي اللّه تعالي شيئاً و إنّما هو كاشف عن القوانين السائدة علي أفعاله تعالي، فالعقل يطالع أوّلاً صفات اللّه الكمالية كالغني الذاتي و العلم و القدرة الذاتيين، ثمّ يستنتج منها تنزّهه عن ارتكاب القبائح و هذا كما انّ العقل النظري يكشف عن القوانين السائدة علي نظام الكون و عالم الطبيعة و بالتأمل فيما ذكرنا يظهر ضعف سائر ما استدلّ به القائلون بنفي التحسين و التقبيح العقليين و لا نري حاجة في ذكرها و بيان وجوه الخلل فيها. (1) التحسين و التقبيح في الكتاب العزيز إنّالتدبُّر في آيات الذكر الحكيم يعطي انّه يسلّم استقلال العقل بالتحسين و التقبيح خارج إطار الوحي ثمّ يأمر بالحسن و ينهي عن القبيح و إليك فيما يلي نماذج من الآيات في هذا المجال.

- - -

(1) إن شئت الوقوف التّام علي مجموع دلائل الاَشاعرة راجع القواعد الكلاميّة، بقلم الموَلّف، ص 7083

147

1. «إِنَّ اللّهَيَأْمُرُ بِالْعَدْلِ و الاِِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي القُرْبي وَ يَنْهي عَنِ الْفَحْشاءِ و الْمُنْكَرِ و الْبَغْي يَعظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». (1)

2. «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّي الْفَواحِشَ». (2)

3. «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ». (3) فهذه الآيات تعرب بوضوح عن أنّ هناك أُموراً توصف بالعدل و الاِحسان و

المعروف و الفحشاء و المنكر و البغي قبل تعلّق الاَمر و النهي بها و انّ الاِنسان يجد اتّصاف بعض الاَفعال بأحدها ناشئاً من صميم ذاته و ليس عرفان الاِنسان بها موقوفاً علي تعلّق الشرع و إنّما دور الشرع هو تأكيد إدراك العقل بالاَمر بالحسن و النهي عن القبيح و بيان ما لا يستقلّ العقل في إدراك حسنه و قبحه و تدلّ علي ما تقدّم بأوضح دلالة الآية التالية:

4. «و إذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا و اللّهُأَمَرَنا بِها قُلْإِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ». (4) فإنّ الظاهر من الآية انّ المشركين كانوا عارفين بقبح أفعالهم و انّها من الفحشاء و لكنهم حاولوا توجيه تلك الاَفعال الشنيعة إمّا بكونها إبقاءً لسيرة آبائهم و هم كانوا يحسِّنون ذلك و إمّا بكونها ممّا أمر بها اللّه سبحانه و لكن اللّه تعالي يخطّئهم في ذلك و يقول انّاللّه لا يأمر بالفحشاء كما يخطّئهم في اتّباعهم سيرة آبائهم بقوله:

- - -

(1) النحل: 90.

(2) الاَعراف: 33.

(3) الاَعراف: 157.

(4) الاَعراف: 28

148

«أَوَ لَوْ كانَ آباوَُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ». (1)

5. «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِيْنَ فِي الاََرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ». (2)

6. «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمينَ كَالْمُجْرِمينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ». (3)

7. «هَلْ جَزاءُ الاِِحْسانِ إِلاَّ الاِِحْسانُ». (4) و هذه الآيات تدلّ علي أنّه سبحانه اتّخذ وجدان الاِنسان سنداً لقضائه فيما تستقلّ به عقليته، فالاِنسان يجد من تلقاء نفسه قبح التسوية عند الجزاء بين المفسد و المصلح و الفاجر و الموَمن و المسلم و المجرم، كما انّه يدرك كذلك حسن جزاء الاِحسان بالاِحسان و هذا الاِدراك الفطري هو السند في حكم العقل بوجوب يوم البعث و الحساب كي يفصل بين

الفريقين و يجزي كلّمنهما بما يقتضيه العدل و الاِحسان الاِلهي.

- - -

(1) البقرة: 170.

(2) ص: 28.

(3) القلم:

36 37.

(4) الرحمن: 60

الفصل الثاني: العدل الإلهي

الفصل الثاني: العدل الإلهي

الفصل الثاني العدل الاِلهي إنّ من ثمرات التحسين و التقبيح العقليّين إثبات عدله تعالي في أفعاله و أحكامه و قبل بيان وجه الاستدلال عليه نقدّم الكلام حول تعريف العدل و أقسامه. حقيقة العدل و أقسامه أحسن كلمة في تعريف العدل ما روي عن علي - عليه السلام - حيث قال: «العدل يضع الاَُمور مواضعها». (1) بيان ذلك: إنّ لكلّ شيء وضعاً خاصّاً يقتضيه إمّا بحكم العقل، أو بحكم الشرع و المصالح الكلية و الشخصية في نظام الكون، فالعدل هو رعاية ذلك الوضع و عدم الانحراف إلي جانب الاِفراط و التفريط، نعم موضع كلّ شيء

- - -

(1) نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم 437

150

بحسبه، ففي التكوين بوجه و في المجتمع البشري بوجه آخر و هكذا و بلحاظ اختلاف موارده تحصل له أقسام ليس هنا مقام بيان تلك الاَقسام، إلاّ أنّ موارد العدل بالنسبة إلي اللّه تعالي يجمعها أقسام ثلاثة:

1. العدل التكويني: و هو إعطاوَه تعالي كلّ موجود ما يستحقه و يليق به من الوجود، فلا يهمل قابلية و لا يعطّل استعداداً في مجال الاِفاضة و الاِيجاد.

2. العدل التشريعي: و هو انّه تعالي لا يهمل تكليفاً فيه كمال الاِنسان و سعادته و به قوام حياته المادّية و المعنوية، الدنيوية و الاَُخروية، كما انّه لا يكلّف نفساً فوق طاقتها.

3. العدل الجزائي: و هو انّه تعالي لا يساوي بين المصلح و المفسد و الموَمن و المشرك في مقام الجزاء و العقوبة، بل يجزي كلّإنسان بما كسب، فيجزي المحسن بالاِحسان و الثواب و المسيء بالاِساءة و العقاب، كما

أنّه تعالي لا يعاقب عبداً علي مخالفة التكاليف إلاّ بعد البيان و الاِبلاغ. استنتاج عدله تعالي من قاعدة التحسين و التقبيح العقليّين إنّ مقتضي التحسين و التقبيح العقليّين علي ما عرفت، هو انّ العقل بما هو، يدرك انّ هذا الفعل بما هوهو من دون اختصاص ظرف من الظروف أو قيد من القيود حسن أو قبيح و المأخوذ في موضوع هذا الحكم العقلي ليس إلاّ الفاعل العاقل المختار، من غير فرق بين الواجب و الممكن و علي ذلك فاللّه سبحانه عادل و منزَّه من الظلم، لاَنّ القيام بالعدل حسن و تركه

151

الفصل الثالث: أفعال الله سبحانه معلَّلة بالغايات

الفصل الثالث: أفعال الله سبحانه معلَّلة بالغايات

العدل و أقسامه في القرآن الكريم و قد وصف الذكر الحكيم اللّه تعالي بالعدل و نزَّهه عن الظلم بجميع أقسامه في كثير من آيات الذكر الحكيم.

1. قوله تعالي: «شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ و الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا العِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ». (1) فإنّ قوله «قائِماً» إمّا حال من اسم اللّه تعالي موَكّدة و إمّا حال من «هو» في قوله: «لا إله إِلاّ هُوَ» و المراد من قيامه بالقسط إمّا مطلق يشمل جميع مراتب القسط (في التكوين و التشريع و الجزاء) و إمّا يختص بالقسط التكويني كما ذهب إليه بعضهم (2) و علي هذا، فمعناه انّه تعالي حاكم بالعدل في خلقه إذ دبّر أمر العالم بخلق الاَسباب و المسبّبات و إلقاء الروابط بينها و جعل الكل راجعاً إليه بالسير و الكدح و التكامل و ركوب طبق عن طبق و وضع في مسير هذا المقصد نعماً ينتفع منها الاِنسان في عاجله لآجله و في طريقه لمقصده. (3)

2. قال سبحانه: «وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها». (4) و هذا ناظر إلي عدله

تعالي في التشريع و التكليف.

3. قال تعالي: «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ و المِيزانَ لِيَقُومَ

- - -

(1) آل عمران: 18.

(2) لاحظ مجمع البيان: 2|420، (كما روي عنه (صلاي اللّه عليه و آله و سلم) َّنّبالعدل قامت السماوات و الاَرض).

(3) لاحظ الميزان: 3| 119.

(4) الموَمنون: 62

152

النّاسُ بِالْقِسْطِ». (1) و هذا أيضاً من شوَون عدله التشريعي، فالغرض من بعث الرسل و تشريع القوانين الاِلهية إقامة القسط في المجتمع البشري.

4. قال سبحانه: «وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ». (2)

5. قال تعالي: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَة فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيئاً». (3)

6 و قال سبحانه: «ما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّي نَبْعَثَ رَسُولاً». (4) و هي ناظرة إلي عدله تعالي في مقام الحساب و الجزاء و الآيات في هذا المجال أكثر من أن تحصي. العدل في روايات أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - اشتهر علي - عليه السلام - و أولاده - عليهم السلام - بالعدل و عنه أخذت المعتزلة، حتي قيل: «التوحيد و العدل علويّان و التشبيه و الجبر أمويّان» و إليك بعض ما أثر عنهم - عليهم السلام - :

1. سئل علي - عليه السلام - عن التوحيد و العدل، فقال:

- - -

(1) الحديد:

25.

(2) الموَمنون: 62.

(3) الاَنبياء: 47.

(4) الاِسراء: 15

153

«التوحيد أن لا تتوهّمه و العدل أن لا تتّهمه». (1) أي أن لا تتوهّم في توصيفه تعالي بالصفات التي يدركها الوهم و لا تتّهمه بقبائح الاَفعال.

2. روي الصدوق، عن الصادق - عليه السلام - انّه قال: «أمّا التوحيد فأن لا تجوِّز علي ربك ماجاز عليك و أمّا العدل فأن لا تنسب إلي خالقك ما لامك عليه». (2)

3 و قال علي - عليه السلام -

: «الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ وَ ارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ وَ قَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ وَ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ». (3) و قد أُشير في هذا الكلام الشريف إلي جميع أقسام العدل: فقوله - عليه السلام - : «ارتفع عن ظلم عباده» و كذا قوله - عليه السلام - : «وعدل عليهم في حكمه». ناظر إلي العدل في مقام التشريع و الجزاء و قوله - عليه السلام - : «وقام بالقسط في خلقه». ناظر إلي العدل في الاِيجاد و الخلق، فانّ الخلق لا يختص بالاِنسان بل يعمّه و غيره.

- - -

(1) نهج البلاغة: قسم الحكم، رقم 470.

(2) التوحيد للصدوق: الباب 5، الحديث 1.

(3) نهج البلاغة: الخطبة 185

154

إجابة عن إشكال لا شكّفي وجود آلام و مصائب اجتماعية يتألّم منها و يستضرّ بها أفراد المجتمع من غير فرق بين الموَمن و الكافر و المطيع و العاصي، فإذا كان الكافر و العاصي مستحقاً لتلك المصائب بكفره و عصيانه، فما هو المصحح لتألّم الموَمن المطيع و تضرّره منها، مع أنّ مقتضي العدل أن لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري و لا يعاقب الموَمن بعقوبة الكافر، أفلا يخلُّ ذلك بعدله تعالي؟ و الجواب عنه: انّ من خواص يوم القيامة انّه «يوم الفصل»، فيفصل أهل النار من أهل الجنّة و تجزي كلّنفس بما كسبت و أمّا الحياة الدنيوية فالناس يعيشون فيها بالاختلاط و الاشتراك، فإذا نزلت بليّة و كارثة طبيعية أو غير طبيعية يتألّم منها الجميع و لكن مع ذلك انّ اللّه تعالي بعدله و رحمته يعوِّض غير المستحقين لتلك النازلة بما هوأنفع لهم إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة و هذا هو المراد من «العوض» في اصطلاح المتكلمين. ثمّ إنّ

هذا الجواب لا يختصّ بالمقام، بل يأتي في جميع الموارد التي يكون عمل فرد أو أفراد سبباً تكوينيّاً أو تشريعيّاً لتألّم الغير و تضرّره، كالاختلالات العضوية و الفكرية الطارئة علي بعض المواليد الناشئة من سوء تغذية الوالدين أوبعض الاعتيادات المضرّة و غير ذلك، فربما يخرج الولد أعمي أو أبكم أو أصم أو غير ذلك من العلل، مع أنّ السبب لها هو غيره سبحانه، لكنّه تعالي يعوِّضهم برحمته و يرفع عنهم التكليف الشاقّ. فيعطي للمتألّم عوضاً لتألّمه و ابتلائه من الاَجر ما يكون أنفع بحاله و هذا كما يكون مقتضي عدله سبحانه، يكون أيضاً مقتضي لطفه و رحمته و يدخل تحت قاعدة الاَصلح في الدين و جميع ذلك مروي عن أئمّة أهل

الفصل الرابع: المصائب و الشرور و حكمته تعالي

الفصل الرابع: المصائب و الشرور و حكمته تعالي

البيت - عليهم السلام - و استلهم العدلية من المتكلّمين من تلك الروايات و عنونوها في مسفوراتهم الكلامية. روي الصدوق بسند صحيح، عن الصادق - عليه السلام - انّه قال: «كان فيما أوحي اللّه عز و جل إلي موسي - عليه السلام - أنْ يا موسي ما خلقت خلقاً أحبُّ إليَّ من عبدي الموَمن و إنّما أبتليه لما هو خير له و أُعافيه لما هو خير له و أنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي، فليصبر علي بلائي و ليشكر نعمائي و ليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي إذا عمل برضائي فأطاع أمري». (1)

- - -

(1) التوحيد:

الباب62، الحديث 13

156

الفصل الثالثأفعال اللّه سبحانه معلَّلة بالغايات ممّا يترتّب علي مسألة التحسين و التقبيح العقليّين تنزيه أفعاله سبحانه عن العبث و لزوم اقترانها بالغايات و الاَغراض و هذه المسألة من المسائل التي تشاجرت فيها العدلية و الاَشاعرة، فالاَُولي علي الاِيجاب

و الثانية علي السلب و استدلّت العدلية علي مدّعاهم بأنّ خلوَّ الفعل عن الغاية و الغرض يعدّ لغواً و عبثاً و هو من القبائح العقلية و اللّه تعالي منزَّه عن القبائح فلابدّ أن تكون أفعاله مقترنة بأغراض و معلَّلة بغايات و المهمّ في هذا المجال التحقيق حول دلائل الاَشاعرة علي إنكار كون أفعاله تعالي معلّلة بالغايات و أمّا دليل نظرية العدلية فهو واضح، لاِنّ هذه المسألة كما تقدّم من فروع مسألة التحسين و التقبيح العقليّين فنقول: استدلّت الاَشاعرة علي مذهبهم بأنّه: «لو كان فعله تعالي لغرض لكان ناقصاً لذاته مستكملاً بتحصيل ذلك الغرض، لاَنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه و هو معني الكمال». (1)

- - -

(1) شرح المواقف: 8|202203

157

الجواب: انّ الاَشاعرة خلطوا بين الغرض الراجع إلي الفاعل و الغرض الراجع إلي فعله، فالاستكمال لازم في الاَوّل دون الثاني و القائل بكون أفعاله بالاَغراض و الغايات و الدواعي و المصالح، إنّما يعني بها الثاني دون الاَوّل. توضيح ذلك: «إنّ العلّة الغائية في أفعال الفواعل البشرية هي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلاً بالقوّة إلي كونه فاعلاً بالفعل، فهي متقدّمة علي الفعل صورة و ذهناً و موَخّرة عنه وجوداً و تحقّقاً و لا تتصوّر العلّة الغائية بهذا المعني في ساحته تعالي، لغناه المطلق في مقام الذات و الوصف و الفعل، فلا يحتاج في الاِيجاد إلي شيء وراء ذاته و إلاّ لكان ناقصاً في مقام الفاعلية مستكملاً بشيء وراء ذاته و هو لا يجتمع مع غناه المطلق و لكن نفي العلّة الغائية بهذا المعني لا يلازم أن لا يترتب علي فعله مصالح و حكم ينتفع بها العباد و ينتظم بها النظام و

ذلك لاَنّه سبحانه فاعل حكيم و الفاعل الحكيم لا يختار من الاَفعال الممكنة إلاّما يناسب ذلك و لا يصدر منه ما يضادّه و يخالفه». (1) قالوا: «سلّمنا انّ الغرض قد يعود إلي غير الفاعل، لكن نفع غيره إن كان أولي بالنسبة إليه تعالي من عدمه جاء الاِلزام، لاَنّه تعالي يستفيد حينئذٍ بذلك النفع و الاِحسان ما هو أولي به و أصلح له و إلاّلم يصلح أن يكون غرضاً». (2)

- - -

(1) و إلي ذلك أشار المحقّق الطوسي بقوله: «ونفي الغرض يستلزم العبث و لا يلزم عوده إليه» كشف المراد:

المقصد 3، الفصل 3، المسألة 4.

(2) شرح المواقف: 8|203

158

يلاحظ عليه: أنّ المراد من الاَصلح و الاَولي، ما يناسب وجود الفاعل و شوَونه، فالفاعل الحكيم لا يقوم إلاّبما يناسب شأنه و ليس معني الاَصلح و الاَولي ما ذكر في كلام المستشكل، أعني: ما يفيد شيئاً للفاعل و يكمله و الحاصل: انّ فاعليّته سبحانه لا تتوقّف علي أمر زائد علي ذاته، فليس هناك ما يكمل ذاته تعالي و هو كما يقدر علي الحسن قادر علي القبيح و لكن بمقتضي حكمته لا يختار إلاّ الحسن الراجح و أين هذا من حديث الاستكمال و الاستفادة و نحو ذلك؟ القرآن و أفعاله سبحانه الحكيمة و العجب من غفلة الاَشاعرة من النصوص الصريحة في هذا المجال، يقول سبحانه: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ». (1) و قال: «وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ و الاََرْضَ و ما بَيْنَهُما لاعِبينَ». (2) و قال: «وما خَلَقْنَا السَّماءَ و الاََرْضَ و ما بَيْنَهما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الّذينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ». (3)

- - -

(1) الموَمنون: 115.

(2) الدخان: 38.

(3) ص: 37

159

و قال: «وَما خَلَقْتُ الجِنَّ

و الاِِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونَ». (1) مذهب الحكماء في أفعاله تعالي ربما يتوهم اتّفاق رأي الحكماء مع الاَشاعرة في نفي الغاية و الغرض عن أفعاله تعالي و لكنه خطأ محض، قال صدر المتألهين: «إنّ الحكماء ما نفوا الغاية و الغرض عن شيء من أفعاله مطلقاً، بل إنّما نفوا في فعله المطلق إذا لوحظ الوجود الاِمكاني جملة واحدة، غرضاً زائداً علي ذاته تعالي و أمّا ثواني الاَفعال و الاَفعال المخصوصة و المقيّدة فأثبتوا لكلّ منها غاية مخصوصة كيف و كتبهم مشحونة بالبحث عن غايات الموجودات و منافعها … ». (2)

- - -

(1) الذاريات: 56.

(2) الاَسفار: 7|84

160

الفصل الرابع المصائب و الشرور و حكمته تعالي إنّ اللّه سبحانه خلق السماوات و الاَرض و ما بينهما لمصلحة الاِنسان و انتفاعه بها في معيشته، مع أنّ المصائب و البلايا تنافي هذه الغاية و تضادّها و الفاعل الحكيم لا يصنع ما يضادّ غرضه. أضف إلي ذلك انّ مقتضي رحمة اللّه الواسعة رفع المصائب و دفع الشرور الواقعة في عالم الطبيعة كي لا تصعب المعيشة علي الاِنسان و تكون له هنيئة مريئة بلا جزع و مصيبة و الاِجابة عن هذه الشبهة تبتني علي بيان أُمور:

الاَوّل:

المصالح النوعيّة راجحة علي المصالح الفردية لا شكّ انّ الحياة الاِنسانية حياة اجتماعية، فهناك مصالح و منافع فردية و اخري نوعية اجتماعية و العقل الصريح يرجّح المصالح النوعية علي المنافع الفردية و علي هذا فما يتجلّي من الظواهر الطبيعية لبعض

161

الاَفراد في صورة المصيبة و الشرّ، هو في عين الوقت تكون متضمّنة لمصلحة النوع و الاجتماع، فالحكم بأنّ هذه الظواهر شرور، تنافي مصلحة الاِنسان، ينشأ من التفات الاِنسان إليها من منظار خاص و التجاهل عن غير نفسه في العالم، من

غير فرق بين من مضي في غابر الزمان و من يعيش في الحاضر في مناطق العالم أو سوف يأتي و يعيش فيها و ما أشبه الاِنسان في مثل هذه الروَية المحدودة بعابر سبيل يري جرّافة تحفر الاَرض، أو تهدم بناء مثيرة الغبار و التراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنّه عمل ضارّ و شرّ و هو لا يدري بأنّ ذلك يتمّ تمهيداً لبناء مستشفي كبير يستقبل المرضي و يعالج المصابين و يهيّيَ للمحتاجين إلي العلاج وسائل المعالجة و التمريض و لو وقف علي تلك الاَهداف النبيلة لقضي بغير ما قضي و لوصف ذلك التهديم بأنّه خير و انّه لا ضير فيما يحصل من ضوضاء الجرّافة و تصاعد الغبار.

الثاني:

ضآلة علم الاِنسان و محدوديته إنّ علم الاِنسان المحدود هو الذي يدفعه إلي أن يقضي في الحوادث بتلك الاَقضية الشاذّة و لو وقف علي علمه الضئيل و نسبة علمه إلي مالا يعلمه لرجع القهقري قائلاً: «رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ». (1) و لاَذعن بقوله تعالي: «وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً». (2)

- - -

(1) آل عمران: 191.

(2) الاِسراء: 85

162

و لذلك تري كبار المفكّرين و أعاظم الفلاسفة يعترفون بجهلهم و عجزهم عن الوقوف علي أسرار الطبيعة و هذا هو المخ الكبير في عالم البشرية الشيخ الرئيس يقول: «بلغ علمي إلي حدٍّ علمت أنّي لست بعالم».

الثالث:

الغفلة عن القيم الاِنسانية العليا ليست الحياة الاِنسانية حياة ماديّة فقط، بل للاِنسان حياة روحية معنوية و لا شكّ انّ الفلاح و السعادة في هذه الحياة، هي الغاية القصوي من خلق الاِنسان و مفتاح الوصول إلي تلك الغاية هو العبادة و الخضوع للّه سبحانه و علي هذا الاَساس فالحوادث التي توجب اختلالاً مّا في

بعض شوَون الحياة المادّية ربما تكون عاملاً أساسياً لاتّجاه الاِنسان إلي اللّه سبحانه كما قال سبحانه: «فَعَسي أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعََلُ اللّه فِيهِ خَيْراً كَثيراً». (1) كما سيوافيك بيان ذلك.

الرابع:

المصائب وليدة الذنوب و المعاصي القرآن الكريم يعدّ الاِنسان مسوَولاً عن كثير من الحوادث الموَلمة و الوقائع الموجعة في عالم الكون، قال سبحانه: «ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ و الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ». (2) و قال سبحانه:

- - -

(1) النساء: 19.

(2) الروم:

41

163

«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَ اتَّقَوا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ و الاََرْضِوَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ». (1) و قال سبحانه: «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُو عَنْ كَثيرٍ». (2) إلي غير ذلك من الآيات الدالّة علي أنّ لاَعمال الاِنسان دوراً واقعياً في البلايا و الشرور الطبيعية و الاجتماعية و لكن الاِنسان إذا أصابته مصيبة و كارثة يعجل من فوره و بدل أن يرجع إلي نفسه و يتفحّص عن العوامل البشرية لتلك الحوادث و يقوم بإصلاح نفسه، يعدّها مخالفة لحكمة الصانع أو عدله و رحمته. الفوائد التربويّة للمصائب إذا عرفت هذه الاَُصول فلنرجع إلي تحليل فوائد المصائب و الشرور، فنقول:

1. المصائب وسيلة لتفجير الطاقات إنّ البلايا و المصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات و تقدّم العلوم ورقي الحياة البشرية، فإنّ الاِنسان إذا لم يواجه المشاكل في حياته لا تنفتح طاقاته و لا تنمو، بل نموّها و خروجها من القوّة إلي الفعل رهن وقوع الاِنسان في مهبّ المصائب و الشدائد و إلي هذه الحقيقة يشير قوله تعالي:

- - -

(1) الاَعراف: 96.

(2) الشوري: 30

164

«فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* و إِلي رَبِّكَ فَارْغَبْ». (1)

2. البلايا جرس إنذار

و سبب للعودة إلي الحقّ إنّ التمتع بالمواهب المادّية و الاستغراق في اللذائذ و الشهوات يوجب غفلة كبري عن القيم الاَخلاقية و كلّما ازداد الاِنسان توغّلاً في اللذائذ و النعم، ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية و هذه حقيقة يلمسها كلّ إنسان في حياته و حياة غيره و يقف عليها في صفحات التاريخ و نحن نجد في الكتاب العزيز التصريح بصلة الطغيان بإحساس الغني، إذ يقول عز و جل: «إِنَّ الاِِنْسانَ لَيَطْغي* أَنْ رَاهُ اسْتَغْني». (2) فإذاً لابدّ لانتباه الاِنسان من هذه الغفلة من هزّة و جرس إنذار يذكّره و يرجعه إلي الطريق الوسطي و ليس هناك ما هو أنفع في هذا المجال من بعض الحوادث التي تقطع نظام الحياة الناعمة بشيء من المزعجات حتي يدرك عجزه و يتنبّه من نوم الغفلة و لاَجل هذا يعلّل القرآن الكريم بعض النوازل و المصائب بأنّها تنزل لاَجل الذكري و الرجوع إلي اللّه، يقول سبحانه: «وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّأَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ و الضَّرّاءِ لَعلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ». (3)

- - -

(1) الانشراح: 5 8.

(2) العلق: 6 7.

(3) الاَعراف: 94

165

و يقول أيضاً: «وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ». (1) و يقول أيضاً: «ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ و الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». (2) و يقول تعالي: «وَبَلَوناهُمْ بِالحَسَناتِ و السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرجِعُونَ». (3)

3. حكمة البلايا في حياة الاَولياء يظهر من القرآن الكريم و الاَحاديث المتضافرة انّ البلايا و المحن ألطاف إلهيّة في حياة الاَولياء و الصالحين من عباد اللّه و شرط لوصولهم إلي المقامات العالية في الآخرة. قال سبحانه: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ

خَلَوا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا … ». (4) و قال أيضاً:

- - -

(1) الاَعراف: 130.

(2) الروم:

41.

(3) الاَعراف: 168.

(4) البقرة: 214

166

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفِ و الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الاََمْوالِ و الاََنْفُسِ و الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا للّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ». (1) و روي هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه - عليه السلام - انّه قال: «إنّ أشدّ الناس بلاءً الاَنبياء، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الاَمثل فالاَمثل». (2) و روي سليمان بن خالد عنه - عليه السلام - انّه قال: «وانّه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فما ينالها إلاّبإحدي خصلتين، إمّا بذهاب ماله أو ببلية في جسده». (3) و قد شكا عبد اللّه بن أبي يعفور إلي أبي عبد اللّه الصادق (عليه السّلام) ممّا أصابته من الاَوجاع و كان مسقاماً فقال - عليه السلام - : «يا عبد اللّه لو يعلم الموَمن ماله من الاَجر في المصائب لتمنّي انّه قرّض بالمقاريض». (4) حاصل المقال إنّ المصائب علي قسمين: فردية و نوعية و إن شئت فقل: محدودة

- - -

(1) البقرة: 155 157.

(2) الكافي: ج 2، باب شدة ابتلاء الموَمن، الحديث 1.

(3) نفس المصدر: الحديث 23.

(4) نفس المصدر: الحديث15

167

و مطلقة و لاَعمال الاِنسان دور في وقوع المصائب و البلايا و هي جميعاً موافقة للحكمة و غاية الخلقة، فإنّ الغرض من خلقة الاِنسان وصوله إلي الكمالات المعنوية الخالدة و تلك المصائب جرس الاِنذار للغافلين و كفّارة لذنوب المذنبين و أسباب الاِرتقاء و التعالي للصالحين. هذا في جانب الغرض الاَُخروي و أمّا في ناحية الحياة الدنيوية فيجب

إلفات النظر إلي أمرين:

1. ملاحظة منافع نوع البشر المتوطّنين في نواحي العالم، بلا قصر النظر إلي منافع الفرد أو طائفة من الناس.

2. ملاحظة ما يتوصّل إليه الاِنسان عند مواجهته للمشاكل و الشدائد من الاختراعات و الاكتشافات الجديدة الموَدّية إلي صلاح الاِنسان في حياته المادية

الفصل الخامس: التكليف بما لا يطاق قبيح

الفصل الخامس: التكليف بما لا يطاق قبيح

الفصل الخامس التكليف بما لا يطاق قبيح إنّ التكليف بما هو خارج عن قدرة المكلّف ظلم و قبح الظلم من البديهيات الاَوّلية عند العقل العملي، فيستحيل علي الحكيم أن يكلّف العبد بما لا قدرة له عليه، من غير فرق بين كون نفس الفعل المكلّف به ممكناً بالذات و لكن كان خارجاً عن إطار قدرة المكلّف، كالطيران إلي السماء بلا وسيلة، أو كان نفس الفعل بما هوهو محالاً، كدخول الجسم الكبير في الجسم الصغير من دون أن يتوسّع الصغير أو يتصغّر الكبير، هذا هو قضاء العقل في المسألة و الآيات القرآنية أيضاً صريحة في أنّه سبحانه لا يكلّف الاِنسان إلاّوسعه و قدر طاقته و لا يظلمه مطلقاً. قال سبحانه: «لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّوُسْعَها». (1) و قال تعالي: «وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبيد». (2)

- - -

(1) البقرة: 286.

(2) فصلت: 46

169

الاَشاعرة و تجويز التكليف بما لا يطاق و مع هذه البراهين المشرقة نري أنّ الاَشاعرة جوّزوا التكليف بما لا يطاق و بذلك أظهروا العقيدة الاِسلامية، عقيدة مخالفة للوجدان و العقل السليم و من المأسوف عليه انّ المستشرقين أخذوا عقائد الاِسلام عن المتكلّمين الاَشعريين، فإذا بهم يصفونها بكونها علي خلاف العقل و الفطرة لاَنّهم يجوّزون التكليف بما لا يطاق. إنّ الاَشاعرة استدلّوا بآيات تخيّلوا دلالتها علي ما يرتأونه، مع أنّها بمنأي عمّا يتبنّونه في المقام و أظهر ما استدلّوا

به آيتان: الآية الاَُولي: قوله تعالي: «ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ و ما كانُوا يُبْصِرُونَ». (1) وجه الاستدلال: انّ الآية صريحة علي أنّ المفترين علي اللّه سبحانه في الدنيا، المنكرين للحقّ لم يكونوا مستطيعين من أن يسمعوا كلام اللّه و يصغوا إلي دعوة النبي إلي الحقّ مع أنّهم كانوا مكلّفين باستماع الحقّوقبوله، فكلّفهم اللّه تعالي بمالا يطيقون عليه. يلاحظ عليه: أنّ عدم استطاعتهم ليس بمعني عدم وجودها فيهم ابتداءً، بل لاَنّهم حرموا أنفسهم من هذه النعم بالذنوب، فصارت الذنوب سبباً لكونهم غير مستطيعين لسمع الحقّ و قبوله و قد تواترت النصوص من الآيات و الاَحاديث علي أنّ العصيان و الطغيان يجعل القلوب عمياء و الاَسماع صمّاء. قال سبحانه: «فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ». (2)

- - -

(1) هود:

20.

(2) البقرة: 26

170

و قال سبحانه حاكياً عن المجرمين: «لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنّا فِي أَصحابِ السَّعير*فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لاََصحابِ السَّعير». (1) فقولهم:

«لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أَو نَعْقِلُ» يدلّ علي أنّهم كانوا قادرين علي ذلك، لاَنّه لو لم يكونوا قادرين كان المناسب في مقام الاعتذار أن يقولوا: «لو كنّا قادرين علي السمع و التعقّل» كما لا يخفي و لقد أجاد الزمخشري في تفسير الآية بقوله: «أراد أنّهم لفرط تصامّهم عن استماع الحقّوكراهتهم له، كأنّهم لا يستطيعون السمع و … الناس يقولون في كلّلسان: هذا كلام لا استطيع أن أسمعه». (2) الآية الثانية: قوله تعالي: «يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَ يُدْعَونَ إِلَي السُّجُودِ فَلا يَسْتَطيعُونَ». (3) وجه الاستدلال: انّه تعالي يدعوا الضالّين و الطاغين إلي السجود يوم القيامة مع أنّهم لا يستطيعون الاِجابة و الاِتيان بالسجود، فإذا جاز التكليف بما لايطاق عليه في الآخرة، جاز ذلك في الدنيا. يلاحظ عليه: أنّ

يوم القيامة دار الحساب و الجزاء و ليس دار التكليف و العمل، فدعوته تعالي في ذلك اليوم ليس بداعي التكليف و غاية العمل، بل المقصود توبيخ الطاغين و إيجاد الحسرة فيهم لتركهم السجود

- - -

(1) الملك: 10 11.

(2) الكشاف: 2| 386.

(3) القلم:

42

171

في الدنيا مع كونهم مستطيعين عليه كما قال سبحانه: «وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَي السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ». (1) و نظير الآية قوله سبحانه: «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ». (2)

- - -

(1) القلم:

43.

(2) البقرة: 23

الفصل السادس: وجوب اللطف عند المتكلمين

الفصل السادس: وجوب اللطف عند المتكلمين

الفصل السادس وجوب اللطف عند المتكلّمين ممّا يترتب علي القول بالتحسين و التقبيح العقليين وجوب اللطف علي اللّه تعالي و أشهر ما قيل في تعريفه هو: انّاللطف عبارة عمّا يقرّب المكلّف إلي الطاعة و يبعّده عن المعصية، ثمّ إن اتصل اللطف بوقوع التكليف يسمّي لطفاً محصِّلاً و إلاّ يسمّي لطفاً مقرِّباً، قال السيّد المرتضي: «إنّ اللطف ما دعا إلي فعل الطاعة و ينقسم إلي ما يختار المكلّف عنده فعل الطاعة و لولاه لم يختره و إلي ما يكون أقرب إلي اختيارها، وكلا القسمين يشمله كونه داعياً». (1) و قال التفتازاني: «وفي كلام المعتزلة انّ اللطف ما يختار المكلّف عنده الطاعة تركاً أو إثباتاً أو يقرب منهما مع تمكّنه في الحالين، فإن كان مقرّباً من الواجب أو ترك القبيح يسمّي لطفاً مقرّباً و إن كان محصِّلاً له فلطفاً محصِّلاً و يخصُّ

- - -

(1) الذخيرة في علم الكلام:

186

173

المحصِّل للواجب باسم التوفيق و المحصِّل لترك القبيح باسم العصمة». (1) برهان وجوب اللطف علي اللّه تعالي استدلّوا علي وجوب اللطف عليه سبحانه بأنّ ترك اللطف يناقض غرضه تعالي من خلقه العباد

و تكليفهم و هو قبيح لا يصدر من الحكيم، قال المحقّق البحراني: «إنّه لو جاز الاِخلال به في الحكمة فبتقدير أن لا يفعله الحكيم، كان مناقضاً لغرضه، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله. بيان الملازمة: انّه تعالي أراد من المكلّف الطاعة، فإذا علم انّه لا يختار الطاعة، أو لا يكون أقرب إليها إلاّ عند فعل يفعله به لا مشقة عليه فيه و لا غضاضة، وجب في الحكمة أن يفعله، إذ لو أخلّ به لكشف ذلك عن عدم إرادته له و جري ذلك مجري من أراد من غيره حضور طعامه و علم أو غلب ظنه انّه لا يحضر بدون رسول، فمتي لم يرسل عدَّ مناقضاً لغرضه و بيان بطلان اللازم:

انّ العقلاء يعدّون المناقضة للغرض سفهاً و هو ضدّ الحكمة و نقص و النقص عليه تعالي محال». (2) أقول: إنّ اللطف إذا كان موَثّراً في رغبة أكثر المكلّفين بالطاعة و ترك المعصية يجب من باب الحكمة و أمّا إذا كان موَثراً في آحادهم المعدودين فالقيام به من باب الفضل و الكرم.

- - -

(1) شرح المقاصد:

4| 313.

(2) قواعد المرام:

117 118

174

ثمّ إنّ القائلين بوجوب اللطف ذكروا له شرطين: الاَوّل: أن لا يكون له حظ في التمكين و حصول القدرة، إذ العاجز غير مكلّف فلا يتصوّر اللطف في مورده. الثاني: أن لا يبلغ حدّالاِلجاء و لا يسلب عن المكلّف الاختيار، لئلا ينافي الحكمة في جعل التكليف من ابتلاء العباد و امتحانهم و من هنا يتبيّن وهن ما استدلّ به القائل بعدم وجوب اللطف، حيث قال: «لو وجب اللطف علي اللّه تعالي لكان لا يوجد في العالم عاص، لاَنّه ما من مكلّف إلاّ و في مقدور اللّه تعالي من الاَلطاف ما لو

فعله به لاختار عنده الواجب و اجتنب القبيح». (1) أقسام اللطف اللطف إمّا من فعل اللّه تعالي و يجب في حكمته فعله كالبعثة و إلاّ عدّ تركه نقضاً لغرضه كما مرّ، أو من فعل المكلّف و حينئذٍ فإمّا أن يكون لطفاً في تكليف نفسه و يجب في حكمته تعالي أن يعرِّفه إياه و يوجبه عليه و ذلك كمتابعة الرسل و الاقتداء بهم، أو في تكليف غيره و ذلك كتبليغ الرسول الوحي و يجب أن يشتمل علي مصلحة تعود إلي فاعله، إذ إيجابه عليه لمصلحة غيره مع خلوِّه عن مصلحة تعود إليه ظلم و هو عليه تعالي محال. (2)

- - -

(1) لاحظ شرح الاَُصول الخمسة: 523.

(2) قواعد المرام:

118؛ إرشاد الطالبين إلي نهج المسترشدين: 278

الفصل السابع: في الجبر و الكسب

الفصل السابع: في الجبر و الكسب

الفصل السابع الجبر و الكسب من الاَبحاث الكلامية الهامّة، البحث عن كيفية صدور أفعال العباد و انّهم مختارون في أفعالهم أو مجبورون، مضطرّون عليها؟ و المسألة ذات صلة وثيقة بمسألة العدل الاِلهي، فانّ العقل البديهي حاكم علي قبح تكليف المجبور و موَاخذته عليه و انّ اللّه سبحانه منزَّه عن كلّ فعل قبيح. ثمّ إنّ هذه المسألة من المسائل الفكرية التي يتطلّع كلّ إنسان إلي حلّها، سواء أقدر عليه أم لا و لاَجل هذه الخصيصة لا يمكن تحديد زمن تكوّنها في البيئات البشرية و مع ذلك فهي كانت مطروحة في الفلسفة الاِغريقية، ثمّ انطرحت في الاَوساط الاِسلامية و بحث عنها المتكلّمون و الفلاسفة الاِسلاميون، كما وقع البحث حولها في المجتمعات الغربية الحديثة و المذاهب و الآراء المطروحة في هذا المجال في الكلام الاِسلامي أربعة:

1. مذهب الجبر المحض.

2. مذهب الكسب.

3. مذهب التفويض.

4. مذهب الاَمر بين الاَمرين

176

فلنبحث عنها واحداً تلو

الآخر. ألف الجبر المحض و هو المنسوب إلي جهم بن صفوان (المتوفّي | 128ه)، قال الاَشعري: «تفرّد جهم بأُمور، منها: انّه لا فعل لاَحد في الحقيقة إلاّ اللّه وحده و انّ الناس إنّما تنسب إليهم أفعالهم علي المجاز، كما يقال: تحرّكت الشجرة و دار الفلك و زالت الشمس». (1) و عرّفهم الشهرستاني بأنّهم يقولون: «انّ الاِنسان لا يقدر علي شيء و لا يوصف بالاستطاعة و إنّما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له و لا إرادة و لا اختيار و إنّما يخلق اللّه تعالي الاَفعال فيه علي حسب ما يخلق في سائر الجمادات … و إذا ثبت الجبر فالتكليف أيضاً كان جبراً». (2) و لا ريب في بطلان هذا المذهب، إذ لو كان كذلك لبطل التكليف و الوعد و الوعيد و الثواب و العقاب و لصار بعث الاَنبياء و إنزال الكتب و الشرائع السماوية لغواً. تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً. ب الاَشاعرة و الكسب قد انطرحت نظرية الكسب في معترك الاَبحاث الكلامية قبل ظهور الشيخ الاَشعري بأكثر من قرن، فهذه هي الطائفة الضرارية (3) قالت:

- - -

(1) مقالات الاِسلاميين: 1| 312.

(2) الملل و النحل: 1| 87.

(3) هم أصحاب ضرار بن عمرو و قد ظهر في أيّام و اصل بن عطاء (المتوفّي سنة 131ه)

177

«بأنّ أفعال العباد مخلوقة للّه تعالي حقيقة و العبد مكتسبها». (1) و تبعتهم في ذلك الطائفة النجّارية (2) فعرّفهم الشهرستاني بأنّهم يقولون: «إنّ الباري تعالي هو خالق أعمال العباد خيرها و شرّها، حسنها و قبيحها و العبد مكتسب لها و يثبتون تأثيراً للقدرة الحادثة و يسمّون ذلك كسباً». (3) و مع ذلك فقد اشتهرت نسبة النظرية إلي الاَشاعرة و عدّت من مميّزات

منهجهم و ما ذلك إلاّ لاَنّ الشيخ الاَشعري و تلامذة مدرسته قاموا بتحكيم هذه النظرية و تبيينها بالاَدلّة العقلية و النقلية و قد اضطربت عبارات القوم في تفسيرها إلي حدّ صارت من الاَلغاز حتي قال الشاعر: ممّا يقال و لا حقيقة عنده * معقولة تدنو إلي الاَفهام الكسب عند الاَشعري و الحال * عند البهشمي و طفرة النظّام (4) و مرجع تلك التفاسير المختلفة إلي أمرين:

1. انّ للقدرة المحدثة (قدرة العبد) نحو تأثير في اكتساب الفعل و هو يسمّي «كسباً» و هذا التفسير يظهر من جماعة من الاَشاعرة.

2. ليس للقدرة المحدثة تأثير في الفعل سوي مقارنتها لتحقّق الفعل من جانبه سبحانه و هذا التفسير يظهر من كلمات جماعة أُخري من الاَشاعرة و إليك فيما يلي نصوصهم في هذا المقام:

- - -

(1) الملل و النحل للشهرستاني: 1|90 91.

(2) هم أصحاب الحسين بن محمد بن عبد اللّه النجّار و له مناظرات مع النظام، توفّي عام 230ه.

(3) الملل و النحل: 1|89، نقل بالمعني.

(4) عبدالكريم الخطيب المصري (م1396ه) : القضاء و القدر: 185

178

1. كلام الشيخ الاَشعري قال عند إبداء الفرق بين الحركة الاضطرارية و الحركة الاكتسابية: «لمّا كانت القدرة موجودة في الحركة الثانية وجب أن يكون كسباً، لاَنّ حقيقة الكسب هو انّ الشيء وقع من المكتسب له بقوّة محدثة». (1) يلاحظ عليه: انّه لم يبيّن مراده من وقوع الفعل المكتسب بقوّة محدثة، فهل المقصود انّ للقوة المحدثة تأثيراً في وجود الفعل تكوينياً؟ فهذا ينافي ما تبنّاه الاَشعري من نظرية «خلق الاَعمال»، أو أنّ تأثيرها ليس في واقعية الفعل بل في أمر آخر كالعناوين الطارئة عليه، كما قال به الباقلاني؟ و حينئذٍ يرد عليه ما نورده علي كلام الباقلاني و

هاهنا احتمال ثالث و هو أن يكون المراد من كلمة «باء» في قوله «بقوَّة محدثة» مقارنتها لحدوث الفعل لا تأثيرها فيه و هذا هو التفسير الثاني و سيوافيك ما يرد عليه.

2. كلام القاضي الباقلاني قال: «الدليل قد قام علي أنّ القدرة الحادثة لا تصلح للاِيجاد، لكن ليست صفات الاَفعال أووجوهها و اعتباراتها تقتصر علي جهة الحدوث فقط، بل هاهنا وجوه أُخري هي وراء الحدوث». ثمّ ذكر عدّة من الجهات و الاعتبارات، كالصلاة و الصيام و القيام و القعود و قال:

- - -

(1) اللمع: 76

179

«إنّ الاِنسان يفرِّق فرقاً ضرورياً بين قولنا: «أوجد» و قولنا: «صلّي» و «صام» و «قعد» و «قام» و كما لا يجوز أن تضاف إلي الباري جهة ما يضاف إلي العبد، فكذلك لا يجوز أن تضاف إلي العبد جهة ما يضاف إلي الباري تعالي». (1) ثمّ استنتج أنّالجهات التي لا يصحّ اسنادها إلي اللّه تعالي فهي متعلّقة للقدرة الحادثة و مكتسبة للاِنسان و هي التي تكون ملاك الثواب و العقاب. يلاحظ عليه: أنّ هذه العناوين و الجهات لا تخلو من صورتين: إمّا أن تكون من الاَُمور العدمية، فعندئذٍ لا يكون للكسب واقعية خارجية، بل يكون أمراً ذهنياً اعتبارياً خارجاً عن إطار الفعل و التأثير، فكيف توَثّر القدرة الحادثة فيه، حتي يعدّكسباً للعبد و يكون ملاكاً للثواب و العقاب؟ و إمّا تكون من الاَُمور الوجودية، فعندئذٍ تكون مخلوقة للّه سبحانه حسب الاَصل المسلَّم (خلق الاَفعال) عندكم. الغزالي و تفسير الكسب قال في «الاقتصاد» ما هذا حاصله: «إنّما الحقّ إثبات القدرتين علي فعل واحد و القول بمقدور منسوب إلي قادرين، فلا يبقي إلاّ استبعاد توارد القدرتين علي فعل واحد و هذا إنّما يبعد إذا كان

تعلّق القدرتين علي وجه واحد، فإن اختلفت القدرتان و اختلف وجه تعلقهما فتوارد القدرتين المتعلقتين علي شيء واحد غير محال».

- - -

(1) الملل و النحل: 1|97 98

180

و حاصل ما ذكره في تغاير وجه تعلق القدرتين هو: «انّ تعلق قدرته سبحانه بفعل العبد، تعلّق تأثيري و تعلّق قدرة العبد نفسه تعلّق تقارني و هذا القدر من التعلّق كاف في إسناد الفعل إليه و كونه كسباً له». (1) و قد تبعه في ذلك عدّة من مشايخهم المتأخرين كالتفتازاني و الجرجاني و القوشجي. (2) يلاحظ عليه: أنّ دور العبد في أفعاله علي هذا التفسير ليس إلاّ دور المقارنة، فعند حدوث القدرة و الاِرادة في العبد يقوم سبحانه بخلق الفعل و من المعلوم انّ تحقق الفعل من اللّه مقارناً لقدرة العبد، لا يصحّح نسبة الفعل في تحقّقه إليه و معه كيف يتحمّل مسوَوليته، إذ لم يكن لقدرة العبد تأثير في وقوعه؟ إنكار الكسب من محقّقي الاَشاعرة إنّ هناك رجالاً من الاَشاعرة أدركوا جفاف النظرية و عدم كونها طريقاً صحيحاً لحلّ معضلة الجبر، فنقضوا ما أبرموه و أجهروا بالحقيقة، نخصّ بالذكر منهم رجالاً ثلاثة: الاَوّل: إمام الحرمين، فقد اعترف بنظام الاَسباب و المسببات الكونية أوّلاً و انتهائها إلي اللّه سبحانه و انّه خالق للاَسباب و مسبباتها المستغني علي الاِطلاق ثانياً و انّ لقدرة العباد تأثيراً في أفعالهم و انّ قدرتهم تنتهي إلي قدرته سبحانه ثالثاً. (3)

- - -

(1) لاحظ الاقتصاد في الاعتقاد:

47.

(2) لاحظ شرح العقائد النسفية: لسعد الدين التفتازاني (م792ه) : 117؛ شرح المواقف للجرجاني: 8|146 و شرح التجريد للقوشجي: 345.

(3) لاحظ نص كلامه في الملل و النحل: 1|98 99 و هو بشكل أدق خيرة الحكماء و الاِمامية جمعاء

181

الثاني: الشيخ

الشعراني و هو من أقطاب الحديث و الكلام في القرن العاشر، فقد وافق إمام الحرمين في هذا المجال و قال: «من زعم انّه لا عمل للعبد فقد عاند، فإنّ القدرة الحادثة، إذا لم يكن لها أثر فوجودها و عدمها سواء و من زعم انّه مستبد بالعمل فقد أشرك، فلابدّ أنّه مضطرّ علي الاختيار». (1) الثالث: الشيخ محمّد عبده، فقال في كلام طويل: «منهم القائل بسلطة العبد علي جميع أفعاله و استقلاله المطلق و هو غرور ظاهر (يريد المعتزلة) و منهم من قال بالجبر و صرَّح به (يريد الجبرية الخالصة) و منهم من قال به و تبرّأ من اسمه (يريد الاَشاعرة) و هو هدم للشريعة و محو للتكاليف و إبطال لحكم العقل البديهي و هو عماد الاِيمان و دعوي انّ الاعتقاد بكسب العبد (2) لاَفعاله يوَدّي إلي الاِشراك باللّه و هو الظلم العظيم دعوي من لم يلتفت إلي معني الاِشراك علي ما جاء به الكتاب و السنّة، فالاِشراك اعتقاد انّ لغير اللّه أثراً فوق ما وهبه اللّه من الاَسباب الظاهرة و انّ لشيء من الاَشياء سلطاناً علي ما خرج عن قدرة المخلوقين … ». (3)

- - -

(1) عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (م976ه) : اليواقيت و الجواهر في بيان عقيدة الاَكابر: 139 141.

(2) يريد من الكسب، الاِيجاد و الخلق لا الكسب المصطلح عند الاَشاعرة، كما هو واضح لمن لاحظ كلامه.

(3) محمّد عبده (م1323ه) : رسالة التوحيد:

5962

الفصل الثامن: نظرية التفويض

الفصل الثامن: نظرية التفويض

الفصل الثامن المعتزلة و التفويض المنقول عن المعتزلة هو انّ أفعال العباد مفوَّضة إليهم و هم الفاعلون لها بما منحهم اللّه من القدرة و ليس للّه سبحانه شأن في أفعال عباده، قال القاضي عبد الجبار: «ذكر شيخنا

أبو عليص: اتّفق أهل العدل علي أنّ أفعال العباد من تصرّفهم و قيامهم و قعودهم، حادثة من جهتهم و انّ اللّه عز و جل أقدرهم علي ذلك و لا فاعل لها و لا محدث سواهم». (1) و قال أيضاً: «فصلٌ في خلق الاَفعال و الغرض به، الكلام في أنّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم و انّهم المحدثون لها». (2) ثمّ إنّ دافع المعتزلة إلي القول بالتفويض هو الحفاظ علي العدل

- - -

(1) المغني في أُصول الدين: 6|41، الاِرادة.

(2) شرح الاَُصول الخمسة: 323

183

الاِلهي، فلمّا كان العدل عندهم هو الاَصل و الاَساس في سائر المباحث، عمدوا إلي تطبيق مسألة أفعال العباد عليه، فوقعوا في التفويض لاعتقادهم بأنّ القول بكون أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه ينافي عدله تعالي و حدّدوا بذلك خالقيّته تعالي و سلطانه و الّذي أوقعهم في هذا الخطأ في الطريق، أمران:

أحدهما:

خطأوهم في تفسير كيفيّة ارتباط الاَفعال إلي الاِنسان و إليه تعالي، فزعموا انّهما عرضيان، فأحدهما ينافي الآخر و يستحيل الجمع بينهما و بما انّهم كانوا بصدد تحكيم العدل الاِلهي لجأوا إلي التفويض و نفي ارتباط الاَفعال إلي اللّه تعالي، قال القاضي عبد الجبار: «إنّ من قال إنّ اللّه سبحانه خالقها (أفعال العباد) و محدثها، فقد عظم خطاوَه و أحالوا حدوث فعل من فاعلين». (1) يلاحظ عليه: أنّ الاِنسان لا استقلال له، لا في وجوده و لا فيما يتعلّق به من الاَفعال و شوَونه الوجودية، فهو محتاج إلي إفاضة الوجود و القدرة إليه من اللّه تعالي مدي حياته، قال سبحانه: «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إِلَي اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَميد». (2) و

ثانيهما:

عدم التفكيك بين الاِرادة و القضاء التكوينيين و التشريعيين، فالتكويني منهما يعمّ الحسنات

و السيّئات بلا تفاوت و لكن التشريعي منهما لا يتعلّق إلاّ بالحسنات، قال سبحانه: «إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ». (3)

- - -

(1) المغني: 6|41، الاِرادة.

(2) فاطر: 15.

(3) الاَعراف: 28

184

و قال سبحانه: «قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ». (1) فالآيات النازلة في تنزيهه تعالي عن الظلم و القبائح إمّا راجعة إلي أفعاله سبحانه و مدلولها انّه سبحانه منزّه عن فعل القبيح مطلقاً و إمّا راجعة إلي أفعال العباد و مدلولها انّه تعالي لا يرضاها و لا يأمر بها بل يكرهها و ينهي عنها، فالتفصيل بين حسنات أفعال العباد و قبائحها إنّما يتمّ بالنسبة إلي الاِرادة و القضاء التشريعيّين، لا التكوينيّين و هذا هو مذهب أئمّة أهل البيت - عليهم السلام -. روي الصدوق باسناده عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي - عليهم السلام - قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب - عليه السلام - يقول: «الاَعمال علي ثلاثة أحوال: فرائض و فضائل و معاصي. فأمّا الفرائض فبأمر اللّه تعالي و برضي اللّه و بقضائه و تقديره و مشيّته و علمه و أمّا الفضائل فليست بأمر اللّه و لكن برضي اللّه و بقضاء اللّه و بقدر اللّه و بمشيّة اللّه و بعلم اللّه و أمّا المعاصي فليست بأمر اللّه و لكن بقضاء اللّه و بقدر اللّه و بمشية اللّه و بعلمه، ثمّ يعاقب عليها». (2) و قال أبو بصير: قلت لاَبي عبد اللّه - عليه السلام - : شاء لهم الكفر و أراده؟ فقال: «نعم» قلت: فأحبّ ذلك و رضيه؟ فقال: «لا» قلت: شاء و أراد مالم يحب و لم يرض به؟ قال: «هكذا خرج إلينا». (3)

- - -

(1) الاَعراف: 29.

(2) بحار الاَنوار: 5|29 نقلاً عن

التوحيد و الخصال و العيون.

(3) نفس المصدر: 121، نقلاً عن المحاسن

185

إلي غير ذلك من الروايات و مفادها كما تري هو التفكيك بين الاِرادة التكوينية و التشريعية، أعني: الرضي الاِلهي، فالمعاصي و إن لم تكن برضي من اللّه و لم يأمر بها و لكنها لا تقع إلاّ بقضاء اللّه تعالي و قدره و علمه و مشيّته التكوينية و هذا هو المستفاد من أمثال قوله تعالي: «وَما هُمْ بِضارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّبِإِذْنِ اللّهِ». (1) بطلان التفويض في الكتاب و السنة إنّ الذكر الحكيم يردّ التفويض بحماس و وضوح:

1. يقول سبحانه: «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إِلَي اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَميد». (2)

2 و يقول سبحانه: «وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ». (3)

3 و يقول تعالي: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثيرةً بِإِذْنِ اللّهِ». (4)

4 و يقول سبحانه: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُوَْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ». (5)

- - -

(1) البقرة: 102.

(2) فاطر: 15.

(3) البقرة: 102.

(4) البقرة: 249.

(5) يونس: 100

186

إلي غير ذلك من الآيات التي تقيّد فعل الاِنسان بإذنه تعالي و المراد منه الاِذن التكويني و مشيئته المطلقة و أمّا السنّة، فقد تضافرت الروايات علي نقد نظرية التفويض فيما أُثر من أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - و كان المعتزلة مدافعين عن تلك النظرية في عصرهم، مروّجين لها.

1. روي الصدوق في «الاَمالي» عن هشام، قال: قال أبو عبد اللّه - عليه السلام - : «إنّا لا نقول جبراً و لا تفويضاً». (1)

2 و في «الاحتجاج» عن أبي حمزة الثمالي انّه قال: قال أبو جعفر - عليه السلام - للحسن البصري: «إيّاك أن تقول بالتفويض فإنّ اللّه عز و جل لم يفوّض الاَمر

إلي خلقه وهناً منه و ضعفاً و لا أجبرهم علي معاصيه ظلماً». (2)

3 و في «العيون» عن الرضا - عليه السلام - انّه قال: «مساكين القدرية، أرادوا أن يصفوا اللّه عز و جل بعدله فأخرجوه من قدرته و سلطانه». (3)

- - -

(1) بحار الاَنوار: 5|4، كتاب العدل و المعاد، الحديث 1.

(2) المصدر السابق: ص17، الحديث 26.

(3) المصدر السابق: ص 54، الحديث 93

الفصل التاسع: أمر بين أمرين

الفصل التاسع: أمر بين أمرين

الفصل التاسع الاَمر بين الاَمرين قد عرفت أنّ المجبّرة جنحوا إلي الجبر لاَجل التحفّظ علي التوحيد الاَفعالي و حصر الخالقية في اللّه سبحانه، كما أنّ المفوّضة انحازوا إلي التفويض لغاية التحفّظ علي عدله سبحانه، وكلا الفريقين غفلا عن نظرية ثالثة يوَيّدها العقل و يدعمها الكتاب و السنّة و فيها الحفاظ علي كلٍّ من أصلي التوحيد و العدل، مع نزاهتها عن مضاعفات القولين و هذا هو مذهب الاَمر بين الاَمرين الّذي لم يزل أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - يحثّون عليه، من لدن حمي و طيس الجدال في أفعال الاِنسان من حيث القضاء و القدر أو غيرهما و أمّا حقيقة هذا المذهب فتتعيّن في ظل أصلين عقليّين برهن عليهما في الفلسفة الاَُولي و هما:

1. كيفية قيام المعلول بالعلّة إنّ قيام المعلول بالعلّة ليس من قبيل قيام العرض بموضوعه أو الجوهر بمحلّه، بل قيامه بها يرجع إلي معني دقيق يشبه قيام المعني الحرفي بالمعني الاسمي في المراحل الثلاث: التصوّر و الدلالة و التحقّق،

188

فإذا قلت: سرت من البصرة إلي الكوفة، فهناك معان اسميّة هي السير و البصرة و الكوفة و معني حرفي و هو كون السير مبدوّاً من البصرة و منتهياً إلي الكوفة، فالابتداء و الانتهاء المفهومان من كلمتي «من» و

«إلي» فاقدان للاستقلال في مجال التصوّر، فلا يتصوّران مستقلّين و منفكين عن تصوّر البصرة و الكوفة و إلاّ لعاد المعني الحرفي معني اسمياً و لصار نظير قولنا: «الابتداء خير من الانتهاء» و كذلك فاقدان للاستقلال في مجال الدلالة فلا يدلاّن علي شيء إذا انفكّتا عن مدخوليهما، كما هما فاقدان للاستقلال في مقام التحقّق و الوجود، فليس للابتداء الحرفي وجود مستقل منفكّ عن متعلّقه، كما ليس للانتهاء الحرفي وجود كذلك و علي ضوء ذلك يتبيّن وزان الوجود الاِمكاني الّذي به تتجلّي الاَشياء و تتحقّق الماهيات، فإنّ وزانه إلي الواجب لا يعدو عن وزان المعني الحرفي إلي الاسمي، لاَنّ توصيف الوجود بالاِمكان ليس إلاّبمعني قيام وجود الممكن و تعلّقه بعلّته الموجبة له و ليس وصف الاِمكان خارجاً عن هويّته و حقيقته، بل الفقر و الربط عين واقعيته و إلاّ فلو كان في حاقّ الذات غنياً ثمّ عرض له الفقر يلزم الخلف.

2. وحدة حقيقة الوجود تلازم عموميّة التأثير قد ثبت في الفلسفة الاَُولي انّ سنخ الوجود الواجب و الوجود الممكن واحد يجمعهما قدر مشترك و هو الوجود و طرد العدم و ما يفيد ذلك و انّ مفهوم الوجود يطلق عليهما بوضع واحد و بمعني فارد و علي ضوء هذا الاَصل، إذا كانت الحقيقة في مرتبة من المراتب العالية ذات أثر خاصّ، يجب أن يوجد ذلك الاَثر في المراتب النازلة، أخذاً

189

بوحدة الحقيقة، نعم يكون الاَثر من حيث الشدّة و الضعف، تابعاً لمنشئه من هذه الحيثية، فالوجود الواجب بما انّه أقوي و أشد، يكون العلم و الدرك و الحياة و التأثير فيه مثله و الوجود الاِمكاني بما انّ الوجود فيه أضعف يكون أثره مثله و لاَجل ذلك ذهب الاِلهيون إلي

القول بسريان العلم و الحياة و القدرة إلي جميع مراتب الوجود الاِمكاني و يشهد الكتاب العزيز علي صحّة نظريتهم في مجال السريان العلمي و الدركي إلي جميع مراتب الوجود. إذا وقفت علي هذين الاَصلين تقف علي النظرية الوسطي في المقام و أنّه لا يمكن تصوير فعل العبد مستقلاً عن الواجب، غنياً عنه، غير قائم به، قضاءً للاَصل الثاني و بذلك يتّضح بطلان نظرية التفويض، كما انّه لا يمكن إنكار دور العبد بل سائر العلل في آثارها قضاءً للاَصل الثالث و بذلك يتبيّن بطلان نظرية الجبر في الاَفعال و نفي التأثير عن القدرة الحادثة. فالفعل مستند إلي الواجب من جهة و مستند إلي العبد من جهة أُخري، فليس الفعل فعله سبحانه فقط بحيث يكون منقطعاً عن العبد بتاتاً و يكون دوره دور المحل و الظرف لظهور الفعل، كما أنّه ليس فعل العبد فقط حتي يكون منقطعاً عن الواجب و في هذه النظرية جمال التوحيد الاَفعالي منزّهاً عن الجبر كما أنّ فيها محاسن العدل منزّهاً عن مغبّة الشرك و الثنويّة. إيضاح و تمثيل هذا إجمال النظرية حسب ما تسوق إليه البراهين الفلسفية و لاِيضاحها نأتي بمثال و هو انّه لو فرضنا شخصاً مرتعش اليد فاقد القدرة، فإذا ربط رجل بيده المرتعشة سيفاً قاطعاً و هو يعلم انّ السيف المشدود في يده سيقع علي آخر و يهلكه، فإذا وقع السيف و قتل، ينسب القتل إلي من

190

ربط يده بالسيف دون صاحب اليد الذي كان مسلوب القدرة في حفظ يده، فهذا مثال لما يتبنّاه الجبري في أفعال الاِنسان و لو فرضنا انّ رجلاً أعطي سيفاً لمن يملك حركة يده و تنفيذ إرادته فقتل هو به رجلاً، فالاَمر علي العكس، فالقتل

ينسب إلي المباشر دون من أعطي و هذا مثال لما يعتقده التفويضي في أفعال الاِنسان و لكن لو فرضنا شخصاً مشلول اليد (لا مرتعشها) غير قادر علي الحركة إلاّ بإيصال رجل آخر التيّار الكهربائي إليه ليبعث في عضلاته قوّة و نشاطاً بحيث يكون رأس السلك الكهربائي بيد الرجل بحيث لو رفع يده في آنٍ انقطعت القوّة عن جسم هذا الشخص، فذهب باختياره و قتل إنساناً به و الرجل يعلم بما فعله، ففي مثل ذلك يستند الفعل إلي كلّ منهما، إمّا إلي المباشر فلاَنّه قد فعل باختياره و إعمال قدرته و أمّا إلي الموصل، فلاَنّه أقدره و أعطاه التمكّن حتي في حال الفعل و الاشتغال بالقتل و كان متمكّناً من قطع القوّة عنه في كلّ آنٍ شاء و أراد و هذا مثال لنظرية الاَمر بين الاَمرين، فالاِنسان في كلّ حال يحتاج إلي إفاضة القوّة و الحياة منه تعالي إليه بحيث لو انقطع الفيض في آنٍ واحد بطلت الحياة و القدرة، فهو حين الفعل يفعل بقوّة مفاضة منه و حياة كذلك من غير فرق بين الحدوث و البقاء. محصّل هذا التمثيل انّ للفعل الصادر من العبد نسبتين واقعيتين، إحداهما نسبته إلي فاعله بالمباشرة باعتبار صدوره منه باختياره و إعمال قدرته و ثانيهما نسبته إلي اللّه تعالي باعتبار أنّه معطي الحياة و القدرة في كلّ آن و بصورة مستمرّة حتي في آن اشتغاله بالعمل. (1)

- - -

(1) هذا المثال ذكره المحقّق الخوئي (قدّس سرّه) في تعاليقه القيّمة علي أجود التقريرات و محاضراته الملقاة علي تلاميذه. لاحظ أجود التقريرات: 1|90 و المحاضرات: 2|87 88 و هناك أمثلة أُخري لتقريب نظرية الاَمر بين الاَمرين، لاحظ تفسير الميزان: 1|100 و الاَسفار:

6|377 388

191

الاَمر بين الاَمرين في الكتاب و السنة إذا كان معني الاَمر بين الاَمرين هو وجود النسبتين و الاِسنادين في فعل العبد، نسبة إلي اللّه سبحانه و نسبة إلي العبد، من دون أن تزاحم إحداهما الاَُخري، فانّا نجد هاتين النسبتين في آيات من الذكر الحكيم:

1. قوله سبحانه: «وَما رَمَيْتَ إِذْرَمَيْتَ و لكن اللّه رَمي». (1) فتري أنّ القرآن الكريم ينسب الرمي إلي النبيّ و في الوقت نفسه يسلبه عنه و ينسبه إلي اللّه.

2. قال سبحانه: «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ … ». (2) فإنّ الظاهر انّ المراد من التعذيب هو القتل، لاَنّ التعذيب الصادر من اللّه تعالي بأيد من الموَمنين ليس إلاّ ذاك، لا العذاب البرزخي و لا الاَُخروي، فإنّهما راجعان إلي اللّه سبحانه دون الموَمنين و علي ذلك فقد نسب فعلاً واحداً إلي الموَمنين و إلي خالقهم.

3. انّ القرآن الكريم يذمّ اليهود بقساوة قلوبهم و يقول: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ … ». (3) و لا يصحّ الذم و اللوم إلاّ أن يكونوا هم السبب لعروض هذه الحالة

- - -

(1) الاَنفال: 17.

(2) التوبة: 14.

(3) البقرة: 74

192

علي قلوبهم و في الوقت نفسه يسند حدوث القساوة إلي اللّه تعالي و يقول: «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ و جعلنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَة». (1)

4. هناك مجموعة من الآيات تعرِّف الاِنسان بأنّه فاعل مختار في مجال أفعاله (2) و مجموعة أُخري تصرّح بأنّكلّما يقع في الكون من دقيق و جليل لا يقع إلاّبإذنه سبحانه و انّ الاِنسان لا يشاء لنفسه إلاّما شاء اللّه له. (3) فالمجموعة الاَُولي من الآيات تناقض الجبر و تفنِّده، كما أنّالمجموعة الثانية تردّ التفويض و تبطله و مقتضي الجمع بينهما حسب ما يرشدنا إليه التدبّر فيها ليس

إلاّالتحفّظ علي النسبتين و انّ العبد يقوم بكلّ فعل و ترك باختيار و حرّيّة لكن بإقدار و تمكين منه سبحانه، فليس العبد في غنيً عنه سبحانه في فعله و تركه. هذا ما يرجع إلي الكتاب الحكيم و أمّا الروايات فنذكر النزر اليسير ممّا جمعه الشيخ الصدوق في «توحيده» و العلاّمة المجلسي في «بحاره» :

1. روي الصدوق عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السّلام) قالا: «إنّ اللّه عز و جل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه علي الذنوب، ثمّيعذّبهم عليها و اللّه أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون». قال: فسئلا (عليهما السّلام) : هل بين الجبر و القدر منزلة ثالثة؟ قالا: «نعم أوسع ممّا بين السماء و الاَرض». (4)

- - -

(1) المائدة: 13.

(2) لاحظ: الكهف: 29؛ النور: 11؛ السجدة: 49؛ الزمر: 7؛ الطور: 19؛ النجم:

3941؛ المزمل: 19؛ المدثر: 55؛ الاِنسان: 61؛ النبأ: 39؛ عبس: 12؛ الشمس: 7 10.

(3) لاحظ: البقرة: 102، 249، 251؛ الاَعراف: 188؛ يونس: 100؛ التكوير: 29.

(4) التوحيد، ص 360، الباب 59، الحديث 3

193

2 و روي باسناد صحيح عن الرضا - عليه السلام - أنّه قال: «إنّ اللّه عز و جل لم يُطَع بإكراه و لم يُعصَ بغلبة و لم يهمل العباد في ملكه و هو المالك لما ملّكهم و القادر علي ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته، لم يكن اللّه عنها صادّاً و لا منها مانعاً و إن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل و إن لم يحل و فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه». (1)

3 و روي أيضاً عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه - عليه السلام - قال: «لا جبر و

لا تفويض و لكن أمر بين أمرين». قال، فقلت: و ما أمر بين أمرين؟ قال: «مثل ذلك مثل رجل رأيته علي معصية فنهيته فلم ينته، فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته، أنت الذي أمرته بالمعصية». (2)

4 و للاِمام الهادي - عليه السلام - رسالة مبسّطة في الردِّ علي أهل الجبر و التفويض و إثبات العدل و الاَمر بين الاَمرين نقلها عليّ بن شعبة (قدّس سرّه) في «تحف العقول» و أحمد بن أبي طالب الطبرسي (قدّس سرّه) في «الاحتجاج» و مما جاء فيها في بيان حقيقة الاَمر بين الاَمرين، قوله: «و هذا القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض و بذلك أخبر أمير الموَمنين صلوات اللّه عليه عباية بن ربعي الاَسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم و يقعد و يفعل، فقال له أمير الموَمنين: سألت عن

- - -

(1) التوحيد للصدوق: الباب 59، الحديث 7.

(2) المصدر السابق: الحديث 8

194

الاستطاعة تملكها من دون اللّه أو مع اللّه؟ فسكت عباية، فقال له أمير الموَمنين: قل يا عباية، قال: و ما أقول؟ قال - عليه السلام - : … تَقُولُ إِنَّكَ تَمْلِكُهَا بِاللَّهِ الَّذِي يَمْلِكُهَا مِنْ دُونِكَ فَإِنْ يُمَلِّكْهَا إِيَّاكَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَطَائِهِ وَ إِنْ يَسْلُبْكَهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَلَائِهِ هُوَ الْمَالِكُ لِمَا مَلَّكَكَ وَ الْقَادِرُ عَلَي مَا عَلَيْهِ أَقْدَرَكَ». (1) تذييل نقل عن الفخر الرازي أنّه اعترف بأنّ الحقّفي المقام ما قاله أئمّة الدين من الاَمر بين الاَمرين و إن أخطأ في تفسيره و جعل وزان الاِنسان، وزان القلم في يد الكاتب و الوتد في شقّ الحائط و في كلام العقلاء، قال الحائط للوتد:

لم تشقّني؟ فقال: «سل من يدقّني». (2) و

ممن اعترف بالاَمر بين الاَمرين شيخ الاَزهر في وقته، محمّد عبده في رسالته حول التوحيد، قال: «جاءت الشريعة بتقرير أمرين عظيمين، هما ركنا السعادة و قوام الاَعمال البشرية،

الاَوّل:

انّ العبد يكسب بإرادته و قدرته ما هو وسيلة لسعادته،

و الثاني:

انّقدرة اللّه هي مرجع لجميع الكائنات و انّ من آثارها ما يحول بين العبد و إنفاذ ما يريده … و قد كلّفه سبحانه أن يرفع همّته إلي استمداد العون منه وحده بعد أن يكون قد أفرغ ما عنده من الجهد في تصحيح الفكر و آجادة العمل و هذا

- - -

(1) بحار الاَنوار: 5|75، الباب الثاني، الحديث 1.

(2) راجع بحار الاَنوار: ج5، ص 82

195

الّذي قرّرناه قد اهتدي إليه سلف الاَُمّة و عوّل عليه من متأخّري أهل النظر إمام الحرمين الجوينيص و إن أنكر عليه بعض من لم يفهمه». (1)

- - -

(1) رسالة التوحيد:

5762 بتخليص.

الفصل العاشر: الإجابة عن شبهات

الفصل العاشر: الإجابة عن شبهات

الفصل العاشر الاِجابة عن شبهات و شكوك في المقام إلي هنا فرغنا عن دراسة المذاهب و الآراء في مسألة الجبر و الاختيار، ثمّ إنّ هاهنا شبهات و شكوك يجب علينا دراستها و الاِجابة عنها:

1. علم اللّه الاَزلي قالوا: «إنّ ما علم اللّه عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصدور عن العبد و إلاّ جاز انقلاب العلم جهلاً و ما علم اللّه وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد و إلاّ جاز ذلك الانقلاب و هو محال في حقّه سبحانه و ذلك يبطل اختيار العبد، إذ لا قدرة علي الواجب و الممتنع و يبطل أيضاً التكليف لابتنائه علي القدرة و الاختيار، فما لزم القائلين بمسألة خلق الاَعمال فقد لزم غيرهم لاَجل اعتقادهم بعلمه الاَزلي المتعلّق بالاَشياء». (1)

- - -

(1) شرح المواقف:

8|155 بتلخيص منّا

197

و الجواب عنه: انّ علمه الاَزلي لم يتعلّق بصدور كلّفعل عن فاعله علي وجه الاِطلاق، بل تعلّق علمه بصدوره عنه حسب الخصوصيات الموجودة فيه و علي ضوء ذلك، تعلّق علمه الاَزلي بصدور الحرارة من النار علي وجه الجبر و الاضطرار، كما تعلّق علمه الاَزلي بصدور الرعشة من المرتعش كذلك و لكن تعلّق علمه سبحانه بصدور فعل الاِنسان الاختياري منه بقيد الاختيار و الحرية و مثل هذا العلم يوَكّد الاختيار. قال العلاّمة الطباطبائي: «إنّ العلم الاَزلي متعلّق بكلّ شيء علي ما هو عليه، فهو متعلّق بالاَفعال الاختيارية بما هي اختيارية، فيستحيل أن تنقلب غير اختيارية … ». (1)

2. إرادة اللّه الاَزلية قالوا: «ما أراد اللّه وجوده من أفعال العبد وقع قطعاً و ما أراد اللّه عدمه منها لم يقع قطعاً، فلا قدرة له علي شيء منهما». (2) و الجواب عنه: انّ هذا الاستدلال نفس الاستدلال السابق لكن بتبديل العلم بالاِرادة، فيظهر الجواب عنه ممّا ذكرناه في الجواب عن سابقه. قال العلاّمة الطباطبائي: «تعلّقت الاِرادة الاِلهية بالفعل الصادر من زيد مثلاً لا مطلقاً، بل من حيث إنّه فعل اختياري صادر من فاعل كذا، في زمان كذا و مكان كذا، فإذن

- - -

(1) الاَسفار: 6|318، تعليقة العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه).

(2) شرح المواقف: 8|156

198

تأثير الاِرادة الاِلهية في الفعل يوجب كون الفعل اختيارياً و إلاّ تخلّف متعلّق الاِرادة … فخطأ المجبرة في عدم تمييزهم كيفيّة تعلّق الاِرادة الاِلهية بالفعل … ». (1)

3. لزوم الفعل مع المرجِّح الخارج عن الاختيار قالوا: إنّ العبد لو كان موجداً لفعله بقدرته فلابدّ من أن يتمكّن من فعله و تركه و إلاّ لم يكن قادراً عليه، إذ القادر من يتمكّن من كلا الطرفين

و علي هذا يتوقف ترجيح فعله علي تركه علي مرجح و إلاّ لزم وقوع أحد الجائزين بلا مرجِّح و سبب و هو محال و ذلك المرجّح إن كان من العبد و باختياره لزم التسلسل الباطل، لاَنّا ننقل الكلام إلي صدور ذلك المرجّح عن العبد فيتوقّف صدوره عنه إلي مرجّح ثان و هكذا … و إن كان من غيره و خارجاً عن اختياره، فبما انّه يجب وقوع الفعل عند تحقّق المرجح و المفروض انّ ذلك المرجح أيضاً خارج عن اختياره، فيصبح الفعل الصادر عن العبد، ضروريّ الوقوع غير اختياري له. (2) و الجواب عنه: انّ صدور الفعل الاختياري من الاِنسان يتوقّف علي مقدمات و مباديَ من تصوّر الشيء و التصديق بفائدته و الاشتياق إلي تحصيله و غير ذلك من المباديَ النفسانية و الخارجية و لكن هذه المقدمات لا تكفي في تحقّق الفعل و صدوره منه إلاّبحصول الاِرادة النفسانية التي يندفع بها الاِنسان نحو الفعل و معها يكون الفعل واجب التحقّق و تركه ممتنعاً و المرجّح ليس شيئاً وراء داعي الفاعل و إرادته و ليس مستنداً إلاّ إلي

- - -

(1) الميزان: 1|99 100.

(2) شرح المواقف: 8|149150 بتلخيص و تصرّف

199

نفس الاِنسان و ذاته، فإنّها المبدأ لظهوره في الضمير، إنّما الكلام من كونه فعلاً اختيارياً للنفس أو لا، فمن جعل الملاك في اختيارية الاَفعال كونها مسبوقةً بالاِرادة وقع في المضيق في جانب الاِرادة، لاَنّ كونها مسبوقة بإرادة أُخري يستلزم التسلسل في الاِرادات غير المتناهية و هو محال و أمّا علي القول المختار، من أنّ الملاك في اختيارية الاَفعال كونها فعلاً للفاعل الّذي يكون الاختيار عين هويته و ينشأ من صميم ذاته و ليس أمراً زائداً علي هويّته عارضاً عليها،

فلا إشكال مطلقاً و فاعلية الاِنسان بالنسبة إلي أفعاله الاختيارية كذلك، فاللّه سبحانه خلق النفس الاِنسانيّة مختارة و علي هذا يستحيل أن يسلب عنها وصف الاختيار و يكون فاعلاً مضطرّاً كالفواعل الطبيعيّة.

4. التكليف بمعرفة اللّه تكليف بالمحال قالوا: «التكليف واقع بمعرفة اللّه تعالي إجماعاً، فإن كان التكليف في حال حصول المعرفة فهو تكليف بتحصيل الحاصل و هو محال و إن كان حال عدمها فغير العارف بالمكلّف و صفاته المحتاج إليه في صحّة التكليف منه، غافل عن التكليف و تكليف الغافل تكليف بالمحال». (1) و الجواب عنه: انّا نختار الشقّ الاَوّل من الاستدلال و لكن لا بمعني المعرفة التفصيلية حتّي يكون تحصيلاً للحاصل، بل المعرفة الاِجمالية الباعثة علي تحصيل التفصيلية منها. توضيح ذلك: أنّ التكليف بالمعرفة تكليف عقلي، يكفي فيه التوجّه

- - -

(1) شرح المواقف: 8|157

200

الاِجمالي إلي أنّ هناك منعماً يجب معرفته و معرفة أسمائه و صفاته شكراً لنعمائه، أو دفعاً للضرر المحتمل.

5. لا يوجد الشيء إلاّ بالوجوب السابق عليه قد ثبت في الفلسفة الاَُولي انّ الموجود الممكن مالم يجب وجوده من جانب علّته لم يتعيّن وجوده و لم يوجد و ذلك: لاَنّ الممكن في ذاته لا يقتضي الوجود و لا العدم، فلا مناص لخروجه من ذلك إلي مستوي الوجود من عامل خارجي يقتضي وجوده، ثمّ ما يقتضي وجوده إمّا أن يقتضي وجوبه أيضاً أو لا. فعلي الاَوّل وجب وجوده و علي الثاني، بما انّ بقاءه علي العدم لا يكون ممتنعاً بعد، فيسأل: لماذا اتّصف بالوجود دون العدم؟ و هذا السوَال لا ينقطع إلاّبصيرورة وجود الممكن واجباً و بقائه علي العدم محالاً و هذا معني قولهم:

«إنّ الشيء مالم يجب لم يوجد». هذا برهان القاعدة و رتّب

عليها القول بالجبر، لاَنّ فعل العبد ممكن فلا يصدر منه إلاّ بعد اتّصافه بالوجوب و الوجوب ينافي الاختيار و الجواب عنه: انّ القاعدة لا تعطي أزيد من أنّ المعلول إنّما يتحقّق بالاِيجاب المتقدّم علي وجوده و لكن هل الاِيجاب المذكور جاء من جانب الفاعل و العلّة أو من جانب غيره؟ فإن كان الفاعل مختاراً كان وجود الفعل و وجوبه المتقدّم عليه صادراً عنه بالاختيار و إن كان الفاعل مضطرّاً كالفواعل الكونية كانا صادرين عنه بالاضطرار و الحاصل: انّ الوجوب المذكور في القاعدة و إن كان وصفاً متقدّماً علي الفعل و لكنه متأخّر عن الفاعل، فالمستفاد منه ليس إلاّ كون الفعل موجَباً (بالفتح) و أمّا الفاعل فهو قد يكون أيضاً كذلك و قد يكون موجِباً (بالكسر)، فإن أثبتنا كون الاِنسان مختاراً فلا تنافيه القاعدة المذكورة قيد شعرة

الفصل الحادي عشر: القضاء و القدر

الفصل الحادي عشر: القضاء و القدر

الفصل الحادي عشر القضاء و القدر إنّ القضاء و القدر من الاَُصول الاِسلامية الواردة في الكتاب و السنّة و ليس لمن له إلمام بهذين المصدرين الرئيسيين أن ينكرهما أو ينكر واحداً منهما، إلاّ أنّ المشكلة في توضيح ما يراد منهما، فإنّه المزلقة الكبريفي هذا المقام و استيفاء البحث عنه يستدعي بيان أُمور:

1. تعريف القضاء و القدر قال ابن فارس: «القدر بفتح الدال و سكونه حدُّ كلِّ شيء و مقداره و قيمته و ثمنه و منه قوله تعالي: «وَمَنْ قُدِر عَلَيْهِ رِزْقُه» أي قدر بمقدار قليل».

- - -

(1) و قال الراغب: «القدر و التقدير تبيين كمية الشيء». (2) (1) المقاييس: 5| 63.

(2) المفردات: مادة قدر

202

هذا معني القدر في اللغة و أمّا معني القضاء، فقال ابن فارس: «القضاء أصل صحيح يدلّ علي إحكام أمر و إتقانه

و إنفاذه لجهته، قال اللّه تعالي: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ» أي أحكم خلقهن إلي أن قال: و سمّي القاضي قاضياً لاَنّه يحكم الاَحكام و ينفذها و سمّيت المنيّة قضاءً لاَنّها أمر ينفذ في ابن آدم و غيره من الخلق». (1) و قال الراغب: «القضاء فصل الاَمر قولاً كان ذلك أو فعلاً». (2) أقول: مجموع النصّين من العلمين يرجع إلي أنّ أيّ قول أو عمل إذا كان متقناً محكماً و جادّاً قاطعاً و فاصلاً صارماً، لا يتغيّر و لا يتبدّل، فذلك هو القضاء. هذا ما ذكره أئمّة اللغة و قد سبقهم أئمّة أهل البيت - عليهم السلام -، كما ورد فيما روي عنهم - عليهم السلام - : روي الكليني بسنده، إلي يونس بن عبد الرحمان، عن أبي الحسن الرضا - عليه السلام - و قد سأله يونس عن معني القدر و القضاء، فقال: «هي الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء و القضاء هو الاِبرام و إقامة العين». (3)

- - -

(1) المقاييس: 5| 99.

(2) المفردات: مادة قضي.

(3) الكافي: 1| 158 و رواه الصدوق في توحيده بتغيير يسير

203

2. مراتب القضاء و القدر لكلّ من القضاء و القدر مراتب أو أقسام، نشير إليها: ألف. القضاء و القدر التشريعيان: و يعني به الاَوامر و النواهي الاِلهية الواردة في الكتاب و السنّة و قد أشار إليه الاِمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) في كلامه حينما سأله الشامي عن معني القضاء و القدر فقال: «الاَمر بالطاعة و النهي عن المعصية و التمكين من فعل الحسنة و ترك السيئة و المعونة علي القربة إليه و الخذلان لمن عصاه و الوعد و الوعيد» إلي آخر كلامه الشريف. (1) ب. القضاء و

القدر التكوينيان: و يعني به ما يرجع إلي الحقائق الكونية و نظام الوجود و له أقسام:

1. القضاء و القدر العلميّان فالتقدير العلمي عبارة عن تحديد كلّ شيء به خصوصياته في علمه الاَزلي سبحانه، قبل إيجاده، فهو تعالي يعلم حدّكلّشيء و مقداره و خصوصياته الجسمانية و غير الجسمانية و المراد من القضاء العلمي هو علمه تعالي بضرورة وجود الاَشياء و إبرامها عند تحقّق جميع ما يتوقّف عليه وجودها من الاَسباب و الشرائط و رفع الموانع. فعلمه السابق بحدود الاَشياء و ضرورة وجودها، تقدير و قضاء علميّان؛ و قد أَُُشير إلي هذا القسم، في آيات الكتاب المجيد:

- - -

(1) التوحيد للصدوق: 380؛ بحار الاَنوار: 5|128، باب القضاء و القدر، الحديث 74

204

قال سبحانه: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُوََجَّلاً». (1) و قال أيضاً: «قُلْ لَنْ يُصيِبَنا إِلاّ ما كَتَبَاللّهُ لَنا هُوَ مَولانا و علي اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِالْمُوَْمِنُونَ». (2) و قال: «وَما يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَي اللّهِ يَسير». (3) و قال: «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الاََرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ في كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها … ». (4) هذه بعض الآيات التي وردت في بيان انّ خصوصيات الاَشياء و ضرورة وجودها متحقّقة في علمه الاَزلي، أو مراتب علمه كالكتاب الوارد في الآيات الماضية.

2. القضاء و القدر العينيان التقدير العيني عبارة عن الخصوصيات التي يكتسبها الشيء من علله

- - -

(1) آل عمران: 145.

(2) التوبة: 51.

(3) فاطر: 11.

(4) الحديد:

22

205

عند تحقّقه و تلبسه بالوجود الخارجي و القضاء العيني هو ضرورة وجود الشيء عند وجود علّته التامّة ضرورة عينية خارجية. فالتقدير و القضاء العينيان ناظران إلي التقدير

و الضرورة الخارجيين اللّذين يحتفّان بالشيء الخارجي، فهما مقارنان لوجود الشيء بل متّحدان معه، مع أنّ التقدير و القضاء العلميان مقدّمان علي وجود الشيء. فالعالم المشهود لنا لا يخلو من تقدير و قضاء، فتقديره تحديد الاَشياء الموجودة فيه من حيث وجودها و آثار وجودها و خصوصيات كونها بما انّها متعلّقة الوجود و الآثار بموجودات أُخري، أعني العلل و الشرائط، فيختلف وجودها و أحوالها باختلاف عللها و شرائطها، فالتقدير يهدي هذا النوع من الموجودات إلي ما قدر له في مسير وجوده، قال تعالي: «اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّي*وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدي». (1) أي هدي ما خلقه إلي ما قدّر له و أمّا قضاوَه، فلمّا كانت الحوادث في وجودها و تحقّقها منتهية إليه سبحانه فما لم تتمّ لها العلل و الشرائط الموجبة لوجودها، فانّها تبقي علي حال التردّد بين الوقوع و اللا وقوع، فإذا تمَّت عللها و عامّة شرائطها و لم يبق لها إلاّ أن توجد، كان ذلك من اللّه قضاء و فصلاً لها من الجانب الآخر و قطعاً للاِبهام و بذلك يظهر انّ التقدير و القضاء العينيين من صفاته الفعلية سبحانه فانّ مرجعهما إلي إفاضة الحدّ و الضرورة علي الموجودات و إليه يشير الاِمام الصادق - عليه السلام - في قوله:

- - -

(1) الاَعلي: 23

206

«القضاء و القدر خلقان من خلق اللّه و اللّه يزيد في الخلق ما يشاء». (1) و من هنا يكشف لنا الوجه في عناية النبي و أهل البيت (عليهم السّلام) بالاِيمان بالقدر و انّ الموَمن لا يكون موَمناً إلاّ بالاِيمان به (2) فإنّ التقدير و القضاء العينيين من شعب الخلقة و قد عرفت في أبحاث التوحيد انّ من مراتب التوحيد، التوحيد في الخالقية و قد عرفت

آنفاً انّ حدود الاَشياء و خصوصياتها و ضرورة وجودها منتهية إلي إرادته سبحانه، فالاِيمان بهما، من شوَون التوحيد في الخالقية و لاَجل ذلك تري انّه سبحانه أسند القضاء و القدر إلي نفسه و قال: «قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً». (3) و قال تعالي: «و إذا قَضي أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ». (4)

- - -

(1) التوحيد للصدوق: الباب 60، الحديث 1.

(2) روي الصدوق في «الخصال» بسنده عن علي - عليه السلام - قال: قال رسول اللّه ص: «لا يوَمن عبد حتي يوَمن بأربعة: حتي يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و انّي رسول اللّه بعثني بالحقّ و حتي يوَمن بالبعث بعد الموت و حتّي يوَمن بالقدر» (البحار: ج5، باب القضاء و القدر، الحديث 2) و روي أيضاً بسنده عن أبي امامة الصحابي، قال: قال رسول اللّه ص: «أربعة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة: عاقّ و منان و مكذب بالقدر و مدمن خمر» (البحار: ج5، باب القضاء و القدر، الحديث 3) و روي الترمذي عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه ص: «لا يوَمن عبد حتي يوَمن بالقدر خيره و شره» (جامع الاَُصول، ابن الاَثير الجزري (م606ه) : 10|511، كتاب القدر، الحديث 7552).

(3) الطلاق: 3.

(4) البقرة: 117

207

و قال سبحانه: «فَقضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ». (1) و قال تعالي: «إِنّا كُلّ شَيءٍ خَلْقْناهُ بِقَدر». (2) و قال سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ و ما نُنَزِّلُه إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ». (3) و غيرها من الآيات الحاكية عن قضائه سبحانه بالشيء و إبرامه علي صفحة الوجود.

- - -

(1) فصلت: 12.

(2) القمر: 49.

(3) الحجر: 21

الفصل الثاني عشر: في حقيقة البداء

الفصل الثاني عشر: في حقيقة البداء

الفصل

الثاني عشر في حقيقة البداء إنّ البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء، قال تعالي: «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ* وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا». (1) و البداء بهذا المعني لا يطلق علي اللّه سبحانه بتاتاً، لاستلزامه حدوث علمه تعالي بشيء بعد جهله به. الاعتقاد بالبداء عند أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - تحتلّ مسألة البداء في عقائد الشيعة الاِمامية المكانة الاَُولي و هم تابعون في ذلك للنصوص الواردة عن أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - في تلك المسألة:

1. روي الصدوق (2) بإسناده عن زرارة عن أحدهما، يعني أبا جعفر و أبا عبد اللّه (عليهما السّلام)، قال: «ما عبد اللّه عز و جل بشيء مثل البداء».

- - -

(1) الزمر: 47 48.

(2) التوحيد للصدوق: الباب 54، الحديث 1

209

2 و روي بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه - عليه السلام - قال: «ما عظّم اللّه عز و جل بمثل البداء».

3 و روي بإسناده عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: «ما بعث اللّه عز و جل نبيّاً حتي يأخذ عليه ثلاث خصال: الاِقرار بالعبودية و خلع الاَنداد و انّ اللّه يقدّم ما يشاء و يوَخّر ما يشاء».

4 و عن الريّان بن الصلت، قال: سمعت الرضا - عليه السلام - يقول: «ما بعث اللّه نبيّاً قطّ إلاّبتحريم الخمر و أن يقرّله بالبداء». إلي غير ذلك من مأثوراتهم - عليهم السلام - في هذا المجال موقف الاِمامية في إحاطة علمه تعالي اتّفقت الاِماميّة تبعاً لنصوص الكتاب و السنة و البراهين العقلية علي أنّه سبحانه عالم بالاَشياء و الحوادث كلّها غابرها و حاضرها و مستقبلها، كلِّيِّها و

جزئيِّها و قد وردت بذلك نصوص عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام). قال الاِمام الباقر - عليه السلام - : «كان اللّه و لا شيء غيره و لم يزل اللّه عالماً بما يكون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعدما كوَّنه». (1) و قال الاِمام الصادق - عليه السلام - : «فكلّ أمر يريده اللّه فهو في علمه قبل أن يصنعه ليس شيء يبدو له إلاّ و قد كان في علمه، انّ اللّه لا يبدو له من جهل». (2) إلي غير ذلك من النصوص المتضافرة في ذلك.

- - -

(1) بحار الاَنوار: 4|86، الحديث 23.

(2) بحار الاَنوار: 4|121، الحديث 63

210

حقيقة البداء عند الاِماميّة و بذلك يظهر انّ المراد من البداء الوارد في أحاديث الاِمامية و يعدُّ من العقائد الدينية عندهم ليس معناه اللغوي، أفهل يصحّ أن ينسب إلي عاقل فضلاًعن باقر العلوم و صادق الاَُمّة القول بأنّ اللّه لم يعبد و لم يعظم إلاّ بالقول بظهور الحقائق له بعد خفائها عنه و العلم بعد الجهل؟! كلاّ، كلّ ذلك يوَيّد انّ المراد من البداء في كلمات هوَلاء العظام غير ما يفهمه المعترضون، بل مرادهم من البداء ليس إلاّ انّ الاِنسان قادر علي تغيير مصيره بالاَعمال الصالحة و الطالحة (1) و انّ للّه سبحانه تقديراً مشترطاً موقوفاً و تقديراً مطلقاً و الاِنسان إنّما يتمكّن من التأثير في التقدير المشترط و هذا بعينه قدر إلهي و اللّه سبحانه عالم في الاَزل، بكلا القسمين كما هو عالم بوقوع الشرط، أعني: الاَعمال الاِنسانية الموَثرة في تغيير مصيره و عدم وقوعه. قال الشيخ المفيد (المتوفّي|413ه) : قد يكون الشيء مكتوباً بشرط فيتغير الحال فيه، قال اللّه تعالي: «ثُمَّ قَضي أَجَلاً وَ أَجَلٌ

مُسَمّي عِنْدَهُ». (2) فتبيّن انّ الآجال علي ضربين و ضرب منهما مشترط يصحّ فيه الزيادة و النقصان، ألا تري قوله تعالي: «وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصْ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ». (3)

- - -

(1) سيوافيك انّالنبيّ الاَكرمص حسب ما رواه البخاري استعمل لفظ البداء في نفس ذاك المعني الذي تتبنّاه الاِمامية.

(2) الاَنعام:

2.

(3) فاطر: 11

211

و قوله تعالي: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ و الاََرْضِ». (1) فبيّن انّ آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبرّ و الانقطاع عن الفسوق و قال تعالي فيما أخبر به عن نوح - عليه السلام - في خطابه لقومه: «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً*يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدراراً … ». (2) فاشترط لهم في مدّ الاَجل و سبوغ النعم الاستغفار، فلو لم يفعلوا قطع آجالهم و بتر أعمالهم و استأصلهم بالعذاب، فالبداء من اللّه تعالي يختصّ بما كان مشترطاً في التقدير و ليس هو انتقال من عزيمة إلي عزيمة، تعالي اللّه عمّا يقول المبطلون علوّاً كبيراً. (3) تفسير البداء في ضوء الكتاب و السنة قد اتّضح ممّا تقدّم انّ المقصود بالبداء ليس إلاّ تغيير المصير و المقدّر بالاَعمال الصالحة و الطالحة و تأثيرها في ما قدّر اللّه تعالي لهم من التقدير المشترط و لاِيضاح هذا المعني نشير إلي نماذج من الآيات القرآنية و ما ورد من الروايات في تغيير المصير بالاَعمال الصالحة و الطالحة. ألف. القرآن و تأثير عمل الاِنسان في تغيير مصيره

1. قال سبحانه:

- - -

(1) الاَعراف: 96.

(2) نوح: 10 11.

(3) تصحيح الاعتقاد:

50 و لاحظ أيضاً أوائل المقالات، باب القول في البداء و المشيئة: 52

212

«إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ».

(1)

2 و قال سبحانه: «ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلي قَومٍ حَتّي يُغَيِّروا ما بِأَنْفُسِهِمْ». (2)

3 و قال سبحانه: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ و الاََرْضِ و لكن كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ». (3)

4 و قال سبحانه: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ». (4)

5 و قال سبحانه: «فَلَولا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَومَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلي حِينٍ». (5)

6 و قال سبحانه: «فَلَولا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحينَ* لَلَبِثَفِي بَطْنِهِ إِلي يَوْمِ يُبْعَثُون». (6)

- - -

(1) الرعد:

11.

(2) الاَنفال: 53.

(3) الاَعراف: 96.

(4) إبراهيم:

7.

(5) يونس: 98.

(6) الصافات: 143144

213

7 و قال سبحانه: «وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ و الْخَوفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ». (1) إلي غير ذلك من الآيات. ب. الروايات و تأثير العمل في تغيير المصير

1. روي جلال الدين السيوطي (المتوفّي 911ه) عن علي (عليه السّلام) انّه سأل رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) عن هذه الآية «يَمْحُوا اللّه ما يَشاءُ»، فقال: «لاَقرَّن عينيك بتفسيرها و لاَقرَّن عين أُمّتي بعدي بتفسيرها: الصدقة علي وجهها و برّ الوالدين و اصطناع المعروف، يحوِّل الشقاء سعادة و يزيد في العمر و يقي مصارع السوء». (2)

2 و أخرج الحاكم عن ابن عباس، قال: «لا ينفع الحذر من القدر و لكن اللّه يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر». (3)

3 و قال الاِمام الباقر - عليه السلام - : «صلة الاَرحام تزكّي الاَعمال و تنمّي الاَموال و تدفع البلوي و

تيسّر الحساب و تنسيَ في الاَجل». (4)

- - -

(1) النحل: 112.

(2) الدر المنثور: 4| 66.

(3) نفس المصدر.

(4) الكافي: 2|470

214

4 و قال الصادق - عليه السلام - : «إِنَّ الدُّعَاءَ لَيَرُدُّ الْقَضَاءَ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُذْنِبُ فَيُحْرَمُ بِذنبهِ الرِّزْق . (1) إلي غير ذلك من الاَحاديث المتضافرة المروية عن الفريقين في هذا المجال. النزاع لفظي ممّا تقدّم يظهر انّ حقيقة البداء و هي تغيير مصير الاِنسان بالاَعمال الصالحة و الطالحة ممّا لا مناص لكلّمسلم من الاعتقاد به و إلي هذا أشار الشيخ الصدوق بقوله: «فمن أقرَّ للّه عز و جل بأنّ له أن يفعل ما يشاء و يعدم ما يشاء و يخلق مكانه ما يشاء و يقدِّم ما يشاء و يوَخِّر ما يشاء و يأمر بما شاء كيف شاء، فقد أقرَّ بالبداء و ما عظّم اللّه عز و جل بشيء أفضل من الاِقرار بأنّ له الخلق و الاَمر و التقديم و التأخير و إثبات مالم يكن و محو ما قد كان». (2) فالنزاع في الحقيقة ليس إلاّ في التسمية و لو عرف المخالف انّ تسمية فعل اللّه سبحانه بالبداء من باب المجاز و التوسّع لما شهر سيوف النقد عليهم و إن أبي حتّي الاِطلاق التجوّزي، فعليه أن يتّبع النبيّ الاَعظم (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) حيث أُطلق لفظ البداءعليه سبحانه بهذا المعني المجازي الذي قلنا، في حديث الاَقرع و الاَبرص و الاَعمي، روي أبو هريرة انّه سمع رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل أبرص و أقرع و أعمي، بدا للّه عز و جل أن

- - -

(1) البحار: 93| 288.

(2) التوحيد:

335، الباب 54.

215

يبتليهم». (1) فبأيِّ وجه

فسِّر كلامه (صلّي اللّه عليه و آله و سلم) يفسَّر كلام أوصيائه. فاتّضح بذلك انّ التسمية من باب المشاكلة و انّه سبحانه يعبّر عن فعل نفسه في مجالات كثيرة بما يعبِّر به الناس عن فعل أنفسهم لاَجل المشاكلة الظاهرية، فتري القرآن ينسب إلي اللّه تعالي «المكر و الكيد» و «الخديعة» و «النسيان» و «الاَسف» إذ يقول: «يَكِيدونَ كَيْداً* وَ أَكِيدُ كَيْداً». (2) «وَمَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً». (3) «إِنَّ المُنافِقينَ يُخادِعُونَ اللّهَ و هو خادِعُهُمْ». (4) «نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ». (5) «فَلَمّا آسَفُونَا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ». (6) إلي غير ذلك من الآيات و الموارد و بذلك تقف علي أنّ ما ذكره الاَشعري في «مقالات الاِسلاميّين» و البلغمي في تفسيره و الرازي في المحصَّل و غيرهم حول البداء، لا صلة له بعقيدة الشيعة فيه، فإنّهم فسّروا البداء للّه بظهور ما خفي عليه و الشيعة

- - -

(1) النهاية في غريب الحديث و الاَثر: 1|109، للاِمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمّد الجزري؛ رواه البخاري في صحيحه لاحظ: 4| 172.

(2) الطارق: 15 16.

(3) النمل: 50.

(4) النساء: 142.

(5) التوبة: 67.

(6) الزخرف: 55

216

براء منه، بل البداء عندهم كما عرفت تغيير التقدير المشترط من اللّه تعالي، بالفعل الصالح و الطالح، فلو كان هناك ظهور بعد الخفاء فهو بالنسبة إلينا لا بالنسبة إلي اللّه تعالي، بل هو بالنسبة إليه إبداء ما خفي و إظهاره و لو أطلق عليه البداء من باب التوسع اليهود و إنكار النسخ و البداء ثمّ إنّ المعروف من عقيدة اليهود انّهم يمنعون النسخ سواء كان في التشريع و التكوين، أمّا النسخ في التشريع فقد استدلّوا علي امتناعه بوجوه مذكورة في كتب أُصول الفقه مع الجواب عنها و أمّا النسخ

في التكوين و هو تمكّن الاِنسان من تغيير مصيره بما يكتسبه من الاَعمال بإرادته و اختياره، فقد استدلّوا علي امتناعه بأنّ قلم التقدير و القضاء إذا جري علي الاَشياء في الاَزل استحال أن تتعلّق المشيئة بخلافه و بعبارة أُخري: ذهبوا إلي أنّ اللّه قد فرغ من أمر النظام و جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا كان فلا يمكن للّه سبحانه محو ما أثبت و تغيير ما كتب أوّلاً و هذا المعني من النسخ الذي أنكرته اليهود هو بنفسه كما تري حقيقة البداء بالمعني الذي يعتقده الشيعة الاِمامية كما عرفت، فإنكاره من العقائد اليهودية التي تسرَّت إلي المجتمعات الاِسلامية في بعض الفترات و اكتسي ثوب العقيدة الاِسلامية، مع أنّ القرآن الكريم يردُّ علي اليهود في عقيدتهم هذه و يقول: «يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُوَيُثْبِتُ و عندهُ أُمُّ الْكِتاب». (1) و يقول أيضاً: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ». (2)

- - -

(1) الرعد:

39.

(2) الرحمن: 29

217

و يقول: «أَلا لَهُ الْخَلْقُ و الاََمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمينَ». (1) و الآية مطلقة غير مقيّدة بزمان دون زمان و لاَجل ذلك ينسب إلي اللّه تعالي كلّ ما يرجع إلي الخلق و الاِيجاد و يبيّن ذلك بصيغ فعلية استقبالية دالّة علي الاستمرار في كثير من الآيات الراجعة إلي الخلق و التدبير و قد حكي سبحانه عقيدة اليهود بقوله: «قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَة». (2) فهذا القول عنهم يعكس عقيدتهم في حقّ اللّه سبحانه و انّه مسلوب الاِرادة تجاه كلّ ما كتب و قدّر و بالنتيجة عدم قدرته علي الاِنفاق زيادة علي ما قدّر و قضي، فردّاللّه سبحانه عليهم بإبطال تلك العقيدة بقوله: «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ». (3) و لاَجل ذلك فسّر الاِمام الصادق - عليه

السلام - الآية بقوله: و لكنهم (اليهود) قالوا: قد فرغ من الاَمر فلا يزيد و لا ينقص، فقال اللّه جلّجلاله تكذيباً لقولهم:

«غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْيَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ». ألم تسمع اللّه عز و جل يقول: «يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُوَيُثْبِتُ و عندهُ أُمُّ الْكِتابِ». (4)

- - -

(1) الاَعراف: 54.

(2) المائدة: 64

(3) المائدة: 64.

(4) التوحيد:

الباب 25، الحديث 1

218

و من هنا تعرف أنّ القول بالبداء من صميم الدين و لوازم التوحيد و الاعتقاد بعمومية قدرته سبحانه و انّه من مقاديره و سننه السائدة علي حياة الاِنسان من غير أن يسلب عنه الاختيار في تغيير مصيره، فكما أنّه سبحانه، كل يوم هو في شأن و مشيئته حاكمة علي التقدير و كذلك العبد مختار له أن يغيِّر مصيره و مقدره بحسن فعله و يخرج نفسه من عداد الاَشقياء و يدخلها في عداد السعداء، كما أنّ له عكس ذلك. فاللّه سبحانه: «لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ». (1) فهو تعالي إنّما يغيّر قدر العبد بتغيير منه بحسن عمله أو سوئه و لا يعدّ تغيير التقدير الاِلهي بحسن الفعل أو سوئه معارضاً لتقديره الاَوّل سبحانه، بل هو أيضاً جزء من قدره و سننه. التقدير المحتوم و الموقوف قد أشرنا سابقاً إلي أنّ التغيير إنّما يقع في التقدير الموقوف دون المحتوم و هذا ما يحتاج إلي شيء من البيان فنقول: إنّ للّه سبحانه تقديرين، محتوماً و موقوفاً و المراد من المحتوم مالا يبدّل و لا يغيّر مطلقاً و ذلك كقضائه سبحانه للشمس و القمر مسيرين إلي أجل معيّن و للنظام الشمسي عمراً محدّداً و تقديره في حقِّ كلّ إنسان بأنّه يموت، إلي غير ذلك من السنن الثابتة

الحاكمة علي الكون و الاِنسان و المراد من التقدير الموقوف الاَُمور المقدّرة علي وجه التعليق، فقدّر

- - -

(1) الرعد:

11

219

انّالمريض يموت في وقت كذا إلاّ إذا تداوي، أو أجريت له عمليّة جراحية، أو دعي له و تصدّق عنه و غير ذلك من التقادير التي تغيّر يإيجاد الاَسباب المادّية و غيرها التي هي من مقدّراته سبحانه أيضاً و اللّه سبحانه يعلم في الاَزل كلا التقديرين: الموقوف و ما يتوقف عليه الموقوف و إليك بعض ما ورد عن أئمّة أهل البيت - عليهم السلام - حول هذين التقديرين:

1. سئل أبو جعفر الباقر - عليه السلام - عن ليلة القدر، فقال: تنزل فيها الملائكة و الكتبة إلي سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة … قال: «وأمر موقوف للّه تعالي فيه المشيئة، يقدِّم منه ما يشاء و يوَخِّر ما يشاء» و هو قوله: «يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُوَيُثْبِتُ و عندهُ أُمُّ الْكِتابِ». (1)

2. روي الفضيل قال: سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول: «من الاَُمور أُمور محتومة جائية لا محالة و من الاَُمور أُمور موقوفة عند اللّه يقدِّم منها ما يشاء و يمحو منها ما يشاء: و يثبت منها ما يشاء». (2)

3 و في حديثٍ قال الرضا - عليه السلام - لسليمان المروزي: «يا سليمان انّمن الاَُمور أُموراً موقوفة عند اللّه تبارك و تعالي يقدِّم منها ما يشاء و يوَخِّر ما يشاء». (3)

- - -

(1) بحار الاَنوار: 4|102، باب البداء، الحديث 14، نقلاً عن أمالي الطوسي.

(2) المصدر السابق: 119، الحديث 58.

(3) نفس المصدر: 95، الحديث 2

220

تفسير جوامع الجامع (سوره توبه)

سوره توبه

سوره توبه

اين سوره مدني ست و تعداد آيات آن در مكتب كوفي 129 و در مكتب بصري 130 آيه است، زيرا بصريها

بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ را آيه اي مستقل دانسته اند.

امام صادق عليه السّلام فرموده است:

«انفال» و «برائت» هر دو يك سوره است، علي عليه السّلام فرموده است:

آيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

بر آغاز اين سوره نازل نشده و دليلش اين است كه «بسم اللَّه» در مورد امان و رحمت است و حال آن كه سوره برائت، براي عذاب و شمشير، نازل شده است.

بعضي گفته اند:

دو سوره «انفال» و «توبه» در گذشته قرين همديگر و هفتمين سوره از سوره هاي هفتگانه طولاني ناميده مي شد.

آيات 1 تا 4

آيات 1 تا 4

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَي الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَي النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلي مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)

1ترجمه:

اين اعلان بيزاريست از طرف خداوند و پيامبرش، براي مشركاني كه شما با آنها، عهد و پيمان بسته ايد. (1)

پس اي مشركان، چهار ماه در زمين به سير و سياحت بپردازيد و بدانيد كه شما نمي توانيد خدا را ناتوان سازيد و همانا خداوند، خواركننده كافران است. (2)

اعلاميه ايست از خدا و رسولش به مردم در روز حج اكبر، كه خداوند و پيامبرش از مشركان بيزارند، پس اگر توبه و بازگشت نماييد، آن براي شما بهتر است و اگر سرپيچي كنيد بدانيد كه شما قدرت به ناتوان ساختن خدا

نداريد (كه از قلمرو قدرتش خارج شويد) و كافران را به مجازات دردناك بشارت و مژده بده (3)

مگر كساني از مشركان كه با آنها پيمان بستيد و چيزي از پيمان شما نكاستند و كسي را بر ضدّتان تقويت نكردند، پيمانشان را تا پايان مدّت محترم شماريد، زيرا خداوند پرهيزكاران را دوست مي دارد. (4)

تفسير:

بَراءَةٌ خبر مبتداي محذوف است و «من» براي ابتداي غايت و معناي عبارت اين است:

اين آيات اعلان بيزاريست از جانب خدا و پيامبرش به سوي آنان كه شما با ايشان عهد بسته ايد.

و مي توان گفت:

«براءة» مبتداست (اگرچه نكره است امّا به وسيله صفت كه ما بعدش مي باشد، تخصيص يافته) و «إِلَي الَّذِينَ عاهَدْتُمْ» خبر آن است، مثل: رجل

2من قريش في الدار (1) و بنا بر وجه دوم معناي آيه چنين است:

«خدا و رسولش از عهدي كه با مشركان بسته ايد بيزارند و پيمان آنها به سوي خودشان افكنده شده است».

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ … خطاب به مشركان است:

امر شده اند كه چهار ماه حرام را هر جا دوست دارند در روي زمين به سير و سياحت بپردازند و هيچ كس متعرّض آنها نمي شود، زيرا ماه هاي حرام هنگام أمن و خودداري از جنگ و كشتار است و بعضي گفته اند اين سوره در ماه شوّال سال نهم هجرت نازل شد. منظور از اين ماه هاي چهارگانه، شوّال، ذي قعده، ذي حجّه و محرّم است و بعضي گفته اند مراد از چهار ماه، بيست روز از ذي حجّه و ماه هاي كامل محرّم، صفر و ربيع الأول و ده روز هم از ماه ربيع الآخر مي باشد.

فلسفه حرمت اين ماهها آن است كه مردم در اين مدت در امان باشند و قتل و كشتار

آنان ممنوع باشد و همين وجه بهترين وجه است.

تمام مفسّران بر اين موضوع اتّفاق نظر دارند كه وقتي اين آيات نازل شد پيامبر اكرم صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم نخست آنها را تسليم ابو بكر كرد و سپس از او گرفت و به علي عليه السّلام داد، هر چند در تفصيل اين داستان مختلف سخن گفته اند و ما آن را در كتاب كبير مجمع البيان شرح داده ايم.

امام باقر عليه السّلام مي فرمايد:

امام علي عليه السّلام روز عيد قربان در حالي كه شمشيرش را كشيده بود مردم را مورد خطاب قرار داد و فرمود:

نبايد برهنه اي خانه خدا را طواف كند و نه مشركي عمل حج را انجام دهد. هر كس در اين امر براي مدّتي قرار و پيماني گرفته تا آخر اين مدّت اجازه دارد و پس از آن قرارش لغو مي شود و كساني كه چنين قراري ندارند، فقط تا چهار ماه مهلت دارند و سپس آيات سوره برائت را

- - -

1 - رجل مبتدا، «من قريش» صفت، «في الدار» جارّ و مجرور، خبر.

3بر آنان قرائت فرمود. بعضي گفته اند سيزده آيه از اوّل سوره و برخي گفته اند:

سي يا چهل آيه را خواند.

وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ از يد قدرت او نمي توانيد فرار كنيد، اگرچه زماني شما را مهلت دهد.

وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ خداوند كافران را خوار مي سازد، در دنيا به وسيله كشتن و در آخرت با كيفر دادن و معذّب ساختن.

وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ دليل رفع «أذان» عينا همان است كه در كلمه «براءة» قبلا ذكر شد و جمله هم عطف بر همان جمله است و كلمه «اذان» به معناي «ايذان» است، چنان

كه «امان» و «عطا» به معناي «ايمان و اعطاء» مي باشد، معناي جمله نخست، إخبار به ثبوت برائت است و دومي إخبار به وجوب اعلام برائت كه از سوي خدا و پيغمبرش درباره معاهدان و پيمان شكنان صادر شده، به همه مردم، چه آنان كه عهد و ميثاقي بسته اند و چه آنها كه چنين پيماني نبسته اند.

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مراد روز عرفه است و بعضي گفته اند، روز عيد قربان است زيرا در اين روز حج كامل مي شود و اعمال مهمّش به اتمام مي رسد. مردي آمد خدمت مولا علي عليه السّلام زمام مركبش را گرفت و پرسيد:

حجّ اكبر چيست؟

حضرت فرمود:

يومك هذا، خل عن دابتي. (1) أَنَّ اللَّهَ بَرِي ءٌ حرف «با» به دليل تخفيف، (از كلمه بأنّ اللَّه) حذف گرديده، ولي بندرت إنّ اللَّه به كسره همزه نيز خوانده شده، به اين دليل كه «اذان» به معناي «قول» است.

وَ رَسُولِهِ عطف است بر ضمير مستتر در «بري ء» يا بر محلّ «انّ» مكسوره با اسمش و بعضي آن را به نصب خوانده اند بنا بر اين كه عطف بر اسم «إنّ» و يا اين كه

- - -

1 - حج اكبر همين امروز است، زمام مركب مرا رها كن.

4 «واو» به معناي «مع» باشد.

فَإِنْ تُبْتُمْ اگر از كفر و فريبكاري توبه كنيد و برگرديد، بهتر است از اين كه در آن باقي بمانيد.

وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ و اگر به ايمان و اعتقاد پشت كنيد:

فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ نمي توانيد از خدا سبقت گيريد و از كيفر و عذابش خود را وارهانيد.

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اين جمله، استثنا از جمله «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ» است، زيرا استثنا به معناي استدراك است و معناي آيه چنين

مي شود:

امّا آنان كه پيمانها را نشكسته اند و هيچ چيز از شرايط عهد و ميثاق را كم نكرده اند و هيچ كس از دشمنان را بر شما نشورانيده اند پيمانها را كه با آنها بسته ايد تا پايان مدت برقرار داريد و ارزش وفا كننده به عهد را همانند فريبكار ندانيد.

آيات 5 تا 6

آيات 5 تا 6

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)

ترجمه:

پس هر گاه كه ماه هاي حرام به پايان رسيد، هر جا كه مشركان را يافتيد آنها را بكشيد و دستگيرشان سازيد و آنها را در محاصره قرار دهيد و هر جا در كمين آنان بنشينيد، اگر توبه كردند و نماز بپا داشتند و زكات دادند آنها را به راهشان رها كنيد، زيرا كه خداوند بسيار بخشنده و آمرزنده است. (5)

هر گاه يكي از مشركان به تو پناه برد، او را پناه ده تا سخن خداي را بشنود و سپس او را به محل امنش برسان، زيرا آنها مردمي ناآگاه مي باشند. (6)

تفسير:

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ منظور از أشهر، ماههاييست كه به پيمان شكنان اجازه داده شده است كه در روي زمين آزاد باشند.

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ پس از گذشتن وقت مهلت، مشركان را به قتل رسانيد:

در هر كجا و هر حال كه باشند:

در حرم يا جاي ديگر، در حال احرام يا حالات ديگر، آنها را از دم شمشير بگذرانيد.

وَ خُذُوهُمْ دستگيرشان كنيد. «أخيذ» به معناي اسير است.

وَ احْصُرُوهُمْ آنها

را در بند كنيد و از برخورداري نسبت به آزاديها منعشان سازيد.

بعضي گفته اند معنايش اين است:

نگذاريد به مسجد الحرام درآيند.

وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ در هر گذرگاه و ميان هر جادّه اي مراقب آنها باشيد.

كُلَّ مَرْصَدٍ ظرف و منصوب است، مثل: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (1) كه صراطك ظرف و منصوب.

فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (پس از آن كه توبه كردند و … ) آنها را به حال خود بگذاريد تا هر جا كه مي خواهند به آزادي بگردند، دست از آنها برداريد و متعرّضشان نشويد، يا اين كه بگذاريد اعمال حجّ را انجام دهند و در مسجد الحرام داخل شوند.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ خداوند گناهان گذشته آنها را از قبيل كفر و فريبكاريشان مي آمرزد.

- - -

1 - اعراف / 16: در سر راه راست تو، براي آنها به كمين مي نشينم - م.

6 «احد» اين كلمه مرفوع به فعل شرط مقدر كه فعل بعدي مفسّر آن است و در تقدير اين گونه است:

و ان استجارك احد استجارك: معناي آيه چنين است:

اگر يكي از مشركان پس از انقضاي مدت مهلت كه پيماني ميان تو و او نيست به سوي تو بيايد و درخواست امان كند تا اين كه آنچه از قرآن و دين را كه مردم را به آن دعوت مي كني، بشنود، او را امان ده تا سخن خدا را استماع كند و آن را مورد تفكّر و انديشيدن قرار دهد، زيرا محكمترين دلائل و براهين در قرآن است.

ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ و سپس، اگر اسلام نياورد او را به خانه اش كه محلّ امن اوست برسان و بعد اگر خواستي بدون فريبكاري و خيانت با او جنگ را آغاز كن و اين

حكم براي هميشه برقرار است.

«ذلك» اين دستور كه بايد او را پناه دهي به اين دليل است كه آنها مردمي نادانند يعني از ايمان و دين چيزي نمي فهمند بنا بر اين بايد آنها را امان دهي، تا سخن حق را بشنوند و آگاه شوند.

آيات 7 تا 8

آيات 7 تا 8

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبي قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8)

ترجمه:

چگونه براي مشركان در نزد خدا و رسولش پيماني خواهد بود؟ مگر براي كساني كه نزد مسجد الحرام با آنها پيمان بستيد، پس تا هر زمان كه آنان در برابر شما، وفادار باشند، شما نيز وفاداري كنيد كه

7خداوند پرهيزكاران را دوست مي دارد. (7)

چگونه برايشان پيماني است، در حالي كه اگر بر شما غالب شوند، نه ملاحظه خويشاوندي با شما را مي كنند و نه پيمان را، شما را با زبانهايشان خشنود مي كنند ولي دلهايشان با آن مخالف است و بيشتر آنها اهل فسقند. (8)

تفسير:

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ چگونه براي آنها عهد و پيماني درست و صحيح به وجود مي آيد؟ بلكه با فريب و نيرنگي كه در باطن آنهاست و نيّت بر هم زدن آن را دارند، محال است كه پيمانشان پابرجا بماند و شما چنين اميدي به آنان نداشته باشيد.

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ اما كساني از آنها را كه در مسجد الحرام با ايشان عهد بستيد و پيمان شكني از آنها ظاهر نشده، مثل بني كنانه و بني ضمره، پس در انتظار وضع آنان باشيد و

با ايشان جنگ نكنيد.

فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ تا موقعي كه آنان بر سر پيمان خود پابرجا باشند، شما نيز هم چنان به شرايط عهد خود با آنها وفادار باشيد.

كَيْفَ تكرار اين كلمه به اين دليل است كه برقرار ماندن مشركان بر سر پيمان خود بعيد به نظر مي آيد و فعلش به دليل وجود قرينه حذف شده است. معناي آيه اين است:

چگونه براي آنان عهدي برقرار مي شود و حال آن كه اگر بر شما دست يابند و غلبه پيدا كنند، با سابقه ايمان و پيمانها كه از شما دارند، نه ملاحظه خويشاوندي با شما را دارند و نه عهد و پيماني را لحاظ مي كنند:

لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا «ال» : خويشاوندي، قرابت. چنان كه حسّان بن ثابت در شعر خود مي گويد:

8• لعمري ان الك من قريش

• كال السقب من رأل النعام (1)

بعضي گفته اند كلمه «ال» به معناي «سوگند» و بعضي گفته اند به معناي «معبود» است.

يُرْضُونَكُمْ خداوند با اين فعل به وصف حال مشركان پرداخته كه باطنشان مخالف با ظاهرشان مي باشد.

وَ تَأْبي قُلُوبُهُمْ منظور اين است كه كينه هايي كه در دلهايشان نهان دارند، با سخنان زيبايي كه بر زبان مي رانند مخالف است.

وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ بيشتر آنها در كفر و شرك افراط مي كنند و مروّت و مردانگي ندارند كه آنان را از اين امور بازدارد چنان كه در بعضي كافران ديده مي شود كه از آنچه باعث آبروريزي مي شود عفّت مي ورزند و از خلف وعده و پيمان شكني خودداري مي كنند.

آيات 9 تا 13

آيات 9 تا 13

اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا

وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)

- - -

1 - به جانم سوگند كه خويشي تو، با قريش مانند خويشي بچّه شتر، با شترمرغ زاده است. حسّان از قبيله خزرج، حدود سال 563 م. در مدينه متولد شد، سرآمد شاعران زمان بود، خدماتش نسبت به پيغمبر اكرم روشن است. او، در ردّ شاعران بي دين كه آن حضرت را هجو مي كردند شعر مي گفت. در صد و بيست سالگي از دنيا رفت نخستين كسيست در اسلام كه شعر ديني سرود در قصايدش آيات قرآن را بسيار آورده است. ارزش مهم شعر او آن است كه منبع مصادر تاريخ اسلام است.

تصحيح گرجي نقل از دائرة المعارف اسلامي، 7 / 376 - م …

9ترجمه:

اينها آيات خدا را به بهاي اندكي فروختند و (مردم) را از راه او، بازداشتند، آنها كارهاي بدي انجام مي دادند. (9)

درباره هيچ مؤمني رعايت خويشاوندي و پيمان را نمي كنند و اينها تجاوزكارانند. (10)

پس اگر توبه كنند و نماز بپاي دارند و زكات بدهند، برادران ديني شما خواهند بود و ما آيات خود را براي گروهي كه مي دانند شرح مي دهيم. (11)

و اگر پيمانهاي خود را پس از استحكام بشكنند و آيين شما را مورد طعن قرار دهند، با پيشوايان كفر پيكار كنيد، زيرا آنها پيماني ندارند، شايد از اين كارشان دست بردارند. (12)

چرا با

مردمي كه پيمانهايشان را شكستند و تصميم به بيرون راندن پيامبر گرفتند، نمي جنگيد و حال آن كه آنها نخستين مرتبه با شما آغاز به جنگ كردند، آيا از آنها مي ترسيد، با اين كه خداوند سزاوارتر است كه از او ترس داشته باشيد، اگر مؤمن هستيد. (13)

تفسير:

اشْتَرَوْا … آيات الهي را كه عبارت از قرآن و اسلام است به بهايي اندك كه پيروي از هوا و هوس است تبديل كردند و در نتيجه از راه خدا منحرف شدند و ديگران را هم منحرف ساختند.

الْمُعْتَدُونَ ستمكاراني كه در نهايت تجاوز و كفر قرار گرفته باشند.

10

فَإِنْ تابُوا اگر از كفر و پيمان شكني خود، توبه كنند. برادران ديني شمايند. در اين عبارت مبتدا محذوف است و تقدير چنين است:

فهم اخوانكم.

وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ ما اين آيات را به تفصيل بيان مي كنيم و اين جمله به عنوان تعريض است كه گويا خداوند مي فرمايد:

تنها كسي كه در تفصيل آيات الهي بينديشد، عالم و داناست نه غير او.

وَ إِنْ نَكَثُوا و اگر پس از بستن عهدها، آنها را بشكنند و به عيب جويي در دين شما قد علم كنند.

فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ پس با آنها به جنگ و قتال برخيزيد.

در اين آيه با اين كه امكان داشت به جاي «ائمة الكفر» ضمير «هم» بياورد امّا اسم ظاهر آورده تا بفهماند وقتي كه آنان در حالت شرك از روي تمرّد، خوي بزرگان عرب را ترك و نقض عهد و پيمان كردند و سپس ايمان آوردند:

نماز را بپا داشتند و زكات را ادا كردند و براي مسلمانان برادران ديني شدند و پس از اين مرحله، از اسلام برگشتند و مرتدّ شدند و در نتيجه عهد و پيماني

را كه همان بيعت ديني ست برهم زدند و دين خدا را مورد طعن قرار دادند، در اين صورت، اينها سردمداران كفر و ضلالت و پيشگامان در اين ورطه خواهند بود.

از حذيفه نقل شده است كه اهل اين آيه يعني مصاديق آن، هنوز نيامده اند و نيز امير المؤمنين عليه السّلام اين آيه را در روز جنگ جمل قرائت كرد و سپس فرمود:

اي مردم به خدا سوگند رسول خدا به من سفارش كرد و فرمود:

علي جان! در آينده نزديك با گروه هاي پيمان شكن، طغيانگر و اهل نفاق، به جنگ و جدال، درگير خواهي شد. (1) إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ براي آنها عهد و پيماني نيست، يعني عهد و پيمانشان را

- - -

1 - اما و اللَّه لقد عهد الي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم و قال لي: يا عليّ لتقاتلن الفئة النّاكثة و الفئة الباغية و الفئة المارقة.

11

رعايت نمي كنند.

بعضي از قرّاء، اين كلمه را «إيمان» بكسر همزه خوانده اند و معنايش اين است.

پس از پيمان شكني و ترك ديانت، به آنها اماني داده نمي شود، يا اين كه در حقيقت براي آنها، نه اسلام و نه ايماني ست و به اظهار ايمانشان اعتباري نيست.

لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ اين جمله متعلق به فعل: «قاتلوا» است:

بايد غرض شما را از جنگ با پيشوايان كفر اين باشد كه آنان از تمرّد و پيمان شكني خود دست بردارند و اين دستور خداوند، دليل بر زياد بودن فضل و كرامت اوست.

أَ لا تُقاتِلُونَ همزه براي (استفهام) تقرير (ي) است و مقصود از آن، تشويق مؤمنان به جنگ با كافران است.

نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ پيمانهايي را كه بسته بودند، شكستند.

وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ تصميم آنها براي بيرون راندن پيامبر

از مكّه، موقعي تحقق يافت كه درباره آن با يكديگر مشورت كردند و خداوند به آن حضرت دستور به هجرت فرمود و حضرت از آنجا بيرون رفت.

وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ آنها جنگ با شما را آغاز كردند و هر كس آغاز به جنگ كند ستمكارتر است، پس چه چيز شما را مانع مي شود از اين كه هم چنان با آنها بجنگيد؟

أَ تَخْشَوْنَهُمْ در اين عبارت خداوند مسلمانان را سرزنش مي كند از اين كه با كافران نمي جنگند و بر ترسشان از اين امر توبيخشان مي فرمايد.

فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ پس خدا سزاوارتر است كه بايد از او ترسيد.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ چرا كه مؤمن از هيچ كس جز خدا نمي ترسد.

آيات 14 تا 16

آيات 14 تا 16

قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلي مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16)

12

ترجمه:

با آنها پيكار كنيد، تا خداوند آنان را به دست شما مجازات كند و آنها را رسوا و شما را بر آنها پيروز گرداند و سينه هاي گروهي از مؤمنان را شفا بخشد. (14)

و خشم دلهاي مؤمنان را از ميان ببرد و خداوند توبه هر كس را كه بخواهد مي پذيرد و خداوند بسيار دانا و درستكار است. (15)

(1) آيا گمان كرديد كه به حال خود رها مي شويد، در حالي كه هنوز كساني از شما كه جهاد كردند و جز خدا و رسولش و مؤمنان را محرم اسرار انتخاب

نكردند، مشخص نشده اند؟ و خداوند به آنچه انجام مي دهيد آگاه است. (16)

تفسير:

خداوند پس از آن كه در آيات قبل مؤمنان را براي ترك مقاتله با پيمان شكنان و مشركان توبيخ كرد، اكنون در اين آيات تأكيد مي كند كه حتما با آنها كارزار كنيد و پس از امر به قتال به آنها وعده مي دهد كه دشمنانشان را به دست آنها با كشته شدن كيفر مي كند و به ذلّت اسيري دچارشان مي سازد و مؤمنان را بر آنها پيروز مي نمايد و دلهاي سوخته گروهي از مؤمنان را كه قبيله «خزاعه» (2) مي باشد شفا مي دهد و سرد و

- - -

1 - در ترجمه اين آيه بيشتر از مجمع البيان ترجمه رسولي محلّاتي استفاده شده، زيرا تفسير نمونه چنان معني كرده است كه با مضارع مجزوم در جواب امر، درست درنمي آيد - م.

2 - استاد گرجي از صحاح نقل كرده:

خزاعه، قبيله ايست از «أزد» كه چون از مكّه خارج شدند تا اين كه جاهاي ديگر بروند خزاعه با آنها مخالفت كردند و همانجا مقيم شدند، خزع: مخالفت كرد - م.

13

خنك مي سازد. ابن عباس گفته است كه مراد از اين گروه، طوايفي از يمن، هستند كه به مكّه آمده و مسلمان شده بودند و به اين جهت تحت شكنجه و آزار مشركان قرار گرفته بودند. رسول خدا آنها را دلداري داد و فرمود:

«مژده باد شما را كه گشايش نزديك است». (1) وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ خشم دلهاي مؤمنان را كه از كثرت آزار مشركان به وجود آمده، با اين ياري و پيروزي از بين ببرد، پوشيده نيست كه تمام اين وعده ها نصيب اهل ايمان شد و اين خود يكي از دلايل صحت نبوت

پيغمبر اسلام بود.

وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلي مَنْ يَشاءُ اين جمله مستأنفه و آغاز سخن است و خبر مي دهد كه بزودي خداوند از كفر بعضي مردم اهل مكّه مي گذرد و توبه آنها را مي پذيرد و اين نيز تحقّق يافت و بسياري از آنها اسلام آوردند.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ خداوند همان طور كه به امور گذشته علم دارد، به آنچه كه در آينده نيز واقع مي شود علم و آگاهي دارد. «حكيم» : هيچ كاري را انجام نمي دهد مگر اين كه در آن، حكمت و مصلحتي است.

«ام» (2) منقطعه است و از همزه آن معناي توبيخ استفاده مي شود و خلاصه معناي آيه اين است كه: اي مردم شما هرگز به حال خود واگذار نمي شويد تا هنگامي كه اهل اخلاص از شما مشخّص و ممتاز شوند و آنها كساني اند كه در راه خدا و براي خدا به جهاد مي پردازند.

وَ لَمْ يَتَّخِذُوا … وَلِيجَةً غير از خدا و پيامبر و مؤمنان، ديگري را به دوستي نمي گيرند كه تمام اسرار زندگي خود را براي آنها فاش كنند.

- - -

1 - أبشروا فانّ الفرج قريب.

2 - حرف عطف است كه جمله استفهامي را بر استفهام ديگر عطف مي كند و در اين آيه، جمله عطف شده است بر جمله: «أَ لا تُقاتِلُونَ» كه در آيه قبل ذكر شده است، از تفسير نمونه.

14

وَ لَمَّا معناي اين كلمه «توقع» است و دلالت مي كند بر اين كه تشخيص ميان اين گروه مؤمنان و روشن شدن مطلب، امريست مورد توقّع و انتظار.

وَ لَمْ يَتَّخِذُوا اين جمله عطف است بر «جاهدوا» و داخل در صله «الذين» مي باشد كه گويا چنين گفته است:

«و لما يعلم» خداوند علم به اين ندارد

كه در ميان شما، كوشش كنندگان و اهل اخلاصي وجود داشته باشد، جز آنها كه غير از خدا دوستاني گرفته اند. «وليجة» بر وزن فعيله از «ولج» است يعني دوست و صاحب اختيار. مثل «دخيل» از «دخل».

منظور از نفي علم خدا، نفي معلوم است:

چنين اشخاصي وجود ندارند مثل: ما علم اللَّه ما قيل في فلان: خدا نمي داند چيزي را كه درباره فلاني گفته شده است، يعني چيزي در اين باره يافت نمي شود و تحقق نيافته است.

آيات 17 تا 18

آيات 17 تا 18

ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلي أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَي الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسي أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)

ترجمه:

مشركان حق ندارند كه مساجد خدا را تعمير كنند در حالي كه به كفر خود گواهي مي دهند، آنها اعمالشان نابود شده و در آتش جاودانه خواهند ماند. (17)

مسجدهاي خدا را تنها كسي آباد مي كند كه ايمان به خدا و روز قيامت آورده و نماز را بپا دارد و زكات را بپردازد و جز از خدا نترسد، اميد است كه اين گونه افراد از هدايت

15

يافتگان باشند. (18)

تفسير:

ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ براي مشركان درست نيست و پايدار نمي ماند كه مساجد الهي را آباد كنند.

أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ مراد تعمير كردن مسجد الحرام است و علّت جمع آوردن «مساجد» وجوهي است:

1 - اين كه هر نقطه اي از مسجد الحرام، خود مسجدي است.

2 - مسجد الحرام قبله تمام مسجدهاست پس هر كس آن را آباد كند، گويي تمام مسجدها را آباد كرده است.

3 - جنس مسجدها

اراده شده پس مقدمترين و بالاترين همه آنها در اين حكم داخل است و بعضي از قرّاء «مسجد اللَّه» به صورت مفرد خوانده اند.

شاهِدِينَ اين كلمه حال است از «واو» در «يعمروا» و معناي اين كه مشركان، بر ضرر خود به كفر خود شهادت مي دهند آن است كه كفرشان ظاهر و آشكار است و بتهاي خود را بر اطراف خانه كعبه نصب كرده و دور آن با حالت عريان طواف مي كردند و هر بار كه دور خانه مي گشتند، براي آن سجده مي كردند و بعضي گفته، چنين مي گفتند:

لبّيك لا شريك لك، الّا شريك هو لك، تملكه و ما ملك. (1) روايت شده است كه مؤمنان مهاجر و انصار، اسيراني را كه از مشركان در جنگ بدر گرفته بودند ملامت و سرزنش مي كردند، حضرت علي عليه السّلام عمويش عباس را به دليل جنگ با رسول خدا و قطع رحم توبيخ كرد. عباس در جواب گفت:

بديهاي ما را به خاطر مي آوريد امّا خوبيهايمان را كتمان مي كنيد؟ مهاجرين و انصار گفتند:

مگر

- - -

1 - پاسخ مي دهم تو را اي خدا كه شريكي برايت نيست، جز شريكي كه خودت هستي و مالك شريك و مالك تمام ما يملك شريك، خودت هستي.

16

شما نيكي هم داريد؟ اسيران گفتند:

آري، ما مسجد الحرام را آباد مي كنيم و پرده داري كعبه را بر عهده داريم و حاجيان را آب مي دهيم و اسير آزاد مي كنيم، اين جا بود كه آيه ذيل نازل شد:

أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ كارهاي عبادي مشركان از قبيل عمارت مسجد، سقايت حاج و پرده داري كعبه و آزاد كردن بردگان، باطل و بي ارزش است.

إِنَّما يَعْمُرُ تعمير مسجد، تنها از مؤمنان پذيرفته است. مراد از تعمير مسجد پايه ريزي

و ترميم خرابيها و پاك ساختن و تنظيف آن و روشن كردن چراغهايش مي باشد و شامل آباد كردن آن با عبادت و ذكر نيز مي شود و مقصود از «ذكر» ياد گرفتن و ياد دادن علوم است بلكه اين امر، بهترين و مهمترين مصداق ذكر است و آباد كردن مسجد شامل خودداري از سخنان اضافي و بي فايده در آن جا نيز مي شود.

در حديث آمده است كه در آخر الزّمان مردمي از امت من به وجود خواهند آمد كه بيايند در مسجد دور هم بنشينند و ذكرشان دنيا و دوستي آن باشد، با اينها همنشيني نداشته باشيد، خدا هم به آنها نيازي ندارد. (1) وَ لَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ اين گونه اشخاص در باب دين و تقوا، غير از خداي تعالي از هيچ كس بيم و هراسي ندارند و بر رضايت و خشنودي او، رضايت ديگري را تقديم نمي دارند.

آيات 19 تا 22

آيات 19 تا 22

أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)

- - -

1 - يأتي في آخر الزّمان ناس من امّتي، ياتون المساجد، يقعدون فيها حلقا، ذكرهم الدنيا و حبّ الدنيا، لا تجالسوهم فليس للَّه بهم حاجة.

17

ترجمه:

آيا آب دادن حاجيان و آباد ساختن مسجد الحرام را همانند كسي قرار داديد كه ايمان به خدا

و روز قيامت آورده و در راه او جهاد كرده است؟

اينها هرگز مساوي نيستند و خداوند، مردم ستمكار را هدايت نمي كند. (19)

آنها كه ايمان آوردند و هجرت كردند و با ثروتها و جانهايشان در راه خدا جهاد كردند، مقامشان در نزد خدا برتر است و همين ها رستگارانند. (20)

پروردگارشان آنها را به رحمتي از خود و خشنودي و باغهاي بهشتي كه در آن براي ايشان نعمتهاي جاودانه است، بشارت مي دهد. (21)

همواره و تا ابد در اين باغها، خواهند بود، چرا كه نزد خداوند، پاداشي عظيم است. (22)

تفسير:

تقدير آيه اين است:

ا جعلتم اهل سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام، كمن آمن باللّه «آيا سيرآب كنندگان حجاج و آبادكنندگان مسجد را، مانند كسي قرار داديد كه به خدا و … ايمان آورده است … » و مؤيد اين تقدير، قول كسيست كه چنين خوانده است:

سقاة الحاج و عمرة المسجد الحرام. (1) خلاصه در اين آيه، تشبيه اهل شرك و اعمال باطل آنها را به مؤمنان و كارهاي درست آنها، امري ناپسند شمرده و تساوي و

- - -

1 - آب دهندگان حجاج و آبادكنندگان مسجد - م.

18

هم سنگي آنان را زشت دانسته است و اين همانند قرار دادن را كه از ناحيه خود كفار برخاسته است خداوند، ظلمي ديگر علاوه بر كفرشان ناميده است و سپس در عظمت مقام مؤمناني كه كارهاي برشمرده در آيه را انجام داده اند، مي فرمايد:

أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ اينها از غيرشان: مؤمنهايي كه اهل اين كارها نيستند، نزد خداوند درجاتي بالاتر دارند و همين ها «فايز» اند يعني فوز و رستگاري ويژه اينهاست. در آخر آيه كلماتي را كه مورد بشارت واقع شده اند، نكره آورده:

«رحمة» «رضوان» «نعيم» «مقيم»،

زيرا اين امور برتر از آنند كه به توصيف وصف كننده درآيند يا در تعريف معرف گنجانده شوند.

آيات 23 تا 24

آيات 23 تا 24

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَي الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24)

ترجمه:

اي اهل ايمان اگر پدران و مادران شما، كفر را بر ايمان ترجيح دهند آنها را ولي خود قرار ندهيد و كساني كه آنها را اولياء خود قرار دهند، ظالم و ستمگرند. (23)

بگو:

اگر پدران و فرزندان و برادران و همسران و طايفه شما و ثروتهايي كه بدست آورده ايد و تجارتي كه از كساد شدنش بيم داريد و مسكنهاي مورد علاقه شما، در نظرتان

19

از خدا و پيامبرش و جهاد در راه او محبوبتر است، در انتظار اين باشيد كه خداوند عذابش را بر شما نازل كند و خداوند گروه نافرمانبردار را هدايت نمي كند. (24)

تفسير:

وقتي كه مؤمنان به هجرت مأمور شدند و تصميم گرفتند كه حركت كنند، بعضي را همسرانشان و بعضي را پدر و مادر و فرزندانشان از سفر ممانعت مي كردند و آنها نيز به خاطر اين خويشاوندان، مهاجرت را ترك مي كردند. اين بود كه خداوند براي آنها توضيح داد كه امر دين بر خويشاوندي و نسب مقدّم است و هر گاه براي امر ديني لازم باشد كه آدمي با پدر و مادر و فرزندانش قطع رابطه كند، در

مورد رابطه با اجنبي اولي و سزاوارتر است.

إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ اگر كفر را برگزينند و آن را بر ايمان ترجيح دهند، در حديث آمده است:

لا يجد احدكم طعم الايمان حتّي يحب في اللَّه و يبغض في اللَّه

«هيچ كس از شما طعم ايمان را نمي چشد، مگر اين كه دوستي و دشمني اش فقط براي خدا باشد».

وَ عَشِيرَتُكُمْ «عشرتكم» به صورت مفرد، هم خوانده شده است. (1) فَتَرَبَّصُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ اين جمله تهديد است چنان كه «حسن» گفته است:

خداوند در اين قسمت اين گروه را به كيفري دنيوي يا اخروي ترسانده و در اين آيه، مؤمن به شدّت موظّف شده است كه به خاطر دين از پدر و مادر و فرزندان و اهل و قبيله خود و تمام بهره هاي دنيوي صرف نظر كند.

پروردگارا ما را بر آنچه موافق خشنودي خودت مي باشد موفق دار، تا دورتران را

- - -

1 - استاد گرجي از كشّاف نقل كرده است «عشيرتكم و عشيراتكم»، نيز خوانده شده و حسن عشائركم خوانده است.

20

براي تو دوست و نزديكان را به خاطر تو دشمن داريم.

آيات 25 تا 27

آيات 25 تا 27

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلي رَسُولِهِ وَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلي مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)

ترجمه:

خدا شما را در بسياري از مكانها ياري فرمود و در روز (جنگ) حنين، وقتي كه فراواني جمعيّتتان، شما را به شگفتي درآورده بود و

هيچ مشكلي را براي شما حل نكرد و زمين با همه وسعتش بر شما تنگ شد پس پشت كرده فرار نموديد. (25)

سپس خداوند آرامش خود را بر پيامبرش و مؤمنان نازل فرمود و لشكرهايي را فرستاد كه شما آنها را نمي ديديد و كساني را كه كافر بودند كيفر كرد و اين بود سزاي كافران. (26)

پس خداوند، بعد از اين توبه هر كس را بخواهد مي پذيرد و خداوند آمرزنده و مهربان است. (27)

تفسير:

«مواطن» ميدان هاي جنگ و موقعيّتهاي آن. «حنين» سرزميني ست ميان مكّه و طائف كه در آنجا جنگ مسلمانان، با كفّار هوازن و ثقيف واقع شد. مسلمانان دوازده هزار نفر بودند كه ده هزار از مسلمانان پر و پا قرصي بودند كه در فتح مكّه حاضر

21

بودند و دو هزار هم از «طلقا» و آزادشدگان مكّه به آنان پيوسته بودند امّا افراد هوازن و ثقيف با تمام افراد ديگر كه از كفّار به آنها پيوسته بودند چهار هزار نفر بودند.

وقتي دو گروه در مقابل هم قرار گرفتند. مردي از مسلمانان كه از بسياري مسلمين و قلّت كفّار خوشحال شده بود گفت:

هرگز امروز مغلوب نخواهيم شد، امّا وقتي پيامبر اكرم سخن او را شنيد خوشش نيامد. بعضي گفته اند گوينده اين سخن ابو بكر بوده است. چنان كه خداوند فرموده است:

أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فراواني افرادتان شما را به شگفتي درآورده است.

جنگ سختي درگرفت و مسلمانان كه به دليل كثرتشان مغرور شده بودند و تاب مقاومت نداشتند شكست خوردند، آن چنان كه آوازه شكست آنان به مكّه رسيد. امّا پيامبر هم چنان مقاومت مي كرد و علي عليه السّلام نيز پرچم را در دست گرفته، با كفّار مي جنگيد و عباس بن عبد

المطّلب هم در طرف راست لگام قاطر رسول خدا را بدست گرفته بود و ابو سفيان پسر حارث بن عبد المطّلب نيز با نه نفر از بني هاشم در طرف چپ آن حضرت بودند و «أيمن» پسر امّ ايمن هم، نفر دهم آنها بود كه در آن روز كشته شد. پيامبر به عباس كه صداي رسايي داشت، فرمود كه مردم را صدا بزند، فريادش بلند شد:

اي گروه مهاجران و انصار، اي اهل بيعت شجره و اي اصحاب سوره بقره، كجا فرار مي كنيد پيامبر خدا اين جاست! مردم برگشتند در حالي كه مي گفتند:

لبيك لبيك، در اين حال فرشتگان كه كلاه خودها بر سر داشتند و سوار بر اسبهاي ابلق بودند نازل شدند، رسول اكرم به نحوه تلاش و مبارزه مسلمانان نظر افكند و فرمود:

«اكنون تنور جنگ داغ شد، من پيامبر راستينم، من فرزند عبد المطّلبم». (1) ياري از طرف خداوند آمد و «هوازن» شكست خوردند.

- - -

1 - الآن حمي الوطيس انا النّبي لا كذب، انا بن عبد المطّلب.

22

بِما رَحُبَتْ «ما» مصدريه و «ب» به معناي «مع» است:

«مع رحبها» و جارّ و مجرور در محل حال است، معناي آيه چنين است:

از بسياري ترستان جايي براي فرارتان در زمين پيدا نمي كنيد، پس گويا زمين بر شما تنگ شده است.

ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ شكست خورديد.

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ خداوند رحمت خود را كه مايه آرامش آنها بود برايشان نازل فرمود. «عَلي رَسُولِهِ وَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ» بر پيامبرش و مؤمنان كه ثابت قدم با او ماندند.

وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا كافران را كيفر داد:

كشته و اسير شدند، زنان و اولادشان آواره شدند و سرمايه و ثروتهايشان به غارت رفت.

ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ پس

از اين جريان گروهي از كافران مسلمان مي شوند و خداوند توبه آنان را مي پذيرد.

برخي گفته اند در روز جنگ احد؟؟؟ ، شش؟؟؟ هزار تن از مشركان اسير شدند و تعدادي بي شمار شتر و گاوشان به غنيمت رفت.

آيه 28

آيه 28

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)

ترجمه:

اي مؤمنان، اهل شرك به طور حتم نجسند، پس از امسال به بعد نبايد نزديك مسجد الحرام شوند و اگر شما از فقر و تنگدستي مي ترسيد، خداوند، بزودي اگر بخواهد شما را از فضل خود توانگر خواهد ساخت، چرا كه او بسيار دانا و با حكمت است. (28)

23

تفسير:

«النّجس» اين كلمه مصدر و به معناي ذو نجس: شي ء پليد است زيرا كافران صفت مشرك بودن را كه به منزله نجاست مي باشد به همراه خود دارند، يا اين كه خداوند به دليل مبالغه در متّصف بودن آنها به اين صفت، آنان را نجس العين به حساب آورده است. از ابن عباس نقل شده است كه كفّار نجسند مثل سگ و خوك.

حسن مي گويد هر كس با مشركي مصافحه كند بايد دست خود را بشويد. امام باقر و صادق عليه السّلام مي فرمايند:

هر كس با خيس بودن دست، با شخص كافري مصافحه كند بايد دستش را بشويد و اگر نتوانست بشويد آن را بر خاك بمالد. (1) فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ پس از حج امسال (سال نهم هجري) ديگر نبايد حج و عمره اي به جا آورند، چنان كه در دوران جاهليت اين كارها را انجام مي دادند.

وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً اگر مي ترسيد كه وقتي مشركان

را از عمل حج مانع شديد، از بسياري منافع بازرگاني و ارزاقي كه به سوي مكّه حمل مي كنند، محروم و در نتيجه مبتلا به فقر و تنگدستي خواهيد شد.

فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بيم نداشته باشيد كه خداوند به طريق ديگر، با فضل و كرمش شما را بي نياز خواهد ساخت. اين بود كه بعدا اهالي «جدّه» و «صنعاء» و «جرش» و «تباله» (2) مسلمان شدند، اينها با خود خشكبار و غذا به مكّه حمل مي كردند و اين سود بيشتري براي مردم داشت و خداوند بارانهاي بسياري فرو فرستاد به طوري كه خير و بركت براي آنها فراوان شد.

- - -

1 - من صافح الكافر و يده رطبة، غسل يده و الا مسحها بالحائط.

2 - اعراب كلمات از تصحيح استاد گرجي گرفته شده است.

آيه 29

آيه 29

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (29)

ترجمه:

با آن دسته از اهل كتاب كه ايمان به خدا و روز رستاخيز ندارند و آنچه را خدا و رسولش حرام كرده، حرام ندانند و به دين حق نمي گروند، پيكار و كارزار كنيد، تا بدست خود با خواري و فروتني جزيه دهند. (29)

تفسير:

از ابن عباس نقل شده است كه شيطان در دلهاي مسلمانان ترس از گرسنگي را ايجاد كرد و گفت از كجا مي خوريد و چگونه مي توانيد امرار معاش كنيد. بعد خداوند متعال آنها را امر كرد كه با اهل كتاب بجنگند و با گرفتن جزيه از آنها و فتح سرزمينها و گرفتن غنايم آنها را ثروتمند

و بي نياز ساخت.

مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ اين جمله، بيان براي «الّذين» ي قبلي و جمله هاي بعدش است.

خداوند در اين آيه از اهل كتاب ايمان به خدا را نفي مي كند به اين دليل كه به خداوند چيزهايي نسبت مي دهند كه از ساحت قدس او بدور است و مي فرمايد:

ايمان به آخرت هم ندارند، زيرا در اين امر نيز اعمالشان ناشايست است و دليل آن كه آنها حرام خدا و رسولش را حرام نمي دانند، آن است كه آنچه در كتاب و سنّت حرام شده، حرام نمي دانند.

وجه تسميه «جزيه» آن است كه اين هم قسمتي از چيزيست كه كفّار اهل ذمّه بايد بدهند.

25

«عز يد» دست چه كسي؟ دو احتمال است:

دست معطي، يا آخذ؟ اگر مراد دست دهنده باشد در معناي آيه دو تعبير خواهد بود:

الف: با اهل كتاب بجنگيد تا وقتي كه از روي تسليم و بدون خودداري كردن، جزيه بدهند.

ب: بطور نقدي دست بدست بدهند، نه نسيه باشد و نه حواله به كس ديگري.

و اگر يد آخذ اراده شود معنايش اين است كه از روي قدرت و تسلطي كه شما بر آنها داريد يا از انعامي كه شما بر آنها روا مي داريد آن را بپردازند.

وَ هُمْ صاغِرُونَ جزيه از آنها گرفته مي شود در حالي كه حقير و خوارند:

خود با پاي پياده مي آيند آن را تسليم مي كنند، جزيه دهنده ايستاده و گيرنده نشسته، يقه اش را مي گيرد و به جبر او را مي كشد و مي گويد:

وظيفه ات را انجام بده.

آيات 30 تا 33

آيات 30 تا 33

وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصاري الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّي يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ

رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَي اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)

26

ترجمه:

يهوديان گفتند:

عزير پسر خداست و نصرانيان گفتند:

مسيح پسر خداست، اين سخني ست كه بر زبان دارند كه مانند گفتار كافران پيشين است، خداي لعنتشان كند چگونه دروغ مي گويند؟ (30)

اينها، دانشمندان و راهبان خود را معبودهايي در برابر خدا قرار دادند و نيز مسيح فرزند مريم را، در حالي كه جز به عبادت معبود يگانه اي كه هيچ معبودي جز او نيست، دستور نداشتند، او پاك و منزّه است از آنچه شريك وي قرار مي دهند. (31)

اينها مي خواهند نور خدا را با دهانهايشان خاموش كنند، در حالي كه خداوند هيچ نمي خواهد مگر اين كه نورش را به كمال رساند، اگرچه كافران كراهت داشته باشند. (32)

او كسيست كه پيامبرش را با هدايت و آيين حق فرستاد تا او را بر همه آيينها غالب گرداند هر چند مشركان آن را نپسندند. (33)

تفسير:

عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ جمله مبتدا و خبر است و چون «عزير» عجمي و معرفه است غير منصرف مي باشد و كساني كه با تنوين و منصرفش خوانده اند آن را عربي دانسته اند، نه عجمي.

اين حرف را كه عزير پسر خداست، بعضي از يهوديان گفتند، نه همه آنها.

ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ منظور آن است كه اين گفتار را از پيش خود گفتند بدون اين كه هيچ گونه دليل عقلي داشته باشند و يا از كتاب آسماني

نقل كنند.

يُضاهِؤُنَ (1) قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا در اين آيه حذف و تقدير واقع شده، يعني يضاهي قولهم قول بوده كلمه «قول» كه مضاف بوده حذف شده و مضاف اليه (هم) ضميمه فعل شده و به صورت جمع «يضاهون» درآمده و جاي مضاف را گرفته است و

- - -

1 - چنان كه در قسمت تفسير بيان شده معلوم مي شود شارح آيه را بدون همزه خوانده است.

27

معنايش اين است:

گفتار بعضي از يهود و نصارا كه در زمان رسول اكرم بودند همانند گفته پيشينيان آنها بود، منظور اين كه اين عقيده كفرآميز در ميان آنها سابقه طولاني دارد و مي توان گفت مراد اين است كه گفته اينها مانند گفته مشركان است كه مي گفتند:

فرشتگان دختران خدايند.

اين آيه با همزه: «يضاهؤن» نيز خوانده شده است:

عرب مي گويد:

«امرأة ضهياء» بر وزن «فعيل» زني كه مانند مرد، حيض نمي شود.

قاتَلَهُمُ اللَّهُ خدا آنها را لعنت كند. «أَنَّي يُؤْفَكُونَ» : چگونه از حق منحرف مي شوند.

اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً اينها دانشمندان و راهبان خود را - در حلال شمردن آنچه خدا حرام دانسته و حرام شمردن آنچه خدا حلال كرده - اطاعت و پيروي مي كردند هم چنان كه از دستورهاي فرمانروايان پيروي مي شود.

وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ آن حضرت را نيز شايسته پرستش دانستند، زيرا وي را پسر خدا مي گفتند.

وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحداً ادله و براهين عقلي و نصوص منقول در تورات و انجيل آنها را ملزم مي سازد كه جز معبود يكتا را پرستش نكنند.

«سُبْحانَهُ» اين كلمه براي تنزيه است و ساحت قدس الهي را از شايبه شرك و همتا داشتن دور مي سازد.

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ در اين آيه خداوند، حال

اهل شرك را، كه با تكذيب كردن گفته هاي حضرت محمّد صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم درصدد باطل ساختن پيامبري او هستند، تشبيه به حالت كسي كرده است كه مي خواهد با دميدن خود نور با عظمت الهي را خاموش كند، همان نوري كه خداوند متعال اراده كرده تا نورافشاني و روشني بخشي آن را به حدّ نهايي و كمالش برساند.

«لِيُظْهِرَهُ» خدا مي خواهد اين پيغمبرش را بر پيروان كليّه اديان، يا دين حق را بر

28

تمام اديان جهان غلبه دهد.

در اين آيه، خداوند، فعل «ابي» را، جاري مجراي «لم يرد» ساخته و به اين سبب در مقابل يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا جمله: وَ يَأْبَي اللَّهُ را آورده و گويا چنين فرموده است:

و لا يريد اللَّه الا ان يتم نوره تنها چيزي كه خداوند مي خواهد به تمام و كمال رساندن نورش مي باشد.

آيات 34 تا 35

آيات 34 تا 35

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمي عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوي بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)

ترجمه:

اي كساني كه ايمان آورده ايد اين امر مسلّميست كه بسياري از دانشمندان يهود و ترسايان، سرمايه هاي مردم را به باطل مي خورند و آنها را از راه خدا بازمي دارند، آنان را كه طلا و نقره را اندوخته مي كنند و آن را در راه خدا انفاق مي نمايند مژده كيفري دردناك بده. (34)

روزي كه آنها را در ميان آتش دوزخ بتابانند و به آن وسيله چهره ها و پهلوها و پشتهايشان

را داغ نهند (به آنها گفته مي شود) اين همان پولهاييست كه براي خود اندوخته بوديد، اكنون بچشيد آنچه كه مي اندوختيد. (35)

29

تفسير:

خوردن مال به باطل، آن است كه آن را از راه حرام بدست آورند و به مصرف برسانند و منظور آن است كه اين دانشمندان و راهبان براي صدور و تخفيف احكام شرعي از عامه مردم رشوه مي گرفتند.

وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ و كساني كه طلا و نقره را كنز قرار مي دهند، در تفسير اين آيه دو احتمال وجود دارد:

1 - اين كه مقصود، بسياري از دانشمندان يهود و راهبان مسيحي باشد.

2 - مقصود مسلماناني ست كه مال و ثروت را روي هم انباشته و كنز مي نمايند - نه منافقان و خداوند اين گونه مسلمانان را همدوش رشوه گيران (دين فروشان) يهود و نصارا قرار داده است.

مراد از «ترك انفاق در راه خدا» كه در ذيل آيه آمده، منع زكات است، چنان كه در حديث آمده است:

مالي كه زكاتش داده شود «كنز» نيست، اگرچه اندوخته و پنهان نگاه داشته شود، ولي مالي كه زكاتش واجب شود و ادا نشود «كنز» است، اگرچه ظاهر و آشكار باشد. (1) وَ لا يُنْفِقُونَها ضمير به معناي «ذهب و فضه» برمي گردد كه دراهم و دنانير باشد و اين كه مفرد مؤنث آورده شده و نه مثنّا، به اين سبب است كه هر كدام جمله اي كامل است (نه اين كه مفرد باشد) اين آيه مانند آيه ديگريست كه مي فرمايد:

وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (حجرات / 9). (كه فعل آن جمع مذكر غائب آمده، نه مثناي مؤنث) بعضي گفته اند تقدير آيه اين است:

و لا ينفقونها و الذّهب مرجع ضمير «ها» فضّه است كه مفرد

مؤنّث است و ذهب هم عطف بر آن مي باشد مثل اين

- - -

1 - ما ادي زكاته فليس بكنز و ان كان باطنا و ما بلغ ان يزكّي فلم يزكّ فهو كنز و ان كان ظاهرا …

30

شعر:

فاني و قيار بها لغريب

، كه معنايش اين است:

و قيّار كذلك: من در زندان غريبم و قيّار (نام شترش) نيز غريب است.

اين كه از ميان اموال فقط طلا و نقره را نام برده اند به اين دليل است كه معيار ثروت و قيمت اشيا مي باشند و كسي اينها را نگهداري نمي كند مگر اين كه زايد بر احتياج روزانه اش باشد.

يَوْمَ يُحْمي عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ بر آن كنزها يا بر طلا و نقره ها آن قدر آتش افروخته مي شود، تا خود آتش مي شوند. «فَتُكْوي بِها» با آن گنجينه هاي سرخ شده، بر پيشاني و پهلو و پشتهاي آنان داغ نهاده مي شود.

جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ دليل اختصاص اين اعضا به يادآوري آن است كه هيچ كس ترك انفاق واجب نمي كند، مگر به واسطه غرضهاي دنيايي يعني موقعيتي ميان مردم پيدا كنند و آبروي خود را حفظ كنند، غذاهاي خوب بخورند و فربه شوند. لباسهاي نرم و لطيف بر پشت و روي شانه هاي خود بيندازند. بعضي گفته اند:

دليلش آن است كه اين گروه در مقابل افراد بي بضاعت و تنگدست صورتهاي خود را درهم مي كشيدند و چينهاي پيشاني را ضخيم مي ساختند و در مجالس و محافل رو از آنها برمي گرداندند و پشت و پهلوي خود را بر آنها مي كردند.

هذا ما كَنَزْتُمْ در اين جا، ماده قول در تقدير است. به آنها گفته مي شود:

اين همان چيزي كه در دنيا براي خود گنج ساخته بوديد. «لِأَنْفُسِكُمْ» براي استفاده

خودتان.

فَذُوقُوا پس بچشيد:

گزند آنچه مي اندوختيد، يا گزند حالت اندوختگي تان را.

آيه 36

آيه 36

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)

31

ترجمه:

شماره ماهها در نزد خدا و در كتاب خداوند از آن روز كه آسمانها و زمين را آفريد، دوازده ماه است، چهار تا از آنها حرام است، اين آيين پابرجا است، پس در اين ماهها بر خود ستم روا مداريد و دسته جمعي با مشركان بجنگيد چنان كه آنها بطور اتّفاق با شما مي جنگند و بدانيد كه خداوند با پرهيزكاران است. (36)

تفسير:

فِي كِتابِ اللَّهِ در لوح محفوظ يا در قرآن و يا در حكمي كه خود ثبت و ضبط كرده و درست و مصلحت ديده (حكم قضا و قدر).

مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ سه ماه قرين همديگرند، ذي قعده، ذي حجّه و محرّم و يكي از اينها جداست و آن ماه رجب است. رسول خدا صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم در خطبه اي كه در حجّة الوداع ايراد فرمود، به همين مطلب اشاره دارد كه مي فرمايد:

«آگاه باشيد كه زمان و جهان طبيعت هم اكنون در سير و گردش خود به همان نظام مرتّبي برگشته است كه خداوند زمين و آسمانها را بر آن حالت آفريد:

هر سال دوازده ماه است و چهار ماه از آن، حرام است». (1) مقصود حضرت از اين سخنان آن است كه اكنون، حكم ماهها به همان حالتي برگشته است كه قبلا بوده:

حج بايد در همان ماه ذي حجّه واقع شود.

و به اين ترتيب

«نسي ء» (2) را كه در جاهليت برقرار بود باطل ساخت.

ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ منظور اين كه حرام دانستن اين ماهها، دين راستين و آيين ابراهيم و اسماعيل است و عرب هم اين روش را كه از اين دو پيامبر به ارث برده

- - -

1 - الا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات و الارض، السّنة اثنا عشر شهرا، منها اربعة حرم.

2 - شرح اين كلمه در آيه بعد مي آيد - م.

32

بودند دين خود قرار داده بودند و اين ماه هاي چهارگانه را محترم مي داشتند و جنگ در آن را حرام مي شمردند حتي اگر كسي در اين ماهها بر قاتل پدرش دست مي يافت به او كاري نداشت.

ماه رجب را «اصمّ» گفته اند (زيرا در اين ماه سر و صدا، جنگ و فرياد ستم كشيده اي شنيده نمي شد) اين ماه را «منصل الاسنّة» نيز مي گفتند، يعني كنار گذاشتن نيزه (از اين رو در اين ماه، تيري به سوي دشمن پرتاب نمي شد) اين وضع در جاهليت ادامه داشت تا اين كه منجر به «نسي ء» شد و اين قانون الهي را تغيير دادند.

بعضي گفته اند معناي آيه اين است:

اين كه ما بيان كرديم حسابي درست و محكم است، نه حكم نسي ء كه اهل جاهليت آن را اختراع كرده بودند.

فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ظلم به نفس، اين است كه آنچه در اين ماهها حرام شده حلال بدانند.

كَافَّةً حال است از فاعل يا از مفعول.

مَعَ الْمُتَّقِينَ خدا، ياور پرهيزكاران است:

در اين جمله خداوند به اهل تقوا وعده نصرت داده و به اين طريق آنها را به اين صفت تشويق فرموده است.

آيه 37

آيه 37

إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً

وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)

ترجمه:

تغيير دادن ماه هاي حرام و تأخير حكم آن، افزايشي در كفر است كه به سبب آن، كافران گمراه مي شوند:

يك سال آن را حلال و سال ديگر آن را حرام مي دانند، تا مطابق تعداد ماههايي شود كه

33

خداوند تحريم كرده است (و عدد چهار را به عقيده خود تكميل نمايند) و از اين راه آنچه را كه خداوند حرام كرده حلال شمارند، اعمال زشت آنان در نظرشان زيبا مي آيد و خداوند مردم كافر را هدايت نمي كند. (37)

تفسير:

نسي ء آن است كه حرمت يك ماه حرام را به ماه ديگر موكول كنند توضيح اين كه عربها اهل جنگ و جدال بودند و از اين لحاظ وقتي در حال جنگ بودند و ماه حرام مي رسيد بر آنها سخت بود كه جنگ را ترك كنند. بنا بر اين در اين ماه آن را حلال و به جايش ماه ديگر را حرام مي دانستند، لذا خداوند مي فرمايد:

لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ تا شماره ماه هاي حرام را كه عدد چهار است به حساب خود تكميل كنند و با آن مخالفت نكنند و حال آن كه خداوند حرمت را ويژه اين ماه ها قرار داده و آنها با اين اختصاص مخالفت مي كردند و گاهي عدد ماه هاي يك سال را زياد ساخته و آن را سيزده ماه قرار مي دادند، تا وقت زياد داشته باشند، به اين سبب خداوند تأكيد مي فرمايد كه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً مقصود اين كه تعداد ماهها فقط دوازده تاست، نه زيادت بر اين. ضمير در فعلهاي: «يحلونه»

و «يحرمونه» به كلمه «نسي ء» برمي گردد يعني: هر گاه در يك سال يكي از ماه هاي حرام را حلال مي شمردند در سال بعد برمي گشتند و آن را حرام مي كردند.

«يضل»، مجهول است و «يضل» معلوم نيز خوانده اند كه فاعلش «اللَّه» باشد، ولي قرائت اكثرين «يضل» است (مضارع معلوم ثلاثي مجرد).

«نسي ء» به سه وجه خوانده شده است:

الف: نسي ء، با سكون «يا» و اثبات همزه.

ب: نسيّ، با تشديد «يا» و حذف همزه.

ج: نسي، بر وزن «هدي» تبديل «ي» از همزه كه نسأ بر وزن فعل، مصدر نساءه

34

باشد كه به معناي به تأخير انداختن است نسأه نسأ و نسيأ مثل مسّه مسّا و مسيسا.

فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ فقط به منظور اين كه شماره ماهها را تكميل كنند، جنگ را كه خدا حرام كرده حلال مي كردند.

زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ خدا آنها را ذليل كرد و در نتيجه، كارهاي زشت خود را نيك پنداشتند. وَ اللَّهُ لا يَهْدِي: خدا به آنها لطفي ندارد بلكه ذليلشان مي گرداند.

آيات 38 تا 39

آيات 38 تا 39

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (39)

ترجمه:

اي مؤمنان شما را چه شده است كه هر وقت به شما گفته مي شود:

در راه خدا، كوچ كنيد به زمين مي چسبيد، آيا به جاي آخرت به زندگي دنيا راضي شديد؟ بهره دنيا در برابر آخرت، به جز اندكي نيست. (38)

اگر براي جهاد بيرون نرويد، خداوند شما را به كيفري دردناك مجازات مي كند و

گروهي غير از شما را به جايتان قرار مي دهد.

و هيچ زياني به او نمي رسد و خدا به هر چيز تواناست. (39)

تفسير:

اثَّاقَلْتُمْ در اصل تثاقلتم بوده و «تا» در «ثا» ادغام و سپس همزه وصل به اوّل آن درآمده و به معناي «تباطأتم» است، يعني تنبلي و كندي كرديد ولي در اين جا

35

متضمّن معناي «ميل» است و از اين رو متعدّي به «الي» شده و معناي عبارت اين است:

متمايل به دنيا و لذّتهايش شديد و سختيهاي سفر را قابل تحمّل ندانستيد و از همين مورد است آيه: أَخْلَدَ إِلَي الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ: «لكن او (بلعم باعورا) به پستي گراييد و پيرو هواي نفسش شد». (1) بعضي گفته اند معناي آيه اين است:

به ماندن در سرزمين و خانه هاي خودتان ميل و رغبت پيدا كرديد.

اين قضيه درباره جنگ تبوك در سال دهم هجرت است كه پيامبر اكرم صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم بعد از برگشتن از جنگ طائف، به مسلمانان دستور داد تا به سوي سرزمين تبوك حركت كنند و چون زمان برداشت محصول و شدّت گرماي تابستان بود و از طرفي راه دور و دشمن بسيار و قوي به نظر مي رسيد، اين تكليف بر آنها سخت گران مي آمد و چنين گفته اند كه براي هيچ جنگي، پيغمبر اكرم مقصد خود را بطور صريح بيان نمي كرد بلكه توريه مي فرمود، جز در اين جنگ كه قبل از حركت معلوم ساخت، تا مردم آمادگي بهتري پيدا كنند.

مِنَ الْآخِرَةِ: بدل الآخرة حرف «من» مفيد عوض و بدليت است، مثل اين آيه شريفه: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً «به جاي شما فرشتگان بياوريم» (زخرف / 60).

فَما مَتاعُ … پس كالاي زندگاني دنيا در

برابر (زندگاني) آخرت جز اندكي نيست.

إِلَّا تَنْفِرُوا اين عبارت خداوند، بيانگر خشم او بر كساني ست كه در رفتن به جنگ سهل انگاري مي كنند، زيرا آنها را به كيفري بزرگ و فراگير كه شامل دنيا و آخرت مي شود تهديد كرده و نيز اعلام نموده است كه آنها را هلاك مي كند و در عوض، گروه ديگري بهتر و مطيع تر از آنها مي آفريند و براي ياري دينش از آنها بي نياز است و كنُديشان در اين امر هيچ اثري در دين خدا ندارد.

- - -

1 - اعراف / 176.

36

بعضي گفته اند:

ضمير «وَ لا تَضُرُّوهُ» به پيامبر برمي گردد، چون خداوند وعده داده است كه آن حضرت را از شرّ مردم نگاه دارد و خوارش نسازد، بلكه ياري اش كند و وعده خداوند هم امريست حتمي و يقيني.

آيه 40

آيه 40

إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلي وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)

ترجمه:

اگر شما ياريش نكنيد خدا ياريش كرده آن گاه كه كافران، بيرونش كرده بودند (از مكّه) وقتي كه او دومين نفر از آن دو بود، كه در غار بودند. آن گاه كه به همراه خود مي گفت:

غم مخور، كه خدا با ماست. در اين موقع خداوند آرامش خود را بر او نازل فرمود و با سربازاني كه آنها را نديده بوديد نيرومندش ساخت و كلمه كافران را پايين آورد و تنها كلمه خداوند بالاترين است و خداوند، با عزّت و درستكار است. (40)

تفسير:

مضمون آيه اين است اگر شما از

ياري پيامبر دست كشيديد، خداوند، ياري وي را ثابت كرد و موقعي كه جز يك نفر با او باقي نمانده بود او را پيروز ساخت و از اين به بعد هم هرگز او را وانخواهد گذاشت.

إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا خداوند در اين آيه، بيرون راندن پيامبر را به كفّار اسناد

37

داده، مثل: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ «از دهكده تو، كه تو را از خودش بيرون راند» (محمّد / 13). (در اين آيه بيرون راندن پيامبر را به قريه نسبت داده است).

دليل اين اسناد در آيه مورد بحث اين است كه وقتي كافران آماده بيرون راندن او شدند خداوند به او اجازه داد كه از ميان آن مردم بيرون رود، پس گويا آنها آن حضرت را اخراج كرده اند.

ثانِيَ اثْنَيْنِ مراد يكي از آن دو است مثل «ثالِثُ ثَلاثَةٍ» (1) منظور از آن دو تا، پيامبر صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم و ابو بكر مي باشد، «ثاني» منصوب و حال است. «اذ هما» بدل است از «اذ اخرجه» و «اذ يقول» بدل دوم است.

غار: شكاف بزرگيست در ميان كوه و منظور از آن در اين جا، غار ثور است كه كوهيست در طرف راست مكّه در مسافت يك ساعت راه. «لا تحزن» بيم نداشته باش.

إِنَّ اللَّهَ مَعَنا خدا از ما اطلاع دارد و بر حالمان آگاه است، ما را محافظت مي كند و ياري مي فرمايد. وقتي كه دو نفري داخل غار شدند خداوند دو عدد كبوتر را مأمور كرد، آمدند در پاي غار تخم گذاردند و عنكبوت را فرستاد بر در غار پرده بافت و پيامبر دعا كرد:

اللّهم اعم ابصارهم (خدايا ديده هاي دشمنان را كور ساز) آنها آمدند

اطراف غار مي گشتند نمي فهميدند خداوند ديده هايشان را از ايشان گرفت.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ امام صادق عليه السّلام به جاي «عليه» علي رسوله قرائت فرموده است. مراد از كلمه «سكينته» : امنيّت و آرامشيست كه خداوند در قلب آن حضرت قرار داد و يقين داشت كه دشمنان دست بر او پيدا نمي كنند.

«جنود» منظور فرشتگان روز جنگ بدر و احزاب و حنين مي باشد و آنها در اين روز صورت و چشمهاي كافران را از توجّه به پيامبر باز مي داشتند.

- - -

1 - مائده / 73.

38

كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا دعوت كافران، ديگران را به كفر.

«كلمة اللَّه» : دعوت آن حضرت مردم را به اسلام. «كلمة اللَّه» به نصب نيز خوانده شده است. «هي» ضمير فصل، مفيد تأكيد فضيلت و برتري سخن خدا در علوّ و انحصار اين ويژگيست در اين سخن، نه تعميم آن، به كلمات ديگران.

آيات 41 تا 43

آيات 41 تا 43

انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43)

ترجمه:

سبكبار و سنگين بار، كوچ كنيد و با ثروتها و جانهايتان در راه خدا جهاد نماييد، كه اين بسود شماست اگر بدانيد. (41)

اگر بهره اي نزديك و سفري كوتاه بود از تو پيروي مي كردند، اما اين مسافت به نظرشان دور آمد و همين زوديها سوگند ياد خواهند كرد كه به خدا قسم، اگر ما مي توانستيم، با شما بيرون مي آمديم، اينها

خود را به هلاكت مي اندازند و خدا مي داند كه آنها دروغ گويانند. (42)

خدا تو را عفو كرد، چرا به آنها اجازه دادي، پيش از آن كه راستگويان برايت روشن شوند و دروغگويان را بشناسي؟ (43)

تفسير:

خِفافاً وَ ثِقالًا در تفسير اين دو كلمه وجوهي ذكر شده كه ذيلا بيان مي گردد.

39

1 - با ميل و رغبت، با سختي و مشقّت

2 - بي سلاح و با سلاح

3 - كم عائله، پر عائله

4 - سواره و پياده

5 - جوان و پير

6 - تندرست و بيمار.

ابن عباس: اين آيه بعدا نسخ شد و خداوند فرمود:

لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَي الْمَرْضي «جنگ از ضعيفان و بيماران برداشته است». (توبه / 91) وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ مطابق اين آيه جهاد با دشمنان به وسيله مال و جان واجب است، در صورت لزوم و امكان، به هر دو و در غير اين صورت به هر كدام كه ميسّر باشد، بر حسب مقتضاي حال و نياز.

«عرض» چيزي از منافع دنيا كه نصيب انسان مي شود، معناي آيه اين است:

اگر آنچه اين مردم را به سويش دعوت كردي، سودي زودرس و مسافرتي نزديك مي بود، تو را پيروي مي كردند.

«شقة» مسافت طولاني و با زحمت.

وَ سَيَحْلِفُونَ وقتي كه از جنگ تبوك برگردي، آنان كه از دستور تو، سرپيچي كردند و به جنگ نيامدند سوگند به خدا مي خورند و مي گويند:

اگر مي توانستيم مي آمديم.

فعل: «لخرجنا» جاي جواب قسم و نيز جواب «لو» شرطيه و همچنين خبر مي دهد از آنچه پس از برگشتن مسلمانان از جنگ واقع مي شود كه متخلّفان مي آيند و عذرخواهي مي كنند و سوگند ياد مي نمايند و اين خود از معجزات و خبر از غيب و آينده است.

لَوِ اسْتَطَعْنا

اگر مي توانستيم، مراد توانايي مالي و بدني است، گويا براي نرفتن،

40

خود را به بيماري زده بودند.

يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ اين جمله، يا بدل از «سيحلفون» است و يا حال به معناي «مهلكين» مقصود اين كه با سوگندهاي دروغ خويشتن را در هلاكت مي اندازند.

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ خداوند در اين آيه با لطف و مهرباني پيامبرش را مورد عتاب قرار داده به اين طريق كه پيش از بيان عتاب آميز سخن از عفو و گذشت به ميان آورده و اين گونه عتاب و نكوهش راجع به امري جايز است كه غير آن اولي و بهتر بود انجام شود، به ويژه درباره پيامبران و آنچه جار الله (زمخشري) در اين آيه بيان داشته نادرست است، زيرا او گفته: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ» كنايه از جنايت و گناهي بزرگ مي باشد و حال آن كه پيشگاه قدس پيامبران و به خصوص بهترين فرزند حوّا حضرت محمّد صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم پاكتر از آن است كه جنايتي به وي نسبت داده شود.

آيات 44 تا 48

آيات 44 تا 48

لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّي جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ (48)

41

ترجمه:

آنان كه به

خدا و روز بازپسين ايمان دارند از تو اجازه نمي خواهند كه به مال و جان خويش جهاد كنند و خداوند از حال پرهيزكاران آگاه است. (44)

تنها كساني از تو اجازه مي خواهند، كه ايمان به خدا و روز رستاخيز ندارند و دلهايشان در شكّ است و از اين رو، در شك و ترديد بسر مي برند. (45)

اگر مي خواستند كه براي جنگ بيرون روند، وسيله اي براي آن فراهم مي كردند، اما خداوند از حركت آنها كراهت داشت، لذا از حركت بازشان داشت و به آنان گفته شد:

با بازنشستگان بنشينيد. (46)

اگر با شما بيرون مي شدند، جز تباهي و فساد چيزي براي شما نمي افزودند و ميان شما سعايت و اخلال مي كردند و برايتان فتنه جويي مي نمودند و در ميان شما جاسوساني از آنها وجود دارد و خدا به احوال ستمگران بسيار آگاه است. (47)

اينها پيش از اين هم اقدام به فتنه انگيزي كردند و كارها را براي تو دگرگون ساختند تا اين كه حق فرارسيد و امر خداوند آشكار شد، در حالي كه آنها كراهت داشتند. (48)

تفسير:

عادت مؤمنان بر اين نيست كه به خاطر جنگيدن يا براي دوست نداشتن جنگ، از تو كسب اجازه كنند، بلكه منافقانند كه در اين امر از تو اجازه مي خواهند.

يَتَرَدَّدُونَ «ترديد» عبارت از حيرت و سرگرداني است، چنان كه «ثبات» صفت شخص با استقامت و آگاه است.

وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ خداوند نمي پسندد كه منافقان به جنگ روند، زيرا مي داند اگر بروند، به نمّامي و سخن چيني در ميان مسلمانان مي پردازند.

فَثَبَّطَهُمْ آنها را از رفتن بازداشت خداوند منافقان را به كندي در امر و تنبلي وادار كرد و خوارشان ساخت، چون مي دانست كه آنها تبه كار و مفسدند.

چون جمله

«وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ»، معناي نفي دارد، پس از آن با كلمه «لكن» مطلب را استدراك كرده، گويا چنين گفته است:

لم يخرجوا و لكن تثبطوا عن

42

الخروج: بيرون نرفتند اما از بيرون رفتن بازماندند، زيرا خداوند نمي خواست كه بيرون روند و از اين رو تمايل آنها را براي بيرون رفتن ضعيف ساخت.

وَ قِيلَ: به آنها گفته شد:

با آنها كه اهل جنگ نيستند و از كار افتاده اند، از قبيل زنها و كودكان، در خانه هاي خود بنشينيد، مراد از اين عبارت، اين است كه پيامبر اكرم به آنها اجازه داد كه به جنگ نيايند و از اين مطلب استفاده مي شود كه اين اجازه حضرت امري قبيح نبوده هر چند بهتر آن بود كه چنين اجازه اي به آنان ندهد تا خود به خود نفاقشان آشكار شود.

لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ در اين آيه خداوند متعال توضيح مي دهد كه به چه دليل منافقان را از تصميم رفتن به جهاد بازداشته و مي فرمايد:

اگر اينها با شما براي جهاد از خانه هايشان بيرون مي آمدند، جز بدي و تباهي چيزي براي شما نمي افزودند.

وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ كوشش مي كنند كه در ميان شما، با سخن چيني و تبه كاري، تفرقه بيفكنند. «وضع البعير وضعا» شتر سرعت كرد. اوضعته أنا: آن را به شتاب درآوردم.

معناي آيه اين است:

مركبهاي خود را در ميان شما به جولان درمي آورند:

به ايجاد فساد و تباهي سرعت مي بخشند، چرا كه سواره از پياده، سرعتش بيشتر است.

يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ درصدد آن برمي آيند كه ميان شما آشوب به پا كنند تفرقه بيفكنند و نيّتهايتان را در جنگ، فاسد كنند.

وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ در ميان شما جاسوساني از آنان قرار دارند كه سخنان شما را گوش مي دهند و به

آنان منتقل مي كنند. معناي ديگر اين فراز اين است:

گروهي در بين شما هستند كه گفتار منافقان را مي شنوند و باور مي كنند و از آنها اطاعت مي نمايند. مقصود، مسلماناني ست كه ايمان ضعيف دارند.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ خداوند از حال تبه كاران و اهل فساد آگاه است.

لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ «فتنه» اسميست كه شامل هر بدي و تباهي مي شود.

43

معناي آيه اين است كه منافقان سر راه تو موانعي به وجود مي آورند و كوشش مي كنند جمع شما را متفرّق سازند. سعيد بن جبير در تفسير اين آيه مي گويد:

منافقان كه دوازده نفر بودند در جنگ تبوك، شب عقبه سر راه بر پيغمبر گرفتند و به آن حضرت سوء قصد كردند.

وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ دامهاي حيله و مكر براي تو گستردند و در برهم زدن امر تو به حيله و فريب متوسل شدند. حَتَّي جاءَ الْحَقُّ، تا حق آمد:

خداوند تو را پيروز ساخت.

وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ دين خدا غالب شد و اهل دين او سروري يافتند. «وَ هُمْ كارِهُونَ» در حالي كه منافقان و كافران از اين امر ناراحت و ناخشنودند.

آيات 49 تا 52

آيات 49 تا 52

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَي اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَي الْحُسْنَيَيْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)

ترجمه:

و بعضي از اين منافقان، كسيست كه

مي گويد:

به من اجازه بده و مرا به فتنه نيانداز. آگاه باشيد كه اينها خود غرق در فتنه اند،

44

و همانا دوزخ به كافران احاطه دارد. (49)

اگر به تو نيكي برسد بر آنها ناگوار آيد و اگر براي تو حادثه ناگواري پيش آيد آنها مي گويند:

ما، پيش از اين تصميم كار خود را گرفته ايم و با خوشحالي بازمي گردند. (50)

بگو:

هيچ حادثه اي به ما نمي رسد مگر آنچه خدا برايمان نوشته است، او مولاي ماست و بر مؤمنان است كه تنها بر خدا توكّل كنند. (51)

- بگو:

آيا درباره ما، جز يكي از دو نيكي را انتظار داريد؟ امّا ما براي شما چنين انتظار داريم كه خدا شما را به كيفري مبتلا سازد كه يا از طرف خودش برسد و يا به دست ما واقع شود، پس منتظر باشيد كه ما نيز با شما منتظريم. (52)

تفسير:

«وَ مِنْهُمْ» از اين منافقان، «مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي» كسي هست كه مي گويد:

به من اجازه بده تا در خانه بنشينم و از جهاد دست بكشم «وَ لا تَفْتِنِّي» مرا گرفتار گناه و معصيت مكن، منظور اين كه اگر بدون اجازه تو، دست از جنگ بكشم گنهكار خواهم شد. بعضي گفته اند:

اين فرد جدّ بن قيس بود كه گفت:

همه انصار مي دانند كه من نسبت به زنان حرص فراواني دارم، به خاطر دختران زردگونه يعني زنان روم مرا مفتون و دچار گناه مكن و در مقابل، از مال و ثروتم به تو كمك مي كنم و مرا از رفتن به جنگ معاف دار.

أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا آگاه باشيد كه آنها هم اكنون خود در گناه و فتنه تخلّف از فرمان خدا قرار دارند.

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ

در روز قيامت آتش جهنم تمام

اطراف آنها را مي گيرد و آنها را احاطه مي كند و مي توان گفت منظور آن است كه هم اكنون در دنيا در احاطه آتش قرار دارند زيرا اسباب آن را در دنيا براي خود فراهم كرده اند، پس گويا در ميان آتش هستند.

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ اگر در برخي از جنگ ها، به تو پيروزي و غنيمت و نعمتي

45

برسد براي آنان نگراني حاصل مي شود اما اگر بر عكس، رنج و ناراحتي، سختي و نكبتي رو به تو آورد، مثل آنچه در روز جنگ احد پيدا شد.

يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا ما تصميم خود را گرفته ايم و قبل از همه گرفتاريها، آنچه را وظيفه ماست از پرهيز و محكم كاري، انجام داده ايم.

وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ و به اين بهانه خوش حال بودند و خود را از صحبت جنگ و جمع شدن براي آن دور مي داشتند.

قُلْ لَنْ يُصِيبَنا عبد اللَّه ابي چنين قرائت كرده است:

«هل يصيبنا» و «لام» در:

«ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا» براي اختصاص است:

هيچ امري به ما رو نمي آورد مگر اين كه خداوند آن را ويژه ما قرار داده، خواه پيروزي باشد يا شهادت. «هُوَ مَوْلانا» او ما را دوست مي دارد و ما او را دوست مي داريم.

وَ عَلَي اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ چون سزاوار است كه مؤمنان، جز به خداوند توكّل نكنند، از اين رو آنچه سزاوار آنهاست بايد انجام دهند.

قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا آيا براي ما هيچ توقع و انتظاري داريد؟ «إِلَّا إِحْدَي الْحُسْنَيَيْنِ» جز يكي از دو سرانجامي كه هر دو تايش از نيكوترين سرانجامهاست و آن دو، پيروزي و شهادت است.

وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ و ما نيز براي شما به يكي از دو عاقبت بد اميدواريم كه عبارتند از:

الف: «أَنْ

يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ» : اين كه خداوند شما را كيفري دهد كه از آسمان بر شما نازل شود مثل آنچه بر قوم عاد و ثمود نازل شد.

ب: «أَوْ بِأَيْدِينا» يا كيفري كه به دست ما فرود آيد:

شما را بكشيم كه چون كافريد.

فَتَرَبَّصُوا درباره ما آنچه را راجع به سرانجام كارمان ذكر كرديم منتظر باشيد.

إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ما هم با شما منتظريم و ناچار هر كداممان آنچه انتظار مي كشد خواهد ديد، نه بيشتر از آن.

آيات 53 تا 55

آيات 53 تا 55

قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (53) وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَ هُمْ كُسالي وَ لا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَ هُمْ كارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ (55)

ترجمه:

بگو:

چه با ميل و رغبت و چه با ناراحتي و كراهت به هر نحو كه انفاق كنيد، هرگز از شما پذيرفته نمي شود، چرا كه شما مردمي بدكار هستيد. (53)

هيچ چيز مانع پذيرش نفقات آنها نشد جز اين كه آنها به خدا و رسولش كفر ورزيدند و به نماز وارد نمي شوند مگر با كسالت و انفاق نمي كنند مگر از روي كراهت. (54)

ثروتها و فرزندانشان تو را شگفت زده نسازد، چرا كه خدا مي خواهد آنان را به اين وسيله در دنيا عذاب كند و در حال كفر جانشان بيرون آيد. (55)

تفسير:

طَوْعاً أَوْ كَرْهاً اين دو كلمه حال مي باشد و فعل امر به معناي خبر است و معناي جمله اين است:

انفاق شما هرگز پذيرفته نمي شود، چه از روي

ميل و رغبت باشد و چه از روي بي ميلي و ناراحتي. شبيه اين جمله در آيه ديگري نيز به كار رفته است:

«اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ» : «چه براي آنان طلب آمرزش كني و چه نكني هرگز خدا آنان را نمي آمرزد». (توبه / 80) قول كثيّر در شعر ذيل نيز از همين قبيل است:

أسيئي بنا او أحسني لا ملومة

• لدينا و لا مقلية ان تقلت

چه نسبت به ما، بدي كني و چه نيكي كني، ما تو را سرزنش نمي كنيم و اگر

47

دشمني هم كني تو را دشمن نمي داريم. بايد دانست كه چنين تعبيري: (از لفظ امر، معناي اخبار اراده شود) در صورتي صحيح است كه از فحواي سخن فهميده شود و قرينه اي در كار باشد چنان كه عكس آن نيز آمده است، مثل موارد دعا: «رحم اللَّه زيدا و اللَّه غفر له» كه فعل ماضي معناي امر دعايي مي دهد.

إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ اين عبارت علت براي قبول نشدن انفاق آنهاست.

أَنَّهُمْ كَفَرُوا فاعل «منع» است:

تنها چيزي كه مانع پذيرش نفقات منافقان شد كفر آنان است. كه خدا و پيامبرش را قبول ندارند. «تقبل» با «ت» و «ي» هر دو خوانده شده است.

اعجاب نسبت به چيزي آن است كه انسان از نيكويي آن در تعجّب شود و از ديدنش خشنود و مسرور گردد. معناي آيه اين است:

آنچه را از متاع دنيا كه به كافران داده شده نيكو مشمار زيرا خداوند مي خواهد آنها را با اين ثروت و سرمايه دچار عذاب كند:

مالشان را در معرض غنيمت و دستبرد قرار داده و آنها را مبتلا به آفات و مصيبتها سازد و از طرفي با ناراحتي و بر خلاف ميل

آنها آنان را مكلّف مي سازد كه از اين اموال در راه خير صرف و خرج كنند و از طرف ديگر براي جمع آوردن و تكثير اموال و تربيت فرزندان به آنها انواع زحمتها را بچشاند.

وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ مفهوم اين آيه نظير اين گفتار خداوند است:

إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً «آنها را مهلت مي دهيم تا گناهشان افزايش يابد».

(آل عمران / 178) مقصود از آيه مورد بحث اين است كه خداوند منافقان را با افزايش نعمتها به تدريج به سوي گناه و استحقاق عذاب بكشاند:

خدا اراده مي كند كه نعمت خود را بر آنان ادامه دهد تا در حالتي بميرند كه كافر باشند و با توجّه به لذّتهاي دنيا از انديشه آخرت غافل بمانند.

آيات 56 تا 59

آيات 56 تا 59

وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنَّا إِلَي اللَّهِ راغِبُونَ (59)

ترجمه:

اينها به خدا سوگند مي خورند كه از شمايند، اما از شما نيستند، بلكه مردمي هراسانند. (56)

اگر اينها پناهگاه يا نهانگاهها يا گريزگاههايي مي يافتند، شتابان به سويش رو مي كردند. (57)

برخي از آنها در تقسيم صدقات بر تو خرده گيري مي كنند و اگر از آن صدقات به آنها چيزي داده شود خشنود مي شوند ولي اگر داده نشود در آن وقت خشمگين مي شوند. (58)

اگر بدانچه خدا و رسولش به آنها داده راضي مي شدند

و مي گفتند:

خدا ما را بس است و بزودي خدا و رسولش از فضل خود به ما مي بخشد، ما تنها رضاي او را مي طلبيم. (59)

تفسير:

لَمِنْكُمْ (كافران سوگند مي خورند) كه از جمله شما هستند. «يَفْرَقُونَ» : از كشتن و اسيري مي ترسند و به منظور تقيّه تظاهر به اسلام مي كنند.

لَوْ يَجِدُونَ اگر جايي پيدا مي كردند كه در آن تحصّن كنند:

سر كوهي يا قلعه اي يا غاري در ميان كوه … به سويش مي شتافتند.

أَوْ مُدَّخَلًا بر وزن مفتعل، از ماده «دخل» است كه در اصل «مدتخل» بوده، «ت»

49

بعد از دال تبديل به دال و درهم ادغام شده اند:

و قرائت ديگر آن مدخل بدون تشديد و به معناي مكان دخول است كه به آنجا پناه مي برند و در آن لانه مي كنند و از طرف ديگر منفذي براي فرار دارد.

لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ با چنان سرعتي به سوي آن مي شتافتند كه هيچ چيز نتواند جلوشان را بگيرد. الفرس الجموح: اسب تيزرو.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ بعضي از اين منافقان، در تقسيم صدقات و غنايم بر تو عيب مي گيرند و طعن مي زنند. در جمله هاي بعد، اين افراد عيبجو را تعريف مي كند كه اين مردم خشنودي و خشمشان براي خودشان است، نه براي دينشان.

«اذا» اين كلمه براي مفاجات است:

اگر از غنايم به آنها چيزي داده نشود ناگهان خشمگين و عصباني مي شوند.

وَ لَوْ أَنَّهُمْ جواب «لو» محذوف و جمله لكان خيرا لهم مي باشد و معناي آيه اين است:

اگر اين منافقان، از غنايم و صدقات به همان كه خدا و رسولش به آنها مي دهند خشنود باشند و اظهار رضايت كنند و بگويند خدا ما را كافيست و بزودي خداوند از فضل و بزرگواري خود به ما عطا

خواهد كرد و پيامبرش نيز به ما انعام و اكرام مي كند، برايشان بهتر خواهد بود و نيز بهتر است كه بگويند:

ما به سوي او مايل و از حضرتش انتظار داريم كه فضل و كرمش را به ما گسترش دهد.

آيه 60

آيه 60

إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)

ترجمه:

زكات و صدقات ويژه فقرا و مساكين و كاركناني ست كه به

50

جمع آوري آن مي پردازند و كساني كه دلهايشان به اسلام متمايل شود و نيز براي آزادي بردگان و بدهكاران و در راه خدا و واماندگان در راه، اين يك فريضه الهيست و خداوند دانا و درستكار است. (60)

تفسير:

«انما» مفيد حصر است، يعني زكات مخصوص اين هشت گروه است و به ديگر گروه ها نمي رسد، چنان كه مي گويند:

انما السخاء لحاتم بخشندگي ويژه حاتم است، يعني غير او، داراي اين صفت نيست. توضيح آن كه مي توان زكات را به بعضي از اين گروه ها داد و به بعضي نداد، اما به گروه هاي ديگر نمي شود داد، چنان كه از حذيفه و ابن عباس و غير اينها از صحابه نقل شده است كه به هر كدام از اين گروه ها داده شود مجزيست و مذهب ما نيز همين است.

«الفقراء» مردمان پاكدامني كه با وجود نيازمندي از سؤال كردن خودداري مي كنند و «مساكين» نيازمنداني اند كه سؤال مي كنند و در معناي اين دو كلمه بر عكس نيز گفته شده است، امّا صحيح تر، همان معناي اول است و بعضي گفته اند «فقير» كسيست كه هيچ چيز ندارد و «مسكين» كسيست كه آنچه دارد براي زندگي اش كافي نيست

و بر عكس نيز گفته شده است.

وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها كساني كه در جمع آوري زكات و صدقات مي كوشند و آن را از مالداران دريافت مي كنند.

وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بزرگاني از عرب كه پيامبر اكرم از آنان دلجويي مي كرد تا به اسلام رو آوردند و به اين منظور در موقعي كه مسلمانان اندك بودند سهمي از زكات را به آنها واگذار مي كرد.

«رقاب» بردگاني كه مكاتب (1) شده بودند، از اين مورد به آنها كمك مي شد تا

- - -

1 - مكاتبه قراريست كه ميان برده و مولايش بسته مي شود كه پولي بدهد و خود را آزاد كند و اين بر دو قسم است:

مشروط و مطلق.

51

بتوانند بهاي كتابت را به مولايشان بپردازند و آزاد شوند و در غير مكاتب هم، وقتي كه برخي بردگان در شدّت قرار داشتند و موالي آنها را مي آزردند، از اين مورد خريده و آزاد مي شدند و ولايت و سرپرستي آنها براي صاحبان زكات بود.

«غارمين» كساني كه بدون اسراف و صرف مال در امور غير شرعي، قرض كرده و مديون مانده اند.

سَبِيلِ اللَّهِ منظور، جهاد و تمام مصالح مسلمانان است.

وَ ابْنِ السَّبِيلِ مسافري كه از مال و ثروت خود دور مانده، هر چند با توجه به مالي كه در وطن دارد، ثروتمند است امّا حالا در مسافرت فقير و تنگدست مي باشد.

«فَرِيضَةً» به معناي مصدر تأكيدكننده است، زيرا معناي جمله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ، اين است كه خدا صدقات را براي اين موارد واجب ساخته است.

در چهار مورد آخر به جاي حرف «لام» از «في» استفاده شده تا دلالت كند بر اين كه اينها از چهار گروه اول سزاوارتر به اين هستند كه زكات و صدقات در ميان آنها

قرار گيرد، زيرا «في» مفيد معناي ظرفيّت است.

ذكر اين آيه و بيان مصارف زكات در خلال بحث از اهل نفاق به اين علت است كه مي خواهد بگويد:

چون زكات فقط در اين موارد بايد صرف شود بنا بر اين، منافقان كه از مستحقّان آن نيستند و بطور كلي از اين موارد دوراند، حق ندارند درباره آن و تقسيم كننده آن حرفي بزنند.

آيات 61 تا 63

آيات 61 تا 63

وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)

52

ترجمه:

بعضي از منافقان، كساني هستند كه پيغمبر را مي آزارند و مي گويند:

او گوش: (خوش باور) است بگو:

خوش باور بودن او به سود شما است، او به خدا ايمان دارد و مؤمنان را تصديق مي كند و براي آنها از شما كه ايمان آورده اند رحمتيست و آنان كه رسول خدا را بيازارند عذابي دردناك دارند. (61)

براي شما به خدا سوگند ياد مي كنند، تا شما را راضي گردانند، در حالي كه اگر ايمان داشتند سزاوارتر اين بود كه خدا و رسولش را از خود، راضي سازند. (62)

آيا توجه نداشتند كه هر كس با خدا و رسولش به دشمني برخيزد كيفرش آتش دوزخ است كه در آن، جاويدان مي باشد؟ اين است رسوايي بزرگ. (63)

تفسير:

«اذن» كسي كه هر چه مي شنود تصديق كند و گفته هر كس را بپذيرد، «اذن» گوش نام عضويست كه

با آن مي شنوند، وقتي كه شخصي را «اذن» مي گويند، گويا تمام بدنش گوش است چنان كه به ديدبان «چشم» مي گويند.

أُذُنُ خَيْرٍ مثل «رجل صدق» است كه مقصود از آن، بزرگواري و صلاح است گويا خداوند متعال مي خواهد بگويد:

آري او گوش است اما خوب گوشي، يا مقصود اين است كه او، در امور خير و در آنچه شنيدنش لازم است شنواست و در غير اين مورد، گوش نيست. مؤيّد اين معنا قرائت حمزه است كه «و رحمة» مجرور

53

و عطف بر «خير» خوانده، اي اذن خير و رحمة لا يسمع غيرهما و لا يقبله (1) و در جمله بعد «اذن خير» را تفسير كرده است كه به خدا ايمان مي آورد و از مؤمنان مي پذيرد:

آنچه كه خبر مي دهند تصديق مي كند. به دليل همين معناست كه فعل:

«يؤمن» اول به «باء» و دوم به «لام» متعدّي شده است. مثل: وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا «تو حرف ما را نمي پذيري». (يوسف / 17) وَ رَحْمَةٌ … مِنْكُمْ خطاب به منافقان است:

پيامبر، براي كساني از شما كه اظهار ايمان مي كنند، رحمت است و به همين دليل حرف شما را مي شنود و ايمان شما را مي پذيرد و شما را رسوا نمي كند زيرا مصلحت خدا را چنان مي بيند كه شما باقي بمانيد، پس همان طور كه شما مي گوييد گوش است اما براي شما، گوش خوبي است، نه گوش بدي.

بنا بر اين خداوند گفته منافقان را درباره پيامبر مي پذيرد، اما آنچه را آنان به قصد مذمّت آن حضرت بيان مي كردند خداوند به مدح او تفسير كرد و سلامت قلب آن حضرت را بيان فرمود. روايت شده است كه برخي، پيامبر اكرم را مذمّت و بدگويي

مي كردند و اين خبر به حضرت رسيد. بدگويان نگران شدند، اما بعضي از آنان به ديگران گفتند:

ناراحت نباشيد زيرا او گوش شنواست و گفته هر كس را كه پيشش برود مي شنود، ما مي رويم از طرف شما معذرت خواهي مي كنيم، او هم مي پذيرد.

اين جمله: «اذن خير» نيز قرائت شده كه هر دو، خبر از براي مبتداي محذوف باشد:

هو أذن، هو خير و معناي آيه چنين مي شود:

اگر آنچه شما مي گوييد، درست باشد، براي شما خوب است چرا كه عذرتان را مي پذيرد و به بد باطني تان كيفرتان نمي كند.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ اين آيه خطاب به مسلمانان است كه منافقان آنچه

- - -

1 - او، فقط خوبي و رحمت را مي شنود و جز اين دو را نه، مي شنود و نه، مي پذيرد.

54

مي خواستند بدگويي مي كردند و بعد پيش آنها به معذرت خواهي مي آمدند و سوگند ياد مي كردند تا عذرشان پذيرفته شود. از اين رو خداوند به منافقان چنين پاسخ داد كه اگر شما چنان كه مي پنداريد:

مؤمن هستيد، سزاوارتر از هر چيز آن است كه خدا و رسولش را به اطاعت و بندگي و موافقت و همراهي از خودتان، راضي و خشنود سازيد و اين كه در فعل «أَنْ يُرْضُوهُ» ضمير را مفرد آورده، به اين دليل است كه ميان خشنودي خدا و رسولش تفاوتي نيست و در حكم يك خشنوديست و مي توان گفت:

حذف و تقديري وجود دارد:

و اللَّه احق ان يرضوه و رسوله كذلك.

يحادون، محادة مفاعله، از «حد» به معناي «منع» است.

فَأَنَّ لَهُ پس حق اين است كه براي او آتش دوزخ باشد، مي توان گفت:

«فان له» عطف بر «انه» است بنا بر اين كه جواب «من» محذوف و تقدير چنين باشد. أ لم

يعلموا أنه من يحاد اللَّه و رسوله يهلك فان له نار جهنم (1) («يهلك» جواب «من» بوده و حذف شده است).

آيات 64 تا 66

آيات 64 تا 66

يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66)

- - -

1 - آيا ندانستند كه هر كس با خدا و رسولش بجنگد هلاك مي شود و سرانجامش به آتش دوزخ است؟

55

ترجمه:

منافقان از آن مي ترسند كه آيه اي بر ضدّشان نازل گردد و از اسرار درونشان خبر دهد. به آنها بگو:

شما اكنون مسخره كنيد، همانا خداوند آنچه را كه از آن بيم داريد آشكار مي سازد. (64)

و اگر از آنها بپرسي (كه چرا دين و خدا را به تمسخر مي گيرند) مي گويند:

ما بازي و شوخي مي كرديم بگو:

آيا خدا و آيات و پيامبرش را مسخره مي كنيد؟ (65)

بگو:

عذر نياوريد، چرا كه شما پس از ايمان آوردن كافر شديد و ما اگر گروهي از شما را مورد عفو قرار دهيم گروهي ديگر را كيفر خواهيم كرد زيرا آنها مجرم بودند. (66)

تفسير:

منافقان، اسلام و اهلش را مسخره و استهزاء مي كردند و از طرفي مي ترسيدند كه ممكن است روزي خداوند آيه اي درباره آنها نازل كند و از درون زشت آنها خبر دهد و رسوا شوند.

ضمير در كلمات: «عليهم» و «تنبئهم» براي مؤمنين و در «قلوبهم» براي منافقان است و اين درست است، زيرا معنا، مقتضي آن است و مي توان گفت ضمير در تمام اين موارد براي

منافقان است، زيرا وقتي سوره درباره منافقان نازل شده باشد، پس گويا بر خود آنها نازل شده است، يعني وقتي كه اسرار آنها را فاش كند، گويا آنها را به اين امور، خبر داده است. بعضي گفته اند معناي آيه اين است:

بايد منافقان از اين امر بترسند و فعل را در معناي انشاء و امر گرفته اند، نه خبر.

قُلِ اسْتَهْزِؤُا اين فعل امر، به منظور وعيد و بيم دادن به كار رفته است.

إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ اي كافران خدا اظهار مي كند آنچه به دليل نفاقتان از روشن شدنش بيمناكيد. پيامبر اكرم صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم از جنگ تبوك برمي گشت، در حالي كه چهار نفر جلوتر از او، راه مي رفتند، مي خنديدند و مي گفتند:

نگاه كنيد به اين مرد، كه مي خواهد قصرهاي شام و حصارهاي آن را فتح كند، هيهات، هيهات! جبرئيل اين خبر را به حضرت رسول رساند، حضرت به عمّار فرمود:

اينها به من و قرآن طعنه مي زنند:

ان

56

هؤلاء يستهزءون بي و بالقرآن.

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ «كنا» : اگر از آنها بپرسي كه چرا مي خنديد مي گويند:

درباره سواران و سواري سخن مي گفتيم. عمّار به دستور پيامبر رفت و از آنها پرسيد كه چرا مي خنديد؟ آنها همين پاسخ را دادند، عمّار گفت:

صدق اللَّه و رسوله، خدا و رسولش درست خبر دادند، دل پيامبر را سوزانيديد خدا شما را بسوزاند. منافقان وقتي اين سخنان عمّار را شنيدند براي معذرت خواهي پيش پيغمبر آمدند، اينجا بود كه اين آيه نازل شد.

برخي گفته اند اين آيه درباره دوازده نفري نازل شده است كه در گردنه ميان راه (عقبه) مخفي شده بودند تا پيغمبر خدا را از بين ببرند و با همديگر مي گفتند:

اگر ما را ببيند مي گوييم:

شوخي

و بازي مي كرديم.

لا تَعْتَذِرُوا به عذرهاي دروغي متوسل نشويد، زيرا پس از فاش شدن نيّت سوء شما، اين حرفها سودي ندارد.

قَدْ كَفَرْتُمْ شما پس از اظهار ايمان، كفر خود را آشكار ساختيد.

إِنْ نَعْفُ به فرضي كه ما گروهي از شما را به دليل اقرار به ايمان، بعد از نفاق، مورد عفو قرار دهيم، گروه ديگري را به اين دليل كه اصرار بر نفاق دارند كيفر خواهيم داد زيرا مجرمند، معناي ديگر آيه اين است كه اگر يك گروه از شما را كه پيامبر را نيازردند و او را مورد تمسخر قرار ندادند مورد عفو و گذشت قرار دهيم، گروه ديگري را كه او را آزردند و مسخره كردند عذاب و كيفر مي كنيم. قرائت ديگر درباره آيه فوق اين است كه به صورت غايب خوانده و فاعلش را خداوند عزّ و جلّ قرار داده اند.

آيات 67 تا 70

آيات 67 تا 70

الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوالاً وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْراهِيمَ وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)

57

ترجمه:

مردان و زنان منافق،

برخي شان از برخ ديگر آنهايند:

كه امر به منكر و نهي از معروف مي كنند و دستهايشان را (از بخشش و انفاق) مي بندند، اينها خدا را فراموش كردند، خدا هم آنها را از ياد برد، به درستي كه منافقان فاسقند. (67)

خداوند به زنان و مردان منافق و نيز به كافران وعده آتش دوزخ داده كه در آن جاويدانند، همين آنها را بس است و خدا لعنتشان كرده و كيفري هميشگي دارند. (68)

مانند كساني كه پيش از شما بودند كه از لحاظ نيرو سختتر و از لحاظ ثروت و داشتن فرزند از شما بيشتر بودند و از آنچه سهمشان بود

58

بهره مند شدند، شما نيز از نصيب خود بهره مند شديد مانند كساني كه پيش از شما از نصيب خود بهره بردند و شما (در گناه و خلاف) فرو رفتيد همانگونه كه آنها فرو رفتند و اعمالشان در دنيا و آخرت از بين رفت و همانها زيانكارانند. (69)

آيا خبر آنان كه پيش از ايشان بوده اند:

قوم نوح و عاد و ثمود و قوم ابراهيم و اهل مدين و آباديهاي واژگون شده، كه پيامبرانشان با دليلهاي روشن به سوي آنها آمدند، به اينها نرسيده است؟

خدا به آنها ستم نكرد اما خود آنها به خويشتن ستم روا مي داشتند. (70)

تفسير:

بَعْضُهُمْ مِنْ جملة «بعض» برخي از منافقان از جمله برخي ديگرشان هستند و برخي به برخي ديگر نسبت داده مي شوند. مقصود اين است، كه وقتي به مؤمنان مي گويند:

ما از شماييم (1) و بر اين امر سوگند ياد مي كنند دروغ مي گويند و نيز اين جمله در مقام تثبيت جمله «وَ ما هُمْ مِنْكُمْ» (2) است. بعد از آن كه خداوند ادّعاي آنها را تكذيب كرده، آنان را

به حالتي توصيف فرموده كه اصولا بر ضدّ حالت مؤمنان است:

يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ كفر و گناه را مورد تبليغ و ترويج، قرار مي دهند. وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ و از ايمان آوردن و انجام دادن عبادت و اطاعت خدا و رسول جلوگيري مي كنند.

وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ به سبب پستي و حرص و لئامت و بخلي كه دارند، از صرف مال در امور خيريه و صدقات و انفاق در راه خدا، دستهايشان را مي بندند.

نَسُوا اللَّهَ خداي را از ياد بردند. «فَنَسِيَهُمْ» او نيز فضل و رحمتش را از آنان دريغ فرمود.

- - -

1 - إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ آيه 56 همين سوره.

2 - مأخذ قبلي.

59

إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ اهل نفاق پست ترين مرتبه فسق را كه همانا طغيان در كفر و دور بودن از هر گونه خير و خوبي است، دارند. «خالِدِينَ فِيها» : قرار است كه براي هميشه در آتش دوزخ بسوزند.

هِيَ حَسْبُهُمْ همين آنها را كافي است. اين جمله دلالت تمام دارد بر سختي عذاب آتش دوزخ و اين كه چيزي از آن شديدتر نيست، به خدا پناه مي بريم از آن.

وَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ خدا آنها را از خير خود دور سازد و پست و خوارشان گرداند.

وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ مقصود از اين عذاب، كباب شدن در آتش و سوختگي بر اثر آن نيست، بلكه عذابيست دائمي شبيه به عذاب آتش و مي توان گفت منظور از «عذاب مقيم» عذابيست كه هم اكنون در دنيا هم با آنهاست و لحظه اي از آنها جدا نيست و آن عبارت از تعب و رنجيست كه از آتش نفاق مي چشند و هميشه از رسوايي كشف شدن درون ناپاكشان ترس و بيم دارند.

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ در اعراب

كاف تشبيه، دو احتمال است:

1 - مرفوع و خبر از براي مبتداي محذوف) يعني: انتم مثل الذين من قبلكم

2 - منصوب و مفعول به: فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم. معناي آيه اين است:

شما از لذائذ دنيا بهره مند شديد چنان كه آنها بهره مند شدند و در شهوات فرورفتيد چنان كه آنها فرو رفتند و جمله: كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ، تشبيهي را كه در جمله پيش وجود دارد تفسير مي كند و فعل اين منافقان را به عمل كساني كه قبل از آنها بوده اند، تشبيه مي كند.

«خلاق» نصيب، بهره، قسمت و آنچه براي انسان مقدّر شده است چنان كه مي گويند:

براي او قسمت و نصيبي است، زيرا براي او قسمت و معين شده است.

وَ خُضْتُمْ شما در امور باطل و فساد داخل شديد.

كَالَّذِي خاضُوا اي كالفوج الّذي او كالخوض الذي مثل گروهي كه در گناه فرو رفتند يا همان گونه كه آنان فرو رفتند.

60

ابن عباس مي گويد:

مقصود بني اسرائيل است و خداوند ما مسلمانان را به آنها تشبيه كرده است قسم به آن كسي كه جانم در دست اوست. شما كاملا از آنها پيروي خواهيد كرد، تا آنجا كه اگر فردي از آنها داخل سوراخ سوسماري شده باشد شما هم اين كار را انجام مي دهيد.

وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ منظور، پيروان «شعيب» است. «وَ الْمُؤْتَفِكاتِ» شهرهاي قوم لوط كه خداوند به بلاي «خسوف» آنها را به زمين فرو برد و آباديهايشان را بر روي آنان خراب كرد. «إفك» زير و رو ساختن و تغيير دادن.

فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ خداوند به آنها ستم روا نمي دارد، چرا كه او حكيم است و بر حكيم روا نيست كه كار زشت انجام دهد و بدون جرم و گناه

كيفر دهد.

«و لكن» اما آنها خود، به سبب كفر ورزيدن و كفران نعمت نمودن، به خود ستم كردند و مستحق عقوبت الهي شدند.

آيات 71 تا 73

آيات 71 تا 73

وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (73)

61

ترجمه:

و مردها و زنان با ايمان، برخي از آنان دوستان برخي ديگرند، امر به معروف و نهي از منكر مي كنند و نماز بپا مي دارند و زكات مي دهند و خدا و رسولش را اطاعت مي كنند، اينهايند كه خداوند مورد رحمتشان قرار خواهد داد. براستي كه خداوند با عزّت و با حكمت است. (71)

خداوند به مردان و زنان مؤمن باغهايي از بهشت وعده داده كه نهرها از زير درختانش روان است، جاودانه در آن خواهند ماند و مسكنهاي پاكيزه اي در باغهاي بهشت و خشنودي خداوند (از همه اينها) بزرگتر است، اين است پيروزي با عظمت. (72)

اي پيامبر با كافران و منافقان مبارزه كن و بر آنها سخت بگير، جايگاهشان دوزخ است و چه بد سرانجامي دارند. (73)

تفسير:

بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ اين جمله در اين آيه، در مقابل جمله «بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ» در آيه قبل است، (1) و معنايش اين است كه هر كدام از مؤمنان دوستي و نصرت ديگري را بر خود لازم مي داند و مجموعه

آنها در مقابل ديگران يك قدرت و يك نيرو محسوب مي شود.

سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ «سين» بيان مي كند كه رحمت خداوند بر مؤمنان حتميست و وعده الهي را مؤكّد مي سازد نظير: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا «خداي مهربان بزودي براي آنان، دوستي قرار خواهد داد». (مريم / 96) و سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ «بزودي پاداشهاي آنان را خواهد داد». (نساء / 152) عَزِيزٌ كسي كه بر هر چه وجود دارد غلبه دارد و مي تواند هر كاري انجام دهد، پس خداوند مي تواند پاداش دهد و هم مي تواند كيفر كند. «حَكِيمٌ» هر چيز را به جايش مي گذارد و هر كاري را در وقت خود انجام مي دهد.

- - -

1 - كه درباره منافقان مي باشد.

62

وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً مكانهايي كه زندگي در آن، پاكيزه است خداوند آنها را از جواهر (لؤلؤ، ياقوت سرخ و زبرجد سبز) بنا كرده است.

عَدْنٍ اسم خاصّ و علم است، به دليل قول خداوند:

جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ «باغهاي عدني كه خداوند رحمان به بندگانش وعده كرده است.

(مريم / 61).

دليل ديگر بر اين معنا، سخني ست كه ابو درداء از پيغمبر اكرم صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم نقل كرده است:

عدن: دار اللَّه التي لم ترها عين و لم تخطر علي قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة:

النّبيّون و الصديقون و الشّهداء يقول اللَّه عزّ و جلّ: طوبي لمن دخلك

: «عدن، خانه خداوند است كه هيچ چشمي آن را نديده و به انديشه هيچ كس خطور نكرده و جز سه گروه در آن، جاي ندارند:

«پيامبران، صديقان و شهيدان» خداوند به بهشت عدن مي فرمايد:

خوشا به حال كسي كه در تو وارد شود.

بعضي گفته اند:

«عدن» شهريست در بهشت.

وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ اندكي از

رضايت و خشنودي خداوند از تمام نعمتهاي بهشتي كه بيان شد، بهتر و بالاتر است، زيرا خشنودي اوست كه باعث كمال هر سعادت و نيك بختي و موجب هر گونه رستگاري مي شود و به سبب خشنودي اوست كه انسان از بزرگداشت و بخشش او بهره مند مي گردد و بخشش و كرامت، بزرگترين نوع پاداش و اجر و ثواب است.

«ذلك» اشاره است به: همه آنچه كه خدا براي نيكوكاران وعده كرده و يا به رضوان و خشنودي خداوند، يعني اين است فوز عظيم نه آنچه مردم، فوز و رستگاري اش خوانند. (ضمير فعل: «هو» مفيد حصر و تأكيد است).

جاهِدِ الْكُفَّارَ با كافران با شمشير بجنگ و با منافقان، با دليل و برهان.

امام صادق عليه السّلام در تفسير اين آيه مي فرمايد:

به كمك اهل نفاق با كافران بجنگ و بعد فرمود آيا شنيده ايد كه پيامبر صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم با منافقان بجنگد؟ (نه، بلكه) با آنها مدارا

63

مي كرد. (1) وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ آنها را دوست مدار. از حسن نقل شده است:

مبارزه با منافقان آن است كه حدود الهي را درباره شان اجرا كنند.

آيه 74

آيه 74

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (74)

ترجمه:

اينها به خدا قسم مي خورند كه چيزي نگفته اند و حال آن كه سخن كفر را گفته و بعد از اسلام آوردنشان كافر شدند و آهنگ كاري كردند كه بدان نرسيدند، اينها

فقط از اين انتقام مي كشيدند كه خدا و رسولش آنان را به فضل و كرم خود بي نياز ساخته اند، پس اگر توبه كنند برايشان خوب است و اگر روي بگردانند خداوند آنها را در دنيا و آخرت به مجازات دردناكي كيفر خواهد داد و در سراسر روي زمين، نه ياري دارند و نه ياوري. (74)

تفسير:

به خدا سوگند ياد كردند چيزهايي كه از آنها نقل شده نگفته اند و حال آن كه سخنان كفرآميز گفته بودند و بعد از تظاهر به اسلام كفر خود را آشكار ساختند.

- - -

1 - هل سمعتم انّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم قاتل منافقا؟ انّما كان يتالّفهم.

64

وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا تصميم گرفتند كه ناگهاني به پيامبر حمله كنند. موقعي كه حضرت از غزوه تبوك بازمي گشت دوازده نفر يا به قولي پانزده نفر هم عهد شدند تا شبانه، وقتي كه شتر پيغمبر به بالاي عقبه مي رسد، او را از روي شتر به ميان درّه پرت كنند، بدين جهت عمّار بن ياسر مهار ناقه او را گرفته مي كشيد و «حذيفه» از پشت، آن را مي راند، در اين بين حذيفه صداي پاي شتر و بهم خوردن سلاحها را شنيد. تا برگشت و نگاه كرد، مرداني را ديد كه صورتهايشان را بسته بودند.

گفت:

دور شويد اي دشمنان خدا و بر سر و روي مركبهاي آنها زد تا ايشان را از رو به رو شدن با پيامبر صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم دور ساخت. وقتي كه حضرت پايين آمد به حذيفه فرمود:

كدامشان را شناختي؟ حذيفه گفت:

هيچ كدام. پيغمبر فرمود:

آنها فلان و فلان بودند. حذيفه عرض كرد يا رسول اللَّه آنها را نمي كشي؟

فرمود،

دوست ندارم كه عرب بگويند:

(پيامبر صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم) هر وقت به يارانش دست مي يابد آنها را به قتل مي رساند.

از امام باقر عليه السّلام نقل شده است كه هشت نفر آنها از قريش و چهار نفر از عرب بودند. (1) وَ ما نَقَمُوا منكر نشدند و عيب ندانستند مگر اين امر را كه خدا و رسولش از فضل و كرم خود، بي نيازشان ساخته بود. حقيقت معناي آيه اين كه اين منافقان عوض شكر نعمت خدا، ناسپاسي و كفران نعمت كردند، در حالي كه سزاوار بود نعمت را با شكر و سپاس استقبال كنند.

آيات 75 تا 78

آيات 75 تا 78

وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلي يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78)

- - -

1 - كانت ثمانية منهم من قريش و اربعة من العرب.

65

ترجمه:

بعضي از آنها با خدا عهد كرده اند كه اگر از فضل و رحمتش به ما عطايي بخشد، به يقين صدقه خواهيم داد و از نيكوكاران خواهيم بود. (75)

اما وقتي كه از فضل خود به آنها بخشيد، بخل ورزيدند و با اعتراض روي برگرداندند. (76)

پس خداوند نفاقي را در دلهايشان تا روزي كه او را ملاقات كنند انداخت، زيرا پيماني را كه با خدا بستند مخالفت كردند و دروغ مي گفتند. (77)

آيا ندانستند كه خداوند، راز نهان و سخن درگوشي آنها را مي داند و محققا خداوند داناي تمام

پنهانيهاست؟

(78)

تفسير:

شخص مورد بحث ثعلبة بن حاطب است كه خدمت پيامبر عرض كرد:

يا رسول اللَّه، دعا كن و از خدا بخواه كه به من ثروتي بدهد، رسول خدا صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم فرمود:

اي ثعلبه! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه: «مال اندكي كه بتواني شكرش را به جاي آوري بهتر است از ثروت فراواني كه توان شكرش را نداشته باشي» ثعلبه گفت:

سوگند به خدايي كه تو را بحق برانگيخت، اگر خدا به من ثروتي بدهد، حق هر صاحب حقّي را ادا مي كنم. پيغمبر خدا برايش دعا كرد. ثعلبه گوسفندي خريد و اين گوسفند مثل كرم كه تخم مي گذارد و رشد مي كند، روزبروز افزايش يافت، تا جايي كه شهر مدينه بر او تنگ آمد و نتوانست در شهر بماند و به بيابان رفت و از مردم و نماز جمعه و جماعات دور ماند، امّا بعد كه آيات زكات نازل شد و رسول اكرم

66

عامل خود را فرستاد كه زكات را بگيرد، وي بر اثر بخل و مال دوستي از دادن زكات خودداري كرد و گفت:

اين كه از من مطالبه مي كنيد صدقه نيست بلكه مانند جزيه است. خبر كه به پيامبر رسيد ناراحت شد و فرمود:

واي بر ثعلبه واي بر ثعلبه.

فَأَعْقَبَهُمْ حسن مي گويد:

مراد از ضمير فاعل در اعقبهم بخل است:

بخل در دل آنها نفاق ايجاد كرد چون همين بخل بود كه باعث نفاق و منع زكات شد.

ولي ظاهر آن است كه مرجع ضمير اللَّه باشد، يعني خداوند آنها را ذليل كرد تا اين كه منافق شدند و نفاق و دورويي در دلهايشان جا گرفت و تا وقت مرگ باقي بود و حتي همان زمان

هم از دل آنها بيرون نرفت و اين بدان سبب بود كه آنان بر خلاف آنچه با خدا پيمان بستند كه صدقه بدهند و كار نيكو انجام دهند رفتار كردند و دروغ گفتند و به همين دليل است كه گفته اند:

خلف وعده يك سوّم نفاق است.

از امير مؤمنان عليه السّلام درباره: «سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ»، نقل شده است:

مراد، نفاق و عزم بر خلف وعده ايست كه در دل پنهان داشتند و نيز عيبجويي در دين و جزيه ناميدن صدقه كه درگوشي با هم مي گفتند.

آيات 79 تا 80

آيات 79 تا 80

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)

67

ترجمه:

كساني كه از صدقات مؤمنان اطاعت كار عيب جويي مي كنند و مسخره مي كنند آنهايي را كه جز به مقدار قدرتشان توانايي ندارند، خدا همه آنان را كيفر استهزاء كننده مي دهد و عذابي دردناك براي ايشان است. (79)

چه براي آنها آمرزش بخواهي و چه نخواهي، اگر هفتاد مرتبه برايشان استغفار كني، هرگز خداوند آنها را نمي آمرزد، چرا كه ايشان به خدا و رسولش كافر شدند و خداوند گروه بدكار را هدايت نمي كند. (80)

تفسير:

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ در محل نصب يا رفع است، بنا بر ذمّ، «المطوع» كسي كه با ميل و رغبت و به قصد قربت كاري انجام دهد. اين كلمه در اصل «متطوّع» بوده، معناي آيه اين است:

مؤمناني را كه با اخلاص صدقه مي دهند عيب جويي مي كنند و به آنها طعنه مي زنند و نيز از

كساني كه مال فراواني ندارند و به اين سبب چيز اندكي را صدقه مي دهند عيب مي گيرند. خدا هم خود آنها را مسخره مي كند:

«سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ»، اين جمله خبري است، مانند جمله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ:

«خدا آنها را استهزاء مي كند». (بقره / 15) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ اين جمله، امر، در معناي خبر است يعني: هرگز خدا آنان را نمي آمرزد، خواه برايشان طلب آمرزش كني يا نكني و متضمّن معناي شرط است.

كلمه «سبعين» - هفتاد - در كلام عرب، مثليست براي كثرت، چنان كه امير مؤمنان عليه السّلام مي فرمايد:

لاصبحن العاص و ابن العاص

• سبعين الفا عاقدي النّواصي

به وسيله هفتاد هزار سوار كه پيشاني اسبهايشان بسته است، با قبيله عمرو بن عاص مبارزه مي كنم.

آيات 81 تا 83

آيات 81 تا 83

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلي طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)

ترجمه:

بجاي ماندگان، با نشستن در خانه بر خلاف رسول خدا، شاد شدند و دوست نداشتند كه در راه خدا با جانها و ثروتهاي خود جهاد كنند و گفتند:

در اين هواي گرم بيرون نرويد، بگو گرماي آتش دوزخ سختتر است اگر مي فهميدند. (81)

پس آنها بايد كم بخندند و بسيار بگريند به جزاي بديهايي كه انجام مي دادند. (82)

پس هر گاه خدا تو را به سوي گروهي از آنان بازگرداند و آنها از تو اجازه رفتن به جنگ بخواهند، بگو:

شما

هرگز با من بيرون نمي آييد و هرگز همراه من با دشمن نخواهيد جنگيد، شما كه نخستين بار به كناره گيري راضي شديد، هم اكنون نيز با متخلّفان بمانيد. (83)

تفسير:

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ اينها كساني اند كه پيامبر اكرم صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم ايشان را در شهر گذاشت و با خود به جنگ تبوك نبرد زيرا وقتي همه مي رفتند آمدند خدمت پيغمبر و اجازه خواستند كه بعدا بروند.

حضرت به آنان اجازه داد. «بِمَقْعَدِهِمْ» به تأخيرشان از جنگ و نشستن در خانه.

69

خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ بعد از پيامبر اسلام:

اقام خلاف الحيّ (بعد از اهل قبيله، جاي آنها را گرفت) و نيز گفته اند:

«خلاف» به معناي مخالفت است چون اين اشخاص بر خلاف پيغمبر رفتار كردند:

او قيام كرد و به جنگ رفت اما آنها در خانه خود نشستند. نصب «خلاف» به اين دليل است كه مفعول له، يا حال است:

در خانه نشستند تا با آن حضرت مخالفت كنند، يا در حالي كه با او مخالفت كردند.

وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا … به طور كنايه از مؤمنان تجليل شده است كه با فدا كردن مال و جان خود در راه خدا مشقّتهاي بزرگي را تحمّل كردند.

وَ قالُوا به مؤمنان يا رفقايشان كه همفكر آنها بودند گفتند:

در اين شدّت گرما به جنگ نرويد.

قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا بگو داغي آتش دوزخ سخت تر است. با اين جمله خداوند آنها را به ناداني و جهل نسبت مي دهد، زيرا كسي كه به دليل فرار از مشقّت يك ساعته، خود را به مشقتهاي شديد هميشگي مبتلا كند، از هر نادان نادانتر است.

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا از اين پس به جزاي كارهايي كه انجام مي دهند خنده اينها اندك و گريه شان بسيار

خواهد بود، اين معناي خبري به صورت فعل امر آمده، تا دلالت كند بر اين كه مطلب ثابت و حتميست و جز اين نيست.

إِلي طائِفَةٍ اختصاص به گروهي از آنها به اين دليل است كه برخي از آنان توبه كرده و از نرفتن به جنگ پشيمان شدند و يا عذر موجّهي را نشان دادند، پس اين حكم مربوط به كساني ست كه از كار خلاف خود پشيمان نشده بلكه باز هم مي خواهند از زير بار به بهانه هايي فرار كنند.

فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ و براي غزوه ديگر بعد از تبوك بخواهند از تو، اجازه جهاد بگيرند.

أَوَّلَ مَرَّةٍ منظور همان جنگ تبوك است.

مَعَ الْخالِفِينَ مراد كساني ست كه در اين جنگ مخالفت كردند و نرفتند كه شرح

70

آن گذشت.

آيات 84 تا 85

آيات 84 تا 85

وَ لا تُصَلِّ عَلي أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلي قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ (84) وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ (85)

ترجمه:

بر هيچ يك از آنها كه بميرد نماز نخوان و بر كنار قبرشان مأيست، چرا كه آنها به خدا و رسولش كافر شدند و در حالي كه فاسق بودند از دنيا رفتند. (84)

مالها و فرزندانشان تو را بشگفتي وادار نسازد، زيرا خدا مي خواهد به اين وسيله آنها را در دنيا عذاب كند و جانشان برآيد در حالي كه كافر باشند. (85)

تفسير:

«مات» اين فعل، صفت براي «احد» است و با اين كه به معناي استقبال است به لفظ ماضي آمده، زيرا امريست كه يقينا به وقوع خواهد پيوست.

إِنَّهُمْ كَفَرُوا علت براي نهي است. توضيح، اين كه قبل

از نزول اين آيه، پيامبر صلّي اللَّه عليه و آله و سلّم بر اينها نماز مي خواند و احكام مسلمانان را بر آنها جاري مي كرد و هر وقت بر مرده اي نماز مي خواند كنار قبرش توقّف مي كرد و مدتي برايش دعا مي خواند، تا اين كه خداوند او را از انجام دادن اين هر دو امر منع فرمود و علت آن را هم كفر آنها نسبت به خدا و رسول و مردن بر حال نفاق بيان فرموده است.

وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ اين جمله (براي مرتبه دوم) تكرار شده، (1) و دليلش آن است

- - -

1 - قبلا در آيه 55 همين سوره.

71

كه موضوع، امر مهميست به ويژه وقتي كه ميان دو نزول فاصله اي ايجاد شده باشد و نيز مي توان گفت اين دو آيه درباره دو گروه از منافقان نازل شده است.

آيات 86 تا 89

آيات 86 تا 89

وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طُبِعَ عَلي قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)

ترجمه:

هر گاه سوره اي نازل شود كه ايمان به خداي آوريد و همراه پيامبرش جهاد كنيد، كساني، از آنها، كه توانايي دارند، از تو اجازه مي خواهند و مي گويند:

ما را بگذار تا همراه بازنشستگان باشيم. (86)

اينها راضي شدند كه با معاف شدگان باشند و بر دلهايشان مهر نهاده شده، لذا نمي فهمند. (87)

اما پيامبر و آنها كه با او ايمان آورده اند،

با مالها و جانهايشان به جهاد پرداختند و همه نيكيها براي آنهاست و همانها رستگارانند. (88)

خداوند براي ايشان باغهايي از بهشت فراهم ساخته كه نهرها از زير آنها جاري است، جاودانه در آن خواهند بود، اين است رستگاري بزرگ. (89)

تفسير:

كلمه «سورة» را در اين آيه، مي توان به معناي سوره كامل گرفت و مي توان گفت

72

مراد بعضي و بخشي از سوره است، هم چنان كه قرآن و كتاب هم بر جزء و هم بر كل اطلاق مي شود.

أَنْ آمِنُوا «أن» تفسير كننده است، «أُولُوا الطَّوْلِ» : صاحبان امكانات و برتري: طال عليه طولا (بر او قدرت پيدا كرد)، «مَعَ الْقاعِدِينَ» كساني كه از رفتن به جنگ معاف و معذورند.

رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ منظور از خوالف زنها و كودكان و بيماران است.

فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ سعادت و رستگاري كه در جهاد است درك نمي كنند و از بدبختي و شقاوتي كه در تخلّف از فرمان خدا و رسولش مي باشد خبري ندارند.

لكِنِ الرَّسُولُ اما پيامبر خود همراه مؤمنان به جنگ مي رود، هر چند بهانه جويان از رفتن خودداري كنند. همين مضمون در آيه ذيل نيز بيان شده است:

فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ … «اگر اين گروه كافر شوند، قومي را كه هرگز كافر نشوند برگماريم» (انعام / 89) ترجمه قمشه اي.

لَهُمُ الْخَيْراتُ بهشت و نعمتهايش، يا منافع دو سرا.

آيه 90

آيه 90

وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَ قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90)

ترجمه:

عربهايي كه از رفتن به جنگ عذر مي خواستند آمدند تا اجازه بگيرند، ولي كساني كه به خدا و پيامبرش دروغ گفتند از رفتن خودداري كردند، بزودي به كساني از آنها كه كافر شده اند عذابي

دردناك خواهد رسيد. (90)

73

تفسير:

«معذّرون» تقصيركنندگان: عذّر في الامر، در كار سستي كرد، آن را جدّي نگرفت. حقيقتش اين است كه چنان وانمود كند كه در اين كار عذر موجّهي دارد و حال آن كه ندارد. مي توان گفت اين كلمه در اصل «معتذرون» بوده «ت» در «ذ» ادغام شده و حركت آن به «عين» انتقال يافته، علاوه بر قرائت مشهور، دو وجه ديگر نيز بر طبق دستور زبان عرب، جايز است:

1 - كسر عين، به التقاء ساكنين: (معذّرون).

2 - ضمّ آن، به جهت تبعيت از «ميم» (معذرون) اما اين دو قرائت در اين آيه ثابت نشده است. وجه ديگري كه خوانده شده «معذرون» بدون تشديد است. به معناي كسي كه در عذر و بهانه آوردن كوشش زياد و مبالغه فراوان مي كند.

وَ قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ آنهايي كه ادعا كردند، به خدا و رسولش ايمان دارند اما در اين ادّعا دروغ گفتند از رفتن به جنگ خودداري كردند و حتي براي عذر خواستن هم نيامدند.

از ابو عمرو بن علاء روايت شده است:

هر دو گروه خطاكار بودند:

بعضي آمدند و براي نرفتن بهانه ها آوردند و برخي ديگر خودسرانه در خانه نشستند و به جنگ نرفتند.

سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اين گروه از اعراب كه كافر شده اند بزودي گرفتار عذاب دردناك، به كشته شدن در دنيا و به حرارت آتش در آخرت گرفتار خواهند شد.

آيات 91 تا 93

آيات 91 تا 93

لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَي الْمَرْضي وَ لا عَلَي الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَ لا عَلَي الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ

ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلي قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93)

74

ترجمه:

بر اشخاص ناتوان و بيمار و كساني كه چيزي براي انفاق ندارند، ايرادي نيست، در صورتي كه براي خدا و رسولش خيرخواهي كنند و بر نيكوكاران راهي براي مؤاخذه نيست و خداوند بسيار آمرزنده و مهربان است. (91)

و همچنين ايرادي نيست بر آنها كه وقتي نزد تو آمدند تا بر مركبي سوارشان كني گفتي مركبي ندارم كه شما را بر آن، سوار كنم، بازگشتند در حالي كه چشمانشان اشكبار بود كه چيزي نداشتند تا در راه خدا انفاق كنند. (92)

راه مواخذه بر كساني باز است كه از تو اجازه مي خواهند در حالي كه تمكّن دارند، آنها راضي شدند كه با معذورين از جنگ بمانند و خداوند بر دلهايشان مهر نهاده، پس چيزي نمي دانند. (93)

تفسير:

«الضُّعَفاءِ» افرادي كه از بيماري طولاني، يا از پيري، ضعيف و ناتوانند.

الَّذِينَ لا يَجِدُونَ منظور فقيران و تنگدستانند.

مراد از «نصح» براي خدا و رسولش، ايمان و اطاعت، در نهان و آشكار است.

ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ آنها كه عذر موجّه دارند و خيرخواهند.

مِنْ سَبِيلٍ راهي بر آنها نيست، يعني تقصيري ندارند و كسي را حق عتاب بر آنها نيست.

قُلْتَ لا أَجِدُ جمله حال است از «ك» در «أتوك» كه در اولش كلمه «قد» در

75

تقدير است، معناي آيه اين است:

و نيز بر كساني كه پيش تو آمدند و تو گفتي:

تمكّني ندارم، ايرادي نيست.

تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ «من» براي بيان و جارّ و مجرور در محلّ نصب و

تمييز است:

تفيض دمعا: بايد توجه كرد كه تعبير به تمييز، رساتر از فاعل است، زيرا در تمييز معنا چنين مي شود كه گويا تمام چشمها اشك ريزان شده است.

أَلَّا يَجِدُوا اين جمله در محل نصب است چون مفعول له براي «حزنا» است.

جمله: رضوا (تا آخر) استيناف است، گويا چنين گفته شده است:

ما بالهم استأذنوا و هم اغنياء «چه شده اينها را كه مي خواهند به جنگ نروند و حال آن كه وضعشان خوب است» و در پاسخ چنين گفته است:

زيرا اينها راضي شده اند به پستي و قرار گرفتن در جمله معذورين از جنگ و خدا بر دلهايشان مهر زده است، يعني سبب استيذان آنها اين است كه به پستي راضي شده اند و خداوند آنها را مخذول و خوار ساخته است.

آيات 94 تا 96

آيات 94 تا 96

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَ سَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلي عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضي عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96)

ترجمه:

وقتي كه شما به سويشان برمي گرديد، از شما عذر خواهي مي كنند، بگو:

عذر خواهي نكنيد ما، هرگز به شما ايمان نخواهيم آورد چرا كه خدا ما را از خبرهايتان آگاه ساخته و خدا و رسولش كارهاي شما را مي بينند و سپس به سوي كسي كه از پنهان و آشكار آگاه است باز مي گرديد و او شما را به آنچه انجام مي داديد خبردار مي سازد. (94)

هنگامي كه به سوي آنان

باز گرديد برايتان سوگند ياد خواهند كرد كه از آنها صرف نظر كنيد، پس شما از آنها روي برگردانيد چرا كه آنها پليدند و جايگاهشان دوزخ است به كيفر

78

اعمالي كه انجام مي دادند. (95)

براي شما قسم ياد مي كنند كه از آنها راضي شويد، اگر از آنها راضي شويد، خداوند از جمعيت فاسقان راضي نمي شود. (96)

تفسير:

لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ اين جمله علت نهي از عذر آوردن است، زيرا كسي كه معذرت مي خواهد قصدش آن است كه عذرش را بپذيرند امّا وقتي دانست كه او را دروغگو مي دانند و عذرش را نمي پذيرند، سزاوار است كه لب به عذر خواهي نگشايد.

قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ در اين عبارت بيان شده است كه چرا عذرهاي آنها پذيرفته نيست، زيرا وقتي خداوند سرگذشت حال و رازهاي دروني آنها را به مؤمنان خبر داده، راهي براي پذيرفتن عذر و بهانه هاي آنان نمي ماند.

وَ سَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ و در آينده نزديك خدا و رسولش اعمال شما را مي بينند كه با توبه يا با كفر به سويشان خواهيد رفت.

ثُمَّ تُرَدُّونَ سپس به سوي او كه داناي هر حضور و غياب و هر نهان و آشكار است باز مي گرديد و او شما را بر حسب استحقاق، پاداش و يا كيفر مي دهد.

لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ تا از گناهشان درگذريد و آنان را بر خطاهايشان سرزنش نكنيد.

فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ خواسته آنها را به ايشان بدهيد. «انّهم رجس» اين جمله در مقام تعليل بر عدم نكوهش آنهاست. توضيح اين كه سرزنش كردن آنها اثري ندارد و آنها را اصلاح نمي كند، بلكه كسي مورد سرزنش واقع مي شود كه در اصلاحش اميدي باشد (1) و يا مؤمني باشد كه سهوا لغزشي كرده است، كه ممكن

است اين توبيخ او را وادار به توبه كند و پاك شود امّا اينها كه در كلّ پليد و نجسند و راهي براي

- - -

1 - انّما يعاتب الأديم ذو البشرة - پوستي كه خوب، موهايش نرفته به دبّاغي برگشت داده مي شود - مقصود از اين ضرب المثل در اينجا اين است:

كسي مورد عتاب واقع مي شود كه براي اصلاحش اميدي باشد (لسان العرب با تلخيص). .

79

تطهيرشان نيست.

لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ غرض اينها از قسم خوردن، طلب رضايت شماست كه شايد براي دنيايشان سودي داشته باشد و حال آن كه وقتي كه خداوند بر آنها خشمناك باشد خشنودي شما به حالشان نفعي ندارد.

آيات 97 تا 99

آيات 97 تا 99

الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلي رَسُولِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)

ترجمه:

عربهاي باديه نشين، كفر و نفاقشان شديدتر است و به ناداني از حدود آنچه خدا بر پيامبرش نازل كرده، سزاوارترند و خداوند، بسيار دانا و حكيم است. (97)

بعضي از اين اعراب آنچه را انفاق مي كنند، غرامت حساب مي كنند و انتظار حوادث دردناكي براي شما مي كشند، حوادث دردناك براي آنهاست و خداوند شنوا و داناست. (98)

و بعضي از اين عربهاي باديه نشين ايمان به خدا و روز رستاخير دارند و آنچه را انفاق مي كنند مايه تقرّب نزد خدا و دعاهاي پيامبر مي دانند،

آگاه باشيد، اينها مايه تقرّب آنهاست خداوند بزودي آنان را در رحمت خود وارد خواهد ساخت، چرا كه خداوند آمرزنده و مهربان است. (99)

80

تفسير:

مقصود از كلمه «اعراب» عربهاي بيابان نشين است.

أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً كفر و نفاق اينها از متمدنين بيشتر است، زيرا سنگدل و خطا كارند و از حضور دانشمندان و شنيدن وحي و آيات الهي دورند و سزاوارترند كه حدود شرايع الهي و احكامي كه نازل مي شود، ندانسته باشند «و اللَّه عليم» و خداوند به حال مردمان بيابان نشين و شهرنشين دانا و آگاه است و هر حكمي كه بر آنها كند مصلحت آن را مي داند.

«مغرما» غرامت و خسران، يعني: چيزي انفاق نمي كنند مگر به خاطر ترس از مسلمانان و خودنمايي و ريا، نه براي خداوند.

وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ منتظر پيشامدهاي زمان و گرفتاريهاي روزگارند كه براي شما پيدا شود تا ديگر شما تسلّطي بر آنها نداشته باشيد و از صدقه دادن نجات پيدا كنند.

عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ اين جمله معترضه و نفريني در حق اعراب است سوء به ضمّ سين هم قرائت شده كه مصدر و به معناي عذاب است، ولي با فتحه (صفت و مضاف اليه) براي دائره است، چنان كه گويند رجل سوء و نقيض آن رجل صدق است، مثل قول شاعر:

و كنت كذئب السوء لما رأي دما

بصاحبه يوما احال علي الدم (1)

وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ خداوند گفته هاي آنها را مي شنود و به جاي حالشان آگاه است.

قُرُباتٍ اين كلمه، مفعول دوم براي فعل يتخذ است:

آنچه او انفاق مي كند سبب نزديك شدن وي به خداست.

- - -

1 - تو، مانند گرگ بدي بودي كه اگر روزي رفيقش را خون آلود ببيند حمله

به خون مي كند. شاعر، رفيقش را مذمّت به بي وفايي و جفاكاري مي كند - م.

81

عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ زيرا رسول اكرم صلّي اللَّه عليه و آله براي صدقه دهندگان دعاي خير و بركت و براي ايشان طلب مغفرت مي كرد، چنان كه وقتي ابو اوفي صدقه داد، آن حضرت گفت:

خدايا آل ابو اوفي را رحمت كن و چون انفاق سبب مغفرت و دعا مي شود، خداوند فرموده است:

يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ … و صلوات: آنچه انفاق مي كند تقرّب به خدا و دعاي خير پيامبر حساب مي كند.

أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ در اين عبارت خداوند گواهي مي دهد كه آنچه انفاق كننده معتقد است، راست است:

داده هايش باعث نزديكي او به خدا و دعاي پيامبرش مي باشد و به وسيله دو حرف تنبيه: «الا» و تحقيق: «انّها» كه حاكي از ثبات امر و تحقّق آن است، جمله را شروع و اميدواري انفاق كننده را تصديق فرموده است و جمله:

«سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ» نيز به همين منظور است، زيرا «سين» مفيد تأكيد و تحقّق وعده است، «قربة» با ضمّه «راء» نيز قرائت شده است.

آيه 100

آيه 100

وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الأَْنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)

ترجمه:

و پيشگامان نخستين از مهاجرين و انصار و آنان كه به نيكي از اينها پيروي كردند، خدا از آنها خشنود و آنان نيز از خدا خشنودند و برايشان باغهايي از بهشت آماده ساخته كه جويها، در آن روان است و براي هميشه در آن، جاودانند و اين است كاميابي بزرگ. (100)

تفسير:

وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ اين گروه، كساني اند كه به هر

دو قبله نماز

82

خواندند و بعضي گفته اند:

كساني هستند كه در جنگ بدر شركت داشتند.

«الانصار» مراد، اهل بيعت عقبه نخستين است كه دوازده نفر و نيز اهل عقبه دوم كه هفتاد نفر بودند و كساني كه وقتي «مصعب بن عمير» پيش آنها آمد ايمان آوردند و به آنها قرآن را تعليم داد. كلمه «انصار» را به رفع نيز خوانده اند كه عطف بر «و السّابقون» باشد كه آن هم مبتداست و خبرش «رضي اللَّه عنهم» مي باشد.

ابن كثير «من تحتها» خوانده است. در قرائت مشهور منصوب و بدون «من» است.

آيات 101 تا 102

آيات 101 تا 102

وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَي النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلي عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَي اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)

ترجمه:

و جمعي از باديه نشينان عرب كه اطراف شمايند، منافقند و نيز از اهل مدينه، گروهي، سخت به نفاق پاي بندند كه تو آنها را نمي شناسي و ما آنان را مي شناسيم، بزودي آنها را دو بار مجازات مي كنيم، سپس به سوي كيفري بزرگ فرستاده مي شوند. (101)

و گروهي ديگر، كه به گناهان خود اعتراف كردند و عمل شايسته و ناشايست را به هم درآميختند، اميد است كه خداوند، توبه آنها را بپذيرد كه همانا خدا، بسيار آمرزنده و مهربان است. (102)

تفسير:

مِنَ الْأَعْرابِ برخي از عربهايي كه در اطراف شهر شما مدينه قرار دارند، منافقند،

83

و آنها قبايل: «جهينه» و «أسلم» و «غفار» و «اشجع» و «مزينه» مي باشند كه مسكن آنها اطراف شهر مدينه بود.

وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اين عبارت عطف بر و ممّن حولكم، است

كه خبر مبتدا مي باشد و نيز مي توانيم آن را جمله اي بگيريم عطف بر مبتدا و خبر، كه تقديرش چنين باشد:

«و من اهل المدينه قوم - مردوا علي النفاق» بنا بر اين كه فعل «مردوا» صفت براي موصوف محذوف باشد، مثل قول شاعر:

أنا بن جلا و طلاع الثنايا (1)

يعني انا بن رجل وضح امره (من پسر مردي هستم كه امرش روشن است و كارهايش بزرگ، رجل محذوف و موصوف براي جلا و طلّاع … ).

مَرَدُوا عَلَي النِّفاقِ در امر نفاق ورزيدگي و مهارت دارند. مرد فلان علي عمله و مرد عليه: چنان در كار خود ورزيده شده است كه در نهايت سهولت بر آن دست مي يابد و شاهد بر اين معنا جمله بعدي است:

«لا تعلمهم» : از بس كه واردند خود را حفظ كنند كه شكّي به آنها برده نشود، امر را بر تو هم مي پوشانند، با اين كه در فراست و باهوشي تو شكّي و شبهه اي نيست و سپس مي فرمايد:

نحن نعلمهم:

كسي بر باطن امر آنها اطلاعي نمي يابد مگر خداوندي كه از بطون كارها آگاه است، چرا كه آنان در ضمير خود، كفر را مخفي داشته و براي تو، ايمان را آشكار مي سازند و چنان اخلاصي را وانمود مي كنند كه هيچ گونه شكّي به آنها نبري.

سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ دو كيفر عبارتند از: اول:

هنگام قبض روح، فرشتگان عذاب الهي، با تازيانه به صورت و پشتهاي آنها مي زنند. دوم:

همان عذاب قبر است.

ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلي عَذابٍ عَظِيمٍ سپس به طرف عقوبتي بزرگ برده مي شوند، منظور آتش دوزخ است.

- - -

1 - مصراع دوم اين شعر اين است:

متي اضع العمامة تعرفوني

(هر گاه عمامه را بر سر نهم مرا مي شناسيد).

84

وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا

بِذُنُوبِهِمْ عده ديگر كه به گناهان خود، اعتراف كردند و مثل ديگران به بهانه هاي دروغين متوسط نشدند، اينها سه نفر از انصار بودند:

الف) ابو لبابه پسر عبد المنذر، ب) اوس، پسر خدام، ج) ثعلبة پسر وديعه.

خَلَطُوا عَمَلًا اين جمله، بر باطل بودن نظريه احباط دلالت دارد، زيرا اگر يكي از دو عمل، ديگري را حبط كند، براي فعل خلط، موردي باقي نمي ماند، چرا كه لازمه «خلط» اجتماع است، خواه در آن امتزاج هم باشد، مثل شير و آب و خواه نباشد مثل در هم ريختن درهم و دينار. (در هر صورت با از بين رفتن يكي، جايي براي مخلوط شدن باقي نمي ماند و اگر خلط صورت گيرد، حبطي در كار نيست).

وَ آخَرَ و عمل ديگر (گناهيست كه اميد است خدا توبه آنها را بر آن بپذيرد و خدا غفور و رحيم است).

آيات 103 تا 105

آيات 103 تا 105

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلي عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

ترجمه:

از ميان اموال آنها صدقه اي (زكات) را بگير تا پاكشان سازد (تا پاكشان سازي) و با آن وسيله پاكيزه شان گرداني و برايشان دعا كن كه دعاي تو آرامشيست براي آنها و خداوند بسيار شنوا و داناست. (103)

آيا نمي دانند كه براستي خدا، توبه بندگانش را مي پذيرد و صدقات را مي گيرد و تنها خداست كه بسيار توبه پذير و

85

رحيم است. (104)

بگو:

به

عمل كوشيد كه خدا عملتان را خواهد ديد، پيامبر او و مؤمنان نيز و بزودي به سوي خداي داناي غيب و شهود باز خواهيد گشت و او، شما را بدانچه مي كرديد خبر مي دهد. (105)

تفسير:

تُطَهِّرُهُمْ اين جمله صفت است براي «صدقه» و «تا» براي خطاب است:

صدقه اي كه به آن وسيله تو آنها را پاك و تزكيه مي كني و با اين وجه، هر دو فعل به پيامبر اسناد داده مي شود. وجه ديگر آن است كه «تا» در «تطهرهم» تأنيث باشد براي صدقه. يعني صدقه آنها را پاك و مطهر مي سازد و در «تزكّيهم» خطاب به رسول اكرم، يعني تو آنها را به پاكي نسبت مي دهي. تزكيه به دو معني است:

1 - مبالغه و زيادي در تطهير و پاكي.

2 - بركت و افزايش در مال و ثروت.

وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ با دعا كردن براي پذيرفته شدن صدقات آنها برايشان آمرزش بخواه.

إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ دعاهاي تو باعث تسكين خاطر و آرامش قلب آنهاست.

«وَ اللَّهُ سَمِيعٌ»، خدا دعاي تو را براي آنان مي شنود، «عَلِيمٌ» و از وضع حالشان آگاه است. بعضي در اين سوره و در سوره هود به صورت مفرد «صلواتك» خوانده اند.

أَ لَمْ يَعْلَمُوا … آيا اينها نمي دانند كه خدا توبه را قبول مي كند، هر گاه صحيح باشد و صدقات را مي پذيرد، هر گاه از روي خلوص نيّت واقع شود؟

هُوَ براي اختصاص و نيز تأكيد مي آيد و انّ اللَّه از شأن خداست كه توبه توبه كنندگان را بپذيرد.

وَ قُلِ به اين توبه كنندگان بگو:

بكوشيد كه عمل شما، بر خدا و رسول و اهل ايمان پوشيده نيست چه خوب باشد و چه بد. چنان كه اصحاب ما (شيعه) روايت

86

كرده اند كه

اعمال امّت در هر دوشنبه و پنجشنبه به حضور پيامبر عرضه مي شود و سپس بر امامان عليه السّلام كه جانشين او هستند و مراد از مؤمنان در آيه نيز امامان مي باشد.

وَ سَتُرَدُّونَ بزودي به سوي خدايي كه از نهان و آشكار آگاه است خواهيد رفت.

فَيُنَبِّئُكُمْ پس از كارهايتان به شما خبر مي دهد و بر آنها مجازاتتان مي كند.

آيه 106

آيه 106

وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)

ترجمه:

گروهي ديگر واگذار به فرمان خدا شده اند، يا آنها را عذاب مي كند و يا توبه آنان را مي پذيرد و خداوند بسيار دانا و حكيم است. (106)

تفسير:

مُرْجَوْنَ «مرجون» نيز خوانده شده، از «أرجيته» و أرجأته» آن را به تأخير انداختم. گروه ديگري از تخلّف كنندگان كارشان معلوم نيست بلكه موقوف به مشيّت خداست، يا آنها را عذاب مي كند و اين، در صورتيست كه بر كار خود اصرار داشته و توبه نكنند و يا اين كه آنها را مورد عفو و مغفرت قرار مي دهد و اين، در صورتيست كه به سوي خدا توبه و بازگشت نمايند و اين گروه، سه نفر بودند:

كعب بن مالك، هلال بن اميّه و مرارة بن ربيع و پيغمبر اكرم به مردم دستور داد كه با آنها حرف نزنند، مردم نيز چنين كردند، امّا پس از مدّت پنجاه روز خداوند توبه آنها را پذيرفت و كعب در ازاي شكر و سپاس خداوند كه توبه اش را پذيرفت يك سوم ثروتش را صدقه داد.

آيات 107 تا 110

آيات 107 تا 110

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْني وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلي تَقْوي مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلي شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ

اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)

ترجمه:

و آنان كه به منظور زيان زدن و كفر و ايجاد تفرقه ميان مؤمنان و (تشكيل) پايگاه براي كساني كه پيش از اين با خدا و رسولش، ستيز كرده، مسجدي را بنا كرده و سوگند ياد مي كنند كه: ما غير از نيكي نظري نداشته ايم و خدا گواهي مي دهد كه حتما آنها دروغ گويانند. (107)

هرگز در آن نماز مخوان. مسجدي كه از نخستين روز بر پايه تقوا بنا شده سزاوارتر است كه در آن نماز بخواني، چرا كه در آن جا مرداني هستند كه پاكيزگي را دوست مي دارند و خدا نيز پاكيزگان را دوست دارد. (108)

آيا كسي كه پايه بناي خود را بر تقوا گذاشته بهتر است يا آنكه شالوده اش را بر لب پرتگاه سستي بنا نهاده كه در آتش دوزخش اندازد و خدا مردم ستمكار را هدايت نمي كند. (109)

پيوسته اين بنايي را كه ساخته اند، مايه اضطراب و حيرت دلهاي ايشان است، مگر آن كه دلهايشان پاره پاره شود، و

88

خداوند بسيار دانا و با حكمت است. (110)

تفسير:

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا اهل مدينه و شام، آغاز اين آيه را بدون حرف «واو» خوانده و در نوشته هايشان نيز چنين ثبت شده و آن را داستاني جداگانه دانسته اند:

روايت شده است كه وقتي قبيله بني عمرو بن عوف مسجد قبا را ساختند و رسول خدا صلّي اللَّه عليه و آله در آن نماز خواند، برادران آنها: فرزندان غنم بن عوف بر آنها حسد ورزيدند و گفتند:

ما نيز مسجدي بنا مي كنيم و در آن نماز مي خوانيم و در جماعت محمّد

صلّي اللَّه عليه و آله شركت نمي كنيم. نزديك مسجد قبا، جايي ساختند و به حضرت پيامبر در حالي كه عازم جنگ تبوك بود، گفتند، ما دوست داريم شما به مسجد ما بياييد و در آنجا نماز بخوانيد، حضرت فرمود:

من عازم سفرم و هنگامي هم كه از تبوك مراجعت فرمود آيه فوق نازل شد. پيغمبر كسي را فرستاد و رفت، مسجد را خراب كرد و آنچه بر جاي مانده بود، سوزانيد و دستور داد آن را زباله داني قرار دهند و مردارها و كثافات را در آن بريزند.

ضِراراً براي ضرر رساندن به برادرانشان: اهل مسجد قبا كه رقيب آنها بودند.

وَ كُفْراً و به منظور تقويت نفاق. وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ و چون مؤمنان، در مسجد قبا به طور دسته جمعي نماز مي خواندند خواستند آنها را متفرّق كنند و وحدت كلمه ايشان را بر هم زنند.

وَ إِرْصاداً لِمَنْ تا پايگاهي تهيّه كنند براي كسي كه با خدا و رسولش جنگ داشته، يعني ابو عامر راهب كه در زمان جاهليّت راهب شده و لباسهاي موئين و خشن بر تن مي كرد و زماني كه پيامبر به مدينه آمده بود حسادتش كرد و به حزب بازي و گروه گرايي پرداخت. پس از فتح مكه به طرف روم گريخت و نصراني شد. (او پدر حنظله معروف به غسيل الملائكه است كه در جنگ احد به شهادت رسيد و چون تازه داماد بود و بامداد همان شب به ميدان جنگ آمده و فرصت غسل پيدا نكرد پس

89

از شهادت فرشتگان او را غسل جنابت دادند. ) (1) اين گروه انتظار داشتند كه «ابو عامر» به سوي آنها برگردد و اين مسجد را براي او

ساختند كه بيايد، در آنجا نماز بخواند و كارش بالا گيرد.

مِنْ قَبْلُ اين كلمه (ظرف) متعلّق به فعل: اتخذوا و تقدير آن چنين است:

اتّخذوا مسجدا من قبل، ان ينافق هؤلاء بالتّخلّف، پيش از آن كه اين گروه با تخلّف از راه پيامبر، منافق شوند، اين مسجد را گرفتند (ساختند) و ممكن است متعلّق به فعل «حارب» باشد يعني: لأجل من حارب اللَّه و رسوله، من قبل ان يتّخذوا المسجد به خاطر كسي كه پيش از مسجد ساختن آنها، با خدا و رسولش جنگيد.

وَ لَيَحْلِفُنَّ اين گروه منافق قسم مي خوردند كه هيچ اراده نكرده اند مگر كار نيك و يا اراده نيكي را، كه عبارت است از نماز و ذكر خدا و گسترش امكانات براي اهل نماز.

لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً هرگز در آن جا نماز مخوان. مثل: فلان يقوم باللّيل: فلاني در شب نماز مي خواند.

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوي منظور مسجد قباست كه پيامبر آن را پايه ريزي كرد و چند روزي كه در محله قبا بود همانجا نماز خواند. بعضي گفته اند، مراد مسجد پيغمبر در مدينه است.

مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ از زمان وجودش. أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ: سزاوارتر است به اين كه در آن نماز بخواني.

فِيهِ رِجالٌ در آن مسجد مرداني هستند كه دوست دارند پاك باشند:

روايت شده است كه رسول خدا به اهل مسجد قبا، گفت:

خداوند متعال شما را ستوده است، در طهارت خود، چه كاري انجام مي دهيد؟

گفتند:

اثر غائط را با آب مي شوئيم، پس

- - -

1 - از نسخه تصحيح استاد گرجي.

90

پيامبر فرمود:

خدا درباره شما، چنين فرموده است:

وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ خداوند دوست مي دارد كساني را كه پاكيزگي را دوست مي دارند، آنان پاكيزگي را دوست مي داشتند، يعني آن

را انتخاب مي كردند و بر آن حرص مي ورزيدند و معناي اين كه خدا آنها را دوست مي دارد، اين است كه از آنها خشنود است و به ايشان نيكي مي كند همان كاري كه دوست نسبت به دوست خود انجام مي دهد.

أَسَّسَ بُنْيانَهُ بعضي «أسّس بنيانه» مبني للمفعول خوانده اند و بندرت: «أسس بنيانه» به صورت اضافه نيز خوانده شده است كه جمع «اساس» باشد.

معناي آيه اين است:

آيا كسي كه ساختمان ديانت خود را بر پايه محكم حق و حقيقت استوار ساخته است كه همان تقواي خدا و خشنودي او مي باشد، بهتر است، يا كسي كه آن را بر باطل و نفاق قرار داده كه داراي ضعيفترين و كم دوامترين پايه است و مثل آن در بي ثباتي مثل پرتگاهيست كه در شرف سقوط و خرابي است؟

. شفا: شفير لب.

جرف الوادي كناره درّه كه بن آن با نم آب، چاله مي شود و سيل، آن را فرو مي ريزد.

«هار» قسمتي از لبه درّه كه در حال سقوط و خرابي است، بر وزن «فعل» است كه در اصل «هائر» بوده و كوتاه شده است مثل «خلف» از «خالف» و مانند «شاك» و «صات» از «شائك» و «صائت» اين الف فاعل نيست، بلكه در اصل هور و سوك و صوت بوده است. (1) فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ با توجه به اين كه در عبارت قبل به طور مجاز، از باطل

- - -

1 - الف، منقلب از «و» است كه عين الفعل كلمه مي باشد و الف فعل براي تخفيف حذف شده است چنان كه الف، خالف حذف و خلف شده، الف «هائر» هم حذف شده، امّا چون در اين جا كلمه متصل بوده، «و»

تبديل به الف و «هار» گرديده است. با توضيح از كشّاف - م.

91

تعبير به جرف هار: (كناره درّه كه در حال سقوط است) كرده، با اين عبارت آن را تكميل فرمود:

پس ناگهان او را در آتش جهنّم ساقط كند، پس گويا اهل باطل ساختماني را بر لبه جهنّم بنا كرده كه در حال سقوط به قعر آن مي باشد.

رِيبَةً منظور نفاق و شكّ در دين است و معناي آيه چنين مي شود:

خرابي ساختمان مسجد ضرار، پيوسته در دلهاي گروه منافق، سبب شكّ و نفاق است و از بين نمي رود.

إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ مگر آن دلها از جا كنده و قطعه قطعه شود كه در آن صورت آن را فراموش كنند و شكّ و شبهه اي باقي نماند. «تقطّع» با تشديد و تخفيف هر دو خوانده شده است و مي توان گفت:

قطع دلهاي منافقان در حقيقت آن است كه آنها را به قتل برسانند و يا در آتش دوزخشان افكنند.

در قرائت امام صادق عليه السّلام به جاي كلمه «إلّا» إلي خوانده شد و در قرائت عبد اللَّه و لو تقطّعت قلوبهم گفته شده است. بعضي در معناي «قطع» چنين گفته اند:

مگر اين كه توبه كنند و از پشيماني بر كار خود دلهايشان از شك و نفاق بريده و جدا شود.

آيات 111 تا 112

آيات 111 تا 112

إِنَّ اللَّهَ اشْتَري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفي بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ

اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)

92

ترجمه:

خداوند از مؤمنان جانها و مالهايشان را مي خرد تا به آنها بهشت دهد، آنها در راه خدا پيكار مي كنند، مي كشند و كشته مي شوند، اين وعده ايست بر خدا، كه در تورات و انجيل و قرآن قطعي شده و چه كسي از خدا به عهدش وفادارتر است، پس بدين معامله كه انجام داده ايد خرسند باشيد و اين است كاميابي بزرگ. (111)

اين مؤمنان، توبه كنندگان و عبادتكاران و سپاس گويان و سياحت كنندگان و ركوع گزاران و سجده آوران و آمران به معروف و نهي كنندگان از منكر و مرزداران قانون الهي مي باشند و به اين مؤمنان مژده و بشارت بده. (112)

تفسير:

أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ خداوند سبحان در اين آيه از اين معنا كه: وقتي اهل ايمان، جان و مال بذل مي كنند در ازايش به بهشت نائل مي شوند، تعبير به خريد كرده و از باب تشبيه، ثواب را «بها» و كارهاي نيك آنها را هم، كالا قرار داده است. روايت شده است كه خداوند با مؤمنان، معامله مي كند و در اين معامله بهايي را كه از آنها دريافت مي دارد بسيار بالا برده است. از امام صادق عليه السّلام نقل شده است:

براي بدنهاي شما، بهايي، جز بهشت نيست، پس جز به بهشت آنها را معامله نكنيد. (1) از حسن نقل شده است:

جانها را او آفريده و ثروتها را هم او داده است. روايت شده است كه وقتي انصار در عقبه با پيامبر بيعت كردند، عبد اللَّه بن رواحه گفت:

يا رسول خدا آنچه مي خواهي براي پروردگارت و خودت در اين قرارداد شرط كن.

رسول خدا فرمود:

براي پروردگارم شرط مي كنم كه او را بپرستيد و براي او شرك

- -

-

1 - لَيْسَ لأبدانكم ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةُ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا.

93

نياوريد و براي خودم شرط مي كنم كه از آنچه براي خود نمي پسنديد براي من هم نپسنديد. ابن رواحه گفت:

وقتي كه چنين كرديم جز ايمان چيست؟ پيامبر فرمود:

بهشت شما راست. آنها گفتند:

معامله امضا شد، اقاله نمي كنيم و تقاضاي اقاله هم نداريم.

يُقْتَلُونَ فعل مضارع به معناي امر به كار رفته: بايد مبارزه كنند، مثل آيه:

تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (1) در راه خدا جهاد كنيد و بعد، مي فرمايد:

يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (2)، تا خدا گناهانتان را بيامرزد.

فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ اول معلوم و دوم مجهول و بر عكس نيز خوانده شده است.

وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا مصدر تأكيد كننده است:

وعده اي كه خداوند به مبارزان در راهش داده و عده ايست ثابت كه در تورات و انجيل آن را ثبت نموده، چنان كه در قرآن ذكر كرده است.

وَ مَنْ أَوْفي بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ هيچ كس از خداوند به عهد خود وفا كننده تر نيست، چرا كه خلف وعد و پيمان شكني زشت و انسان كريم چنين كاري نمي كند - گر چه بر انسانها به خاطر نيازشان جايز است - تا چه رسد خداوند كريم كه هيچ گونه نيازي ندارد و هيچ قبحي از او روا نيست.

فَاسْتَبْشِرُوا از اين داد و ستد شادمان باشيد كه كالايي فناپذير را به بهايي جاودان فروختيد و زايل شونده اي را داديد و بي زوالي را گرفتيد.

وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ و الظّفر، العظيم اين است پيروزي بزرگ و هيچ عبارتي براي تشويق به جهاد، نيكوتر و رساتر از اين نيست.

التَّائِبُونَ مرفوع به مدح است به تقدير: هم التائبون و مراد مؤمنان ياد شده است.

- - -

1 - صف 11 و 12 و

- مجزوم بودن «يغفر» دليل بر اين است كه «تجاهدون» به معناي امر است.

2 - همان.

94

ابي بن كعب و عبد اللَّه و امام باقر و صادق عليه السّلام نيز نصب را در: «التائبين» تا «و الحافظين» از باب مدح دانسته اند و مي توان گفت مجرور است كه صفت براي «مؤمنين» در آيه قبل باشد، وجه ديگر: «التائبون» مبتدا و خبرش: «العابدون» و ما بعدش خبر بعد از خبر است. معناي آيه اين است:

توبه كنندگان از كفر در حقيقت، جمع كنندگان اين خصلتهايند و عبادت كنندگان، كساني اند كه در عبادت خداوند اخلاص دارند.

السَّائِحُونَ روزه گيران، از اين جهت كه از به كار بردن شهوات نفساني امتناع مي كنند تشبيه شده اند به كساني كه در روي زمين به سياحت مي پردازند.

بعضي گفته اند:

منظور طالبان علم اند كه در زمين به گردش مي پردازند و علم را هر آنجا كه گمان مي برند، جستجو مي كنند.

وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ كساني كه فرمانهاي الهي را رعايت و از منهيّات خداوند، اجتناب و دوري مي كنند.

آيات 113 تا 114

آيات 113 تا 114

ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبي مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)

ترجمه:

پيامبر و مؤمنان حق ندارند كه براي مشركين طلب آمرزش كنند، پس از آن كه برايشان روشن شد كه اينها اهل دوزخند، هر چند كه از خويشانشان باشند. (113)

ابراهيم كه براي پدرش طلب آمرزش

95

كرد فقط به جهت وعده اي بود كه به او داده بود امّا وقتي كه برايش روشن شد كه او، دشمن خداست،

از او بيزاري جست، زيرا ابراهيم بسيار توبه كننده و بردبار بود. (114)

تفسير:

از حسن نقل شده است كه گروهي از مسلمانان به پيامبر گفتند:

آيا براي پدران و مادرانمان كه در زمان جاهليت و بي ديني از دنيا رفته اند نمي توانيم از خداوند طلب آمرزش كنيم؟ آيه مورد بحث در اين باره نازل شد كه هيچ پيامبر و مؤمني را سزاوار نيست كه در حق كافر دعا و طلب مغفرت كند و اين امر از نظر حكمت الهي درست نيست، اگر چه از خويشانشان باشند و اين حكم، در صورتيست كه معلوم باشد كه آنها، مشرك از دنيا رفته اند.

إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ مگر اين كه به آنها قولي داده باشد، چنان كه حضرت ابراهيم قبلا به پدر خوانده اش وعده داده بود كه برايش طلب آمرزش كند و گفت:

لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ (1). قرائت حسن در آيه مورد بحث: وعدها أباه، نيز بر همين معنا دلالت مي كند.

فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ وقتي كه از طريق وحي براي ابراهيم معلوم شد كه او در حالت كفر مرده و اصلا ايمان نداشته، از او بيزاري جست.

لَأَوَّاهٌ بر وزن فعّال از «أوه» : ناله كردن، كسي كه بسيار ناله و گريه و دعا كند و فراوان به ياد خدا باشد.

آيات 115 تا 116

آيات 115 تا 116

وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّي يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (116)

- - -

1 - (ممتحنه / 4).

96

ترجمه:

هرگز چنين نبوده است كه خداوند، پس از آن كه گروهي را هدايت كرده، گمراهشان

سازد، مگر آنچه را كه بايد از آن بپرهيزند برايشان بيان كند، زيرا خداوند به هر چيز داناست. (115)

حكومت آسمانها و زمين از آن خداست، او زنده مي كند و مي ميراند و براي شما، جز خداوند، دوست و ياوري نيست. (116)

تفسير:

خداوند بندگانش را كه به سوي دين اسلام هدايت كرده، مورد مؤاخذه و كيفر قرار نمي دهد آنان را گمراه نمي نامد و به خاطر مرتكب شدن برخي كارهاي خلاف آنان را به خواري و ذلّت نمي كشاند مگر، پس از آن كه ممنوعيّت آنها را برايشان بيان كرده و به آنان گفته باشد كه از اين امور بايد بپرهيزيد، زيرا عقوبت پيش از بيان سزاوار نيست.

ما يَتَّقُونَ مراد چيزهاييست كه به خاطر نهي تشريعي بايد از آن، دوري كرد، امّا چيزهايي كه زشتي و ممنوعيّت آنها از طريق عقل معلوم است نيازي به منع از راه وحي ندارد.

آيات 117 تا 119

آيات 117 تا 119

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَي النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَ عَلَي الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّي إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

97

ترجمه:

همانا خداوند توبه پيامبر و مهاجران و انصار را كه در زمان عسرت و شدّت، از او، پيروي كردند، پذيرفت، پس از آن كه نزديك بود دلهاي گروهي از آنان، از حق منحرف شود، سپس خداوند توبه آنها را پذيرفت، چرا كه

او نسبت به آنان مهربان و بسيار رحيم است. (117)

و نيز آن، سه نفر را كه (از جنگ) بازماندند، تا زماني كه زمين با همه وسعتش بر آنها تنگ شد و جانهايشان بر آنان به تنگ آمد و دانستند كه از خدا پناهگاهي جز به سوي او نيست، پس در آن هنگام خداوند آنان را مشمول رحمت خود ساخت تا بر توبه خود ثابت بمانند، كه خداوند توبه پذير و مهربان است. (118)

اي كساني كه ايمان آورده ايد، تقواي خدا پيشه كنيد و با راستگويان باشيد. (119)

تفسير:

ذكر پيامبر در زمره توبه كنندگان فقط به عنوان تبرّك است و به اين جهت كه آن حضرت، سبب توبه آنها بود و گرنه معلوم است كه او، كاري خلاف انجام نداده بود كه لازم باشد توبه كند. روايت شده است كه حضرت رضا عليه السّلام آيه را چنين قرائت مي كردند:

لقد تاب اللَّه بالنّبيّ علي المهاجرين …

«خدا به واسطه پيامبر توبه آنها را قبول كرده است». در اين آيه خداوند مؤمنان را وادار به توبه كرده و بيان فرموده است كه هيچ مؤمني بي نياز از توبه و استغفار نيست.

فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ در وقت سختي، گاهي كلمه «ساعة» به معناي مطلق زمان به كار

98

مي رود مثل «غداة» و «عشيّة» و «يوم»، مثل قول شاعر:

عشيّة قارعنا جذام و حميرا (1)

و مثل شعر ديگر:

غداة طفت علماء بكر بن وائل (2)

(علماء علي الماء) عشيه و غداة به معناي مطلق زمان به كار رفته است.

الْعُسْرَةِ منظور حالت سختيست كه مردم در جنگ تبوك داشتند كه ده نفر به تناوب، بر يك شتر سوار مي شدند، خوراكشان جو، با سبوس و خرماي كرم زده و چربي گوشت فاسد

شده بود. سختي بر آنها به حدّي رسيده بود كه يك خرما را بين دو نفر تقسيم مي كردند و چه بسا كه يك خرما را چند نفر به نوبت مي مكيدند تا آب دهانشان را با آن بيالايند و در شدّت گرماي تابستان، از قحطي و نيز كم آبي در مضيقه و سختي بودند.

كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ (3) نزديك بود دلهاي گروهي از آنان در اين جنگ از راه ايمان، يا از پيروي پيامبر، منحرف شود. در فعل «كاد» ضمير «أمر» و «شأن» نهفته است و سيبويه اين را شبيه به قول عربها دانسته است كه مي گويند:

ليس خلق اللَّه مثله. (4) «يزيغ» به «ي» : مفرد مذكّر غايب، نيز خوانده شده است. بعضي گفته اند:

يك عدّه از مسلمانان، تصميم گرفتند بدون اجازه از جنگ منصرف شوند، امّا خداوند آنان را حفظ كرد تا اين كه به جنگ رفتند.

- - -

1 - زماني كه با «جذام» و «حمير» مي جنگيديم:

مراد اين است كه وقتي با اين دو قبيله روبرو شديم دانستيم كه چنان كه ما خيال مي كرديم ناتوان نيستند بلكه قوي و نيرومند هستند.

2 - زماني كه قبيله بكر بن وائل بر روي آب قرار گرفت، كنايه از اين كه اين گروه مقامي عالي دارند كه هيچ كس بر آنها برتري ندارد مثل اين كه چيزي بر روي آب قرار دارد هيچ روي آن نمي تواند واقع شود «علماء» مخفف علي الماء است يعني بر روي آب.

3 - مرحوم طبرسي اصل قرائت در آيه را، با «ت» گرفته و قرائت با «ي» را هم قول ديگر شمرده و حال آن كه صورت مشهور در قرآن قرائت با «ي» است.

پاورقي تصحيح استاد گرجي.

4 - چنين چيزي نيست كه خداوند مثل خود را آفريده باشد، در اين جمله، امر در تقدير است.

99

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ پس از اين انحراف، خداوند توبه آنها را پذيرفت، زيرا او، نسبت به آنان مهربان و رحيم است:

گذشته آنها را با رأفت و رحمت خود جبران فرمود.

وَ عَلَي الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا سه نفر: كعب پسر مالك، مرارة پسر ربيع و هلال پسر اميّه، بودند. از قبول توبه باز ماندند و با پذيرش توبه ديگران (ابو لبابه و يارانش) (1) قبولي توبه آنها به تأخير افتاد.

بعضي گفته اند:

وقتي كه از رفتن به جنگ تبوك، سرباز زدند، مسلمانان آنها را پشت سر گذاشتند.

فعل «خلفوا» به قرائت اهل بيت: و ابو عبد الرحمن سلمي، «خالفوا» خوانده شده است.

بِما رَحُبَتْ زمين با وسعتش (بر آنها تنگ شد) اين كنايه است از تحيّر آنها در كارشان: كه گويا در روي زمين پهناور، جايي براي سكونت خود نمي يافتند.

وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ از بسياري وحشت و غم، دلهايشان تنگ شده بود، احساس دلتنگي مي كردند.

وَ ظَنُّوا دانستند، جايي كه از خشم خداوند به آن پناه ببرند، جز به سوي او نيست.

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا خداوند چند مرتبه توبه آنها را پذيرفت و بر آنها رحمت كرد تا بر توبه خود ثابت قدم بمانند، يا به اين جهت كه باز هم اگر از آنها گناهي سر زد در آينده، توبه كنند، زيرا مي دانند كه خداوند بسيار پذيرنده است، توبه كسي را كه توبه كند، هر چند در روزي هفتاد مرتبه توبه خود را بهم زند.

مَعَ الصَّادِقِينَ … با كساني باشيد كه در دين خدا از نظر نيّت و گفتار و كردار

راستي و صداقت، دارند.

- - -

1 - كشّاف.

100

به قول امام باقر عليه السّلام يعني: با آل محمّد صلّي اللَّه عليه و آله باشيد و ابن عباس: «من الصادقين» خوانده و اين قرائت از امام صادق عليه السّلام نيز نقل شده است.

آيات 120 تا 121

آيات 120 تا 121

ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121)

ترجمه:

سزاوار نيست كه اهل مدينه و باديه نشيناني كه اطراف آنهايند از رسول خدا تخلّف جويند و براي حفظ جان خويش نبايد از جان او چشم بپوشند، زيرا در راه خدا به آنها هيچ تشنگي و خستگي و گرسنگي، نخواهد رسيد و هيچ گامي كه موجب خشم كافران شود بر نمي دارند و ضربه اي از دشمن نمي خورند مگر اين كه به آن سبب عمل صالحي برايشان نوشته مي شود، زيرا خداوند پاداش نيكوكاران را ضايع نمي كند. (120)

و هيچ نفقه كوچك و بزرگي انفاق نمي كنند و هيچ سرزميني را نمي پيمايند مگر اين كه براي آنها نوشته مي شود، تا خداوند آنها را به عنوان بهترين اعمالشان پاداش دهد. (121)

101

تفسير:

ظاهر اين آيه خبر و معنايش نهي است، مثل اين قول خداوند:

وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ «نبايد رسول خدا را آزار دهيد». (احزاب /

53) وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ در اين بخش از آيه خداوند مردم را امر كرده است كه در سختيها و گرفتاريها با پيامبر همراه باشند و ناملايمات را همراه او، با ميل و رغبت بچشند.

«ذلك» اشاره به مطلبيست كه جمله: ما كان لهم أن يتخلّفوا، بر آن دلالت دارد، يعني مخالفت نكردن با پيامبر واجب است، زيرا در راه جهاد، هيچ تشنگي طاقت فرسا و رنج فوق العاده و گرسنگي بسياري را تحمّل نمي كنند و گامهاي خود و لگدهاي اسبان و پاهاي شترهايشان را در جايي كه كافران را به خشم در آورد نمي گذارند و در سرزمين كافران تصرّفي كه مايه دلتنگي آنها باشد، انجام نمي دهند و هيچ ضربه اي از دشمن نمي خورند. هيچ مصيبتي از قبيل كشتن يا اسارت يا هر امري كه آنها را غمگين كند، از دشمن نمي بينند، مگر اين كه در مقابل هر يك از اين صدمات خداوند برايشان عمل صالحي ثبت و ضبط مي فرمايد و در نزد خداوند استحقاق ثواب مي يابند. «موطئ» ممكن است (محلّ ورود باشد)، مثل «مورد» و ممكن است اسم مكان باشد. «نيل» ممكن است مصدر تأكيد كننده باشد و جايز است به معناي «منيل» (اسم مفعول بر وزن مبيع) باشد و شامل هر چيزيست كه باعث ناراحتي و ضرر آنها باشد.

وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً در راه رفت و برگشت از هيچ زميني عبور نمي كنند، «وادي» :

كناره هاي كوه ها و نيزارها كه محل عبور سيل است مي باشد اسم فاعل از «ودي» به معناي: «سال» روان شد. «ودي» نيز از همين مادّه است (وادي، ودي، وديّ آبي كه بعد از بول بيرون مي آيد. شرح استاد گرجي نقل از

صحاح).

إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ مگر اين كه اين انفاقها و طي طريقها براي آنها نوشته مي شود.

102

لِيَجْزِيَهُمُ متعلق به «كتب» است، يعني نفقات و پيمودن بيابانها در نامه اعمالشان نوشته مي شود كه پاداش آنها به حساب آيد.

آيات 122 تا 125

آيات 122 تا 125

وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَي رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ (125)

ترجمه:

شايسته نيست كه همه مؤمنان (براي طلب علم) كوچ كنند، (حال كه اين امكان ندارد) پس چرا از هر فرقه اي، گروهي كوچ نكنند كه در مسائل ديني تحقيق كنند و وقتي كه به سوي قوم خود برگشتند آنها را انذار كنند تا شايد بترسند. (122)

اي كساني كه ايمان آورده ايد، با كافراني كه مجاور شمايند پيكار كنيد و بايد آنها در شما خشونتي احساس كنند و اين را بدانيد كه خداوند با پرهيزكاران است. (123)

و هر گاه سوره اي نازل شود، برخي از آنها (منافقان) گويند:

اين سوره ايمان كدام يك از شماها را افزايش داد؟ (به اينها بگو:)

امّا كساني را كه ايمان آوردند، بر ايمانشان مي افزايد و شاد مي شوند. (124)

- و امّا آنهايي كه در دلهايشان بيماري وجود دارد (آنچه نازل مي شود) پليدي

103

بر پليديشان مي افزايد و در حال كفر بميرند. (125)

تفسير:

لِيَنْفِرُوا «لام» براي تأكيد نفي است:

كوچ

كردن همه مؤمنان از وطنهايشان براي تحصيل علم و يادگيري احكام، امريست نادرست و غير ممكن. از اين مطلب چنين معلوم مي شود كه اگر شايسته و ممكن مي بود و موجب فساد و تباهي نمي شد، بر همه واجب و لازم بود، چرا كه طلب علم بر هر مسلماني واجب است.

فَلَوْ لا نَفَرَ پس حال كه براي همه مردم امكان كوچ كردن نيست، چرا از هر فرقه اي، تعدادي كوچ نكنند؟

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ تحمل رنج كنند، تا در مسائل ديني تخصّص يابند و براي بدست آوردن آن بكوشند.

وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ هدفشان از بدست آوردن تخصّص ديني، انذار و ارشاد مردمشان باشد. لعلّهم يحذرون: به اميد اين كه از كيفر الهي بترسند و او را اطاعت كنند.

قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ با آن عدّه از كافران كه نزديك شمايند، بجنگيد، زيرا وقتي كه جنگ در برابر تمام كافران واجب باشد، هر چه نزديكتر باشد، واجب تر است.

مثل: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «خويشاوندان نزديكت را انذار كن».

(شعراء / 214) بدين جهت رسول خدا نخست با قوم خود مبارزه كرد و سپس با ديگران.

بعضي گفته اند مراد از كافران نزديك، بني قريظه و بني نضير و اهل فدك و خيبر بودند، امّا همان تفسير اول بهتر است، زيرا اين سوره در سال نهم از هجرت نازل شد و در آن زمان پيغمبر از اين دشمنان فراغت يافته بود.

وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً بايد كفار احساس كنند كه شما در مبارزه با آنها سخت

104

تحمّل داريد، مثل: وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ (آيه 73 همين سوره).

فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ برخي از منافقان به برخي ديگر مي گويند:

اين سوره، ايمان كدام يك از شما را افزايش داد؟ اين حرف را منافقان

براي مسخره كردن مؤمنان مي گويند، زيرا مؤمنان اعتقاد دارند كه با آمدن وحي الهي علم و ايمانشان افزايش مي يابد.

فَزادَتْهُمْ إِيماناً نزول وحي براي مؤمنان موجب افزايش تصديق و يقين و اطمينان در دلهايشان مي شود.

فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَي رِجْسِهِمْ و در كافران، باعث افزايش كفري ديگر بر كفرشان مي شود (رجس: پليدي مساوي با كفر است) زيرا با تجديد شدن وحي كفر و نفاقي نو از آنها سر مي زند پس كفرشان زياد و محكمتر مي شود.

آيات 126 تا 129

آيات 126 تا 129

أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلي بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

ترجمه:

آيا نمي بينند كه در هر سال يكي يا دو مرتبه آزمايش

105

مي شوند، باز هم توبه نمي كنند و متذكّر نمي شوند. (126)

و هر وقت سوره اي نازل مي شود بعضي از آنها به بعض ديگر نگاه مي كنند (و مي گويند) : آيا كسي شما را مي بيند، آن گاه باز مي گردند، خدا دلهايشان را برگرداند، زيرا قومي نادانند. (127)

پيامبري از خود شما به سويتان آمد، كه رنج بردن شما بر او گران است و اصرار به هدايت شما دارد و نسبت به مؤمنان رؤوف و مهربان است. (128)

پس اگر روي برگردانند، بگو:

خدا مرا بس است، معبودي جز او نيست، توكّلم بر اوست، او پروردگار عرش بزرگ است. (129)

تفسير:

أَ وَ لا يَرَوْنَ به صيغه

مخاطب نيز خوانده شده:

«او لا ترون».

يُفْتَنُونَ به وسيله بيماري و قحطي و گرفتاريهاي ديگر، آزمايش مي شوند و باز هم دست بردار نيستند و از نفاق خود توبه نمي كنند و متذكّر نمي شوند، عبرت نمي گيرند. معناي ديگر آيه اين است كه مبتلا مي شوند، به جهاد با پيامبر اكرم و مشاهده مي كنند كه خداوند ياري و پيروزي بر او نازل مي كند.

معناي سوم اين كه شيطان آنها را مفتون مي سازد، پس عهدي را كه با رسول خدا بسته اند در هم مي شكنند و او آنها را به قتل مي رساند و خوارشان مي سازد، باز هم ترك نفاق نمي كنند.

نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلي بَعْضٍ با حالتي كه منكر وحي بودند با چشمان خود به هم ديگر اشاره مي كردند و مي گفتند:

آيا كسي از مسلمانان شما را مي بيند، زيرا ما مي خواهيم برويم چرا كه حوصله شنيدن سخنان او (پيامبر صلّي اللَّه عليه و آله) را نداريم.

معناي ديگر اين آيه اين است:

با زير چشمي به هم نگاه و مشورت مي كردند كه چگونه از مجلس بيرون بروند و فرار كنند و بالاخره در رفتند.

صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ اين جمله نفريني ست براي منافقان: خدا خوارشان سازد و مي توان جمله را خبري دانست يعني: خداوند دلهاي آنها را از آنچه در دلهاي

106

مؤمنان قرار دارد كه همان شرح صدر است خالي و بي بهره قرار داده است، زيرا آنها قومي نادانند.

لا يَفْقَهُونَ تدبّر نمي كنند تا بفهمند و آگاه شوند.

مِنْ أَنْفُسِكُمْ پيامبري از جنس و از فاميل شما: عربي و قرشي مثل خودتان و چون جزئي از شماست، بر او سخت است كه ببيند بر شما امر ناپسند و مكروهي برسد و از اين مي ترسد كه سرانجام به كيفري سخت و عذابي دردناك مبتلا

شويد.

حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ نمي خواهد كه حتي يك نفر از شما، از سعادت و نيك بختي كه در سايه دين و آئين او، وجود دارد، محروم و بي نصيب شود.

بِالْمُؤْمِنِينَ نسبت به اهل ايمان، خواه از شما باشند يا غير شما رؤوف و مهربان است.

مِنْ أَنْفُسِكُمْ با فتح «فا» نيز خوانده شده:

از شريفترين و با فضيلت ترين شما و بعضي گفته اند:

اين قرائت رسول خدا و فاطمه زهرا عليها السّلام است.

فَإِنْ تَوَلَّوْا پس اگر از ايمان آوردن به تو اعراض كنند، از خدا كمك بگير و كارت را به او واگذار كن كه او در مقابل آنها تو را بس است و تو را بر آنها پيروز گرداند.

بعضي گفته اند:

اين آيه آخرين آيه ايست كه بر پيامبر نازل شده و اين سوره آخرين سوره كامليست كه فرود آمده است.

سعيد بن جبير مي گويد:

از ابن عباس درباره سوره توبه، سؤال كردم، گفت:

اين سوره رسوا كننده است:

آن قدر با نزول كلمات «منهم» و «منهم» براي شرح حال منافقان، ادامه مي داد تا آنجا كه ترسيديم كسي از ما باقي نماند جز اين كه نامش جزء منافقان برده شود.

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109