عکس

ص: 2

عکس

ص: 3

عکس

ص: 4

عکس

ص: 5

عکس

ص: 6

عکس

ص: 7

عکس

ص: 8

عکس

ص: 9

عکس

ص: 10

عکس

ص: 11

عکس

ص: 12

عکس

ص: 13

بسم اللّٰه الرحمٰن الرحیم

المعصومه(سلام الله علیها) تحت عنوان: إحیاء ذكریٰ استشهاد هذه السیّدة العلویة الجلیلة، وكذلك إحیاء ذكریٰ رحیل المرحوم آیة اللّٰه العظمیٰ، السیّد محمّد باقر الموحد الأبطحي(رحمه الله) في المسجد المذكور، المصادف في تلك الأیام.

فكان كلّ ذلك یساهم في رفع درجات الاستعداد المعنوي لدی الموالین والمعزّین الفاطمیین، وبالشعور الطیّب والحماس المتزاید من قبل خطیب ذلك المجلس المهیب والمعنوي، ممّا یحدو بالحاضرین في ذلك المجلس. وهم لاریب من الفاطمیّین المخلصین إلیٰ مزید الإستعداد والإندفاع الكبیر للمشاركة في النشاطات الواسعة والمتعدّدة فیما یرتبط بالأمر الفاطمي المقدّس. لقد تسبّبت الاضطرابات المضادّة للدین في البلاد في سرایة القلق إلی القلوب وإلیٰ ما كان یتوقّع من خطوات ومراسم فاطمیّة.

كانت تمتص سوائل الأشجار، وهي التي تُعد من جملة الآفات التي تحیق بالنباتات، ولها القابلیة علی التكاثر بشدّة، وكان الحوض إذ ذاك خالیاً من الماء، فیما كنتم ورفاقكم تجهدون في تشغیل الجهاز الساحب للماء دونما نجاح.

وفج-أة _ أضاف الرجل _ دخل المرحوم آیة اللّٰه السیّد محمّد باقر الموحّد الأبطحي(رحمه الله)، وكان یحمل علبة بیده مكتوب علیها: <بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيم ، سَبَّحَ للّٰه مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضِ>(1). ثمّ إنّه فتح العلبة، فخرج منها الكثیر من حشرة الدُعسوقة، وهي بمثابة الخنفساء الصغیرة المرقّطة الجناحین، فتعاظم حجمها بسرعة بالغة وهاجمت تلكم الحشرات الضارة وقضت علیها، ثمّ إنّ المرحوم السیّد محمّد باقر الموحّد الابطحي توجّه نحو جهاز ساحب الماء، وضغط علیٰ زرّه الكهربائي، فبدأ بالعمل وجریٰ منه ماء عُزیر.

فكانت هذه الرؤیا العجیبة والمبشّرة بمثابة نسیم ونفحة معنویّة(2) بعثت الإطمئنان في القلوب المتأهّبة وجموع المؤمنین المتولّهین بالمراسم الفاطمیّة، وبدّل خوفهم وقلقهم إلیٰ هدوء واطمئنان.

أمّا قافلة العزاء للسیّدة المعصومة، فقد انطلقت إلیٰ مدینة قم المقدّسة، واُقیم مجلس العزاء في المسجد الأعظم بهیئة عجیبة قل نظیرها، وأثار الحماس الذي شهده وصاحبه إعجاب الكثیرین.

ص: 17

لقد اُزیح الاضطراب الاجتماعي والفوضی العامّة بشكل غیر متوقّع، وخلافاً للتوقّعات الجوّیة الداخلیّة والخارجیّه؛ فقد هطلت الأمطار حتّیٰ عمت _ بشكل تدریجي _ عموم البلاد، حتّیٰ كان ذلك العام من الأعوام المفعمة بالأمطار.

والشكّاكون والخراصون آمنوا وصدّقوا أنّ العنایات الإلهیة ومراسم التوسّل بالصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها ومجالس العزاء الفاطمي المخلصة، قد درأت الاضطرابات والغوضی العامّة من جهة، مضافاً إلیٰ أنّها قضت علی الجفاف وشحة المطر وجمیع التوقعات التي صاحبت ذلك، من جهة اُخریٰ.

{لئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزیدنَّ-كمْ}

لدیٰ أداء المسؤولیّات والوظائف العامّة إزاء الصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها ومجمل الأعمال الخالصة واستغاثات المصابین المغمومین، وانتهاء ذلك إلی النتائج المرجوّة، وحیث راح الواعون للألطاف الإلهیة یشكرون اللّٰه بألسنتهم وقلوبهم وأفعالهم، وخلافاً لهٰؤلاء، حیث یصف القرآن المجید أغیارهم بالقول: { وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ}(1) دونما حمدٍ وشكر، كان ذوو القلوب الحیّة المفعمة بالإیمان یكشفون للناس في المجالس والمحافل العامّة والخاصّة طبیعة العلاقة بین التوسّل والاستغاثة وبین إزاحة مخاطر الاضطرابات

ص: 18

وأعمال الشغب _ والردّة الدینیّة _ والجفاف وشحّة المطر، كما أنّهم كانوا یرشدون ویوجّهون الرأي العام إلیٰ إبداء الشكر للّٰه ربّ العالمین وإبداء الامتنان للسیّدة الصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها.

وتبعاً لمعرفة وتحمّل هذه المسؤولیة، حصلت عنایة أخریٰ، وتحددت عن طریق الإلهام، وهي أنّه للتخلّص من الأزمات والمشاكل العامّة التي یئنّ المجتمع تحت وطأتها.

وأضحت غیر قابلة للتحّمل، یلزم التشبّث بأذیال بركات والدة المطر، عروس الصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها، أعني مولاتنا السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها)، وأنّ بتوعیة المجتمع بمقام وعظمة هذه السیّدة الجلیلة، وأنّه لابدّ من توجیه القلوب والأنظار إلیٰ ضرورة إحداث قفزة اجتماعیة ونهضة عامّة في إطار التوسّل بهذه المرأة العظیمة، حیث یكون تكریم وتعظیم عزیزة اللّٰه ورسوله وحجّته إدخالاً للسرور علی القلب المطهّر والمعصوم لرحمة اللّٰه الواسعة، أعني مولانا وسیّدنا بقیّة اللّٰه الأعظم عجّل اللّٰه فرجه الشریف، ولعلّ نظرته الرحیمة، وهو بحر الرحمة الإلهیة الزخّار أن تقضي علی المشاكل والأزمات الاجتماعیّة والفردیّة للناس.

إنّ هذا الإلهام الإلٰهي والإرشاد الغیبي قد اقترن بنصر إلٰهي وتأیید ولائي مبین، وقد استشعر ذلك كلَّه المتصدّون للفعالیات والنشاطات العلمیّة والتبلیغیّة والاجتماعیّة لإحیاء ذكریٰ وفاة هذه سیّدة الجلیلة، إذ لم تبق لدیٰ ذلك ذرة شك وتردید، واعتبار أنّ إقامة هذه الفعالیات بأشكالها

ص: 19

وصورها المتنوعة ممّا یوجب إدخال السرور والبهجة علیٰ أصحاب الولایة وإمام الزمان علیهم وعلیه أفضل الصلاة والسلام.

فكان سرعان ما تثمر تلكم النشاطات والفعالیات المختلفة لاصطحاب العلماء والمراجع والناشطین الثقافیین والشعراء والكتاب و غیره، وخلال فترة قصیرة حصلت طفرة نورانیّة ونهضة عظیمة باتّجاه فعالیات إحیاء ذكریٰ هذه السیّدة العظیمة، وهو الأمر الذي لم تكن مساحته وصورته أمراً متوقّعاً.

وعُقدت اللقائات مع العلماء وشخصیّات الحوزة العلمیة بقم المقدّسة، وكذا أقیمت مجالس المبلّغین والشعراء في مدینة قم، وشكلت مجالس كثیرة مهیبة بحضور ومشاركة العلماء والناشطین في مجال التبلیغ، وكذا الشعراء المرموقین في مدینه مشهد المقدّسة، واُطلقت الدعوات الأدبیّة للنساء والشعراء في مختلف أرجاء البلاد للحضور في حرم السیّد جعفر بن الرضا(علیهما السلام) في مدینة أصفهان، وكذا إقامة الاحتفالات الكبیرة والمتوسطة والموجزة في مساجد مدینة إصفهان وبعض بیوت المؤمنین الموالین وبعض المدن المجاورة الأخریٰ، وبالأخص المجلس العظیم الذي أقیم في حسینیة جواد الأئمة(علیه السلام) في ذكریٰ مولد إمام الزمان عجّل اللّٰه ظهوره المبارك (منتصف شعبان) في یوم الجمعة المصادف للعاشر في شهر شعبان المعظم سنة 1444 ق وبحضور العلماء والشعراء والجامعیین وشرائح المجتمع الأخریٰ، وتحت عنوان: مجلس إحیاء وتوسّل لتجلیل وتعظیم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)؛ كسباً لرضا ولطف مولانا بقیّة اللّٰه الأعظم

ص: 20

عجّل اللّٰه فرجه الشریف، إذ كان ذلك المجلس مجلساً نادراً من حیث الهیبة والروحانیّة ترك أثره البالغ في النفوس والقلوب، لاسیّما وأنّ الألطاف المهدویّة كانت مستشعَرةً في ذلك الاجتماع العظیم، ممّا حفّر علی الرجاء والأمل بأمارات النصرة الربانیّة والتأیید من قبل أصحاب الولایة.

فصل منعم بالأمل

بعد جملة من التوسّل والأعمال الخالصة إزاء تكریم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، بنیّة كسب ألطاف ورضا منقذ العالم مولانا بقیة اللّٰه الأعظم عجّل اللّٰه ظهوره المبارك، انتشرت الأخبار بخصوص المفاوضات والاتفاقات الدولیّة والإقلیمیّة التي من شأنها التخفیف من حدّة التوتر والأزمات مضافاً إلی الاتفاقات الباعثة علی الأمل والاطمئنان فیما یرتبط بعلاقات حُسن الجوار مع الدول الاُخریٰ (و هي محط توصیة وتأكید مراجع التقلید، وبالأخص المرحوم آیة اللّٰه العظمیٰ الشیخ لطف اللّٰه الصافي الكلبایكاني(رحمه الله)) حیث سرعان ما تبلورت وبعثت علی الاستقرار، وبالأمارات المعنویّة والبشارات الولائیّة تبیّن أنّ ثمّ فصلاً ناجحاً ینتظر الشیعة وأتباع دین أهل البیت(علیهم السلام) وتحت مظلّة وعنایة وألطاف إمام الزمان عجّل اللّٰه فرجه الشریف وبشفاعة اُمّه العزیزة السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها).

***

وأخیراً، نلتمس الدعاء من جمیع العلماء ومراجع التقلید والشخصیّات البارزة والشعراء والكتاب والمبلغین العاشقین لإمام الزمان(علیه السلام)وعموم

ص: 21

المؤمنین الموالین الذين كان لكلّ منهم دوره المأمول في هذه النهضة العظیمة في هذه البرهة الزمانیّة والمقطع التأریخي الممیز في تكریم وإحیاء ذكریٰ أحد أعاظم أهل بیت النبوّة والإمامة، أي: السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وكان لهم نشاطهم الخاص في تهیئة أرضیّة هذا المشروع المهدوي الكبیر؛ والممهّد لمواصلة هذه الخطی الإیمانیّة والولائیّة في السنوات القادمة في سائر المدن والبلدان، طالبین من الجمیع الدعاء لقضاء حوائج المتوسّلین بالسیّدة نرجس العظیمة سلام اللّٰه علیها.

علیٰ مشارف السنة الجدیدة وحلول شهر رمضان المبارك

27/ شعبان/ 1444 قمریة _ 29/12/1401 شمسیة

اصفهان _ الحوزة العلمیة

المیر السیّد حجّة الموحّد الأبطحي الموسوي الإصفهاني

ص: 22

فالقلب الطاهر لهذه المخدّرة المصونة مخزن الأسرار السامیة الفائقة علی العقول الإنسانیّة، حتّیٰ لكان عالم الوجود كان یهتدي بإشاراتها السماویّة ویساق إلیٰ أداء وظائفه.

أنّ الوجه في خصوصیّة وتفوّق السیّدة نرجس(سلام الله علیها) أنّها حملت أشرف وأفضل البشر، وابناً في أحشائها غذّته، وهو الأشرف والأعظم في كلّ أفراد البشریّة.

إنّ هذه السیّدة السماویّة، مظهر الكمالات والعظمة والفخر والشرف والفضیلة.

فهي من جهة: أمٌّ، ولها بین ولدیٰ جمیع الأمم وفي الثقافة والرقيّ، لاسیّما في الدین الإسلامي المكانة الرفعیة والمنزلة السامیة والشامخة.وإنّ الأولاد الأشراف والعظماء لهم باُمّهم شدید العلقة، ومن هنا، كان لإمامنا ولي العصر أرواحنا فداه كمال الإنشداد والتعلّق باُمّه المكرّمة، ولا ریب أنّ المتوسّل بحضرة السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها) والمتقدّم إلیٰ خدمتها، یحظیٰ بالرحمة الخاصّة من قبل إمام الزمان(علیه السلام)، وعسیٰ أن تقضیٰ له حوائجه المستعصیة تحت مظلّة التوسّل بالسیّدة نرجس ودعاء ولدها إمام الزمان.

فأضحیٰ من الجدیر بالجمیع أن یساهموا في مراسم تكریم الشأن الشامخ للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، عسیٰ أن تحلّ المشاكل المعقّدة والعسیرة ویتم التخلص في المآسی الكبیرة المعاصرة التي حلّت بالمجتمع ببركة التوسّل بهذه السیّدة الكریمة وابنها الأوحد، فیحلّ الإطمئنان والاستقرار

ص: 25

في حیاة الناس، وهكذا سیكون قطعاً، إنّ شاء اللّٰه تعالیٰ.

وبهذا الصدد، نتوقّع _ من بین الشرائح الإجتماعیّة _ أن یتقدّم في هذا المشروع المقدّس والمنجي الوعّاظ والخطباء الكرام وأصحاب القلم والذوق الرفیع والقریحة الشعریّة الطیّبة والمدّاحین الأعزّاء.

والمطلوب من الوعّاظ المحترمین والخطباء الكرام أن یبذلوا المساعي الحثیثة _ وعبر التحقیق العلمي حول شخصیّة هذه السیّدة الجلیلة _ لتقدیم أفضل المطالب الموثّقة بأسالیب یسیرة وجذّابة للمستعمین، لاسیّما منهم الشباب الأعزّاء.

ولیستمدّ المؤلفون المحترمون وأصحاب الأقلام من الروح المطهّرة للسیّدة نرجس، اُمّ إمام العصر أرواحنا فداه، ولیكتبوا حول صور وحقائق الشرف العدیدة لسیّدة الجنّة هذه، فیما الشعراء المخلصون مدعوّون إلیٰ تفعیل وتنشیط قرائحهم وأذواقهم الشعریّة في نظم القصائد المفعمة بالبصائر، لیبثوا روحاً جدیدة في وجود عشّاق إمام الزمان(علیه السلام).

وإلیٰ جانب هؤلاء، هناك المدّاحون والمنشدون الكرام، وبالانتفاع من الألطاف الإلهیّة المتنعّمین بها، وعبر أصواتهم الجمیلة وقراءتهم لتلكم الأشعار علیٰ مسامع المولّهین بإمام العصر أرواحنا فداه، لتكریس المزید من الإرادة والعلاقة والمودّة في قلوب الجمیع، لتشملهم الأدعیة الخاصّة والنافذة، الصادرة عن الكهف الحصین وناصر المظلومین، إمام الزمان(علیه السلام)، وبدعائه الطیب ینجو بلد إمام الزمان ممّا حلّ به من البلایا والمصائب.

ص: 26

وفي الختام، نتوجّه بالاحترام والتقدیر إلی العالم الرشید والمولّه بأهل البیت صلوات اللّٰه علیهم أجمعین، آیة اللّٰه الحاج السیّد حجّت الموحّد الأبطحي دام بقاوه لعظیم إهتمامه بهذا الأمر، داعین اللّٰه تعالیٰ بمزید التوفیق لهذا العالم الفاضل إلیٰ خدمه الإسلام والمسلمین.

والسلام علیكم ورحمة اللّٰه وبركاته

4/ رجب المرجّب/ 1444

علي كریمي جهرمي

ص: 27

إنّ عظیم الاهتمام المهدوي لهذه الوالدة المظلومة التي لفّها الاضطرار والخشیة إزاء خفاء حملها وولادة جنینها المبارك، وها هي الآن نائمة علیٰ ثریٰ سامراء في بیت والد الإمام(علیه السلام)، ما تزال قلقة علیٰ ولیدها وتحفتها السماویّة، ممّا یدفعنا إلیٰ أن نطلب من هذه الاُم بحرمة ولیدها، ومن هذا الولید بحرمة هذه الاُم أن یسألا ربّهما القادر المتعال التعجیل في الظهور المهدوي العظیم بما یقتضي ذلك من الرحمة الإلهیّة الواسعة، لیزیح بإرادته الحتمیة حجاب الغیبة عن ذلك الموعود، وینجي جموع العشاق المنتظرین من الألم والیتیم والمحنة التاریخیّة، لاسیّما وأنّهم هم المظلومون وهم جماعة الطائفة المحقّة.

10/ رجب المرجب / 1444 ق

محمّد جواد العلوي البروجردي

ص: 30

إنّ من الجدیر بالخطباء المحترمین، أن یؤدّوا إلیها حقّها في المجالس والمحافل، وأن یكتب أصحاب الأقلام العفیفة في سیرتها المباركة، وشعراء أهل البیت(علیهم السلام)موظّفون بإنشاد المدائح، وهكذا لهم أن یطلبوا شفاعتها عند اللّٰه الغفار لتعجیل فرج ولدها وكسب عنایاته وألطافه.

والسلام علینا وعلیٰ عباد اللّٰه الصالحین

علي الحسیني المیلاني

4/ رجب/ 1444 ق

ص: 32

بیان فقیه أهل البیت(علیهم السلام)آیة اللّٰه المیر السیّد محمد الیثربي(دام ظله)، بمناسبة تجلیل مقام السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها).

بسمه تعالیٰ

«السَّلَامُ عَلَى وَالِدَةِ الْإِمَامِ وَ الْمُودَعَةِ أَسْرَارَ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ وَ الْحَامِلَةِ لِأَشْرَفِ الْأَنَامِ، السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ، السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا شَبِيهَةَ أُمِّ مُوسَى وَ ابْنَةَ حَوَارِيِّ عِيسَى، السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ، السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَّةُ الْمَرْضِيَّة»

حقاً إنّ هذه الأوصاف حریّة بسیّدة اختارها اللّٰه لیكون حجرها وعاءً لتنمیة آخر حجج اللّٰه البالغة، ولو لم تكن واجدةً لهذه الفضائل، ما أوكل إلیها أمر تكوین «سرّ اللّٰه».

بلیٰ، إنّ امرأة بعظمة السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها) وبنصّ الزیارة المذكورة ومتّصفة بهكذا أوصاف وملكات، كلّ منها لاتطلق إلّا علی السیّدة الصدّیقة الطاهرة الزهراء سلام اللّٰه علیها.

وحريٌّ بأهل المعرفة والقلم والخطاب أن یتدبّروا ویتأملوا كلّ واحدة من هذه الصفات، فیكتبوا ویتكلّموا فیها، عسیٰ أن تتمّ بعض الحقوق الكثیرة لهذه السیّدة الجلیلة الشأن، وهي السیّدة الجدیرة بأن تكون زوجة إمام واُمّ إمام، فكیف نالت هذه المراتب.

ص: 33

وهي التي تمتدحها الزیارة الشریفة بالقول: «فَلَقَدْ أَوْلَاكِ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَا أَوْلَاكِ، وَ أَعْطَاكِ مِنَ الشَّرَفِ مَا بِهِ أَغْنَاكِ، فَهَنَّأَكِ اللَّهُ بِمَا مَنَحَكِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَ أَمْرَأَكِ.»

وتتابعُ الزیارة الشریفه وصفها لها: «عَارِفَةً بِحَقِّهِم »، وهي التي سمت إلیٰ أعلیٰ مرتبة المعرفة بمقام الإمامة، مرتبة ورد الكلام فیها في قول الإمام الرضا(علیه السلام): «أَجَلُّ قَدْراً وَ أَعْظَمُ شَأْناً وَ أَعْلَىٰ مَكَاناً وَ أَمْنَعُ جَانِباً وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ»،(1) و أعلیٰ وأسمیٰ من أن تحوطها أفكار البشر، وهي كانت عارفة وكانت «مُعْتَرِفَةً بِمَنْزِلَتِهِم » بذلك كلّه كانت تعیش.

وعلیٰ أصحاب العقول وسلامة العقیدة أن یتدبّروا مرتبة هذه السیّدة الجلیلة القدر، ویكتبوا، وهي الوارد وصفها بنص الزیارة: « أَشْهَدُ أَنَّكِ أَحْسَنْتِ الْكَفَالَةَ وَ أَدَّيْتِ الْأَمَانَةَ، وَ اجْتَهَدْتِ فِي مَرْضَاةِ اللَّه ».(2)

فسلام اللّٰه علیها وعلیٰ بعلها وولدها الإمام الحجّة الثاني عشر، ورحمة اللّٰه وبركاته.

ص: 34

و كنموذج، نتبرك بجملة مقاطع من هذه الزیارة الشریفة كشاهد صدق علی المقام الربّاني لهذه السیّدة المخدرة.

«وَالْمُودَعَةِ أَسْرَارَ الْمَلِكِ الْعَلَّام » كما هي الصدّیقة الطاهرة(سلام الله علیها).

«الصِّدِّيقَةُ الْمَرْضِيَّة» وهذا مقام للأنبیاء والأوصیاء.

«السَّلَامُ عَلَيْكِ وَ عَلَى رُوحِكِ وَ بَدَنِكِ الطَّاهِر» وقد اقتدت بأهل آیة التطهیر.

«مَضَيْتِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِك » إذ لها بصیرة الذرّیّة الطاهرة.

«رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، تَقِيَّةً نَقِيَّةً زَكِيَّة» إذ لها من الصفات الفائقة لآل محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم).

فسلام اللّٰه المتعال علیٰ هذه الوالدة الجلیلة، وعلیٰ ابنها الأطهر، المولیٰ مهدي آل محمّد(علیهم السلام).

غلامها: علي الحسیني الصدر

ص: 36

أمّا السیّده نرجس(1) خاتون(سلام الله علیها)، فبنت یوشا ابن سلطان الروم، واُمّها ابنة أحد حواریي النبيّ عیسیٰ(علیه السلام)، ونسبها ینتهي إلیٰ شمعون وصي النبيّ عیسیٰ(علیه السلام)، ویوشا أبو السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، خسر المعركة في حرب المسلمین في جنوب شرق أوروبا، فیما السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها) وبعض النساء وقعن في الأسر، وجریٰ سوقهنّ إلیٰ بغداد للبیع.

وقد رأت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في عالم الرؤیا أنّ نبيّ الإسلام(صلی الله علیه و آله و سلم)وفاطمة الزهراء(سلام الله علیها)، جاء النبيّ المسیح(علیه السلام) والسیّدة مریم(سلام الله علیها)، لیخطباها للإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، فیما وصفت الصدّیقة الزهراء الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، فوقعت محبّة الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) في قلب السیّدة نرجس(سلام الله علیها).

وكتب الإمام الهادي(علیه السلام) كتاباً للسیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها) وسلّمه إلیٰ بِشر بن سلیمان وقال له: سلّم هذا الكتاب إلیٰ نرجس خاتون حیث تكون في بغداد في سوق النخّاسین، ولدیٰ بیع وشراء العبید والجواري، عمدت إلیٰ ردّ جمیع الشراة حتّیٰ قدم لها بشر بن سلیمان كتاب الإمام الهادي(علیه السلام)، فقرأت

الكتاب ورضیت بصفقته، فجاء بها إلیٰ بیت الإمام الهادي(علیه السلام)، الذي قال لاُخته الجلیلة السیّدة حكیمة(سلام الله علیها): «يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ! خُذِيهَا إِلَىٰ مَنْزِلِكِ وَعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ

ص: 39

وَأُمُّ الْقَائِم عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف».

قالت السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) عمّة الإمام العسكري(علیه السلام): لمّا ولد الإمام المهدي(علیه السلام)، سجد للّٰه وتشهّد الشهادتین وسلّم علیٰ جدّه النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)وعلی الأئمّة المعصومین(علیهم السلام)، من أمیرالمؤمنین(علیه السلام) إلی الإمام العسكري(علیه السلام). ثمّ أخذته إلیٰ أبیه الإمام الحسن العسكري(علیه السلام). فاعتنقه وألصقه إلیٰ صدره، وأذّن في اُذنه الیمنیٰ وأقام في اُذنه الیسریٰ. ثمّ وضع لسانه في فم ولیده وقال: یا بنيّ تكلّم، فتلا بعد الشهادتین والسلام علی النبيّ والأئمّة المعصومین(علیهم السلام)، قوله تعالیٰ: <وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثين>(1)

وقد قال استاذنا سماحة آیة اللّٰه العظمیٰ الشیخ الوحید الخراساني، دامت بركاته، ذات یوم في درس الأصول في مسجد سلماسي بقم المقدّسة، بمناسبة صدور التوقیع الشریف عن إمام الزمان عجّل اللّٰه فرجه الشریف الوارد فیه: «وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا»(2): إحدیٰ طرق التوسّل بمولانا بقیة اللّٰه عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، تقدیم الصدقات للفقراء وفعل الخیرات بنیة الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) والسیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها).

فمن اُحبّ أباه واُمّه، ولم یستثن إمام الزمان(علیه السلام)، عُدّ محبّاً لأبیه واُمّه حقّاً، فإنّ تصدّقنا بقربان أو نذرنا نذراً قرآنیاً لوالد ووالدة إمام الزمان(علیه السلام)،

ص: 40

فلاریب في أنّه لن ینسانا، وأنّه سیشملنا بدعائه، إن شاء اللّٰه.

علیٰ أمل ظهور مولانا بقیّة اللّٰه الأعظم، الإمام المهدي(علیه السلام) في یوم عاشورا یوم استشهاد الإمام الحسین(علیه السلام)، بإذن اللّٰه تعالیٰ في مكّة المعظمة. وقد اعتمر ولبس عمامة ولباس جدّه رسول اللّٰه نبيّ الإسلام(صلی الله علیه و آله و سلم)، وصلّیٰ في المسجد الحرام بین الركن والمقام، مقتدیاً به عیسیٰ روح اللّٰه(علیه السلام) في الصلاة.

ثمّ اتّكأ علی الحجر الأسود ناشراً رایته المؤزّرة دوماً، حاملاً سیف جدّه ذي الفقار، وقد صدح بصوته الشریف للناس جمیعاً، وهو یقول: <بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ>(1) «أنَا بَقيّةُ اللَّه وَ حُجَّتِهِ وَ خَليفَتِهِ عَلَيْكُمْ »(2)،«أَنَا ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ أَدْعُوكُمْ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ نَبِيُّ اللَّه »(3).

وإنّ من الجدیر بالشیعة ومحبّي أهل البیت(علیهم السلام)الاقتداء بسیرة الفقهاء والعلماء والعمل بحكم النصّ الشریف القائل: «وَ بِكُمْ أَخْرَجَنَا اللَّهُ مِنَ الذُّلِّ وَ فَرَّجَ عَنَّا غَمَرَاتِ الْكُرُوب » ضمن التوسّل بوالدي إمام الزمان علیهما وعلیه السلام للحظوة بموجبات التقرب بحضرة اللّٰه الملك المنّان، وكسب رضا بقیة اللّٰه، وأن لاینسوني أنا البائس من خیر دعائهم.

والسلام علیكم ورحمة اللّٰه وبركاته

سید محمّد تقي الدیباجي الإصفهاني

ص: 41

بیان ابن آیة اللّٰه المعظّم، سماحة حجّة الإسلام والمسلمین السیّد محمّدباقر الموسوي الكلبایكاني، تذكار مرجع الشیعة الكبیر آیة اللّٰه العظمیٰ السیّد محمدرضا الموسوي الكلبایكاني.

«اَلسَّلَامُ عَلَىٰ وَالِدَةِ الْإِمَامِ وَ الْمُودَعَةِ أَسْرَارَ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ، وَ الْحَامِلَةِ لِأَشْرَفِ الْأَنَامِ، السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ، السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا شَبِيهَةَ أُمِّ مُوسىٰ وَ ابْنَةَ حَوَارِيِّ عِيسىٰ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ، السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَّةُ الْمَرْضِيَّةُ»

قد ورد أنّ الأمین جبرئیل(علیه السلام) نزل علی النبيّ الاكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)، قبل ولادة الإمام سیّد الشهداء(علیه السلام)، وقال له: شاء اللّٰه العليّ الأعلیٰ أن تقرّ عینك بولید تقتله اُمّتك! فقال صلوات اللّٰه علیه وآله بكلّ أسف وانزعاج من مجيء هكذا ولید: یا جبرئیل! لاحاجة بي إلیٰ هكذا قرة عین.

ثمّ إنّ هذا القول تكرر ثلاثاً حتّیٰ أخبر جبرئیل بأنّ هذا المولود سیكون جمیع الأئمّة منه، وهم وراث جمیع الأنبیاء وخزّان علوم الأوّلین والآخرین وأنّ مهدي الاُمّة سیكون في ذریّته ونسله.

واستدعی الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم) وأمیرالمؤمنین، العليّ الأعلیٰ(علیه السلام) وأخبره بالخبر، فقال الإمام، وهو أصبر الصابرین وأمیر المؤمنین(علیه السلام) بعد سماعه هذا النبأ العظیم: لاحاجة بنا إلیٰ هذه العطیة، وتكرر القول

ص: 42

هذا من قبل الرسول الأكرم، الذي قال: یا علي! ولكن جمیع الأئمّة سیكونون من هذا الحسین(علیه السلام)، وهم وارثو الأنبیاء وخزّان علوم الأوّلین والآخرین (وأنّ مهدي هذه الاُمّة سیكون من ذرّیّته).

فلمّا سمع أمیرالمؤمنین(علیه السلام) هذا القول، أبلغ به الصدّیقة الزهراء(سلام الله علیها) وطلب رضاها، فتأسّفت السیّدة البتول(سلام الله علیها) وحزنت وأنّت لهذا الخبر، وقالت باكیةً: لاحاجة بي لهذا المولود. ثمّ تكرّر هذا القول ثلاثاً بین مولی الموحدین أمیرالمؤمنین(علیه السلام) وبین سیّدة نساء العالم الحوارء الإنسیّة(سلام الله علیها) وقد بشّرها الإمام(علیه السلام) بالأئمّة والقادة الذادة وورّاث وخزنة علم النبوّة، لاسیّما مهدي هذه الاُمّة من نسل هذا الولید، فرضیت المقدّسه الزهراء(سلام الله علیها) إزاء هذه الهبة الإلهیّة وفرحت.(1)

إنّ هذه الروایة مفصحة عن أنّ مولانا الحجّة بن الحسن العسكري(علیه السلام) وإن كانت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) هي من ولدته، إلّا أنّ اُمّه الأصلیّة هي الصدّیقة الكبریٰ فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)، إذ ما لم تعرب السیّدة البتول(سلام الله علیها) عن رضاها إزاء البشارة بمجيء المنتقم لدم الحسین المظلوم، لم تتجلَّ المشیئة والإرادة الإلهیّة، إذ كانت هذه المشیئة الربّانیّة الخاصّة بأن تكون الذرّیة المحمّدیّة العلویّة من مولانا سیّد الشهداء(علیه السلام) مشروطة بقبوله القتل والشهادة.

وفي هذا الإطار، تتّضح منزل--ة ومقام السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها)،

ص: 43

حیث حلّ فیها حقیقة نورانیة من الأنوار المقدّسة من مقامات الصدّیقة الزهراء العظیمة(سلام الله علیها)، هذه الحقیقة التي وفّرت وأوجدت القابلیة لحمل هكذا جوهرة قیّمة انتظر مجیئها وبشّر بها ثلاثه عشر معصوماً طاهراً طیلة مأتین وخمسین عاماً، وإلی الیوم سنة 1444 ه ق ینتظر العالم أجمع ظهوره المبارك. وبهذا الصدد، عادت بنا الذاكرة إلیٰ حكایة عن المرجع الشیعي الكبیر سماحة آیة اللّٰه العظمیٰ السیّد محمّد رضا الكلبایكاني قدس سره، الذي أقام مجلساً مهدویاً في 15 شعبان في سنة 1413 وبعد حوالي 1158 سنة في ولادته المیمونة في بیته المبجّل، إذ اعتمر العمامة جمع كثیر من جنود إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، كما هي العادة في كلّ عام، علیٰ یده المباركة، فیما راح مدّاحو أهل البیت(علیهم السلام)یتوالون علیٰ قراءة القصائد والمدائح في الإمام المنتظر ووالدته المقدّسة الجلیلة(علیهما السلام)، حتّیٰ حلّت النوبة إلیٰ فخر المادحین وشیخ الذاكرین الحاج غلام رضا سازكار، فقرأ قصیدة في 70 بیتاً جدیداً في شأن ومنزلة مولود النصف من شعبان واُمّه القدّیسة وكیفیة وقوعها في الأسر، ثمّ زواجها من الإمام الحسن العسكري(علیه السلام).

و لقد صار ذلك المجلس مفعماً بنور الفقاهة وبقائد من قبیلة القائم عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف وبالمعنویة الفائقة بحیث لم تبقَ عینٌ إلّا وتهاطل منها ومع الشوق، وتجلّت وانطبعت آیات العشق المهدوي علیٰ محیاه الشریف، ممّا ضاعف في صیحات الحبّ وأنین الوله، حتّیٰ سریٰ عظیم التأثر إلیٰ قاری المدائح والأشعار في بكائه وأنینه وصیاحه.

ص: 44

إنّ من الجدیر لمحّب المقام الفاطمي الأجل أن لایقصّر ولو بمقدار ذرّة في إحیاء ذكریٰ هذه السیّدة الجلیلة والدة مولانا إمام العصر(علیه السلام) في قراءة الأشعار وكتابة المقالات وإلقاء الخطب وإنفاق الأموال والسعي العام في نشر الفضائل النرجسیة، لیكون كلّ ذلك من جملة ذخائر <يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداه>(1)

والسلام علیكم ورحمة اللّٰه وبركاته

ص: 45

ص: 46

وقال الإمام الصادق(علیه السلام) لدیٰ تعریف صاحب الأمر (عج الله تعالی فرجه الشریف) : «یا أبا بصیر! هو الخامس من ولد ابني موسیٰ، ذلك ابن سیّدة الإماء»(1)؛

وقال الإمام موسی الكاظم(علیه السلام) بهذا الصدد: «ذلك ابن سیّدة الإماء»(2)؛

وعن الإمام الرضا(علیه السلام) أیضاً: «الرابع من ولدي، ابن سیّدة الإماء»(3).

وفي هذه الروایات الأربع عن أربعة معصومین، عبّر عنها(سلام الله علیها)، «ب-سیّدة الإماء».

2 _ خیرة الإماء؛ أي أفضل الجواري وأحسنهنّ.

وقد عبر في روایات كثیرة في إطار التعریف بالإمام المهدي عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف بأنّه ابن خیرة الإماء، ومن ذلك:

أنّ مولی المتقین(علیه السلام) وبعد بیانه حوادث آخر الزمان، وأنّ الفتن ستزاح بواسطة رجل من أهل بیته(علیهم السلام)قال: «بأبي ابنُ خِیرَة الإماء»(4)

وفي إطار إحصائه أوصاف الإمام المهدي عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، قال أمیرالمؤمنین(علیه السلام): «بأبي ابنُ خیرةِ الإماء»(5)

وأنّه متیٰ ما كان الإمام الحسین(علیه السلام) في محضر والده أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قال: «بأبي أنتَ یا أبا ابنِ خیرة الإماء»(6).

ص: 51

رویٰ أبوبصیر عن الإمام الباقر أو الصادق(علیهما السلام)، أنّه قال لدیٰ تعریف شخصیّة الإمام الحجّة(علیه السلام)، فقال: «ابن خیرة الإماء»(1)

وما أعظم الفخر بالنسبة للسیّدة نرجس(سلام الله علیها) أنّ ثلاثه من المعصومین عبّروا عنها بأنّها سیّدة الإماء، وأنّ أربعة منهم عبّروا عنها بعنوان خیرة الإماء.

وقد كانت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) تكنّیٰ ب- «اُم محمّد» نسبة إلیٰ ابنها الأوحد مولانا الإمام بقیة اللّٰه أرواحنا فداه.

قال: «أبشري بولدٍ یملك الدنیا شرقاً وغرباً ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».(1)

ثمّ إنّه(علیه السلام) استدعی السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) وقال لها: «یا بنت رسول اللّٰه!

خذیها إلیٰ منزلك وعلّمیها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد واُمّ القائم».(2)

وبعد أن تعلمت ملیكة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) الكمالات الدینیة والفرائض الاسلامیة في مدرسة السیّدة حكیمة، أمر الإمام الهادي(علیه السلام) أن ترسل السیّدة نرجس(سلام الله علیها) إلیٰ منزل الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، ثمّ تدارك مراسم الزفاف من قبل السیّدة حكیمة خاتون(سلام الله علیها).(3)

و لم ینقضِ طویل وقت حتّیٰ ولد موعود الكعبة مولانا إمام الزمان (عج الله تعالی فرجه الشریف) في لیلة الجمعة، الخامس عشر من شعبان من سنة 255ق.(4)

ولمّا سئل الإمام الصادق(علیه السلام): من هو قائم آل محمد؟ قال: «یا أبا بصیر! هو الخامس من ولد إبني موسیٰ، ذلك ابن سید الإماء»(1)

وحیت تحدّث الإمام الصادق والإمام الرضا(علیهما السلام)عن اُمّ مولانا بقیة اللّٰه أرواحنا فداه، لم تكن السیّدة نرجس ولدت بعد، ولعلّ أباها یشوعا لم یفتح عینیه علی الدنیا.

وحینما وقعت في اُسر المسلمین، عرّفت نفسها بأنّها «نرجس»(1) لئلّا یطّلع علیٰ سرها أحد، ولیخفیٰ كونها أمیرة من بلاد الروم.

وحیث انضمّت إلیٰ بیت العصمة والطهارة(علیهم السلام) صارت تنادیٰ بعدة أسماء؛ لئلا یقف الجواسیس العباسیین علیٰ شرف نسبها،أو یعلموا أنّها هي التي ستكون الصدفة الفضّیّة والنوارنیة والجوهرة النادرة في عالم الخلقة.

وإلیكم نظرة عابرة علیٰ أسمائها الشریفة:

«نرجس»: اسم زهرة غیر قابلة للانفلاق وأوراقها منفصلة، تقع في منتهی الساق، ولجمالها الرائع

الفذّ تشبّه به عین المعشوق.(2) وكذلك هي زهرة السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها) في عالم الخلقة، إذ هي منفردة وتقع في منتهیٰ وآخر هذا العالم، وجمیع العشّاق یرجون نظرة من ذلك المحبوب الضائع الغائب عنهم، فهم أحیاء بذكراه ویفدون أنفسهم في فراقة.

«سوسن»: هي أيضا زهرة موسمية ذات أزهار جميلة وكبيرة بألوان مختلفة. وأصل هذه الزهرة یعود إلی القارة الأوروبیة والیابان وأمیركا الشمالیة وجبال الهملایا.(3) ولكن زهرة السیّدة سوسن زهرة دائمّة الإیناع والربیع، فلا ینقص في طراوتها مرور الأیام، وریح الخریف، وأصلها من العالم العلوي، ونورها المقدّس من أشعة الأنوار القدسیّة، كما عبّر النبيّ الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم)بالقول:

ص: 58

«بأبي واُمّي سمیّي وشبیهي وشبیه موسی بن عمران، علیه جیوب النور، یتوقّدُ في شعاع القدس».(1)

ویعود نسب أبیها إلیٰ جهة الشرق، فیما ینتهي نسب اُمّها إلی الغرب.

«سبیكة»: يقولون الذهب الخالص والفضّة الخالصة، بعد تشذیبه من الشوائب بحیث یتحول إلیٰ قطعة واحدة، یقال لها: سبیكة ومسبوكة.(2) فهي(سلام الله علیها) قد تعلّقت في عاصمة بیزنطة بالإمام العسكري(علیه السلام)، بعد أن تخلّصت في شوائب الإمبراطوریة الرومیة علیٰ ید كیمیاء الصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها، وانتهت وصارت ذهباً خالصاً في عالم الخلقة.

«حكیمة»: ویقال ذلك للسیّدة العالمة والفیلسوفة العاقلة. فهي عالمة حكیمة وقد تلقت الحكمة في عاصمة بیزنطة علیٰ ید معلّمها الخاص، وتعلّمت العربیة إذ ذاك، ثمّ اتقنت الفرائض والسنن الدینیة الإسلامیة علی السیّدة حكیمة بنت الإمام الجواد(علیه السلام).(3)

«ملیكة»: بمعنی الملكة وسیّدة النساء. وهي اُمّ إمام عالم الوجود، الذي ینحني في محضره جمیع السلاطین تأدّباً وطاعة.

«مریم»: اسم اُمّ النبيّ عیسیٰ(علیهما السلام)، وکذا اسم والدة منقذ عالم البشریة الذي سیقتدي به النبيّ عیسیٰ(علیه السلام) في الصلاة بروایة علماء الشیعة والمخالفین.(4)

ص: 59

«ریحانة»: كلّ نبات طیب الرائحة، ویقال أیضاً للنور الذي یحصل للإنسان بتأثیر الریاضة الروحیة.(1) وكم هو مناسب هذا الاسم للاُمّ الریحانة الذي یعطّر جمیع العالم، ویزیح جمیع الغموم بنظرة واحدة، ویشفي الجمیع بلمسة واحدة، وینیر الجمیع بطلّة واحدة.

«خمط»: اسم شجرة تثمر فاكهة مأكولة، ویقال أیضاً لكلّ شيء جدید معطّر، كما یقال أیضاً للبحر الهائج(2). وكلّ هذه المعاني تناسب تلك السیّدة النادرة التي لانظیر لها.

«صقیل»: كلّ شيء نوراني، والشيء الصقیل المجلّیٰ. قال الصدوق والطوسي: بعد أن حملت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بولي العصر أرواحنا فداه، سُمیّت صقیل.(3)

وقال العلّامة المجلسي(رحمه الله) بعد نقل عبارة الشیخ الصدوق: بعد أن حملت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بذلك الوجود النوراني، أحاطت بها هالة من نور، فسمّیت صقیل لذلك.(4)

وإنّ كان مقرراً أن یسطع نور فاطمة الزهراء(سلام الله علیها) في جبهة خدیجة الكبریٰ(سلام الله علیها)، فلم لایسطع نور یوسف الزهراء(سلام الله علیها) في جبهة نرجس خاتون(سلام الله علیها)؟ والحال أنّه نور الربّ الرحمٰن، وقد سطع منه نور حین ولادته عمّ وأضاء جمیع العالم والوجود.(5)

ص: 60

وها نحن بصدد كیف صارت ریحانة قیصر ریحانة النبيّ؟! وكیف قطعت كلّ تلك المسافة بین القسطنطینیة وسامراء؟ وكیف قطعت علائقها بكیان قیصر، لتلتحقّ بذریّة المصطفیٰ(صلی الله علیه و آله و سلم)؟!

منها إلىٰ مشهد الكاظم(علیه السلام)، واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران، أكببت عليها بعبرات متقاطرة و زفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر، فلمّا رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري، فإذا أنا بشيخ قد انحنىٰ صلبه وتقوّس منكباه وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخي لقد نال عمّك شرفاً بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم، التي لم يحمل مثلها إلّا سلمان، وقد أشرف عمّك علىٰ استكمال المدة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسره، قلت يا نفس! لا يزال العناء والمشقّة ينالان منك بإتعابي الخفّ، والحافر في طلب العلم. وقد قرع سمعي من هذا الشيخ، لفظ يدلّ علىٰ علم جسيم وأثر عظيم. فقلت: أيّها الشيخ ومن السيّدان؟ قال: النجمان المغيبان في الثرىٰ بسرّ من رأىٰ. فقلت إنّي أقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة، إنّي خاطب علمهما وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكّدة علىٰ حفظ أسرارهما. قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأحضر ما صحِبك من الآثار عن نقلة أخبارهم. فلمّا فتش الكتب وتصفح الروايات منها، قال:

صدقت أنا بشر بن سليمان النخّاس، من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد(علیهما السلام)، وجارهما بسرّ من رأىٰ. قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

ص: 62

قال: كان مولانا أبوالحسن علي بن محمّد العسكري(علیهما السلام)، فقّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتّىٰ كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام.

فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأىٰ وقد مضىٰ هوىً من الليل إذ قرع الباب قارعٌ، فعدوت مسرعاً، فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد(علیهما السلام)، يدعوني إليه.

فلبست ثيابي ودخلت عليه، فرأيته يحدث ابنه أبا محمّد وأخته حكيمة من وراء الستر. فلمّا جلست، قال: يا بشر! إنّك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإنّي مزكيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها، بسرّ أطّلعك عليه واُنفذك في ابتياع أمَة.

فكتب كتابا ملصقا بخط روميّ ولغة روميّة، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء، فيها مائتان وعشرون دينارًا، فقال: خذها وتوجّه بها إلىٰ بغداد، واحضر مَعبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلىٰ جانبك زوارق السبايا، وبرزَنُ الجواري منها، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قُوّاد بني العبّاس، وشراذم من فتيان العراق.

فإذا رأيت ذلك، فأشرف من البعد على المسمّىٰ عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلىٰ أن يبرز للمبتاعين جاريةً صفتها كذا و

ص: 63

كذا، لابسةً حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق. فيضربها النخّاس،

فتصرخ صرخةً روميّةً، فاعلم أنّها تقول: وا هتك ستراه. فيقول بعض المبتاعين عليَّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبةً، فتقول بالعربيّة: لو برزت في زيِّ سليمان وعلىٰ مثل سرير مُلكه ما بدَت لي فيك رغبة، فاشفق علىٰ مالك.فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك؟ فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، وإلىٰ أمانته وديانته!

فعند ذلك قم إلىٰ عمر بن يزيد النخاس، وقل له: إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّةٍ وخطّ روميّ، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله و سخاءه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبوالحسن(علیه السلام)، في أمر الجارية.

فلمّا نظرت في الكتاب، بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بِعني من صاحب هذا الكتاب، وحلَفت بالمحرّجة المغلًّظة إنّه متىٰ امتنع من بيعها، منه قتلت نفسها.

فما زلت أشاحّه في ثمنها، حتّىٰ استقر الأمر فيه علىٰ مقدار ما كان أصحبنيه مولاي(علیه السلام) من الدنانير في الشستقة الصفراء،

ص: 64

فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكةً مستبشرةً، وانصرفت بها إلىٰ حجرتي الّتي كنت آوي إليها ببغداد.

فما أخذها القرار حتّىٰ أخرجت كتاب مولاها(علیه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتضعه علىٰ خدّها وتطبقه علىٰ جفنها وتمسحه علىٰ بدنها. فقلت: تعجّباً منها! أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟

قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء! أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك!

العرش مَغشيّاً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك! أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة علىٰ زوال هذا الدين المسيحيّ والمذهب الملكاني.(1)

فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لاُزوّج منه هذه الصبيّة، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً ودخل قصره واُرخيت الستور.

فأريت في تلك الليلة، كأنّ المسيح والشمعون وعدّةً من الحواريّين، قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الّذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)، مع فتيةٍ وعدّةٍ من بنيه، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، فيقول: يا روح اللّٰه! إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون، فتاته مليكة لابني هذا _وأومأ بيده إلىٰ أبي محمّد، صاحب هذا الكتاب_. فنظر المسيح إلىٰ شمعون، فقال له: قد أتاك الشرف، فصِل رحمك برحم رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم). قال: قد فعلت.

فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)، وزوّجني وشهد المسيح(علیه السلام) وشهد بنو محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم) والحواريّون.

ص: 66

فلمّا استيقظت من نومي، أشفقت أن أقُصّ هذه الرؤيا على أبي و جدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها في نفسي، ولا اُبديها لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد، حتّىٰ امتنعت من الطعام والشراب وضعُفت نفسي ودقّ شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي.

فلمّا برّح به اليأس، قال: يا قرّة عيني، فهل تخطر ببالك شهوةٌ، فاُزوّدكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدّي أرىٰ أبواب الفرج عليَّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح واُمّه لي عافية وشفاءً. فلمّا فعل ذلك جدّي، تجلّدت في إظهار الصحّة في بدني وتناولت يسيراً من الطعام، فسرّ بذلك جدّي وأقبل علىٰ إكرام الاُسارىٰ إعزازهم.

فرأيت أيضاً بعد أربع ليال، كأنّ سيّدة النساء قد زارتني، ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفةٍ من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء اُمّ زوجك، أبي محمّد(علیه السلام). فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي. فقالت لي سيّدة النساء(سلام الله علیها): إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركةٌ باللّٰه وعلىٰ مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى اللّٰه تعالىٰ من دينك، فإن مِلت إلىٰ رضا اللّٰه عزّ وجلّ ورضا المسيح ومريم عنك، وزيارة أبي محمّد إيّاك، فتقولي: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وأشهد أنّ أبي محمّداً رسول اللّٰه.

ص: 67

فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيّدة النساء إلىٰ صدرها، فطيّبت لي نفسي، وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد إيّاك، فإنّي مُنفذه إليك، فانتبهت وأنا أقول وا شوقاه إلىٰ لقاء أبي محمّد.

فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد(علیه السلام) في منامي، فرأيته كأنّي أقول له جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟ قال: ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك، وإذ قد أسلمت، فإنّي زائرك في كلّ ليلة إلىٰ أن يجمع اللّٰه شملنا في العيان. فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلىٰ هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسر؟

فقالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي، أنّ جدّك سيُسرّب(1) جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللَّحاق بهم متنكّرةً في زيِّ الخدم مع عدّةٍ من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّىٰ كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحدٌ بي بأنّي ابنة ملك الروم إلىٰ هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه. وقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته وقلت «نرجس»، فقال: اسم الجواري

فقلت: العجب! أنّك روميّة ولسانك عربي! قالت: بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي علىٰ تعلّم الآداب، أن أوعز إليَّ امرأةً ترجمان

ص: 68

له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربيّة حتّىٰ استمرّ عليها لساني واستقام.

قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلىٰ سرّ من رأىٰ دخلت علىٰ مولانا أبي الحسن العسكري(علیه السلام)، فقال لها: كيف أراك اللّٰه عزّ الإسلام وذلّ النصرانيّة وشرف أهل بيت محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)؟ قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّٰه؟ ما أنت أعلم به مني.

قال: فإنّي أريد أن اُكرمك، فأيّما أحبّ إليك؟ عشرة آلاف درهم أم بشرىٰ لك فيها شرف الأبد؟ قالت: بل البشرىٰ، قال(علیه السلام): فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأُ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. قالت: ممّن؟ قال(علیه السلام): ممّن خطبك رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم)، له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا، بالروميّة. قالت: من المسيح ووصيّه؟ قال: فممّن زوّجك المسيح ووصيّه؟ قالت: من ابنك أبي محمّد. قال: فهل تعرفينه؟ قالت: وهل خلوتُ ليلةً من زيارته إيّايَ منذ الليلة التي أسلمت فيها علىٰ يد سيّدة النساء اُمّه.

فقال أبو الحسن(علیه السلام): يا كافور، ادع لي اُختي حكيمة. فلمّا دخلت عليه، قال(علیه السلام) لها: ها هيه، فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها مولانا: يا بنت رسول اللّٰه أخرجيها إلىٰ منزلك وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد واُمّ القائم(علیه السلام) . (1)

ص: 69

قلت لمولاي الإمام الحسن العسكري(علیه السلام): یابن رسول اللّٰه! جعلتُ فداك، اُحبّ أن أعرف الإمام وحجّة اللّٰه علی العباد بعدك؛ قال:

«إنّ الإمام وحجّة اللّٰه من بعدي ابني سميّ رسول اللّٰه وكنیته، الذي هو خاتم حجج اللّٰه وآخر خلفائه».

فسألته أقول: ومَن تكون اُمّه یابن رسول اللّٰه؟! فقال(علیه السلام): «من ابنة ابن قیصر ملك الروم، ألا إنّه سیولد ویغیب عن الناس غیبةً طویلة ثمّ یظهر»(1)

وهذا الحدیث قد صدر قبل ولادة مولانا بقیّة اللّٰه ارواحنا فداه، عن الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، وقد أدرجه شخص معتمد وهو صاحب سند موثّق، مثل الفضل بن شاذان في كتابه القیّم «إثبات الرجعة» ولم یكن بین الفضل بن شاذان والإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، إلّا واسطة واحدة، وهو محمّد بن عبد الجبار، وهو الذي أكّد وثاقته الشیخ الطوسي.(2)

وهذا الحدیث في أعلیٰ درجات الصحّة، ویمكن أن یضیف صحّة علیٰ صحّة وإحكام حدیث «بشر بن سلیمان» لیجعله أكثر اعتماداً.

وعلیٰ هذا الأساس لا یبقیٰ مجالاً للریب في أنّ السیّدة نرجس خاتون(سلام الله علیها) هي بنت یشوعا، ابن قیصر، وحفیدة امبراطور الروم.

ص: 71

وبنظرة عابرة إلیٰ تاریخ الامبراطوریة الرومانیة، لا یبقیٰ ریب في أن امبراطور الروم في تلك الفترة هو «تئوفیل» ابن میخائیل الثاني.

وإن تئوفیل، هو الخامس والثلاثون في أباطرة الروم وقیاصرتهم جلس علیٰ عرش الامبراطوریة بعد موت أبیه «میخائیل الثاني» في سنة 829 میلادیة الموافقة للسنة 214 قمریة. وكانت سلطته طیلة 14 سنة. ثمّ مات في سنة 842 م الموافقة لسنة 227ق، أي في نفس السنة التي تسنّم فیها الواثق باللّٰه العباسي سدة الحكم.

ثمّ صارت السلطة إلیٰ ولده «میخائیل الثالث» وزوجته «تئودوره». صرّح المؤرخون بأنّه لدیٰ وفاة تئوفیل كان ابنه میخائیل الثالث طفلاً، ولذا فقد تسنّمت تئودوره زوجته اُمور العرش والسلطنة.(1)

إنّ جمیع الذين كتبوا سیرة تئوفیل القیصریة، ذكروه بإیجاب.

قد كتب ویل دورانت ضمن شرحه لأحداث ووقائع الامبراطوریة الرومانیة: «تئوفیلوس» (829 _ 842 م) مصلح القوانین والامبراطور البنّاء، والمدیر المنصف، ومحیي عادة تحطیم الأوثان، ومات بالإسهال الدموي. أمّا أرملته «تئودوره» قضت علیٰ ظاهرة ظلم الناس وإیذائهم باعتبارها الوصیّة علی السلطة.(2)

وكتب الدکتور معین في هذا الصدد أیضاً: قد بذلت جهوداً مضنیة لتكریس العدالة. وكانت قائداً فذاً، ووسعت نواحي الامبراطوریة.(3)

ص: 73

عاصرت تئوفیل حكم المأمون والمعتصم العباسیّین طیلة 14 سنة، وقد واجهت المأمون في سنة 217 قمریة(1) فیما واجهت جیش المعتصم في سنة 223 قمریة(2).

وبعد بحث وتحقیق عمیق دقیق بین طوایا التاریخ ومطابقة الوقائع التاریخیة، وصلنا إلیٰ نتیجة أنّ «یشوعا» هو ابن تئوفیل ولا یمكن من الوجهة التأریخیة أن یكون ابن میخائیل ابن تئوفیل(3).

ص: 74

«میخائیل بن تئوفیل» فیما كان مسؤول عملیات شراء واسترداد الاُسریٰ من جهة الخلیفة، الخاقان _ غلام تركي للخلیفة _ وفي تلك البرهة تمّ شراء واسترداد 4362 أسیراً مسلماً خلال عشرة أیام.(1)

ثمّ كتب المسعودي: وكان رابع عملیات الشراء والاسترداد في عهد المتوكّل العبّاسي في شهر شوال من سنة 241 ه ق، فیما كان امبراطور الروم میخائیل تئوفیل، وكان مسئوول الشراء من قبل المسلمین رجلاً یدعیٰ «شُنَیف» وفي ذلك الیوم جریٰ استرداد 2200 أسیراً مسلماً.(2)

كما أدلی الیعقوبي _وهو المقدّم بین المؤرخین المسلمین_ بتقریر مقتضب في كتاب تاریخه عن تبادل الاُسریٰ وشرائهم واستردادهم في عهد المتوكّل.(3)

وكتب الطبري في حوادث سنة 241 ه ق: أرسلت تئودوره، اُمّ میخائیل الامبراطور الروماني شخصاً یدعیٰ «جرجیس بن فرنافس» لشراء الأسری الرومیین إلی المتوكّل، وكان عددهم حوالي 20000 أسیراً.

وبعد تفصیل وشرح واصل یكتب: وقعت عملیة التبادل والشراء في یوم 12 شوال من سنة 241 ه ق. وكان عدد الأسری المسلمین 758 شخصاً، منهم 125 امراة.(4)

ولدیٰ فتح «عموریه» قُتل من الروم 30000 الفاً.

ومثلهم وقع في الأسر.(5)

ص: 76

وكتب یاقوت الحموي: في واقعة «الیرموك» جاء قیصر الروم إلیٰ أنطاكیه لیقود المعركة عن قرب، فلمّا علم بانكسار جیشه، ترك أنطاكیة وتوجّه إلی القسطنطینیة، ولمّا ترك أنطاكیه توجّه إلیٰ جبال سوریا وخاطبها بالقول: «یا سوریا! الوادع، ولیس لي أمل في الرجوع إلیك»!(1)

وكتب شكیب أرسلان في تقریره القیّم: في سنة 244 ه ق قاتل جیش المسلمین بقیادة العباس بن الفضل الرومان من جهة البحر. وقد شاركت 40 سفینة حربیة رومیة في هذه المعركة، وكانت معركة شدیدة، خسرها الرومان، وغنم منها المسلمون عشر سفن منها. ثمّ إنّ العباس دخل الحرب، وفیها أسر رجلاً في الروم، فدلّه علیٰ موضع لمحاصرة المدینة، فاستغلّها العباس وشنّ الحرب، ففتح الناس أبواب المدینة واستسلموا لجیش المسلمین، ووقعت في أیدیهم غنائم كثیرة.

ثمّ إنّ ملك القسطنطینیة حشد 300 سفینة حربیة مكتظة بالجنود لحرب المسلمین، فلمّا بلغوا «سرقسوسة» توجّه العباس مع جیشه إلیٰ حربهم وهزم الرومیین وغنم منهم 100 سفینة.(2)

فلمّا شاهد هرقل تقدّم المسلمین السریع راح یخاطب الرومان بالقول: یا جیش الروم! ثقوا بأنّ المسلمین لن یكتفوا بما فتحوه من المدن، وإنّهم سیواصلون ذلك حتّیٰ یفتحوا آخر مدنكم، ویأسروا نساءكم وأطفالكم ویستعبدوا أمراءكم، فهلمّوا للدفاع عن حرمكم وحدودكم وامبراطوركم.(3)

ص: 77

ورؤیا النبيّ یوسف، ورؤیا ملك مصر، ورؤیا السجینین اللذین كان مع النبيّ یوسف في السجن(1).

6. الأسیرة الرومية

القبانجي، السیّد باقر، النجف الأشرف، مركز الدراسات التخصصیة، 1426 ق، 48 صفحه.

7. الأسیرة الرومیة

الكندي، وارث، بیروت، دار العلوم 2010 میلادیة، 16 صفحة.

8. با قاصدک : داستان های امام زمان از تولد تا امامت

یوسفیان، محمد، 1348؛ تصویرگر: نظري، کلثوم، قم، مهدي موعود، 1393، 30صفحه، مصور.

9. بانوی انجیل (ترجمه السیدة نرجس(سلام الله علیها))

شیرازي، سید مرتضیٰ، 1384ق؛ برگردان : صفرزاده، داود، تهران، آفاق، 1400، 168 صفحه، رقعي.

10. بانوی عشق (فیلمنامه)

صالحي، نسرین، تهران، سروش (صدا و سیما)، 1382، 118 صفحه، رقعي

11. بانوی کنیزان

داستاني بنیسي، اسد اللّٰه، 1325 _ 1383، قم : بنیس، 1399، 32 صفحه، وزیري، مصور.

12. بانوی نور

بصیري، مریم، قم : دفتر تبلیغات اسلامي، 1377، 89 صفحه، وزیري.

13. بانویی به اسم ملیکه

کلهر، فریبا، تهران : قدیاني، 1394، 12 صفحه، خشتي، مصور

ص: 82

14. بر بام رم: حضرت نرجس(سلام الله علیها)

کمساري، علي، قم : بوستان کتاب، 1392، 40 صفحه.

15. به دنبال آفتاب

حجازي، جمال الدین، 1332 _ 1400ش؛ بازنویسي: رحیمی، مهدي، تهران، نبأ، 1378، 40 صفحه، رقعي.

16. به دنبال آفتاب (In pursuance o the sun)

حجازي، جمال الدین، 1332 _ 1400ش؛ برگردان : عباسي، علي، تهران، نبأ، 2002م، 55 صفحه، پالتویي.

17. به طراوت باران

حسیني اخگر، زهرا السادات، 1357، قم، فخر دین، 1390، 88 صفحه.

18. پژوهشی نو درباره مادر امام زمان

طیبي، ناهید، 1342، قم : مؤسسة بوستان کتاب، 1392، 308 صفحه، وزیري

19. حدیث بشارت (منظوم)

سالم دزفولي، هبة اله، 1327، قم، گنج معرفت، 1386، 128 صفحه.

20. حدیث شب میلاد

بحریني، مجتبی، 1325، تهران : منیر، 1379، 120 صفحه، رقعي

21. حضرت نرگس مادر امام زمان

هادي منش، ابوالفضل، متصور: سلیماني؛ قم، حدیث نینوا، 1393، 12ص، مصور

22. خاتون عشق (رمان)

زواریان، زهرا، 1340 ، تهران ، قدیاني، 1378، 100 صفحه، رقعي

ص: 83

23. خاطرۀ آن شب

حجازي، جمال الدین، 1332 _ 1400، تهران : 1371، 96 صفحه، رقعي

24. خواب دیدن مادر امام زمان نرگس

کمره اي، میرزاخلیل، 1405ق، بإهتمام: محمد صدریة؛ قم، اسلامیه، بي تا، 159ص

25. خواستگاری

کلهر، فریبا، تهران، قدیاني، 1394، 12 صفحه، خشتي، مصوّر.

26. داستان زندگانی مادر امام زمان

حسیني تهراني، سیّد ابوالحسن، 1340، قم، اکرام، 1389، 160 صفحه.

27. دختری از روم

زواریان، زهرا، 1340، متصور: قاضي زاده؛ تهران، ایتا، 1381، 28 صفحه، مصور

28. رؤیای نرجس

نعمتي، نسرین، مصور

29. زیباترین داستان جهان، مادر مصلح کل

موسوي، سید محمد باقر، 1314 _ 1400ش، قم، ارم، 1374، 295ص، رقعي

30. السیّدة نرجس؛ مدرسة الأجیال

الشیرازي، السید مرتضیٰ، بیروت _ الرسول الأعظم، 1418 ق، 264 صفحه

31. شاهدخت رومی، بانو نرگس مادر گرامی امام زمان (ترجمه الاسیرة الرّومیّة)

کندي، وارث، مترجم: واحدیان، زهره، متصور: منعمي، فرشته، قم، براق، جامعة القرآن الکریم، 1390، 16صفحه، مصور

ص: 84

32. شاهزاده بیزانس

حجتي، پروین، متصور: کشاورز، راضیه؛ قم، شجره طیبه، 1382، 12ص، مصور

33. شاهزاده روم

مؤمني تنکابني، سید محمد حسن، قم، دلیل ما، 1394، 64 صفحه

34. شهزادی ملیکه

نوراني، اقبال، کراچي : ایم ایم اکادمي، 2011م _ 1433 ق، 16 صفحه، مصور

35. طلوع یک ستاره

عبداللّٰه زاده حسیني، زهره، تهران : آبرون، 1392، 24 صفحه، مصور

36. عروس آفتاب، داستان ورود ملیکا به خاندان اهل بیت

موسوي گرمارودي، عاطفه، قم، دلیل ما، 1388، 40 صفحه

37. عروس بیزانس

تفکري آراني، عباس، قم، وثوق، 1400، 184 صفحه، رقعي

38. عطر نرگس

وحیدي صدر، مهدي، متصور: توسلي، طیّبه؛ قم، مجمع جهاني اهلبیت، بي تا، 12 صفحه، مصور

39. غریبه آشنا: همسفر با ملیکا مادر امام زمان از قصر قیصر روم تا سامرا

پهلوانیان، احمد، 1354، قم، بوستان کتاب، 1380، 48 صفحه، رقعي

40. قصص حجّتیّه

میرخلف زاده، قاسم، قم : بي نا، 1379، 192 صفحه، رقعي

ص: 85

41. کودکي در آسمان

زواریان، زهرا، 1340، متصور: ملایي، فریدون؛ قم، خیمه، 1391، 16ص، مصور

42. گزارش لحظه به لحظه از میلاد نور

مهدي پور، علي اکبر، 1324؛ قم، رسالت، 1383، 88 صفحه، رقعي

43. گل نرجس

بلاغي، سید عبدالحجة، متوفا 1397 ق، بي جا، چاپخانه خواجه، 1342، 13صفحه، وزیري، به پیوست حجت بالغه، (صفحه110_ 123)

44. گل نرگس

شهاب، محمد علي، تهران، نذیر، 1381، 48 صفحه، رقعي

45. مادر امام عصر

انصاریان، حسین، 1323؛ قم، دارالعرفان، 1388، 35 صفحه

46. مادر باران

گروهی از نویسندگان، اصفهان: بي نا، 1401، 92 صفحه، رقعي

47. مادر منتظر

اسبقي، فاطمه، کرج، گردوی دانش، 1398، 100 صفحه

48. مادر موعود

غلامي مهرآبادي، مهدي، 1354، قم، حق بین، 1394، 152 صفحه

49. مختصری از شرح حال علیا حضرت ملکه جهان مادر بزرگوار اعلی حضرت ولی عصر

فتوحي، مهدي، مشهد ، 1386ق، 50 صفحه

ص: 86

50. مفرد مذکر غائب (نمایشنامه)

مؤذني، علي؛ قم، جمکران، 1419ق _ 1377، 138 صفحه، رقعي

51. ملیکا (نمایشنامه)

مؤذني، علي؛ تهران، امیرکبیر، 1386، 186 صفحه

52. ملیکا «نرگس»: شرح زندگی حضرت نرگس خاتون

اسدي، داوود؛ تهران، نگاه بینه، 1385، 120 صفحه

53. ملیکا مام خورشید عدالت

توکلي، امین، متصور: شاهوردی، مهرداد؛ تهران، دانش آموز، 1390، 76 صفحه رحلي، مصور

54. ملیکا نوه امپراطور مادر امام زمان مسیحی بود مسلمان شد

محمدي، علي اکبر، 1336؛ تهران، علي اکبر محمدي، 1381، 154 صفحه

55. مليکا، سرگذشت زندگی نرجس خاتون، مادر امام زمان (کتاب صوتی)

محمودي، محمد، وبسایت ایران صدا، 1397، 134 دقیقه

56. ملیکا، عروس آسمانی (رمان)

ارشدي، فاطمه، شیراز : نویسندگان پارس، 1399، 313 صفحه، رقعي

57. ملیکه

داستاني بنیسي، اسداللّٰه، 1325_1383؛ قم، مصعب، 1365، 32ص، مصور

58. من مادر اویم

داستاني بنیسي، اسداللّٰه، 1325_1383؛ قم، بنیس، 1399ق، 32 صفحه، وزیري، مصور

ص: 87

59. مهدی در دامان نرجس

معتمد لاري، طوبی، 1343؛ تهران، اندیشه مهر، 1383، 76 صفحه، مصور

60. نرجس حیاتها وجهادها

الربیعي، بتول، بتول الربیعي، محبة العترة، 1422 ق،142 صفحة

61. نرجس خاتون عروس زهرای اطهر

فریدوني، حسین، 1321؛ تهران، آلباتروس، 1400، 104 صفحه، رقعي

62. نرجس خاتون مادر امام زمان

صبوحي، مهدي؛ قم، دارالکتاب، 1358، 30 صفحه، وزیري

63. نرجس خاتون مادر امام زمان، حضرت ولی عصر

پزشکیان نژاد، اسماعیل؛ تهران، پزشکیان نژاد، 1358، 23 صفحه

64. نرجس مادر امام زمان

مهاجراني، سید محمد، متصور: فلاحي، نسیم؛ تهران، مدرسه، 1395، 24صفحه، مصور

65. نرجس مادر حضرت حجت (بانویی پاک از خاندان بزرگ)

محمدي، محمد؛ قم، حجت، بي تا، 32 صفحه، وزیري، مصور

66. نرگس «همدم خورشید»

پور امیني، محمد باقر، 1347؛ قم، سازمان تبلیغات اسلامي، پژوهشکده باقر العلوم، انتشارات نور السجاد، 1378، 108 صفحه

67. نرگس خاتون در راه است

کلهر، فریبا، تهران : قدیاني، 1394، 12 صفحه، خشتي، مصور

ص: 88

68. نرگسدان: داستان تولد امام زمان (منظوم)

ذبیحي یزدي، ملا اسماعیل، به سال 1115ق، با تصحیح منصف، مصطفی؛ اصفهان، نقش نگین، 1388 (این کتاب به سال 1385 ش در تبریز، در مطبعه آقا مشهدي اسد آقاچاپ شده است)، 180 صفحه، وزیري

69. نفحات من حیاة السیّدة نرجس

المرزوق، فوزیة محمّد؛ بیروت، مؤسسة الإمام علي(علیه السلام) 1429 ق، 180 صفحه.

70. نور امید

فیروزخاني، حسن؛ تهران، مفید، 1376، 32 صفحه، رقعي

71. والدة الحجّة المنتظر علویة مطهرة

تربتي كربلائي، حیدر؛ قم، 1441 ق، 90 صفحه

72. ولادة الإمام المهدي(علیه السلام)

النجفي، الشیخ بشیر؛ قم، آستان مقدّس حضرت معصومة، 1385ق، 114 صفحه.

ص: 89

إثبات الهداة، تألیف: الحرّ العاملي، المتوفّیٰ سنة 1104ق، ج3، ص506- 511 و315- 338.

إكمال الدین، تألیف: الشیخ الصدوق، المتوفّیٰ سنة 381ق، ص417- 424، الباب 41 و42.

بحار الأنوار، تألیف: العلّامة محمّد باقر المجلسي، المتوفّیٰ سنة 1110ق، ج51، ص2_ 28.

دلائل الإمامة، تألیف: محمّد بن جریر الطبري، القرن الخامس، ص489_ 501.

الغیبة، تألیف: الشیخ الطوسي، المتوفّیٰ سنة460ق، ص229_251

كشف الحق، تألیف: میرمحمّد صادق خاتون آبادي، المتوفّیٰ سنة 1272ق، ص15_ 34، وص 149، ح 1، 2، 22

كفایة المهتدي، تألیف: محمّد بن محمّد میرلوحي، المتوفّیٰ حدود سنة 1060ق، ص535_ 556، ح 28_ 31

مختصر كفایة المهتدي، تعریب سیّد یاسین الموسوي، معاصر، ص107_ 123، ح 28_ 31.

3)السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في مصادر السیرة، التاریخ، الفضائل والمناقب

الأئمة الإثنا عشر، تألیف: محمّد بن طولون، المتوفّیٰ سنة 953ق، ص117.

الإرشاد، تألیف: الشیخ المفید، المتوفّیٰ سنة 413ق، ج2، ص339.

ص: 91

إعلام الوریٰ، تألیف: الشیخ الطبرسي، المتوفّیٰ سنة 548ق، ج2، ص214_ 217.

أعیان الشیعة، تألیف: محسن الأمین العاملي، المتوفّیٰ سنة 1371ق، ج2، ص44_ 46.

أعیان النساء، تألیف: محمدرضا الحكیمي، المتوفّیٰ سنة 1412ق، ج، ص605_ 610.

الأنوار البهیة، تألیف: عباس القمّي، المتوفّیٰ سنة 1359ق، ص335_340.

تاریخ حبیب السیر، تألیف: خواندمیر، المتوفّیٰ سنة 942ق، ج2، ص100.

شجرة الولي، تألیف: السید هاشم البحراني، المتوفّیٰ سنة 1107ق، ص31_ 41.

التتمة في تواریخ الأئمّة، تألیف: تاج الدین العاملي، القرن 11، ص146 _ 148.

تحفة الأبرار، تألیف: عماد الدین الطبري، القرن الثامن، ص179.

تذكرة الخواص، تألیف: سبط بن الجوزي، المتوفّیٰ سنة 654ق، ج2، ص511.

تواریخ النبيّ والآل، تألیف: الشیخ محمّد تقي التستري، المتوفّیٰ سنة 1415ق، ص95_ 98.

الثاقب في المناقب، تألیف: عماد الدین ابن حمزة، القرن السادس، ص52 و201_ 203، ح 178.

ص: 92

حلیة الأبرار، تألیف: السیّد هاشم البحراني، المتوفّیٰ سنة 1107ق، ج5، ص141_ 186.

الخرائج والجرائح، تألیف: قطب الدین الراوندي، المتوفّیٰ سنة 573ق، ج1، ص455_ 456.

روضة الواعظین، تألیف: محمّد بن فتّال النیشابوري، المتوفّیٰ سنة 508ق، ج2، ص3_11.

ریاحین الشریعه، تألیف: ذبیح اللّٰه المحلّاتي، المتوفّیٰ سنة 1406ق، ج3، ص25_ 32.

سفینة البحار، تألیف: ذبیح اللّٰه المحلّاتي، المتوفّیٰ سنة 1406ق، ج3، ص25_ 32.

الصراط المستقیم، تألیف: النباطي البیاضي، المتوفّیٰ سنة877ق، ج2، ص209.

فرائد السمطین، تألیف: الجویني الحمویني، المتوفّیٰ سنة 722ق، ج2، ص337، ح 590.

الفصول المهمّة، تألیف: ابن صبّاغ المالكي، المتوفّیٰ سنة 855ق، ص299.

قادتنا، تألیف: محمّد هادي المیلاني، المتوفّیٰ سنة 1395ق، ج7، ص204_ 216.

كشف الغمّة، تألیف: علي بن عیسی الأربلي، المتوفّیٰ سنة 693ق، ج3، ص293.

ص: 93

مآثر الكبراء، تألیف: ذبیح اللّٰه المحلّاتي، المتوفّیٰ سنة 1406ق، ج1، ص217_ 234.

مدینة المعاجز، تألیف: السیّد هاشم البحراني، المتوفّیٰ سنة 1107ق، ج8، ص5_ 42.

مستدرك سفینة البحار، تألیف: علي النمازي، المتوفّیٰ سنة1405ق، ج10، ص24.

معجم أحادیث الإمام المهدي(علیه السلام)، تألیف: جماعة محققّین،ج 6، ص205_ 233.

المعجم الموضوعي لأحادیث الإمام المهدي، تألیف: علي الكوراني، معاصر، ص772_ 781.

منتخب الأثر، تألیف: الشیخ الصافي، م سنة 1443ق، ص369_ 416.

منتخب الأنوار المضیئة، تألیف: النیلي النجفي، القرن8، ص104_ 121.

الهدایة الكبریٰ، تألیف: حسن بن حمدان الخصیبي، المتوفّیٰ سنة 334ق، ص354_ 357.

ینابیع المودّة، تألیف: القندوزي الحنفي، المتوفّیٰ سنة 1294ق، ج3، ص171، 215 و300_ 305 و328 و392 (مطبعة: أسوة).

السیّدة نرجس(سلام الله علیها)في كتب الأنساب

عمدة الطالب، تألیف: ابن المهنّا، المتوفّیٰ سنة 528ق، ص199.

المجدي، تألیف: نجم الدین العلوي، القرن الخامس، ص130.

ص: 94

5) السیّدة نرجس(سلام الله علیها)في كتب الرجال

تنقیح المقال، تألیف: عبداللّٰه المامقاني، المتوفّیٰ سنة 1351ق، ج3، فصل النساء، ص76 (طبعة حجریة).

الرجال النجاشي، المتوفّیٰ سنة 450ق، ص347، رقم 938.

6) السیّدة نرجس(سلام الله علیها)في كتب اللغة

لغتنامه (فارسي)، تألیف: علي اكبر دهخدا، المتوفّیٰ سنة 1334ش، حرف ن، ص420.

7) السیّدة نرجس(سلام الله علیها)في دائرة المعارف الشیعیة

دائرة المعارف تشیع (فارسي) ج16، ص89_ 90.

السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في كتب المؤلّف:

چهل حدیث عن (الغیبة) لابن شاذان، (فارسي)، ص51_ 55.

چهل حدیث عن نور یزدان (فارسي)، ص9_ 57.

چهل حدیث پیرامون یوسف زهرا(علیه السلام)(فارسي) ص35، 45.

مدفونین سامراء (فارسي).

ص: 95

بخصوص سیرة وحیاة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) وكیفیة وقوعها في الأسر و... ثمّ كتب ومقالات متوفرة هي أوسع من أن یحوبها موضوع هذه المقالة، وفیها سنعمد إلی التحقیق وملاحظة الخصائص الأخلاقیة الفذّة للسیّدة نرجس(سلام الله علیها) بداعي إحراز مزید من التعرّف وتعریف الناس بهذه السیّدة الفاضلة القدوة، وبالتالي احرازنا المزید من الإقتراب من كمالاتها. ولاریب أنّ خصائص السیّدة نرجس(سلام الله علیها) لا تنحصر في الموارد التي سنذكرها، وإنّما هي شطر من صفاتها الفاضلة.

رغم قلّة المنقولات فیما یرتبط بسیرة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) (لاسیّما فیما یسبق وقوعها في الأسر) ولكن یمكن الاستعانة بمصادر تحدثت عن هذه السیّدة الجلیلة، لنقطف شیئاً ممّا أوردته تلكم المصادر.

«أشهد أنك... ورغبتِ في وُصلةِ أبناءِ رسول اللّٰه، عارفةً بحقّهم، مؤمنةً بصدقهِم، معترفةً بمنزلتِهم، مستبصرةً بأمرهِم، مشفقةً علیهم...».(1) في هذه الفقرة في الزیارة الشریفة نتقدّم بالشهادة علیٰ أنّها للوصول إلیٰ أبناء النبيّ الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم)، كانت تتملّكها الرغبة والمعرفة بحقّهم ومنزلتهم السامیة والقبول بولایتهم. وقد بلغ بها الأمر في هذا الإطار إلیٰ أنّ أنّها صارت تقدّم إرادتهم(علیهم السلام) علیٰ إرادتها. وإنّ هذه المیزة تشیر إلیٰ أنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها) ذات مقام جلیل فیما یرتبط بالتبعیّة لولیّها وإمامها المعصوم.

نرجس(سلام الله علیها) علی التظاهر بالهناءة وصحّة المزاج وراحت تتقبّل تناول بعض الطعام، لتدخل السرور والراحة علیٰ قلب جدّها وتدفعه إلیٰ إنفاذ إرادتها تماماً.

وهذه القصة تشیر إلیٰ أنّ هذه السیّدة العظیمة كانت علیٰ قدر عظیم من رقّة القلب والشفقة لتطلب ذلك الطلب من جدّها القیصر، أي أنّ رغبتها تلك وطلبها ذاك كانا یعكسان نفرتها من القسوة والتعذیب، ولهذا، فقد رأیناها تستثمر تلك الفرصة لإنقاذ الأساریٰ والسجناء المسلمین من العذاب.(1)

بلی، إنّ من تقرّر أنّ تحمل أحد أفضل مخلوقات اللّٰه تعالیٰ، وهو الرافع والناشر رایة العدل والسلام في البشریّة، لابدّ لها أن تكون صاحبة قلب طافح بالرحمة والشفقة.

ورغم أنّ بقیة الأئمة(علیهم السلام) قد عانوا ألوان الأذیٰ والضغوط ولكنّ هذه الضغوط كانت أشدّ وقعاً في فترة الأمام الحسن العسكري(علیه السلام) لسببین:

أحدهما، أنّ الشیعة في تلك الحقبة تعاظمت قواهم حتّیٰ أضحیٰ الجمیع علیٰ علم بأنّ الشیعة تمثّل جبهة المعارضة للسلطة العباسیة الحاكمة، وأنّهم قائلون بحقّ الأئمّة من آل البیت صلوات الله علیهم أجمیعن في السلطة والحكم.

والسبب الثانی، أنّ العباسیین كانوا یعلمون

_ بداعي الروایات العدیدة المتواترة _ بأنّ الإمام المهدي(علیه السلام) (الذي سیحطم الحكومات الظالمة) سیولد من الإمام الحسن العسكري(علیه السلام). ولهذا، كان العباسیون شدیدي الحرص علیٰ ضبط الأوضاع لیتمكّنوا من قتل الإمام المهدي(علیه السلام) بمجرد ولادته.(1)

لن تأذن لأحدٍ من الشراة أن یزیح عن وجهها النقاب أو أن یلمسها (1)، وهذه القضیة تؤكّد درجة العفة التي كانت ملتزمةً بها، حتّیٰ قبل زواجها من الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، تقیّداً منها بالحدود الإلهیة.

نعم، مع أنّ القرآن الكریم كان خاطب نساء النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)بالقول: <يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ>(2) وذكّرهنّ بمنزلتهنّ الخاصة (المستلزم لإحراز بعض النقاط والمزایا) ولكنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، كانت محرزة لتلكم المزایا المطلوبة حتّیٰ قبل أن تصیر زوجة للإمام الحادي عشر(علیه السلام).

كما ورد في خصوصیّاتها(سلام الله علیها): أنّها لمّا عُرضت للبیع وامتنعت عن أن یلمسها رجل أو یكشف حجابها، قال رجل: أنا علیٰ استعداد أن اشتریها بثلاث مائة دینار لعظیم عفافها، وهنا لك قالت السیّدة نرجس(سلام الله علیها): لا رغبة لي بك ولو كان لك مُلك سلیمان، فلا تبذّر مالك.(1)

وهذا المطلب یشیر أیضاً إلیٰ أنّ هذه السیّدة العظیمة لم تكن علیٰ استعداد؛ لأنّ تتلاعب أو تغیّر مصیرها من أجل المال.

نعم، إنّ من كانت حفیدة لقیصر الروم، وكانت قادرة علی العیش في عظیم النعیم والرفاهیة، قد عرّضت نفسها للأسر، وأبت أن تستعیض عن الشرف الأبدي بحفنة من المال، وإن كان یبدو كثیراً في نظر البعض.

والسیّدة نرجس(سلام الله علیها) من نظرة وزاویة اُخریٰ بمثابة شجیرة مقدّسة انتقلت من روضت أمة اللّٰه مریم(سلام الله علیها) إلیٰ جنّة اُمّ أبیها وعصمة اللّٰه الكبریٰ فاطمة الزهراء(سلام الله علیها).

إنّ هذه الفتاة المقدّسة الطاهرة وصاحبة الحظ الأسعد التي استیقظت في منامها، وقد أعدّ لها _ في عالم المعنیٰ _ خاتم الأنبیاء(صلی الله علیه و آله و سلم) والنبيّ عیسیٰ روح اللّٰه(علیه السلام)، أبهیٰ وأعظم حفل لعرسها، وحدثت لذلك أعجب الوقائع التاریخیة لإعداد أرضیة ولادة منجي عالم البشریة من اُمّ جلیلة عظیمة الأصل ورائعة السیرة وتهیئة العالم والوجود لطلوع آخر شموس الولایة في سماء العترة المعصومة.

فَقُلْتُ لَهَا: نَاوِلِينِي لِأَنْظُرَ فِيهَا، قَالَتْ: يَا جَابِرُ لَوْ لَا النَّهْيُ لَكُنْتُ أَفْعَلُ، لَكِنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَمَسَّهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ، وَ لَكِنَّهُ مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى بَاطِنِهَا مِنْ ظَاهِرِهَا.

قَالَ جَابِرٌ: فَقَرَأْتُ فَإِذَا فِيهَا: ... _ إلی أن قال: _ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ الْقَائِمُ أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا نَرْجِسُ» صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.(1)

ومن هنا، كان الاسم المبارك «نرجس» یجري علیٰ ألسنة أئمّة الهدیٰ(علیهم السلام) وأولیاء اللّٰه طیلة سنین مدیدة، فیما ینتفع عظماء العلم من ذكرها، ویتقرّبون إلی اللّٰه المتعال بالتمسك بمقامها الأجلّ.

إیراد تسع روایات في كتابه الفاخر «منتخب الأثر» منقولة عن الأئمّة الأطهار، أشاروا فیها إلیٰ ما تقدّم من حقایق.

ومن أحاديث المنوة لأهل البيت الطاهرين عليهم السلام عن السیّدة نرجس خاتون عليها السلام، أن الزعماء الدينيين وأئمة الأطهار عليهم السلام ذكروها علىٰ أنّها خیرة الإماء، أو خیرة النساء، أو سيدة النساء.(1)

الْإِمَاءِ» أَهِيَ فَاطِمَةُ؟ قَالَ: فَاطِمَةُ خِيَرَة الْحَرَائِرِ، ذَاكَ الْمُبْدَحُ بَطْنُهُ الْمُشْرَبُ حُمْرَةً رَحِمَ اللَّهُ فُلَاناً. »(1)، یعني أنّ المراد، السیّدة نرجس والدة مولانا الإمام الحجّة بن الحسن أرواحنا فداه.

إنّ المفردات والكلمات العطرة الواردة في أحادیث وروایات الأئمّة الأطهار(علیهم السلام) وأوصافهم الرائعة لها، فیها الإشارة الواضحة والصریحة إلیٰ أنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، هي في الدرجة السامیة من النورانیة، بحیث أطلق علیها أهل بیت العصمة والطهارة(علیهم السلام)صفة «خیرة» و«سیّدة» فیما أطلقت علیها السیّدة حكیمة عناوین الأزهار (ریحانة، سوسن و...) لیكون تاریخ حریمها منوّراً عطِراً معطَّراً ومعطِّراً. هذا في الوقت الذي كان آل اللّٰه(علیهم السلام)یتحدّثون ویخبرون عن والدة بقیة اللّٰه عجّل اللّٰه فرجه الشریف، وهي لم تكن قد ولدت بعد، ولعلّ أباها «یشوعا» لم تر عیناه الدنیا.

ولعلّ المراد من أسرار ربّ العالمین، هو الوجود المقدّس لإمام الزمان أرواحنا فداه، حیث أودع مدةً لدی السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، ولعل اللّٰه تعالیٰ قدّم لها الكرامات التي أعطاها اللّٰه لجدارتها، وهذا ما أنصحت عنه عبارة الزیارة الشریفة القائلة: «فَهَنَّأَكِ اللَّهُ بِمَا مَنَحَكِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَ أَمْرَأَك » أی: نفعك بما أعطاك من الكرامة.

إنّ إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه، كان وما یزال أحد الأسرار الإلهیة، وكذا كانت ولادته الخفّیة وحیاته الغیبیة من جملة الأسرار السماویة، فیما كانت السیّدة نرجس خیر حافظ لهذه الأسرار.

وكان الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، قد قال لعمّته السیّدة حكیمة(سلام الله علیها):

ستظهر لك عند الفجر آثار الجنین، وإنّ مثل نرجس مثل اُمّ موسیٰ إذ لم یظهر علیها أثر الحمل، ولم یطلع علیٰ أمرها وحالها أحد.(1)

نرجس(سلام الله علیها) جدیرة بأن تذكر بما ذكرت به في عبارات الزیارة المعصومیة الشریفة، حیث وصفت بكونها (حافظة سرّ اللّٰه) لا سیّما وأنّ هذه الفضیلة العظیمة تتوفّر حین یكون الشخص المودَع عالماً بما استودع، فترانا نقرأ في الزیارة الشریفة: «أشهد أنّك... وحفظتِ سرَّ اللّٰه، وحملتِ ولیَّ اللّٰه، وبالغتِ في حفظ حجّةِ اللّٰه»

ومن جملة الأمور المهمّة في سیرة الحیاة الطیّبة للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، أنّها قد بلغت من العظمة والجلال درجةً صارت بها اُمّاً لإمام الزمان أرواحنا فداه، ودخلت بیت الإمامة في تلك الظروف السیاسیة والاجتماعیة.

لقد كان دور السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، طیلة حیاتها النورانیة، لا سیّما في السنوات الأولیٰ من مبدأ عصر الغیبة _ الصغریٰ _ دوراً مهمّاً ومصیریّاً.

فضحّت هذه السیّدة الفاضلة في تلك الظروف والأجواء الخانقة التي كانت حاكمة علیٰ مدینة سامراء وفي تلك الحقبة، ومع كلّ هواجسها وخوفها علیٰ ولیدها كأمٍ بإرادة تامّة في المحافظة علیٰ حیاة الإمام الموعود(علیه السلام)، متحمّلة أذیٰ والآم الإقامة الجبریة، ثمّ الاعتقال الذي لم یكن ذا مدّة قصیرة بالنسبة لامرأة والدة، كما واجهت أنواع المخاطر والسلوك المؤذي لمأموري وشرطة الحكومة العبّاسیة الغاشمة، لتتمكن بدلك من المحافظة علیٰ أكبر سرٍّ من أسرار بیت الإمامة، ومن درء المخاطر عن البقیة الإلهیة والمنفذ الأوحد للبشریة، مولانا الإمام الحجّة سلام اللّٰه علیه.

***

ص: 113

الحجّة بن الحسن(علیهما السلام)، لتشفع لشیعة سامراء المقدّسة عند اللّٰه تبارك اسمه، فینجیهم من تلكم الفاجعة التي أطاحت بالكثیر من الناس.

وقد أكّد المیرزا الشیرازي(رحمه الله) لهم بالقول: وأنا ضامن لكلّ من یبادر إلیٰ ما أوصیٰ به أن یتحصّن من الوباء وینجو من آفته.

آیة اللّٰه الوحید خراساني دام ظله ودعوته الناس إلی التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) للخلاص والوقایة من وباء كرونا و...

حیث جری التأكید علی التوجّه بالدعاء بصورة جمعیّة لیقرن بالاستجابة، فقد وردت الوصیة بقراءة الدعاء في منتصف لیلة النصف من شعبان في البیوت وبشكل جماعي من قبل العوائل، أعني دعاء الفرج الذي یبدأ بالقول: «إلهي عظم البلاء» ثمّ تلاوة سورة الحمد، وإهداء ذلك لوالدة مولانا صاحب الزمان(علیه السلام)، مولاتنا السیّدة نرجس سلام اللّٰه علیها.

وكذا قال المرجع الدیني الكبیر الشیخ وحید الخراساني:

من قرأ سورة یٰس في كلّ لیلة قبیل نومه وأهدیٰ ثواب قراءتها لروح حجّة اللّٰه علی الحجج مولاتنا الصدّیقة فاطمة الزهراء الطاهرة سلام اللّٰه علیها، ثمّ عمد إلیٰ قراءة دعاء العهد بعد صلاة الفجر وأهدیٰ ثواب قراءته إلیٰ روح والدة إمام الزمان روحي له الفداء، السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، فإنّه لاریب سینتهي إلیٰ حسن العاقبة، شاء أم أبیٰ.

وكذلك كان تأكیده حفظه اللّٰه في أمر شفاء مؤسس العشرة الغدیریة، المرحوم آیة اللّٰه نظري خادم الشریعة(رحمه الله)، عبر التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) والأمر هو مایلي:

ص: 115

الف: ختم القرآن بنیة النیابة عن السیّدة نرجس(سلام الله علیها). وختم آخر بالنیابة عن السیّدة نفیسة(سلام الله علیها).

ب: الأضحیة بخروف وتقسیم لحمه علی الفقراء فقط.

ج: قراءة سورة الحمد 70 مرّة علیٰ موضع الألم.

القبلة في السجدة التي تلی الصلاة وقل 313 مرّة: «یا حجّة اللّٰه»، ثمّ خاطب السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بالقول: «إنتِ اذكري حاجتي عند ولدك العزیز إمام العصر، لیحلّ مشكلتي» وحیث أنّ الإحسان وإكرام الوالدین فعل واجب، فإنّه عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه، سیستجیب لها حتماً !(1)

عروسة مولاتنا الصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها أن تنظر إلیٰ زوجتي بعین العنایة والعطف والشفقة.

فدخلت بقلب كسیر مضطرٍ الحرم المطهّر وواجهت قبر السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بشكل مباشر وألصقت بدني بالضریح الشریف ورحت أتوسّل بمولاتي العظیمة وأقول: یا سیّدتي! أنا خادم روضتكم! وأنا من یكنس حرمكم، وقد ابتلیت زوجتي بمرض السرطان، فتفضلي علیها بالشفقة والشفاء بعین عنایتك وكرمك، وأین أذهب إن لم أقصدك، وإن من المعلوم أن الخادم إذا عانیٰ من مشكلة لجأ إلیٰ سیّده دون غیره، ولقد توجّهت إلیٰ ولدكِ فلم أحضَ بالإجابة، ومهما توسلت بالإمام الهادي والإمام العسكري(علیهما السلام)، فلم أتشرف بكرامتهما، وها أنا ذا متعلّق بأذیال كرامتك، وإني لأقسم علیك إلّا ما صرت واسطتي إلیٰ ولدك الحجّة بن الحسن أرواحنا فداه، أن یتلطّف علیٰ زوجتي بالشفاء.

وبعد مزید المناجاة وعرض الحاجة، خرجت من الحرم الطاهر بعین باكیة حتّیٰ دخلت إیوان الحرم، فرأیت إمام الزمان(علیه السلام)، وقد دخل ذلك الموضع الطاهر.

فلمّا وقع نظره المبارك عليَّ، سبقني بالسلام، وخاطبني بلحن فائق الروعة بما مضمونه: هل تعلم من أي بقعة من الأرض قد أحضرتني بما عظّمتَ به والدتي؟! هل تعلم كم اضطررتني؟ وهل تعلم كم أنا مشغول بإنقاذ الناس؟ فثَمّ آلاف مؤلّفة من الناس ینادونني ویندبونني ویتوسّلون بي؟ هل تعلم من أین جئتك؟!

ص: 118

ثمّ إنّه(علیه السلام)، جلس علیٰ منصة في الأیوان، ووقفت أنا إزاءه وقفة العبد والخادم، وقد تصلّب بدني هیبةً وتعظیماً لجلال حضرته، فیما كنت أتصبّبُ عرقاً حتّیٰ صرت كما الخشبة الیابسة، وحیث كنت كذلك، شعرت به(علیه السلام)، یمسح عرق جبهتي بإصبعه المبارك، وقد قبّلني مرّتین في جبهتي! ثمّ رافقته إلی السرداب المطهّر حیث انشغل بالعبادة، وكنت معه طیلة ساعتین تقریباً.

ثمّ قال(علیه السلام)، مخاطباً إیّاي: إقصد الكوت، فإذا بلغتها، فإنّي سآتي إلیها _ مدینة الكوت _ مرّتین، وستشفي زوجتك. ففعلت ما أمرني مولاي مرّتین، وقد حضر(علیه السلام) مرّتین حتّیٰ شفیت زوجتي.

ولدیٰ ذلك، قلت له(علیه السلام)، یا مولاي! إنّي خائف ومضطرب! فقال لی: ولأيّ شيء؟! فقلت: یا مولاي! قد تغیر مسؤولو الحرم، وأنا أخشیٰ أن أحرم من شرف الخدمة لكم؟ فقال(علیه السلام): ومن یجرؤ علیٰ إخراجك ما لم أشأ أنا؟ إنّك غیر ملتفت إلیٰ عدید حضور قدومي وجلوسي بالقرب منك، وقد تناولت الطعام معك وأنت غیر ملتفت!

وهكذا كان، إذ شفیت زوجتي من مرضها العضال ببركة وعنایة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، فیما تشرّفت برؤیة مولاي إمام الزمان أرواحنا فداه، وقد اُثبت اسمي ضمن قائمة خدم حرم الإمامین العسكريین(علیهما السلام).(1)

ص: 119

وإنّ لرسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم) المقامین، مقام الولایة الذي هو مقام إیجاد، ومقام الرسالة الذي هو مقام التكمیل.

ولمقام الولایة تعابیر مختلفة، أحدها: مقام العبدیّة، ولذا ورد القول في تشهّد الصلاة: «أشهد أنّ محمّداً عبدُه ورسوله».

وقد خضع جمیع الأنبیاء والأولیاء والمقرّبین، للعهد المعهود والمیثاق العظیم {وَإِذْ أَخَذْنٰا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثٰاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهيمَ وَمُوسىٰ وَعيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنٰا مِنْهُمْ ميثٰاقاً غَليظاً}(1) فكلّفوا بالإظهار والإقرار في محضر الربّ المتعال وعلیٰ مشهد جمیع الملائكة وروح القدس.

إنّ مقام الولایة هو مقام إیجاد، وبناءً علیٰ هذا السرّ، فقد أصدر اللّٰه تبارك وتعالیٰ أمراً إلیٰ نبيّ الإسلام المكرّم(صلی الله علیه و آله و سلم)، بإبلاغ تمامیة الرسالة، إلی الحدّ الذي ورد فیه: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ}(2) وهذا البیان صریح في إناطة مقام الرسالة بمقام الولایة وتعلیقه به وعلیه.

إنّ معرفة مقام الولایة المطلقة للنبيّ الأكرم وآل بیته الطاهرین المطهّرین بمثابة سرٍّ إلهي أفاض به اللّٰه تعالیٰ علیٰ أولیاء هذا الطریق.

ومن أوضح وأجلیٰ خصائص مولاتنا السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، التضحیة والاحتراق حول نور وشمع ولایة عليّ(علیه السلام) وأهل البیت(علیهم السلام). والحكایة المفعمة بالأسرار لهذه السیّدة الجلیلة وانتقالها من قصر قیصر الروم إلیٰ بیت الإمام الهادي(علیه السلام) لم یتم مصادفة أو كان واقعة بسیطة وعادیّة، وإنّما كان أمراً مهماً طافحاً بالرمزیة والأسرار.

ص: 121

ومهما كان، فإنّه یحكي تنوّر الضمیر والقلب المطهّر للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)

بنور الولایة، وهذا هو ما أدّیٰ بها إلی التولّه والرغبة العارمة في الوصول إلیٰ هذا النور. وهي القادمة من ذرّیّة شمعون، وصيّ النبيّ عیسیٰ(علیه السلام)، وبقدومها إلیٰ بیت الأمام الهادي(علیه السلام)، ثمّ زواجها من أبي محمّد، الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، فهي في الواقع قد _ وصلت _ بین ذرّیّة شمعون وذرّیّة آل محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم).

إنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها) كان فیها ولها الجدارة والظرفیة لتكون حامل خاتم الأوصیاء وحقیقة جمیع الأنبیاء والأولیاء، وأن تترعرع وتنمو أسرار ربّ العالمین في الحِجر الطاهر للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وهي الأسرار المتجسّدة والمتمثّلة في منقذ عالم البشریة، ولقد كان وضعها حملها كما كان حال اُمّ النبيّ موسیٰ(علیه السلام). وذلك حیث لم یبدُ أي أثر _ حین الولادة _ للحمل فیها، كما لم یطلع علیٰ أمرها أحد، لقد كانت(سلام الله علیها) الوعاء الوجودي النوراني، لإمام العصر عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، ومستودع الأسرار الإلهیة. وذلك أنّ الإمام المهدي الموعود(علیه السلام) هو سرّ اللّٰه، فیما كانت السیّدة نرجس المستأمنة علی الأمانة الإلهیّة، وهي التي حافظت وحفظت علیٰ

أمانتها بأحسن وجه، وكانت المدبر والحارس والأمین، وجهدت في حراسة ولي اللّٰه، ولذا ترانا وتسمعنا نقرأ في مقطع من زیارة سیّدة العالمین حیث نخاطبها بالقول. «أَشْهَدُ أَنَّكِ أَحْسَنْتِ الْكَفَالَةَ وَ أَدَّيْتِ الْأَمَانَةَ وَ اجْتَهَدْتِ فِي مَرْضَاتِ اللَّهِ وَ صَبَرْتِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَ حَفِظْتِ سِرَّ اللَّهِ وَ حَمَلْتِ وَلِيَّ اللَّهِ وَ بَالَغْتِ فِي حِفْظِ حُجَّةِ اللَّهِ وَ رَغِبْتِ فِي وُصْلَةِ

ص: 122

أَبْنَاءِ رَسُولِ اللَّهِ عَارِفَةً بِحَقِّهِمْ مُؤْمِنَةً بِصِدْقِهِمْ مُعْتَرِفَةً بِمَنْزِلَتِهِمْ مُسْتَبْصِرَةً بِأَمْرِهِمْ مُشْفِقَةً عَلَيْهِمْ مُؤْثِرَةً هَوَاهُم »(1)

إنّ والدة ولي العصر(علیه السلام) السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، العظیمة في جوهرها طالما كانت محطّ اهتمام الأئمّة المعصومین(علیهم السلام)، ولطالما عُرّف شخصها وشخصیّتها بخصائصها لدیٰ تعریفهم إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه.

اللّٰهم ثبتنا علیٰ طریق الإسلام وولایة أهل البیت(علیهم السلام).

وختاماً أتقدّم بشكري إلیٰ جمیع العاملین في هذا

المنهاج المعنوي، وأطلب من اللّٰه المتعال التوفیق للأجلّاء الأعلام.

والسلام علیكم ورحمة اللّٰه وبركاته

زهرة صفاتي

10 رجب 1444 ق ؛

12 بهمن 1401 ش

ص: 123

وَ عَلَیْهِ مِسْحٌ خَیْبَرِیٌّ مُطَوَّقٌ بِلَا جَیْبٍ مُقَصَّرُ الْكُمَّیْنِ وَ هُوَ یَبْكِی بُكَاءَ الْوَالِهِ الثَّكْلَی ذَاتِ الْكَبِدِ الْحَرَّی قَدْ نَالَ الْحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَیْهِ وَ شَاعَ التَّغَیُّرُ فِی عَارِضَیْهِ وَ أَبْلَی الدُّمُوعُ مَحْجِرَیْهِ وَ هُوَ یَقُولُ: سَیِّدِی غَیْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِی وَ ضَیَّقَتْ عَلَیَّ مِهَادِی...

فلمّا سألته عن سبب بكائه، قال لي:

إِنِّی نَظَرْتُ فِی كِتَابِ الْجَفْرِ صَبِیحَةَ هَذَا الْیَوْمِ وَ هُوَ الْكِتَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَی عِلْمِ الْمَنَایَا وَ الْبَلَایَا وَ الرَّزَایَا وَ عِلْمِ مَا كَانَ وَ مَا یَكُونُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ الَّذِی خَصَّ اللَّهُ تَقَدَّسَ اسْمُهُ بِهِ مُحَمَّداً وَ الْأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ وَ تَأَمَّلْتُ فِیهِ مَوْلِدَ قَائِمِنَا وَ

غِیبَتَهُ...فَأَخَذَتْنِی الرِّقَّةُ وَ اسْتَوْلَتْ عَلَیَّ الْأَحْزَانُ...(1)

ومن الضروري جدّاً الالتفات إلیٰ أخبار وأحوال ولادة إمام العصر عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف وظروفها العصیبة إذ أدت بالإمام الصادق(علیه السلام) _ الذي سبقه بعشرات السنین _ إلی البكاء وشدید الإنزعاج له، فإنّ شخص السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في صمیم تلكم الحوادث والظروف العسیرة. وهي التي حملت هذا النور الإلهي، وتحملت ما تحملت وعانت أشد المعاناة والأذیٰ، لا سیّما وأنّ قضیة حفظ حیاة الإمام(علیه السلام)، كان یتطّلب إخفاء جلال قدر هذه السیّدة العظیمة الفذّة عن أنظار الآخرین، لتجنیبها موارد الحسد وضرر عداء العباسییّن وعیونهم وأعوانهم.

ص: 125

وبهذا الصدد، قال أبو محمّد (العسكري)(علیه السلام):

« قد وضع بنو أمية و بنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: إحداهما أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادعائنا إياها و تستقر في مركزها، و ثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة و الظلمة على يد القائم منا، و كانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة و الظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إبارة نسله طمعا منهم في الوصول إلى منع تولد القائم عليه السّلام أو قتله، فأبى اللّه أن يكشف أمره لواحد منهم إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون .(1)

وعلیٰ أيّ حال، فإنّ مجموع الأسباب المشار إلیها أدت إلیٰ حرماننا من فیض معرفة هذه السیّدة الجلیلة كما ینبغي، ولكن یبقیٰ ما طفح وتفلّت من بین الكلمات النورانیة لأهل البیت(علیهم السلام) ما یتلألأ من نور مقامات السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، ممّا یمكن مشاهدته والاطلاع علیه، ونحن في هذه السطور المتواصفة، سنُعنیٰ _ مع رعایة الاختصار _ بذكر عدّة نماذج من ذلك، علیٰ أمل أن نحظیٰ _ نحن الفقراء _ بنظرة من نظرات ولیدها، مولانا صاحب الأمر والزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف.

اُخریٰ بهیئة مقیدة، وكمثال علیٰ ذلك، ما یرد روایات المعصومین(علیهم السلام)، بخصوص مولانا أمیرالمؤمنین(علیه السلام) من ألقاب، من قبیل: سیّد العرب، وسیّد الخلائق، وسیّد المؤمنین، وسیّد المسلمین، وسیّد الصدّیقین، وسیّد المتّقین، وسیّد الموحدین، وسیّد الزهّاد، وسیّد الأتقیاء، وسیّد الصادقین، وسیّد الشهداء، وسیّد البررة، وسیّد الأوصیاء، والسیّد في الدنیا والسیّد في الآخرة، وسیّد ولد آدم في یوم القیامة، والسیّد المبجّل و... .(1)

وبدیهيٌّ أنّ مقام السیادة ما یعطیٰ من قبل اللّٰه تبارك وتعالیٰ وهو أسمیٰ وأعلیٰ من الرئاسة والزعامة الاجتماعیة، أو أن تكون الدنیا حكراً علیه، وإنّما هو حاك عن العلوّ الواقعي والحقیقي والروحي والمادّي لصاحب هذا اللقب، الذي یستلزم علوّ الشأن والمرتبة، مضافاً إلیٰ ضرورة الانقیاد وتسلیم الآخرین لصاحب هذا المقام.

وقد ورد في الروایة أنّه لمّا أطلق رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم)لقب «سیّد العرب» علیٰ أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، انبرت عائشة _ التي لم تكن تطیق سماع شيءٍ من فضائل أبي الحسنین أمیرالمؤمنین(علیه السلام) _ بلسان الاعتراض، إذ قال النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم): «عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَرَبِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَ لَسْتَ سَيِّدَ الْعَرَبِ؟ فَقَالَ: أَنَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَرَبِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا السَّيِّدُ؟ قَالَ مَنِ افْتُرِضَتْ طَاعَتُهُ كَمَا افْتُرِضَتْ طَاعَتِي».(2)

ص: 127

وفي روایة اُخریٰ عن رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم)قال: «مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئاً إِلَّا جَعَلَ لَهُ سَيِّداً»(1)

ویستنتج من هاتین الروایتین أنّ مقام السیادة یكون بجعل ووضع إلهي مبارك، وهو تفضّل منه سبحانه علیٰ بعض خلقه، وثانیاً: أنّ لهذا السیادة معان عمیقة جدّاً وسامیة، وقد اُشیر إلیٰ شيء من معانیها في الحدیث النبويّ أعلاه.

وهنا، یتّضح السبب الكافي وراء إشارة المعصومین الأربعة عشر علیهم الصلاة والسلام وفي كلماتهم النورانیة إلی المقامات العالیة لهذه السیّدة الجلیلة، وتلقیبها ب-«السیّدة» حیث اُرید بذلك إلفات أنظار الأجیال إلیٰ عظمة وجودها وحقیقتها:

• في الوقت الذي اضطر الإمام الحسن المجتبیٰ(علیه السلام) إلی الهدنة مع معاویة. آخذه بعض الجهال، فأجابهم ضمن خطبة أولیٰ بها وتناول فیها مصلحة الشیعة في تلك الهدنة، وأن ما قام به یؤدي إلیٰ حفظ آخر وخاتم الأوصیاء، وقد نسبه(علیه السلام) إلیٰ اُمّه المكرّمة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)حیث قال:

«ذَاكَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِي الْحُسَيْنِ، ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ»(2)

• وفي روایة أخریٰ، حیث أراد مولانا الإمام الصادق(علیه السلام) تعریف أبي بصیر شخص صاحب الأمر عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف وشبهه

ص: 128

بالأنبیاء السابقین، عرّفه(علیه السلام) ونسبه إلیٰ والدته مشیراً إلیٰ مقام سیادتها السامیة، وقال:

«يَا أَبَا بَصِيرٍ! هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ ابْنِي مُوسَى ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ».(1)

• وكذلك روي عن مولانا الإمام موسی بن جعفر الكاظم(علیهما السلام) أنّه قال بعد بیانه جملةً من میزات الإمام الحجّة الخاصّة:

«وَ يُهْلِكُ عَلَى يَدِهِ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ».(2)

• وصرّح الإمام عليّ بن موسی الرضا(علیهما السلام) بشطر من فضائل وخصائص الإمام الموعود (عج الله تعالی فرجه الشریف) ، و عرفه بخصیصتین مهمّتین، فقال:

«الرَّابِعُ مِنْ وُلْدِي، ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ».(3)

• وثمّ روایة اُخریٰ نقلها المرحوم العلامة المجلسي(رحمه الله) في بحار الأنوار من كتاب كمال الدین، تضمنت مطلباً عظیماً عن لسان السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) حیث ذكرت أنّها بعد استشهاد أخیها الإمام الهادي(علیه السلام) كانت تقصد أحیاناً بیت الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) قالت:

«فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي وَقَالَتْ: يَا مَوْلَاتِي نَاوِلْنِي خُفَّكِ، فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي وَمَوْلَاتِي وَاللَّهِ لَا دَفَعْتُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ وَلَا خَدَمْتِينِي بَلْ أَخْدُمُكِ عَلَىٰ بَصَرِي. فَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ(علیه السلام) ذَلِكَ، فَقَالَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْراً يَا عَمَّةِ»(4)

ص: 129

ولمزید من الفهم وعمیق البصیرة في الروایة أعلاه، یلزمنا أن نعرف بأنّ السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) هي بنت الإمام الجواد(علیه السلام)، وأخت الإمام الهادي(علیه السلام)، وعمّة الإمام العسكري(علیه السلام). وفضلاً عن جلال قدرها، وكما قال العلامة المجلسي، فهي كانت من سفراء وأبواب الإمام العسكري(علیه السلام) ومن خواص الأئمّة وصاحبة أسرارهم(1)، وكذلك هي مربّیة وأستاذة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، ومع ذلك، فإنّها لم تكتف بعدم الإذن للسیّدة نرجس بأن تخدمها، بل إنّها خاطبت اُمّ القائم(علیه السلام) بلقب «سیّدتي ومولاتي»

والأهمّ من ذلك، أنّ الإمام العسكري(علیه السلام)، قد أیّد وأمضیٰ رأیها ومعتقدها فیها، بحیث لایبقیٰ، ثمّ ریب وشبهة للآخرین، ویتّضح مقام والدة الإمام الحجّة عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف وعظیم شأنها سلام اللّٰه علیها.

ص: 130

وطبقاً للروایتین أعلاه تتضح قضیتان مهمّتان في سیرة وعادة أمیرالمؤمنین(علیه السلام):

الأولیٰ: أنّه كان شدید الإهتمام بذكر مولانا إمام العصر عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، وهذا ما هو مشهود جدّاً في خطبه الاُخریٰ وعدید أقواله.

والنقطة الثانیة: أنّه(علیه السلام)، كان عادة ما یقرن ذكر امام الزمان بذكر اسم أو وصف والدته الجلیلة

ویشیر إلیٰ عظیم شأنها وقضیة اصطفائها من قبل اللّٰه تعالیٰ.

أریٰ _ تتمة للبحث _ من الضروري، الإشارة إلیٰ مسألة أنّ الألقاب والكلمات الصادرة عن حضرات المعصومین(علیهم السلام)، حمّالة وجوه ومعانٍ عدیدة، وكما قال الأئمّة(علیهم السلام) انفسهم إنّ كلامهم ككلام اللّٰه تعالیٰ، یتضمن بطوناً عدیدة.(1)

وقد ورد عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ:

سَأَلْتُ الرِّضَا علیه السلام فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ كُنِّیَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِأَبِی الْقَاسِمِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ ابْنٌ یُقَالُ لَهُ: قَاسِمٌ! فَكُنِّیَ بِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَهَلْ تَرَانِی أَهْلًا لِلزِّیَادَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أَنَا وَ عَلِیٌّ أَبَوَا هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَی! قَالَ:

ص: 132

أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَبٌ لِجَمِیعِ أُمَّتِهِ وَ عَلِیٌّ بِمَنْزِلَتِهِ فِیهِمْ؟ قُلْتُ: بَلَی! قَالَ: أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ عَلِیّاً قَاسِمُ الْجَنَّةِ وَ النَّار؟ قُلْتُ: بَلَی! قَالَ: فَقِیلَ لَهُ أَبُو الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ أَبُو قَاسِمِ الْجَنَّةِ وَ النَّار .(1)

بعد الالتفات إلیٰ هذه القاعدة، نصل إلی القول بأنّ الأئمّة المعصومین صلوات الله علیهم لمّا استعملوا لقب «سیّدة الإماء» و«خیرة الإماء» للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، فإنّه وفضلاً عن إشارتهم للمعنی الظاهري وكونها صارت جاریة في مقطع زماني محدّد و(حسب الظاهر) مضافاً إلیٰ اصطفائها من بین الإماء، كما أن ثَمّ معنیً آخر لهذا اللقب في البین، وهو تحصیلها كمال العبودیة والخضوع للّٰه تبارك وتعالیٰ، بمعنیٰ أنّها حازت مقام السیادة والاختیار من بین النساء المؤمنات، كما جری التعبیر _ ضمن آفاق أكثر اتّساعٍ بما لایقاس طبعاً _ بخصوص مولاتنا الصدّیقة الكبریٰ(سلام الله علیها) وعُبّر عنها ب-«أمَة اللّٰه». قال رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم):

«أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا مَكْتُوباً بِالذَّهَبِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ حَبِيبُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ فَاطِمَةُ أَمَةُ اللَّهِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ صَفْوَةُ اللَّهِ عَلَى مُبْغِضِيهِمْ لَعْنَةُ اللَّه ».(2)

وضمن المطلب المذكور آنفاً، یتجلّیٰ استحقاق السیّدة نرجس هذا اللقب العظیم من القول السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) لها وتعظیمها إیّاها، مضافاً إلیٰ تأیید وتقریر الإمام العسكري(علیه السلام)، لمّا صرّحت عمّته به.

ص: 133

• قد ورد هذا المطلب في زیارة أئمّة البقیع(علیهم السلام):

«لَمْ تَزَالُوا بِعَيْنِ اللَّهِ يَنْسَخُكُمْ فِي أَصْلَابِ كُلِّ مُطَهَّرٍ وَ يَنْقُلُكُمْ مِنْ أَرْحَامِ الْمُطَهَّرَاتِ لَمْ تُدَنِّسْكُمُ الْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلَاءُ وَ لَمْ تَشْرَكْ فِيكُمْ فِتَنُ الْأَهْوَاءِ طِبْتُمْ وَ طَابَ مَنْبِتُكُمْ».(1)

من مقام الطهارة هذا، والذي یشیر إلیٰ طیب وطهارة اُمّهات المعصومین سلام الله علیهم هو طیب وطهر من مختلف النجاسات واللَّوث المادّي والمعنوي، مضافاً إلیٰ دلالته علیٰ طهر وعصمة هذه المخدرات عن كلّ خطأ وذنب (وذلك أنّ جمیع النجاسات الجاهلیة قد نفیت عنهنّ علیهنّ السلام وبُرّئن عن كلّ رجس ونجس) وثمّ علائم وشواهد علیٰ ذلك، منها علامة خلّوهنّ عن بعض خصائص النساء، مثل

رؤیة دم الحیض والنفاس.

وإنّ فیما یرتبط بالصدّیقة الكبریٰ(سلام الله علیها)، فإنّ أحد أسمائها «البتول» وقد أوضحت الروایات الشریفة، أنّ معنیٰ هذا الاسم الشریف یطلق علی المرأة التي لا تریٰ حیضاً ولا نفاساً.

وفي روایة: قالت أسماء بنت عمیس:

قال لي رسول اللّه وقد كنت شهدت فاطمة(سلام الله علیها) وقد ولدت بولد و لم ير لها دم فقال(صلی الله علیه و آله و سلم): يا اسماء إنۀ فاطمة خلقت حورية في صورة انسية، هي طاهرة مطهرة.(2)

ص: 135

وفي روایة مشهورة وصحیحة عن الإمام الكاظم(علیه السلام)، أشار فیها إلیٰ «طهارة وعصمة» الصدّیقة الكبریٰ(سلام الله علیها)، قال(علیه السلام):

«إِنَّ فَاطِمَةَ(سلام الله علیها)صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ وَ إِنَّ بَنَاتِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَطْمَثْن ».(1)

ویدعم هذا القول الشریف بروایة نقلها المرحوم العلامة الطبرسي عن أهل البیت(علیهم السلام)، قال: وقد روي عنهم(علیهم السلام):

«إنّ سبیل اُمّهات الأئمّة سبیل فاطمة(سلام الله علیها) في ارتفاع الحیض عنهنّ».(2)

وبعد بیان وإثبات هذا المطلب بنحو عام، وأنّ اُمّهات المعصومین علیهم وعلیهن السلام ذوات مقام الطهارة والعصمة، وإنّ أحد أمارات هذا المقام عدم رؤیتهن لدم الحیض والنفاس، یبدو أن نقل المطلب المهم الذي أورده السفیر الثاني لإمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، محمّد بن عثمان العمري(رحمه الله)، عن السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) بنت الإمام الجواد(علیه السلام)، أمراً جدیراً بالإهتمام، قال:

«وُلِدَ السَّيِّدُ(علیه السلام) مَخْتُوناً وَسَمِعْتُ حَكِيمَةَ تَقُولُ: لَمْ يُرَ بِأُمِّهِ دَمٌ فِي نِفَاسِهَا وَهَكَذَا سَبِيلُ أُمَّهَاتِ الْأَئِمَّةِ(علیهم السلام)»(3)

إن أسمیٰ فضیلة من فضائل هذه السیّدة تحكي عظمة طینتها وخلقتها ووجود هذه المخدرة العفیفة في عوالم التكوین، فحیث اختیرت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) من قبل اللّٰه تبارك وتعالیٰ، وجعلها طاهرة مطهّرة، فلأجل أن تكون الوعاء النوراني المقدّس لمولانا خاتم الأوصیاء وصاحب الأمر والزمان. ومن هنا، نالت السیادة الحقیقیة في العالَمیْن، شأنها في ذلك شأن والدة الإمام الجواد(علیه السلام)، التي كانت الوعاء الوجودي للإمام، كما صرّح بهذه المنزلة الجلیلة، قال مولانا الإمام عليّ بن موسی الرضا(علیهما السلام):

«قُدّستْ اُمٌّ ولدته، قد خُلقتْ طاهرةً مطهّرةً».(1)

ومن الضروري، الإلتفات إلیٰ قضیة أنّه قد جریٰ التصریح في روایات أهل البیت(علیهم السلام)، أنّه بعد الخمسة الطیبین سلام اللّٰه علیهم، فأنّ أفضل أهل البیت(علیهم السلام)(2)، وأعلمهم وأحكمهم(3)، قائم آل محمّد(علیهم السلام)، ولا ریب في أنّ المرأة التي تقرّر أن تكون وعاءً لنوره، یلزم أن تكون ذات ظرفیة أسمیٰ

ص: 137

من بقیة اُمّهات الأئمّة، بعد الصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها، لتكون طبقاً لمقتضی السنخیة الجدیرة والمقبولة.

أمّا مسؤولیتنا وتكلیفنا إزاء اُمّهات الأئمّة(علیهم السلام) _ومن قبلهم أمّ بنت رسول اللّٰه، مولاتنا السیّدة خدیجة الكبریٰ(سلام الله علیها) _ إذ صارت كلٌّ منهنّ وعاء لنور الذوات المقدّسة في هذا العالم، واضحة بیّنة، لا سیّما إزاء السیّدة نرجس(سلام الله علیها) التي هي وعاء نور وجود ولي الأمر عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، حیث ورد

في روایة المعراج الكریمة أنّه لمّا عُرضت أنوار أشباح أهل البیت(علیهم السلام)علیٰ رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم)كان نور مولانا الإمام الحجّة(علیه السلام) یضيء كالكوكب الدري بین أنوار آبائه وأجداده(علیهم السلام).(1)

ومن هنا، حريٌّ بنا، كما الملائكة، أن نتواضع ونضع وجوهنا علی التراب ونرافق بنت الإمام الجواد(علیه السلام) وصاحبة سرّ الإمامین العسكريین(علیهما السلام) ونخاطب السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بالقول: «یا سیّدتي ویا مولاتي! أنا فداك وجمیع العالمین»(2)

السیّد محمّد الموحّد الابطحي

13/ رجب الخیر/ 1444 ق، قم المقدسة(3)

ص: 139

وخاصّة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، حیث جهدوا في تلویث شخصیّتها الجلیلة بالأكاذیب وكالوا لها الإهانات.

إنّ هذا المطلب حدا بالمؤلف المحترم إلیٰ إشهار قلمه الشریف للدفاع عن الشخصیّة السامیة للسیّدة نرجس(سلام الله علیها).

أمّا البحوث الرئیسیة التي نطالعها في هذا الكتاب، فهي كالتالي:

أسماء السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، ووجه تسمیتها بها، وردّ شبهات النواصب فیما یرتبط بعدد أسمائها(سلام الله علیها)

التحقیق في الأقوال المختلفة والشواهد العدیدة حول نسب السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وبیان بعض الشبهات والأجوبة المتعلّقة بذلك.

مراجعة الروایات الواردة عن أهل البیت(علیهم السلام)فیما یرتبط بمقامات ومنازل السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وبیان تفصیلي للنقاط المستفادة من تلك الروایات.

التحقیق في الأقوال المتفاوتة بخصوص تاریخ وفاة السیّدة نرجس(سلام الله علیها).

التحقیق في الشواهد والقرائن الواردة فیما یرتبط _ وعلیٰ حدّ تعبیر المؤلّف _ بجهاد السیّدة نرجس(سلام الله علیها) السامي الذي قامت به بعد ولادة إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف وعصر الغیبة، ومواجهتها بني العباس من جهة والمدّعین الكذابین [للإمامة أو السفارة والوكالة. المترجم] من جهة اُخریٰ.

وبعد بیان المطالب أعلاه، ذهب الشیخ المؤلف في الصفحات الأخیره لكتابه القیّم إلیٰ استنتاج عام، وموجِزاً نتائجُ تحقیقاته.

ص: 141

أمّا متن الكتاب، فأخذ منحیٰ القصة مع إرفاقها بتحلیل وقائع حیاة وسیرة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)وبیان شطر من المسائل العقائدیة والأخلاقیة.

وفي القسم الأخیر من الكتاب عمد المؤلّف إلیٰ إیراد وصایا مفیدة ومهمّة لدی الاهمام وتكریم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وشجع جموع المحققین علی التحقیق في أربعة مقاطع مهمّة من حیاة السیّدة نرجس(سلام الله علیها):

التحقیق والوصف الدقیق لسیرة الرفاهیة التي كان یتمتع بها القیاصرة وعلاقاتهم بالحكومات الاُخریٰ بناءً علی الوثائق التاریخیّة، لتتبیّن طبیعة مكانة هذه السیّدة الجلیلة في دائرة السلطة الرومیة.

الوصف الدقیق لظروف الأسر والهجرة والمخاطر التي تعرّضت لها هذه السیّدة الأمیرة.

المراجعة الدقیقة للظروف السیاسیّة والاجتماعیّة التي تعرّض لها أهل البیت(علیهم السلام)في الفترة المتأخمة لحیاة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، ومطالعة فترة حملها وما بعد وضعها ولیدها إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف والظروف التي واجهتها.

الوقائع والتحوّلات الحاصلة بعد هجرة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) فیما یخصّ جدّها القیصر وسائر أعضاء العائلة الحاكمة، وما إذا كان ثمّ ارتباط بینها وبین اُسرتها الاُولیٰ أم لا؟ وما إذا كان لارتباطها بأهل بیت الرسالة(علیهم السلام)تأثیر اجتماعي علی الروم بشكل مجمل وعام، بل وهل كان الروم علیٰ اطلاع بمصیر ابنتهم السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بعد هجرتها أم لا؟

ص: 143

واقتراح المؤلّف لتوفیر الظروف الأفضل لإجراء التحقیق والاستنتاج بهذا الصدد، وعقد الملتقیات السنویة، وتخصیص یوم أو اُسبوع باسمها الشریف، وتعهّد الخطباء والمفكّرین بالإدلاء بالحدیث عن شخصیتها السامیة، واهتمام الشعراء والكتّاب بإلقاء القصائد وعملیات التألیف بخصوص سیرتها وشخصیّتها(سلام الله علیها).

وقد عدّ المؤلف إطلاق اسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها) علی البنات الولیدات وكذا المؤسسات الدینیة والعلمیّة ومختلف الفعّالیات الثقافیة والتعلیمیة، أمراً مهمّاً ومفیداً في هذا الإطار.

كانت له سفرة في ربیع سنة 1387 ش إلیٰ بلاد الحجاز، وقد عُرض للاعتقال والسجن من قبل

الوهابیین بداعي بعض المباحث العقائدیة، وقد صرّح المسؤولون هناك أنّه یستحق الحكم بالسجن لفترة ثلاثة أشهر علی الأقل، وذلك في سجون السعودیة ذاتها، ولكنّه توسّل بالسیّدة نرجس في السجن وعقد نذراً علیٰ نفسه إن هو نجا، وكتب المؤلّف في تفصیل ذلك التوسّل والنذر: لا أدري ما الذي حصل حتّیٰ تذكّرت والدة إمامي، وقد اغرورقت عیناي بالدموع، فنادیتها مستغیثاً: «یا سیّدتي! أغیثیني!» ثم إنّه نذر في تلك اللیلة، إن هو نجا، أن یؤلّف كتاباً في السیّدة الجلیلة نرجس(سلام الله علیها)، لیتعرّف علیٰ سیرتها وعلیٰ طبیعة ولادة ولیدها الإمام الحجّة(علیه السلام). وأخالها نصف انقضت عليَّ في الاعتقال حتّیٰ أطلق سراحي، فانطلقت إلیٰ مقبرة البقیع الشریف وتعلّقت بسیاجه الحدیدي ورحت أذرف دموع الشوق.

الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم) وذكر مناقب أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، إلیٰ مدح ملیكه في ذلك الزمان، أي: السلطان حسین ووزرائه، ثمّ بادَرَ إلیٰ نظم الأشعار في حیاة إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، ومع أنّ الشاعر ذبیحي في هذه المنظومة لم یعمد إلیٰ مزید التفصیل، ولكنّه أدرج أحیاناً الجناس والبارادوكس والتلمیح والتضمین و... في شعره.

وتتوفّر النسخ الخطّیّة العدیدة لهذا الكتاب في المكتبات الخطّیّة الإیرانیّة، وبهمّة السیّد أبي الفضل حبیبي، اُخرجت هذه المنظومة مع الترجمة وتفسیر أبیاتها في 118 صفحة واُضیف إلیها أقسام من كتب «الرجعة» و«كمال الدین» و«الغیبة» و«بحار الأنوار» لأجل الإسناد والتوثیق والاعتماد.

ص: 146

هذه الزیارة _ ومثیلاتها _ یجد نفسه غارقاً في السلام ومحبّة أهل البیت صلوات اللّٰه علیهم، وذلك أن ردّ السلام أمرٌ واجب، وأنّ أهل البیت صلوات اللّٰه علیهم، خیر من یعمل بتعالیم وأحكام الإسلام، ولا ریب في أنّهم یردّون السلام.

إنّ أهل البیت(علیهم السلام) هم لسان اللّٰه، وفي الحقیقة، إذا ما سلّم أهل البیت(علیهم السلام) علینا، فكأنّ اللّٰه تعالیٰ قد سلّم علینا، وإن من یسلّم علیه، اللّٰه وأهل البیت ویحیّونه سیخرج من الظلمات إلیٰ نور الهدایة، وهذا هو صریح القرآن المجید وتصریحه حیث قال: <هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ وَكٰانَ

بِالْمُؤْمِنينَ رَحِيماً>(1)

وبعد السلام علیٰ نبيّ الرحمة وأهل بیته، تبدأ الزیارة بالسلام علیٰ والدة إمام العصر عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، بالعبارة التالیة:

«السَّلَامُ عَلَىٰ وَالِدَةِ الْإِمَامِ»

وهي التي أودعت الأسرار الإلهیة، ووفّقت؛ لأن تكون أُمّا لإمام الزمان عجل اللّٰه فرجه الشریف.

«السَّلَامُ عَلَىٰ وَالِدَةِ الْإِمَامِ وَالْمُودَعَةِ أَسْرَارَ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ، وَالْحَامِلَةِ لِأَشْرَفِ الْأَنَام »

إنّ أعظم الفخر للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، أنّها وفّقت لتكون والدة حجّة اللّٰه، مولانا إمام العصر روحي فداه، إمام الزمان الذي هو أمنیة وأمل

ص: 148

جمیع الأنبیاء والأولیاء الإلهیین، وكما یقال في المثل الفارسي: «ما عند الصالحین جمیعاً هو عندك»(1) فهو مرآة جمیع

الأنبیاء والأئمّة وصالحي الوجود. ولذا، كان لقبه(علیه السلام) «أشرف الأنام» وها هي السیّدة نرجس(سلام الله علیها) هذا الفخر بحیث صارت والدة هكذا موجود مبارك.

فما اُعطیت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) من جوهرة أصیلة، هي جوهرة مصطفاة مختارة من بین جمیع الأنبیاء والأولیاء الربانیّین، وكما جاء في حدیث المعراج: «والحجّة القائم، كأنّه الكوكب الدرّيّ في وسطهم»(2) وها هي الجوهرة الأصیلة بكلّ جمالها یقصدها ذوو القلوب الطاهرة في عالم الوجود.

أمّا والدة إمام العصر روحي فداه، فهي ممّن اختارها اللّٰه واصطفاها لتكون اُمّاً وراعیةً لحجّة اللّٰه تعالیٰ وقد اتّسع فؤادها حتّیٰ صار معدناً لمعارف وأسرار أهل البیت(علیهم السلام).

«اَلسَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الْمَرْضِيَّة»

مولاتنا ملیكة الصدّیقة، والصدّیقة تعني كونها موجوداً تكرّست فیها الحقیقة، كلّ الحقیقة، وأنّها خلّیة تماماً عن أيّ انحراف وكذب، والسیّدة نرجس(سلام الله علیها) باقتدائها بمولاتها الزهراء(سلام الله علیها) صدّیقة یوافق كلّ قولها وفعلها مرضاة اللّٰه تبارك وتعالیٰ.

وهي مرضیّة، أي أنّه سبحانه راضٍ عنها بتمام المعنیٰ وعن سیرتها، وإنّ من تفني كلّ عمرها في الانتظار، وطیلة هذه المدّة وبكلّ وجودها تنتظر الوصول إلیٰ حجّة اللّٰه ووصال أهل بیت العصمة والطهارة(علیهم السلام)، صابرة في هذا المسار محتسبة دونما خروج وانحراف عن سبیل العبودیة والطاعة للّٰه عزّوجلّ، فلا شك بأنّ وجودها مرضيّ في حسابات اللّٰه.

أي أن الملائكة كانت تحدّثها، فكانت عارفةً بأخبارها وأخبار ولیدها، وهي(سلام الله علیها) وعن طریق الإخبار الغیبي قد علمت أنّها ستحظیٰ بشروف الزواج من الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، وأنّها ستكون والدة حجّة اللّٰه المنتظر الإمام المهدي أرواحنا فداه.

وهي كما اُمّ موسیٰ(سلام الله علیها)، كانت مضطرّة _ وبأسالیب مختلفة _ إلی الحفاظ علیٰ حیاة ولیدها من فراعنة عصرها، وكذلك كانت كاُمّ موسیٰ في الإبتلاء بفراق ابنها أحیاناً، فكانت تصبر وتصبر وإن كانت تریٰ ولیدها _ كما نقل _ لیس في مهده، فكانت تقلق وتتوجّه إلی الإمام العسكري(علیه السلام) وتسأله عن ولیدهما، فیقوم الإمام بتهدئتها وتذكیرها بحقیقة أن لا مدعاة للقلق، وذلك أنّ ملائكة السماء قد حملوا الإمام الولید إلی السماء لتستنیر بنوره الأخاذ وتتبرك به، وبهذا الصدد روت السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) وفیما یرتبط بكون السیّدة نرجس(سلام الله علیها) شبیهة باُمّ موسیٰ، وقالت:

بعد ولادة صاحب الأمر _ عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف _ ...فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ(علیه السلام) فَقَالَ: يَا عَمَّةِ تَنَاوَلِيهِ وَ هَاتِيهِ. فَتَنَاوَلْتُهُ وَ أَتَيْتُ بِهِ نَحْوَهُ، فَلَمَّا مَثَلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ وَ هُوَ عَلَى يَدَيَّ سَلَّمَ عَلَى أَبِيهِ، فَتَنَاوَلَهُ الْحَسَنُ(علیه السلام) مِنِّي... وَ الطَّيْرُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ فَصَاحَ بِطَيْرٍ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ: احْمِلْهُ وَ احْفَظْهُ وَ رُدَّهُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً. فَتَنَاوَلَهُ الطَّيْر وَ طَارَ بِهِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَ اتَّبَعَهُ سَائِرُ الطَّيْرِ فَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ(علیه السلام) يَقُولُ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي أَوْدَعَتْهُ أُمُ مُوسَى مُوسَى . فَبَكَتْ نَرْجِسُ فَقَالَ لَهَا: اسْكُتِي فَإِنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ ثَدْيِكِ وَ

ص: 151

سَيُعَادُ إِلَيْكِ كَمَا رُدَّ مُوسَى إِلَى أُمِّهِ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ: <فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ >(1) قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَقُلْتُ: وَ مَا هَذَا الطَّيْرُ؟ قَالَ: هَذَا رُوحُ الْقُدُسِ الْمُوَكَّلُ بِالْأَئِمَّةِ يُوَفِّقُهُمْ وَيُسَدِّدُهُمْ وَيُرَبِّيهِمْ بِالْعِلْم .(2)

مؤمناً، ومن جحده وعصاه كان كافراً. وكان النبيّ عیسیٰ(علیه السلام) قد تنبّأ وأخبر أن الناس بعده سیكونون ثلاثة أقسام، وأنّه لن ینجو من هذه الأقسام غیر أتباع شمعون، والأقسام هي: معارضو عیسیٰ(علیه السلام)، لا سیّما الیهود. والقائلون بألوهیّة عیسیٰ(علیه السلام). ثمّ القائلون بنبوّته فحسب، أي: أتباع شمعون الذين ثبتوا علی الهدیٰ والحقّ. ثمّ إنّ شمعون نال مرتبة الشهادة في مسیر الحقّ ومواجهة الباطل.(1)

وهكذا كان مآل الشخص الذي حظي بالتربیة الخاصة من قبل النبيّ المسیح(علیه السلام)، فصارت حیاته مفعمة بالطهر والمعنویّة، حتّیٰ صار له من ذرّیّته ابنة تدعیٰ ملیكة، واختارها اللّٰه تعالیٰ لتكون اُمّاً للإمام الحجّة بن الحسن أرواحنا فداه.

أساس التقویٰ وقصد رضوان الحقّ تعالیٰ، فیما «النقیّة» هي الطاهرة المطهّرة عن كلّ عیب وشین.

والظاهریّة، وهكذا كانت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) محطّ اعتماد أهل بیت العصمة والطهارة، وموضع ومستودع سرّهم العظیم.

وإنّ أحد مصادیق الأسرار المستودعة، الوجود المقدّس لمولانا المهدي المنتظر روحي فداه، وهو سرّ الصدّیقة الزهراء(سلام الله علیها)، وقد ترعرع في حجر السیّدة نرجس(سلام الله علیها).

المعنوی الشریف بحیث یُشملن بالسلام المشترك بینهنّ وبین النبيّ أو الإمام المعصوم، بل ولعلّ بعض نساء الأنبیاء والأئمّة قد طردن من ساحة الرحمة الإلهیة، ولكن شخصیّةً مثل شخصیّة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) قد انضمّت إلیٰ قُدس أهل البیت(علیهم السلام) بحیث صارت جدیرة بإشراكها بالسلام وتحیات اللّٰه وأهل البیت(علیهم السلام) والمؤمنین والمتقین.

لها، وكما یقول الإمام الصادق (علیه السلام): «واعلمْ! أنّه لا ینفعُ اجتهادٌ لا وَرَعَ فیه»(1) وعلیٰ هذا، فإن السعي والجهد یكون له قیمته الطیبة إذا ما انصبّ في المسار الإلهي، فیما كانت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) وحیاتها وكلّ مسعاها فیما یرضی اللّٰه تبارك وتعالیٰ.

وأمّا صبرها وجهادها الأرقیٰ والأهمّ والأسمیٰ، فكان في الوقت الذي اضطرّت فیه إلی الدخول ضمن الاُسریٰ، لتصل إلیٰ إمامها ومحبوبها، فهذه السیّدة مع كونها السیّدة الأولیٰ والأمیرة في قصر القصیر، إلّا أنّها بادرت إلی التنازل عن مكانتها إذ ذاك للوصول إلیٰ حجّة اللّٰه وإمام زمانها، فارتدت لباس الجواري ودسّت نفسها بین الأسیرات لتحقق غایتها، وكان هذا الصبر صبراً عظیماً، إذ كانت أمیرةً وسیّدة یشار إلیها بالبنان فرأت نفسها بین الاُسریٰ والفقراء المهدّدین بكلّ الأضرار والمخاطر، فإن تكون سیّداً للقصر فتضطر إلی الإقامة في كوخٍ متهاوٍ...، فهذا الصبر والتواضع من قبل هذه السیّدة یشیر إلیٰ یقینها الكامل واعتقادها الصائب الراسخ إزاء مقام النبوّة المحمّدیة والولایة العلویة والإمامة العسكرية والمهدویة!!

وهذه الحركة النرجسیة تمثّل لنا درساً، بل دروساً عدیدة ورمزاً إلی الوصال والوصول إلی الحبیب الربّاني: وأحد الدروس الأخلاقیّة من هذه الحركة، هو أنّك إن ابتغیت الوصال بالرفیق، فعلیك التنازل عن الأنانیة والمنصب والمقام الظاهري، وعلیك نزعَ لباس الكبر والغرور والأنانیّة، وارتداء لباس التواضع، وإنّه ینبغي علیك التواضع في هذا البیت كما المساكین لتدرك الحقیقة، وإن أردت وصال سیّد العالَم، صاحب الأمر والزمان روحي فداه، علیك أن تصفو وتتبسّط وتكون ترابیاً، أن تكون غبار قدمه لیرتفع ویسمو بك، أوَ لم تطرقْ اُذُنَ قلبك العبارة القائلة: «من تواضع للّٰه، رفعه اللّٰه، فهو في نفسه ضعیفٌ وفي أعین

ص: 160

الناس عظیم»(1) ینبغي أن تكون أسیر هذا البیت، لتتحرّر من كلّ شيء وعن كلّ شخص، والسیّدة ملیكة، ومع أنّها كانت ملیكةً حقّاً، إلّا أنّها جعلت من نفسها وشخصیّتها ذرّات تراب في بیت أهل البیت(علیهم السلام)، فارتقیٰ مقامها حتّیٰ أضحت یتوسّل بها وبما لها من منزلة عظماء العالم، وهي قد جعلت من نفسها أسیرة لعشق المولیٰ، حتّیٰ حققت بهذا الأسر كلّ الصلاح والخیر، وراحت تحلّق في سماء العشق والعبودیة الحقّة.

ولقد كان للسیّدة نرجس(سلام الله علیها) اتّصال ظاهري وبالزواج من الإمام العسكري(علیه السلام). وكذلك كان لها الاتّصال والارتباط الروحي والقلبي والولائي معه، وواضح جدّاً أنّ الاتّصال الحقیقي لا یتمّ بمجرّد الزواج، لا سیّما وأنّ كثیراً من النساء قد وفّقن للزواج من الأنبیاء والأولیاء الإلهیّین، ولكنّهنّ كنّ عدیمات المعرفة والموالاة لهم(علیهم السلام).

وهذا یؤكّد حقیقة أن الوصال الصادق یكمن في مدی المعرفة والمودّة والطاعة والتّسلیم، وقد أمر القرآن الحكیم بذلك، فقال: <قُلْ لٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ>(1) وهذا الارتباط غیر محدّد بالزواج، وهو متاح للجمیع.

ورأیٰ ما لایراه الآخرون، وسمع ما لا یسمعه غیره، كما قال مولانا الإمام زین العابدین(علیه السلام): «حتّیٰ تَخْرِقَ أبصارُ القلوب حُجبَ النور، فتصلَ إلیٰ مَعْدِنِ العظمة، وتصیرَ أرواحُنا معلّقةً بعزِّ قدسِك».

وكذا صرح(علیه السلام) في نصٍّ كریم آخر: «إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِينَ حَتَّى تَعْرِفُوا وَ لَا تَعْرِفُونَ حَتَّى تُصَدِّقُوا وَ لَا تُصَدِّقُونَ حَتَّى تُسَلِّمُوا».(1)

لقد كانت والدة الإمام الحجّة روحي فداه بوجودها المبارك بحراً من المعرفة، وكانت معرفتها مستقاة مباشرةً من أهل البیت(علیهم السلام)، وعن طریق الإلهامات الإلهیّة القطعیّة، وهي بعد ارتباطها بأهل البیت(علیهم السلام)، أخضعها الإمام العسكري(علیه السلام) إلیٰ تربیته الخاصة، ونفعها من كوثره اللامتناهي، وكمثال علیٰ ذلك، نُقل أنّ الإمام العسكري(علیه السلام) طلب من عمّته السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) أن تعلّمها المعارف الإلهیة، وعلیه، فإنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها) كانت عارفة مؤمنة، قد صدّقت بالحقیقة وسلّمت للأوامر الإلهیّة.

لمظلومیة وغربة مولاه، أمّا بصیرته وفهمه ووعیه، فمقرون إلیٰ شعوره وعاطفته وعشقه وولهه.

ولا یمكن لأحد أن یفتح نافذة قلبه علیٰ إمام زمانه وقد ذاق من كأس معرفة مولاه ولكنّه لم یصبح عاشقاً، ومن كان عاشقاً متولّهاً كیف له أن لایضطرب لغمّ سیّده؟ وهل یمكن أن یكون المرء عاشقاً ولكنّه لا یغتمّ لإمام زمانه!

لا ریب أنّ تحمّل هذا الغم وهذه الشفقة والاضطراب أعلیٰ ما یتعبد به المنتظرون.

«مُؤْثِرَةً هَوَاه »

إنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها) قدوة ونموذج كامل لعشّاق ومنتظري إمام العصر(علیه السلام)، ومَن یقول: «أنا مهدويٌّ» یفترض به أن یقدّم ویرجّح مشیئة إمام زمانه علیٰ هواه ورغبته.

وفي روایة عن منصور بزرج، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ(علیه السلام): مَا أَكْثَرَ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ يَا سَيِّدِي ذِكْرَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ! فَقَالَ: لَا تَقُلِ الْفَارِسِيَّ، وَ لَكِنْ قُلْ سَلْمَانَ الْمُحَمَّدِيَّ، أَ تَدْرِي مَا كَثْرَةُ ذِكْرِي لَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: لِثَلَاثِ خِلَالٍ [خِصَال]: أَحَدُهَا: إِيثَارُهُ هَوَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(علیه السلام) عَلَى هَوَى نَفْسِهِ، وَ الثَّانِيَةُ: حُبُّهُ لِلْفُقَرَاءِ وَ اخْتِيَارُهُ إِيَّاهُمْ عَلَى أَهْلِ الثَّرْوَةِ وَ الْعَدَدِ، وَ الثَّالِثَةُ: حُبُّهُ لِلْعِلْمِ وَ الْعُلَمَاءِ. إِنَّ سَلْمَانَ كَانَ عَبْداً صَالِحاً حَنِيفاً مُسْلِماً.(1)

ص: 166

ولو أنّنا اُضفي علینا مائة لقب جمیل، أو اُعطینا مائة من ألواح التقدیر والتكریم، ولم یكن سلوكنا وواقعنا الحقیقي مؤیّداً ومرضیاً من جهة إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، فلنعلم أنّ كلّ عمرنا قد انتهیٰ إلی الضلال والضیاع، وقد قیل منذ القدم (المثل الفارسي): إنّ فراخ الدجاج تحصیٰ في آخر الخریف.

ومن هنا، كانت سعادتنا وشقاؤنا یُعدّان في لحظة مغادرتنا الدنیا، وما إذا كنّا في تلكم اللحظة سنحظیٰ بابتسامة الرضا والتأیید من قبل إمام العصر وولیّ الأمر(علیه السلام)، أم بسخطه، العیاذ باللّٰه.

ولقد كانت حیاة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) كلّها مفعمة برضا اللّٰه تعالیٰ بحیث حَدَتْ بنا إلی الشهادة لها أن كلّ عمرها الشریف كان معرفة وبصیرة ورضاً من مولاها العظیم.

قال مولانا الإمام السجاد(علیه السلام): «أَلَا وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ مَنْ يَقْتَدِي بِسُنَّةِ إِمَامٍ وَلَا يَقْتَدِي بِأَعْمَالِهِ».(1)

وروی عن الإمام الصادق عن آبائه عن أمیرالمؤمنین(علیهم السلام) أنه قال: «مَنْ أَحَبَّنَا فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِنَا وَ لْيَسْتَعِنْ بِالْوَرَعِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ».(2)

فإذا ما تشكّل هذا الاقتداء والاتّباع من القول، العقیدة الصالحة من جهة، ومن الادّعاء والإشهار من جهة ثانیة، وكذا من العمل الصالح والاقتداء من جهة ثالثة، فلا ریب أن صاحبه سیحظیٰ بمقام الرضا والتسلیم، وكان الإمضاء والتوقیع علیٰ عنوان «الراضیة المرضیّة والتقیّة النقیّة» من نصیب صاحب هذه المنزلة.

وعلیٰ هذا، وطبقاً لهذا المقطع الشریف من الزیارة الطیبة، فإنّ بعضاً من الصفات الخیّرة البارزة للسیّدة نرجس(سلام الله علیها) التي شكّلت حیاتها الكریمة، هي عبارة عن: الاقتداء بأهل البیت(علیهم السلام)، العیش ضمن مسار رضوان اللّٰه تبارك وتعالیٰ، الورع و الطهارة والطهر في الروح والعمل.

وإنّ نتیجة هذا الواقع الكریم عبارة عن: نیل رضا اللّٰه تعالیٰ وإمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، استحقاق الجنّة الخالدة الأبدیة بعد العیش في الدنیا عیشةً مفعمة بالسعادة والرضوان كما هو العیش في جنان الخلد فیما بعد، الحظوة بالعنایة والإحسان الالٰهي الخاص.

ص: 169

للقلوب، كما صار مرقدها الشریف الطاهر موضع توسّل وتوجّه ولجوء أولیاء اللّٰه تعالیٰ، وإن رغبتم بمزید العنایة المهدویة، فعلیكم إطلاق ذكر الصلوات لاُمّه المعصومة، أو أن تأتوا بركعتي صلاة في محضر هذه السیّدة الرؤوفة الشفوقة، أو أن ترتّلوا آیات مباركات من القرآن العظیم وتهدوها إلیها.

وإن قصدتم مدینة سامراء، فلا تغفلوا عن التوسّل بسیّدة الكرامة هذه، فإنّ في التوسّل بها وزیارتها كنوزاً خفیّة، ولهذا ترانا نطلب من ربّنا سبحانه وتعالیٰ في الدعاء الوارد بعد زیارتها قائلین: «وبقبر اُمِّ ولیك لُذْتُ» والحقیقة، هي أنّ قبر سیّدة وملجأ البؤساء المحتاجین ملجأٌ للعالم، وأن الدعاء في موضعها المقدّس مستجاب.

وَلٰا هُمْ يَحْزَنُونَ>، وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ قَبِلْتَ سَعْيَهُ، وَ يَسَّرْتَ أَمْرَهُ، وَكَشَفْتَ ضُرَّهُ وَآمَنْتَ خَوْفَهُ.

اَللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِي إِيَّاهَا، وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إِلَيْهَا أَبَداً مٰا أَبْقَيْتَنِي، وَإِذَا تَوَفَّيْتَنِي فَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهَا، وَأَدْخِلْنِي فِي شَفَاعَةِ وَلَدَهَا وَشَفَاعَتِهَا، {وَاغْفِرْ لِي وَلِوٰالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنٰاتِ، وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنٰا عَذٰابَ النَّارِ}، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا سَادَاتِي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه ».

***

إلهي! باُمّ إمام الزمان! وهي عنوان للعبودیة والصلاح والفلاح، عجّل فرج یوسف عزیزها، واجعلنا من أولیائه وخدّامه المخلصین.

ص: 172

وفي هذه الآیة الكریمة بین القرآن العظیم بعضاً من أوصاف هذه السیّدة الجلیلة:

ألف: أنّها(سلام الله علیها)محدّثة(1) وأنّ الملائكة تتحدّث إلیها: {إِذْ قٰالَتِ الْمَلائِكَةُ يٰا مَرْيَمُ}.

ب: اصطفاء السیّدة مریم(سلام الله علیها) بالطهارة والتطهیر، وهو الإشارة إلیٰ مقام عصمتها: {اصْطَفٰاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفٰاكِ}.

ج: اصطفاء السیّدة مریم(سلام الله علیها) وأفضلیّتها علیٰ جمیع نساء العالمین في عصرها:(2) {وَاصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ الْعالَمين }.

ولدی التحقیق في التاریخ والروایات یتبیّن أنّ جمیع اُمّهات المعصومین علیهم وعلیهنّ السلام، ومن جملتهنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، كنّ یحملن هذه الصفات:

والسلام، یتكلّمون معهنّ ویبینون لهنّ المطالب من عالم الغیب ویخبروهنّ عن حوادث المستقبل.

ومثال ذلك، أنّ السیّدة شهربانو(سلام الله علیها)، زوجة الإمام الحسین(علیه السلام) ووالدة الإمام زین العابدین(علیه السلام) قالت: لمّا كنت في قصر یزدجرد ملك ایران رأیت رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله و سلم) والإمام الحسین(علیه السلام) في المنام، وقد خطبني النبيّ في منامي للإمام الحسین(علیه السلام). وفي اللیلة التالیة رأیت في منامي سیّدتي فاطمة الزهراء(سلام الله علیها) وقد لقّنتني كلمتي الشهادتین الطیّبتین.(1)

وكذلك ما ورد في القصة المشهورة عن ملكة الروم حیث قالت السیّدة نرجس(سلام الله علیها): في اللیلة التي تعطّل فیها مجلس خطبتي علیٰ ابن عمّي، رأیت في المنام أنّ النبيّ المسیح(علیه السلام) وشمعون وجمعاً من الحواریین قد اجتمعوا في قصر جدّي، وقد اُتي بمنبر في نور یعلو إلی السماء، ثمّ شرّف ذلك المجلس _ في المنام _ النبيّ الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم) ووصیّه وصهره عليّ بن أبي طالب(علیه السلام) وجمع من أولاده، فقال النبيّ الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم) للنّبيّ المسیح(علیه السلام): قد جئنا لخطبة ملیكة ابنتك لولدي، الإمام الحسن العسكري(علیه السلام). وبعد أربع عشرة لیلة حیث احترقت بمحبّة الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) رأیتني في محضر السیّدة فاطمة الزهراء(سلام الله علیها) التي كانت السیّدة مریم(سلام الله علیها) برفقتهما وتحفّهما الف حوریة من حور الجنان، فلقّنتني الشهادتین الطیبتین، ثمّ إنّ مولاتي الزهراء(سلام الله علیها) اعتنقتني، وقالت: انتظري ولدي حیث سأبعثه إلیك.

ص: 175

ثمّ إنّي صرتُ أتشرّف بعد ذلك وفي كلّ لیلة _ في عالم الرؤیا _ بزیارة ومشاهدة الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، إلیٰ أن قال لي الإمام في منامي: في یوم كذا سیجیّش القیصر جیشاً علی المسلمین، فانطلقي خلف الجیش وارتدِ ثیاب الخدم، فإنّ المسلمین سیأسرونك حتّیٰ تكون عاقبتك إلیٰ خیر.(1)

تریٰ ألم تجعل هذه الإخبارات النبویّة والعلویة والفاطمیة والعسكرية التي كانت تصل السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في كلّ لیلة هذه السیّدة المصطفاة أسمیٰ من كونها محدّثةً فحسب؟ ولذا، ترانا وتسمعنا نقرأ في زیارتها الشریفة: «السَّلَامُ عَلَىٰ وَالِدَةِ الْإِمَامِ وَالْمُودَعَةِ أَسْرَارَ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ... وَالْمُسْتَوْدَعَةُ أَسْرَارَ رَبِّ الْعَالَمِين »(2)

من حیث الوجه حتّیٰ، بحیث أنّ عمر بن الخطاب لمّا أراد النظر إلیٰ وجهها، قالت: «أف بیروج بادا هرمز» أي: سوّد اللّٰه وجه جدّي هرمز، حیث یریدون النظر إلیٰ وجه ابنته.(1)

السیّدة فاطمة بنت الإمام الحسن(علیهما السلام)، زوجة الإمام الباقر واُمّ الإمام الصادق(علیهما السلام): وقد قال الإمام الصادق(علیه السلام)بحقّ والدته فاطمة بنت الإمام الحسن(علیهما السلام): «كَانَتْ صِدِّيقَةً لَمْ تُدْرَكْ فِي آلِ الْحَسَنِ امْرَأَةٌ مِثْلُهَا».(2)

السیّدة حمیدة، زوجة الإمام الصادق ووالدة الإمام الكاظم(علیهما السلام): لمّا جيء بها إلی الإمام الباقر(علیه السلام)، سألها «أَخْبِرِينِي عَنْكِ أَبِكْرٌ أَنْتِ أَمْ ثَيِّبٌ؟ قَالَتْ: بِكْرٌ، قَالَ: وَكَيْفَ وَلَا يَقَعُ فِي أَيْدِي النَّخَّاسِينَ شَيْ ءٌ إِلَّا أَفْسَدُوهُ؟ فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ يَجِيئُنِي فَيَقْعُدُ مِنِّي مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ رَجُلًا أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَلَا يَزَالُ يَلْطِمُهُ حَتَّىٰ يَقُومَ عَنِّي فَفَعَلَ بِي مِرَاراً وَفَعَلَ الشَّيْخُ بِهِ مِرَارا» وقال الإمام الصادق(علیه السلام)بحقها: «حَمِيدَةُ مُصَفَّاةٌ مِنَ الْأَدْنَاسِ كَسَبِيكَةِ الذَّهَبِ مَا زَالَتِ الْأَمْلَاكُ تَحْرُسُهَا حَتَّى أُدِّيَتْ إِلَيَّ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لِي وَ الْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي»(3).

السیّدة نجمة، زوجة الإمام الكاظم ووالدة الإمام الرضا(علیهما السلام): هي نجمة كانت لنورها وعفّتها وطهارتها قد لقّبت بالطاهرة.(4)

ص: 177

السیدة ریحانة، زوجة الإمام الرضا ووالدة الإمام الجواد(علیهما السلام): كانت امرأة من نسل السیّدة ماریة القبطیّة، اُم المؤمنین(سلام الله علیها)، وقد أخبر النبيّ الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم) عنها وشهد بطهارتها وقال: «بأبي ابن خِیَرَةِ الإماء، ابن النوبیّة الطیّبة» وذكرها الإمام الرضا(علیه السلام) باعتبارها سیّدةً نزیهة عفیفة، كما هي السیّدة مریم(سلام الله علیها) وقال فیها: زوجتي سبیكة (ریحانة) مقدّسة عفیفة كمریم(سلام الله علیها)، وهي طاهرة مطهّرة.(1)

سمانة، زوجة الإمام الجواد، ووالدة الإمام الهادي(علیهما السلام): قال فیها الإمام الهادي(علیه السلام): «أُمِّي عَارِفَةٌ بِحَقِّي، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لَا يَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ مَارِدٌ، وَلَا يَنَالُهَا كَيْدُ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَهِيَ مَكْلُوءَةٌ بِعَيْنِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَلَا تَتَخَلَّفُ عَنْ أُمَّهَاتِ الصِّدِّيقِينَ وَالصَّالِحِينَ».(2)

سوسن (سلیل) زوجة الإمام الهادي، ووالدة الإمام الحسن العسكري(علیهما السلام): روي في كتاب إثبات الوصیّة أنّه: لمّا جیء بها إلی الإمام الهادي(علیه السلام)، قال فیها: «سليل مسلولة من الآفات و العاهات و الأرجاس و الأنجاس»(3). ویكفي في مقام عصمتها أنّه صدر الأمر بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) أن یرجع إلیها الشیعة لمزید المحافظة علیٰ حیاة إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف.(4)

ص: 178

السیّدة نرجس، زوجة الإمام الحسن العسكري، ووالدة إمام الزمان(علیهما السلام): قال فیها الإمام الهادي(علیه السلام) وفي عفّتها وطهرها: وإن كانت جاریة، إلّا أنّها كانت تمتنع عن أن ینظر إلیها الشراة أو یلمسوها؛

وقال بشر بن سلیمان الذي اُمِر بشرائها: لمّا رأی الشراة عفّتها، قال أحدهم: أشتریها بثلاث مائة دینار لعفتها وحیائها (1)؛

ونقول حیث نزور مرقد هذه الملكة في الدنیا والآخرة: «السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ، السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ... السَّلَامُ عَلَيْكِ وَ عَلَى رُوحِكِ وَ بَدَنِكِ الطَّاهِر»

كما نقرأ في آخر الزیارة في مقام الشهادة لها(سلام الله علیها): «أَشْهَدُ أَنَّكِ مَضَيْتِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكِ مُقْتَدِيَةً بِالصَّالِحِينَ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً تَقِيَّةً زَكِيَّةً فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكِ وَ أَرْضَاكِ وَ جَعَلَ الْجَنَّةَ مَنْزِلَكِ وَ مَأْوَاكِ فَلَقَدْ أَوْلَاكِ مِنَ الْخَيْرَاتِ (مَا أَوْلَاكِ) وَ أَعْطَاكِ مِنَ الشَّرَفِ مَا بِهِ أَغْنَاكِ فَهَنَّأَكِ اللَّهُ بِمَا مَنَحَكِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَ أَمْرَاكِ».(2)

إنّ جمیع كلمات المعصومین(علیهم السلام) وعبارات المؤرّخین هذه تشهد بهذا المطلب، وأنّ هذه السیّدات الجلیلات الطاهرات المطهّرات كنّ علیٰ هذا المنحیٰ، إذ تقرّر بمشیئة اللّٰه العليّ الأعلیٰ أن یصبحن اُمّهات للأئمّة المعصومین ویلدنّهم.

ص: 179

وما أسرع ما تكون عند أفضل أهل الأرض، ولاتنقضي الأیّام حتّیٰ یولد منها من لیس أفضل منه في المشرق والمغرب، وهكذا صارت _ كما قالت المرأة الكتابیة _ عند الإمام موسی بن جعفر(علیهما السلام)».

فلمّا ولدت له الإمام الرضا(علیه السلام)، قال مولانا الإمام الكاظم(علیه السلام): «هَنِيئاً لَكِ يَا نَجْمَةُ كَرَامَةُ رَبِّك _ إلیٰ أن قال _ خُذِيهِ فَإِنَّهُ بَقِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِه ».(1)

ونقل بشر بن سلیمان قائلاً: لمّا جئت بنرجس من بغداد إلیٰ سامراء وأخذتها عند مولاي أبي الحسن الهادي(علیه السلام)، بشّرها الإمام بالقول: ما أسرع أن یأتي منك ولد یملك شرق الأرض ویملأ الدنیا عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. وفي زیارة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)نقرأ: «عَلَى وَالِدَةِ الْإِمَامِ ... وَ الْحَامِلَةِ لِأَشْرَفِ الْأَنَامِ»

ولا ریب في أنّ من بین السیّدات المكرمات، كان للسیّدة نرجس(سلام الله علیها) منزلة ممیّزة، باعتبارها والدة آخر أوصیاء خاتم النبیّین، وهي اُمّ البقیّة من حجج اللّٰه في الارض الذي شاء اللّٰه تعالیٰ له أن یحمل رایة الشریعة المحمّدیة والعدالة العلویة وینشرها علیٰ أرجاء المعمورة بحوله وقوّته تبارك وتعالیٰ.

ص: 182

وقد سئل مولانا الإمام الرضا(علیه السلام):

عمّن یكون قائم أهل البیت(علیهم السلام)؟ فقال: «الرابع من ولدي، ابن سیّدة الإماء، یطهّر اللّٰه به الأرض من كلّ جور».(1)

ومع أنّ هذه الفتاة السعیدة البهیجة والزوجة الوحیدة للإمام الحسن العسكري(علیه السلام) كانت تعیش في القصور، ولكنّها في الوقت نفسه كانت الغایة في التزام الطهر والعفّة من حیث الأخلاق الفاضلة والسلوك النبیل، وكانت أكثر شيء تشبه اُسرتها؛ لأنّها مفعمة بالروحانیة والطهر، كما كان جدّها شمعون من حیث الاستفهام والتعلّم من النبيّ المسیح(علیه السلام) والسیّدة مریم.

وكانت(سلام الله علیها) شدیدة الرغبة بالاتّصال بأسرة طاهرة مطهرة موحدّة حتّیٰ أعانها اللّٰه تعالیٰ علیٰ إیصالها بشكل إعجازي بالإمام الحسن العسكري(علیه السلام)، وحین دخولها بیت الإمام الهادي(علیه السلام)، أحالها إلیٰ اُخته السیّدة حكیمة(سلام الله علیها) لتعلّمها أحكام الدین.

الذي هو خاتم حجج اللّه وآخر خلفائه». قال: قلت: ممّن هو يا ابن رسول اللّه؟ قال: «من ابنة ابن قيصر ملك الروم، ألا إنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر».(1)

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ رَجَعْتُ إِلَىٰ مَنْزِلِي وَزَيَّنْتُهَا وَوَهَبْتُهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ وَجَمَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِي، فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّاماً، ثُمَّ مَضَىٰ إِلَىٰ وَالِدِهِ وَوَجَّهْتُ بِهَا مَعَهُ.(1)

وفي تلك الفترة، كان الضغط من جهة الحاكم العباسي الظالم، قد اشتدّ _ في سامراء _ علی الإمام الهادي(علیه السلام) وأسرته الجلیلة، وقد اشتدت المراقبة علیهم من قبل الجواسیس، فیما كانت السیّدة نرجس(سلام الله علیها) تتحمّل كلّ تلكم الضغوط بسعة صدر وفي سبیل اللّٰه وحبِّ أهل البیت(علیهم السلام)، ولم تقصّر لحظةً في الدفاع عن القیّم الإلهیّة.

وقال الأُستاذ مجتهدي: متیٰ ما تعسّرت اُموري، نذرت ألف صلوات علی النبيّ وآله وأهدیتها للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، والدة إمام الزمان(علیه السلام)، فإنّها تتیسّر.(1)

وكان أستاذي المحترم آیة اللّٰه الشیخ علي أكبر فقیه(رحمه الله) یقول: لیكن النذر بعدد الرقم 10 للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، فهو نذر مجرب (كأنّ ینذر صاحب الحاجة عشرة أذكار)

أمّا أنا _ الفقیر _ فقد فعلت ذلك مراراً وقضیت حاجاتي، فیما أوصیت أفراداً عدیدین، ففعلوا ذلك، وقُضیت حاجاتهم وتیسّرت اُمورهم.

تكون لهم، فضلاً عن الأنبیاء والأئمّة(علیهم السلام)، وهي من جملة البشارات الإلهیّة للمؤمنین، وهي من الحقائق التي تمیط اللّثام عن الخفایا التي لا طریق إلیٰ إنكارها، وهي بحاجة إلی التفسیر والتأویل أحیاناً.

أرض اللّٰه الواسعة، والسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، واتّباعاً لسیرة الأنبیاء والأولیاء قد هیّأت لنفسها مشروع الهجرة من أرض الروم إلیٰ مدینة سامراء.

التوجّه إلی اللّٰه تعالیٰ والتقرّب إلیه، وهو المحرك الإلهي والسماوي لدرأ الغفلة ونزع ردائها المقیت عن الإنسان المادّي، والدفع بهذا المخلوق المثیر إلی الهدایة والنجاة، وإنّ معرفة الإمام هو الطریق الوحید لبلوغ النورانیة في الدنیا والآخرة، وهو أمر یقع في أعلیٰ وأخطر الضرورات الخاصة بتحقیق السعادة ونیل المجتمع الإنساني والإسلامي سبل السلام.

المحبّة والاُنس، وذلك أن العبادات والمعاملات والمعاشرات والمناكح و، بحاجة إلیٰ وجود العلم والعلماء، فإذا ما أنس الإنسان بعلماء الدین الصادقین الصالحین عاد علیه ذلك بالفائدة، لا سیّما وأنّ كلّ من خرج لطلب العلم كان سائراً في سبیل اللّٰه حتیٰ یعود إلیٰ وطنه.

من الخصائص الإیجابیّة لدی الإنسان، وهو عامل مهم ومؤثّر في إحراز حیاة اجتماعیة ناجحة، ولیس علیٰ صعید الحیاة الفردیة والشخصیة.

«نرجس» یستدعي في ذاكرة المسمّاة به والمستمعین له الشعور بالراحة والبهجة و...

والصراط المستقیم هو سبیل اللّٰه(1) وهو الطریق الذي رسمه اللّٰه وحدّده لتحقیق السعادة للإنسان، وغیر ذلك هو طریق باطل، وإنّ مجموعة التصورات والتعالیم _ الأوامر والمناهي _ التي تشکّل مسار الحقّ، تسمّیٰ «الإسلام».

وإنّ کلّ انسان مغموم وإنّ کلّ بصیر وفي کلّ عصر ومجتمع مهتمٌّ _ وهکذا ینبغي _ بمعرفة الحق وحدوده والباطل وحدوده، لیتمکّن من اختیار طریق الحق وینال السعادة والفلاح، وفي هذا الإطار، نجد السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بإعتبارها أحد النماذج الطیبة والقدوات الصالحة البارزة، وهي التي انقطعت عن جمیع أقاربها وذویها ومدینتها ودیارها لتبلیغ الحقّ ولتکون آخر عروسات البیت المحمّدي المقدّس.

ص: 198

وفي المفهوم القرآني، یجد الفرد المذنب _ وبداعي جملة من الأبعاد الإیجابیة (مثل: الإیمان والعمل الصالح و...) لنفسه وجه أو أوجه شبهٍ بأولیاء اللّٰه تعالیٰ، وهم بدورهم یعینونه ویقودونه نحو الكمال، حیث یطلبون من اللّٰه سبحانه العفو عنه والتوبة علیه.

وبعبارة أخریٰ، یمكن القول: فإنّ وجود الشخص الأقویٰ والأفضل إلیٰ جانب الشخص الأضعف، وإعانته، یكون ذلك بمثابة طيّ مراتب الكمال(1)، إذ التوسّل ینشّط روح الأمل ویضعّف روح الیأس ویوجد العلاقة المعنویة باللّٰه وأولیاء اللّٰه ویساهم في اكتساب رضوان اللّٰه، ویخلق الاهتمام بسلسلة الشافعین.

إنّ الأفراد الكُمَّل والأولیاء الإلهیّین البارزین لهم _ بإذنه سبحانه وتعالیٰ _ مقام الشفاعة، وهو مقام لعمري عظیم، وقد امتازت السیّدة النبیلة نرجس(سلام الله علیها) بهذا المقام الإلهي، وهي شافعة مشفّعة لموالیها وموالي ولدها، وبنظرة عابرة إلیٰ مسالك العظماء وعلماء الدین الصادقین الصالحین المرضیّین عند المعصومین(علیهم السلام) یتّضح مقام شفاعتهم في الدنیا، فیما أوكلوا شفاعتهم الاُخرویة لحقبة اُخریٰ.

إنّ من الوسائل المهمّة والمجرّبة، التوسّل بوالدة إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، السیّدة نرجس(سلام الله علیها) كما اُعرب عظماؤنا بالقول: «التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) یسرّع تحقیق المطالب».

قال أحد أعاظم الخطباء: إذا أردت تلبیة حاجتك، فتوسّل باُمّهات الأئمة المعصومین(علیهم السلام)، وتشفّع بهنّ إلیهم، فهل یمكن أن یردّ الأئمة المعصومون(علیهم السلام)هذا النوع من الشفاعة؟(1)

في هذه المقالة أوردنا التوسّلات والكرامات وزیارة سیّدتنا الجلیلة نرجس(سلام الله علیها)، راجین أن تحظیٰ برضا إمام الزمان(سلام الله علیها)وأمّة الغریبة.

وحیث قد ورد التأكید علیٰ قراءة الدعاء بشكل جمعي، وأنّه مقرون بالإجابة، فإنّنا نوصي بقراء ة دعاء «إلهي عَظُم البلاء...» في البیوت والأجواء العائلیة عند الساعة الحادیة عشرة في لیلة منتصف شعبان، وبعد ذلك قراءة سورة الفاتحة مرّة، وإهداء ثوابها إلی السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، والدة مولانا الإمام صاحب الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه».(1)

وقال: «علیٰ أعتاب السنة الجدیدة، وبملاحظة وجود المشاكل الاجتماعیّة، یؤدّی العملان المذكوران أدناه بنیّة دفع ورفع المشاكل: 1 _ في لیلة أو نهار الخامس والعشرین من شهر رجب الموافق لذكریٰ استشهاد الإمام موسی الكاظم(علیه السلام) یحبّذ التوسّل في البیوتات وبالشكل العائلي بباب الحوائج(علیه السلام) وتذكر لدیٰ ذلك مصائب هذا الإمام المظلوم والمسموم؛ 2 _ أن یتلو كلّ شخص بما وسعه من آیات القرآن المجید وأن یهدي ثوابها لوالدة إمام الزمان أرواحنا فداه. علیٰ أمل أن تشمل حالنا عنایات مولانا إمام الزمان(علیه السلام)بهذا العمل إن شاء اللّٰه تعالیٰ».

آیة اللّٰه العظمیٰ الشیخ محمّدتقي بهجت(رحمه الله)، فسأله ثلاثة من زائري السیّدة المعصومة(سلام الله علیها) أن یرشدهم إلیٰ توسّل لرفع المشاكل والمصاعب، فقال لهم: أحد إرشادات المرحوم والدي (آیة اللّٰه بهجت) التي كان الناس یؤدّونها فتقضیٰ حوائجهم: قرائة زیارة عاشوراء وإهداء ثوابها إلی السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، والدة إمام الزمان(علیه السلام)، وأنا الآن أقول لكم بالنیابة عن والدي آیة اللّٰه بهجت: اقرؤوا زیارة عاشوراء أربعین مرّة واهدوها إلی السیّدة نرجس(سلام الله علیها) لتدفع وترفع مشاكلكم إنّ شاء اللّٰه تعالیٰ، ولطالما أوصیت ذوي المشاكل بهذه الوصیة، وسرعان ما اتصل بي هؤلاء لیخبروني أنّهم عملوا بهذه الوصیة ونالوا حاجاتهم.

كان المرحوم آیة اللّٰه محمّد تقي بهجت یقول: كلّ من قرأ سورة یٰس في كلّ یوم وأهدیٰ ثوابها للصدّیقة الزهراء سلام اللّٰه علیها، وكذلك من قرأ دعاء العهد وأهدیٰ ثواب قراءته لوالدة إمام الزمان أرواحنا فداه، وقرأ سورة الواقعة أیضاً واهدیٰ ثوابها لأمیرالمؤمنین(علیه السلام)، كانت عاقبته إلیٰ خیر، شاءَ أم أبیٰ!

وقال آیة اللّٰه مجتهدي: قد قال لي آیة اللّٰه سیبویه _ وكنت أعدّه من الأولیاء _ ذات یوم: في زماننا (عصر الغیبة) یعتبر التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) من أسرع الوسائل في إجابة الحاجات وقضائها، وذلك أنّها إذا أوصت ولدها بذلك، اُجبر علیٰ طاعتها وشفاعتها.

وقال أیضاً في درس أخلاقه: أفضل وسیلة للتقرب إلی اللّٰه تعالیٰ، أهل البیت(علیهم السلام)، وقد عرضت لي مشكلة قبل أربعین عاماً، فأرشدني أحد أولیاء اللّٰه في كربلاء المقدّسة إلی التوسّل بوالدة إمام الزمان(علیه السلام)، فهي اُمّ إمام عصرنا، وستقول له: یا ولدي! إنّ فلاناً قد توسّل بي، فأجبه.

ولك أن تنذر ذكر الصلوات الف مرّة، أو انذر ختم القرآن الكریم مرةً لها(سلام الله علیها) لتقضیٰ حاجتك. وقد نقل الأستاذ إلهي واعظ عنّي هذا المطلب علیٰ منبره، فأقبل عليَّ أحدهم وقال: قد فعلتُ بما أوصیتَ، فأجیبت طلبتي علی الفور!

و قال الأستاذ مجتهدي(رحمه الله): متیٰ ما أشكلت عليَّ الاُمور، نذرت ذكر الصلوات علی النبيّ وآله ألف مرّة وأهدیت ثوابها لمولاتنا السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، تیسّرت اُموري وحُلّت مشاكلي.

وقیل في کیفية التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) والدة إمام الزمان عجّل اللّٰه فرجه: صلَّ ركعتي صلاة الحاجة، ثمّ صل علیٰ محمّد وآله 313 مرّة، وأقرا سورة الفتح المباركة مرّة، واهدِ ثواب الصلاة والقراءة للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، والدة الإمام صاحب الأمر.(1)

ص: 205

الرجال الباقین، فلمّا رأیته، أخذت ركبتاي بالارتجاف، فیما أثار التمر انتباهي، ولمّا كنت أشعر بمزید التعب، فقد جلستُ واتّكأت، فقال الرجل المرموق: «هذا الحاج محمّد قد أدّیٰ عن والدتي عمرةً وقد أصابه التعب، فناولوه بضع تمرات».

فقام شخص من فوره وأتاني بوعاء التمر، فأخذت منه خمس أو ستّ تمرات ولم التفت إلی الكلام، لما كنت أشعر به من التعب، فبدأت بالأكل، فرأیته یرمقني بنظراته ویتبسّم.

ثمّ إنّه قال ثانیةً: «بلیٰ، هو قد اعتمر بالنیابة عن والدتي وتجشّم العناء، تقبّل اللّٰه منه إن شاء اللّٰه».

ثمّ إنّي نظرت، فتفاجأت بعدم وجود أحد، فانتبهت إلیٰ نفسي، فقلت: قد كانت أمنیتي أن أری الإمام(علیه السلام) وسرعان ما تحقّقت أمنیتي.

وقال أیضاً: قد حصلت لي حالات في نفسي بعد أن تناولت تلك التمرات.

لا تتركوا التوسّل، فإذا بلغت المسجد، فاعلم أنّ له علیكم حقّاً، فلا تتمهّلوا حتّیٰ تصلوا ركعتین متیٰ ما دخلتم مسجداً، ولتكن الركعتان هدیةً لمولاتنا الصدّیقة الزهراء(سلام الله علیها)والسیّدة نرجس(سلام الله علیها)والسیّدة اُمّ البنین، عسیٰ أن تحظوا ببركاتهنّ وألطافهنّ.(1)

ص: 208

_ وإنّ من الجدیر جدّاً أنّ الإنسان الفطن یفهم ویعي من أین یدخل وكیف یتوسّل _ ثمّ إنّه _ السیّد عدنان _ وقع في قلبه أن یتوجّه إلیٰ ضریح السیّدة نرجس(سلام الله علیها) والدة إمام الزمان وعروس السیّدة الصدّیقة فاطمة الزهراء سلام اللّٰه علیها ویلصق نفسه بالضریح ویخاطبها قائلاً: یا سیّدتي! أنا خادم حرمکم ومرقدکم، وأنا اکنس موضعکم، وقد اُصیبت زوجتي بالسرطان، فهل من المناسب أن أذهب إلیٰ غیركم واستجیر به وأشكو إلیه؟ ألیس الخادم ملزم بأن یشكو إلیٰ سیّده؟ وقد التمست وتوسّلت بإمام الزمان ولدك ولكنّه لم یجبني، وكذا كان الشأن من زوجك الأكرم، الإمام العسكري(علیه السلام)، وقبله كان الشأن في مولاي الإمام الهادي(علیه السلام)، وها أنا ذا متعلّق بأذیال كرمك، فتفضّلي علینا بالشفاعة عند ولدك الإمام الحجّة بن الحسن(علیهما السلام) أن ینظر إلیٰ زوجتي وینجیها من مرضها العضال.

_ وقد كان عدنان هذا سیّداً أیضاً، حكیٰ لآیة اللّٰه السند، كما نقل لي الحكایة الشیخ سیف العائدي، وأنا أنقل هذه الواقعة من طریقین _.

قال: فلمّا خرجت من الحرم المقدّس بعد التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) لاُدخل الإیوان، رأیت إمام الزمان قادماً، وتفوّه بعبارة واحدة كان مضمونها: هل تعلم من أین استدعیتني واضطررتني إلی المجئ؟ وقد أخبرتَ والدتي بخبرك؟ هل تعلم كم أنا منشغل؟ فهناك الآلاف المؤلفة في الدنیا یندبونني، هل تعلم من أین أتیتُ الآن؟!

ثمّ قال: جلس الإمام عجّل اللّٰه فرجه علیٰ دكّة في الصحن الشریف، فوقفت بین یدیه فیما كان بدني قد تخشب خشیةً وشعوراً بعظمة

ص: 210

الإمام ومهابته، وكذلك كان بدني كلّه یتعرّق، وإذ كنت كذلك، عمد(علیه السلام) إلیٰ مسح عرق جبهتي بإصبعه ثمّ قبّل جبهتي مرتین أو ثلاث! وبعد ذلك توجه(علیه السلام) إلی السرداب المقدّس وسرت معه، فانشغل بالعبادة ونطق ببعض العبارات تناول فیها جملة مطالب، وقد قضیت معه في السرداب، حوالي الساعتین من الوقت، ثمّ أمرني(علیه السلام) بالذهاب إلی الكوت _ حیث كانت زوجتي _ وأخبرني أنّني إذا بلغت مدینة الكوت، فإنّه سیوافیني مرّتین لیشافي زوجتي.

وبعد تلك الساعتین، ذهب السیّد عدنان إلی الكوت، ووافاه الإمام الحجّة(علیه السلام) وشافیٰ زوجته التي كانت مریضة.

ما أسعدك أیّها السیّد عدنان حیث شفیت زوجتك، إذ من العسیر جداً علی الرجل وهو یریٰ زوجته الشابّة تذوب كما الشمع!(1)

مع ما ألمّ بصحّته من السوء. وبعد أن عرضنا علیه القضیة التي دفعتنا إلیه، قال لصدیقي الطالب:

اقصدْ مسجد جمكران وصلَّ الصلاة المخصوصة للإمام(علیه السلام)، واهدِ ثوابها إلیٰ روح والدة الإمام السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وبعد الفراغ من الصلوات الواردة في السجدة التالیة للصلاة، توجّه إلی القبلة وقل 313 مرّة: «یا حجّة اللّٰه» ثمّ خاطب السیّدة نرجس(سلام الله علیها) بالقول: «أنتِ اشفعي لي عند ولدك العزیز إمام العصر(سلام الله علیها)لیحل مشكلتي» وحیث أنّ إكرام الوالدین والإحسان لهما واجب، فإنّه(علیه السلام) لا شكّ سیستجیب لها.

وبعد أن انتهت وصایا الاُستاذ المجتهدي، استأذنّاه بالمغادرة، وفي عصر ذلك الیوم انطلق صدیقي إلیٰ مسجد جمكران بقم المقدّسة وفعل ما أمره الاُستاذ المجتهدي. ثمّ إنّه جاء ني في غد ذلك الیوم قائلاً: بكرامة إمام الزمان(علیه السلام)، حُلّت مشكلتي العسیرة بكل یُسر!

ومنذ ذلك الحین وقد انقضت عشرون سنة تقریباً، كانت حاجاتي وحاجة غیري ممّن أرشده إلی القیام بهذا التوسّل والعمل، تقضیٰ بلطف مولانا الإمام الحجّة(علیه السلام).(1)

علیٰ أمل أن تدفع جمیع مشاكل أولیاء إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف في عصر الغیبة هذا، وهو عصر الاضطراب والحزن والبلاء عبر التوسّل بالإمام، لا سیّما التوسّل الذي أرشد إلیه الاُستاذ المجتهدي.

ص: 212

قضاء الحاجات بقراءة زیارة عاشوراء وإهدائها إلی السیّدة نرجس(سلام الله علیها)

قال أحد عباد اللّٰه: اعترتني مشكلتان كبیرتان، فحلّتا بقراء ة زیارة عاشوراء:

منهما: حصلت لي ثلاث مشاكل مهمّة وقد ازعجتني كثیراً: كنت مدیناً بمبلغ مائتي الف تومان لشراء بیت(1) وقد استمر ذلك طیلة تسع سنوات ولم أكن قادراً علیٰ سداده؛ ومشكلة كبیرة التي اعتذر عن التصریح بها والكشف عنها؛ و كنت في ضائقة مالیة في تأمین نفقات المعیشة.

كانت هذه المشاكل الثلاث قد ضیّقتْ عليَّ كثیراً، وبعد التوسّل بالسیّدة فاطمة المعصومة(سلام الله علیها)، خطر علیٰ بالي أن أقرأ زیارة عاشوراء في أربعین یوماً، وأن أهدي ثوابها إلی السیّدة نرجس(سلام الله علیها) لكي تشفع لي عند ولدها إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، لیكفیني ما أهمّني من هذه المشاكل الثلاث، وقد شرعت في التوسّل بالطریقة أدناه: بعد صلاة الفجر، صرت أقرأ في كلّ یوم زیارة «أمین اللّٰه» بنیّة زیارة أمیرالمؤمنین(علیه السلام). ثمّ أقرأ زیارة عاشوراء مع مائة لعن، ثمّ أسجد واُصلّي ركعتین، ثمّ أقرأ الدعاء المعروف ب-«علقمة».

وفي الیوم الثامن والعشرین وجدت أنّ مشكلتي الثانیة قد حلّت بشكل عجیب. وفي الیوم الثامن والثلاثین قدّم لي أحد الأصدقاء الذي كان یعرف _ شیئاً ما _ عن الدَین العالق بذمّتي، مبلغ المائتي ألف

ص: 213

تومان بلا أيّ مقدمة، وكان یكفي في سداد دیني، وقال: هذا المال مالك لأجل الدین المقابل لقیمة البیت، وبعد إكمال الأربعین یوماً حلّت مشكلة نفقاتي للمعیشة، والحمدللّٰه، ولم اُواجه حتّیٰ الآن أيّ مشكلة بهذا الصدد.(1)

عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في یوم الجمعة، العاشر من شهر شعبان من سنة 1444ق في حسینیة مولانا جواد الأئمّة(علیه السلام) في إصفهان:

قد اعتدتُ حلّ مشكلة ازدحام المرور والسیّارات في طهران عبر ذكر الصلوات هدیة إلی السیّدة نرجس 313 مرّة بنیة أنصار إمام الزمان(علیه السلام)، ودائماً ما تراني اُحضر المجلس المدعوّ إلیه قبل نصف ساعة، ولم یحدث _ طیلة خمسین سنة _ أن أصل متأخّراً وذلك بفضل التوسّل بمولاتنا السیّدة نرجس(سلام الله علیها).

ولم یكن هذا إلّا بكرامة والدة الإمام الحجّة(سلام الله علیها)

وفیها عبرةٌ للمؤمنین.(1)

وأخیراً، حان موعد المرافعه، ولم یكن لنا ما نقوله في المحاكمة، وكان من المقرر أن ینطق القاضي بحكمه ویعلن إقفال ملفّها، ولكنّنا رأینا بعجب تامّ أنّه أمر بإرسال الوثیقة إلیٰ جهة متخصصة لتكشف عن حقیقة الأرض وظروفها، وكنت في تلك الفترة وإلیٰ ثلاثة أسابیع، أقرأ زیارة عاشوراء المقدّسة في كلّ یوم وأهدي ثواب القراءة إلی السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، حتّیٰ حان یوم المرافعة الجدیدة، فانتابنا العجب بعد أن اطّلعنا علیٰ أنّ الأرض كانت في جملة أملاك الدولة، فیما حكم علیٰ خصمنا واُدین بتهمة بیع مال الغیر، وصدر الحكم لصالحنا، والحال أنّنا كنّا قد استعلمنا من قبل ولم نلتفت إلیٰ أصل التزویر والخدیعة في مالكیة الأرض، وعلیٰ أيّ حال، فقد صدر الحكم الابتدائي لصالحنا بفضل وبركة التوسّل بمولاتنا السیّدة نرجس(سلام الله علیها) وحكم علیٰ خصمنا بإعادة أموالنا وتمّ فرض غرامة مالیة علیه.

ولكن هذا الخصم المحتال دخل علینا من طریق آخر، إذ ادّعی الإعسار (أي: عدم تمكنه من إعادة المال وتقدیم الغرامة المالیة) وصار یتصنّع البكاء للتهرب من تنفیذ الحكم الصادر ضدّه، فارجئت جلسة المقاضاة إلیٰ اُسبوعین، فما كان منّي إلّا أن تابعت قراءة زیارة عاشوراء وذكر الصلوات حتّیٰ حان موعد جلسة المحكمة، إذ عرفنا أنّ الشخص المدان أحضر رجلین شاهدین یشهدان له زوراً وكذباً بأنّه فقیر وأنّه ینبغي شموله بحكم حال المعسر. فرأینا بتعجّب أنّ الشاهدین كانا علیٰ استعداد لِلإدلاء بشهادتهما الكاذبة، ولكنهما بُهتا لمجرد

ص: 217

تعرّضهما لسؤال أو سؤالین من قبل القاضي، ولم یتمكّنا إلّا أن یختارا الصمت، فیما وجد الخصم المذكور نفسه مضطراً إلی الكذب لدیٰ إجابته علیٰ سؤال القاضي

الذي انتبه إلیٰ كذبه، ومرّة أخریٰ فشل هذا الخصم المحتال، ورفض القاضي شموله بحكم المعسر وأصدر _ بكرامة من السیّدة نرجس(سلام الله علیها)_ حكمه لصالحنا، رغم أنّ الشواهد الظاهریة ووثیقة المبایعة وإقرار المحامین الحاذقین، كان یؤدي إلیٰ عدم وجود سبیل لإحقاق حقّنا أبداً.

إزاحة موانع الزواج ببركة السیّدة نرجس(سلام الله علیها)

نقل أحد الفضلاء ومبلّغي الحوزة العلمیة إصفهان قائلاً: بلغ ابني سنَّ الزواج، فزاحمته بعض الموانع، من قبیل عدم التحاقة بالخدمة العسكرية وعدم توفّر الشغل المناسب، وعدم امتلاكه بیتاً أو سیارة، فیما كنت أنا في ضیق من الناحیة الاقتصادیة والمعیشیّة. وفي هذه الفترة حیث تصعب اُمور الزواج ومتطلباته، مضافاً إلیٰ موانعه، فقد تعرض ابني هذا لمزید من الاضطراب والقلق، وكذلك كنت أنا، هذا من جهة، ومن جهة اُخریٰ، فإنّي لم أرغب في ترك ابني بتلك الحال، فسعیت جهدي، إلّا أنّي لم اُصل ولم اُحقق النتیجة المرجوّة، حتیٰ أنّي بعت قطعة أرض كنت ورثتها عن أبي ووالد زوجتي للبیع، ولكن أحداً لم یتقدّم لشرائها. وحلّ شهر رجب، فنویت أن أصوم وصلّیت ودعوت ما استطعت، حتیٰ أنّي صلّیت صلاة اُمّ داود وصلاة إمام الزمان(علیه السلام) في لیالي الجمعات، دونما یحصل لي ولإبني فرج، وكأنّ المصلحة اقتضت

ص: 218

عدم إجابتي، ولكنّي کنت أتوقّع واترقّب _ بداعی التوسّل _ الفرج والیسر والمدد الغیبي.

وفي یوم ولادة مولانا الإمام الحسین(علیه السلام) _3 شعبان _ دعیت من قبل اُستاذي آیة اللّٰه السیّد حجّت الموحد الأبطحي، حیث أقیم مجلس تكریم وتعظیم للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، فیما یعرف ببیت العترة، فلبّیت هذه الدعوة واشتركت في المجلس بنیة قضاء حوائج الشباب، وحیث كان المقرئ السیّد مكاریان یقرأ أشعار التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، شعرت بانكسار في قلبي ونویت إذ ذاك أن أقیم مجلساً في بیتي علیٰ شرف السیّدة والدة إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه، وعلیٰ أمل أن أجد الإجابة لتلك التوسّلات التي قمتُ بها في شهر رجب.

وصارحت اُسرتي بهذا الموضوع، فعارضوني بشدّة قائلین: إن كان من المقرر لمشكلتنا أن تحلّ، لحلّت بكلّ تلكم التوسّلات! فقلت: لعلّنا اقترفنا عملاً تأذّیٰ له قلب إمام الزمان(علیه السلام)، وعسیٰ أن یشفع لنا توسّلنا بوالدته الجلیلة، فتتفضّل علینا وتحلّ مشكلتنا. فقالوا: نقبل بما تقول بشرط واحد، وهو أن تستخیر القرآن المجید لدیٰ اُستاذك السیّد الموحد الأبطحي دون أن تخبره بحقیقة ما نویت وعزمتَ علیه.

فاتصلت عبر الهاتف بأحد أصدقائي وطلبت منه أن یستخیر لي عند السیّد الاُستاذ دون أن یخبره عن السبب أو الشخص المستخیر بالأصل. وبعد نصف ساعة اتصل هذا الصدیق بي وقال: قال سماحة السیّد: استخارتك صالحة جداً، ثمّ إنّ أفراد اُسرتي رضوا بما كانت علیه

ص: 219

الاستخارة، فقلت مؤكداً: ینبغي أن نجدّ في إقامة المجلس علیٰ حبَّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها).

فدعونا _ مع ما كنّا نعانیه من العوز المادّي _ حوالي ثلاثین شخصاً من أهل الاستغاثة والتوسّل، وفي لیلة السادس من شهر شعبان المعظم، وصادف یوم الاثنین أقمنا مجلس التوسّل وصلّینا ركعتي الحاجة وأهداها كلٌّ منّا إلی السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، ثمّ أتینا بذكر الصلوات علی النبيّ وآله 313 مرّة، وقرأنا سورة الفتح المباركة بشكل جمعي، ثمّ ارتقیٰ أحد الروحانیین المنبر وتناول فضائل السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وتلاه قراءة المدائح ومصیبة السیّدة الصدّیقة الزهراء(سلام الله علیها)، وختمنا المجلس المذكور بتناول الطعام من مائدة هذه السیّدة العظیمة، والدة مولانا صاحب الأمر(علیه السلام). ولقد استولت علیٰ ذلك المجلس حماسة ممیزة وحالة معنویة عجیبة، شعرت بها أنا وأفراد اُسرتي.

واُشهد اللّٰه تعالیٰ علیٰ أنّ أحد أصدقائي بادر من جهته بالأشارة وتعریف فتاة من اُسرة لنا، مع أنّ الموانع لم ترفع بعد فانطلقنا بلا أمل مسبق للخطبة، وما أن دخلنا بیت الفتاة، حتیٰ وجدنا ترحیباً حارّاً من قبل والدیها، وقد تحدّث والد العروس بما أزاح كلّ همّي وغمّي، وكان ممّا قال لي: یا حاج! نحن والدا الفتاة وجمیع الأقارب نعرفكم، ولا یهمنا طبیعة شغل ومرتّب ابنكم، ویكفینا أنّه شاب مؤمن وغیر مدمن علی التدخین!

المثیر في الأمر أنّه في لیلة ولادة إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف جاءنا من یشتري قطعة الأرض والماء الزراعي، وعقدنا صفقة البیع

ص: 220

وحلّت مشكلتنا الاقتصادیة ووسیلة النقل (السیّارة) ودونما یمنع من ذلك مانع، وببركة والدة إمامنا المنتظر(علیه السلام) تمّت في یوم الجمعة السابع عشر من شهر شعبان المعظم مراسم الخطبة في «بیت العترة» بإشراف السیّد الجلیل سماحة آیة اللّٰه الموحّد الأبطحي دامت بركاته. وعموماً، قد أثمرت تلكم التوسّلات في شهر رجب، واُحلنا علیٰ والدة إمام الزمان(علیه السلام).

وكما نقرأ في زیارة الجامعة الكبیرة: «یا وليَّ اللّٰه! إنّ بیني وبین اللّٰه ذنوباً لا یأتي علیها إلّا رضاكم» فحیث یرضی الإمام، تحل المشاكل بتوصیة والدته الجلیلة، إن شاء اللّٰه تعالیٰ.

حلّ مشكلة أحد جنود إمام الزمان(علیه السلام)

حكیٰ أحد طلّاب الحوزة العلمیة، وهو من عشاق أهل البیت(علیهم السلام)، والناشطین في نشر وتبلیغ دینهم القویم، قائلاً:

حصلت لي مشكل شغلت ذهني وتفكیري ولم أجد لها حلّاً، بل وكانت تزداد تعقیداً كلّما حاولت الخلاص منها، حتّیٰ أنّني تعرّضت لحادث اصطدام بسیّارتي، فحدّثت أحد أصدقائي الذي اتصل بالمسؤول ذي الصلة بعملي، فرأیت وجهه قد تغیّر فجأة وبدت علیه علامات الانزعاج، وترك سماعة الهاتف وقال لي: یجب أن تلتحق بالخدمة العسكرية، ولیس أمامك طریق غیر ذلك، ثمّ راجعني بعد الانتهاء من الخدمة لنفتح لك ملفاً جدیداً. ولكن حیث كنت أنهیت خدمتي العسكرية الإلزامیة قبل عدّة سنوات دونما اتسلّم رخصة الانتهاء من الخدمة، ولكنهم أصروا علیٰ استصدار تلك الرخصة.

ص: 221

فخرجت من مكتب ذلك المسؤول وكلّي یأس، وفجأة تذكرت قول اُستاذي الجلیل الذي أكّد فیه: متیٰ ما واجهت مشكلة معقدة، فاعمدْ إلی التوسّل واطرق باب بیت أمام الزمان(علیه السلام)، فإنّ من المحال أن لا یجیب إمامُ الزمان(علیه السلام) جنوده.

ركبت السیارة، وأثناء ذلك بدأت بمناجاة إمام الزمان(علیه السلام) والتحدّث إلیه حیث صرت أقول: یا مولاي!

سأقرأ حدیث الكساء أربعین مرّة، وأهدیها إلیٰ روح والدتكم الجلیلة مولاتي السیّدة نرجس(سلام الله علیها). ثمّ قلت: لم یعد ذهني یرشدني الیٰ وسیلة وطریقة للحل، فافتح لي طریقاً. وما أن أتممتُ قولي هذا حتّیٰ خطر في ذهني وتذكرت أنّه كان قال لي: متیٰ ما واجهتك مشكلة خاصّة فَلَك أن تقصد فلاناً وأخبره أنّك من تلامذة العالم الدیني فلان، وهو یحبّ طلاب العلوم الدینیة، وقد عرّفني علیك فلان، فإنّه سیمدّ إلیك ید العون ما استطاع. فاتصلت به من فوري بعد أن استعلمت عن رقم هاتفه من ذلك الشخص، ولكنّني لم أوفق لمكالمته رغم اتصالي به مراراً، فاتصلت بصاحبي الأوّل وأطلعته علی الأمر، فقال: إنّه لا یجیب ولا یردّ علی الاتصلات بداعي انهماكه فیما یشغله، فواسلته عن طریق الهاتف وقلت: لعّله سیردّ علیٰ رسالتي الهاتفیة.

وحینما جئت بیتي أخبرت زوجتي بمشكلتي، وطلبت منها أن تدعو لدفعها، فنذرت قراء ة زیارة عاشوراء المقدّسة أربعین مرّة وإهداء ثوابها للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وشرعت في تلك الأیّام بالقراءة. ثمّ إنّي اتصلت بوالدتي وقلت: یا اُمّي العزیزة! قد حصلت لابنك مشكلة، وینبغي أن

ص: 222

التقي شخصاً مهمّاً، فادعُ لي أن یسمح بلقائي لتُحلَّ مشكلتي. وفي نفس تلك اللیلة واصلت زوجتي قراء تها زیارة عاشوراء، فیما انهمكت بالتوسّل حتیٰ نامت، وفي غد ذلك الیوم قالت زوجتي: حصلت لي حالة معنویة في منتصف اللیل حیث كنت أقرأ زیارة عاشوراء وقلت: یا صاحب الزمان! إنّ زوجي أحد جنودك وخادم لأهل البیت(علیهم السلام) ولم یتلقَّ جواب رسالته الهاتفیة حتّیٰ الصباح لیتمكّن من حلّ مشكلته، وفي تلك الساعة أیضاً، كانت اُمّي تتوسّل وشعرت بحالة روحانیة.

ولدیٰ صلاة الفجر وبعدها، توجّهت إلی الهاتف النقّال، فوجدت أنّ الرجل المسؤول قد بعث لي برسالة وكان ذلك في الساعة الثانیة عشرة وثلاثین دقیقة. فسررت أیّما سرور، لا سیّما وأنّ الجمیع كانوا یقولون بأنّه لن یجیبك لمشاغله الكثیرة، وكان قد دوّن في رسالته أن أقصده في یوم الغد عند الساعة الرابعة مساءاً إلیٰ مكتبه، وبالفعل، قصدته وأخبرته بتوسّل زوجتي ووالدتي، فقال: سأساعدك في حلّ مشکلتك

وبالكرامة والعنایة الخاصّة للسیّدة نرجس(سلام الله علیها)، حلّ الرجل المسؤول مشكلتي. وحینما أخبرت صدیقي _ وكان من العارفین بالمسائل _ وقلت: قد حُلّت مشكلتي، قال: هذا من المحال، فماذا فعلتَ؟ لعلّ معجزةً قد حصلت لك.

بلیٰ إنّه صحیح ما یقول، فالكرامة والعنایة الصادرة عن والدة إمام الزمان والإمام الموعود نفسه قد حلّا مشكلتي!

ص: 223

نذر تألیف كتاب للسیّدة نرجس(سلام الله علیها) لقضاء الحوائج المهمّة

الحكایتان أدناه مرتبطتان بشخصین من المؤلّفین حیث تعرّضا إلی السجن، ثمّ نجیا عبر التوسّل بالوالدة الماجدة لإمام الزمان(سلام الله علیها) ثمّ وفیا بنذرهما وكتبا كتابین خاصّین بشخصیّة وفضائل هذه السیّدة الجلیلة.

الخلاص من السجن، كتاب «آخرین عروس»

تناهیٰ الیٰ سمعي صوت الرعد، فنهضت ونظرت من خلف القضبان، فكانت الظلمة منتشرة في كلّ مكان، فیما المطر الشدید كان آخذاً بالهطول. لا أدري ما الذي حدث حتیٰ انفجر غضبي فجأة، لقد انقضت ساعات علیٰ اعتقالي...

ولعلّكم تریدون التعرّف إلیٰ حكایتي: كان ربیع سنة 2008م حیث كنت في المدینة، ضیفاً علیٰ نبيّ الرحمة، إذ كنت أحدّث مجموعة من الشباب العرب _ في الحرم النبويّ الشریف _ عن إمامي، صاحب الأمر(علیه السلام)، غافلاً عن أن التحدث عن الإمام في هذه المدینة یُعدُّ جریمةً. قال لي الوهابیّون: سنسوقك إلی المحكمة، وتجب محاکمتك ومقاضاتك، ولاریب في أنّك ستسجن ثلاثة أشهر.فاضطررت لانتظار موعد المحاكمة...

و في هذه الأثناء لا أدري ما الذي حدث بحیث تذكّرت والدة الإمام، فتحلق الدمع في عینيّ وقلت: یا سیّدتي! أنت أعینني! ونذرت في تلك اللیلة إن أنا نجوت، ألّفتُ كتاباً للسیّدة نرجس(سلام الله علیها) لیتعرف الشباب إلیٰ سیرتها وإلیٰ ولادتها إمامنا الحجّة(علیه السلام).

ص: 224

أظنّ أنّه لم ینقض من الوقت أكثر من ساعة حتّیٰ وجدتني حراً طلیقاً وقد قبضت علیٰ شبابیك البقیع وأنا أذرف دموع الشوق.

وأشكر اللّٰه تعالیٰ الیوم علیٰ أن وفّقني لأفي بنذري الذي نذرت وأحرر الكتاب، سمّیتُ الكتاب «آخرین عروس» (آخر عروس) إذ الجمیع یعلمون أنّ السیّدة نرجس(سلام الله علیها) كانت قبل بدایة عصر الغیبة الألیم آخر عروس للسیّدة الصدّیقة فاطمة الزهراء سلام اللّٰه علیها، ولا أعرف كیف أتوجّه بالشكر إلی الإمام حیث تلطفّ بي واعتنیٰ، وها هو الكتاب ضیفٌ بین أیدیكم، فادعوا بمزید الدعاء لظهوره(علیه السلام). (1)

وقد كتب الكتاب المذكور أعلاه في شهر حزیران من ستة 2010 م.

تألیف كتاب «السیّدة نرجس» في السجن مع التوسّل بها(سلام الله علیها)

كتاب «السیّدة نرجس(سلام الله علیها)» تألیف: المحقق المفكّر المحترم آیة اللّٰه السیّد مرتضی الحسیني الشیرازي، حیث حرّره وهو رازح في السجن الإنفرادي في سنة 1417 ق ألّفه بالعربیة، وقام بترجمته إلی الفارسیّة الاُستاذ داود صفر نجاد، واهتم بنشره «انتشارات آفاق معرفت» في سنة 2021 م ووقع في 168 صفحة.

أمّا الحكایة، فقد بدأت من القول: الدنیا دار بلاء، وتارةً تتساقط أنواع البلاء علیٰ رأس ابن آدم، وهكذا حدث قبل سنین، فقد كان ثمّ طوفان ورعد وبرق، وكأنّ حلقة البلاء آخذة بالضیق، وأمواج العذاب

ص: 225

اصبحت أقویٰ وأكبر، فقلّ أن یجد أحد أماناً مستمرّاً ممتداً في الدنیا، فالغلبة للظلم وأیّام البلاء لها حكومة ظالمة.

تذكّرت في تلك الأیّام حدیثاً قیماً لأحد عظماء الخطباء حیث قال: إذا أردت تحقّق حاجتك، فتوسّل إلی الأئمّة المعصومین(علیهم السلام)بواسطة اُمّهاتهم علیهنّ السلام، واجعلهن شفیعات الهین، وهل یمكن أن یردّ الأئمّة المعصومون شفاعتهن؟!

فقلت في نفسي: لأكتب كتاباً عن والدة الإمام الحجّة(علیهما السلام)، عسیٰ أن اُشمل بدعائه الشریف وأنجو من بحر البلاء، وأتقرّب به إلی اللّٰه الرحیم.

وحتّیٰ یتهیّأ لي الورق، ویدور القلم علیٰ لوح دفتري وتنطلق السطور ناطقةً، حدث أن حصل ثمّ توقّف، ورأیتني أتأمّل في سؤالین واردین: ماذا أكتب لأنأیٰ عن التكرار؟ وكیف أكتب لئلّا یصاب القارئ بالكسل والخمول إزاء العبارات؟ وأخیراً قررت أن یكون التألیف قصصیّاً توصیفیّاً مفعماً بالاستعارة والكنایة والتشبیه!

ولم یصبح المسار بحیث ینزل البلاء من الباب والنافذة، إذ أدت المتغیّرات السیاسیّة أن یرزح كثیر من الأصدقاء في دهالیز السجن، فیقضون أیّامهم أساریٰ. ثمّ إنّ سلاسل السجن قد قیدت یديَّ وقدميّ، ولم یكن، ثمّ مجال في تلك الأیّام للكلام، ولیس من ضرورة لا تدفع بالإنسان إلی القیام بذلك الفعل... انقضت، وما أعسر ما انقضت، فاللیالي والأیّام كانت تمر ببط ء شدید، والأسابیع والشهور مكتظّة بالتهدید والإرعاب والاستحقار و...

ص: 226

وبغمٍّ بالغ انقضت الأیام، ولكنّي وجدتُ السجن مكاناً خلواً ورحتُ أدعو اللّٰه واُتضرع وأبكي وأتوسّل بأهل بیت النبيّ الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)، ونظّمتُ أفكاري وركّزت حاجاتي فیما یتعلّق بالدنیا والعاقبة الآخرة. كانت أهمّ طلباتي ورجائي: الفرج لإمام العصر عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، والتوفیق إلی الخدمة الخالصة والاستشهاد في طریقه القویم، والتمتّع ببصیرة تكشف الحقّ، والحظوة بشفاعة سیّد الشهداء(علیه السلام)، وشراب ماء الكوثر من كفّي ساقي الحوض، وإبداء الشكر لیلاً ونهاراً..

وعلیٰ أيّ حال، انقضت سنة أو أقل من عمر سجني حتّیٰ توفّر لي مقدار من الورق والقلم، فخصصت قسماً من وقتي في كتابة وتدوین مختلف المطالب حول أدعیة «الصحیفة السجّادیّة» و«مفاتیح الجنان» والبحوث العقائدیة والولائیة.

وحین هبّ نسیم شهر رجب، وصار وردي القول: «یا مَنْ أرجوه لكلّ خیر» تذكّرت عهدي فعزمت هذه المرّة، وتشبّثت بأذیال والدة حجّة اللّٰه(علیهما السلام)، طالباً منها التأیید والمدد، متشفعاً بولدها الی اللّٰه تعالیٰ، ومع افتقاري إلی المصادر، فقد شهرتُ قلمي.

في تلك الظروف، لم أكن في غنیً عن المرشد والمستشار والرفیق والعون، حتّیٰ أغاثني المحّدث القمّي، فجعلت من زیارة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) شعاراً، هذه الزیارة التي أوردها المرحوم الشیخ عباس القمي في كتابه الشریف «مفاتیح الجنان».

ولكن فیما یرتبط باُسلوب التألیف، فقد اعتمدت تارةً اُسلوب

ص: 227

التوصیف والقصّة، وتارةً قصدتُ الإشارة إلی المسائل التربویة والعقائدیة والزمانیة في تفسیر وتحلیل الوقائع التاریخیّة و...

لم یكن أمراً سهلاً، فقد كنت استنجد بذاكرتي مع حرصي الشدید علی الأمانة، والنظر إلیٰ أبواب المعتقل عسیٰ أن تفتّح فأستعین بمصادر أكثر، وفي الوقت ذاته، كان ذهني منشغلاً باختیار اُسلوب مناسب في التحریر، والاهتمام الدائم في اختیار الألفاظ والمفردات والعبارات، وممّا كان یضیف الضغط علی الضغط، ضیق تلك الغرفة وعذابها

وتعذیبها، ومضایقة السجانین، والمستقبل المجهول أحیاناً.

وأخیراً، اكتمل هذا المختصر الموجز، وصار معدّاً للعرض، علیٰ أمل أن یحظی بقبول ولدها الأعظم.(1) انتهت مهمّة تألیف هذا الكتاب في لیلة السبت11 شعبان المعظم من سنة 1417 ق، في السجن الانفرادي.

ممهدات عصر الظهور المهدوي الشریف، لیتعرّف العالم إلیٰ من تكون والدة الإمام الحجّة(علیهما السلام)، ولماذا وكیف أحرزت هذه المنزلة الجلیلة.

ولهذه الغایة: أضحی التوسّل بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها)یتمّ _ أو یفترض أن یتمّ _ ضمن ثلاثة محاور: التعجیل في أمر فرج مولانا بقیة اللّٰه الأعظم عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف؛ قضاء حاجات جمیع المتوسّلین بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها)؛ نجاح وموفّقیة جمیع المساهمین في إحیاء أمر السیّدة نرجس وتكریمها؛ وثمّ وصایا معنویة وبنّاءة مكرّرة في هذا الصدد.

وتبعاً لهذه التأكیدات، اُقیمت فعالیات مؤثّرة بنوایا صادقة ومخلصة، وبإذعان جمیع الفاعلین والمساهمین في هذا المجال، فإنّ كلّ خطوة کانت تقطع، كانت الفعالیات تتقدّم مائة خطوة، فیما المساهمون یزدادون عزماً وتتكرّس دوافعهم في هذا المجال.

وبمتابعة آیة اللّٰه الأبطحي(دام ظله)، اُعدّت مجموعة نماذج من اللوحات والصور والأعلام المرتبطة بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) وبشكل رائع ومقبول وجریٰ عرضها، وكذلك تمّ طباعة مقالة جامعة كتبها المحقق والاُستاذ الكبیر سماحة الشیخ علي اكبر مهدي بور دام ظلّه، مع بعض المقالات والدراسات الاُخریٰ، مرفقة بمجموعات شعریة تحت عنوان «مادر باران» (والدة المطر) وعرضت علی الكتّاب والشعراء لتكون بمثابة الباكورة لنظم الأشعار والقصائد الخاصّة بسیرة ومقام والدة الحجة، السیّدة نرجس(سلام الله علیها).

ص: 230

أول اجتماع رسمي تمهیدي لإقامة مراسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)

ضمن عقد اللقاءات في مدینة قم المقدّسة، ولتشكیل اجتماع تمهیدي لتبجیل مقام السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في یوم الجمعة الموافق للخامس من رجب، وجّهت الدعوة الیٰ جمع من العلماء والمحقّقین وأصحاب القلم والتألیف، وكذا جمع من الشعراء الولائیین والناشطین في مجال إقامة المراسم الدینیة.

وفي الیوم المقرّر وبحضور المدعوّین، كانت الجلسة الرسمیة الأولیٰ لإحیاء أمر السیّدة نرجس(سلام الله علیها)في بیت آیة اللّٰه زاده أبطحي (حسینیة جون بن حوی، غلام الإمام الحسین(علیه السلام)) حیث عقد في تلك الأیام المباركة مجلس عزاء في مصیبة الإمام الهادي(علیه السلام).

وفي البدء أدلیٰ بعض الشعراء بدلائهم وقرؤوا قصائدهم الجدیدة بخصوص السیّدة نرجس(سلام الله علیها)وفضائلها ومقامها، ثمّ ارتقی المنبر سماحة آیة اللّٰه السیّد حجت الموحّد الأبطحي(دام ظله)، وتحدّث عن طبیعة المراسم والبرامج ومقدّماتها، ومنها إعداد الصور وكتاب (مادر باران = والدة المطر) وتناول جملة اللقاءات الحاصلة، مؤكّداً إنّ علی الجمیع أن یساهموا في كتابة المقالات والدراسات، أو في نظم الأشعار وإلقائها، أو إقامة المجالس وإثارة الأحاسیس، ثمّ أضاف حفظه اللّٰه تعالیٰ بدموع جاریة وعاطفة نبیلة أنّنا نرید اجتذاب المزید من المحبّین الوالهین، دون مجرد المشاركة الجافة التي لا تنمّ عن وجود عشق المعصومین(علیهم السلام) ونشر دینهم.

ص: 232

وبلطف من اللّٰه تعالیٰ وامتثالاً لما انتهیٰ الیه هذا المجلس واللقاءات الحاصلة حصلت أمواج شدیدة من المشاركة في تكریم وإجلال مقام السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في مدینة قم المقدّسة وسری الأمر والتفاعل إلیٰ مدن عدیدة اُخریٰ.

أبعاد الموضوع وسبل إحیاء أمر السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، كما تحدث فیها عن أهمّیّة دور النساء بهذا الخصوص، وبخطابه الحماسي والمعنوي، أثار سماحة السیّد في الحاضرات الحماس والروحانیة والرغبة في المشاركة في هذا المشروع الدیني النبیل.

وفي ختام المجلس، جریٰ تقییم وتقدیر المدعوات، وتمّ توزیع نسخ من كتاب «مادر باران» وأعدادٍ من اللوحات والصور الخاصة بهذه المراسم بین المدعویین والمدعوّات.

والعشرة الفاطمیة المجیدة والمباركة) والیوم، فإنّ هذا المجلس وهدفه أحییٰ فینا الأمل لنیل وتحقیق مثل هذا التوفیق. لقد كان ذلك الیوم یوم التأسیس، والیوم ثَمّ تأسیس جدید. ثمّ إنّه حفظه اللّٰه تعالیٰ أفصح عن جملة من بركات النهضة الفاطمیة، مضیفاً القول: الحدیث الیوم عن السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وهي _ بلا ریب _ موضع الأسرار الإلهیّة ووالدة السّر الإلهي الأعظم. ثمّ أشار فضیلته إلیٰ بعضٍ من مسائل زیارتها الشریفة.

ثمّ أضاف ببیان حماسي مفعم بالأحاسیس الجیاشة قائلاً: فیما یخصّ شخصیتها العظیمة ینبغي الانطلاق في حركة ومشروع عظیم یداني جلال قدرها، وإنّ علی الجمیع أن یدلي بدلوه ویساهم بما وسعه، سواء في اُفق التألیف أو الشعر أو العمل ضمن وسائل التواصل الاجتماعي و... وإنّه یجب علی الجمیع أن یساهم في خلق أجواء مفعمة بموالاة ومحبّة هذا الركن الأساس في المشروع المهدوي العظیم.

ثمّ إنّه دام ظلّه تناول تقریراً موجزاً عن سفرة قم المقدّسة ومجموع اللقاءات الحاصلة ومدی التجاوب، مهیباً بدور جمیع الإخوة والأخوات الأفاضل ممّن كان لهم قدم السبق والمشاركة الفاعلة في هذا الإطار.

بحمد اللّٰه تعالیٰ خلال الشهر الأخیر، وعبر المشاركة المخلصة والصادقة لخدام أهل البیت(علیهم السلام)، تشكّل تیار عریض في إطار إحیاء شأن ومنزلة السیّدة نرجس(سلام الله علیها) في مدن قم وإصفهان وبقیّة المدن، وانسحب كلّ ذلك التيار العظیم إلیٰ مدینة مشهد الرضا(علیه السلام).

ص: 235

دور كبیر في إثارة النفوس الولائیة والمهدویة، ممّا ساهم في الإعداد والتمهید لإقامة الفعالیات والإنشاطات التالیة بخصوص هذه القضیة النورانیة، حیث انتشر خبر إقامة المجلس القدسي والاستنفار النوراني بین المحبّین للنشاطات الولائیة والمهدویة وما یرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي، حیث كان لذلك انعكاس وترحیب واسع.

اجتماع إرشادي كمقدّمة للمجلس الأصلي لمراسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)

في مقدّمة المجلس الأصلي، عقد اجتماع إرشادي في «بیت العترة(علیهم السلام)» بحضور المدعوّین من الخطباء والمدّاحین والشعراء والهیئات والناشطین الولائیین، وذلك في ذكریٰ ولادة الإمام الحسین(علیه السلام)، تمّ فیه تبادل وجهات النظر عن كیفیة إقامة المراسم والخطوات المتّخذة.

وفي هذا الاجتماع، بادر سماحة آیة اللّٰه حجت الموحّد الأبطحي دام ظلّه _ بعد الحمد والصلوت علی النبيّ وآله علیهم الصلاة والسلام _ إلیٰ قراءة بیان المراسم قائلاً: الحدیث عن التكریم والإجلال، وهذا التكریم والإجلال نوع توسّل، ونرید بتكریم السیّدة نرجس(سلام الله علیها) تعظیم ذكر مولانا إمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، وأنّ نحظیٰ بنظرة رحیمة منه.

وواصل سماحته القول بأنّه: في السنوات الماضیة حصلت له حالة انزعاج شدیدة تجاه أحد الأشخاص، حتّیٰ حدث أن توفیت والدته _ والدة السیّد الأبطحي _ وفي مراسم العزاء علیها _ قال السیّد _ رأیت

ص: 237

ذلك الشخص مقبلاً مع جمع من الأصدقاء للمشاركة في مراسم العزاء مع ما بدا من ملامحه من علامات التأثّر والمواساة، فلمّا رأیته بتلك الحالة مُسح عن صفحة ذهني كلّ ذلك الانزعاج السابق والتكدّر تجاهه؛

ثمّ خاطب سماحة السیّد الموحّد الأبطحي(دام ظله)، بحالة روحانیة وبعین باكیة جموع الحاضرین قائلاً: هل عرفتم ماذا أرید الإفصاح عنه؟ إنّنا لا نتصرف إزاء إمام زماننا(علیه السلام) تصرفاً لائقاً، وأقولها بصراحة وبلا مجاملة، إنّ كلّاً منّا یؤذي قلب إمام الزمان، أمّا هو(علیه السلام) إذا ما نظر إلینا ونحن نقیم المراسم لأجل والدته الجلیلة، فإنّه _ لاشكّ _ سیتلطّف بنا ویعطف علینا ویتجاوز عن أخطائنا وإساءاتنا إلیه! فهو الرحمة الإلهیة الواسعة، وهو رؤوف كوالدته كما قال الإمام الرضا(علیه السلام): «الإمام كَالْأُمِّ الْبَرَّةِ بِالْوَلَدِ الصَّغِير» أفلا یكفي هذا بنا أن نرجو رأفته وعفوه، حیث نخطوا ونتقرب إلیه خطوةً فنجتذب قلبه الرحیم الشفیق.

ثمّ إنّه السیّد الأبطحي قدم تقریراً عن مجمل البرامج، ومنها سفرة قم ومشهد المقدّستین وما تمّ فیهما، وتوجّه بإرشاد الأصدقاء إلیٰ كیفیة تنفیذ برامج المراسم، مؤكّداً لزوم التبلیغ عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونشر المطالب المرتبطة بالسیّدة نرجس(سلام الله علیها) (فضلاً عن الرسائل ونشر البیانات الصادرة عن العلماء ومقالات الكتّاب، وكذلك نظم الشعر ونشر القصائد الشعریة المناسبة).

ص: 238

آثار الاهتمام العام باسم مولاتنا السیّدة نرجس(سلام الله علیها) وإقامة مراسم ومجالس التكریم

بحلول شهر شعبان المعظم والأعیاد الشعبانیة، وبالنظر إلی التوجیهات والفعالیات الجاریة بذل تلامذة آیة اللّٰه السیّد الموحّد الأبطحي بمن فیهم الطلّاب وأئمّة الجماعات وزوجات الطلاب والنساء المثقفات والأقارب والأعضاء التابعین جهدهم وبكلّ حبٍّ وإقبال لتكریم وإجلال السیّدة نرجس(سلام الله علیها) وبأشكال مختلفة.

وبهذا، كان الكثیر من االمساجد والهیئات والمجالس الدینیة تتابع الأعیاد الشعبانیة والعشرة المهدویة ضمن تكریم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، وكم هي كثیرة موائد الطعام التي أعدت باسم هذه السیّدة العظیمة بما یناسب الاحتفالات الصغیرة والمحدودة والمتوسّطة مع التضامن العمیق من جهة النساء في البیوت والمجامیع الأسریة بقصد التوسّل.

وفرق التبلیغ في هذه الأیّام جعلت مراسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها) ضمن مشاریعها برامجها التبلیغیة، وكنموذج لذلك، كانت بعض الفرق وعبر الحضور في المدارس (في مختلف المراحل الدراسیة)، یذكر أفرادها اسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها) ویشرحون للتلامیذ أبعاده وما یتضمن من أبعاد، ویعقدون الجلسات الناجحة والمؤثّرة جدّاً في مختلف المدن، وبفضل اللّٰه تعالیٰ صار اسم «نرجس» محطّ اهتمامٍ إجتماعي بما فاق المتوقّع، ونشیر أدناه إلیٰ عدّة موارد:

ص: 239

1 _ المجلس العظیم المعقود لهذه المراسم في حسینیة مولانا جواد الأئمّة(علیه السلام) وسنتعرض إلیٰ بیان تفاصیل هذا المجلس تباعاً.

2 _ المجلس المسائي المقام في یوم الإثنین (6 / شعبان 1444 ق) في منزل الكاتب المرموق سماحة الشیخ مهدي آقا بابائي، حیث كان یحضره علماء وخطباء المدینة، مع خطابة الاُستاذ الكبیر آیه اللّٰه السیّد الموحّد الأبطحي دام ظلّه.

3 _ مجلس الظهر المنعقد في یوم الثلاثاء (7 / شعبان 1444 ق) في مجمع الغدیر الثقافي والفنّي (المدرسة العلمیة الخالصیة في إصفهان) وبحضور العلماء والمثقفین والناشطین الدینیین مع خطابة الاُستاذ المحترم حجّة الإسلام والمسلمین السیّد أمیرحسین الطالقاني دام ظلّه، وإلقاء الأشعار من قبل الشاعر المحترم سعید علّامة.

4 _ المجلس المسائي المنعقد في یوم الإثنین الموافق للثالث عشر من شهر شعبان في مسجد المرحوم آیة اللّٰه المحقق وبهمّة آیة اللّٰه زاده فقیه إمامي وبحضور ومشاركة لعلماء والهیئات الدینیّة وعموم المؤمنین والخطابة الحماسیة من قبل آیة اللّٰه الموحّد الابطحيدام ظلّه.

5 _ وانعقاد مجالس عدیدة في مختلف المدن، ومنها «شهر رضا» وعشرات المجالس في عدید من المساجد والحسینیات والبیوت بمساعي الأصدقاء الولائیین، وقد تواصل انعقاد المجالس بألطاف إلهیّة وعنایة اسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها) إلیٰ ما بعد مراسم منتصف شعبان (ذكریٰ ولادة إمام الزمان(علیه السلام)).

ص: 240

ومن ذلك: ما أخبرنا به من قیام جماعات من موالي أهل البیت(علیهم السلام) في منتصف شعبان بعقد المجالس بین الحرمین الطاهرین في كربلاء المقدّسة وإعداد الموائد باسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها) وإطعام الزائرین؛

كما قام جماعة من محبّي أهل البیت(علیهم السلام) في الطریق بین قم ومسجد جمكران وعبر المواکب والهیئات التي تستقبل وتضیف الزائرین مزیّنةً باسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)؛

كما سیّر جماعة من مریدي إمام الزمان(علیه السلام) وبمعیّة سماحة آیة اللّٰه الموحّد الأبطحي دام ظلّه، قافلة الاحتفال بمولد صاحب الأمر(علیه السلام) وإبداءً للشكر علی التوفیق إلیٰ مراسم تكریم مولاتنا السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، حیث یحمل المشاركون فیها الأزهار، مطلقین حناجرهم المؤمنة بالأذكار المهدویة والتهنئة المتبادلة حتّیٰ دخول الحرم الطاهر. وبعد

ذلك، أدّی المشاركون في هذه القافلة صلاة الاستغاثة بإمام الزمان عجّل اللّٰه تعالیٰ فرجه الشریف، تحت المطر حفاةً ضمن أجواء من الحماس الذي لا یوصف.

كما اُقیمت المراسم الختامیة في لیلة السادس عشر من شهر شعبان المعظّم في حرم السیّد جعفر بن الرضا(علیه السلام)، وضمن هذه المراسم اطلقت مسابقة أدبیة مهمّة في الأشعار الخاصة باسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها)، بعد أن اُلقیت في هذه المراسم قصائد الشعر والشعر الحدیث حول شخصیّة هذه السیّدة الجلیلة، فیما ألقیٰ سماحة آیة اللّٰه الموحّد الأبطحي كلمة حماسیة أثارت المشاعر الولائیة والمهدویة، وقد لقیت هذه المراسم والخطاب المشار إلیه تفاعلاً كبیراً علیٰ مستویٰ وسائل التواصل الإجتماعي.

ص: 241

المؤمنة الحاضرة، وإحداث حالة عجیبة من الانقلاب الروحي، وهذا ما عُدّ عامل تکریسٍ للذكریات الخالدة في أذهان المستمعین.

وفي الختام، تمّ تقدیم هدایا من قبل الموقع الالكتروني «مادر باران» لیكون ختام المسك لذلك المجلس وتلك المراسم.

***

ونشكر اللّٰه تعالیٰ علیٰ ما رزقنا من هذه النعمة العظیمة،

سائلیه الزیادة في البركة وأن تثمر هذه الحركة المقدّسة بخیر الثمار،

علیٰ أمل الاستمرار _ بفضل اللّٰه تعالیٰ _

في إقامة المراسم لإحیاء أمر واسم السیّدة نرجس(سلام الله علیها).

اللّٰهمّ عجّل لولیّك الفرج

ص: 243

عکس

ص: 245

عکس

ص: 246

عکس

ص: 247

عکس

ص: 248

عکس

ص: 249

عکس

ص: 250

عکس

ص: 251

عکس

ص: 252

عکس

ص: 253

عکس

ص: 254

عکس

ص: 255

عکس

ص: 256

عکس

ص: 257

عکس

ص: 258

عکس

ص: 259

عکس

ص: 260

عکس

ص: 261