ذخیره العقبی فی شرح العروه الوثقی [محمدکاظم بن عبدالعظیم یزدی]

اشارة

سرشناسه : صافی گلپایگانی، علی، 1281 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : ذخیره العقبی فی شرح العروه الوثقی [محمدکاظم بن عبدالعظیم یزدی]/ تالیف علی الصافی الگلپایگانی

مشخصات نشر : قم: مکتبه المعارف الاسلامیه، - 1372.

شابک : 2500ریال(ج.1)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

يادداشت : ج. 2 (چاپ 1372)؛ بها: 2500 ریال

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1374)؛ بها: 6000 ریال

عنوان دیگر : العروه الوثقی. شرح

موضوع : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337؟ق. العروه الوثقی -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن ق 14

شناسه افزوده : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337ق. العروه الوثقی. شرح

رده بندی کنگره : BP183/5/ی4ع40216 1372

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 74-5990

الجزء الاول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 4

[الحمد و الثناء]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا

وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 5

مقدمة من المؤلف

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

مقدمة من المؤلّف

[فى أهميت العلم]

و بعد فغير خاف على كل من له قليل إلمام برسالة الاسلام و تعاليمه و مناهج و مقاصده و الطلع على تعاليمه القيمة شرف العلم و اهميته و العلماء و المتعلّمين في هذا الدين الحنيف و أنّ دعوته قامت على العلم و رفع ألويته على مكافحة الجهل و إماتته، حتّى أنّه لو كنّا نحن و بيان مشخّصات الدين الاسلامى الحنيف و ما يمتاز به عن غيره من الأديان و المسالك، نرى انّ الترغيب على طلب العلم و تفضيل العلماء على سائر الطبقات و تخصيصهم بخصائص عظيمة في الدنيا و الآخرة، كان من اهمّ الامور الّتي كانت مورد نظر صادع الاسلام.

فمن راجع القرآن الكريم و الأخبار الصادرة عن الرسول العظيم و الائمة الطاهرين «صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين»:

رأى أنّ العلم هو الغاية القصوى و المقصد الا على في الاسلام:

فانظر الى قوله تعالى:

أَمَّنْ هُوَ قٰانِتٌ آنٰاءَ اللَّيْلِ سٰاجِداً وَ قٰائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 8

هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ «1».

و قوله تعالى:

وَ مِنَ النّٰاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعٰامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ كَذٰلِكَ إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ «2».

بل خلق اللّه السماء و الأرض للعلم كما قال سبحانه و تعالى:

اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً «3».

و قال عزّ من قائل:

إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ «4».

و قوله

تعالى شأنه:

هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ «5».

و اما الروايات فكثيرة نذكر بعضها تيمّنا:

1- «منها» مما عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبيه ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

______________________________

(1) سورة الزمر، الآية 9.

(2) سورة الفاطر، الآية 28.

(3) سورة الطلاق، الآية 12.

(4) سورة الفاطر، الآية 28.

(5) سورة الزمر، الآية 9.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 9

«طلب العلم فريضة على كل مسلم الا انّ اللّه يحبّ بغاة العلم» «1».

2- و «منها» عن مفضّل بن عمر قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: عليكم بالتفقّه في دين اللّه و لا تكونوا اعرابا، فانه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة و لم يزكّ له عملا» «2».

3- و «منها» ما عن أبان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

«لوددت أن اصحابى ضربت رءوسهم بالسياط حتّى يتفقهوا» «3».

منها ما عن معاوية بن عمّار قال:

«قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: رجل راوية لحديثكم يبثّ ذلك في الناس و يشدّده في قلوبهم و قلوب شيعتكم و لعلّ عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية ايّهما أفضل؟

قال: الراوية لحديثنا يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» «4».

فالمراجع بالقرآن الكريم و الأخبار الصادرة عن الرسول العظيم و العترة الطاهرة «صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم» و من يكون تمسكه بالثقلين يصل الى غير ذلك مما يدل على شدة الاهتمام بالعلم و عظم موقعيته و علوّ درجة حملته و طلابه و مراتب فضلهم و امتيازهم على غيرهم و لا يسعه المقام.

بل الغرض التنبيه الاجمالى على ما هو مشهود لكل

من له ادنى بصيرة بشئون الاسلام و تعاليمه القيمة في الجهات العامة و الخاصة المبتلى بها للناس لا صلاح امر

______________________________

(1) الرواية 1 من الجزء 1 من الباب 1 من ابواب فرض العلم و وجوب طلبه من اصول الكافى.

(2) الرواية 7 من الجزء 1 من الباب 1 من ابواب فرض العلم و وجوب طلبه من اصول الكافى.

(3) الرواية 8 من الجزء 1 من الباب 1 من ابواب فرض العلم و وجوب طلبه من اصول الكافى.

(4) الرواية 9 من الجزء 1 من الباب 2 من ابواب فضل العلم من اصول الكافى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 10

دينهم و دنياهم و آخرتهم.

جامعية نظر الاسلام

انّ تحريض الاسلام و حثه و ترغيبه على طلب العلم عام، يشمل جميع العلوم النافعة المفيدة المحتاج إليها في أمر المعاش و المعاد و الدنيا و الآخرة فكما يرغّب في العلوم المعنوية يرغّب في العلوم الماديّة مما يصلح به معاشهم و معادهم، و لا في العكس فانّه ليس يرغّب فحسب، بل يحذّر عما يفسد أمرهما و يختل به نظاماتهم الإنسانية و يرديهم الى السقوط و التسفل و الزوال.

فالاسلام يرى العلم سلّما لكل كمال و ثمنا لكل غال دنيويا و اخرويا، يرقى به الانسان الى أعلى المراتب و الدرجات و نورا يستضاء به و يرى الجهل ظلمة و موتا لا ظلمة اظلم منه و لا موت مثله و قيمة كل امرئ ما يحسنه.

فالعلم هو الفوز و الحياة الحقيقية و مرقاة الكمال فالعلم أو «ما يسمّى علما» الّذي لم تكن له هذه الخصيصة بحيث لا ينتفع به الانسان لا في دينه و لا في دنياه، بل تضيق به دنياه و يخسر به آخرته و

يفسد دينه، ليس يرغّب الاسلام إليه، فحسب بل يبغضه اشد البغض، و ليس بعلم حقيقة.

كما ترى في عصرنا هذا من ضنك العيش و كثرة الابتلاء و المخاصمات و المنازعات و سفك الدماء و هتك الاعراض و التعدى و تجاسر بعض على بعض، و سلب الحريّة و تسلط أيادى الاستعباد و الاستثمار و ذلك ليس إلّا نتيجة ترك العمل بالعلم و رفض المناهج الاسلامية، و الأخذ ببعض المناهج الكافرة و الاشتغال بتعليمها و تعلّمها.

و ليس العجب من الذين أشاعوا أمثال هذه الامور و سمّوها علما لدواع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 11

باطلة و اغراض هائلة و التسلط على البشرية جمعاء خصوصا على الممالك الاسلامية و تمتّعهم بكلّ ما في أيديهم ممّا انعم اللّه عليهم من المواهب اسباب الخير و السعادة.

بل العجب كل العجب من الذين جعلوا انفسهم عبيدا لهم بالاختيار طوعا و رغبة، و بخاصة المسلمين الذين كانت بايديهم مفاتيح كل علم و كل ما هو سبب للرقى و الكمال، و كان الحرىّ بهم أن يجمعوا غيرهم تحت لوائهم، فالاسف- كل الأسف- أن المطاع صار مطيعا و الاحرار اصبحوا عبيدا.

و كانوا أغنياء من جميع الجهات، من جهة العلم و القدرة و الاستيلاء بحيث «خاب كل جبار عنيد» من خوفهم، و نشروا العلم في أقطار العالم.

و مع الاسف الشديد انهم اصبحوا فقراء يبسطون أيديهم الى كل جانب، فهم بين المتمسك بالغرب و المتمسك بالشرق، و هم تبع لسياسات الحكومات الفاسدة و مناهجها، لا استقلال لهم في جانب من الجوانب.

هذا جزاء من ترك السبيل الاعظم و الصراط الاقوم و هو الاسلام و علومه و معارفه و مناهجه في كل ناحية من نواحى الحياة.

فبالنتيجة ان

المفسدين، استعانوا بالعلم على هدم العلم فزادوا في جهلهم و ضلّوا و اضلّوا عن سواء السبيل:

و على كل حال الى هنا عرفت ان هدفنا بيان ميزان اهمية العلم و موقعيّته ماديّا و معنويّا، و ما هو منظور الاسلام في الجملة.

العلوم الاسلامية

لا يخفى أن العلوم الاسلامية على كثرة شعبها و فنونها:

قسم منها يتكفل كمال الانسان و يعيّن مناهجه الاعتقاديّة و الفكريّة في معرفة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 12

اللّه تعالى و صفاته الكماليّة و النبّوّة و الامامة و المعاد مما يستقيم و يصحّ به ما لا بدّ للانسان من الاعتقاد به، و بعبارة اخرى غايته تكميل القوى النظرية و هو المسمى بعلم الاصول.

و قسم منها علم يضمن معرفة ما به سعادة الانسان، في ناحية العمل و تكميل القوى العملية في النواحي المختلفة و هو المسمّى بعلم الفروع.

و حيث أن الاسلام كما عرفة اللّه تعالى في قرآنه الذي نزله على نبيه الكريم صلّى اللّه عليه و آله و سلم لهداية الانام، فقال جلّ جلاله:

إِنَّ هٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّٰالِحٰاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً «1».

يهدى الى الطريق الاقوم في كل ما يتعلق بالقوى العلميّة و العمليّة و الدين و الدنيا و يدعو الى التوحيد الخالص و الخضوع و التسليم لحكم للّه وحده و حكومته.

فلو وصل المجتمع الى درجة لا حاكم فيه الا اللّه و احكامه و لا نظام له الا النظام إلهى فاز بسعادة النشأتين و خير الدارين لان الحكم له «أمر أن لا تعبدوا الا اياه له الدين الخالص» فلا تخرجوا من سلطان احكام اللّه تعالى و لا تدخلوا في سلطان احكام غيره و النظامات التى

ليست من الاسلام بشي ء.

موقعيّة علم الفقه و شرافته

لا ريب في شرافة علم الفقه و موقعيّته و اهميّته و هو العلم بالفروع بعد العلم بالاصول لانه هو العلم الذي به قوام الدين و الدنيا و نظام المعاش و المعاد.

______________________________

(1) سورة الأسراء، الآية 9.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 13

و به يعرف ما هي الوظيفة و المسئولية في كل ما يفعل و يترك من الأمور.

و به يعرف الانسان ما هو مكلّف به أمام خالقه و ربّه و ما انعم عليه المنعم الحقيقي من النّعم الظاهرة و الباطنة و أمام اوليائه و عباده، بل جميع مخلوقاته في ارضه و سمائه.

و به يعرف الحلال من الحرام و نظم اللّه تعالى في الحياة الفرديّة و الاجتماعيّة و السياسية منها و الاقتصادية و العمرانية و ربطه بالمجتمع و ربط المجتمع به.

فما من ناحية من نواحى الحياة الإنسانية إلا و علم الفقه يتكفّل بيان نظامها.

فيصحّ أن يقال: ان نظام الدين و الدنيا قائم به، لان هذا العلم بأشعته الوسيعة و جامعيّة اطرافه ضامن لقضاء جميع الحوائج البشريّة عبر القرون و مدى الايام الى يوم القيام، فلم يوجد و لن يوجد قانون أتم و أكمل و أوسع و أشمل من القانون الاسلامى المدوّن في كتب الفقه و خصوصا الفقه الجعفري و هو مما يعترف به كل منصف مراجع للقوانين المتداولة المنتسبة الى دين من الاديان السالفة أو موضوعة بالفكر البشرى.

و هذا الاسلام ينادى باعلى صوته هاتوا ايها الناس و خذوا من خزائن علوم الاسلام و اغترفوا من بحار معارفه.

فعندى دواء كل داء و شفاء كل سقم و جهل و بلاء و سبيل فوزكم و فلا حكم و صلاح دنياكم و عقباكم الى اين

تذهبون لا تذهبوا الى الشرق و لا الى الغرب، و لا تقلّدوا الكفّار و اليهود و النّصارى، و لا تتّبعوا اهواءهم، و لا تسلكوا مسالك الالحاد و الضلال و مناهج جبابرة الأرض، و لا تكونوا عبيدا لهم، و لا تطيعوا امر المسرفين الذين ملحدون في آيات اللّه و يجلسون على كرسىّ التشريع و جعل الاحكام و سن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 14

القوانين كونوا عبيد اللّه احرارا.

ميزة تمتاز بها الاسلام عن ساير الاديان

ان تعاليم الاسلام ليست مقصورة على الجهات الدنيويّة و الماديّة، أو على الجهات العباديّة و الروحيّة كسائر الاديان من اليهوديّة و النصرانيّة عند اليهود و المسيحيين المنعزلة عما يحتاج إليه الانسان في شئونه المختلفة، بل امتاز الدين الاسلامى الحنيف باشتماله على جميع حاجات البشر.

و هو كما أتى بتعاليم قيّمة في الجهات الروحيّة من المعارف و العبادات و الاخلاق كذلك عرض على البشر انظمة اجتماعية و فرديّة سياسيّة و اقتصاديّة و غيرها، فلم يدع ناحية من نواحى الحياة الإنسانيّة إلا و قد جاء فيها بأرقى التعاليم و أكمل الارشادات، فاذا قيست تعاليمه و انظمته بسائر الانظمة قديمها و حديثها لفاقتها و كانت اعلى نظام في العالم:

فالاسلام فلسفة خاصة و حكومة و سياسة خاصّة و اقتصاد و نظم خاص و له في كل ميدان مجال و مناهج خاصّة و علم الفقه يتضمن ذلك كله و لذا يحتاج إليه العابد في عبادته و القاضى في قضائه و ولاة الامور في ولايتهم و حكومتهم و التجار في تجارتهم و الصنّاع في صنعتهم و الجندى و الطبيب و الزوج و الزوجة و الوالد و الولد و المتعلم و المعلم و الامير و الوزير و ارباب الحرف و المعاملات في

حرفهم و معاملاتهم.

حيث أنّ لكلّها احكاما من الواجب و الحرام و المستحب و المكروه و المباح و علم الفقه متكفّل لبيانها و فهم حالها و ناهيك عن عظم منزلته أيضا انّ علوما كثيرة مع علوّ قدرها و سموّ مرتبتها و مطلوبيتها بنفسها، تكون من مقدّماته كعلم التفسير و الاصول و الحديث و الرجال و الدّراية و المنطق و العلوم العربيّة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 15

و ممّا ذكر اجمالا من عظم مرتبة هذا العلم و دخله في سعادة الدارين، تعرف صحّة ما يقال إن فائدته، الفوز بالجنان فمن يجعل اعماله على طبق ما يقتضيه الفقه فاز بالجنان و نال رضى الرحمن.

و لما عرفت من علوّ قدرة و خصوصا للترغيب و التحريص من صادع الشرع و اولياء الدين بالنسبة إليه و دخله في النظامات البشرية:

شمّرت عن ساعد الجد لتعلّم هذا العلم و تعليمه و نشره جماعة كثيرة من رجالات الدين و العلم و أصحاب النبي و الائمة «صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين» و من بعدهم من العلماء العظام و الفقهاء الكرام الى عصرنا هذا منذ طلوع فجر الاسلام و بزوغ نوره فبذلوا جهدهم و اتعبوا نفوسهم الزكية في الاجتهاد و استفراغ الوسع لتحصيل لاحكام تغربوا عن الاوطان و هاجروا الاهل و الاولاد ليتفقهوا في الدين لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون «1»، فصاروا مصابيح الظلال و اعلاما بين الانام.

امتياز الشيعة

اشارة

من تتبّع سير علم الفقه منذ ظهور النبوة المحمديّة و عصر الصحابة و التابعين الى زماننا هذا بنظرة منصفة يجد أنه اخذ في البسط و التوسع بكثرة نظر العلماء فيه و تدبّرهم في نصوص الكتاب و السنّة في الوقائع التي

وقعت مورد ابتلاء الامة على مرور الاعصار و الازمنة و الرغبة الى هذا العلم كسائر العلوم الاسلامية.

و قد تقدّم في ذلك الشيعة الاثنا عشرية على سائر الفرق و المذاهب، و لهم في ذلك آثار و مآثر و خدمات خاصة لا ينساها تاريخ الفقه الاسلامى.

______________________________

(1) سوره التوبة، الآية 122.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 16

و حازوا هذا التقدم و البراعة في الفقه لجهات نذكر بعضها.

الجهة الاولى

أنّهم اخذوا بوصية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم المرويّة عنه في الخبر المتواتر المعروف، الذي اخرجه جماعة كثيرة: من الحفّاظ و اصحاب الصحاح و السن و المسانيد و الجوامع بل التراجم و التاريخ و اللغة و التفسير من الفريقين بمتون يقرب بعضها من بعض و يفسّر بعضها البعض.

إنّى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي، ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا ابدا و انهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

فتمسّكوا بالكتاب و العترة و رجعوا إليهم في كل باب من ابواب العلوم لاسلاميّة، و تفسير القرآن و السنة النبويّة، و الاحكام الشرعية، و احتجّوا بأقوال ائمة العترة و استندوا إليهم في امورهم كلّها.

و أما غيرهم ممن سمّوا أنفسهم أهل السّنة، تركوا الرجوع الى العترة، و رجعوا الى من لا يجوز الاحتجاج بأقواله و أفعاله شرعا، بل بينوا أمرهم على ردّ قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ترك السّنة و إلغاء حجّيتها، و مؤاخذة من يرويها، و كان شعارهم الباطل الّذي يخدع به العوام «حسبنا كتاب اللّه» فضّلوا و اضلّوا و تأخروا.

و كان أوّل من نطق بهذا الشعار و تفوه بهذه المقالة قبال طلب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم

الدواة و القرطاس ليكتب لأمّته ما لا يضلّوا بعده عمر بن الخطّاب ردّا على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و قال حسبنا كتاب اللّه و لم يكن قاصدا به الّا ردّ كتاب اللّه، و لو كان صادقا في كلامه و لم يرد الباطل فلم خالف نصّ كتاب اللّه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 17

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1».

و لم يطع الرسول و خالف أمره فهو قتل الكتاب بسيف الكتاب و نبذه وراء ظهره و في الحقيقة فتح باب الردّ على الكتاب و اهل البيت الذين جعلهم النّبي بأمر اللّه تعالى تالى الكتاب.

و العجب كل العجب من الحاضرين و غيرهم من المسلمين كيف لم ينكره احد منهم و لم يردّوا عليه، و الحال أنّه لو اخذوه بما قاله لم تجر هو و لا غيره على تغيير الاحكام و وضع البدع و جعل الحلال و الحرام في قبال حكم اللّه تعالى الذي ليس لاحد من الانام تغييره و التّصرف فيه و ما صنعوا بعلى عليه السّلام و بفاطمة عليها السّلام بضعة النّبي الأمين و ما عملوا في الاسلام و ما أقعوا فيه المسلمين لانّ ما ينزل على المسلمين من النوائب و يصيبهم من المصائب و ما آل إليه أمرهم من الذّلّ و الانحطاط ليس إلّا نتيجة هذا التهتك و نظائره من السقيفة و غيرها.

و انّما نطق بذلك هذا الرّجل لعلمه بأن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يريد تأكيد أمر ولاية عليّ عليه السّلام الّتي نصّ عليها في مواقف متعدّدة سيّما في غدير خم.

فمنعه عن مثل هذه الوصيّة الّتي

كانت أمانا للامّة من الضّلال بهذا الشعار الّذي افتتن به جمع من الحاضرين.

و بعد ذلك هو و صاحبه أبو بكر اصرّا على ان لا ينقل أحد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حديثا:

بل أحرق ابو بكر ما كان بيده من الاحاديث:

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 59.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 18

و على كل حال تركوا العترة مع كونها احد الثقلين و باب علم النّبي الّذي صرّح به في غير مورد و قد اخرجوه بطرق عديدة عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

«انا مدية العلم و عليّ بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب».

و العترة عليّ عليه السّلام باب العلم و اولاده المعصومين الذين ورثوا علم النّبي و الوصى و لا يقولون الّا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما صرّح به ابو عبد اللّه جعفر الصادق عليه السّلام فيما يروى عنه «1».

و أمّا الشيعة فقد تمسكت بالقرآن و العترة فلا يستندون في ما يقولون في الفقه و سائر العلوم الشرعية الّا الى القرآن الكريم و العترة الطاهرة.

الجهة الثانية

لأن الشيعة حيث تمسّكت بالثقلين استكفت الكتاب و السنة و هى نصوص العترة و احاديثهم في الفقه، فما من واقعة و حادثة إلا و هم يستنبطون حكمها من القرآن الكريم و النصوص و الاحاديث المعتبرة و لا يجوّزون الاستناد و الرجوع لهم و لا يحتاجون الى ما استند إليه اهل السنة من القياس و الاستحسان، لغناهم بما في ايديهم من بيان القرآن و النصوص الجليّة.

______________________________

(1) رواية 14 من باب رواية الكتب و الحديث و فضل الكتابة و التمسّك بالكتب من ابواب فضل العلم من الكافي جلد 1 يروى

الكليني رحمه اللّه باسناده عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن سالم و حماد بن عثمان و غيره قالوا سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول حديثى حديث ابي و حديث ابي حديث جدى و حديث جدى حديث الحسين و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليهم السّلام و حديث أمير المؤمنين حديث (رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و حديث رسول اللّه (قول اللّه عزّ و جلّ)

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 19

و أما اهل السنة بحيث أن ما في ايديهم من السنة مع غض النظر عما في بعضها من ضعف السند حتى بحسب مبانيهم ليست كثيرة وافية بجميع الاحكام و القرآن حيث لا يمكن منه استفادة جميع الاحكام، و لم يرجعوا في تفسيره و بيان خصوصه و عمومه و مطلقه و مقيّده و كذا في السنة النبويّة لم يرجعوا في الخصوصيات المشتملة عليها إلى اهل البيت عليهم السّلام و لذلك لم يهتدوا الى المراد منها، و لم يدركوا مقاصدها فتشبثوا بالقياسات الواهية الباردة و الاستحسانات السخيفة، و السنة كما قال ابو عبد اللّه عليه السّلام إذا قيست محق الدين «1».

و أنّ أوّل من قاس ابليس، كما في روايات رويت عن اهل البيت المعصومين عليهم السّلام «2» فمن اخذ بالقياس تبع ابليس لعنه اللّه.

ففسّروا القرآن و تأولوا بآرائهم، مع انه كما في الخبر خطابا لبعضهم (و ما ورثك اللّه من كتابه حرفا) «3» ما رزقوا من كتاب اللّه حرفا و انما يعرف القرآن من خوطب به.

بل تركوا بعض نصوص القرآن الكريم و نبذوه وراء ظهورهم تبعا لمن كان مبدعا في دين اللّه و

قال على خلاف ما انزله اللّه تعالى و ما بيّنه رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم «متعتان كانتا محلّلتان في عهد رسول اللّه و أنا احرّمهما» مع أن الحكم ليس إلّا للّه.

فمن عطف النظر الى ما مسّت الحاجة إليه في الفقه في أى جهة من الجهات و لا

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 1، ص 4، الباب 7 من ابواب المقدّمات عن ابان بن تغلب عن ابو عبد اللّه عليه السّلام قال انّ السنّة لا تقاس الا ترى ان المرأة تقضى صومها و لا تقضى صلاتها يا ابان ان السنة إذا قيست محق الدين).

(2) جامع احاديث الشيعة، ج 1، ص 284، ح 37، باب 7.

(3) جامع احاديث الشيعة، ج 1، ص 289، ح 46، باب 7.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 20

بدية فهم احكامها، ثم نظر الى ما في ايدى أهل السنة من المدارك في الفقه و الحلال و الحرام رأى ضعف طريقتهم، و انه ليس عندهم ما يرتفع به حوائج المجتمع البشرى في مقام بيان حكم الموضوعات المبتلى بها خصوصا في عصرنا الذي تستجد فيه الوقائع المستحدثة في كل ناحية من النواحي:

هذا صحيح البخارى الذي هو من اهم كتبهم في الحديث و اعظم مآخذهم في الفقه لو أخرجنا منه الاحاديث المذكورة فيه غير المربوطة بالاحكام لم يبق إلا احاديث قليلة لا يغنى لاقل قليل من الاحكام فكيف بتمامها.

ثمّ ينظر الى جوامع احاديث الشيعة فيرى انهم اغنياء في كل باب من ابواب الفقه، و من حيث تعيين حكم كل موضوع من الموضوعات حتى أرش الخدش.

و لهذا لا يسأل فقيه من فقهاء الشيعة عن حكم فرع من الفروع إلا و بين

حكمه و استند في فتواه الى النصوص و هذه ميزة اختصوا بها دون غيرهم.

و يظهر لمن راجع فقههم استنادهم في فتاويهم الى النص إما من الكتاب او من السنة النبويّة او روايات اهل البيت. الائمة المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين».

و اما أهل السنة فيستندون في فتواهم غالبا الى القياس و الاستحسان.

الجهة الثالثة فتح باب الاجتهاد عند الشيعة

و هو أنه يمكن و يجوز لكل فقيه عالم استفراغ الوسع بنفسه لتحصيل الحجة على الاحكام على الكيفيّة المعهودة في محله، و لهذا ترى أن هذه الفرقة الناجية في طول القرون الماضية على الاسلام يجتهدون كمال الجهد فى فهم الاحكام المبتلى بها في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 21

الموضوعات و الحوادث الواقعة، و كل مجتهد من مجتهدى الشيعة يجتهد بنفسه لفهم الحكم الشرعى من النص و لا يقلّد مجتهد مجتهدا آخر.

بخلاف اهل السّنة فان باب الاجتهاد منسدّ عندهم في الحقيقة، لانّهم يتبعون ائمّتهم الاربعة، فهم اما مالكىّ او شافعىّ. او حنفىّ او حنبلىّ.

بمعنى انّهم المرجع في فقههم و حجّة لهم و من بعدهم يتّبعون آرائهم لا يحق لاحد سواهم التفقه او الاجتهاد و ليت شعرى من خصّ الاربع بهذه الخصيصة؟

و منع غيرهم عنها ففي الحقيقة اهل السنة ليسوا تابعين للقرآن و السنة كما يدّعون، بل هم تبعة هؤلاء الاربعة و كل فرقة من فرقهم تنسب إلى واحد منهم.

و مع هذا الجمود يصبحون حيارى فيما لا أثر له عن هؤلاء الأربعة و فيما بقي من آثارهم.

مضافا الى أنهم لا يصلون غالبا الى ما هو الواقع من الاحكام الصادرة عن اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في القرآن و السنة، لعدم تمسكهم بما يجب التمسّك

به كما عرفت و لهذا ترى أنهم في عصرنا بعد ما رأوا شناعة هذا التقليد لانهم مع الجمود باقتفاء اثر هؤلاء الاربعة لم يقدروا على اقناع تابعيهم لجئوا الى رفع اليد عن هذه الطريقة، و عدل بعضهم عن هذه الرّواية، و هذا اقوى شاهد على فساد اصل الطريقة.

و الحاصل أن هذا الامتياز و هو فتح الاستنباط و الاجتهاد عند الشيعة جعلهم في فسحة من حيث استنباط الاحكام و فهمها من النصوص و مداركها و سدّ حاجة من لم يكن مجتهدا من المسلمين و بيان الحلال و الحرام عن مبانيها الصحيحة على طبق ما يستنبطونه من الكتاب الكريم و السنة و الاحاديث الموثوق بها الصادرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 22

عن النبي و الائمة «صلوات اللّه و سلامه و عليهم».

خدمة الشيعة و علمائهم

اعلم أن الشيعة في كل عصر من العصور الاسلاميّة من الاول الى الآن أقدم فرقة بين الفرق الاسلامية و اسبقها في تأسيس فنون العلوم و ضبطها و حفظها لا سيّما العلوم الاسلامية تأليفا و تدوينا، و هذا امر يظهر لكل باحث منصف في تاريخ العلوم الاسلامية و غيرها مما برز المسلمون فيه.

و علماء الشيعة و كتّابهم و رواة أحاديثهم اهتموا بالعلوم الاسلامية غاية الاهتمام، فحفظوا ما صدر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و عترته المعصومين عليهم السّلام و جمعوا الاحاديث و الروايات الماثورة عنهم، في العلوم المختلفة حيث كان اهل السّنة، غافلين عن ذلك او متغافلين بل كانوا مانعين عنه و ساقتهم السياسة الى خلافه، لانّ زعماء هم المنحرفين عن مسير الحق و الغاصبين للخلافة و شئون اهل البيت لمّا رأوا ان الاحاديث الصّادرة عن رسول اللّه لو

اجتمعت و حفظت عند حفاظ الحديث لظهر الحق و حقّانية اهل البيت عليه السّلام و يظهر فساد مسالكهم و ظلمهم اهل البيت و غصبهم حقهم و مخالفتهم لما نصّ عليه اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و بالنّتيجة لا بدّ و أن ينزلوا عن العرش الذي صعدوه و عن المقام الذي بالباطل اخذوه و يردوا كل ما غصبوه حرّموا حفظ الحديث و آثاره و جمعه و نشره حتى يحولوا في باطلهم و يمحوا أثر الدين و ما جاء به الرسول الامين صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و قد تحمّلت الشيعة في حفظ هذا المشروع العظيم انواع البلاء ما يفوق حد التصور، من الشّتم و الضّرب و السّجن و نفى البلد و القتل و الحرمان عن ابسط الحقوق:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 23

و لم يصرفهم كلّ ذلك عن القيام بما يجب عليهم لما أدركوا من الوظيفة و المسئولية امام اللّه تعالى و دينه:

و على رغم أنف الذين يحبّون الاندراس و الانطماس و يريدون اطفاء نور الدين و محو اسم الرسول و قرآنه و شريعته كما قال ابو سفيان الملعون و المشعب إليه اعنى معاوية عليه الهاوية و همّوا باخراج الرسول و عود الناس بالجاهلية، و كل ذلك فعلوا باسم الدين و القرآن و هما بريئان منهم.

و قد دافع بحمد اللّه حماة الدّين و ناصروه من الشيعة عن العلم و الحق حتى حفظوا الآثار بسعيهم و أوضحوا الطريق بجهدهم و بسطوا بساطه و جمعوا موائده فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر حتى أن اللّه تعالى حفظ دينه القويم بيدهم

من كيد الحاسدين و المعاندين و مردة الشياطين، و نحن بحمد اللّه على هذه الموائد متمتعين و نقول الحمد للّه ربّ العالمين و نشكر السلف الصالح على ما اورثه من العلم و الشرف للخلف.

فكم من تأليف و تصنيف في فنون العلوم الاسلامية و غيرها ألّفوه و صنّفوه و قد وصل إلينا يدا بيد و إن ضاع كثير منه لاجل ما بيّنا في تصاريف الدهور و بايدى الظلمة و الامراء و السلاطين الخونة و الخلفاء الغاصبين و الخائنين المتسللين في صفوف اهل العلم الموظفين من قبل الحكومات الجابرة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم و شروا يوسف الدين بالثمن البخس فما لهم في الآخرة من نصيب.

توفيق الشيعة بحفظ الآثار مع شدة ابتلائهم

و على كل حال إن الشيعة رغم شدة ابتلائها و خصوصا حملة العلم منهم حيث كانوا مضطهدين محفوفين بانواع البلاء بذلوا وسعهم لحفظ اساس الشريعة و دين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 24

سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و سلم و العلوم و المعارف الاسلاميّة و الحلال و الحرام الخارج عن بيت صادع الاسلام من البيت الذي اذن اللّه ان يرفع و يذكر فيه اسمه و من باب علمه و هو على عليه السّلام.

فحرّسوا بجهدهم فقه آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و في اثر هذه المجاهدات ألّفوا و صنّفوا تاليفات ثمينة و تصنيفات قيمة ممتعة لم يمض عليهم يوم إلا وهم في الرقى الى المدارج الشامخة في العلوم و بلوغ اقصى مناهجه.

فجعلوا تبعتهم بركة هذه المجاهدات غنى من كل غنى من ميدان العلم و العمل و سائر الجهات.

«وضع الفقه و ضبطه و حفظه على ايدى اصحاب الائمة عليهم السّلام من العصر الاول

الى زمان الغيبة الكبرى».

بعد ما عرفت أن الشيعة هم الذين اخذوا الدين بحقيقته، و اتبعوا امر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم من التمسّك بالثقلين «كتاب اللّه و عترته» فاخذوا العلوم عن مأخذه و شربوا الماء العذب من مشربه. لانهم اخذوا معالم دينهم، بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، عن باب علمه أمير المؤمنين عليه السّلام، الّذي عنده علم كلّ شي ء، من القرآن و غيره كما قال اللّه تعالى في كتابه الكريم:

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ «1».

و لهذا انتشر عنه عليه السّلام و عن اصحابه و تلامذته من العلوم ما لا حصر له و لا

______________________________

(1) سورة الرعد، الآية 43- للروايات الواردة من الفريقين على ان المراد من الذي عنده علم الكتاب هو على عليه السّلام و لا ينحصر علمه بعلم القرآن بل عنده كل العلوم كما يظهر في الأخبار.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 25

حدّ فانظر الى مؤسّسى العلوم الاسلاميّة و غيرها و فنونها و مؤلفيها و حامليها لترى أن جميعها ليس إلا قبسا من انوار علومه عليه السّلام و قطرة من بحار فضائله كابن عبّاس حبر الامة و غيره و هكذا عن ولديه الحسن و الحسين سيّدى شباب اهل الجنة و زين العابدين و من بعدهم من الائمة المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين».

فمن المؤسف جدّا أن ابتلى هؤلاء الاربعة من الائمة بما ابتلوا به من معاداة المعاندين و كيد الحاسدين و بغى الظالمين الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و احلّوا قومهم دار البوار الغاصبين لحقوقهم و مشرّديهم و قاتليهم.

منعهم

عن بيان علومهم و نشر معارفهم الماخوذة عن مشكاة الوحى و مدينه العلم و منعوا الناس عن الاستضاءة بأنوار علومهم و المعارف التي كانت عندهم.

و لهذا لم يبرز و لم يظهر منهم ما يبغى ظهوره الا الاقل من القليل و النزر اليسير و انت مع ما ترى من صدور انواع المعارف و العلوم و انحاء الفضائل في الجهات المختلفة مما يجب معرفته و علمه من معرفة اللّه تعالى و صفاته و خصوصا بيان قدرته فى عجايب مخلوقاته و مما يحتاج الناس إليه في امورهم من السياسات و الآداب و الاخلاق و الحلال و الحرام، و علم المنايا و البلايا في المواضع المختلفة كما يظهر لمن راجع خطب أمير المؤمنين عليه السّلام و ادعيته و كتبه و كلماته و كذا في ما صدر عن الحسن و الحسين و زين العابدين عليهم السّلام في المقامات المختلفة و قد ملأ اقطار الأرض من علومهم و يباهى بها عالم الإنسانية و صارت مورد الاعجاب المؤالف و المخالف.

و مع هذا ليس ما ظهر و برز في جنب بحار علومهم الا قطرة لان عندهم العلم بما كان و ما يكون و ما هو كائن.

حتّى انتهى الامر الى زمان باقر علومهم و صادقهم عليهما السّلام فهذان الامامان لفسحة حاصلة من اوان افول دولة بنى امية الجائرة الكافرة و ابتداء حكومة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 26

بنى العباس الحكومة الخائنة الغاصبة، انتهزا الفرصة و قاما حقّ القيام و اظهرا العلوم و المعارف الالهية و اجتمع حولهما الآلاف من التلامذة من الفقهاء و الحكماء و المحدّثين و الجهابذة في شتى العلوم و فنونه فراجع كتب الآثار و التاريخ و الفهارس

و الرجال حتى يظهر لك أنهما عليهما السّلام بلغا منتهى الغاية في تربية رجال العلم الذين يفتخر بهم الاسلام و المسلمون فاقتبسوا من نور علمهما و نشروه في اقطار العالم بحيث أن العلماء الى الآن يعيشون فيما بسط من علومهم و يستضيئون بانوارها في كل فن و باب فقلّ ما يوجد موضوع من الموضوعات و مسئلة من المسائل اصولية كانت او فرعية الاوفيه رواية او روايات صدرت عن الباقر او الصادق او كليهما عليهما السّلام.

فيصحّ ان يقال كما اعترف به بعض العلماء من اهل السّنة أنّ المسلمين عائلتهما.

ثم ان من بعدهما من الائمة «صلوات اللّه و سلامه عليهم» أيضا بسطوا بساط العلم و نشروا المعارف المودّعة عندهم و أدّوا رسالتهم العلمية و تخرج على ايديهم و مدرسهم الكبيرة رجالات العلم.

خصوصا الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليهما السّلام لبعض الامكانات الحاصلة له بحسب الظاهر، فهو لعلمه و معارفه اظهر الحق و ارغم انوف المبدعين و الشاكين و الزنادقة و الملاحدة و الكفرة ببيانه و حججه القاصرة، و انتهز الفرصة الواقعة له في قليل من الزمان و ان كان مبتلى ببلايا كثيرة من ناحية جابر زمانه و اعوانه و اياديه و هكذا كان الامر الى زمان الامام الثاني عشر و الحجة المنتظر روحي و ارواح العالمين له الفداء.

فان ما بقى من الائمة بعد الرضا الى الامام الغائب عليهم السّلام مع ما فيهم من شدة المحن و المصائب و عدم بسط ايديهم تكفّلوا أيتام آل محمد و سقوهم بما يمكن لهم من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 27

كاس علومهم و كانت الشيعة يستفيدون منهم مع الضيق الشديد و التّعب و المحنة و البلاء

الواقع عليهم من المخالفين عن الصراط المستقيم.

الى ان ولي الأمر صاحب الآمر و حجة اللّه محمد بن الحسن العسكرى ارواحنا فداه، و هو عليه السّلام و ان غاب عن الابصار غيبتين الصغرى و الكبرى لمصالح لا يعلمها إلا اللّه و هو غائب بحكم اللّه تعالى حتى يأمره بان يظهر و يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا و لم يتشرف بحضوره الّا بعض الخواص من نوّابه و غيرهم و لكن مع ذلك كله اظهر من علومه و معارفه التي أودعها اللّه عنده كثيرا كما يرى في بعض التوقيعات الصادرة من ناحيته المقدسة و غيرها مضافا الى ما ظهر منه من المعجزات و خوارق العادات.

وضع الفقه من الغيبة الى الآن

لمّا أراد اللّه تعالى غيبة الإمام الثاني عشر «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف» لمصالح قد ذكر بعضها في الكتب المعدّة لذلك:

فنصب روحى فداه في الغيبة الصغرى وكلاء و سفراء و نوّاب خاصّين أشهرهم و أعرفهم الاربعة المشهورة رضوان اللّه تعالى عليهم و هم عثمان بن سعيد و محمد بن عثمان و الحسين بن روح و على بن محمد السمري.

و في الغيبة الكبرى أو كل الأمر الى نوّابه العامين و هم العلماء و الفقهاء و حاملو علومهم و رواة احاديثهم من الصائنين لانفسهم و الحافظين لدينهم فاوجب العوام، أن يرجعوا في الحوادث الواقعة إليهم و يتبعونهم و يقلدونهم و يأخذوا عنهم معالم دينهم و طريق سلوكهم في كل أمر من الأمور كي يصلح باطاعتهم امر دينهم و دنياهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 28

و بعد ايكال هذا الأمر الخطير إليهم و هو امر الولاية من قبل ولى اللّه الاعظم و احساسهم المسئوليّة العظيمة و هي

حفظ حوزة الاسلام و خصوصا الشيعة في كل جانب من الجوانب و كل ناحية من النواحي:

قام بحمد اللّه علماؤنا الربانيّون بأداء الوظيفة و حفظ الاحكام و الحدود الاسلامية احسن قيام، فبذلوا جهدهم و سعوا سعيهم و استفرغوا وسعهم لاداء التكليف المحوّل إليهم من قبله عليه السلام بما امر اللّه تعالى به.

و الانصاف أنهم في طى القرون و الاعصار منذ الغيبة إلى زماننا هذا أدركوا ما أمّلوا و بلغوا مما رجوا و إن تحمّلوا المشاق و المتاعب و المهالك، لانهم لم يكونوا في عصر من العصور فارغ البال عن كيد المخالفين و سلطة الظالمين فجزاهم اللّه احسن الجزاء:

و ترى بحمد اللّه تعالى ان شدة مجاهداتهم و كثرة تاليفاتهم و وفور تصنيفاتهم في العلوم المختلفة الاسلامية و مناظراتهم و مباحثاتهم و محاضراتهم صار سببا لبقاء الدين و اعلاء كلمته و ظهور معالمه و رد شبهات المعاندين و توضيح منهج الحق و سبيله و ابطال الغىّ و الضلالة و اشاعة العلوم الاسلامية من اصوله و فروعه:

حتّى يصحّ أن يقال انه لم يبق شي ء من العلوم الا علّموه و فتحوا بابه و دوّنوه و أشاعوه و بلغوا مبلغه:

فكم من علوم أسّسوها و كم من المسائل العلميّة ابتكروها و كم من مطالب مشكلة حلّوها و كم من مجملات بيّنوها و كم من ابواب من العلوم فتحوها و كم من متفرقات في العلوم المختلفة جمعوها و كم من متشتّتات نظّموها و كم من ملتقيات التقطوها و كم من مباحث نقّحوها:

و هذه خزائن علومهم في كتبهم و تأليفاتهم و نحن ببركتها في غنى في كل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 29

موضوع و في كل حين فلا تدقّوا ابواب

الباطل فبحمد اللّه كل ما تطلبون عندنا و في أيدينا:

فهؤلاء شيوخ علماء الشيعة حاملو علوم اهل البيت و رواة احاديثهم من بدء الغيبة من الاعلام و الفقهاء الكرام العظام كالصدوقين و الكلينى و المفيد و السيدين و شيخ الطائفة و غيرهم قدّس اللّه اسرارهم:

ترى انّهم مع ما كانوا عليه من المحن و البلاياء من قبل المعاندين و مردة الشياطين و التعصبات الباطلة و عدم وجود حريّة للشيعة و لا سيما لعلماء هذه الطائفة:

حيث أنّ القدرة و السلطة و الحكومة بايدى مخالفيهم و مع هذا و ذاك أحيوا ميراث النبوّة و آثار الولاية حتى ظهر الاسلام بصورته الجميلة و حقيقته الحسنة باصولها و فروعها و خصوصا امر الولاية و بظهور صورة الاسلام الواقعية بيّنوا ما أبدعه المبدعون في الدين و ردّوا شبهات المخالفين من الملاحدة و المشركين و الفرق الباطلة التى نسبوا انفسهم الى الاسلام و ما عندهم من الاسلام شي ء و كل ذلك كان بلا تشكّل تامّ و اجتماع رسمى بنظام و حولهم طالبوا علومهم يأخذون عنهم معالم الدين حتّى.

أو صلوا يدا بيد هذه العلوم و الآثار من السابقين الى اللاحقين و الحمد للّه رب العالمين.

تمركز الروحانية في الشيعة

و لما بلغ أمر الرئاسة العلمية و زعامة الشيعة الى يد شيخ الطائفة الشيخ الاعظم محمد بن الحسن بن علي الطوسي قدّس اللّه روحه اقام مدة اثنتى عشرة سنة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 30

في بغداد و كان مشتغلا بالتأليف و التدريس و حوله رجال من العلماء حتى قيل ان فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الخاصة و من العامة ما لا يحصى و له كرسى الكلام يستضيئون بانوار معارفه و

يرتشفون من بحار علومه.

ثمّ انتقل الى النّجف الاشرف الى جوار سيّدنا و مولانا أمير المؤمنين «صلوات اللّه و سلامه عليه» و ذلك لفتنة حدثت في بغداد و احرقت كتبه و كرسى درسه «و القصة معروفة» فلما اقام في المشهد المقدس العلوىّ الغروىّ مدفن وصى الرّسول.

و خليفته «صلوات اللّه و سلامه عليهما و آلهما» أسّس بجهده السامى و همته العالية الحوزة العلمية في هذا الحرم الشريف عند قبر باب علم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم معتكفا في ذلك المكان الشريف مستمدّا من انوار علمه مستشيرا من معارفه:

و بقى تأسيسه إلى زماننا هذا و قد مضى أكثر من عشرة قرون و هذا البلد الطيب مركز العلوم الدينية في شتى فنونه و قد تخرّج عن هذه المدرسة أعلام اجلاء في طول هذه العصور و الازمنة من المجتهدين و الفقهاء و المفسّرين و المتكلمين و الاصوليّين و الرجاليّين و الحكماء و الادباء ما لا يحصى عددهم راجع الكتب المعدّة لذكر هؤلاء من التاريخ و الرجال حتى يظهر لك عظمة هذه المركز العلمى و هذه المدرسة و خرّيجيها:

فمن زمن الشيخ رحمه اللّه الى هذا الزمان كانت مدينه النّجف الأشرف ملجأ لروّاد العلم و موطنا لمعارف الاسلاميّة و كانت الشيعة متوجهة إليه من اقطار العالم لانّ هذه المدينة مدفن امامهم أمير المؤمنين «صلوات اللّه و سلامه عليه» و مركز للعلماء الذين كانوا مرجعا لهم بحكم العقل و النقل في امورهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 31

النازلة المنكرة الواردة على الحوزة العلمية في النجف

و الاسف كلّ الأسف على ما نزل في هذا الا و ان على هذه الحوزة و مراجعها بل على عموم الشيعة في العراق من تهاجم بعض المعاندين عليها و

قد شتت شملهم و خرّب أساسهم فتفرّق اكثر العلماء و الفضلاء و الطلاب و غيرهم من جوار مولانا أمير المؤمنين و ساير الائمة المعصومين المدفونين بالعراق «صلوات اللّه صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين» و بالاضطرار ارتحلوا عن موطنهم العلمى الاول و هم بحمد اللّه و ان نزلوا في وطنهم العلمى الثاني قم المشرفة حرم الائمة عليهم السلام مكرمين أعظم تكريم من قبل المراجع و العلماء و الطّلاب و ساير الطّبقات و تمكنوا فيه مستريحين:

لكن لا يرفع بذلك التأسف و الالم الشديد الواقع و الجريحة الواردة لا تندمل:

و لا يخفى أن ما وقع من النّازلة كغيرها من النّوازل الواردة على الاسلام و المسلمين و لا سيّما على الشيعة و بالاخص على العلماء لم يكن الا لما عليه المسلمون من القصور، بل التقصير في الأخذ بالدين القويم و الصّراط المستقيم و التمسّك بما يجب التمسّك به:

فهم بين غافل عما يجرى عليه و على مجتمعه من معانديه في الشرق و الغرب:

و بين آخذ بالدّنيا و ان خسر في دينه فشروه بثمن بخس:

فاعداؤنا منتبهون يقظون قائمون ثابتون على باطلهم. يحفظون منافعهم و يدافعون عن حدودهم، يعتدون على حقوقنا و حدودنا و يكيدون لنا حتّى استعبدونا و قبضوا على مقدّراتنا بايديهم و نحن نيام غافلون تركنا ما كان علينا من المسئوليّة في قبال اللّه تعالى و دينه و نبيّه و كتابه و عترته لا ندافع عن حريم الدّين و لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 32

نحافظ على حدوده و لا نبالى بما يقع علينا و على مجتمعنا من مكائدهم و سياساتهم الشيطانية و لو وجد فينا بعض العالمين بتكاليفه مستيقظا متوجّها الى الجهات

فهو في الاقليّة لا يسمع نداؤه و لو سمع لما استجيب له:

فالاعداء مسئولون مؤاخذون عند اللّه بعداوتهم و نحن مسئولون عنده بمداهنتنا:

و على كلّ حال ذهب من يد الخلف ما تكره السّلف، فالى اللّه المشتكى و عليه المعوّل في الشدّة و الرخاء.

تأسيس الحوزة العلمية في قم المشرّفة

و مما أنعم اللّه تعالى على الامّة الاسلامية و خصوصا على الشيعة و بالاخص على طالبى العلم و خدمة الدّين و المنتسبين الى حزب ولى اللّه الاعظم روحى فداه في غيبته تأسيس الحوزة العلمية في قم المشرّفة و حرم اهل البيت عليهم السّلام بيد علم الاعلام و كهف الانام و حجة الاسلام و آية اللّه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدى الحائرى رحمه اللّه فانّه لخلوص نيّته و حسن عقيدته و نبوغ علمه ساعده التوفيق بمنّ اللّه تعالى- فهاجر الى بلدة قم و معه جمع من العلماء و الفضلاء من تلامذته فاصبحت قم بجهده مركزا آخر للحوزة العلميّة فبلدة قم و إن كانت قبل ذلك خصوصا في عهد بعض الائمّة عليهم السّلام و كذا في الغيبة الكبرى مركز الجمع من فحول الفقهاء و رواة الحديث و مورد نظر اهل البيت «صلوات اللّه عليهم» الّذين احيوا آثار النبوّة و ميراث الامامة في جوار سيّدتنا فاطمة بنت موسى بن جعفر «صلوات اللّه عليها و على آبائها المعصومين» و كان عش آل محمّد «صلوات اللّه و سلامه عليه و على آله» و نشروا العلم و يتوجّه الناس إليها من الاقطار:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 33

و كذلك بلاد اخرى من ايران كالمشهد المقدس و طهران عاصمة ايران و في طليعتها اصفهان كانت مركز العلم و العلماء و الفقهاء و الجهابذة في كل فن

من الفنون و كلّ علم من العلوم من اوائل زمن الصفويّة إلى أوائل القرن الرابع عشر، حتى نقل أنّه كان في زمان آية اللّه آقا نجفي رحمة اللّه عليه عدد الطّلاب أربعة عشرة الف او أكثر يسكنون في المدارس و المنازل في اصفهان و فيهم علماء حكماء فقهاء و رواة الحديث، مشهورون و في تلك البلدة مدارس كثيرة، بعضها موجود الى الآن و بعضها و لعل أكثرها خرب او خربها ايادى الظلمة و المعاندين:

و آل امر هذه الحوزة الى الزوال و في عصرنا و ان كانت من الحوزات العلمية و فيها علماء اتقياء و طلّاب صلحاء إلا أنّه ليس لها الجلالة السابقة.

أسأل اللّه أ يعيد إلينا، كل ما ذهب عن ايدينا من العزة و الجلال إنشاء اللّه تعالى.

فالحوزة العلميّة أسّست في قم في زمن آل امر أكثر الحوزات العلميّة الى الزوال و لم تبق على حالته السابقة، لعلل ليس مقام ذكرها و علل سقوطها، أو نزولها غير خفيّة على من يعلم، ما ورد على المسلمين في اقطار الارض من الجبابرة و اهل البغى و العناد و على كل حال أسّس المعظم له المرحوم أساس العلم و جمع بهمّته العاليّة نفوس ذكيّة، من طلاب العلم و الفضيلة تخرج على يده و من مدرسته العلماء الكبار و الفقهاء العظام مع ما عليه من الشّدة و البلاء، فصبر على كلّ ذلك و ادّى ما رأى انه وظيفته بقدر وسعه فعلى اللّه اجره ثم بعد ارتحاله من الدنيا و فوزه بالرفيق الاعلى قام بحفظ هذه الحوزة و تربية الطلاب و المشتغلين جماعة من فحول العلماء و في طليعتهم آيات اللّه العظام السيد محمد الحجة و السيد محمد تقى الخوانساري

و السيد صدر الدين الصّدر العاملى قدس اللّه اسرارهم و جزاهم اللّه خير الجزاء:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 34

انهم شمّروا عن سواعدهم لبقاء هذه الحوزة في زمن عنود محفوف بانواع الفتن و البلاء و قد وقعت الشيعة عموما و العلماء خصوصا في امتحان عجيب و قد رأينا من النوائب و البلايا ما لا يمكن شرحها و الحمد للّه الّذي اذهب عنّ الحزن ان ربنا لغفور شكور.

تجديد الحوزة بل تأسيسها

[فى حياة السيد البروجردي]

لمّا اراد اللّه تعالى تأيد دينه و نصرة الحق و عزّ المسلمين عامّة و الشيعة خاصة و حفظ الحوزات العلميّة عموما و حوزة قم خصوصا و بسط العلوم و المعارف الاسلامية من هذه الحوزة وسعتها علما و عملا تدريسا و تدرسا تأليفا و تصنيفا و تبليغا و بالنتيجة اراد تعظيم جامعة الشيعة و تبجيلها و اخراجها عن الانزواء الواقع فيه من كيد المعاندين طول العصور المظلمة، بيد من جعله ذخيرة لهذا الزمان بطلا من ابطال العلم بل شمس سمائه وارث علم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة الاطهار، عالم معارف القرآن و الاخبار فخر الشيعة و محيى الشريعة حجة السلام و المسلمين آية اللّه العظمى سيّدنا الاستاد الحاج آقا حسين الطباطبائى البروجردي رحمه اللّه و أسكنه بحبوحات جنّته:

و كان رحمه اللّه جامع المعقول و المنقول و حاوى الفروع و الاصول استاذا في جميع العلوم الاسلاميّة من التفسير و الفلسفة و الكلام و الفقه و الحديث و الرجال و الدراية و اصول الفقه و العلوم الادبيّة مجتهدا في كلها بصيرا ناقدا عارفا على المدارك و مباني الاستنباط و فهم الاحكام عند الخاصة و عند العامّة و ما هو الحكم في اصولهم و

فروعهم بل هو ابصر منهم بما هو مقبول عندهم من فتاويهم و انظارهم و بطلان طريقتهم حتى على مذهبهم فلهذا لجأ إليه اكابر علماء العامة كالخاصة و كانوا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 35

يعظّمونه و يكبّرونه و يخضعون أمامه و قبال علومه وسعة اطلاعه و بصيرته:

و الحاصل أنه رجل علمىّ دينىّ قليل النظير بين القدماء من اصحابنا فضلا عن المتأخرين «رضوان اللّه عليهم اجمعين»، فهو نزل بقم بعد إلحاح و اصرار من أكثر الطبقات و خصوصا من علماء البلدان طهران عاصمة ايران و غيره.

و لمّا احسّ زعماء الحوزة العلميّة شدّة الاحتياج من جوانب مختلفة الى زعامة هذه الشخصيّة العظيمة مع موقعية الخطيرة و انّه هو الذي يتمكن من جمع الشمل و لمّ الشعث و حفظ جامعة الشيعة و دفع كيد المفسدين و بغى الظالمين عن حريم الاسلام و المسلمين، فاستدعوا من حضرته التشرف بقم و الاقامة بها، فاستجاب دعوتهم و نزل بقم و شرع في التدريس و الافاضة و تربية الطلاب و تهذيبهم و تشويقهم و بسط العلوم الاسلامية بالتدريس و التأليف و اخراج آثار الماضين من الخبايا و تجديدها و احيائها بالطبع و النشر و حفظها من الانطماس و الاندراس و لو لا اهتمام جنابه بحفظ كتب الاخبار و متون الفقه و التأليفات الباقية من اعاظم القدماء و بيان عظمها و ارائة موقعيتها لم يكن اليوم ذكر من هذه الآثار:

بل كانت تعامل معاملة بعض المكتوبات و المخطوطات غير المفيدة من جعلها محل أدوية العطّارين و ظرفا لا متعة الكسبة و التجّار و لو اشترى لا يشترى الّا بثمن بخس فله حق عظيم على العلم و العلماء:

و هو قدس سره لم

يكتف بذلك فقط بل شرع باصلاح امور الشيعة بل المسلمين في جوانب مختلفة فاستقام بجهده كل معوج و اندمل بيده كل جرح و بالغ في حفظ كيان الدين حتى نشر لواء الاسلام من الشرق الى الغرب فاصبحنا و قد علا ذكرنا و ذكر ديننا و سماحة روحانيتنا في اقصى نقاط العالم في آسيا و آفريقا و الاروبا و امريكا و هيّأ اسباب التبليغ و الترويج فوق مقدوره و جاهد في اللّه حق جهاده

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 36

و اعلى كلمة الاسلام و عرّف الشيعة كما كانت و عرّف معارفهم و لو علومهم و شخصيتهم، حتّى صار جهده سببا لا كبار الشيعة و الاعتناء بها و باهلها و بآرائها:

فبلغ الأمر الى ما بلغ من الفتوى المعروفة الصادرة من الشيخ شلتوت رئيس جامع الازهر و خضوع هذا الشيخ و ساير علماء الفرق الاسلامية قبال علمه و عبقريته:

فصار سببا لدخول آراء الشيعة و افكارها و كتبها و علومها في جامعات اهل السنة حتى في المملكة السعوديّة مع ما هم عليه من الجمود و التعصب:

و اما تأثيره في غير الجامعات الاسلامية و بعبارة اخرى تأثيره العالمى.

فمضافا الى نفوذه و علو صيته في اقطار العالم صار موجبا لمعرفتهم به و بشخصيته:

«و قد ظهر بعض هذه الموقعية العظيمة حين رحلته رحمه اللّه فقد إذاعت المصيبة بوفاته و اظهار التأسف بارتحاله جميع إذا عات العالم و الجرائد و البرقيات الواصلة و أقدم على تشكيل المجالس و غيرها حتى من قبل بعض الدول المخاصمة لجميع الاديان و لم يكن هذا الّا لشخصيته العالمية»:

و قد هم بتوسعة التبليغات الدينية في خارج ايران بل في خارج الممالك الاسلامية، في أقطار

العالم ليعرف الاسلام باهله و قد وفق لما اراد و أوفد الوكلاء الى النقاط المختلفة و أسّس بعض المساجد و الابنية الدينيّة حتى في الاروبا و قد تشرفت بدين الاسلام جماعة ببركته.

و قد جادل الفرق الباطلة بالتى هي احسن و جعل سيفهم في غمده و ارغم انوف المبدعين و الضالّين و خرّب بنيانهم فلم يقدروا معه على اشاعة باطلهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 37

و تبليغاتهم المضرّة فهو المرابط الذي حفظ حدود الاسلام و ثغوره عن دسيسة المخالفين.

فلذلك وفق لشدة اخلاصه و علمه و عقله و درايته و تقواه بخدمة الاسلام و المسلمين خصوصا الفرقة الناجية الشيعة الاثنى عشرية بما لا يوفّق به الا القليل من العلماء.

حتى قبض اللّه روحه و راح الى رضوانه و جنانه رحمة اللّه تعالى عليه و حشره مع أجداده و آبائه المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين».

و ما بيّنا له من الفضائل و الكمال هو نبذة من خصائله الحميدة و شخصيته البارزة ذكرناها بالاجمال.

و اما بعد ارتحاله

لمّا ارتحل جنابه رحمه اللّه و ان بلغ الأمر ما بلغ و لا يكون موقع ذكره و ما وصل بنا بعد هدم هذا الركن القويم فبسطت الايادى المغلولة في حياته و غلّت الايادى المبسوطة في زمانه و وقع على الجامعة الروحانية خاصّة و الشيعة عامّة من الخسران في صروف الزمان ما لا يطيقه الشرح و البيان. نشكر اللّه تعالى بانه حفظ دينه و حفظ هذه الحوزة بيد جمع من كبار العلماء و مجاهداتهم حتى قامت الحوزة بوظائفها و العلماء و الطلاب مشتغلون قائمون بحفظ كيان الدين و رجم المعاندين و الحمد للّه رب العالمين.

و يجاهدون حسب مقدورهم في احياء العلوم الاسلامية

وفقه الامام الصادق عليه السّلام الكفيل لسعادة الدّارين و الفوز و الفلاح في النشأتين، مشتغلين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 38

بالتدريس و التصنيف و التأليف و بذل العلم و نشره. نرجوا من اللّه عزّ شانه ابقاء الحوزات العلميّة الدينيّة كلها و ان يصونها خصوصا النجف الأشرف و قم المشرّفة من الفتن و الدواهى الى ظهور مولانا و ملاذنا و صاحبنا الحجة الثاني عشر «عجل اللّه تعالى فرجه» و روحى فداه إن شاء اللّه:

و انا العبد على الصافي الگلپايگاني ابن العلامة الشيخ محمد جواد غفر اللّه له و لوالديه و لجميع المؤمنين المؤمنات.

و قد فرغت من كتابة هذه المقدمة في اليوم الجمعة شهر جمادى الثانية سنة 1397 من الهجرة النبوية على هاجرها افضل الصلاة و السلام و التحية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 39

[مقدمة الكتاب]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه على آلائه و الشكر على نعمائه و الصلاة و السلام على خاتم انبيائه محمّد افضل اصفيائه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لا سيّما على بقية اللّه و خاتم خلفائه و اللّعن على اعدائهم من الآن الى يوم لقائه.

و بعد يقول اقل خدمة اهل العلم و المفتقر الى رحمة ربّه على الصافي الگلپايگاني ابن العلامة المجاهد الشيخ محمّد جواد رحمه اللّه.

لمّا صارت المجاهدات و القيام على ضدّ الحكمة الجابرة في ايران من ناحية المراجع و العلماء العظام و غيرهم موجبا لإيجاد التضييقات و التعرضات من قبل عمّال هذه الحكومة على جمع من المسلمين و لا سيّما على العلماء و الطلّاب و صاروا موردا الانواع العقوبات و البليّات و الشدائد:

آل الامر الى تسويقى من قم المشرّفة في اليوم الثامن

و العشرين من شهر محرم الحرام من شهور سنة 1390 القمريّة الى مشكين شهر من نواحى آذربايجان و وصلت جبرا في البلد المذكور في السلخ من الشهر المذكور و أقمت بالجبر و القهر فيه تحت المراقبة الشديدة من قبل الشرطة و الأمن العام و كنت في بعض الايام في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 40

المحاصرة الكاملة بحيث يمنعون العلماء و ساير الناس من الملاقات معى:

و انالا أبالي بما يجرى عليّ من المتاعب و التضييقات من ناحيتهم الخبيثة لان كل ذلك كان في سبيل اللّه عزّ سلطانه و تحصيل قربه و لاجل الاسلام و هوّن عليّ لانّه بعين اللّه و رضاه رضانا و أرجوا من فضله ان يتقبّله عنّا بقبول حسن و نصبر و نتوكّل عليه و نرجوا أن يجعلنى من اعوان دينه و انصاره و بعد نزولى في مشكين شهر و الاقامة فيه اجبارا عزمت على ان اشرح جزء التقليد من العروة الوثقى و هي الكتاب الّذي الّفه الفقيه المتبحّر آية اللّه العظمى السّيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى رحمه اللّه و قد شرحت بعض اجزائه الآخر في قم، في بحوثنا الفقهية و كان محور البحث هذا الكتاب النفيس و سمّيته ب «ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى» فإذا بعون اللّه تعالى نشرع في المقصود و نقول قال المؤلف رحمة اللّه تعالى عليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 41

فصل: فى التقليد

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 43

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به نستعين

[مسئلة 1: يجب على كلّ مكلّف في عباداته و معاملاته أن يكون]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب على كلّ مكلّف في عباداته و معاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلّدا او محتاطا.

(1)

أقول: اعلم أنّ الكلام في المسألة يقع في أربعة موارد:

الأوّل: في الحاكم بالوجوب.

الثّاني: فيمن يجب عليه الأخذ باحدى الأمور الثلاثة.

الثالث: في متعلّق الوجوب و مورده.

الرابع: فيما هو الواجب على المكلّف في المقام من الأمور الثلاثة المذكورة على سبيل منع الخلوّ و وجهه.

امّا الكلام، في المورد الاوّل فنقول بعونه تعالى، انّ حقيقة الأمر تظهر بعد التّنبيه على مقدّمات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 44

الأول: أنّ كلّ من يعتقد بالاسلام و يؤمن به، يعلم ان الاسلام، ليس مجرّد الاعتقاد، أو مجرّد القول باللّسان، أو كلاهما فقط، بل هو مشتمل على مجموع الاعتقاد و القول و العمل، لانّ الاسلام، نظام الحياة الإنسانيّة بجميع شئونها، فهو حاو، لكلّ، ما يحتاج إليه الانسان، في مشيه و أعماله و ما ترك الاسلام شيئا في ناحية، من نواحى الانسان، إلّا و قد هداه إلى ما ينبغى، أن يهديه و هو الصراط المستقيم، فلا تجد واقعة من الوقائع، إلّا و هي محكومة فعلا، أو تركا بإحدى الاحكام الخمسة «الوجوب و الاستحباب و الحرمة و الكراهة و الاباحة».

الثّانية: أنّ ذلك، يوجب العلم الاجمالى بوجود إلزامات، متوجّهة الى الانسان، وجوبية أو تحريميّة، الواردة في القرآن العظيم و السّنة النّبوية، الواردة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الرّوايات المرويّة، عن الأئمّة عليهم السلام.

الثالثة: أنّ المكلّف، يعلم بمقتضى العلم الاجمالى المذكور، أنّه لو ترك التعرّض، لكلّ أطراف، هذا العلم الاجمالى، يقع في الضّرر المقطوع به، و

لو ترك التعرّض، لبعض أطرافه، يقع في الضّرر المحتمل، و يجب بحكم العقل، دفع الضّرر المحتمل، فضلا عن المقطوع.

إذا عرفت ما ذكرنا من المقدّمات، يظهر لك، ان العقل يحكم بالوجوب التّخييرى، بأن يفرغ المكلّف ذمّته، بالاجتهاد، لفهم الاحكام، أو التقليد، أو الاحتياط.

و كما أنّ العقل يحكم بهذا الوجوب بالملاك المذكور، كذلك يحكم به، بملاك وجوب شكر المنعم، و شكر المنعم يحصل باطاعته و هي لا تحصل إلّا بالتّوصل، باحدى الأمور الثلاثة المتقدّمة، فيدور أمر المكلّف في مقام الاطاعة و دفع الضّرر المحتمل، بل المقطوع، كما بيّنا، بين أن يستفرغ وسعه في تحصيل الحجّة على هذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 45

التّكاليف و الالزامات و هو عبارة عن تحصيل الاحكام بالاجتهاد، لانّ الاجتهاد عبارة عن استفراغ الوسع، لتحصيل الحجّة و بين التّقليد و بين الاحتياط و امّا الوجوب الشّرعى، فيأتى الكلام فيه إنشاء اللّه.

امّا الكلام، في المورد الثّاني و هو الكلام فيمن يجب عليه إحدى الأمور الثلاثة:

فاعلم أنّ موردها المكلّف، كما صرّح به المؤلّف، هو الّذي يكون قابلا، لتوجّه التّكليف به، و قد ذكر شرائطه في محلّه.

امّا الكلام في المورد الثالث و هو مورد الوجوب و متعلّقه:

فمورده العبادات و المعاملات و العاديّات من غير الضّروريّات، و المؤلف رحمه اللّه و ان اقتصر بذكر الأولى و الثانية فقط، لكنّه لا وجه للاقتصار بهما، لوجود الملاك و هو حكم العقل بكلا وجهيه في العاديّات من غير الضّروريّات أيضا:

و علّة ما ذكره المؤلّف رحمه اللّه من اقتصاره بالعبادات و المعاملات و عدم ذكر العاديّات، شمول تقسيمه، للعاديّات، لانّ المعاملات تشمل العاديات أيضا، لانّ التقسيم بالقسمين، العبادات و المعاملات، تقسيم صحيح و ليس لهما و في

قبالهما قسم ثالث، يكون هو العاديّات، فكان قسيمهما، بل من الواضح، انّ العبادات، ما تكون محقّقة الّا بقصد القرية و المعاملات ما لا تحتاج إلى قصد القربة و بناء عليه تكون العاديات، داخلة في التقسيم و ليست قسيمة لهما فلا إشكال في كلام المؤلّف رحمه اللّه:

و الشّاهد على ذلك، أنّه قال في مسئلة (6) الّتي تأتى بعد ذلك، في الضروريات، لا حاجة إلى التقليد، كوجوب الصّلاة و الصوم و نحوهما و كذا في اليقينيات، إذا حصل له اليقين و في غيرهما يجب التقليد، إذا لم يكن مجتهدا و إذا لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 46

يمكن الاحتياط و إن أمكن تخيّر بينه و بين التقليد، لانّ مفاد كلامه، عدم وجوب التقليد في الضروريات و اليقينيّات و وجوبه في غيرهما و تكون العاديّات من جملة الغير فهذا الكلام شايد على كون العاديّات، قسما من المعاملات، بالمعنى الاعمّ و لو لم يكن كذلك، كان اللّازم عليه استثناءها، مثل الضروريات و اليقينيّات.

فقوله رحمه اللّه في المسألة الاولى، بوجوب التقليد في العبادات و المعاملات مغن، عن ذكر العاديّات، فلا حاجة إلى ما عن بعض الاعاظم العصر مد ظلّه فيما علّق في تعليقته على العروة في المسألة الأولى منها، بعد كلمة، المعاملات، بل و عاديّاته أيضا.

امّا الكلام: في المورد الرّابع، و هو التّكلم فيما يجب على المكلّف، فأعلم أنّه يجب عليه بالوجوب التخييرى، الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط، لانّ العقل، كما يحكم بوجوب امتثال الاحكام المعلومة إجمالا، كذلك يحكم بوجوب تحصيل الحجّة عليها و بعد ايجابه ذلك، يدور أمر المكلّف بين الأمور الثّلاثة، على سبيل منع الخلوّ، لدوران أمره كما أشرنا، بين الاجتهاد و هو استفراغ

الوسع، لتحصيل الحجّة «1» و بين التقليد و هو الرجوع إلى من هو عارف و عالم بهذه الالزامات من واجباتها و محرّماتها و غيرهما و بين الاحتياط و هو أن يسلك سبيلا يعلم معه إجمالا، حفظ الواقع، في فعله أو تركه على كلّ حال، و ان لم يعرف ما هو الواقع تفصيلا من بين المحتملات.

فتلخّص ممّا ذكرنا ما هو المراد من أنّه يجب على المكلّف، أن يكون في عباداته و معاملاته و منها العاديّات من غير الضروريات، إمّا مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا، بالوجوب التّخييرى و لا يجوز الاكتفاء بغيرها:

امّا وجه الاكتفاء باحد الأمور الثلاثة، فلانّه بعد ما عرفت من العلم الاجمالى

______________________________

(1) و تعريف الاجتهاد، بأنّه عبارة، عن استفراغ الوسع، لتحصيل الظّن بالاحكام، غير صحيح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 47

و لزوم الخروج عمّا في عهدته بمقتضاه فعلا أو تركا، فلا بدّ له بحكم العقل من سلوك احدى الأمور الثلاثة المتقدّمة، كما عرفت، و نشير إلى وجهه، فانّ المكلّف، بعد العلم الاجمالى المذكور، إمّا يحصّل الاحكام المعلومة بالاجمال اجتهادا بنفسه و يصير مجتهدا، فسلك سبيل الاجتهاد و يكتفى به قطعا لامتثاله العلم الاجمالى باجتهاده:

و امّا أن يجعل مشيه على نحو يعلم معه بحفظ الواقع و مطلوبات المولى.

«و يأتى الكلام فيه و في مورده و وجهه «في المسألة 29» و اما ان لا يكون مجتهدا و لا يمكن له الاحتياط او لا يكون بنائه على العمل به فيجب عليه التقليد في غير الضروريات و اليقينيات، فانه لا يجب التقليد فيهما «و يأتى الكلام فيه و في وجهه في المسألة 6.

***

[مسئلة 2: الاقوى جواز العمل بالاحتياط]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الاقوى جواز العمل بالاحتياط، مجتهدا كان او لا،

لكن يجب ان يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد او بالتقليد.

(1)

أقول: يقع الكلام في الموردين: الاول في جواز العمل بالاحتياط و الثاني في شرطه امّا

الكلام في المورد الاوّل [جواز العمل بالاحتياط]

؛ فوجه جواز الاحتياط و كفاية الاكتفاء به، هو أنّ المطلوب بحكم العقل، ليس الّا حفظ واقعيّات المولى الكريم، من اوامره و نواهيه و مع الاخذ بجانب الاحتياط يمكن المكلف من حفظ مطلوباته و ترك مبغوضاته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 48

الواقعية، الصّادرة من قبله، فيكتفى بالاحتياط بحكم العقل.

و في قبال ذلك، قد يقال بعدم جوازه مطلقا او في بعض الموارد مثل ما يكون موجبا للتكرار في العبادة، بل نسب الى المشهور بل ادّعى الاجماع، على بطلان عمل تارك طريقى التقليد و الاجتهاد.

و حيث ان ما تمسّك به على عدم جوازه، مقتضى بعضه، لو تمّ عدم الجواز مطلقا و بعضه في بعض الصّور، نذكر ما يمكن، ان يكون وجها، لعدم الجواز مطلقا او في بعض الصّور:

و نذكر بعد ذكر الوجوه ان مقتضى اىّ وجه من الوجوه بعد فرض تماميّته هو عدم الجواز مطلقا او في بعض الصور إن شاء اللّه.

الوجه الاوّل: دعوى الاجماع، على عدم جواز الامتثال بالاحتياط و الاطاعة الاجماليّة:

و فيه منع تحقّق اجماع تعبّدى على ذلك و بهذا الوجه يستدل على عدم جواز الاحتياط مطلقا و قد ظهر فساده.

الوجه الثاني: أنّ وجوب تعلّم الاحكام، يقتضي عدم جواز الاحتياط، لانّه لو امكن الاحتياط و الامتثال الاجمالى، لا وجه لوجوب تعلّم الاحكام و هذا أيضا لو تمّ يدلّ على عدم جوازه مطلقا.

و فيه انّ الاوامر الواردة في تعلّم الاحكام، تكون ارشاديّا، كى لا يقع العبد، بسبب تركه التعلّم، في ترك مطلوب المولى و الابتلاء بمبغوضه، كما

يظهر من الحديث الشريف: و هو ما رواه مسعدة بن زياد، قال سمعت جعفر بن محمد عليه السّلام و قد سئل عن قوله تعالى فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ فقال إنّ اللّه تعالى يقول، للعبد يوم القيامة، عبدى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 49

كنت عالما؟ فان قال نعم، قال له فهلا عملت بما علمت و ان قال كنت جاهلا، قال فهلا تعلّمت، حتى تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة «1».

فيكون من التعلم و الامر به الارشاد إليه كى لا يقع المكلّف في ابتلاء مخالفة الواقع و ترك مطلوبات المولى و لا اشكال في انه بالعمل بالاحتياط يتمكّن من حفظ الواقع مسلّما، اذ معنى الاحتياط فعل شي ء او اشياء او ترك شي ء او اشياء بنحو يحفظ به المحتمل في البين.

الوجه الثالث: دعوى كون الاحتياط، موجبا لفوت قصد الامر، لانّ من يحتاط، يأتى بالفعل بداعى احتمال الأمر، لا الامر اليقيني.

و فيه انه في مورد الاحتياط، يكون الدّاعى، على اتيان المحتملات، هو نفس الامر، اى الامر المتيقّن لا احتمال الامر، غاية الامر تختلف، نحوة الامتثال، ففي ما يكون متعلّق الامر، مبيّنا على التفصيل يحصل امتثاله، باتيان المتعلق المبيّن الممتاز عن غيره و اما فيما لا يكون مبيّنا، بل يحتمل في الطرفين او الاطراف، يأتي هذه الاطراف، بداعى الامر أيضا، من باب أنّ امتثال الامر في هذا الفرض، يكون باتيان الطرفين او الاطراف:

و اعلم أنّ هذا الوجه، لو تمّ يقتضي عدم جواز الاحتياط، فيما يحتاج الامتثال الاجمالى و العمل بالاحتياط في العبادة الى التكرار:

و الّا لو كان المأمور به توصّليا فلا ضير في الاحتياط في مقام الامتثال، لعدم

______________________________

(1) رواه في تفسير البرهان الجزء الاول ص 560 من

الطبع الحديث عن أمالي الشيخ رحمه اللّه قال حدّثنا محمد بن محمد يعنى المفيد قال اخبرنى ابو القاسم جعفر بن محمد قال حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميرى عن ابيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد قال سمعت جعفر بن محمد عليه السّلام الحديث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 50

اعتبار قصد القربة و داعى الأمر فيه و كذا لو كان عباديّا و لا يحتاج في الامتثال بالاحتياط الى التكرار، مثل ما لا يدرى ان السورة واجب في الصلاة أم لا؟ و لا يحتمل حرمتها فيها، فانّه يأتى بالصلاة مع السورة احتياطا و يقصد في اتيان الصلاة الأمر و يأتى بها بداعى الأمر.

ان قلت، كيف يمكن اتيان الصلاة مع السورة، بداعى الأمر، مع عدم علمه بوجوب السورة فيها، فكيف بالصّلاة مع السورة بداعى الأمر، لعدم معلوميّة، تعلق الأمر بالسّورة حتى يأتي بداعيه.

قلت، ما يحتاج في العبادة هو قصد الأمر و هو اتيان الطبيعة، المتعلّقة للأمر، بداعى الأمر و هي في المثال طبيعة الصلاة و لا يضرّ في ذلك، اشتمال مصداق الطبيعة بما لا يعلم دخله فيها و عدمها كما يكون الامر في اشتمال الصلاة ببعض المستحبات، فكما لا يضرّ بقصد الأمر بالصلاة اتيانها، مع بعض المستحبات، كذلك لا يضرّ بعض ما لا يدرى، اعتباره في طبيعتها و السر في ذلك، ما قلنا في الصحيح و الاعم، من انّ طبيعة الصلاة مقولتها، من المقولات المشكّكة، تصدق على الناقص و الكامل، ففى كلّ من مصاديقها الكاملة او الناقصة، تكون الطبيعة موجودة و يأتى بها بداعى امرها.

الرابع: انّ المعتبر في العبادة، الجزم في النيّة و هو لا يمكن مع الاحتياط و هذا

الوجه لو تم يدل على عدم جواز الاحتياط في العبادات في مقام امتثالها.

و فيه انّ الاقوى عدم اعتبار الجزم في النيّة، إذ لا يحكم العقل في مقام الاطاعة، الّا كون الفعل وقوعه، بداعى اطاعة امر المولى و هو حاصل في الاحتياط، كيف و انّ المجتهد قد يحتاط و يأمر في كثير من المسائل به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 51

الخامس: انّ الاحتياط مناف مع قصد الوجه و التميز و هذا الوجه لو تمّ يجرى في العبادات فقط.

و فيه انه لا دليل على اعتبارهما، لا عقلا و لا شرعا، كما بيّناه في الاصول، مضافا الى عدم كون الاحتياط، منافيا مع قصد الوجه، إذا المحتاط يأتى بجميع المحتملات، بقصد الوجوب المتعلق واقعا، باحد من المحتملات.

نعم لو اعتبر التمييز في العبادة، اى تميز المأمور به عن غيره، فلا يمكن قصد التميز مع الاحتياط و لكن لا دليل على اعتباره.

السّادس: دعوى كون الاحتياط، فيما يوجب التكرار لعبا و عبثا بأمر المولى و هذا الوجه لو تمّ يجرى في خصوص العبادات، فيما يوجب التكرار و اما فيما لا يوجب التكرار و إن كان عبادة، فلا اشكال كما انه لما يجرى في التوصليّات، لانّ المطلوب فيها، ليس الّا وقوعها في الخارج كيف ما اتّفق.

و فيه أنّ اللّعب و العبث يكون، فيما لا يكون صدور الفعل بداعى عقلائى و اما إذا كان بداعى العقلائى و هو امتثال امر المولى فليس لعبا و عبثا.

مضافا الى ما قيل من انّ اللعب و العبث، مضرّ في نفس اطاعة المولى، لا في كيفيّته فتامل.

فتلخّص انّ الاحتياط جائز، حتى في العبادات و حتّى فيما يوجب التكرار كما يأتى في المسألة 4.

المورد الثاني: في شرط الاحتياط،

فنقول يشترط ان

يكون البانى للاحتياط، عارفا بجوازه من اجتهاد، او تقليد، كما يأتي في المسألة 5:

و كذلك كونه عارفا، بكيفيّة الاحتياط بالاجتهاد او التقليد، لانّ العقل يجوّز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 52

الاحتياط، في صورة تحقّق الشرطين، إذ مع عدمهما، لا يأمن من العقوبة، فلا يحكم العقل بالاكتفاء به.

***

[مسئلة 3: قد يكون الاحتياط في الفعل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: قد يكون الاحتياط في الفعل، كما إذا احتمل كون الفعل واجبا و كان قاطعا بعدم حرمته و قد يكون في التّرك، كما إذا احتمل حرمة فعل و كان قاطعا بعدم وجوبه و قد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار كما إذا لم يعلم انّ وظيفته القصر او التمام.

(1)

أقول: الاحتياط المذكور في كلامه، اما ان يكون في فعل شي ء او في تركه و في الاوّل منهما، امّا يحصل الاحتياط بلا تكرار و اما ان لا يحصل الّا مع التكرار، فالصّور ثلاثة.

الاولى: كون الاحتياط في الفعل بلا تكرار، مثل ما إذا احتمل وجوب الخمس في الهبة و يعلم بعدم حرمته، فيحصل الاحتياط، باداء خمسها.

الثانية: ان يكون الاحتياط في الفعل مع التكرار، مثلا لا يدرى، انّ تكليفه القصر او الاتمام، فيجمع بين الاتمام و القصر، فيحصل المطلوب الواقعى بالاحتياط بالجمع.

فقول المؤلّف رحمه اللّه في هذا الفرض «و قد يكون في الجمع بين امرين مع التكرار» حيث يحصل بالجمع التكرار كذلك يحصل التكرار بالجمع فمع قوله «قد يكون في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 53

الجمع بين امرين» لا حاجة الى قوله «مع التكرار» كما انه مع قوله قد يكون بالتكرار، لا حاجة الى قوله «في الجمع بين امرين» لان كلا منهما مغن عن الآخر.

الثالثة: ما يكون الاحتياط بالترك، بلا

تكرار، مثل ما لا يدرى حرمة شرب التتن و عدمه و يعلم عدم وجوب شربه، فيحصل الاحتياط بترك شربه.

***

[مسئلة 4: الاقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الاقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار و امكن الاجتهاد او التقليد.

(1)

أقول: قد مضى في المسألة الثانية ما صار موجبا، لتوهم عدم جواز الاحتياط فيما يوجب التكرار، من انّ لازم الاحتياط، عدم إمكان قصد الامر و الوجه و التميز و كونه لعبا و عبثا بأمر المولى:

و كل ما ذكر وجها، لعدم جواز الاحتياط مطلقا فقد عرفت جوابه، فالاقوى جواز الاحتياط، حتى فيما استلزم التكرار في العبادة.

ثمّ انه لا فرق في جواز الاحتياط، بين التمكّن من الاجتهاد و التقليد و عدم التمكّن منهما، لانه قد بيّنا في مبحث العلم الاجمالى في الاصول، جواز الاكتفاء بالموافقة الاجماليّة و الامتثال بالاحتياط مطلقا، حتّى مع التمكّن من الموافقة التفصيلية علما او ظنا فراجع.

نعم كما مر لا بدّ ان يكون مريد الاحتياط، عارفا بجوازه و بكيفيّته اجتهادا او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 54

تقليدا و يأتى في المسألة الآتية أيضا إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 5: في مسئلة جواز الاحتياط يلزم ان يكون مجتهدا او مقلّدا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: في مسئلة جواز الاحتياط يلزم ان يكون مجتهدا او مقلّدا لان المسألة خلافية.

(1)

أقول: ما افاده من لزوم كون الشخص، في مسئلة جواز الاحتياط مجتهدا او مقلدا كلام تمام، لا لانّ المسألة خلافيّة، بل للزوم وجود مصحّح في نظره، للاخذ بالاحتياط و لو كان هذا حكم عقله، فلو كانت المسألة وفاقيّة و لم تكن من الضروريّات و اليقينيّات، كان اللازم أيضا، كونه في هذه المسألة مجتهدا او مقلّدا، نعم هو بمجرّد توجهه، بأنّه مع الاحتياط، يدرك الواقع و يحفظ ما هو وظيفته واقعا و حكم العقل، بكفايته، يكون مجتهدا في المسألة و يكتفى به مجوّزا للاخذ و سلوك الاحتياط.

كما أن الآخذ بالتقليد، محتاج الى وجود

حجّة و مصحّح لعمله و هو ليس الّا ما قلنا في وجه الاكتفاء بالتقليد و له أن يرجع في مسئلة جواز الاحتياط إليه.

***

[مسئلة 6: في الضروريات لا حاجة الى التقليد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: في الضروريات لا حاجة الى التقليد، كوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما و كذا في اليقينيّات، إذا حصل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 55

له اليقين و في غيرهما، يجب التقليد، ان لم يكن مجتهدا، إذا لم يمكن الاحتياط و ان امكن تخيّر بينه و بين التقليد.

(1)

أقول: بعد كون وجه رجوع الجاهل الى العالم، لكشف ما هو الواقع بنظره و لو ظاهرا فمع العلم و اليقين بالواقع بنفسه كما في اليقينيّات او لكونه ضروريّا كما في الضّروريات، لا معنى لرجوعه الى العالم، بل هو من قبيل رجوع العالم بالعالم، فهذا القسم خارج عن موضوع رجوع الجاهل الى العالم، هذا في الضروريّات و اليقينيّات.

و اما في غيرهما، فالمكلّف لو لم يكن مجتهدا، فامّا لا يتمكّن من الاحتياط، فيتعيّن عليه التقليد، لانّه بعد تعذّر بعض الافراد من الواجب التخييرى يتعيّن الاخذ بالفرد الممكن.

و اما ان يكون متمكّنا من الاحتياط، كما يتمكّن من التقليد، فيكون مخيّرا بينهما، لجواز الاكتفاء بكل واحد منهما و عدم جواز رفع اليد، عن كلاهما معا.

***

[مسئلة 7: عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط باطل]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط باطل.

(2)

أقول اطلاق كلامه رحمه اللّه و ان كان يقتضي كون نظره الشريف، الى بطلان عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط في جميع الصّور، صورة كون عمله مخالفا لفتوى المجتهد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 56

و صورة موافقته لفتواه و صورة كونه جاهلا مقصرا و صورة كونه جاهلا قاصرا، لكن يأتي منه في المسألة 16 التفصيل و الحكم بصحّة عمله في بعض الصّور و على كل حال يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: في جواز عمل من لا يكون مجتهدا،

بدون كون عمله مستندا الى تقليد مجتهد و لا على طبق الاحتياط و عدمه عقلا.

فقد عرفت انه لا دليل على الاكتفاء بغير هذه الثلاثة اعنى الاجتهاد و التقليد و الاحتياط لا عقلا و لا شرعا، بل يحكم العقل بعدم الجواز، لعدم الأمن عن العقوبة في العمل بغير هذه الثلاثة:

و معنى عدم الجواز عدم حكم العقل بكون العمل الغير المستند بهذه الثلاثة مؤمّنا عن العقوبة:

مضافا الى امكان كون العمل، في بعض الصّور تشريعا، مثل ما إذا قصد القربة، بفعل لا يدرى كونه مقرّبا و لم يكن في الواقع مقرّبا.

الجهة الثانية: في بطلان عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط

مع فرض عدم انطباق عمله مع فتوى المجتهد الذي لا بد من ان يرجع إليه «و يأتي إن شاء اللّه في المسألة 16 بعد ذلك بان المراد من المجتهد اللازم موافقة عمله مع فتواه هل هو المجتهد الواجب اتباعه حين العمل او المجتهد الذي لا بد من اتباعه بعد العمل او كليهما» فالحق بطلان عمله و معنى البطلان ليس البطلان المصطلح بمعنى حكم العقل او الشرع ببطلانه، بل معنى البطلان هنا، هو حكم العقل، بعدم جواز الاكتفاء بهذا العمل، لان العبد مع فرض كون عمله، ليس مؤمّنا عن العقوبة يصح بنظر العقل عقابه لو لم يصادف عمله مع الواقع و لا يكون معذورا في مخالفة الواقع، لاحتمال عدم مطابقة عمله معه و لا فرق في ذلك بين الجاهل القاصر و المقصّر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 57

الجهة الثالثة: في بطلان عمل العامى المذكور و عدمه

مع فرض انطباق عمله مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله مع فتواه.

اعلم انّ الكلام في الصحّة و البطلان، يكون فيما كان العمل عباديّا و الّا لو كان توصّليا و صادف الواقع، يكون مجزيا بلا اشكال، مثل ما غسل المتنجّس بالبول مرّتين و صار مطابقا مع فتوى المجتهد لا اشكال في حصول الطهارة، لانّ المطلوب في التوصليّات، ليس الّا حصول المطلوب كيفما اتفق:

انّما الكلام فيما يكون العمل عباديّا و اتى به و صادف مطابقا مع فتوى المجتهد، اللازم مطابقة عمله مع فتواه.

فنقول: انّ للمسألة صورتين:

الصّورة الاولى: ما كان عمله، مطابقا مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله مع فتواه مع فرض كون جهله عن قصور و تمشّى منه، قصد القربة، لاجل قصوره و تخيّله بان العمل مقرّب، فلا مجال للاشكال في صحّة عبادته و لا مجال لبعض

الاشكالات، الّتي نتعرض لها في الصورة الثانية، في هذا الفرض.

الصّورة الثّانية: ما إذا كان جهله عن تقصير و اتى بعمل عبادىّ و صادف مطابقا مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله مع فتواه، فهل يصحّ عمله أو لا اعلم ان الجاهل المقصّر، تارة، يكون غافلا حين العمل و تمشّى منه قصد القربة و تارة يكون ملتفتا و لا يكون غافلا حين العمل:

امّا فيما كان غافلا حين العمل و تمشّى منه

قصد القربة، فهو يكون ممّن كان ملتفتا الى وجود احكام و لكن تهاون و لم يتعلّم الاحكام، حتّى غفل حين العمل، فهل يصحّ عمله في الفرض المذكور أولا.

ما يمكن أن يقال، اشكالا على الصحة نذكر إن شاء اللّه في الفرض الثاني نذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 58

انّ بعض الاشكالات، لو فرض وروده لا يجرى في هذا الفرض:

فبناء عليه نقول في هذا الفرض، أنّ الفعل الصّادر منه، مع قصد القربة و فرض مطابقته، مع فتوى المجتهد الواجب، موافقة عمله مع فتواه، يكون صحيحا، لانّ الفعل، قابل لانّ يتقرب به على الفرض و قد صدر مع قصد القربة، فما يكون معتبرا في حصول الاطاعة و الامتثال في العبادة، من اعتبار كون الفعل، بداعى التقرب و قابليّة الفعل، لان يتقرّب به، موجود فيه، فهو متّصف بحسن الفعلى و الفاعلى، فيصح عمله و يكون مجزيا بحكم العقل، لانطباق الماتى به مع المأمور به.

و اما فيما كان جهله عن تقصير و صدر عنه عملا عباديّا و لم يكن غافلا حين العمل، عن وجود الاحكام و عن ترك التعلّم و مع ذلك اقدم على اتيان العمل، فله صورتان:

صورة يقصد القربة بعمله و صورة يأتي به رجاء.

امّا في

الصورة التي قصد القربة و صادف انطباق عمله، مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله معه، فما يقال في وجه عدم صحّة عمله و يظهر من كلام الشيخ الانصارى امران:

الأمر الاوّل: عدم تأتّى قصد القربة عن مثله، لان من يكون شاكا في كون الفعل الكذائى، مقربا للمولى و عدمه كيف يتقرّب به و يقصد به القرب بالمولى، لانّ عبادة المولى أيضا، مثل التعظيم و التكريم عن غيره، فمن يريد تعظيم شخص، لا بدّ له ان يعرف أوّلا، ان العمل الكذائى، تعظيمه ثمّ يقدم بالعمل لتعظيمه:

و أما ان كان شاكا في كونه تعظيما له او توهينا له، كيف يقدم على العمل بداعى تعظيمه؟

أقول بل لا يمكن له الاقدام بهذا العمل المشكوك كونه مقرّبا، بقصد الرّجاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 59

و احتمال المطلوبية أيضا، مع فرض احتمال كونه مبغوض المولى، لانّ العقل الحاكم بحسن الاطاعة الاحتماليّة، يحكم بحسنه، فيما يحتمل مطلوبيته و لا يحتمل مبغوضيّته، فعلى هذا لا يمكن مع الالتفات، قصد الرجاء، فضلا عن قصد التقرّب، نعم فيما كان غافلا حين العمل، كما ذكرنا سابقا، نقول بصحّة عمله في مفروض الكلام، لانّه لأجل غفلته، صدر عنه الفعل بقصد التقرّب و على الفرض كان مقرّبا و موافقا مع فتوى المجتهد، المعتبر مطابقته مع فتواه و لهذا نقول في صورة الغفلة، عن وجود الاحكام و عن التعلم بصحة العبادة، كما اختاره المؤلف رحمه اللّه على ما في المسألة السّادسة عشر، و عدم الصحّة في هذا الفرض.

الأمر الثاني: انّ من يقصد الاقتصار على فعل واحد، لا يدرى انّه المأمور به الواقعى او غيره، ليس قاصدا لامتثال الأمر الواقعي، على كل تقدير مثلا من لا يدرى

ان الواجب عليه يوم الجمعة، صلاة الظهر او صلاة الجمعة و يقتصر على واحدة منهما فقط، لا يكون قاصدا لامتثال الأمر الواقعى على كل تقدير، بل هو قاصد لامتثال الأمر الواقعى، ان كان ما يفعل هو المأمور به الواقعى فقط و لو كان قاصدا لامتثال الأمر الواقعى على كل تقدير، كان لازمه اتيان كل من الظهر و الجمعة و هذا الإشكال ان كان يرجع الى عدم الجزم في النية، لكن يمكن ان يدفع، بأنه لا يعتبر الجزم فى النية و ان الاقتصار في مقام الامتثال، ببعض المحتملات، لا يدلّ على عدم كون الداعى، على اتيان بعض المحتملات، هو الأمر المولى، لامكان كون عدم الداعى، الى اتيان بعض الاحتملات، مع وجود الداعى الى اتيان بعضها الاخر، هو المشقة او عدم داعوية الأمر عنده، بحيث يصير محرّكه على اتيان جميع المحتملات و لكن مع ذلك لا ينافي ترك بعض المحتملات، مع كون داعيه الى اتيان بعضها الآخر، هو الإرادة المولويّة و امر المولى.

أقول ما ذكر جوابا عن الأمر الثاني، إن كان الغرض، امكان قصد التقرب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 60

من العبد، في هذا الفرض، فغير تمام، لانّه بعد عدم علمه بمقربيّة العمل، كيف يمكن ان يتقرب به، و ان كان الغرض، امكان اتيان العمل في الفرض، رجاء مع فرض علمه بعدم حرمته، فيمكن القول، بصحّة عمله، مع فرض مطابقته لفتوى المجتهد اللازم، موافقته مع فتواه و من هنا يظهر، انّه ليس الاشكال من ناحية عدم الجزم بالنيّة، بل من جهة عدم امكان قصد الامر و هو الإشكال الاول و لذا قلنا بالصحة في صورة اتيانه رجاء.

فتلخّص من كلّ ذلك انه لا يصح

عمل الجاهل، المقصر الملتفت، إذا قصد القربة بعمله و لو صادف مطابقته مع فتوى المجتهد، اللازم مطابقة عمله مع فتواه، بل كما قلت مع الالتفات لا يتمشى منه قصد القربة.

و امّا في الصّورة التي يأتي بالعمل رجاء مع التفاتة و كون جهله عن تقصير:

فتارة كما يحتمل وجوب الفعل و يأتى به، كذلك يحتمل حرمته، ففي هذه الصّورة لا يصحّ العمل، لانّ مورد الصّحة، فيما يأتي برجاء المطلوبيّة، هو ما لا يحتمل حرمته و الّا لا يحكم العقل، بحسن الاطاعة الاحتمالية:

و تارة أنّ ما يحتمل مطلوبيّته، لا يحتمل حرمته و مبغوضيّته و يأتي به رجاء ففي هذه الصورة، لو صادف العمل موافقا مع فتوى المجتهد، المتبع فتواه عليه، يصحّ العمل و لا يجرى ما تقدم من الإشكال، في الصورة السابقة:

هذا تمام الكلام في اصل المسألة و قد عرفت صورها و ان في بعضها، يتصف عمل الجاهل بالصّحة و في بعضها لا يتصف بالصّحة.

ثمّ انّ هنا كلاما تعرض المؤلّف رحمه اللّه في ذيل المسألة السادسة عشر من مسائل التقليد و هو انه بعد فرض صحة عمل الجاهل، قاصرا او مقصّرا في بعض الصّور، إذا صادف موافقا مع فتوى المجتهد، فهل الميزان مطابقة عمله مع فتوى، من يجب تقليده

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 61

حال العمل او الميزان مطابقته مع فتوى المجتهد الذي، يجب اتباعه بعد العمل او الميزان مطابقته مع فتوى كل منهما و هذا يفرض فيما كان المجتهد الذي يجب تقليده بعد العمل، غير المجتهد الذي كان واجب التقليد، حين العمل مع اختلاف فتواهما، مثل ما إذا مات المجتهد المقلد، حال العمل و رجع الى المجتهد الحىّ بعد العمل و الثّمرة بين

الاحتمالات واضحة:

لانه على الاوّل، يكون مجرد موافقة عمله مع فتوى المجتهد حال العمل، كاف في صحّة العمل:

و على الثاني، مجرد موافقته، مع فتوى المجتهد بعد العمل، كاف في صحّة العمل:

و على الثالث لا بدّ من موافقة عمله مع كل منهما و الّا لا يصحّ عمله.

إذا عرفت ذلك نقول، قال المؤلّف رحمه اللّه في المسألة السادسة عشر «و اما الجاهل القاصر او المقصّر، الّذي كان غافلا حين العمل و حصل منه قصد القربة، فان كان مطابقا لفتوى المجتهد الذي قلّده، بعد ذلك كان صحيحا و الاحوط مع ذلك، مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل».

أقول و الاقوى وجوب مطابقة عمله، مع فتوى من يقلّده فعلا و بعد العمل كما اختاره المؤلف رحمه اللّه لانّه هو الطريق له فعلا و يجب متابعته و كفاية ذلك، لا المجتهد الذي قلّده سابقا حين العمل.

***

[مسئلة 8: التقليد هو الالتزام بالعمل، بقول مجتهد معيّن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: التقليد هو الالتزام بالعمل، بقول مجتهد معيّن و ان لم يعمل بعد بل و لو لم يأخذ فتواه، فإذا اخذ رسالته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 62

و التزم بما فيها، كفى في تحقيق التقليد.

(1)

أقول: قد عرّف التقليد، بتعاريف لا حاجة إلى ذكرها و لا الى التكلم في ارجاع بعضها الى بعضها الآخر، بل العمدة بيان ما هو التقليد.

فأقول بعونه تعالى، بعد ما قلنا، من انّه من يريد العمل بواقعيات المولى الجليل، امّا ان يسلك سبيل الاستنباط و يحصّل الواقعيّات بنفسه، باستفراغ وسعه، فهو يفعل و يترك باجتهاد نفسه و يكون مشيه على طبق اجتهاده و استنباطه من الأدلّة.

و امّا من يسلك سبيل الاحتياط، بعد علمه بجوازه و كيفيّته عن اجتهاد أو تقليد، فيجعل مشيه و

عمله على نحو، يدرك به الواقع لا محالة، ففي كل من الصورتين ليس معنى كونه عاملا في مقام حفظ الواقعيات بالاجتهاد او بالاحتياط، الّا كون عمله على طبق اجتهاده، او كون عمله موافقا للاحتياط.

و امّا ان يكون مقلّدا و هو على ما عرفت في وجه الاكتفاء به، امّا يكون من باب حكم العقل فقط، او حكم العقل و الشرع، على فرض ورود الدليل من الشرع، على كفايته، كالعقل و ليس معنى كونه مقلدا، الّا كونه في عمله متابعا لرأي المجتهد و فتواه، فهو حيث يكون جاهلا و لا يدرى، كيف يعمل و يطيع اللّه تعالى، يقلّد المجتهد، اعنى يجعل عمله على طبق فتواه و هذا هو التقليد، فكما انّك إذا قلت لولدك، تقلّد في مشيك عن فلان، ليس معنى تقليده في مشيه، الّا كون هذا الفعل، اى مشيه الخارجى على طبق مشى الفلاني، فاذا مشى على طبقه، يقال انه قلّده في مشيه، فهكذا في التقليد فيما نحن فيه، لا يكون معنى محصّلا له، الّا جعل العمل على طبق نظر المقلّد «بالفتح».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 63

و الحاصل انّه بعد التّأمل ما يأتي بالنظر في المراد من التقليد، هو انّ التقليد نفس العمل، كما هو مختار سيدنا الاعظم و مجدد المذهب فقيد الاسلام ايت اللّه الحاج آغا حسين البروجردي الطباطبائى المعظّم رحمه اللّه.

امّا كون التقليد نفس الالتزام بالعمل و لو لم يعمل بعد بل و لو لم يأخذ فتواه كما اختاره المؤلف رحمه اللّه فهو بمعزل عن الصواب و مثله فى البطلان جعل التقليد عبارة عن الالتزام مع العمل او العمل اعتمادا على فتوى المجتهد، بحيث يكون الاعتماد دخيلا فيه او الاستناد

الى فتوى المجتهد، لما عرفت من انّ حقيقته ليس الّا نفس العمل و من التزم بالعمل و لم يعمل بعد، يقال انّه التزم بان يقلّد الفلانى لا انّه قلّد الفلانى و لو التزم و عمل فما هو التقليد نفس العمل و لا دخل للالتزام في صدق التقليد، كما انه كون العمل اعتمادا على فتوى المجتهد أو استنادا بفتواه الّذي، هو في الحقيقة عبارة اخرى، عن الالتزام و العمل، بحيث كان الاعتماد أو الاستناد جزء للتقليد فغير صحيح، فعلى كلّ حال، الحق هو أنّ التقليد نفس العمل.

و امّا ما حكى عن صاحب الفصول رحمه اللّه من انّه ان كان التقليد نفس العمل، يرد اشكالان، من باب التزامه بان التقليد نفس الالتزام، فاورد على من يقول انه نفس العمل اشكالين:

الاوّل: انّ العمل مسبوق بالعلم، فلا يكون سابقا عليه و غرضه رحمه اللّه انّه لا بدّ أوّلا في مقام التقليد، العلم بفتوى المجتهد و الالتزام به، ثم جعل العمل على وفق هذا العلم و الالتزام، فلا يمكن ان يكون التقليد نفس العمل، بل هو يتحقق بعد التقليد.

و فيه انّ ما قاله من لزوم العلم بفتوى المجتهد قبل العمل صحيح، لكن يكون الكلام في انّ العلم بفتوى المجتهد، حقيقة التقليد او الالتزام بفتواه التقليد او تكون حقيقة التقليد نفس العمل و قد عرفت انه نفس العمل، و العلم يكون مقدمة للعمل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 64

فمن تعلّم فتوى المجتهد و لم يعمل به بعد، لا يقال بانه قلد المجتهد و لو التزم بان يجعل عمله بعد ذلك على طبق ما تعلّمه من فتواه، بل يقال بانه تعلّم فتواه و التزم بان يقلّده في عمله.

الثّاني: انه

ان كان التقليد نفس العمل، يلزم الدور، بيانه أنّ العمل العبادي، يحتاج سقوط امره الى قصد القربة و قصد القربة يحتاج الى العلم بكون العمل عبادة و بناء على كون التقليد نفس العمل، يتوقف العلم بكونه عبادة عل العمل، لانّ العمل هو التقليد، فالعمل يتوقف على العلم و الحال ان العلم بكونه عبادة، يتوقف على العمل و هذا دور.

و بعبارة اخرى، بناء على كون التقليد نفس العمل، فما لم يعمل، لا يتمكن من قصد التقرّب، لانّه بالعمل يصير مقلّدا و يصحّ له قصد التقرب و لا يمكن له العمل الّا بقصد التقرّب، لانّ العمل العبادى، محتاج الى قصد التقرّب، فالعمل متوقف على العلم و العلم على الفرض، متوقف على العمل.

و فيه انّه بعد فرض كون التقليد نفس العمل، يكون معناه، ان المقلّد يصير مقلّدا بالعمل و لا ينافي ذلك، ان انطباق العمل على وفق فتوى المجتهد، يكون موقوفا على العلم بفتواه، فهو إذا صار في مقام اتيان الصلاة مثلا و هي عبادة، فمتى لم يصلّ على طبق فتوى المفتى، لا يقال بأنه قلّد المجتهد في الصلاة، بل إذا صلّى يقال انه قلّده في صلاته، لانه جعل عمله الصلاتي على طبق فتواه و هذا لا ينافي مع لزوم العلم بفتوى المجتهد قبل اتيان الصلاة حتى يعمل على طبق فتواه فالعمل يتوقف على العلم بفتوى المجتهد و انّ الصلاة عبادة، لا يسقط امرها الّا بقصد القربة و ليس هذا العلم موقوفا على العمل، حتى يصير دورا و ان كانت حقيقة التقليد لا تحصل الّا بالعمل و هو في المثال تحصل باتيان الصلاة، هذا كله في حقيقة التقليد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 65

و هل

يجب تقليد شخص معيّن، بمعنى وجوب تطبيق العمل على فتوى مجتهد خاصّ، أو لا يجب ذلك.

اعلم انّ المجتهد تارة يكون منحصرا في شخص واحد فالمقلد، يأخذ عنه الفتوى و يعمل على طبقه و هو معين عنده.

و تارة يكون متعددا و في هذا الفرض، مرة يكون المجتهدان او أكثر متفقين في الفتوى.

و اخرى مختلفين في الفتوى، امّا فيما كانا مختلفين في الفتوى فبناء على التخيير بينهما عقلا و عدم تساقطهما عن الحجية كما يأتى إن شاء اللّه و ان لم نقل بالتخيير الشرعى، فلا بدّ من تعين واحد منهما، لانّهما ان كانا متساويين في العلم فكلهما طريقان و ان كان احدهما اعلم من الآخر، بناء على تعين تقليده في صورة اختلاف فتواه، مع غير الاعلم، فلا بدّ أيضا من تعيينه، لانه على الفرض، يكون الاختلاف بين الطريقين او أكثر، لا بدّ من انطباق عمله على واحد من الطريقين، فلا بدّ من تعيينه و العلم بفتواه و تقليده، اى جعل عمله على طبق فتواه.

و امّا فيما كانا متفقين في الفتوى، سواء كان أعلم بينهما او كانا متساويين في العلم، لا يجب تعيين خصوص احدهما و لا يجب تقليد خصوص الاعلم من بينهما، لعلمه باتفاق فتواهما، بل مجرد علمه بفتواهما و انطباق عمله على ذلك، كفى في صدق التقليد، فيمكن له انطباق عمله على كل منهما، فيقال انّه قلدهما، كما انّه يمكن له تعيين شخص خاص منهما، بحيث يشير إليه، كما انّه له تعيين واحد خارجى منهما و لو لم يشربه لا الفرد المردد، لانّه بكل من الانحاء الثلاثة يتحقّق التقليد، لانطباق عمله مع فتوى المجتهد.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 66

[مسئلة 9: الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة

9: الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت و لا يجوز تقليد الميّت ابتداء.

(1)

. أقول: يقع الكلام في مقامين:

المقام الاوّل: في جواز البقاء على تقليد الميّت و عدمه.

المقام الثاني: في جواز تقليد الميّت ابتداء و عدمه.

اما الكلام في المقام الاوّل، [جواز البقاء على تقليد الميّت]
اشارة

فنقول هل يجوز البقاء على تقليد الميّت مطلقا، أولا يجوز مطلقا او التفصيل بين ما عمل في زمان حياة المجتهد بفتواه، فيجوز البقاء و بين ما لم يعمل لا يجوز او التفصيل بين ما تعلّم من فتواه فيجوز البقاء فيه و لو لم يعمل به بعد و بين ما لم يتعلّم في زمان حياته، فلا يجوز، كلّ محتمل، بل ذهب إلى كلّ، بعض من الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

اعلم انّه على ما عرفت في المسألة الاولى انّ الدّليل على وجوب التقليد و جواز الاكتفاء به إن كان حكم العقل بوجوب رجوع الجاهل الى العالم و كونه طريقا الى احكام المولى نقول بأنّه تارة يكون فتوى المتهجّد الميّت موافقا مع فتوى المجتهد الحىّ و تارة يكون مخالفا.

امّا فيما كانا موافقين في الفتوى، فلا ينبغى الأشكال في كون كل منهما طريقا و لا فرق في نظر العقل في حجّية رأى كل منهما و لا يفرّق العقل، بين الحىّ و الميت، في جواز الرجوع او لزومه، الّا أن يدّعى قيام اجماع او دليل آخر، على عدم جواز البقاء، حتى في صورة توافق فتوى الحىّ مع الميت و لم أجد دليلا و لا اجماعا عليه.

و ما استدلّ به من الآيات او الأخبار على جواز التقليد أو وجوبه على تقدير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 67

دلالتهما و فرض كونهما في مقام حكم تأسيسى، لا يستفاد منهما جاز البقاء.

نعم بناء على دلالة

التوقيع الشريف كما قلنا، ربّما يقال انّه يدلّ على جواز البقاء، لانّ مقتضاه كون المجتهد، حجّة من قبل الحجّة و لا فرق بين حياته و مماته.

و لكن بعد كون الارجاع فيه الى من يرجع إليه في الحوادث، فمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون النظر الى من يمكن الارجاع إليه في الحوادث الواقعة، فشموله لصورة البقاء غير معلوم.

و اما فيما كان مخالفين في الفتوى، له فرضان:

الفرض الاوّل: تساوى الميت و الحى في العلم و غيره،

ممّا يمكن ان يكون سببا للترجيح كالاورعيّة.

الفرض الثّاني: فرض عدم تساويهما في العلم، بان يكون احدهما اعلم من الآخر، امّا الكلام في هذا الفرض، فيأتى في ذيل البحث إن شاء اللّه.

و اما الفرض الاوّل فيتصوّر اختلافهما على نحوين:

الاوّل: ما يمكن الاخذ باحوط القولين، مثل ما يقول أحدهما، بوجوب التسبيحة مرة في الركوع و عدم وجوب الازيد و يقول الآخر، بوجوبها ثلاث مرّات، فيمكن الجمع بين الفتويين، باتيان ثلاث مرّت.

الثاني: ما لا يمكن الجمع بينهما، مثل ما يقول أحدهما بوجوب صلاة الجمعة و الآخر بحرمتها.

و أعلم أن مورد الكلام فى صورة اختلاف، فتواهما، من حيث سقوطهما عن الحجية و عدمه في هذا القسم فنقول: بأنّه تارة، يقال في صورة اختلاف المجتهدين في الفتوى، بسقوطهما عن الحجية جميعا، كالخبرين المتعارضين على قول.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 68

و تارة لا نقول بسقوطهما عن الحجية، بل يكون المقلّد، مخيرا بين الأخذ بايّهما شاء، فان قلنا بالاوّل، يلزم أن يقال بعدم جواز تقليد كل من المجتهدين، مع اختلافهما في الفتوى، و نلتزم بأنّ مورد التقليد، ليس الّا فيما كان المجتهد واحدا، او فيما كان المجتهدان، او أكثر متّحدين، من حيث الفتوى، فلازمه عدم جواز تقليد الحىّ و الميت كليهما، الّا مع

الالتزام بعدم جواز تقليد الميّت، باجماع او بغيره، فينحصر الطريق إلى المجتهد الحىّ، فيجوز تقليده، لعدم وجود طريق معارض له، في صورة عدم جواز البقاء.

لكن نقول: بانّه و لو لم نقل بالتخيير الشرعى، في مورد تعارضهما في الفتوى، الّا انّه نقول بالتّخيير بينهما عقلا، و هذا لوجهين.

الوجه الاوّل: لزوم كون حكم العقل، برجوع الجاهل الى العالم، او كونه من الفطريات منحصرا، بما كان العالم واحدا، و مع تعدّده لا بدّ ان يكونا متحدى الفتوى، و هو غير تمام، كما ترى في ساير الموارد الّتي لا بدّ من رجوع الجاهل الى العالم، فمن كان له مريض، راجع الى طبيبين، فقال احدها، لا بدّ من أن يشرب المريض الشربة الفلانية، بالكيفية الكذائية و الّا يموت، و قال الآخر لو كان يشرب هذه الشربة يموت، فهل يحكم العقل بطرح قول كلّ منهما، او يحكم بالتخيير بينهما، نعم لو تمكّن من الاحتياط، يحكم العقل بالاحتياط، و هكذا في غيره من موارد رجوع الجاهل الى العالم، و هذا شاهد على عدم كون حكم العقل على تساقطهما عن الحجيّة.

ان قلت كيف تقول في تعارض الخبرين بسقوطهما عن الحجية، بناء على الطريقية بمقتضى القاعدة، مع قطع النظر عما تقتضيه الاخبار.

قلت مضافا الى كون المسألة خلافيّة في تعارض الخبرين، بأنّه ان قلنا بسقوط الخبرين المتعارضين عن الحجية، و لم نقل بالتخيير الشرعى، و لا العقلى،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 69

يمكن للمجتهد الاحتياط، او الرّجوع إلى الاصل، و في موردنا لا يمكن ذلك، لما يأتي إن شاء اللّه في الوجه الثّاني.

الوجه الثّاني: لو سلّم سقوط كلّ من الطريقين المتعارضين عن الحجية، في صورة التعارض، بنظر العقل، لكن حكم العقل، مختص

بما يمكن للشّخص، المشى على طبق سبيل آخر، يوصله الى الواقع، او كان حجّة و عذرا بنظره من الاحتياط، او الأخذ ببعض الاصول، كما يمكن ذلك في الخبرين المتعارضين.

و امّا فيما لا يتمكن من ذلك، فالعقل الّذي يرى، من جانب وجوب حفظ الزامات المولى و عدم جوازه ترك التعرض لها، و جعل نفسه كالبهائم

في هذا الحال، و يرى من جانب عدم امكان حفظ هذه الالزامات بنحو آخر، من الاحتياط او اجراء الاصل، لانّ حجيتهما، تكون فرع جواز الاكتفاء باحدهما، او كليهما باجتهاد او تقليد، و على الفرض في صورة الاختلاف، لا يمكن الاحتياط:

مع انّ تعيّن الاحتياط، في هذا الحال يكون خلاف السيرة المتشرعة، بلا اشكال، حتّى في مورد فرض امكان الاحتياط، بل ادّعى الاجماع على خلافه، من بطلان عمل تارك طريقى التقليد و الاجتهاد، فكيف يتعيّن عليه الاحتياط، مع عدم كونه مجتهدا على الفرض، فيحكم العقل في هذا الحال، بلزوم الأخذ بفتوى احد المجتهدين المخالفين في الفتوى.

فثبت انّ الحق اختيار الشق الثاني، و هو جواز التقليد و الاكتفاء به، بحكم العقل حتّى مع تعارض فتوى المجتهدين، مع فرض تساويهما في العلم، و يأتى الكلام في صوره اعلميّة احدهما، على الآخر.

إذا عرفت ذلك، نعطف عنان الكلام الى ما نحن فيه، و هو جواز البقاء على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 70

تقليد الميّت و عدمه، فنقول بعونه تعالى:

يجوز البقاء على تقليد الميّت، في صورة مساواته في العلم مع الحىّ، سواء كان فتوى الميت، موافقا مع فتوى الحىّ، او مخالفا، و مورده في خصوص المسائل الّتي، عمل بها، حال حياة المجتهد الميّت، لانّه بعد كون التقليد، نفس العمل، فالبقاء لا يصدق الّا مع

العمل، و هذا كان مختارنا:

و في غير ما عمل فى زمان حياته، يكون من التقليد الابتدائى، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

و هل يجب البقاء في صورة تساوى المجتهد الميّت، علما مع الحىّ في المسائل الّتي عمل بها المقلّد حال حياته، او لا يجب ذلك، بل كما يجوز له البقاء يجوز له العدول الى الحىّ؟

قد يقال بوجوب البقاء، فيما كان الاختلاف بين الميت و الحىّ، موجبا للعلم التفصيلى، بمخافة العمل مع الواقع، و لو كان في بعض الوقائع، مثل ما إذا أفتى الميّت بوجوب صلاة الجمعة تعيينا، و الحىّ بوجوب الظهر تعيينا، فلو عدل المقلّد عن الميّت الى الحىّ و يقلّده و يعمل على طبق فتواه، بعد ما قلّد الميّت، حال حياته مدّة و عمل بفتواه، فهو يقطع تفصيلا، بترك واقع المولى في بعض الايام، لانّ الواقع، امّا الظهر و امّا الجمعة، و هو على الفرض، ترك الظهر مدّة، و الجمعة مدّة اخرى، ففي مشل هذه الصورة، يجب البقاء على تقليد الميّت، حتّى فيما كان مساويا في العلم مع الحىّ، نعم فيما كان فتوى الميت عدم وجوب شي ء و فتوى الحىّ وجوب ذاك الشي ء، لا يحصل العلم التفصيلى، او الاجمالى على ترك واقع المولى، لو عدل عن الميت الى الحىّ، او فيما كان الميّت يحتاط بفعل شي ء، و لا يحتاط الحىّ او بالعكس.

و يمكن دفع هذا الإشكال نقضا مرة وحلا اخرى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 71

امّا نقضا بأنّه و ان كان يحصل العلم، في بعض الصور، كما في المثال، لكن ليس هذا المحذور، منحصرا بالمقام، بل يتفق تارة، في تبدّل راى مجتهد واحد، فانّه بعد تبدّل رأيه، لا بدّ من

اتباع رأيه الثّاني، ان كان في مقام تقليده، و قد يتفق العلم بمخافة الواقع، كما لو كان فتواه الاوّل وجوب الظهر معيّنا، ثم تبدّل رايه الى وجوب صلاة الجمعة معيّنا، فكلّما تقول في صورة تبدّل راى مجتهد واحد، من اجزاء أعماله المنطبقة مع رايه الاوّل، او عدم الاجزاء، نقول نحن في صورة اختلاف فتوى المجتهد الميّت مع الحىّ.

و امّا حلا أمّا أوّلا: فلما ادّعى من الاجماع على الاجزاء، و عدم وجوب الاعادة و القضاء بالنسبة الى الاعمال السابقة، المنطبقة على الرّأي السابق، او بعض الوجوه الاخر اقيم على الاجزاء، او التمسّك على عدم وجوب الاعادة ببعض القواعد، مثل حديث لا تعاد، في خصوص الصلاة، بناء على شموله للمورد، و عدم انحصار مورده بالنّسيان، و يأتى تمام الكلام فيه إن شاء اللّه في طى المسألة 43.

و ان كان لقائل ان يقول، بانّ وجه الاجزاء في مورد تبدّل رأى المجتهد، إن كان الاجماع، يمكن عدم تحققه في

المورد الّذي نحن فيه، فلا بدّ من التمسّك بالوجوه الآخر الذي اقيمت على الاجزاء، أو ان يقال في صورة اختلاف، فتوى المجتهد الميت مع الحىّ، امّا بلزوم الأخذ بأحوط القولين، فيما يمكن الاحتياط، او وجوب البقاء على تقليد الميّت، كى لا يحصل العلم بمخالفة الواقع في بعض الصّور.

و امّا ثانيا: فانه لو تمّ الإشكال، كان لازمه بعد العدول الى الحىّ، قضاء ما فات منه، بمقتضى فتوى الحىّ، المعدول إليه، و هذا لا يقتضي عدم جواز العدول، بل يجوز العدول، و ان كان يوجب العدول إتيان قضاء ما اتى، على طبق فتوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 72

الميت، لعدم جواز الاكتفاء به، بمقتضى فتوى الحىّ، نعم لو

بقى على تقليد الميّت، لا يبتلى بذلك فافهم.

ثمّ انّه لو فرض عدم دليل من العقل، او الشرع على جواز البقاء على تقليد الميّت، و تصل النوبة بالأصل، نقول بعونه تعالى:

انّ الأصل الّذي، يمكن ان يتشبث به، على جواز البقاء، هو الاستصحاب، و يمكن تصويره على نحوين:

الاوّل اجرائه في المسألة الاصولية، و الثاني في المسألة الفرعية.

امّا الكلام في اجراء الاستصحاب في المسألة الاصوليّة، فنقول انه يفرض على نحوين.

النّحو لاوّل: ما هو المعروف، من استصحاب حجّية رأى المجتهد الّذي مات، فيقال انّ المجتهد الفلاني، كان رايه حجّة حال حياته، فكذلك حال مماته للاستصحاب.

و اشكل عليه، أولا: بانّ الحجية ليست مجعولة، فليس امر وضعها و رفعها، بيد الشارع، و هذا الإشكال مبنىّ على عدم قابليّة الاحكام الوضعيّة، للجعل الاستقلالى مطلقا، او خصوص الحجّية و امّا بناء على قابليّتها لذلك مطلقا، او خصوص الحجّية، فلا مجال لهذا الإشكال.

و ثانيا: أنّ معنى وجوب متابعة راى المجتهد، ليس جعل الحجّية، بل ما يحكم به العقل او الشرع، ليس الّا وجوب متابعة رأيه بالوجوب التخييرى، لكون التقليد على ما عرفت احد افراد الواجب التخييرى، و ليس اعتباره كسائر الامارات و الطرق، الّا من باب طريقيته الى الواقع، بدون جعل من الشارع بالحجيّة او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 73

الطريقيّة او الوسطيّة في الاثبات، بل ليس مفاد اعتباره، الّا وجوب العمل به، لكونه طريقا الى الواقع، كما عرفت في مبحث الظّن، بل العقل ينتزع من هذا الوجوب، الحجيّة، بمعنى صحّة احتجاج المولى به عند المصادفة و العذر للعبد عند المخالفة، فكما انّ حكم العقل بوجوب الاحتياط تخييرا، ليس معناه جعل الاحتياط حجّة كذلك، في وجوب متابعة رأى المجتهد.

أقول امّا

بناء على ما احتملنا من استفادة جعل الحجّية من قبل الشارع للفقيه بمقتضى التوقيع الشريف فلا يتم هذا الإشكال.

و ثالثا: على فرض كون المجعول الحجيّة، لكن جواز اجراء الاستصحاب مبنى على كون موضوع الحجّية، نفس حدوث الرّأي من المجتهد، فيقال انّ الرأى و الفتوى، صدر منه و حدث من قبله، و هو كان حجة فتستصحب الحجية الحادثة.

امّا ان كان موضوع الحجّية مقوّما بالرّأي حدوثا و بقاء، بحيث كان موضوعها، في كل آن، بقاء الرّأي، فلا مجال لاستصحابها، لعدم وجود رأى مع موت المجتهد.

و الحقّ هو الثّاني، لانّ العقل الحاكم، بحجّية الرأى، يحكم بها مع وجود الرّأى و بقائه، لا بمجرد حدوثه و لهذا لو كان المجتهد حيّا و تبدّل رأيه، لا يحكم العقل بحجّية رأيه الاول، بل يحكم بحجّية رأيه الثاني، فلا مجال لاستصحاب حجّية الرأى.

ان قلت انّ المجتهد و ان مات لكن رأيه باق، لعدم ارتفاع رأيه بموته.

قلت لو سلّم بقاء الرأى ببقاء النفس، فيكون الموضوع باق بالدقة العقلية لكن بعد ما كان موضوع الاستصحاب، ما هو موضوع بنظر العرف، كما مضى في الاصول، و العرف يرى ارتفاع الرأى بموت المجتهد، و عدم بقاء الموضوع بنظره، فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 74

مجال للاستصحاب.

و قد تصدّى بعض اعاظم معاصرينا في شرحه «1» على العروة، لدفع الإشكال الثّالث، بعد بيان الإشكال و تنظيره بصورة تبدّل راى المجتهد، او اختلال بعض الشرائط المعتبرة فيه، كالعدالة مثلا فكما لا يجوز البقاء في الموردين، فكذلك في صورة موت المجتهد، بانّ عدم جواز البقاء في مورد تبدّل الرأى، يكون من باب انّ الحجّية مشروطة، بعدم كشف الخلاف، و مع تبدل الرأى انكشف الخلاف، لا لكون

بقاء الرّأى معتبرا، كما في رجوع الشاهد عن شهادته، فسقوط حجّية الشهادة، ليس من باب اعتبار بقاء الشهادة، بل من باب ظهور خطاء الشّاهد، فكما انّ كشف الخلاف مضرّ، في تبدّل الرّأى او عدول الشاهد عن شهادته، كذلك ما يضرّ في الحجّية هو كشف الخلاف، و مع الموت لا ينكشف الخطاء و الخلاف، فموضوع الحجّية و هو حدوث الرّأى، موجود بعد الموت، فيستصحب الحجّية بعد الموت.

و اما فيما اختل بعض شرائط المفتى، فعدم الجواز، يكون للاجماع، فلا وجه للتعدّي إلى غير مورده.

أقول امّا انّ المعتبر في حجّية الرّأى و وجوب اتباعه، يكون نفس حدوث الرّأى و لو لم يبق بعده، فهو ممّا لا يمكن الالتزام به، لانّ الحجّية تتبع الرّأى و مع عدمه، لا معنى لحجّيته بحكم العقل،

و اما انّ الميزان في حجّية رأى المجتهد، عدم ظهور الخلاف بمعنى حجيّته بمجرد الحدوث، بشرط عدم انكشاف خلافه، او انّ لميزان بقاء الرّأى، لا مجرّد حدوثه، بشرط عدم كشف الخلاف، و لازم الاحتمال الاوّل، هو أنّه مع الشّك في بقاء الرّأى،

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 16.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 75

و عدمه، يكون الرّأى الحادث قبلا حجّة حال الشك، و لازم الاحتمال الثّاني، هو انّه مع الشّك، في بقاء الرّأى، ليس الرّأى المشكوك بقاء حجّة.

نقول بانّه بعد المراجعة، نرى أنّ العقل يحكم بحجّية رأى المجتهد، فلا بدّ من وجود الرّأى، و بعبارة اخرى في كلّ واقعة من الوقائع المبتلى بها، أوجب العقل، على من يكون مكلّفا، بوجوب اتباع حكم الشارع فيها، امّا بالاجتهاد او الاحتياط، او التقليد، بالوجوب التخييرى، و مع عدم التّمكن من الاوّلين، يحكم بوجوب اتباع رأى المجتهد تعيينا، فمن المعلوم،

انّه لا بدّ من وجود الرأى للمجتهد، حتّى يحكم العقل باتباعه، نعم مع حدوث الرّأي منه سابقا على شي ء، لو كنت ترى بانّ العقل، يحكم بمتابعة هذا الرّأى الصّادر منه سابقا، فليس هذا من باب، انّ مجرد حدوث الرّأي السابق، حجّة فعلا من باب عدم ثبوت كشف الخلاف، بل يكون من باب البناء على بقاء رأيه، ما لم ينكشف الخلاف فتدور الحجّية، مدار وجود الرّأى الفعلى حين العمل، فعلى هذا لا يفيد استصحاب الرّأى السّابق،

و قياس المورد بحجّية شهادة الشاهد، و انّ مجرد حدوثه يكفى في حجّية شهادته، فقياس مع الفارق:

امّا أولا: فلانّه لو فرضا، انّ مجرد حدوث الشهادة، كاف في الحجّية، فلعلّه كان من باب الدليل، الدّال على كفاية حدوث الشهادة في حجيّتها، في مورد القضاء و حكم الحاكم على طبقها، فلا وجه للتعدّي بغير موردها:

و امّا ثانيا: انّ الامر في الشهادة أيضا، ليس كما ذكره، من انّ مجرد حدوث الشهادة سببا لحجّيتها، بل لو تأمّلت فيها، ترى ان موجبية حدوث الشهادة للحجية، ليس من باب انّ حدوثها سببا لحجّيتها، و لو لم تبق بعد الحدوث، بل حدوث الشهادة عند الحاكم على موضوع، يوجب حكم الحاكم على طبقها، من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 76

باب شهادته، شهادته موجبة لحجّية قوله عند الحاكم و ترتّب الاثر عليه، فاخباره بواقعية أمر، حين الترافع، يوجب الحكم على طبقه و حجّية شهادته، نعم لو كشف الخلاف، بان رجع الشاهد عن شهادته قبل الحكم، او بعده، فله بعض احكام مذكور في باب القضاء و الشهادات، و الحاصل انّ الشهادة توجب الحكم و حجّيتها، متى شهد الشاهد، من باب إخبار الشاهد، على واقعيه امر، حين الشهاد،

بلا توقّف على كشف الخلاف او عدمه، و بعد كشف الخلاف، يكون محكوما بحكم آخر، هذا فانقدح من كل ذلك، عدم مجال لاجراء الاستصحاب.

ان قلت انّه و ان لم يكن حدوث الرّأى بنفسه، كافيا لتعلّق الحجّية به، بقاء، لكن بعد حدوث الرّأى، يمكن اثبات بقائه بالاستصحاب، فيقال بعد حدوث الرّأى على وجوب السورة يقينا، نشكّ في تبدّل الرّأى على وجوبها، فببركة، الاستصحاب، يحكم ببقاء الرأى و بعد بقاء الرّأى التنزيلى ببركته، تتبعه الحجّية، لبقاء الرّأى بحكم الاستصحاب، فيتحقق موضوع الحجّية.

قلت ليست الحجّية الثابتة اثرا شرعيا، لانها كما عرفت، تكون حكم العقل مستقلا او من وجوب متابعة الرّأى، ينتزع العقل منه الحجّية، ففي كلّ من الفرضين، ليست اثرا شرعيا، فالاستصحاب يكون مثبتا.

النحو الثّاني: اجراء الاستصحاب في نفس الحجّية، بان يقال بانّ المستفاد من التوقيع الشريف، الذي نقلناه في شرح المسألة الاولى، هو انّ العلماء، و بعبارة الحديث، رواة حديثهم، حجّة من قبل الحجّة عجل اللّه تعالى فرجه الشريف، لجعله عليه السّلام هذا المنصب لهم، بمقتضى قوله روحى فداه و عليه الصلاة و السلام «فانّهم حجّتي عليكم» و لا بدّ في الوقائع و الحوادث من الرجوع إليهم، و هذا اثر جعلهم، حجّة من ناحيته الشريفة، فيقال إذا كان الفقيه، حجّة حال حياته من قبله عليه السّلام،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 77

و شككنا بعد موته في بقاء حجّيته، نحكم ببقائها، بمقتضى الاستصحاب و نترتب عليها اثرها، من وجوب الرّجوع الى فتواه في الحوادث الواقعة.

ان قلت على هذا يجوز تقليد الميّت ابتداء أيضا، لانّ المستفاد من التوقيع الشريف ارجاع الواقعة الى الفقهاء، فلو كان للمجتهد الميّت احكاما، في وقائع، و مات و صار بعد موته

مورد ابتلاء بعض المكلفين، يجب الرّجوع إليه، و مع الرّجوع، يصدق انّه رجع الى من كان راويا لحديثهم.

قلت امّا أوّلا، فكما اشرنا سابقا، لا اطلاق لحديث، يشتمل التقليد ابتداء، بل تناسب الحكم و الموضوع، يقتضي اختصاصه بالمجتهد الحىّ، لانّ قوله عليه السّلام «و اما الحادث الواقعة فارجعوا الى رواة حديثنا الخ»، يكون مورده، ما يمكن الرّجوع الى رواة الحديث، و ليس يمكن ذلك، مع فرض موت المجتهد، فلا يشمل التّقليد الابتدائى، بل البقاء أيضا.

ان قلت انّ الرجوع الى فتواه يعدّ رجوعا إليه.

قلت ظاهر الحديث، الأمر بالرّجوع إليه، و عدّ الرّجوع الى فتواه، رجوعا إليه، أوّل الكلام.

و ثانيا لو ابيت عن ذلك كلها و قلت بان الحديث مطلق، يشمل التقليد الميّت ابتداء، نقول بعد الاجماع على عدم جواز تقليد الميت ابتداء كما يأتي إن شاء اللّه، لا بدّ من تقيده و لا يمكن الأخذ بإطلاقه.

ثمّ انّه لو تمّ هذا الوجه، يكون دليلا لفظيّا، على فرض اطلاقه، يشمل صورة البقاء على تقليد الميت، و ان لم يتمّ إطلاقه و شككنا بعد موته، في حجّيته، يستصحب حجّيته و يكون على هذا اصلا عمليّا، و تكون النتيجة و الثمرة اعتبار فتواه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 78

و العمل برأيه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 78

هذا كلّه فيما ينبغي أن يقال بالنسبة الى اجراء الاصل في المسألة الاصوليّة.

و امّا الكلام في اجراء الاستصحاب في المسألة الفرعيّة، فنقول أنّه يتصوّر على نحوين.

النّحو الاوّل: اجراء الاستصحاب، بالنسبة الى الحكم الواقعى الثابت بقول المجتهد، في زمان حياته،

فيقال مثلا، كانت السورة واجبة سابقا في الصّلاة لفتوى المجتهد الذي مات فعلا، فيستصحب فعلا، وجوبها الواقعى بعد حياته.

و يجاب عن هذا الاستصحاب، بانّ المعتبر فيه اليقين السّابق و الشّك اللاحق، و ليس اليقين الوجدانى حاصلا، بوجود الحكم الواقعى في السابق فيما نحن فيه، حتّى يستصحب، لعدم اليقين الوجدانى، بحدوث الحكم الواقعى.

نعم ما تحقق بسبب رأيه، هو اليقين التنزيلى، لتنزيل مؤدّى الرّأى، بدليل حجّيته، منزلة الواقع، فيكون اليقين بثبوت الحكم، من الوجوب او غيره تنزيلا، و هذا معنى الوجوب الظاهري، و هو النّحو الثاني من الاستصحاب، في المسألة الفرعيّة يأتي ذكره إن شاء اللّه، كما انّه مع عدم اليقين الوجدانى سابقا بالحكم، و عدم تحقّق احد ركنى الاستصحاب، لا يكون ركنه الآخر، و هو الشّك في البقاء موجودا، لانّه لو ثبت وجود الحكم الواقعى في السابق فهو باق قطعا، و لا حاجة الى الاستصحاب لعدم الشّك في بقائه، و لو لم يعلم بثبوته سابقا، فلا معنى للشك في البقاء لان البقاء فرع الثبوت.

النحو الثاني: هو استصحاب الحكم الظاهرى، فيقال ان السّورة كانت واجبة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 79

في الصلاة سابقا، في زمان حياة المجتهد، فكذلك حال مماته ببركة الاستصحاب.

و ما يمكن ان يقال ايرادا على هذا الاستصحاب، هو انّ الحكم الثابت من الوجوب او غيره، على موضوع حال حياة المجتهد، كان من باب حجّية رأيه حال حياته، و هذه الحجّية مشكوكة حال مماته، فالحكم المستتبع له مشكوك أيضا، و قد عرفت عدم امكان اثبات حجّية الرّأى بالاستصحاب، عند التعرّض، للنّحو الاوّل من نحوين، من اجراء الاستصحاب في المسألة الاصوليّة، فيكون المورد من قبيل استصحاب القسم الثّالث، من اقسام استصحاب الكلى، و

لا مجال على التحقيق للاستصحاب فيه.

و فيه انّ هذا الاشكال يرد، ان كانت حجّية الرّأى من قبيل الواسطة في العروض، للوجوب او غيره من الاحكام، لا من قبيل الواسطة في الثبوت، فان كان بنحو الاوّل و كانت الحيثيّة التقييدية، فيدور الحكم حدوثا و بقاء. مدار وجود الرّأى، و مع الشّك في وجود الرّأي، لا مجال لاستصحاب الحكم.

و امّا إن كان بنحو الثّاني، و الحيثيّة كانت تعليلية، فمع الشّك في بقاء حجيّة الرّأى، يمكن استصحاب الحكم، و من القريب، بل المسلّم، كون الرّأى من قبيل الثاني، بمعنى كونه واسطة في الثبوت، فلا مجال للاشكال في استصحاب الحكم الظاهرى، فتلخص من كلّ ذلك، صحة استصحاب الحكم الظاهرى، المستتبع لرأى المجتهد حال حياته.

هذا تمام الكلام، في جواز البقاء على تقليد الميت و عدمه، في صورة تساوى الميّت مع الحىّ في العلم و قد عرفت جواز البقاء في الجملة على تقليد الميّت.

و امّا مورده هل هو خصوص، ما عمل به حال حياة المجتهد او اعم منه، نذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 80

إن شاء اللّه قريبا.

و امّا مع عدم تساويهما في العلم يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى؟.

ثمّ انّ هنا كلاما في انّ مورد جواز البقاء، يكون خصوص ما عمل به من المسائل، حال حياة المجتهد، او يكون اعم منه و مما اخذ منه حال حياته و لو لم يعمل به بعد، او يكون اعم منه و من كل فتاويه و لو لم يأخذ منه، حال حياته احتمالات.

قد يتوهم ان جواز البقاء و عدمه يدور مدار، ما يقال في معنى التقليد فباختلاف المبانى في التقليد، يختلف الحكم بالجواز مثلا على القول بكون التقليد نفس

العمل، يجوز البقاء مع العمل في زمان حياته و الا فلا، و ان كان معناه نفس الاخذ يكفى في جواز البقاء، اخذ المسألة من المفتى و لكن هذا توهم فاسد، لعدم كون لفظ التقليد واردا في آية او رواية، حتى ندور حوله، بل ملاحظة الأدلّة الدالة على جواز البقاء و مقدار دلالتها على ذلك هى الملاك.

فنقول ان كان الدليل على جواز البقاء حكم العقل، فهو و ان كان لا يفرّق بين هذه الصّور، و لهذا لو لم يكن اجماع قائما، على عدم جواز التقليد ابتداء، كان المحكّم بحكم العقل جوازه، لكن بعد كون التوقيع الشريف رادعا عنه، في غير ما رجع في الحوادث الواقعة الى المجتهد و أخذ منه، حكم الواقعة، فيكون مورد البقاء صورة اخذ الحكم من المجتهد و لو لم يعمل به حال حياته.

و اما ان كان الدليل بعض الآيات و الأخبار، فنقول اما غير التوقيع الشريف، فكما قلنا في الاجتهاد و التقليد في الاصول، لا اطلاق له يشمل حال الممات بل هو ساكت عن ذلك، نعم يشمل البقاء فإذا رجع الى المنذر، او الى اهل الذكر حال حياته، يحصل ما هو المحقّق للرجوع بهما، فلا مانع من كون العمل بعد وفاتهما، فيجوز بمجرد الرّجوع حال حياتهما إليهما البقاء على رايهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 81

و اما التّوقيع الشريف، فهو كما قلنا في شرح المسألة الاولى، يكون في مقام بيان الحكم الوضعى التأسيسي و هو جعل الحجّية للفقيه و اثره وجوب الرّجوع، في الحوادث الواقعة إليه و كما قلنا، يشكل شموله للتقليد الابتدائى و كذا صورة البقاء على تقليد الميّت، و على فرض شموله لصورة البقاء، يستفاد منه جواز

البقاء على تقليد الفقيه الميّت، فيما رجع إليه و قد

يتوهم ان الرجوع يكون للعمل، فالمتيقّن منه صورة تحقّق العمل في الحادثة، فشموله بغير صورة العمل به حال حياته، غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم.

و فيه انّ مناسبة الحكم و الموضوع، يقتضي كون المجعول حجّة من قبل الحجّة روحى فداه من كان قابلا للرجوع إليه و من اجل هذا لا يشمل التقليد الابتدائى، لكن كل من يقبل للرجوع إليه، سواء كان حال عمل المراجع به، حيّا او ميتا فهو حجّة فلهذا يجوز البقاء على فتواه لكل من راجع إليه حال حياته و أخذ منه الفتوى سواء كان عمل به حال حياته أو لا.

و اما ان كان الدّليل الاستصحاب، فتارة يكون استصحاب، حجّية الرّأي فلا فرق بين العمل، حال حياة الميّت و عدمه، و لا بين اخذ الفتوى منه، في زمان حياته و عدمه، لانه بمجرد كون المكلف في زمان حياته، كان فتوى المجتهد حجّة فعلية له، فتستصحب الحجّية، فلا فرق بين العمل به و عدمه.

و اما بناء على استصحاب نفس الحجّية الوضعية، المستفادة من التوقيع الشريف، فأيضا، يجوز البقاء بمجرد كونه مكلفا، حال حياته و رجع إليه بأخذ الفتوى منه، لان المجتهد صار حجة له، بجعل الحجّة عليه السّلام فيجوز البقاء له بكل ما رجع إليه و اخذ منه، سواء عمل به او لم يعمل به حال حياته.

و اما بناء على استصحاب الحكم الفرعى، ففي كلا نحويه من استصحاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 82

الحكم الواقعى، على فرض جريانه و من استصحاب الظاهرى ففى ما عمل فى زمان حياته يبقى الحكم بالاستصحاب التنجيزى، و فيما لم يعمل به، حال حياته،

يكون من الاستصحاب التعليقى، و كما قلنا، بناء على كون التقليد نفس العمل، او كون العمل دخيلا فيه، لا يفيد الاستصحاب التعليقى، لكونه من التقليد الابتدائى عن الميّت و هو غير جائز للاجماع.

مضافا الى انه في الحكم الجزئي، يمكن الإشكال في صحة الاستصحاب التعليقى، لعدم حالة سابقة له، حتّى تعليقا مثلا، ان كان بعد وفات المجتهد، اهدى إليه هدية، فمعنى الاستصحاب التعليقى، أن يقال ان هذه الهدية، لو اهدى إليّ حال حياة الميت، كان الواجب فيه الخمس، فكذا في هذا الحال، اى حال موته، فحيث انّ المعتبر في الاستصحاب، وجود الموضوع في السابق، حتّى يثبت له الحكم، و هذه الهدية لم تكن موجودة حال حياته، لا مجال للاستصحاب.

فتلخّص ان التقليد لو كان نفس العمل، يجوز البقاء على تقليد الميت، في خصوص ما عمله، فيما كان الميّت، مساويا مع الحىّ في العلم

و كذا لو كان التقليد، الالتزام مع العمل، فأيضا يجوز البقاء فيما التزم و عمل به حال حياته، و اما ان كان التقليد، الالتزام فمع تحقّقه، يجوز البقاء و لو لم يعمل به و ليس على هذا الاحتمال، من التقليد الابتدائى، لانّه صار بالالتزام مقلّدا، فيكون الرجوع إليه، بعد موته بقاء على تقليده.

الفرض الثّاني: ما إذا اختلفا في العلم،

«و أما اختلافهما من حيث الورع فيأتي في المسألة 33 عدم حجّيته»، فنقول، بناء على وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او في خصوص العلم باختلاف الاعلم مع غيره، او في صورة العلم او الشّك في اختلافهما في الفتوى، يكون مقتضى القاعد، الرجوع الى الاعلم، في كل مورد يحجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 83

الرّجوع تعيينا إليه.

فان كان الميت اعلما، يجب البقاء، في مورد تعيين تقليد الاعلم، و ان

كان الحىّ اعلما، يجب الرجوع إليه في مورد وجوب الرجوع إليه تعيينا.

و اما بناء على عدم وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او وجوبه في خصوص صورة العلم، باختلاف فتوى الاعلم مع غيره، او بوجوبه حتّى في صورة الشّك في اختلاف فتواهما، فلا يجب اختيار تقليد خصوص الاعلم، في مورد لا يتعيّن تقليده، سواء كان الميّت اعلما او الحىّ اعلما، بل يتخير بين البقاء على تقليد الميّت و بين الرجوع الى الحىّ.

هذا تمام الكلم في المقام الاوّل: و هو مسئلة جواز البقاء على تقليد الميت و عدمه.

المقام الثّاني: هل يجوز تقليد الميّت ابتداء، او لا،

أقول، ان كان الوجه في جواز التقليد و جواز البقاء حكم العقل و بناء العقلاء، فالانصاف عدم الفرق بين البقاء، على تقليد الميت و بين تقليده ابتداء.

و لكن بعد دعوى الاجماع، بل التسالم بين اصحابنا، على عدم جواز تقليد الميّت ابتداء، كما يظهر للمراجع في كلماتهم، غير بعض الاخباريين، نقول بانه لا يمكن القول، بجواز التقليد ابتداء فافهم.

***

[مسئلة 10: إذا عدل من الميت الى الحىّ لا يجوز له العدول الى الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: إذا عدل من الميت الى الحىّ لا يجوز له

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 84

العدول الى الميّت.

(1)

أقول: امّا إذا كان المعدول إليه اعلم، من الميت المعدول عنه، فلا يجوز العدول منه الى الميت مطلقا، او في ما يعلم باختلاف فتواهما، او يشك في اختلاف فتواهما، او في خصوص ما يعلم باختلاف فتواهما، على الكلام في وجوب تقليد الاعلم.

و اما مع تساويهما، و كذا فيما يكون الحىّ اعلم و لكن يعلم بعدم اختلافهما في الفتوى، و ان كان العدول من الحىّ، بمقتضى القاعدة جائزا، لعدم فرق في نظر العقل، فى جواز الرجوع بين الميت و الحىّ كما عرفت، لكن بعد الاجماع على عدم جواز تقليد الميت ابتداء، و كون العدول من الحىّ الى الميت من التقليد الابتدائى، فلا يجوز العدول من الحىّ الى الميّت، حتى في هذه الصورة.

***

[مسئلة 11: لا يجوز العدول عن الحىّ الى الحىّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يجوز العدول عن الحىّ الى الحىّ الا إذا كان الثاني اعلم.

(2)

أقول: اما فيما كان الثّاني: اعلم، يجب العدول مطلقا، او فيما يعلم باختلاف فتواهما، او فيما اذا كان شاكا في اختلاف فتواهما، او في خصوص ما يعلم باختلاف فتواهما، على الكلام الذي يأتي إن شاء اللّه في المسألة 12.

ان قلنا في كل من الفروض الثلاثة، بانّ تقليد الاعلم، يكون على سبيل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 85

الوجوب او الاحتياط، لا مجرد الجواز، كما ترى ان نفس المؤلّف رحمه اللّه يصرّح في المسألة 12، بتقليد الاعلم على سبيل الاحتياط الوجوبى، فإفتاؤه هنا، بجواز الرّجوع، ان كان الثّاني اعلم، لا وجه له و مناف لما يختاره في المسألة 12.

و اما مع تساويهما في العلم

و عدم اختلاف بينهما في الفتوى، يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه، بعد التّكلم عن صورة اختلافهما في الفتوى، و مثل هذا الفرض من حيث الحكم ما اذا كان الثّاني اعلم و لم يختلفا في الفتوى، و كذلك ما إذا كان الثّاني اعلم و لم نجب تقليد الاعلم، و ان كانا مختلفى الفتوى.

و اما مع تساويهما مع العلم باختلافهما في الفتوى، و كذا ما إذا التزمنا بعدم وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او في بعض الصور مع العلم باختلافهما في الفتوى، لا وجه لعدم جواز العدول عن الحىّ الى الحىّ، الّا بعض الأمور.

الأمر الاوّل دعوى الاجماع، على عدم جواز العدول، كما حكى عن جماعة و ان تمّ يكفى وجها، لعدم جواز العدول، و لكن الإشكال في تحقق هذا الاجماع.

الثّاني: انّ المورد من قبيل الدوران بين التعين و التخير، للعلم بحجية فتوى المعدول عنه تعيينا، امّا من باب أنّ الواجب البقاء على تقليده معيّنا، و امّا من باب كونه احد فردى الواجب التخييرى، لانّه على فرض جواز العدول، لا اشكال في جواز البقاء و عدم العدول، من الاوّل الى الثانى، فحجيته متيقنة و حجّية المعدول إليه مشكوكة، و العقل يحكم بالاخذ بالمتيقن، و السر في ذلك، أنه بعد العلم الاجمالى بالاحكام، و استقلال العقل، بلزوم امتثالها باتيانها، او تركها، حتّى يحصل الا من من العقوبة، فلو اقتصر المكلف في مقام الامتثال، على ما يقطع بطريقيته و بحجّيته، و هو تقليد من قلّده أو لا يقطع بالامن عن العقوبة و لكن لو عدل الى غيره، حيث لا يقطع بحجّية رأيه، لا يكون مع الاخذ به، مأمونا عن العقوبة، فالمتيقن، البقاء على تقليد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 86

قلّده، و عدم العدول الى غيره.

و فيه انّه لو فرض حكم العقل بالأخذ، بالمعين، في دوران الأمر بين التعيين و التخيير و قلنا به، نقول بانّ المورد ليس من مصاديقه، لانّه بعد ما كان العقل حاكما بالرجوع الى العالم، بلا فرق في نظره، بين الميّت و الحىّ، بحيث لو لم يمنع الاجماع و التسالم، على عدم جواز تقليد الميّت ابتداء، لقلنا به، بحكم العقل، فليس الدّوران بين التعين و التخيير، لانه كما يحكم العقل بمؤمنيّة المعدول عنه، يحكم بمؤمنيّة المعدول إليه.

الثالث: استصحاب الحجّية التعينية، الثابتة لمن قلّده.

و فيه اما أوّلا: فمع حكم العقل، لا تصل النّوبة بالاستصحاب.

و أما ثانيا: فانه حيث كان المقلّد، قبل الرّجوع مخيّرا بين الرجوع، الى ايّهما شاء، فلا تكون حجّيته التعينية، متيقّنة في السابق، حتى يستصحب، نعم ان كان حين تقليد الاوّل، من يجوز تقليده منحصرا به، ثمّ بعد ذلك، وجد غيره، ممن يجوز تقليده، يكون للاستصحاب الحجّية التعينية، مجال لتعين تقليده سابقا.

و أما ثالثا: فبانّه حيث كان قبل الرجوع، الى واحد منهما، مخيرا بين الرجوع الى ايهما شاء، فيستصحب هذا التخيير، لكن هذا الإشكال غير وارد.

اما أولا لان استصحاب التخيير، يكون من الاستصحاب التعليقى، لان مفاده، انّه حيث كان قبل الرجوع مخيّرا، و له أن يرجع الى ايّهما شاء، فكذا في الحال، و لا يعارض الاستصحاب التعليقى، الاستصحاب التنجيزى، و هو استصحاب الحجّية، الفعليّة، بالنّسبة الى من قلّده، اعنى المعدول عنه.

و امّا ثانيا فبان التخيير، قبل الرّجوع الى واحد منهما، ثبت بحكم العقل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 87

و العقل في الحال، اما يحكم بالتخيير بعد الرجوع الى واحد منهما و تقليده، فلا

حاجة الى الاستصحاب، و لا تصل النّوبة به، و امّا لا يحكم فعلا بالتخيير، فلا مجال لاستصحاب التخيير الثابت سابقا، بحكم العقل، لما قلنا في لاستصحاب، من عدم جريان استصحاب حكم العقل، كما اختاره الشيخ رحمه اللّه في الرسائل.

الرّابع: ان العدول، مستلزم للعلم التفصيلى، بمخالفة الواقع في بعض الصّور، مثلا، إذا افتى المعدول عنه بوجوب القصر في مورد، و المعدول إليه افتى بوجوب التمام فيه، فبعد العمل بفتوى كل منهما، من القصر في مدة، على طبق تقليد المعدول عنه، و الاتمام في مدّة الرّجوع الى المعدول إليه في المورد الواحد، يقطع تفصيلا بمخالفته، لما هو الواقع، لانّ الواقع، اما يكون وجوب القصر معيّا، او التمام معيّنا، فيعلم بتركه الواقع تفصيلا في مدّة.

و فيه انّ هذا الإشكال، جار في تبدّل راى مجتهد واحد أيضا، فلو لم نقل بالاجماع، على كفاية ما اتى به، على طبق قول المجتهد الاوّل، و لا يكون في البين ما يقتضي ترتيب اثر الصّحة، على ما أتى به، مثل لا تعاد، نلتزم بوجوب الاعادة، او القضاء و هذا لا يستلزم، عدم جواز العدول، بل يجوز العدول و إن كان العدول، سببا لوجوب الاعادة او قضاء، ما عمل على خلاف فتوى المعدول إليه.

مضافا الى انّه لو تم هذا الإشكال، يقتضي عدم جواز العدول، في خصوص صورة اختلاف فتوى المجتهد الاوّل، مع الثّاني لا مطلقا.

و أيضا هذا المحظور جار، فيما يكون الثّاني اعلم من الاوّل، و لا انحصار له بصورة تساويهما.

تلخّص ان الثّاني، ان كان اعلم، يجب العدول إليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 88

كما أنّه ان كان الاوّل أعلم لا يجوز العدول منه الى الثاني.

و ان كانا متساويين يجوز العدول.

نعم

مع دعوى الاجماع، على عدم جواز العدول الى الثاني، و لو لم نحصّل هذا الاجماع بعد، نقول بانّ الاحوط عدم جواز العدول.

***

[مسئلة 12: يجب تقليد الاعلم، مع الامكان]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: يجب تقليد الاعلم، مع الامكان على الاحوط.

(1)

أقول: الكلام في المسألة يقع في جهات:

الجهة الاولى: في وجوب تقليد الاعلم و عدمه، و محلّ الكلام في موارد:

المورد الاوّل: صورة اتّفاق الاعلم، مع غير الاعلم في الفتوى.

المورد الثّاني: صورة العلم، باختلافهما في الفتوى و لو اجمالا.

المورد الثّالث: صورة الشّك و عدم العلم باختلافهما في الفتوى.

امّا الكلام في المورد الاوّل: و هو صورة اتفاقهما في الفتوى؛

و يظهر في طىّ التعرض لصورة العلم باختلافهما في الفتوى بعض الكلام فيه، هو عدم وجوب تقليد الاعلم، لانّ ما دل على وجوب التقليد، يدل على حجّية قول طبيعة المجتهد، فيشمل دليل الحجّية كل من الاعلم و غير الاعلم، و ما ذكر وجها لوجوب تقليد الاعلم كما يأتي إن شاء اللّه، على فرض تماميته، لا يشمل صورة توافقهما في الفتوى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 89

فالعمدة التعريض لمورد الثّاني و الثّالث، فنقول بعونه تعالى.

اما الكلام في المورد الثّاني: و هو صورة العلم باختلافهما في الفتوى

و لو اجمالا، فما يمكن ان يستدلّ به، على وجوب تقليد خصوص الاعلم، و عدم جواز تقليد غيره وجوه:

الاوّل: الشّهرة بل الاجماع المدعى، كما عن بعض، بل عدّه من المسلّمات عند الشيعة، كما عن بعض آخر.

الثّاني: أنّ المورد يكون من صغريات، دوران الأمر بين التعيين و التخيير و فيه لا بدّ من الأخذ بالمعيّن بحكم العقل، و لا اشكال في جواز تقليد الاعلم، على كل حال، سواء قلنا بتعينه، او قلنا بان الوظيفة، هى التخيير بين تقليده و بين غير الاعلم، فلا بدّ من تقليد الاعلم، للعلم بكون متابعته، مؤمّنا عن العقوبة، بخلاف غير الاعلم، لعدم العلم بكون متابعته مؤمّنا للعقوبة.

الثّالث: حكم العقل بوجوب تقليد خصوص الاعلم، لا من باب كون الدّوران بين التعيين و التخيير، بل لانّه بعد كون العمدة، في وجه وجوب التقليد عندهم كما عرفت، حكم العقل بوجوب رجوع الجاهل بالعالم، فكما ترى في نظائره يحكم العقل بتعين الرجوع بالاعلم، كذلك في المورد مثلا، ترى إذا كان احد مريض و وقع في كيفية علاجه، الاختلاف بين الطبيب الاعلم و غير الاعلم، يحكم العقل بلزوم الرّجوع الى الاعلم منهما، في المعالجة، فهكذا في محل الكلام، بعد

الاختلاف في الفتوى، بين الاعلم و غيره، يحكم العقل بتعين الرّجوع الى الاعلم.

و قد يتمسّك مضافا الى الوجوه المذكورة، ببعض الروايات، مثل مقبولة عمر بن حنظلة، و اغمضنا عن ذكره، لعدم كونه خاليا عن الإشكال، من حيث التمسّك به لوجوب تقليد الاعلم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 90

هذا كلّه في الوجوه الّتي يمكن أن يستدلّ بها، على وجوب تقليد الاعلم، في فرض اختلاف فتواه مع غير الاعلم.

و امّا ما يمكن ان يستدلّ به، على عدم وجوب تقليد الاعلم، حتّى في صورة العلم باختلاف فتواه مع غيره، وجوه:

الاوّل: دعوى سيره المتشرّعة، من عصر الائمة عليهم الصلاة و السلام، على الأخذ بفتوى العلماء، مع العلم باختلافهم في مرتبة العلم و حتى مع العلم باختلافهم في الفتوى.

الثّاني: شمول اطلاق، ما دل من الآيات و الأخبار، على الرّجوع الى العلماء، و وجوب متابعتهم، مثل آية النّفر و السّؤال، لصورة اختلاف العلماء في الفتوى، و صورة اختلافهم في العلم، و حمله على خصوص، صورة اتّفاقهم في الفتوى، او اتفاقهم في مرتبة العلم، يكون من حمل المطلق على الفرد النادر.

الثّالث: لو كان الواجب، تقليد الاعلم، كان الواجب في صورة حضور الامام عليه السّلام، و امكان الوصول الى جنابه، الرّجوع الى خصوص حضرته، في اخذ الفتوى، لا إلى من يكون فقيها و عالما، ما دونه.

بل في غيبة الامام عليه السّلام، يجب ذلك بالتفقّه و اخذ الحلال و الحرام منه روحى فداه، لا إلى الفقهاء، و الحال انّه لا يمكن الالتزام به، و لا يلتزم به الخصم.

الرّابع: شمول اطلاق، امر بعض المعصومين عليهم السلام، بالارجاع الى بعض الاشخاص، لصورة الاختلاف في الفتوى و الاختلاف في العلمية، لانّ إطلاق الأمر يقتضي

وجوب الرجوع إليه، حتّى فيما يكون اعلم منه، في البين و حتّى في صورة اختلاف فتواه مع غيره الاعلم منه.

الخامس: أنّ تقليد الاعلم، مستلزم للعسر و الحرج الشّديد و هو منتف في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 91

الشرع.

أقول و لا يتمّ وجه من هذه الوجوه:

امّا الوجه الاوّل: ففيه انّ سيرة المتشرّعة، على الاخذ بفتوى غير الاعلم، حتّى في صورة العلم، بمخالفته مع فتوى الاعلم، مع امكان الوصول الى الاعلم، غير ثابت و المقدار الّذي يمكن دعوى السيرة عليه، هو بنائهم على الرّجوع و التقليد من الفقهاء في الجملة.

و امّا الوجه الثّاني: ففيه امّا أولا، فكون آية النّفر في مقام بيان وجوب رجوع الجاهل، بالعالم غير معلوم، لو لم يكن معلوم العدم، فلا ربط لها بالمقام، حتّى يتمسّك بإطلاقها لما نحن فى، بل تكون في مقام، بيان وجوب النّفر و طلب العلم.

و آية السؤال تكون في مقام بيان وجوب السؤال و تحصيل العلم في الجملة، و ليست في مقام بيان المسئول عنه و خصوصياته، حتّى يمكن الأخذ بإطلاقها من هذا الحيث.

و امّا ثانيا: انّ الظّاهر من الآيتين و امثالهما، كونهما في مقام بيان الحكم الارشادى، الى ما يحكم به العقل، من طلب العلم و ازالة الجهل، لا في مقام بيان الحكم المولوى، فعلى هذا تكون في الاطلاق و التقييد، تابعان لحكم العقل، ان قلنا بأنّ العقل، يحكم بتقليد الاعلم، نقول بانّ الآيات و الرّوايات الواردة، في الحث على طلب العلم و السّؤال ارشادا على ذلك، و الّا فلا، بل يجوز الرّجوع، إلى كلّ من الاعلم و غيره.

و امّا ما قاله بعض شرّاح العروة، «مستمسك «1» و تقريرات «2» الخوئى» من انّ

______________________________

(1)

المستمسك، ج 1، ص 26.

(2) التنقيح، ج 1، ص 120- 137.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 92

الآيتين مثل حكم العقل، لا تشملان صورة الاختلاف في الفتوى راسا، لكون قولهما، كالخبرين المتعارضين، فلا يشمل دليل الحجّية، لكليهما في مورد التعارض.

ففيه ما بيّنا في ذليل المسألة التّاسعة، من عدم تماميّة ذلك بالنسبة الى حكم العقل، و ان التزمنا في الخبرين المتعارضين بسقوطهما بمقتضى القاعدة، عن الحجّية راسا، و وجوب الرجوع الى الاصل، فكذلك نقول في الآيات و الروايات المرشدة بحكم العقل، لعدم كونهما، في مقام بيان الحكم المولوى فمدلولهما مدلول حكم العقل.

و امّا ما قيل «1» في هذا الوجه، بانّ حمل الآيتين على صورة تساوى المجتهدين في العلم حمل على المورد النادر.

ففيه انّ هذا مضرّ، إن كان مورد الآيتين خصوص صورة تساويهما في العلم فقط، و امّا مع شمولهما لصورة اختلافهما في العلم أيضا، فليس حمل المطلق على المورد النّادر، لانّ المطلق، له فردان، فرد منه صورة تساويهما في العلم، و فرد منه صورة اختلافهما في العلم، نعم بناء على وجوب تقليد الاعلم، في صورة العلم، باختلاف فتواه مع غير الاعلم، يخرج هذا المورد فقط من احد فردى المطلق، عن تحت الاطلاق، لانّ صورة اختلاف المجتهدين، في العلم، احد فردى المطلق، و لهذا الفرد موردان، احدهما صورة اتفاقهما في الفتوى، مع اختلافهما في العلم، و الثّاني صورة اختلافهما في العلم، و اختلافهما في الفتوى، لم يخرج عن تحت الاطلاق، الّا أحد موردين، من احد فردى المطلق، و بقى تحت اطلاقه، تمام فرد، و مورد من فرده الآخر، و هذا ليس من حمل المطلق، على الفرد النادر.

و امّا وجه الثالث: ففيه انّ الرجوع الى المجتهد،

ليس الّا من باب كونه عالما بالنص و هو قول المعصوم عليه السّلام، او فعله، او تقريره، ففى الحقيقة، يخبر عن جنابه،

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 25.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 93

و ليس قوله في قبال، قول المعصوم عليه السّلام، حتّى يقال، بانّه مع امكان الرجوع الى جنابه يصحّ الرجوع الى غيره، و جعل ذلك دليلا، على عدم وجوب تقليد الاعلم، لانّ نحن الفرقة الناجية الاثنى عشرية، نكون اهل النص، اعنى يكون مبنى فقهنا، ما صدر عن اللّه تعالى بطريق الرسول الكريم في القرآن و حديثه و حديث الصادر من الائمة الاثنا عشر، الّذين هم عدل القرآن العظيم بتصريح النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لسنا كالعامة الّذين تركوا التمسّك باحد الثقلين، و هو العترة الطاهرة و تركوا بتركه التمسّك، بكلّ من الثقلين، لانهما لن يفترقا حتى يردا على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم الحوض إن شاء اللّه، و تشبثوا، بالآراء و الاقيسة و ضلّوا و اضلّوا، و بعد كون المدرك عندنا في الفقه، و فهم الاحكام، من الحلال و الحرام، هو النّص، فمن يكون فقيها، عندنا، يخبر عن القرآن، و الحديث الصّادر ن المعصوم عليه السّلام، و هو قول اللّه تعالى أيضا، كالقرآن، لانّ المعصوم يخبر عن حكم اللّه تعالى، فمن يرجع الى رواة الحديث و الفقهاء حتّى في زمان حضور المعصوم عليه السّلام يرجع إليه، ليخبره عن قوله الشريف، و بعد كون قوله، حاكيا عن قوله عليه السّلام، فلا حاجة إلى أن يرجع في كل مسئلة من المسائل، المبتلى بها، إلى نفس جنابه كما ترى، من ورود الأمر، عن بعض المعصومين عليهم السّلام،

بالرّجوع الى بعض اصحابهم، فليس قوله، في قبال قول المعصوم، حتّى تقول بجواز الرجوع بالمفضول، مع وجود الافضل.

و امّا الوجه الرّابع: ففيه انّه لا يمكن، أخذ الاطلاق، من قضية خاصة، و هو ارجاع المعصوم عليه السّلام الى شخص خاصّ.

امّا أوّلا: لإمكان، كون المرجوع إليه، أعلم بنظره الشريف، حال الارجاع إليه.

و امّا ثانيا: يحتمل كون فتياه موافقة مع الاعلم، على تقدير وجود اعلم منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 94

و حيث كان الامام عليه السّلام عالما بذلك، أرجع إليه، كما انّ الغالب في زمان الحضور، و امكان وصول اليد، الى ذيل جنابه عليه السّلام هو هذا.

و امّا الوجه الخامس: ففيه أوّلا انّ تقليد الاعلم، ليس عسرا و حرجا و الشاهد، كون العمل على طبقه في ازماننا، بل في الصّدر الاوّل، بعد الغيبة و ينادى بذلك، دعوى اجماع بعضهم على وجوبه.

و ثانيا لا يوجب العسر و الحرج، الّا ارتفاع التكليف، بمقدار الحرج، لا مطلقا، فلا يكفى هذا الدّليل، لعدم وجوب تقليد الاعلم مطلقا.

فتلخّص ممّا مرّ، عدم وجود دليل، يدلّ على جواز تقليد غير الاعلم، مع العلم بمخالفة فتواه مع الاعلم.

و لكن مجرد ذلك، غير كاف، لعدم جواز تقليد غير الاعلم، الّا مع قيام الدليل، على وجوب تقليد الاعلم، معيّنا في الفرض، لانه لو لم يقم دليل على تعيين تقليد الاعلم، فالعامى مخيّر بين تقليده و بين تقليد غيره، لوجود الملاك في كل منهما، و هو كونهما عالما، و الجاهل مع عدم علمه بالاحكام، و عدم كونه في مقام الاحتياط، امّا لعدم جوازه، او لعدم اختياره، يجب ان يرجع الى العالم بحكم العقل، فاذا لا بدّ من التكلم، فيما استدلّ به، على وجوب تقليد الاعلم

معيّنا، في مفروض الكلام، و قد استدلّ على وجوبه، بوجوه ذكرنا لك، و نقول بعونه تعالى.

امّا الوجه الاوّل: منها و هو دعوى الاجماع، ففيه انّ حصول الاجماع، الكاشف عن قول المعصوم، أو عن النّص المعتبر غير معلوم، و ما ادّعى من الاتفاق او القول بوجوب تقليد الاعلم، عن القدماء رضوان اللّه عليهم، لا يكون كاشفا عن وجود الاجماع، المصطلح، لانّ الاجماع، يكون، فيما ليس فيه، من النقل دليل، و لا عن العقل سبيل، فيمكن ان يكون منشأ اتفاقهم حكم العقل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 95

و امّا الوجه الثاني: و هو وجوب تقليد الاعلم، من باب كون المورد من قبيل الدّوران بين التعيين و التخيير، و لزوم الأخذ بالمعيّن بحكم العقل.

ففيه انّه بعد فرض تسلّم كون الواجب، في دوران الأمر بين التعيين و التخيير الأخذ بالمعيّن،

نقول أن تمّ الوجه الثّالث فلا حاجة إلى هذا الوجه لانّه يحكم العقل، بالرّجوع الى الاعلم معيّنا

و ان لم يتم الوجه الثّالث و كان حكم العقل التّخيير بين الرّجوع بالاعلم و غيره، لا يكون الدّوران بين التعين و التخيير، فأيضا لا يفيد الوجه الثّاني شيئا، فالعمدة في المقام، هو هذا الوجه، اعنى:

الوجه الثالث: و هو انّه إذا دار الأمر بين العالم و الاعلم و الفاضل و الافضل، يحكم العقل، بالرّجوع إلى الاعلم معيّنا في صورة العلم باختلافهما في الفتوى، كما يكون هذا حكمه في نظائره، مثلا أبتلى زيد بمرض، يقول الطّبيب العالم بلزوم العمليّة لرفع مرضه و نجاته عن الموت و يقول الأعلم منه بضرر العمليّة له و عدم الفائدة فيها، بل يموت بسببها، فهل يحكم العقل بالتّخيير بينهما، او يحكم بالرّجوع الى الاعلم.

لا اشكال في

انّه يحكم بالثّاني فهذا هو حكم العقل و مقتضاه، وجوب تقليد الاعلم، في صورة العلم باختلاف فتواهما، فتلخّص وجوب تقليد الاعلم في هذه الصّورة.

و امّا الكلام في المورد الثّالث: و هو صورة عدم العلم باختلاف فتوى الاعلم، مع غير الاعلم،

فهل يجب تقليد الاعلم، كالصّورة السابقة، او لا يجب ذلك، بل يكون مخيّرا بين تقليد، ايّهما شاء، فنقول بعونه تعالى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 96

انّ ما يمكن ان يستدلّ به، على وجوب تقليد الاعلم معيّنا، في هذا المورد، هو الوجوه التى تمسّك بها، على وجوب تقليد الاعلم، في صورة العلم باختلاف فتواه مع غيره، و حيث انّك عرفت، انّه لا يتمّ من الوجوه، الّا الوجه الثّالث و هو حكم العقل، بوجود الرّجوع الى الاعلم.

نقول بانّه مع عدم العلم باختلاف فتواهما، يحكم العقل أيضا، بتعين الرّجوع الى الاعلم، كما ترى في نظائره، فاذا كان الشخص مريضا، و بنى بالرّجوع الى الطّبيب، فإذا كان طبيبان، احدهما اعلم من الآخر، مع تسلّم علم كل منهما و لا يدرى المريض، انّ نظرهما واحدا و مختف، ففى هذا الحال، إذا رجع الى عقله، يحكم العقل، بتعين الرجوع الى الاعلم منهما، و هكذا في مقام بناء الابنية، لو كان احد البنائين اعلم، يحكم العقل بالرجوع الى الاعلم و لو لم يعلم باختلافهما في النظر و غير ذلك و بعد حكم العقل، بتعين الاعلم، لا يمكن الحكم بالتخيير بينهما، بل يجب في الفرض أيضا، تقليد الاعلم.

ان قلت انّا نرى، رجوع العقلاء الى علماء الفنون في حوائجهم، بمن هو عالم بالفنّ مع وجود الاعلم منه، فيما بينهم و هذا شاهد، على عدم الفرق في نظر العقل، فيما لا يعلم الاختلاف بينهم في النظر.

قلت انّه لا اشكال فيما قلت، من حكم العقل بتعين الرّجوع، الى الاعلم

في حدّ ذاته.

نعم ربما يكون بعض جهات اخرى، مثل عدم كون موضوع الرّجوع مهمّا، أو اشكال، في الوصول الى الاعلم، مادّيا او معنويّا، موجبا لاختيار غير الاعلم، و الّا فمع تساوى الجهات، يحكم العقل بتعيّن الرّجوع الى الاعلم، حتّى مع الشّك في اختلاف فتواه، مع غير الاعلم، و لعلّ منشأ حكمه، كون سلوك طريقه اولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 97

بالاحتياط، و أفق بحفظ الواقع.

الجهة الثانية: في كلّ مورد، نقول بوجوب تقليد الاعلم، يكون مع الامكان، و لو لم يمكن ذلك، لعدم إمكان وصول اليد إليه، أو إلى فتواه مثلا، فلا يجب تقليد الاعلم، لعدم التكليف بغير الممكن.

الجهة الثّالثة: بعد وجوب تقليد الاعلم، يجب الفحص عنه، وجهه انّه بعد عدم بناء العامى على الاحتياط، و تعلّق الوجوب، بتقليد الاعلم، يجب الفحص عنه مقدّمة، و مورد وجوب الفحص، ما يحتمل وجود الاعلم في البين، و امّا مع علمه بتساوى الموجودين، من العلماء في العلم، فلا مورد للفحص.

ثمّ انّ هنا كلاما فيما بعد الفحص، لانّه تارة يظفر بالاعلم، و تارة لا يظفر به، ان ظفر به فهو، و ان لم يظفر به، فتارة يمكن الاحتياط بين الفتويين، و تارة لا يتمكن من ذلك، و في كل من الفرضين، تارة يكون بين المجتهدين او المجتهدين، محتمل الا عمليّة او مظنون الا عملية بالخصوص، و تارة ليس كذلك، بل الاحتمال، متساو بالنّسبة الى كل منهما، و محلّ الكلام، كما عرفت صورة اختلافهما في الفتوى.

اما فيما يمكن الاحتياط، مع عدم الظفر مع الفحص بالاعلم، فان لم يكن احدهما، بالخصوص محتمل الاعلمية، او مظنون الاعلمية، بل هما متساويان من حيث احتمال الاعلمية، يجب الاحتياط، للعلم الاجمالى، باعلمية

كلّ منهما، لانّ المفروض، احتمال وجود الاعلم، في البين، فيجب الاحتياط، فلو قال احدهما بوجوب تسبيحة واحدة فقط، في الأخيرتين من الصّلاة و قال الآخر بوجوب ثلاث تسبيحات، يجب الاحتياط، باتيان الثلاث.

و امّا ان كان محتمل الاعلميّة او مظنون الاعلمية واحدا منهما بالخصوص، فقد يتخيل كونه كالصورة الاول، للعلم الاجمالى باعلميّة احدهما، فيجب الاحتياط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 98

بين الفتويين، لكن لا يبعد تعيّن تقليد محتمل الاعلميّة، او مظنونها، بالملاك الّذي قدمنا من حكم العقل، بوجوب تقليد الاعلم، أعنى حكم العقل، بالاخذ بفتوى محتمل علميّة، او مظنونها معيّنا.

و اما فيما لا يمكن الاحتياط، مثل ما قال احدهما بوجوب صلاة الجمعة معيّنا، و الآخر بحرمتها ذاتا، فان كان بينهما محتمل الاعلميّة، او مظنون الاعلميّة بالخصوص، يجب الاخذ بفتواه معيّنا، لوجود ملاك حكم العقل، في تقليد الاعلم في المقام، كما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 21، او لما قلنا في وجه لزوم الاخذ بالمعيّن، في دوران الأمر، بين التعيين و التخيير، من كون الاخذ به، مؤمّن عن العقوبة مسلّما و الآخر غير معلوم، فهكذا في المقام.

و ان كان احتمال الاعلميّة، متساو بالنسبة الى كلّ منهما، فهو مخيّر بين الاخذ بفتوى ايّهما شاء و يأتى بعض الكلام في ذلك في المسألة 21.

***

[مسئلة 13: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما الا اذا كان أحدهما اورع فيختار.

(1)

. أقول: امّا مع تساويهما، في كل من الفضيلة، و الورع، و علم العامى بعدم اختلافهما في الفتوى، يتخيّر بينهما، لانّ كلا منهما، طريق في نظر العقل، حتّى في صورة اختلافهما في الفتوى، فيما لا يمكن الاحتياط، لما عرفت منّا،

من حجّية رايهما، و ليس المورد، من قبيل الخبرين المتعارضين، حتّى يقال بسقوط كل من الفتويين،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 99

عن الجية مع التّعارض، كما ربما يقال في الخبرين المتعارضين، بسقوطهما، في مورد التعارض عن الحجّية، و أيضا ليس الوظيفة الاحتياط، و قد سبق بيانه في طى المسألة 12.

و امّا مع تساويهما، في الفضيلة لكن يكون احدهما اورع عن الآخر، فهل يكون التّكليف، الاخذ بالاورع منهما معيّنا، كما قال به بعض الفقهاء، من باب كون المورد، من صغريات دوران الأمر، بين التعيين و التّخيير و لزوم الأخذ بالمعين بحكم العقل.

او يكون حكمه حكم الصّورة الاولى، من كونه مخيرا بينهما، لعدم كون الاورعيّة في المقام، موجبا للترجيح بنظر العقل، و لم يرد على ترجيحه دليل من الشّرع.

الاقوى الثّاني: لانّ العقل، الحاكم بالرّجوع، الى المجتهد، لا يرى فرقا، من هذا الحيث، و بعد كون هذا حكم العقل، فلا يكون المورد، من صغريات دوران الأمر بين التّعيين و التّخيير.

نعم يكون الأخذ بفتوى الأورع حسن، لحسن الاحتياط، حتّى مع وجود الدّليل على خلفه.

***

[مسئلة 14: إذا لم يكن للاعلم فتوى، في مسئلة من المسائل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا لم يكن للاعلم فتوى، في مسئلة من المسائل، يجوز في تلك المسألة، الأخذ من غير الاعلم و ان امكن الاحتياط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 100

(1)

أقول: لانّه مع عدم فتوى من الاعلم، في مسئلة، يكون مثل عدم وجود الاعلم، فيجب التقليد عن غيره، في تلك المسألة بطريق الاعلم فالاعلم مطلقا، بناء على وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او في خصوص ما يعلم اختلاف فتواه، مع غير الاعلم، او فيما لا يعلم، باتفاق فتواهما، على الكلام في ذلك، و لا يجب الاحتياط، لمّا مرّ من عدم

وجوبه معيّنا، على العامى، بل هو مخيّر بين التقليد و الاحتياط.

***

[مسئلة 15: إذا قلّد مجتهدا، كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: إذا قلّد مجتهدا، كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت، فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده، في هذه المسألة، بل يجب الرّجوع الى الحى الاعلم، في جواز البقاء و عدمه.

(2)

أقول: ظاهر كلامه، ما إذا كان الشخص مقلّدا، لمن كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت، فقلّده في مسائل، لا في خصوص جواز البقاء.

و يفرض صورة اخرى، و هي ما إذا قلّد الميّت، في خصوص مسئلة جواز البقاء مثلا كان مقلّد الزيد، فمات فقلّد عمروا، في خصوص جواز البقاء، ثم مات عمرو أيضا، و على كلّ حال، ينبغى أن يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول: في عدم جواز البقاء على تقليد الميّت، مستندا بفتوى هذا الميّت.

المقام الثاني: في حكم رجوعه الى المجتهد الحىّ، و ما ينبغى أن يقال من جواز البقاء، و عدمه مستندا الى قول المجتهد الحىّ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 101

اما الكلام فى المقام الاوّل فنقول بعونه تعالى، لا يجوز البقاء على تقليد الميّت، مستندا بجوازه، البقاء، للزوم الدور، حيث أنّ جواز البقاء على تقليده، موقوف على حجّية فتواه، فإن كانت، حجيّة فتواه على الفرض، يثبت بفتواه على جواز البقاء، و هو من فتاواه يلزم الدور.

المقام اما الكلام فى الثّاني: لا اشكال، في انّه بعد موت المقلّد، لا بدّ من أن يرجع العامى، الى المجتهد الحىّ مطلقا، او بخصوص الاعلم من الاحياء، ان كان أعلم في البين، في كل مورد قلنا بتعيّن تقليده.

فعلى هذا يفرض للمسألة صور، لانّ المجتهد الحىّ، امّا يجب البقاء، او يجوّزه، او يحرّمه و كذلك المجتهد الميّت، امّا يوجب، او يجوّز، او

يحرّم البقاء.

ففى صورة لا يجوز البقاء على تقليد الميّت، في مسأله جواز البقاء على تقليد الميت، و هو فيما يحرّم المجتهد الحىّ، البقاء مطلقا، حتّى فيما عمل به، حال حياة الميت، لانّه بعد كونه هو المرجع، و على الفرض، يحرّم البقاء، فلا بدّ من العدول بالحىّ، فلا مورد لبقائه، على تقليد الميّت في هذه المسألة، اى المسألة البقاء.

و امّا في باقى الصور، فنقول، امّا فيما يحرّم الميّت البقاء، فأيضا لا معنى للبقاء، على تقليد الميت، في هذه المسألة، مستندا بفتوى الحىّ، و لو لم نعتبر العمل في زمان حياة الميت، في جواز البقاء، للزوم الخلف، حيث يلزم من الرجوع إليه، العدم، لان معنى الرجوع إليه، حرمة البقاء، فيلزم من الرجوع، عدم الرجوع.

و امّا فيما يوجب الميّت البقاء، و كذلك الحىّ، يقول بوجوب البقاء، او كل منهما يجوّزان البقاء، فأيضا يكون الرّجوع الى الميت، في مسئلة البقاء لغوا، لانّه بالرجوع الى الحىّ، مع تجويزه، او وجوبه البقاء يصير فتوى الميّت حجّة عليه، فلا حاجة في حجّية فتواه، الى فتوى الميّت، بجواز البقاء، او وجوبه، لكونه لغوا و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 102

تحصيلا للحاصل.

و كذلك فيما يوجب الميت البقاء، و يجوّزه الحىّ، او بالعكس، فأيضا بالرّجوع الى الحىّ، في مسئلة البقاء، يصير فتوى الميّت حجّة عليه، فلا حاجة الى الاستناد، على حجّيته إلى جواز البقاء، عند الميّت، و يكون الرّجوع، في جواز البقاء إليه لغوا.

نعم إذا كان دائرة فتوى الميّت، أوسع من دائرة الحىّ، مثل ما يقول الميت، بجواز البقاء او وجوبه، فيما التزم بالتقليد، و لو لم يعمل بعد بفتواه، و يقول الحىّ بوجوب البقاء او جوازه، في خصوص ما عمل

بفتوى الميّت، حال حياته، فهل يكون مجال، للبقاء على تقليد الميت، في مسئلة جواز البقاء او وجوبه، باستناد فتوى الحىّ، و لا يكون لغوا و تحصيل الحاصل، لانّه بسبب بقائه، على فتوى الميّت، في مسئلة جواز البقاء، او وجوبه، يتمكّن من البقاء، في كلّما التزم به من الاحكام، على تقليد هذا الميّت، حال حياته و لو لم يعمل به، في هذا الحال، و الحال انّه لو لم يرجع الى فتوى الميت، بل رجع فيه، الى فتوى الحىّ، في البقاء على تقليد الميّت، في مسئلة البقاء لا يتمكّن الّا من البقاء، في خصوص الفتاوى، الّتي عمل بها، حال حياته على الفرض.

بخلاف ما إذا كانت، دائرة فتوى الحىّ، في البقاء، اوسع من دائرة فتوى الميت، في مسئلة البقاء، لا مجال للبقاء على فتوى الميت، في مسئلة فتواه، على جواز البقاء، او وجوبه، للزوم اللغويّة و تحصيل الحاصل.

او لا يكون له الرجوع في مسئلة جواز البقاء، على فتوى الميّت، حتّى في هذا الفرض.

وجه الجواز وجود الأثر الزائد، في الرجوع على طبق فتوى الحىّ بالبقاء الى الميت في مسئلة جواز البقاء، و عدم كونه من قبيل تحصيل الحاصل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 103

وجه عدم الجواز، انّه بعد كون دائرة فتوى الحىّ، في مسئلة البقاء، أضيق من فتوى الميّت، كما مثّلنا من انّ الحىّ، يفتى بالبقاء في خصوص، ما عمل المقلّد من الاحكام، في زمان حياة المجتهد الميّت، لزمه حرمة البقاء، في غير ما عمله، ففى الحقيقة يحرم الحىّ، البقاء في غير ما عمله المقلّد، حال حياة الميّت، و بعد تحريمه، لا يجوز الرّجوع الى الميت، لانّ الحىّ يفتى بتحريمه، لا بجوازه و يكون الفرض، مثل

الصّورة، الّتي يحرّم الحىّ البقاء، على تقليد الميّت رأسا.

و الحقّ الجواز، امّا فيما كان فتوى الحىّ، بعدم جواز البقاء في غير ما عمل المقلّد، حال حياة مقلّده الميّت، من باب الاحتياط، و في الحقيقة من باب الأخذ، بقدر المتيقّن، فهو لا يفتى بحرمة البقاء، في غير ما عمله حال حياة مقلّده.

و امّا فيما يفتى، بحرمة البقاء، فيما لم يعمل به من الاحكام، حال حياته، فهو يحرّم ذلك، بمقتضى فتوى نفسه، و كونه بقاء، بمقتضى طبعه و نفسه و امّا البقاء بتوسيط الحجّة، و هو فتوى الميّت بالجواز، فلا يفتى بحرمته و لهذا يجوز البقاء، عند من يعتبر العمل، في البقاء، حتّى في بعض المسائل، الّتي يفتى الميّت بوجوبه مثلا، و الحال انه بنفسه، يفتى بحرمته، ان كان عمل به، حال حياة الميّت و ليس ذلك، الّا من انّ حرمته بفتوى نفسه، لا تنافي مع وجوبه، لاجل حجّة اخرى و طريق آخر و هو فتوى الميّت، فلا يحرم لدى الحىّ، ما كان مستنده فتوى الميت:

***

[مسئلة 16: عمل الجاهل المقصّر، الملتفت باطل]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: عمل الجاهل المقصّر، الملتفت باطل، و ان كان مطابقا للواقع و اما الجاهل القاصر او المقصّر، الّذي كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 104

غافلا حين العمل و حصل منه قصد القربة، فان كان مطابقا، لفتوى المجتهد، الّذي قلّده بعد ذلك، كان صحيحا و الاحوط مع ذلك، مطابقته لفتوى المجتهد الذي، كان يجب عليه تقليده حين العمل.

(1)

أقول: كمّا مرّ في المسألة السابعة، يقع الكلام في جهات، و قبل التّكلم فيها، ينبغى التنبيه على شي ء، و هو انّ محط البحث، فيما يكون العمل عباديّا و الا ففي التوصليات، إذا وقع العمل مطابقا مع الواقع، لا اشكال

في صحة العمل، فلا فرق في التوصليات بين المقلّد و المجتهد و المحتاط و بين تارك كلّ هذه الطرق، إذا عرفت ذلك نقول:

الجهة الاولى: في العمل الصّادر من الجاهل المقصّر،

الملتفت حين العمل، مع فرض مطابقة عمله مع الواقع، فقلنا في المسألة السابعة، انّ لهذه الصّورة، صورتان:

الاولى ما لا يحتمل حرمة ما عمله و يأتى به رجاء، و باحتمال المطلوبية، فالحق صحة عمله، لو صادف مطابقا مع فتوى المجتهد، الّذي يجب عليه اتباعه «و قد امضينا في المسألة السّابعة، انّ المجتهد المعتبر مطابقة عمله مع فتواه، هو من يقلّده فعلا، بعد العمل و نشير بذلك إن شاء اللّه في ذيل المسألة».

الثّانية: ما إذا يحتمل، حرمة ما عمله حين العمل، لا يصح عمله و ان صادفت مطابقة عمله، مع فتوى من يجب عليه، اتّباع فتواه، سواء اتى به بقصد القربة، او باحتمال مطلوبيّته و رجاء.

الجهة الثّانية: في حكم العمل الصّادر من الجاهل، المقصّر،

الغير الملتفت، حين العمل، مع قصده التقرب، و فرض مطابقة عمله، مع فتوى المجتهد، الواجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 105

اتّباعه، فقلنا في المسألة السابعة بصحّة عمله.

الجهة الثّالثة: في حكم العمل الجاهل، القاصر، الغافل، حين العمل،

مع تحقق قصد القربة منه، لقصوره و غفلته و صادف من باب الاتفاق، مطابقة عمله مع فتوى المجتهد، الواجب اتباعه و قد مرّ في المسألة السّابعة صحة عمله.

الجهة الرّابعة: في حكم عمل الجاهل، المقصّر الغير الموافق عمله،

مع فتوى المجتهد، الواجب مطابقة عمله مع فتواه، فنقول لا وجه لصحة عمله و ان قصد به التقرّب، لعدم كون عمله مقرّبا، حتّى يقال بصحة عمله.

و كما بيّنا في المسألة السّابعة، معنى صحة العمل، الّتي نقول بها، في بعض الفروض المتقدّمة، و هو جواز لاكتفاء به، و كونه مؤمّنا عن العقوبة، عند العقل، كما ان معنى عدم صحته، عدم جواز الاكتفاء به، في مقام الامتثال عقلا.

و اما ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من صحّة عمل الجاهل، القاصر و المقصّر، الغافل حين العمل، المتمشى منه، قصد القربة، إذا كان موافقا مع فتوى المجتهد، الّذي يقلّده، بعد العمل و الأحوط، مع ذلك مطابقته، لفتوى المجتهد، الّذي كان يجب عيه، تقليده حين العمل، فقد تعرّضا في المسألة السّابعة، انّ الحق، مطابقة عمله، مع فتوى المجتهد، الّذي يجب عليه، تقليده فعلا، بعد العمل و الأحوط، استحبابا مطابقته، مع فتوى المجتهد الّذي كان يجب عيه، تقليده حين العمل، فتمّ ما افاده رحمة اللّه.

***

[مسئلة 17: المراد من الاعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: المراد من الاعلم، من يكون أعرف بالقواعد و المدارك، للمسألة و أكثر اطلاعا، لنظائرها و للأخبار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 106

و أجود فهما للأخبار و الحاصل ان يكون، أجود استنباطا و المرجع في تعيينه، اهل الخبرة و الاستنباط.

(1)

أقول: اعلم انّ الاعلمية، في كل شي ء بحسبه، و حيث انّ النّظر في المجتهد، يكون الى كيفيّة، استنباطه للاحكام الشرعية عن الأدلّة، فالاعلم من يكون اجود استنباطا و أكثر مهارة، من غيره في هذا الحيث، و هذا يحصل بأكثرية الإحاطة، من غيره و اعلميّته من حيث المقدّمات الداخلية، في الاستنباط و الاجتهاد و من حيث ردّ الفرع على الاصل و من حيث

ذوقه العرقي و فهمه للآيات و الأخبار و أكثر وقوفا باقوال فقهائنا و اقوال مخالفينا، و الحاصل أقوائيته في الجهات الدخيلة في الاستنباط و المرجع في تشخيص ذلك، كما قال المؤلف رحمه اللّه اهل الخبرة و الاستنباط.

***

[مسئلة 18: الاحوط، عدم تقليد المفضول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الاحوط، عدم تقليد المفضول، حتّى في المسألة التي توافق، فتواه فتوى الافضل.

(2)

أقول: قد مرّ في المسألة 12 انّ الاقوى، وجوب تقليد الاعلم، في صورتين:

الاولى: في صورة العلم، باختلاف فتواه مع غير الاعلم:

و الثّانية: في صورة الشّك و عدم العلم، باختلاف فتواه مع غيره.

و امّا في صورة اتّفاقهما، في الفتوى، فلا دليل على وجوب تقليد الاعلم معيّنا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 107

و لكنّ الاحتياط، بالرجوع الى الاعلم، حتّى في هذه الصّورة حسن.

***

[مسئلة 19: لا يجوز تقليد غير المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: لا يجوز تقليد غير المجتهد و إن كان من اهل العلم، كما أنّه يجب على غير المجتهد، التقليد و ان كان من اهل العلم.

(1)

أقول: في المسألة مسئلتان:

الاولى: عدم جواز تقليد، غير المجتهد، لعدم الدليل على جوازه.

الثّانية: وجوب التقليد، على غير المجتهد و ان كان من اهل العلم.

و المراد من الوجوب، هو الوجوب التّخييرى لما قلنا و قال المؤلف رحمه اللّه من تخيير الشّخص، بين الاجتهاد و الاحتياط و التقليد.

فليس الغرض تعين التقليد عليه، لعدم كون وجوبه الوجوب التّعييني.

***

[مسئلة 20: يعرف اجتهاد المجتهد، بالعلم الوجداني]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يعرف اجتهاد المجتهد، بالعلم الوجداني، كما إذا كان المقلّد، من أهل الخبرة و علم باجتهاد شخص و كذا يعرف بشهادة عدلين، من اهل الخبرة، إذا لم تكن معارضة، بشهادة آخرين، من اهل الخبرة، ينفيان عنه الاجتهاد، و كذا يعرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 108

بالشّياع، المفيد للعلم و كذا الاعلميّة تعرف بالعلم، او البيّنة الغير المعارضة، او الشّياع المفيد للعلم.

(1)

أقول: في المسألة مسئلتان:

الاولى: فيما يعرف به، اجتهاد المجتهد

و هو امور:

الاول العلم الوجدانى و لا اشكال في حجيته، لما عرفت في الأصول، من كونه بنفسه، طريقا الى الواقع.

الثّاني: الاطمينان و هل هو حجّة كالعلم، أم لا؟.

لا يبعد كونه حجة، لكنه العلم العادى و بناء العقلاء على الاخذ به، و لم يردع الشارع عنه.

الثّالث: البيّنة و تتوقّف طريقيّتها، لاثبات الاجتهاد، او الاعلميّة على اثبات، عموم حجية البيّنة، في كلّ موضوع من الموضوعات، بنحو العموم، بعد ما لا اشكال في حجّيتها في الجملة.

و يستدلّ على حجّيتها بنحو الإطلاق ببعض الوجوه:

الوجه الاوّل: ان يقال بعد ما تفحصنا، في المسائل الفقهية، رأينا انّ الشّارع، جعل البينة حجّة، في موارد كثيرة، من ابواب المخاصمات، و غيرها، فنلتقط من ذلك عموم حجّيتها، إذ ما نرى من جعلها حجّة، في هذه الموارد، الّا وجود ملاك واحد، موجود فيها و عدم خصوصية، لتلك الموارد.

بل يمكن ان يقال، بعد ما نرى من حجّيتها، في باب المخاصمات، مع كونها على خلاف اليد، ففي غيرها، تكون حجّة بالطّرق الاولى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 109

الّا ان يقال، انّ لباب المخاصمات، خصوصيّة و هي فصل الخصومات، و الّا لاختّل النظام و لهذا جعل الشارع البيّنة حجّة فيها، كما جعل اليمين قاطعا لها،

فلا يمكن التعدى منه إلى غيره.

الثّاني: تنقيح المناط القطعى، بدعوى أنّه بعد حجّية البيّنة، في بعض الموارد، مع إختلاف هذه الموارد، من بعض الجهات، نرى وجود مناط واحد، موجود فيها، و هو موجود في غيرها، مثل محلّ الكلام.

او يقال بانّه بعد حجّيتها، في مثل ما شك في حرمته، ففي مثل المورد حجّة، بالطريق الاولى.

او يقال بانّه بعد حجّيتها، في بعض الموارد، يلغى العرف خصوصيّة المورد، و لا يكون المورد مخصّصا، فنسرى الحكم، الى غير مورده، المنصوص و العمدة في النّظر، في وجه حجّيتها مطلقا، هذا الوجه.

الثالث: بعض الرّوايات، المستفاد منها، حجّيتها مطلقا، كالرّواية الّتي رواها، مسعدة بن صدقة، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال، سمعته يقول، كل شي ء هو لك حلال، حتّى تعلم، انّه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثّوب، يكون عليك، قد اشتريته و هو سرقة و المملوك عندك، لعلّه حرّ، قد باع نفسه، او خدع فبيع، او قهر فبيع، أو امرأة تحتك و هي اختك، او رضيعتك و الأشياء كلّها، على هذا حتى يستبين لك، غير ذلك، او تقوم به البيّنة «1».

وجه الاستدلال، انّ الحديث يدل على حجّية البيّنة، في كلّ الاشياء، لقوله عليه السّلام «الأشياء كلها، على هذا، حتّى يستبين لك غير ذلك، او تقوم به البيّنة».

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 4 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 110

و قد يورد عليه بضعف السّند، تارة، لعدم توثيق، مسعدة بن صدقة، بل ضعّفه العلامة رحمه اللّه و المجلسى رحمه اللّه على ما حكى عنهما.

و فيه انّه مع كون الرّواية، معمولا بها، يكفى ذلك لحجّيتها و ان كانت ضعيفة السّند،

في حد ذاتها، مضافا إلى انّ تضعيف العلمين، المذكورين رحمهما اللّه، مع جللتهما، لا يكفى في تضعيف مسعدة، لانّه إن كان اخبارهما بضعفه عن حسّ، فلا يكون الّا من باب وصول تضعيفه، يدا بيد، إليهما، من قدماء أصحابنا رضوان اللّه عليهم، عمّن يكون اخباره، عن حسّ، لعدم كونهما، معاصرين له و بعد ما لا نرى قدحا عن احدهم، بالنّسبة إليه، لا يمكن استكشاف كون اخبارهما، عن حسّ بقدحه، بل يمكن كون أخبارهما، عن حدس من باب بعض القرائن، الحاصلة عندهما، نعم بعد عدم ورود توثيق، بالنّسبة إليه، لا يمكن القول بكونه موثّقا.

لكن مع ذلك، لا بأس بالعمل بالرواية، لانّها و ان كانت ضعيفة السّند، ينجبر ضعفها بعمل الاصحاب.

و قال بعض شراح العروة، «كما في تنقيح» «1» نقلا عن استاده بعد ذكر الإشكال، في سند الحديث، و نقل ضعفه عن العلامة و المجلسى رحمه اللّه و دفع تضعيفهما، من أجل ما قلنا، من كون تضعيفهما، عن حدس، بانّه لا مجال للاشكال، في سند الرواية، من باب عدم ورود توثيق، بالنسبة الى مسعدة، من باب انّ مسعده، يكون من رواة كامل الزيارات لابن قولويه رحمه اللّه و هو قال بانّه لا يروى، الّا عن الثقات، فنقول بحجّية الرواية و الوثوق بصدورها، من باب توثيق مؤلف كامل الزّيارات مسعدة بن صدقة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 210.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 111

أقول امّا مسعدة فلم أر تصريحا بتوثيقه، في الكتب الرّجالية، غير ما حكى في كتاب «1» رجال ابي على، عن تعق، قال جدّى الّذي يظهر من اخباره في الكتب، انّه ثقة، لانّ جميع ما يرويه، في غاية المتانة، موافق لما يرويه الثّقات، و لهذا

عملت الطائفة بما رواه الخ، و غير ما عن ابن قولويه رحمه اللّه من توثيقه، من باب ما قال فى كتاب كامل الزيارات، انّه لا يروى الّا عن الثقات.

و في قبال ذلك، ما حكى عن العلّامة رحمه اللّه و المجلسى رحمه اللّه من تضعيفهما اياه.

ثم بعد ذلك نقول: بانّ الكلام، مرّة يقع في توثيق مسعدة، فالحقّ عدم نقل، توثيق، يكون عن حسّ بالنسبة إليه، لانّ ما في تعق، نقلا عن جدّه بعد ذكره، وجه التوثيق و هو انّ جميع ما يرويه، في غاية المتانة، موافق لما يرويه الثقات، نرى انّ اخباره بوثاقته، يكون عن حدس لا عن حسّ، كما انّ ما في كامل الزيارات، لا يدلّ على كون توثيق، ابن قولويه رحمه اللّه اياه، عن حسّ لتأخّر زمانه عنه، و لم أر من يخبر عن حسّ، بتوثيقه، قبل ابن قولويه رحمه اللّه، حتّى يقال باستناده في اخباره به، و هذا يؤيد، كون اخباره بوثاقته، من باب اخباره بوثاقة، رواة كتابه عن حدس.

فالعجب من هذا العلم، من عدم اكتفائه، في مقام التوثيق، بعمل الاصحاب من القدماء رحمه اللّه، بروايات مسعدة و الحال انّهم لا يعملون، الّا بأخبار الثقات، بل بعضهم لا يعملون الّا باخبار العدول، و اكتفائه في مقام التوثيق بقول صاحب كامل الزيارات فقط، و هذا العلم المعظّم، يقول بذلك في مقدمة رجاله، بعد رد ما ذكره اصحاب الرجال في وجه توثيق الرّوات، من انّه نكتفى بتوثيق، صاحب كامل الزيارات، ففى الحقيقة، يكتفى في توثيق الروات، كون الرّاوى، في سند من أسانيد كامل الزيارات، و الحال أنّ ابن قولويه رحمه اللّه كان في المائة الرابعة، فكيف يخبر عن

______________________________

(1) منتهى المقال، ج 6، ص 254.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 112

حسّ، عن وثاقة، من عاش في المائة الاولى، او الثّانية، او الثّالثة ممّن كان قبل زمانه، و ان كان اخباره، عمّن يخبر عن حسّ، بوثاقة راو، من الروات، لكان موجودا، في بعض الكتب الرجالية و وصل إلينا و إذا كان عن حسّ نأخذ به.

و كيف لا يكتفى بعمل القدماء رحمه اللّه، مع ما قلت من كون عملهم، على العمل باخبار الثقات، او خصوص العدول منهم.

ثمّ أنّ هنا كلاما آخرا، في انّه على فرض كفاية، اخبار ابن قولويه رحمه اللّه بوثاقة راو، هل يكتفى بالعدل الواحد، او لا بدّ من عدلين، ليس المقام مجال بحثه و مبنى هذا العلم الجليل، كفاية العدل الواحد، هذا كلّه في البحث عن وثاقة مسعدة و عدمها.

و اخرى يقع الكلام، في العمل بخصوص هذا الحديث الّذي، يروى مسعدة، فقد يستشكل فيه بضعف السند.

فنقول، بانّه و لو فرض كون الحديث ضعيفا، بمسعدة، لكن لا يضرّ العمل به:

لانه يكفى في انجبار ضعفه، عمل الاصحاب، و به تطمئن النفس بصدوره و يكفى ذلك في حجّيته، لانّ الحقّ المختار على ما بيّناه، في حجّية الخبر الواحد في الاصول، هو حجّية كل خبر، يحصل الاطمينان بصدوره.

و قد يستشكل في دلالة الحديث، على المدّعى بامرين:

«ذكر الإشكال في التنقيح» «1»

الاوّل: ان المراد من كلمة «البيّنة» في الحديث معناه اللغوى، و هو ما به البيان و الظهور و ليس لها حقيقة شرعيّة، و لا متشرعيّة، فلا يدلّ الحديث، على حجّية البيّنة المصطلحة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 315 المصدر المذكور باب الاجتهاد و التقليد ص 208.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 113

و فيه امّا أوّلا: انّ لها حقيقة شرعيّة،

فما في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: انما اقضى بينكم بالبيّنات و الايمان، هل هى إلّا البيّنة المصطلحة، و هل يمكن ان يقال، انّ مراده صلّى اللّه عليه و آله و سلم، هو انّه انما اقضى بينكم، بما يظهر به الأمر و ان كان غير البيّنة و هل المتبادر، من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم، غير البيّنة المصطلحة، عند من سمع كلامه الشريف، و هل نصب قرينة، على انّها غير معناها اللغوى؟ لا اشكال في عدم تبادر معنى، عند التّكلم في نظر العرف، غير البيّنة المصطلحة.

و على فرض عدم ثبوت حقيقة شرعية لها، في زمان الشّارع، هل يمكن ان يقال، بعدم ثبوت حقيقة عند المتشرّعة لها، حتّى في زمان صدور الرواية؟.

و أما ثانيا: على فرض كون معناها البيان، و الظهور و عدم تحقق حقيقة شرعيّة، و لا عند المتشرعية لها، مع ذلك، لا يمكن القول، بكون المراد منها، في خصوص الرّواية، غير معناها المصطلح، لانّه ان كان المراد، انّ الأشياء محكومة بالحلية، حتّى يظهر خلافه، فقوله عليه السّلام «حتى يستبين لك غير ذلك» كاف، في افادة ذلك، و يكون قوله «او تقوم به البينة» لغوا، فهذا شاهد، على انّ المراد من البيّنة، في الحديث البيّنة المصطلحة مسلّما فالمراد من قوله حتى يستبين لك» هو حصول العلم، او الاطمينان و معنى قوله «او تقوم به البيّنة» هو البيّنة المصطلحة.

الإشكال الثّاني، انّ المذكور في الحديث، بعض الاشياء المشكوك، حرمتها و قد حكم عليه السّلام، بحلّيته، ففي هذا الحديث و ان قال «الاشياء كلها على هذا» و هو يفيد العموم، لكن يفيد العموم، بالنسبة الى كل من مشكوك الحلية و الحرمة، فتكون

النتيجة، ان كلّ مشكوك الحلّية و الحرمة، مثل الاشياء المذكورة في الحديث، يحكم عليه بالحلية، و اما غير المشكوك حليته و حرمته، مثل مورد الكلام، اعنى اجتهاد المجتهد، او اعلميته، لا تدلّ الرواية، على حجّية البيّنة فيه، لعدم عموم لها، الّا بالنسبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 114

الى كل مشكوك الحرمة و الحلّية.

و لا يمكن دفع هذا الإشكال، بانّ كلمة «الاشياء» من الجمع المحلّى بالالف و اللام و هو يفيد العموم.

لما عرفت من انّه لا يقول، بعدم عموم له، بل يقول، انّ عمومه، بقرينة كون المذكورات، من مشكوك الحرمة و الحلية، يقتضي تعميم الحكم، في كلّ من المشكوك حرمته و حلّيته فقط، و اما شموله لغير ذلك فلا.

و منها ما رواها، عبد اللّه بن سليمان: نحن ابي عبد اللّه عليه السّلام، في الجبن، قال كل شي ء حلال، حتى يجيئك شاهدان، يشهدان انّ فيه ميّتة» «1».

وجه الاستدلال، دعوى انّ موردها و ان كان الجبن، لكن نعلم عدم خصوصية للمورد.

و فيه انّه، ان كان النظر في الاستدلال، الى دعوى تنقيح المناط او الاولوية القطعية، او إلغاء الخصوصية، لا الاستفادة من ظهور اللفظ، فهو و ان كان غير بعيد، لكن ليس هذا من التمسّك، بظهور الحديث، بل هو الوجه الثّالث نذكره إن شاء اللّه تعالى.

و ان كان النظر التمسّك، بظاهر الحديث لحجّية البيّنة مطلقا، فلا وجه له، لانّ غاية ما يشمله الحديث، بعمومه، هو كلّ ما شك في حرمته و حلّيته، لا غيره، فتلخّص من كل ذلك، انّ استفادة حجّية البيّنة، من ظواهر الأدلّة اللفظيّة، اعنى العموم، او الاطلاق اللّفظى، مشكل بل لا وجه له.

الوجه الثّالث: القول بحجّيتها مطلقا، من باب استكشاف حجّيتها، مطلقا

فى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب الاطعمة المباحة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 115

نظر الشارع من حجيّتها في موارد مختلفة و يأتي الكلام في ذلك، في المسألة السّادسة من المسائل، المتفرعة في فصل ماء البئر إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ اعلم انه كما قال المؤلّف رحمه اللّه، يثبت الاجتهاد بالبيّنة، إذا لم تكن معارضة، بشهادة آخرين و نذكر إن شاء اللّه تفصيله، في المسألة 7 من فصل ماء البئر، و اجماله هو انّ مستند كل من البينتين، ان كان العلم، او كان مستند كل منهما، الاصل، تتساقطان بالتعارض.

و ان كان مستند واحدة منهما، العلم و الاخرى الاصل، يؤخذ بما يكون مستنده العلم، و يقدّم على ما يكون مستنده الاصل.

الثّالث مما يثبت به الاجتهاد، الشّياع المفيد للعلم و وجه حجّيته، هو حجّية العلم، لانّ العلم حجّة من اىّ طريق حصل، لعدم الفرق في حجّيته، بين اسبابه و اشخاصه و موضوعاته، فلا خصوصية للشياع و ليس في قبال العلم، بل ذكره منفردا و مستقلا، يكون من باب كونه من جملة اسباب العلم و سببا خاصا، لحصول العلم بخلاف الاوّل من الثلاثة، الّتي يثبت به الاجتهاد، و هو العلم الوجداني، لعدم انحصار سببه بالشّياع فقط.

المسألة الثّانية

و ممّا ذكرنا في المسألة الاولى، يعرف حال هذه المسألة و هي انّ الاعلميّة، تثبت بالامور الثلاثة، بالعلم الوجدانى و بالبيّنة، الغير المعارضة، بالنحو المذكور في المسألة الاولى، و بالشياع على ما عرفت في المسألة الاولى.

***

[مسئلة 21: إذا كان مجتهدان، لا يمكن تحصيل العلم باعلمية احدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: إذا كان مجتهدان، لا يمكن تحصيل العلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 116

باعلمية احدهما و لا البيّنة، فان حصل الظّن، بأعلمية احدهما، تعيين تقليده، بل لو كان في احدهما، احتمال الاعلميّة، يقدّم، كما إذا علم انّهما، امّا متساويان، او هذا المعيّن اعلم و لا يحتمل اعلميّة الآخر، فالاحوط تقديم من يحتمل اعلميّته.

(1)

أقول: اعلم، انّ المؤلف رحمه اللّه و ان قال بانّه، في كلّ مورد، يكون مجتهدان، لا يمكن العلم باعلميّة، احدهما على الآخر و لا قامت البيّنة، على اعلميّة احدهما، يفرض له صورتان:

صورة يمكن تحصيل الظّن باعلميّه، احدهما على الآخر، و صورة يحتمل اعلميّة، احدهما المعيّن، على الآخر و لا يحتمل اعلميّة، الآخر عليه، لكن نقول، بانه يفرض للمسألة صور:

و قبل بيان هذه الصور، ينبغى أن يقال، بانّه بعد كون المراد من الظّن، الظّن الغير المعتبر، لانّه ان كان المراد، من الظّن، الظّن المعتبر، فهو بحكم العلم، فالظّن الغير المعتبر، يكون بحكم الشّك.

و ان قلنا بلزوم الاخذ، بمظنون الاعلميّة، من باب انّه مع دوران الأمر، بين التعين و التّخيير، يجب الأخذ بالمتعين، و الاخذ بالمظنون متعيّن، فأيضا يكون مظنون الاعلميّة، كمحتمل الاعلميّة، في وجوب الرّجوع إليه، لكون حجّيته متعيّنة.

فما في كلام المؤلّف رحمه اللّه من الفرق، بين صورة الظّن، باعلميّة احدهما، من تعيّن تقليده بنحو الفتوى، و بين صورة، احتمال اعلميّة احدها المعيّن على الآخر، من وجوب تقليد، محتمل العلميّة، بنحو الاحتياط

الوجوبى، لا وجه له، لكون صورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 117

الظّن، باعلميّة احدهما، و صورة احتمال اعلميّة احدهما المعيّن، بوزان واحد، من حيث الحكم لانّ الظّن الغير المعتبر، يكون بحكم الاحتمال، و كذا من حيث دوران الأمر، بين التعيين و التّخيير، يكون مثل الاحتمال، لانّه ان قلنا، بانّه في صورة دوران الأمر، بين التعيين و التّخيير، يحكم العقل، بوجوب الاخذ بالمعين، فلا فرق في حكمه، بين ما ظنّ، بالظّن الغير المعتبر، باعلميّة احدهما المعين، و بين ما يحتمل، اعلميّة احدهما المعيّن على الآخر.

إذا عرفت ذلك نقول أنّ للمسألة صور:

الأولى: انّه كما يحتمل، تساوى كل من المجتهدين مع الآخر، كذلك يحتمل اعلميّة كل منهما عن الاخر.

الثّانية: انّه يقطع، بعدم تساويهما، و يعلم انّ احدهما اعلم من الآخر، لكن لا يدرى، بانّ هذا الاعلم، اىّ منهما مثلا، إذا كان الدوران بين زيد و عمرو، لا يدرى انّ الاعلم هل هو زيد او عمرو،

الثّالثة: انّه كما يحتمل تساويهما، يحتمل او يظنّ، بالظّن الغير المعتبر، اعلميّة احدهما المعيّن منهما على الآخر، و لا يظنّ و لا يحتمل، اعلميّة الاخر عليه مثلا، كما يحتمل تساوى زيد مع عمرو، يحتمل او يظنّ، بالظّن الغير المعتبر، اعلميّة زيد على عمرو، و لا يظنّ و لا يحتمل اعلميّة عمرو، على زيد.

اما الصّورة الاولى، فلها صورتان:

اما الصورة الاولى، صورة امكان الاحتياط، بين الفتويين، ففي هذه الصّورة كما قدمنا في المسألة 12، يجب الاحتياط، بين الفتويين، فان كان يقول مثلا، احدهما بوجوب تسبيحة واحدة، و الآخر بوجوب الثلاثة، في الركعتين الاخيرتين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 118

من الصلاة، يجب قراءة الثلاثة، لاقتضاء العلم الاجمالى ذلك و

يمكن الاحتياط،

و اما الصورة الثانية صورة لا يمكن الاحتياط، بالاخذ بأحوط القولين بينهما، فالحقّ فيها التّخيير عقلا، و لا وجه للاحتياط المطلق، لا للاحتياط بين فتواهما، اما أوّلا فلعدم امكان الاحتياط على الفرض، مثل دوران الأمر بين الوجوب و الحرمة، و امّا ثانيا لعدم وجوب الاحتياط، المطلق، لحكم العقل بجواز تقليد كل واحد منهما و لا موجب عنده، لتعين الاحتياط المطلق، لما قدّمنا من عدم سقوط الفتويين عن الحجّية، بسبب التعارض و ان قيل بسقوط الخبرين عن الحجّية، في صورة تعارضهما، بل العقل كما يحكم في غير هذا المورد، بالتّخيير بين تحصيل الاحكام، ببركة الاجتهاد، او التقليد، او الاحتياط، كذلك يحكم في المورد أيضا.

مضافا الى دعوى الاتّفاق، على عدم وجوب الاحتياط و ترك التقليد.

و اما الصورة الثانية فكذلك، هو مخيّر بين الأخذ بفتوى كل منهما، لانّه بعد كون كلّ منهما، محتمل الاعلميّة، فهو على الفرض يعلم باعلميّة احدهما، لكن لا يدرى، هل هو زيد، او عمرو، فلا يدرى اعلميّة احدهما المعيّن على الآخر، فهو بحكم العقل مخيّر بين الاخذ بكل واحد منهما، و لا يتعيّن عليه الاحتياط المطلق، و لا الاخذ باحوط القولين منهما، فيما لا يمكن الاحتياط بين الفتويين، و وجوب الاخذ باحوط القولين منهما، فيما يمكن ذلك، لما تقدّم في الصورة الاولى.

و اما الصّورة الثّالثة، فهل يجب تقليد، خصوص محتمل الاعلميّة، او مظنونها، او يكون مخيّرا بين تقليد ايّهما شاء، او يجب عليه الاحتياط المطلق، او يجب الأخذ، باحوط القولين بينهما.

أقول بعونه تعالى، انّه بعد ما قلنا في وجه وجوب التقليد الاعلم، من ان العقل مع دوران الأمر، بين الاعلم و غيره، يحكم بالرّجوع الى الاعلم، في صورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 119

العلم، او الشّك، باختلاف فتوى الاعلم، مع غيره و انّ ذلك من باب المرتكز العقلى، لا من باب كون المورد، من صغريات دوران الأمر، بين التّعيين و التّخيير و لزوم الاخذ بالمعين، بحكم العقل، بل يكون ذلك، بملاك آخر و هو انّه مع فرض وجود الاعلم و العلم او الشّك باختلاف فتواه، مع غير الاعلم، يرى العقل، لزوم الرّجوع الى الاعلم، فيقال في المسألة المبحوثة و هي صورة احتمال اعلميّة احدهما المعيّن، بانّ العقل في صورة العلم او الشّك، باختلاف فتواهما، يحكم بالرّجوع، الى من يحتمل، او يظنّ، بالظّن الغير المعتبر اعلميّته معيّنا و لهذا نقول، بانّ الاقوى، في هذه الصّورة، تعيّن تقليد محتمل الاعلميّة، او مظنون الاعلميّة، من بين المجتهدين.

ثمّ انّه لو فرض، عدم حكم العقل، بتعيّن تقليد مظنون الاعلميّة، او محتملها، بالملاك المتقدّم، يمكن أن يقال، بتعين تقليده، من باب أنّ المورد، يكون من موارد، دوران الأمر، بين التّعيين و التّخيير و ان المحكّم، بنظر العقل، الأخذ بخصوص المعيّن.

و قد عرفت مما مرّ عدم الفرق، بين صورة الظّن، الغير المعتبر، باعلمية احدهما، و بين احتمال اعلميّة احدهما، على الآخر و قد تعرّضنا، لبعض فروع المسألة في المسألة 12.

***

[مسئلة 22: يشترط في المجتهد امور]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: يشترط في المجتهد امور، البلوغ و العقل و الايمان و العدالة و الرجولية و الحرّية على قول و كونه مجتهدا مطلقا، فلا يجوز تقليد المتجزّي، و الحياة فلا يجوز تقليد الميّت ابتداء، نعم يجوز البقاء كما مرّ، و ان يكون أعلم، فلا يجوز على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 120

الاحوط، تقليد المفضول، مع التّمكن من الافضل، و ان لا يكون متولّدا من الزّنا و

ان لا يكون مقبلا على الدنيا و طالبا لها، مكبا عليها مجدّا في تحصيلها، ففي الخبر، من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه، فللعوام ان يقلّدوه.

(1)

أقول: الكلام في شرائط المجتهد و هى كما ذكرها المؤلف رحمه اللّه امور:

الاول: البلوغ،

قد عرفت مما قلنا، في وجه وجوب التقليد، بالوجوب التّخييرى، انّ العمدة فيه، حكم العقل، برجوع الجاهل، الى العالم و في ذلك، لا فرق في نظره، بين البالغ و بين غيره و لا بين الرّجل و بين غيره و لا بين الحرّ و بين غيره و لهذا لو كنّا و حكم العقل، كان الحري، أن نقول بجواز تقليد، كل منها و عدم شرطيّة البلوغ و الايمان و العدالة و الرّجولية و الحرّية، و يجب اتّباع حكم العقل، لانّ نظره متّبع، في باب كيفيّة الاطاعة، كما انه متّبع، في نفس الاطاعة و المعصية، الّا إذا ورد تصرف من الشارع و ردع طريقة العقلاء و لم يرد من الشّرع ردع، لانّ ما ادّعى، من تصرف الشرع و ردعه هذا البناء، دعوى بلا دليل.

اما دعوى الاجماع، على اشتراط البلوغ، فمنقوله غير مفيد و المحصّل منه، غير حاصل.

اما دعوى، انّ حديث رفع القلم، عن الصّبى حتى يحتلم، او ما ورد من انّ عمده و خطائه واحد، أو انّ الصّبى مولّى عليه، يدلّ على عدم قابليته، للافتاء:

ففيه انّ حديث رفع القلم، لا يدلّ الّا على رفع القلم عنه، و كذا ما ورد من ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 121

عمده و خطائه واحد، لا يدلّ على انّ كل ما يصدر، من الصّبى مثل الخطاء، و بحكمه و انّ اقواله، لا يعامل معها،

اقوال غير الصّبى و لا يترتّب عليه الأثر، و كذا كونه مولّى عليه، لا يقتضي حرمانه، عن الافتاء، هذا غاية ما قيل في المقام، وجها لاشتراط البلوغ، ثمّ انّه لو تمسّكنا، في وجوب الرّجوع الى المجتهد، بالتّوقيع الشريف، فهو مطلق يشمل الصّبى المميّز، الواجد لسائر الشرائط.

أقول و بعد ذلك كلّه، ما يخطر بالبال، في وجه اشتراط البلوغ، في المجتهد و عدم لياقة الصّبى للافتاء، هو ان يقال، بعد ما يكون الصّبى مرفوع القلم و معنى رفع القلم عنه، عدم وجوب فعل الواجبات عليه، و عدم كون المحرمات حراما عليه، فلو ترك واجبا، او ارتكب حراما، لا يكون عاصيا، و لا يكتب عليه ذنب.

و بعد كون هذا حاله، يجوز و يمكن عليه الكذب، وقوعه منه أحيانا، لرفع القلم عنه، كما ترى ارتكاب بعض الصّبيان، حتى بعض المميزين منهم، بعض المحرّمات و ترك جلّ الواجبات، لو لا كلها، فبعد تجويز فعل، ما هو محرّم على غير الصّبى، عليه و امكانه منه، فلا يكون، وثوق في اخباره، لانّه ربما، يفتى على خلاف حكم اللّه تعالى و بعد عدم الوثوق، لاجل ذلك به، لا يليق مقام الافتاء، بل يعتبر بلوغ المجتهد.

ان قلت انّ مفروض الكلام، يكون فيما يحصل الوثوق، من قوله و اخباره و بعبارة اخرى، هو واجد للشرائط الأخرى، غير البلوغ، فلم لا يليق للافتاء و من لم يكن موثوقا به لا يليق للفتوى و ان كان بالغا.

قلت الفرق بين البالغ و غير البالغ، هو انّ البالغ لكونه مكلّفا، لا يكون معرضا للكذب و لكنّ الصّبى، يكون معرضا لذلك و مع المعرضية، لا يثق بقوله و لهذا يشترط البلوغ.

الشرط الثاني: العقل

و اعتباره ممّا لا إشكال فيه بحكم العقل، و

العقلاء لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 122

يرجعون الى المجنون و ان كان عالما، بل بنائهم على خلافه.

الشرط الثّالث: الايمان

و لا يعتبر هذا الشرط بنظر العقل، الحاكم برجوع الجاهل الى العالم، نعم لو دلّ دليل من الشرع، على اعتباره نأخذ به و يكون رادعا عن حكم العقل، و ما يستدلّ به على اعتباره أمور:

الاوّل: دعوى الاجماع على اعتباره.

الثّاني: مقبولة عمر به حنظلة عليه «1» لانّ فيها، قال عليه السّلام ينظران من كان منكم، ممّن. قد روى حديثنا الخ».

و ما في رواية ابى خديجة سالم بن مكرم الجمّال، قال قال ابو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام، ايّاكم أن يحاكم بعضكم، الى اهل الجور و لكن انظروا، الى رجل منكم، يعلم شيئا، من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فانّى قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه» «2».

و ما في رواية علي بن سويد السّابى، قال كتبت الى ابى الحسن عليه السّلام و هو في السجن و امّا ما ذكرت، يا على ممن تاخذ معالم دينك، لا تأخذنّ معالم دينك، من غير شيعتنا، فانّك ان تعدّيتهم، اخذت دينك عن الخائنين الخ» «3».

و ما في رواية احمد بن حاتم بن ماهويه، قال كتبت إليه، يعنى أبا الحسن الثّالث عليه السّلام، أسأله عمّن آخذ معالم دينى و كتب اخوه أيضا بذلك، فكتب إليهما، فهمت ما ذكرتها، فاصمدا في دينكما، على كل مسنّ في حبّنا و كل كثير القدم، في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(3) الرواية 42 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 1، ص: 123

امرنا، فانهما كافوكما إن شاء اللّه «1».

أقول امّا الاجماع، فحصول الاجماع التّعبدى غير معلوم، نعم يمكن كون نظر المجمعين، هو ما يأتي بالنظر، من انّ المرتكز عند المتشرّعة، باعتبار ما يعلمون، من مذاق الصادع بالشرع و رويته، عدم تجويز تصدى، مثل هذا المنصب، اى مقام الافتاء و النيابة العامّة، للامام عليه السّلام و التّصرف في امر الغيب و القصّر غير المؤمن و عدم صلاحيّة غير المؤمن، لان يكون مرجعا، في الحوادث الواقعة و كيف يمكن تصويب الشارع، الرّجوع الى غير المؤمن و الحال انه، لا يأذن و لا يرضى تصدى بعض الأمور، الّتي دون الافتاء في المرتبة، كالشّهادة و إمامة الجماعة لغير المؤمن، فكيف يجوّز الارجاع، في الفتوى الّذي، هو دون منصب النّبي و الامام «عليهما الصلاة و السّلام»، شأنا و أعلى مرتبة من غيره، إلى غير المؤمن، بل و الى غير العادل، بل و إلى النّساء، مع ما نرى نظر الشّرع، بالنسبة الى النساء و هو اشتغالها، بما هو وظيفتها، من تنظيم أحد ركنى الاجتماع و هو الاشتغال، بشئون تدبير المنزل و تربية الأولاد و تسترهم و عدم تبرجهم «و العجب مما نرى في زماننا، في البلاد الاسلامي، ممّن يدّعى الاسلام، من النساء ترك العصمة و العفّة، و الدخول في الشئون، المخالفة، مع ما يطالب الدّين و ينتظر صادعه، من المسلمات و لهذا لا يزال امرهنّ الى السفال و الانحطاط و هو من المصائب، المبتلى بها المسلمون و لهذا وقعوا تحت سيطرة الاستعمار، يحيلونهم الى الشرق تارة و الى الغرب اخرى» و كيف يجوّز، من يقول بانّ النساء عىّ و عورة فاستروا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهن بالبيوت، أن تتصدى النساء، أمر

الافتاء و المرجعيّة و القضاء، مع ملازمتها غالبا، مع البروز و لقاء الناس، لأن يتّخذ منها الاحكام و السّؤال عن الحوادث الواقعة و هذا الشّأن، لا

______________________________

(1) الرواية 45 من الباب 11 من ابواب صفات القاضي من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 124

يساعد مع وضع المرأة، في نظر الاسلام و لهذا نقول بانّ الاقوى، اعتبار الايمان و العدالة و الرّجولية في المجتهد، فان لم يكن في البين، دليل لفظىّ، يدلّ على اعتبار هذه الأمور في المجتهد، يكفى الوجه الّذي ذكرناه. لكونه دليلا على اعتبار هذه الامور

ثمّ انّه مع ما قلنا، لا حاجة الى اتعاب النّفس، في انّ الاخبار المذكورة، هل تكون واجدة، لشرط الحجّية، أو لا؟ كما ترى من اشكال بعض «1» الشراح، بضعف السّند مرّة و بعدم دلالتها اخرى، مع انّ ما قال في تضعيف بعضها، غير تمام، لمن راجع كتب الرّجال، كما انّ الإشكال، في دلالة بعضها، ان كان واردا، لا اشكال في دلالة بعضها الآخر، فيمكن ان يقال، بدلالة بعض الاخبار المتقدّمة، ذكرها، على اعتبار الايمان أيضا، كما انّه يمكن كون، منشأ الاجماع أيضا، هذه الأخبار.

الشرط الرّابع: العدالة

و الكلام تارة، يقع في اعتبارها، بنظر العقل، فالعقل الحاكم، برجوع الجاهل الى العالم، لا يرى اعتبار العدالة، في المفتى. نعم يعتبر العقل، الوثوق به، في خصوص ما يرجع الى العالم، بمعنى انّ من يرجع إليه، في الفتوى، يرى العقل، اعتبار كونه موثوقا به، فيما يقول، و اما كونه عادلا، بحيث يكون له ملكة، لا يرتكب الحرام، مثل الكذب و غيره، حتّى في غير ما هو المرجع فيه، فلا يعتبره العقل.

و تارة يقع الكلام، في اعتبارها شرعا، فان أعتبرها الشارع كفى

و لو لم يعتبرها العقل، في حدّ ذاته مع قطع النّظر عن تصرف الشّرع، فنقول ما يمكن ان يستدلّ به على اعتبرها امران

الاوّل: ما رواها احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسى في الاحتجاج، عن ابي محمّد العسكرى، في قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ

______________________________

(1) التنقيح بحث الاجتهاد و التقليد ص 218.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 125

هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ قال هذه، لقوم من اليهود، إلى ان قال و قال رجل للصّادق عليه السّلام إذا كان هؤلاء العوام، من اليهود، لا يعرفون الكتاب، الّا بما يسمعونه من علمائهم، فكيف ذمّهم بتقليدهم و القبول من علمائهم و هل عوام اليهود، الّا كعوامنا، يقلّدون علمائهم، إلى ان قال، فقال عليه السّلام: بين عوامنا و عوام اليهود فرق، من جهة و تسوية من جهة، امّا من حيث الاستواء، فانّ اللّه ذمّ عوامنا بتقليدهم علمائهم، كما ذمّ عوامهم و امّا من حيث افترقوا، فان عوام اليهود، كانوا قد عرفوا علمائهم، بالكذب الصّراح و اكل الحرام و الرّشا و تغيير الاحكام و اضطرّوا بقلوبهم، الى انّ من فعل ذلك فهو فاسق، لا يجوز ان يصدّق على اللّه و لا على الوسائط، بين الخلق و بين اللّه، فلذلك ذمّهم و كذلك عوامنا، إذا عرفوا من علمائهم، الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التّكالب على الدنيا و حرامها، فمن قلّد مثل هؤلاء، فهو مثل اليهود الّذين ذمهم اللّه بالتقليد، لفسقة علمائهم، فامّا من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لامر مولاه، فللعوام ان يقلّدوه، و ذلك، لا يكون الّا بعض فقهاء الشيعة، لا كلّهم، فانّ من ركب من القبائح،

و الفواحش، مراكب علماء العامة، فلا تقبلوا منهم، عنّا شيئا و لا كرامة و انما كثر التّخليط، فيما يتحمّل عنّا اهل البيت لذلك، لانّ الفسقة يتحمّلون عنّا، فيحرّفونه باسره، لجهلهم و يضعون الاشياء عل غير وجهها، لقلّة معرفتهم و آخرون يتعمّدون الكذب علينا، الحديث» و أورده العسكرى عليه السّلام في تفسيره» «1».

وجه الاستدلال قوله عليه السّلام و أمّا من كان من الفقهاء الخ، يدلّ على اعتبار العدالة، لانّ العادل يصون نفس و يحفظ دينه و يخالف هواه و يطيع امر موله و كذا يدلّ عليه بعض فقرته الآخر.

______________________________

(1) الرواية 20 من الباب 10 من ابواب صفات القاضي من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 126

و اورد على الرّواية، تارة بضعف السّند و تارة بعدم الدلالة، على اعتبار العدالة في المجتهد و المقلد و انّ موردها، هو اصول الدّين و لا يصحّ التقليد فيه، فلا بدّ من حمل التقليد، على غير التقليد، المصطلح، فلا تكون الرواية، مربوطة بباب التقليد، الّذي هو محل الكلام في الفروع، و انّه على كلّ حال لا يستفاد منها، الّا اعتبار الوثوق في المقلّد، بقرينة صدر الرواية و ذيلها، لا ازيد من ذلك، من اعتبار العدالة.

اقول امّا ضعف سند الرواية، فيمكن دعوى انجبار ضعفه بالعمل و امّا دلالتها، فلا وجه لاختصاصها، باصول الدّين و لو لم نفهم بعض فقراتها، من حيث انّه ورد في الاصول، او الفروع و لكنّ الظاهران قوله عليه السّلام، فامّا من كان من الفقهاء الخ» يدلّ على ما يساعد، مع من له ملكة العدالة، لانّ العادل ليس الّا من كان صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه فتأمل.

كما انّ التوقيع الشريف «و اما

لحوادث الواقعة الخ»، لا يدلّ على عدم اعتبار العدالة، بدعوى اطلاقه، لعدم اطلاق له، إذ كيف يجعل روحى فداه، الفاسق حجّة من بل نفسه على الناس.

الثّاني: دعوى الاجماع على اعتبار العدالة في المجتهد.

و فيه عدم حصول اجماع تعبّدى على اعتبارها، نعم كما قلنا في وجه اشتراط الايمان فيه، يكون المرتكز عند المتشرعة، اعتبار العدالة في المجتهد و هذا الارتكاز، ليس الا من باب كون مذاق صادع الشرع، هو هذا.

تتمّه بعد ما لم يكن من مادة العدالة، بهيئاتها المختلفة، ذكر في الآيات و الأخبار المربوطة بالباب، و لا في معقد اجماع، محصل ذكر منها، فما يمكن أن يقال في المقام و ان عبّر في مقام، ذكر الشّرط كلمة «العدالة» هو انّه بعد ما لا اشكال، في عدم جواز اشتغال الفاسق، هذا المنصب، لكونه خلاف مذاق الشرع، فمن يكون تاركا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 127

للواجبات و غير مجتنب عن المحرمات، ليس له المرجعيّة و تصدّى هذا الأمر بنظر الشرع.

فالصّالح له، من يكون موثوقا بدينه و ملتزما بلوازم الشرع و هذا ينطبق مع العدالة اللغوية و هي الاستقامة و الاستقامة، في الدّين عبارة عن الالتزام بلوازم الدين.

كما ان مقتضى بعض الأخبار، من الأمر بالرّجوع، الى من كان صائنا لنفسه الخ، يساعد مع الاستقامة في الدين و ظاهره اعتبار هذه الأمور، من صيانة النفس و اخواتها و من يكون له استقامة في الدين، يكون متصفا بهذه الصفات و غرضنا انه ليس في الادلة، ذكر من اعتبار هذه الهيئة، اى العدالة، حتّى نبحث في ان المعتبر فيها الملكة، أم لا؟، نعم لو قلنا باعتبار العدالة في المجتهد، من باب الاولويّة، بانّه بعد ما نرى، من

اعتبارها، في امام الجماعة و الشاهد، فبطريق الاولى تعتبر في المجتهد، ثمّ يقال حيث انّ الوارد في امام الجماعة و الشاهد، لفظ العدالة، ففي المجتهد يعتبر كلمة العدالة بذة الهيئة، ثمّ ينبغى البحث بعد ذلك، عن موضوع العدالة و انّه هل المعتبر فيها، الملكة أم لا؟

و ليكن هذا في ذكرك، لعلّه ينفعك في المسألة الآتية إن شاء اللّه.

الشرط الخامس: الرّجولية

لا يرى العقل دخلها في المجتهد اصلا و لهذا لو كنّا نحن و حكم العقل، كنّا نجوّز تقليد المرأة، المجتهدة في فرض واجديّتها لسائر الشرائط، المعتبرة.

لكن كما قلنا عند التعرّض، لشرط الايمان، بانّ المرتكز عند المتشرعة، مع ما يرون من نظر الشارع، بكيفيّة وظيفة المرأة، هو اعتبار الرّجولية، لانّ الافتاء كالقضاء، محتاج إلى تبرّز و ظهور عند الناس و معاشرات، ينافي ما يكون مطلوبا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 128

عند الشارع، للمرأة المسلمة من تحجّبهما و سترها و اشتغالها بتدبير المنزل و شئون البيت و تربية الأولاد و حفظها، عمّا يترتّب على اختلاطها، مع الرجال و دخولها مع الرّجال في المجامع و المحافل بارزة متبرجة، من المفاسد الّتي ابتلت بها، المرأة في عصرنا هذا.

و ما يتوجّه على المجتمع البشرى، من هذه النّاحية لاجل الحرية الكاذبة، الحاصلة للنّساء كاف لأن نفهم انّ نهى الاسلام، عن كشف حجاب النساء و وجوب كونهنّ، في جلباب العفاف و الحياء يكون له حكما كثيرة و فوائد شتى.

و الحاصل أنّ المرأة و ان كانت احد ركنى اجتماع البشرى و حقوقها عظيمة في الاسلام لكن مع ذلك لها، وظائف خاصّة، لا يمكن لها، الدّخول في شئون الرجال، كما لا يجوز للرّجال، الدخول و الشركة في شئون النساء.

الشّرط السادس: الحرّية،

لا وجه لاعتبارها، في المجتهد عقلا، لعدم فرق في نظره، بين الحرّ و العبد، إذا كانا مجتهدين صالحين للفتوى.

و لا شرعا لعدم دليل، على اعتبارها من الشرع و مجرّد كونه، مملوكا لا يوجب عدم صلاحيته لها، فالحقّ عدم اشتراط الحرّية في المجتهد.

الشّرط السّابع: أن يكون مجتهدا مطلقا،

امّا بناء على عدم إمكان التجزّي، في الاجتهاد، فلا اشكال في اشتراطه، لانّ المتجزّى، لا يكون مجتهدا، حتّى يجوز تقليده، و لكن الحقّ قابليته للتجزّى.

و اما بناء على قابليّته للتجزّى، يقع الكلام في اشتراط كونه مجتهدا مطلقا، و عدمه، فنقول بعونه تعالى.

ان الدّليل على وجوب التقليد، على ما عرفت في محله، ان كان حكم العقل:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 129

فتارة يكون المجتهد منحصرا بالمتجزّى:

و تارة لا يكون منحصرا به، امّا فيما يكون منحصرا به، فلا فرق في نظر العقل، بين كون المجتهد مجتهدا مطلقا، و بين كونه متجزّيا، ففى ما كان المتجزّى عالما و عارفا ببعض المسائل، يجوّز العقل، الرّجوع إليه، في كلما هو عالم به، عن اجتهاد كما يجوّز الرّجوع، الى المجتهد المطلق.

و اما فيما لا يكون منحصرا به، بل يكون مجتهدا مطلقا أيضا في البين، فلا يبعد كون المتيقّن، بنظر العقل، وجوب الرجوع، الى خصوص المجتهد المطلق، في كلّ مورد، قلنا بتعين تقليد الاعلم، بحكم العقل بالملاك المذكور فيه و قدّمنا ذكره في محله.

و اما ان كان الدّليل على وجوب التقليد، او جوازه بعض الآيات، مثل آية السؤال، او بعض الأخبار، فالمتيقن منه هو المجتهد المطلق، فكيف يمكن ان يقال، بان من أجتهد مسئلة، او مسائل من الفقه، انّه من اهل الذكر، الّذي أمر اللّه تعالى بالسؤال عنه، أو انّه ممن عرف احكامنا و نظر في حلالنا

و حرامنا، نعم يمكن ان يقال، بانّ قوله روحى فداه في التوقيع الشريف «فارجعوا فيها الى رواة حديثنا الخ»، يشمل المتجزّى أيضا و ان كان مجال للمنع أيضا، من باب عدم اطلاق له، يشمل حتى العارف بمسألة.

و على كل حال لو قلنا، بعدم دلالة بعض الآيات و الأخبار على جواز الرجوع، الى المتجزّى و عدم شموله بالعموم، او الاطلاق له، فلا اقلّ من عدم دلالته، على عدم جواز الرّجوع إليه، بحيث يكون رادعا، عما يحكم به العقل، من جواز الرّجوع إليه، في صورة الانحصار به و في صورة العلم بكون فتواه، مطابقا مع فتوى المجتهد المطلق و بعد عدم ورود، ردع من الشّارع، يكون حكم العقل متّبعا، فتكون النتيجة، هو التفصيل، بين ما يكون منحصرا بالمتجزّى، أو انّه و لو لم يكن منحصرا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 130

به، يعلم بكون فتواه، مطابقا مع فتوى المجتهد المطلق، فيجوز تقليده و بين ما لا يكون المجتهد منحصرا به، او يعلم باختلاف فتواه، مع فتوى المجتهد المطلق، أو يكون شاكا باختلاف فتواهما، فلا يجوز تقليده.

الشّرط الثامن: الحياة،

اعلم انّ الكلام، في هذا الشّرط، قد مضى في طىّ المسألة التاسعة، و نقول موجزا، بان الكلام، تارة يقع في جواز تقليد الميت ابتداء و تارة في جاز البقاء على تقليد الميت و في كلّ منهما يقع الكلام، تارة فيما يكون حكم العقل و تارة فيما يحكم به الشرع.

اما مقتضى حكم العقل، فهو جواز تقليد المجتهد، سواء كان حيا او ميّتا و سواء كان النّظر الى تقليده ابتداء، او بقاء، لانّ الميزان، رجوع الجاهل الى العالم و لا فرق في نظره بين الصّور.

و اما مقتضى حكم الشرع، امّا الكلام،

في جواز البقاء على تقليد الميت و عدمه.

فقد مرّ من جوازه، فيما يعدّ البقاء على تقليد الميّت و حيث انّه قد بيّنا، في المسألة الثامنة، انّ التقليد عبارة عن نفس العمل، على طبق رأى المجتهد، فيجوز البقاء في خصوص المسائل، الّتي عمل بها المقلّد، حال حياة المجتهد و في غير ما عمله، لا يجوز البقاء، لعدم صدق البقاء، و لعدم تحقّق التقليد الّا بالعمل.

و امّا الكلام، في جواز تقليد الميّت ابتداء و عدمه، فحيث انّه لا يوجد دليل لفظى، يدلّ على عدم جوازه شرعا، و ما كان في البين، ليس الّا الاجماع المدّعى، على عدم جوازه، فلاجله نقول بعدم جوازه و لو لاه، لا مانع من تقليد الميّت، ابتداء، لعدم فرق في نظر العقل، بين حياته و مماته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 131

الشّرط التاسع: الاعلميّة

و قد عرفت، بما لا مزيد عليه، في المسألة الثّانية عشر، بوجوب تقليد الأعلم في صورتين، صورة العلم، باختلاف فتواه مع غير الاعلم و صورة شكّه باختلاف فتواهما و امّا في صورة العلم، بعدم اختلافهما في الفتوى، فيجوز تقليد غير الاعلم، كما يجوز تقليد الأعلم.

الشّرط العاشر: طهارة المولد،

ما يمكن ان يستدلّ به على اشتراطه، فيه امور:

الاوّل: دعوى انّ ولد الزنا كافر.

الثّاني: دعوى الاجماع، على اشتراطه فيه.

الثّالث: كون ذلك منقصة و اىّ منقصة، نفهم من مذاق الشارع، عدم امكان جعل ولد الزّنا، في مقام الافتاء و المرجعيّة العظمى، كيف و بعد عدم تجويزه إمامة ولد الزّنا في الجماعة، كيف يجوّز مرجعيته.

و لو اشكل في الوجهين الاوّلين، يمكن القول باشتراطه فيه للوجه الثّالث.

الشّرط الحادى عشر: أن لا يكون مقبلا على الدنيا و طالبا لها،

مكبّا عليها، مجدّا في تحصيلها.

أقول: ان كان نظر المؤلف رحمه اللّه، عن ذكر هذا الشّرط، امرا غير العدالة و مرتبة اعلى منها، كما هو ظاهر جعله شرطا مستقلا، فلا دليل عليه، لانّ ما ذكره، هو جزء من الرواية المتقدمة ذكرها، في طىّ شرط العدالة، عن ابي محمد العسكرى عليه السّلام، فهى مضافا الى ما ذكر، من ضعف سندها، لا يستفاد منها، الّا اعتبار العدالة، لانّ قوله عليه السّلام «ان لا يكون مقبلا على الدّنيا الخ» عبارة اخرى، عمّا يشترط في الدالة، إذا كان النظر في اقبال الدنيا، الاقبال المذموم كما هو ظاهرها.

و ان كان النظر الى اشتراط العدالة، فهو تكرار و لا بأس بالاستدلال عليها؛

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 132

بهذه الرواية كما ذكرنا.

***

[مسئلة 23: العدالة عبارة عن ملكة اتيان الواجبات و ترك المحرّمات]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: العدالة عبارة عن ملكة اتيان الواجبات و ترك المحرّمات و تعرف بحسن الظّاهر الكاشف عنها، علما او ظنا و تثبت بشهادة العدلين و بالشّياع المفيد للعلم.

(1)

أقول: الكلام في جهتين: الاولى في معنى العدالة: الثّانية فيما عرفت به العدالة.

و قبل التكلم في الجهتين، ينبغى أن يقال: ان ما يخطر بالبال، هو انّ البحث عن موضوع العدالة و ما يعرف بها و إن كان بحثا مفيدا لغير المورد، و لكن في خصوص المورد، لا معنى للبحث عنها، لعدم وجود هيئة، من هيآت مادة «ع د ل» بهيئة العدالة و لا بغيرها، في رواية مربوطة بما نحن فيه و لا فيه و لا في معقد اجماع.

بل غاية ما تشبثنا به على اعتبارها، في المجتهد، امّا ما قلنا من ان موقعيّة المجتهد و مقام الافتاء، موقعيّة لا تناسب مع المنقصة الدّينية، فلا يمكن الالتزام، بان الشارع، يجعل في

مقام الافتاء، من له منقصة دينية، باخراجه عن جادة الشّرع، بارتكابه الحرام، او تركه الواجب و في مقام التّعبير، يقال بمن يكون في جاده الشرع، غير منحرف عنها، انّه عادل، لانّ العدالة بمعناها اللغوى، هى الاستقامة، فالاستقامة على جادة الشّرع، هي العدالة، لانّ المستقيم، على جادة الشّرع، يصون نفسه و يحفظ دينه.

و اما بعض الروايات، مثل ما في رواية ابي محمد العسكرى عليه السّلام «من كان من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 133

الفقهاء صائنا لنفسه الخ» هو من يكون آتيا، بالواجبات و مجتنبا عن المحرمات و هذا معنى العدالة اللغوية لانّ المستقيم على جادة الشّرع، يصون نفسه و يحفظ دينه.

و الحاصل انه ليس في البين كلمة العدالة، حتى نبحث عما هو مفهومها و انّه هل هي عبارة عن الملكة، كما ترى في كلماتهم، او التّكلم في انه هل تكون لها، حقيقة شرعية أم لا، كما في التّنقيح، «1» بل من يأتي بالواجبات و يترك المحرّمات و ينهى نفسه عن هواه و يكون في طريق طاعة مولاه، يجوز تقليده، سواء كان ذلك عن ملكة باعثة على ذلك او لا؟.

نعم لو قلنا باشتراط العدالة، في المجتهد، من باب الاولويّة، بلحاظ اعتبارها في الشاهد و امام الجماعة، ففي المجتهد بطريق الاولى، فحيث انّ الشرط فيهما، العدالة بهذه الهيئة، فبعد اثبات الاولويّة اعتبار هذه الكلمة اى العدالة، فلا بدّ عن البحث فى موضوعها، إذا عرفت ذلك نقول:

اما الكلام في الجهة الاولى: [في معنى العدالة]

فنقول قد عرّفت العدالة بتعاريف:

احدها هو ما اختاره المؤلّف رحمه اللّه من انّها ملكة، اتيان الواجبات و ترك المحرّمات، او ملكة باعثة، على اتيان الواجبات و ترك المحرّمات و على اختلاف التعابير، جعل في هذا التفسير، العدالة الملكة

و دخلها فيها و الى هذا التعريف يرجع تعريفها، بانّها ترك المحرّمات و فعل الواجبات عن ملكة، لانّ في هذا لتعريف كسابقه، جعلت الملكة، دخيلة فيها، غاية الأمر، في التعريف الثّاني، جعلها الفعل الخارجى و هو فعل الواجبات و ترك المحرّمات و في التعريف الاوّل، جعل نفس الملكة عدالة و لكن اعتبر في كل منهما، أن يكون فعل الواجبات و ترك المحرّمات، عن

______________________________

(1) التنقيح مجلد الاجتهاد و التقليد ص 254.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 134

ملكة راسخة موجبة لذلك، فلا يكفى في كل منهما، في تحقّق العدالة، مجرّد فعل الواجبات و ترك المحرّمات، كما انه لا يكفى مجرّد الملكة و لو لم تبعث الى فعل الواجب و ترك الحرام، انّ فعل الكبيرة يضرّ بالعدالة.

ثانيها: انّها عبارة، عن نفس فعل الواجبات و ترك المحرّمات، بدون دخل الملكة فيها.

ثالثها: انّها عبارة عن حسن الظّاهر.

رابعها: انّها عبارة عن الاسلام و عدم ظهور الفسق في الخارج.

إذا عرفت ذلك، نقول أنّ العدالة، في اللغة الاستقامة و الاستقامة في كل شي ء بحسبه، فمعنى العدالة في الاخلاق و استقامتها، عدم انحراف صاحبها، عن حدّ التوسط و التحرّز عن الوقوع، في الافراط و التفريط، كما انّ العدالة في مقابل الجور، هو الاستقامة و عدم التعدّى و التجاوز و على هذا تكون العدالة في الدّين، الاستقامة فيه و عدم الانحراف، عن طريق الشّرع و هي تحصل بفعل الواجبات و ترك المحرّمات، و هل المعتبر، في العدالة بمعناها اللغوى و هي الاستقامة امرا آخرا، عند الشّرع و بعبارة اخرى، لها حقيقة شرعية، او متشرّعية أم لا.

قد يقال بانّ العدالة، في الشرع عبارة عن ملكة، تبعث صاحبها، على فعل الواجبات و ترك

المحرّمات و يستدلّ على ذلك بامرين:

الأمر الاوّل: انه مع الشّك في اعتبار الملكة و عدمها في العدالة، فمهما تكون الملكة موجودة و كون فعل الواجبات و ترك المحرّمات، عن الملكة، يترتّب الأثر المترقب عليها و اما لو ترك المحرّمات و اتى بالواجبات، مع عدم تحقق الملكة، فيشكّ، في انّه هل يترتب آثار العدالة، أم لا؟ فالأصل عدم ترتّب الأثر عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 135

و فيه أنه بعد كون معنى العدالة، مبينا في اللّغة و هو الاستقامة و تكون الاستقامة في الدّين، المشى في سبيله، باتيان الواجبات و ترك المحرّمات، فإذا شككنا في تقييدها بالملكة و عدمه، فببركة الأصل، نحكم بعدم تقييدها بها، مضافا الى أنّ مفهومها، لو فرض إجماله، لا يضرّ لنا، لانّه بعد كون تخصيص العام، و هو العموم الدّال على وجوب الرّجوع الى المجتهد، او حجّية قوله بالدّليل المنفصل، فلا يوجب إجماله، لاجمال العامّ، بل في الزائد على القدر المتيقن من التخصيص، يكون المرجع عموم العام، للزوم الاقتصار، على القدر المتيقن و في المقام يكون الأمر كذلك، لانّ تخصيص حجّية فتوى المجتهد، بصورة العدالة، يكون بالدّليل المنفصل فافهم.

أقول اعلم انّ هذا الوجه و كذا جوابه، يفيد فيما لا يكون في البين، دليل لفظىّ يقتضي اعتبار الملكة، او يقتضي عدم اعتبارها، امّا مع قيام الدّليل اللّفظى على احد الطّرفين، لا تصل النّوبة بالاصل و لا بجوابه.

الأمر الثّاني: دعوى دلالة بعض الاخبار عليها:

منها ما رواها ابو علي بن راشد، قال قلت لابي جعفر عليه السّلام ان مواليك قد اختلفوا، فاصلى خلفهم جميعا، فقل لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه «1».

و مثلها رواية اخرى الواردة في صلاة الجماعة «2».

و هل

المراد من الرواية، كون الشخص موثوقا به، من حيث العمل بالوظائف، او المراد كونه موثوقا به، في ولايته و تكون في مقام النهى عن الصلاة، خلف المخالف و عدم جواز الاقتداء به، لعدم قابليّته لامامة الجماعة، كما يستفاد ذلك، من بعض اخبار الباب.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 136

و على كلّ حال ليس فيهما، ما يدلّ على اعتبار العدالة، حتّى بعد اعتبارها، نبحث في انّ المعتبر فيها، الملكة او لا؟.

منها ما رواها عبد اللّه بن ابي يعفور، قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام، بم تعرف عدالة الرّجل، بين المسلمين، حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم، فقال أن تعرفوه بالسّتر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللّسان و يعرف باجتناب الكبائر، الّتي عد اللّه عليها النّار او من شرب الخمر و الزّنا و الرّبا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك و الدّلالة على ذلك كلّه، أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و اظهار عدالته في الناس و يكون منه التعاهد، للصّلوات الخمس، إذا واجب عليهنّ و حفظ مواقيتهن، بحضور جماعة من المسلمين و أن لا يتخلّف عن جماعتهم، في مصلّاهم الّا من علّة، فإذا كان كذلك لازما لمصلّاه عند حضور الصّلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته، قالوا ما رأينا منه الّا خيرا، مواظبا على الصّلوات، متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فانّ

ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين و ذلك انّ الصّلاة ستر و كفّارة للذّنوب و ليس يمكن الشهادة على الرجل، بانّه يصلّى إذا كان لا يحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين و انّما جعل الجماعة و الاجتماع الى الصّلاة، لكى يعرف من يصلّى ممن لا يصلّى و من يحفظ مواقيت الصّلاة، ممن يضيّع و لو لا ذلك، لم يكن احد ان يشهد على آخر بصلاح، لانّ من لا يصلّى، لا صلاح له بين المسلمين، فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، همّ بأن يحرق قوما في منازلهم، لتركهم الحضور لجماعة المسلمين و قد كان فيهم، من يصلّى في بيته، فلم يقبل منه ذلك و كيف يقبل شهادة او عدالة بين المسلمين، ممن جرى الحكم، من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله، فيه الحرق في جوف بيته بالنّار و قد كان، يقول لا صلاة لمن لا يصلّى في المسجد مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 137

المسلمين الّا من علّة» «1».

وجه الاستدلال، امّا دعوى، انّ ظاهر قول السائل «بم تعرف عدالة الرجل» و ان كان السّؤال، عن مفهوم العدالة، لكن بعد ما يكون ظاهر جواب الامام عليه السّلام، في قوله «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف، يدلّ على كون العدالة ملكة، لعدم قابليّة جعل السّتر و العفاف، الذين من الملكات، طريقا الى شي ء آخر، يكون هذا الشّي ء، مفهوم العدالة، لانّه ليس ما وراء الملكة، امرا آخرا، يكون هو العدالة و هاتان الصفتان و الملكتان تكونا معرّفين طريقين إليه، لانّه لم يقل انّ العدالة، آمر آخر، فلا بدّ من حمل السّؤال، بقرينة ظاهر الجواب، عن مفهوم العدالة، فالسّائل، سئل عن

مفهومها، بقوله بم تعرف العدالة» و الامام عليه السّلام أجاب بانّ العدالة، عبارة عن الستر و العفاف و هما من الملكات و من «كف البطن و الفرج و اليد و اللسان» و هي من سنخ الأفعال و يكون قوله عليه السّلام بعد ذلك، «و يعرف باجتناب الكبائر الخ» أيضا، جزء الجواب، عن مفهوم العدالة، و قوله عليه السّلام «و الدلالة على ذلك كله الخ» يؤيّد، او يدلّ على انّ السّؤال و الجواب، أوّلا عن مفهوم العدالة ثمّ هذه الجملة، اى جملة «و الدّلالة على ذلك كله الخ» بظاهرها، تكون طريقا، الى ما ذكر من بيان المفهوم و لو جعل قوله عليه السّلام في صدر الرواية «ان تعرفوه الخ»، بيان معرّف العدالة، فكان اللازم أن يكون قوله عليه السّلام، بعد ذلك «و الدلالة على ذلك كله الخ» طريقا آخرا، او طريقا، الى طريق و هو خلاف الظّاهر، فالظّاهر، المناسب، كون الجملة الاولى: بيانا لمفهوم العدالة و الثّانية بيان الطّريق، الى هذا المفهوم.

و امّا دعوى انّ الظاهر من السّؤال و هو قوله «بم تعرف العدالة» سؤالا، عن الحدّ الحقيقى، المنطقى، للعدالة، فيكون جواب الإمام عليه السّلام في قوله «ان تعرفوه الخ»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 138

طبعا، جوابا عن مفهوم العدالة و حدّها، و الفرق بين هذا الدّعوى و بين الدعوى الاوّل، هو انّه في الاوّل، لا ينكر المدّعى، كون الظّاهر من السؤال، في حد ذاته، عن المعرّف و طريق العدالة، بعد تبيّن مفهومها، في نظر السّائل و لكن بقرينة جواب الامام عليه السّلام، من ذكر ما لا يمكن جعله طريقا، يدّعى بانّ

الجواب عن المفهوم و يحمل السؤال، بقرينة الجواب، على السؤال عن مفهوم العدالة، لكن في الدعوى الثّاني، يدّعى ظهور نفس السؤال، فى السؤال عن الحدّ و مفهوم العدالة و كذا جواب الامام عليه السّلام، يكون عن سؤال الحدّ و المفهوم.

و على كلّ حال يتوقف الاستدلال، على كون النظر في قوله عليه السّلام «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف» الى أنّ واجد العدالة، يكون صاحب ملكة السّتر و العفاف و بعد كون المراد، من الستر لغة التغطية و العفة، فتكون الملكة معتبرة في العدالة.

و قد اورد على الاستدلال أوّلا، بضعف سندها و ثانيا بانّ الظاهر من السؤال و الجواب، كون النظر الى ما يعرف به العدالة، لا الى مفهومها و بعبارة اخرى، ليس السؤال عن الحدّ المنطقى، كما هو الظاهر في امثال العبارة الواقعة، في السؤال و الجواب، لا لما قيل من انّ المعرّف المنطقى، من المصطلحات المستحدثة، في المنطق و لم يتعاهد ذلك، من كلام السائل.

لانّ هذا كلام غير تمام، إذ كون المعرّف و تقسيمه بالحدّ و الرّسم و اصطلاحه مستحدثا، لا يوجب عدم وجود حقيقتها، في عرف السائل، لانّ المنطق و حقيقته، يكون معهودا عند الناس و لو لم يكن في قالب الاصطلاح و لا يبعد أن يسأل الشخص، عن حقيقة الشّي ء من حدّه، او رسمه و لو لم يقف على ما هو المصطلح، عند اهل فنّ المنطق، من القواعد كالحدّ و الرسم، مضافا الى أنّ هذه الاصطلاحات، لم يحدث بعد صدور الرواية، فيمكن وقوف السائل عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 139

بل لما قلنا من انّ الظاهر، من السؤال و الجواب، إذا عرض على العرف، يفهم العرف، أنّ النظر، بعد تبيّن

مفهوم العدالة عنده و هو الاستقامة و عدم الاعوجاج عن جادة الشّرع، يكون إلى ما يعرف به هذا المفهوم، كما انّه ربما لا ينكر الخصم، هذا الظّهور كما بيّناه، في وجه الاستدلال بالتقريب الاوّل و لا دافع لهذا الظّهور، الّا ما قيل من انّه، بعد جواب الامام عليه السّلام، بقوله «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف» مع كونهما من الملكات، لا بدّ أن تقول، امّا بانّ السّتر و العفاف الخ، هو العدالة، فمعنى كونهما العدالة، هو انّ العدالة الملكة و امّا بأن تقول، انّ الستر و العفاف، مع كونهما ملكة، مع ذلك هما معرّفان لشي ء آخر، يكون هو العدالة، فيقال، انّه مع عدم تعقّل امر آخر ما وراء الملكة، حتّى تكون ملكة السّتر و العفاف، معرّفة له و لا يلتزم به، القائل بعدم اعتبار الملكة، كما لا يلتزم به، القائل باعتبار الملكة في العدالة، فلا بدّ من أن يقال، انّ حاصل السؤال، مع ضمّه بما ذكر في الجواب، يرجع الى بيان، نفس مفهوم العدالة، لا الى ما يعرف به العدالة و بعد كون النظر الى مفهومها، فمفهومها، حيث يكون من سنخ الملكة، فيعتبر في العدالة الملكة.

و في جواب ذلك، نقول بعونه تعالى، امّا أوّلا، ان كون الستر و العفاف، من الصفات النفسانيّة غير معلوم، بل معلوم العدم، لانّ الستر بمعنى التغطية و المراد به، امّا انه ساتر لعيوبه، كما يشهد به قول عليه السّلام في الخبر «و الدلالة على ذلك، كلّه ان يكون ساترا لجميع عيوبه الخ» و امّا انّ المراد انّه مستور عند النّاس، بمعنى عدم تجاهره بالمعاصي و السيئات و كلّ منهما يكون من سنخ الافعال.

و كذلك العفاف، لانّ معنى كون الشخص، ذا عفة،

كونه ممتنعا، عمّا لا يحلّ عليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 140

و هذا الجواب ذكره، بعض شرّاح العروة «التنقيح» «1» الا ما ذكرته بعنوان الشاهد، من دلالة قوله عليه السّلام «و الدلالة على ذلك كلّه، أن يكون سترا لجميع عيوبه».

و لكن ما يأتي بالنظر، عدم تماميّة هذا الجواب، لانّ معنى كون الشخص، ساترا او عفيفا، هو واجديته لملكة الستر و العفاف و أثرها حفظ نفسه، عن العيوب فى نفسه، او عند الناس، او ترك ما لا يحلّ له و لهذا كما اعترف المجيب، يكون قوله عليه السّلام «و الدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه» طريقا إليها، فله ملكة الستر، تبعثه إلى ان يستر جميع عيوبه.

و ثانيا: سلّمنا، كون الستر و العفاف، من الصفات النفسانية و لكن ما صرح في الحديث «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف» و عرفان الشخص بالسّتر و العفاف، يكون طريقا إلى العدالة و عرفانه بهذه الصفة، ليس من الصفات النفسانية، بل يحصل بترك المحرّمات و فعل الواجبات و السّتر عن الناس، او عن العيوب و على كلّ حال يكون من سنخ الافعال.

و ثالثا: كما ترى جعل عليه السّلام المعرّف «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللّسان الخ» و لا اشكال في كون كفّ البطن و اخواته من سنخ الافعال و يكون مقتضى، ما يدّعى المستدلّ بالحديث، على اعتبار الملكة، كون العدالة، عبارة عن الملكة و ان كان هذه الفقرة، في مقام بيان مفهوم العدالة، يلزم ان يكون كفّ البطن و اخواته، جزء مفهوم العدالة و الحال ان المدّعى، يدّعى انّها عبارة عن ملكة، تنبعث صاحبها الى كف البطن و

الفرج و اليد و اللسان، فمن هنا، نكشف ان كلّ هذه الاشياء، كاشف للعدالة و طريق إليها و العدالة مفهومها، غير هذه الاشياء و هو الاستقامة و ان فرض كون الستر و العفاف من الملكات، لما قلنا من انّ موضوع

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 266.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 141

الكلام، هو عرفان الشخص بالسّتر و العفاف من الملكات.

و رابعا كما قلنا ان العدالة، عبارة عن الاستقامة لغة و معنى الاستقامة في الدين، كون الشخص في جادة الشرع و هذا المقدار، معلوم عند السائل، لكن السائل لا يدرى، ما هو اثرها الخاصّ في الخارج، بحيث يكون كاشفا قطعيا لها، حتّى به يعرف العدالة، و الامام عليه السّلام و ان جعل عرفانه بالسّتر و العفاف طريقا و الحال انّها من الملكات و الصفات النفسانية، لكن لا ينافي ذلك كونهما، طريقا الى مفهوم العدالة، لانه ربما يكون ترك المحرمات، او فعل الواجبات، عادة و خلقا لأحد و مع ذلك لا يكون ذلك، من جهة الديانة و الخوف عن اللّه تعالى، بل لبعض دواع آخر، مثل صيرورته محبوبا عند الناس، و اما كون ذلك، اى هذه الاستقامة من ترك الحرام و فعل الواجب للّه تعالى، لا يعلمه الا هو، فجعل هذه الاوصاف، طريقا تعبّديا، من ناحية الشارع و الحاصل انه لا ينافي كونهما، ملكة، مع كونهما طريقا، كما ذكر في وجه الاستدلال، من انّه لا نعقل امرا آخرا، ما وراء الملكة، يسمى عدالة، بل يمكن كونهما طريقا، مع فرض قبول كونهما من الملكات، و هذا الوجه ذكره شيخنا الاستاد آية اللّه الحائرى اعلى الله مقامه، ردّا على من يحمل الكلام، على التعريف المنطقى، في

كتاب صلاته.

أقول لكن هذا الوجه، لا يثبت انّ العدالة مجرّد ترك الحرام و فعل الواجب، بدون كونه منبعثا عن الملكة، لانّ غاية ما يثبت هذا البيان، كون السّتر و العفاف، طريقا الى العدالة و هى الاستقامة و امّا بعد قبول كونهما من الملكات، فلا بدّ من وجود الملكة، في تحقّق العدالة، امّا لكون نفسها الملكة، و امّا لكون طريقها الملكة، بل يمكن ان يقال، بعد اعتبار الملكة في طريقها و كاشفها، فمن المسلّم، اعتبرت الملكة في نفسها، فهذا الوجه لا يكفى، لردّ من يقول بانّ العدالة الملكة، فالعمدة في كون السؤال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 142

و الجواب عن الكاشف و طريق العدالة، الجواب الثّاني و الثالث.

و امّا ما قيل، منه انّه لو جعل قوله عليه السّلام، ان تعرفوه الخ طريقا ينافي مع كون قوله عليه السّلام، بعد ذلك «و الدّلالة» على ذلك كله الخ» طريقا، لانّ الطريق بعد الطريق، خلاف الظّاهر.

ففيه انّه بعد كون الظّاهر المتعيّن، كون الجملة الاولى طريقا، لما عرفت، من الوجوه، فتحمل الجملة الثانية، على انّها طريق بعد الطريق.

و لعلّ وجهه، انّ فهم العدالة، من الطريق الاوّل، يكون محتاجا، إلى معاشرة تامّة، فللتسهيل جعل طريقا آخر و هو كونه ساترا لعيوبه، بين أظهر الناس، فجعل ستره في الملأ، طريقا على عدم كونه، على خلاف جادة الشّرع مطلقا، حتّى في السّر، كما انّه جعل طريقا ثالثا، لمن لا يكون معاشرا مع الشّخص، الّا في اوقات الصلاة و هو حضوره عند الصلاة في الجماعة و مواظبته لها، طريقا الى عدالته.

و مما مرّ يظهر لك فساد ما قيل، من انّ قوله عليه السّلام «ان تعرفوه» ان كان طريقا، لا يناسب

مع كون قوله عليه السّلام «الدلالة على ذلك الخ» طريقا، لانّه ان كان الثاني طريقا آخرا، فيكون لها طريقان، فبعد كون الاوّل أخصّ، يكون الطّريق الثّاني لغوا.

و ان كان طريقا، الى الطريق الاوّل، فمع بعده، ينافي مع قوله عليه السّلام «و يجب عليهم تذكيته و اظهار عدالته» فان ظاهره، انّ هذا طريق الى العدالة، لا طريق الى، طريق العدالة.

وجه الفساد امّا أوّلا: فلانّه لا مانع، من كون الثّاني طريقا آخرا، فيكون لها طريقان، و ليس الاوّل اخصّ من الثّاني، إذ قوله عليه السّلام «و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون ساترا، لجميع عيوبه، حتّى يحرم على المسلمين، ما وراء ذلك الخ» ليس أعمّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 143

من الاوّل، بل من يكون سترا لجميع عيوبه بحيث يحرم على المسلمين، ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه، فهو يلازم، مع كونه من اهل السّتر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان و مجتنبا للكبائر.

و ثانيا: لا مانع من كون قوله عليه السّلام «الدّلالة الخ» طريقا على الطّريق الاوّل، لما قلنا، من أنّ فهم كون الشّخص، من اهل السّتر و العفاف، حيث يكون محتاجا الى معاشرة تامّة، جعل له طريقا و هو كونه سترا لجميع عيوبه، لانّه إذا لم ير منه، ما ينافى السّتر عن العيوب، يكشف عدالته و السّر في قوله عليه السّلام، بعد ذكر الطّريق الثّاني «و يجب عليهم تذكيته و اظهار عدالته» لعلّه ما قلنا، من انّه و لو لم يعاشر معه معاشرة تامة، يظهر له حاله من السّتر و العفاف، لكن مجرّد ما يرى من انّه، يستر عيوبه، كاف في الحكم بتذكيته، و اظهار

عدالته و على هذا لا مجال للتمسّك، بكون الجملة الأولى، بيان مفهوم العدالة و الثانية طريقها، بدعوى انّ ظاهر قوله عليه السّلام «يجب عليهم تذكيته الخ» كونه طريقا، الى العدالة لا طريقا الى طريقها، لما قلت من انّه بعد ما جعل الطّريق الثّاني، لمصلحة التّسهيل، فقوله فيجب عليهم تذكيته» راجعا الى طريق الطّريق، لا الى نفس الطّريق و لا يكون خلاف الظّاهر.

و في الباب المذكور و غيره، يوجد بعض الاخبار، يكون شاهدا على عدم اعتبار الملكة في العدالة فراجع.

فاذا نقول الاقوى القول الثّاني و هو تحقّق العدالة، بمجرّد فعل الواجبات و ترك المحرمات لانّ كون الشّخص اهل السّتر و العفاف الخ و بعبارة اخرى، كما في الحديث، يكون ساترا لعيوبه، يحصل بفعل الواجبات و ترك المحرمات و ان قلنا، بانّ الرّواية ضعيفة السّند و ليس فيها، مقتضى الحجّية، فأيضا نقول، بانه بعد ما كانت العدالة لغة الاستقامة، فالعدالة في الدين، عبارة عن الاستقامة، في طريق الشّرع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 144

و مقتضاه اطاعة اللّه تعالى، بفعل الواجبات و ترك محرماته و لا يأتي بالنّظر دخل أمر، ازيد من ذلك، تسمّى بالملكة

و لا تقل بانّه ليس في الحديث، ذكر من فعل الواجبات، بل ما ذكر فيه ليس الّا ترك الكبائر.

لانّه نقول أوّلا كما قيل، يكون ترك الواجبات من الكبائر أيضا.

و ثانيا كون الشّخص ساترا لجميع عيوبه يقتضي فعل الواجبات و عدم تركها لانّ تركها، من اعظم العيوب، فكيف يمكن الالتزام، بعدم دخل فعل الواجبات في العدالة.

و هل المعتبر، ترك جميع المحرمات كبيرة كانت او صغيرة، كما هو ظاهر كلام المؤلّف رحمه اللّه او المعتبر ترك الاصرار على الصّغيرة فقط و

لا يضرّ فعلها، مع عدم الاصرار:

الاقوى اعتبار ترك المحرّمات صغيرة كانت او كبيرة، لانّ قوله عليه السّلام في الحديث المذكور «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف و كف البطن» الخ، يشمل الصغيرة، فمن لا يحفظ نفسه عن فعل الصغيرة، ليس من اهل السّتر و العفاف، فمن نظر مثلا لى الاجنبية فهو و ان لم يكن من الكبائر الّتي او عد اللّه عليه النّار و لكن مع ذلك ليس، من اهل الكفّ عن الفرج و كذا ليس ساترا لجميع عيوبه، فالصّغيرة عيب و نقص.

و اما مع قطع النّظر عن الحديث، فنقول بانّه بعد ما عرفت من انّ العدالة، الاستقامة، و الاستقامة في الدّين، الاستقامة في جادة الشرع و من ارتكب الحرام، صغيرة او كبيرة، فهو غير مستقيم في صراط الشّرع و يكون معوّجا عن جادّته.

و ما تمسّك به على مانعيّة خصوص الاصرار في الصغيرة للعدالة، ليس بتمام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 145

و تمام الكلام إن شاء اللّه في باب الصلاة و الشهادات.

و اما دخل ترك خلاف المروّة في العدالة و عدمه، فمع فرض عدم كون فعل خلاف المروة حراما، لم أروجها لدخله في العدالة، لما عرفت من انّ المعتبر، الاستقامة في جادة الشرع و من يأتى بفعل على خلاف المروّة، مع عدم كونه حراما، لا يكون منحرفا عن طريق الشرع.

و ما قيل في وجه اعتباره، تار بانّ قوله عليه السّلام في الخبر المتقدّم ذكره «و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون سترا لجمع عيوبه الخ»، ظاهره اعتبار كونه سترا لجميع عيوبه و العيب أعمّ من العيب الشّرعى و العرفى.

ففيه أنّ الامام عليه السّلام بمقتضى شارعيّته و وظيفته، ليس الّا في مقام بيان

الحكم الشّرعى، لا غير ذلك، فليس إلّا في مقام بيان ما هو عيب شرعا و امّا العيب العرفى، ليس هو في مقامه و هذا معنى اقتضاء تناسب الحكم و الموضوع.

و تارة بان من لا يستحى من الناس لا يستحيى من اللّه و فيه عدم الملازمة.

الجهة الثانية: فيما يعرف به العدالة

و هي على ما ذكره المؤلّف رحمه اللّه امور:

الاوّل حسن الظّاهر الكاشف عنها، علما او ظنّا، فالكلام في موردين:

المورد الاوّل: في طريقيّة حسن الظّاهر و كاشفيته عن العدالة.

المورد الثّاني: في انّه، بعد كونه طريقا، هل تكون طريقيته، في صورة يوجب العلم او الظّن بها، او هو حجّة و لو لم يوجبهما، بل و ان كان الظّن الغير المعتبر على خلافه.

امّا الكلام في المورد الاوّل، فنقول لا اشكال في الجملة في كاشفية حسن الظاهر، اذ لا يعلم باطن الشخص الا اللّه خصوصا، فكيف يمكن الطريق بوجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 146

الملكة، بناء على اعتبارها في العدالة الّا بحسن الظاهر.

و يستدل عليه ببعض الاخبار:

منها رواية ابن ابي يعفور المتقدم ذكرها، ففيها قال عليه السّلام «الدلالة على ذلك كلّه ان يكون ساترا لجميع عيوبه الخ و هذا معنى حسن الظّاهر.

منها ما رواها عبد اللّه بن المغيرة، قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام، «رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيّين، قال كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته» و معنى معروفيته بالصّلاح، هو حسن الظّاهر له «1».

منها ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال «لا بأس بشهادة الضيف، إذا كان عفيفا صائنا» «2». و بعد معلوميّة اعتبار العدالة، يكون مفاد الحديث و اللّه اعلم كون عفته و صيانة نفسه

كاشفا عن وجود العدالة و من يكون صائن النفس، يكون له حسن الظّاهر.

منها ما رواها عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في أربعة شهدوا على رجل محسن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران، فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين، ليس يعرفون بشهادة الزور، أجيزت شهادتهم جميعا الخ» «3».

و محلّ الاستشهاد قوله عليه السّلام «ليس يعرفون بشهادة الزور» و هو دليل على حسن ظاهرهم و غير ذلك، ممّا يستفاد منه كفاية حسن الظّاهر.

المورد الثّاني، هل يكون حسن الظّاهر معتبرا في خصوص ما يوجب العلم، او الظّن بالعدالة، أو هو كاشف و معتبر و لو لم يحصل منه العلم و لا الظّن، بل هو معتبر

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3) الرواية 17 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 147

حتّى في صورة الشّك، او يكتفى بحسن الظّاهر و إن كان ظانا بمخافة حسن ظاهره مع باطنه.

أقول امّا عدم اعتبار حصول العلم، او الظّن منه بالعدالة، فلانّ ما عرفت من الدّليل، جعل حسن الظّاهر كاشفا بنحو الاطلاق و إطلاقه يقتضي، كاشفيته حتّى فيما لا يحصل منه العلم و لا الظّن بالعدالة، فلا وجه لتقييد ما دلّ من الأخبار، على كاشفية حسن الظاهر، بصورة حصول العلم او الظّن بالعدالة.

و امّا ما قيل او يمكن أن يقال، بدلالته، على كاشفية حسن الظاهر منها في صورة حصول الظّن منه بها بعض الرّوايات منها ما رواها ابو علي بن راشد، قال قلت لابي جعفر عليه السّلام انّ مواليك قد اختلفوا، فاصلّى خلفهم جميعا، فقال لا

تصلّ الّا خلف من تثق بدينه» «1».

بدعوى دلالة الرواية، على اعتبار الوثوق بالعدالة، فحسن الظاهر كاف إن كان موجبا للوثوق و الّا فلا.

و فيه أوّلا انّ الرواية ضعيفة السّند لانّ في طريقها، سهل بن زياد.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 147

و ثانيا كما قلنا سابقا، الظّاهر من الرواية كون السؤال و الجواب، عمّن يصلّى خلفه، من اهل الولاية و غيره، فقال صلّ خلف من تثق بدينه، أي بايمانه و ولايته.

و ثالثا اعتبار الوثاقة في الدّين و هو كما يعترف به المستدلّ، عبارة أخرى عن العدالة، فهذه الرواية، مما يعتبر العدالة، ان كان المراد من الوثاقة، العدالة، او يعتبر مجرّد الوثوق في الدّين و لو لم يبلغ حدّ العدالة و هذا لا ينافي مع ما يكون كاشفا للعدالة أو الوثاقة في الدّين.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 148

منها مرسلة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن البيّنة، إذا اقيمت على الحقّ، أ يحلّ للقاضى، أن يقضى بقول البيّنة، فقال خمسة أشياء يجب على الناس، الأخذ فيها، بظاهر الحكم، الولايات و المناكح و الذبايح و الشهادات و الانساب، فإذا كان ظاهر الرّجل، ظاهرا مأمونا، جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «1».

وجه الاستدلال أنّ كون الظّاهر مأمونا، معناه كونه مطابقا للواقع.

و فيه مع قطع النّظر عن السند و ارساله، لما يقال من أنّ مرسلات يونس بحكم المسندات:

انّ ظهور لو لم يكن دليلا، على اعتبار حسن

الظّاهر، حتّى فيما لا يحصل منه الظّن، لانّ معنى كونه في الظّاهر مأمونا، عبارة اخرى عن حسن الظاهر و لا يسأل عن باطنه.

و فلا اقلّ، انّ حسن الظّاهر، كاشف عن العدالة، سواء حصل منه العلم، او الظّن بها أو لا.

و هل يضرّ الظّن الغير المعتبر بالخلاف، او لا؟ لا يبعد عدم كونه مضرّا بكاشفية، حسن الظّاهر و طريقيته للعدالة.

الثّاني مما يعرف به العدالة البينة، امّا أوّلا فلعموم دليل حجّيتها، كما عرفت في المسلة 20.

و أما ثانيا بعض الاخبار الواردة في المقام، اى في باب الشهادة:

منها ذيل رواية ابن ابي يعفور المتقدّمة ذكرها، ففيها قال عليه السّلام «فإذا سئل عند

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 149

في قبيلة و محلّته، قالوا ما رأينا منه الّا خيرا الخ» بعد ضمه بالاجماع، على عدم اعتبار أكثر من البيّنة، تدلّ على حجّية البيّنة.

منها ما رواها جابر عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «شهادة القابلة، جائزة على انّه استهل او، برز ميّتا إذا سئل عنها فعدلت» «1».

و المراد من التعديل تعديلها بالبينة.

منها ما رواها علقمة، قال قال الصادق عليه السّلام و قد قلت له يا بن رسول اللّه اخبرني، عمن تقبل شهادته و من لا تقبل، فقال يا علقمة كلّ من كان على فطرة الإسلام، جازت شهادته، قال فقلت له، تقبل شهادتة مقترف بالذّنوب، فقال يا علقمة، لو لم تقبل شهادة المقترفين للذّنوب، لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليه السّلام، لانّهم المعصومون، دون ساير الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا، او لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من اهل العدالة الخ» «2».

و هذه الرواية

و ان وردت في قبول البيّنة، في الشهادة على الفسق، لكن يتعدّى منها الى الشهادة بالعدالة، امّا بالفحوى و امّا لعدم الفصل بين الفسق و العدالة.

الثّالث مما يرف به العدالة، الشّياع المفيد للعلم و هو حجّة، من باب انّ العلم حجّة، من اىّ طريق حصل.

و لم يذكر المؤلّف رحمه اللّه، العلم من جملة ما يعرف به العدالة و الحال انّه طريق إليها و لعلّه كان عدم ذكره، من أجل وضوح حجّية العلم و طريقيته.

***

______________________________

(1) الرواية 38 من الباب 24 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 150

[مسئلة 24: إذا عرض للمجتهد، ما يوجب فقده للشّرائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: إذا عرض للمجتهد، ما يوجب فقده للشّرائط، يجب على المقلّد العدول إلى غيره.

(1)

أقول: مقتضى القاعدة، جواز البقاء، في المسائل الّتي، عمل بها المقلّد، حال جامعيته للشّرائط، بناء على كون التقليد، نفس العمل، كما اخترناه و اما تقليده الابتدائى، فلا يجوز، لعدم واجديته للشرائط، على الفرض، مثلا من صار مجنونا، فلا يجوز تقليده ابتداء.

و اما وجه وجوب العدول منه، حتّى فيما عمل به، حال واجديته للشّرائط:

اما دعوى الاجماع، على وجوب العدول.

و اما ما قيل من انّه، مع فقد بعض الشرائط، مثل ما إذا عرضه الجنون، أو غير ذلك، يحصل له منقصة، فعلم عدم رضاء الشّارع، بالرّجوع الى صاحب المنقصة، حتّى بقاء، فضلا عن الرّجوع إليه ابتداء.

و نحن و إن لم نحصّل الاجماع، و لا نطمئن بانّ وجود المنقصة، كالكفر العارض، او الجنون الطّارئ عليه، او غيرهما، يوجب عدم صلاحيته، حتّى لان يبقى المقلّد، على ما عمل بفتواه، حال واجديته لشرائطه، عند الشرع و لكن مع ذلك، نقول لاجل هذا

الدّعوى، بكون العدول أحوط.

***

[مسئلة 25: إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزّمان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزّمان، كان كمن لم يقلّد اصلا، فحاله حال الجاهل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 151

القاصر، او المقصّر.

(1)

أقول: امّا كونه كمن لا يقلّد، فهو لأجل، بطلان تقليده على الفرض.

و اما انّ حاله، يكون حال الجاهل القاصر، فهو فيما كان تقليده و الرّجوع إليه، عن قصور مثل ما إذا قلّده، بشهادة البيّنة، فثبت خلافها.

و اما كون حاله، حال الجاهل المقصّر، فهو فيما كان مقصّرا في الرّجوع و قد مضى حكم الجاهل القاصر و المقصّر في المسألة 7 و 16.

***

[مسئلة 26: إذا قلّد من يحرّم البقاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: إذا قلّد من يحرّم البقاء، على تقليد الميّت، فمات و قلّد من يجوّز البقاء، له ان يبقى على تقليد الاوّل، في جميع المسائل، الّا مسئلة حرمة البقاء.

(2)

أقول: مضى في المسألة 15 وجهه و هو أنّه بعد ما يحرّم المجتهد، الّذي مات، البقاء، لا معنى للبقاء، على تقليد الميّت، في هذه المسألة، مستندا على فتوى الحىّ، بالجواز، حتّى لو فرضنا، عدم اشتراط العمل في البقاء، لانّه يلزم من وجوده العدم، لانّ معنى الرّجوع إليه، الرّجوع إليه، في حرمة البقاء، فيلزم الخلف.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 152

[مسئلة 27: يجب على المكلّف، العلم بأجزاء العبادات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: يجب على المكلّف، العلم بأجزاء العبادات و شرائطها، و موانعها و مقدّماتها، و لو لم يعلمها، لكن علم اجمالا، أنّ عمله، واجد لجميع الاجزاء و الشرائط و فاقد للموانع، صحّ و إن لم يعلمها تفصيلا.

(1)

أقول: وجهه، حكم العقل، بعد العلم الاجمالى، بانّ ما أوجب عليه، من العبادات، له بعض الاجزاء و الشّرائط و المقدّمات و الموانع، أن يقطع، بفراغ الذمة، و طريق العلم به، إمّا بالاجتهاد و إمّا بالتقليد و إمّا بالاحتياط.

و ما قاله المؤلّف رحمه اللّه «و لو لم يعلمها، لكن علم اجمالا، انّ عمله، واجد لجميع الأجزاء و الشرائط، و فاقد للموانع، صح و إن لم يعلمها تفصيلا هو طريق الأخذ بالاحتياط.

و ما قلنا، من وجوب العلم، بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدّماتها، كما قال المؤلّف رحمه اللّه يكون النّظر، الى وجوب ذلك في الجملة يعنى بعد وجوب العبادة، على المكلّف، يجب العلم باجزائها الخ، فالبحث من انّ العلم بها، متى وجب و يكون بعد وجوب نفس العبادة و التّكلم، في انّها، قبل مجي ء

وقت وجوب الواجب، او تحقق شرطه، مع العلم، بعدم التّمكن، من تحصيلها، بعد الوقت، هل يجب تحصيلها، أو لا، لا مورد له، كما أنّ ما ذكر من الوجه، لوجوب تحصيلها، قبل الوقت، غير خال عن الإشكال، بعد عدم تصويره، الوجوب النّفسى، للتّعلم، بل هو كرّ، على ما فرّ منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 153

[مسئلة 28: يجب تعلّم مسائل الشّك و السّهو]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: يجب تعلّم مسائل الشّك و السّهو، بالمقدار الّذي، هو محلّ الابتلاء غالبا، نعم لو اطمئنّ، من نفسه، انّه لا يبتلى بالشّك و السّهو، صحّ عمله و إن لم يحصّل العلم، باحكامهما.

(1)

أقول: سبق وجه الوجوب، في المسألة السّابقة، و لو اطمئن بعدم الابتلاء لا يجب تعلّم احكام الشّك و السّهو، لانه بعد عدم كون وجوب تعلّمهما نفسيّا، فلا يجب مع الاطمينان، بعدم الابتلاء بها

و اما ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من اختصاص، وجب التّعلم، بما هو مورد الابتلاء غالبا، فلا وجه له، لعدم الفرق، في حكم الفعل، بين ما يبتلى به غالبا، و بين غيره، كما انّ هنا كلاما، في أنّ العقل الحاكم، بوجوب تعلّم احكامهما، في اىّ وقت يحكم، بوجوب التّعلم، فهل يحكم به، حتّى قبل الوقت، أو في خصوص بعد الوقت، او يجب التعلم، قبل الوقت، فيما إذا يعلم، بعدم تمكّنه، من التّعلم بعد الوقت، فليس المقام، مقام التعرض له، كما قلنا في المسألة السّابقة، بل ما يكون مورد الكلام، في المقام، هو وجوب تعلّم احكامهما، في الجملة.

و ما قلنا، من وجوب تعلّم مسائلهما، مختص بما إذا لم يتمكن، من الاحتياط و امّا لو تمكّن منه، مثل ما لو جوزّنا قطع الصّلاة، في مورد الشّك و السّهو، فهو متمكّن من الاحتياط،

بقطع الصّلاة و اتيانها ثانيا، فلا يجب في الفرض، التّعلم بالوجوب التعيينى، بل يتخيّر بينه و بين الاحتياط.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 154

[مسئلة 29: كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات بل يجب تعلّم حكم كل فعل يصدر منه سواء كان من العبادات او المعاملات او العاديّات.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصّورة الاولى: انّه كما يحتمل استحباب الشّي ء، او كراهته، او اباحته، يحتمل وجوبه، او حرمته، و بعبارة أخرى، يكون أحد طرفي الاحتمال، او أحد اطرافه، الوجوب، أو التحريم، ففي هذه الصّورة، يجب التقليد، غاية الأمر، بالوجوب التّخييرى، كما مرّ لتخييره، بين تحصيل الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، لانّه بعد احتمال إلزام، من المولى في الواقع، لا بدّ له من تحصيل المؤمّن، باحدى الطّرق المذكورة و منها التقليد.

الصّورة الثّانية: ما إذا ليس أحد طرفي الاحتمال، او أطرافه، الوجوب، او الحرمة، بل لا يحتمل، إلّا استحباب الشّي ء، أو إباحته، أو كراهته، أو كلّ من الإباحة و الاستحباب و الكراهة، أو أحدهما مع الآخر، و على كلّ حال، ليس الوجوب، او الحرمة، طرف الاحتمال، فللصّورة فرضان:

الفرض الأوّل: ما يكون النّظر، الى نفس العمل، بأن يفعل هذا الشّي ء، أو يتركه بدون كون فعله، او تركه معنونا، بعنوان الاستحباب، أو الكراهة، أو الاباحة و بعبارة أخرى لا يقصد واحد منها، في فعله، او تركه، فلا إشكال في عدم وجوب التقليد عليه، كما لا يجب عليه الاحتياط، و لا الاجتهاد، لعلمه بعدم الزام وجودى، او عدمى، من ناحية المولى، فهو مع علمه بعد الالزام، مأمون عن العقوبة؛

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 155

الفرض الثّاني: أن يكون

في فعله، أو تركه، مريدا او قاصدا لأحد العنوانين، من الاستحباب، أو الكراهة، بحيث يستند استحبابه، أو كراهته، إلى المولى، ففي هذا الفرض، حيث يكون اتيانه، أو تركه بقصد الاستحباب، أو الكراهة، مع فرض عدم استحبابه، أو كراهته واقعا، تشريعا محرّما، يجب عليه، فيه التّقليد، بالوجوب التّخييري.

ثمّ انّه لا يجب التقليد، في الضروريات و اليقينيّات كما مرّ، في المسألة السّادسة.

و امّا في غيرهما، يجب التقليد، في كلّ فعل يصدر عنه، كان من العبادات، او المعاملات، حتّى العاديّات، في صورة، يحتمل وجود الزام، من ناحية المولى تعالى، تكليفا كان، أو وضعا و كذا فيما يريد إتيان عمل، أو تركه بعنوان الاستحباب، أو الكراهة، مع عدم علمه باستحبابه، أو كراهته، و إن كان عالما بعدم وجوبه و حرمته.

***

[مسئلة 30: إذا علم انّ الفعل الفلانى، ليس حراما و لم يعلم أنّه واجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: إذا علم انّ الفعل الفلانى، ليس حراما و لم يعلم أنّه واجب، أو مباح، او مستحب، أو مكروه، يجوز أن يأتى به، لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثّواب، و إذا علم، انّه ليس بواجب و لم يعلم انّه حرام، أو مكروه، أو مباح، له أن يتركه لاحتمال كونه، مبغوضا.

(1)

أقول: لانّه مع فرض عدم احتمال الوجوب في الصورة الأولى و عدم احتمال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 156

الكراهة في الثانية، لا مانع من فعل الأولى و ترك الثّانية، باحتمال مطلوبيّته و هذا ممّا يحكم به العقل و أخبار من بلغ، فيما بلغ ثواب على الفعل، أو التّرك كما مرّ في الأصول.

***

[مسئلة 31: إذا تبدّل رأى المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: إذا تبدّل رأى المجتهد، لا يجوز للمقلّد، البقاء على رأيه الأوّل.

(1)

أقول: وجهه أنّه يرى خطاء رأيه الاوّل و إن لم يكن له رأى على خلافه فعلا و يكون متوقفا، فليس للمقلّد البقاء، على الرّأى الاوّل، لعدم حكم العقل، بالرّجوع إليه، مع اعتراف نفسه بخطائه، فيجوز له أن يحتاط، ان أمكن الاحتياط، أو الرّجوع إلى من دونه في العلم.

***

[مسئلة 33: إذا كان هناك، مجتهدان متساويان في العلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: إذا كان هناك، مجتهدان متساويان في العلم، كان للمقلّد تقليد ايّهما شاء و يجوز التبعيض في المسائل و إذا كان احدهما أرجح من الآخر في العدالة، أو الورع، او نحو ذلك، فالأولى بل الاحوط اختياره.

(2)

أقول: المسألة بعينها هي المسألة 13 و زاد في هذه المسألة، جواز التبعيض في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 157

التقليد و ذكر فرض ارجحيّة أحدهما، من حيث العدالة على الآخر، و في المسألة 13 افتى بوجوب اختيار الأورع معيّنا و في هذه المسألة، قال بانّ الأولى بل الأحوط، اختيار الأعدل و الاورع فيكون كلامه هنا، مخالف مع كلامه في المسألة 13، و على كلّ حال نقول:

امّا جواز تقليد ايّهما شاء، فلانّ كلا منهما عالم و بعبارة أخرى طريق، لا ترجيح لأحدهما على الآخر، سواء كانا موافقين في الفتوى، أو مخالفين فيما لا يمكن الاحتياط، لما قلنا من حكم العقل، بالتّخيير بينهما مطلقا، فيما كانا موافقين في الفتوى و فى خصوص ما لا يمكن الاحتياط، فيما كانا مخالفين في الفتوى، فمع تساويهما على الفرض، يتخيّر بينهما، بحكم العقل على النّحو المتقدّم.

و امّا التبعيض في التقليد، بان يقلّد واحدا منهما، في بعض المسائل و الآخر منهما، في البعض الآخر:

فتارة يكونان موافقين، في الفتوى،

فلا اشكال في التبعيض، لكون كلّ منهما حجّة و طريقا.

و تارة يعلم باختلافهما في الفتوى و له صورتان:

الاولى: أن يكون الاختلاف، بحيث لا يكون مانعا عن الأخذ باحوط القولين، مثل ما إذا افتى احدهما، بعدم وجوب شي ء و افتى الآخر بوجوب هذا الشي ء، فيأخذ حكم العقل بأحوط القولين.

الثّانية: أن يكون اختلاف فتواهما، مانعا عن الأخذ بأحوط القولين، مثل ما إذا قال أحدهما بوجوب شي ء و الآخر بحرمته، فقد تعرّضنا لحكم هذه الصّورة في المسألة 9 و 10 و 13، فراجع، فعلى هذا بعد ما أمضينا سابقا، من انّهما لا يسقطان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 158

عن الحجيّة، في صورة اختلافهما في الفتوى و ان قيل بالسّقوط، في الخبرين المتعارضين، لانّ سقوط الخبرين عن الحجّية و عدم القول بالتّخيير بينهما، لو قيل به، يكون لأجل عدم مجال، للقول بالتّخيير الشرعى، لعدم شمول اطلاق أدلّة حجّيتهما، لصورة تعارضهما و لا للتّخيير العقلى، لإمكان الاحتياط، و جوازه، أو الرّجوع إلى بعض الأصول.

و اما في باب التقليد، فالعقل يحكم بالتخيير، حتّى في صورة التعارض، مع عدم إمكان الاحتياط، بل مع عدم وجوبه و إن أمكن الاحتياط، فعلى هذا يجوز للمقلّد، التبعيض في التقليد، حتّى فيما يكون الاختلاف بينهما في الفتوى و حتّى في المركّب الواحد.

و ما عن بعض «1» الشراح، من عدم جواز التبعيض في المركب الواحد، مع اختلافهما في الفتوى، مثل ما يقول أحدهما بوجوب السورة في الصلاة و عدم وجوب أزيد من مرّة واحدة في التسبيحات الأربعة و الآخر بعكسه، فيقول بعدم وجوب السورة و بوجوب التسبيحات ثلاث مرة، فيقلّد الاوّل في التسبيحات و يأتى مرّة واحدة و يقلّد الثّاني و يترك السورة،

لان التّبعيض في هذه الصّورة، يستلزم العلم التفصيلى، بمخالفة كلّ من المجتهدين و الطّريقين لمخالفة أحدهما في ترك السورة و الآخر في ترك الأزيد من مرّة في التسبيحات الأربعة، فهو شاك في صحّة صلاته و فسادها، فلا بدّ من إحراز صحّة صلاته بحجة معتبرة، لتحصيل البراءة اليقينية.

و فيه انه تصحّ صلاته في هذا الفرض، حتّى عند كلّ من المجتهدين، فمن يفتى بوجوب السّورة و إن كان تركها بنظره، موجبا لفساد الصّلاة، لكن باعتبار أنّ

______________________________

(1) التنقيح مجلد بحث الاجتهاد و التقليد ص 306.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 159

تركها، يكون من باب أخذه، بفتوى من يقول، بعدم وجوبها، يحكم بصحّة صلاته، و كذلك في اكتفائه، بمرّة واحدة في التسبيحات، فعلى هذا يجوز التبعيض، حتّى في صورة اختلاف المجتهدين، المتساويين في الفتوى و حتّى فيما يكون الاختلاف، في بعض اجزاء المركّب الواحد.

هذا كلّه مع تساويهما في الجهات، من العلم و العدالة و الورع و غيرها، و امّا مع ترجيح أحدهما على الآخر، من حيث الورع، أو العدالة، فالاقوى أيضا التّخيير، كما مرّ بيانه، في المسألة «13» لعدم كون ذلك، موجبا للتّرجيح، في نظر العقل، الحاكم برجوع الجاهل إلى العالم و عدم دليل شرعي، على اعتباره، نعم الأحوط استحبابا، الرّجوع بخصوص من له المزيّة، من حيث العدالة، أو الورع، فانّ الاحتياط، حسن على كل حال.

***

[مسئلة 34: إذا قلد من يقول بحرمة العدول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: إذا قلد من يقول بحرمة العدول، حتّى إلى الأعلم، ثمّ وجد أعلم من ذلك المجتهد، فالاحوطه العدول الى ذلك الأعلم و ان قال الأوّل بعدم جوازه.

(1)

أقول: للمسألة صور:

الأولى: ما إذا كان الاعلم المفروض، يفتى بوجوب العدول من غير الأعلم، الى الأعلم، فيجب العدول، في هذه

الصّورة إلى الأعلم، سواء كان عالما، او شاكا، باختلافهما، في غير هذا الفتوى أو لا، لانّه بعد ما قلنا، من وجوب تقليد الأعلم، في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 160

صورة العلم، أو الشّك في اختلافهما في الفتوى، و على الفرض، يعلم بمخالفتهما، في مسئلة العدول، لإفتاء غير الأعلم بحرمته و افتاء الأعلم بوجوبه، فيتعيّن تقليد الأعلم، فيجب العدول منه إليه.

الثانية: ما إذا يفتى الاعلم المذكور، بجواز العدول إلى الأعلم:

فتارة يعلم او يشكّ، باختلافهما في الفتوى فيجب العدول من غير الاعلم، إلى الأعلم، لوجوب تقليد الأعلم معيّنا، في هذا الفرض كما مرّ.

و تارة يعلم، بعدم اختلافهما في الفتوى، فكما يجوز له العدول، يجوز له البقاء على تقليد الغير الاعلم، لعدم وجوب تقليد الأعلم في هذه الصّورة.

***

[مسئلة 35: إذ قلّد شخصا، بتخيّل انّه زيد، فبان عمروا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: إذ قلّد شخصا، بتخيّل انّه زيد، فبان عمروا، فان كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن على وجه التقييد، صحّ و إلّا فمشكل.

(1)

أقول: بعد عدم فرض التقييد، في مثل المورد، لعدم كون الموجود الخارجى، قابلا للاطلاق، حتّى يكون قابلا للتقييد، فمن يقصد تقليد شخص خاص، على انّه زيد و يعمل على طبق رأيه و هو حقيقة التقليد، كما قلنا في محلّه، لا يمكن له تقييد، هذا الموجود الخارجى، و بعد عدم معقوليّة ذلك، نقول لا فرق بين صورة التقييد و عدمه، بل في كلّ منهما، نقول بصحّة تقليده.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 161

و ما قيل، «كما في المستمسك» «1» من انّ التقليد، يكون مثل الإرادة و الكراهة و الايتمام و هو من الصّور الذهنية، لا من الوجودات الخارجيّة و الصورة الذهنية، قابلة للتقييد.

و فيه انّ التقليد، على ما

مرّ منّا، هو نفس العمل و هو الفعل الخارجى، فهو غير قابل للتقييد، لعدم قابليّة للانقسام، بالأقسام، حتّى يقيّد ببعض أقسامه.

و كذا بناء، على كونه العمل مع الالتزام، نعم بناء على كونه نفس الالتزام، فهو ليس من موجودات الخارجىّ.

فتلخّص أنّه في كلتا الصورتين، يكون النظر إلى الشخص الخاصّ، من قبيل الدّاعى و لا يضرّ تخلّف الداعى، فهو آت بعمل، أو أعمال مع التقليد.

***

[مسئلة 36: فتوى المجتهد يعلم بأحد أمور:]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: فتوى المجتهد يعلم بأحد أمور:

الاوّل: أن يسمع منه شفاها.

الثّاني: أنّ يخبر بها عدلان.

الثّالث: إخبار عدل واحد، بل يكفى إخبار شخص موثق، يوجب قوله الاطمينان و إن لم يكن عادلا.

الرّابع: الوجدان في رسالته و لا بدّ أن كون مأمونة من الغلط.

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 62.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 162

(1)

أقول: يقع الكلام، فيما يعلم به، فتوى المجتهد و قد ذكر المؤلّف رحمه اللّه امور:

الاوّل: السّماع عن المجتهد،

فيؤخذ بظاهر كلامه، لحجبية الظّاهر، كما هو طريق العقلاء، في كشف مرادات الأشخاص و الشارع على هذه الطريقة، لانه لو كان على غير طريقتهم، كان عليه البيان كمّا مرّ تفصيله في الأصول.

مضافا إلى ما نرى من سؤال السائلين عن الأحكام و جواب المعصومين عليهم السّلام و أخذ كلّ منهما بظاهر كلام الآخر.

الثّاني: إخبار العدلين،

بناء على عموم أدلة حجّية البيّنة، أو إطلاقها، بحيث يشمل المورد، و قد مضى الكلام فيه في المسألة «20» و يأتى إن شاء اللّه، في بعض المسائل الآتية.

الثالث: إخبار عدل واحد

و الكلام فيه:

تارة في حجّية اخباره، فيما يوجب الاطمينان، فلا إشكال في حجية قوله، بعد حجّية الاطمينان من أىّ طريق كان، و كونه بحكم العلم، كما انّه بعد حجية الاطمينان، يثبت بأخبار غير العادل أيضا، فيما حصل من قوله الاطمينان، للوثوق بقوله.

و تارة يقع الكلام في حجّية، إخبار عدل واحد، حتّى فيما لا يحصل الاطمينان من قوله، فنقول بعونه تعالى، بانّه لا وجه لحجّية الخبر الواحد، فيما نحن فيه، فيما لا يورث الاطمينان، سواء نقول، بعدم حجّية الخبر الواحد، فيما نحن فيه راسا، أو نقول بحجّيته فيها، كما هو حجّة في الاحكام.

اما على الاوّل فواضح، لعدم وجود دليل على حجيته، في الموضوعات، لعدم شمول أدلّتها لها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 163

و امّا على الثّاني، فلانّه بعد ما بيّنا، في مبحث حجّية الخبر الواحد، بحجّيته، حتّى في الاحكام، في خصوص ما يورث الاطمينان، من إخباره، فكذلك في الموضوعات، كما انّه، لا اثر لما قيل من انّه، بعد اعتبار الخبر العادل في الاحكام، يكون إخباره بفتوى المجتهد نظيره، لانّه في الحقيقة، يخبر عن الحكم أيضا.

وجه عدم الأثر، هو ما قلنا من أنّ حجّيته في الاحكام، مختص بصورة، يورث الاطمينان، بالصّدور، لا مطلقا، فلا يتمّ، هذان الوجهان، لحجّية الخبر الواحد العادل، فيما لا يورث الاطمينان، كما زعم بعض شرّاح العروة، فاذا نقول، إذا حصل الاطمينان، من الخبر الواحد، فهو حجّة سواء كان عادلا، أولا، كما أنّه، لو لم يحصل الاطمينان، ليس لحجة و إن كان عادلا.

الرّابع: الوجدان في رسالته،

فان كانت الرّسالة بخطّه، او كتب، او جمع شخص آخر و هو لا حظها بنفسه و وقف عليها و أمضاها، فهو مثل السماع، لانّ الاخبار، عمّا في الضمير،

كما قد يكون بالكلام، و يسمعه المستمع، كذلك، قد يكون بالكتابة و ينظر إليه النّاظر و يأخذ بظاهرها، و إن لم تكن الرّسالة بخطه، أو إمضائه، بل كتبها غيره و يسند إليه فهى في حكم اخبار العدل الواحد، أو الثّقة، فان حصل الاطمينان، من كتابة الكاتب بفتواه، فهى حجّة و إلّا فلا.

و في كلّ من الفرضين، إذا شكّ في كونها صحيحة، أو مغلوطة، فبالاصل العقلائي، يحكم بصحّة الرسالة و أنّها مأمونة من الغلط، و لعلّ مراد المؤلّف رحمه اللّه من قوله «و لا بدّ أن تكون مأمونة من الغلط» أي بالأصل العقلائى، لا أزيد منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 164

[مسئلة 37: إذا قلّد، من ليس له اهليّة الفتوى]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: إذا قلّد، من ليس له اهليّة الفتوى، ثمّ ألتفت، وجب عليه العدول و حال الأعمال السابقة، حال عمل الجاهل، الغير المقلّد و كذا، إذا قلّد غير الاعلم، وجب على الاحوط، العدول الى الأعلم و إذا قلّد الأعلم، ثم صار بعد ذلك غيره أعلم، وجب العدول، إلى الثّاني، على الاحوط.

(1)

أقول: في المسألة مسئلتان:

المسألة الأولى: إذا قلّد من ليس له اهليّة الفتوى مدّة،

ثم التفت، وجب عليه العدول إلى من له اهليّة الفتوى، لما بيّنا من أنّ الطريق، إلى المؤمّن، ليس الّا الاجتهاد، أو الاحتياط، او تقليد المجتهد، الواجد لشرائط الافتاء، و هو على الفرض، قلّد من لم يكن أهلا لذلك، فيجب العدول إلى من له الاهليّة.

و اما بالنّسبة إلى أعماله السابقة، فهو يكون من مصاديق الجاهل بالحكم:

فتارة يكون قاصرا، و تارة يكون مقصرا، و قد مضى الكلام فيه في المسألة «7 و 19» فراجع.

و اعلم انّ التعبير بالعدول، مسامحة لدم تقليد في المورد، حتّى يقال يعدل عنه.

المسألة الثّانية: ما إذا قلّد غير الاعلم،

فوجوب العدول، مختص بصورة العلم، أو الشك باختلاف فتواهما، لانّ تقليد الاعلم واجب، في هذه الصورة كما بيّنا.

و كذا لو قلّد الاعلم، ثمّ بعد ذلك صار غيره أعلم منه، يجب العدول إليه، في خصوص ما يعلم، او يشكّ باختلافهما في الفتوى، و بعبارة أخرى في خصوص ما لا يعلم باتفاقهما في الفتوى.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 165

[مسئلة 38: إن كان الأعلم منحصرا في شخصين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: إن كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن التعيين، فان أمكن الاحتياط بين القولين، فهو الاحوط و إلّا كان مخيّرا بينهما.

(1)

أقول: امّا مع إمكان الاحتياط، فلانّه يعلم اجمالا بطريقيّة أحدهما، فيجب الاحتياط، مثلا إذا قال احدهما، بوجوب التسبيحة مرة واحدة و الآخر ثلاث مرّات، يحتاط، فيأتى بالثّلاثة.

و امّا مع عدم إمكان الاحتياط، مثل ما إذا قال احدهما، بوجوب شي ء و الآخر بحرمته، فيكون مخيّرا بين لأخذ بفتوى، كلّ منهما شاء، بحكم العقل و قد مرّ الكلام في التّخيير في المسألة «9».

***

[مسئلة 39: إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدّل رأيه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدّل رأيه، أو عروض ما يوجب، عدم جواز تقليده، يجوز له البقاء، الى أن يتبيّن الحال.

(2)

أقول: وجهه الاستصحاب، فببركته يترتب آثار الحياة و بقاء الرّأى و بقائه، على صفة، يجوز تقليده.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 166

[مسئلة 40: إذا علم انّه كان، في عباداته بلا تقليد، مدّة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: إذا علم انّه كان، في عباداته بلا تقليد، مدّة من الزمان و لم يعلم مقداره، فان علم بكيفيّتها و موافقتها للواقع، أو لفتوى المجتهد، الّذي يكون مكلّفا، بالرجوع إليه، فهو و إلّا فيقضى، المقدار الّذي، يعلم معه بالبراءة، على الاحوط و ان كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن.

(1)

أقول: اعلم انّ للمسألة صورا:

الاولى: ما إذا عمل بلا تقليد مدة من الزمان و يعلم موافقة، ما عمله مع الواقع،

أو مع فتوى المجتهد الّذي، يكون مكلّفا بالرّجوع إليه، «و قد مرّ في المسألة «16» انّ المجتهد الّذي، تكون العبرة بمطابقة العمل، مع فتواه، هو من يجب متابعته بعد العمل و فعلا، لا المجتهد الّذي، كان يجب متابعته حال العمل» و في هذه الصورة لا إشكال، فى صحّة عمله، لموافقته مع الواقع، أو لما هو الطّريق إلى الواقع و هو فتوى المجتهد، مع قصد القربة، على الفرض، فيما كان عبادة.

الثّانية: ما إذا علم، عدم موافقة عمله مع الواقع
اشارة

و كذا مع فتوى المجتهد، الواجب اتباعه و الكلام في هذه الصّورة يقع في الموردين:

المورد الاوّل: في وجوب الاعادة او القضاء عليه و عدمه،

فنقول تارة يقع الكلام فيما تقتضيه، القاعدة الاوّليّة، فنقول لا اشكال، في وجوب تدارك، ما وقع على خلاف الواقع و خلاف الطريق المنسوب له و هو قول المجتهد، بمقتضى القاعدة الاوليّة، لكون تركه لأجل جهله بالحكم، ففى كلّ مورد، قلنا بوجوب الاعادة و القضاء، في الجهل بالحكم، نقول فيه، هذا كلّه بمقتضى القاعدة الاوّلية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 167

و تارة يقع الكلام في انّه هل يكون في البين قاعدة، تقتضى عدم وجوب الاعادة و القضاء مطلقا، أو في بعض الموارد، أم لا؟ و بعبارة اخرى هل تكون فى البين قاعدة ثانويّة أم لا فنقول بعونه تعالى:

اما القاعدة الثّانوية، الّتي تقتضى الصّحة و عدم التدارك مطلقا، فلا تكون في البين، نعم يمكن، أن يقال في خصوص الصلاة، بانّ مقتضى حديث لا تعاد، هو الصحة و عدم وجوب الاعادة و القضاء، إذا كان المتروك غير الخمسة، بدعوى شمول الحديث، للجاهل بالحكم، كشموله للنّاسى و الجاهل بالموضوع، و انّ الخارج، عن عموم الحديث، أو إطلاقه، خصوص العامد، لا غيره.

و فيه انّه كما بيّنا، في الخلل من الصلاة، القدر المتقين من الحديث، عدم وجوب الاعادة، على من كان تركه، مستندا إلى النسيان، مضافا إلى أنّه ان كان له عموم، أو اطلاق، حيث يلزم من الاخذ بإطلاقه، حمل المطلقات الدّالة، على اعتبار الأجزاء، على الفرد النادر، فلا يشمل غير الناسى، من العامد و الجاهل بالموضوع و الشّاك و الجاهل بالحكم، ان كان جهله عن تقصير و كذا الجاهل بالحكم، الّذي كان جهله، عن قصور و إن ذكرنا وجها، لشمول الحديث للجاهل

القاصر و مع ذلك، كان عندنا التشكيك، في شموله له، فلا يشمل الحديث، الجاهل بالحكم، حتّى يقال في خصوص الصّلاة ببركة، حديث لا تعاد، بعدم وجوب الاعادة، في غير الخمسة المستثناة.

المورد الثّاني: في أنّه بعد وجوب التدارك، هل يجب المقدار الاقل، أو يجب الاكثر،

فتارة كما يعلم، بعدم موافقة عمله للواقع و لفتوى المجتهد. يعلم مدّته.

و تارة لا يعلم مدّته، ففي الاوّل يجب تدارك المقدار المعلوم، و في الثّاني نقول بان حكمه، حكم الصّورة الثّالثة، من هذا الحيث و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه، في هذه الصّورة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 168

الصّورة الثّالثة: اما إذا كان شاكّا في مطابقة عمله،
اشارة

مع الواقع، او مع فتوى المجتهد، اللازم اتباعه، و عدم مطابقته، فهل يقال في هذه الصورة بعدم وجوب شي ء عليه، او يقال بوجوب، تدارك عمله بالاعادة أو القضاء، بمقدار يقطع معه، ببراءة ذمّته، مثلا إذا كان شاكا أنّ صلواته الّتي، لا يدرى موافقتها مع الواقع، أو فتوى المجتهد و عدم موافقتها، هل كانت صلوات سنه، أو صلوات سنتين، يجب عليه قضاء سنتين، حتّى يقطع ببراءة ذمّته.

او يقال بأنّه يكفى التدارك، في المقدار الاقلّ، الّذي يكون يقينيّا، ففي المثال المتقدّم، يقضى صلوات سنة فقط، احتمالات.

الاوّل: عدم وجوب شي ء عليه،

و وجهه جريان اصالة الصّحة، في اعماله السّابقة.

و فيه أنّ مورد أصالة الصحة، هو فيما يحتمل التفاته، حين العمل و بنائه على اتيانه، على الوجه الصحيح، غاية الأمر بعد العمل، يكون شكه، في انّه هل أتي به على الوجه الصحيح، أو صار متروكا، للغفلة و النسيان، أو عمدا، بناء على شمولها، لصورة احتمال استناد التّرك بالعمد.

و امّا إذا كان عالما، بعدم توجّهه بلزوم اتيانه، على الوجه الصّحيح، غاية الأمر، يحتمل وقوع العمل، تصادفا و اتفاقا على الوجه الصّحيح، فشمول أدلة اصالة الصحة، و بعبارة أخرى، قاعدة الفراغ له، غير معلوم، فلا وجه لهذا لاحتمال.

الاحتمال الثّاني: وجوب الاتيان و تدارك ما وقع عنه،

بمقدار يقطع معه ببراءة الذّمة، و وجهه أنّ الاشتغال اليقينى، يقتضي البراءة اليقينيّة، فهو يعلم بتوجّه التكليف إليه فلا بد من القطع بقرع ذمته او يقال: بأنّه بعد فرض كون القضاء بالأمر السابق و كان الأمر بنحو تعدّد المطلوب فيقال في الصلاة مثلا بعد الشك في إتيانها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 169

على ما هى عليها و عدمه يستصحب الوجوب السّابق.

بل يقال على تقدير كون القضاء بالأمر الجديد فلا إشكال في انّ موضوع أمره هو ما كان موضوعا للاامر السابق الثابت في الوقت و هو على الفرض مشكوك في امتثاله، فمقتضى الاشتغال اليقينى هو تحصيل البراءة اليقينية و هي لا تحصل إلا باتيان المكلّف به.

الاحتمال الثالث: أن يقال إتيان الواجب في الفرض هو إتيان الاقل فقط

فلو لم يدر أنّ المدة الّتي تكون مشكوكة هل تكون سنة مثلا أو سنتين يحب عليه قضاء سنة فقط و في الزائد تجرى البراءة لكون المورد من صغريات الأقل و الأكثر و قد بيّنا في محلّه أنّ الاكثر يكون مورد البراءة و اما التمسّك بالاستصحاب بأن يقال مثلا انّ الصلاة كانت واجبة عليه و لم يدر أنّه اتى بها أو لا؟ فيستصحب عدم إتيانها فيجب اتيانها.

ففيه انّ القضاء بالأمر الجديد يكون موضوعه الفوت و استصحاب عدم الاتيان لا يثبت الفوت إلّا على القول بالأصول المثبتة.

أقول: و الّذي ينبغى أن يقال أنّه تارة يكون الشكّ في المقدار الصادر منه من العبادات على خلاف الواقع و خلاف فتوى المجتهد و دوران الشّك بين الاقلّ و الأكثر من باب الشّك في تعلّق التكليف من رأس بالاكثر مثلا، يكون منشأ الشّك في وجوب قضاء الصّلاة سنة أو سنتين هو الشك في مبدأ بلوغه و انّه هل كان بعد بلوغه مضى

أربعة عشر من عمره او خمسة عشر فان كان مبدأ بلوغه أربعة عشر يجب عليه قضاء سنتين و ان كان مضى خمسة عشر كان الواجب عليه قضاء السنّة الواحدة فقط. ففي هذا الفرض لا مجال للاستصحاب أعنى استصحاب الوجوب لانّ الاستصحاب متقوّم بركنين: اليقين السابق و الشّك اللاحق و في الفرض لم يتحقّق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 170

اليقين السابق لعدم يقينه بتعلق الوجوب لعدم علمه ببلوغه بعد رأس أربعة عشر سنة، من عمره إن قلنا بكون القضاء بالأمر الاول لعدم وجود اليقين السّابق.

بل لو قيل بأنّ القضاء بالأمر الجديد و يقال بأنّ موضوعه عدم الإتيان لا الفوت لا مجال للاستصحاب، لما قلنا من عدم وجود احد ركنيه و هو اليقين السابق هذا كلّه بالنسبة إلى هذا الفرض.

و تارة يكون تعلّق التّكليف به معلوما عند المكلف مثلا يعلم بأنّ بلوغه كان على راس خمسة عشر سنة و بأنّه بعد التكليف كلّما صلى من الصلوات كان غير مطابق مع الواقع و مع فتوى المجتهد و لكن يكون شكه في أنّه هل تكون المدّة التي وقعت صلاته غير مطابقة مع الواقع و مع فتوى المجتهد هل كانت سنة او سنتين.

فنقول إن قلنا أنّ القضاء بأمر جديد لا يجب عليه في الفرض إلّا قضاء الأقل و هو في المثال قضاء السنّة الواحدة.

امّا الكبرى و هو كون القضاء بالأمر الجديد فلانّ الأمر بالصّلاة يكون مقيّدا بالوقت لا المطلق حتّى يكون بعد الوقت واجبا أيضا فلا وجه لالتزام بأنّ الأمر يكون بنحو تعدّد المطلوب لانّ هذا خلاف ظاهر الأمر المقيّد بالصّلاة في الوقت.

و امّا الصغرى و هو عدم وجوب الاكثر في محلّ الكلام فنقول بعد عدم

اقتضاء الدليل الدال على الوجوب الّا على الصلاة المقيّد بالوقت فبالنسبة إلى خارج الوقت لم يكن دليل لفظيّ من عموم او اطلاق يقتضي وجوب الصلاة في خارج الوقت فلم يبق في البين الّا الاصل العملى، و هو دعوى استصحاب الوجوب بعد الوقت.

و إذا بلغ الأمر بهذا المقام نقول امّا الاستصحاب الحكمى فلا مجال له لأنه على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 171

ما بيّنا من أنّ متعلق الوجوب هو الصّلاة المقيّدة بالوقت فالصلاة المقيدة بالوقت مورد تعلّق الأمر فبعد الوقت لا مجال للاستصحاب الوجوب لعدم وجود الحالة السابقة على الفرض.

و اما الاستصحاب الموضوعى بأن يقال أنّ موضوع وجوب القضاء هو من لم يصلّ في الوقت فهو بعد الوقت، بعد ما يشكّ في مطابقة عمله مع الواقع أو مع فتوى المجتهد يستصحب عدم اتيانها و اثره وجوب القضاء ففيه أنّه لا مجال للاستصحاب الموضوعى أيضا لانّ موضوع وجوب القضاء هو الفوت و استصحاب عدم الاتيان لا يثبت الفوت إلّا على القول بالاصول المثبتة و ممّا ذكرنا يظهر عدم وجوب الأكثر في محلّ الكلام. نعم بناء على القول يكون القضاء بالأمر الأول لجريان الاستصحاب مجال و لكنّ الإشكال يكون في المبنى.

***

[مسئلة 41: إذا علم أنّ اعماله السابقة، كانت مع التقليد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: إذا علم أنّ اعماله السابقة، كانت مع التقليد، لكن لا يعلم انّها كانت عن تقليد صحيح، أم لا! بنى على الصحّة.

(1)

أقول: ان كان نظر المؤلّف رحمه اللّه في قوله «لكن لا يعلم انّها الخ» إلى انّ نفس التقليد كان صحيحا أم لا؟ مثلا من كان قلّده كان بالغا او عاقلا أو عادلا أم لا يكون واجدا بعض الشرائط او كلّها فلهذا شكّ في أنّ تقليده كان صحيحا أو لا؟

فنقول

لا مجال لاجراء أصالة الصحة لانّ المعتبر في اجراء اصالة الصّحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 172

و غيرها، من الاصول العملية، وجود الأثر الشرعى و مع عدمه لا مجال لاجراء الاصل.

ان قلت: انّه يكفى في الأثر الشرعى عدم جواز العدول من الشخص المذكور المشكوك واجديّته بعض شرائط التقليد او كلّها الى غيره المساوى له و كذا يكفى في الأثر الشرعى جواز البقاء على تقليده بعد موته.

قلت: بعد ما يكون المفروض في محلّ الكلام هو الشّكّ في واجديّة الشخص المشكوك واجديّته للشرائط و عدمها يأتى إن شاء اللّه في المسألة الآتية من انّه مع وجود الشّك في من يكون مقلدا «بالفتح» لشرائط الفتوى كلّها او بعضها يجب الفحص فعلى هذا نقول قولك بأنّه مع الشّك كما فرض في الصورتين المفروضتين في كلامك الّذي ذكرناه في «ان قلت» و جعلتهما اثرا لاصالة الصّحة لا يكون تماما لانّه يأتى إن شاء اللّه انّه لا بدّ في هاتين الصورتين المفروضتين في كلامك من وجوب الفحص فبعد ما لا تكون الصورتان اثرا لاصالة الصحة لا مجال لاجرائها.

و ان كان نظر المؤلّف رحمه اللّه إلى انّ عمله الواقع على طبق فتوى هذا الشخص هل وقع صحيحا؟ و يترتب على صحة عمله بانّه لا يجب عليه القضاء او الاعادة او لم يقع صحيحا فيجب عليه القضاء او الاعادة.

فنقول: بانّه مضى في المسألة السابقة في من مضى عليه مدّة كان في عباداته بلا تقليد بانّه إذا كان ما اتى به من العبادات موافقا مع الواقع أو مع فتوى مجتهد الّذي يجب الرّجوع إليه لا يجب عليه الاعادة أو القضاء. إذا عرفت ذلك ففى هذه المسألة نقول بأنّه تارة يعلم

أنّ عمله كان موافقا للواقع او مع فتوى المجتهد الّذي يجب الرّجوع إليه فلا يجب عليه تدارك عمله إعادة أو قضاء.

و تارة يقع الكلام في صورة الشّك في المطابقة و أنّه هل يمكن تصحيح عمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 173

المكلّف في صورة طروّ الشّك في صحّة العمل الّذي عمله على طبق فتوى من يشكّ في واجديّته لشرائط صحّة الرّجوع إليه و جواز تقليده أولا يمكن ذلك.

يمكن أن يقال بجريان أصالة الصحّة في عمله السابق و أثرها عدم وجوب الإعادة و القضاء لأن مورد جريان اصالة الصحّة احتمال أذكريّة الشخص حين العمل و في المورد يكون كذلك.

ان قلت: انّه قد مضى منك في المسألة السابقة في صورة عدم علمه بانطباق عمله مع الواقع و لا مع فتوى المجتهد الّذي يجب تقليده بوجوب تدارك عمله مع أنّه يكون مثل المورد في عدم علمه بوقوع عمله صحيحا و احتمال الصحّة.

قلت: انّ المكلّف في فرض المذكور في المسألة السابقة بعد ما كان عمله بلا تقليد من رأس و فى هذا الحال أتى العمل العبادى فلا يحتمل كونه حين العمل العبادى مستندا بالتقليد فلا يقال فى حقه انه حين العمل اذكر غاية الأمر أنّه بعد ذلك يشك في أنّه هل كان تقليده تقليدا صحيحا أو لا؟

و اما فى ما نحن فيه فيحتمل أنّه أتى بالعمل الصحيح بل احتمال إتيانه بالعمل فاسدا خلاف الظاهر و على كلّ حال يحتمل أذكريّته فلهذا تجرى في موردها أصالة الصّحة.

***

[مسئلة 42: إذا قلّد مجتهدا، ثم شك في أنّه جامع للشرائط، أم لا؟]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 42: إذا قلّد مجتهدا، ثم شك في أنّه جامع للشرائط، أم لا؟ وجب عليه الفحص.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 174

(1)

أقول: وجهه واضح لانّه

بعد ما يعتبر في المجتهد واجديّته لشرائط معلومة و مع فقد كلّها أو بعضها لا يجوز تقليده فيجب الفحص عن وجود الشرائط، و لا فرق في ذلك بين الابتداء او بين الاستدامة هذا فيما لا تكون الحالة السابقة وجود الشرائط فيه و الا فببركة الاستصحاب يحكم بجواز تقليده و لا يجب الفحص مع وجود الاستصحاب.

***

[مسئلة 43: من ليس اهلا للفتوى، يحرم عليه الافتاء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: من ليس اهلا للفتوى، يحرم عليه الافتاء و كذا من ليس اهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس و حكمه ليس بنافذ و لا يجوز الترافع إليه و لا الشهادة عنده و المال الّذي يؤخذ بحكمه حرام و ان كان الآخذ حقا إلّا إذا انحصر استنفاذ حقّه بالترافع عنده.

(2)

اقول: الكلام فى المسألة في جهات:

الاولى: هل يجوز الافتاء لمن ليس أهلا للفتوى أو لا يجوز ذلك
اشارة

و له بحسب التصوّر صورتان:

الصورة الاولى: أن لا يكون الشخص مجتهدا

و بعبارة أخرى يكون فاقدا لملكة الاجتهاد فالإفتاء له حرام لانّه يستند الحكم إلى اللّه تعالى من غير حجة فهو يكون من مصاديق قوله تعالى في القرآن الكريم: قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 175

تَفْتَرُونَ «1».

و بعد عدم كونه مأذونا من قبل اللّه تعالى فهو ممن افترى عليه تعالى.

و يدلّ عليه بعض الاخبار مثل ما روى ابو عبيدة قال: قال ابو جعفر عليه السّلام «من افتى الناس بغير علم و الهدى من اللّه لعنته ملائكة الرّحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه» «2» و غير ذلك من الاخبار راجع الباب المذكور فيه الرواية المتقدمة ذكرها.

الصّورة الثّانية: أن يكون الشخص مجتهدا،

لكن لا يكون واجدا لبعض شرائط الافتاء مثل أن لا يكون عادلا فهل يجوز له الافتاء أو لا يجوز ذلك له.

وجه الجواز، عدم كون افتائه قولا بغير علم، و عدم كونه افتراء على اللّه تعالى.

وجه عدم الجواز، كون ذلك إغراء الجاهل و اضلاله و هو حرام.

و قد يفصّل في جواز افتائه و عدم جوازه بين الصّورة الّتي يكون العامى المستفتى عالما بالحكم، مثل إذا كان عالما بعدم جواز افتاء العالم الغير العادل و ان كان لا يعلم فسق هذا المجتهد المفروض الّذي يستفتى منه، و هو غير عادل.

و بين الصّورة الّتي لا يعلم هذا الحكم أعنى عدم جواز افتاء الغير العادل.

فيقال بجواز الافتاء في الصّورة الاولى لعدم الافتاء بغير علم و لا يكون اغراء بالجهل بخلاف الصّورة الثانية فان افتائه يكون اغراء بالجهل.

أقول و عندى في عدّ الافتاء في الصّورة الثانية اغراء بالجهل تأمل لأن

______________________________

(1) سورة يونس، الآية 56.

(2) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب صفات

القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 176

الأغراء بالجهل يصدق فيما كان، ما يفتى به المجتهد خلاف الواقع و عدم كونه حكم اللّه تعالى و امّا لو كان طبق الموازين الشرعية لا يكون اغراء بالجهل و لا افتراء عليه تعالى.

نعم يمكن، أن يقال بأنّ من ليس واجدا لبعض شرائط الفتوى و جلس في مسند المجتهد بعنوان المجتهد الجامع للشرائط فيحسب الناس كونه مجتهدا جامعا لشرائط الفتوى فيكون ممّن عمله اغراء الناس بالجهالة و هو حرام و لكن هذا فرض نادر و لا يمكن القول بحرمة افتاء المجتهد الفاقد لبعض شرائط الفتوى بذلك مع أنّه في هذه الصّورة لو كان اغراء فالجلوس في مسند ليس اهله يصير حراما لا افتائه فتأمّل.

الجهة الثّانية: كلّ من ليس اهلا للقضاء لا يجوز له القضاء بين النّاس

لانّه ليس اهلا له على الفرض و ليس منصوبا له فيكون من القسم الثّالث من الاقسام التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السّلام» من القضاة في خطابه لشريح القاضى كما في الرواية التي رواها إسحاق بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح با شريع قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا بنى او وصىّ او شقىّ «1».

فانّ المستفاد منها انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و وصيّه او لهم و ثانيهم و ثالثهم هو الشقيّ و من ليس اهلا للقضاء من باب عدم كونه النّبي و الوصى او المأذون من قبلهم و هو المجتهد الجامع لشرائط الفتوى و هو اهل له يكون غيرهم غير أهل القضاء و هو شقىّ و يدلّ عليه غير ذلك من الأخبار راجع الباب المذكور فيها الرواية المتقدمة و تمام الكلام في كتاب القضاء.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب

2 من ابواب صفات القاضي، ج 18 من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 177

و امّا الكلام في جواز تصدّى من لا يكون بنفسه أهل القضاء بأذن من يكون أهلا له، كالمجتهد و عدمه فهو مورد الكلام و النقض و الابرام و محلّه كتاب القضاء.

الجهة الثالثة: و ليس حكم من ليس له اهليّة القضاء نافذا

لأنه بعد عدم جواز تصدّيه القضاء لا معنى لنفوذ حكمه و لا دليل عليه و مقتضى الأصل عدم النّفوذ بعد عدم الدّليل عليه لا بالخصوص لا بالعموم فلا مجال لأن يقال بانّ النّهى، عن قضائه يكون تكليفيا فلا مانع من نفوذ حكمه و ترتيب الأثر الوضعيّ على حكمه.

لما عرفت من عدم الدّليل عليه و الأصل عدم النّفوذ.

مضافا إلى انّه يمكن أن يقال بأن معنى نفوذ حكمه لزوم ترتيب الأثر على طبق حكمه مثلا لو حكم بأخذ مال من شخص يؤخذ منه و الحال انّ صريح بعض الأخبار مثل مقبولة عمر به حنظلة «1»، كون المأخوذ بحكمه سحتا.

إلّا أنّه قد يشكل، في المقبولة بالضّعف في سندها و عدم دلالتها لان موردها يكون قضاة الجور و يأبى الكلام فيها فى الجهة الرابعة إن شاء اللّه.

الجهة الرابعة: و لا يجوز الترافع الى من ليس له اهلية القضاء

و يدلّ على ذلك انّ الترافع إليه، إعانة على الأثم لانّ الترافع إليه سبب لتقويته في المقام المحرّم اشغاله له.

و كون ذلك من الركون الى الظالم و هو محرّم منهيّ عنه لقوله تعالى:

وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «2».

______________________________

(1) نذكرها إن شاء اللّه في الجهة السادسة من هذه المسألة.

(2) سورة الهود، الآية 113.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 178

بل يدلّ على عدم الجواز في خصوص الصورة التي يكون متصدى الترافع غير المؤمن مثل قضاة العامة بعض الاخبار الدالة على عدم جواز الترافع عندهم «1».

بل يمكن الاستدلال لحرمة الترافع الى مطلق من ليس له اهلية الفتوى بنتقيح المناط بدعوى ان المناط فى النهى عن الترافع الى قضاة العامة كما في بعض الروايات ليس الّا لفقد هذه الطائفة لبعض الشرائط المعتبرة في مقام القضاء فيكون بحكمهم كلّ من لا

يكون واجدا لشرائط القضاء كلّها أو بعضها و ان كان مؤمنا.

الجهة الخامسة: و لا يجوز الشهادة عند من ليس اهلا للقضاء

لعين ما قلنا في الجهة السابقة و هو أن الشهاد عنده، تكون اعانة على الاثم و ركونا الى الظّالم.

الجهة السّادسة: يقع الكلام، في المال الذي يؤخذ على طبق حكم من ليس اهلا للقضاء

هل يكون حلالا مطلقا او حراما مطلقا او يفصّل بين ما يكون المال عينا شخصيّة مثلا يكون المدّعى عليه قطعة لباس معيّن و بين ما يكون المدّعى عليه، كلّيا مثلا إذا ادعى المدّعى على المدّعى عليه انّه اقترض منه دراهم فانكره و صدر الحكم ممن ليس اهلا للقضاء بنفع المدّعى فيقال بجواز الأخذ، في الفرض الاوّل و عدم جوازه في الفرض الثّاني.

أقول اعلم انّ السيّد المؤلّف رحمه اللّه اختار الحرمة و عدم جواز الأخذ مطلقا في المقام و لكن قال في ملحقات العروة على خلاف ذلك ننقل الكلام بعينه قال في الصفحة التاسعة من كتاب القضاء من ملحقات العروة «مسئلة 2» لا يجوز الترافع إلى قضاة الجور اختيارا، و لا يحلّ ما أخذه بحكمهم إذا لم يعلم بكونه محقّا الا من طرف حكمهم و اما إذا علم بكونه محقّا واقعا فيحتمل حليته و يحتمل الفرق بين العين

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب صفات القاضي من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 179

و الدين حيث انّ الدين كلّى في الذّمة و يحتاج في صيرورة المأخوذ ملكا له إلى تشخيص المديون بخلاف العين و ظاهر المقبولة «1». حرمته مطلقا عينا كان أو دينا لقوله عليه السّلام فانّ ما يأخذه سحت و ان كان حقا ثابتا لكنه مشكل خصوصا في العين و ربّما يحمل الخبر على ما إذا كان حقّه لكنة مشكل خصوصا فى العين و ربما يحمل الخبر على ما اذا كان حقّه ثابتا بمقتضى حكمهم لا في الواقع و هو بعيد

لانّ ظاهره الثبوت واقعا نعم يمكن حمله على انّه بمنزلة السّحت في العقاب لا انّه يحرم التصرف فيه أو أنّ التصرف فيه يحرم بالنّهى السابق نظير حرمة الخروج عن الدار المغصوبة حيث انّ التحقيق أنّه محرّم بالنّهى السابق على الدخول و امّا احتمال خروج العين عن ملكه و عدم دخول الدين في ملكه فبعيد جدا خصوصا الأول إلّا ان يقال بأنّه باق على ملكه لكن يحرم التصرف فيه الّا باذن الحاكم الشرعى هذا بالنّسبة الى ما أخذ بالترافع إلى قضاة الجور و امّا المأخوذ بالترافع إلى غيرهم ممن ليس من أهل الحكم أو بالاستعانة من ظالم في استنقاذ حقّه مع عدم توقفه على ذلك و إمكان الأخذ، بالحكم الشرعى فانّه و ان فعل حراما إلّا انّ حرمة ما يأخذه من حقّه عينا أو دينا غير معلومة فيعاقب على فعله لا على التصرف في المأخوذ و الخبر مختصّ بقضاة الجور بل المنصوبين منهم للقضاء و شموله بغيرهم غير معلوم».

أقول و حاصل المستفاد من كلامه المقدّم هو عدم التزامه بتحريم المأخوذ في

______________________________

(1) كان نظره الشريف الى مقبولة عمر بن حنظلة و هى الرواية 4 من الباب 1 من ابواب صفات القاضى من وسائل و هي ما رواها عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من رجلين من اصحابنا بينهما منازعة، في دين او ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاة يحلّ ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانّما تحاكم الى الطاغوت و ما يحكم له فانّما يأخذ سحتا و ان كان حقّه ثابتا لأنّه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالى «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا،

إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا، أَنْ يَكْفُرُوا» به، الحديث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 180

مفروض الكلام في مسئلتنا إذ لم يكن القاضى من قضاة الجور و عدم كونه من المنصوبين من قبلهم فكلامه رحمه اللّه في ملحقات العروة مخالف مع كلامه في المقام.

ثم بعد ذلك نقول لك أنّ للمسألة صورتين:

الصّورة الاولى: ما إذا كان المأخوذ كلّيا فنقول كما قال المؤلف رحمه اللّه في ملحقات العروة لا يجوز الأخذ و يكون حراما لانّه بعد فرض كون تشخص الكلّى بيد المديون فما يأخذ المدعى و هو الّذي حكم الحاكم بنفعه يكون حراما لانّه بغير اذن المديون الّذي يدّعى المدّعى كونه مديونا بالكلّي.

إن قلت: في المقام يكفى تشخص الحاكم الذي حكم بنفع المدّعى.

قلت: بعد فرض كون الحاكم ممّن ليس أهلا للفتوى فلا يكفى حكمه في تشخص الكلّى بالمأخوذ لعدم أهليّته.

نعم لو كان الحاكم الحاكم الشرعى الّذي يكون له اهلية الفتوى و الحكم لو امتنع المحكوم عليه من تشخص الكلّى و ادائه كان للحاكم ذلك هذا إذا كان كليّا فقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة حرمة الأخذ اعنى أخذ المال الّذي يريد اخذه بحكم هذا الحاكم المفروض.

فلا حاجة في هذه الصورة إلى التمسّك بمقبولة عمر بن حنظلة.

الصّورة الثّانية: ما إذا كان المأخوذ شخصيّا فمقتضى القاعدة جواز الأخذ لانّ المأخوذ عين ماله و باق بملكيته فاخذه منه يكون بلا اشكال.

و امّا القول بعدم جواز الاخذ و حرمته في هذه الصورة تمسّكا بمقبوله عمر بن حنظلة لما قال فيها بانّ المأخوذ سحت.

و قد يردّ ذلك بضعف سند المقبولة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 181

و قد يجاب، عن ضعف سندها بأنّها المقبولة و معنى كونها المقبولة أنّ

اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم تلقّونها بالقبول فلا مجال للاشكال بضعف سندها.

أقول: و لم يتحقّق لنا مقبوليتها عند الاصحاب لعدم تفحصنا كاملا حتى كشف لنا انّهم يتكلون عليها أم لا؟

فمع قطع النظر عمّا يقال في ضعف سند المقبولة نقول انّ الظاهر من المقبولة هو حرمة الأخذ من المحكوم عليه مستندا بحكم قضاتهم و لا اطلاق لا على ما يأتي بالنظر يشمل المورد و يظهر ذلك للمراجع بالمقبولة صدرا و ذيلا لكون المفروض فيها هو خصوص المورد الّذي كان بحكمهم فعلى هذا نقول بأنّ الحق في المسألة هو التفصيل بين الصورتين.

الجهة السابعة: إذا انحصر احقاق الحقّ بالترافع إلى من ليست له اهليّة القضاء

فهل يجوز الترافع إليه و أخذ حقّه أو مال بحكمه أو لا يجوز ذلك

أقول بعد ما تكون الضرورات تبيح المحظورات و أنّ الدّليل الدال على حرمة الترافع إلى من ليس له اهلية القضاء و حرمة أخذ المال بحكمه و انّ كان محقّا واقعا و إن كان له اطلاق أو عموم لا بدّ من التصرف فيه من باب حكومة دليل نفى الضرر او وروده عليه و تكون النتيجة عدم كون النهى من الترافع إليه او أخذ المال بحكمه في مورد الضرر كما هو المفروض في هذه الصّورة.

فنقول في هذه الصورة بجواز الترافع إليه و أخذ المال بحكمه فافهم.

***

[مسئلة 44: يجب في المفتى و القاضى العدالة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 44: يجب في المفتى و القاضى العدالة و تثبت العدالة، بشهادة عدلين و بالمعاشرة، المفيدة للعلم، بالملكة، او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 182

الاطمينان بها و بالشّياع المفيد للعلم.

(1)

أقول: قد مرّ في المسألة 22 الكلام في الجهتين:

الجهة الاولى: اعتبار العدالة في المجتهد،

و يعتبر أيضا في القاضي، لانّه مع ملاحظة أهميّة، منصب القضاء و الحكم، بين الناس بالعدل، الّذي أمر به الاسلام و لا يقيم العدل إلّا العادل، و ملاحظة وضع الشارع، يحصل القطع، باعتبارها، في القاضى و مع ذلك، يستدلّ على اعتبارها، بالإجماع و لعلّ وجه الاتفاق؛ ما قلنا، لا أن يكون اجماع تعبّدى، قائم عليها.

و كذا يستدلّ، بالرّواية رواها، سليمان بن خالد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اتّقوا الحكومة، فان الحكومة، انّما هي للامام، العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، لنبى او وصى نبى» «1» و مع كون المنصب، من النبي و الوصيّ، العادل في المسلمين، فمن الواضح، اعتباره، في غيرهما، ممّن يصحّ اشغال له، هذا المنصب، من المجتهدين.

و كذا يستدلّ بالرّواية رواها، ابو خديجة قال، بعثنى ابو عبد اللّه عليه السّلام، إلى اصحابنا، فقال قل لهم، ايّاكم، إذا وقعت بينكم خصومة، او تدارى، في شي ء من الأخذ و العطاء، أن تحاكموا، الى احد، من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا، بينكم رجلا، قد عرف حلالنا و حرامنا، فانّى قد جعلته عليكم، قاضيا و ايّاكم، أن يخاصم، بعضكم، بعضا، الى السلطان الجائر» «2» بدعوى، انّ المستفاد منها، عدم لياقة الفاسق، لانّ يشغل منصب القضاء.

و يمكن الإشكال، في الاستدلال بها، بانّ النهى، بالتّحاكم، عند هؤلاء

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 11 من ابواب صفات

القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 183

الفسّاق، يمكن أن لا يكون، لمجرّد فقهم، بل لكونهم، منصوبين من قبل الحكام الجور، و كون الفسق، من وصفهم، فذكره، كان من باب الاشارة إليهم، لا لكون منشأ النّهى، هذه الصّفة و لهذا لم يعتبر ذلك، في الذيل، لمن أمر بالرّجوع إليه، و على كلّ حال، يعتبر فيه العدالة.

الجهة الثانيّة: قد مر في المسألة 23 ما يعرف و يثبت به العدالة،

فالاوّل، العلم من اىّ طريق حصل، و من جملة «الطرق، المعاشرة المفيدة للعلم، بعدالته و من جملة الطرق الشياع، المفيد للعلم، الثّاني، شهادة العدلين، الثالث، الاطمينان، لكونه، بحكم العلم، عند العقلاء و ترتيبهم عليه، أثر العلم و عدم ردع الشارع عنه، الرّابع، حسن الظّاهر، بالنّحو الّذي قلنا في المسألة 23.

***

[مسئلة 45: إذا مضت مدّة، من بلوغه و شكّ بعد ذلك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 45: إذا مضت مدّة، من بلوغه و شكّ بعد ذلك، في أنّ اعماله، كانت عن تقليد صحيح، أم لا؟ يجوز له البناء، على الصّحة، في أعماله السابقة و في اللّاحقة، يجب عليه التّصحيح فعلا.

(1)

أقول: الكلام في المسألة في موردين:

الاوّل: في أنّه، إذا مضت مدّة من بلوغه و شكّ في ان اعماله، كانت عن تقليد صحيح، أم لا؟ يجوز له البناء عل الصحّة، في اعماله السابقة، فقد امضينا الكلام فيه، في المسألة 41.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 184

الثّاني: في انّه يجب عليه، التّصحيح فعلا، بالنّسبة إلى اعماله اللاحقة، بالرّجوع، الى من يجب الرجوع إليه، و هو المجتهد، الجامع لشرائط الفتوى، و لا يفيد اجراء اصالة الصّحة، بالنّسبة الى اعماله، السّابقة، لتصحيح الاعمال اللاحقة، لعدم كون لوازم هذا الاصل، حجّة، حتّى بناء على كونه، من الامارات، لقصور دليله.

***

[مسئلة 46: يجب على العامى، أن يقلّد الاعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 46: يجب على العامى، أن يقلّد الاعلم، في مسئلة وجوب تقليد الاعلم، او عدم وجوبه، و لا يجوّز ان يقلّد غير الاعلم، إذا افتى، بعدم وجوب تقليد الاعلم، بل لو افتى الاعلم، بعدم وجوب تقليد الاعلم، يشكل جواز الاعتماد عليه، فالقدر المتيقّن، للعامى، تقليد الاعلم، في الفرعيّات.

(1)

أقول: اما وجوب الرجوع الى الاعلم في المسألة، لو لم يكن الشخص مجتهدا و لا بانيا على الاحتياط لانّه، يجب التقليد، في هذه المسألة، و قدر المتقين، هو الرجوع، الى الاعلم، لانّه يعلم ببراءة الذّمة، بالرّجوع إليه، و جواز الرجوع، الى غير الاعلم مشكوك، فلا بدّ بحكم العقل، الرّجوع الى المتيقن، فعلى هذا يتعيّن الرجوع، الى الأعلم، في مسئلة وجوب تقليد الاعلم، و لا يجوز الرّجوع، الى غير الأعلم.

و امّا ما قال، من

أنّه لو افتى الأعلم، بعدم وجوب تقليد الاعلم، يشكل الرّجوع إليه، فلا يكون، في محلّه، لانّه على الفرض، يكون التكليف، الرّجوع الى الأعلم و من جملة، ما يرجع إليه، هذه المسألة، فلا اشكال في الرّجوع إليه، حتّى في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 185

هذه المسألة، و بعد فتوى الاعلم، بعدم وجوب تقليد الاعلم، يجوز له الرّجوع، الى غير الاعلم، مثل ما يبقى، على تقليد الميّت، ببركة تقليد الحىّ فى جوازه البقاء.

***

[مسئلة 47: إذا كان مجتهدان، أحدهما أعلم، في أحكام العبادات، و الآخر أعلم، في المعاملات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 47: إذا كان مجتهدان، أحدهما أعلم، في احكام العبادات، و الآخر أعلم، في المعاملات، فالاحوط، تبعيض التقليد، و كذا، إذا كان أحدهما، أعلم في بعض العبادات مثلا و الآخر في البعض الآخر.

(1)

أقول: قد مرّ في المسألة 12 أنّ الاقوى، وجوب تقليد الاعلم، فيما يعلم المكلف، بمخالفة فتواه، مع غير الأعلم و كذا، في صورة الشّك، في ذلك، فبناء عليه، إذا كان، أحدهما اعلم، في بعض المسائل، و الآخر، في بعضها الآخر، يجب تبعيض التقليد، و التقليد، في كلّ مسأله، عمّن، هو اعلم، من الآخر، فيما يشكّ، باختلاف فتواهما، فضلا عمّا يعلم، باختلاف، فتوى الأعلم منهما، مع غير الأعلم.

***

[مسئلة 48: إذا نقل شخص، فتوى المجتهد خطأ]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 48: إذا نقل شخص، فتوى المجتهد خطأ، يجب عليه، إعلام من تعلّم منه، و كذا إذا أخطأ المجتهد، في بيان فتواه، يجب عليه الأعلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 186

(1)

أقول: يمكن، أن يستدلّ على وجوب الاعلام، إذا أخطأ الناقل، في نقل الفتوى، أو أخطأ المجتهد، في بيان الفتوى، بأمور:

الامر الاوّل: وجوب بيان الاحكام و إرشاد الضّال،

و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و هذا الوجه و ان كان، في حدّ ذاته تماما، لكن لا يختصّ ذلك، بخصوص من أخطأ، في النقل، أو الفتوى أوّلا، و توقّفه على كون الفعل، او الترك ضلالة، او معروفا، أو منكرا، و مع جهل الشخص، لتوهمه، أنّ ما يفعله، هو الواقع، و عدم علمه، بأن ما يتركه معروفا، و ما يفعله منكرا، لا يكون، مورد ذلك، ثانيا، و أنّ هذا الوجه، لا يقتضي، إلّا بيان الاحكام، بحيث لا يندرس الاحكام، و امّا وجوب إيصاله، إلى كلّ فرد، فرد، حتّى إذا توقف على الحضور، في بيوتهم و امكنتم، فغير معلوم، فلا يوجب ذلك، وجوب المدّعى و هو الاعلام، بخصوص الشّخص، ثالثا ثمّ أنّ هذا الوجه، على تقدير تماميته، يقتضي الاعلام، فيما أخطاء و نقل إباحة، ما هو الواجب، او الحرام واقعا، أو افتى بحلية، ما هو الواجب، أو الحرام، و كذا إذا أخطأ، في النقل، أو الفتوى و ذكر ما هو مباح واقعا، بانّه واجب، أو حرام، لانّ كلّ ذلك، من بيان الاحكام الواجب، على الشّخص.

الأمر الثّاني: انّه نعلم، من ايجاب شي ء، أو حرمته، انّ الشارع، يريد وجود الاوّل و عدم وجود الثاني،

لانّ المستفاد، بحسب المتفاهم العرفى، من دليل الوجوب، و التحريم، هو محبوبيّة وقوع الواجب، و مبغوضيّة وقوع الحرام، في الخارج، سواء كان ذلك، بالمباشرة، أو بالتّسبب، فعلى هذا، يقال، بانّ من أخطاء، في نقل الفتوى، أو في الافتاء، و صار بسببه، الواجب متروكا، في الخارج، أو الحرام موجودا، في الخارج، فهو صار سببا لذلك، فقد أتى، بما هو مبغوض المولى، فيجب عليه الاعلام، بخطائه، كى لا يقع مبغوض المولى، أو لا يترك محبوبه، و لاجل ذلك، يجب الأعلام،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 187

و فيه أنّ تماميّة

الدّليل، موقوف، على كون ترك الواجب، و فعل الحرام، مبغوض الشارع، على كلّ حال و إن كان الفاعل جاهلا، بهذه المبغوضيّة، و هذا غير معلوم.

ان قلت لا اشكال، في انّ الشارع، المريد فعل الواجب، لاجل المصلحة، و ترك الحرام، لاجل المفسدة، يكون فعل الاوّل، و ترك الثاني مطلوبه على كلّ حال، و من يكون جاهلا، بالتّكليف، يكون لأجل جهله، معذورا و أثر جهله، عدم استحقاقه، للعقاب، لا عدم مبغوضيّة، ما ترك من الواجب، او فعل من الحرام.

قلت انّه في كلّ مورد، يكون التكليف، من قبل المولى فعليّا، من غير جهة جهله و ان لم يكن، من حيث جهله فعليّا، او منجّزا، صحّ ما قلت، من كون فعل الحرام، و ترك الواجب، مبغوض المولى، و ان لم يعلم به، المكلّف و لا يصح عقابه، على ترك مطلوب المولى، او فعل مبغوضه، و بعبارة اخرى، جهل المكلف، لا ينافي مع المبغوضية، و امّا فيما لا يكون التكليف فعليّا، حتى من غير حيث جهل المكلّف، فلا يكون العمل، فعلا، او تركا، مبغوضا فعلا و مجرّد الوجوب، أو الحرمة، لا يدلّ على المطلوبية، او المبغوضيّة على كلّ حال، إذ يمكن، كون المصلحة، المترتبة على الواجب، و المبغوضيّة، المترتبة، على الحرام، مترتبة على خصوص، صورة صدور الفعل، او ترك الفعل، بالمباشرة، لا بالتسبيب، فلا يستفاد، من وجوب شي ء، أو حرمته، كشف مبغوضية، ترك الاوّل و فعل الثاني، على كلّ حال، و ان كان بالتسبيب، بالتّرك في الواجب، أو الفعل، في الحرام.

ثمّ انّ هذا الوجه، على تقدير تماميته، هل يقتضي وجوب الاعلام، في ما اخبر المفتى، او ناقل الفتوى، بوجوب شي ء أو حرمته، مع كونه في الواقع، مباحا، كما يقتضي الأعلام،

في ما أخبر بحليّة، ما هو واجب، أو حرام واقعا، أو يختصّ الاعلام، بخصوص الصورة الثّانية:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 188

مقتضى الدّليل، وجوب الاعلام، في خصوص الصورة الثانية، لانّه في هذه الصّورة، يوجب ترك الاعلام، وقوع مبغوض المولى، أو ترك محبوبه، في الخارج، لا في الصورة الأولى.

الأمر الثّالث: دلالة بعض الأخبار على ذلك.

منها ما رواها، ابو عبيدة، قال، قال ابو جعفر عليه السّلام من أفتى الناس بغير علم و لا هدى، من اللّه، لعنته ملائكة الرّحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر، من عمل بفتياه» «1» و غير ذلك، راجع الباب المذكور، و لكن عندى، في دلالتها، على وجوب الاعلام، في محلّ النزاع نظر، لانّه، غاية ما يستفاد منها، و من نظائرها، هو مبغوضيّة الفتوى، بغير العلم، و هذا راجع، إلى من يفتى، مع عدم العلم، و بدون الحجّة له، على الحكم و لا تشمل من يفتى، بمسألة خطأ، مع كونه، في فتواه، متّكيا على الحجّة و إن أخطأ واقعا، فمن يفتى، بغير علم، ليس بمعذور، و في الفرض، يكون معذورا، في فتواه و إن صدر الخطاء منه.

منها «2»، ما رواها عبد الرحمن بن الحجّاج، قال كان ابو عبد اللّه عليه السّلام، قاعدا في حلقة ربيعة الرّأى، فجاء أعرابي، فسأل ربيعة الرّأى، عن مسئلة، فاجابه، فلمّا سكت، قال له الاعرابي، أ هو في عنقك، فسكت عنه، ربيعة و لم يردّ عليه، شيئا، فاعاد المسألة عليه، فأجابه بمثل ذلك، فقال له الاعرابى، أ هو في عنقك، فسكت ربيعة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام، هو في عنقه، قال أو لم يقل و كلّ مفت ضامن» و الإنصاف دلالة، هذه الرواية، على كون المفتى ضامنا و ما قاله،

في عنقه، فلو أخطأ يقتضي ذلك الاعلام بالخطاء، للخروج عن الضّمان و نجاة عنقه و الرّواية و إن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 189

كانت في المفتى، لكن بتنقيح المناط، يدخل النّاقل، المخطئ في نقله، فلاجل هذه الرواية، نقول بوجوب الاعلام.

***

[مسئلة 49: إذا اتفق في اثناء الصّلاة، مسئلة لا يعلم حكمها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 49: إذا اتفق في اثناء الصّلاة، مسئلة لا يعلم حكمها، يجوز له أن يبنى، على أحد الطرفين، بقصد أن يسأل، عن الحكم بعد الصلاة و أنّه إذا كان، ما اتى به، على خلاف الواقع، يعيد صلاته، فلو فعل ذلك و كان ما فعله، مطابقا للواقع، لا يجب عليه الاعادة.

(1)

أقول: في مورد المسألة، تارة، يتمكّن من الاحتياط و يعلم طريقه، مثلا يشكّ في أثناء الصّلاة، في وجوب ذكر الرّكوع، قبل أن يأتى به و انّه هل يجب التسبيح، مرّة او ثلث مرّات و تارة لا يتمكّن، من الاحتياط، مثل ما يشكّ في أنّ السّورة، هل تكون واجبة، في الصلاة، أو حراما، و كذلك، تارة، نقول بحرمة قطع الصلاة، حتّى في مثل، هذا المورد، الّذي لم يجزم بصحّتها و تارة، لا نقول بذلك، بل حرمته منحصرة، بما إذا أمكن له، حال إتيانها، الجزم بصحّتها، كما لا يبعد ذلك، لانّ العمدة، في وجه، حرمة قطع الصّلاة، الاجماع و الإجماع، متيقّنه الصّورة الثّانية.

و كذلك، تارة كان الواجب عليه، تعلّم المسائل، المبتلى بها، غالبا في الصّلاة، لتمكّنه من التعلم، و اطمينانه، او احتماله الابتلاء بها و تارة لا يجب عليه، لغفلته عن ذلك، أو اطمينانه، بعدم الابتلاء بها.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 1، ص: 190

و نقول بعونه تعالى، لو اتّفق للمكلّف، في اثناء الصّلاة مسئلة، لا يعلم حكمها، فان أمكن، الاحتياط، و يمكن له، العمل به، يجوز العمل و به يقطع بالامتثال، كما أنّه يجوز له، الأخذ بأحد طرفي المسألة، رجاء و اتمام الصلاة و السؤال عن الحكم بعدها، فان كان عمله موافقا، لما هو الواجب عليه، فهو و الا يعيد، أو يقضى الصلاة و لا يجب عليه الاحتياط تعيينا، فيما أمكن الاحتياط، لعدم دليل عليه، و كذلك، فيما لا يتمكّن من الاحتياط، فأيضا، له أن يبنى، على أحد طرفي المسألة و يتمّ صلاته، ثم يسأل عن المسألة، فان طابق ما عمل، مع ما هو الواجب عليه، فهو و إلّا يعيد، أو يقضى الصلاة، هذا كلّه، إن قلنا، بحرمة قطع الصّلاة، في مثل المورد و إلّا لو قلنا، بجوازه، فكما يجوز له، ما قلنا، يجوز له، قطع الصلاة و الاعادة، على ما هو المطلوب، و لا فرق فيما قلنا، بين ما كان الواجب عليه، التّعلم او لا؟ لأنّه في كلّ من الصورتين، لا إشكال في الأخذ، بما ذكرنا.

***

[مسئلة 50: يجب على العامى، في زمان الفحص]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 50: يجب على العامى، في زمان الفحص، عن المجتهد، أو عن الاعلم، أن يحتاط في اعماله.

(1)

أقول: لانّه معه، يكون مأمونا، عن العقاب و بدونه، لا يأمن عنه، و الواجب هو الاحتياط، بمقدار يؤمن، عن العقوبة و هو كما يحصل بالاحتياط، بين المحتملات، يحصل بالاخذ، بما هو الاحوط، من أقوال، الذين يحتمل اجتهادهم او اعلميتهم، فإذا دار الأمر، بين شخصين، يكفى الأخذ بأحوط القولين منهما، لانّه، به يؤمن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 191

عن العقوبة.

***

[مسئلة 51: المأذون و الوكيل، عن المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 51: المأذون و الوكيل، عن المجتهد، في التّصرف في الاوقاف، أو في أموال القصر، ينعزل بموت المجتهد، بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متولّيا، للوقف، أو قيّما على القصر، فانّه لا تبطل توليته و قيمومته على الاظهر.

(1)

أقول: قد ترى أنّ المؤلّف رحمه اللّه فرّق بين صورة، يكون الشخص مأذونا، أو وكيلا، عن قبل المجتهد، فأفتى بانعزاله، بموت المجتهد و بين ما كان منصوبا من قبله للتولية على الوقف او قيّما على القصر فافتى بعدم انعزاله بموت المجتهد و فصّل بعض في الصورة الثانية، بين ما إذا كان، من جعله المجتهد، متولّيا، او قيّما، من قبل نفسه، بحيث يكون من شئون ولايته، فينعزل بموته، و بين ما جعله متولّيا، أو قيّما، عن الامام عليه السّلام بحيث يكون، من شئون ولايته عليه السّلام فلا ينعزل بموته، لانّه في الاوّل، من تبعاته، فيذهب ما تبعه، بتبعه، بخلاف الثّاني، لانّ الامام عليه السّلام باق فيبقى توابعه.

أقول مضافا الى ما يأتى إن شاء اللّه في أنّ مقتضي دليل ولاية الفقيه، هو انّه نائب عن الإمام و ما يعمل يكون عمله عليه السّلام فمن ينصبه لامر

ينصبه حقيقة من قبل الإمام، فلا يصحّ التفصيل، بانّه يتصوّر، في المأذون و الوكيل، هذا التفصيل و، لو تمّ كلامه في المنصوب و وجد دليل، على ولاية الفقيه، في كلّ من الجهتين، أعنى في أن يؤذن، او يوكّل من قبل نفسه، و من باب، انّ له الولاية و بولاية نفسه، إذن له، أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 192

و كلّه، ففي هذه الصّورة، ينعزل بموت المجتهد، لكون الاذن و الوكالة، من قبل شخص خاص، كان له التّصرف و الاذن و الوكالة، ما دام حيا و مع موته، يذهب اختياره، فلا معنى لبقاء، اذن المأذون، أو الوكيل من قبله، و في أن يكون اذنه، أو توكيله، من باب انّ له حقّ، لان يؤذن، أو يوكّل، من قبل الإمام عليه السّلام و بعبارة أخرى، كان الوكيل، في التوكيل عنه عليه السّلام، ففي هذه الصّورة، لا ينعزل المأذون، أو الوكيل لبقاء الموكّل و هو عليه السّلام، بناء على كون الولاية، في الأذن و الوكالة، عن قبله عليه السّلام للمجتهد ثمّ بعد ذلك كله، نقول بعونه تعالى، بانّا تارة، لم نقل بولاية للفقيه مطلقا، في غير الافتاء و القضاء، بل ما يمكن له تصدّيه، من الأمور الاجتماعيّة و السّياسيّة و أمر الحكومة و الدخالة، في أمور الغيّب و القصّر، ليس الّا بمقدار، يجب إجرائها حسبة، من باب، عدم جواز تعطيلها و كون دخالة الفقيه حسبة، من باب القدر المتيقن، لانّه بعد عدم جواز تعطيل هذه الأمور، للزوم اختلال النظام، أو بعض جهات اخرى، فامّا يجب تصدّى هذه الأمور، على كلّ واحد من المؤمنين، أو عدولهم، أو على خصوص الفقيه، و القدر المتيقن، هو الفقيه، فليس

دخالته، من باب ولاية له، كما يظهر، من بعض، فلا معنى لبقاء التولية، او القيموميّة، بعد موت المجتهد، لمن نصبه متولّيا، أو قيّما، لانّه متى كان حيّا، كان له إشغال، هذه الأمور و تصدّيها حسبة و مع موته، لا بدّ من الرّجوع، الى من له الصلاحية، من بين الاحياء، للدّخالة فيها.

و اما بناء على كون الفقيه، من الأولياء و له الولاية، حتّى في غير الفتوى و القضاء، في طول النبي و الإمام صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فلا بدّ من التكلم، في مقدار ولاية الفقيه، و ليس هنا، مقام التعرّض لولاية الفقيه و ما يأتي بنظرى، القاصر عاجلا، هو عدم الاشكال في ولايته، في عصر الغيبة، في الجملة و من يتأمل في وضع الاسلام و حكومته و ما هو، مورد نظر صادعه، كيف يتأمّل في ولاية الفقيه، و هل يوجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 193

انكارها، إلّا إيكال الناس إلى أنفسهم، في الحقيقة و وقوع التشاجر و التنازع بين المسلمين، كيف و يقول صاحبنا صاحب العصر و الزمان روحى فداه «و اما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها، الى رواة أحاديثنا، فانّهم حجّتى عليكم و انا حجّة اللّه عليهم» فما هذه الحوادث، هل الاحكام فقط و هل القضاء فقط، أو هو جعل رواة احاديثهم حجّة و كما قلت سابقا في طيّ المسألة الاولى أعطى العلماء هذا المنصب، فلاىّ أمر جعلهم حجّة لان ينزو و يجلسوا في بيتهم و لا يبالون، ما وقع على كيان الاسلام، او جعلهم حجّة لأن يرجع الناس إليهم، في الحوادث الواقعة و هم يجيبون و يقيمون، بما يجب أن يقام به و الحاصل لو لم يكن، دليل

و نصّ على ولاية الفقيه، كان الوارد، على ما يريد الدّين، مع كماله و وجود، ما يحتاج العباد، إليه، فيه، من السّياسة و تدبير الملك و الملّة و صلاح حال الرعية، و المبارزة مع الجاحدين، و كيفية الدفاع، عن الاسلام و يعدّون له، ما يستطيعون يقطع، انّه لا بدّ من كون الأمر، بيد من يصلح الأمور، و لو لم يكن، ولىّ في غيبة الإمام و هو المجتهد، فمن يرعى النّاس، فاذا لا اشكال، في ولاية الفقيه، و ليس حدود ولايته، منحصرا فقط، بأمر الغيّب و القصر، بل يوسع الأمر، حتّى إلى تأسيس العدّة و العدّة و إدارة المجتمع، مضافا إلى دلالة بعض النصوص عليها، و ليس المقام، مقام التعرّض لها، و قد تعرّضنا لبعض الكلام في هذا الباب فى المسألة الاولى من مسائل هذا الكتاب و في رسالة مستقلّة في ولاية الفقيه.

و على كلّ حال، بعد ثبوت الولاية للفقيه، في الجملة، نقول بأنّ مقتضى، ما يستفاد من النصوص، المربوطة بالمقام، و مقتضى، كون الفقيه نائبا، عن الإمام عليه السّلام، و حجّة من قبله، عدم استقلال له، بل ما يعمل، يعمل بعنوان النيابة و كونه حجّة، من قبله عليه السّلام، فلو نصب متولّيا، او قيّما و لو نصبه، من قبل نفسه، و من باب كونه، من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 194

شئون ولايته، لكن حيث كان، شان ولايته، هو تصديه، من قبله، فليس وزان ولايته، وزان ولاية مستقلّة، في قبال النبي و الوصي عليهما السّلام، حتّى يكون مجعولاته، من قبل نفسه، كما يستفاد من الخبر الشريف، الّذي يروى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، اللّهمّ ارحم خلفائى الخ، و

بعد كون ولايته، في الحقيقة، نيابة، فمن يتصدّى لأمر، من التولية، او القيمومة، فهو يتصدّى، في الحقيقة، عن قبل الإمام عليه السّلام، غاية الامر بواسطة الفقيه فلا يفرض صورتان كما قال بعض شراح «1» العروة و ذكرنا فى أوّل المسألة من انه تارة ينصب المتولى او القيّم من قبل نفسه و تارة عن قبل الامام عليه السّلام» و قياسه بما ذكر، من انّه، إذا كان، في ذمّة زيد واجب، فاستناب عمرا، فلمّا اشتغلت ذمّة عمرو به، ثمّ مات فاستناب وارثه بكرا، فبكر، يكون نائبا، عن عمر، لا عن زيد، قياس مع الفارق، لانّ مثل الفقيه، مثل الوكيل و هو يعمل، عمل الموكّل، فإذا مات المجتهد، فلا معنى لانعزال، من جعله متولّيا، او قيّما.

***

[مسأله 52: اذا بقى على تقليد الميّت من دون انّ يقلّد الحىّ فى هذه المسألة]

قوله رحمه اللّه

مسأله 52: اذا بقى على تقليد الميّت من دون انّ يقلّد الحىّ فى هذه المسألة كان كمن عمل من غيّر تقليد.

(1)

أقول: ظاهر مفروض المسألة، ما إذا بقى، على تقليد الميّت، من دون تقليد الحىّ، و لم يكن بقائه، عن اجتهاد، ففى هذه الصّورة، كان، كمن عمل من غير تقليد، لعدم كون عمله، مستندا، إلى اجتهاد، أو إلى تقليد، و لا يكون عمله، على طبق

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 76.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 195

الاحتياط، و إدراك الواقع به، فيكون من مصاديق الجاهل بالحكم، و قد مرّ تفصيل حكمه، في طى مسئلة 7 و 16 فراجع، و امّا ان كان، في مسئلة البقاء مجتهدا، اعنى بقى على تقليد الميّت، عن اجتهاد، فيصحّ عمله.

***

[مسئلة 53: إذا قلّد، من يكتفي بالمرّة مثلا في التسبيحات الأربع]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 53: إذا قلّد، من يكتفي بالمرّة مثلا، في التسبيحات الأربع و اكتفى بها، أو قلّد من يكتفى، في التيمم، بضربة واحدة، ثم مات، ذلك المجتهد، فقلّد من يقول، بوجوب التعدد، لا يجب عليه، إعادة الاعمال، السّابقة و كذا، لو أوقع عقدا، أو إيقاعا، بتقليد مجتهد، يحكم بالصّحة، ثم مات و قلّد من يقول، بالبطلان، يجوز له، البناء على الصّحة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل، بمقتضى فتوى المجتهد الثّاني و أمّا إذا قلّد، من يقول بطهارة شي ء، كالغسالة، ثمّ مات و قلّد، من يقول بنجاسته، فالصّلوات و الاعمال السابقة، محكومة بالصّحة، و إن كانت مع استعمال ذلك الشّي ء و أمّا نفس ذلك الشي ء، إذا كان باقيا، فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، و كذا في الحليّة و الحرمة، فإذا أفتي المجتهد الاوّل، بجواز الذّبح بغير الحديد، مثلا، فذبح حيوانا كذلك، فمات المجهد و قلّد،

من يقول بحرمته، فان باعه، أو أكله، حكم بصحة البيع و إباحة الأكل، و امّا إذا كان الحيوان المذبوح موجودا، فلا يجوز بيعه و لا أكله و هكذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 196

(1)

أقول: اعلم أنّ

المسألة، من صغريات الحكم الظاهرى

، و إجزاء لحكم الظاهرى، عن الحكم الواقعى، صار مورد الخلاف، فبعض يقول، بعدم الاجزاء مطلقا، و بعض يقول بالاجزاء، مطلقا، و بعض يقول، بالتفصيل، بين العبادات و المعاملات، من العقود و الايقاعات، فيقول بالاجزاء و بين غيرهما، من الاحكام التكليفية، و الوضعيّة، فيقول بعدم الاجزاء، كما اختاره المؤلّف رحمه اللّه، على ما نسب إليه، في التنقيح، «1» في طى المسألة 1 من باب ما ذهب إليه، في هذه المسألة الّتي نحن فيها، و لكن ما يأتي بالنّظر، هو انّ السيد المؤلّف رحمه اللّه اختار الاجزاء، بالنّسبة إلى ما مضى مطلقا، و قوله بنجاسة الغسالة، إن كانت باقية، نظرا، الى فتوى المجتهد الحىّ، بنجاستها فعلا و كذلك في المذبوح، بغير الحديد، إذا كان باقيا، فلا يجوز بيعه و لا أكله فعلا، نظرا، إلى فتوى المجتهد الحىّ، بعدم الاكتفاء، في مقام الذبح، بغير الحديد، ففي كلّ الموارد، ما رتّب على فتوى، المجتهد الميّت، في السابق يحكم بصحّته و فيما بقى، يحكم بعدم الصّحة و عدم ترتيب الأثر، فليس قوله رحمه اللّه بعدم إعادة الأعمال السابقة الواقعة من المقلّد، على طبق فتوى المجتهد الميّت، من اكتفائه من التسبيحات، بالمرّة و في التيمّم بضربة واحدة، و الحكم بنجاسة الغسالة، مع بقائها و عدم جواز بيع المذبوح، بغير الحديد و أكله تفصيلا، بين العبادات و العقود و الايقاعات، و بين غيرهما من الاحكام التكليفيّة و الوضعيّة، لانّ فيما مضى

حكم بالصّحة، لانّه قال، بانّ الصلاة و الأعمال السابقة، الواقعة، مع الغسالة، محكومة بالصّحة، و كذا لو بيع، أو أكله، قبل موت الميّت، المقلّد، يحكم بصحّة بيعه و إباحة أكله، و هذا ليس تفصيلا، كما انّه يحكم فعلا، بوجوب إتيان ثلاث تسبيحات و ضربتين في التيمم، بل السيد رحمه اللّه ظاهر كلامه، في العقود و الايقاعات، الاجزاء و ترتيب الأثر، حتّى بالنسبة الى

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 44.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 197

الآثار، المترتبة فعلا و بعد كشف الخلاف مثلا، إذا وقع العقد بالفارسية، فكما صحّ كلّ اثر رتب، عليه قبل كشف الخلاف، يرتب عليه، حتّى بعد كشف الخلاف، كلّ أثر يكون للعقد فعلا و لاحقا، و لا يحتاج فعلا ترتيب الآثار اللّاحقة، الى عقد جديد، العربيّة و هذا ليس لازم القول بالاجزاء و ما يقول، السيد رحمه اللّه، مما قلنا يكون في المعاملات فقط، لا في العبادات، كما توهم في التنقيح، لانّ العبادات الماتى بها، قبلا على طبق نظر الميّت ليس له أثر فعلىّ، غير الاعادة و القضاء و عدم الاعادة و القضاء، يكون أثرا آخرا، أو صحة العبادة حسين، عدم كشف الخلاف، فكلام السّيد رحمه اللّه، غير تمام في خصوص العقود و الايقاعات، و لا يكون في الحقيقة تفصيلا في الاجزاء و عدمه، من الموارد، و لكن يمكن ان يقال في وجه التزامه، بترتيب آثار الصّحة، حتى فيما بعد ذلك في العقود و الايقاعات، من باب ان الاثر، حتى في لحال مرتّب على نفس حدوث العقد، لانّ الأثر مرتب على نفس الحدوث، حدوثا و بقاء، فيبقى الأثر بما حدث سابقا من العقد، فتأمل.

و اختار سيدنا الأعلم فقيد الاسلام

آيت اللّه المعظم البروجردي رحمه اللّه الإجزاء فيما يكون، لسان جعل الحكم الظّاهرى، لسان الفرديّة، مثل المذكور في المسألة، فالدّليل الدال، على كفاية تسبيحة واحدة، في التسبيحات الاربع، في الصلاة، أو ضربة واحدة في التيمم، يجعله فردا للصّلاة و التيمم، فتكون الصلاة و التيمم، في الفرض، فرد لطبيعة الصلاة و التيمم، مثل الصلاة، مع ثلاث تسبيحات، و مثل الضربتين، في التيمم، و امّا فيما كان المأمور به، بالحكم الظّاهري، طبيعة أخرى غير الطبيعة المأمور به، بالأمر الواقعي، مثل ما كان أحدهما الجمعة، و الآخر ظهرا فلا يجزي الظّاهري عن الواقعي، إذا عرفت ذلك كلّه:

نقول بانّه تارة، نقول بالاجزاء، امّا مطلقا أو في خصوص، ما يكون الحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 198

الظّاهرى فردا، للطّبيعة، ففي المسألة صح ما قاله المؤلّف رحمه اللّه فمن اتى بالصّلاة، بتسبيحة واحدة، او بالتّيمم بضربة واحدة، على طبق فتوى المجتهد، ثمّ مات و عدل الى الحىّ، الّذي يفتى بوجوب، ثلث تسبيحات و ضربتين، في التيمم و كذا لو أوقع عقدا بالفارسية، أو ذبح بغير حديد، يحكم بصحة صلاته و تيمّمه و عقده و ذبحه، فيما مضى و اما بالنّسبة إلى الحال، فلا بد من الاخذ بفتوى الحىّ، و لازمه وجوب ثلاث، تسبيحات في الصّلاة و ضربتان في التيمم و إنشاء العقد، بالعربية، حتى بالنسبة الى العقد الّذي، جرى بالفارسيّة و عدم حلّية ذبح المذبوح، بغير حديد، و عدم جواز أكله، ان كان باقيا فعلا.

و

ما يمكن أن يستدلّ به، على الاجزاء وجوه:
الوجه الاوّل: دعوى الاجماع على الاجزاء

و فيه، انّه مضافا الى عدم تحقّق، إجماع على الاجزاء، لمخالفة بعض، بانّ كون الاتّفاق، من باب اجماع تعبّدى، كاشف عن قول المعصوم عليه السّلام، او وجود نصّ معتبر، غير معلوم،

بل يمكن كون نظر القائلين، الى واحد من الوجوه الاخر الّتي، نذكرها إن شاء اللّه.

الوجه الثّاني: دعوى السيرة على الاجزاء،

و عدم إعادة الأعمال الواقعة، على طبق الطريق، بعد كشف الخلاف و فيه امّا أوّلا، عدم تحقق سيرة من المتشرعة، على ذلك و ثانيا تحقّق سيرة، ينتهى الى زمن المعصوم عليه السّلام، بحيث يكشف، عن كون ذلك من الشرع، غير معلوم، بل معلوم العدم.

الوجه الثالث: كون عدم الاجزاء،

و لازمه وجوب اعادة أعمال السابقة أو قضائها، بعد كشف الخلاف، موجبا للعسر و الحرج، و من المعلوم، نفى الحكم،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 199

الموجب له، لقوله تعالى «1»، مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

و فيه أنّه في كلّ مورد، يكون الإعادة و القضاء و تدارك، ما أتى على طبق الطريق، المنكشف خلافه، حرجيّا، نقول به، لكن لا يوجب ذلك، في كلّ مورد كشف الخلاف، نعم يوجد نادرا، مورد يكون التدارك حرجيّا و لكن لا كليّة له، فالدّليل أخصّ من المدّعى.

الوجه الرّابع: بعد كون، معنى حجّية الطرق و الامارات، منجّزيّتها، عند الاصابة و معذريّتها، عند الخطاء،

و تكون حجّيتها، متوقفة على الوصول بالمكلّف، بمعنى أنّه وصلت إليه حجّيتها، بحسب الكبرى و الصغرى، تكون حجّة مثلا، إذا علم بحجّية البينة، و قامت على نجاسة شي ء، يجب الاجتناب عنه، و منجّز عليه، عند الاصابة و عذر عند الخطاء، و تقدّم على الأصل الجارى، على خلافه، فبعد كون المراد، من الحجيّة ما قلنا، يظهر لك، انّ انكشاف الخلاف، في الحجّية، امر غير معلوم، لانّه لو انكشف، عدم حجيّة، ما توهم حجّيتها، فليس معنى ذلك، انكشاف خلافها، بل معناه، سقوطها عن الحجّية، بمعنى انّها كانت، قبل ذلك منجزة، عند الاصابة، معذّرة عند الخطاء، و لا تكون فعلا، بعد قيام الحجّة، على خلافها حجّة، اى له، أثر الحجّية و هو المنجّزية و المعذّرية، فيكون مورد قيام الحجة الثانية، على خلاف الحجّة السابقة، من قبيل تبدّل الموضوع دائما، و بناء عليه، لا ينكشف مخالفة الحجّة السابقة، مع الواقع، حتّى يقتضي القضاء، أو الاعادة، لانّ الحجة الثانية، تقتضى سقوط الحجّة الاولى، من حين قيامها لا انكشاف مخالفة الأولى، مع الواقع في ظرفها.

و فيه أنّ حجّية الحجّة و إن كانت بالوصول، و مع

الوصول ليس معناها، الّا

______________________________

(1) سورة الحج، الآية 78.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 200

المنجّزية و المعذريّة، إلّا انّ مقتضى كلّ حجّة، هو ثبوت مدلولها، في الشرع مطلقا، فعلا و سابقا، و بعد ذلك، و عدم اختصاص حجّيتها بزمان دون زمان، فعلى هذا، مقتضى الحجّة السابقة، و اللاحقة، هو كون مدلولها، ثابتا مطلقا، و لكن حيث انّ الحجّة السابقة، سقطت عن الحجّية، لا تؤثّر فعلا:

و الحجّة الثانيّة حيث تكون حجّة فعلا، مقتضى مدلولها، عدم صحّة ما وقع، على طبق الحجّة السابقة، و بطلان ما وقع، فلا بدّ من الاعادة و القضاء، فعلى الفرض، سقطت حجّية قول المجتهد الميّت، فلا تؤثّر شيئا، و قول الحىّ حجّة فعلية، و هو على الفرض، يقتضي بطلان ما وقع، بمقتضى قول المجتهد الميّت، فيجب عليه الاعادة و القضاء، لانّ مقتضى حجّيته، هو أنّ مدلول قوله، ثابت مطلقا، في كلّ من الأزمنة، من الحال و السابق و اللاحق.

الوجه الخامس: ما قيل، من أنّ منشأ الأخذ، بقول المجتهد الحىّ و العدول إليه، بعد المجتهد الميّت، حكم العقل،

بتعيّن الأخذ بقوله، لانّه المتيقن فحجّية قوله، من باب أصالة التعيين، و هي الاصل العقلى:

فنقول أنّ استصحاب الاحكام الظاهرية، الثابتة، بقول الحجّة السابقة، بالنسبة الى الاعمال السابقة، و هو قول المجتهد الميّت، وارد عليها، لورود الأصل الشرعى، على الأصل العقلى، فلا بدّ أن يقال، بالاجزاء:

نعم لو كان الدّليل، الدال على حجّية، رأى المجتهد الحىّ، له إطلاق لفظى يمكن أن يقال بشمولها للسابق، كشمولها للحال و لكن، بعد كون الدّليل، أصالة التعيين، الثابتة بحكم العقل، فالمتيقن منه، حجيته في الحال و لا يثبت بها، حجية قوله، في السابق و استصحاب الحكم الظاهرى السابق، أو استصحاب الحجة، الثابتة سابقا، يقتضي بقاء الحكم الظاهرى، لما وقع من الاعمال، حتّى فعلا، فلا دليل، يقتضي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 201

سقوط الحجية، السابقة بل الاستصحاب، يقتضي بقاء الحكم الظاهرى، الثابت سابقا، فتكون النتيجة الاجزاء.

و فيه انّ الحكم الظاهري، الثابت سابقا، كان مستتبعا، لحجّية رأى المجتهد الميّت و بعد سقوط رأيه، عن الحجّية، لا معنى للحكم الظاهرى، كى يستصحب و في الحقيقة، يكون المورد كالشّك السارى:

و مثله استصحاب، نفس الحجية، بناء على جريان استصحابها، لانّ مقتضى حجّيتها السابقة، كونها منجزة، أو معذّرة، مع فرض حجيتها، و بعد سقوطها عن الحجّية، ليس بحجّة حدوثا، حتى يحكم بقاؤها، ببركة الاستصحاب.

الوجه السّادس: ما هو مختار سيّدنا الأعظم آيت اللّه المعظم البروجردي رحمه اللّه في الاصول،
اشارة

في مبحث الاجزاء، و قد تعرّض مفصلا، لاجزاء الحكم الظاهري، عن الواقعي، ليس هنا مجال ذكره، بعد ما افاد، بانّ موضوع البحث، في مسئلة الاجزاء، يفرض له صورتان:

الصّورة الاولى: ما إذا كان الواجب، واقعا طبيعة و قام الطريق، أو الاصل،

اى الحكم الظاهرى، على وجوب طبيعة اخرى، مثلا ما هو الواجب، في يوم الجمعة، يكون صلاة الجمعة، و ما هو مفاد الحكم الظاهرى، هو صلاة الظهر، فأتي بصلاة الظّهر، ثم انكشف الخلاف، فلا اشكال، في عدم اجزاء الحكم الظّاهرى، عن الواقعى، لانّ طبيعة الواجب الواقعى، لا مساس لها، مع طبيعة الواجب الظّاهرى، و هذه الصّورة، ليست محلّ الكلام، في الاجزاء رأسا.

الصّورة الثّانية: ما إذا كان الواجب، بحسب الواقع و الظاهر طبيعة واحدة،

غاية الأمر، لهذه الطبيعة، فرد واقعا، و يكون مفاد الحكم الظاهرى، جعل فرد آخر، لهذه الطبيعة، مثلا طبيعة الصلاة، واجبة واقعا، و ظاهرا، لكن بحسب الواقع، ما هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 202

فرد لهذه الطبيعة، الصلاة مع السورة، أو الصلاة، مع طهارة الثوب و البدن، و بمقتضى لسان الحكم الظاهرى، من الاصل، أو الامارة، هو أنّ من شكّ في وجوب السّورة، لا يجب عليه السورة، بمقتضى حديث الرفع مثلا، أو إذا شكّ، في طهارة بدنه، أو ثوبه، يحكم بطهارته، بمقتضى اصالة الطهارة، ففي هذه الصورة، يكون الحكم الظاهرى، بمفاده، ناظرا، الى الحكم الواقعى، و لا يلاحظ، مستقلا في قبال الحكم الواقعى، بل له اصطكاك بالواقعى، ففي هذه الصورة، حيث يكون الحكم الظاهرى، بدليله حاكما، على الحكم الواقعى، و شارحا له، فمقتضاه، إجزائه عن الواقعى، حتّى في صورة انكشاف الخلاف، لانّ لسان الظاهرى، جعل الفرديّة للطبيعة و أنّ الصلاة، لها فرد أيضا، و هو بلا سورة و كذلك، الطهارة المعتبرة أعمّ من الواقعى، و الظاهرى، فالفرد الظاهرى، فرد للطبيعة، مثل الفرد الواقعى، فقهرا إتيان الفرد الظاهرى، يقتضي الاجزاء، عن الواقعى، لحصول الطبيعة، و أفاد حين بحثه أنّه لا إشكال في ذلك، ثبوتا و إثباتا، امّا ثبوتا، فلعدم استحالة، في ذلك

و أجاب عن بعض ما أورد، على الاجزاء، من الاشكالات العقليّة، امّا إثباتا، فلانّ هذا، مقتضى دليل حجّية الامارة، و الأصل في خصوص هذه الصّورة:

فان تمّ ما أفاده «قدّس سرّه» من الاجزاء، في هذه الصورة، فلا اشكال، في عدم وجوب الاعادة و القضاء، فيمن أتى بتسبيحة في صلاته، أو ضرب مرّة في تيممه، بفتوى المجتهد الميّت، ثم رجع، الى الحىّ، الّذي يفتى، بوجوب ثلاث تسبيحات، في الصلاة، أو ضربتين، في التيمم و كذلك، لو عقد بالفارسيّة، أو ذبح، مع غير الحديد، في انّه لا يجب عليه، اعادة الصلاة، أو قضائها، في ما أتى بتسبيحة، أو ضرب مرّة، في التيمم و كذلك، في ما عقد بالفارسيّة، بالنسبة، إلى ما مضى و كذلك، في الذّبح بغير الحديد، بالنسبة إلى ما مضى، و ان كان يجب، في الحال، اتيان الصلاة، مع ثلاث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 203

تسبيحات و التيمم بضربتين، و العقد بالعربى، و الذبح بالحديد:

هذا كلّه بالنّسبة، الى ما مضى، من الآثار المترتّبة سابقا، على طبق رأى المجتهد الميّت.

و امّا بالنسبة، الى الآثار الفعليّة، مثلا فيما عقد بالفارسيّة، فصحّ كلّ اثر، رتب عليه سابقا و امّا في الحال فيجب الاخذ، بفتوى الحىّ، بفتوى الحىّ، فترتب الأثر في الحال و بعد ذلك، محتاج الى إنشاء، عقد جديد، بالعربيّة و كذلك، فيما ذبح بغير الحديد، فما باع من الذبيحة، أو أكل منها سابقا فمحكوم بالصّحة، و اما في الحال، فهى محكوم بالنجاسة، و لا يجوز بيعها، و لا أكلها بمقتضى فتوى الحىّ، من وجوب كون الذّبح بالحديد.

فما قال السيد رحمه اللّه في المتن، من ترتيب الآثار الفعليّة، على العقد، أو الايقاع، الواقع على طبق،

فتوى الميّت، حتّى بعد الرجوع الى الحى، المخالف فتواه مع الميت، ليس بتمام، كما عرفت، في صدر المسألة، إلّا ان يقال، بأنّ الأثر من حلّية المرأة، مثلا في عقد الواقع، بالفارسية حيث كان حدوثا و بقاء ترتب على نفس، حدوث العقد و لو ظاهرا فقد حدث العقد و صحّ في حاله، بناء على الاجزاء فيترتب عليه الحلّية، حتّى فيما بعد و لكن هذا دعوى بلا دليل، أولا و امكان هذا الدعوى، في الذبح بغير الحديد أيضا، فلم فرق بين العقد و الذبح ثانيا:

الفرق بين الوجوه الخمسة الّتي، أقيمت على تمامية الأجزاء، و بين الوجه السّادس، هو الاجزاء مطلقا، حتّى فيما كان، متعلّق الحكم الظاهرى، طبيعة، غير طبيعة المتعلّقة، للحكم الواقعى، إلّا أن يدعى أنّ محلّ النزاع، في الاجزاء ليس هذه الصّورة بناء على هذه الوجوه و امّا بناء على الوجه السادس هو اختيار الاجزاء، فيما كان لسان الحكم الظاهرى، جعل الفرديّة و التوسعة، في دليل الواقع، و لم يكن متعلق الحكم الظّاهري، الّا الفرديّة للطبيعة المتعلقة، للحكم الواقعى، و هو مختار سيّدنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 204

الاعظم «قدّس سرّه» فالاجزاء مختص، بهذه الصورة فقط.

امّا لو لم نقل، بالاجزاء حتى في هذه الصورة فمقتضى القاعدة، إعادة ما فات منه، من الصلاة، أو القضاء، بعد انكشاف الخلاف، إذا كان المتروك، من الخمسة، الّتي يجب، بمقتضى حديث لا تعاد، أعاد الصلاة لتركها، و امّا إن كان من غيرها، فلا يجب قضاء الصلاة و لا إعادتها، ان قلنا، بشمول حديث لا تعاد، لغير الناسى، من الجاهل بالحكم، ان كان عن قصور، و اما لو انحصرناه، بخصوص الناسى، يجب الاعادة و القضاء: فى الجاهل و

ان كان جهله عن قصور

هذا في الصّلاة و امّا في غيرها، من العبادات، فيجب إعادتها، أو قضائها، كالصّوم و الحجّ، ان كان اطلاق، دليل اعتبار الشرط، أو الجزء المتروك، او عدم المانع الموجود، يشمل محلّ الكلام، أعنى الصّورة الّتي، يكون الترك مستندا إلى الحجّة المنكشفة، خلافها و كذلك مقتضى القاعدة، في العقود و الايقاعات و الذّبح، هو عدم ترتيب الأثر، على الصّحة حتّى بالنسبة، الى لآثار السابقة، بعد انكشاف الخلاف هذا.

***

[مسئلة 54: الوكيل في عمل، عن الغير]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 54: الوكيل في عمل، عن الغير، كإجراء عقد، أو إيقاع، أو إعطاء خمس، أو زكاة، أو كفّارة، أو نحو ذلك يجب أن يعمل، بمقتضى تقليد الموكّل، لا تقليد نفسه، إذا كانا مختلفين، و كذلك الوصىّ، في مثل ما لو كان وصيّا، في استيجار الصّلاة عنه، يجب أن يكون على وفق، فتوى مجتهد الميّت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 205

(1)

أقول: اعلم انّ الكلام، تارة يقع فيما يقتضيه، وظيفة الوكيل، من حيث الوكالة، أو الوصىّ، من حيث الوصاية، أو الاجير، من حيث اقتضاء الاجارة، او المتبرع، من حيث التبرّع و تارة، يقع الكلام، فيما يحصل به، تفريغ ذمّة الموكّل، او الموصى، او المستأجر، أو المتبرّع عنه، و ظاهر المؤلّف رحمه اللّه كون نظره، إلى المورد الثّاني، و على كلّ حال.

نقول

امّا الكلام، في المقام الاوّل،

فالكلام يقع مرّة في الوكيل، و الوصى، لكون وزانهما واحدا، لانّ الوصاية، في الحقيقة، وكالة لما بعد الموت، فنقول إذا كان، متعلّق الوكالة مطلقا، بمعنى أنّ ما وقع، تحت إنشاء الوكالة مطلقا، أو كان مقيدا بوقوع مورد الوكالة، على طبق فتوى، من يقلّده الوكيل، فلا ينبغى الاشكال، في أنّ الامر أو كل إليه، و لا بدّ أن يأتي بمورد الوكالة، على الوجه الصّحيح، بنظره و الصّحيح بنظره، ما يفتى به مقلد الوكيل، امّا فيما كان مقيّدا، بوقوع مورد الوكالة، على طبق نظر الوكيل، فواضح و امّا فيما جعل الانشاء، مطلقا، فإطلاق الوكالة، و ان كان يقتضي اطلاقها، من حيث القيود، من ناحية الموكّل، و من القيود، وقوع مورد الوكالة، على طبق فتوى، مقلّد الموكّل في حدّ ذاته، و على الفرض، موضوع الوكالة مطلق، فلا بدّ من اتيانه، على الصحيح بنظره،

و لكن بعد ما نعلم، بانّ نظر الموكّل و الموصى، في الوكالة و الوصاية، تفريغ ذمّه نفسه و قد أو كل ذلك إلى الوكيل و الوصى، ففي الحقيقة هما يعملان عمله، بالتّسبيب، فلا بدّ من الاقتصار، بما يحصل براءة ذمّه الموكل الموصى به، كما يأتي إن شاء اللّه.

و اما إذا كان، متعلّق الوكالة مقيّدا، بوقوع موضوعه، على طبق فتوى، مقلد الموكّل، لا اشكال، في أنّ اقتضاء، الوكالة، هو وقوع موضوعها، على طبق فتوى، مقلّد موكّله، لعدم وكالة له، في غير المقيّد، نعم هنا إشكال من حيث، انّ الوكيل، بحسب تكليفه، لو راى فساد، ما و كلّه الموكّل، هل يصحّ، هذا التوكيل، بالنسبة إليه،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 206

أولا، و لو أخذ حقّا، في قبال عمله، هل يكون، أكل المال، بالباطل، أو لا يكون اكلا بالباطل، و كذا في الوصى، و لو قلنا بفساد الوكالة، أو الوصاية، أو حرمة المال، فيما كان موردهما، عملا فاسدا، بنظر الوكيل، و الوصيّ، فلا تصحّ الوكالة و الوصاية، لاجله، لا انّه يجوز العمل، على طبق نظره، و ان كان انشائهما، مقيّدا، بوقوع موضوعهما، على طبق فتوى مقلّد الموكّل، أو الموصى.

و في هذا المقام، يمكن أن يقال، مجرّد عدم كون، مورد هما فاسدا، بنظر الوكيل، أو الوصيّ، كاف في جواز العمل لهما، مثل ما إذا كان، مورد العمل، موافقا للاحتياط.

و الظاهر أنّ في حكم هذه الصورة، اى صورة تقييدهما، باتيان موردهما، على طبق فتوى الموكل، و الموصى، ما إذا كانت الوكالة، أو الوصاية، بحكم التقييد و ان كان بحسب الظاهر مطلقا، كما إذا نرى، أنّ نظر الموكل، أو الموصى، هو براءة ذمّة نفسه، فيقول على عهدتى الكفارة

و اريد براءة ذمتى، فانت وكيلى، في أداء الكفارة، الواجبة عليّ، أو وصيّ في ذلك، فموردهما و إن كان مطلقا، لكن يكون، في حكم التقييد، فلا يبعد، كون حدّهما، هو ما ينطبق، على خصوص فتوى مقلّد الموكل، و الموصى لا غير.

و اخرى يقع الكلام، في الأجير، فهو أيضا مثل الوكيل و الوصى، من حيث إطلاق الاجارة، و تقييدها، نعم يشكل الأمر، فيما يعلم الاجير، بفساد الإجارة: و كان مورد الاجارة، صورة فاسدة بنظر الاجير، في التقرب به، إذا كان موردها، العبادة و في أخذ الأجرة، فلهذا لا بدّ و أن يقال، بصحّة الاجارة، في خصوص ما لا يكون موردها، عملا فاسدا بنظره، لانّ معه، تكون الاجارة فاسدة، لكون موضعها، عملا غير عقلائية، و أكل المال بالباطل.

و ثالثة، يقع الكلام في المتبرّع و لا اشكال، في انّ الأمر إليه و جواز العمل بنظره حتّى مع التفات المتبرّع عنه، بذلك و حتّى مع منعه، عن العمل، لعدم توقّف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 207

صحة عمل التبرّع، على إذنه، بل هو منوط، بالجهات المصحّحة، للتّبرع بنظره، هذا كلّه من حيث اقتضاء الوكالة، او الوصاية، او الإجارة، او التبرّع «من الاحكام».

المقام الثّاني: فنقول انّ الكلام، ان كان، فيما يفرغ به، ذمّة الموكل

و الموصى و المستأجر و المتبرّع عنه، فنقول بعونه تعالى: امّا فيما صرّح الموكل، أو الوصى، أو المستأجر، بأن يؤتى العمل، على طبق نظر الوكيل، و الوصى و الاجير، فلا اشكال، في لزوم العمل، على طبق نظرهم، و يكشف عن ذلك، براءة ذمّتهم بنظرهم به، و امّا فيما لو قيّد إتيانها العمل، على طبق نظر انفسهم، فواضح، من أنّ حصول، موضوع الوكالة و الوصاية و الاجرة به، و كذا براءة ذمته انفسه، بظاهر الشّرع:

و

امّا فيما، لو اطلق موضوعها، فانه كما عرفت و ان كان عقد الوكالة، مع الاطلاق، يقتضي ايكال الأمر، إلى الوكيل و الوصيّ و الاجير، لكن بعد معلوميّة، كون النظر، براءة الذّمة و هو ما يكون بنظرهم، بحسب فتوى مقلّدهم، مبرأ، فيكون بحكم التقييد، لانهم أوكلوا أمر انفسهم، إلى الوكيل و الوصى و الاجير، فبعد كون النظر إلى براءة ذمّتهم، لا بدّ من العمل، على طبق وظيفتهم فافهم.

امّا المتبرّع، فهو و ان كان، يجوز له التبرّع، بنظره و لا دخالة، لاذن المتبرّع عنه، في عمله، لكن تارة يريد التبرع عنه، بما هو الواقع، فالواقع، ما هو مقتضى فتوى مقلّده، لانّه مؤد الواقع، في نظره، فيتبرّع به، و تارة يريد التبرّع، بما هو الواقع، في نظر المتبرّع عنه، فلا بدّ من تطبيق عمله، مع فتوى مقلّد المتبرّع عنه.

***

[مسئلة 55: إذا كان البائع مقلّدا، لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 55: إذا كان البائع مقلّدا، لمن يقول بصحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 208

المعاطاة مثلا، أو العقد بالفارسىّ، و المشترى مقلّدا، لمن يقول، بالبطلان، لا يصحّ البيع، بالنّسبة الى البائع أيضا، لانّه، متقوّم بطرفين، فاللازم أن يكون صحيحا من الطرفين، و كذا في كلّ عقد، كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، و مذهب الآخر صحّته.

(1)

أقول: ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من تقوّم، العقد بالطرفين، و ان كان صحيحا، و لكن هذا، لا يوجب توقف الصحة، عند كلّ منهما، في الظاهر، على الصحة، في نظر الآخر، ظاهرا.

كما أنّ كون المعاملة، بين الشخصين، حيث تكون من الأمور المتضايفة، فان صحّت، أو فسدت، بالنسبة، إلى أحد الطرفين، كذلك بالنّسبة الى الطرف الآخر، يوجب ما قاله من الملازمة، لكون هذه الاضافة، في مقام الواقع، فلا معنى لصحة المعاملة

أو فسادها واقعا، بالنسبة إلى طرف و عدمها بالنسبة الى الآخر، امّا في الظاهر فإذا راى أحد الطرفين من العقد، صحة المعاملة، باجتهاد، أو تقليد ظاهرا، يصح له، ترتيب الأثر و ان رأى الطرف الآخر، فسادها و لا يجوز له، ترتيب الأثر الصحيح، و ان كان هذا، يوجب التنازع، بين المتعاملين و لا بدّ، من رفع الأمر، إلى الحاكم الشرعى.

***

[مسئلة 56: في المرافعات، اختيار تعيين الحاكم، بيد المدّعى]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 56: في المرافعات، اختيار تعيين الحاكم، بيد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 209

المدّعى، إلّا إذا كان مختار المدعى عليه، أعلم، بل مع وجود الأعلم و إمكان الترافع إليه، الاحوط، الرّجوع إليه مطلقا.

(1)

أقول: يفرض، تارة مع تعدّد الحاكم، الواجد للشرائط، كون كل من الحاكمين، أو أكثر، متساوين، في العلم و تارة، يفرض كون، بعض منهما او منهم، أعلم من البعض الآخر، و في كلّ منهما، تارة يفرض الكلام، فيما يكون، أحد طرفي الدّعوى، مدعيا و الآخر المدّعى عليه، و تارة يكون، كل منهما مدّعيا، مثل ما اذا تداعيا، على شي ء، و في كلّ منهما، تارة يكون الكلام، فيما قبل، رجوع المدّعى، إلى حاكم، للترافع، مثل ما يكون، بين المدعى و المدعى عليه، نزاع، في دين، او ميراث و انجرّ امرهما، بالترافع، فوقع بينهما، الخلاف، فيقول المدّعى، بالرّجوع إلى احد، من القاضيين، و المدّعى، عليه بالرّجوع الى آخرهما.

و تارة يكون الكلام، بعد رجوع المدعى، إلى حاكم خاص، من بين الموجودين، ثمّ يعيّن المدعي عليه، شخصا آخرا منهما،

الصّورة الاولى، ما كانا متساويين

و كان الكلام، قبل رجوع المدعى، الى حاكم خاصّ، من بين الموجودين، و كان احد طرفي الدّعوى، مدعيا و الاخر المدّعى عليه.

فنقول، بعد كون حق رفع الأمر إلى الحاكم، لأجل أخذ الحقّ، الّذي يطالبه للمدّعى، فله أن يرجع، الى الحاكم، في مقام استنقاذ، ما يدّعيه، من المدّعى عليه، و ليس أمرا مربوطا بالمدّعى عليه، حتّى يكون له، الخيرة و بعد رجوع المدّعى بالحاكم، فعلى الحاكم، الترافع بينهما، و الحكم بما يقتضيه، قواعد القضاء، و ليس في ذلك، دخل لرضا المدّعى عليه، و اختياره، كيف و يكون المسلّم في الجملة بانه إذا

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 210

رجع المدّعى الى الحاكم يأمر الحاكم باحضار المدعى عليه او يحكم بغيابه فلهذا يكون، اختيار تعيين الحاكم، بيد المدعى و لا حاجة مع ما قلت، بالاجماع، حتّى يستشكل فيه، بعدم اجماع تعبّدى، أو أنّ المدّعى له الحقّ فالأمر بيده، حتّى يستشكل، بعدم ثبوت، كون الحقّ له، بل هو يدّعى الحق و مجرّد كون، حق الدّعوى له، لا يقتضي، كون الأمر بيده، و لعلّ مراد من يقول، بأنّ الأمر بيده، لكونه مدّعى الحق، هو ما قلنا، من أنّ طبع، كونه مدّعيا مع أنّ الشارع، تعين رجوعه، إلى الحاكم، كون أمر الرّجوع مطلقا بيده.

و امّا الصّورة الثّانية: أعني فيما كان، أحد طرفي الدّعوى، مدعيا و الآخر المدّعى عليه

و كان الحاكمان، متساويين في العلم و كان الكلام، بعد رجوع المدّعى، الى حاكم، للترافع، فعلى المدعى عليه، اجابة دعوة الحاكم، لو طالبه للجواب، و كون الأمر من الترافع، في حضور المدّعى عليه، أو في غياب، بالنّحو الجائز، بيد الحاكم، فلا مورد، لاختيار المدعى عليه، هذا كلّه، مع تساوى الموجودين، من الحكام في العلم، و لا فرق في الصورتين، بين كون الترافع، لاجل الاختلاف في الموضوع، أو في الحكم.

الصّورة الثّالثة: فيما كانا متداعيين،

سواء كان قبل رجوع المدّعى الى الحاكم او بعد رجوعه و كان الحاكمان متساويين فحيث انّه يكون لكلّ منهما اقامة الدّعوى و رفع الأمر الى الحاكم فكلّ منهما ابتدأ بذلك فللحاكم العمل بوظيفة القضاء نعم لو بادر كلّ منهما في آن واحد و أقام الدّعوى عند الحاكم فهل ينفذ حكم كلّ من الحاكمين، او لا لعدم امكان نفوذ حكم كلّ منهما و ينتهى الأمر الى القرعة أو غير ذلك فمحله في باب القضاء.

الصورة الرّابعة: ما اذا كان، في الموجودين، من الحكام، من هو أعلم
اشارة

من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 211

غيره، فهل يتعيّن الرّجوع، الى خصوص الاعلم، أو يتخيّر، بين الرّجوع إليه، و بين الرّجوع، الى غير الاعلم، او يتعيّن الرّجوع في صورة اختيار المدعى عليه، من هو أعلم، وجوه، وجه

تعيّن الرّجوع، إلى خصوص الأعلم، هو انّه المتيقن، من مورد الأدلّة، الدالة على الرّجوع، إلى المجتهد، و انّ المستفاد، من بعض روايات الباب، مثل المقبولة، هو كون الأعلم، المرجع، مع الاختلاف، و أن الظّن، من قول الأعلم، من باب اعلميّته، أقوى من غير الأعلم.

وجه التخيير، أوّلا مقتضى الإطلاقات الدالّة، على الرجوع، إلى رواة الحديث، أعنى المجتهد،

و ثانيا السيرة على ذلك، من باب إرجاع الائمّة عليهم السّلام، بالاشخاص، مع كون الأعلم منهم موجودا فيهم، أو إرجاع المسلمين إليهم، مع كون الأعلم، منهم فيهم، وجه تعيين الرجوع، الى الأعلم، فيما اختار المدعي عليه، الأعلم، هو أنّ الاعلم، هو المتيقن، في صورة اختلافهما، في اختيار الحاكم.

أقول بانّه للمسألة صورتان:

صورة، تكون الترافع لاختلاف المدّعى و المدّعى عليه، في الموضوع،

و صورة يكون لاختلافهما في الحكم، امّا الصورة الاولى اعنى ما كان، الترافع، لاجل الاختلاف، في الموضوع، مع تبيّن الحكم، فلا وجه لتعيّن الرجوع إلى الاعلم، لانّ إطلاقات الأدلة، تشمل الأعلم و غيره، فقوله عليه السّلام، بالأمر ينظران، من عرف احكامنا، يشمل كليهما بوزان واحد:

مضافا إلى أنّ لزوم الارجاع إلى خصوص الاعلم، في القضاء و الترافع، مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 212

شدة ابتلاء النّاس، و كثرة الحاجة به، يوجب التكليف بالمعسور، بل غير المقدور، فكيف يمكن للنّاس، في اقطار العالم، الرجوع، في القضاء، إلى الأعلم، الّذي يكون، في بلد خاصّ و كيف يمكن له، التصدّى بتمام المرافعات و الاختلافات.

نعم يبقى هنا كلام، في

انّه، لو لم يجب الرّجوع، إلى الأعلم المطلق، هل يجب الرجوع، إلى الأعلم بالنسبة، مثلا أعلم من في بلد المترافعين، إذا كان المجتهد متعدّدا، أو لا و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه، في ذيل الصّورة الثّانية.

الصّورة الثّانية: ما كان الترافع، لأجل الاختلاف،

بين المدعي و المنكر، في الحكم، مثلا الزوجة تدعى سهمها، من الأرض غير الدّور و المساكن، على ساير الورثة، فنقول، تارة يقال، بعدم صحّة التمسّك بالرّوايات، مثل المقبولة، أو التوقيع، لضعف السّند، أو الدلالة، فتكون النتيجة، تعيّن الرجوع، إلى خصوص الاعلم، لانّه بعد كون الأصل، عدم نفوذ حكم الغير، بالنسبة إلى الغير، من غير دليل، فلا بدّ من الأخذ، بقدر المتيقن، و المتيقن هو الاعلم، الّا ان نتشبّث، بما ذكرنا، من كون التكليف، بالرجوع، الى خصوص الأعلم، متعسّرا، بل متعذّرا، فلا بدّ من الاقتصار بالرّجوع، إلى غير الاعلم، مقدار ما يرفع به العسر، و عدم التمكّن، فتكون النتيجة، هو الرجوع إلى الاعلم، بالنسبة، مثلا أعلم من في البلد، أو الأقرب به، من غير البلد، سواء كان الترافع، لأجل الاختلاف في الموضوع، مثلا اختلافهم في الدين، أو في الحكم، مثل ما تدّعى الزّوجة سهمها، من أراضى غير الدّور و المساكن، من تركة زوجها.

و تارة، لا نقول بذلك، بل نقول، بأنّ مقتضى اطلاق، مقبولة «1» عمر بن حنظلة، و فيها قال ابو عبد اللّه عليه السّلام «ينظر ان من كان منكم، ممّن قد روى حديثنا،

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 213

و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فانّى قد جعلته عليكم حاكما الخ» عدم اعتبار الاعلميّة، لانّ مفادها، أنّ الشّخص، إذا

كان راويا، لحديثهم و نظر في حلالهم و حرامهم و عرف أحكامهم، فهو يليق لأن يشغل، مسند القضاء و جعله حاكما فلا اشكال، في دلالتها و موردها و إن كان التحاكم و بناء كل من المدّعى و المدّعى عليه، على الترافع، و يشمل أيضا ما إذا كان نفس المدّعى، في مقام رفع الدعوى، لكون مفادها، بيان من يليق، لمنصب القضاء.

ان قلت انّ ذيلها «1»، تدلّ على تعين الأعلم، بقوله عليه السّلام فيها «فان كان كلّ واحد، اختار رجلا من اصحابنا، فرضيا، ان يكونا الناظرين، في حقّهما و اختلف فيما حكما، و كلاهما اختلفا، في حديثكم، قال، الحكم، ما حكم به، أعدلهما و أفقهها و أصدقهما في الحديث الخ».

قلت بانّ الأمر بأخذ الأفقه، يكون فيما تراضيا باختيارهما، بالحاكمين و هذا غير مربوط بالمقام لانّ في المقام، يكون بصدد عدم وجوب الرّجوع، الى الاعلم، لا عدم جوازه، بل تراضيهما بالحاكمين، شاهد على عدم كون الواجب، الرّجوع الى خصوص الاعلم و الّا كيف يجوز الرجوع إليهما، مع كون أحدها، غير اعلم، و امر الإمام عليه السّلام بالرّجوع، في صورة اختلاف الحاكمين المرضيين، بالرّجوع الى الاعلم منهما أيضا، شاهد آخر، على عدم وجوب الرّجوع، بالاعلم و الا كان المناسب، أن يقول لا وجه للترافع عند غير الاعلم من رأس فتأمّل:

فرواة حديثهم، يشمل غير الاعلم، كالأعلم و امّا الإشكال بضعف سندها، كما يرى مكرّرا في التنقيح تقرير بحث استاده آيت اللّه الخوئى و هو من اعاظم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 214

معاصرينا، فنقول، بعد كون الميزان، في حجّية الخبر الواحد، عندنا، هو الاطمينان بالصّدور، سواء

كان الحديث صحيحا، باصطلاح القدماء أو لا، فمع عمل الاصحاب بها و تعرّضهم لها، في كتبهم و الاستناد بها، يكفى لنا، في حصول الاطمينان بصدورها، و العجب منه، بأنّه لا يعتنى، بعمل بعض القدماء «رضوان اللّه عليهم»، برواية من الروايات، مع قرب عهدهم، و كون الأصول، عندهم و منهم أخذنا، هذه المصطلحات، ثمّ يكتفى فقط، بما قال ابن قولويه رحمه اللّه في كامل الزيارات، من تصحيح رواة الكتاب، و الحال انّه لم يكن في زمان الرواة، بل يرى الطّعن، في بعض رواة كتاب، كامل الزيارات، كما ذكره في التنقيح «1»، في طىّ المسألة 68 في مسائل التقليد، حيث يقول، عند الاستدلال، باعتبار الاعلميّة في القاضي، ببعض الاخبار و يجيب عنها «و منها معتبرة داود بن الحصين، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجلين اتّفقا، على عدلين، جعلاهما، بينهما، في حكم وقع بينهما، فيه خلاف، فرضيا بالعدلين، فاختلف، العدلان بينهما، عن قول ايّهما، يمضى الحكم، قال ينظر إلى أفقههما و أعلمهما، بأحاديثنا و أورعهما، فينفذ حكمه و لا يلتفت إلى الآخر» و هذه الرواية و إن كانت، سليمة عن المناقشة، من حيث السّند، عن كلا طريقى الشيخ و الصدوق و إن اشتمل كلّ منهما، على من لم يوثّق في الرّجال، فان في الاوّل، حسن بن موسى الخشّاب و في الثاني، حكم بن مسكين و ذلك، لانّهما، ممّن وقع، في أسانيد كامل الزيارات، على أنّ حسن بن موسى، ممّن مدحه النّجاشي «قدّس سرّه» بقوله، من وجوه أصحابنا، مشهور كثير العلم و الحديث، و الحسنة كالصّحيحة، و الموثقة من حيث الاعتبار، فلا مناقشة فيها، من حيث السّند» مع انّ ابن قولويه رحمه اللّه و إن كان لا

إشكال، في جلالة قدره و عظم خطره، و لكن هو كان، في القرن الرابع، و ما كان في عهد، مثل حسن بن موسى

______________________________

(1) التفقيح، ج 1، ص 429.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 215

الخشّاب، أو حكم بن مسكين، فلا بدّ من أن يكون توثيقه، إمّا بقرائن، لا يعتنى هذا القائل «اعنى آيت اللّه الخوئى» كما يرى من مقدّمة رجاله، أو بتوثيقات، من السّابقين عليه، و لم أر في الرّجال، ذكر عن توثيق ابن قولويه، باعتبار ما في كتابه، كما يظهر للمراجع، في حسن بن موسى و حكيم بن مسكين، المذكورين في جامع الرواة، و على كلّ حال، ليس النظر بالاشكال، على كامل الزيارات و مصنّفه البارع، بل النظر إلى انّه لا يمكن الاقتصار، على خصوص توثيقه، بل يحصل الاطمينان، بالصّدور بغيره أيضا، و على كلّ حال، تكون الروايتان، ممّا يحصل الوثوق، بصدورهما، و مقتضى الحجّية فيهما، موجود و لا إشكال في دلالتهما، على كفاية مطلق العلم، و الاجتهاد و كون الشخص راويا لاحاديثهم، لاشغال منصب القضاء و لو لم يكن أعلم.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 215

و مثل ما رواها، ابو خديجة «1»، قال بعثنى ابو عبد اللّه عليه السّلام، إلى أصحابنا، فقال:

قل لهم، إيّاكم إذا وقعت بينكم، خصومة، أو تدارى في شي ء، من الأخذ و العطاء، أن تحاكموا، إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلا، قد عرف حلالنا و حرامنا، فانّى قد جعلته قاضيا و إيّاكم أن يخاصم، بعضكم بعضا، الى السّلطان الجائر» المذكورة في الباب المذكور

أيضا، و إطلاقه يشمل، كلّ من عرف حلالهم و حرامهم، سواء كان أعلم، أو غير أعلم، و يدلّ على ذلك غيرها من الروايات، لا حاجة إلى ذكرها، فتلخّص من كلّ ذلك، عدم اعتبار الاعلميّة، في القاضي، سواء كان الترافع، لأجل الاختلاف، في الموضوع أو في الحكم.

و مثل رواية «2» أخرى منه، المذكورة في باب الاوّل، من أبواب اوصاف

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 216

القاضي في الوسائل:

و امّا التوقيع «1» الشريف، ففيه قال روحى له الفداء و امّا الحوادث الواقعة، فارجعوا، إلى رواة حديثنا، فانّهم حجّتى عليكم و أنا حجّة اللّه الخ»

فهل يكون له، إطلاق يشمل الأعلم و غير الاعلم، فانّه لو كان له الاطلاق، فحيث أنّ الحوادث الواقعة، أعمّ من الّذي، يحتاج النّاس فيها، الى الافتاء و من القضاء، فمقتضاه، عدم اعتبار الاعلمية، حتّى في المفتى:

أو لا يكون له الإطلاق، من هذا الحيث، لا يبعد عدم الإطلاق له، لانّ التوقيع، يكون في الجملة، في مقام بيان، انّ رواة الحديث و الفقهاء لهم، المرجعيّة في غيبته «عجّل اللّه فرجه الشّريف» و ليس النّاس، بحيث يكونون، بلا سائس و رئيس و مدبّر في أمرهم، و امّا كون هذا في بينهم، مع أىّ شرائط، أو فيما كان الأعلم و غير الأعلم، فأيّهما المرجع، خصوص الأعلم، أو هو و غيره، فليس فى مقام بيانه، فلا يستفاد منه، إطلاق من هذا الحيث.

فتلخّص انّه لا يعتبر الاعلميّة، في القاضى، بمقتضى المقبولة و حديثى أبي خديجة و ربما يوجد غيرهما، في الأخبار:

و يؤيّد بل يدلّ،

عليه أنّ الارجاع، في مقام القضاء، إلى خصوص الأعلم، أمر متعسّر، بل متعذّر و لا يكون القضاء، كالافتاء، فأخذ الفتوى، يمكن بالسّماع و عن الرّسالة و عن المخبرين العدلين، أو من يحصل من قوله الاطمينان، بخلاف القضاء، فانّه يحتاج إلى الحضور و الترافع و إقامة البيّنة و التعديل و الجرح و اليمين و كيف، يمكن للأعلم تصدّى كلّ المرافعات.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 217

ثم انّ ما قلنا، من عدم اعتبار الاعلميّة، لا فرق بين الصور المذكورة، من كون الترافع، بين المدعى و المنكر، أو بين المتداعيين، قبل رفع الأمر إلى الحاكم و بعده، كان الاختلاف في الموضوع، أو في الحكم فافهم.

***

[مسئلة 57: حكم الحاكم، الجامع للشرائط، لا يجوز نقضه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 57: حكم الحاكم، الجامع للشرائط، لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر، إلّا إذا تبيّن خطاؤه.

(1)

أقول: أنّ عند الفقهاء «رضوان اللّه عليهم»، كلاما، في مورد نفوذ، حكم الحاكم و انّه في خصوص القضاء، أو في غيره أيضا، و هنا، ليس محل تعرّضه و يكون، كلاما آخر و هو أنّه في كلّ مورد، قلنا بنفذ حكمه، إذا حكم الحاكم، الجامع للشّرائط، فهل يجوز نقضه، أو لا يجوز نقضه، حتّى لمجتهد آخر، ثمّ بعد ذلك، كلاما في انّه لا يجوز نقضه، حتّى فيما يتبيّن خطاؤه، أو يجوز نقضه، في هذه الصّورة، فالكلام في هذه المسألة يقع فى مقامين اما الكلام في المقام الاوّل، بعد نفوذ، حكم الحاكم في الجملة لا يجوز نقضه، في الجملة، حتّى لمجتهد آخر و يستدلّ على ذلك، بوجوه:

الوجه الاوّل: الإجماع و استشكل، بأنّ وجود الاجماع التعبّدى، غير محقّق، و إمكان نظر القائلين، في عدم

جواز النقض، إلى بعض الرّوايات.

الوجه الثّاني: مقبولة «1» عمر به الحنظلة المكرّر، ذكرها، لانّ فيها، قال عليه السّلام «فإذا حكم بحكمنا، فلم يقبل منه، فانّما بحكم اللّه، استخف و علينا ردّ و الراد علينا،

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 218

الرّاد، على اللّه تعالى، و هو على حدّ الشّرك باللّه» و هذه الجملة، تدلّ على عدم جواز، نقض حكمه و الرّد عليه.

و قد يورد عليه، بضعف السّند، بعمر بن الحنظلة و قد سبق الجواب منّا.

الوجه الثّالث: هو أنّه لا إشكال، في أنّ القضاء، بين الناس، من الشئون الّتي، أمر به الشارع، و قد جعل له، أهلا و احكاما، في نواحيه المختلفة، و النّظر في جعل القضاء، هو فصل الخصومات و قطع المنازعات، بين الناس، فلو كان حكم الحاكم، قابلا للنقص، لا يبقى للقضاء، و الحكومة بين الناس أثر، و يكون جواز نقض حكمه، نقضا لغرض، جعل القضاء، فهذا أوضح.

و يمكن أن يقال، بجريان هذا الوجه، في الحكم، في غير مورد القضاء، مثل حكم الحاكم، برؤية الهلال، بناء على نفوذ حكمه، في أمثالها، لانّ الفرض، وضوح تكليف الناس، و ذهابهم، لى ما ينبغى، أن يذهب إليه، فمع قابلية النقض، يبقى الأمر، على إبهامه، فتأمل.

و امّا المقبولة، فلا اشكال، في كون موردها، القضاء بين الناس، إلّا أن يقال، بانّه، بعد نفوذ حكم الحاكم، الشرعى، في غير القضاء، من باب الولاية، أو حسبة، فيكون حكمه، بحكمهم عليه السّلام، فالراد عليه، يكون رادّا عليهم.

و اما الكلام، في مقام الثّاني و هو أنه لا يجوز، نقض حكم الحاكم، الشرعى مطلقا، حتّى لمن تبيّن عنده، خطاؤه، أو يجوز

نقضه، فيما تبيّن خطاؤه، و بعبارة أخرى، يكون مورد، عدم النقص، خصوص صورة، لم يتبيّن خطائه:

وجه عدم جواز النقض مطلقا، هو أنّ المستفاد، من النصوص الواردة، في جعل القضاء، و جهاته، و لزوم الحكم، بالقضاء، كون حكم الحاكم، مجعولا على نحو الموضوعيّة، لا على نحو الطريقية للواقع، و إلّا فتلغى، حكمة القضاء، إذ في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 219

الاختلافات، في الموضوع، يعلم في بعض الموارد، المحكوم عليه، عدم كونه واقعا، مشغول الذمة، بما حكم عليه، فلو كان يجوز نقض الحكم، يمكن له، عدم تسليم، ما حكم عليه، أو لو أخذ منه، يأخذ عن المحكوم له، حتّى بنحو التقاص و السرقة.

وجه جواز النقض، في صورة تبيّن الخطاء، هو أنّه لا اشكال، في كون حكم الحاكم، مجعولا في ظرف الشّك، في الواقع، مثل ساير الامارات، فلو علم بعدم موافقته، مع الواقع و لو من باب، ما عند العالم بالخطاء، من الأمارة على خلافه، مع الواقع أو كان طريق حكمه، فاسدا عنده، مثل ما حكم بشهادة النساء، مع عدم كون موردها، فيجوز نقضه، للحاكم الآخر و لا يمكن الالتزام، بشمول ادلّة اعتبار حكم الحاكم، كائنا ما كان، و لزوم ترتيب الاثر به، حتّى عند من يعلم، بعدم مطابقته للواقع، و لو بسبب الطريق، القائم عنده، بخطائه، أو يرى خطائه، في مقدّمات حكمه، مثل عدم كون قضائه، على طبق الموازين الشرعية، و لهذا و لو كان الواجب، على المحكوم عليه، ظاهرا تسليمه، بحكم الحاكم و اداء موضوع الحكم، بالمحكوم له، لكن لو يعلم، عدم استحقاقه، يجوز له، أخذ ما تسلّم منه، تقاصا، أو سرقة، و كذلك، يحرم على المحكوم له، ما أخذ بحكمه، إذا

يعلم، عدم استحقاقه واقعا، فافهم.

***

[مسئلة 58: إذا نقل ناقل، فتوى المجتهد لغيره، ثم تبدّل رأى المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 58: إذا نقل ناقل، فتوى المجتهد لغيره، ثم تبدّل رأى المجتهد، في تلك المسألة، لا يجب على الناقل، إعلام من سمع منه الفتوى الاولى و إن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبيّن له، خطاؤه في النقل، فانّه يجب عليه الاعلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 220

(1)

أقول: قد ذكرنا في المسألة 48 وجوب الاعلام، على من أخطأ، في نقل الفتوى، أو أفتى خطأ، على خلاف الواقع.

و امّا في المسألة و هي ما لا يكون خطاء، في النقل من الناقل، فنقل فتوى مجتهد، و كان هى فتواه، ثمّ تبدّل رأى، هذا المجتهد، فلا تسبيب من الناقل، على الضلالة و لا تشمل المورد، الرواية الّتي، استدلنا، بها على وجوب الاعلام و هي رواية «1» عبد الرحمن بن الحجاج، لانّ موردها، ما كان الخطاء، في النقل، بناء على هذا، لا يجب الاعلام، نعم لا مانع، من أن يحتاط و يعلمه و لكن الاحتياط، ليس بواجب، بل يكون مستحبّا.

***

[مسئلة 59: إذا تعارض الناقلان، في نقل الفتوى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 59: إذا تعارض الناقلان، في نقل الفتوى، تساقطا و كذا البيّنتان و إذا تعارض النقل، مع السماع، عن المجتهد شفاها، قدّم السماع و كذا إذا تعارض، ما في الرسالة مع السماع و في تعارض النقل، مع ما في الرسالة، قدّم ما في الرسالة، مع الأمن، من الغلط.

(2)

أقول: الكلام في موارد:

الأول: إذا تعارض الناقلان، في نقل الفتوى.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 221

الثّاني: ما إذا تعارضت البيّنتان.

الثّالث: ما إذا تعارض السّامعان.

الرّابع: ما إذا تعارضت الرسالتان.

الخامس: ما إذا تعارض كل منها، مع الآخر، مثلا تعارض الناقل مع البيّنة، أو تعارض

النقل مع السماع أو تعارض السماع مع الرّسالة و هكذا.

و قبل الورود، في بيان أحكام الموارد، المذكورة، نقول بأنّ مورد الكلام، يكون مورد تعارض، كلّ منهما، مع الآخر منهما، ففي كلّ مورد، يمكن الجمع بينهما، بحيث لا يرى تعارض، فهو خارج، عن مورد الكلام، في التعارض، مثلا إذا نقل أحد الناقلين، فتوى المجتهد، بوجوب صلاة الجمعة، في يوم الجمعة معينا، في الشهر الماضي، و نقل الآخر، فتواه بحرمتها، في الشهر الحال، فلا تعارض بينهما، إلّا إذا كان الشخص عالما، بأنّ ما كان فتواه، في الشهر الماضي، لم يتغيّر، إلى الآن، لانّه في ما كان، نقل أحدهما، في السابق و الآخر، في اللاحق، فيمكن تبدّل، فتوى المجتهد و لهذا لا تعارض، بين النقلين، سواء نقل الثّاني، تبدّل فتواه، أو لم ينقل، بل نحتمل، كون منشأ الاختلاف، بين الفتويين، تبدّل رأيه.

إن قلت، مع إختلاف النقلين و عدم العلم، بتبدّل رأيه، يستصحب عدم عدوله، من فتواه السابق و مقتضي ذلك، بقاء فتواه الاوّل، فيتعارض النقلان.

قلت بانّه يمكن استصحاب الحكم السابق و معه لا تصل النوبة، باستصحاب عدم عدوله، عن رأيه السابق، لانّ الاستصحاب الحكمى، مقدّم على الاستصحاب الموضوعى:

و لكن مع ذلك، مع النقل الثّاني و هو بناء على حجّيته، مثل ما إذا قلنا بحجّية،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 222

قول الخبر الواحد، أو حجّيته، في خصوص ما يورث الاطمينان، يكون مقدّما على الاستصحاب، لانّه إمارة و الأمارة وارد، أو حاكم على الأصل، على الكلام فيه.

إذا عرفت ذلك، نعطف عنان الكلام، إلى بيان حكم الموارد إن شاء اللّه:

المورد الاوّل: ما إذا تعارض الناقلان، مثلا ينقل أحدهما، فتواه بوجوب صلاة الجمعة فعلا، و الآخر ينقل فتواه على

حرمتها، فعلا فحكمه، حكم تعارض البيّنتين.

المورد الثّاني: ما إذا تعارضت البيّنتان و قد مضى حكمه، في المسألة 20 من انّه مع التعارض، إن كان مستند، كلّ منهما الاصل، أو العلم، فيتساقطان و امّا إن كان مستند إحداهما، العلم و الأخرى، الأصل، يؤخذ بما يكون، مستندها، العلم و يطرح الأخرى.

المورد الثالث: ما إذا كان منشأ النقل، السّماع عن المجتهد، شفاها فتعارض، من يدّعى السماع الشفاهى، مع الآخر، فهو من صغريات الاختلاف، في النقل و يطرحان و يتساقطان، لكون منشأ، كلّ منهما، الحسّ، فلا ترجيح و لا بدّ من تساقطهما.

المورد الرّابع: ما إذا تعارضت الرّسالتان و لا يمكن الجمع بينهما، فأيضا تتساقطان، عن الحجّية.

المورد الخامس: تعارض، كلّ من هذه الأمور الاربعة، مع غيرها، مثل تعارض النقل مع البيّنة:

فنقول، امّا في مقام تعارض النقل مع السّماع أو البينة، مع السّماع، فيكون السّماع مقدّما، لانّ سماع نفس الشّخص، الفتوى من مجتهد، يكون علما و النقل و البيّنة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 223

فليستا بعلم فيعلم مع سماع خلافه من المجتهد، كون النقل و البينة، على خلاف الواقع ليستا بحجّة، في قبال السّماع.

و اما مع تعارض السماع، مع الرسالة: فتارة تكون الرسالة، بقلم نفس المجتهد، فهل تتعارض، مع السماع و يتساقطان، لانّ السماع منه و الكتابة الّتي منه و بقلمه، في عرض واحد، لان التعارض بين خطه و قوله و أصالة عدم الخطاء، جارية في كلّ منهما، في حدّ ذاته و لا ترجيح، لأحدهما، على الآخر أو يقدّم الرسالة، من باب أنّ العناية في مقام الكتابة، بالكتب يكون أكثر، من مقام التكلّم و لهذا، في مقام التعارض، مع الأخذ، بالكتابة، لا يبعد الثّاني.

و تارة لا تكون

الرسالة بقلمه، فتكون الرسالة، بمنزلة النقل و الخبر، فكما انّ السّماع مقدّم، على النقل، فكذلك السماع، مقدّم على الرّسالة، الّتي ليست بخطّه.

و اما مع تعارض النقل، مع الرسالة، فأيضا نقول، إن كانت الرّسالة بخطّه، فهى مثل السّماع بنفسه، من المجتهد، فمقدّمة على النقل و امّا إن لم تكن الرّسالة بخطّه، فيكون مثل النقل، و يتعارضان، و يتساقطان و لم يتعرّض المؤلّف رحمه اللّه لصورة، تعارض النقل، مع البيّنة و لعلّه، من باب كونهما، في عرض واحد، و لهذا يتساقطان، إذ بعد كون، اعتبار، كل منهما من باب الاطمينان، فيكون في عرض واحد.

***

[مسئلة 60: إذا عرضت مسئلة، لا يعلم حكمها]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 60: إذا عرضت مسئلة، لا يعلم حكمها، و لم يكن الأعلم حاضرا، فان أمكن تأخير الواقعة، الى السؤال، يجب ذلك و إلّا فان أمكن الاحتياط، تعيّن و إن لم يمكن، يجوز الرجوع،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 224

إلى مجتهد آخر، الأعلم فالأعلم و إن لم يكن هناك، مجتهد آخر و لا رسالته، يجوز العمل، بقول المشهور بين العلماء إذا كان هناك، من يقدر على تعيين، قول المشهور و إذا عمل بقول المشهور، ثمّ تبيّن بعد ذلك، مخالفته لفتوى مجتهده، فعليه الإعادة، أو القضاء و إذا لم يقدر على تعيين، قول المشهور، يرجع إلى أوثق الأموات، و إن لم يكن ذلك أيضا، يعمل بظنّه و إن لم يكن له، ظنّ بأحد الطرفين، يبنى على أحدهما و على التقادير، بعد الاطلاع، على فتوى المجتهد، إن كان عمله مخالفا، لفتواه، فعليه الإعادة، أو القضاء.

(1)

و أقول: في المسألة مسائل:

الأولى: ما إذا عرضت مسئلة، لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا،

فان أمكن تأخير الواقعة، إلى السّؤال، يتخيّر بين التّأخير و الاحتياط، فيما يعلم طريق الاحتياط، لجواز الاحتياط، و أنه أحد طرق ادراك الواقع في عرض التقليد و الاجتهاد، كما انّه لو كان، يعلم بموافقة، فتوى غير الاعلم، مع الأعلم، كان يجوز له الرّجوع، الى غير الاعلم، فما قال المؤلّف رحمه اللّه من تعين التّأخير، إلى السؤال غير صحيح.

المسألة الثّانية: ما إذا لا يمكن التّأخير

فان أمكن الاحتياط فلا اشكال في جواز الاحتياط، و هل يتعيّن عليه الاحتياط، من باب إنّ طريقه الاعلم، الّذي لا يمكن الوصول إليه و لكن يمكن الأخذ بقوله، بالأخذ بالاحتياط، بحيث يحفظ الطريق، او يجوز له الرّجوع إلى غير الأعلم، بطريق الأعلم فالأعلم.

أقول ان كان، يعلم بموافقة غير الاعلم، مع الاعلم، فلا اشكال في جواز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 225

الرّجوع إليه، كما يجوز له الاحتياط، و امّا مع الشك، في المخالفة، فهل يجوز الرّجوع، الى غير الاعلم، من باب انّه، و ان قلنا بوجوب تقليد الاعلم، حتّى في هذا الفرض، لكن مورده، تمكن الوصول إليه، أو التمكّن من التأخير و أمّا مع عدم امكان التأخير و عدم تمكّن الوصول بالاعلم، يجوز الرّجوع، إلى غير الأعلم، لعدم حكم العقل، في هذه الصّورة، بتعين الرّجوع، إلى خصوص الأعلم، الاقوى مع الشّك في المخالفة و تمكّن الاحتياط، تعيّن الاحتياط، لانّه بالاحتياط، يمكن حفظ، ما هو طريقه و هو الأعلم، الّذي لا يكون حاضرا.

المسألة الثّالثة: ما إذا لا يمكن التّأخير و لا يمكن الاحتياط،

فلا إشكال في جواز الرّجوع، الى المجتهد، الغير الاعلم، بطريق الأعلم، فالأعلم لعدم وجوب العقل، تعيّن الرجوع إلى الاعلم، في هذا الحال.

المسألة الرّابعة: ما إذا عرضت مسئلة، و لا يمكن التأخير،

و لا يمكن الاحتياط و لا يكون مجتهد، حاضرا و لا يمكن الوصول، إلى فتواه، لعدم ناقل و لا بيّنة و لا رسالة، يحكى عن فتواه، يجب الرّجوع إلى الظّن بدليل الانسداد، لانّه بعد ما يعلم، عدم جواز إهمال، ما وقع فيه، من حيث حكمه، و عدم إمكان الاحتياط و عدم وجود علم و لا علمى، و عدم مجال لا جراء الاصل، فلا بدّ من التنزّل، الى الظّن و في مقام الأخذ بالظّن، بما هو الاقرب إلى الواقع، هل يكون الترتيب، كما ذكر المؤلّف رحمه اللّه من الرّجوع أوّلا إلى قول المشهور، ثمّ أوثق الاموات، ثم الظّن، من أىّ طريق حصل: أوّلا

أقول، ان كان الظّن الحاصل، من قول المشهور، ثمّ من قول أوثق الأموات أقوى، يمكن ترجيحهما، على مطلق الظّن و لكنه غير معلوم، إذا ربما يكون، من غير المشهور، أقوى، و كذا يكون من غير الأوثق اقوى، فليس كلامه، بإطلاقه صحيحا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 226

بل الميزان بالنّحو الكلّى، هو الأخذ بالطّريق الّذي ظنّه، أقوى من الآخر.

المسألة الخامسة: ما إذا لا يمكن تأخير الواقعة و لا الاحتياط،

و ليس مجتهد و لا يمكن الوصول بفتواه، و لا يمكن تعيين قول المشهور، يرجع الى أوثق الأموات، من باب كون ظنه أقوى، و لا بدّ من الرّجوع إليه، بمقتضى دليل الانسداد، و قد مرّ في المسألة الرّابعة، الإشكال في ترجيحه مطلقا.

المسألة السّادسة: المسألة بحالها و لكن لا يمكن تحصيل فتوى اوثق الاموات يعمل بظنه

بمقتضى دليل الانسداد و قد بينا في المسألة الرابعة الإشكال في ترجيح قول المشهور او اوثق الاموات مطلقا.

المسألة السّابعة: المسألة بحالها

و لم يكن له ظنّ، بأحد الطرفين بينى على أحد الطّرفين.

المسألة الثّامنة، في كلّ مورد، من الموارد المتقدّمة، إذا عمل بالاحتياط،

فيما أمكن فهو و إلّا فلو عمل، على طبق رأى الغير الأعلم، أو المشهور، أو اوثق الاموات او غيرها، إذا تبيّن بعد ذلك، مخالفته، مع فتوى مجتهده، هل يجب عليه، الإعادة، و القضاء، فيما له الإعادة و القضاء، أو لا يجب، فقد عرفت الكلام فيه، في طىّ المسألة 53 فراجع.

***

[مسئلة 61: إذا قلّد مجتهدا، ثم مات فقلّد غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 61: إذا قلّد مجتهدا، ثم مات فقلّد غيره، ثم مات فقلّد من يقول، بوجوب البقاء، على تقليد الميّت، أو جوازه، فهل يبقي، على تقليد المجتهد الاوّل، أو الثّاني، الاظهر، الثّاني

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 227

و الأحوط، مراعاة الاحتياط.

(1)

أقول: الكلام تارة، في صورة، يقول المجتهد الثّالث، بجواز البقاء، و تارة، فيما يقول بوجوب البقاء:

امّا الكلام، فيما يقول، بجواز البقاء، فلو أراد المقلّد، أن يبقى على تقليد الميّت، بمقتضى جواز مجتهده الفعلى، فلا بدّله، من البقاء على تقليد الثّاني، لانّه فيه، يصحّ البقاء، و أمّا بالنسبة إلى المجتهد الاوّل، يكون من التقليد الابتدائي، لانّه على الفرض، عدل من الاول، إلى الثّاني، بتقليده، للثّاني و رجوعه إليه، إلّا أن يقال، بأنّه لا مانع من التقليد الابتدائى، إلّا الاجماع، و شموله، لهذا المورد، و هو ما إذا قلّده مدّة ثمّ عدل إلى مجتهد آخر، غير معلوم، فعلى هذا، لا مانع من البقاء، على تقليد المجتهد الاوّل، كما انّه، يجوز البقاء، على تقليد المجتهد الثّاني، هذا كلّه فيما كان، المجتهد الاوّل و الثّاني و الثّالث، مساويا من حيث العلم و لم يكن فى البين اعلم أو مع وجود الأعلم، في البين، لا يجب تقليده معيّنا، للعلم بكون فتواه، موافقا مع فتوى غير الأعلم.

و امّا الكلام، فيما يقول المجتهد الحىّ، بوجوب البقاء و مختارنا،

كما عرفت، وجوب البقاء، فيما يكون، المجتهد الميّت اعلم، في مورد، نوجب تقليد الأعلم، فبناء على ما قلنا، من أنّ الرجوع، إلى تقليد المجتهد الاوّل، ليس من التقليد الابتدائي الممنوع، فنقول، الواجب البقاء، على تقليد من هو أعلم، من الاول و الثّاني، فيما يتعيّن الرّجوع، إلى الأعلم و هو صورة معلوميّة، مخالفة فتوى الأعلم، مع غير الأعلم، و صورة الشّك، في المخالفة و مع مطابقة، فتوى الأعلم منهما، مع غير الأعلم، فيتخيّر بين البقاء، على فتواه، و بين الرّجوع، إلى، غير الأعلم، كما انّه يجوز العدول، الى الحىّ مع كونه، مساويا معهما، أو يكون موافقا، مع الأعلم منهما،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 228

في الفتوى.

***

[مسئلة 62: يكفي في تحقق التقليد، أخذ الرّسالة و الالتزام، بالعمل بما فيها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 62: يكفي في تحقق التقليد، أخذ الرّسالة و الالتزام، بالعمل بما فيها، و إن لم يعلم ما فيها، و لم يعمل، فلو مات مجتهده، يجوز له، البقاء و إن كان الأحوط، مع عدم العلم، بل مع عدم العمل و لو كان، بعد العلم، عدم البقاء و العدول إلى الحىّ، بل الأحوط استحبابا، على وجه عدم البقاء مطلقا، و لو كان بعد العلم و العمل.

(1)

. أقول: و ان كان، قد عرفت، في طى المسألة 8 أنّ التقليد، نفس العمل، لكن كما بيّنا، في ذيل مسئلة 9 أنّ جواز البقاء و عدمه، ليس مبيّنا، على معنى التقليد، حتّى يقال يختلف، جواز البقاء، على الاختلاف، في معنى التقليد، فمن يقول مثلا، بأنّه نفس العمل، لا بدّ و أن يقول، بجواز البقاء مع العمل، في زمان حياة المجتهد، بل هو مبنىّ على مقدار، دلالة دليل، جواز البقاء، و هو لا يدلّ، على جواز البقاء في خصوص صورة العمل

بل يكفي و لو أخذ المسألة، من المجتهد حيّا و لو لم يعمل به، حال حياته، نعم لو كان الاجماع منعقدا، على عدم جواز التقليد ابتداء، بحيث كان معقد الاجماع «عدم جواز التقليد ابتداء» يمكن ان يقال، بناء على تفسير التقليد، بانّه نفس العمل، لا يكون فى مورد، لم يعمل، حال حياة المجتهد، بفتواه تقليد، حتّى يبقى عليه، لكن تحقّق هذا الاجماع غير معلوم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 229

[مسئلة 63: في احتياطات الاعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 63: في احتياطات الاعلم، إذا لم يكن له، فتوى يتخيّر المقلّد، بين العمل بها و بين الرّجوع، إلى غيره، الأعلم فالأعلم.

(1)

أقول: أمّا الاحتياط، فهو حيث يكون، به يدرك الواقع فبناء على جوازه، كما مضى، فلا اشكال فيه، فيما يدرك به الواقع، فان كان احتياط المجتهد، بنحو يدرك به الواقع، فلا إشكال في جوازه، و أمّا لو كان احتياطه، بحيث لا يعلم معه، بإدراك الواقع، مثلا يحتمل وجوب السّورة و يحتمل استحبابه و يحتمل حرمته في الصّلاة، فيحتاط المجتهد، بإتيانه، في مقابل جواز تركه، فهو احتياط بين الاستحباب و الوجوب بانّ الاحوط، عدم تركه، و ربما لا يدرك، باحتياطه الواقع، من باب احتمال كونه مانعا، في الصلاة و لاجل درك الواقع لا بدّ من إتيان صلاة مع السورة و صلاة بلا سورة، و لكن يدرك به الواقع، عند المجتهد، فيكفى هذا الاحتياط، لطريقيّة قوله، في هذا المقدار، و إن لم يكن طريقا، في خصوص استحبابها، أو وجوبها، و بعبارة اخرى، لا تكون مانعا، بحسب فتواه، فيتخيّر بين العمل، باحتياط المجتهد، كما يجوز له الرّجوع، إلى غيره، الأعلم فالأعلم، لانّه على الفرض، لا يكون للمجتهد، فتوى في هذه المسألة، فيجوز الرّجوع،

إلى غيره، بطريق فالاعلم، الأعلم، فيما يكون يعلم باختلاف، باقى المجتهدين، غير مجتهده، أو يشكّ في ذلك، و الّا فمع العلم، بموافقتهم، يتخيّر بينهم و إن كان أعلم بينهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 230

[مسئلة 64: الاحتياط المذكور في الرّسالة، إمّا استحبابيّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 64: الاحتياط المذكور في الرّسالة، إمّا استحبابيّ و هو ما إذا كان، مسبوقا، أو ملحوقا بالفتوى و إمّا وجوبى و هو ما لم يكن معه فتوى و يسمّى بالاحتياط المطلق و فيه، يتخيّر المقلّد، بين العمل به و الرّجوع إلى مجتهد آخر و أمّا القسم الاوّل، فلا يجب العمل به، و لا يجوز الرّجوع إلى الغير، بل يتخيّر بين العمل، بمقتضى الفتوى و بين العمل به.

(1)

أقول: أمّا فيما كان الاحتياط وجوبيّا، و هو ما لا يكون مسبوقا و لا ملحوقا بالفتوى، فيجوز الأخذ، في مقام العمل، بطريق احتياطه، لما عرفت في المسألة السابقة، كما يجوز له الرّجوع، إلى مجتهد آخر، بعين ما قلنا، في المسألة السابقة

و أمّا إن كان الاحتياط استحبابيّا و هو ما كان مسبوقا، أو ملحوقا بفتوى على خلافه، فيجوز له الأخذ بالاحتياط، كما يجوز له الأخذ، بخصوص فتوى المجتهد المسبوق، أو الملحوق، باحتياطه و لا يجوز الرّجوع، إلى الغير، لانه مع كون الفتوى، لمجتهده، لا معنى للرّجوع، إلى الغير و هذا فيما لا يجوز له الرجوع، الى الغير، مثل ما كان مجتهده أعلم و فتواه، هذا مخالف مع غيره، أو يشكّ في المخالفة، و أمّا مع موافقتهما، فيجوز الرّجوع، إلى غيره و معلوم أنّ صورة الموافقة، ليس مورد الكلام.

***

[مسئلة 65: في صورة تساوى المجتهدين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 65: في صورة تساوى المجتهدين، يتخيّر بين تقليد، أيّهما شاء، كما يجوز له التبعيض، حتّى في أحكام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 231

العمل الواحد، حتّى أنّه لو كان مثلا، فتوى أحدهما، وجوب جلسة الاستراحة و استحباب التّثليث في التسبيحات الأربع و فتوى الآخر، بالعكس، يجوز أن يقلّد الاوّل في استحباب التثليث و الثّاني

في استحباب الجلسة.

(1)

أقول: قد مرّ تفصيله في طىّ المسألة 33 و أنّه يجوز التبعيض، حتّى في أحكام العمل الواحد، و حتّى في المثال فراجع.

***

[مسئلة 66: لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 66: لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط، عسر على العامى، إذ لا بدّ فيه، من الاطلاع التام و مع ذلك، قد يتعارض الاحتياطان، فلا بدّ من الترجيح و قد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتّى يحتاط و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط في ترك الاحتياط مثلا، الاحوط ترك الوضوء، بالماء المستمل، في رفع الحدث الأكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه، الأحوط التوضؤ به، بل يجب ذلك، بناء على كون احتياط التّرك، استحبابيا و الأحوط، الجمع بين التوضؤ به، و التيمم و أيضا، الأحوط التّثليث، في التسبيحات الأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت و يلزم من التثليث، وقوع بعض الصلاة، خارج الوقت، فالأحوط ترك، هذا لاحتياط، أو يلزم تركه و كذا التيمّم، بالجصّ، خلاف الاحتياط، لكن إذا لم يكن معه، إلّا هذا، فالأحوط التيمّم به، و إن كان عنده الطّين مثلا، فالأحوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 232

الجمع و هكذا.

(1)

أقول:، في كون العمل بالاحتياط، في الجملة، في بعض الموارد و لبعض العوام، موجبا للعسر واضح، و لكن هذا، لا يوجب، لعدم تجويزه مطلقا، بل حتّى بمقدار يوجب الحرج، لانّه ليس عمل المحتاط، من باب أمر من الشارع، كى يقال، بعدم أمره، مع الحرج، بل كان ذلك، من باب ما يرى عقلا، بأنّ معه يدرك الواقع.

و لا بدّ من فهم موارد الاحتياط، و عدم كون الاحتياط، خلاف الاحتياط، حتّى يتمكّن من إدراك الواقع، بالأخذ به.

***

[مسئلة 67: محلّ التقليد و مورده، هو الأحكام]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 67: محلّ التقليد و مورده، هو الأحكام، الفرعيّة العمليّة، فلا يجري في أصول الدين و في مسائل اصول الفقه، و لا في مبادى الاستنباط، من النّحو و الصّرف و نحوهما،

و لا في الموضوعات، المستنبطة العرفيّة، أو اللّغوية، و لا في الموضوعات الصّرفة، فلو شك المقلّد، في مائع، أنّه خمر، أو خلّ مثلا، و قال المجتهد، أنّه خمر، لا يجوز له، تقليده، نعم من حيث أنّه، مخبر عادل، يقبل قوله، كما في إخبار العامى، العادل و هكذا، و أمّا الموضوعات المستنبطة، الشرعية، كالصّلاة و الصّوم و نحو ما، فيجرى التقليد فيها، كالأحكام العمليّة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 233

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الأولى: مورد التقليد، الاحكام الفرعيّة العمليّة،

و هو مورده المتيقّن، لانّه لا بدّ من تحصيل الاحكام، الفرعيّة، إمّا بالاجتهاد، أو التقليد، أو الاحتياط، على نحو يعلم معه، بحفظ الواقع.

المسألة الثّانية: لا يجزي التقليد، في أصول الدّين،

للزوم الاعتقاد بها يقينا، فلا يكفى الاستناد، بالغير و لو لم يعلم به، نعم ربما يحصل، من قول المجتهد، اليقين بها، و هو لو اكتفى به، صحّ الّا انه ليس من باب كفاية التقليد، بل من باب كونه، طريق العلم، و حصول الاعتقاد له، بسببه.

المسألة الثّالثة: و هل يجري التقليد، في مسائل أصول الفقه، أم لا،

مثل أن يقلّد المجتهد، في الاستصحاب، فان صار مورد ابتلاء العامّى، فلا مانع في التقليد فيه، لانّ دليل التقليد، ان كان الكتاب و السّنة، فيشمل المورد، لكون مسائل أصول الفقه، مربوطا بمعالم الدّين، و ان كان حكم العقل، فلا اشكال في شموله لها، نعم لا يجوز تقليد من يقلّد، في مسائل أصول الفقه، و ان كان عالما بالاحكام الفرعيّة، بالاستنباط، بوسيلة ما قلّد، من مسائل أصول الفقه، لانّه ليس من أفراد المجتهد، الّذي قلنا، بجواز تقليده.

المسألة الرّابعة: و هل يجري التقليد، في مبادى الاستنباط،

من الصّرف و النّحو و نحوهما، أو لا:

فان كان الدّليل على التقليد، بعض الآيات، أو الأخبار، فشموله للمورد، غير معلوم، بل معلوم العدم.

و ان كان حكم العقل، من باب رجوع الجاهل، بالعام، فيشمل المورد، لكن لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 234

يكون هذا الشّخص من، مصاديق المجتهد، الّذي يجوز تقليده.

المسألة السّابعة: هل يجرى التقليد، في الموضوعات،

المستنبطة الشرعية، أو العرفية، أو اللغويّة، مثل أنّ العبادات، أو المعاملات، أسامى للصّحيح، أو الاعمّ، أو الغناء، الصّوت المطرب، أو الصّوت المطرب، مع الترجيح، أو الصّعيد، اسم لمطلق الأرض، أو لخصوص التراب أو لا، أقول يجري التقليد فيها، سواء كان دليل التقليد، الكتاب و السّنة، لكونها مربوطا، بمعالم الدين و الشكّ فيها، مثل الشكّ في الأحكام و المراجع فيها المجتهد، أو كان حكم العقل.

المسألة السّادسة: هل يجري التقليد، في الموضوعات الصّرفة،

مثل ما شكّ، في كون مائع خمرا، أو خلا مثلا، أم لا، لعدم كون بيانها، من شأن المجتهد، الحقّ هو الثّاني، لانّ بيانها، ليس شأن المجتهد، و هو و المقلد، فيه سواء، بل ربما يكون العامى، أعرف منه به، نعم لو اخبر المجتهد مثلا، بكون هذا المائع خمرا، فلو أخذ بقوله، يكون من باب الاخذ بالمخبر، فان كان عادلا و أكتفي بأخبار المخبر العادل الواحد، يؤخذ به، أو مع ضمّه بعادل آخر، تكون البيّنة، كما أنّه لو أخبر العامى، فهو مثله و لا دخل في الاجتهاد، في إخباره أصلا.

***

[مسئلة 68: لا يعتبر الأعلميّة، فيما أمره راجع، إلى المجتهد]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 68: لا يعتبر الأعلميّة، فيما أمره راجع، إلى المجتهد، إلّا في التقليد، و أما في الولاية، على الأيتام و المجانين و الأوقاف، الّتي لا متولّى لها، و الوصايا الّتي، لا وصىّ لها و نحو ذلك، فلا يعتبر فيها الأعلميّة، نعم الأحوط في القاضي، أن يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 235

أعلم، من في ذلك البلد، أو في غيره، ممّا لا حرج في الترافع إليه.

(1)

أقول: يقع الكلام، في جهات:

الجهة الاولى: قد مرّ اعتبار الاعلميّة، في التقليد،

في صورة العلم، بمخالفة فتوى الاعلم، مع غير الأعلم، و كذا في صورة الشكّ في إختلاف فتواهما، راجع المسألة. 12 و 22

الجهة الثّانية: لا يجب الاعلميّة، في المرافعات

و قد مضى الكلام فيه، في طىّ المسألة 56.

الجهة الثّالثة: هل يجب الاعلميّة، في غير التقليد،

و القضاء من الولاية، على الأيتام و المجانين و الأوقاف، الّتي لا متولّى لها و الوصايا، الّتي لا وصىّ لها و نحو ذلك، أو لا:

فأقول، قد يقال، بعدم ثبوت ولاية، للفقيه، في هذه الأمور، من رأس، بل كلّما يجوز له، يجوز حسبة، فلا بدّ من الاقتصار، بالقدر المتيقّن، فكما أنّ المجتهد، متيقنه مع وجوده، كذلك الأعلم من بينهم، مع وجوده، و إمكان الوصول إليه.

و قد يقال، بثبوت الولاية للفقيه، كما اخترنا ذلك، و ذكرنا وجهه، في طىّ المسألة 51 و بعض المسائل الآخر، المناسب له، فمقتضى إطلاق بعض الأخبار، الواردة في الباب، هو عدم اعتبار الاعلميّة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 236

[مسئلة 69: إذا تبدّل رأى المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 69: إذا تبدّل رأى المجتهد، هل يجب عليه إعلام المقلّدين، أم لا، فيه تفصيل، فان كانت الفتوى، السابقة، موافقة للاحتياط، فالظّاهر عدم الوجوب، و إن كانت مخالفة، فالاحوطه، الأعلام، بل لا يخلو عن قوة.

(1)

أقول: يمكن أن يتمسّك، على وجوب الأعلام، فيما كانت الفتوى السابقة، خلاف الاحتياط، برواية عبد الرّحمن «1» بن حجاج، الّتي ذكراها، في المسألة 48 لانّ فيها، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام، كلّ مفت ضامن» فمع تبدّل الرّأى، يكون المجتهد، ضامنا فيجب عليه الاعلام.

***

[مسئلة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة، أو الطّهارة، أو الاستصحاب، في الشبهات الحكميّة و أمّا الشبهات الموضوعيّته، فيجوز بعد أن قلّد مجتهده، في حجّيتها، مثلا إذا شكّ، في أنّ عرق الجنب من الحرم، نجس أم لا، ليس له، إجراء أصل الطهارة، لكن في أنّ هذا الماء، أو غيره، لاقته النجاسة، أم لا؟

يجوز له، إجراءها، بعد أن قلّد المجتهد، في جواز الاجراء.

(2)

أقول: أمّا وجه، عدم جواز الإجراء الأصول، المذكورة، في الشبهات

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 237

الحكميّة، للمقلّد، لانّه قد مرّ في الاصول، بأنّ من شرط إجراء الاصول الحكميّة، هو الفحص و هو لا يتمكّن من الفحص، لهذا لا يمكن له، إجراء الاصول الحكميّة.

و أمّا وجه، جواز إجرائه الاصول، الموضوعيّة، فامّا لعدم حاجته، على الفحص، بناء على عدم توقف إجرائها، على الفحص، لعدم كون الفحص، شرط إجرائها، و إمّا لامكان الفحص له، فيها ثمّ إجرائها بناء على لزوم الفحص.

***

[مسئلة 71: المجتهد الغير العادل، أو مجهول الحال، لا يجوز تقليده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 71: المجتهد الغير العادل، أو مجهول الحال، لا يجوز تقليده و إن كان موثوقا به، في فتواه و لكن فتاواه، معتبرة، لعمل نفسه و كذا لا ينفذ حكمه، و لا تصرّفاته، في الأمور الامّة و لا ولاية، في الأوقاف و الوصايا و أموال القصّر و الغيّب.

(1)

أقول: لا يجوز تقليد المجتهد، الغير العادل، لاشتراط العدالة فيه، كما مرّ و لا يجوز تقليد، مجهول الحال، لانّه لا بدّ من إحراز عدالته، بعد اشتراط، جواز تقليده، بالعدالة:

و لكن فتاواه، معتبرة، لعمل نفسه، لانّه مجتهد و لا ينفذ حكمه، و لا تصرّفاته، في الأمور العامة الخ، لاشتراط نفوذه، بالعدالة

و كذا اشتراط، نفوذ تصرّفاته بالعدالة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 238

[مسئلة 72: الظّن بكون، فتوى المجتهد كذا، لا يكفي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 72: الظّن بكون، فتوى المجتهد كذا، لا يكفي في جواز العمل، إلّا إذا كان حاصلا، من ظاهر لفظه شفاها، أو لفظ الناقل، أو من ألفاظه، في رسالته، و الحاصل أنّ الظّن، ليس حجّة إلّا إذا كان حاصلا، من ظواهر الالفاظ منه، أو من النّاقل.

(1)

. أقول: لا يكفي الظّن، بكون فتوى المجتهد، كذا، لعدم حجّية مطلق الظّن.

و أمّا إذا كان الظّن حاصلا، من ظواهر الألفاظ، سواء كان من ظاهر لفظ، نفس المجتهد، أو في رسالته، أو ألفاظ الناقل منه، فهو حجة و يجوز العمل عليه، لحجّية ظواهر الألفاظ، على ما مرّ في الأصول.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا، و صلّى اللّه على رسوله و آله، لا سيّما على الامام المنتظر، عجل اللّه فرجه الشّريف، و قد فرغت، من شرح هذا الجزء، من تقليد كتاب العروة، و كتابته، في ليلة الخامس عشر، من شهر ذى القعدة «1391» في بلدة قم و أنا العبد علي الصّافي الگلپايگاني.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 239

كتاب الطهارة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 241

[فصل في المياه]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل في المياه الماء امّا مطلق، او مضاف كالمعتصر من الاجسام، او الممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء، و المطلق اقسام:

الجارى، و النابع غير الجارى، و البئر، و المطر و الكرّ، و القليل، و كل واحد منها مع عدم ملاقات النجاسة طاهر مطهّر من الحدث و الخبث.

(1)

كتاب الطهارة

[فصل فى الماء المطلق]
اشارة

أقول:

الكلام في المسألة يقع في جهات:
الجهة الاولى: التقسيم المذكور في المتن

كما ترى من كثير من الفقهاء رضوان اللّه عليهم يكون من قبيل تقسيم الشي ء بنفسه و بغيره لعدم كون الماء مقسما لكل من المطلق و المضاف اذ موضوع الماء مبيّن معلوم و ليست المائعات المضافة ماء رأسا لعدم صحّة حمل الماء عليها بدون ضمّ ضميمة و صحة سلب الماء عنها أيضا فلو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 242

قلنا بانّ كل جسم سيّال يصح حمل الماء عليه بالحمل الشائع بلا احتياج الى ضمّ ضميمة مع الماء فمما ذكرنا يظهر لك امران:

الامر الاول: ان المراد بالمضاف هو كل مائع لا يصح حمل الماء عليه من غير ضم ضميمة سواء كان هذا المائع معتصرا من جسم كمائع معتصر من التفاح او كان ممزوجا من الماء و شي ء آخر كماء المرق لعدم صدق الماء على كل منهما بدون ضم الضميمة.

الامر الثاني: أنّ مطلق ضم الضميمة بالماء لا يوجب كونه مضافا فلو قيل ماء البحر او ماء البئر لا يوجب كونه مضافا لصحة حمل الماء عليه بدون هذه الضميمة أيضا.

الجهة الثانية: بناء على ما قلنا من كون الماء المطلق هو الماء

و كون اطلاق الماء على المضاف اطلاقا مجازيا مسامحيّا ينبغى أن يقال الماء على اقسام لا على النحو الّذي قسم المؤلف رحمه اللّه بقوله و المطلق علي اقسام و قسّمه على اقسام ستّة و يظهر من جمع من الفقهاء رحمه اللّه تقسيمهم الماء باقسام مع الاختلاف بينهم في كيفيّة التقسيم و لا يخفى أنّ التقسيم:

تارة يكون باعتبار نفس الماء مع قطع النظر عن بعض الآثار و الاحكام المحمولة عليه.

و تارة يكون باعتبار ملاقاته مع النجاسة فان كان باعتبار الاوّل فلا وجه لانقسامه الى السّتة المذكورة بل يوجد له بعض افراد آخر كماء الحمام مثلا و ان

كان باعتبار الثاني ففي ما يختاره المؤلف رحمه اللّه و سيجي ء بعد ذلك إن شاء اللّه انه ليس بعض الاقسام المذكورة للماء قسيما لبعض الآخر من حيث ملاقاته مع النجاسة لانه يقول ان الماء الجارى قليله و كثيره لا ينجس بمجرد ملاقاته مع النجاسة كما انّه يقول انّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 243

الماء المطر حال تقاطره من السماء قليلا كان او كثيرا مثل الجارى و كذلك يقول انّ ما البئر قليلا كان او كثيرا مثل الجارى لا ينجس بملاقاته للنجاسة و امّا الراكد بلا مادّة فقليله ينجس بملاقات النجاسة لا كثيره فليس الماء المطر و البئر و النابع غير الجارى قسيما للماء الجارى و كذا ليس كلّ قليل قسيما له من حيث هذا الحكم لانّ قليل الجارى و قليل النابع غير الجارى و قليل البئر و قليل المطر لا ينجس بمجرد ملاقات النجاسة و كل الاقسام ينجس إذا تغيّر احد اوصافه الثلاثة بالنجاسة فبهذا الاعتبار غير منقسم باقسام أيضا فكان المناسب ان يقول المؤلّف رحمه اللّه في مقام التقسيم.

الماء على قسمين:

الاول: ما ينجس بملاقات النجاسة الثاني ما لا ينجس بمجرد ملاقات النجاسة فالاول القليل من غير ماء الجارى و المطر و البئر و النابع غير الجارى.

الثاني: الجارى و النابع غير الجارى و ماء الحمام و ماء المطر و ماء البئر و الراكد الكثير و اما كيفية التقسيم عندى فنذكر إن شاء اللّه بعد بيان ما هو المختار في الاقسام المذكورة من حيث ملاقاتها للنجاسة.

و ممّا قلنا يظهر لك ما في كلام بعض «1» شرّاح العروة بعد اشكاله بتقسيم المؤلف من ورود الإشكال عليه أيضا بما بيّناه اشكالا على تقسيم المؤلف

رحمه اللّه فراجع.

الجهة الثالثة: اعلم ان طهارة الماء و مطهّريته في الجملة

مع قطع النظر عن ملاقاته للنجاسة ممّا لا اشكال فيه بل ربما يعدّ من الضروريات في دين الاسلام فمع هذا الوضوح لا حاجة الى التمسك لهذه الجهة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 13.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 244

تارة بقوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» بحمل الطهور على ما يتطهر به او حمله على المطهّر و كون المراد هذا ثم يقال بعد كونه مطهرا بمقتضى الآية يستفاد منها كونه طاهرا أيضا للملازمة حتى يستشكل مرة بان المراد من الطهور ربما يكون الطاهر او احتمال كون المراد مبالغة في طهارته فلا تدل الآية الا على كون الماء طاهرا و اما مطهّريته فلا.

و اخرى: بان الآية لا تدلّ إلّا على طهارة ماء المطر او طهارته و مطهريته لقوله تعالى و انزلنا من السماء ماء طهورا» و الماء النازل من السماء ماء المطهر.

و ان امكن الجواب عن الاشكالين

امّا عن الاوّل فبدعوى ظهور الطهور امّا فيما يتطهر به او فى المطهّر

و امّا عن الثاني بانّ اصل كل ماء حيث نزل من السّماء قال سبحانه تعالى و انزلنا من السماء ماء طهورا فلا اختصاص بماء المطر كما توهم.

و تارة: بقوله تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ «2» حتى يورد عليها بعدم عموم لها لورود الآية الشريفة في واقعة خاصّة و ان امكن الجواب بعدم فرق مسلما بين اصحاب البدر و غيرهم من المسلمين من حيث مطهرية الماء فكما أنّه مطهر لهم يكون مطهرا لغيرهم.

و تارة ببعض الروايات مثل ما رواها داود بن فرقد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كان بنو اسرائيل إذا اصاب احدهم قطرة بول قرضوا

لحومهم بالمقاريض و قد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف

______________________________

(1) سورة الفرقان، الآية 48.

(2) سورة الانفال، الآية 11.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 245

تكونون «1» و هذه الرواية تدل على مطهرية الماء و يستفاد منها طهارته أيضا بالملازمة و غيرها من الروايات.

***

[مسئلة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقات النجاسة طاهر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقات النجاسة طاهر، لكنّه غير مطهّر من الحدث و لا من الخبث و لو في حال الاضطرار و ان لاقى نجسا تنجس و ان كان كثيرا، بل و ان كان مقدار الف كرّ فانّه ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، و لو بمقدار رأس ابرة في احدا اطرافه فينجس كلّه، نعم إذا كان جاريا من العالى الى السافل و لاقى سافله النجاسة لا ينجس العالى منه، كما إذا صبّ الجلاب من ابريق على يد كافر فلا ينجس ما في الابريق و ان كان متصلا بما في يده.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: يدلّ على طهارة الماء المضاف مع عدم ملاقاته النجاسة

ما يدل على انّ الاشياء محكومة بالطهارة ما لم يعلم نجاستها و امّا ما في كلام بعض شراح «2» العروة من اعاظم معاصرينا من الاستدلال على الطهارة بالاستصحاب.

ليس في محلّه لانّ الشّك ان كان في حكم المضاف من حيث النجاسة و الطهارة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) المستمسك، ج 1، ص 106.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 246

واقعا فليس له الحالة السابقة حتّى يستصحب.

ان قلت انّ حالته السابقة قبل الشرع، هى الطهارة فتستصحب.

قلت انّ هذا عين ما يرى في بعض الكلمات من التمسّك في مورد البراءة بالاستصحاب و قد بيّنا في الاصول انّه لا حاجة الى الاستصحاب و لحاظ الحالة السابقة بل يكفي نفس الشك للحكم بالطهارة و اعلم انّ ما قلنا من كون الماء المضاف طاهرا مع عدم ملاقاته للنجاسة في غير المضاف الّذي يعلم نجاسته مثل الخمر و هذا واضح.

المسألة الثانية: الماء المضاف لا يكون مطهّرا

من الحدث و لا من الخبث اما عدم مطهريته للحدث لعدم الدليل كما هو المشهور و المعروف و المنقول عن الصدوق رحمه اللّه جواز الوضوء و غسل الجنابة بماء الورد. لما رواه يونس عن ابي الحسن عليه السّلام، قال قلت له، الرجل يغسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة قال لا بأس بذلك «1».

و قال في «الوسائل» بعد ذكر هذه الرواية، و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب ثم قال: هذا خبر شاد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره. قال: و يحتمل ان يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد فانّ ذلك يسمّى ماء ورد، و ان لم يكن معتصرا منه، انتهى.

فالرواية على تقدير تماميّة دلالتها ممّا اعرض عنه الاصحاب

رحمه اللّه كما يظهر من كلام المحكىّ عن الشيخ رحمه اللّه فلا يرفع الحدث بالماء المضاف. مضافا الى انّ قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* «2» تدلّ على عدم كون المضاف مطهّرا للحدث، للامر بالتيمم في صورة عدم وجدان الماء و المضاف ليس بماء كما عرفت سابقا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) سورة النساء، الآية 43.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 247

و لما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل معه اللبن، أ يتوضأ منها للصلاة، قال لا، انما هو الماء و الصعيد «1».

هذه الرواية تدلّ على انحصار ما يتطهّر به بالماء و الصعيد فالانحصار يدلّ على عدم مطهرية المضاف و عدم صحه الوضوء به سواء كان هو اللبن او غيره و من ترك الاستفصال يستفاد عدم الجواز في كلّ من حالتى الاختيار و الاضطرار.

و هنا. رواية تدلّ بظاهرها على جواز الوضوء، بالنبيذ و لكن مع ما ورد في بعض الروايات من بيان النبيذ و انّه ماء قد نبذت فيه تمرات و لم يكن من النبيذ المصطلح راجع الباب المذكور «2».

لا يمكن. العمل بها لاعراض الاصحاب عنه. هذا كلّه بالنسبة الى عدم مطهرية المضاف للحدث.

امّا، عدم مطهريّته للخبث فالمشهور بين الاصحاب أيضا عدم كونه رافعا له و ان ذكر رافعيّته للخبث عن المفيد رحمه اللّه و السيد رحمه اللّه و مستند ذلك امور استدل بها.

الاوّل: الاجماع و فيه منع وجود اجماع كاشف عن وجود نصّ من المعصوم عليه السّلام في المسألة مضافا، الى كون المشهور على خلافه.

الثاني: بعض الاخبار الآمرة فيها بغسل الثوب او البدن بدون تقييد فيه بكون

الغسل بالماء.

و فيه انّه لا اشكال في انصراف الأمر بالغسل الى الغسل بالماء حتّى ادّعى غير واحد عدم صدق الغسل بغير الماء مضافا الى دلالة بعض الاخبار على ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 248

الطهور الماء كما يظهر من رواية داود بن فرقد المتقدّمة ذكرها.

الثالث: ما روى ابو غياث عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليه السّلام قال لا بأس ان يغسل الدم بالبساق «1».

و فيه انّه على فرض دلالتها على ما ادّعى لا يمكن التعويل عليها لا عراض الاصحاب عنها فلا ينبغى الإشكال في عدم رافعيّته للخبث كما ينادى بذلك الاخبار الكثير الواردة في الموارد المختلفة على لزوم غسل المتنجسات من البدن و الثوب و الاناء و غيرها منحصرا بالماء.

الثالثة: ممّا عرفت في مطاوى البحث في المسألة الثانيّة يظهر لك عدم الفرق في عدم مطهريّة المضاف للحدث و الخبث بين حال الاختيار و الاضطرار لعدم دليل على رافعيّته لهما حال الاضطرار أيضا. بل اطلاق الاخبار الآمرة بالغسل بالماء يشمل حال الاضطرار كحال الاختيار و قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* «2» يدل على رافعيته للحدث حتّى حال الاضطرار.

الرابعة: لو لاقى المضاف نجسا تنجّس و ان كان كثيرا بل و ان كان مقدار الف كرّ او ازيد فانّه ينجس بمجرد ملاقات النجاسة و لو بمقدار رأس ابرة في احد اطرافه فينجس كلّه.

قد يستدلّ على ذلك ببعض الاخبار الواردة في نجاسة الزيت و السمن و غيرهما من المائعات بملاقات النجاسة بتنقيح المناط فيقال انّ

الزيت و اشباهه و ان لم يكن من افراد المضاف المصطلح الّا انّه مثل المضاف من حيث الميعان و الحكم بالنجاسة فيه بملاقاته النجاسة يكون من حيث ميعانه و هو موجود في المضاف.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) سورة النساء، الآية 43.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 249

و هذا الاستدلال يفيد لو حصل القطع بكون المناط في امثال هذه المائعات هو الميعان حتّى يتعدّى الحكم من مورد النص الى المضاف و الّا فلا.

و مع: قطع النظر عن ذلك نقول بنجاسة المضاف فى الفرض امّا أوّلا، لتسلّم الحكم عند الاصحاب و عن بعضهم نفى الخلاف فيه.

و امّا ثانيا مقتضى القاعدة تنجيس النجس و المتنجس لما يلاقيهما مطلقا الّا في ما ورد الدليل كما ورد «الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شي ء» و غير ذلك فينجس المضاف بملاقات النجاسة و ان كان الف كر و لو كان بقدر رأس ابرة.

و ما في بعض شروح العروة «مستمسك» «1» العروة» في ذيل قول المؤلف رحمه اللّه «و ان كان الف كرّ» «لكنه لا يخلو من تأمّل لعدم السراية عرفا في مثله».

ففيه: أنّه ان كان الحكم تابعا لسراية العرفيّة و لا يحكم العرف بالسراية كما ادعاه فكان الحري ان يقول بعدم النجاسة لا ان يقول لا يخلو عن تأمّل و ان لم يكن الحكم تابعا للسراية بنظر العرف او كان تابعا لنظره و يحكم بالسراية فلا اشكال بالنجاسة فعلى كلّ حال لا مجال لقوله لا يخلو عن تأمّل.

الخامسة: إذا كان مضاف جاريا من العالى الى السافل و لاقى سافله النجاسة لا ينجس العالى منه كما إذا صبّ الجلاب

من ابريق على يد كافر فلا ينجس ما في الابريق و ان كان متصلا بما في يده. لأنّ الملاك في النجاسة و عدمها سراية النجس او المتنجس بالطاهر عرفا، فكما لا يسرى السافل بالعالى كما تعرض المؤلّف رحمه اللّه لا يسرى العالى بالسافل أيضا لدى العرف المحكّم نظره إذا كان الخروج من السافل الى العالى بالتدافع كالفوّارة لعدم نص في المسألة

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 109.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 250

فالمرجع هو العرف.

***

[مسئلة 2: الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن اطلاقه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن اطلاقه نعم لو مزج معه غيره و صعد كماء الورد يصير مضافا.

(1)

أقول: الوجه واضح لان التصعيد لا يخرجه عن الاطلاق نعم لو مزج مع الماء غير الماء و صعد معه كماء الورد بحيث لا يصدق على المصعّد اسم الماء بلا اضافة مثل ما كان الممزوج به كثيرا بحيث يخرجه عن الاطلاق كما هو مختار سيدنا الاعظم آيت اللّه البروجردي رحمه اللّه في حاشيته.

***

[مسئلة 3: المضاف المصعّد مضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: المضاف المصعّد مضاف.

(2)

أقول: لعدم خروجه بالتصعيد عن الإضافة.

***

[مسئلة 4: المطلق او المضاف النجس يطهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: المطلق او المضاف النجس يطهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 251

بالتصعيد لاستحالته بخارا ثم ماء.

(1)

أقول: طهارة المطلق النجس او المضاف النجس بالتصعيد بخارا محل اشكال وجه الإشكال عدم ورود دليل دالّ على مطهرية الاستحالة لعدم وجود نصّ يذكر فيه لفظ الاستحالة بل كما يأتي إن شاء اللّه عند التعرض لمطهّرية الاستحالة بانّ مطهّريتها لم يثبت إلّا في موارد خاصّة باعتبار دعوى الاجماع او غيره فيها و شموله لمثل المورد محل اشكال و امّا ما في كلام بعض شراح العروة من ابتناء القول بالتطهير في مسئلتنا و عدمه على كون الاستحالة بنفسها مطهرا فيطهر المطلق و المضاف النجس بالتصعيد بخارا لاستحالته او على صيرورة الجسم الاول جسما آخر فلا يطهران بالتصعيد لعدم صيرورتهما شيئا آخرا يظهر لك ممّا قلنا فساد كلامه من جعل الحكم بالتطهير و عدمه مبنيا على ما قاله لانه ليس في ادلتنا عن لفظ الاستحالة عين و لا اثر حتى يكون لما قاله مجال كما انّه ليس في الادلة ما يدلّ على تعميم الحكم من غير الموارد الخاصة الّتي نتعرض لها إن شاء اللّه الى غيرها إلّا أن يدّعى احد عدم الفرق بين هذه الموارد الخاصة و غيرها بإلغاء الخصوصيّة و كشف المناط الموجود في هذه الموارد الخاصة و في غيرها و أنّى باثباته.

***

[مسئلة 5: إذا شكّ في مائع أنّه مطلق او مضاف]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا شكّ في مائع أنّه مطلق او مضاف فان علم حالته السابقة اخذ بها و الّا فلا يحكم عليه بالإطلاق و لا بالإضافة لكن لا يرفع الحدث و الخبث و ينجس بملاقات النجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 252

ان كان قليلا و ان كان بقدر

الكرّ لا ينجس لاحتمال كونه مطلقا و الاصل الطهارة.

(1)

أقول: في المسألة جهات:

الجهة الاولى: إذا شكّ في مائع انّه مضاف او مطلق

فتارة يعلم بحالته السابقة من الاطلاق او الاضافة فمقتضى الاستصحاب الأخذ بالحالة السابقة و تارة لا يعلم بحالته السابقة فلا اصل في البين يقتضي الحكم بكونه مطلقا او مضافا هذا فيما كانت الشبهة موضوعية.

الثانية: فيما لا يعلم حاله من الاطلاق و الاضافة

و ان لم يحكم بكونه من احدهما لكن لا يرفع الحدث و الخبث لان ما يرفع به الحدث و الخبث هو الماء المطلق فمع الشك في اطلاقه لو غسل به المتنجس او توضأ او اغتسل به فاستصحاب النجاسة و الحدث يقتضي بقاء النجاسة و الحدث.

الثالثة: مع الشك في اطلاقة و اضافته

و عدم وجود اصل يقتضي كونه من احدهما ينجس بملاقات النجاسة ان كان قليلا و ان كان بقدر الكرّ لا ينجس بملاقات النجاسة أمّا نجاسته ان كان قليلا بملاقات النجاسة لانّ اثر النجاسة تنجيس ما يلاقيه من الماء كغير الماء الّا إذا كان الماء كرّا او ممّا لا فرق بين قليله و كثيره في عدم نجاسته بملاقات النجاسة كالجارى، ففي الفرض ينجس قليله بملاقات النجسة سواء كان هذا المشكوك اضافته و اطلاقه مطلقا او مضافا.

و أمّا عدم نجاسته بملاقات النجاسة إذا كان كرّا لانّه بعد ما لا ينجس الماء المطلق الكرّ بملاقات النجاسة و من المحتمل كون المشكوك ماء مطلقا فنشكّ في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 253

طهارته و نجاسته، و الاصل الطهار لكون حالته السابقة الطهارة و نشكّ في نجاسته فيستصحب طهارته لكن لو غسل بهذا المشكوك و ان كان كرّا متنجّسا لا يحكم بطهارته بل يحكم بنجاسته للاستصحاب.

***

[مسئلة 6: المضاف النجس يطهر بالتصعيد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: المضاف النجس يطهر بالتصعيد كما مرّ و بالاستهلاك في الكرّ و الجاري.

(1)

أقول: اما طهارته بالتصعيد و استحالته بخارا ثم ماء فقد عرفت الإشكال فيه في المسألة الرابعة و امّا لو استهلك في الكرّ او الجارى بنحو لا يرى العرف له وجود محفوظ من باب تفرّق اجزائه في الكرّ او الجارى فيطهر.

***

[مسئلة 7: إذا ألقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الاطلاق الى الاضافة تنجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا ألقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الاطلاق الى الاضافة تنجس ان صار مضافا قبل الاستهلاك و ان حصل الاستهلاك و الاضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه لكنه مشكل.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 254

الاولى: ما إذا القى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الاطلاق الى الاضافة

و صيرورته مضافا كان قبل الاستهلاك ففي هذه الصورة تنجّس الكرّ لصيرورة الماء مضافا قبل ان يستهلك المضاف فيه مع بقاء الماء على مائيته و بعد الاضافة تنجس بسبب نجاسة الماء المضاف النجس الملقي فيه.

الثانية: ما إذا حصل الاستهلاك و الاضافة دفعة

يظهر من المؤلف رحمه اللّه انّ عدم تنجّسه لا يخلو عن وجه لكنه مشكل و يظهر من حاشية سيدنا الاعظم رحمه اللّه امتناع وقوع الاضافة و الاستهلاك دفعة اما وجه عدم تنجس الماء الكرّ المطلق فهو ان يقال بانّه بعد وقوع الاستهلاك و الاضافة دفعة ليس في البين زمان يكون ماء مضاف نجس و موجودا ينجّس الماء المطلق الّذي صار مضافا لكن ما يأتي بالنظر عاجلا مع بعد تحقق هذا الفرض خارجا هو انّه بعد تحقق الاستهلاك و الاضافة دفعة لا يمكن ان يقال بتأثير المضاف النجس في الماء الكرّ، كى ينجس و لا عكسه و لكن نشك في انّ هذا الماء طاهر او نجس فمقتضى استصحاب طهارة الكر و ان كان طهارته و لو استهلك فيه المضاف النجس ان لم نقل بتبدّل الموضوع لانقلاب الماء مضافا لكن مقتضى استصحاب نجاسة الماء المضاف بقاء نجاسته و اثر بقائها تنجيس ما يلاقيه فيصير كل من المضاف النجس و الماء الكر محكوما بالنجاسة فتأمّل.

***

[مسئلة 8: إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطّين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطّين ففي سعة الوقت يجب عليه ان يصبر حتى يصفو و يصير الطين الى الاسفل ثم يتوضأ على الاحوط و في ضيق الوقت يتيمم لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 255

(1)

أقول: بل على الاقوى في سعة الوقت لان مع سعة الوقت يصدق عليه انه الواجد للماء عرفا فيجب الصبر الى ان يصفو و يصير الطين الى الاسفل و في ضيق الوقت يتيمم لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً*.

***

[مسئلة 9: الماء المطلق باقسامه حتى الجارى منه ينجس اذا تغيير بالنجاسة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: الماء المطلق باقسامه حتى الجارى منه ينجس اذا تغيير بالنجاسة في احد اوصافه الثلاثة: من الطعم، و الرائحة و اللون بشرط ان يكون بملاقات النجاسة فلا يتنجّس إذا كان بالمجاورة كما إذا وقعت ميتة قريبا من الماء فصار جائفا و ان يكون التغيير باوصاف النجاسة دون اوصاف المتنجّس فلو وقع فيه دبس نجس فصار احمر او اصفر لا ينجس الّا إذا صيّره مضافا نعم لا يعتبر ان يكون بوقوع عين النجس فيه بل لو وقع فيه متنجّس حامل لاوصاف النجس فغيّره بوصف النجس تنجس أيضا و ان يكون التغيير حسّيا، فالتقديرىّ لا يضرّ، فلو كان لون الماء احمر او اصفر وقع فيه مقدار من الدم كان يغيّره لو لم يكن كذلك لم ينجس و كذا إذا صبّ فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيّره، و كذا لو جائفا جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيّره لو لم يكن جائفا و هكذا ففي هذه الصّور ما لم يخرج عن صدق الاطلاق محكوم بالطهارة على الاقوى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 1، ص: 256

[نذكر بعض الأخبار تيمّنا]
اشارة

(1)

أقول: نجاسة الماء بالتغيّر في الجملة مسلّم عندنا نصّا و فتوى بل عند العامّة أيضا و ان اخرج ابو داود رواية يدّعى بإطلاقها على عدم نجاسته بالتغير و هي ما رواها ابو سعيد الخدرى أنّه قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أ تتوضأ من بئر بضاعة و هى بئر يطرح فيها الحيض و لحم الكلاب و النتن فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم الماء طهور لا ينجّسه شي ء و لكن كما قلنا انهم قائلون بنجاسته بالتغير في الجملة كما يدل عليها بعض ما روى في سن ابن ماجه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و على كل حال تطابق النص و الفتوى عند اصحابنا على نجاسته بالتغير في الجملة و نذكر بعض الأخبار تيمّنا ثم نذكر ما يستفاد منه حتّى يتبيّن اصل الحكم و بعض الفروع الراجعة إليه إن شاء اللّه.

فنقول:

الأول: ما رواه حريز بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطّعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب «1» تدل على نجاسته الماء بتغيّره بسبب ريح الجيفة و قوله عليه السّلام في ذيل الرواية فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضأ منه» لا يدل على اعتبار الأمرين في النجاسة من تغيره بالريح و طعم النجس بل كما يدل عليه صدر الخبر لقوله في الصدر «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ منه» و مفهومه يقتضي نجاسته بمجرد تغيره بريح النجاسة و ان لم بتغير طعمه لا يدل الذيل على خلاف

الصدر و اعتبار تغيّر كل من الريح و الطعم في الذيل يكون من باب ملازمة التغير بالريح التغير بالطعم غالبا فتكون النتيجة الاكتفاء في النجاسة باحد الأمرين من الريح و الطعم كما يظهر من ساير الأخبار أيضا.

الثانى: ما رواه ابو خالد القماط أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في الماء يمرّ به

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 257

الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان كان الماء قد تغيّر ريحه او طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه و ان لم يتغير ريحه و طعمه فاشرب و توضأ «1».

الثالث: ما رواه سماعه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد انتنت قال إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب «2».

الرابع: ما رواه العلاء بن فضيل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض يبال فيها قل لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول «3» و دلالتها على نجاسة الماء إذا تغير لونه بلون النجس يكون بالمفهوم.

الخامس: ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال قلت له رواية من ماء سقطت فيها فارة او جرذ او صعوة ميتة قال إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبّها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضّأ و اطرح الميتة إذا اخرجتها طرية و كذلك الجرّة و حبّ الماء و القربة و اشباه ذلك من اوعية الماء «4».

السادس: أيضا ما رواه زرارة قال

و قال ابو جعفر عليه السّلام إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي ء تفسّخ فيه او لم يتفسّخ الا ان يجي ء له ريح تغلب على ريح الماء «5» جعل صاحب الوسائل تبعا للتهذيب ما رواه زرارة روايتين و يحتمل كونهما رواية واحدة و على كل حال لو كانتا روايتين فلا تدل الاولى منهما و هي ما قال قلت له راوية من ماء سقطت فيها فارة الخ على المسألة و تدل على ما نحن فيه الثانية منهما لدلالتها على نجاسة الماء بغلبة الرّيح النجس عليه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 8 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(5) الرواية 9 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 258

السابع: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال سئل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن غدير اتوه و فيه جيفة ان كان الماء قاهرا و لا توجد منه الريح فتوضأ «1» تدل بالمفهوم على ما نحن فيه لان مفهومها لوجد فيه ريح الميتة فلا تتوضأ منه.

الثامن: رواه محمد بن اسماعيل عن الرضا عليه السّلام: قال ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الّا ان يتغير ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لان له ماده «2».

التاسع: ما رواه المحقق رحمه اللّه في المعتبر مرسلا قال، قال عليه السّلام خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الّا ما غيّر لونه او

طعمه او ريحه «3» و في هذه المرسلة صرّح بنجاسة الماء بتغيير لون الماء بلون النجس.

العاشر: ما رواه محمد بن الحسن الصفّار في كتاب «بصائر الدرجات» عن محمد بن اسماعيل يعنى البرمكي عن علي بن الحكم عن شهاب بن عبد ربّه قال اتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام اسأله فابتدأنى فقال ان شئت فسل يا شهاب و ان شئت اخبرناك بما جئت له قلت اخبرني قال جئت تسألنى عن الغدير يكون في جانبه الجيفه أتوضأ منه او، لا قال نعم قال توضأ من الجانب الاخر الّا ان يغلب الماء الريح فينتن و جئت تسأل عن الماء الراكد من الكر مما لم يكن فيه تغير او ريح غالبة قلت فما التغيّر قال الصفرة فتوضأ منه و كلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر «4».

الحادى عشر: ما رواه محمد بن القاسم عن ابي الحسن عليه السّلام في البئر يكون

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 11 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 259

بينها و بين الكنيف خمس اذرع او اقل او كثر يتوضّأ منها قال ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغيّر الماء «1».

الثاني عشر: ما رواه المفيد رحمه اللّه «2».

الثالث عشر: مرسلة الصدوق «3».

هذا كله الاخبار المربوطة بالمقام و ربما يوجد غيرها أيضا ثم بعد ذلك نقول بعون اللّه تعالى انّ المستفاد من الأخبار الواردة و تطابق الفتوى مع النصوص

هو تنجس الماء باقسامه حتّى الجارى بحصول التغيير في احد اوصافه الثلاثة من الطّعم و الرائحة و اللون.

امّا المحقون من الماء يدلّ على نجاسته جلّ الاخبار إذا تغيّر بالنجاسة في احدى اوصافه الثلاثة المذكورة.

و امّا البئر يدل على نجاسته بالتغيّر خصوص رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة ذكرها عن الرضا عليه السّلام. «4»

و امّا الجارى يدلّ على نجاسته بالتغيّر في احد اوصافه الثلاثة بالنجاسة اطلاق الرواية الاولى من الروايات المتقدمة و هي رواية حريز و النبوّي المتقدم الّذي رواه المحقق رحمه اللّه في المعتبر خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه» و هي و ان كانت مرسلة لكن تلقّيها الاصحاب رحمه اللّه بالقبول مضافا الى اطباق الفتوى عليه هذا بالنسبة الى شمول الحكم و اطلاقه بالنسبة الى جميع

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 14 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 12 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 260

اقسام المياه و امّا التفريعات من المسألة.

الفرع الاوّل: يعتبر في نجاسة الماء بالتغير حصول التغير في احد من اوصافه

الثلاثة الطعم و الرائحة و اللون و اما نجاسته بتغيره بطعم النجس و الرائحة فتعرضها أكثر الأخبار المتقدمة و اما نجاسته بالتغير باللّون فموجبيّته للنجاسة تستفاد من الرابع و التاسع و العاشر من الأخبار المتقدمة ذكرها فلا يبقي اشكال من هذا الحيث.

الفرع الثاني: يشترط في التغير بالنجاسة ان يكون بملاقات النجاسة

فلا ينجس إذا كان الاوصاف الحاصلة في الماء او بعضها بالمجاورة كما إذا وقعت ميتة في قرب من الماء فصارت جافّة لانّ هذا مقتضى تصريح بعض النصوص و ظاهر بعض الآخر او المنصرف إليه منها بحسب المتفاهم العرفي كما ادعى عدم الخلاف فيه.

الفرع الثالث: يشترط ان يكون التغيير باوصاف النجس دون المتنجس

لانّ ظاهر الأخبار كون التغيير الحاصل في الماء باوصاف نفس النجس كالميتة و البول و العذرة فلو وقع فيه دبس متنجس فصار احمر او اصفر لا ينجس الّا إذا صيّره مضافا فينجس بمجرد ملاقاته.

الفرع الرابع: بعد ما عرفت من دخل كون التغيير باوصاف عين النجس لا اوصاف المتنجس

في نجاسة الماء بالتغيير هل يعتبران يكون بوقوع عين النجس في الماء او لا يعتبر ذلك بل لو وقع فيه متنجّس حامل لاوصاف النجاسة فغيّره ينجس الماء.

أقول لو تنجس شي ء و اكتسب احد الاوصاف الثلاثة من النجس مثلا القى في مائع ميتة فحمل لون الميتة او ريحها او طعمها فالقى هذا المائع في الماء فتغيّر هذا الماء في احد لاوصاف الثلاثة المكتسبة من الميتة فصار الماء متغيّر اللون او الريح او الطعم بالميتة لكن لا بلا واسطة بل بواسطة هذا المائع فهل يوجب هذا التغيير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 261

للنجاسة او لا، وجهان:

وجه عدم النجاسة، انّه يكون التغيير في الفرض غير مستند بنفس النجس بلا واسطة و الحال انّ مفاد الاخبار يقتضي كون التغيّر بنفس النجس.

وجه النجاسة انّ التغيّر عند العرف في الفرض مستند الى نفس النجس غاية الامر مع الواسطة، و لا يستفاد من الأخبار اعتبار كون الاستناد بلا واسطة و لا يبعد النجاسة فيما يقال عرفا بانّ التغيّر مستند الى نفس النجس فتأمل.

و امّا ما افاده سيدنا الأعظم رحمه اللّه في حاشيته على العروة «هذا إذا كان المتنجس ممزوجا بعين النجس بحيث يستند التغيبر الى ملاقاة النجس في ضمنه و الّا فالتنجس محلّ اشكال» و ان كان صحّ في محلّه لكن غير مربوط بهذا الفرع لانّ في ما فرضه رحمه اللّه تغيّر الماء بعين النجس لا بالمتنجس الحامل لاوصاف النجس.

الفرع الخامس: يشترط ان يكون التغيّر حسّيا

فلا يضرّ التقديرى فلو كان لون الماء ابيض او اصفر فوقع فيه مقدار من الدّم كان يغيّره لو لم يكن كذلك لم ينجس و كذا إذا صبّ فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون

غيّره و كذا لو كان جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيره لو لم يكن جائفا و هكذا ففي هذا الصور ما لم يخرج الماء عن صدق الاطلاق محكوم بالطهارة على الاقوى.

قال سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه فى بحثه انّ الشخص تارة يجمد على ظاهر الروايات الواردة في الباب فلا يستفاد من ظاهرها الّا نجاسة الماء بالنجاسة فيما كان التغير الحاصل منه للماء حسّيا.

و امّا لو تأملنا في الروايات يظهر منها بمفهوم الموافقة انّ العمدة في موجبية التغيّر للنجاسة هو قاهرية النجاسة باحد اوصافه الثلاثة على الماء و مقهورية الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 262

بالنسبة إليها فعلى هذا بعد فرض معلومية قاهرية النجس في حدّ ذاته على الماء و لو منع مانع عن ظهور هذا القاهرية وجب تنجّس الماء به لصدق غلبة الجيفه مثلا على الماء فكما قلنا في حاشيتنا «التنجس في الصورة الاولى بل الثالثة أيضا لا يخلو من قوة» نقول بانّه في الصورة الاولى اعنى فيما كان لون الماء احمر او اصفر فوقع فيه مقدار من الدّم كان يغيّر لو لم يكن كذلك و في الصورة الثالثة اعنى فيما كان جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيّره لو لم تكن جائفا نجاسة الماء لا يخلو من قوة و ذلك يكون لاجل قاهرية النجاسة على الماء في الصورتين و عدم ظهور القاهرية يكون لاجل المانع و هو الاحمرية او الاصفرية او الجائفية.

و امّا في الصورة الثانية فحيث لا يكون البول بحسب ذاته قاهرا على الماء لا يجب تنجّس الماء به.

أقول و عندي فيما افاده رحمه اللّه نظر و الحقّ ما قاله المؤلف رحمه اللّه في جميع الصور لان مقتضى

ظاهر الأخبار حصول التغير بالنجاسة في الماء و ظاهر هذا كون التغيّر حسيّا و لا يمكن كشف الملاك الذي افاده رحمه اللّه حتّى يقال بمفهوم الموافقة ان الميزان قاهرية النجاسة على الماء باوصافه الثلاثة و ان كان ذلك تقديريّا.

***

[مسئلة 10: لو تغير الماء بما عدا الاوصاف المذكورة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لو تغير الماء بما عدا الاوصاف المذكورة من اوصاف النجاسة مثل الحرارة و البرودة و الرقة و الغلظة و الخفة و الثقل لم ينجس ما لم يصر مضافا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 263

(1) أقول: الوجه واضح، لدلالة الاخبار المصرّحة بانّ الموجب للنجاسة حصول التغيّر في خصوص احد الاوصاف الثلاثة المذكورة، و امّا التغيّر بغيرها فلا دليل عليه فلو اوجدت النجاسة في الماء صفة اخرى مثلا كان الماء باردا فصار حارّا بوقوع النجاسة فيه فلا ينجس الماء لعدم الدليل عليه و لو شككنا في صيرورة الماء نجسا بذلك او لا يحكم بالطهارة لاصالة الطهارة نعم لو صيّرته مضافا ينجس بملاقات النجاسة لكونه مضافا.

***

[مسئلة 11: لا يعتبر في تنجسه ان يكون التغير بوصف النجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يعتبر في تنجسه ان يكون التغير بوصف النجس بعينه فلو حدث فيه لون او طعم او ريح غير ما بالنجس كما لو اصفرّ الماء مثلا بوقوع الدم تنجّس و كذا لو حدث فيه بوقوع البول او العذرة رائحة اخرى غير رائحتهما فالمناط تغيّر احد الاوصاف المذكورة بسبب النجاسة و ان كان من غير سنخ وصف النجس.

(2)

أقول: الظاهر تمامية ما افاده رحمه اللّه لان بعض الاخبار و ان كان بمفاده غير دال على تعميم الحكم لصورة تغيّر الماء بسبب النجاسة بغير وصف النجس لكنه يستفاد من ظاهر بعضها الآخر مثل التاسع من الأخبار المتقدّمة.

«خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الا ما غيّر لونه او طعمه او ريحه» ذلك لان مفادها نجاسة الماء بتغيّر الحاصل بسبب النجاسة و دعوى ان المنسبق عند

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 264

العرف من التغيبر الحاصل في الماء بسبب النجاسة في احد

اوصافه الثلاثة هو التغيّر باحد الاوصاف الثلاثة الموجودة في النجس مدفوع بعدم كون ذلك هو المنسبق عندهم لا لو حدث بسبب وقوع الدم في الماء الصفرة و لم يصل بحدّ يصير الماء أحمرا و لذا يلتزم العرف بعدم تغيره بالون النجس بل يحكم بتغييره في اللون. بسبب النجس لا يصح ما قال بعض بان الصفرة من سنخ الحمرة و لهذا يكون التغير بوصف النجس لانه لو التزم احد بان التغيير لا بدّ ان يكون بوصف النجس لجموده على ذلك فلا يمكن الالتزام بكون الصفرة وصفا للدم فمع عدم كون الصفرة وصفا للدم و التزام العرف بالنجاس فيما حصلت الصفرة في الماء بالدم النجس نفهم ان ما هو الميزان حصول التغيبر في احد الاوصاف الثلاثة بسبب النجس و ان كان هذا الوصف غير ما في النجس.

***

[مسئلة 12: لا فرق بين زوال الوصف الاصلى للماء او العرضى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا فرق بين زوال الوصف الاصلى للماء او العرضى فلو كان الماء احمر او اسود لعارض فوقع فيه البول حتى صار ابيض تنجس و كذا إذا زال طعمه العرضى او ريحه العرضي.

(1)

أقول: يمكن الإشكال في النجاسة في الفرض بالنظر البدوى و بدعوى انسباق حصول التغيير في اوصاف الماء باوصافه الاصلية لا العارضية و لكن حيث يكون الماء كثيرا ما يكسب اللون و الريح و الطعم عارضا خصوصا المياه الّتي تكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 265

مورد الاستعمال بحيث لا يفهم العرف من التغيّر الحاصل في الماء في احد اوصافه الثلاثة الا ما فيه من الصفات الثلاثة و لو كان اخذه لعارض من اثر حرارة الشمس او غسل الاشياء فيه او غير ذلك.

***

[مسئلة 13: لو تغيّر طرف من الحوض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لو تغيّر طرف من الحوض مثلا تنجس فان كان الباقى اقل من الكرّ تنجس الجميع و ان كان بقدر الكر بقى على الطهارة و إذا زال تغيّر ذلك البعض طهر الجميع و لو لم يحصل الامتزاج على الاقوى.

(1)

أقول: وجه نجاسة ما تغيّر هو تغيّره بالنجاسة.

وجه نجاسة الباقي ان كان دون الكر هو نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة وجه عدم نجاسة الباقى إذا كان كرا هو عاصمية الكر و عدم نجاسته بمجرد ملاقات النجاسة وجه طهارة الجميع بعد زوال التغير لو كان الباقى كرّا هو طاهر ما صار متغيرا و زال تغيّره بالماء الكرّ الباقي.

وجه عدم اعتبار الامتزاج او اعتباره يأتي إن شاء اللّه في المسألة الثانية من فصل ماء البئر و يأتي ان الاحوط اعتبار الامتزاج.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 266

[مسئلة 14، إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير ثم تغيّر بعد مدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14، إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير ثم تغيّر بعد مدة فان علم استناده الى ذلك النجس تنجس و الّا فلا.

(1)

أقول: وجهه ظاهر لان الميزان تغير الماء بالنجاسة بلا دخالة زمان معيّن فيه فان علم ذلك يحكم بنجاسته و ان شك فيه فمقتضى الاصل طهارته.

***

[مسئلة 15، إذا وقعت الميتة خارج الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15، إذا وقعت الميتة خارج الماء و وقع جزء منها في الماء و تغيّر بسبب المجموع من الداخل و الخارج تنجّس بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء.

(2)

أقول: الحق في المسألة عدم تنجس الماء و ان اختار المؤلف رحمه اللّه و بعض الأعاظم من المحشّين رحمه اللّه، النجاسة على سبيل الجزم او الاحتياط.

وجه عدم التنجّس هو انه بعد كون المختار نجاسة الماء في خصوص ما كان تغيره بسبب ملاقاته للنجاسة بحيث يكون التغير مستندا إليها الملاقى للماء لا بالمجاورة فلا يبقى مجال فيما نحن فيه للحكم بالنجاسة لانه على الفرض لم يحصل التغير في الماء بملاقات من النجس خاصة بل بالمجوع من الداخل و الخارج.

و اما ما قيل «1» من ان اطلاق الادلة يقتضي النجاسة ففيه انه لا اطلاق لها من

______________________________

(1) القائل الشيخ الانصاري رحمه اللّه على ما حكى عنه المستمسك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 267

هذا الحيث.

لان الأخبار المصرحة فيها بكون التغيّر لاجل النجاسة الواقعة في الماء ظاهرها بل صريحها نجاسة الماء بحصول التغير من قبل النجس الواقع في الماء.

و اما الاخبار الغير المصرحة بذلك فقلنا و قالوا بانه و لو لم يصرّح فيها بكون التغيّر الموجب لنجاسة الماء هو التغيّر الناشئ من ملاقات النجاسة و لكن الظاهر منها هو هذا بمقتضى متفاهم العرفي و لو لم نقل

بذلك يلزم علينا ان نقول بالنجاسة فيما حصل التغير في الماء بمجاورته للنجاسة أيضا.

و اما ما قال في المستمسك «1» «من ان الغالب في الجيفه التي تكون في الماء بروز بعضها و التفكيك بينه و بين فرض المسألة في الحكم بعيد عن المرتكز العرفي و البناء على الطهارة فيهما معا في صورة الاستناد الى الداخل و الخارج كما ترى» و كان غرضه الاستدلال على النجاسة في المسألة بانّ المصرّح في بعض اخبار الباب هو الحكم بنجاسة الماء فيما وقعت الجيفة فى الماء و الغالب في صورة وقوع الميتة في الماء هو بروز بعض الميتة في لماء بحيث يكون بعضها ملاقيا للماء و بعضها خارجا عنه و في هذا المورد مع انّ التغيّر مستند الى الجزء الخارج و الداخل حكم في الأخبار بالنجاسة فمن هنا نفهم نجاسة الماء بالتغيّر الحاصل فيه في فرض مسئلتنا لانّه لا يخلو الامر من الثلاثة في مقام الفرض.

امّا يقال بالطهارة في صورة وقوع الميتة في الماء مع استناد النجاسة الى الجزء الداخل و الخارج كما تقول في مفروض مسئلتنا المبحوث عنها فهو كما ترى لان لازم ذلك المخالفة مع بعض الأخبار الواردة في الباب الدّال في هذه الصورة على النجاسة.

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 121- 122.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 268

و امّا يقال بالتفكيك بين المورد الغالبى في وقوع الميتة في الماء و تغبر الماء بسببها و بين مسئلتنا هذا من وقوع النجس خارج الماء و وقوع جزئه في الماء و حصول التغيّر بسبب المجموع هذا بعيد عن مرتكز العرف فلا بدّ من اختيار الشقّ الثالث و هو الحكم بنجاسة الماء في مورد مسئلتنا كما نحكم في

صورة وقوع الميّتة في الماء مع بروز بعضها و تغيّر الماء بسببها هذا مراده بنحو واضح لكن ليس كلامه في محلّه. ان كان غرضه انّ المستفاد من بعض الروايات المتعرضة لصورة وقوع الميتة في الماء هو الحكم بنجاسة الماء حتّى في صورة كون التغيّر مستندا الى كلّ من جزئي الداخل و الخارج من الميّتة لا الى خصوص الجزء الداخل في الماء.

ففيه انّ هذا أوّل الكلام بل الظاهر خلافه لانّ الميتة إذا وقعت في الماء بمقدار حصل التغيّر في احد اوصافه الثلاثة بها فمن الواضح انّ ذلك مستند الى ما وقع منها في الماء و هو أكثر جسمها لا الى المختصر من جزئها الواقع خارج الماء و لا إليه و الى الداخل فى الماء منها فنقول بانّ مورد الاخبار ليس ما كان التغيّر مستندا الى الداخل و الخارج حتى نقول بذلك في مسئلتنا أيضا.

بل نقول مورد وقوع بعض النجس خارج الماء و بعضه داخله كما يفرض ان يكون بعض بدنها مثلا رأس الميتة و يديها خارجا عن الماء مجاورا له و بعضها الآخر في الماء.

كذلك يمكن فرضه في صورة وقوع بعض بدن الميتة خارجا اى بارزا من الماء، و بعضها منغمسا في الماء كما توهّم انّ هذا المورد مورد الأخبار المتعرضة لوقوع الميتة في الماء، و نقول بعد اعتبار كون التغيّر مستندا الى خصوص النجس الواقع في الماء ففي كلّ من الفرضين لو استند التغيّر الى مجموع الداخل و الخارج نقول بعدم نجاسة الماء بالتغيّر الحاصل فيه من الداخل و الخارج و لا نخاف من ذلك في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 269

مقام الفتوى.

نعم الاحتياط امر آخر مطلوب شرعا و عقلا فنقول

ينبغى الاحتياط في مسئلتنا اعنى المسألة الخامسة عشر.

***

[مسئلة 16: إذا شك في التغيّر و عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا شك في التغيّر و عدمه او في كونه للمجاورة او بالملاقات او كونه بالنجاسة او بطاهر لم يحكم بالنجاسة.

(1)

. أقول: أقول لان المرجع في صورة الشك في حصول سبب النجاسة و عدمه هو اصالة الطهار.

***

[مسئلة 17: إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر احمر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر احمر فاحمرّ بالمجموع لم يحكم بنجاسته.

(2)

. أقول: للمسألة صور:

الاولى: و هي ظاهر فرض المؤلف رحمه اللّه ان يكون تغيّر الماء مستند الى الدم و شي ء آخر احمر

بحيث لو لم يكن كل واحد منهما لم يحصل التغير في الماء اصلا لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 270

بمرتبة الحمرة و لا اسفل منها و بعبارة الاخرى لم يحصل تغير في الماء بالدم مستقلا لا بمرتبة الحمرة و لا بمرتبة الصفرة و لا غيرهما.

الثانية: ان التغير بالحمرة بمرتبة مستند الى مجموع من الدم

و هذا الشي ء الاحمر لا بالدم مستقلا و لكن مرتبة اعلى من التغير مستند الى الدّم مثلا التغيّر بمرتبة من الحمرة مستند الى الدم فقط بحيث لو لم يكن الدّم ما حصل في الماء هذا المرتبة من الحمرة فمرتبة ضعيفة من الاحمرار مستندة الى الدم و هذا الشي ء الاحمر و مرتبة قوية منه مستندة الى خصوص الدم.

الثالثة: عكس بان يكون الدّم في حدّ ذاته قابلا للتغيّر في الماء

بمرتبة مثلا المرتبة الصفرة و لكن كونه مع هذا الشي ء صار موجبا للتغيّر في الماء بمرتبة اقوى و هي الحمرة.

الرابعة: ان يكون كلّ واحد من الدم و هذا الشي ء الاحمر في حدّ ذاتهما قابلين

لتغيّر الماء مستقلا و لكن حيث يكون المحل غير قابل لورود العلّتين المستقلتين فصار الدم و هذا الشي ء جزئى العلّة لان يتغيّر بالاحمرار

إذا عرفت هذه الصور نقول اما في الصورة الاولى لا ينجس الماء لعدم كون التغيّر بالنجس مستقلا و الحال انّ ظاهر الادلة تعيّن كون التغيّر بنفس النجس لا به و بغيره منضما.

و اما في الصورة الثانية فلا اشكال في نجاسة الماء لانّ المرتبة العالية من التغيّر مستندة بخصوص النجس لا به و بغيره معا.

اما في الصور الثالثة فلا موجب لنجاسة الماء لان مجرّد القابلية للتغيّر غير كاف للنجاسة بل كما قدّمنا لا بدّ و ان يكون التغيّر حسيّا و في المقام لا يكون حسيّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 271

و اما في الصورة الرابعة فيمكن ان يقال أيضا بعدم نجاسة الماء به لان في هذه الصورة لا يكون التغيّر الحاصل بالدم مستقلا و ان كان ذلك من جهة عدم قابلية المحل حتى يؤثّر الدم مستقلا بل حصل التغيّر بمجموع هذا الشي ء و الدم فلا وجه للنجاسة.

***

[مسئلة 18: الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه من غير اتصاله بالكر او الجارى لم يطهر نعم الجارى و النابع إذا زال تغيّره بنفسه طهر لاتصاله بالمادة و كذا بعض من الحوض إذا كان الباقى بقدر الكر كما مرّ.

(1)

أقول: اما عدم طهارة الماء المتغيّر بمجرد زوال تغيّره من غير اتصاله بالكر و الجارى لاستصحاب نجاسته السابقة قبل زوال تغيّره و ليس الماء الغير المتغيّر بنظر العرف غير الماء المتغيّر فالموضوع واحد فتستصحب النجاسة السابقة.

و الإشكال بالاستصحاب بأنه من قبيل الشك في المقتضي مبنى على عدم حجيّة الاستصحاب الا في خصوص

الشك في الرافع و اما مع حجيته حتى في الشك في المقتضى فالاشكال مندفع.

مضافا الى ما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه من ان النجاسة من الأمور القارة الّتي حتى حصلت لا ترتفع الا بالرافع فيكون الشك من قبيل الشك في الرافع.

و اما التمسك بما دل من النصوص على تنجس الماء بالتغير بان يقال ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 272

المستفاد منها اناطة النجاسة حدوثا و بقاء على التغيّر فمع زوال التغير فتزول النجاسة. ففيه ان المراجع بالنصوص يرى عدم تعرضها الا لحدوث النجاسة بالتغير و اما كون بقائها ببقائه فغير متعرضة لها.

و اما الاستناد لارتفاع النجاسة بزوال التغير بما روى من قوله «إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا» «1» بدعوى ان هذا الماء كر فلا يحمل خبثا ففيه ان الرواية ضعيفة السند و ان كان للاستدلال بها وجه بأن يقال ان عمومها يشمل كل ماء يكون كرا في كل حال غاية الأمر صار اطلاقها الاحوالى المستتبع لكل فرد من افراد عمومها مقيدا في حال التغير بما دل على نجاسة الماء بالتغيّر و اما بعد التغير فاطلاقها الاحولى الدال على عدم حمله الخبث محفوظ فيؤخذ به فالعمدة ضعف سندها.

و اما الاستناد بصحيح ابن بزيع بدعوى ان كلمة حتى في قوله عليه السّلام «حتى يذهب الريح و يطيب الطعمة» «2» تكون تعليلية فيكون ذهاب الريح و طيب الطعم علّة لرفع النجاسة الحاصلة بالتغير، ففيه ان كلمة حتى في هذه الفقرة بظاهرها لو لم تكن للغاية فلا اقل من عدم ظهورها في العلة لانه لو كان ذهاب الريح علة فتكون علة عرفيّة و التعليل بالامر العرفي للامام عليه السّلام في مقام بيان

الحكم بحسب الظاهر غير مناسب مضافا الى ان ذلك يوجب الغاء العلة المذكورة في الرواية و هي قول عليه السّلام «لان له مادة» عن العليّة، و الحال ان الظاهر كون وجود المادة علة لكل من الفقرة الاولى و هي قوله عليه السّلام «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء» و الفقرة الثانية اعنى قول عليه السّلام «حتى يذهب الريح و يطيب الطعمة» لان علة عدم كون شي ء مفسدا له و طهارته بذهاب الريح و طيب الطعم يكون وجود المادّة له،

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 4 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) مصباح الفقيه، ج 1، ص 125.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 273

هذا كله في عدم كون نفس زوال التغيّر موجبا لزوال النجاسة و حصول الطهارة.

و اما طهارة الجارى و النابع إذا زال تغيّره بنفسه لاتّصاله بالمادّة فلما دل من النصوص و منها صحيح ابن بزيع المشار إليه نعم هنا كلام في انه هل يكفى مجرد اتصاله بالمادة او يجب امتزاج الماء الخارج الواقع في البئر بما يخرج من المادة أم لا يعتبر ذلك فيأتي فى محله إن شاء اللّه.

و اما حكم بعض الحوض المتغير بالنجاسة بعد زوال تغيره من حيث طهارته بالاتصال او بالامتزاج بالبعض الآخر منه إذا كان هذا البعض كرا فقد مضى الكلام فيه في المسألة الثالثة عشر فراجع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 275

فصل: فى الماء الجارى
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 277

قوله رحمه اللّه

فصل في الماء الجارى

[مسئلة 19: الماء الجارى هو النابع السائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: الماء الجارى و هو النابع السائل على وجه الأرض فوقها او تحتها كالقنوات لا ينجس بملاقات النجس ما لم يتغير سواء كان كرا او اقل و سواء كان بالفوران او بنحو الرشح و مثله كل نابع و ان كان واقفا.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في المراد من الماء الجارى

و هو كما ذكره المؤلف رحمه اللّه عبارة عن الماء النابع السائل على وجه الارض فوقها او تحتها.

فنقول بعونه تعالى انّ اعتبار السيلان و الجريان مما لا اشكال فيه لغة و عرفا و نصّا بعد كون التعبير في النصوص بلفظ الجريان او بعض مشتقاته الآخر كما ان الجريان لغة و عرفا عبارة عن السيلان و لم يتصرّف الشارع في موضوع الجريان فعلى هذا لا يشمل الجارى بموضوعه لكل نابع و لو لم يكن جاريا و ان كان يشمله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 278

حكما كما تعرف إن شاء اللّه.

اما اعتبار النبع فنقول اما اعتباره فيه لغة فلا وجه له لعدم اعتباره في اللغة فيه.

و اما اعتباره فيه عرفا و في مصطلح الفقهاء فلا يبعد دعوى اعتباره فيه لان المنساق عند العرف في الماء الجارى الاستعداد و قابليته للجريان و هذا بكون مادة نابعة له فلا يكفي مجرد الجريان في الصدق العرفي و اما في الاصطلاح فيعتبر فيه كما يظهر للمراجع في كلماتهم بل ادعى عليه الاجماع مكررا في الكلمات.

و اما شموله لكل نابع سائل سواء كان جاريا فوق الأرض او تحتها فللاطلاق لعدم تفاوت في ذلك لغة و عرفا و شرعا لا موضوعا و لا حكما.

الجهة الثانية: في عدم نجاسته بملاقات النجاسة

تدل عليه مضافا الى الشهرة بل الاجماع المنقول في كلماتهم و النصوص فعدم نجاسته بملاقات النجاسة في الجملة ممّا لا ينبغى الإشكال فيه.

نعم هنا كلام في ان هذا الحكم مختص بصورة كون الماء الجارى كرّا كما نسب الى العلامة رحمه اللّه و بعض آخر من اعتبار الكرّية فيه او يشمل الحكم حتى فيما كان الماء الجارى قليلا لم يبلغ حد الكر الحقّ الثاني لانّه مضافا

الى الشهرة بل الاجماع المدعاة يمكن استفادته من بعض النصوص.

و العمدة منها ما رواه محمد بن اسماعيل بن يزيع عن الرضا عليه السّلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الا ان يتغيّر ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لان له مادّة «1» لان المستفاد من العلّة في الصحيحة كون وجود المادّة علّة لعدم نجاسة ماء البئر بملاقات النجس و هذا واضح ان كان قوله عليه السّلام «لان له مادّة» علّة

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 279

للصّدر و هو قوله ماء البئر واسع لا يفسده شي ء» فعلّة عدم كون شي ء مفسدا له تكون وجود المادّة فالماء الجارى لا ينجس بملاقات النجاسة لان له مادّة.

كذلك ان كانت العلّة علّة للصّدر و كذا للذيل لانه على هذا علّة عدم كون شي ء مفسدا له و علّة طهارته بعد النزح و ذهاب الريح و طيب طعمه هي وجود المادّة فكل ماء يكون له المادة حكمه حكم ماء البئر لانّ العلّة تعمم و تخصّص بل يستفاد من العلة المذكورة عدم نجاسة الجارى بمجرد ملاقات النجس و كذا لو كانت العلّة في الرواية علة للذيل فقط اعنى علّة طهارة ماء البئر بعد زوال التغيّر وجود المادة.

لانّه يقال ان المستفاد من العلة طهارة الماء بعد زوال التغيّر مطلقا سواء كان الماء الموجود فى البئر قليلا او كثيرا لوجود المادّة و الا لو لم يكن وجود المادّة مؤثرا في عاصمية الماء فلو فرض وجود عين نجس بعد ذهاب الريح و طيب الطعم في ماء البئر فكلما يخرج من الماء قليلا ينجس بملاقاته لعين النجس

الموجود في البئر فلا خاصية لوجود المادّة اصلا فهذا شاهد على ان الحكم مطلقا طهارة ماء البئر و عدم نجاسته بملاقات النجاسة و عدم فرق في مطهّرية وجود المادّة بين كون الماء الباقى في البئر قليلا او كثيرا.

فكذلك في الجارى لان مجرد وجود مادّة للماء الموجود في النهر عاصم لا ينجس ما في النهر بملاقات النجاسة و ان كان قليلا، و اما التمسك لعدم اعتبار كرّية الماء الجارى في عاصميّته و عدم تنجسه بملاقات النجاسة بما رواه داود بن سرحان قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في ماء الحمام قال هو بمنزلة الماء الجارى «1» فمشكل لا لما قيل من انّ القضية المذكورة في الرواية تكون من القضايا الخارجيّة و الحمامات في زمان صدور الرواية كانت مادّتها كرا بحسب وضعها و هذا يوجب الالتزام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 280

باعتبار الكرّية في مادة الجارى و لا يمكن الالتزام به.

حتّى يجاب عنه تارة بان القضيّة من القضايا الحقيقية و يكون المتكلّم في بيان الحكم لحقيقة الحمام لا لخصوص الحمامات الخارجيّة.

و تارة بان التنزيل يكون بعد لحاظ وضع الحمام من حيث كون مادّته كرا فهو بعد هذا الفرض بمنزلة الجارى و هذا لا يوجب اعتبار كرية المادة في الجارى.

و تارة بان الخبر يكون في مقام بيان تنزيل ماء الحمام منزلة الجارى لا العكس فلا يوجب ان يكون كلما هو دخيل في المنزل يكون دخيلا في المنزّل عليه.

بل أقول بانه لا اشكال في ان الامام عليه السّلام يكون في مقام بيان حكم ماء الحمام لان السائل سئل عنه فهو عليه

السّلام يكون في مقام بيان حكم ما سئل عنه فقال هو بمنزلة الجارى فيستفاد منه ان للجارى حكما مفروغا عنه عند السائل و المسئول عنه و احال حكم ماء الحمام به، فلا يستفاد منها الا كون ماء الحمام بمنزلة الجارى و اما كيفية عاصمية الماء الجارى و آنها على اى خصوصية فليس هو عليه السّلام في مقام بيانه راسا و بعد عدم كونه في مقام بيان ذلك فقهرا لا يفيد الخبر الا كون ماء الحمام بمنزلة الجارى و اما كونه بمنزلته في اىّ شرط و اى كيفيّة و اى حال فهو محوّل الى ما هو المفروغ عنه عند السائل و المسئول عنه فلا يمكن استفادة اطلاق من الحديث من حيث خصوصية الماء و خصوصية مادّته في الجارى او في الحمام.

نعم لو كان الحكم في ماء الحمام و انه بمنزلة الجارى له اطلاق باعتبار كونه بنحو القضية الحقيقية، او عدم اطلاق له و تنزيله على المتعارف من الحمامات في زمان صدور الراية باعتبار كونه بنحو القضية الخارجية يستفاد في الصورة الاولى ان ماء الحمام مطلقا و في الصورة الثانية.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 281

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 281

ان الماء الحمامات الخارجيّة بمنزلة الجارى و إماما هو المراد من الجارى و باىّ كيفية و على اى خصوصية فالرواية ساكتة عنها لعدم كونها في مقام بيانه.

و مثل هذه الرواية في عدم كونها دليلا على المسألة ما رواها ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت أخبرنى عن

ماء الحمام يغتسل منه الجنب و الصبى و اليهودى و النصرانى و المجوسى قال ان ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا «1».

لا لما قد يقال من ان ماء النهر لا يشمل كل افراد الماء الجارى حتى ما يكون جريانه ضعيفا.

حتى يقال جوابا عنه بان ماء النهر يشمل كل نهروان كان صغيرا و لا لما قد يقال من ان الظّاهر من قوله عليه السّلام ماء الحمام كماء النّهر يطهّر بعضه بعضا هو كون العاصم لبعضه بعضه الآخر من النهر لا المادّة و الحال ان المقصود كون سبب عاصمية الجارى و كذا ماء الحمام وجود المادة كما في المستمسك. «2»

لانّ فيه ان فاعل يطهّر في قوله عليه السّلام يطهّر بعضه بعضا هو ماء الحمام كما لا يبعد ذلك فمعناه ان ماء الحمام يطهّر بعضه بعضا كما ان ماء النهر يطهّر بعضه بعضا و ان كان فاعل «يطهّر» ماء النّهر، فأيضا معناه ان ماء النهر كما يطهّر بعضه بعضا فكذلك ماء الحمام.

و على كل حال ان كان المراد من البعض المطهّر لبعض الآخر هو بعض ما في الحياض من الحمامات على تقدير كون فاعل يطهّر ماء الحمام فيفيد ان عاصمية ماء الحمام بنفس ما في الحياض التي يغتسل منه الجنب و الصبي و اليهودى و النصراني و المجوسى و هذا مما لا يمكن الالتزام به مع فرض كون ما في الحياض قليلا و ان كان

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) المستمسك، ج 1، ص 125- 126.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 282

كثيرا فلا وجه لان يقال يطهر بعضه بعضا لانه لا ينجس بملاقات النجس حتى يطهّر بعضه

ببعضه الآخر مضافا الى ان ما في الحياض متصل واحد يغتسل فيه و لا يغتسل في بعضه حتى يطهر بعض المغتسل فيه ببعضه الآخر غير المغتسل فيه فعلى هذا لا بدّ من التصرف في الرواية بان المراد من البعض المطهّر هو البعض الذي يكون عاصما و يطهّر ما صار نجسا فلا بدّ ان تقول في ماء النهر كذلك حرفا بحرف و ان المراد من البعض و هو ماء في المادة يطهّر بعضه الآخر الذي يكون في النهر و ان كان فاعل يطهر» في قوله عليه السّلام يطهر بعضه بعضا هو ماء النهر فكذلك ان قلنا بان المراد من البعض المطهر لبعضه الآخر هو المادة فهو و ان لم نقل بذلك يكون المعنى ان بعض ما في النهر الملاقى للنجس يطهّر ببعضه الآخر.

ففيه كما قلنا ماء النهر ماء واحد متصل بعضه بالبعض فإذا لاقى النجس فليس في الخارج بعض منفصل من بعض حتى يطهر بعد نجاسته باتصاله بالبعض الآخر.

و ان قلت بان المراد ان البعض الملاقى النجس يطهّر ببعضه الغير الملاقى له لعاصميّته.

فأقول بان اطلاق قوله يطهّر بعضه بعضا يشمل كل ماء يكون في النهر قليلا كان او كثيرا و الحال ان القليل ليس بعاصم و

ان قلت يحمل جمعا مع ما يدل على عاصمية خصوص الكرّ على صورة كون ماء النهر كرّا.

فنقول مع اباء الحديث من ذلك الحمل لان الامام عليه السّلام يكون في مقام بيان الحكم الكلى للحمام و انه مثل النهر مطلقا بانه ان كان ما في النهر كرا فالكرية عاصمة لا ينجس بملاقات النجس فكان المناسب ان يقول لا ينجس كماء النهر لا ان يقول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 283

يطهر بعضه بعضا فهذا شاهد على ان البعض الملاقي ينجس و لكن يطهّره بعضه الآخر و حيث ان البعض ليس ما في النهر لما قلنا لا بدّ ان يكون البعض المطهّر هو المادة خصوصا بقرينة بعض روايات اخرى الدالة على ان عاصمية الماء الجارى و كل ذى مادّة تكون بالمادّة.

إذا عرفت عدم ورود ما اورده على الرواية فنقول كما قلت في الحديث السّابق بان العمدة عدم كون الامام عليه السّلام الا في مقام بيان حكم ماء الحمام و انه لا ينجس بملاقات النجس لا في مقام بيان كيفية عاصمية ماء النهر فلا يمكن اخذ الاطلاق منه لهذا الحيث اصلا.

الجهة الثالثة: لا فرق في عدم نجاسة الماء الجارى بملاقات النجاسة

بين ان يكون كرا و بين عدم كريته لاطلاق الدليل.

و اما التمسك على اعتبار كرّيته كما نسب الى العلّامة رحمه اللّه بإطلاق مفهوم الأخبار الدالة على ان الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شي ء بان مفهومها هو نجاسة ما دون الكرّ و اطلاق المفهوم يقتضي نجاسة كل ماء دون الكرّ بملاقات النجاسة سواء كان الماء راكدا او جاريا فغير تمام، لا لان ما يدل على عاصمية الجارى خصوصا التعليل الوارد في خبر اسماعيل بن بزيع «لان له مادة» حاكم على هذه الأخبار. لان دعوى كون لسان هذا الخبر الشارحية مشكل.

و لا لما ادعى من الجمع بين هذا الخبر و بين ما دل على عدم نجاسة الماء البالغ كرّا بملاقات النجاسة و هو الالتزام بكون كل من الكرية و وجود المادة علة.

لان هذا الجمع ليس جمعا عرفيّا و لا يذهب إليه مطلقا و لو فيما لا يمكن الجمع بنحو آخر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 284

بل نقول بانه لو قطعنا النظر

عن دعوى انصراف الأدلّة المفصّلة بين القليل و الكثير من حيث نجاسته بملاقات النجس و عدمه عدمه عن الماء الجارى.

بانه بعد كون التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه لان مقتضى بعض الأخبار الواردة في الجارى هو عاصميّته و عدم نجاسته بملاقات النجس سواء كان كرا او اقلّ منه و مقتضى ادلة عاصمية الكرّ هو ان الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي ء و مفهومه نجاسة الاقل من الكر بالملاقات للجنس و اطلاقها يشمل الجارى و غير الجارى ففي الماء الجارى القليل يقع التعارض بينهما لان مقتضى الاول عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة ان كان قليلا و مقتضى الدّليل الثّاني بإطلاقه نجاسة جارى القليل فهذا مورد تعارض الدليلين.

و إذا بلغ الأمر الى هنا نقول بانه في مورد التعارض بالعموم من وجه يحكم العرف بالأخذ بالاظهر من الدليلين بالنسبة الى مورد الاجتماع و لا اشكال في ان ادلة عاصمية الجارى اظهر مما دل على نجاسة القليل بملاقات النجاسة في مورد الاجتماع فتكون النتيجة عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة سواء كان قليلا او كثيرا.

و اعلم ان التعارض يكون بناء على تسليم عموم لمفهوم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي ء. و اما لو قلنا بعدم عموم للمفهوم فلا تعارض اصلا.

الجهة الرابعة: أما نجاسة الجارى بتغيره في احد اوصافه الثلاثة

بسبب النجاسة فقد مضى الكلام فيه في المسألة التاسعة من الفصل السابق فراجع.

الجهة الخامسة: هل الفرق في عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة

بين ان يكون الجريان فيه بالفوران و بين الرشح او لا أقول لا فرق بينهما لان العمدة في الحكم هي العلّة المذكور في صحيحة ابن بزيع و هي قوله عليه السّلام «لانّ له مادّة» و لا فرق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 285

بين كون الجريان من المادة بنحو الفوران او بنحو الرشح، فعلى هذا لو ابيت عن صدق النبع الماخوذ في كلماتهم في تعريف الجارى حيث قالوا الجارى هو النابع السائل على وجه الأرض فلا اشكال في ان ما له مادّة راشحة مثل ما له مادّة نابعة حكما.

و ان كان الممكن شمول الجارى موضوعا لما له مادة راشحة لان النبع المأخوذ في موضوع الجارى اعم من الرشح لان اخذ النبع في تعريفه ليس الا لخروج ما لا مادة له اصلا.

الجهة السادسة: هل يكون كل نابع

و ان كان واقفا مثل الجارى أم لا.

اعلم ان مثله موضوعا و كونه من افراده فمما لا يمكن القول به لكون الجريان مأخوذا فيه لغة و اصطلاحا.

نعم ما ينبغى ان يبحث عنه هو انه هل النابع الغير الجارى يكون مثل الجارى حكما أم لا.

فنقول ان العمدة في عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة هل العلة المذكور في رواية ابن بزيع و هي تشمل كل ماله مادّة فعلى هذا فكل ماله مادّة يكون مشتركا مع ماء البئر و الجارى في هذا الحكم سواء يصدق عليه اسم البئر او الجارى او لا يصدق.

***

[مسئلة 1: الجارى على الأرض من غير مادّة نابعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الجارى على الأرض من غير مادّة نابعة او راشحة إذا لم يكن كرا ينجس بالملاقات نعم إذا كان جاريا من الاعلى الى الاسفل لا ينجس اعلاه بملاقات الاسفل للنجاسة و ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 286

كان قليلا.

(1)

أقول: اما نجاسته بملاقات النجاسة لان هذا مقتضى الأدلّة المفصّلة بين الماء القليل و الكثير من حيث ملاقاتها للنجاسة و بعد فرض كون الماء قليلا و عدم كونه جاريا لعدم مادّة نابعة او راشحة ينجس بملاقات النجاسة.

و اما عدم نجاسة اعلاه بملاقات الاسفل للنجاسة فلعدم سراية النجاسة بالعالى بملاقاته للسافل و الميزان هو السراية عرفا كما مرّ في الفصل السابق.

***

[مسئلة 2: إذا شك في ان له مادة أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا شك في ان له مادة أم لا و كان قليلا ينجس بالملاقات.

(2)

أقول: لا وجه للنجاسة في مفروض المسألة لكونها من الشبهة في المصداق فلا يعلم ان لهذا، الماء مادّة حتى لا ينجس بالملاقات او لا يكون له مادة حتى ينجس و لا اشكال في انه بعد عدم جواز التمسك بالعام و كذا بالخاص فالمرجع الاصل العملى و هنا اصالة الطهار فيحكم بطهارة الماء بعد الملاقات ببركتها نعم ينبغى الاحتياط بالاجتناب عنه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 287

[مسئلة 3: يعتبر في عدم تنجس الجارى اتصاله بالمادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يعتبر في عدم تنجس الجارى اتصاله بالمادة فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر فان كان دون الكر ينجس نعم إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس.

(1)

. أقول: هذا واضح لان المنشأ في العاصمية هو الاتصال بالمادة فمع اتصاله بها لا ينجس بملاقات النجاسة و مع عدم اتصاله بها ينجس ان كان قليلا.

***

[مسئلة 4: يعتبر في المادّة الدوام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يعتبر في المادّة الدوام فلو اجتمع الماء من المطر او غيره تحت الأرض و يترشّح إذا حفرت لا يحلقه حكم الجارى.

(2)

أقول: ان كان نظره الشريف من اعتبار الدوام في المادة في قبال ما كانت في وقت دون وقت مثلا يكون الماء في المادّة في فصل من فصول السنة دون غيره فلا اشكال في اعتبار ذلك بالنسبة الى المدّة الّتي تكون له الماد.

نعم في غير هذا الفصل ليس بحكم الجارى لعدم مادة له و لكن ليس هذا مراده لانه تعرض لهذه لصورة في المسألة السابعة التي يأتي إن شاء اللّه.

و اما ان كان نظره الى ان المراد من المادة هى الّتي تكون حاصلة في عروق الأرض لا ما يجرى من فوق الأرض و يجتمع تحت الأرض ثم يخرج بعلاج كالمثال الذي ذكره فنقول انه ليس كلامه بكلّيته تماما بل الحق كفاية ذلك إذا صدق عليه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 288

المادة عرفا في طروّ الحكم له فيكون الحكم دائرا مدار الصدق العرفي و لا اشكال في ان العرف يحكم في بعض صغرياته بان له المادّة و ان اجتمع الماء من المطر او غيره تحت الأرض.

***

[مسئلة 5: لو انقطع الاتصال بالمادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لو انقطع الاتصال بالمادة كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع كان حكمه حكم الراكد فان ازيل الطين لحقه الحكم الجارى و ان لم يخرج من المادة شي ء فاللازم مجرد الاتصال.

(1)

. أقول: تقدم في المسألة الثالثة ان منشأ عاصميّة الماء الجارى كونه ذا المادة فمع اتصاله بها محكوما بهذا الحكم و الا فلا.

***

[مسئلة 6: الراكد المتصل بالجارى كالجارى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الراكد المتصل بالجارى كالجارى فالحوض المتصل بالنهر بساقية يحلقه حكمه و كذا أطراف النهر و ان كان مائها واقفا.

(2)

أقول: لان الماء الذي له المادة لا ينجس بملاقات النجاسة و الماء المتصل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 289

بالنهر او ما اجتمع في اطراف النهر باعتبار اتصاله بالنهر ماء واحد له المادة على الفرض فيترتب الحكم على جميع ابعاضه.

***

[مسئلة 7: العيون التي تنبع في الشّتاء مثلا و تنقطع في الصيف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: العيون التي تنبع في الشّتاء مثلا و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها.

(1)

. أقول: لان في زمان نبعها يكون له المادة فيترتب عليها الحكم المترتب على كل ما له المادة.

***

[مسئلة 8: إذا تغير بعض الجارى دون بعضه الآخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا تغير بعض الجارى دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقات و ان كان قليلا و الطرف الآخر حكمه حكم الراكد ان تغيّر تمام قطر ذلك البعض المتغيّر و الا فالمتنجس هو المقدار المتغيّر فقط لاتصال ما عداه بالمادة.

(2)

أقول: اما عدم نجاسة البعض المتصل بالمادة بالملاقات فيما كان المتغيّر بعضه الآخر واضح لاتصاله بالمادة فلا ينجس بملاقات النجاسة و ان كان قليلا لعدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 290

اعتبار الكثر في الحكم كما مرّ.

و اما البعض الآخر المتغيّر فان كان تمام قطره متغيّرا فينفعل بملاقات النجاسة.

اما ان كان بعضه غير متغيّر و متصل بالمادة فهو لا ينفعل لاتصاله بالمادة.

و اما البعض الآخر الغير المتغيّر الغير المتصل بالمادة لكون المتغير متغيرا بتمام قطره بحيث صار فاصلا بين المادة و هذا البعض الغير المتغير فيكون حكم هذا البعض حكم الماء الراكد فان كان كثيرا لا يفعل بملاقات النجس و ان كان قليلا بينفعل بملاقاته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 291

فصل: فى الماء الراكد: الكر و القليل
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 293

قوله رحمه اللّه

فصل فى الماء الراكد: الكر و القليل الراكد بلا مادة ان كان دون الكر ينجس بالملاقات من غير فرق بين النجاسات حتى برأس ابرة من الدم الذي لا يدركه الطرف سواء كان مجتمعا او متفرقا مع اتصالها بالسواقى فلو كان هناك حفر متعددة فيها الماء و اتّصلت بالسواقى و لم يكن المجموع كرا إذا لاقى النجس واحدة منها تنجس الجميع و ان كان بقدر الكر لا ينجس و ان كان متفرقا على الوجه المذكور فلو كان ما في كل حفرة دون الكرّ و

كان الجمع كرّا و لاقى واحدة منها النجس لم تنجس لاتصالها بالبقية.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: ان الراكد بلا مادة إذا كان دون الكر ينجس بملاقات النجاسة

و ان كان كرا لا ينجس بملاقاتها فنقول بعونه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 294

ان للعامّة في الماء المحقون اعنى الراكد اقوالا فقال منهم بطهارته مطلقا. سواء كان كثيرا او قليلا و هذا احد اقوال المالك و به قال اهل الظاهر.

و قال بعضهم بالفرق بين القليل و الكثير مع اختلافهم في تحديد القليل و الكثير و منهم من قال بالفرق و ان النجاسة تفسد القليل و لم يحدّ له حدّا.

و اما عندنا فالظاهر المتسالم عليه هو التفصيل بين الكر و غيره.

فان لم يبلغ الماء حد الكر ينجس بملاقات النجاسة و ان بلغ حد الكر لا ينجسه شي ء الا إذا تغيّر و لم ينقل من القدماء مخالف لذلك الا عن ابن ابي عقيل هذا حال المسألة من حيث الفتوى، و اما من حيث النص فيدل عليه روايات كثيرة حتى قيل تبلغ المئات فارجع الابواب المربوطة بالمقام فى الكتب الاربعة و الوسائل و جامع احاديث الشيعة و هو الكتاب الذي ألّف بامر زعيم الشيعة سيدنا الاعظم فقيد الاسلام آيت اللّه المعظم البروجردي اعلى اللّه مقامه الشريف و تحت نظره و مراقبته و مواظبته ارجو من اللّه تعالى ان يصير تمام مجلداته مطبوعا و مورد استفادة حملة العلم و كذا ساير ما ألّف و صنف في العلوم المختلفة الاسلامية و على كل حال جزاه اللّه خير الجزاء اذ أقام في زمن رئاسته على بسط الاسلام و معارفه و تشييد الدين و قطع دابر المخالفين.

نذكر بعض الروايات تيمنا و لا حاجة الى ذكر كلها.

الاولى: ما يدل على ان الماء

إذا بلغ قدر كرّ لم ينجسه شي ء و مفهومه تنجسه إذا لم يبلغ حد الكرية و هي روايات نذكر واحدة منها و هي ما رواها محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و سئل عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجّسه شي ء «1» و كما قلنا غيرها بذا المضمون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 295

المذكور في بابها و مفهومها تنجس الماء بملاقات النجس إذا لم يبلغ حد الكر.

و هذا المفهوم و ان فرض كونه موجبة جزئيّة.

لكن بعد دلالة بعض الآخر من الاخبار على نجاسة الماء القليل مطلقا بملاقات النجاسة فلنا به غنى و كفاية.

الثانية: ما رواها احمد بن محمد ابن ابي نصر. قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل يده في الاناء و هى قذرة قال يكفى الاناء «1» قال فى القاموس كفأه كمنعه كبّه و قلّبه فأكفاه اقول المراد اراقة مائه و هو كناية عن التنجيس.

و هذه الرواية مطلق من حيث النجس لان القذر المذكور فيها مطلق يشمل كل نجاسة و المورد و ان كان الاناء لكن لا خصوصية له يوجب اختصاص الحكم به مسلما.

الثالثة: ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الدجاجة و الحمامة و اشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء «2».

و النهى و ان كان عن الوضوء من الماء الملاقى للعذرة الا إذا كان كرّا لكن

بعد مفروغيّة عدم كون المنشأ للنهى عن التوضى منه الا النجاسة فتكون الرواية دليلا علي التفصيل بين الكر و ما دونه من حيث ملاقات النجاسة. و اما بعض الروايات المتوهم دلالته على عدم نجاسة القليل بملاقات النجس.

فلو تمّ دلالته لا يمكن الاخذ بد لعدم مقتضى الحجية فيه لا عراض

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 296

الاصحاب عنه.

مضافا الى كون بعضها او كلها قابل التوجيه بنحو لا ينافي المذهب المختار.

مثل ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس «1» لانه من المحتمل كون السؤال من حيث كونه شاكا في ان الحبل هل يدخل في الماء حتى ينجس الدلو او البئر على القول بنجاسة ماء البئر بملاقات النجس فقال لا بأس يعني مجرد جعل الحبل من شعر الخنزير لا يلازم نجاسة الماء لانه ربما لا يصل الحبل بماء الدلو او ماء البئر.

نعم لو كان السّؤال عن جواز الوضوء و عدمه من باب ان الحبل المصنوع من شعر الخنزير وقع في الماء و لاقى ماء الدلو فهل ينجس ماء الدلو بسببه أم لا.

فقال عليه السّلام لا بأس تكون الرواية دليلا على عدم نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة.

لكن كون السؤال و الجواب من هذا الحيث غير معلوم و ربما كان السؤال عن الجهة التي قلنا.

و في بعضها القرينة على انه صدر على وجه التقية.

مثل ما رواها محمد بن ميسّر قال سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الجنب ينتهى الى الماء القليل في الطريق و يريد ان يغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه فذرتان قال يضع يده «و خ ل» ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال اللّه عزّ و جلّ:

مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» وجه صدرها تقية هو ان الأمر بالوضوء مع مع غسل الجنابة لا يوافق مذهبنا بل على وفق مذهب المخالفين.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 297

مضافا الى ان القليل ليس له اصطلاح في الاقل من الكر. فربما يكون المراد ان الماء يكون بالنسبة الى بعض المياه الواقع في الغدران قليلا و ان كان هذا القليل يبلغ حد الكرية.

و مضافا الى انه يمكن ان يقال كما يأتي بنظرى القاصر و ان لم أر من يقوله في الحديث هو انه بعد كون الوارد في الروايات في مورد هذا الحديث و هو الماء القليل بناء على كون المراد من القليل في الحديث ما دون الكر روايات أمر فيها باهراق الماء مع وقوع يده القذرة بالجنابة او غيرها ان كان الماء قليلا كالخبر 4 و 10 و 11 من الباب المذكور فيه هذه الرواية اى رواية محمد بن ميسّر و غير هذا الباب فلا يمكن الأخذ بهذا الحديث بل لا بدّ من طرحها و الاخذ بما يقابلها من الروايات.

بيانه ان مفاد رواية محمد بن ميسّر جواز الاغتسال و التوضى بالماء القليل مع وقوع النجاسة فيه معلّلا بقوله تعالى «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ

حَرَجٍ» و مفاد الأخبار المعارضة لها عدم جواز التوضى و الغسل و الأمر باهراق الماء القليل مع وقوع النجاسة فيه ففى مقام التعارض ان امكن الجمع الدلالى نقول به و الّا لا بدّ من الأخذ بما فيه المرجح و مع عدمه التساقط او التخير او التوقف عل الكلام فيه.

و في المورد لا يمكن الجمع الدلالى بحمل الأمر بالاهراق في الروايات على الاستحباب و النهى عن الوضوء و الغسل به على الكراهة بقرينة خبر محمد بن الميسّر لان هذا الجمع لا يساعد مع العلّة المذكورة في هذا الخبر من قوله عليه السّلام «هذا مما قال اللّه عزّ و جلّ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» لانه بعد كونه خلاف ذلك اعنى ترك استعمال هذا الماء الملاقى للجنس حرجيّا كما في هذا الخبر فكيف يمكن ان يقال باستحباب ترك استعماله لعدم استحباب الفعل الحرجى.

و بعد عدم امكان الجمع الدلالى و وصول النوبة بالتعارض في السنّة. فلا بدّ من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 298

الاخذ بما يعارض ذا الخبر لان اوّل المرجّحات هو الشهرة و الشهرة المرجحة سواء كانت الشهرة في الرواية كما هو قول جمع او كانت الشهرة في الفتوى كما هو مختار سيدنا الأعظم آيت اللّه البروجردي رحمه اللّه على طبقه لان معارض هذا الخبر اشهر رواية و اشهر فتوى.

و مثل ما رواها «1» زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال قلت له رواية من ماء سقطت فيها فأرة او جرذ او صعوة ميتة. قال: إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبّها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة إذا خرجتها

طرية و كذلك الجرة و حبّ الماء و القربة و اشباه ذلك من اوعية الماء و قال و قال ابو جعفر عليه السّلام: إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجّسه شي ء تفسخ فيه او لم يتفسّخ فيه الا ان يجي ء له ريح تغلب على ريح الماء «2» و هي على ما يأتي بالنظر ليست دليلا على عدم نجاسة الماء القليل بالنجاسة. لان صدرها اما تعرض لصورة ملاقات النجاسة و لو لم يوجب تغير الماء فهو مطلق يشمل القليل و الكثير.

بل بقرينة قوله عليه السّلام و كذلك الجرة و حب الماء و القربة يمكن ان يقال بان الموارد هو الكثير لان الحب «3» غالبا يكون ازيد من الكر فعلى هذا تكون الرواية من المطلقات الدالة على عدم نجاسة الماء بملاقات النجاسة و لا بدّ من تقييدها بما دل على التفصيل بين الكر و ما دونه هذا إذا قلنا بإطلاق الصدر.

و ان قلنا بان موردها بقرينة ذكر الحب هو خصوص الكثير فتدل الرواية على عدم نجاسة الكثير بملاقات النجاسة و هو المطلوب.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) راجع باب 10 من ابواب الماء المطلق حديث 7 و ما رواه الشيخ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 299

و لكن على الاحتمال المذكور من كون صدرها متعرضا لصورة ملاقات الماء مع النجس لا تغيره به فيوهن الرواية تفصيلها بين التفسخ و عدمه لانه مع عدم التغير لا فرق عند كل من يقول بنجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة و عند من يقول بعدمه بين التفسخ و عدمه.

و اما تعرض صدر

الرواية للتفصيل بين صورة تغير الماء بملاقات النجاسة و عدمه فنقول بالنجاسة في الاول و عدمه في الثاني فهي غير مربوطة بالمقام اصلا لانها على هذا من الروايات الدالة على نجاسة الماء بالتغير بسبب النجاسة.

و لا يبعد كون هذا الاحتمال اقوى من الاول.

و ما قيل من انه عليه السّلام بيّن حكم التغير في ذيل الرواية فصدرها متعرض لحكم آخر.

يمكن ان يقال جوابه بان هذا مبنى على كون قول زرارة «و قال ابو جعفر عليه السّلام» من جزء الرواية و ذيلها حتى تكون الفقرة الاولى صدرها و هذه الفقرة ذيلها لكن من المحتمل كون هذه الفقرة رواية اخرى نقل زرارة او بعض الناقلين عنه بعد الرواية الاولى كما يرى كثيرا هذا في الروايات فعلى هذا بيّن التفصيل بين صورة التغير بالنجاسة و عدمه من حيث الحكم في كل من الروايتين مطلقا و مثل ما رواها ابو مريم الانصارى قال كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركىّ له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة فاكفى راسه و توضأ بالباقى «1» و فيه.

أولا كما قال بعض الفقهاء رحمه اللّه لا يمكن ان ينسب هذا العمل بالامام عليه السّلام و ان كان النجس لا ينجس القليل لانه مع وجود قذارة هذا الماء لا يتوضأ منه الامام عليه السّلام

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 300

فان صدر فرضا هذا الفعل لا بدّ من توجيهه من حمل العذرة على عذرة الماكول او كون الدلو كرا او غير ذلك. و ثانيا ورد في مورد الحديث روايات و قد

امر فيها باهراق الماء و التيمم فارجع الباب المذكور فيه هذه الرواية.

و لا مجال لان يقال بالجمع بينهما بحمل ما دل على الأمر باهراق الماء و التيمم مع ملاقات الماء للنجاسة على الاستحباب بقرينة الجواز المستفاد من هذه الرواية لان لازم ذلك استحباب الطهارة الترابية مع التمكن مع الطهار المائيّة على الفرض و هذا مما لا يمكن الالتزام به و هذا وجه خطر ببالى القاصر.

ثم ما ذكرنا من الروايات و امثالها أولا يكون قابلا للتوجيه بنحو لا ينافي القول المعروف المفصل بين الكر و اقل منه من الماء الراكد.

و ثانيا لو تمت دلالتها لا يمكن العمل عليها لا عراض الاصحاب عنها فالحق هو ان الماء الراكد الغير البالغ حد الكريّة ينجس بملاقات النجاسة بخلاف الكر منه.

الجهة الثانية: لا فرق في نجاسة القليل بملاقات النجاسة بين انواع النجاسات

و مقدارها حتى الدم الذي لا يدركه الطرف اما عدم الفرق بين انواع النجاسات فلانه و ان كان في بعض ما بايدينا من الاخبار في الباب لا تعرض فيه الا لبعض انواع النجاسات كالمنى و الدم.

لكن في بعضها التعبير بالقذر و هو يعمّ كل نجس و اما ما في بعض الاخبار الدال بمنطوقه على عدم نجاسة الكر بملاقات النجس و انه لا ينجّسه شي ء و بالمفهوم على ان ما دون الكر ينجّسه شي ء و هذا المفهوم تكون موجبة جزئية فلا يستفاد منه نجاسة القليل بكل نجس نعم نعلم بعدم خصوصية لبعض النجاسات المتعرّضة له في روايات الباب فيعمّ الحكم لكل نجس مع تسالم ذلك بين الاصحاب. و اما بحسب المقدار فلا خلاف في تنجس القليل بكل نجس بكل مقدار كان و لو لم يدركه الطرف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 301

خلافا للشيخ رحمه اللّه في خصوص

الدم الذي لا يدركه الطرف من عدم نجاسته به و منشأ التوهم.

ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال، سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فاصاب إناءه هل يصلح له الوضوء منه فقال ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بيّنا فلا تتوضأ منه الخ «1» بتوهم دلالة قوله عليه السّلام ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس على انّه ان كان الدم لا يستبين اى لا يدركه الطرف فلا بأس به و لا ينجس الماء بملاقات هذا الدم.

و الحال انه من الواضح كون المراد من هذه الفقرة بيان عدم الباس في صورة الشك في وقوع الدم في الماء فمعنى قوله عليه السّلام: ان لم يكن شيئا يستبين هو انه لو لم يكن شي ء من الدم بيّنا في الماء و يكون المحتمل فقط وقوع الدم فيه لا متيقنا فلا بأس بذلك.

ان قلت بعد كون مفروض الرواية ملاقات الدم و اصابته الاناء فلا شك في البين حتى يكون قوله عليه السّلام «ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس» متعرضا لصورة الشك في الاصابة.

قلت ان اصابة الاناء المفروض في صدر الحديث لا يلازم اصابة الماء فمع اصابة الدم الاناء.

تارة يعلم باصابة الماء.

و تارة يشك في ذلك من باب عدم استبانة الدم في الماء فلا بأس في هذه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 302

الصورة للشك في نجاسة الماء.

الجهة الثالثة: هل يعتبر في الكر الذي لا ينجس بملاقات النجاسة كون الماء الواحد مجتمعا في محل واحد،

او لا يعتبر ذلك.

فلو كان متفرقا لكن يكون بين هذه المتفرقات اتصال بالسواقى تبلغ هذه

المتفرقات حدّ الكرية يكون عاصما و لا ينجس بملاقات النجاسة أوّلا.

أقول بعونه تعالى بانه بعد كون الميزان في الكريّة كون الماء الواحد كرا فلو كان الماء في محال متعددة و لكن كل واحد منها متصل بالآخر بالسواقى فيعد هذا ماء واحدا باعتبار اتصال بعضها ببعض و على الفرض يكون مجموع هذه المياه كرا فيلحق حكم الكرّ. هذا كله اذا كان سطوح هذه المياه المتفرقة المتحدة بسبب السواقى مساوية و اما مع اختلاف سطوحها فياتى حكمه إن شاء اللّه فى طى المسألة الخامسة.

***

[مسئلة 1: لا فرق في تنجس القليل بين ان يكون واردا على النجاسة او مورودا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا فرق في تنجس القليل بين ان يكون واردا على النجاسة او مورودا.

(1)

اقول على المشهور بل لم ينقل الخلاف الا عن السّيد «ره» فى الناصريات، حيث اختار عدم نجاسة الماء الوارد على النجاسة و قال فى وجهه «انا لو حكمنا بنجاسة الماء) القليل الوارد على النجاسة لّادّى ذلك الى ان الثوب لا يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه و ذلك يشقّ فدلّ على ان الماء اذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و الكثرة كما يعتبر فيما يرد النجاسة عليه» و تبعه الحلّى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 303

قدّس سرّه فى السّرائر.

اقول الحق عدم فرق بين كون الماء واردا او مورودا فى تنجسه بملاقات النجاسة.

و الاشكال فى ذلك تارة يكون فى امكانه كما ان الظاهر من السيّد «ره» هو الاشكال من هذا الحيث لانه يقول كيف يعقل ان يصير الماء القليل الوارد على النجاسة نجسا بملاقاتها و مع ذلك يكون مطهّرا لملاقيه.

فلا بد اما من الالتزام بعدم صيرورة الماء القليل الوارد على النجاسة نجسا و امّا من الالتزام بعدم مطهريته.

فان كان

الاشكال من هذا الحيث فيأتى الكلام فيه فى محله إن شاء اللّه من عدم التنافى بين صيرورة الماء نجسا حال وقوع التطهيرية بملاقات النجاسة و مع هذا يطهّر ما يصيبه لان الماء باصابته المحل النجس يذهب اثر النجاسة و القذارة الواقعة فى المحل بعد الذهاب عينها.

فمع الالتزام بنجاسة الماء الوارد على النجاسة بملاقاتها يمكن الالتزام بصيرورة المحل النجس طاهرا بالماء.

و اما ان كان الاشكال من حيث دعوى عدم وجود دليل على نجاسة الماء اذا كان واردا على النجس بتوهم ان مورد اخبار الباب تكون صورة ورود النجس على الماء لا العكس. فنقول مضافا الى ان بعض الأخبار يدل على نجاسة الماء فيما كان واردا على النجس مثل ما روى في وسائل الشيعة. بنقل الصدوق في العلل عن ابيه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن يونس بن عبد الرحمن عن رجل عن الغير او عن الاحوال انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام «في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 304

حديث» الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الّذي استنجى به فقال لا بأس.

فسكت فقال او تدرى لم صار لا بأس به قلت لا و اللّه فقال ان الماء أكثر من القذر «1» فان فيه علل عدم الباس بكون الماء أكثر من القذر لا كون الماء واردا على النجس فان كان منشأ عدم نجاسة ماء الاستنجاء ورود الماء على المحل كان المناسب تعليل الامام عليه السّلام عدم الباس بذلك.

و الرواية الّتي رواها عمر بن حنظلة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عادية

و يذهب سكره فقال لا و اللّه و لا قطرة قطرت في حبّ الا اهريق ذلك الحبّ «2» فان المستفاد منها هو فساد حب الماء بقطرة من الخمر فان كان حكم الماء الوارد على الخمر مخالفا لحكم الماء المورود كان اللازم عليه عليه السّلام بيانه فمن عدم بيانه نكشف عدم الفرق في فساد الماء بالخمر بين كون الماء واردا عليه او مورودا.

نقول بان مورد جلّ الاخبار المربوطة بالباب و ان كانت صورة ورود النجس على الماء.

لكن بعد كون المرتكز عند العرف كون سبب نجاسة الماء ملاقاته مع النجس و كون القذارات الحكمية عندهم كالقذارات العينية من حيث انّ اصابة القذارات بالماء باى نحو كان يوجب حدوث القذارة في الماء سواء كان النجس واردا على الماء او الماء واردا عليه و هذا الارتكاز مما لا ينكر سواء كان منشأه نظرهم العرفي او من باب اخذهم من الشرع يدا بيد فيحكم بعدم الفرق بين الوارد و المورد قطعا.

و الظاهران من تمسك لعدم الفرق بمفهوم بعض الروايات الدالة على ان الماء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب الأشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 305

إذا بلغ قدر كر لم ينجّسه شي ء غرضه هو ان مفهومه و ان كان الموجبة الجزئية لا يضر بالاستدلال بالنسبة الى ان المستفاد من المفهوم هو موجبيّة قلة الماء لصيرورته نجسا بملاقات النجاسة في الجملة فبعض افراد الماء القليل ينجس بملاقات النجاسة قطعا فيقال بانه بالنسبة الى هذا البعض لا فرق بين كونه واردا على النجس و بين عكسه لان الاطلاق الاحوالى التابع للفرد يقتضي شمول

الحكم الثابت للفرد لجميع احواله من حالتى الورود و عكسه فمن الروايات و ان كان مفهومها الموجبة الجزئية يستفاد عدم الفرق في نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة بين كون الماء واردا او مورودا كما قلنا.

***

[مسئلة 2: الكر بحسب الوزن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الكر بحسب الوزن الف و ماتا رطل بالعراقى و بالمساحة ثلاثة و اربعون شبرا الّا ثمن شبر فبالمنّ الشاهى و هو الف و مائتان و ثمانون مثقالا يصير أربعة و ستين منّا الّا عشرين مثقالا.

(1)

أقول: قد حدد الكر بتحديدين تحديد بالارطال و تحديد بالمساحة و بعبارة اخرى بالاشبار فيقع الكلام في مقامين:

المقام الاول: في التحديد بالارطال
اشارة

نذكر إن شاء اللّه.

الروايات المربوطة به و ما ينبغى ان يقال.

الاولى: ما رواها ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 306

الكر من الماء الذي لا ينجّسه شي ء الف و مأتا رطل «1» تدل على ان الكر الف و ماتا رطل.

الثانية: ما رواها ابن ابي عمير قال روى لى عن عبد اللّه بن المغيرة يرفعه الى ابي عبد اللّه عليه السّلام، ان الكرّ ستّمائة رطل «2» تدل على ان الكر ستّ مائة رطل.

الثالثة: ما رواها محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال و الكر ستّمائة رطل «3».

ثم أعلم ان ما استقر تقريبا عليه الفتوى عند الاماميّة هو كون الكر الف و ماتا رطل بالرطل العراقي.

الّذي هو نصف الرطل المكّى و ثلثا الرطل المدنى فلو حمل الرطل في الرواية الاولى على العراقى تكون الرواية موافقة للمشهور.

على كل حال المشهور بل ما ادعى عليه الاجماع هو كون الكر الف و ماتا رطل بالعراقي.

و اما الروايات، فليست متعرضة لنوع الرطل من العراقى و المكّي و المدني و ظاهر الرواية الثانية و الثالثة معارضتهما مع الرواية الاولى لان الكر على الاولى الف و ماتا رطل و على الثانية و الثالثة ستّ مائة رطل.

و في

مقام رفع تعارضهما قد يقال بان راوى الاولى حيث يكون ابن ابي عمير و هو كوفي و مشايخه أيضا كوفيون و هذه مرسلة أيضا رواها عن احد مشايخه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 307

الكوفيّين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و الرطل المتعارف في الكوفة و نواحى العراق الرطل العراقي فأراد عليه السّلام من الرطل، العراقى لان مع هذا التعارف من اطلاق الرطل في كلامه لا ينتقل الراوى الّا بالرطل العراقي فلو اراد غير العراقي كان عليه البيان فمن اطلاقه و تركه ذكر رطل خاص نحكم بان مراده عليه السّلام من الرطل العراقي و الّا لا خلّ بغرضه و حيث ان الرطل المكّى أيضا كان متعارفا في المدينة بل قيل بان المتعارف فيها كل من العراقي و المكى أيضا.

يحمل الرواية الثانية اى مرسلة الاخرى على الرطل المكى لان الرطل المكى يكون ضعف العراقي فبذلك يجمع بين الخبرين و يرتفع التنافي و يمكن حمل الرواية الثالثة على المكى أيضا مثل الثانية فيقال ان المراد من الكر، في الاولى و هو الف و ماتا رطل يكون العراقى و في الثانية و الثالثة اللتين فيهما قال الكرّ ستّمائة رطل اراد الرطل المكى فتكون النتيجة على طبق ما ذهب إليه مشهور اصحابنا قدس سرهم.

ان قلت ان محمّد بن مسلم رحمه اللّه كوفي أيضا فان صح ما قلت يوجب كون الكرّ ستّمائة رطل بالعراقي بدعوى الاطلاق الذي ادّعيته. قلت مضافا الى ما قيل

من كون محمد بن مسلم من اهل الطائف و حوالى المكّة و الرطل المتعارف الرطل المكى و اطلاق كلامه عليه السّلام في حديثه يحمل على المكي.

بانه لو تسلّمت حمل الرطل في روايته على المكى فهو و الا لو حمل الرطل في روايته على المدنى او العراقى فنقول انه لا يمكن الاخذ بمضمون روايته لا عراض الاصحاب عنها لان جلّ الاصحاب قائلون يكون الكر الف و مأتا رطل بالعراقي.

الحاصل انه لو عرض على العرف هذه الروايات يجمع بينهما بما قلنا لانّه بعد كون الرطل خارجا بحسب المتعارف الرطل العراقى و المكّى حتى على ما قيل فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 308

المدينة و يمكن حمل كل طائفة على احدهما يحمل عليه و هذا مثل ان المولى إذا قال في هذا الزمان مرة اعط زيدا منّا من الخبز و قال في كلام آخر اعط زيدا منّين من الخبز و نعلم انّه لم يرد في كلاميه الّا شيئا واحدا و نرى في الخارج انّ المن الشاهى يساوى منين من التبريزي يفهم العبد أنّ مراده في كلامه الاول المنّ الشاهى و في كلامه الثاني. المنّ التبريزي كذلك في المقام خصوصا مع كون المرسل في الرواية الاولى و الثانية هو ابن ابى عمير و لا يمكن حمل احداهما على الرطل المدنى لعدم امكان التوفيق بنيهما على هذا. و قال سيدنا الاعظم اعلى اللّه مقامه في مقام الجمع بانه لا يلزم في مقام حمل الرواية على الرطل العراقى تكلف دعوى كون مشايخ ابن ابي عمير كوفيّا بلى يكفى كون نفسه كوفيّا في حمل الرطل المطلق الّذي رواها على العراقى لان ابن ابي عمير فهم من الرطل العراقى

و رواه و الا ان كان في نظره انه عليه السّلام اراد من الرطل غير العراقي كان عليه البيان و الا لا خلّ بالحكمة.

أقول هذا مبنى على كون نقل ابن ابي عمير على سبيل الفتوى المنقول عن الامام عليه السّلام.

و اما لو كان في مقام مجرد نقل ما سمعه منه عليه السّلام بالواسطة فلا يتم ما افاده رحمه اللّه لانه يكون في مقام نقل ما سمعه فهو نقل تمام ما سمعه و لا يلزم عليه بيان المراد مما سمعه.

و على كل حال بعد الشهرة المحققة بل الاجماع المدعى لا يبقى اشكال في كون الكر بحسب الوزن الف و مأتا رطل بالعراقي و يؤيّد كون المراد بالرطل العراقي منه كما عليه المشهور هو انه ان كان المراد منه المدني او المكى في الرواية الاولى يلزم كون الكر بحسب الوزن ازيد من الكر بحسب الاشبار بكثير و الحال ان الظاهر كون الكر بحسب الوزن اقل و انقص من الكر بحسب المساحة و جعل المساحة أمارة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 309

الوزن كما يأتي إن شاء اللّه لصعوبة التوزين و لهذا اعتبر الشارع مساحة يكون الماء مع بلوغه بهذه المساحة كرا واقعا.

المقام الثانى: في التحديد بالمساحة

نذكر الروايات المربوطة بالمقام ثم ما ينبغي ان يقال إن شاء اللّه.

الاولى: ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن أيوب بن نوح عن صفوان عن اسماعيل بن جابر قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام، الماء الّذي لا ينجّسه شي ء قال ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعة «سعته» في ل. «1» و لاسماعيل بن جابر رواية اخرى رواها ابن سنان عنه و هي الرواية

الثانية نذكرها لك.

الثانية: ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن البرقى عن ابن سنان عن اسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال كر، قلت و ما الكر قال ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار «2» ثم ان ابن سنان الراوى عن اسماعيل بن جابر في الرواية على ما افاده سيدنا الاعظم رحمه اللّه بحسب طبقاته الّتي رتّبها فى الرجال يكون محمد بن سنان بلا اشكال لان ابن سنان الّذي يمكن ان يروى عنه البرقى هو محمد بن سنان الذي هو مورد الكلام بين ارباب الرجال و ليس هو عبد اللّه بن سنان المعروف الذي يروى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و يكون احدا من اصحابه.

فالشيخ رحمه اللّه و ان ذكر في موضع ابن سنان عن اسماعيل بن جابر و في موضع محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر و في موضع عبد الله بن سنان عن اسماعيل بن جابر لكن لا يكون قوله عبد اللّه بن سنان عن اسماعيل بن جابر بصحيح. بل كما قلنا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 310

ابن سان الذي يروى عنه البرقي هو محمد بن سنان.

ثم ان الراوى عن الامام عليه السّلام في كلتا الروايتين هو اسماعيل بن جابر غاية الأمر الراوى عنه في الرواية الاولى يكون صفوان و في الثانية يكون محمد بن سنان و روايتاه متعارضتان لان مفادهما بعد حملهما على تحديد الكر» يقتضي كون

ميزان الكر أكثر من ما يقتضي الثانية لان الاولى تدل على ان الكر ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته و حيث انه تكون السعة شاملة لكل من العرض و الطول يكون مفادها ذراعان من حيث العمق في زراع و شبر في العرض في ذراع و شبر في الطول «و المراد من كل ذراع شبران». فمساحة الكر على هذا ازيد من المساحة المذكورة في الرواية الثانية تقريبا بتسعة اذرع لان الثانية تدل على ان الكر ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار و بعد حمل قوله في ثلاثة اشبار» على كل من العرض و الطول تكون النتيجة ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار عرضا في ثلاثة اشبار طولا و حاصل ضرب كل منها في الاخرى سبع و عشرين شبرا و هذا المقدار انقص من المقدار المذكور في الرواية الاولى فيقع التعارض بينهما و يأتى تمام الكلام في هذه الجهة إن شاء اللّه.

الثانية: ما رواها الصدوق مرسلا في المجالس قال روى ان الكرّ هو ما يكون ثلاثة اشبار طولا في ثلاثة اشبار عرضا في ثلاثة اشبار عمقا «1» و لا يبعد كونها الرواية الثانية نقلها الصدوق رحمه اللّه مرسلا هكذا.

الرابعة: أيضا مرسلة الصدوق رحمه اللّه ذكرها في المقنع قال روى ان الكر ذراعان و شبر في ذراعين و شبر «2».

الخامسة: ما رواها ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكر من الماء كم يكون قدره، قال إذا كان الماء ثلاثة اشبار و نصف في مثله ثلاثة اشبار و نصف في عمقه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 311

في الارض فذلك الكر من الماء «1» تدل على ان الكر من الماء هو ان يكون مقداره ثلاثة اشبار و نصف عرضها في ثلاثة اشبار و نصف طولا «لدلالة قوله عليه السّلام ثلاثة اشبار و نصف في مثله على ذلك» في ثلاثة اشبار و نصف عمقا فيكون حاصل المجموع ثلاث و اربعون شبرا الّا ثمن شبر.

السادسة: ما رواها الحسن بن صالح «2» الثورى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا كان الماء في الركى كرا لم ينجسه شي ء قلت و كم الكر قال ثلاثة اشبار و نصف طولها في ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها «هذا بنقل الكافي» تدل على هذا النقل على ان الكر ثلاثة اشبار و نصف طولها في ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها و اما بنقل يب و هو هكذا «ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها» تدل أيضا على ذلك لان المراد من العرض هو السعة و السعة تشمل كلا من العرض و الطول فيكون مفاد هذه الرواية مطابقا مع الخامسة.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى اما الرواية الثالثة و الرابعة و هما مرسلتا الصدوق رحمه اللّه.

فالاولى منهما متحدة مفادا مع الرواية الثانية.

بل لا يبعد كونها هي و ارسلها الصدوق رحمه اللّه.

و اما الثانية منهما فظاهرها ما لا يمكن الاخذ به لان قوله فيها الكر ذراعان و شبر في ذراعين و شبر يكون خمسة اشبار في خمسة اشبار لا يساعد مع احد من الروايات.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الحسن بن صالح بن

حي و هو من الزيدية رواية 8 من باب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 312

نعم يحتمل كون الذراعين اشتباه من الصدوق رحمه اللّه او من بعض النّساخ فتكون مفادا كالثانية من الروايات تقريبا و على كل حال لكونهما مرسلة لا يمكن التعويل عليهما.

و اما الاولى و الثانية من الروايات المذكورة كما رايت يكون الراوى فيهما عن الامام عليه السّلام اسماعيل بن جابر و المروى عنه أيضا واحد و هو ابو عبد اللّه عليه السّلام فيكون.

اشكال فيهما من حيث تعارض كل منهما مع الآخر.

و اشكال من حيث تعارضهما مع الرواية الخامسة و السادسة. اما الكلام في تعارض كل منها مع الآخر فنقول بانه بعد ما عرفت من ان الراوى في إحداهما، يكون صفوان يروى عن اسماعيل. و جلالة صفوان معلوم.

و في الاخرى يكون محمد بن سنان المجهول حاله، يروى عن إسماعيل فالامر يدور بين امرين.

اما كون الخيرين خبرا واحدا بمعنى ان إسماعيل بن جابر سئل مرة واحدة حد الكر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و اجابه فروى كلامه الواحد مرة صفوان عن اسماعيل و مرة محمد بن سنان باختلاف في النقل و ليس الخبران الا خبرا واحدا فعلى هذا الاحتمال لا ندري بان الصادر عن الإمام عليه السّلام اىّ من النقلين فلا يمكن التعويل على واحد من الخبرين فيسقطان عن الحجية.

و أما كونهما خبرين و لا مانع من ان إسماعيل بن جابر سئل عن هذا الحكم مرتين فيكونان خبرين معارضين و حيث انه لا يمكن الجمع بينها لا بد من الاخذ بما فيه من المرجّح و الترجيح مع الاولى من الروايتين لان صفوان من الاجلاء.

و

محمد بن سنان مجهول الحال فادلّة حجّية خبر الواحد تشمل الاولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 313

لا الثانية.

بل يمكن ان يقال بانه لو لا معارضة الرواية الاولى مع الثانية لا يمكن الاخذ بالثانية لعدم مقتضى الحجية فيها لانه مع كون محمد بن سنان مجهول الحال فليست روايته حجة لان الميزان في الحجية الاطمينان بالصدور و مع جهل حاله لا يحصل الاطمينان بصدورها لضعف السند و عدم وجود جابر له هذا كله بالنسبة الى التعارض بين نفس الروايتين.

و اما الكلام في تعارضهما مع الراية الخامسة و السادسة فنقول بناء على كونهما روايتين و تعارضهما و كون الترجيح مع الرواية الاولى منهما اعنى ما رواه صفوان عن اسماعيل فما تعارض الخامسة و السادسة هو هذه الرواية لان الثانية منهما و هي ما رواها محمد بن سنان عن اسماعيل كما عرفت سقطت عن الحجيّة فبناء على هذا نقول قد يخطر بالبال امكان رفع التعارض من البين بنحو لم أر في كلماتهم الجمع بهذا النحو.

و هو ان يقال ان في مسئلة الكر اشكالا من حيث الاختلاف في قدر الكر بحسب الارطال مع التحديد بحسب الاشبار.

اما الإشكال فهو انّه مع ما يرى من اختلاف التحديدين خارجا فان الماء البالغ بحسب الوزن الف و ماتا رطل بالارطال العراقي لا تكون مساحته بالغا حد الكر بحسب الاشبار اعنى بأربعين و ثلاثة ارطال الا ثمن الشبر فكيف التوفيق بينهما مع ان الظاهر كون كل من الحدين بالارطال و الاشبار حدا حقيقيا و هذا اختلاف لا يناسب مع كونهما الحد الحقيقي. فان قيل ان الحد يكون كلهما فلازمه التخيير بين الاقل و الأكثر. و ان قيل ان الحد هو الاقل

منهما اى التحديد بالارطال فالحد الآخر الزائد عليه و هو التحديد بالاشبار يكون لغوا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 314

و ان قيل ان الحد هو الأكثر منهما فلا معنى لجعل التحديد بالاقل. و في مقام الجواب عن هذا الإشكال يقال ان ما هو الحد للكر واقعا هو ما حدد بالارطال.

و لكن حيث يكون كشف هذا الحد و تشخيصه في الخارج و انطباق الخارج مع الواقع أمرا صعبا غالبا لغالب الناس بل يكون حرجيّا اذ كيف يمكن لغالب الناس في الطريق و الاسفار نصب الميزان و توزين الماء اذا بلغوا ببعض المياه المشكوك كريته لو جعلت الارطال حدا بلا نصب أمارة قائمة عليه يسهل التناول لكان الحكم من لاحكام الصعبة بل الحرجيّة و هو خلاف كون شريعة سمحة سهلة و ما جعل في الدين من حرج.

و لهذا جعل الشارع لهذا الحد الواقعي حدا ظاهريا و هو تحديد الكر بالاشبار فجعل احد الحدين الحد الواقعى و الآخر منهما طريقا و أمارة على الاول و بهذا يرتفع الإشكال.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى انه بعد فرض كون الحد الواقعي حدا واحدا و هو التحديد بالارطال و جعل الاشبار حدا ليس الا من باب كونه طريقا الى الحد الواقعي و معنى ذلك كون الواقع محفوظا فيه بمعنى انه إذا بلغ الماء بالاشبار بالمقدار المذكور يعلم المكلف بانّ الماء بحد الكرية واقعا فنقول بانه لو جعل الشارع للواقع إمارتان و ان كانتا مختلفتين من حيث المقدار لكن الواقع محفوظ في ضمن كل منهما لا بأس بذلك مثلا ان كان الموضوع المحقق للسفر الشرعى الموجب للقصر بعدا خاصا و جعل له طريقان خفاء الجدران و عدم سماع الاذان

فلو فرض تحقق أحدهما في الخارج قبل الآخر لكن يكون البعد الخاص حاصلا على كل حال في كل منها فلا بأس بذلك لان العرض من جعلهما الاعلام بسهولة على البعد الخاص فكذلك فيما نحن فيه فلو قال المعصوم عليه السّلام مثلا في مورد بان الكر ثلاثة اشبار و نصف طولا في ثلاثة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 315

اشبار و نصف عمقا و في مورد آخر قال الكر ذراعان في ذراع و نصف سعة و كان أحدهما اكثر من الآخر بمقدار قليل لم يكن بذلك بأس مع حفظ ما هو الحد واقعا في كل منهما.

و إذا لم يكن اشكال في ما قلنا ثبوتا نقول بانه بعد ورود الدليل على التحديد بالارطال اى بالوزن ورود الدليل على التحديد بالاشبار.

و بعد ما نعلم بان الماء البالغ بحد الكر بحسب الارطال لا يبلغ بحد الكريّة بحسب الاشبار و لذا التزمنا بكون الثاني أمارة على الاول.

و بعد ما نرى انه في رواية صفوان عن إسماعيل جعل حدا من الاشبار أمارة ففي رواية ابي بصير و حسن بن ابي صالح جعل حدا آخرا من الاشبار أمارة على التحديد بالارطال و يكون بين الحدين المجعولين أمارة اختلاف فالجمع العرفي يقتضي ما قلناه فى مقام الثبوت بانه بعد كون كل من التحديدين بالاشبار أمارة و الفرض من جعلهما ليس الّا حفظ الحد الواقعى و هو التحديد بالارطال فاذا سئل سائل عن الكر ففى مقام ذكر الأمارة تارة قال ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعة» و تارة قال إذا كان الماء ثلاثة اشبار و نصف في مثله ثلاثة اشبار و نصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء»

ان و كان بينهما قليلا اختلاف من حيث المقدار لا بأس به بعد كون النظر الى ما يحفظ به الحد الواقعي قطعا و لا يلزم في مقام جعل الامارة بيان حد خاص بلا زيادة بل النظر ليس إلا بيان حد لا يكون انقص من الحد الواقعي فبهذا يرتفع التنافي.

نعم يعتبر في تمامية هذا الجمع الذي خطر بذهنى القاصر تحقق ما هو الكر بحسب الوزن و الارطال في ضمن ما هو الاقل مقدارا من الامارتين خارجا و لا بدّ من امتحان ذلك و الآن لا مجال لي في امتحانه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 316

ثم انه ان لم يتم ما قلنا في وجه الجمع فنقول يقع التعارض بين الطائفتين.

و حيث ان الرواية الثانية سقطت عن الحجية.

فلا يمكن التعويل على الرواية الاولى لانه يمكن دعوى كون مفادها مخالفا للا جماع و لم يقل به في ما اعلم احد من الامامية رضوان اللّه عليهم فلا بدّ من الاخذ بالرواية الخامسة و السادسة فتكون النتيجة ما هو المشهور او الأشهر.

او يقال بانه بعد تعارضهما و عدم امكان الجمع الدلالى فلا بدّ من الاخذ بما فيه المرجّح لو كان في البين و الترجيح مع الرواية الخامسة و السادسة لان اوّل المرجحات الشهرة الفتوائي «بناء على كون الشهرة المرجحة الشهرة في الفتوى كما اختاره سيدنا الاعظم رحمه اللّه» لان المشهور افتوا على طبقهما فتلخص بحمد اللّه ان الكر بحسب الاشبار ما يبلغ ثلث و اربعون شبرا إلا ثمن شبر.

و اعلم بانه بعد كون الكر بحسب الوزن الف و مأتا رطل بالعراقى و إذا قيس مع المنّ الشاهى يكون الكر أربعة و ستين منّا الّا عشرين مثقالا.

و إذا قيس

بالحقة الاسلامبول يصير الكر مأتا حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة كما ذكره المؤلف رحمه اللّه بعد ذلك في المسألة الثالثة و يأتي إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 3: الكر بحقة الاسلامبول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الكر بحقة الاسلامبول، و هي مائتان و ثمانون مثقالا، مأتا حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 317

(1)

أقول: لكون هذا المقدار من الحقة مساويا مع الف و مأتا رطل بالعراقي.

***

[مسئلة 4: إذا كان الماء اقل من الكر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا كان الماء اقل من الكر و لو بنصف مثقال يجرى عليه حكم القليل.

(2)

أقول: هذا هو مقتضى التحديد المستفاد من النص فلو كان الماء اقل من الكر و لو بنصف مثقال يجري عليه حكم القليل.

***

[مسئلة 5: إذا لم يتساو سطوح القليل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالى بملاقات السافل كالعكس نعم لو كان جاريا من الأعلى الى الاسفل لا ينجس العالى بملاقاة السافل من غير فرق بين العلو التسنيمى و التسريحى.

(3)

أقول: للمسألة صور الاولى: ما إذا لم يتساو سطوح القليل و لم يكن الماء جاريا من الاعلى الى الاسفل و لا بالعكس ففي هذه الصورة لا اشكال في تنجس الماء بملاقات النجاسة سواء لاقت النجاسة اسفله او اعلاه لانه ماء واحد لا يكون كرا فينجس بملاقات النجاسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 318

الثانية: ما إذا كان الماء جاريا من الاعلى الى الاسفل و لاقي النجس اسفله فلا ينجس الاعلى منه لا للاجماع كما في بعض الكلمات «الجواهر» لعدم اجماع كاشف عن النص في المسألة بل لانه بعد كون الماء الجارى له قوّة و دفع فلا يتأثر بالسافل و لا يؤثّر السافل فيه بل العالى يؤثر فيه لو لاقى اسفله مع النجس لا ينجس الاعلى منه سواء كان الجريان بنحو التسنيم او التسريح.

ان قلت: ان مفهوم قوله عليه السّلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجّسه شي ء يشمل هذه الصورة لان هذا الماء ماء واحد و ان كان جاريا بعضه على بعض و قد لاقي النجس.

قلت: بعد ما قلنا من ان المغروس عند اعرف هو كون الماء الجارى له قوة و دفع يؤثّر فيما ليس له هذا الدفع و القوة

و لا يتأثر باعتبار قوته و دفعه عما ليس فيه القوة فالعرف لا يأتي بنظره تأثر ما له الدفع بسبب الماء الغير الدافع فلو راى اطلاقا فهو يرى انصراف هذا الاطلاق عن هذا المورد و المولى و الحاكم بعد ما يرى هذا الانصراف العرفي فان كان نظره شمول كلامه حتى للفرد المنصرف عنه الاطلاق عند العرف كان بمقتضى الحكمة عليه التصريح فمن عدم بيانه نكشف عدم شمول اطلاق كلامه للمورد فاطلاق مفهوم قوله عليه السّلام. الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجّسه شي ء لا يشمل المورد.

الصورة الثالثة: عكس الثانية بمعنى كون الجريان من الاسفل الى الاعلى و لاقى النجس اعلى الماء مع كونه الاقل من الكر فحكمها حكم الصورة الثانية لانه بعد كونه الدفع و القوة للاسفل الجارى الى الاعلى فلا يؤثر الاعلى في الاسفل و لا يتأثر الاسفل منه. فقد ظهر لك ان الميزان في عدم سراية النجاسة الى الجزء الجارى من الماء هو القوة و الدفع الحاصل له من جريانه. و في هذا لا فرق بين كون الجريان من الاعلى الى الاسفل او بالعكس. كما انه لا فرق بين العلوّ التسنيمى و العلوّ التسريحى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 319

لانه مع وجود الدفع و القوة في الماء يكفي في عدم تنجس العالى بالسّافل و ان كان العلو العلو التسريحى.

***

[مسئلة 6: إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كرا ينجس بالملاقات و لا يعصمه ما جمد بل إذا ذاب شيئا فشيئا ينجس أيضا و كذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه اقل من الكر فانه ينجس بالملاقات و لا يعتصم بما بقى من الثلج.

(1)

أقول:

وجهه واضح لان المقدار الذي يكون ماء يكون اقل من الكر فهو ينجس بالملاقات.

و كذا ما جمد إذا ذاب شيئا فشيئا ينجس لكونه اقل من الكرّ.

و كذا الثلج و ان كان كثيرا لا يكون ماء حتى يكون عاصما لما يذوب منه و على الفرض يكون ما ذاب منه قليلا فلا يكون عاصما لقلّته و لا يعصم بما بقى منه لعدم كونه ماء.

***

[مسئلة 7: الماء المشكوك كريته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الاحوط و ان كان الاقوى عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 320

تنجسه بالملاقات نعم لا يجرى عليه حكم الكر فلا يطهر ما يحتاج تطهيره الى القاء الكر عليه و لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه و ان علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة.

(1)

أقول: اما فيما لا يعلم حالته السابقة من الكرية و عدمها.

ففيما لاقى النجس لا يحكم بنجاسته لانه بعد ما عرفت بان الكر لا ينجس بملاقات النجاسة و اقل منه ينجس بملاقاته.

فهذا لماء المشكوك كريته لا ندرى بانه من افراد اى من العامين هل من افراد القليل حتى يكون مشمولا لما دلّ على نجاسة ماء القليل بملاقات النجاسة او من افراد الكر حتى يكون مشمولا لما دل النص على عدم نجاسته بملاقاتها فتكون من الشبهات المصداقية و بعد ما حققنا في الاصول عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية يكون المرجع في المقام اصالة الطهارة فببركتها يحكم بعدم نجاسته بملاقات النجاسة.

لا وجه للقول بنجاسته بملاقات النجاسة لعدم تمامية ما قيل او يمكن ان يقال وجها لنجاسته بملاقاته.

مثل جواز التمسك بالعام فى الشبهات المصداقية و لعل هذا نظر المؤلف رحمه اللّه من

الحكم بكون الماء المشكوك كريته في حكم القليل على الاحوط الاستحبابى.

لانه فيه اما. أولا الحق عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و أما ثانيا هذا مبنى على وجود عموم دال على نجاسة الماء مطلقا بملاقات النجاسة الا الكر منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 321

و مثل استصحاب العدم الازلى اى عدم الكرية الازلية:

و فيه ما فيه و مثل ان مقتضى الماء نجاسته بملاقات النجاسة و الكرية مانع فمع الشك في وجد المانع يؤثر المقتضى أثره.

فيه عدم تمامية قاعدة المقتضى و المانع.

ثم انه بعد كون الماء المشكوك كريته محكوم بالطهارة لاصالة الطهار مع ملاقاته مع النجاسة فلا بدّ من التفكيك في الاحكام و الآثار. فان كان أثر مترتبا على الاعم من الكثير و القليل يترتب عليه هذا الاثر مثلا لو تطهر به متنجس بنحو الورود على المتنجس فيطهر به لانه ماء محكوم بالطهارة فهو مطهّر.

و ان كان اثر مترتبا على الخصوص الماء البالغ قدر الكر مثل ما القى المتنجس فيه او القى هذا الماء المشكوك على ما يطهر بإلقاء الكر عليه فلا يطهره لان كريته مشكوكة و هذان الاثر ان مترتبان على الكر من الماء.

هذا كله فيما لا يعلم حالته السابقة.

اما إذا علم بحالته السابقة من الكرية و عدمها ثم في الآن الثاني يشك في بقائه على حالته السابقة فيحكم عليه على طبق الحالة السابقة ببركة الاستصحاب.

***

[مسئلة 8: الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق من الملاقات و الكرية ان جهل تاريخهما او علم تاريخ الكرية حكم بطهارته و ان كان الاحوط التجنب و ان علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسته و اما القليل

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 1، ص: 322

المسبوق بالكرية الملاقى لها فان جهل التاريخان او علم تاريخ الملاقات حكم فيه بالطهارة مع الاحتياط المذكور و ان علم تاريخ القلة حكم بنجاسة.

(1)

أقول: في المسألة فروع:

الفرع الاول: ما لو كان الكر مسبوقا بالقلة و علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق

من الملاقاة و الكرية مع فرض الجهل بتاريخ الملاقات و الكرية كليهما ففي هذه الصورة لا اشكال في انه يحكم بطهارة الماء لان استصحاب عدم الملاقات الى زمان الكرية و استصحاب عدم الكرية الى زمان الملاقاة.

امّا لا يجرى اصلا لعدم القطع باتصال زمان اليقين بالشك كما قال المحقق الخراساني رحمه اللّه.

و امّا يجري و لكن يتساقطان بالتعارض كما مر تحقيقه في الاصول و بعد عدم استصحاب في البين و نشك في طهارة هذا الماء و عدمها فببركة اصالة الطهارة نحكم بطهارته.

الفرع الثاني: هو الفرع الاول بحاله مع فرض العلم بتاريخ الكرية

فأيضا يحكم بطهارة الماء لاستصحاب عدم الملاقات الى زمان الكرية فيستصحب عدمه و يجرّ الى زمان يعلم تاريخ الكرية فيثبت عدم الملاقات الى الحال و لا نحتاج الى اثبات كون الملاقاة بعد الكرية حتى يكون مثبتا بل عدم الملاقاة الذي هو الأثر للاستصحاب يكفى لنا.

لو قطعنا النظر عن الاستصحاب و فرض عدم اجرائه يحكم بطهارته لأصالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 323

الطهارة.

اما وجه احتياط المؤلف رحمه اللّه في الفرعين فلبعض من الوجوه المتقدمة في المسألة السابقة و قد عرفت ما فيها.

الفرع الثالث: الصورة بحالها مع فرض العلم بتاريخ الملاقات

بعكس الفرع الثاني فنقول انه مع جريان استصحاب عدم الكرية الى زمان العلم الملاقات يحكم بنجاسة الماء مثلا إذا كان الماء عند الصبح مسبوقا بالقلة ثم في وقت الظهر يعلم بملاقاته للنجاسة و وقت الغروب علم بكريته لكن نشك في انه كان كرا وقت الظهر حتى لاقى النجس حال كريته او صار كرا بعد الظهر حتى لاقى النجس حال قلته فيجرّ عدم الكرية المتيقّنة في الصبح الى الظهر فيثبت ببركته عدم كرية الماء الى الظهر و على الفرض لاقى النجس وقت الظهر فيثبت كون ملاقات الماء حال القلة مع النجاسة جزء منه و هو الملاقات بالعلم لمعلومية الملاقات و جزء منه اعنى حال عدم كريته بالاستصحاب فيحكم بنجاسة الماء في هذا الفرع.

الفرع الرابع: الماء القليل المسبوق بالكرية الملاقى للنجس مع الجهل بتاريخ ملاقاته لها

و تاريخ القلة كليهما يحكم بطهارته لان استصحاب بقاء الكرية و استصحاب عدم الملاقات الى زمان القلة اما لا يجريان او يجريان و يتساقطان بالتعارض فتصل النوبة باصالة الطهارة فلهذا نقول بطهارة الماء كما قلنا في الفرع الاول.

الفرع الخامس: الفرع الرابع بحاله مع العلم بتاريخ الملاقات.

فاستصحاب الكرية الى زمان الملاقات يجرى و اثره طهارة الماء. و استصحاب عدم حصول الملاقات الى زمان القلة لا يثبت الملاقات في زمان القلّة حتى يحكم بالنجاسة لان النجاسة اثر كون الملاقات في زمان القلة و هو لا يثبت باستصحاب عدم حصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 324

الملاقات الى زمان القلة الا على القول بالاصول المثبتة.

الفرع السادس: الفرع بحاله مع العلم بتاريخ القلة

فيجرى استصحاب الكرية الى زمان الملاقات و يحكم بطهارة الماء و استصحاب عدم الملاقاة الى زمان القلة لا يثبت كون الملاقات في زمان القلة فلا يحكم بالنجاسة كما قاله المؤلف رحمه اللّه الا على القول بالاصول المثبتة فالحق في هذا الفرع خلافا للمؤلف رحمه اللّه هو القول بالطهارة.

***

[مسئلة 9: إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم أنها وقعت قبل الكرية او بعدها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم آنها وقعت قبل الكرية او بعدها يحكم بطهارته الا إذا علم تاريخ الوقوع.

(1)

أقول: يظهر حكم المسألة من المسألة السابقة بل هو عين صدر المسألة السابقة فلا حاجة في عنوانها مجددا.

***

[مسئلة 10: اذا حدثت الكرية و الملاقات في آن واحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا حدثت الكرية و الملاقات في آن واحد حكم بطهارته و ان كان الاحوط الاجتناب.

(2)

أقول: لان الملاقات حصل حال كون الماء كرا و الماء إذا بلغ قدر كر لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 325

ينجّسه شي ء.

ان قلت ان الظاهر من تفريع الحكم بعدم النجاسة هو ان الملاقات المتأخر عن الكرية لا يوجب النجاسة فلا يشمل قوله عليه السّلام، الماء إذا بلغ الخ لصورة مقارنة ملاقات النجاسة مع الكرية. قلت. اما أولا فان الظاهر من الحديث كون الكرية مانعة عن تأثير النجاسة فوقوعها في الماء الكر لا يوجب النجاسة و من الواضح في الفرض حدوث الملاقات و الكرية معا فعلى هذا حدث الملاقاة في الماء الكر.

و أما ثانيا لو ابيت عن ذلك و قلت بانصراف منطوق الحديث الشريف عن صورة المقارنة او ادعيت عدم شمول اطلاقه لهذا الصورة.

مفهوم الحديث أيضا لا يشمل هذه الصورة لان وزان المفهوم وزان المنطوق و بعد عدم شمول الحديث منطوقا و مفهوما للمورد. نشك في ان هذا الملاقات يوجب النجاسة أم لا، فببركة اصالة الطهارة يحكم بطهارة الماء لو استشكل في استصحاب طهارته السابقة بتبدل الموضوع و الّا فالاستصحاب يقتضي طهارته.

***

[مسئلة 11: إذا كان هناك مائان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا كان هناك مائان احدهما كر و الآخر قليل و لم يعلم انّ ايهما كر، فوقعت نجاسة في احدهما معينا او غير معين لم يحكم بالنجاسة و ان كان الاحوط في صورة التعين الاجتناب.

(1)

أقول: للاستصحاب لانا نشكّ في ان الّذي وقع فيه النجس هل هو القليل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 326

حتى صار نجسا او لا فيستصحب طهارة الماء القليل و لا يعارضه استصحاب

طهارة الكثير حتى يقال بعد العلم الاجمالى لا يجرى الاصل في الاطراف اصلا او لو جرى يتساقط الاصلان الجاريان في الاطراف بالتعارض لمعارضتهما مع العلم في البين على المبنيين في عدم اجراء الاصل في اطراف العلم الاجمالى. وجه عدم المعارضة هو ان الاصل في الماء الكر من الماءين يكون بلا اثر و مع عدم الاثر لا يجري الاصل فاستصحاب طهارة القليل يكون بلا معارض فيجرى و ثمرة جريانه طهارة الماء و لا يحكم بالنجاسة. سواء وقعت النجاسة في احدهما المعين او غير المعيّن و لا وجه للاحتياط لان بعض الأمور المستند إليه قد قدّمنا في طى المسألة السابقة و ذكرنا عدم تماميته.

و على فرض التماميّة لا وجه لاختصاص الاحتياط بخصوص صورة وقوع النجاسة في احدهما المعيّن كما اختاره المؤلف رحمه اللّه.

و امّا ما في بعض الشروح «المستمسك» «1» في هذه المسألة من انه «إذا كانت الحالة السابقة مجهولة اما إذا كانا معلومى الكرّية سابقا فاستصحاب الكرية المقتضي للطهارة هو المرجع كما انه لو كانا معلومى القلة فاستصحابها كاف في الحكم بالنجاسة».

ففيه ان ما قال من خروج صورة معلومية حالته السابقة فهو غير مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه لان مفروض كلامه مائان يعلم فعلا بكون احدهما كرا و الآخر قليلا فيعلم بحالتهما الفعلية فلا مورد لاستصحاب حالته السابقة اصلا.

***

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 160.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 327

[مسئلة 12: إذا كان مائان احدهما المعيّن نجس فوقعت نجاسة لم يعلم بوقوعها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا كان مائان احدهما المعيّن نجس فوقعت نجاسة لم يعلم بوقوعها في النجس او الطاهر لم يحكم بنجاسة الطاهر.

(1)

أقول: لان العلم الاجمالى لا يكون منجّزا حيث ان تنجّزه موقوف على ان يكون له الاثر في كل من الاطراف و

بعد كون احد الماءين نجسا فان كان المعلوم فيه فلا يوجب العلم الاجمالى تأثيرا زائدا فيجرى استصحاب الطهارة في الماء الطاهر و لا يمنعه العلم الاجمالى.

***

[مسئلة 13: إذا كان كر لم يعلم انه مطلق و مضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا كان كر لم يعلم انه مطلق و مضاف فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته و إذا كان كران احدهما مطلق و الآخر مضاف و علم وقوع النجاسة في احدهما و لم يعلم على التعيين يحكم بطهارتهما.

(2)

و أقول: اما عدم الحكم بنجاسة الماء الكر المشكوك اطلاقه و اضافته فلانه مع الشك في ذلك يكون المرجع استصحاب الطهارة فلا يحكم بنجاسة بل يحكم بطهارته.

نعم لا يحكم بمطهريته لعدم معلومية اطلاقه.

و اما إذا كانت حالته السابقة معلومة فان كانت حالته السابقة الاطلاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 328

فأيضا يحكم بطهارته مثل ما لو لم يعلم بحالته السابقة.

و اما إذا كانت حالته السابقة الاضافة يستصحب اضافته فيحكم بنجاسته بملاقات النجاسة.

و اما الكر ان يكون احدهما مطلقا و الآخر مضافا و علم بوقوع النجاسة في واحد منهما و لم يعلم على التعيين.

يحكم بطهارتهما اما طهارة الكر المطلق فواضح لعدم نجاسته بوقوع النجاسة فيه و اما الكر المضاف فملاقاته للنجاسة غير معلوم فيستصحب طهارته.

***

[مسئلة 14: القليل النجس المتمم كرا بطاهر او نجس نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: القليل النجس المتمم كرا بطاهر او نجس نجس على الاقوى.

(1)

أقول: وجهه واضح لان المستفاد من الدليل ان الماء القليل ينجس بملاقات النجس و الماء الّذي لا ينجّسه شي ء الماء الكر فالكر من الماء موضوع لعدم تنجسه بشي ء ففي الرتبة السابقة من الحكم لا بدّ من وجود موضوعه حتى يعرضه الحكم و هو عدم التنجس بملاقات النجس و على الفرض يكون الماء القليل نجسا و الماء الذي يضم به حيث لا يكون كرا ينجس أيضا بملاقات النجاسة و هي القليل المتنجس.

و دعوى استصحاب طهارة الماء المتمّم فاسد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 329

لان الشك في بقاء طهارته و عدمها مسبّب عن تنجسه بالماء القليل النجس و عدمه و بعد استصحاب نجاسة الماء القليل يحكم بنجاسة ما يلاقيه من الماء القليل الذي يضم به لانه هذا اثر نجاسة الماء القليل هذا كله فيما كان الماء المتمّم طاهرا.

و امّا إذا كان الماء القليل نجسا و المتمّم القليل نجس أيضا. فلا اشكال في نجاستهما لانهما مائان قليلان نجسان و لو شك في بقاء نجاستهما فاستصحاب نجاستهما جار بلا كلام.

و قوله عليه السّلام، الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسه شي ء غير مفيد للمقام لان مفاد الرواية كما اشرنا هو ان الماء البالغ حد الكر بعد بلوغه هذا الحدّ لا ينجسه شي ء.

لان المورد مصداق مفهوم الرواية و هو ان الماء إذا لم يبلغ قدر الكر ينجّسه شي ء فهما صارا نجسان فليس ماء طاهر محفوظ حال الكرية حتى يقال لا ينجّسه شي ء.

فالنجاسة في الماء النجس المتمّم بالطاهر او النجس لا اشكال فيه.

نعم قد يدعى الاجماع على الطهارة.

و ادعى دلالة المرسلة و هي ان الماء إذا بلغ قدر كر لم يحمل خبثا. و ان الماء المعلوم وقوع نجاسة فيه المشكوك كون الوقوع قبل كريته او بعدها يحكم عليه بالطهارة و لا وجه له الا بنائهم على طهارة المتنجس ببلوغه كرا.

و فيه اما الاجماع المنسوب دعواه الى السيد رحمه اللّه.

فأمّا أولا كيف يتّكى به مع مخالفة المشهور.

و أمّا ثانيا يمكن ان يكون منشأ القول بالطّهارة هذه المرسلة او الوجه الاخير فليس في البين اجماع كاشف عن وجود النص غير ما بايدينا في المسألة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 330

الطهارة.

و اما المرسلة ففيها، أولا آنها مرسلة «1» و ضعيفة لارسالها

و ليس العمل على طبقها بحيث يوجب جبر ضعفها.

و ثانيا لا يستفاد منها كون الماء البالغ حد الكر رافعا للنجاسة كيف ما كان و لو كان نجسا قبل الكرية بل من المحتمل كون مفادها عين مفاد قوله عليه السّلام «الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شي ء».

و اما الحكم بطهارة الماء الملاقى للنجس الذي لا يعلم كون الملاقات قبل كريته او بعدها فهو لاستصحاب عدم الملاقاة الى زمان الكرية لا لاجل ان الماء يطهر ببلوغه كرا حتى فيما كان نجسا قبل كريته.

______________________________

(1) لم توجه هذه الرواية فى شي ء من جوامعنا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 331

فصل: فى ماء المطر
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 333

قوله رحمه اللّه

فصل فى ماء المطر ماء المطر حال تقاطره من السّماء كالجارى فلا ينجس ما لم يتغير و ان كان قليلا سواء جرى من الميزاب او على وجه الارض أم لا بل و ان كان قطرات بشرط صدق المطر عليه و إذ اجتمع في مكان و غسل فيه النجس طهر و ان كان قليلا لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء.

(1)

أقول: لا اشكال في الجملة في ان ماء المطر طاهر لا ينجس بملاقات النجاسة ما لم يتغير و يكون مطهرا. لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1».

لان الظاهر من الطهور ما يتطهر به او المطهّر كما عرفت فى اوّل مبحث المياه.

و القدر المسلم من الماء المنزل من السماء هو المطر.

______________________________

(1) سورة 25، الآية 48.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 334

و بعد كونه مطهرا يكون طاهرا بالملازمة.

اما صيرورته نجسا بالتغير فلبعض ما دل على نجاسة الماء بالتغير في احد اوصافه الثلاثة بالنجاسة

و اطلاق بعضها يشمل ماء المطر كما ان المستفاد من اخبار الباب طهارته و مطهريّته في الجملة.

فانّما الكلام في بعض الخصوصيات فلنذكر إن شاء اللّه

اخبار الباب
اشارة

و مقدار دلالتها حتى يظهر الحال.

الاولى ما رواها هشام بن سالم انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال لا بأس به ما اصابه من الماء أكثر منه «1».

تدل على ان ما اصاب الثوب لا يكون نجسا و ان الارض النجسة يصير طاهرا باصابة المطهر فتدل على مطهريّة المطر في الجملة و من قوله عليه السّلام في مقام ذكر علة عدم البأس بقوله «ما اصابه من الماء أكثر منه» يستفاد ان الميزان في مطهريّته أكثريته على النجس.

و لا يبعد كون المراد من الاكثريّة كون المطهر قاهرا على النجس لا ما هو المتفاهم من ظاهر الاكثريّة. لان الاكثريّة بمعناها الظاهرى لا يناسب في المقام لعدم معنى لكون المطر أكثر من السطح.

و بعد كون المراد ان المطر بحيث يكون قاهرا و غالبا على النجس فيختلف باختلاف قلة المتنجس و زيادته فربما تكون قطرات من المطر اكثرا عليه لكون النجس قليلا و ربما لا يغلب عليها الّا بمقدار يجرى على الارض من موضع آخر.

و لا يستفاد من الرواية الا مطهريّة خصوص ما يجرى على الأرض من المطر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 335

لان موردها المطر الجارى من السماء و هو يكف على الثوب.

الثانية ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى عليهما السّلام قال سألته عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أ

يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة.

فقال: إذا جرى فلا بأس به قال: و سأله عن الرجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلى فيه قبل ان يغسله فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلى فيه و لا بأس «1» يستفاد منها طهارة المطر و مطهريته و القدر المتيقّن من ماء المطر المطهّر في الرواية هو خصوص المنزل من السماء حين نزوله و هنا كلام في ان المراد من قوله عليه السّلام «إذا جرى فلا بأس به» هل يكون جواز الأخذ من مائه و التوضؤ به مخصوصا بحال نزول المطر و جريانه من السماء في قبال ما جمع منه في موضوع من الأرض مثلا او يكون المراد جواز الأخذ و التوضؤ إذا جرى على الأرض و عدم كفاية قطرة او قطرات.

بل يعتبران ينزل من السماء بمقدار يجري على الأرض.

ما يبعّد الاحتمال الاول انه بعد صيرورة السطح المذكور في الرواية طاهرا بورود المطر عليه كيف ما كان فالماء الواقع فيه طاهر سواء جرى فعلا عليه من السّماء او لم يجر فاعتبار الجريان الفعلى من السماء في جواز الأخذ و التوضؤ مما لا وجه له.

و اما الاحتمال الثاني فلا مبعّد له لانه بعد ما سئل السائل عن جواز الاخذ للتوضى، قال عليه السّلام: إذا جرى فلا بأس به بمعنى انه إذا كان نزول المطر بمقدار تجرى على الأرض فلا بأس بالاخذ و التوضؤ به و على هذا يستفاد من الحديث ان المقدار

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 336

الذي يجري على الارض من المطر دخيل في

مطهريته و عدم كفاية انقص من ذلك.

الثالثة ما رواها الحميرى في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر مثل الرواية السابقة و زاد و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أ يصلى فيها قبل ان تغسل قال: إذا جرى من ماء المطر لا بأس «1». تدل على طهارة المطر و مطهريته في الجملة.

و في قوله عليه السّلام إذا جرى من ماء المطر لا بأس احتمالان:

الاحتمال الاول: ان يكون المراد انه إذا كان ما يكف فيصيب الثياب من الماء الذي يجري من السماء اى من ماء المطر لا بأس به.

الاحتمال الثانى: ان يكون المراد ان المطر إذا كان بمقدار يجري على الارض لا مجرد تقاطر قطرات فلا بأس به.

و الاقرب الاحتمال الاول لانه عليه السّلام قال إذا جرى من ماء المطر يعنى يكون الماء الجارى من المطر.

نعم مورد فرض السائل يكون ما كان ماء المطر كثيرا يجرى على الارض فيجرى منه على الكنيف فيكف فالرواية لا تدل على اعتبار الجريان على الارض من مطهرية المطر لكن ليس لها اطلاق يشمل غير صورة الجريان حتى يقال يكفى مجرد المطر و ان كان قطرة او قطرات.

الاحتمال الرابعة: ما رواها علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن المطر يجرى في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلى فيه قبل ان يغسل.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 337

قال: إذا جرى فيه المطر فلا بأس «1».

و هل الظاهر منها عدم البأس باصابة الثوب حال جريان المطر من السماء. او الظاهر منها

انه إذا جرى المطر في المكان يعنى يكون بمقدار يجرى في المكان فلا بأس احتمالان.

الاحتمال الخامسة: ما رواها هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في ميزابين سالا احدهما بول و الآخر ماء المطر فاختلطا فاصاب ثوب رجل لم يضرّه ذلك «2».

و مفروض الكلام فى الرواية صورة تحقق الجريان على الارض فلا اطلق لها يشمل صورة تقاطر قطرة او قطرات.

الاحتمال السادسة: ما رواها محمد بن إسماعيل عن بعض اصحابنا عن ابى الحسن عليه السّلام. في طين المطر أنه لا بأس به ان يصيب الثوب ثلاثة ايام الّا ان يعلم انه قد نجسه شي ء بعد المطر الحديث «3» يستفاد منها مطهرية المطر.

و اما طهارة طين المطر الى ثلاثة ايام فلا خصوصية للثلاثة فلو لاقى نجسا قبلها يصير نجسا كما انه بعد مضى ثلاثة ايام لو لم نعلم بنجاسته نحكم بطهارته.

الا ان يحمل الحديث على ان الغالب بعد ثلاثة ايام حصول العلم بنجاسته لملاقاته مع بعض النجاسات قهرا و على كل حال تكون مرسلة.

و اما مرسلة الصدوق «4» و فيها ان طين المطر لا ينجس فلا يمكن التعويل

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 7 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 338

عليها لانها تخالف ضرورة الفقه.

الاحتمال السابعة: ما رواها ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر عليّ القطرة قال ليس به بأس «1».

و من ترك استفصال

الامام عليه السّلام في مقام الجواب بين صورة كون المطر بمقدار يجرى على الارض و بين ما إذا كان مسمّى المطر و لو قطرة او قطرات.

ربّما يدّعى كفاية مجرد مسمّى المطر في مطهريته و عدم اعتبار كونه على وجه يجري على الأرض.

نعم هنا احتمال و ان لم أر في كلماتهم و هو امكان كون المورد ما إذا لم يعلم بنجاسة المحل الذي اصاب منه المطر الى ثوبه من الكنيف فقال لا بأس للشك في نجاسته.

الاحتمال الثامنة: مرسلة الكاهلى عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال قلت يسيل عليّ من ماء المطر ارى فيه التغيّر و ارى فيه آثار القذر فنقطر القطرات عليّ و ينتضح عليّ منه و البيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال ما بذا بأس لا تغسله كل شي ء يراه المطر فقد طهر «2».

اما الإشكال في الحديث بان مورده تغيير ماء المطر بالنجاسة كما يظهر من فرض السائل و لا يمكن الالتزام بطهارته و مطهريته في صورة التغيّر.

فيمكن الجواب عنه لإمكان كون نظر السائل فيما يرى فيه من التغير و آثار القذر.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 339

الى ان الصفاء الذي في ماء المطر لا يكون فيه و من هنا يستكشف ملاقاته مع القذر و لهذا سئل عن حكم ما اصابه منه ثوبه لا ان يكون مفروض كلامه ما إذا صار الماء متغيرا بالنجاسة في احد من اوصافه الثلاثة.

ثم ان العمدة في وجه عدم اعتبار الجريان في الارض في مطهرية ماء المطر و

كفاية مسماه و ان كانت قطرات منه هو هذا الحديث اعنى مرسلة الكاهلى بدعوى ان قوله عليه السّلام فيه «كل شي ء يراه المطر فقد طهر» يدل على انه لو قطر قطرات بل و قطرة واحدة يصدق انه قد راه المطر فقد طهر.

هذا حال الروايات المربوطة بلمقام فنقول بعونه تعالى.

ان الكلام يكون في جهات ثلاثة:

الجهة الاولى: في طاهرية ماء المطر و مطهريته في الجملة

فهو مسلم يدل عليه بعض الآيات و الروايات كما عرفت.

الجهة الثانية: هل يكفي في مطهريّته ان يكون بمقدار

يقال ان المتنجس رأى المطر و ان لم يكن ما يمطر ازيد من قطرات قليلة. او يلزم ازيد من ذلك بمقدار يجرى على الارض و يكون مقداره ان يجري في الارض الصلبة من موضع الى موضع آخر.

اعلم ان المستفاد من الرواية الثامنة و هى مرسلة الكاهلى كفاية ان يراه المطر.

بل ربما يستفاد ذلك من ترك استفصال الامام عليه السّلام في مقام الجواب في الرواية السابعة كما قلنا.

و بعض الروايات لم يتعرض لهذه الجهة و ان كان مورده مورد الجريان، و الرواية الاولى من الروايات تدل على ان الاعتبار في مطهرية المطر على اكثريته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 340

من المتنجس.

و في بعض الروايات صرّح بانه في صوره الجريان لا بأس به و ان كان بعضه قابل للحمل على اعتبار الجريان الفعلى من السماء في مطهريته.

و لكن كما قلنا ان الرواية الثانية تدل على مطهريته في صورة جريانه على الأرض.

نعم هنا احتمال آخر و هو ان اعتبار الجريان في هذه الاخبار كان من باب ان المحل النجس مثل الكنيف او موضع يبال عليه لا يغلب عليه المطر و لا يصدق عليه انه راه المطر بعد ازالة العين الا بعد ان يجرى عليه المطر بمقدار يجرى على الأرض لا من باب دخل الجريان في مطهريته مطلقا فيكون قيد إذا جرى قيدا غاليا لا مفهوم له.

و على تقدير كونه قيدا كما هو ظاهره فيكون قيدا للحكم و يستفاد منه العليّة.

نقول اما ما يدل على ان مطهريته في صورة كون ماء المطر أكثر و هي الرواية الاولى.

يمكن الجمع بينها و بين ما يدل على اعتبار

الجريان بانه بعد كون المطر بمقدار يجري على الارض يكون أكثر من المتنجس أيضا و ما اصابه من المطر أكثر خصوصا بعد ما كان المراد من الاكثريّة قاهريّته و غلبته على المتنجس لانه مع عدم بقاء عين النجس يغلب المطر عليه مع الجريان و مع بقاء العين لا يصير طاهرا.

و اما ما يدل على كفاية رؤية المطر و هو عبارة اخرى عن مسمّى المطر لانه إذا كان بمقدار يصدق انه رآه المطر يصدق مسمى المطر أيضا.

اما مرسلة الكاهلى فهى باعتبار ارسالها ضعيفة السند لا يمكن التعويل عليها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 341

و لا جابر لضعفها لعدم كون عمل المشهور على طبقها أولا و عدم كون استنادهم بها على فرض مطابقة عملهم مع مضمونها ثانيا.

مضافا الى انه لو فرض شمولها لكل مورد يراه المطر و ان كان قليلا نقيدها بما يدل على اشتراط الجريان فتكون النتيجة انه كلما يراه المطر إذا كان بمقدار يجري على لأرض فقد طهر.

و كذلك نقيّد بما دل على اشتراط الجريان.

اطلاق المستفاد من ترك الاستفصال في الرواية السابعة. فيكون الحاصل.

ان ماء المطر مطهّر إذا جرى بمقدار يجرى على الارض و بجريانه على الارض الصلبة من موضع الى موضع آخر يتحقق الجريان. و من هنا يظهر لك ان اعتبار الجريان من موضع الى موضع آخر في الأرض الصلبة ليس مورد رواية بل منشأ اعتباره في كلماتهم هو ان ذلك محقق الجريان المعتبر في مطهريّة المطر.

و اما منشأ ما قلت في الحاشية بان الاحوط اعتبار الجريان فلان ظاهر مرسلة الكاهلى و ظاهر ترك الاستفصال في الرواية السابعة هو مطهرية المطر حتى في صورة عدم الجريان.

و حيث ان المحتمل في

الرواية الثانية «إذا جرى فلا بأس به» امور:

الامر الأول: ان يكون المقصود إذا جرى من السماء.

الامر الثاني: ان يكون المقصود إذا جرى على الأرض بان يكون الجريان في الأرض العلة المنحصرة لمطهرية المطر.

الامر الثالث: ان يكون القيد قيدا غالبيا من باب ان الغالب في مورد يكون المحل كنيفا او يبال عليه او يغتسل من الجنابة محلا لا يسعه المطر الا بعد ان يجرى بمقدار يجرى على الأرض و لهذا اعتبر الجريان فلا مفهوم لقوله إذا جرى حتى ينفى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 342

الحكم في صورة عدم الجريان لم نفت باعتبار الجريان بل قلنا بان الاحوط اعتبار الجريان في الأرض.

الجهة الثالثة: هل يكون المطهّر من ماء المطر خصوص الماء الذي يجري على الأرض

حين نزوله بحيث انه كل مقدار منه يقع على الأرض و يجتمع فيها لا يكون من المطر المطهر و ان نزل عليه المطر من السماء.

او يكون المطر ما ينزل من السماء و ان اجتمع في موضع من الأرض بشرط تقاطر المطر عليه من السماء كما اختاره المؤلف رحمه اللّه او المطهّر اعم مما ينزل من السماء حين نزوله.

و مما نزل و اجتمع في موضع و ينزل عليه المطر من السماء.

و مما اجتمع من المطر المنزل من السماء في موضع من الأرض حتى بعد انقطاع النزول من السماء فعلى هذا الغدران التي جمع فيها ماء المطر حكمه حكم ماء المطر حتى بعد قطع نزول المطر من السماء لا اشكال في ان ما ينزل فعلا من السماء ماء المطر و مطهر و هذا المقدار ليس محل اشكال سواء نزل مستقيما على المتنجس بلا واسطة او نزل من الميزاب و ما نسب الى الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر من انحصار المطهر من المطر

بما نزل من الميزاب مما لا وجه له حتى يشكل انتساب هذا القول بمثل الشيخ رحمه اللّه و ان كان ظاهر كلامه فلا بدّ من توجيهه.

كما انه لا اشكال في ان الماء المجتمع في موضع كالغدران من ماء المطر ليس بحكم ماء المطر في المطهرية و ساير احكامه بعد انقطاع المطر لعدم كون ذلك ماء المطر عرفا و لغة و عدم دليل وارد من صاحب الشرع على كونه بحكم ماء المطر بل هو ماء محقون جمع من ماء المطر لا هو ماء المطر فان كان قليلا فهو بحكم القليل و ان كان كثيرا فهو بحكمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 343

و اما الماء، المجتمع من ماء المطر في موضع مع، تقاطر ماء المطر من السماء عليه فهل هو ماء المطر و بحكمه أم لا.

اعلم ان الماء المجتمع من المطر كونه ماء المطر لغة او عرفا محل اشكال و لكنه بحكم ماء المطر إذا تقاطر عليه من السماء لشمول اطلاق الرواية التاسعة من الروايات المتقدمة عليه حيث ان مفروض الرواية هو المكان الذي فيه العذرة فيصيبه المطر فيصيب الماء بالثوب من هذا المكان فقال لا بأس إذا جرى فيه المطر و حيث ان مورد سئول السائل قد يكون صورة يكون الماء المجتمع بقدر الكر و قد يكون اقل منه. فان كان بقدر الكر يمكن ان يقال بعدم نجاسة الماء لانه لا ينجس مع كريته بملاقات العذرة.

و اما ان كان اقل من الكر فلا عاصم له لانه قليل.

نعم هو معتصم بما يجرى عليه من المطر و لهذا لا ينجس بملاقات العذرة فهذا الماء المجتمع بحكم ماء المطر لانه كما لا ينجس ماء المطر بملاقات

النجاسة كذلك الماء المجتمع الذي يتقاطر عليه المطر هذا كله في الجهات المذكورة في الفصل.

***

[مسئلة 1: الثوب او الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الثوب او الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه طهر و لا يحتاج الى العصر او التعدد و إذا وصل الى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة و الا فلا يطهر الا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 344

(1)

أقول: محل الكلام كما افاد المؤلف رحمه اللّه يكون بعد زوال عين النجاسة لانه مع بقاء عينها لا يصدق الغسل و حتى مع بقاء الاجزاء الصغار لا يحصل النقاء و الغسل عند العرف.

مضافا الى عدم طهارة المحل مع بقاء عين النجاسة لان عينها كما تكون علة لحدوث النجاسة تكون علة لبقائها.

نعم هنا كلام، في انه هل يعتبر التقاطر على الموضع المتنجس بعد زوال عين النجاسة عن المحل او يطهر المحل بازالة العين ببركة المطر و غلبة ماء المطر عليها و ازالتها.

قد يقال بكفاية الثانى بدعوى دلالة الرواية الاولى من الروايات المتقدمة على كفاية غلبة ماء المطر على النجاسة لانه عليه السّلام قال فيها «ما اصاب من الماء أكثر» فإذا تحققت الغلبة و الأكثرية بحيث تزيل العين بسببها يكفي في الطهارة.

و دلالة ما في الرواية الثامنة من الروايات «كل شي ء يراه المطر فقد طهر».

فإذا اراه المطر يكفي في الطهارة و ان كان يزيل العين مع رؤيته أيضا فلا حاجة بعد زوال العين الى تقاطر المطر على المحل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 344

و فيه ان مع بقاء العين على المحل فالمحل مشغول بها فلم يره المطر و لم يصبه الماء فإذا زالت العين و تقاطر المطر بعده على المحل يصدق انه راى المطر موضع النجس و انه اصابه فتأمل.

ثم بعد ما عرفت ذلك نقول. بانه لا يعتبر العصر و التعدد في مطهرية المطر.

اما العصر فكما يأتى إن شاء اللّه. في محله ليس على اعتباره دليل يقتضي اشتراطه في التطهير تعبدا و الا فلا بدّ من اعتباره في الكثير بل و الجارى. فالوجه في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 345

اعتباره اما من باب القول بنجاسة الغسالة و ان ما بقى من الماء الذي ورد على المحل النجس بعنوان التطهير يجب اخراجه من المحل فكما انه في الماء الكثير لا يقال بنجاسته لكون الماء كثيرا و معتصما به.

كذلك فيما يطهر بالمطر فان الماء الواقع في المحل المتنجس كالثوب مثلا طاهر لاعتصامه بالمطر الجارى من السّماء.

و اما من باب ان الغسل لا يصدق عرفا الا بالعصر. فالوجه في دخله في الغسل هو انه مع بقاء نداوة الماء المغسول به المتنجس يرى العرف بقاء القذارة فيه فلا يحصل التطهير عندهم الا بانفصال الغسالة.

فنقول كما يأتى إن شاء اللّه في محله بان منشأ ذلك ليس الّا بقاء القذارة في المحل مع وجود الغسالة و بقائها فإذا قلنا بطهارة الغسالة لا تكون قذارة اصلا و لو قلنا بنجاستها نقول أيضا بانه بعد ما يكون المنشأ عند العرف في اعتبار العصر اخراج القذارة ببركة العصر لا خصوصية للعصر بل لو حصل ذلك بغير العصر يكفى في خروج القذارة مثل صبّ الماء المتوالى عليه.

و كما يأتي إن

شاء اللّه في وجه عدم وجوب العصر في الماء الكثير بان الشارع بعد ما جعل الماء الكثير عاصما فالعرف و ان كان يرى بقاء القذارة في المتنجّس مع عدم العصر لكن حكم الشارع بعاصمية الماء الكثير يكون رادعا لهم و انه مع اتصاله به لا قذار فيه فكذلك نقول في ماء المطر.

و اما عدم اعتبار التّعدد فيظهر للمرجع في الأخبار المذكورة لانه في مورد بعض هذه الأخبار كان المحل متنجسا بالبول، و لم يعتبر المعصوم عليه السّلام في تطهيره التعدد فمن هذا يظهر عدم اعتباره و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه و إذا وصل الى بعضه أى بعض الثوب او الفراش طهر ما وصل إليه فوجهه واضح لان هذا المقدار هو المقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 346

الواقع عليه المطر لا غيره.

و كذلك واضح وجه ما قال رحمه اللّه من اعتبار زوال عين النجاسة.

***

[مسئلة 2: الاناء المتروس بماء نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الاناء المتروس بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما إذا تقاطر عليه طهر ماؤه و إناؤه بالمقدار الذي فيه ماء و كذا ظهره و اطرافه ان وصل إليه المطر حال التقاطر و لا يعتبر فيه الامتزاج بل و لا وصوله الى تمام سطحه الظاهر.

و ان كان الاحوط ذلك.

(1)

أقول: اما الأخبار الواردة في المطر فلا يستفاد منها كفاية مجرد تقاطر المطر على الاناء المتروس بماء نجس في طهارته حتى قبل تحقق الامتزاج.

الّا من الرواية الثانية منها و هي مرسلة الكاهلى. بانه لا يبعد ان قوله عليه السّلام فيها كل شي ء يراه المطر فقط طهر» يفيد طهارة الحبّ المتروس بالماء النجس بمجرد رؤية المطر لانه بمجرد تقاطر المطر عليه يصدق انه شي ء يراه المطر.

لكن

كما قلنا لا يمكن التعويل على المرسلة لضعفها و حيث انه لا يكون في البين وجه آخر يدل على كفاية مجرد رؤية المطر سطح الماء في طهارته.

فيقع الشك في انه هل طهر هذا الحبّ او الشّربة المتروس من الماء مثلا بمجرد رؤية المطر سطحه او لا يطهر الا ان يمطر عليه بمقدار يتحقق الامتزاج فمع الشك يستصحب نجاسة الحب و الشربة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 347

هذا ما يقتضيه الاصل ان وصلت النوبة به.

و لكن كما يأتى إن شاء للّه في المسألة الثانية من المسائل المذكورة في فصل ماء البئر بعد عدم تعرض الاخبار الواردة في مطهرية المياه لكيفية مطهريّتها من حيث كفاية مجرد اتصال الماء العاصم بالماء المتنجس او لزوم الامتزاج نرى عدم بيان من الشرع فى هذه الجهة و ايكال الامر الى العرف و نرى مساعدة العرف على حصول الطهارة مع الامتزاج و حكمه باكتفائه بمجرد الاتصال مشكل نقول بان الاحوط اعتبار الامتزاج.

و بعد اعتبار الامتزاج و لو من باب الاحتياط فالميزان تحقق الامتزاج و لا فرق في تحققه بين ان يرى المطر تمام سطح الماء و بين رؤيته بعض سطحه فإذا راى المطر بعض السطح و جرى عليه بمقدار يحصل الامتزاج يكفي لطهارة الاناء و الماء الواقع فيه.

ثم ان وجه طهارة الاناء و اطرافه النجس الواصل عليه المطر واضح لانه يطهر بوصول المطر عليه بعد كون المطر الجارى بمقدار يجرى على الأرض مطهرا كما قلنا في بحث مطهرية المطر.

***

[مسئلة 3: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط ان يكون من السماء و لو باعانة الريح و اما لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر كما

إذا ترشّح بعد الوقوع على مكان فوصل مكانا آخر لا يطهر نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 348

الى مكان مسقّف بالجريان إليه طهر.

(1)

. أقول: امّا طهارة الارض النجسة بوصول المطر إليها من السماء و لو باعانة الريح فواضح لان مورد اكثر الروايات هو الأرض و مع اعانة الريح يصدق جريان المطر عليها.

و اما عدم مطهريته إذا وصل الى الارض بعد الوقوع على محل آخر فلعدم كون هذا ماء المطر الموضوع لاحكام خاصة.

و اما لو جرى على وجه الارض فوصل الى مكان بالجريان إليه طهر.

بشرط وصول ما يجرى منه على الارض حال بقاء التقاطر من السماء لما عرفت من ان الماء الذي يجرى على الارض او يجتمع فيها بحكم ماء المطر مع جريان المطر عليه فعلا.

فلا بدّ من تقييد مطهرية ما وصل من موضع من الارض الى موضع آخر بحال نزول المطر من السماء.

***

[مسئلة 4: الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر و كذا إذا كان تحت السقف و كان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض بل و كذا لو اطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض و كذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 349

(1)

أقول: يطهر بشرط تحقق الامتزاج بالمطر او بما امتزج منه بالمطر في حال اعتصامه بلا فرق بين ما جرى عليه بلا واسطة او اطارته الريح او جرى من الميزاب لانه في كلّها مطهّر كما مرّ.

***

[مسئلة 5: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا بل و كذا إذا وقع على ورق الشجر ثم وقع على الأرض نعم لو لاقى في الهواء شيئا كورق الشجر او نحوه حال نزوله لا يضرّ إذا لم يقع عليه ثمّ منه على الأرض فمجرد المرور على الشي ء لا يضرّ.

(2)

أقول: اعلم ان المستفاد من الأدلّة مطهّرية ماء المطر حال نزوله من السماء و في حكمه ماء المطر المجتمع في محل او جار من محل الى محل آخر بشرط تقاطر المطر عليه من السماء فنحن في مقام الحكم بمطهّرية المطر و عدمه ندور مدار هذا المقدار الذي استفدنا من الادلة.

و لا فرق في ذلك بين ان يكون التقاطر بلا واسطة من السماء على موضع النجس او بالسقف ثم منه الى المتنجس او وقع على ورق شجر ثم منه على الأرض فلو وقع على السقف ثم منه تقاطر على الأرض مع بقاء الجريان عليه من السماء فما يتقاطر بواسطة السقف على الارض او بواسطة ورق الشجر مطهّر. نعم لو كان حال التقاطر من السقف على الأرض او من الورق عليها

غير معتصم بما يجري من السماء بان انقطع المطر فلا تكون هذه القطرات مطهرا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 350

[مسئلة 6: إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها على شي ء آخر لم ينجس إذا لم يكن معه عين النجاسة و لم يكن متغيرا.

(1)

أقول: إذا كان الترشح من عين النجس في مورد قلنا بمطهّرية ماء المطر اعنى فيما يكون بمقدار يجرى على الارض ففي هذا الحال لو تقاطر منه قطرة على عين النجس ثم ترشح منها الى موضع لا ينجس هذا الموضع إذا لم يكن معه عين النجاسة و لم يتغير بها و الا فمع احدهما ينجس ما يلاقيه لانه اما حامل لعين النجاسة فلاقى الملاقى عين النجاسة و اما صار متغيرا بالنجاسة فتنجس بها فلاقى الملاقى الماء المتنجس.

***

[مسئلة 7: إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر و نفذ و تقاطر من السقف لا تكون تلك القطرات نجسة و ان كان عين النجاسة موجوده على السطح و وقع عليها لكن بشرط ان يكون ذلك حال تقاطر من السماء و اما إذا انقطع ثم تقاطر من السف مع مروره على عين النجس فيكون نجسا و كذا الحال إذا جرى من الميزاب بعب وقوعه على السطح النجس.

(2)

أقول: وجهه واضح لانه مع بقاء الجريان من السماء فما ينفذ و يقاطر من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 351

السقف معتصم بماء المطر و ان كان لاقى النجس. و اما إذا كان حين انقطاع المطر فهو ماء لاقى النجس فصار نجسا و لا يعتصم بشي ء. و كذلك الحال فيما جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس فهو طاهر مع كون الجريان حال تقاطر السماء و نجس إذا كان بعد انقطاع الجريان.

***

[مسئلة 8: إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء سواء كان السطح أيضا نجسا أم طاهرا.

(1)

أقول: يظهر وجهه مما قلنا في المسألة السابقة.

***

[مسئلة 9: التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل الى اعماقه حتى صار طينا.

(2)

أقول: هذا إذا بقى ماء المطر على مائيته و اطلاقه و هذا في غاية الإشكال و لا يكتفى بمجرد وصول الرطوبة إليه الا فيما كان ترابا قليلا يعلم بوصول الماء بإطلاقه على جميع اجزائه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 352

[مسئلة 10: الحصير النجس يطهر بالمطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الحصير النجس يطهر بالمطر و كذا الفراش المفروش على الارض و إذا كانت الارض التي تحتها أيضا نجسة تطهر إذا وصل إليها.

نعم إذا كان الحصير منفصلا عن الأرض يشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها نظير ما مرّ من الإشكال فيما وقع على ورق الشجر و تقاطر منه على الأرض.

(1)

أقول: وجه طهارة الحصير و الفراش اصابة المطر عليه.

و وجه التفصيل في طهارة الارض التي تحته بين ما كان الحصير و الفراش متصلا بها.

و بين ما كان منفصلا و انه تطهر الارض في الصورة الاولى لا الثانية هو ما مرّ من ان الميزان صدق اصابة ماء المطر، و ماء المطر ما يمطر من السماء الى موضع و بعد وقوعه على موضع و وصل الى موضع آخر فليس ذلك الماء ماء المطر فليس بمطهر ففي الصورة الاولى اصاب ماء المطر على الأرض و في الثانية لم يصبها.

***

[مسئلة 11: الاناء النجس يطهر إذا اصاب المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: الاناء النجس يطهر إذا اصاب المطر جميع مواضع النجس منه. نعم اذا كان نجسا بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير و لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة الى التعدد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 353

(1)

أقول: اما طهارة الاناء باصابة المطر جميع مواضعه النجسة فلما مرّ من النصوص.

و اما في ولوغ الكلب. فيقع الكلام في انه هل يطهر المتنجس بولوغ الكلب بمجرد اصابة المطر كما يكون الامر هكذا في ساير المتنجسات. او يعتبر التعفير و التعدد مثل ماء القليل. فنقول يعتبر التعفير.

اما أولا: فلان النسبة بين ما يدل على اعتبار التعفير في ولوغ الكلب و بين ما يدلّ على مطهرية المطر تكون عموما من وجه

لان الاول بإطلاقه يدلّ على اعتبار التعفير سواء يطهره في الماء الجارى او في الكر او في المطر او بالقليل.

و الثاني: يدل بإطلاقه على مطهرية المطر سواء كان المتنجس بولوغ الكلب او غيره ففي الاناء المتنجّس بولوغ الكلب الذي ورد عليه المطر يقع التعارض بينهما.

و لو لم نقل بان أدلّة الدالة على التعفير مطلقا اظهر من حيث شمولها مادة الاجتماع من ادلة ماء المطر من باب ان الظاهر من الادلّة الواردة في ماء المطر امتياز المطر من بين المياه في المطهّرية لانه مثل الجاري و اما ما لا يطهره الماء اصلا قبل التعفير فيشكل شمولها له فلا اقل من تساوى الدليلين من حيث الشمول لمادة لاجتماع.

فإذا تعارض الدليلان و تساقطا.

نشك في انه هل يطهر الاناء المتنجس بولوغ الكلب بمجرد اصابة المطر او يجب التعفير قبلها فيستصحب نجاسة الاناء قبل حصول التعفير فالنتيجة وجوب التعفير.

و أما ثانيا: فلان مورد الاخبار الواردة في ماء المطر غير المرسلة يكون اما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 354

البول و اما العذرة و اما المنى و اما الخمر فنقول اما مرسلة الكاهلى و ان كان لها الاطلاق بالنسبة الى النجاسات و لكن لا يعمل بها لضعف سندها بالارسال. و اما غيرها فموردها غير ولوغ الكلب فلا دليل في البين يدل على طهارة ولوغ الكلب بمجرد رؤية المطر و عدم لزوم التعفير حتى بالإطلاق. و بعبارة اخرى لا يستفاد من اخبار الباب خصوصية الماء المطر بالنسبة الى المتنجس بولوغ الكلب فيبقى في البين ما يدل على اعتبار التعفير في ولوغه و اطلاقه يشمل حتى صورة يطهر بماء المطر.

فلهذا نقول باعتبار التعفير في تطهير المتنجس بولوغ الكلب من الاناء

حتى إذا جرى عليه المطر فاذا اريد تطهيره بالمطر لا بدّ من التعفير أولا ثم إذا جرى عليه المطر يطهر.

و هل يعتبر بعد التعفير التعدد في تطهيره بالمطر أو لا يعتبر ذلك.

أقول: ان اخذ بمرسلة الكاهلى فمقتضاها كفاية رؤية المطر في مطهريته للمتنجس و لا يلزم التعدد.

و اما مع قطع النظر عنها كما اخترنا عدم العمل بها من باب ضعف سندها فيشكل الحكم بعدم اعتبار التعدد لانه لا يكون في مورد من اخبار الباب فرض المتنجس بولوغ الكلب فليس في البين ما يخصّص او يقيّد به اطلاق ما دل على التعدد في ولوغه.

ان قلت المذكور في اخبار الباب و ان كان خصوص المتنجس ببعض النجاسات كالبول و العذرة و المنى و الخمر.

و لكن بإلغاء الخصوصية نحكم بطهارة المتنجس بولوغ الكلب بمجرد اجراء المطر عليه كالمتنجس بالبول و غيره لالغاء العرف الخصوصية البولية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 355

و الخمرية لعدم فرق في نظره بين النجاسات.

قلت بعد ما نرى من حكم الشارع بالتعفير و التعدد في ولوغ الكلب نكشف وجود خصوصية له غير موجودة في ساير النجاسات و لهذا لا يمكن التعدى من غير الموارد المذكورة في روايات الباب الّا في ما يمكن الغاء الخصوصية و في ولوغ الكلب لا مجال لدعواه لما عرفت.

لو شككا في زوال النجاسة عن المتنجس بولوغ الكلب بمجرد رؤيته المطر مرّة يحكم ببركة الاستصحاب ببقاء النجاسة ثم بعد ذلك نقول بان العمدة عدم وجود دليل يمكن الاعتماد عليه يدل على اعتبار التعدد بعد التعفير غير دعوى الاجماع لانه كما يأتي إن شاء اللّه في محله ما يستدل به من الاخبار رواية فقه الرضا عليه السّلام و ما

رواه فضل بن ابى العباس بناء على كون لفظ مرتين» بعد كلمة «ثم بالماء». «جزء الخبر»

و لا يمكن التعويل على رواية فقه الرضا عليه السّلام و لا يعلم كون كلمة «مرتين» جزء خبر الفضل.

فليس في البين الّا الاجماع.

و يمكن دعوى كون القدر المتيقن منه هو غير ماء المطر خصوصا مع دلالة رواية محمد بن مسلم على مجرد الغسل و هي و ان صارت مقيدة بما دل على التعفير و لكن ظهورها في كفية الغسل لا اشكال فيه.

و لكن مع ذلك كله مع هذا الاجماع على التعدد و معه يقيد رواية محمد بن مسلم من حيث اطلاق الغسل أيضا يشكل الافتاء بكفاية مجرد الغسل بعد التعفير و لهذا.

نقول كما قال سيدنا الاعظم رحمه اللّه بان الاحوط التعدد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 357

فصل: فى ماء الحمام
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 359

قوله رحمه اللّه

فصل في ماء الحمام ماء الحمام بمنزلة الجارى بشرط اتصاله بالخزانة فالحياض الصّغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة إذا كان ما فى الخزانة وحده او مع ما في الحياض بقدر الكر من غير فرق بين تساوى سطحها مع الخزانة او عدمه و إذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة بشرط كونها كرّا و ان كانت اعلى و كان الاتصال بمثل المزملة و يجرى هذا لحكم في غير الحمام أيضا و ان كان في المنبع الا على مقدار الكر او ازيد و كان تحته حوض صغير نجس و اتصل بالمنبع بمثل المزملة يطهر و كذا لو غسل فيه شي ء نجس فانه يطهر مع الاتصال المذكور.

(1)

أقول في الفصل مسائل:

المسألة الاولى: في ان ماء الحمام بمنزلة الجارى

بشرط اتصاله بالخزانة و لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 360

اشكال في ذلك و ادعى عليه الاجماع و العمدة في ذلك الرايات الواردة في الباب نذكر ما يرتبط بالمقام بعونه تعالى و توفيقه.

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن مسلم قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره أغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلى و ما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب «1» وجه سؤال السائل عن جواز الاغتسال.

امّا كان من باب توهم نجاسة الماء باعتبار غسل الجنب و غيره فيه.

اما من باب كون مائه مستعملا في الحدث الاكبر للاغتسال فيه.

و جواب الامام عليه السّلام بقوله نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب» كاف في جواب كل من الجهتين ثم قوله عليه السّلام

بعد ذلك «ثم جئت فغسلت رجلى الخ» من باب دفع توهم نجاسة سطح الحمام من باب عبور الخبث منه و انه محكوم بالطهارة و ان غسل الرجل يكون لجهة اخرى و هو من باب ما لزق به من التراب.

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن مسلم قال رايت أبا جعفر عليه السّلام جائيا من الحمام. و بينه و بين داره قذر. فقال لو لا ما بينى و بين دارى ما غسلت رجلى و لا يجنب لا يخبث- ل» ماء الحمام «2».

الرواية الثالثة: ما رآها اسماعيل بن جابر عن ابى الحسن الاول عليه السّلام قال:

ابتدأنى فقال: ماء الحمام لا ينجّسه شي ء «3» و لا قائل على العمل بها بهذا الاطلاق بيننا، لان اطلاقها يقتضي عدم تنجسه بشي ء سواء كان قليلا او كثيرا، إلّا ان يحمل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 361

هذا الخبر على صورة كون ما في المنبع منه كرّا. و ان كان حملا بعيدا و لو فرض اطلاق له يقيده ما يدل على عدم نجاسته بشي ء إذا كان له المادة.

الرواية الرابعة: ما رواها ابو يحيى الواسطى عن بعض اصحابه عن ابي الحسن الهاشمى قال سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام لا اعرف اليهودى من النصرانى و لا الجنب من غير الجنب. قال تغتسل منه و لا تغتسل من ماء آخر فانه طهور «1» و لكنها كسابقها و الكلام فيها هو الكلام فيها.

الرواية الخامسة: ما رواها ابن ابي

يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت اخبرنى عن ماء الحمام تغتسل منه الجنب و الصبى و اليهودى و النصراني و المجوسى.

فقال انّ ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا «2».

الراية السادسة: ما رواها داود بن سرحان. قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام، ما تقول في ماء الحمام، قال هو بمنزلة الماء الجارى «3».

الرواية السابعة: ما رواها حنّان قال سمعت رجلا يقول لابي عبد اللّه عليه السّلام انّى ادخل الحمّام في السحر و فيه الجنب و غير ذلك فاقوم فاغتسل فينتضح عليّ بعد ما افرغ من مائهم قال أ ليس هو جار قلت بلى قال لا بأس «4».

الرواية الثامنة: ما رواها بكر بن حبيب عن ابى جعفر عليه السّلام. قال ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة «5» و ظاهرها جريان الماء من المادة في حياض الصغار و الا

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 8 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 362

مجرد وجود المادة بدون اتصال الحياض بها لا اثر لها في طهارة الحياض و عدم نجاستها بملاقاة النجاسة.

ثم انه في الباب بعض الروايات يدلّ بظاهره على نجاسة ماء الحمام بملاقات النجاسة للنهى عن الاغتسال فيه.

مثل ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال سألته عن ماء الحمام.

فقال: ادخله بازار و لا تغتسل من

ماء آخر الا ان يكون فيهم «فيه- خ- ل» جنب او يكثر اهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا «1». و هذه الرواية بظاهرها معارضة مع ساير الروايات لان مفادها عدم جواز الاغتسال من ماء الحمام مع وجود الجنب او كثرة اهل الحمام فلا يدرى فيهم جنب أم لا.

و لا يمكن الاخذ بمضمونها لان فيها الامر بوجوب الاغتسال في ماء الحمام و عدم جواز الاغتسال بغيره مع عدم الجنب و عدم كثرة اهله فلا بدّ من تاويلها او طرحها.

فنقول مضافا الى موهنية الرواية بنفسها لا بدّ بقرينة غيرها من الاخبار من حمل النهي على الكراهة لنصوصية غيرها فى الجواز مع وجود الجنب اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى ان بعض الرويات المذكورة و ان كان له اطلاق بشمل حتى صورة عدم اتصال ما في الحياض بما في المادة.

و لكن بعد دلالة الخامسة و السادسة و السابعة و خصوصا الثامنة منها على ان طهارة ما في الحياض و عدم تنجسه بملاقاة النجاسة ليس الا من باب كون ماء الحمام كماء النهر او بمنزلة الجارى او هو جار و كونه كماء النهر او بمنزلة الجارى ليس الا من

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 363

باب اتصاله بالمادة كالماء الجارى و يكون بعضه عاصما و معتصما ببعض الاخر بمعنى ان ما في الحياض «و هو ماء الحمام على لسان الروايات و دعوى التسالم على ذلك» يكون معتصما بما يجرى عليه من المادة و اتصاله به و خصوصا مع التصريح في الرواية الثانية منها بانه «لا بأس به إذا كانت له مادة» فيقيد بها اطلاق

ساير الاخبار فتكون النتيجة ان ماء الحمام بمنزلة الماء الجارى بشرط اتصاله بالخزانة هذا.

المسألة الثانية: بعد ما يكون ماء الحمام بمنزلة الماء الجارى

بشرط اتصاله بالخزانة. اعنى المادة كما عرفت.

يقع الكلام في انه هل يعتبر كريّة ما في الخزانة وحدها.

او يكفي كونها بضميمة ما في الحياض كرا بحيث انه لو لم يكن ما في المادّة وحدها كرا و لا ما في الحياض وحده كرّا لكن مع ضمّ كل ما في المادّة و ما في الحياض من الماء بالآخر يبلغ حد الكرية يكفى في تحقق موضوع الحكم.

او لا يلزم ذلك أيضا بل يكفي في طرو الحكم مجرد وجود الماء في المادة في طهارة ما في الحياض و كونه بحكم الجارى و لو لم يبلغ مجموع الماء الواقع في الخزانة و في الحياض حدّ الكر.

اعلم ان الكلام ان كان في كون ماء الحمام الذي يكون بمنزلة الجارى هل هو ما يكون له مادة تكون كرّا فالحق اعتبار كرية المادة لانه في رواياتنا و ان لم يكن بلسانها تعرض لهذه الجهة. و لكن بعد كون المتعارف من الحمامات في زمن صدور الروايات هو كون المادة و ما في الخزانة بالغا حد الكرية و كيف يمكن دعوى كفاية كون ما في الخزانة انقص من الكر مع كثرة الابتلاء بالحمام و كثرة المراجعين قهرا.

فإذا كان للاطلاق متعارف خارجا و يكون السؤال و الجواب قهرا عن الحمامات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 364

المتعارفة و لا يفهم السائل عن الجواب الا ما في ارتكازه من المادة اعنى ما يبلغ الكرّ مسلما فان كان نظر المجيب اعنى المعصوم عليه السّلام الى غير المتعارف كان بمقتضى الحكمة عليه البيان و بعبارة اخرى يكون موضوع القضية الواقعة في لسان الروايات

هي الخارجية لا الحقيقية فعلى هذا يكون القدر المسلم من كون ماء الحمام بمنزلة الجارى ما كانت المادة بنفسها بالغة حدّ الكرية. و لا يكفي كون ما في المادة مع ما في الحياض قدر الكر فضلا عن صورة لم يكن مجموعهما كرّا.

نعم يكفي في عدم تنجس ماء الحمام اعنى المياه الملقاة في الحياض الصغار بملاقاة النجاسة كون مجموع الماء الواقع في الخزانة مع ما في الحياض كرّا بشرط جريان المادة عليها و اتصال كل منهما بالآخر حين ملاقاة النجاسة.

لان ما في المادة و ما في الحياض باعتبار اتصال كل منهما بالآخر يعدّ ماء واحدا و ان اختلف سطحهما اذ اختلاف السطح لا يخرجهما عن الوحدة لانه متصل واحد و الوحدة الاتصالية مساوقة للوحدة الشخصية فعلى هذا يكون هذا الماء كرّا و الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي ء.

و لا يسمع العرف بدعوى ان ما في المادة مع ما في الحياض مائان لان ما في المادة مع جريانه بما في الحياض يكون حقيقة و عرفا ماء واحدا.

فتلخص انه في حال جريان ما في المادة على ما في الحياض من الماء مع كون مجموعهما كرّا و ان كان كل واحد من ماء المادة و ما في الحياض اقل من الكر لا ينجس الماء. بملاقاة النجاسة سواء لاقى النجس مع ماء المادة او مع ما في الحياض.

المسألة الثالثة: إذا انقطع اتصال ما في الحياض عن المادة

و كان اقل من الكر ينجس بملاقاة النجاسة و طريق تطهيره اتصاله بالمادة مع تحقق الامتزاج العرفي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 365

على الاحوط بشرط بقاء المادة بنفسها على الكرية حتى يتحقق الاتصال بل الامتزاج على القول باعتباره.

اما نجاسة ما في الحياض بملاقاة النجاسة إذا كان

قليلا و غير متصل بالمادة فواضح لانه ماء قليل ينجس بملاقاة النجس.

و اما تطهيره باتصاله بالمادة المتصفة بالكرية و امتزاجه به بناء على اعتبار الامتزاج فلان هذا طريق تطهير الماء القليل.

و اما اعتبار كرّية المادة التي يطّهر بها ما في الحياض من الماء القليل بنفسها الى ان يحصل الاتصال و كذا الامتزاج بناء على اعتباره فلان الكرّ مطهر له فلا بدّ من بقاء العاصم على الكرية في حال التطهير.

و لا يعتبر كرية المادة مع قطع النظر عمّا يكون في المجرى الذي يجرى على ما في الحياض بل يكفي بلوغ كل من الماء الواقع في المادة و المجرى كرا و باق على الكرية الى حصول التطهير.

المسألة الرابعة: و يكون في حكم ماء الحمام غير ماء الحمام.

في انه لا ينجس بملاقاة النجاسة مع اتصاله بالمادة و يطهر لو غسل فيه شي ء متنجس في هذا الحال.

و في انه إذا تنجس يطهر باتصاله بالمادة العاصمة و حصول الامتزاج على الاحوط بنحو ما قلنا في ماء الحمام لعدم خصوصية لمائه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 367

فصل: فى ماء البئر
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 369

قوله رحمه اللّه

فصل في ماء البئر ماء البئر النابع بمنزلة الجارى لا ينجس الّا بالتغيّر سواء كان بقدر الكر او اقل و إذا تغيّر ثم زال تغيّره من قبل نفسه طهر لان له مادة و نزح المقدرات في صورة عدم التغير مستحب و اما إذا لم يكن له مادة نابعة فيعتبر في عدم تنجسه الكرية ان سمى بئرا كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر و لا نبع لها.

(1)

اقول اعلم ان المراجع في كلمات العامة و اقوالهم لا يرى ذكرا من ماء البئر و كون خصوصية لها فماء البئر عندهم كالماء المحقون فمن يقول منهم بعدم نجاسته بملاقاة النجاسة مطلقا قليلا كان او كثيرا و هو قول أكثرهم يقول في ماء البئر هكذا و من يقول منهم بالتفصيل بين القليل و الكثير في الماء المحقون و هو قول نادر منهم يقول كذلك في ماء البئر.

و اما عندنا فالأقوال ثلاثة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 370

القول الاول: و هو قول نادر التفصيل بين كون ماء البئر قليلا فينجس بملاقاة النجاسة و بين كونه كثيرا فلا ينجس بملاقاته.

القول الثاني: و هو المشهور بين اعاظم القدماء الى زمان العلامة رضوان اللّه عليهم و هو ان ماء البئر ينجس بملاقاة النجاسة سواء كان مائه كرا او اقل منه.

القول الثالث: و هو المشهور بين المتأخرين من زمان العلامة رحمه اللّه الى زماننا هذا و هو.

عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة كثيرا كان او قليلا.

إذا عرفت الأقوال نقول ان العمدة في وجه القول بنجاسته بملاقاة النجاسة.

بعض الأخبار الواردة في الباب الدال بظاهره على وجوب نزح دلاء من ماء البئر

او جميعه بملاقات بعض النجاسات معه و في بعضها انه بالنزّح يطهر مائه و هذا دليل على صيرورة مائه نجسا بملاقاة النجاسة و يكون تطهيره بنزح دلاء من مائه او نزح جميعه و لا نحتاج الى ذكر هذه الروايات حذرا عن التطويل من اراد الاطلاع عليها فليراجع الابواب المعدّة لها في الوسائل و جامع احاديث الشيعة و غيرهما من كتب الاخبار.

و نقول في مقام الجواب مضافا الى بعض الموهنات في نفس بعض هذه الروايات بانه لا يتم الاستدلال به.

اما أولا فلو كنّا نحن و نفس هذه الروايات مع قطع النظر عما يعارضها.

نقول بان في بعضها يوجد بعض الامارات الدالة على ان الامر بالنزح امر استحبابى.

مثل الاختلاف في مقدار الدلاء في خصوص نجاسة واحدة مثلا في وقوع البول في ماء البئر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 371

فامر في بعض الروايات بنزح ثلثين دلوا. و في بعضها بنزح كل الماء. و في بعضا بنزح اربعين دلوا.

و في بعضها مجرد دلاء بدون ذكر مقدار الدلاء.

و كذا في الدم و هكذا

في بعض آخر غيرهما.

و من الواضح ان مجرد الاختلاف في مقدار المطهر دليل على ان الحكم يكون استحبابيّا لرفع القذارة العرفية في الماء و هكذا ذكر مجرد دلاء في ملاقاة بعض النجاسات بدون تحديد الدلاء أيضا شاهد على ان الحكم حكم استحبابى شرّع لرفع القذارة العرفية.

و الاختلاف في التحديدات يحمل على مراتب الفضل و الاستحباب. و مع هذا الاختلاف لا يمكن الالتزام بكون الحكم وجوبيا و الا يلزم التعارض بين نفس هذه الروايات.

و كذلك ان كان الواجب مقدارا خاصا من الدلاء لا يصح ان يقول الامام عليه السّلام بنزح دلاء بدون تعيين تعداده.

و مثل الحكم بصحة الوضوء او الصلاة و عدم وجوب اعادتهما مع انه تطهّر بماء البئر الذي لاقى مع النجاسة و هذا لا يناسب مع صيرورة الماء نجسا لانه ان كان نجسا لا يصح التطهير به و يجب اعادة الصلاة لوقوعها بلا طهارة و هذا شاهد آخر على عدم كون الامر بالنزح امرا وجوبيا شرطيّا لحصول طهارة ماء البئر بمعنى صيرورته نجسا بملاقاة النجاسة و يطهّره النزح بل الامر بالنزح امر استحبابى لرفع القذارة العرفيّة الحاصلة بملاقاة النجاسة.

و أما ثانيا لو فرضنا ظهور هذه الروايات في حدّ ذاتها في نجاسة ماء البئر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 372

بملاقاته النجاسة و ان النزح بالمقدرات طريق تطهيره.

نقول بعد دلالة روايات كثيرة على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة فمقتضى القاعدة فى الجمع العرفي هو حمل الا و امر الواردة بالنزح على الاستحباب. لانها ظاهرة في وجوب النزح و نجاسته.

و الروايات الدالة على عدم نجاسته

نص في عدم النجاسة فيحمل الظاهر على النص و تكون النتيجة استحباب نزح المقدرات و عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة.

فانظر ما

رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الّا ان يتغيّر ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لان له مادة «1» فهى نص في ان ماء البئر لا يفسده شي ء الا مع التغيّر بالنجاسة.

و مثلها الرواية 5 و 8 و 10 و 11 و 12 و 15 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل. «2»

و كلها تدلّ بالمطابقة او بالالتزام على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة.

لان في بعضها و ان كان المذكور الأمر بعدم غسل ثوب غسل في ماء البئر الملاقى للنجاسة او صحة الوضوء و عدم وجوب اعادة الصلاة.

و في بعضها التصريح بعدم النجاسة مثل رواية ابن بزيع فعلى هذا لا بدّ من حمل الاوامر الواردة على النزح بالمقدرات على الاستحباب بقرينة هذه الروايات.

ان قلت بعد اعراض القدماء من اصحابنا رحمه اللّه عن هذه الروايات لانهم مع

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 373

وقوفهم على هذه الأخبار بل ذكروها في بعض كتبهم لم يعتنوا بهذه الاخبار الدالة على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة فيصير ذلك موجبا لوهنها و ان فيها اشكالا من حيث الصدور او جهة الصدور و هذا يوجب وهنها و عدم صحة العمل بها فعلى هذا يكون التعارض بين الحجة و لا حجة فلا مجال للجمع العرفى.

قلت اما عدم عمل المشهور من القدماء رحمه اللّه بهذه الطائفة من الاخبار صحيح و لكن مجرد ذلك لا يكون اعراضا حتى يستكشف من اعراضهم

وجود وهن في سندها او جهة صدورها بل ربما كان ترك عملهم من باب جهة او جهات اخرى مثل كون الاخبار الدالة على نجاسة ماء البئر اقوى ظهورا عندهم او اصح سندا و لم يكن مبناهم الجمع العرفي المتعارف عندنا او غير ذلك و إذا لم يثبت الاعراض و كان مقتضى الحجية موجودا في كلتا الطائفتين فمقتضى الجمع العرفي هو ما قلنا من حمل الظاهر على النص و تكون النتيجة حمل الاخبار الآمرة بالنزح على الاستحباب.

ان قلت يمكن حفظ ظهور كل من الطائفتين و الجمع بينهما بنحو آخر و هو ما نسب الى العلامة رحمه اللّه أيضا بان يقال ان وجه دالة الطائفة الاولى على النجاسة ليس الّا من باب الا و امر الواردة فيها بالنزح فيمكن حمل الامر فيها على الامر التكليفى لا الشرطى بمعنى اشتراط طهارته بالنزح بل يجب النزح بالوجوب التكليفى و يقال بان ماء البئر لا ينجس بملاقاة النجاسة كما هو مفاد طائفة من الطائفتين من الاخبار المذكورة و يقال بان الأمر بالنزح بالمقدرات لا يدلّ على صيرورة ماء البئر نجسا حتى يكون الامر بالنزح لتطهيره بل النزح يكون واجبا تعبّديا.

قلت هذا كلام محتمل ثبوتا في المقام في حد ذاته.

لكن في بعض الاخبار ما لا يساعد معه و هو ان مفاد بعض الاخبار جعل تطهير الماء بما امر من نزح الدلاء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 374

مثل الرواية 21 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل و الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الماء المطلق من الوسائل فعلى هذا لا يمكن حمل الأمر بالنزح على الأمر التكليفى التعبدى.

ثم انه من الاقوال القول بالتفصيل

بين صورة يكون ماء البئر كثيرا فلا

ينجس بملاقات النجاسة و بين ما يكون قليلا فينجس بملاقاتها.

و ما يمكن ان يستدل به عليه امر ان.

الامر الاول ما رواها الحسن بن صالح الثورى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

قال: إذا كان الماء في الركى كر الم ينجّسه شي ء قلت و كم الكر قال ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها «1».

و ما رواها عمار قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة او رطبة فقال لا بأس إذا كان فيها ماء كثير «2».

الامر الثاني: عموم ما دل على انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة و لا يعارضه ما دل على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة لانصرافه بصورة بلوغ ماء البئر حد الكر. و مع قطع النظر عن الانصراف.

يقال بعد دلالة بعض الروايات على نجاسة ماء البئر بملاقاتها و دلالة بعض الروايات على عدم نجاسته كما عرفت. تكون هاتان الروايتان شاهدى جمع بين تلك الطائفتين لان مقتضاهما عدم نجاسة ماء البئر فيما كان بقدر الكر بالمنطوق و نجاسته.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 375

إذا كان اقل منه بالمفهوم فترفع اليد عن اطلاق كل من الطائفتين بقرينة الروايتين فتكون النتيجة نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة إذا كان قليلا و عدم نجاسته إذا كان كثيرا.

أقول مضافا الى ضعف سند الروايتين و عدم عامل بهما من اصحابنا غير البصراوى على ما نقل.

و مضافا الى عدم كون معنى الكثير الكر لعدم كون مصطلح الاخبار التعبير من الكر بالكثير و انما التعبير بالقليل و

الكثير من القوم. فلا دليل على كون المراد من الكثير في الرواية الثانية من الروايتين هو الكر.

نقول بان الجمع بين رواية اسماعيل بن بزيع المتقدمة ذكرها المصرحة فيها بان منشأ عدم افساد ماء البئر بشي ء هو وجود المادة له و بين الرواية الدالة على ان منشأ عدم نجاسة ماء البئر هو الكرية غير ممكن لانه مع وجود المادة و هذه العلة لا فرق بين كرية الماء و عدمها. و إذا لم يمكن الجمع بينهما و صارتا متعارضتين فالترجيح مع رواية ابن بزيع مع انه لو كان البناء في مقام التعارض على حمل الظاهر على الاظهر فدلالة رواية ابن بزيع في عليّة المادة لعدم النجاسة اظهر من المفهوم المستفاد من هاتين الروايتين في كون القلة موجبة لنجاسة ماء البئر.

و اما ما دل على انفعال ماء القليل فيقيد او يخصص برواية ابن بزيع لانها نص في كون وجود المادة علّة لعدم تأثير النجاسة في ماء القليل فيقيد او يخصص و براية ابن بزيع لانها نص في كون وجود المادة علّة لعدم تأثير النجاسة في ماء البئر مع امكان دعوى انصراف ادلة انفعال الماء القليل عن ماء البئر لان مورد غالبها غير البئر فراجع إذا عرفت ما بيّناه لك يظهر لك امور.

الأمر الاول: ان ماء البئر بمنزلة الجارى و منشأ مطهريّة كل منهما وجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 376

المادة و لا ينجس ماء البئر بملاقاة النجاسة الا بالتغيّر لدلالة بعض الروايات و منها رواية ابن بزيع على ذلك.

الامر الثاني: لا فرق الفرق في هذا الحكم اعنى عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة بين كون مائه قليلا او كثيرا كما عرفت وجهه.

الامر الثالث: إذا

تغيّر ثم زال تغييره من قبل نفسه.

هل يطهر بمجرد اتصاله بالمادة لان له مادة أو لا يكفى ذلك بل لا بدّ من خروج الماء من المادة و امتزاج ما في البئر من الماء بما يخرج من المادّة من الماء. وجه عدم اعتبار خروج الماء من المادة و امتزاجه به و كفاية اتصاله بالمادة الموجودة في عروق الارض بحيث إذا أخذ من ماء البئر مقدار يشغل موضعه ما يخرج من المادة لان هذا يقتضي ظاهر رواية ابن بزيع حيث ان مفادها علية وجود المادة لعدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة و تطهيره بها بعد زوال التغير و آنها علة دفعا و رفعا و لا تقيد في الرواية العلة بخروجه و اتصاله او امتزاجها بما في البئر.

وجه اعتبار خروج الماء من المادة و امتزاجه بما في البئر ان المستفاد من الرواية كون المادة علّة لطهارة ما في البئر.

و اما كيفية تطهيره لا تعرض الرواية لها فكما نقول باعتبار الامتزاج في كيفية تطهير ما عدا ماء البئر من المياه كذلك نقول في المقام.

و بعبارة اخرى ما يستفاد من العلة كون المادة موجبا لحكمين عدم النجاسة بملاقاة النجاسة و طهارته بعد نجاسته.

و اما على اى كيفية تطهّر ماء البئر فلا تعرض للرواية لها فكما ان قوله في بعض روايات الحمام يطهّر بعضه بعضا او إذا كان له المادة لا يستفاد منه الا ان الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 377

الحمام مادّة تطهّر ما في الحياض و اما كيفية تطهيره فلا بدّ من استفادتها من الخارج كذلك في ما نحن فيه.

و لذا من يقول باعتبار الامتزاج في ماء الحمام و الجارى و ماء المطر لا بدّ

ان يقول هذا أيضا.

نعم لو استظهرنا من دليل او من حكم العرف عدم اعتبار الامتزاج في تطهير المياه نقول في المقام أيضا. و الحاصل انه لا يفهم من العلة المذكورة في رواية ابن بزيع خصوصية لمادة ماء البئر يكفى في تطهير مائه مجرد اتصاله بالمادة و ان كانت في عروق الارض بل حال ماء البئر حال ساير المياه فان اعتبرنا الامتزاج نقول هذا و الا فلا و حيث ان الاحوط الامتزاج.

نقول في المقام بان الاحوط انه لا بدّ فى تطهير ماء البئر من خروج الماء من المادة و امتزاجه بما فى البئر من الماء.

ثم ان ما لا يكون له مادة نابعة ليس موضوعا لبعض الاحكام المختصة بماء البئر لعدم شمول الادلة له بل يكون بحكم الماء المحقون فان كان كرا لا ينجس بملاقاة النجاسة و ان كان قليلا ينجس. بملاقاتها.

***

[مسئلة 1: ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجّس بالتغيير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجّس بالتغيير فطهره بزواله و لو من قبل نفسه فضلا عن نزول المطر عليه او نزحه حتى يزول و لا يعتبر خروج ماء من المادة في ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 378

(1)

أقول: اما عدم دخل خصوص النزح في زوال التغير فصحيح لعدم خصوصية للنزح بل باى سب يزول تغيره يحصل موضوع قابليته للتطهير.

و من قوله عليه السّلام في رواية ابن بزيع. «فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم» لا يستفاد خصوصية للنزح في زوال التغير و بيان ذلك يكون من باب ان الوضع الطبيعي غالبا مع الحاجة بالاستفادة عن ماء البئر يقتضي ان تنزح مائه حتى يزول تغيره و يمكن معه الاستفادة منه لا لخصوصية في النزح فلو حصل ذهاب التغير من

قبل نفسه كفى.

و اما طهارته بمجرد زوال التغير فليس بكاف بل لا بدّ من خروج الماء من المادة و امتزاجه بما في البئر من الماء على الاحوط كما عرفت.

***

[مسئلة 2: الماء الراكد النجس كرا كان او قليلا يطهر بالاتصال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الماء الراكد النجس كرا كان او قليلا يطهر بالاتصال بكرّ طاهر او بالجارى او النابع الغير الجارى و ان لم يحصل الامتزاج على الاقوى و كذا بنزول المطر.

(2)

أقول: هل المعتبر في تطهير المياه المتنجسة مجرد اتصاله بكر طاهر او بالماء الجارى او النابع الغير الجارى او ماء المطر كما اختار بعض و منهم المؤلف رحمه اللّه.

او لا يكفي مجرد الاتصال بل يعتبر مضافا الى ذلك امتزاجه مع احد المذكورات قولان.

وجه كفاية مجرد الاتصال. اما دعوى ظهور. ما ورد فى بعض الروايات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 379

الواردة فى ماء الحمام من قوله عليه السّلام الحمام «ماء الحمام بمنزلة الجارى يطهر بعضه بعضا» او في ماء المطر في مرسلة الكاهلى «كل شي ء يراه المطر فقد طهر».

او في مرسلة ارسلها العلامة رحمه اللّه في المختلف و فيها بعد اشارة المعصوم عليه السّلام الى غدير ماء قال عليه السّلام «ان هذا لا يصيب شيئا الا طهره» او في رواية ابن بزيع المتقدمة ذكرها في مقام بيان علة عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة و طهارته بعد زوال تغيره من قوله عليه السّلام «لان له مادة» فان الظاهر من الرواية الاولى.

ان الاتصال بالمادة و هو البعض يطهّر بعضه الآخر.

و كذا في الثانية فان مفادها كفاية مجرد رؤية المطر لطهارة الماء المتنجس.

و كذا في الثالثة فمفادها مجرد اصابة ماء الغدير يعني الكر كاف في طهارة الماء المتنجس.

و كذا في الرابعة فان ظاهرها ان

مجرد وجود المادة في عروق الارض و اتصاله بماء البئر كاف لطهارته بعد زوال تغيره.

و اما بدعوى ان العرف لا يفهم في مقام تطهير الماء المتنجس الا مجرد اتصاله بالماء الطاهر.

خصوصا بعد كون المعلوم ان الماءين بالاتصال يصير ان ماء واحدا و لا بد من كونهما محكوما بحكم واحد كما ادعى عليه الاجماع.

و لا اشكال في انه لا يمكن دعوى كون كل من الماءين المتصلين حتى الماء العاصم منهما نجسا.

فلا بدّ من اختيار العكس و هو طهارة كل منهما هذا كله غاية ما يمكن ان يقال في وجه كفاية مجرد اتصال الماء المتنجس بالماء العاصم في طهارته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 380

أقول اما الروايات، فما ورد في ماء الحمام فلا يستفاد منه الا كون بعضه مطهّرا لبعضه الآخر و بعبارة اخرى جريان الماء من المادة الى ما في الحياض مطهر لما فيها و في هذا لو لم نقل بان مورده حصول الامتزاج قهرا من باب كون مادة الحمام غالبا اعلى بالنسبة الى الحياض و لهذا مع جريان المادة عليه يمتزج قهرا مع ماء الحمام.

نقول بان الرواية ليست متعرضة لكيفية تطهير بعض ماء الحمام لبعضه الآخر.

و كذا مرسلة المختلف لا يستفاد منها الا ان ماء الغدير لا يصيب شيئا الّا و قد طهّره.

و كذا مرسلة الكاهلى في ماء المطر من ان كل شي ء يراه المطر فقد طهر. و كذا في رواية ابن بزيع فان صدق الاصابة او الرؤية و كذا كيفية مطهرية المادة بيد العرف. فيرجع الدليل الاول الى الدليل الثاني و هو ان العرف يحكم بانه مع مجرد الاتصال يصدق انه اصابه او رآه المطر او مجرد الاتصال بالمادة يكفي في

مطهرة ماء الحمام او في مطهرية ماء البئر.

و نقول جوابا عن ذلك بان الاتصال لا يوجب الوحدة فمتى لم يحصل الامتزاج لا يعد الماءان ماء واحدا.

نعم إذا كان اختلاطهما بحيث يعدّ بالاشارة واحدا و يشير إليهما بالوحدة فيعد الماءان واحدا عند العرف و هذا ليس الا بعد امتزاج كل من الماءين بالآخر فمع الامتزاج و صدق وحدة الماء لا يمكن الالتزام بعدم طهارة الماء المتنجس. اما من باب الاتفاق المدعى على ان الماء الواحد محكوم بحكم واحد و حيث انه لا يمكن الالتزام بنجاسة الماءين الممتزجين لعدم امكان الالتزام بنجاسة الماء العاصم فلا بدّ من الالتزام بطهارة الماءين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 381

اما من باب انه بعد تسلّم قابلية طهارة الماء المتنجس كما يستفاد من الاخبار الواردة في ماء الحمام و غيره مما قدّمنا و عدم كفاية مجرد الاتصال في نظر العرف و كفايته بنظره مع الامتزاج و عدم وصول طريق من قبل الشارع في كيفيته التطهير فالمحكّم هو نظر العرف فلا مجال بعد حصول الامتزاج العرفي لاستصحاب نجاسة الماء المتنجس سابقا.

كما انه قبل حصول الامتزاج محكوم بالنجاسة لاستصحاب النجاسة لانا نشك في طهارته بمجرد رؤية الماء العاصم و عدم دليل على الفرض على طهارته.

بمجرد ذلك فيحكم ببقاء نجاسته ببركة الاستصحاب فتلخص من كل ما مر ان الاقوى اعتبار الامتزاج في تطهير المياه.

***

[مسئلة 3: لا فرق بين انحاء الاتصال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا فرق بين انحاء الاتصال في حصول التطهير فيطهر بمجرده و ان كان الكر المطهّر مثلا اعلى و النجس اسفل و على هذا فإذا القى الكر لا يلزم نزول جميعه فلو اتصل ثم انقطع كفى نعم إذا كان الكر الطاهر اسفل و الماء النجس

يجرى عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال.

(1)

أقول: مع تحقق الامتزاج كما عرفت في المسألة السابقة و فيما القى الكر لا يلزم نزول جميعه بل لا بدّ من نزول مقدار منه يتحقق معه الامتزاج و بقاء الماء الكر المطهر على كريته و لا يطهر الفوقاني باتصاله بالكر السافل لانه مع جريان الماء من الفوق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 382

و قوته يدفع السافل فلا يؤثر السافل فيه و لا يمتزج به كما هو نظر العرف.

***

[مسئلة 4: الكوز المملوّ من الماء النجس إذا غمس في الحوض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الكوز المملوّ من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر و لا يلزم صبّ مائه و غسله.

(1)

أقول: بشرط تحقق الامتزاج و بناء على عدم اعتبار التثليث في الظروف و منها الكوز كما يأتي إن شاء اللّه في محله.

***

[مسئلة 5: الماء المتغير اذا القى عليه الكر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الماء المتغير اذا القى عليه الكر فزال تغيره به يطهر و لا حاجة الى القاء كرّ آخر بعد زواله لكن بشرط ان يبقى الكر الملقى على حاله من اتصال اجزائه و عدم تغيره فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس او تفرّق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقيا على حاله تنجس و لم يكف في التطهير و الاولى ازالة التغير أولا ثم القاء الكر او وصله به.

(2)

أقول: بعد ما يكون الكر المطلق مع بقاء اطلاقه مطهرا للماء المتنجس بالتغير بعد زوال تغيره ففي المقام يكون الماء مطهرا على الفرض لانه مع القائه في الماء المتغير يزول التغير مع بقائه على اطلاقه و اتصال اجرائه فهو كرّ يطهر الماء المتنجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 383

بشرط الامتزاج و لا حاجة بعد ذلك الى القاء كر آخر. نعم هذا فرض بعيد تحققه في الخارج الا في صورة كون الماء المطهر أكثر من كرّ واحد او كان تغير الماء المتغير بمرتبة ضعيفة يزول بإلقاء الكر عليه.

***

[مسئلة 6: تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم و بالبينة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم و بالبينة و بالعدل الواحد على اشكال لا يترك فيه الاحتياط و بقول ذى اليد و ان لم يكن عادلا و لا تثبت بالظن المطلق على الاقوى.

(1)

أقول: اما ثبوتها بالعلم فمما لا اشكال فيه لان العلم طريق الى الواقع و به يكشف الواقع كما مر تفصيله في الاصول فهو حجة على الواقع و لا بدّ من الاخذ به بحكم العقل.

و اما ثبوتها بالبينة فيدلّ عليه مضافا الى دعوى التقاط عموم حجيتها من الموارد المختلفة الّتي وردت من الشرع كونها حجة لان اعتبارها في هذه

الموارد من المخاصمات و غيرها يكشف ان وجه حجيتها في هذه الموارد ما يوجب حجيتها مطلقا بل بعد حجيتها في المخاصمات مع كونها مخالف اليد فحجيتها في غيرها تكون بطريق الاولى.

بعض الاخبار الدالة على حجيتها على الاطلاق مثل ما رواها مسعدة «1» بن صدقة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول كل شي ء هو لك حلال حتى تعلم انه

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 4 من ابواب ما يكتب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 384

حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب قد اشتريته و هو سرقة او المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه او خدع فبيع او قهر فبيع او امرأة تحتك و هي اختك او رضيعتك و الاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة بدعوى دلالتها على اعتبار البينة في كل الاشياء.

اعلم ان هذه الرواية لا تدلّ على حجيّة قول البينة لان غاية ما يستفاد منها هو اعتبارها في الحرمة و كلّ ما يلازم الحرمة من باب انّ دليل اعتبار الامارة كما يدلّ على حجيّتها بالنسبة الى الملزوم كذلك يدل على حجيتها حجيّة بالنسبة الى اللوازم و إذا كانت البيّنة بمقتضى الرواية حجّة في اثبات الحرمة كذلك حجة فى اثبات لوازمها في فيثبت مثلا النجاسة الّذي من لوازم الحرمة و لكن مع ذلك اثبات حجيّتها في ما قامت البيّنة على غير الحرمة مثلا قامت على النجاسة كما نحن فيه محتاج الى دعوى القاء خصوصية حرمة الدالة على حجّيّتها الرواية المذكورة و انّه لا فرق بين قيام البينة على الحرمة او غيرها فعلى هذا ليست الرواية

دليلا مستقلا على حجيّة البيّنة فالعمدة ما قلنا من انّه بعد حجيّة البينة في موارد كثيرة نكشف كونها حجّة مطلقا للقطع بإلقاء خصوصية هذه الموارد و مثل هذه الرواية في دللتها على حجيّة البيّنة في الجملة الرواية 2 من الباب 61 من ابواب الاطعمة المباحة.

و هى ما رواها عبد اللّه بن سليمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الجبنّ قال «كلّ شي ء لك حال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان انّ فيه ميتة» و ان موردها و ان كان الجبن لكن نعلم بعدم خصوصية له.

ان قلت انّ هذه الرواية تدلّ على اثبات الحرمة بالبيّنة لا على النجاسة.

نقول أولا نعلم بعدم الخصوصيّة.

و ثانيا بعد كون البينة من الامارات فتثبت بها لوازمها فاذا ثبتت الحرمة من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 385

حيث اكلها تثبت نجاستها لان منشأ الشك في حرمتها ليس الّا من باب كون الجبن من الميتة كما يظهر من قوله عليه السّلام حتّى يجيئك ان فيه ميتة.

و اما التمسك باستقرار سيرة العقلاء على العمل بالبينة فلا يفيد لنا لانّ بنائهم كان من باب حصول الاطمينان بقولها كما لا يبعد ذلك في الخبر الواحد و الكلام و الإشكال يبقى في حجيتها في ما لم يحصل الاطمينان.

ان قلت بانه بعد كون سيرة العقلاء على الاخذ بالبينة بحصول الاطمينان فيحمل ما ورد في الشرع من اعتبار قولها على هذه الصورة قلت بان المتتبع في موارد الاخبار الدالة على حجيتها مثل موارد الخصومات حجيّتها و لو لم يحصل الاطمينان منها و اما ثبوتها بقول العدل الواحد فنقول انه و ان تمسك لذلك باستقرار طريق العقلاء و ببعض ما ورد من الروايات في حجية خبر الواحد و

ما ورد في عزل الوكيل باخبار الثقة و ما ورد من اعتبار أذان الثقة و من اعتباره في ثبوت الوصية و ما ورد في ثبوت استبراء الأمة بخبر الثقة.

و لكن بعد كون استقرار سيرة العقلاء على الاخذ بقول المخبر الواحد من باب حصول الاطمينان بل يحتمل قويا كون حجيته في لسان الشرع في تلك الموارد امضاء لطريقتهم و ليس حكما تأسيسيا فلا دليل على حجية قوله و لو لم يحصل الاطمينان فالاكتفاء بقوله في صورة عدم حصول الاطمينان مشكل و اما ثبوتها بقول ذى اليد. فاستدل عليه بوجهين:

الوجه الاول: استقرار طريقة العقلاء على الاخذ بقول ذى اليد في امورهم و لم يردع عنه الشارع و يكفى عدم ردعه لان هذا من الامور التي يكون المرجع فيها العقلاء و نذكر بعض موارده في الوجه الثاني إن شاء اللّه.

الوجه الثاني: ما نرى من حجية قوله عند الشرع في الموارد التي نذكرها لك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 386

إن شاء اللّه.

منها في قبول قوله في ذهاب الثلثين من العصير كالرواية 4، من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل و هي ما رواها معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من اهل المعرفة بالحق يأتينى بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا اعرف انه يشربه على النصف أفا شربه بقوله و هو يشربه على النصف فقالا تشربه. قلت فرجل من غير اهل المعرفة ممن لا نعرفه يشر به على الثلث و لا يستحله على النصف يخبران عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقى ثلثه يشرب منه قال نعم. و هذه الرواية كما ترى تدل

عل اعتبار قول ذى اليد و ان لم يكن عادلا بل و ان لم يكن من اهل الولاية غاية الامر يظهر منها اعتبار عدم كون ذى اليد متهما.

و ما في بعض الروايات المذكور في الباب المذكور من اعتبار العدالة او ان كونه عارفا «1» او كونه مسلما ورعا «2» يحمل على الاستحباب بقرينة الرواية المذكورة المصرفة فيها بقبول قول غير العارف العادل.

منها ما «3» ورد في قبول اقراره للغير و ليس هذا من باب كون الاقرار على نفس ذى اليد و ضررها نافذا لان اثر الاقرار هو عدم كون ما اقر لنفسه و اما كونه للغير ليس الا من باب نفوذ قول ذى اليد.

و اما ما ورد «4» في انه اعار الشخص ثوبا و صلى فيه ثم اخبر صاحب الثوب بنجاسته يعيد إذا اخبر فالمستفاد منه مع قطع النظر في بعض الاشكالات ليس كون

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 25 و 26 من الباب 16 من الوصايا من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 47 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 387

منشأ صحة الصلاة الاتكاء بقول ذى اليد بل لعل المنشأ هو الاتكاء في الصلاة فيه على اصالة الطهارة فلهذا لا يجب الاعادة بعد العلم بالنجاسة.

إذا عرفت ذلك كله نقول اما اعتبار قول ذى اليد فيما لا يكون متهما يستفاد من بعض الروايات و كون مورده خصوص البختج او الاقرار لا يكون مخصصا لعدم فرق بين الموارد خصوصا ما عرفت من تحقق سيرة العقلاء على الاستناد في امثال هذه الامور

من النجاسة و الطهارة و غيرها بقول ذى اليد بدون مراعات عدالته او كونه مسلما بل يترتّبون الاثر المترقب على ما في يد الشخص و لو كان كافرا.

نعم إذ كان متهما في اخباره يشكل الحكم بترتيب الاثر بقوله كما يستفاد من الرواية المتقدمة و عدم تحقّق السيرة في هذه الحال.

و امّا ثبوتها بمطلق الظنّ فلا وجه له لما مرّ من انّ الاصل عدم حجّيّته الّا ما خرج بالدليل و لا دليل يدلّ على اعتبار مطلق الظنّ في ثبوت النجاسة.

***

[مسئلة 7: إذا أخبر ذو اليد بنجاسته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا أخبر ذو اليد بنجاسته و قامت البينة على الطهارة قدمت البينة و إذا تعارض البينتان تساقطتا إذا كانت بينة الطهارة مستندة الى العلم و ان كانت مستندة الى الاصل تقدّم بينة النجاسة.

(1)

أقول: امّا وجه تقديم البينة على اخبار ذى اليد مضافا الى امكان دعوى قصور ادلّة اعتبار قول ذى اليد عن صورة تعارضه مع البينة لانّ الظاهر من دليله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 388

هو انّه لو خلى و طبعه يسمع قول ذى اليد عن خصوصيات ما في يده و اما في قبال البينة فلا لانه مع فرض كون كلّ منهما أمارة لو لم يقدم البينة على اليد يلزم تخصيص عموم الدليل البينة بمورد النادر اذ في اغلب مواردها تكون معارضة مع اليد كما ترى في الباب الخصومات بخلاف دليل حجيّة قول ذى اليد لانّه لو خصص بالبينة لا يوجب تخصيص الأكثر.

نعم لو كان مستند البينة في شهادتها الاصل ففيها كلام في انّه هل يقدّم البينة مع ذلك على قول ذى اليد او يقدّم قوله عليها.

وجه تقديم قول ذى اليد إذا كان مستند البينة الاصل هو انّ

التعارض في الحقيقة يكون بين الاصل و قول ذى اليد مثلا إذا شهد الشاهد ان بطهارة شي ء استنادا باصالة الطهارة او استصحابها و اخبر ذو اليد بنجاسته فيكون التعارض بين قوله و اصالة الطهارة او استصحابها و حيث انّ قول ذى اليد يكون أمارة يقدّم على الاصل لما مرّ في الاصول من تقديم الامارة على الاصل.

و اما إذا تعارض البيتان فهل تتساقطان مطلقا سواء كان كل من البينتين مستندا الى العلم او الاصل او تتساقطان في خصوص صورة كون مستند كلّ من البينتين واحدا و امّا مع كون مستند واحدة منهما العلم و مستند الاخرى الاصل يقدّم ما يكون مستنده العلم على ما يكون مسنده الاصل.

الاقوى تساقطهما في صورة كون مستندهما واحدا لانّه بعد كونهما طريقين فمقتضى القاعدة بعد التعارض تساقطهما عن الطريقيّة.

امّا مع كون مستند واحدة منهما العلم و الاخر منهما الاصل يؤخذ بما يكون مستنده العلم لانّه يكون التعارض في الحقيقة بين الامارة و الاصل إذا البينة المستندة الى لعلم يشهد على انّ الواقع هكذا و البينة المستندة الى الاصل لا يشهد الّا بمفاد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 389

الاصل و على طبقه ففي مقام التعارض يؤخذ بالبينة المستندة الى العلم و يطرح البينة المستندة الى الاصل.

***

[مسئلة 8: إذا شهد اثنان باحد الأمرين و شهد أربعة بالآخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا شهد اثنان باحد الأمرين و شهد أربعة بالآخر يمكن بل لا يبعد تساقط الاثنين بالاثنين و بقاء الآخرين.

(1)

أقول: ان كان منشأ ما قال توهم ان الاثنين يعارض مع الاثنين من الاربعة فقط فتساقطا بالتعارض و يبقى الاثنان بلا معارض.

ففيه ان الاثنين يعارض مع كل من الاربعة في عرض واحد فتساقطا بالتعارض.

و ان كان النظر الى انه و

لو تعارض الاثنان مع الاربعة لكن في مقام التعارض يرجّح الاربعة على الاثنين بكثرة العدد ففيه ان اكثرية العدد لو فرض كونه مرجّحا في تعارض الخبرين المثبتين للحكم بالدليل الخاص لا يوجب اجرائه في تعارض البينات بل و ان قيل بذلك في الشهادة في مقام القضاء و دفع الخصومة لا وجه لاجرائه في غير ذلك الباب.

كما انه لا وجه للتفصيل بين صورة حصول الاطمينان و عدمه فيؤخذ بالاثنين من الاربعة لان هذا خلاف مفروض الكلام لان الكلام في تعارض البينتين لا في الاطمينان فان الاطمينان بناء على حجيّته حجة من أىّ سبب حصل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 390

[مسئلة 9: الكرية تثبت بالعلم و بالبينة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: الكرية تثبت بالعلم و بالبينة و في ثبوتها بقول صاحب اليد وجه و ان كان لا يخلو عن اشكال كما ان في اخبار العدل الواحد أيضا اشكالا.

(1)

أقول: قد مر في المسألة 6 ثبوت مطلق الموضوعات بالعلم و بالبينة و بقول صاحب اليد «بشرط عدم كونه متهما و لا ادرى لم استشكل المؤلف رحمه اللّه في حجية قول ذى اليد في ثبوت الكرية.

نعم يظهر من بعض «1» الشارحين من ان وجه اشكاله هو ان العمدة في اعتبار قول ذى اليد السيرة و حيث ان الابتلاء بالسؤال باخذ قول ذي اليد في الكرية كان قليلا فلا يمكن دعوى السيرة عليه.

و فيه ان المراد من السيرة بعد كونها سيرة العقلاء على الاخذ بقول ذى اليد و ما ورد من اعتبار قوله في بعض الموارد مثل ما ورد في البختج هو امضاء تلك السيرة فهى كافية لنا في المقام و لا يلزم كون تحقق السيرة في خصوص الاخذ بقول ذى اليد في الكرية

من العقلاء بل يكفي في امثالها و نظائرها.

كما انه لو كان المراد من السيرة، السيرة المتشرعة على خلاف التحقيق يكون كذلك اى يكون السيرة في امثاله و نظائره كاف لحجّيتها في ما نحن فيه و يحتمل ان يكون نظره الشريف من الإشكال في ثبوت الكرية بقول ذى اليد من باب ان القدر المتيقن من السيرة العقلائية باخذ قوله في الأمور التي تكون طريق كشف مواقعه غالبا منه مثل نجاسة ما في يده او طهارته او نظائرها و اما ما يمكن كشف حاله بدون

______________________________

(1) مستمسك، ج 1، ص 202.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 391

التثبت الى قوله غالبا فلا و اكثر الوارد هكذا لان كشف كون هذا الماء كرا أو لا يمكن بسهولة و لا يكون طريق كشفه على الغالب من ذى اليد و مورد الرواية الواردة في البختج أيضا. لا يفيد ازيد من هذه الصورة فعلى هذا يكون ثبوت الكرية بقول ذى اليد محل اشكال.

و فيه ان السيرة على الاخذ بقول ذى اليد في خصوص ما هو تحت يده بلا فرق بين الصورتين فتأمّل. و اما ثبوته بخبر العدل الواحد فقد عرفت الإشكال فيه الا في صورة حصول الاطمينان من قوله.

***

[مسئلة 10: يحرم شرب الماء النجس الّا في الضرورة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: يحرم شرب الماء النجس الّا في الضرورة و يجوز سقيه للحيوانات بل و للاطفال أيضا و يجوز بيعه مع الاعلام.

(1)

أقول: اما حرمة شرب الماء النجس فالعمدة في وجهها الاجماع بل دعوى ضرورة المذهب عليه و اما نص دال عليها بالخصوص فلم اقف بعد عليه.

و اما جواز شربها في الضرورة فهى مما لا اشكال فيه لان الضرورات تبيح المخطورات و يدل عليه مضافا الى بعض النصوص ما

دل على نفي الضرر و ما فيه العسر و الحرج.

و اما جواز سقيه للحيوانات فيدل عليه.

ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن البهيمة البقرة و غيرها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 392

تسمقى او تطعم ما لا يحلّ للمسلم اكله او شربه أ يكره ذلك قال نعم يكره ذلك «1» بناء على حمل الكراهة فيها على الكراهة المصطلحة بعد مفروضية كون شرب ماء النجس حرام على المسلم لان الرواية تدل على كراهة شرب البهيمة ما لا يحل للمسلم اكله و شربه.

لو اشكل في الرواية من حيث لفظ الكراهة فيكفينا اصالة الاباحة في جواز سقى البهيمة الماء المتنجس في صورة الشك في جواز و عدمه.

و اما جواز سقيه الاطفال فلم اجد وجها يقضى به في النصوص.

و غاية ما يمكن ان يقال انه بعد ما نعلم بانه ما اوجبه الشارع او حرّمه يكون من باب وجود المصلحة و المفسدة فيهما على الحق المختار عند العدلية و أدلّة التحريم عام لكل انسان غاية الامر وضع القلم عن الصبى صار مانعا من كونه مطلقا و اما المصلحة او المفسدة فموجود فيما يفعله الصبى من الواجبات او المحرمات و لذا قالوا بشرعيّة عبادات الصبىّ فعلى هذا يقال انه بعد ما يكون في شرب الماء النجس مفسدة تترتب على شرب الصبى فيكون سقى الصبى منه موجبا لإيقاعه في المفسدة و هو غير جائز.

و فيه أولا ان الاحكام بناء على كونها تابعة للمصالح و المفاسد في المأمور بها و المنهى عنها لكن يكشف تلك المصلحة او المفسدة من الأمر و النهى و إذا لم يكن امر و لا نهى في مورد لا يكشف

مصلحة او مفسدة كان الواجب حفظها او دفعها و بعد رفع القلم عن الصبى لا يكون مكلفا بامر و لا نهى فمن اين استكشفت المصلحة و المفسدة. و بدليل رفع القلم نكشف عدم عموم الادلة المثبتة للاحكام لمثل الصبى.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 10 من ابواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 393

و أما ثانيا: و لو فرض وجود المصلحة او المفسدة في موضوعات التكاليف المتعلقة بالبالغين حتّى بالنسبة الى غير البالغين فما الدليل على كون المصلحة او المفسدة مصلحة او مفسدة ملزمة حتّى يلزم حفظ الصبى عن الوقوع في هذه المفاسد لانه كما حققنا لا يحكم العقل الا بوجوب اطاعة أوامر المولى و نواهيه على المكلف و ليس عليه حفظ المصلحة و دفع المفسدة المترتبة على النّهى و الأمر و الا فلا بدّ من التزام بالاكثر في باب الاقل و الاكثر لانها ملزمة و كان اللازم النهى عنها و ان كان الأمر كذلك الواجب بعث الصبى الى الواجبات و زجره عن المحرمات مطلقا و لا يلزم ذلك لما نرى ان المستفاد من الأخبار هو تمرين الصبى من ستة او سبعة او تسعة على الصلاة و لا ينافي ذلك مشروعية عباداته لو قلنا بها لانه فيها المصلحة و لكن ليست بملزمة بل يمكن دعوى كون نفس التمرين فيها المصلحة فالمصلحة تكون في نفس الأمر و التمرين فلا وجه لعدم جواز سقى الصبى عن الماء النجس.

و لكن الاحتياط مطلوب و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه أيضا في طى المسألة 33 من المسائل المتعرضة في «فصل يشترط في صحة الصلاة واجبة كانت او مندوبة ازالة النجاسة عن البدن» فراجع.

و اما

جواز البيع فنقول اذا كان له منفعة محلّلة مقصودة يجوز بيعها بعد تجويز بيع اعيان المتنجّسة بل النجسة إذا كان لها منفعة محلله مقصودة غير الاكل و الشرب.

و اما وجوب الاعلام فلا يشترط في صحّة بيعه لان ما ورد من الاعلام في الدهن المتنجس لا يستفاد كونه شرطا في صحة البيع بل يمكن كون وجوبه نفسيّا فتأمل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 395

فصل: فى الماء المستعمل
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 397

قوله رحمه اللّه

فصل فى الماء المستعمل الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر من الحدث و الخبث.

و كذا المس تعمل في الاغسال المندوبة.

و اما المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا اشكال في طهارته و رفعه للخبث. و الاقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضا و ان كان الاحوط مع وجود غيره التجنّب عنه و اما المستعمل في الاستنجاء و لو من البول فمع الشروط الآتية طاهر و يرفع الخبث أيضا لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين.

امّا المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل و في طهارته و نجاسته خلاف و الاقوى انّ ماء الغسلة المزيلة للعين نجس و في الغسلة غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 398

المزيلة الاحوط الاجتناب.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام يقع فى امور

الامر الاول الماء المستعمل فى الوضوء طاهر

و مطهّر من الحدث و الخبث اما طهارته فلعموم ما دلّ على طهارة الماء و لو شك فرضا فى انّ استعماله فى الوضوء صار سببا لعدم بقاء طهارته فيكفى فى طهارته اصالة الطهارة و كذا لا ينبغى اشكال فى مطهريّته من الحدث و الخبث لانه ماء طاهر و هو» يطهّر لما دلّ على ذلك بالعموم و الاطلاق مضافا الى الاجماع و التسلم فيرتفع به الحدث و الخبث و الى بعض ما يدلّ عليه من الاخبار «1».

الامر الثاني: الماء المستعمل في الاغسال المندوبة طاهر

و مطهّر من الحدث و الخبث لعين ما قلنا في الماء لمستعمل في الوضوء.

الأمر الثالث: الماء المستعمل في الحدث الأكبر

فمع طهارة البدن لا اشكال في طهارته و رفعه للخبث لما قدّمنا.

انما الكلام في جواز استعماله في رفع الحدث و عدمه اعلم انّ عمدة الأقوال في المسألة قولان عدم الجواز مطلقا كما هو مختار جلّ من القدماء رضوان اللّه عليهم كالصدوق رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و ابن حمزه و غيرهم.

و الجواز مطلقا و هو مختار جلّ المتأخرين و المنسوب الى السيد رحمه اللّه من القدماء.

اعلم ان مقتضى القاعدة هو الجواز لانه ماء طاهر و لا يشترط في الماء المستعمل في رفع الحدث الّا ذلك فلو ورد دليل على عدم الجواز نأخذ به و الّا

______________________________

(1) فارجع الباب 8 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 399

لا حاجة لنا الى دليل خاص يدل على الجواز.

إذا عرفت ذلك نقول بان منشأ عدم الجواز دعوى دلالة بعض الروايات عليه فنذكر الروايات إن شاء اللّه و مقدار دلالتها حتّى يكشف الحال فنقول بعونه تعالى منها ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بان يتوضأ بالماء المستعمل فقال الماء الّذي يغسّل به الثوب او يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز انّ يتوضأ منه و اشباهه و امّا الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

بدعوى انّها تدلّ على عدم جواز التوضى بالماء الّذي اغتسل منه للجنابة و اشباه الجنابة.

و قد يشكل في الرواية بضعف سندها باحمد بن هلال العبرتائي المرمى بالنصب كما حكى

عن بعض او بالغلوّ كما عن بعض.

و عن الكشى انّه ملعون مذموم و من شيخ الانصارى رحمه اللّه انّه يلوح مما ذكر في حقه عدم دين له و على كلّ حال هو ضعيف.

و يجاب عن ذلك، تارة بانّ الشهرة المحققة من قدماء اصحابنا على طبق الرواية تجبر ضعفها.

و تارة بانّ الراوى عنه هذه الرواية بواسطة الحسن بن علي هو سعد بن عبد اللّه الاشعرى القمى و هو احد الطاعنين عليه الذي رموه بالنصب و رواية سعد بن عبد اللّه هذه الرواية عنه لانه يروي عن الحسن بن علي عن احمد بن هلال عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام شاهد على وجود ما

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 400

يوجب الوثوق بنقله هذه الرواية.

أقول اما الشهرة الجابرة لضعف السند فقدر المسلّم منها هو ما إذا كان مستند المشهور في فتواهم هو الرواية الضعيفة لا مجرد كون فتواهم مطابقا مع مفاد الرواية و في المقام كون استنادهم إليها في فتواهم على عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر غير معلوم.

و امّا مجرد رواية سعد بالواسطة عنه لا يوجب الوثوق بالصدور و ان ذكر في الرجال انّ من احد طرق التوثيق رواية الثقات عن الشخص لان مجرد تحمّل الرواية من شخص لا يدلّ على كون المروى عنه معتمدا عند الراوى فتأمل هذا من حيث السند.

و امّا الدلالة فنقول بعونه تعالى انه ربما يتوهم من ينظر بالنظر البدوى في الخبر و يجمد بظاهره ان قوله عليه السّلام «الماء الذي يغسّل به

الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه».

يدل على عدم جواز التوضى من الماء المغتسل به من الجنابة تعبدا و لصرف كون الماء مستعملا في غسل الجنابة.

و لكن المتامل في الرواية لو خلّى و نفسه لا يأتي بنظره في وجه النهى عن الاغتسال الّا كون بدن الجنب غالبا مبتلا بالنجاسة كما يكون النهى عن التوضى بالماء الذي يغسّل به الثوب هذا و بعبارة اخرى ترى ان في هذا الفقرة نهى عليه السلام و قال لا يجوز التوضى بالماءين احدهما الماء الّذي يغسل به الثوب ثانيهما الماء الذي يغتسل به من الجنابة.

فكما انه لا يأتى بالنظر من النهى عن الاغتسال بالماء المغتسل منه الثوب ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 401

عدم الجواز يكون تعبديّا و لصرف كون الماء ماء اغتسل به الثوب و لازمه الالتزام بعدم الجواز و ان لم يكن الثوب المغتسل به نجسا و عدم صيرورة الماء نجسا بل يظهر بالظهور العرفي كون الوجه في عدم الجواز صيرورة الماء المغتسل به الثوب نجسا لكون الغالب نجاسة الثوب و لذا لو اغتسل به الثوب الطاهر لا يكون منع عن التوضى منه.

كذلك لا يأتى بالنظر من النهى عن التوضى بالماء المغتسل للجنابة الا كون منشأ النهى صيرورة الماء نجسا لكون الغالب نجاسة بدن الجنب.

و يؤيد هذا الاحتمال بل يدل عليه.

ان الظاهر من صدر الرواية و هو قوله عليه السّلام «لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل» هو كونه عليه السّلام في مقام دفع توهم ان مجرد صيرورة الماء مستعملا لا يوجب عدم جواز التوضى ثم بعد ذلك بيّن وجه عدم جواز التوضى بالماء المستعمل لغسل الثوب او لرفع

الجنابة و ان وجه عدم الجواز فيهما هو صيرورة الماء نجسا لا صرف كون الماء مستعملا.

و الا لو كان النظر الى ان الماء المستعمل فيهما لا يجوز التوضى منه لمجرد صيرورته مستعملا فيوجب تخصيص الأكثر في كلامه فانه قال:

أولا: بجواز التوضى بالماء المستعمل بنحو العموم و بيّن للماء المستعمل افرادا ثلاثة:

احدها: ما يستعمل في غسل الثوب.

ثانيها: ما يستعمل في اغتساله من الجنابة.

ثالثها: ما يستعمل لغسل الوجه و اليد فان كان النهى من الماء المستعمل في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 402

الاول و الثانى لمجرد صيرورة الماء مستعملا فيهما فيوجب تخصيص الأكثر المستهجن في الكلام الواحد لانه على هذا لا يبقي تحت عموم الصدر الّا صورة واحدة و هي المستعمل في غسل الوجه و اليد و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و ثانيا: تدل الرواية على عدم جواز الوضوء من الماء المستعمل في الخبث و الحدث الأكبر و اما الغسل منه لا تدل على عدم جوازه الّا ان يدّعى عدم الفرق بين الوضوء و الغسل او يدعى انه بعد عدم جواز الوضوء منه عدم جواز الغسل بطريق الاولى.

منها ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال سألته عن ماء الحمام فقال ادخله بازار و لا تغتسل من ماء آخر الا ان يكون فيهم «فيه خ ل» جنب او يكثر اهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا «1» بدعوى دلالتها على عدم جواز الاغتسال بماء الحمام مع كون الجنب فيهم او مع الشك في وجود الجنب و عدمه.

و فيه اما أولا: فلان الظاهر من النهى عن الاغتسال في ماء آخر حيث يكون في مقام دفع توهم الوجوب ليس هو التحريم لعدم

حرمة الاغتسال من ماء آخر مع وجود ماء الحمام مسلّما بل يكون لدفع ما يتوهم الراوى من عدم جواز الاغتسال بماء الحمام من باب انه يغتسل منه الجنب و الناصب و غيرهما فيكون الامام عليه السّلام في مقام دفع توهم عدم وجوب الاغتسال بماء آخر و جواز الاغتسال بماء الحمام الا ان يكون في الحمام جنب او تشك في وجوده و صار ذلك سببا لابتلائك بالنجاسة او بالشك في نجاسة بدنك لملاقاتك مع الجنب عند الاغتسال لا من باب كون ماء الحمام في هذا الحال مستعملا في الجنابة فلا يجوز الاغتسال لان مجرد كون الجنب في الحمام مع عدم تعارف الاغتسال في الحياض الصغار لا يوجب كون الماء مستعملا

______________________________

(1) الرواية من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 403

في الجنابة.

و لو قطرت قطرات حال اغتسال الجنب و لم يكن نجسا لا يوجب عدم جواز الاغتسال لما يدل على عدم اشكال فيما ينتضح من ماء الغسل في الماء.

و بعبارة اخرى ماء الحمام الذي لا يجوز الاغتسال من مائه مع وجود الجنب ان كان هو الخزانة و المنبع فهو أكثر من الكر و يأتي إن شاء اللّه جواز الاغتسال في الماء المستعمل ان كان كرا و ان كان الماء الذي يجرى على وجه الارض من ابدان الاشخاص فلا يتعارف الاغتسال منه حتى ينهى عنه.

و ان كان ماء الحياض الصغّار فأيضا لا يكون المتعارف الاغتسال فيها بل خارجها لو ترشح قطرات من بدن الجنب في الحوض و لم يكن نجسا لا اشكال فيه لدلالة بعض الروايات عليه.

أما ثانيا: يعارض في المورد ما رواها محمد بن مسلم قال: قلت

لابي عبد اللّه عليه السّلام: الحمام يغتسل منه الجنب و غيره اغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلى و ما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب «1» فلو كنا و الروايتين كان مقتضى الجمع حمل النهى في الاولى على الكراهة لو فرض وجود النهي.

و منها ما رواها ابن مسكان قال حدثنى صاحب لى ثقة انه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينتهى الى الماء القليل في الطريق فيريد ان يغتسل و ليس معه اناء و الماء في وهدة فان هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه و كفا من خلفه و كفا عن يمينه كفا عن شماله ثم يغتسل «2» بدعوى ان الامر بالنضح

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 404

بالكيفيّة المذكورة يكون من باب حيلة لعدم ورود ماء الغسل في الوهدة التي فيها الماء فيستفاد من الرواية كون المعهود في نظر الراوى عدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر و سئل العلاج و بيّن عليه السّلام علاجا بنحو الذي بيّنه.

أقول قد وقع الكلام في محتملات هذه الفقرة من الرواية اى قوله عليه السّلام «ينضح بكف بين يديه و كفا من خلفه و كفا عن يمينه و شماله ثم يغتسل» حتّى عدّ بعض من الاعلام هذه الرواية من الروايات المشكلة.

اما الاحتمالات فنقول:

الاحتمال الاول: ان يكون النظر الى الأمر بالنضح لان يصير اطراف الوهدة رطبا فإذا

القى الماء على بدنه للاغتسال و وصل نداوته الى الارض يدخل في الارض و لا يسرى فيدخل في الماء و على هذا الاحتمال كون العلاج لعدم وقوع ماء الغسل في الماء و يبعد هذا الاحتمال كما حكى عن ابن ادريس رحمه اللّه ان جعل الارض مرطوبا بالماء لا يوجب ان تبلعه الارض بل مع رطوبة الارض يكون وصول الماء الى الوهدة ايسر.

الاحتمال الثاني: ان يكون الوجه في النضح كون الاطراف نجسا فامر بالنضح لان يصير الارض الواقعة اطراف الوهدة طاهرة فلا يرد الماء الملاقى مع محل النجس الذي صار نجسا على الماء الواقع في الوهدة.

و يبعد هذا الاحتمال ان سؤاله يكون من جهة ان الماء في الوهدة و ماء غسله يرد فيه فاشكاله يكون من حيث الماء الّذي يغتسل منه و يرد في الماء.

الاحتمال الثالث: ان يكون المراد من نضح الاطراف نضح اطراف البدن كى يصير البدن و محل الغسل رطبا فاذا اشتغل بالغسل يصل الماء بلا صعوبة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 405

البدن قبل ان يصل نداوته الى الماء الواقع في الوهدة و على هذا الاحتمال يكون بيان العلاج لعدم وقوع ماء الغسل في ماء الواقع في الوهدة و يبعّد هذا الاحتمال ظاهر الرواية لانّ ظاهرها النضح الى الاطراف و ان كان النظر الى النضح الى اطراف البدن كان المناسب التعبير بغير هذه الكيفيّة.

الاحتمال الرابع: ان يكون الامر بالنضح تعبديّا كما يشهد به بعض اخبار اخر امر فيه بالنضح الى الاطراف قبل الوضوء و الغسل و هو من آداب الوضوء و الغسل بالماء القليل و هذا الاحتمال و ان كان بعيدا باعتبار ان السائل يسأل العلاج و اجاب الامام

عليه السّلام بجواب غير مربوط بسؤاله عن العلاج.

لكن بعد ما لا يمكن توجيه الرواية بنحو يكون علاجا لما كان السائل مبتلى به فهذا الاحتمال احتمال في الرواية و توجيه لها و يؤيده بعض الروايات الدالة على ذلك و هنا احتمال آخر.

و هو الاحتمال الخامس الذي ذكره الفيض رحمه اللّه في توجيه رواية من علي بن جعفر عليهما السّلام فيها هذا المضمون فقال ما حاصله هو ان السائل كان فرض كلامه الاغتسال و حيث ان الغالب في من يحتاج الى الاغتسال هو ابتلاء بدنه بالنجاسة الخبثيّة و حيث ان الماء على ما ذكره في و هذه و ليس معه اناء يغترف منه و يغتسل في نقطة اخرى بل لا بدّ له ان باخذ الماء مثلا بكفه و يغتسل به تدريجا و حيث انه واقع في حيال الوهدة ينضح حال الغسل من بدنه النجس ماء النجس و يقع في الماء الواقع في الوهدة و يصير ماء الوهدة لقلتها نجسة فما العلاج في عدم ابتلائه بنجاسة ماء الوهدة فقال عليه السّلام ينضح الخ لانه إذا فعل هذا فالماء الذي يرى انه يصل الى الوهدة لا يدري هل هو الماء الذي نضحه على الارض او هو من نداوة غسله و غسالة بدنه النجس فحيث يشك في ذلك فالماء الواقع في الوهدة محكوم بالطهارة ظاهرا فهو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 406

علاج لان لا يعلم بنجاسة ماء الوهدة و هذا الاحتمال احتمال قريب و يكون اقرب محتملات الرواية ثم على تقدير كون المراد من هذه الفقرة الاحتمال الاول او الثالث فغاية ما يستفاد منها كون بيان العلاج لعدم وقوع نداوة الغسل في الماء الواقع في الوهدة

و اما كون نظر المسائل من العلاج و جواب الامام عليه السّلام في عدم وقوع نداوة الغسل في الماء الى ان مجرد وقوع ماء الغسل يوجب صيرورة ماء الوهدة مستعملا في حدث الاكبر فلا يصح تتميم الغسل به او الى آنه حيث يكون جنبا و الغالب نجاسة بدن الجنب فيعالج بهذا النحو حتّى لا يصير الماء متنجسا فى حال الاغتسال فلا يمكن له الاخذ منه و ادامة غسله و الاحتمال الثاني لو لم يكن اقرب فلا اقل من مساواته مع احتمال الاول فلا يتم الاستدلال بها على عدم جواز ماء المستعمل في الحدث الاكبر فيرد الاحتمال الثاني ان نضح قطرات ماء الغسل ليس من الماء المستعمل في الحدث الاكبر حتّى بناء على القول بعدم جواز استعمال المستعمل فى الحدث الاكبر في رفع الحدث على ما يأتي إن شاء اللّه من ان نضح القطرات من الماء لا يجعل الماء مستعملا في الحدث الاكبر.

ثم لو لم نفهم المراد من هذه الفقرة من الرواية فنقول ان سؤال السائل كان من باب فهم علاج ان لا يقع ماء غسله في الماء و هذا يكون اما من باب كون المرتكز في ذهنه عدم جواز استعمال ماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر في رفع الحدث و اما من باب ابتلائه بنجاسة البدن و انه إذا اشتغل بالغسل ينضح ماء الملاقى مع النجس في الماء فينجس الماء و لا ظهور للرواية في الاحتمال الاول بل كل من الاحتمالين محتمل فلا يمكن التمسك بها لعدم الجواز. فتلخص من ذلك كله عدم وجود رواية تدل على عدم جواز استعمال المستعمل في رفع الحدث الاكبر في رفع الحدث.

ثم انه قد يستدل على جواز الاستعمال ببعض

الروايات نذكره تتميما للفائدة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 407

فنقول بعونه تعالى منها ما رواها محمد بن مسلم قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الحمام يغتسل منه الجنب و غيره أغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه و جئت فغسلت رجلى و ما غسلتهما الا ما لزق بهما من التراب «1».

الانصاف عدم دلالتها على الجواز.

و اما أولا: فلانه كما مرّ في ماء الحمام على ما هو المختار المستفاد من ادلته ان الماء الواقع في الحياض طاهر و وجه طهارته و عدم نجاسته هو اتصاله بالمادة فهو بهذا الاعتبار بحكم الجارى لان مادته كرا فاذا اغتسل فيه الجنب فرضا او وقع ماء غسله فيه لا يكون من الماء المستعمل في الحدث الاكبر الذي أفتى بعض فقهائنا بعدم جواز استعماله في رفع الحدث لان مورد عدم الجواز صورة كون الماء قليلا.

و ثانيا: كما بينا في طى الرواية الثانية من ادلة المانعين كون الاغتسال في الحياض الصغار الواقعة في الحمام غير معلوم.

و لهذا اما ان يكون النظر من السؤال الى ان اغتسال الجنب و غيره يوجب تنجيس البدن لتنجيس الماء و الشاهد قوله يغتسل منه الجنب و غيره لان المراد من «غيره» كل من كان غير الجنب فمن يغسل نفسه في الحمام لاجل رفع القذارة و لو لم يكن يريد الغسل فماء غسله ليس مستعملا في رفع الحدث الاكبر حتى يحتمل كون السؤال من حيث صيرورة الماء مستعملا في رفع الحدث.

فالامام عليه السّلام بين ان مجرد اغتسال الجنب و غيره لا يوجب نجاسة الماء او البدن لان ماء الحمام بحكم الجارى باعتبار ان له المادة

و لهذا قال غسل رجله كان من باب ما لزق به من التراب.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 408

و اما ان كان نظر السائل الى ان نداوة ماء بدن الجنب حال اغتساله ينضح في ماء الحمام فلا يجوز الاغتسال منه و يستفاد من جوابه عليه السّلام عدم بأس بذلك.

و لكن هذا لا يدل على جواز استعمال ماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

لانه يأتي عليه السّلام ان نضح قطرات ماء الغسل في الماء لا يضرّ و لا يصير موجبا لصيرورة الماء الوارد عليه هذه القطرات مستعملا في رفع الحدث الاكبر حتّى لا يصح استعماله في رفع الحدث.

و اما ما قلنا في الجواب الثاني من الرواية الثانية من الروايات المانعين بان هذه الرواية تعارض الرواية الثانية يكون نظرنا الى انه لو استظهر من الرواية الثانية عدم جواز استعمال ماء الحمام لكونه مستعملا في رفع الحدث يستفاد من هذه الرواية الجواز و لكن الحق عدم استفادة عدم الجواز.

و الجواز من حيث كون الماء مستعملا في رفع الحدث الاكبر من كليهما.

و منها ما رواها علي بن جعفر عن ابي الحسن الاول عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية او مستنقع. أ يغتسل منه للجنابة او يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع و هو يتخوف ان يكون السباع قد شربت منه فقال ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا امامه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله فان

خشى ان لا يكفيه غسل راسه ثلث مرّات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه و ان كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده على ذراعيه و راسه و رجليه و ان كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه و الّا اغتسل من هذا و من هذا و ان كان في مكان واحد و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 409

قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل و يرجع الماء فيه فانّ ذلك يجزيه «1».

وجه الاستدلال هو انه بعد ما جوّز في صورة عدم كفاية الماء للغسل ان يغتسل مع رجوع الماء الذي من نداوة غسله في الماء و اختلاط الماء بالماء المستعمل في الغسل و من اجزاء ذلك مع عدم وجدان ماء غيره يظهر الجواز حتّى في صورة الكفاية و وجود ماء غيره و عدم وجود الضرورة من حيث قلة الماء.

لانه في مورد التجويز يكون الماء بمقدار اقل الواجب من الغسل قهرا و الا لا معنى للأمر بالغسل في هذا الحال فإذا كان الماء بمقدار يمكن الاغتسال على وجه يرجع الماء في الماء فيكون كافيا لان يغتسل بهذا الماء بدون ان يرجع الماء الغسل في الماء بان يجعل يده في الماء مثلا و يمسّ بدنه بنحو التدهين لان هذا اقل ما يجزي من الغسل فعلى هذا لا يكون المورد مورد الاضطرار بوضع الماء المستعمل في الماء حتّى يقال ان غاية ما يدل عليه الرواية صورة الاضطرار فيكون على هذا المراد من عدم كفاية الماء لغسل الكفاية بمقدار المتعارف من صب الماء على البدن وافرا فتدل الرواية على عدم بأس بما يرد من الماء المستعمل في الغسل في الماء الذي يشتغل

بالغسل منه و لو كان استعمال الماء المستعمل ممنوعا كان اللازم الأمر بالغسل بنحو المسح و التدهين حتّى لا يرد نداوة في الماء مضافا الى ان التفصيل بين صورة الاضطرار و عدمه ضعيف لم ينقل الّا عن الصدوق رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه.

أقول ما يرجع في الماء من نداوة ما يستعمل في الغسل ان كان بمقدار يغتفر كما نذكر إن شاء اللّه من ان القطرات التي ينضح من ماء الغسل و يقع في الماء و يستهلك فيه لا يعدّ من الماء المستعمل فيكون مورد الرواية خارجا عن محلّ الكلام فعدم مانعيته لا يوجب عدم مانعة الماء المستعمل و مع كون الماء قليلا يأخذ منه ممّا ينضح

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 410

من البدن يقطع على الارض مقدار منه قهرا فما يقع في الماء لا يكون الّا قطرات قليل يستهلك في الماء فتكون الرواية دالة على الجواز مشكل فتأمل ثمّ لو لم تكن دليل على جواز الاستعمال يكفى ما بيّنا من ان مقتضى القاعدة الجواز.

نعم باعتبار الشهرة عند القد ماء ينبغى مراعات الاحتياط بانه مع وجود ماء آخر يتجنب عنه و مع الانحصار يجمع بين الغسل او الوضوء به و بين التيمم.

الامر الرابع: في الماء المستعمل في الاستنجاء

اعلم انّ المشهور هو انّ الماء المستعمل في استنجاء الغاية بل البول طاهر و يرفع الخبث أيضا مع الشروط الآتية بل ادعى عليه الاجماع و عدم الخلاف فيه و لا يرى مخالف الّا ما ينقل من كلام السيّد رحمه اللّه و كلام المحقّق في المعتبر بعد نقل كلام السيد فراجع لكن لا يجوز استعماله في رفع

الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين على ما عرفت من المؤلف رحمه اللّه.

امّا الكلام في طهارته و رفع الخبث به فمع قطع النظر عن الشهرة و الاجماع المدعى.

يستدل عليه بروايات الاولى و هي ما رواها ابن اذينة عن الاحول يعني محمد بن النعمان قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اخرج من الخلاء فأستنجى بالماء فيقع ثوبى في ذلك الماء الذي استنجيت به فقال لا بأس به «1».

الثانية: الرواية التي ذكرها في العلل في ذيل الرواية السابقة و هي ما رواها الصدوق في العلل عن ابيه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن يونس عبد الرحمن عن رجل عن الغير كما في الوسائل او العنز كما في جامع احاديث الشيعة او عن لأحوال انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 411

الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به قال لا بأس فسكت فقال او تدرى لم صار لا بأس به؟ قال قلت. لا و اللّه فقال: انّ الماء أكثر من القذر «1».

و ذكر في جامع احاديث الشيعة الذي ألّف بامر زعيم الشيعة آيت اللّه العظمى البروجردي رحمه اللّه و اشرافه انه لم يوجد في هذه الطبقة من يسمّى بالعنز و لا بالعيزا في كتب الرجال نعم ذكروا عنزة و انه كان صحابيا. «2»

الثالثة: ما رواها علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن محمد بن النعمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت استنجى ثم يقع ثوبى فيه

و انا جنب فقال فقال لا بأس به «3».

الرابعة: و هي ما رواها عبد الكريم بن عتبة الهاشمى قال سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجّس ذلك ثوبه؟ قال: لا «4».

هذه الروايات التي يمكن التمسك بها للمسألة.

اعلم ان مقتضى القاعدة الاوليّة هو نجاسة ماء الاستنجاء لان مقتضى عموم ما دل على انفعال الماء القليل هو نجاسة ماء الاستنجاء إذا كان قليلا و كذا مقتضى القاعدة المستفادة من الادلة انّ كل نجس ينجّس فاذا لاقى الماء عين النجس من البول و الغائط فينجس الماء فلو كان لنا دليل نرفع اليد عن العموم و القاعدة بالدليل.

اما الدليل: ان كان هو الاجماع المدعى فيمكن الخدشة فيه لان وجود اجماع كاشف عن وجود نص غير ما بايدينا من الروايات غير معلوم فليس في البين الا الروايات المتمسكة بها فنقول بعونه تعالى.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 50.

(3) الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 412

ان مفاد الرواية الاولى و الثانية و الثالثة عدم الباس بما لاقى من الثوب ماء الاستنجاء و مفاد الرابعة عدم تنجّس ماء الاستنجاء ثوبه. فهنا كلام. في المراد من ماء الاستنجاء. و انه هل هو خصوص الماء المستعمل في تطهير موضع الغائط بدعوى انّ الاستنجاء يكون غسل موضع النجو و هو الغائط فعلى هذا تكون الروايات دالة على عدم الباس و عدم نجاسة ملاقى

خصوص ماء المستعمل في تطهير موضوع الغائط و لا يشمل ماء المستعمل في تطهير موضع البول. او هو يعم كليهما اى الماء المستعمل في تطهير كل من موضع البول و الغائط.

الحق، الثاني، امّا أولا فكما ترى في اللغة كما نقل الاستنجاء يكون عبارة عن غسل موضع النجو كذلك نقل كما في اقرب الموارد انه يقال بالاستنجاء الاستنجاء لانه مأخوذ من النجو و هو الاستتار لان الشخص في هذا الحال يطلب موضعا يستتر نفسه عن الناظر.

و أما ثانيا: فلو فرض كون الاستنجاء لغة غسل موضع النجو اى الغائط.

و لكن بعد كون السؤال و الجواب مربوطا الى الاستنجاء الخارجى و هو غالبا لو لم نقل دائما لا ينفك عن الاستنجاء عن البول لان من يبتلى بدفع الغائط يبتلى غالبا في حال ابتلائه بدفعها بالابتلاء بدفع البول و لا ينفك الثاني عن الاول غالبا فمع هذه الخارجية و انّه إذا استنجى و يطهر موضع الغائط يطهر موضع البول و يقع قهرا ماء استنجائهما في موضع واحد فاذا قال لا بأس به يستفاد عدم الباس بماء استنجاء كل من البول و الغائط لانه مع هذه الخارجيّة ان كان نظر الشارع نجاسة ماء استنجاء البول كان عليه البيان بمقتضى الحكمة في جواب السائل فمن عدم بيانه نكشف اطلاق حكمه لكل من استنجاء البول و الغائط.

و هنا كلام آخر و هو ان المراد من قوله عليه السّلام في الروايات المتقدمة «لا بأس» او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 413

«لا» في جواب السائل «أ ينجّس ذلك ثوبه» هل المراد انه لا بأس به او لا ينجّسه لكون الماء طاهرا فلا ينجس الثوب الملاقى له فتدل الروايات على طهارة

ماء الاستنجاء و عدم صيرورته نجسا بملاقاته للبول و الغائط و بعبارة اخرى تكون الروايات مخصصة لعموم نجاسة ماء القليل بملاقاته للنجس كما عليه المشهور و ادعى عليه الاجماع او يكون المراد من عدم الباس بالثوب الملاقى لماء الاستنجاء او عدم تنجسه ان الثوب لا ينجس لا من باب طهارة ماء الاستنجاء بل من باب عدم تنجيسه الثوب فالماء مع نجاسته لا ينجس الثوب الملاقى له بمقتضى هذه الاخبار و بعبارة اخرى مقتضى القاعدة و ان كان تنجيس كل نجس ما يلاقيه و لكن نقول في ما نحن فيه بعدم تنجيس ماء الاستنجاء ملاقيه لاجل الدليل فعلى هذا تكون الروايات المتقدمة مخصصة لعموم قاعدة كل نجس ينجس و يحتمل كون هذا معنى العفو الذي ينسب الى السيد و المحقق رحمهما اللّه انهما قالا به لانه بعد دلالة الرواية الرابعة على عدم نجاسة الثوب فلا نفهم منه الّا العفو عن الحكم بنجاسة هذا الملاقى.

اعلم ان ما يمكن ان يقال فى المقام انّ الروايات تدل بالملازمة العرفية على الاحتمال الاول اعنى طهارة ماء غسالة الاستنجاء بدعوى ان مفهوم المطابقى من الروايات و ان كان عدم الباس او عدم نجاسة ثوب الملاقى له و لكن بعدم ما نرى كثيرا في الابواب المختلفة انهم عليهم السّلام في مقام التعبير عن طهارة شي ء او نجاسته يقولون مثلا لا تجتنب او اجتنب او لا تغسل او اغسل او لا بأس او فيه بأس مثلا في مقام نجاسة البول لا يقع تعبير بانه نجس بل نكشف ذلك من قولهم صبّ عليه الماء او اغسله او اغسله مرتين بل في نوع ما نلتزم بكونه من النجاسات لم نكشف ذلك الا بهذه الملازمة العرفية

اى من اثر المترتب عليه من اجتنب او اغسل او صب عليه الماء او لا تصلّ فيه و امثال هذه التعبيرات فتلخص ان بعد هذه المغروسية إذا قال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 414

الثوب الملاقى لماء غسالة الاستنجاء لا بأس به او لا ينجسه نفهم بالملازمة العرفية عدم كون الماء نجسا و ان الماء يكون طاهرا فعلى هذا نقول نكشف من هذه الروايات بضميمة هذه الملازمة العرفية ان عموم الدال على نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة صارت في مورد غسالة الاستنجاء مخصصة و كذلك عموم قاعدة كل نجس ينجس لان هذا الماء مع ملاقاته للبول و الغائط لم يصر نجسا و بعبارة اخرى يخصص بهذه الروايات كل من العمومين فتكون النتيجة طهارة غسالة ماء الاستنجاء. ثم انه لو لم نقل بذلك فرضا و قلنا بان غاية ما يستفاد من الروايات الواردة في الباب عدم بأس او عدم نجاسة ملاقى غسالة الاستنجاء و اما كون منشأ ذلك طهارة هذا الماء او كون منشأه «انّ الماء مع كونه متنجّسا» و لكن لا يكون منجسا لملاقيه فلا ندرى ذلك فيدور الامر بين كون الروايات مخصصة لعموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة و بين كونها مخصصة لقاعدة كل نجس ينجس فهل يقال نعلم اجمالا بتخصيص احد العامين فمع هذا العلم الاجمالى لا يمكن التمسك بعموم كل منهما للمورد فلا يمكن القول بنجاسة ماء غسالة الاستنجاء بعموم انفعال ماء القليل و لا بعموم كل نجس ينجس لنجاسة ملاقى الماء من الثوب و غيره «لان مورد الروايات و ان كان الثوب و لكن نعلم بعدم خصوصية للثوب».

او يقال بان الدوران يكون بين تخصيص كل من عموم

انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة و قاعدة كل نجس ينجس و بين تخصيص خصوص عموم القاعدة.

لانه بناء على طهارة ماء غسالة الاستنجاء يلزم تخصيص كل من العمومين.

اما عموم انفعال ماء القليل فلان هذا ماء قليل و على الفرض لم يصر نجسا بملاقاة النجاسة و اما عموم القاعدة فلان هذا الماء مع ملاقاته لعين النجس من البول او الغائط او كليهما لم يصر على الفرض منجسا للثوب و غيره فيخصّص في مورده

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 415

عموم القاعدة.

و اما بناء على النجاسة الماء و العفو عن نجاسة ملاقيه فلا يلزم الا تخصيص عموم خصوص قاعدة كل نجس ينجس و مع دوران الامر بين تخصيص عمومين و بين تخصيص عموم واحد فالالتزام بتخصيص واحد اهون و بعبارة اخرى تخصيص عموم القاعدة مسلم على كل حال سواء كان الماء طاهرا او نجسا امّا على النجاسة فلان الحكم بعدم نجاسة الثوب الملاقى للماء موجب لتخصيص عمومها و على فرض الحكم بطهارة الماء فالحكم بعدم نجاسة الماء مع ملاقاته لعين النجس يوجب تخصيص القاعدة أيضا. فتخصيص عموم القاعدة في المورد مسلّم و نشك في انه هل يخصص عموم انفعال الماء القليل أم لا فمع الشك يأخذ بعمومه و يحكم بكون هذا المورد اعنى هذا الماء القليل الملاقى للنجس محكوما بحكم عموم انفعال الماء القليل.

و بعبارة ثالثة نقول بان خروج المورد اعنى الثوب الملاقى لماء غسالة الاستنجاء عن تحت عموم قاعدة كل نجس ينجّس معلوم لان الماء ان كان واقعا طاهر فالمورد خارج عن تحت هذا العموم موضوعا اعنى يكون تخصصا فليس محكوما بحكم عموم القاعدة و ان كان الماء المفروض نجسا فيكون ما دل على

طهارة الثوب الملاقى له مخصصا لهذا العموم فنعلم بعدم شمول عموم القاعدة للمورد و يبقى الشك في انه هل خصص عموم انفعال ماء القليل بالنجاسة في المورد أم لا و هل المورد و هذا الفرد اعنى ماء الاستنجاء محكوم بحكم اصالة العموم أم لا فيتمسّك بالعموم لان في الشك في التخصيص يكون المرجع هو اصالة العموم فتكون النتيجة نجاسة ماء الغسالة و طهارة ما يلاقيه.

و مما قلنا يظهر لك ما في كلام الشيخ و العلامة الانصارى رحمه اللّه و كلام العلامة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 416

الهمداني رحمه اللّه و كلام بعض اعاظم المعاصرين في مستمسكه من النظر في هذا المقام.

اما في كلام الشيخ. فلانّ ما افاد في وجه بقاء عموم انفعال الماء القليل و تعيّن الحكم بنجاسة ماء غسالة الاستنجاء بان قاعدة نجاسة ملاقى النجس ساقطة على كل حال للعلم الاجمالى بسقوطها اما في ملاقى ماء الاستنجاء بناء على نجاسة الماء و اما في نفس الماء بناء على طهارته لانه لاقى البول او الغائط فيتعين الاخذ بعموم انفعال الماء القليل.

وجه النظر هو ان المورد الذي صار محل الإشكال من حيث كونه تخصيصا لعموم انفعال الماء القليل او لقاعده كل نجس ينجّس هو ملاقى الاستنجاء ففي مورده لا بدّ اما من الالتزام بتخصيص العام الاول او الثاني او كليهما و في هذا المقام كما قلنا نعلم تفصيلا بعدم كون المورد محكوما بحكم عموم كل نجس ينجّس قطعا.

اما بناء على طهارة الماء فالملاقى له غير محكوم بحكمه تخصّصا. و اما بناء على نجاسته فأيضا ملاقيه غير محكوم بحكم عموم القاعدة تخصيصا فعدم شمول عموم القاعدة للمورد معلوم و نشك في انه هل

خرج المورد من تحت عموم انفعال الماء القليل فببركة اصالة العموم نحكم ببقائه تحت العموم فالنتيجة كما قال الشيخ رحمه اللّه أيضا الحكم بنجاسة الماء لكن لا حاجة في وجهه الى ما افاده رحمه اللّه.

و اما في الكلام العلامة الهمداني رحمه اللّه فلان ما افاده من انه يدور الامر في ما نحن فيه بين تخصيص عموم انفعال الماء القليل و تخصيص ما دل على عدم جواز استعمال النجاسات في الماكول و المشروب و مع ما نرى من جواز استعمال ماء الاستنجاء في المأكول و المشروب لا اجماع عليه و مع هذا الدوران يكون تخصيص عموم انفعال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 417

الماء القليل اهون. «1»

وجه النظر:

اما أولا: فلانه تارة يتمّ المطلب بالاجماع فيمكن ان يدّعى ان الاجماع قائم على طهارة ماء الاستنجاء من رأس فلا حاجة الى الورود في البحث عن مفاد الاخبار و بيان أنّه مع الشك في كون طهارة ملاقى ماء الاستنجاء يكون من باب تخصيص لعموم انفعال الماء القليل او لعموم قاعدة كل نجس ينجّس.

و ثانيا: انه لو دار الامر بين تخصيص عموم انفعال الماء القليل و بين عموم الدال على عدم جواز استعمال النجس في الماكول و المشروب فلم يكون تخصيص الاول اهون فتأمّل.

و اما في كلام صاحب المستمسك «2» مد ظله فلان ما قال في مقام الإشكال بكلام الشيخ رحمه اللّه من انّ وجه الالتزام بتخصيص عموم الانفعال ليس لتقديم قاعدة النجاسة عليه بل للدلالة الالتزامية العرفية كما نحن أيضا قلنا ففيه ان منشأ ان الشيخ رحمه اللّه يقول في صدر كلامه بان تخصيص عموم الانفعال يكون اولى هو ظاهرا هذه الملازمة العرفيّة.

و اما ما قال

من انه كما يكون التعارض بين عموم القاعدة بالنسبة الى ملاقى ماء الاستنجاء و بين هذا العموم بالنسبة الى نفس الماء الملاقى للبول او الغائط كذلك يكون التعارض بين عموم القاعدة بالنسبة الى ملاقى الماء و بين عموم انفعال الماء القليل بالنسبة الى نفس ماء الاستنجاء فيوجب ذلك سقوط العمومين عن الحجية.

فيه النظر كما مرّ لانه خروج المورد عن تحت عموم القاعدة تخصيصا او تخصصا

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 417

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 1، ص 328- 329.

(2) مستمسك، ج 1، ص 218.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 418

معلوم فلا يمكن الاخذ باصالة العموم فيه و نشك في وقوع التخصيص في عموم انفعال الماء القليل و المحكم فيه اصالة العموم فتكون النتيجة نجاسة ماء الاستنجاء فافهم فتلخص مما قلنا انه لو لم نقل بان الروايات الواردة في الباب تدل على طهارة ماء الاستنجاء و يقع الشك في ان الحكم بطهارة ملاقيه من باب تخصيص عموم انفعال الماء القليل او تخصيص عموم قاعدة كل نجس ينجّس لا بدّ من الالتزام بخروج المورد عن عموم القاعدة و كونه محكوما بحكم عموم الانفعال و اما لو قلنا بان قوله عليه السّلام في الروايات لا بأس او لا في جواب قول السائل ينجسه ذلك تدل بالالتزام العرفي على طهارة الماء كما هو المتعارف و المتفاهم

من ملازمة الباس و عدم الباس او الغسل و عدمه للطهارة او النجاسة كما هو الظاهر من الكلام فنقول بطهارة غسالة ماء الاستنجاء و مع طهارته يرفع الخبث

أيضا لانه ماء طاهر و هو يرفع الخبث هذا بالنسبة الى طهارته و رفع الخبث به.

و اما الكلام في انه هل يرفع الحدث و هل يجوز الوضوء و الغسل المندوبان به أم لا.

فنقول بعونه تعالى بانه لو التزمنا بنجاسة ماء غسالة الاستنجاء و ان غاية ما يستفاد من الاخبار المتقدمة هو طهارة خصوص ملاقيه فلا اشكال في ان ماء غسالة الاستنجاء لا يرفع الحدث بل لا يرفع الخبث أيضا و لا يجوز الوضوء و الغسل المندوبان به. و اما لو قلنا بطهارته كما لا يبعد ذلك فالالتزام بعدم كونه رافع الحدث لا يكون له وجه الا ما ادعى من الا اجماع على عدم كونه رافع الحدث و لا جواز استعماله فى الوضوء و الغسل المندوبين

و اما استفادة ذلك من رواية ابن سنان المتقدمة ذكرها في المسألة السابقة اى في الماء المستعمل في الحدث الاكبر بدعوى ان المستفاد منها هو ان الماء الذي يغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 419

به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه فنتعدى منه الى المورد و يقال كما لا يجوز استعمال الماء المستعمل في الخبث غير الاستنجاء كذلك غسالة الاستنجاء فلا وجه له.

اما أولا: فالرواية ضعيفة السند كما عرفت في الماء المستعمل في الحدث الاكبر

و أما ثانيا: فلان هذا قياس مع الفارق لاحتمال كون المستعمل في رفع حدث غير الاستنجاء له خصوصية لا تكون في المستعمل في الاستنجاء كما يكون للمستعمل في الاستنجاء بعض خصوصيات ليس في المستعمل في رفع حدث غير الاستنجاء.

و أما ثالثا: بعد حمل رواية ابن سنان على صورة كون الماء المستعمل في الجنابة

نجسا و كون منشأ النهى نجاسة الماء ففي المقام على الفرض يكون الماء المستعمل في الاستنجاء طاهرا.

و بعد كون الدليل منحصرا ببعض الاجماعات المنقولة فيمكن ان يخدش فيه الشخص و لا يقتضي بما حكى عن صاحب الجواهر رحمه اللّه لعدم وجود اجماع كاشف عن وجود نص آخر في المسألة غير ما بايدينا و لهذا نقول الاحوط عدم استعماله في رفع الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين.

الامر الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه و اما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء

فلا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل و في طهارته و نجاسته خلاف و الاقوى ان ماء الغسل المزيلة للعين نجس و في الغسلة لغير المزيلة الاحوط الاجتناب.

أقول اما الكلام في عدم جواز استعماله في الوضوء و الغسل.

فبناء على الالتزام بالنجاسة فلا ينبغى الإشكال فيه لان الماء النجس لا يجوز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 420

التوضى و الغسل منه و لو قلنا بالاحتياط الواجب فأيضا نحتاط في الوضوء و الغسل منه.

و اما لو التزمنا بالطهارة مطلقا او في خصوص الغسلة الغير المزيلة فليس وجه يعتنى به الا ما تقدم من رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة ذكرها في الماء المستعمل في الحدث الاكبر انه هل يصح الوضوء و الغسل منه أو لا. و قد عرفت ضعف سندها و موردها و ان كان الماء المستعمل في الخبث و المستعمل في الحدث الاكبر لانه قال عليه السّلام فيها. الماء الذي يغسل به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه» لكن يحتمل كون الحكم بعدم جواز الوضوء من باب ابتلاء الماء بالنجاسة لا لكونه مستعملا في الخبث و انه على تقدير الدلالة يدل على عدم جواز الوضوء و اما الغسل فلا

يدل عليه الّا ان يقال نعلم عدم الفرق بينهما او انه بعد عدم جواز الوضوء لا يجوز الغسل بطريق الاولى. و ان ابى عن ذلك فنقول آنها ضعيفة السند لا يمكن التعويل عليها فيبقى الاجماع المدعى على عدم جواز رفع الحدث به و حيث ان الاجماع منقول لا يحصل اليقين منه بقول المعصوم عليه السّلام او نص مقبول لا يمكن الافتاء بعدم الجواز، نعم لا يترك الاحتياط بعدم استعماله في رفع الحدث.

و اما الكلام في نجاسته و طهارته فقد اختلف فيه كلام الاصحاب رضوان للّه عليهم.

فهم بين من يقول بالنجاسة مطلقا و هذا هو الاشهر او المشهور بل ادعى عليه الاجماع في بعض الكلمات و ان اشكل في ان الاجماع المدعى يكون بالنسبة الى بعض افراده لا مطلقا و بين من يقول بالطهارة مطلقا و هو قول نادر تقريبا.

و بين من يقول بالتفصيل و هم باعتبار اختلاف فى التفصيل بين أقوال التفصيل بين الغسلة المزيلة اللعين و غيره و بين غساله ولوغ الكلب و بين غيره

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 421

و غيرهما من التفاصيل حتّى عدوا عشرة اقوال.

على كل حال ليست المسألة مع هذا الاختلاف مما يتم بالاجماع بل لا بدّ من عطف عنان الكلام الى ما يستفاد من الادلة و الآثار غير الاجماع فنقول بعونه تعالى.

يستدلّ على النجاسة بوجوه:

الوجه الاول: ما يدل على نجاسة ماء القليل بملاقات النجاسة و اعلم انه تارة يستدل في هذا المقام بمفهوم الاخبار الواردة الدالة على ان الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجّسه شي ء فكما عرفت في مبحث الماء الراكد اذا يمكن الإشكال فيه بعدم عموم المفهوم و انّ نقيض السابة الكليّة يكون

موجبة جزئية فلا يستفاد منها الا ان ماء القليل ينجس بالملاقات في الجملة و لهذا صار الشيخ الانصارى رحمه اللّه و بعض من تاخر عنه الى بيان كون العموم للمفهوم.

فيمكن للخصم دعوى عدم العموم للمفهوم و لكن كما قدمنا في محله ليس الدليل على نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة مجرد مفهوم هذه الطائفة من الاخبار بل يستفاد ذلك من بعض الاخبار الآخر قدّمنا ذكره.

و البحث هنا بعد المفروغية عن نجاسة الماء القليل بملاقات النجس كما هو مورد اعتراف القائلين بالطهارة و بعد دلالة بعض العمومات أوّلا الاطلاقات على ذلك و ان الماء القليل ينجس بالملاقات فالغسالة الخارجيّة من الخبث ماء قليل لاقى النجس فهو ينجس بملاقات النجس و لا يكون فرق بين الوارد على النجس او العكس لانه بناء على هذا العموم لكل فرد منه يكون له حكم العام بحكم اصالة العموم و يتبعه لكل فرد اطلاق الاحوالى في جميع حالاته فهذا الفرد من الماء القليل فرد للعام و إذا شككنا في ان هذا الحكم له في بعض حالاته مثل خصوص حال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 422

ورود النجس عليه او جميع حالاته حتى مثل حال وروده على النجس فاطلاقه الاحوالى يقتضي كون الحكم له في كلتا الحالتين.

و ان كان الدليل مطلقا لا عموما فتكون النتيجة كون الطبيعة مركز الحكم ففي كل فرد تحققت الطبيعة فالحكم له و في المورد يكون الفرد فردا لطبيعة القليل فيعرضه حكم الطبيعة و هو نجاسته بملاقات النجس.

و ما قيل من ان هذا العموم او الاطلاق معارض مع ما يستفاد من الادلة أيضا و هو ان المتنجس لا يطهّر فان صار الماء نجسا بملاقات الموضع المتنجس

لا يمكن ان يطهّر واضح الفساد كما ذكر بعض الاعاظم رحمه اللّه.

أولا: بالنقض بحجر الاستنجاء فانه مع صيرورته متنجّسا بملاقات الموضع يطهّر الموضع.

و ثانيا: بان هذا الحكم يكون للماء قبل الملاقات للنجس الذي يطهره و بعبارة اخرى يشترط في الماء الذي يستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال و مع قطع النظر عن الملاقات مع محل المتنجس او الشى المتنجس او الشى النجس و الدليل معتبر و ذلك لا يدل على ازيد من هذا بل لا يمكن ان يكون الدليل المتكفل لهذا الشرط ناظرا الى ما يطرى على الماء بعد استعماله في التطهير لان هذا من فروع الحكم فلا يمكن قيده في موضوع الحكم فالدليل الذي يعتبر طهارة المطهر لا يدل الا على كونه مطهرا مع قطع النظر عن الاستعمال و هو طاهر على الفرض قبل الاستعمال.

و اما صيرورة نفس التطهير سببا لتنجيس المطهّر من باب انتقال القذارة التي كانت في المتنجس الى لماء كما يكون كذلك في القذارات العرفية فلا يضر اصلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 423

الوجه الثاني: رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة ذكرها عند الكلام في الماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر بدعوى ان قول ابي عبد اللّه عليه السّلام فيها «الماء الذي يغسّل به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه» يدل على عدم جواز الوضوء من الماء الذي يغسّل به الثوب و ليس وجه عدم جواز التوضى به الّا صيرورته نجسا لانه غسالة الخارجة مما يغسّل به الثوب النجس و فيه.

أولا: عدم جواز التوضى اعم من نجاسته لانه يمكن ان يكون منشأ عدم جواز التوضى به صيرورته مستعملا في ازالة

الخبث لا نجاسته.

و لكن يمكن ردّ هذا الجواب بما قلنا عند التعرض للرواية بان عدم جواز الوضوء ملازم بالملازمة العرفية مع النجاسة كما ترى نظائره كثيرا في باب بيان النجاسات.

و أما ثانيا: بضعف سند الرواية باحمد بن هلال العبرتائي كما تقدم.

الوجه الثالث: هي ما رواها العيص بن القاسم قال سألته عن رجل اصابته قطرة من طشت فيه وضوء قال ان كان من بول او قذر فيغسل ما اصابه و زاد في بعض النسخ «و هذه الزيادة لم يذكرها صاحب الوسائل» و ان كان من وضوء الصلاة فلا يضرّ. «1»

اما دلالتها على ان غسالة البول او القذر نجس فلا اشكال فيه.

و الإشكال بان مورد الرواية لعله كان ماء يستعان به لإزالة العين فلا تدل على نجاسة ما يستعمل في التطهير.

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف قال روى الشهيد في الذكرى و غيره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 424

ليس في محله لان الجواب بانّه ان كان من بول او قذر فيغسل ما اصابه، بدون استفصال ان الماء الواقع في الطشت من الماء الذي يستعان به لإزالة العين او كان مستعملا في التطهير يدل على نجاسة الماء مطلقا و لو كان مستعملا في التطهير.

و لكن الإشكال واقع في سند الرواية.

أولا: من باب كونها مرسلة.

و اجيب عنه بانّ الشيخ رحمه اللّه رواها في الخلاف و بعد عدم احتمال المشافهة يكون ظاهر النسبة الى العيص انه وجدها في كتابه و طريق الشيخ رحمه اللّه الى كتابه حسن جدا و استشكل بانه على فرض كون طريقه حسنا في بعض كتبه لا يدل على كون روايته في غيره بطريق حسن.

و ثانيا: من باب كونها مضمرة

لان العيص قال سألته و لم يذكر المروى عنه و اجيب بان المعلوم ان المروى عنه هو الامام عليه السّلام و الاضمار وقع من تقطيع الاخبار فلا اشكال من هذا الحيث.

أقول و الانصاف ان الاتكاء بهذه الرواية في نفسها بحيث لو لم يكن لنا دليل آخر يمكن الاعتماد عليه مشكل.

الوجه الرابع: دلالة الروايات الواردة في ماء الحمام بالنهى عن غسالة الحمام و فيه مع اجمال المراد من غسالة الحمام و انه الماء الذي في الحياض او الماء الذي يخرج من نداوة ما يستعمله الاشخاص حين الغسل او الغسل مضافا الى وجود ما يعارضه في مورده.

الوجه الخامس: و هي ما رواها عمار الساباطى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 425

مرّات يصيب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه، ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه.

ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر «1».

وجه الاستدلال انه لو لم تكن الغسالة نجسة لما كان التطهير متوقفا على فراغ الماء بعد صب كل مرة خصوصا في الدفعة الثالثة.

لانه لو امكن ان يقال بان الامر بالافراغ بعد المرة الاولى و الثانية كان لصدق الغسل عليه او لعدم جواز استعمال الماء المستعمل في التطهير.

فلا يمكن ان يقال بذلك في الامر بالافراغ بعد المرة الثالثة.

و ما قبل من ان الامر بالافراغ لعله كان من باب قضاء العادة عليه من استقذار النفس من الماء المستعمل عرفا.

مدفوع بان هذا خلاف ظاهر الرواية لان ظاهرها توقف التطهير عليه.

و اما كون

الامر بالافراغ حتّى في المرتبة الثالثة لاجل توقف نفس الغسل عليه لا تعدد الغسل يمكن دعواه.

و ما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه من انه ان كان الافراغ دخيلا في صدق الغسل فلا بدّ ان تلتزم في الكثير و الجارى و المطر. «2»

يمكن دفعه بانه لا ملازمة بينهما كما انه ربما يلتزم الشخص باعتبار انفصال الغسالة في القليل لا في غيره- فتلخص مما مرّ ان العمدة في وجه النجاسة الوجه الاول نعم لا بأس بجعل سائر الوجوه مؤيدا للمطلب.

و اما ما يتمسك به لطهارة غسالة الخبث غير الاستنجاء امور:

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2) مصباح الفقيه، ج 1، ص 308.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 426

الامر الاول: بعض الاخبار.

منها الرواية الثانية التي قد منا ذكرها في طى الكلام في ماء الاستنجاء المتمسكة بها لطهارتها و هي ما رواها الاحول انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به فقال لا بأس فسكت فقال او تدرى لم صار لا بأس به؟ قلت لا و اللّه فقال انّ الماء أكثر من القذر «1».

بدعوى ان النظر في طهارة ماء الاستنجاء و عدم الباس به هو كون الماء اكثر من القذر ففي كل مورد يكون الماء اكثر لا ينجّسه القذر فلا ينجّس غسالة الخبث بعد كونها أكثر من القذر.

و فيه أولا ان لخصم لا يأخذ بهذا النظر و الا تكون النتيجة عدم نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة إذا كان أكثر من النجاسة.

و ثانيا: كما عرفت كانت الرواية ضعيفة السند.

منها ما ورد في غسالة الحمام من عدم الباس به مع

انها لا تنفك من ملاقاتها للنجاسة غالبا. مثل مرسلة ابي يحيى الواسطى عن بعض اصحابنا عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام. قال: سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال لا بأس «2» و فيه.

اما أولا: فلان غسالة المجتمعة من ماء الحمام كما انها غالبا غير منفكة عن الماء المستعمل كذلك غير. منفكة من ملاقاتها لعين النجس لدخول اليهودى و النصراني و المجوسى غالبا حماماتهم فان تم دلالة الرواية يكون مفادها ما لا يلتزم به الخصم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 427

أيضا و هو عدم انفعال الماء القليل بالنجاسة و لهذا لا بدّ لنا و للخصم من توجيه الرواية على نحو لا ينافي مع ما اخترنا كما هي قابلة لذلك انصافا فيحمل اما على الغسالة التي لا يعلم نجاستها الواقع فيها الخلاف بين العلماء.

و اما ان يقال بان عدم الباس بها يكون من باب كونها متصلا بالمادة.

و يؤيد ذلك بل يمكن دعوى كونها شارحة للرواية المتقدمة ما رواها حنان قال: سمعت رجلا يقول لابي عبد اللّه عليه السّلام انى ادخل الحمام في السحر و فيه الجنب و غير ذلك فاقوم فاغتسل فينتضح عليّ بعد ما افرغ من مائهم قال أ ليس هو جار قلت بلى قال لا بأس به «1».

و ثانيا: ان الرواية مرسلة لان الواسطى يروي عن بعض اصحابنا و هو غير معلوم.

و منها ما رواها محمد بن النعمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبى فيه و

انا جنب فقال لا بأس «2» بدعوى انّ قول السائل «و انا جنب» يحتمل ان يكون لاجل كون الماء مستعملا في رفع خبث الجنابة اى المنى مضافا الى كونه مستعملا في الاستنجاء فترك استفصال الامام عليه السّلام مع الجواب بقوله لا بأس به. مع كون محتمل قوله و انا جنب كون بدنه نجسا بالخبث. فالماء صار مستعملا في الخبث و في الاستنجاء دليل على عدم الباس بهما فتدل على طهارة الماء المستعمل في الخبث و فيه مضافا الى احتمال كون مورد السؤال كونه جنبا لا ان يكون في بدنه قذارة المنى و الا كان الحري ان يعبّر بتعبير آخر.

غاية ما يستفاد منها طهارة ماء المستعمل في الاستنجاء و لو كان في موضع

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 428

الاستنجاء قذارة المنى.

و لا يستفاد طهارة غسالة الخبث غير الاستنجاء مطلقا حتى فيما لا يكون في موضع الاستنجاء و لا جزء لماء المستعمل في الاستنجاء- هذا حال الاخبار المستدلة بها على الطهارة.

الامر الثاني: ما قيل من ان الاجتناب من غسالة الخبث يوجب العسر و الحرج.

و فيه مضافا الى عدم عسر و حرج بان غايته الاقتصار بقدر رفع العسر و الحرج لا القول بعدم الباس مطلقا.

الامر الثالث: ما يستفاد من كلام سيد المرتضى رحمه اللّه في عدم نجاسة الماء الوارد و الفرق بينه و بين المورود بالالتزام بعدم نجاسته بملاقاة النجس إذا كان واردا ثم بعده شيّده و نقحه بنص من بعده و هو دعوى الملازمة بين تطهير المتنجس

كالثوب و غيره و بين طهارة الماء لانه لو لم نقل بطهارة الماء الوارد على الثوب النجس يلزم ان لا يكون الماء القليل مطهرا و هو مما لا يمكن الالتزام به لانه لو لم يبق الماء الوارد على طهارته فكيف يطهر المتنجس و هذا معنى ان المتنجس لا يكون مطهرا و هذا معنى ان المنجّس ينجّس لا انّه يطهر و هذا المراد من كلام من يقول بان الالتزام بنجاسة الماء المستعمل في ازالة الخبث يوجب التخصيص في قاعدة طهارة المطهر و هذا الوجه عمدة الوجوه في القول بالطهارة.

أقول قد عرفت ان الحق انفعال الماء القليل بالنجاسة سواء كانت النجاسة عينية او حكميّة لان الدليل يعمّ كل منهما فلا وجه للانحصار بالعينية.

كما لا وجه لدعوى انصراف عموم الدال على انفعال القليل بخصوص العينية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 429

كما ادعى في بعض الكلمات.

و يمكن كون التفصيل المذكور في كلام المؤلف رحمه اللّه من انّ الاقوى نجاسة ماء الغسلة المزيلة للعين و في الغسلة الغير المزيلة الاحوط الاجتناب.

بين الغسلة المزيلة للعين بان الاقوى نجاسته و بين الغير المزيلة بان الاحوط الاجتناب.

من باب كون الماء في الاول ملاقيا لعين النجس.

و في الثاني: ملاقيا للنجاسة الحكمية لانه لا وجه للانصراف مضافا الى ان لازمه عدم انفعال الماء القليل بالنجاسة الحكمية مطلقا في مقام التطهير و غيره.

و بعد عموم أدلّة الانفعال نقول ان الملازمة التى ادعى السيد رحمه اللّه كما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه ان كانت عقلية ممنوعة لانه يمكن التفكيك بان يصير المحل طاهرا و الماء المطهر يصير نجسا كما ان العرف مساعد له و موافق لاعتبار العقلى أيضا لان الماء بمروره على المتنجس

يريل قذارته و ما يزيل من القذارة الشرعية يقع في الماء كالقذارة العرفية. أ ما ترى ان يدل ان كانت قذرة فيصيبه الماء ترى رفع قذارته و لهذا لا يكون طبعك متنفّرا بعد الغسل من يدك و لكن ترى طبعك متنفرا من الغسالة التي خرجت من يدك و هذا ليس الا من باب انك ترى خروج القذارة من يدك وقوعها في الماء فكذلك في القذارة الشرعية و لهذا نقول لا ملازمة بين طهارة المحل و بقاء طهارة الماء المستعمل في التطهير بل يمكن ان يكون الماء رفع النجاسة و حمله الى نفسه و لا تنافي بين كون الماء مطهرا قبل الاستعمال و صيرورته نجسا بعده فهو مع نجاسته بمحل المتنجس يطّهره.

كما يكون كذلك في حجر الاستنجاء و في التراب المستعمل في تطهير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 430

ولوغ الكلب.

ان قلت ما تصنع مع القاعدة المسلمة و هو ان المطهر لا بدّ و ان يكون طاهرا إذا المتنجس ينجس و لا يطهّر

قلت كما اشرنا سابقا بان القدر المتيقن من طهارة الماء المطهر هو طهارته قبل الاستعمال و اما بقاء طهارته بعد الاستعمال لا دليل عليه بل يمكن دعوى استحالة اعتبار طهارته بعد الاستعمال بالدليل المشترط طهارته لان الدليل ناظر الى ما هو يكون مطهرا و هو قهرا ينظر الى ما قبل الاستعمال فتلخص مما ذكرنا ان الاحوط بل الاقوى نجاسة غسالة الخبث حتى الغسلة الغير المزيلة للعين و ان تتعقبها طهارة المحل.

***

[مسئلة 1: لا اشكال في القطرات التي تقع في الاناء عند الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا اشكال في القطرات التي تقع في الاناء عند الغسل و لو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الاكبر.

(1)

أقول: لدلالة بعض النصوص منها ما رواها

الفضيل قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الارض في الاناء فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1» و منها هي ما رواها شهاب بن عبد ربه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في الجنب يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الاناء فينتضح الماء من الارض فيصير في الاناء انه لا بأس بهذا كله «2» فان الظاهر منهما هو كون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابوال الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 431

النظر في السؤال و الجواب عن جواز الاغتسال من ماء الاناء مع ما ينتضح من الماء المستعمل في الغسل في الاناء؛

و احتمال كون السؤال في الروايتين عن طهارة الماء فى الاناء بعيد في الغاية و ان احتمل ذلك في بعض الروايات خصوصا مع ما ذكر في ذيل الرواية الاولى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ لانه لو كان البدن الجنب نجسا او الارض التي ينزح منها الماء في الاناء نجسا ما كان حرج في ان يغسل أولا بدنه ان كان بدنه نجسا او ان يغتسل في ارض غير نجسة حتّى لا ينزح الماء من موضع النجس في الاناء و ما يأتى بالنظر عاجلا و ان لم نر في كلماتهم هو ان يقال بان السؤال سواء كان عن حيث كون القطرات من الماء المستعمل أم لا و سواء كان عن حيث نجاسة القطرات باعتبار نجاسة البدن او الارض أم لا يدل على صحة استعمال غسالة الحدث

الاكبر في رفع الحدث لان سؤاله على كل حال يكون عن جواز الاغتسال بماء الاناء الواقع فيه قطرات من ماء غسله فان كان حيث سؤاله كونه مستعملا فقال لا بأس به فيدل على عدم البأس في الاغتسال من هذا الماء و ان كان اشكاله في اغتسال به من حيث صيرورته نجسا فأيضا جواب الامام عليه السّلام بعدم الباس يدل على جواز رفع الحدث به لانه مع فرض كون هذه القطرات المنتضحة في الاناء فيها جهتان من الإشكال جهه نجاستها وجهة كونها من الماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر فان كان حيث كونها مستعملة مانعة عن الاغتسال به كان اللازم ان يقول الامام عليه السّلام بعدم الاشكال من حيث النجاسة و لكن فيه الإشكال من حيث كونه ماء مستعملا فمن عدم بيانه نكشف عدم الإشكال من كلتا الجهتين ثم أيضا انا أقول بانه قد مضى لك ان العمدة في عدم جواز استعمال الماء المستعمل في الحدث الاكبر في رفع الحدث ليس الا الشهرة لعدم تمامية الاخبار المتمسكة بها و الشهرة قدر متيقنها غير مورد المسألة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 432

لان القائلين بالاشكال لم يستشكلوا في القطرات المنتضحة حين الاغتسال عن بدن المغتسل مضافا الى امكان دعوى انصراف الماء المستعمل عن قطرة او قطرات ينتضح من البدن في الاناء و يستهلك فيه.

و عندى فيه التأمل و على كل حال يكون حكم المسألة من حيث الفتوى مورد الوفاق تقريبا.

***

[مسئلة 2: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء امور:]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء امور:

الاول عدم تغيّره في احد الاوصاف الثلاثة الثاني عدم وصول نجاسة إليه من خارج. الثالث عدم التعدى الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء الرابع

ان لا يخرج مع البول او الغائط نجاسة اخرى مثل الدم نعم الدم الّذي يعد جزءا من البول او الغائط لا بأس به الخامس ان لا يكون فيه الاجزاء من الغائط بحيث يتميز اما إذا كان معه دود او جزء غير منهضم من الغذاء او شي ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به.

(1)

أقول:

اما الكلام في الشرط الاول اعنى عدم تغيره في احد اوصافه

الثلاثة بالنجاسة الخارجة من المخرج لان ما دل بالعموم او الاطلاق على نجاسة الماء بالتغير في احد اوصافه الثلاثة يشمل المورد.

ان قلت بان اطلاق ادلة طهارة ماء الاستنجاء أيضا يشمل مورد التغير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 433

نقول: اما أولا فلانصراف ما دل على طهارة ماء غسالة الاستنجاء عن المورد لان الظاهر منه هو ان الملاقاة هذا الماء مع البول و الغائط لا يوجب نجاسة الماء فيكون النظر الى حيثية الملاقاة لا مطلقا حتّى في صورة التغيبر.

و ثانيا: لو فرض شمول اطلاقه للمفروض تكون النسبة بين هذه الاخبار و بين الاخبار الدالة على نجاسة الماء بالتغيّر عموما من وجه و شمول ادلة نجاسة الماء بالتغير موردنا و هو مورد الاجماع يكون اظهر فلا اشكال في المسألة مع عدم خلاف فيه بل ادعى عليه الاجماع.

و اما الكلام فى الشرط الثاني: اعنى اشتراط عدم وصول نجاسة إليه من خارج

فلعدم شمول الاخبار الواردة في الباب له لان الملحوظة في السؤال و الجواب حيثية ملاقاة الماء مع البول و الغائط لا غيرهما و مع الشك في الشمول يكون المرجع عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس.

و اما ما ورد في الرواية الثالثة المتقدمة ذكرها «استنجى ثم يقع ثوبى فيه و انا جنب فقال لا بأس» فكونها دالة على طهارة غسالة الاستنجاء حتّى مع وصول نجاسة من خارج لانه مع فرض كونه جنبا يكون موضع بوله متنجس بالمنى قال لا بأس غير معلوم لاحتمال كون نظره الى ابتلائه بحدث الجنابة لا ان بدنه نجس بسببها و ان كان نظره الى نجاسة بدنه بها كان المناسب التعبير بغير ذلك.

و اما الكلام فى الشرط الثالث: اعنى اشتراط عدم تعدى الفاحش

على وجه لا يصدق معه الاستنجاء.

لانه مع عدم صدق الاستنجاء خارج عن مورد الروايات فيبقى تحت عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 434

و أما الرابع: اعنى اشتراط عدم خروج نجاسة اخرى مع البول او الغائط

مثل الدم لان مع خروج نجاسة اخرى ليس الماء مستعملا في البول او الغائط بل مستعملا فيهما و فى نجاسة اخرى و هذا مما لا تشمله اخبار الباب.

و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه «نعم» الدم الذي يعدّ جزء من البول او الغائط لا بأس به.

ان كان نظره الى ان الخارج بول او غائط غاية الامر تغير لونهما و صار متلونين بلون الدم مثلا فهو بول او غائط فلا اشكال فيه.

و ان كان نظره الى انه غيرهما و لكن صار مخلوطا باحدهما او كليهما فهو كالصورة الاولى التي قال رحمه اللّه أيضا بعدم شمول الادلة «نعم» يفرض صورة يكون النجس الخارج غير البول و الغائط كالدم و لكن يكون قليلا بحيث يكون مستهلكا فيهما كما فرضه بعض المحشّين فهو مع استهلاكه لا يرى حتى يصير مورد الإشكال الا ان يقال انه يعلم بكون مقدار قليل من الدم مثلا في بوله و يستهلك فيه فمع ذلك شمول الاخبار الواردة في الباب له مشكل لانه مع فرض كون الخارج من عموم انفعال الماء القليل بالنجاسة خصوص الماء المستعمل في الاستنجاء و هو ليس الا البول و الغائط فلم تقول تشمل المورد.

و اما الكلام فى الشرط الخامس: اعنى اشتراط عدم كون غسالة الاستنجاء مخلوطا بعين الغائط

بحيث يكون متميزا في الماء فلان المغتفر بالأدّلة هو ماء المستعمل في الاستنجاء يعنى خصوص ما يزيل به موضع المخرجين و يطهر هما و هذا لا يشمل ما إذا دخل في الماء المستمل نجاسة من الخارج و ما فيه على الفرض من الغائط بمنزلة النجاسة الخارجيّة و مع الشك يكون مرجعنا عموم انفعال الماء القليل بالنجاسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 435

و اما إذا خرج مع الغائط مثلا دود او جزء غير منهضم

من الغذاء او شي ء آخر فهل هو مما لا بأس به كما قال المؤلف رحمه اللّه او لم يكن كذلك لا وجه لعدم البأس به بعد الالتزام بعدم اغتفار النجاسة الخارجية الّا كون ذلك متعارفا و لم يكن امرا نادرا فمع تعارفه خارجا و عدم اخراجه حين الحكم بطهارة غسالة الاستنجاء نكشف وجود الحكم مع هذا المتنجس الخارجى او قال بانّ الدود و نظائره بعد عدم كونه نجسا في نفسه بل لو صار نجسا ينجّس حين الخروج بالاطراف الّتي تكون نجسا او تبعا فيكون نجاسته بالتبع و متأثرا عنه فكيف يتأثر به المحل و لا يعدّ هذا نجاسة خارجيّة.

اما الوجه الاول: ففيه انّه لم يكن المتعارف خارجا خروج بعض الاشياء عن المخرج مع الغائط بل يكون نادرا.

و ما قاله العلامة الهمداني رحمه اللّه من عدم ملحوظية الاشياء الطاهرة بنظر العرف بحيث يرون لها آثارا مستقلّة قد صارت من الخصوصيات المصنّفة لماء الاستنجاء حتّى يدعى انه لا يفهم عرفا من الادلة طهارة بعض دون بعض ففيه انه بعد كون مقتضى الدليل طهارة غسالة الاستنجاء من البول و الغائط فلا وجه لطهارة غسالة نجس آخر و ليس وجه لاتباع مسامحة العرف في المقام.

اما الوجه الثاني: ففيه انّه بعد خروجها لا اشكال في نجاسته لبقاء الغائط فى المخرج فاذا صارت متنجّسه بقى الجزء المتمايز بتنجّسه لانها نجاسة خارجية فلهذا الاحوط الاجتناب في هذه الصورة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 436

[مسئلة 3: لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد و ان كان احوط.

(1)

أقول: اما الاخبار فموردها السؤال عن ملاقى ماء الاستنجاء و ترك استفصال الامام عليه السّلام في الجواب شاهد

على عموم الحكم و ان كان لسبق الماء على اليد دخل كان عليه الاستفصال بمقتضى الحكمة.

و اما وجه الاحتياط الاستحبابى من المؤلف رحمه اللّه من باب احتمال كون المتعارف سبق الماء على اليد و حمل الاخبار على المتعارف و فيه ان هذا غير معلوم.

***

[مسئلة 4: إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ثم اعرض ثم عاد لا بأس الا إذا اعاد بعد مدة ينتفى معها صدق التنجس بالاستنجاء فينتفى حينئذ حكمه.

(2)

أقول: وجهه خروج المورد عن موضوع الادلة لان مفادها طهارة المتنجس بالاستنجاء و هذا ليس كذلك.

***

[مسئلة 5: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاولى و الثانية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 437

الاولى و الثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد.

(1)

أقول: لشمول اطلاق الادلّة فان الماء المستعمل في الغسلة الاولى و الثانية غسالة الاستنجاء بعد شمول غسالة الاستنجاء لغسالة المستعملة في البول كما قدّمنا.

***

[مسئلة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعى و مع عدمه حكمه حكم ساير النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته.

(2)

أقول: اسراء الحكم الى غير الطبيعي يتوقف على استفادة مناط من الادلة و يقال ان المناط موجود في غير الطبيعى و الا ان كان النظر الى شمول اطلاق الادلة له فمشكل في غير الطبيعى مطلقا حتّى مع الاعتياد لعدم اطلاق لها و ان قيل ان مورد الاسئلة هو وقوع الاستنجاء و الامام عليه السّلام اجاب بعدم البأس بملاقى غسالته بدون استفصال عن كون خروجه عن مخرج الطبيعي و عدمه و ترك الاستفصال يفيد عموم الحكم لكل من الطبيعى و غيره قلت مع كون المتعارف خروجه عن موضع المعتاد لا يكون ترك الاستفصال دليلا على عموم الحكم لاتكائه في الجواب على المتعارف فلا يشمل الدليل غير الطبيعى و ادعاء كون المراد من الاستنجاء هو موضع المعدّ للنجو و ان لم يكن طبيعيا فيقتضى عموم الحكم غير الطبيعى في صورة الاعتياد ففيه انه «لا فرق فى» الحكم بين الاعتياد و عدمه فاسراء الحكم الى غير الطبيعى يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 438

من باب وجود المناط في غيره. نعم لا يمكن كشف هذا المناط في غير الطبيعى مع عدم الاعتياد مثل وقوع ذلك مثلا مرّة من باب

الاتفاق فشمول الحكم له مشكل فالاحوط معاملة غسالة الخبث غير الاستنجاء مع غسالته.

***

[مسئلة 7: إذا شك في ماء انه غسالة الاستنجاء او غسالة ساير النجاسات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا شك في ماء انه غسالة الاستنجاء او غسالة ساير النجاسات يحكم عليه بالطهارة و ان كان الاحوط الاجتناب.

(1)

أقول: يحكم عليه بالطهارة لاصالة الطهارة و لا تصل النوبة بما قال «في المستمسك» «1» بعض اعاظم معاصرينا من استصحاب الطهارة السابقة اعنى قبل استعمال الماء في ازالة الخبث و الاستنجاء لان نفس الشك يكفي في اجراء اصالة الطهارة و لا حاجة الى التوصل بالحالة السابقة.

و اما الاحوط في كلام المؤلف رحمه اللّه فهو استحبابى و وجهه كون المورد من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية لانا لا نعلم ان المورد يكون مورد حكم العام اعنى عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس او مورد حكم الخاص اعنى عموم ما دل على طهارة غسالة ماء الاستنجاء المخصص للعموم الاول فلهذا قال بالاحتياط الاستحبابى.

***

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 226.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 439

[مسئلة 8: إذا اغتسل في كر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا اغتسل في كر كخزانة الحمام او استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الاكبر او غسالة الاستنجاء او الخبث.

(1)

أقول: قد يدّعى عدم شمول الاخبار المتقدمة ذكرها المستدلة بها على عدم جواز استعمال الماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر لما إذا كان الماء كرّا.

ففيه انه على تقدير تماميّة دالة الاخبار.

تشمل بظاهرها «غير رواية واحدة كانت موردها الماء القليل» الماء القليل و الكثير.

و قد يستدل على عدم شمول الحكم للكثير ببعض الروايات.

الاولى و هي ما رواها صفوان بن مهران الجمال قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض التي ما بين مكة الى المدينة تردها السباع و تلغ فيها الكلاب و تشرب منها الحمير و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منها قال و كم

قدر الماء قال الى نصف الساق و الى الركبة فقال توضأ منه «1» يدل على جواز الوضوء مع اغتسال الجنب فى الماء و موردها اما خصوص الماء الكر بقرينة سؤاله عليه السّلام عن قدر الماء و جواب السائل بانه الى نصف الساق او الى الركبة» او يكون مطلقا من هذا الحيث و يشمل اطلاقه الكثير و القليل فلا بدّ من تقيدها بما ما دل على التفصيل في الانفعال و عدم انفعال الماء بملاقاة النجس بين القليل و الكثير لان مقتضيها عدم الانفعال بولوغ الكلب فيقيد بما دل على انفعال القليل فتدل الرواية على عدم صدق الغسالة على ما إذا اغتسل

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 440

الجنب في الماء الكثير ان قلت انه لعل كان وجه السؤال عن صيرورة الماء نجسا لاجل ملاقاته مع ولوغ الكلب و مع بدن الجنب المبتلى بالنجاسة غالبا لا من حيث مجرد الغسالة.

اقول انه و لو كان السؤال من هذا الحيث أيضا الّا انّ اطلاق الجواب بانه توضأ منه» دليل على عدم الباس من حيث الغسالة أيضا لان الامر بالوضوء مع كون الماء مستعملا في الغسل على الفرض دليل على عدم اشكال شرعا من هذا الحيث و الا كان على المعصوم عليه السّلام البيان و انه لا بأس به من حيث النجاسة و لكن فيه الباس من حيث كونه مستعملا في الحدث الأكبر.

فالرواية تدل على عدم صدق غسالة الحدث الاكبر على غسل الجنب في الماء الكثير.

الثانية و هي ما رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع قال كتبت الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء

و يستقى فيه من بئر فيستنجى فيه الانسان من بول او يغتسل فيه الجنب ما حدّه الذي لا يجوز فكتب لا توضأ من مثل هذا الا من ضرورة إليه «1».

فيقال بان موردها و ان كان صورة الضرورة لكن بعد عدم القول بالتفصيل بين الضرورة و غيرها يحمل النهى على الكراهة فتأمل اقول و الوجه الآخر لعدم شمول الحكم لصورة كون الماء لمستعمل كرّا هو انه قد عرفت عند البحث عن اصل المسألة بعد عدم دلالة الاخبار المستدلة بها على عدم جواز استعمال المستعمل في الحدث الأكبر في رفع الحدث.

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 441

ان العمدة في عدم الجواز هو الشهرة و الشهرة موردها او متيقّنها صورة يكون الماء المستعمل قليلا.

و بهذا الوجه نقول في وجه عدم صدق غسالة الاستنجاء لما اذا استنجى في الكر لانه بعد دلالة الادلة المتقدمة على طهارة ماء الاستنجاء فلو كنّا نحن و هذه الادلّة الدالّة على طهارته لقلنا في الوضوء و الغسل به.

لكن الاجماع المدعى منعنا عن ذلك و إذا كان الدليل منحصرا بالشهرة او الاجماع فقدر المتقين منه ليس الا ما كان الاستنجاء بالماء القليل.

و اما في غسالة الخبث غير الاستنجاء فبناء على نجاستها فلا اشكال في انه لا ترفع خبثا و لا حدثا و اما بناء على طهارتها مطلقا او في خصوص الغسلة الغير المزيلة للعين او في خصوص ما تتعقبها الطهارة فأيضا بعد عدم دليل على عدم جواز رفع الحدث بها الا الشهرة او الاجماع فليست الشهرة و الاجماع فيما إذا كان تطهير الخبث في الكثير.

و اما راية عبد اللّه بن سنان

المتقدمة ذكرها و فيها «الماء الذي يغسل به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه» فمن حيث الدلالة الإشكال فيها و ان منشأ عدم جواز التوضى هو كون الثوب نجسا و لكن الإشكال في سندها و ان ادعى جبر ضعفها بالشهرة و لكن اشكلنا فيه أيضا فلا يمكن التعويل عليها و ان عوّلنا عليها كان اللازم الالتزام بنجاسة الماء و لو كرا أيضا لانا قلنا ان منشأ النهى عن التوضّي كان نجاسة الثوب.

و كيف يمكن الالتزام بنجاسة الكر بملاقاة النجاسة بهذه الرواية الضعيفة في قبال الروايات الكثيرة الدالة على عدم نجاسة الكر بملاقاة النجاسة الا ان يحمل على الماء القليل جمعا بينها و بين ما دل على عدم انفعال الكثير بالنجاسة مثل انفعال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 442

القليل بالنجاسة.

***

[مسئلة 9: إذا شك في وصول نجاسة من الخارج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا شك في وصول نجاسة من الخارج او مع الغائط يبنى على العدم.

(1)

أقول: لان الاصل عدمه.

***

[مسئلة 10: سلب الطهارة و الطهورية عن الماء المستعمل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: سلب الطهارة و الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر او الخبث استنجاء او غيره انما يجرى في الماء القليل دون الكر فما زاد، كخزانة الحمام و نحوها.

(2)

أقول: قد مضى وجهه و الكلام، فيه في المسألة الثامنة فراجع.

***

[مسئلة 11: المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر فلو اخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة و كذا ما يبقى في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 443

الاناء بعد اهراق ماء غسالته.

(1)

. أقول: وجهه سيأتي إن شاء اللّه في المسألة السادسة عشر من المسائل المتعلقة بمطهرية الماء و هو ارتكاز العرفي على ذلك.

***

[مسئلة 12: تطهر اليد تبعا بعد التطهير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: تطهر اليد تبعا بعد التطهير فلا حاجة الى غسلها و كذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب و نحوه.

(2)

أقول: اما اليد لانها تطهر كما يطهر ما يغتسل بمعيّتها فلا اشكال في طهارتها و كذا ما تغسل فيه مثل ما إذا جعل الثوب في المركن و غسله بالماء حين غسل الثوب بيده فيقال بطهارتها بالتبع و يأتي الكلام فيه و في طهارتهما مع ما يكون وجهه في طى المسألة 41 من المسائل المتعلقة بمطهرية الماء إن شاء اللّه تعالى.

***

[مسئلة 13: لو اجرى الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لو اجرى الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر و ان عدّ تمامه غسلة واحدة و لو كان بمقدار ساعة و لكن مراعاة الاحتياط اولى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 444

(1)

أقول: بناء على نجاسة غسالة الخبث فهى ليست الا الماء المنفصل عن المحل النجس بمقدار يتوقف تطهير المحل عليه و اما ما زاد على ذلك فهو خارج عن الغسالة فهو طاهر و ان كان متصلا بما ينفصل بعنوان الغسالة.

***

[مسئلة 14: غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل كالبول مثلا إذا لاقت شيئا لا يعتبر فيها التعدد و ان كان احوط.

(2)

. أقول: قد يقال بان ملاقي غسالة ما يحتاج الى التعدد حكمه حكم المحل النجس قبل الغسل و ان كان الملاقى ملاقيا للغسلة الثانية لانه بعد غسله مرّة يشك في طهارة الملاقى فيستصحب نجاسته فلا يحكم بطهارته الا بعد الغسل مرّة اخرى.

قد يقال بكون حكم الملاقى حكمه حكم المحل بعد الغسالة في هذا الحيث بمعنى انه ان لاقى الغسالة المرّة الاولى يجب غسله مرة واحدة لان المحل لا يجب غسله بعد هذا الغسل إلا مرة واحدة.

قد يقال بكون حكم الملاقى تابعا للمحل قبل الغسالة و لازمه وجوب غسل الملاقى مرّتين فيما لاقى غسالة ما يجب فيه التعدد و ان كان الملاقى ملاقيا للغسلة الثانية. قد يقال بان الاخبار الدالة على وجوب التعدد من حيث الغسل في بعض النجسات كالبول متعينها بل ظاهرها ليس الا وجوب التعدد فيه في المتنجس بنفس البول مثلا و اما المتنجس بملاقيه فلا تشمله الادلّة و لا يبعد ذلك.

و بعد هذا ان امكن. ان

يقال بانه في المتنجسات التي لم يرد من الشارع حكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 445

في كيفيّة تطهيرها لا بدّ من ان يرجع الى العرف لانه بعد عدم حكمه مع الابتلاء بها نكشف ان الشارع او كل الأمر الى العرف و العرف بعد ازالة العين عن المتنجس لا يعتبر في تطهيره ازيد من مرة واحده.

فنقول بعدم وجوب الازيد من مرة في ملاقى غسالة ما يعتبر فيه التعدد.

او يقال بعد ما كان الغسل بنظر العرف موجبا لإزالة القذارة التي كانت في المحل و نقلها الى الغسالة فكل مرتبة من القذارة تكون موجودة في الغسالة يجب ازالته بالتطهير و الغسل فان كان الملاقى ملاقيا للغسلة الاولى فالغسالة حيث تكون حاملا للقذارة التي لا ترفع الا بالغسل مرّتين فيجب في ملاقيها الغسل مرّتين.

و ان كان الملاقى للغسلة الثانية فهو و ان لاقى غسالة ما يجب فيه التعدد لكن الغسالة المرّة الثانية على الفرض لا تحمل الّا مرتبة من القذارة ارتفعت على الفرض بهذه المرة فالملاقى لا يلاقى الا مع هذه القذارة فيكفى في غسله مرة واحدة.

فعلى الاول يجب غسل الملاقى مرة و ان كان ملاقيا للمسلة الاولى.

و على الثاني يجب مرّتين ان كان ملاقيا لغسالة المرة الاولى و مرة ان كان ملاقيا لغسالة الغسلة الثانية فان امكن الالتزام بالاول او الثاني كما انه لا يبعد الاحتمال الاول و الاكتفاء بالمرة فهو و الا فمقتضى استصحاب نجاسة الملاقى بعد الغسلة الاولى وجوب الغسلة الثانية كى يتيقن بطهارة ملاقى الغسالة.

***

[مسئلة 15: غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 446

(1)

أقول: لاشتراك الملاك لان وجه الاحتياط استحبابا

حسنه لاحتمال النجاسة مع الحجة على خلافه و كذا في غسالته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 447

فصل: فى الماء المشكوك
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 449

قوله رحمه اللّه

فصل فى الماء المشكوك الماء المشكوك نجاسته طاهر الا مع العلم بنجاسته سابقا و المشكوك اطلاقه لا يجرى عليه حكم المطلق الا مع سبق اطلاقه و المشكوك اباحته محكوم بالإباحة الا مع سبق ملكية الغير او كونه في يد الغير المحتمل كونه له.

(1)

أقول: يقع الكلام في امور:

الامر الاول: في ان الماء المشكوك نجاسته طاهر

الا مع العلم بنجاسته سابقا لاصالة الطهارة في صورة الشك و عدم كون حالته السابقة النجاسة و مع كون حالته السابقة النجاسة يستصحب نجاسته.

الامر الثاني: الماء المشكوك إطلاقه لا يجرى عليه حكم المطلق

لعدم دليل و لا اصل يقتضي ذلك فلا يترتب عليه كل اثر يكون مترتبا على وصف الاطلاق كما لا يحكم عليه بالإضافة لعدم دليل او اصل يدل عليه فلا يترتب عليه كل اثر يترتب على وصف الاضافة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 450

و اما مع سبق اطلاقه فيحكم عليه بالإطلاق للاستصحاب يترتب عليه كل اثر شرعى يكون له.

الامر الثالث: الماء المشكوك اباحته محكوم بالإباحة

لان المرجع في مقام الشك في الاباحة في الموضوعات الخارجية هو اصالة الاباحة كما قرّر في محله الاعلى قول من لا يجرى اصالة الاباحة في الاموال لدلالة الرواية الواردة في الانفال و ما يختص بالامام و هى ما رواها الكلينى عن محمد بن الحسن و عن علي بن محمد جميعا عن سهل عن احمد بن المثنى عن محمد بن يزيد الطبرى قال كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالى ابى الحسن الرضا عليه السّلام و فيها قال «لا يحل مال الا من وجه احل اللّه الخ» «1» فهى ضعيفة السند و ليست شهرة قائمة على أصالة الحرمة في الاموال حتى يقال آنها تجبر ضعفها.

نعم مع كونه في السابق ملكا للغير يستصحب ملكيته كما انه مع كونه تحت يد الغير يحكم بملكية ذى اليد ما لم يثبت خلافه.

***

[مسئلة 1: إذا اشتبه نجس او مغصوب في محصور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا اشتبه نجس او مغصوب في محصور كاناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع و ان اشتبه في غير المحصور كواحد في الف مثلا لا يجب الاجتناب عن شي ء منه.

(1)

أقول: اما فيما كان اطراف العلم محصورا كما اشتبه نجس او مغصوب في عشرة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 451

اناء فمقتضى القاعدة المبنية عليها في العلم الاجمالى هو الاجتناب.

و ان كان مشتبها بين اطراف غير محصورة لا يجب الاجتناب للفرق بين الشبهة المحصورة و غيرها.

و اما كون مثال المؤلف رحمه اللّه و هو الواحد بين الف من صغريات الشبهة الغير المحصورة فقابل للمناقشة لعدم كون المثال مطلقا من صغريات الغير المحصورة حتّى على الضابط الذي يذكره المؤلف رحمه اللّه في

المسألة الآتية من كون المعيار ان لا يعد العلم الاجمالى علما و يجعل المشتبه بحكم العدم لعدم كون الاطراف في المثال مطلقا كذلك.

و كذلك على بعض الضوابط الآخر في الغير المحصورة مثل ان يكون الضابط عسر الاجتناب عن الاطراف.

او عدم الابتلاء ببعض الاطراف.

او عدم اعتناء العقلاء بالعلم و ارتكاب الاطراف.

او كون الضرر المحتمل موهوما حيث لا يعتنى به.

***

[مسئلة 2: لو اشتبه مضاف في محصور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لو اشتبه مضاف في محصور يجوز ان يكرّر الوضوء او الغسل الى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه فاذا كانا اثنين يتوضأ بهما و ان كانت ثلاثة او ازيد يكفي التوضى باثنين إذا كان المضاف واحدا و ان كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل و ان كان اثنين في أربعة تكفى الثلاثة و المعيار ان يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد و ان اشتبه في غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 452

المحصور جاز استمال كل منها كما إذا كان المضاف واحدا في الف و المعيار ان لا يعد العلم الاجمالى علما و يجعل المضاف المشتبه بحكم العدم فلا يجرى عليه حكم الشبهة البدوية أيضا و لكن الاحتياط اولى.

(1)

أقول: اما في ما كان المشتبه في الاطراف المحصورة فهو كما افاده رحمه اللّه إذا زاد على عدد المضاف المعلوم واحدا و توضأ او اغتسل بالعدد يعلم اجمالا مع هذه الزيادة بانه توضأ او اغتسل بالماء المطلق و لا اشكال.

و اما في الغير المحصورة فالاشكال في المثال كما مضى في المسألة السابقة لان عدّ الواحد في الألف من الغير المحصورة مطلقا قابل المناقشة لما عرفت.

***

[مسئلة 3: إذا لم يكن عنده الّا ماء مشكوك اطلاقه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا لم يكن عنده الّا ماء مشكوك اطلاقه و اضافته و لم يتيقن انه كان في السابق مطلقا يتيمم للصلاة و نحوها و الاولى الجمع بين التيمم و الوضوء به.

(2)

أقول: في المقام و ان علم اجمالا بان المكلف به اما الوضوء و اما التيمم لانه ان كان المشكوك ماء فهو واجد الماء و تكليفه الوضوء و ان لم يكن ماء فهو غير واجد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 453

الماء و قال اللّه «1» تعالى و ان لم تجدوا ماء فتيمّموا فبعد الشك في اطلاق المشكوك و اضافته يعلم اجمالا بوجوب الوضوء عليه او التيمم و يتوهم ان مقتضاه الجمع بين الوضوء و التيمم و لكن بعد كون منشأ الشك كونه واجد الماء و ما يستفاد من الآية الشريفة و بعض الروايات كون وجوب التيمم مشروط بعدم وجدان الماء لا ان يكون وجوب الوضوء مشروطا بوجدانه بل هو مطلق من هذا الحيث فالقدرة الماخوذة في وجوب الوضوء ليست القدرة الشرعية بل القدرة العقلية خلافا لما قاله سيدنا الاستاد آية اللّه الحجة رحمه اللّه و كتبنا بيانه في تقريرات درسه في مبحث التيمم حيث قال في التيمم بان الشرط اى شرط الوجدان يكون شرعيا و بعبارة اخرى القدرة المعتبرة في الوضوء هي القدرة الشرعية لا العقلية ففي حال الشك يكون الشك في الحقيقة في التكليف و انه هل هو مكلف بالوضوء أم لا. فبمقتضى البراءة يحكم بعدم كونه مكلفا بالوضوء» و بعد كون القدرة المأخوذة عقليّة ففي مقام الشك يكون المرجع اصالة الاشتغال لكون التكليف على الفرض فعليا غير مشروط فعليّته بشي ء غاية الامر يشك في انه هل يقدر على امتثال التكليف او لا فبمقتضى العلم الاجمالى لا بدّ عليه من الجمع بين الوضوء و التيمم او الغسل و التيمم.

و اما ما ذكر في وجه كون المورد مورد التيمم فقط باستصحاب عدم وجدان الماء فلا يثبت به الّا كون المورد مورد التيمم لاثبات موضوعه و هو عدم وجدان الماء بهذا الاستصحاب لكن بعد كون وجوب الوضوء مطلقا غير مشروط بالوجدان بل هو مطلق بناء على كون القدرة المأخوذة في ناحية وجوب الوضوء قدرة

عقلية فالاستصحاب لا يرفع وجوب الوضوء فتكون النتيجة مع ذلك الاصل هو الجمع بين الوضوء و التيمم و لكن حيث يكون لدعوى كون القدرة المأخوذة

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 454

شرعيّا مجال نقول بان الاحوط هو الجمع بين الوضوء و التيمم.

***

[مسئلة 4: إذا علم اجمالا ان هذا الماء اما نجس او مضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا علم اجمالا ان هذا الماء اما نجس او مضاف يجوز شربه و لكن لا يجوز التوضؤ به و كذا إذا علم انه اما مضاف او مغصوب و إذا علم انه اما نجس او مغصوب فلا يجوز شربه أيضا كما لا يجوز التوضؤ به و القول بانه يجوز التوضى به ضعيف جدا.

(1)

أقول: اما فيما يعلم اجمالا بكون الماء اما نجسا او مضافا فيجوز شربه لاصالة الطهارة و لا يجوز التوضؤ به لان الشرط في ماء الوضوء هو كونه طاهرا و مطلقا و هو مع هذا العلم الاجمالى يعلم بفقد احد الشرطين تفصيلا.

و كذا فيما علم اجمالا بان الماء اما مغصوب او مضاف فيجوز شربه لاصالة الاباحة و لا يجوز التوضؤ به لان الماء فاقد قطعا لاحد الشرطين المعتبرين في ماء الوضوء و هو الاطلاق و الاباحة.

اما إذا علم اجمالا بان الماء اما نجس او مغصوب لا يجوز شربه لحرمة شرب النجس و المغصوب و هو قطعا مصداق احدهما.

و لا يجوز التوضؤ به لاشتراط ماء الوضوء بالطهارة و الاباحة و هذا الماء على الفرض فاقد لاحدهما.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 455

[مسئلة 5: لو أريق أحد الإناءين المشتبهين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة او الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر و ان زال العلم الاجمالى و لو أريق احد المشتبهين من حيث الاضافة لا يكفى الوضوء بالآخر بلى الاحوط الجمع بينه و بين التيمم.

(1)

أقول: لانه بعد تعلق العلم و ان كان إجمالا تنجز و لازمه حكم العقل بالاجتناب عن الاطراف و فقد بعض الاطراف لا يوجب صرف حكم العقل عن طرف الآخر لان بمجرد العلم جاء حكم العقل و

هو باق فعلى هذا لا يجوز التوضى بالآخر.

و ما قاله المؤلف رحمه اللّه من قوله «و ان زال العلم الاجمالى» فهو مسامحة لانه مع فقد بعض الاطراف بعد تنجز العلم ما زال العلم بل هو باق بحاله و يحكم العقل حكما تعليقيّا بانه ان كان المعلوم في هذا الطرف الباقى و ارتكبت تصحّ عقوبتك.

و ان اريق احد المشتبهين من حيث الاضافة لا يكفى الوضوء بالآخر بعين ما قلنا في الفرض السابق و على هذا حيث انه لا يعلم انه واجد الماء او غير واجد الماء.

فكما بيّنا وجهه في المسألة الخامسة يكون الاحوط الجمع بين الوضوء و التيمم في هذا المورد.

ان قلت انه بعد كونه واجد الماء قبل اراقة احدهما لان المفروض عدم العلم بحالة السابقة في الإناءين و لانه يتنجز العلم الاجمالى فيستصحب كونه واجد الماء بعد اراقة احدهما لانه ان كان ما اريق هو الماء فقد ارتفع الماء و ان كان ما اريق هو المضاف فالماء باق فيشك في بقاء الماء الكلى فيستصحب فيكون من قبيل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 456

استصحاب القسم الثاني من الكلّى الذي يكون الحق فيه جواز استصحاب الكلى و ترتيب اثره.

اقول ان هذا الاستصحاب لا يثبت كون المائع الباقى ماء حتى يكفى التوضؤ به فالاحوط الجمع بين الوضوء به و بين ضم التيمم.

***

[مسئلة 6: ملاقى الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: ملاقى الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة لكن الاحوط الاجتناب.

(1)

. أقول: الظاهر كون مفروض كلامه صورة وقوع الملاقاة بعد العلم.

فنقول إذا علم اجمالا بكون احد الإناءين مثلا نجسا فتنجّز التكليف الواقع في البين و يجب بحكم العقل الاجتناب عن الاطراف اى عن كل من الإناءين و مع العلم

لا مجال لاجراء الاصل في الاطراف لاستلزامه المناقضة فمنشأ عدم اجراء الاصل في الاطراف ليس من جهة التعارض بين الاصل في طرف و بين الاصل الطرف الآخر كما اختاره الشيخ الانصاري رحمه اللّه.

بل من جهة ان نفس العلم يمنع عن اجراء الاصل.

و بعد تعلق العلم و تنجّز الواقع في البين يجب بحكم العقل الاجتناب عن الاطراف.

فاذا لاقى شي ء مع بعض الاطراف بعد تعلق العلم و تنجّزه لا يحكم بنجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 457

الملاقى بالكسر لان الشك بالنسبة إليه بدويّا.

ان قلت بانه بعد الملاقاة يعلم اجمالا اما بنجاسة الملاقى بالفتح و ملاقيه و اما بنجاسة الطرف الآخر فمقتضى هذا العلم هو الاجتناب عن كل من الملاقى بالفتح و الملاقى بالكسر و طرفه قلت اما العلم الاجمالى الاوّل فلا يكون اثره الّا الاجتناب عن الملاقى «بالفتح» و طرفه.

و اما العلم الاجمالى الثاني فلا تنجّز لان شرط تنجز العلم الاجمالى كما بيّنا و حققنا في محله و هو ان يجي ء باعتباره اثر زائد في كل طرف من الاطراف بمعنى وجود الاثر الزائد له على كل حال و اما لو لم يكن كذلك فلا يتنجز و في المقام بعد كون الطرف واجب الاجتناب بحكم العقل بمقتضى العلم الاجمالى الاول فبعد ملاقاة الملاقى لاحد الطرفين و العلم الجمالى الثاني بان النجس اما في الملاقي و الملاقى و اما في الطرف فان كان النجس في الطرف فلا يؤثر العلم الثاني فليس للعلم الثاني التنجّز على كل حال فلا اشكال في اجراء الاصل بالنسبة الى الملاقى بالكسر فان كان حالته السابقة الطهارة يستصحب طهارته و ان لم يعلم حالته السابقة يحكم عليه بالطهارة لاصالة الطهارة.

هذا كله

بناء على كون المانع من اجراء الاصول في الاطراف نفس العلم الاجمالى.

و اما بناء على كون المانع تعارض الاصلين الجارين في الطرفين فلا بدّ من الالتزام بالتفصيل.

بين ما كانت الحالة السابقة في الاطراف النجاسة ثم علم طهارة بعضها اجمالا فيقال بوجوب الاجتناب عن الملاقى و لو كان الملاقاة بعد العلم لانه بعد ما لم يكن اجراء استصحاب النجاسة في الاطراف موجبا للمخالفة العمليّة لان الاصل لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 458

يجرى في الاطراف فيما يوجب اجرائه مخالفة عملية للعلم الاجمالى في البين و على الفرض لا يكون استصحاب نجاسة الاطراف موجبا لذلك فيجرى الاصل و اثر استصحاب نجاسة الملاقى بالفتح نجاسة ملاقيه على هذا للعلم الاجمالى بطهارة بعض الاطراف.

و بين ما إذا لم يكن الحالة السابقة في الاطراف النجاسة فلا يحكم بنجاسة الملاقى لبعض الاطراف لان اجراء الاصل في الاطراف يوجب المخالفة العمليّة للعلم الاجمالى فالاصلان في الطرفين يسقطان بالتعارض فيكون الاصل في الملاقى «باكسر» بلا معارض فلا يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر. و هذا هو السر في التفصيل بين الصورة الاولى و الثانية من بعض المحشّين على العروة. و نحن حيث اخترنا كون نفس العلم الاجمالى مانعا لعدم امكان اجراء الاصل في اطرافه نقول بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر إذا كان الملاقاة بعد العلم.

و اما إذا كان الملاقاة قبل العلم فيجب الاجتناب عن كل من الملاقى بالفتح و الملاقى بالكسر و الطرف لانه بعد العلم يعلم اجمالا اما بنجاستهما او بنجاسة الطرف فمقتضى العلم الاجتناب عن كلها.

***

[مسئلة 7: إذا انحصر الماء في المشتبهين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمم و هل يجب اراقتهما أوّلا، الاحوط ذلك و ان كان

الاقوى العدم.

(1)

أقول: امّا تعيّن التيمم لما رواها سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 459

معه اناء ان فيهما ماء وقع في احد هما قذر لا يدرى ايّهما هو و ليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا و يتمّم «1».

و لما رواها عمار الساباطى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال سئل عن رجل معه اناء ان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لا يدرى ايّهما هو و حضرت الصلاة و ليس يقدر على ماء غيرهما قال: يهريقهما جميعا و يتمّم «2» المعمول بهما عند الاصحاب بدعوى ان المستفاد منهما تعيّن التيمّم مع انحصار الماء بهما.

و اما اراقتهما حيث يكون المحتمل بل الظاهر من الامر بالاراقة الارشاد الى عدم الاستفادة و الانتفاع بهما او حمل الامر على مجرّد الجواز لوقوعه في مقام توهم الحضر فيقال بجواز الاراقة و التيمّم فلا يدل الامر على الوجوب التكليفي.

و المؤلف رحمه اللّه تعرض للمسألة في المسألة العاشرة أيضا فتمام الكلام و ما ينبغى ان يقال يأتي إن شاء اللّه في المسألة الآتية فراجع.

***

[مسئلة 8: إذا كان إناءان احدهما المعين نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا كان إناءان احدهما المعين نجس و الآخر طاهر فاريق احدهما و لم يعلم انه ايّهما فالباقى محكم بالطهارة و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين و اريق احدهما فانه يجب الاجتناب عن الباقى و الفرق ان الشبهة في هذه الصورة بالنسبة الى الباقى بدوّية بخلاف الصورة الثانية فانّ الماء الباقى كان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 14 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 460

طرفا للشبهة من الاول و قد حكم عليه بوجوب الاجتناب.

(1)

أقول: اما وجه كون الباقى محكوما بالطهارة لكون الشبهة بالنسبة إليه بدوية كما افاد رحمه اللّه لان العلم الاجمالى بعد اراقة احدهما و ان كان قائما على ان النجس اما هذا الموجود و اما ما اريق و لكن هذا العلم لا ينجّز فيشك في نجاسة الموجود و عدمه فيحكم بطهارته لاصالة الطهار.

و اما الوجه في وجوب الاجتناب عن الباقى في الصورة الثانية لكونه طرفا للشبهة من الاول لتعلق العلم بنجاسة احدهما ثم اريق احدهما فيجب الاجتناب عن الباقى للعلم الاجمالى المنجّز قبل اراقة احدهما.

و اما ما ذكر بعض «1» المحشين «آيت اللّه خوئى» في الصورة الاولى لا يجب الاجتناب عن الباقى إذا لم يكن للماء المراق ملاق له اثر شرعى و الا لم يحكم بطهارة الباقى حيث انه إذا كان له ملاق فيعلم اجمالا اما بنجاسة ملاقى المراق او نجاسة الباقى فيجب الاجتناب عن كل من الملاق بالكسر و الطرف و لكن هذا خلاف فرض المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 9: إذا كان هناك اناء لا يعلم انه لزيد او لعمرو]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا كان هناك اناء لا يعلم انه لزيد او لعمرو و المفروض انه مأذون من قبل زيد فقط في التصرف في ماله لا يجوز له استعماله و كذا إذا علم انه لزيد مثلا لكن لا يعلم انه

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 430.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 461

مأذون من قبله او من قبل عمرو.

(1)

أقول: لاستصحاب حرمة التصرف فيه.

***

[مسئلة 10: في الماءين المشتبهين إذا توضأ باحدهما]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: في الماءين المشتبهين إذا توضأ باحدهما او اغتسل و غسل بدنه من الآخر ثم توضأ به او اغتسل صحّ وضوئه او غسله على الاقوى لكن الاحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة و مع الانحصار الاحوط ضمّ التيمم أيضا.

(2)

أقول: ما ذكر في المسألة من جواز الوضوء و الغسل بالماءين المشتبهين حتى مع الانحصار و ما ذكر في آخر المسألة من ان الاحوط ضم التيمم مع الانحصار مناف مع ما ذكر في المسألة السابعة من تعيين التيمم في صورة انحصار الماء بالمشتبهين.

و نحن نقول بان مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الرواية امكان الوضوء او الغسل باحد الماءين ثم الصلاة بعده ثم الوضوء او الغسل بالآخر و الصلاة بعده و قد صلى مع الطهارة المائية و نقول توضيحا للمطلب. بان للمسألة صورتين.

الصورة الاولى: ان يكون الماءان المشتبهان بالنجاسة كليهما

قليلين او كان ما يتوضأ أو يغتسل به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 462

ثانيا: قليلا ففي هذه الصورة إذا توضأ أو اغتسل بكليهما بان يتوضأ باحدهما ثم يغسل بدنه بالآخر و يتوضأ به او اغتسل باحدهما ثم يغسل بدنه بالآخر ثم اغتسل ثانيا فيقطع بامتثال الامر المتعلق بالوضوء او الغسل غاية الامر بعد ذلك يكون مواضع الوضوء و الغسل من بدنه محكوما بالنجاسة بحكم الاستصحاب لانه في اوّل آن يقع جزء من الماء الواقع في الاناء الثاني الذي يجرى على بدنه لأن يغسل بدنه به ثم يتوضأ به قبل ان ينفصل الماء عن البدن و يخرج الغسالة و ما يعتبر في التطهير بالقليل يقطع بنجاسة بدنه اما للماء الاول الذي توضأ او اغتسل به كان نجسا و اما لان هذا الماء الثاني يكون نجسا ثم

بعد غسله بذا الماء الثاني و الوضوء يشك في انه هل طهر بدنه أم لا، فيستصحب النجاسة المتيقنة و لهذا و ان صح وضوئه او غسله لكن بدنه الملاقى للمائين محكوم بالنجاسة.

الصورة الثانية: ما إذا كان الماء الذي يتوضأ او يغتسل به ثانيا من المشتبهين

يكون كثيرا فحيث انه بمجرد ملاقاة الماء الكر مع الموضع المتنجس يطهره بدون حاجة الى انفصال الغسالة و غيره مما يعتبر في القليل فلا يكون زمان يقطع الشخص بنجاسة بدنه كى يستصحب ففي هذه الصورة يصح وضوئه و غسله بالماءين المشتبهين و لا يبتلى بنجاسة البدن.

ان قلت انه يعلم بنجاسة بدنه لان بدنه لاقى مع النجس قطعا لكون احد الماءين نجسا فيستصحب أقول انه كما يقطع بنجاسته كذلك يقطع بطهارته و يكون الشك في المتقدم منهما و متأخرهما و حيث يكون كل من الطهارة و النجاسة مجهول التاريخ فلا مجال لاستصحابهما.

اما لعدم اجرائه راسا لكونه شبة مصداقية لقوله عليه السّلام لا تنقض.

و اما للتعارض على اختلاف في ذلك مضى في الاستصحاب و بعد سقوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 463

الاستصحابين يشك في نجاسة بدنه و طهارته فيحكم بطهارته لقوله كل شي ء طاهر حتّى يعلم انه قذر.

على كل حال في الصورة الاولى.

لو صلى بعد الوضوء او الغسل بكل من المشتبهين صحت صلاته أيضا.

و في الصورة الثانية: لا حاجة الى تكرار الصلاة بل يكفي صلاة واحدة بعد الوضوء او الغسل بهما بالنحو المذكور هذا هو مقتضى القاعدة و العمدة في المقام هو الروايتان المتقدمتان ذكرهما في المسألة السابقة الدالتان بطاهرهما على وجوب اراقة المشتبهين بالنجاسة و التيمم فما نقول في المقام.

اعلم انه تارة يقال بان الظاهر من الامر بالاراقة هو الوجوب التكليفي فقط و كذلك الامر بالتيمم فاذا لو عصى و

توضأ او أغتسل في الفرض مع المشتبهين فقط صح وضوئه و غسله و ان كان مأمورا بالاراقة و التيمم و قد عصى امرهما و استحق لاجله العقوبة لان الامر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

و تارة يقال بان الامر بالاراقة و التيمم حيث يكون مورد توهم الحظر لان ما يأتى بالنظر هو الوضوء و عدم جواز التيمم مع التمكن من الوضوء و تحصيل الطهارة المائية و لكن حيث يكون تحصيل الطهارة المائية بهذه الكيفية مشقة و عسرا غالبا جوّز الشارع اراقتهما و التيمم فلا يستفاد من الامر الا مجرّد الجواز و على هذا فلا يستفاد من الخبرين الا جواز التيمم و اما لو توضأ او اغتسل بالكيفية المتقدمة بالمشتبهين لا اشكال في وقوعهما صحيحا.

و تارة يقال بان الأمر بالاراقة لا للارشاد الى عدم استعمال المشتبهين و الانتفاع بهما و لا الى وجوب الاراقة تكليفا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 464

و يقال بان الامر بالتيمم لا يستفاد منه الا الجواز كما ذكر في الاحتمال الثاني فعلى هذا يصح الاكتفاء بالطهارة المائية.

أقول ان الاقرب بالنظر هو الاحتمال الثاني و على هذا يصح الاكتفاء بالطهارة المائية حتّى مع الانحصار لكن حيث يكون المفتى به عند المشهور بل ادعى الاجماع على اراقة الماء و تعين التيمم كما هو ظاهر الخبرين لان الظاهر من الامر بالتيمم هو كونه على وجه العزيمة و تعينه مع قطع النظر عن وجود القرينة على ان الامر في المقام لا يفيد الا الجواز نقول بان الاحوط الاقتصار على التيمم فافهم.

***

[مسئلة 11: اذا كان هناك ماءان توضأ باحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا كان هناك ماءان توضأ باحدهما او اغتسل و بعد الفراغ حصل له العلم بان احدهما كان نجسا

و لا يدري انه هو الذي توضأ به او غيره ففي صحة وضوئه او غسله اشكال اذ جريان قاعدة الفراغ هنا محل اشكال و اما إذا علم بنجاسة احدهما المعيّن و طهارة الآخر فتوضّأ و بعد الفراغ شك في انه توضأ من الطاهر او من النجس فالظاهر صحة وضوئه لقاعدة الفراغ نعم لو علم انه كان حين التوضى غافلا عن نجاسة احدهما يشكل جريانها.

(1)

أقول: لعدم كون الصورة الاولى مورد قاعدة الفراغ بناء على اعتبار كون مورد جريانها صورة احتمال كونه متذكرا حال العمل للتعليل الوارد في بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 465

رواياتها او لانّ موردها بحسب ادلّتها ما إذا كان منشأ الترك احتمال الغفلة و الذهول مع احتماله الالتفات حين العمل و ما قال في المستمسك «1» في المقام باجراء قاعدة الفراغ في المورد من باب ان بعض الاخبار الدالة عليها مطلقة و ارتكاز العقلاء يؤيّد اطلاقها مضافا الى دلالة ما رواها الحسين بن ابي العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال حوّل من مكانه و قال في الوضوء: تدره فان نسيت حتّى تقوم في الصلاة فلا امرك ان تعيد الصلاة «2» مثل قوله عليه السّلام فلا آمرك ان تعيد الصلاة على عدم وجوب الاعادة و لا جلها لا بدّ من حمل ما في رواية بكير بن اعين على الحكمة للعلّة.

ففيه أولا ان وجود سيرة و ارتكاز من العقلاء على شمول قاعدة الفراغ لمثل هذا المورد غير معلم و على فرض وجود سيرة ردعها الشارع لما في رواية بكير بن اعين من قوله عليه السّلام «هو حين ما يتوضأ اذكر الخ» و ثانيا نص

ساير الروايات الواردة في قاعدة الفراغ هو خصوص صورة كان منشأ الترك هو الذهول و الغفلة بعد كون بنائه على العمل بالوظيفة فهو لو ترك لا يترك الا للنسيان او الغفلة فلا تشمل المورد الذي يعلم بعدم التفاته و احتمال فعل ما هو وظيفته اتفاقا.

و اما ما قال من التمسك بحسنة الحسين بن ابي العلاء فنقول انّ ظاهرها صورة ترك الادارة و التحريك الواجبة عليه بمقتضى الامر نسيانا فهو غير مربوط بالمقام لانّ مورد القاعدة الشك في العمل بالوظيفة فلو صحت الرواية لا بدّ من ان يقال بعدم ترك ايصال الماء تحت الخاتم نسيانا في الغسل و الوضوء و كيف يمكن القول به.

و ثانيا: لو فرض كون موردها الشك في وصول الماء و عدمه فتارة يكون

______________________________

(1) مستمسك، ج 1، ص 252.

(2) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 466

الماء الاخر الذي يكون طرفا للماء الذي توضأ به باقيا فحيث يعلم اجمالا بنجاسة هذا الماء لكونه طرفا للعلم الاجمالى او وجوب الوضوء فلا مجال لقاعدة الفراغ لعدم جريان الاصل مع العلم الاجمالى فلا يمكن الاخذ بالرواية في هذه الصورة الّا ان يدّعى انّ الشارع رخّص جريان الاصل في المورد في اطراف العلم الاجمالى و هذا بعيد. و تارة فقد الماء الاخر الّذي كان طرفا للعلم الاجمالى المفروض في المسألة ففي هذه الصورة يمكن اجراء قاعده الفراغ لجريان الاصل في بعض اطراف العلم الاجمالى مع فقد بعض الاطراف فتحمل الرواية على خصوص هذه الصورة و هو بعيد أيضا.

فلا يمكن التمسّك بهذه الرواية في قبال الروايات الواردة في قاعدة الفراغ التي موردها ما قلنا فلا يمكن

رفع اليد عن ظهور هذه الاخبار بهذه الرواية فتأمّل.

***

[مسئلة 12: إذا استعمل احد المشتبهين بالغصبيّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا استعمل احد المشتبهين بالغصبيّة لا يحكم عليه بالضمان الا بعد تبين ان المستعمل هو المغصوب.

(1)

أقول: لان الضمان متفرع على تفويت مال الغير و هو لا يثبت الا بعد تبيّن كون المستعمل هو المغصوب و لا فرق في ذلك بين كون العلم بكون احد المشتبهين غصبا قبل التصرف او بعد التصرف و ما قيل «1» «القائل آية اللّه الحكيم رحمه اللّه» من انه إذا كان العلم بعد التصرف يعلم اجمالا امّا بالضمان او بعدم جواز التصرف في الآخر

______________________________

(1) مستمسك، ج 1، ص 253.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 467

و بعبارة اخرى يكون الحال من هذا الحيث حال الملاقى فكما انّه إذا كان الملاقاة قبل العلم يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر كذلك إذا كان التصرف قبل العلم يعلم اجمالا امّا بالضمان للتصرّف في احدهما او عدم جواز التصرف في الاخر فيجب بحكم العقل الخروج عن عهدة ما ضمنه و عدم جواز التصرف في الآخر لاجل وجوب موافقة العلم الاجمالى.

و امّا إذا كان العلم قبل التصرف فليس كذلك لعين ما قال في الملاقى بالكسر إذا كان الملاقات بعد العلم و ان كان في محلّه.

لكن مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه هو صورة كون التصرف بعد العلم للتصريح «1» بانه إذا استعمل احد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان فالعبارة صريحة في انّ الاستعمال بعد العلم فما في حاشية بعض آخر من انّ كلام السيد رحمه اللّه يصحّ إذا كان التصرّف بعد العلم و اما إذا كان قبله فلا و ذكر العلم الاجمالي المذكور.

فهو و ان كان في محلّه في حدّ ذاته

لكن حيث يكون مورد كلام المؤلف رحمه اللّه خصوص صورة كون التصرّف بعد العلم الاجمالى لا يناسب التحشى بذلك لان كلام السيد رحمه اللّه ليس له صورتان.

______________________________

(1) لما أ يستفاد ذلك من هذه المسألة 12.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 469

الفهرس

مقدمة من المؤلف 5

جامعية نظر الاسلام 10

العلوم الاسلامية 11

موقعيّة علم الفقه و شرافته 12

ميزة تمتاز بها الاسلام من ساير الاديان 14

امتياز الشيعة 15

امتياز الشيعة، الجهة الاولى 16

الجهة الثانية 18

الجهة الثالثة: فتح باب الاجتهاد عند الشيعة 20

خدمة الشيعة و علمائهم 22

توفيق الشيعة بحفظ الآثار 23

وضع الفقه من الغيبة الى الآن 27

تمركز الروحانية في الشيعة 29

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 470

النّازلة المنكرة الواردة على الحوزة العلميّة في النجف 31

تأسيس الحوزة العلمية في قم المشرّفة 32

تجديد الحوزة بل تأسيسها 34

و اما بعد ارتحاله 37

خطبة الكتاب 39

فى الاجتهاد و التقليد 41

يجب على كل مكلّف أن يكون مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا 43

يجوز الاحتياط للمجتهد و المقلّد 47

قد يكون الاحتياط في الفعل أو التّرك 52

الاقوى جواز الاحتياط و لو استلزم التّكرار 53

يجب التّقليد أو الاجتهاد في حكم الاحتياط 54

في الضروريات لا حاجة الى التّقليد 54

عمل العامي بلا تقليد و الاحتياط باطل 55

في معنى و مفهوم التّقليد 61

في جواز البقاء على تقليد الميّت 66

اذا عدل عن الميّت الى الحيّ لا يجوز له الرجوع الى الميّت 83

لا يجوز العدول من الحيّ الى الحيّ الّا اذا كان الثّاني أعلم 84

الكلام في وجوب تقليد الأعلم 88

هل يجب تقليد الاورع؟ 98

اذا لم يك للاعلم فتوى في المسألة جاز الرّجوع الى غير الاعلم و لا يجب الاحتياط 99

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 471

اذا قلّد مجتهدا يجوز البقاء على تقليد الميّت ذلك المجتهد 100

حكم عمل الجاهل المقصر او القاصر اذا كان مطابقا للواقع او لرأي من يقلّده حين الالتفات 103

المراد من الاعلم و المرجع في تعيينه 105

حكم تقليد المفضول اذا وافق الافضل في الفتوى 106

لا يجوز تقليد غير المجتهد و إن كان من أهل العلم كما يجب عليه التقليد 107

طرق ثبوت اجتهاد المجتهد أو أعلميّته مع تحقيق حاله خبر الثّقة في المقام 107

اذا تردّد الأعلم بين مجتهدين 115

شروط مرجع التقليد و تحقيق أدلّتها 119

طرق ثبوت العدالة 132

اذا فقد المرجع بعض الشرائط وجب العدول عنه 150

اذا قلّد غير الجامع للشّرائط كان كمن لم يقلّد 150

اذا قلّد مجتهدا يحرم البقاء على تقليد الميّت فمات ذلك المجتهد 151

يجب العلم باحكام العبادات و يكفي العلم الاجمالي 152

يجب تعلّم مسائل الشّك و السّهو بالمقدار الّذي هو محلّ الابتلاء 153

وجوب التّقليد في الاحكام غير الالزامية 154

الكلام في الاحتياط او تردّد الحكم بين حكمين أو أكثر 155

اذا تبدّل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد العمل على رأيه الاوّل 156

اذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقّف و التّردد 156

اذا تساوى المجتهدان في العلم تخيّر بينهما مع الكلام في التّبعيض في تقليد كلّ منهما 156

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 472

اذا قلّد مجتهدا يقول بحرمة العدول حتّى الى الاعلم فصار غيره أعلم منه 159

اذا

قلّد مجتهدا بتخيّل انّه زيد فبان عمروا 160

طرق معرفة فتوى المجتهد 161

اذا قلّد من ليس له اهليّة الفتوى وجب العدول عنه 164

اذا تردّد الأعلم بين شخصين 165

اذا شكّ في موت المجتهد أو تبدّل رأيه أو سقوطه عن اهليّة التقليد يجوز له البقاء حتّى يتبيّن الحال 165

يشترط في المفتي و القاضي العدالة 181

اذا شكّ في أنّ اعماله السّابقة كانت عن تقليد أم لا؟ 183

اذا كان أحد المجتهدين أعلم في بعض المسائل و الآخر في بعض آخر 185

اذا اخطأ المجتهد أو النّافل في بيان الفتوى وجب الاعلام عليه، مع التّعرض لمفاد أدلّة وجوب الاعلام 185

اذا ابتلى في اثناء الصّلاة بمسألة لا يعلم حكمها 189

حكم العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم هو الاحتياط 190

وكيل المجتهد أو المأذون من قبله في التّصرفات العامة ينعزل بموت المجتهد بخلاف المنصوب من قبله قيما أو وليّا 191

إذا بقى على تقليد الميّت من دون تقليد في هذا المسألة كان كمن لم يقلّد 194

من قلّد شخصا ثمّ قلّد غيره ممّن يخالفه في الفتوى هل يجب عليه اعادة أعماله السابقة أم لا؟ و كذا لو عدل عن رأيه الاوّل 195

في ما يمكن أن يستدلّ به على الاجزاء فهي وجوه: الاوّل و الثانى و الثالث 198

الوجه الرّابع 199

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 473

الوجه الخامس 200

الوجه السّادس 201

الوكيل و الوصيّ هل يعملان على طبق تقليدهما أو على طبق تقليد الموكل و الموصي؟ 204

إذا اختلف المتعاملان في التقليد 207

المدار في تعيين من يترافع إليه بين المجتهدين 207

لا يجوز ردّ حكم الحكام

مع تفصيل الكلام في صور العلم بمخالفته للواقع او بخطإ المستند أو الاستناد 217

اذا تبدّل رأى المجتهد فهل يجب الاعلام به على ناقل الفتوى الاولى؟ 219

حكم تعارض بعض الطّرق الّتي يعرف بها رأي المجتهد 220

حكم من عرضت له مسألة لا يعلم حكمها و لا يمكنه الرّجوع فيها إلى الأعلم 223

حكم من مات مقلّده فقلّد غيره ثمّ مات فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميّت 226

ما يتحقّق به التّقليد بنحو يجوز مع البقاء عليه بعد موت المجتهد 228

كيفيّة العمل في موارد احتياطات الاعلم 229

في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد أيّهما شاء كما يجوز له التّبعيض 230

يعسر على العاميّ تشخيص موارد الاحتياط 231

لا يجوز التقليد في أصول الدّين و لا في مسائل اصول الفقه، أو مبادي الاستنباط، أو موضوعات الاحكام على تفصيل 232

تحقيق ما يعتبر فيه الاعلميّة من وظائف المجتهد 234

هل يجب على المجتهد إعلام مقلّديه لو تبدّل رأيه 236

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 474

يجوز للعامي اجراء الاصول في الشّبهات الموضوعيّة دون الحكميّة 236

المجتهد غير العادل لا تثبت له وظائف المجتهد و ان كان ثقة 237

الظنّ برأي المجتهد ليس حجّة إلّا أن يستند إلى ظواهر 238

كتاب الطهارة- فصل في المياه 239

تقسيم الماء المطلق و مضاف و بيان اقسام المطلق و ان ماء المطلق باقسامه طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث 239

الماء المضاف مع طهارة أصله طاهر غير مطهّر من الحدث و الخبث 243

الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه 248

المضاف المصعّد مضاف 248

المطلق و المضاف النّجس يطهر بالتّصعيد 249

اذا

شكّ في مائع انّه ماء مطلق او مضاف 251

المضاف النّجس يطهر بالاستهلاك في الكرّ و الجاري 251

إذا القى المضاف النّجس في الكرّ فخرج عن اطلاق 251

اذا انحصر الماء في المخلوط بالطّين ينحو يخرج عن الاطلاق 252

الماء المطلق و ان كان كثيرا ينجس بتغيّر أحد أوصافه الثّلاثة- الطّعم و اللّون و الرّائحة- بملاقات النّجاسة دون ما لو تغيّر بالمجاورة لها 253

لو لاقى الماء النّجاسة فتغيّر احد اوصافه الثّلاثة بغير وصف النّجاسة 260

لا يعتبر في تنجّسه ان يكون التغيّر بوصف النّجس بعينه 261

لو تغيّر الماء بالنّجاسة عن وصفه العرضى لا الذّاتي 262

لو تغيّر بعض الماء الواحد بملاقات النّجاسة، نجس الباقى ان كان دون كرّ و ان كان الباقى كرّا بقى على الطهارة و طهر به المتغيّر بعد زوال تغيّره 263

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 475

اذا لاقى الماء النّجس و لم يتغيّر ثمّ تغيّر و شكّ في استندا تغيّره الى الملاقات 264

اذا لاقى الماء بعض النّجاسة و تغيّر بسبب المجموع من الملاقى و غيره 264

اذا شكّ في التغيّر او في استناده الى الملاقات او في نجاسة الملاقى، بنى على الطّهارة 267

اذا استند التغيّر الى ملاقات الطّاهر و النّجس معا 267

اذا زال تغيّر الماء من قبل نفسه 269

فصل فى الماء الجارى 275

اعتصام الجارى و لو كان دون الكرّ مع تحقيق ادلّة اعتصام ذى المادّة مطلقا 277

الجارى اذا لم يكن له مادّة، بحكم الرّاكد لا يعتصم الّا بالكريّة 278

حكم الشكّ في انّ للماء مادّة أم لا؟ 286

يعتبر في اعتصام الماء من اتّصاله بالمادة و لا يكفى تقاطرها عليه

287

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 475

تفصيل الكلام في اعتبار دوام المادّة 287

حكم ما اذا انقطع الاتّصال بالمادّة 288

الرّاكد المتّصل بالجارى كالجارى 289

حكم العيون الّتي تنبع في الشّتاء و تنقطع بالصّف 289

اذا تغيّر بعض الجارى دون بعض 289

فصل في الرّاكد بلا مادّة 294

تنجّس الماء القليل بملاقاة النّجس او المتنجّس لا فرق في تنجّس الماء بين كونه واردا على النّجاسة و كونه موردا لها 302

الكر بحسب الوزن 303

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 476

تحديد الكرّ بحقّه الاسلامبول 316

لا بدّ من تحقّق الكرّ دقّة و لا يكفى ما دونه و لو بنصف مثقال 317

ملاقات القليل للنّجاسة مع اختلاف سطوحه او تدافعه 317

الماء الجامد لا يعصم و لا يتمّم الكرّ 319

اذا شك في كرّية الماء 319

اذا شكّ في انّ حدوث الكرّية او ارتفاعها قبل ملاقات النّجاسة او بعدها 324321

اذا وجد نجاسة في الكرّ و لم يعلم انّها وقعت قبل الكريّة او بعدها 324

اذا حدثت الكرّية و الملاقاة في آن واحد 325

اذا لاقت النّجاسة أحد الماءين المعلوم، كرّية احدهما المعيّن 327

اذا لاقت النّجاسة أحد ماءين يعلم بنجاسة احدهما المعيّن 327

اذا لاقت النّجاسة كرّا لا يعلم انّه ماء مطلق او مضاف، او احد كرّين احدهما مطلق و الآخر مضاف 328

القليل النّجس المتمّم كرّا بطاهر أو نجس، نجس 328

فصل فى ماء المطر 330

ماء المطر معتصم بنفسه و ان كان قليلا ما دام تقاطره مستمرّا

من السماء 333

كيفيّة تطهير الثّوب او الفراش بالمطر 343

المطر عاصم للماء القليل و مطهّر له 344

فروع التّطهير بماء المطر 347

الحوض النّجس تحت السّماء يطهر بالمطر 348

تقاطر المطر من السّقف لا يكون مطهّرا 379

اذا ترشّح من موضع النّجاسة على شي ء لم ينجّسه ما دام المطر متّصلا 350

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 477

اذا كان السّطح نجسا فوقع عليه المطر 350

اذا تقاطر المطر من السّقف النّجس 351

التّراب النّجس يطهر بنزول المطر عليه 351

الحصير و الفراش يطهر بالمطر 352

كيفيّة تطهير الاناء المتنجّس بالولوغ او بغيره بالمطر 352

فصل فى ماء الحمّام 359

ماء الحمّام بمنزلة الجارى مع اتّصاله بالخزانة اذا كانت باقى الخزانة وحده او مع ما فى الحياض بقدر الكرّ 359

فصل فى ماء البئر 367

البئر النّابع بمنزلة الجارى معتصم بالمادّة مع الكلام في أخبار النّزح 369

اذا تغيّر ماء البئر بالنّجاسة ثمّ زال تغيّره بنفسه طهر 377

بطهر الرّاكد النّجس باتّصاله بالكرّ و ان لم يمتزج به و كذا اتّصاله بالجارى و كذا بماء المطر 378

لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التّطهير 381

الكوز المملوّ من الماء النّجس اذا غمس في الحوض يطهر 382

الكلام في الماء المتنجّس بالتغيّر اذا زال تغيّره بإلقاء الكرّ عليه 382

طرق ثبوت النّجاسة و تحقيق ادلّة عموم البيّنة و الكلام في حجّية خبر العدل الواحد و حجيّة قول ذى اليد 383

اذا تعارض خبر ذى اليد مع البيّنة و الكلام في تعارض البيّنتان 387

اذا تعارض شهادة الاثنين مع شهادة الاربعة 389

طرق ثبوت الكرّيّة 390

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 478

يحرم شرب الماء النّجس و يجوز سقيه للحيوانات و الاطفال و يجوز بيعه مع الاعلام 391

فصل فى الماء المستعمل 395

الماء المستعمل في الوضوء و الاغسال المندوبة طاهر و مطهّر من الحدث 397

القطرات الّتي تقع على الاناء عند الغسل لا تمنع من الغسل بمائه 430

شروط طهارة ماء الاستنجاء و بعض فروعها 432

اذا خرج الغائط من غير مخرج الطّبيعى 437

اذا تردّد الماء بين ان يكون غسالة الاستنجاء و غسالة غيره 438

الاغتسال او الاستنجاء بالماء الكثير لا يستوجبان لحوق حكمهما له 439

اذا شكّ في وصول النّجاسة من الخارج او مع الغائط يبنى على العدم 441

الكلام في بعض ما يطهر تبعا 443

ما يجرى على المحلّ زائدا على المقدار المعتبر في التّطهير، طاهر لا يلحقه حكم الغسالة 443

غسالة ما يحتاج الى التعدّد هل يعتبر في التّطهير منها التعدّد أو لا؟ 444

غسالة الغسلة الاحتياطيّة 445

فصل فى الماء المشكوك 447

الماء المشكوك طهارته مع عدم سبق النّجاسة طاهر 449

اذا اشتبه نجس او مغصوب في محصور اجتنب الجميع و لو كان في غير محصور لم يجتنب 450

اذا اشتبه المضاف فى محصور أو غيره 451

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 479

اذا انحصر الماء بما يشكّ في اطلاقه 452

اذا علم اجمالا بنجاسة الماء او اضافته أو باضافته او غصبيّته او بنجاسة او غصبيّته 454

اذا اريق أحد المشتبهين بالنّجاسة او الاضافة 455

ملاقى احد أطراف الشبهة المحصورة 456

إذا انحصر الماء بالمشتبهين بالنّجس 458

اذا كان احد الإناءين المعيّن نجسا و الآخر طاهرا فاريق احدهما و لم يعلم انّه ايّهما 459

اذا تردّد

الماء بين شخصين قد أذن احدهما او علم انّه لشخص معيّن و تردّد الاذن بينه و بين غيره 460

اذا علم بنجاسة احد الماءين الّذين قد توضّأ من احدهما 464

اذا استعمل احد المشتبهين بالغصبيّة فهل يحكم عليه بالضّمان 466

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء الثاني

[تتمة كتاب الطهارة]

[فصل فى الأسآر]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى الأسآر سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر نجس و سؤر طاهر العين طاهر و ان كان حرام اللحم او كان من المسوخ او كان جلّالا نعم يكره سؤر حرام اللحم ما عدا المؤمن بل و الهرّة على قول و كذا يكره سؤر مكروه اللحم كالخيل و البغال و الحمير و كذا سؤر الحائض المتّهمة بل مطلق المتّهم.

(1)

أقول: الكلام في الأسئار يقع في جهات:

الجهة الاولى: في مفهومه و معناه

اعلم انّ الأسئار جمع السؤر.

و هو بقية الماء الّذي يبقيها الشارب بعد شربه كما عن المغرب.

او البقية كما عن الجوهري.

او مطلق الفضلة و البقية كما عن القاموس.

او مطلق ما باشره جسم حيوان كما يستفاد ذلك عن بعض الاخبار او ماء قليل لاقي جسم حيوان كما عن بعض الفقهاء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 8

اعلم انّ ما يمنع عن سؤره كونه نجسا من الحيوانات فيشمل سؤره مطلق ما باشره بايّ جزء من بدنه فلو لم يكن السؤر يشمله موضوعا لكن هو مثل السؤر حكما.

فان استفيد من الاخبار ما هو المراد منه فهو و الا فلا بدّ من الاخذ بقدر المتيقّن و فيما زاده يحكم بعدم حرمته او كراهته بحكم الاصل هذا.

الجهة الثانية: سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر نجس بلا اشكال

لانّه نجس فلو لا قي مع الرطوبة المسريّة في واحد من الملاقي و الملاقي فينجس الملاقي مضافا الى دلالة بعض الروايات على ذلك بالخصوص راجع الباب 1 و 3 من ابواب الأسئار من الوسائل نذكر احدى من رواياتها تيمنا، و هي ما رواها معاوية بن شريح «قال سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن سؤر السنّور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع يشرب منه او يتوضأ منه فقال نعم اشرب منه و توضأ منه قال قلت له الكلب قال لا قلت أ ليس هو سبع قال لا و اللّه انّه نجس لا و اللّه انّه نجس». «1» تدلّ على انّ حرمة سؤر الكلب يكون لاجل كونه نجسا فتدلّ على حرمة سؤر كل نجس مثل الخنزير و الكافر.

الجهة الثالثة: فى حكم سؤر طاهر العين

و ان كان حرام اللحم او كان من المسوخ او كان جلالا و يدل على طهارة سؤره الرّواية المتقدمة ذكرها اعني رواية محمد بن عمّار بناء على كون الظاهر منها دوران نجاسة السؤر فطهارته مدار نجاسة الحيوان و طهارته و الرواية التى رواها العباس «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم اترك شيئا ألّا سألت عنه فقال لا بأس به حتّى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 1 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 9

لا تتوضّأ بفضله فاصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء» «1»، فعلى هذا لا اشكال في طهارة

سؤره و ان كان من غير مأكول اللحم.

و لا مجال لتوهّم نجاسته لدلالة ما رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سئل عمّا تشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل لحمه فتوضأ من سوره و اشرب و عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه الّا ان ترى في منقاره دما فإن رايت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب). «2»

و مرسلة الوشاء عمّن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انّه كان يكره سؤر كل شي ء لا يؤكل لحمه» «3».

و ما رواها سماعه «مرسلة» «قال سألته هل يشرب سؤر شي ء من الدّواب و يتوضّأ منه قال امّا الابل و البقرة و الغنم فلا بأس». «4»

بدعوى دلالتها بمفهوم الوصف على عدم طهارة سؤر غير مأكول اللحم لانّ الاشكال أولا في كون المفهوم مفهوم الوصف و ثانيا عدم كون مفهوم للقضية المذكورة في الروايات و لو فرض كون المفهوم للوصف في غير هذه القضية بقرينة الروية الاولى من الروايات الثلاثة لانّه لو كان للوصف مفهوم لما كان يناسب سؤال السائل بعدا عن غير المأكول و هو قوله «و عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب لانّها من غير المأكول فهذا شاهد على عدم كون القضية المذكورة أولا و هي «كل ما

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2،

ص: 10

أكل لحمه» في مقام المفهوم و ثانيا ان كان للقضية مفهوم و هو عدم طهارة سؤر غير المأكول فمع جوازه في الرواية الاولى كما قال كل شي ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه و هو يشمل المأكول و غيره يلزم تخصيص الاكثر تقريبا او تحقيقا مستهجنا و ثالثا بعد دلالة الروايتين المتقدمتين على طهارة سؤر الحيوان الطاهر حتى غير مأكول اللحم يحمل النهي فيها على الكراهة.

و اعلم انّ الروايتين المتقدّمتين تدلان على طهارة كل حيوان طاهر فتشملان، المسوخ، و كذا الجلّال بناء على طهارتهما «يأتى الكلام في مبحث النجاسات إن شاء الله».

و ما قيل في وجه نجاسة سؤر الجلال من ان لعابه غير خال عن النجاسة ممنوع لانّ لازم ذلك نجاسة ما باشر فمه اذا كان متلطخا بالنجاسة لا مطلقا.

الجهة الرابعة: في كراهة سؤر حرام اللحم

ما عدا المؤمن فلما عرفت مما قيل بدلالتها على النهي عن مطلق غير المأكول خصوصا مرسلة الوشاء بعد حملها على الكراهة جمعا بينها و بين ما دل على طهارة سؤر المأكول و غير المأكول غير نجس العين.

اما سؤر المؤمن فلا كراهة في سؤره بل هو شفاء كما يستفاد من بعض الاخبار

الجهة الخامسة: في كراهة سؤر الهرّة و عدمها،

لا وجه للكراهة الّا دعوى شمول اطلاق ما توهم دلالتها على نجاسة سؤر مطلق غير مأكول اللحم بعد حملها على الكراهة جمعا بينه و بين ما دل على طهارته لحمل النهي على الكراهة بقرينة بعض الاخبار المجوزة.

و هذا الوجه على تقدير تماميته لا يتم في خصوص الهرّة لانه لو فرض دلالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 11

بعض الروايات على النهي على سؤر مطلق غير المأكول.

يدلّ بعض الروايات على جواز اكل سؤره و شربه بالخصوص و عدم كراهته مثل ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال فى كتاب على عليه السّلام ان الهر سبع و لا بأس بسؤره و انّي لأستحيي من اللّه ان ادع طعاما لان الهرّ اكل منه» «1»، فلا بد من تقييد الحكم فى الاخبار المطلقة بغير الهرّة فلا وجه لكراهة سوره فافهم.

الجهة السادسة: كراهة سؤر مكروه اللحم

كالخيل و البغال و الحمير فلا وجه في ما بايدينا من الاخبار يدلّ على كراهة سؤر خصوص مكروه اللحم من الحيوان.

نعم يمكن دعوى دلالة مفهوم قوله عليه السّلام «امّا الابل و البقر و الغنم فلا بأس» على عدم جواز شرب غير هذه المذكورات و بعد حملها على الكراهة جمعا.

يستفاد منها كراهة سؤر غير الابل و البقرة و الغنم حتى ما اذا كان غير مكروه اللحم.

الجهة السابعة: و هي كراهة سؤر الحائض المتهمة

فنقول بعونه تعالى ما ورد في الاخبار هو كراهة التوضؤ من سؤر الحائض مطلقا كما في بعضها و في صورة عدم كونه مأمونة كما في بعضها و يستفاد من الاخبار جواز شرب سؤرها و ليس فيما بايدينا ما يدل على كراهة شرب سؤر الحائض الّا دعوى الوفاق و الاجماع على تعميم الكراهة للشرب أيضا كالوضوء.

فنقول يقع الكلام. تارة في انه هل ورد النهي عن سؤر الحائض في الجملة أم لا، فنقول نعم ورد لدلالة بعض الاخبار على النهي التوضؤ بسؤره بعد حمل النهي

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 12

عن التوضى بسؤره على الكراهة في خصوص عدم كونه مأمونة جمعا بينه و بين ما يدل على النهي في خصوص ما اذا لم تكن مأمونة راجع الباب 7 و 8 من ابواب الأسآر من الوسائل الشيعة.

و قد يقال بعدم امكان الجمع بهذا النحو اي تقييد ما دل على النهي عن التوضؤ بسؤره مطلقا بما دل على النهي عن التوضى بسؤره اذا كانت مأمونة و اذا كانت تغسل يديها لان في رواية العيص بن القاسم بنقل الكافي نهى عن التوضي بسؤره مطلقا. و هي كما قلنا ما رواه العيص

بن القاسم «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر الحائض فقال لا توضّأ منه و توضّأ من سؤر الجنب «بنقل الكافي» اذا كانت مأمونة ثم تغسل يديها قبل ان تدخلها الاناء و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يغتسل هو و عائشة في اناء واحد و يغتسلان جميعا» «1».

بدعوى دلالتها على عدم جواز التوضى بسؤر الحائض مطلقا و جواز التوضؤ بسؤر الجنب ان كانت مأمونة، و ليست هذه الرواية قابلة للتقييد بصورة كون الحائض مأمونة لانه بعد تقييد تجويز التوضي بسؤر الجنب اذا كانت مأمونة يستفاد ان الحكم بعدم جواز الوضوء عن سؤر الحائض لا يختص بصورة عدم كونها مأمونة.

و لكن نقول أوّلا نقل الشيخ رحمه اللّه في التهذيب و الاستبصار الرواية بدون كلمة «لا» و يكون هكذا متن الحديث «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر الحائض فقال توضأ منه و من سؤر الجنب الخ» فيدل الخبر على هذا على جواز التوضؤ بسؤر الحائض و الجنب اذا كانت مأمونة بناء على ارجاء قوله عليه السّلام اذا كانت مأمونة الى كل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الأسآر من الوسائل؛ الكافى، ج 3، ص 10، ح 2.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 13

من الحائض و الجنب» «1».

و ثانيا ما يأتي بالنظر هو كون المناط في هذا الحكم هو ابتلاء الحائض بالنجاسة.

و المراد بكونها مأمونة هو كونها مأمونة عنها و الشاهد عليه الرواية 9 من الباب 8 من ابواب الأسآر المصرّح فيها بانه «لا بأس به ان تتوضأ منه اذا كانت تغسل يديها» فالمراد من مأمونيتها كونها مأمونة عن النجاسة و لعل

المراد بعدم كونها متهمة الواردة في كلمات الفقهاء هو هذا لانه ليس لفظ المتهمة في الروايات فلعلّهم عبّروا عن كونها مأمونة بعدم كونها متهمة.

فاذا كان المراد من كونها مأمونة مأمونة عن النجاسة و كان عدم ذكر هذا القيد في هذه الرواية لكونها بحسب الغالب مبتلا بالنجاسة و متهمة بذلك و عدم كونها مأمونة لطول زمان الحيض و لهذا لم يقيد النهي عن التوضي بسؤر الحائض بما قيد به سؤر الجنب لان الجنابة حيث لا يكون له طول زمان يمكن غالبا عدم الابتلاء بالنجاسة.

و مع هذا الارتكاز اعني ارتكاز كون وجه النهي عدم مأمونيتها و التقييد بها في بعض الاخبار يمنع عن الاخذ بإطلاق النهي بل النهي في خصوص صورة عدم كونها مأمونة عن النجاسة.

و تارة يقع الكلام في ان النهي هل يكون للتحريم او للكراهة فنقول و ان كان ظاهر بعض اخبار الباب النهي لكن بعد التصريح فى الرواية و هي ما رواها ابو الهلال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام المرأة الطامث اشرب من فضل شرابها و لا احب ان أتوضّأ منه «2»

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 54، ح 9.

(2) الرواية 8 من الباب 8 من ابواب الاسئار من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 14

بقوله لا احبّ و المستفاد من لا احبّ هو الكراهة.

و الرواية المتقدمة ذكرها بناء على كون المروي على طبق نقل التهذيب و الاستبصار بدون لفظ «لا» الدالة على الجواز بصورة الامر فيكون مقتضى الجمع حمل النهي في بعض الاخبار على الكراهة.

و تارة يقع الكلام في تعميم الحكم اي الكراهة للشرب عن سؤر الحائض أيضا مثل الوضوء عن سؤره فنقول ليس فيما بايدينا من الاخبار

ما يدل على كراهة سؤر شرب الحائض بالخصوص بل الوارد في بعض الاخبار جواز شربه و النهي عن التوضي عنه و على هذا لو دل الدليل على عدم جواز شرب مطلق ما لا يؤكل لحمه لا بد من تقييده بغير الحائض مضافا الى انه بعد تخصيص سؤر المؤمن و عدم كراهة فيه و المؤمن يشمل الحائض المؤمن فلا يمكن القول بكراهة سؤره لكونها غير مأكول اللحم.

نعم ادعي الاجماع و الوفاق على تعميم الكراهة لشرب سؤرها و انه كما يكره استعمال سؤرها في الوضوء يكره شربه أيضا فما يمكن ان يكون وجها لكراهة شرب سؤره هو هذا.

الجهة الثامنة: و هي كراهة سؤر كل متّهم

و لو غير الحائض فما يمكن ان يكون وجها، له هو انه بعد ما قلنا من ان المناط في كراهة شرب سؤر الحائض هو ابتلائه بالنجاسة و لهذا قيد الكراهة في الاخبار بصورة عدم كونها مأمونة فيمكن ان يقال بان كل متهم بالنجاسة و عدم المبالات من هذا الحيث يكره سؤره فتامل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 15

فصل: فى النجاسات

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 17

قوله رحمه اللّه

فصل فى النجاسات

[النجاسات اثنا عشر]
اشارة

النجاسات اثنا عشر

[الاول و الثانى: البول و الغائط من الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه]
اشارة

الاول و الثانى: البول و الغائط من الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه انسانا او غيره برّيا او بحريا صغيرا او كبيرا بشرط ان يكون له دم سائل حين الذبح نعم فى الطيور المحرمة الاقوى عدم النجاسة لكن الاحوط فيها أيضا الاجتناب خصوصا الخفاش و خصوصا بوله و لا فرق فى غير الماكول ان يكون اصليا كالسباع و نحوها او عارضيا كالجلال و موطوء الانسان و الغنم الّذي شرب لبن خنزيرة و اما البول و الغائط من حلال اللحم فطاهر حتى الحمار و البغل و الخيل و كذا من حرام اللحم الّذي ليس له دم سائل كالسمك المحرم و نحوه.

(1)

أقول الكلام في امور:

الامر اوّل: لا اشكال فى الجملة نصّا و فتوى فى نجاسة البول من الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه

بل هو من ضروريّات المذهب بل كما قيل من ضروريات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 18

الاسلام و نذكر بعض اخبارها تيمّنا و لان يكون مدركا فى بعض الامور الآتى إن شاء اللّه.

منها ما رواها محمد «اى محمد بن مسلم» عن احدهما عليها السّلام «قال سألته عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين «1»».

و منها ما رواها ابن ابى يعفور «قال سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين» «2».

و منها ما رواها ابو اسحاق النحوى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين «3». و غير ذلك مما نذكر بعضها فى طى البحث عن الامور التى نذكرها إن شاء اللّه يدل على انحصار نجاستهما بما اذا كان من غير المأكول.

الامر الثانى: و مثل البول الغائط

فتوى بل ادعى الاجماع على عدم الفصل بينه و بين البول.

و كذا نصا لما ورد من النصوص فى بعض الموارد مثل ما ورد فى الاستنجاء من الغائط راجع الباب 9 و 10 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

و ما ورد فى خرء الفار الدال على نجاسة خرئه و هى ما رواها عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انه سئل عن الدقيق يصيب فيه خرء الفار هل يجوز اكله قال اذا بقى منه شي ء فلا بأس يؤخذ اعلاه «4»».

و ما رواه فى القذرة الملاقية لرجله او لخفه المستفاد نجاسة القذرة راجع

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب

النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(4) الرواية 6 من الباب 8 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 19

الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

و على كل حال لا اشكال في ان و زان البول و الغائط سواء من حيث النجاسة و الطهارة ففى كل حيوان يكون بوله نجسا يكون كذلك غائطه و روثه و خرئه و في كل حيوان يكون بوله طاهرا يكون غائطه مثله الّا ما يقع الكلام فيه و هو بول الخفاش و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه و ان له اختصاصا أوّلا.

الامر الثالث: لا فرق في نجاسة البول و الغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بين ان يكون انسانا او غيره

برّيا او بحريّا صغيرا او كبيرا لاطلاق الأخبار من هذا الحيث نذكر اثنتان منها:

الاولى منها: ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه». «1»

الثانيّة منها: ما رواها أيضا عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه «2» و غير ذلك المذكور في ذلك الباب فراجع.

و عمومهما يشمل كل ما لا يؤكل لحمه من الانسان و غيره بريّا او بحريّا، صغيرا او كبيرا.

و ما توهم من عدم نجاسة بول الصبى او الرضيع الذكر كما نقل عن الاسكافى تمسكا برواية التى رواها السكونى «عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام ان عليا عليه السّلام قال لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين «3» لا وجه

له لان ما تمسك به غير معمول به مضافا الى احتمال كون النظر في التفصيل بين الجارية و الغلام من حيث الغسل المعتبر فيه العصر و

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 20

غيره في الثوب فيكون المراد احتياجه الى ذلك في الجارية و عدم الحاجة في بول الغلام بل يكفي صب الماء عليه هذا.

الامر الرابع: هل يشترط في نجاسة البول و الغائط من غير المأكول ان يكون له دم سائل

حين الذبح أم لا؟

اقول: اما في الغائط مما ليس له دم سائل فنقول ليس المدرك في نجاسة غائط غير المأكول الّا النص الوارد في بعض الموارد مثل الاستنجاء و العذرة الموطوءة و خرء الفار و بهذا لا يمكن القول بنجاسة غائط غير مأكول حتى ما ليس له دم سائل و الاجماع و هو العمدة و المتقين منه هو ما كان له دم سائل فاذا لا دليل لنا على نجاسة غائط ما ليس له دم سائل من غير المأكول و لو شككنا فالمحكّم هو اصالة الطهارة.

و امّا البول من غير المأكول الذي ليس له دم سائل فلا وجه لطهارته الّا دعوى الاجماع او انصراف الادلة عنه.

اما الاجماع فغير واقع.

و اما الانصراف فلا وجه له بالنسبة الى غير ذي النفس الذي يكون له اللحم.

نعم يمكن دعوى خروج كل ما لا يكون له اللحم اصلا من باب خروجه عن موضوع الادلة اصلا.

لان الدليل على نجاسة البول، امّا بعض الاطلاقات مثل ما امر فيه بغسل الثوب او البدن عن البول فهذه الطائفة مضافا الى ان الظاهر منها بول الانسان لم تكن في

مقام بيان هذا الحديث.

و اما بعض ما دلّ على وجوب الغسل عن البول ما لا يؤكل لحمه او عدم الوجوب في بول ما يؤكل لحمه فالموضوع فيهما هو ماله اللحم فلا يشمل ما ليس له اللحم اصلا فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 21

و هذا وجه ما قال سيدنا الاعظم اعلى الله مقامه في حاشيته على العروة «محل تأمل الّا فيما ليس له لحم منها» و اما ما في بعض الحواشى من تقييد الطّهارة لما لم يكن ممّا لا نفس له لحم معتد به فلا وجه له فراجع هذه تمام الكلام فى هذا الحيث.

الامر الخامس: يقع الكلام في الطيور من غير مأكول اللحم

و انه هل يكون بولها و خرؤها نجسا او طاهرا او التفصيل بين البول و الخرء فيقال بنجاسة بولها و طهارة خرئها و الكلام يكون فعلا في غير الخفاش ففيه اقوال الطهارة مطلقا هو مختار مشهور المتأخرين و بعض القدماء مطلقا و النجاسة مطلقا و هو مختار مشهور القدماء و التفصيل بين بولها و خرئها. و هو اختيار نادر.

و منشأ التفصيل هو انه بعد كون العمدة في نجاسة الغائط و بتعبير آخر العذرة و بتعبير آخر الخرء هو الاجماع فقدر المتقين من الاجماع غير الطيور و قد صرح في رواية ابى بصير بطهارة خرء الطيور فلا معارض لها في الخرء اصلا.

و اما منشأ نجاسة بولها فهو ما ورد من نجاسة بول مطلق غير الماكول من الحيوان.

و بعد رفع اليد عن هذا القول يبقى في المسألة قولان:

الاول: النجاسة في بول الطيور و خرئها. و الثاني الطهارة و الدليل على النجاسة مع قطع النظر عن الشهرة روايتان:

الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن مغيرة عن عبد اللّه بن سنان

«قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه» «1»

الثانية: و هي ما رواها على عن محمد بن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام؛ «قال: اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» «2»

و ما يأتي بالنظر قريبا كون الروايتين رواية واحدة نقل عن عبد اللّه بن سنان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 22

عبد اللّه بن مغيرة و على بن محمد لان الراوي فيهما هو عبد اللّه بن سنان و المروى عنه ابو عبد اللّه عليه السّلام فالراوي و المروي عنه واحد و بعيد سؤاله عن الحكم مرتان.

و على كل حال تدلان على نجاسة البول مما لا يؤكل لحمه و اما نجاسة خرء الطيور من غير المأكول فلا بد من ان يقال في وجهه مما مرّ من الاجماع على عدم الفرق بين البول و الغائط من حيث النجاسة و الطهارة.

و اما الدليل على الطهارة و هي ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال:

كل شي ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه «1»».

قد يقال: في وجه النجاسة بان هذه الرواية مما اعرض منها الاصحاب.

و لكن هذا الكلام ليس في محله لعدم ثبوت اعراض عنها بل يمكن كون اختيار المشهور النجاسة يكون لجهة اخرى مثل اظهرية رواية عبد اللّه بن سنان او غير ذلك كما انه لا وجه للاشكال في ضعف السند لان الروايتان الدالتان على النجاسة و كذا الرواية الدالة على الطهارة مما فيها مقتضى الحجّية في حد

ذاتها فبناء عليه.

نقول: بأن النسبة بين المتعارضين تكون عموما من وجه لان الاولى تدل على نجاسة غير المأكول سواء كان طيرا او غير طير فاعم من حيث شمولها للطير و غيره و اخص لاجل كونها مختصة بغير المأكول.

الثانى: تدل على طهارة عموم الطيور سواء كان مأكول اللحم او غيره فاعم من حيث شمولها لمأكول اللحم و غير المأكول و اخص من حيث شمولها لخصوص الطيور و بعد كون النسبة عموما من وجه فتتعارضان في الطير الذي لا يؤكل لحمه لان مقتضى الاولى نجاسته و مقتضى الثانية طهارته.

و حيث ان القاعدة فيما يكون التعارض بنحو العموم من وجه هو تقديم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 23

الاظهر من الدليلين في مادة الاجتماع ان كان اظهر و ان لم يكن اظهر بل يكونان متساويين من حيث الظهور في مادة الاجتماع فيقع بينهما التعارض فان كان لاحدهما مرجح يأخذ بما فيه المرجح و الّا يتساقطان عن الحجية في مورد التعارض و حينئذ لا بد من الرجوع الى عموم الفوق ان كان عموم في البين و الّا فالمرجع هو الاصل.

قد يقال: «القائل العلامة الهمداني رحمه اللّه على ما روى» في المقام بان المناسب الاخذ في مادة الاجتماع برواية ابى بصير الدالة على طهارة بول الطيور، لانه لو قيّد هذه الرواية برواية عبد اللّه بن سنان الدالة على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه يلزم عدم كون حيث الطيورية دخيلا في الحكم، و الحال ان الظاهر من رواية ابى بصير كون حيث الطيورية تمام الموضوع للحكم، و هذا بخلاف رواية عبد اللّه بن سنان فانه لو قيّدت

برواية ابى بصير لا يلزم الغاء حيث غير مأكول مطلقا الّا الطير الذي لا يؤكل لحمه فلم ينعزل عنوان غير الماكولية راسا، و هذا بخلاف ان يقيّد رواية ابى بصير برواية ابن سنان لانه بعد التقييد يكون مفاده طهارة خصوص طير المأكول فيكون ما هو موضوع الحكم في طهارة البول و نجاسته هو حيث المأكولية و عدمها فينعزل حيثيّة الطيران عن الموضوعية راسا، فاذا دار الامر بين الغاء عنوان احد العامين من رأس و بين الغاء عنوان احد العامين في بعض افراده يكون الثاني اهون بنظر العرف، و بهذا يجمع بين الدليلين و تكون النتيجة تقييد رواية ابن سنان برواية ابى بصير و نلتزم بطهارة بول ما لا يؤكل لحمه من الطيور.

و بهذا الوجه يمكن ان يقال بطهارة بول الطير و خرئه لا بان يقال بان شمول رواية ابي بصير لمادة الاجتماع يكون اظهر من رواية ابن سنان لدفعه بمنع كونها اظهر.

ثم انه قد يقال في وجه تقديم رواية ابي بصير الدالة على طهارة بول الطير و خرئه بانه بعد ما يدعي عدم وجود بول لمأكول اللحم من الطيور بل لغير المأكول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 24

منها غير الخفاش فلو خصّص خبر ابي بصير برواية ابن سنان يلزم حمل عمومه على مورد نادر او على مورد لم يكن له فرد في الخارج و هو مأكول اللحم من الطيور.

لكن فيه انه لو لم يكن من الطيور المحللة اكلها ما يكون له البول كان هذا الكلام تماما و اما ان كان له فرد و لو كان فردا و احد لم يتمّ ذلك لانه بعد كون غير مأكولها لا يوجد له الّا فرد

واحد يكون له البول كما ادعي فلا مانع من ان يخصص احد فرديه فيخصص بخير ابن سنان غير الماكول منها.

هذا كله فى مقام الجمع العرفي بين الخبرين.

و اما لو اغمضنا عن ذلك و قلنا بعدم امكان الجمع بينهما و قلنا بانهما متعارضان فان قلنا بان الترجيح في احدهما فيؤخذ به و في هذا المقام نقول اوّل المرجحات هو الشهرة فان كانت الشهرة المرجحة هي الشهرة الفتوائية كما هو مختار سيدنا الاعظم آيت اللّه العظمى البروجردي اعلى اللّه مقامه الشريف فالترجيح مع رواية ابن سنان لان المشهور من القدماء افتوا بنجاسة البول و الخرء من غير المأكول مطلقا حتى الطيور منه.

و ان قلنا بان المرجح الشهرة في الرواية فيمكن ان يدعي كون رواية ابن سنان اشهر من حيث الرواية فتأمل.

و لو لم يكن ترجيح في البين و تعارضا و تساقطا.

فما قيل من ان المرجع بعض المطلقات الواردة في البول و قد قدمنا ذكرها في الامر الاول فالقول بنجاسة بول غير الماكول من الطيور و خرئه لا وجه له لأنّ هذه المطلقات أوّلا تكون في مقام بيان حكم آخر و هو وجوب الغسل مرتين في جواب سؤال من يسأل عن البول.

و ثانيا المنصرف منها على فرض الاطلاق هو بول الانسان لا مطلق البول فعلى هذا لو لم يمكن الجمع بين رواية ابن سنان و رواية ابى بصير و تعارضتا و تساقطتا فالمرجع هو اصالة الطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 25

و يمكن ان يقال بالتفصيل بين بول الطيور و خرئها كما قدّمنا بان يقال ان رواية ابن سنان لا تدل الّا على نجاسة بول غير المأكول و العمدة في نجاسة الغائط او العذرة او

الخرء ليس الّا الاجماع و شموله للمورد محل منع مع هذه الاختلاف و رواية ابى بصير مصرحة بطهارة خرء الطيور مطلقا و لو لم تكن هذه الرواية مع الشك كان لنا اصالة الطهارة فليس دليلا على نجاسة خرء الطيور المحرمة الا كل الّا الشهرة.

و لكن كما قدمنا يمكن دعوى كون بول الطيور المحرمة الاكل طاهرا لما مضى من انه لا بدّ في مادة الاجتماع من الاخذ برواية ابى بصير هذا كله بالنسبة الى مطلق الطيور المحرمة.

الامر السادس: في بول الخفاش «او الختاف» و خرئه

اعلم انه لو التزمنا بطهارة بول الطيور و خرئها مطلقا فلا يبقى مجال لافراد البحث في الخفاش لانه منها.

و اما لو التزمنا بنجاسة بول الطيور المحرمة الاكل فيبقى المجال للبحث فيه و يقال هل يكون بول الخفاش و خرئه كذلك او يكون طاهرا.

قد يقال: بنجاسته تمسكا بما رواها داود الرقى «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبى فاطلبه فلا اجده فقال: اغسل ثوبك» «1» و مقتضاها نجاسة بوله و قد يقال بعدم نجاسته لان ما رواها غياث عن جعفر عن ابيه «قال لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف» «2» هذا الخبر نص في عدم الباس ببوله فلا بد من حمل الامر في رواية داود على الاستحباب جمعا و الشيخ رحمه اللّه حمل هذه الرواية على التقيّة.

و لكن لا يمكن الالتزام بذلك لانه بعد وجود مقتض الحجّية في كلا الخبرين و امكان الجمع بينهما بجمع كما قلنا الا ان يدعي عدم مقتض لحجية رواية غياث رأسا

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 26

من جهة احتمال صدوره تقية و هذا اوّل الكلام مع ما قيل بضعف سند رواية داود أيضا و على كل حال الوجه لاختصاص الاحتياط في الخفاش بالذكر كون المروي نجاسة بوله و دعوى الاجماع على نجاسة خرئه.

و وجه اختصاص البول بالاحتياط هو كون النص في خصوص بوله. و لكن الحق عدم وجود وجه معتبر على نجاسة بوله و خرئه نعم الاحتياط مما لا ينبغي في بوله و خرئه بل في بول مطلق الطيور و خرئها، فانهم.

و لو قلنا في بول الخفاش باستحباب الاجتناب جمعا فتقيّد رواية ابن سنان الدالة على نجاسة بول مطلق غير المأكول فيكون الاحتياط في خصوص بول الخفاش اهون على خلاف ما مشى المؤلف رحمه اللّه فتأمّل.

الامر السابع: هل يكون فرق في غير المأكول بين ان يكون اصليا كالسباع

و نحوها و بين ان يكون عارضيا كالجلال و موطوء الانسان و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة، او لا اعلم ان ظاهر الكلمات هو عدم الفرق.

و وجهه مع قطع النظر عن الاجماع المدعي على اختلاف كلماتهم في معقد الاجماع هو دعوى شمول عموم رواية ابن سنان المتقدمة ذكرها لها لان مفادها وجوب غسل الثوب عن بول كل ما لا يؤكل لحمه و من افراد ما لا يؤكل لحمه السباع و الجلال و موطوء الانسان و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة بناء على حرمة اكل لحمها.

و قد يقال: في جواب ذلك بانه كما يشمل عموم هذه الرواية لها كذلك يشمل عموم ما دل على طهارة بول ما اكل لحمه و ما دل على طهارة بول هذه الاشياء و روثها اعنى ما دل على طهارة بول الدجاج، او الغنم فيقال بعد صيرورتها جلالا او موطوئا او شرب الغنم لبن خنزيرة بان ما دل على

طهارة بول الغنم مثلا يدل على طهارة كل فرد من الغنم في جميع حالاته لان العموم الافرادي مستتبع لاطلاق احوالى يشمل الحكم لجميع افراده في جميع حالاته و من حالاته صيرورته جلالا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 27

او موطوئا او شرب لبن خنزيرة.

قال بعض «1» في جواب ذلك بانه مع شمول كلّ من الدليلين.

و لكن لا بد من تقديم ما يدل على النجاسة لان ما يدل على النجاسة يكون مثل العنوان الثانوي فكما ان الدليل المتكفل للعنوان الثانوي مقدّم على الدليل المتكفل للعنوان الاولى كذلك دليل النجاسة يقدّم على دليل الطهارة بنظر العرف. و فيه ان ما ادعي من كون دليل النجاسة مثل العنوان الثانوي في غير محله بل كل منهما متكفلان للحكم بالعنوان الاولى و ان كان الامر كما تخيّل فكان المناسب في مقام التعارض بين رواية ابن سنان و رواية ابى بصير الاخذ برواية ابن سنان لانها دليل النجاسة و رواية ابى بصير دليل الطهارة.

نعم ما يمكن ان يقال في المقام.

اما بالنسبة الى ما دل على طهارة بول مأكول اللحم بانه لا يمكن ان يشمل المورد لان الظاهر من الدليل هو ما يكون موضوعه الفعلى حلية اكل اللحم لان الظاهر من الدليل هو عروض الحكم لما هو موضوع حين عروض الحكم فاذا قال بول مأكول اللحم طاهر يكون المراد ما يكون فعلا مأكول اللحم فهذا الدليل لا يشمل الجلال و اخواته لانه ليس مصداق مأكول اللحم فعلا.

و اما بالنسبة الى ما دل على طهارة البول او روث هذه الاشياء مثلا بول الغنم طاهر و ذرق الدجاج طاهر فالظّاهر منه هو ورود الحكم عليها من حيث ذاتها لو خلّى و

طبعه و بعبارة اخرى هذا الحكم يكون حيثيا و لا ينافي الحكم الحيثي مع حكم آخر لحيث آخر و لهذا لا تنافي بين ما دل على حلية اكل لحم الغنم في حد ذاته مع ما دلّ على حرمة اكله اذا شرب لبن خنزيرة مثلا.

فعلى هذا نقول ان عموم ما دل على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه يشمل هذه

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 264.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 28

الموارد و بالاجماع نقول بنجاسة الغائط و الروث و قد مرّ بيانه في الامر الاوّل.

و لكن هذا الحكم يكون في كل مورد قلنا بحرمة لحم هذه الاشياء و قد دلّ الدليل على حرمة اكل لحم الجلال و الموطوء و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة.

و اما ما ذكر في بعض الحواشي من انحصار الاخير بصورة حصول اشتداد العظم نظرا الى ان مورد الرواية هذه الصورة فغير تمام. لانه و ان ورد في ما رواها.

حنان بن سدير قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عنده عن جدى رضع من لبن خنزيرة حتّى شبّ و كبر و اشتد عظمه ثم ان رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل فقال إماما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه و اما ما لا تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن و لا تسأل عنه «1» لكن بعد كون القيود في كلام السائل عن الامام عليه السّلام و جوابه عليه السّلام خال عن القيود فيشمل المورد و غيره.

مضافا الى عدم التقييد بذلك في غيرها من الروايات لا وجه لتقييد الحرمة بخصوص المورد فتأمّل جيّدا. و مع ما قلنا لا حاجة في مقام وجه نجاسة بول الجلال و اخواته

الى التمسك بالاجماع كي يستشكل بعدم اجماع في المقام فافهم.

الامر الثامن: البول و الغائط من طاهر اللحم طاهر

حتى الحمار و البغل و الخيل بالعموم مثل ما رواها: زرارة «انهما قالا لا تغسل ثوبك من بول شي ء يوكل لحمه.» «2»

و ما رواها ابن بكير عن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث قال: ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في و بره و شعره و بوله و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز اذا علمت انه زكى» «3» بناء على عدم جواز الصلاة في النجس و بالخصوص في الحمار من المذكورات و غيرها راجع الباب 9 المذكور فيها هذا الاخبار.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 9 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 29

و وجه اختصاص المؤلف رحمه اللّه، الحمار و البغل و الخيل بالذكر لدلالة بعض الروايات على النهى عن بولها لا روثها و لكن بعد دلالة بعض الآخر على عدم الباس ببول مطلق الماكول من الدواب و بعض رواياته غير قابلة للتقييد للزوم تخصيص الاكثر مثل ما رواها ابو الاغرّ النّحاس «قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اني اعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت وراثت فيضرب احدها برجله او يده فينتضح على ثيابي فاصبح فارى اثره فيه فقال ليس عليك شي ء» «1»

فان ظاهر الجواب لاجل ترك الاستفصال هو انه لا بأس ببول مطلق الدواب فلو قيد هذه الرواية بغير الحمار و البغل و الخيل يلزم تخصيص المستهجن لانه لم يبق تحت عمومها الّا البقر و الغنم و الابل

و لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و بين ما دل على نجاسة بولها بتخصيص عموم هذه الرواية او تقييد اطلاقها بل يقع بينهما التعارض و كذلك موثقة ابن بكير المذكور بعضها في الصدر فان هذه الموثقة تكون في مقام اعطاء القاعدة فقسّم فيها عليه السّلام الحيوان قسمين:

مأكول اللحم فالصلاة في وبره و شعره و بوله و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز، و غير المأكول فلم يجز الصلاة في اجزائه و مثل هذه الرواية بلسانها آبية عن التقييد فلا يمكن ان يقال بتقييدها في الحمار و البغل و الخيل، و لهذا بعد عدم امكان الجمع العرفي بين الطائفتين بهذا النحو بينهما لا بد من الجمع بينهما بنحو آخر و هو حمل النهي في الروايات النّاهية على الكراهة في مطلق الماكول حتى في الحمار و في خصوص الحمار رواية تكون نصا في الجواز و هي رواية 14 من الباب المذكور المصرحة فيها بعدم الباس ببوله، خصوصا مع اعتضاد ذلك بالاجماع المدعي و لا أقل من الشهرة الفتوائيّة عليه هذا كله على فرض المعاملة مع ما دل على النهي عن بول الحمار و البغل و الخيل معاملة الحجة المعتبرة و بعبارة اخرى على فرض وجود

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 9 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 30

مقتضي الحجّية فيه و لكن ما يسهّل الخطب هو ان هذه الاخبار مما اعرضت عنه الاصحاب فلم يبق لها مقتضى الحجّية و هو الاطمينان بالصدور او كونها في مقام بيان الحكم الواقعى فافهم فلا يكون لما دل على طهارة بول ما اكل لحمه دليل معارض.

هذا كله في ابوالها و اما

في ارواث ما اكل لحمه فلا اشكال في طهارته لدلالة بعض الاخبار عليه حتى في خصوص الحمار و غيره راجع الباب المذكور. مضافا الى ان مدرك العمدة في نجاسة الغائط هو الاجماع و ليس اجماع في المقام فمقتضى الاصل كان هو الطهارة و لو لم يكن دليل خاص في البين يدل على الطهارة.

***

[مسأله 1: ملاقاة الغائط فى الباطن لا توجب النجاسة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: ملاقاة الغائط فى الباطن لا توجب النجاسة كالنوى الخارج من الانسان او الدود الخارج منه اذا لم يكن معها شي ء من الغائط و ان كان ملاقيا له فى الباطن. نعم لو ادخل من الخارج شيئا فلاقى الغائط فى الباطن كشيشة الاحتقان ان علم ملاقاتها له فالاحوط الاجتناب عنه.

و اما اذا شك في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة فلو خرج ماء الاحتقان و لم يعلم خلطه بالغائط و لا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته.

(1)

اقول: للمسألة صور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 31

الصورة الاولى: صورة ملاقاة ما فى الباطن،

كالنوى الملاقي لغائطه في الباطن او الدود.

و لا ينبغي الاشكال في عدم ايجاب هذا النحو من الملاقاة النجاسة بل عدّ ذلك من المسلّمات. اما لعدم كون الاعيان النجسة نجسا ما دام لم يخرج الى الخارج او لعدم ايجابه نجاسة ملاقيها و ان كانت نجسة لان الادلة الدالة على نجاسة البول او الغائط او المني او الدم لا يستفاد منها الّا نجاسة ما يلاقيها اذا كان الملاقاة حال كونها في الخارج لان موارد الروايات و الاسئلة و الاجوبة التي استكشفنا منه نجاسة هذه الامور ليس الا ملاقاتها في الخارج كالثوب و البدن و لهذا اما يقال بعدم نجاسة هذه الاشياء من رأس ما لم يخرج الى الخارج او بعدم نجاسة ملاقيها ما لم يخرج الى الخارج مضافا الى دلالة بعض الروايات الواردة في بلل فرج المرأة المجنبة و المذي و الودي مع ملاقاتها النجاسة في الباطن على ذلك.

مثل ما رواها ابراهيم بن محمود «قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة وليها قميصها «لبسها في ل» او ازارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب اتّصلى فيه

قال: اذا اغتسلت صلت فيهما.» «1»

و مثل ما رواها ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال ليس به بأس» «2».

و مثل ما رواها زرارة «عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ان سال من ذكرك شي ء من مذي او ودي و انت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء و ان بلغ عقبيك فانما ذلك. بمنزلة النخامة و كل شي ء خرج منك بعد الوضوء فانه من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 55 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 17 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 32

الحبائل او من البواسير و ليس بشي ء فلا تغسله من ثوبك الّا ان تقذره» «1». وجه الاستدلال هو ان الملاقاة في الباطن مع النجاسة ان كان ينجّس فكان اللازم نجاسة هذه الاشياء و لو ادعي ان ملاقاة البلل او الودي او المذي للبول او المني غير معلوم و لعل نظر السائل كان الى ملاقاته مع محلها فنفي الباس لا يدلّ على عدم الباس حتى فيما لاقي مع النجاسة في الباطن.

نقول بانه بعد كون سؤال السائل محتملا لملاقاته مع عين البول او المنى و محتملا لملاقاته مع المحل منهما فجواب الامام عليه السّلام بعدم الباس و عدم استفصاله من انه لاقي العين او المحل دليل على تعميم الحكم و عدم البأس و لو كانت الملاقاة للعين.

و كذلك يقال في الرواية الثانية و الثالثة فيستفاد من الروايات هذا المقدار اي عدم نجاسة ما يلاقي مع البول و الغائط في الباطن و مع الدليل على عدم ايجاب الملاقاة للنجاسة

لا وجه لان يقال بعدم الفرق بين الباطن و الخارج لعدم شمول الادلة أوّلا و وجود الدليل على الفرق بين الباطل و الخارج ثانيا.

مضافا الى عدم شمول الادلة للملاقاة في الباطن و ان ادعي عدم نجاسة هذه الاعيان النجسة ما دام في الباطن ليس دعوى بعيدا لانه ما يستفاد منه نجاسة هذه الامور ليس الا من باب الامر بغسل ما يلاقيها في الخارج او النهي عن الصلاة فيها و تماميّة ما يدل ذلك هو تنجيسها في الخارج.

ان قلت بان المناط واحد و نعلم بعدم فرق بين الخارج و الداخل و ان المناط هو النجاسة و كيف يمكن الالتزام بنجاسة هذه الاشياء اذا خرجت في الخارج فقط.

نقول بانه بعد تسلّم عدم نجاسة ما يلاقيها في الباطن من باب انصراف الادلة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 33

و الروايات المتقدمة عن هذه الموارد فلا يبقى ما يتوهم نجاستها في الباطن الّا استنكار الفرق بين الظاهر و الباطن و مجرد الاستبعاد و الاستنكار لا يصير دليلا كما انه لو لم يكن دليل على عدم ايجاب الملاقاة في الباطن للنجاسة ربما توهّمت عدم الفرق بين الباطن و الظاهر فلا مانع من ان يكون الفرق بين الظاهر و الباطن فما لم يخرج من الباطن لا يكون نجسا كما ان الظّاهر في الآية في الدم و هو قوله «1» تعالى او دما مسفوحا يمكن ان يكون المراد عدم نجاسته ما دام في العروق و لم يصر مسفوحا و الحاصل ان الدليل لم يقم الّا على نجاستها اذا خرجت هذه النجاسات و لا نقطع بعدم الفرق بين خارجها

و داخلها و لو شككنا في انها هل تكون نجسة ما دام في الداخل أم لا فبمقتضى اصالة الطاهرة نحكم بطهارتها.

و على كل حال ما نحن بسدده هو ان ملاقاة البول و الغائط في الداخل لا يوجب النجاسة قد ثبت لنا و لو كان الحكم بعدم نجاسة هذه الاعيان ما دام في الباطن خلاف الاحتياط.

الصورة الثانية: ملاقات شي ء من الخارج مع البول او الغائط في الداخل

فأيضا لا اشكال فيه لان القدر المتيقّن سرايتهما في التنجيس اذا كانت في الخارج و اما في الداخل فلا دليل عليه و لو شككنا نحكم ببركة استصحاب الطهارة بطهارة ما لاقي احدهما في الداخل فان كانت شيشة الاحتقان مثلا طاهرة قبل الدخول ثم خرجت غير متلوّثه بالنجاسة يحكم بطهارتها و ان علم بملاقاتها للنجاسة في الداخل فلا وجه لما قاله المؤلف رحمه اللّه من الاحتياط في هذه الصورة مضافا الى دلالة بعض الروايات على عدم النجاسة في هذه الصورة.

الصورة الثالثة: ما اذا شك في ان ما دخل في الداخل هل لاقي بعضا

من

______________________________

(1) سورة الانعام، الآية 145.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 34

الاعيان النجاسة في الداخل أم لا فلا يحكم بنجاسته بل يحكم بطهارته.

اما بناء على ما قلنا في الصورة الثانية فلان المعلوم ملاقاته مع بعض الاعيان النجسة لا اشكال فيه فضلا عن الصورة التي يشك في الملاقات و اما بناء على القول بنجاسة الملاقي «بالكسر» في الصورة الثانية فلانّ مقتضي استصحاب الطهارة هو طهارته لانّ المفروض كونه طاهرا قبل الدخول.

***

[مسأله 2: لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 2: لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم و اما بيعهما من غير المأكول فلا يجوز نعم يجوز الانتفاع بهما فى التسميد و نحوه.

(1)

اقول:

امّا جواز بيع البول و الغائط من مأكول اللحم

فمما لا اشكال فيه مع وجود منفعة محلّلة لهما كما لا اشكال في وجود المنفعة المحللة لغائط مأكول اللحم من الحيوان.

و اما في البول منه فمنشأ الاشكال في جواز بيعه و عدمه هو وجود منفعة محللة بها عند العقلاء له بحيث يبذل بإزائها المال فيجوز او ليس له منفعة محللة معتد بها فلا يجوز بيعه.

و قيل بعدم وجود منفعة محلّلة له الّا عند من يجوّز شربه و مع عدم جواز شربه لاستخباثه ليس له منفعة محلّلة الّا التداوى ببعض افراده او جميعها في بعض الموارد و يمكن دعوى كفاية هذا المقدار من المنفعة لان الامر في بعض الادوية كذلك فلا ينتفع به الّا في امراض خاصة نادرة و يكفي هذا المقدار من المنفعة بنظر العرف اذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 35

كانت محلّلة و مع ذلك الاحوط ترك المعاملة معه.

و اما البول و الغائط من غير الماكول.

اما بوله فلا اشكال في عدم جواز بيعه لعدم وجود منفعة محلّلة، معتد بها له عند العقلاء حتى يبذل بإزائها المال.

و النهي الوارد في ما رواه في تحف العقول المنجبر بعمل الاصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم مضافا الى دعوى نفى الخلاف على عدم جواز بيعه.

و اما الغائط من غير مأكول اللحم فقد ادعي الاجماع على عدم الجواز أيضا.

و اما الاخبار فبعضها ما يدلّ على عدم الجواز مطلقا.

و هو ما رواه يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال ثمن العذرة سحت» «1».

و بعضها

يدل على الجواز مطلقا هو ما رواها محمد بن مضارب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا بأس ببيع العذرة» «2».

و بعضها يدل على عدم الجواز بملاحظة ظاهر صدر الحديث و يدل على الجواز بملاحظة ذيل الحديث و هو ما رواه سماعة بن مهران «قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر قال انّى رجل ابيع العذرة فما تقول قال حرام بيعها و ثمنها و قال لا بأس ببيع العذرة» «3».

و قد يقال بالجمع بين ما يدل على عدم الجواز و بين ما يدلّ على الجواز بحمل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 36

الاول على عذرة الانسان و حمل الثاني على عذرة غير الانسان بقرينة الرواية الثالثة اعني رواية سماعة لأن الامام عليه السّلام على ما في هذه الرواية قال في صدرها في جواب سؤال السائل عن بيع العذرة «حرام بيعها و ثمنها» و قال في ذيلها «لا بأس ببيع العذرة» و لا يمكن صدور حكمين المتعارضين و هو التحريم كما في الصدر و عدم الباس كما في الذيل على موضوع واحد في كلام واحد فلا بد من حمل صدر الرواية على عذرة الانسان و حمل ذيلها على عذرة غير الانسان و بعد حمل صدرها على عذرة الانسان و كون بيعها حراما و حمل ذيلها على عذرة غير الانسان تكون هذه الرواية «اعنى الرواية الثالثة شاهدة للجمع بين الرواية الاولى و الثانية

فتحمل الأولى على عذرة الانسان و الرواية الثانية على عذرة غير الانسان.

اقول: أوّلا: يمكن ان سماعة الراوي للرواية الثالثة المتقدمة ذكرها سمع ما روي عن الامام عليه السّلام مرتين في مجلسين لا في مجلس واحد و في كلام واحد ففي مجلس سئل السائل عن العذرة فقال عليه السّلام حرام بيعها و ثمنها و في مجلس آخر سئل سائل آخر او هذا السائل فقال عليه السّلام لا بأس بيع العذرة و في مقام نقل الكلامين نقل سماعة هذين الكلامين في كلامه معا و مع هذا الاحتمال لا ندري ان ما صدر عن الامام عليه السّلام أولا أيتهما و ما صدر عنه ثانيا أيتهما و هل كان كل منهما مطلقا او كل منهما كان مقيدا و لو بسبب قرينة كانت بين السائل و بين الامام عليه السّلام او احد من كلاميه كان مطلقا و كلام الآخر كان مقيّدا فان كان كل من كلاميه مطلقا تقع المعارضة بين الرواية الاولى و الثانية و الاولى منهما تدلّ على ان ثمن العذرة سحت و الثانية منهما تدلّ على عدم البأس ببيع العذرة و على هذا لا تكون رواية سماعة و هي الرواية الثالثة من الروايات المتقدمة شاهدة للجمع.

و على تقدير كون احد كلامي الامام عليه السّلام الذي هو الكلام المروي عن سماعة في نقلهما معا مطلقا و الآخر مقيدا او كل منهما مقيّدا فلا ندري من ان المقيّد كان مقيّدا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 37

باي شي ء حتى يحمل المطلق من الروايات بهذا المقيّد.

و على هذا لا تكون رواية سماعة شاهدة للجمع.

و ثانيا: على فرض صدور هذا الكلام اعنى ما رواه سماعة في مجلس واحد متّصلا

كل من صدره و ذيله بالآخر فكما يحتمل ان يكون نظر الامام عليه السّلام في صدر كلامه الى عذرة الانسان و في ذيله الى عذرة غير الانسان كذلك يحتمل ان يكون نظره الشريف في صدر كلامه الى عذرة غير مأكول اللحم من الحيوانات و في الذيل الى ما كون اللحم منها و لو لم يكن هذا الجمع تبرعيّا فهو اولى من الجمع المذكور اعني من الجمع يحمل الصدر على عذرة الانسان و حمل الذيل على عذرة غير الانسان و يوافق ما احتملنا من الجمع مع فتوى المشهور و يناسب مع ما عرفت من نجاسة بول غير المأكول و غائطه و ان الوجه في عدم جواز البيع هو النجاسة و هذا بخلاف ما عرفت من حمل إحداهما على عذرة الانسان و على غيره بقرينة هذه الرواية لعدم وجود شاهد على الجمع بهذا النحو.

و هنا اشكال آخر و هو ان الجمع باحدى النحوين يتمّ بناء على كون العذرة شاملة لمطلق فضلة غير الماكول و اما بناء على الانحصار بفضلة الانسان و عدم اطلاقها على فضلة غير الانسان فلا يمكن الجمع باحد النحوين.

كما ان الجمع بحمل الاولى اعني رواية يعقوب بقرينة كون الرواية الثانية اعني رواية محمّد نصا فى الجواز لا يناسب مع قوله عليه السلام فى الأول ثمن العذرة من السحت و هذا غير التعبير بانه لا تبع العذرة و بعد عدم امكان الجمع العرفى بين الروايتين اعنى الرواية الاولى و هي رواية يعقوب بن شعيب و بين الرواية الثانية أعني رواية محمد بن مضارب المتقدم ذكرهما و وقوع التعارض بينهما لا بدّ من الاخذ بما له المرجح منهما و مع عدم وجود المرجح لإحداهما تصل النوبة

الى التخيير او التوقف على الكلام فيهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 38

فنقول بان الترجيح مع الرواية الاولى لان اوّل المرجحات هو الشهرة فان كان المراد بالشهرة المرجحة هو الشهرة الفتوائية كما كان مختار سيدنا الاعظم رحمه اللّه فالترجيح يكون مع الرواية الاولى لانّ المشهور افتوا على طبقها بل ادعى الاجماع عليها و على مضمونها و ان كان المراد عن الشهرة الروائية و قيل يكون كل من الروايتين مشهورتين بالشهرة الروائية و لم تكن. الرواية الاولى اشهر من الثانية بالشهرة الروائى تصل النوبة الى المرجح الثاني من المرجحات و هو مخالفة العامة فالترجيح يكون مع الرواية الاولى بناء على ما ذكر من ان اكثر العامة قائلون بجواز بيع العذرة و ان ابيت عن ذلك فيقع بينهما التعارض و اذا تعارضتا تساقط كل من الدليلين و بعد التساقط يكون المرجع عموم المستفاد من رواية تحف العقول المنجبر بعمل الاصحاب و هو قوله «او شي ء من وجوه النجس».

فتحصل مما مر انه ان قلنا بامكان الجمع العرفي بين صدر الرواية الثالثة و هي رواية سماعة و بين ذيلها و كذا بين الرواية الاولى و الثانية اعني رواية يعقوب. و رواية محمد بن مضارب فالانسب الجمع بما احتملنا من حمل صدر رواية سماعة الدال على حرمة بيع العذرة على عذرة غير الماكول من الحيوان و حمل ذيلها الدال على عدم الباس على عذرة الماكول من الحيوان لان هذا الحمل انسب حمل صدرها على عذرة الانسان و ذيلها على عذرة غير الانسان خصوصا لو قلنا بما قاله الشيخ الانصارى رحمه اللّه من عدم امكان معاملة التعارض و الترجيح فى هذه الرواية لعدم اعمالها في كلام واحد فمع

اللابدية على الجمع فهذا الجمع و هو حمل الصدر على عذرة غير الماكول و الذيل على عذرة المأكول و هكذا الجمع الرواية الاولى و الثانية بحمل الاولى و هي رواية يعقوب على عذرة غير المأكول و حمل الثانية المجوّزة لبيعها على عذرة مأكول اللحم اولى.

و اذا بلغ الامر الى التعارض ففي الرواية الاولى و الثانية ان امكن الترجيح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 39

فالترجيح مع الرواية الاولى و بناء على تعارضهما و تساقطهما لعدم ترجيح بينهما يكون المرجح عموم الوارد في رواية تحت العقول المتقدم العموم فيه.

و كذا في الرواية الثالثة اعني رواية سماعة و لم نقل بالجمع بين الصدر و الذيل بما قلنا من الحمل و وقوع التعارض بينهما و تساقطهما يكون المرجع أيضا ما تقدّم من العموم الواقع في رواية تحف العقول و انما الكلام في جواز الانتفاع بالبول و العذرة و عدم جوازه فنقول:

اما جواز الانتفاع بالبول و الغائط من مأكول اللحم

يظهر حكمه مما مر في جواز بيعهما و عدمه من انه لو كان لهما منفعة محللة عقلائيه يجوز بيعهما فكذلك الانتفاع بهما للتسميد و غيره.

و اما الانتفاع ببول غير مأكول اللحم و غائطه

فنقول لا مانع من الانتفاع بهما في مثل التسميد و غيره للاصل و لما ورد في بعض الروايات مثل ما روي وهب بن وهب عن على عليه السّلام و المحكى عن ظاهر جماعة كون ذلك من المسلمات و اما ما ورد في رواية تحف العقول من المنع عن جميع التقلبات في النجس فمع امكان حمله على التقلبات و الانتفاعات المحرمة او ما يكون منشأه عدم المبالات في الدين نقول بان رواية تحف العقول حيث تكون ضعيفة السند لا تكون حجة الّا في المقدار الذي منجبر بعمل الاصحاب و هذه ليس منجبرة بعمل الاصحاب.

***

[مسئلة 3: اذا لم يعلم كون حيوان معيّن انه مأكول اللحم او لا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا لم يعلم كون حيوان معيّن انه مأكول اللحم او لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه و ان كان لا يجوز اكل لحمه بمقتضى الاصل و كذا اذا لم يعلم انّ له دما سائلا أم لا كما انه اذا شك في شي ء انه من فضلة حلال اللحم او حرامه او شك فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 40

انه من الحيوان الفلانى حتى يكون نجسا او من الفلانى حتى يكون طاهرا كما اذا رأى شيئا لا يدري انه بعرة فأر او بعرة خنفساء ففى جميع هذه الصور يبنى على طهارته.

(1)

اقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: اذا لم يعلم ان حيوانا يكون من المأكول اللحم او لا

فلا يحكم بنجاسة بوله و روثه سواء كان منشأ الشك هو الشبهة الحكمية او الشبهة الموضوعية و سواء كان الشك من جهة قبوله للتذكية أو لا لانه فيما كانت الشبهة حكمية او موضوعية و يشك في كون الحيوان قابلا للتذكية أم لا، و ان كان يحرز عدم التذكية بالاصل الموضوعي و هو اصالة عدم التذكية و يقدم هذا الاصل على اصالة الحلية لكن ليس اثر هذا الاصل الموضوعي الا عدم جواز اكل اللحم، و اما كون هذا الحيوان المشكوك غير المأكول فلا يثبت بهذا الاصل لان نجاسة البول و الروث على الفرض تكون اثر غير المأكول لا اثر عدم حلية اللحم فلا تثبت نجاستهما بهذا الاصل فلا اشكال في عدم نجاستهما فى هذا الفرض، و اما فيما لا يكون الشك في قابلية الحيوان المشكوك كونه من المأكول اللحم للتذكية بمعني كون قابليته للتذكية مفروغا عنه فيحكم بحيلة لحمه أيضا ببركة اصالة الحيلة لعدم وجود اصل موضوعي يقدم عليها على خلافها، و قد ظهر لك مما

قلنا في المقام ان كلام المؤلف رحمه اللّه تمام في مفروض المسألة فلا يحكم بنجاسة بول المشكوك كونه من جملة ما يؤكل لحمه أو لا و نجاسة روثه.

و لكن ما افاده من عدم جواز اكل لحمه غير تمام ان كان نظره الشريف الى عدم جواز اكل لحمه مطلقا كما هو ظاهر كلامه بل لا بد من التفصيل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 41

بيانه انه تارة يكون الشك في ان الحيوان المشكوك كونه مأكول اللحم او لا هل يكون قابلا للتذكية أو لا ففي هذه الصورة يصح كلامه لان في هذه الصورة يقتضي الاصل الموضوعى و هو اصالة عدم التذكية عدم الحلية.

و تارة لا يكون الشك في المشكوك كونه الحيوان الماكول لحمه أولا بانّه قابل للتذكية أولا بل المفروغ عنه قابليته للتذكية و مع ذلك يشك في انه مما يؤكل لحمه او لا ففي هذه الصورة كما يحكم بطهارة بوله و روثه يحكم بحلية لحمه بمقتضى اصالة الحلية و ليس في قبال هذه الاصل اصل موضوعي يقتضي عدم حلية اكل لحمه مثل اصالة عدم التذكية الجارية في الصورة الاولى لعدم شك في قابليته للتذكية و على هذا لا يتم كلام المؤلف بإطلاقه من الفتوى بعدم حلية اكل لحم الحيوان في مفروض المسألة فافهم.

المسألة الثانية: اذا لم يعلم ان حيوانا معيّنا هل يكون له دم سائل له او لا

و بعبارة اخرى هل يكون ذي النفس السائلة أم لا فحيث انه قد مضى منّا الاشكال في غائط الحيوان الذي ليس له دم سائل اذا كان له اللحم و قلنا بان ما دل على نجاسة بول غير المأكول لا يشمله ففي مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه في هذا المسألة نقول اذا كان للحيوان اللحم يجب الاجتناب عن بول هذا الحيوان.

و

يصح كلام المؤلف رحمه اللّه بالنسبة الى غائط هذا الحيوان فلاجل الشك في ان له دما سائلا او لا، لا يجب الاجتناب عن غائطه و يحكم بطهارته لانه بعد ما كانت العمدة في وجه نجاسة الغائط من الحيوان الغير المأكول هو الاجماع فقدر المتيقّن منه هو غير المأكول الذي يكون له دم سائل فاذا شك في حيوان بانه هل يكون له دم سائل او لا فبمقتضى اصالة الطهارة يحكم بطهارة غائطه و روثه.

المسألة الثالثة: اذا شك في شي ء انه من فضلة حرام اللحم من الحيوان او من حلاله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 42

حلاله او شك في انه من الحيوان الفلاني حتّى يكون نجسا او من الفلاني حتى يكون طاهرا بيني على الطهارة لاصالة لطهارة.

[مسئلة 4: لا يحكم بنجاسة فضلة الحية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يحكم بنجاسة فضلة الحية لعدم العلم بان دمها سائل نعم حكى عن بعض السادة ان دمها سائل و يمكن اختلاف الحيّات فى ذلك و كذلك لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح للشك المذكور و ان حكى عن الشهيد ان جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل الّا التمساح و لكنه غير معلوم و الكلية المذكورة غير معلومة.

(1)

اقول: بعد ما عرفت من ان العمدة في وجه نجاسة غائط غير المأكول هو الاجماع و المتيقن منه هو غير المأكول الذي كان له دم سائل و لهذا ما لا يكون له دم سائل تكون فضلته محكومة بالطهارة «و ان اشكل في بول ما له لحم منه لشمول ما دل على نجاسة بول غير المأكول له و لهذا لو شك في حيوان ان له دما سائلا أو لا سواء كان بريّا كالحية او بحريا كالتمساح يحكم بطهارة فضلته لأصالة الطهارة.

[الثالث: المنيّ من كل حيوان له دم سائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث: المنيّ من كل حيوان له دم سائل، حراما كان او حلالا بريّا او بحريا و امّا المذي و الوذى و الودى فطاهر من كل حيوان الّا نجس العين و كذا رطوبات الفرج و الدبر ما عدا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 43

البول و الغائط.

(1)

اقول: نذكر أوّلا بعض الروايات المربوطة بالمقام و هذه الروايات بعضها ورد في مني الانسان مثل ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا احتلم الرجل فاصاب ثويه مني فليغسل الذي اصابه فان ظن انه اصابه منه و لم يستقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء و اذا ان استيقن انه قد اصابه مني و لم يدر مكانه فليغسل ثوبة كله فانه احسن».

«1»

و بعضها وردت في المني غير مذكور فيها انه من الانسان او غيره و بعبارة اخرى مطلق من هذا الحيث مثل ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام «قال سألته عن المذى يصيب الثوب فقال ينضحه بالماء ان شاء و قال في المني يصيب الثوب فقال ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك فاغسله كلّه» «2» و غيره من الاخبار راجع الباب اذا عرفت ذلك نقول بان الكلام في الموردين:

المورد الاول: في نجاسة المني من الانسان

فلا اشكال في نجاسته فتوى و نصا اما فتوى فيظهر للمراجع بالفتاوى.

و امّا نصّا فلان الروايات الواردة في المسألة كما بيّنا بعضها اما مطلق فقدر المتقين منها هو مني الانسان ان لم نقل بان المنصرف من هذه المطلقات أيضا يكون مني الانسان و اما نصّ في خصوص مني الانسان فلا يبقى اشكال في نجاسة مني الانسان.

المورد الثاني: يقع الكلام في نجاسة مني غير الانسان

فنقول اما بحسب

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 16 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 16 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 44

الفتوى فقد ادعي الاجماع على نجاسة مني غير الانسان بل ربما يكون من المسلمات.

و امّا بحسب الروايات فلم اجد فيها ما يكون نصا في نجاسة مني غير الانسان.

نعم يمكن دعوى شمول الروايات التي فيها المني بان المني مطلق فيشمل مني غير الانسان مثل مني الانسان او سئل في الرواية عن المني عن المعصوم عليه السّلام و جوابه مطلق لعدم استفصاله بين مني الانسان و غيره.

و لكن قد يشكل في دعوى اطلاق الروايات من باب انصرافها الى خصوص مني الانسان لبعد اصابة الثوب لمني غير الانسان.

و بعد دعوى الانصراف للاخيار بخصوص مني الانسان لا يبقي وجه لنجاسة مني غير الانسان، الّا الاجماع.

و به يقيّد بعض ما يدل على طهارة ما يخرج من مأكول اللحم من الحيوان او على عدم وجوب غسله.

و اما المذي فطاهر من كل حيوان الّا نجس العين لان مقتضى الجمع بين ما يدل من الاخبار الواردة فيه على الامر بغسل ما يلاقيه مثل ما روي ابو العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال ان عرفت مكانه فاغسله و ان

خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله». «1»

و بين ما يدلّ على عدم الباس به مثل ما روي ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال ليس به بأس» «2» لان مقتضى الجمع العرفي هو حمل ما فيه الامر بالغسل على الاستحباب لان ما دل على عدم الباس به نص في الجواز و ما دل على الامر بالغسل ظاهر في الوجوب فيحمل الظاهر على

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 17 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 17 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 45

الاستحباب بقرينة ما هو نص في الجواز.

و اما الوذي و الودي فحيث انه لم يرد نص على نجاستهما فيكفي للحكم على الطهارة مع الشك اصالة الطهارة.

مضافا الى دلالة رواية زرارة بعمومها و هي الرواية التي نذكرها بعد ذلك عند التكلم في بلل الفرج و الدبر الّا ما استثنى.

و اما بلل الفرج و الدبر غير البول مع الشك في الطهارة و النجاسة.

مضافا الى دلالة رواية ابراهيم بن ابى محمود «قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة و ليها قميصها او ازارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب أ تصلّي فيه قال اذا اغتسلت صلّت فيهما «1»» في خصوص بلل الفرج المستفاد منها طهارته.

ما تدلّ على طهارة ما يخرج من السبيلين و هي ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال أن سال من ذكرك شي ء من مذى او ودى و انت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء و ان بلغ عقبيك فانّما ذلك بمنزلة النخامة

و كل شي ء خرج منك بعد الوضوء فانه من الحبائل او من البواسير و ليس بشي ء فلا تغسله من ثوبك الّا ان تقذره» «2».

و هذه الرواية كما تدل على طهارة الوذي بالخصوص تدل على طهارة كلما يخرج من السبيلين غاية الامر لا بدّ من تخصيصها بما دل على نجاسة البول و الغائط و المني و قد بيّنا ما يدلّ على نجاستها عند التعرض لنجاسة البول و الغائط و المني.

و اما وجه نجاسة المذي و الودي و الودي و كل ما يخرج من نجس العين هو كل ما دل على نجاسة الشامل لكل ما يخرج منه.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 55 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 46

[الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل حلالا كان او حراما و كذا اجزائها المبانة منها و ان كانت صغارا عدا ما لا تحلّه الحياة منها كالصوف و الشعر و الوبر و العظم و القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السن و البيضة اذا اكتسب القشر الاعلى سواء كانت من الحيوان الحلال او الحرام و سواء اخذ ذلك بجزّ او نتف او غيرهما نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة و يلحق بالمذكورات الا نفحة و كذلك اللّبن في الضرع و لا ينجس بملاقات الفرع النجس و لكن الاحوط في اللبن الاجتناب خصوصا اذا كان من غير مأكول اللحم و لا بدّ من غسل ظاهر الانفحة الملاقى للميتة هذا في ميتة غير نجس العين و اما فيها فلا يستثنى شي ء.

(1)

اقول: يقع

الكلام في جهات:

الجهة الاولى: لا اشكال في نجاسة الميتة في الجملة

نصا و فتوى.

اما من حيث الفتوى فيظهر ذلك للمراجع بكلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم ان عليه الاجماع بل من المسلمات عندهم نجاسة الميتة من كل حيوان يكون له دم سائل.

و اما من حيث النص فلمّا ورد في الاخبار في الموارد المختلفة مثل ما ورد في وقوع الميتة في ماء البئر فان المستفاد منه نجاستها و ان لم نقل بنجاسة ماء البئر بملاقات النجس كما هو الحق المختار لان مقتضى الجمع بين ما دلّ على وجوب النزح للمقدرات الدالة على نجاسة ما يجب له النزح و بين ما دل على عدم انفعال ماء البئر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 47

بملاقات النجس مثل رواية ابن بزيع «1» هو عدم تاثير النجاسة في ماء البئر و عدم فساده بملاقاتها لا عدم نجاستها.

فعلى هذا نقول بعد ما نرى مفروغية نجاسة بعض ما وجب له نزح ماء البئر عند السائل و المسئول عنه مثل ما اذا وقع فيه البول او الدم نفهم عدم اشكال في نجاسة هذه الاشياء غاية الامر ماء البئر لا يفسد بهذه الاشياء الّا بالتغيير لان له مادة كما في رواية إسماعيل بن بزيع. و دلالة بعض الروايات على نزح المقدرات من ماء البئر بملاقات الميتة من الانسان او غير الانسان شاهد على نجاسة الميتة و ان لم نقل بوجوب النزح جمعا بين هذه الطائفة من الاخبار و بين ما دل من الاخبار المعارضة لهذه الطائفة لما قلنا من ان وضع السؤال و الجواب في الروايات شاهد على كون نجاسة الميتة عند السائل و المعصوم عليه السّلام امرا مفروغا عنها فهذه الطائفة من الاخبار تدل على نجاسة الميتة من

باب ما قلنا من مفروغية نجاسة الميتة في لسان الروايات فلا تحتاج الى اثبات نجاسة الميتة من هذه الاخبار من دعوى ان المستفاد من هذه الاخبار وجوب النزح و وجوب النزح ملازم مع النجاسة، حتى يشكل به بانه بعد الجمع بين الطائفة من الاخبار الدالة على وجوب نزح الماء بالمقدرات و بين الطائفة الدالة على عدم نجاسة ماء البئر بملاقات النجاسة بحمل ما امر بالنزح على استحباب فلا يبقى دليل على نجاسة الميتة لانه كما قيل نجاستها لازم لملزوم و هو ما دل على وجوب النزح فاذا ذهب الملزوم بمقتضى الجمع بين الطائفتين من الاخبار لا يبقى اللازم.

و ما قلنا في وجه الاستدلال باخبار الواردة في نزح المقدرات من ماء البئر لوقوع بعض الاشياء فيه سليم عن الاشكال.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 48

و مثل ما ورد في الفارة و غيرها اذا ماتت في الزيت او السمن او نحو هما و كان مائعا حرم اكله و يجوز الاستصباح به و ان كان جامدا اخذت ما حولها و حلّ الباقي «1».

و مثل ما ورد «2» من اختيار ثوب للصلاة لم تصبه جلود الحمر الميتة و ليس وجهه الّا نجاسة الميتة و غير ذلك مما يستفاد منه نجاسة الميتة.

و يدل على نجاسة الميتة بالعموم ما روي جابر عن ابي جعفر عليه السّلام «قال اتاه رجل فقال وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في اكله قال فقال ابو جعفر عليه السّلام لا تاكله فقال له الرجل الفارة أهون عليّ من أن أترك طعامي من اجلها قال فقال ابو جعفر عليه

السّلام انّك لم تستخف بالفارة و انّما استخففت بدينك انّ اللّه حرّم الميتة من كل شي ء «3»» يدلّ الرواية على نجاسة الميتة بالعموم.

فتلخص مما مرّ انّ نجاسة الميتة في الجملة مما لا اشكال فيه حتى ميتة الانسان مضافا الى دلالة بعض الاخبار على نجاسة ميتة الانسان بعد بردها و قبل الغسل راجع الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل نذكر رواية تبركا و هى ما رواها ابراهيم بن ميمون «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت قال ان كان غسل الميّت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني اذا برد الميت». «4»

الجهة الثانية: ينحصر الحكم بنجاسة الميتة بكل حيوان له دم سائل

لا في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 42 من ابواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 49

غيره نصّا و فتوى.

اما نصا فلدلالة بعض الروايات عليه مثل ما روي عمّار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما اشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال كل ما ليس له دم فلا بأس «1» و غيرها مما يدل على ذلك.

و اما فتوى فلتطابق الفتوى عليه يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 3.

الجهة الثالثة: لا فرق في نجاسة الميتة بين كونها حلال اللحم او حرامه

لان المستفاد من رواية جابر المتقدم ذكرها عموم الحكم لكل حيوان سواء كان حلال اللحم او حرام اللحم.

مضافا الى استفادة ذلك من بعض آخر من الروايات المذكورة في ابواب مختلفة.

الجهة الرابعة: و في حكم الميتة اجزائها المبانة منها

و ان كانت صغارا عدا ما لا تحلة الحياة و ادعي عدم الخلاف فيه.

اما نجاسة اجزائها المبانة منها و ان كانت صغارا فانها من الميتة فاذا كانت الميتة نجسة تكون راسها و يديها و رجليها و جميع اجزائها نجسة و لا نحتاج في الحكم بنجاسة اجزائها الى دليل آخر.

و امّا عدم نجاسة ما لا تحله الحياة من اجزائها كالمذكورات في كلام المؤلف فقد ذكر بعضها في بعض الروايات مثل الصوف و الشعر و الريش و غيرها فالمستفاد من هذه الطائفة من الاخبار عدم نجاسة هذه الاشياء التي لا تحله الحياة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 50

راجع الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

و اما فيما لم يصرّح بخصوصه في الروايات فيكفي في الحكم بطهارته ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح» «1» لان المستفاد منها انّ وجه عدم نجاسة صوف الميتة عدم الروح فكل ما لم يكن مما تحله الحياة يكون محكوما بحكم الصوف.

فلهذا لا يكون المنقار من ميتة الحيوان نجسا لعدم الروح له مضافا الى امكان دعوى ان المناط في عدم نجاسة الصوف و بعض الآخر المذكور في الروايات هو عدم حلول الحياة فيه و هذا المناط موجود في غير ما ورد التصريح به في الروايات فلو لم يكن التعليل المذكور في رواية الحلبي

المتقدمة ذكرها يكون المجال لتنقيح المناط بطهارة غير المذكور مما لا تحله الحياة كالمنقار لعدم نجاسته من الميتة ثم ان طهارة البيضة كما قال المؤلف رحمه اللّه مشروطة بصورة اكتست قشرها الاعلى و منشأ اعتبار ذلك هو ما رد في الرواية التي رواها غياث ابن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في بيضة خرجت من أست دجاجة ميتة قال ان كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها. «2» فعلى هذا يقال بانه و ان كان مقتضي بعض الروايات طهارتها مطلقا لكن لا بد من تقييده بهذه الرواية بمقتضى ما هو القاعدة من حمل المطلق على المقيّد ثم انه قيل بان ضعف سند الرواية منجبر بعمل الاصحاب بها و على كل حال تكون رواية الغياث موافق الاحتياط و هل يكون فرق في طهارة البيضة من الميتة بين ميتة الماكول اللحم من الحيوان و بين غير الماكول فتكون طاهرة في الاوّل و نجسة في الثاني، أو لا فرق بين القسمين في الطهارة حكى التفصيل عن العلامة رحمه اللّه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 51

وجه الاختصاص بالاول دعوى انصراف الاخبار بالمورد الاول و هو بيضه الميتة من الماكول لحمه.

او ان مورد بعض اخبار الباب هو خصوص بيضة الميتة من المأكول بقرينة التعبير فيه بجواز اكلها و هو لا يناسب الّا مع كون البيضة من الميتة الماكول اللحم مثل ما روي الحسين بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال الشعر و الصوف و الريش و كل نابت لا يكون ميّتا قال

و سالته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة قال لا بأس باكلها». «1»

و فيه ان الانصراف ممنوع.

و اما الرواية فغاية ما يستفاد منها كون المورد منها هو البيضة من الماكول و لا مفهوم لها فمع كون لسان بعض اخبار الباب مطلقا لا بد من الاخذ بإطلاقه فلا وجه للاختصاص بالبيضة الميتة من الماكول في الحكم بالطهارة.

و هل يكون فرق في استثناء ما لا تحله الحياة من اجزاء الميتة بين ما اخذ يجزّ او نتف او نحو آخر او لا فرق في ذلك كله.

الحق عدم الفرق لاطلاق الادلة.

و لا وجه لاختصاص حكم الطهارة بصورة الجزّ لا النتف و القطع الّا توهم كون المتعارف الاخذ بنحو الجزّ فلا بدّ من حمل المطلقات على المتعارف و لما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسين عليه السّلام «قال كتبت إليه عليه السلام اسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السّلام لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب و كلما كان من السخال الصوف ان جزّ، و الشعر، و الوبر و الانفحة و القرن و لا يتعدّي

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 52

الى غيرها إن شاء اللّه» «1» بدعوى دلالتها على استثناء الصوف من السخال اذا جزّ، و مفهوم كلامه عليه السّلام يدلّ على عدم الطهارة في صورة لا يكون الانفصال بالجزّ.

و فيه أولا ان كون المتعارف اخذ الصوف او الشعر او غيرهما بنحو الجز غير معلوم.

و ثانيا بعد ورود التصريح في بعض الروايات بان وجه عدم نجاسة ما لا تحله الحياة من اجزاء الحيوان هو عدم الروح فيه

فلا دخل في كيفية اخذه من الحيوان في طهارته و اما رواية الفتح بن يزيد فلو تأمّلت في صدرها و ذيلها ترى انها ليست الّا فى مقام بيان ان طهارة هذه الاشياء و عدم الباس بها في صورة الانفصال عن الميتة لانه بعد ما قال في الصدر لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب قال لا بأس بهذه الاشياء فيما كان منفصلا منها و الّا فلو اخذ مما توهم من المفهوم كان اللازم انحصار الحكم بخصوص ما ينفصل بالجزّ من السخال فقط لا غير هذه الصورة و لا غير المذكورات و الحال انه لا يمكن الالتزام بانحصار عدم الباس بهذه الاشياء في خصوص السخال و عدم جريان الحكم في العظم و القرن و غيرهما مما لم يذكر في الرواية و يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة لتنجسه بملاقات الميتة.

الجهة الخامسة: و يلحق بالمذكورات الانفحة

و فيها كلام من حيث حكمها و كلام من حيث موضوعها اما الكلام في حكمها فنقول لا اشكال في طهارة الانفحة من الميتة نصا و فتوى اما فتوى فلدعوى الاجماع عن بعض و لا خلاف عن بعض آخر من فقهائنا رحمهم اللّه و اما النص فروايات:

الرواية الاولى: ما رواها الفتح بن يزيد و هي الرواية التى ذكرناها في

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 32 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 53

الجهة الرابعة. «1»

الرواية الثانية: ما رواها ابو حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام «في حديث ان قتادة قال له اخبرني عن الجبن فقال لا بأس به فقال انه ربما جعل فيه انفحة الميتة فقال ليس به بأس انّ الانفحة ليس لها عروق و لا فيها دم

و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم و إنّما الا نفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة قال قتادة لا و لا آمر باكلها قال ابو جعفر عليه السّلام و لم قال لانها من الميتة قال فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها فقال نعم قال فما حرم عليك البيضة و احل لك الدجاجة قال فكذلك الا نفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من اسواق المسلمين من ايدي المصلّين و لا تسأل عنه الّا ان يأتيك من يخبرك عنه». «2»

الرواية الثالثة: ما رواها على بن رئاب عن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الانفحة تخرج عن الجدي الميتة قال لا بأس به قلت اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت قال لا بأس به قلت و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة فقال كل هذا لا بأس به و روا الصدوق باسناده عن ابن محبوب مثله الّا انه اسقط لفظ الجلد و هو الصواب و قال في آخره كل هذا ذكي لا بأس به» «3».

و غيرها من الروايات فلا اشكال في طهارة الا نفحة و اما موضوعها فهل هى عبارة عن اللبن المستحيل في جوف السّخلة واقع في وعاء او هي كرش الحمل لكنه ما دام يكون الجدي غير متغذ الّا باللبن يقال بهذا الوعاء الا نفحة و اذا تغذي

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 54

من غير اللبن يقال بهذا الوعاء الكرش، فعلي الاوّل تكون الانفحة عبارة عن المظروف و هو ما في هذا الوعاء، و على الثاني تكون عبارة عن الظرف و منشأ الاختلاف اختلاف كلمات اهل اللغة فبعضهم قال بانّها الاولى و بعضهم قال بانها الثاني فلا ندري ما هو موضوع الا نفحة في اللغة.

اذا عرفت ذلك نقول بانه ان كانت الا نفحة عبارة عن المظروف اعني اللبن المستحيل فلا اشكال في طهارتها و ان كانت عبارة عن كرش الجدي قبل تغذّيه بغير اللبن، و بعبارة اخرى تكون الظرف و الوعاء لا المظروف فلا يبقى مجال للاشكال في طهارة المظروف أيضا اما من باب انه و ان كان ما استثنى من نجاسة الميتة على هذا التقدير هو الظرف لا المظروف و لكن المظروف طاهر أيضا لان طهارة الظرف تكون باعتبار الظرفية له لانه الذي ينتفع به و يحلّ في اللبن و يصير جبنا، و اما من باب انها شي ء خارج عن الميتة كالبيضة كما صرّح بذلك في الرواية الاولى من الروايات المتقدمة فلا يشملها دليل نجاسة الميتة، و اما لانها و ان كانت جزء الميتة لكن تكون مما ليس فيه الروح فيشمله التعليل الوارد في رواية الحلبي المتقدمة ذكرها عند تعرّضنا لاستثناء ما لا تحله الحياة من نجاسة الميتة و هو ما قال ابو عبد اللّه عليه السّلام فى هذه الرواية «ان الصوف ليس فيه روح» فلا اشكال في طهارة ما في الوعاء سواء نقول بانه الانفحة او ما هو ظرف لهذا هو الانفحة و اما بناء على كون الانفحة هو المظروف او شككنا في انها الظرف او المظروف يكون

الحكم بطهارة الظرف و الوعاء مشكل لان مقتضى الادلة الاولية نجاسة الميتة باجزائها و هذا جزء منها و لا دليل لنا يخرج هذا الوعاء عن عموم نجاسة الميتة لانه من الميتة و فيه الروح، و لا وجه للتمسك بالأصل على طهارة الوعاء لان مع عموم الدليل الدال على نجاسة الميتة لا تصل النوبة بالاصل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 55

فعلى هذا نقول ان كان المراد من الانفحة هو الظرف او المظروف مع الظرف فلا اشكال في طهارة الظرف.

و اما ان كانت الانفحة المظروف او شككنا في انها الظرف او المظروف فالظرف محكوم بالنجاسة ثم انه يمكن ان يقال بان الرواية الثانية اعنى ما رواها ابو حمزة الثمالى «1» تدلّ على ان الانفحة هي المظروف لان قوله عليه السّلام فيها «لان الانفحة ليس لها عرق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم» يدلّ على ذلك.

ثم انه لا اشكال في طهارة المظروف ذاتا و عرضا بناء على كونه مائعا ذاتا و عرضا و بناء على كون الانفحة هي المظروف.

كما انه لا اشكال في طهارة المظروف ذاتا و عرضا بناء على كونها نفس الظرف لانه ان كانت هي المظروف فمن الحكم بطهارتها حكما فعليا مع فرض ملاقاتها مع بعض اجزاء الميتة نفهم عدم تنجسه بملاقات النجاسة أيضا فهو طاهر ذاتا لدلالة الدليل على طهارته و طاهر عرضا أيضا لانه لو صار نجسا بملاقات الظرف الذي يكون على فرض كون الانفحة المظروف الظرف من اجزاء الميتة يكون الحكم بطهارته الذاتية لغوا لانه لا ينفك عن ملاقاته مع النجس و صونا عن اللغويّة يحكم بطهارته الذاتية و لا بدّ

ان يلتزم بطهارته العرضية و ان الشارع كما حكم بطهارته الذاتية حكم بطهارته العرضية نعم لو كان المظروف جامدا حال موت الحيوان فلا يحكم بطهارته عرضا صونا عن اللغويّة لطهارته الذاتية لانه يمكن ان يكون طاهرا ذاتا و لكن ينجس عرضا و لكن يغسل عن النجاسة العرضية لانه جامد و صار ظاهره نجسا بملاقاته لاجزاء الميتة و يطهر بالتّطهير.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 56

بخلاف ما اذا كان مائعا لانه لو صار نجسا بالعرض لم يقبل التطهير و لهذا يكشف من كونه طاهرا ذاتا انه طاهر عرضا فافهم هذا بالنسبة الى المظروف.

و اما طهارة الظرف ذاتا موقوف على كونه هو الانفحة و بناء على ذلك لا بدّ من غسل ظاهره الملاقي للاجزاء الميتة مع الرطوبة لانه و ان كان طاهرا، بناء على كونه هو الانفحة لكن يصير نجسا عرضا و يطهر بالتطهير هذا بناء على كون الانفحة هو الظرف و اما بناء على كون الانفحة عبارة عن المظروف فقد يستشكل في طهارة الظرف طهارة ذاتية لانه من اجزاء الميتة و قد تحلّه الحياة و بناء على عدم كونه هو الانفحة فلم يستثن عن عموم نجاسة الميتة و لكن مع ذلك نقول بان الحق هو طهارته ذاتا أيضا و ان وجب غسل ظاهره للنجاسة العرضية لانه بعد ما فرض كون الانفحة هي المائع الواقع فى هذا الوعاء و هذا الظرف يجعل في اللبن لان يصير جنبا و طريق وضع الانفحة في اللبن يكون بجعل المظروف مع الظرف في اللبن لاتخاذ الجبن منه و بعبارة اخرى تكون طريقة الاستفادة من هذا الجزء من

الحيوان لاتخاذ الجبن المسمى بالانفحة و ان كان ما هو الانفحة هو ما في داخل هذا الجزء اعني المظروف لا الظرف عند العرف هو الاتخاذ من مجموع الظرف و المظروف فمع هذه الخارجية العرفية لو حكم الشارع بطهارة المظروف فلا يكون الحكم بطهارته منفكا عن الحكم بطهارة الظرف مع فرض الخارجية المعهودة عند العرف فعلى هذا يقال بانه مع كون الانفحة نفس المظروف يكون الظرف طاهرا بالطهارة الذاتية كالمظروف و ان كان يجب غسل ظاهره اذا كان من الميتة لملاقاته مع بعض من الاجزاء الميتة مع الرطوبة.

الجهة السادسة: اختلف في طهارة اللبن في ضرع الميتة و نجاسته.

اعلم ان المسألة و ان كان ذات قولين الّا ان الحق طهارته لدلالة بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 57

الاخبار عليه.

منها الرواية الثالثة التي ذكرناها في الجهة الخامسة عند التعرض لطهارة انفحة الميتة و هي ما رواها زرارة «1» و فيها قال عليه السّلام «لا بأس به» بعد سؤال السائل عن اللبن في ضرع الميتة.

و منها مرسلة الصدوق. «2»

و منها ما رواها في الخصال و قد اشار إليها في الوسائل في ذيل مرسلة الصدوق رحمه اللّه.

و منها ما رواها الحسين بن زرارة قال «كنت عند ابى عبد اللّه عليه السّلام و ابى يسأله عن اللبن من الميتة و البيضة من الميتة و انفحة الميتة فقال كلّ هذا ذكىّ قال و زاد فيه على بن عقبة و على بن الحسن بن رباط قال و الشعر و الصوف كله ذكىّ» «3» مضافا الى ان اللبن و ان كان من اجزاء الميتة الّا انه من اجزائها الّتي لا تحله الحياة مع انه لا يعدّ جزء منها كالبيضة.

و اما وجه نجاسته كما اختارها جمع من الفقهاء رحمهم اللّه

ما روي وهب عن جعفر عن ابيه «انّ عليّا عليه السّلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال عليّ عليه السّلام ذلك الحرام محضا» «4» و فيه ان الرواية ضعيفة السند بوهب حتى قيل في حقه انه من اكذب البرية.

و ما قيل بان الالتزام بطهارة لبن الميتة يوجب التصرف في قاعدة تنجّس

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 2 و 3 من الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 11 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 58

الاشياء بملاقات النجاسة و فيه انه لا اشكال في ذلك كما قد خصص هذا العموم في غسالة ماء الاستنجاء بل في مطلق الغسالة على قول فالاصل هو طهارته.

و هل يكون فرق فى طهارته بين ان يكون اللبن في ضرع ميتة مأكول اللحم من الحيوان و بين ان يكون في ضرع غير مأكول اللحم او لا فرق بينهما فكما يكون طاهرا في المأكول كذلك يكون طاهرا اذا كان في غير الماكول لو كان دليل الطهارة منحصرا بما يكون مورد السؤال و الجواب هو لبن الشاة يمكن ان يدعي الانحصار بصورة كون اللبن في ضرع ميتة مأكول اللحم و لكن بعد كون لسان بعض الروايات مطلقا يشمل كل لبن سواء كان في ضرع ميتة مأكول اللحم او في غير الماكول و لا وجه لانحصار طهارة اللبن بما كان في ضرع ميتة مأكول اللحم خصوصا مع عدم الفرق فيما لا تحلة الحياة من الميتة بين مأكول اللحم و غير مأكول اللحم

من الحيوان نعم الاحتياط بالاجتناب في غير المأكول حسن.

الجهة السابعة: ما ذكرنا من استثناء ما لا تحلة الحياة و الانفحة و البيضة

و اللبن من نجاسة الميتة مختص بغير نجس العين من الحيوانات.

و اما في نجس العين من الحيوانات كالكلب و الخنزير منها فهو نجس بجميع اجزائه حتى جميع ما استثنى من نجاسة الميتة لان الظاهر من الادلة الدالة على طهارة ما لا تحلة الحياة من الميتة ينظر الى عموم ما دل على نجاسة الميتة و ان ما لا تحلّة الحياة او غيره مما استثنى من جهة كونه من الميتة خارج عن حكم نجاسة الميتة و الاستثناء يكون من نجاسة الميتة لا عن النجاسة الذاتية الثابتة لبعض الحيوانات.

ان قلت ان الادلة تدل على طهارة ما لا تحلّه الحياة من الميتة، ففي ميتة نجس العين من الحيوان يقال انّها ميتة فما لا تحلّه الحياة من ميتته طاهر لعموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة لشمول عموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 59

من الميتة، له غاية الامر ما دل على نجاسة نجس العين بجميع اجزائه يشمل حال حياته و حال موته بالإطلاق، فنقول بان النسبة بين العمومين اعني عموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة مع عموم ما دل على نجاسة نجس العين عموما من وجه، لان مقتضي العموم الاول طهارة ما لا تحله الحياة من ميتة الحيوان سواء كان الحيوان طاهر العين او نجس العين و مقتضي العموم الثاني هو نجاسة اجزاء نجس العين سواء كانت مما تحله الحياة او مما لا تحله الحياة، فالدليل الدال على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة عام من جهة لشموله لكل

ما لا تحله الحياة بعمومه سواء كان من ميتة نجس العين او غيره و الثانى عام من جهة و هو من حيث شمول عمومه لنجاسة اجزاء نجس العين سواء كان مما تحله الحياة او لا تحله الحياة حال حياته و مماته فيقع التعارض بينهما في ما لا تحله الحياة من ميتة نجس العين لان مقتضى عموم العام الاوّل طهارته و مقتضى عموم العام الثاني نجاسته فلم تقول بتقديم العام الثاني.

قلت أوّلا كما قلنا ان الظاهر من الدليل الدال على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة كونه ناظرا الى عموم نجاسة الميتة و بعبارة اخرى يكون عموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة استثناء عن عموم نجاسة الميتة بعنوان كونها ميتة و هذا غير مناف مع نجاسة ما لا تحله الحياة من حيث آخر و هو كونه من اجزاء نجس العين.

و ثانيا على فرض التسليم لما قلت من تعارض الدليلين نقول بان مقتضى القاعدة فيما كانت النسبة بين الدليلين المتعارضين عموما من وجه و كان احد الدليلين اظهر في مادة الاجتماع لا بدّ من الاخذ بالاظهر و في المقام اظهر الدليلين هو الثاني اعني عموم ما دل على نجاسة نجس العين.

و ثالثا لو فرض عدم اظهرية احدهما على الآخر و تعارض الدليلين و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 60

تساقطهما لا بدّ من الرجوع الى الاصل و في المقام يجري استصحاب النجاسة لان ما لا تحله الحياة من نجس العين كان نجسا حال حياته و بعد موته نشك في طهارته و نجاسته فببركة استصحاب نجاسته حال الحياة يحكم بنجاسة ما لا تحله الحياة من ميتة نجس العين بعد الحياة أيضا

فتلخص مما ذكر ان نجس العين يكون ما لا تحله الحياة من اجزائه نجسا حال حياته و حال موته.

***

[مسأله 1: الاجزاء المبانة من الحىّ مما تحلّه الحياة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: الاجزاء المبانة من الحىّ مما تحلّه الحياة كالمبانة من الميتة الّا الاجزاء الصغار كالثالول و الثبور و كالجلدة الّتي تنفصل من الشفة او من بدن الاجرب عند الحك و نحو ذلك.

(1)

اقول: يظهر من المؤلف رحمه اللّه انه جعل الكلام أولا في الاجزاء المبانة من الحىّ مما تحله الحياة ثم في الاجزاء الصغار المبانة من الحي ثانيا فقال في الاولى بانها كاجزاء المبانة من الميتة و الثانية ليست بحكمها.

فينبغى عطف عنان الكلام في الموردين الموارد الاوّل في الاجزاء المبانة من الحي غير الصغار كاليد و الرجل من الحيوان المبان من الحي يستدل على كونها بحكم الاجزاء المبانة من الميت بوجوه:

الوجه الاوّل: دعوى الاجماع عليه

بل ادعي بعض عدم الخلاف فيه و هذا الوجه هو العمدة عند بعضهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 61

الوجه الثاني: ما عن التذكرة من ان الجزء المبان من الحي مما تحله الحياة يكون ميّتا

و الميتة نجس و فيه مضافا الى عدم صدق الميتة على الجزء المقطوع و المبان من الحي عرفا ان موارد الروايات كلها الحيوان الذي مات فلا وجه للتعدي الى بعض الحيوان.

مع انه ان كان الوارد في لسان الاخبار الميتة فالمنسبق منها هو الميت لا لحمه او بعض اجزائه.

الوجه الثالث: دعوى شمول حكم نجاسة الميتة للجزء المبان من الحي

مما تحلّه الحياة بتنقيح المناط بان يقال ان المناط في نجاسة الميتة هو زهاق روحها و هذا المناط موجود في الجزء المبان من الحى مما تحله الحياة.

و يدل عليه قوله عليه السّلام في رواية الحلبي المتقدمة ذكرها «1» ان الصوف ليس فيه الروح»

و فيه ان اليقين بالمناط غير حاصل و الظن بهذا المناط ليس بحجة.

الوجه الرابع: بعض الروايات و هو على طوائف:
الطائفة الاولى: بعض الروايات الوارد في الجزء المقطوع من الصيد بالحبالة

مثل ما روي محمّد بن، قيس عن ابي جعفر عليه السّلام «قال قال امير المؤمنين عليه السّلام ما اخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا او رجلا فذروه فانه ميت و كلوا مما ادركتم حيّا و ذكرتم اسم اللّه عليه» «2» و غيرها من الروايات راجع الباب المذكور فى هذا الباب.

اقول: و قد نزّل في الرواية المذكورة العضو المقطوع بالحبالة من الحي بمنزلة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الصيد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 62

الميتة و هذا التنزيل ان كان حكميا فالظاهر من كونه بمنزلة الميتة حكما و ان لم يكن ميتة حقيقة فكل حكم يكون للميتة يكون له و من جملة احكامها النجاسة.

و ما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه «1» من ان الظاهر من تنزيله بمنزلة الميتة يكون في خصوص حرمة الاكل غير تمام و تعقب جواز الاكل بصورة التذكية و ذكر اسم اللّه عليه لا يوجب انحصار التنزيل بخصوص حرمة الاكل مع اطلاق التنزيل بقول عليه السّلام «فانه ميت».

و امّا ان كان التنزيل تنزيلا حقيقيّا فقال العلامة الهمداني رحمه اللّه «2» بانه بعد ما لا يثبت بهذه الرواية و غيرها الا ان العضو المقطوع من الحيوان بالحبالة ميّت حقيقة

فلا بد من اثبات النجاسة لجميع افراد الميتة حتى لهذا الفرد حتى يحكم عليه بالنجاسة و بعد الاستقراء في الموارد الجزئية الواردة في باب البئر و نحوه مثل ما ورد «3» في السمن و الزيت الذي مات فيه الفارة مثلا لا يمكن استفادة نجاسة هذا الفرد من الميتة لانّ موارد الاخبار غير هذا الفرد.

اقول: مورد بعض الروايات و ان كان الحيوان الميت كما افاده لكن مورد رواية جابر «4» المتقدمة ذكرها عن ابي جعفر عليه السّلام المصرّحة فيها «ان اللّه حرّم الميتة من كل شي ء) «5» و قد ذكرنا هذه الرواية في الجهة الثانية من الجهات المتعلقة بنجاسة الميتة فراجع الدالة على نجاسة كل ميتة هو العموم فيشمل عموم الرواية للمورد و هو يكفي لنا لان الاخبار المتقدم التي ذكرنا واحدة منها الواردة في الجزء المقطوع من الصيد بالحبالة جعلت المقطوع من الحيوان الحي بمنزلة الميت اما حقيقة و اما حكما و

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 7، ص 70.

(2) مصباح الفقيه، ج 7، ص 70.

(3) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 63

رواية جابر المتقدمة تدل بعمومها على نجاسة كل فرد من الميتة و الجزء المقطوع من الحيوان الحي فرد منها كما عرفت فيكون نجسا لعموم نجاسة الميتة الشامل له فافهم.

الطائفة الثانية: بعض الروايات الوارد في أليات الغنم المقطوع منه.

منها ما روي الكاهلى «قال سئل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن قطع أليات الغنم فقال لا بأس بقطعها اذا كنت تصلح بها مالك ثم قال

ان في كتاب على عليه السّلام ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به». «1»

و منها ما روى الحسن بن على «قال سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت جعلت فداك ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال هي حرام قلت فنصطبح بها قال أ ما تعلم انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «2».

و تدل هذه الطائفة من الروايات على الحكم لمّا مرّ في وجه دليليّة الطائفة الاولى من الاخبار فلا اشكال في نجاسة الاجزاء المبانة من الحي من الحيوان مما تحله الحياة.

الطائفة الثالثة: بعض الروايات الواردة في العضو المقطوع من الانسان

من انه ميّت مثل ما روي أيوب بن نوح عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اذا قطع من الرجل قطعة فهو ميّت فاذا مسّه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «3» وجه وجوب غسله كون ما مسه من الجزء المقطوع ميت و مس ميّت الانسان موجب للغسل فتأمل.

بقي الكلام في المورد الثانى و هو الاجزاء الصغار المقطوع من الحىّ و المبان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب الذبائح من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الذبائح من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب غسل المس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 64

منه مما تحلّه الحياة كالثالول و البثور و غيرهما اعلم ان الدليل الدال على نجاسة الاجزاء المبانة من الحي من الحيوان ان كان هو الاجماع فلا اشكال في عدم تحققه في الاجزاء الصغار بل الاجماع على ما ادعي بعض يكون على عدم نجاستها.

و ان كان المستند هو بعض الاخبار الوارد

فيما يصاد بالحبالة او في أليات الغنم او في الجزء المبان من الانسان فلا يشمل الاجزاء الصغار كالثالول و نظائره فاذا لم اجد دليلا على النجاسة لو شككنا فمقتضى اصالة الطهارة هو الطهارة.

مضافا الى امكان دعوى السيرة على عدم معاملة النجاسة معها نعم يمكن ان يقال بان المقدار المتيقن من السيرة طهارة الاجزاء الصغار اذا بانت بنفسها بخلاف ما اذا قطعت بالجزّ و النتف او غيرها و لعله الى هذا ينظر من فرّق من حيث الطهارة و النجاسة بين الصورتين.

و لكن نقول بانه و لو لم تشمل السيرة الصورة الثانية و لكن كفى للحكم بطهارتها في الصورة الثانية مجرد عدم الدليل لما قلنا من عدم شمول الدليل الدال على نجاسة الجزء المبان من الحيّ من الحيوان للاجزاء الصغار المبانة منه و اما ما رواه على بن جعفر انه سال اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يكون به الثالول او الجرح هل يصلح له ان يقطع ثالوله و هو في صلاته او ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه قال ان لم يتخوّف ان يسيل الدم فلا بأس و ان تخوّف ان يسيل الدم فلا يفعله «1» و ان استشكل في دلالته بان قطع الثالول آنا ما في الصّلاة لاستلزم حمله و لا مباشرته برطوبة في الصلاة و لهذا لا تدل على طهارة الثالول.

و لكن الانصاف ان مع عدم انفكاك القطع و نتف الثالول و اللحم غالبا عن الحمل و السراية نفهم من ترك استفصال الامام عليه السّلام اطلاق الحكم حتى في صورة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 63 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 65

الحمل

و السراية.

ان قلت ان الامام عليه السّلام لم يكن في مقام اطلاق الحكم حتى في صورة الحمل و السراية.

قلت ان تفصيله بين ما يسيل الدّم و عدمه شاهد على كونه لاحظا لجميع الجهات في الرواية فتدلّ على طهارة الاجزاء الصّغار فتأمل.

***

[مسئلة 2: فأرة المسك المبانة من الحىّ طاهرة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: فأرة المسك المبانة من الحىّ طاهرة على الاقوى و ان كان الاحوط الاجتناب عنها نعم لا اشكال في طهارة ما فيها من المسك و اما المبانة من الميت ففيها اشكال و كذا في مسكها نعم اذا اخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها و لو لم يعلم انها مبانة من الحي او الميّت.

(1)

اقول: اما موضوعها فحكى انها جلدة تكون وعاء المسك و المسك هو دم يجتمع حول سرة الظبى فاذا عرض للموضع حكة يسقط بسببها الدم مع هذه الجلدة و حكى العلامة الهمداني عن الشيخ الانصارى قدس سرهما انه قال بان لها اقساما أربعة «1».

و اما حكمها فاختلف الفقهاء قدس اللّه اسرارهم في حكمها على اقوال فبعضهم قال بالطهارة مطلقا سواء كانت منفصلة من الحي او الميت و بعضهم قال

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 7، ص 75- 76.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 66

بنجاستها مطلقا سواء كانت منفصلة من الحي او الميت و بعضهم قال بالتفصيل بين انفصالها من الحي فتكون طاهرا و بين انفصالها عن الميت فتكون نجسا اذا عرفت الأقوال نقول.

اما ما يمكن ان يكون وجها للقول بالنجاسة هو دعوى الاجماع على النجاسة.

و فيه انه مع كون المسألة ذات اقوال ثلاثة كيف يصح دعوى تحقق الاجماع على واحدة من الاقوال.

اما ما يمكن ان يكون وجها لطهارة فارة المسك امور:
الامر الاول: انها تكون مما لا تحله الحياة

و فيه ان الجلدة تكون مما تحله الحياة.

الامر الثاني: عدم كونها جزء للظبى

نظير البيضة بالنسبة الى الدجاجة الميتة.

و فيه انها من اجزاء الظبى و ينفصل منه و ليس كالبيضة من الحيوان منفصلة عن الحيوان.

الامر الثالث: بعض الروايات،

منها ما روي على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام «قال سألته عن فارة المسك تكون مع من يصلّى و هى في جيبه او ثيابه فقال لا بأس بذلك» «1» و ترك استفصال الامام عليه السّلام من كونها من الحىّ او من الميّت و عن كونها من المذكى او غير المذكّى يدلّ على عموم الحكم لجميع الصور.

و لكن في الباب رواية اخرى و هي ما رواها عبد اللّه بن جعفر «قال كتبت إليه يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام «أبا محمد» يجوز للرجل ان يصلى و معه فارة المسك فكتب

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 67

لا بأس به اذا كان ذكيا» «1».

قد يقال بان هذه الرواية تدل على جواز الصّلاة و معه فارة المسك في صورة كونها من الظبي ذكيا و لا بدّ من تقييد اطلاق رواية على بن جعفر بهذه الرواية لان مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين هو حمل المطلق على المقيد فتكون النتيجة الالتزام بطهارة فارة المسك فيما كانت من الظّبى المذكّى.

و احتمل بعض ارجاع الضمير في قوله عليه السّلام «كان» في ضمن قوله «اذا كان ذكيّا» الى المسك فيكون المراد من قوله لا بأس به اذا كان ذكيّا» انه لا بأس اذا كان المسك ذكيّا اي طاهرا و يكون المراد من طهارته الطهارة الذاتيّة لانه ان كان المراد من الطهارة العرضيّة كان الحري ان يقيّد بقيد المذكّى المسك و الفارة كليهما.

و فيه

ان المسك و ان كان له اقسام لكن ما يكون له وعاء يسمى بالفارة لم يكن على ما قالوا الّا قسما واحدا فعلى هذا كان المراد من الرواية المذكورة جواز الصلاة في الفارة ان كان مسكه ذكيّا اى طاهرا بالطهارة الذاتية فيستفاد من الرواية ان لهذا القسم قسمين قسم منه يكون ذكيا و طاهرا و قسم منه لا يكون طاهرا فلا يستفاد من الرواية طهارة الفارة مطلقا فعلى هذا الاحتمال لا بدّ من تقييد الصّحيحة، بالمكاتبة و تكون النّتيجة، طهارة الفارة فيما كان مسكها ذكيّا لا مطلقا و لا وجه لاحتمال كون المراد من الذّكىّ، الطّهارة العرضيّة للمسك، لانّه لو كان عليه السّلام في مقام بيان هذا الحيث اعني الطّهارة العرضيّة، كان المناسب أن يبيّن الطّهارة العرضيّة للفأرة أيضا و الظّاهر انّه في مقام بيان حكم نفس الفارة او المسك من حيث الطّهارة و النّجاسة ذاتا، لا عرضا، لانّها هي الّتي يسأل عنها أوّلا و بالذّات.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 68

و احتمل كون الضّمير في الفعل «اي كان» راجعا الى ما معه بمعنى لا بأس اذا كان ما معه اي الفارة التي معه ذكيّا اي طاهرا بالطهارة الذاتية.

و فيه انه على هذا لا يمكن استفادة طهارتها المطلقة بعد ضم كل من الروايتين بالاخرى و حمل مطلقها على مقيّدها لانه على هذا تكون النتيجة في المكاتبة عدم الباس في صورة كون الفارة طاهرة و اما فيما تكون نجسة فلا يستفاد من الرواية وجود قسم نجس لها.

هذا كله بناء على حمل قوله «ذكيّا» في المكاتبة على الطهارة بالطهارة الذاتية و اما بناء

على حمله على الطهارة بالطهارة العرضية فيكون المراد من المكاتبة انه لا بأس بالصلاة في الفارة اذا كانت ما معه هي الفارة التي كانت ذكية اى طاهرة بالطهارة العرضية فيستفاد طهارة الفارة مطلقا من الحيّ و الميت و المذكي و غير المذكي بالطهارة الذاتية غاية الامر حيث انها ربما يلاقى الميتة فقال احترازا عن النجاسة العرضية بانه «لا بأس به اذا كان ذكيا».

و لكن الاشكال في ظهور الرواية في هذا الاحتمال بل الظاهر هو كون السؤال من حيث الطهارة و النجاسة الذّاتية للمسك او الفاره على الاحتمالين المذكورين. ثمّ انه على تقدير كون المراد من المكاتبة، الاحتمال الاوّل فمقتضى الجمع مع الصحيحة طهارة الفارة ان كان من الظّبى المذكّى و عدم طهارتها ان كان من غير المذكّى و على الاحتمال الثانىّ تكون صحة الصّلاة في الفأرة، ان كان مسكها طاهرا، و عدمها ان لم يكن طاهرا، فلهذا لا تكون المكاتبة معارضة مع اطلاق الصحيحة من حيث طهارة الفارة لأنّ المكاتبة قيّدت جواز الصّلاة بصورة كون المسك طاهرا و اما الفارة فلم تقيّد بشي ء على هذا الاحتمال.

و على الاحتمال الثالث تكون النتيجة بعد الجمع هو طهارة الفارة في صورة و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 69

نجاستها في صورة لأنّ المكاتبة على هذا الاحتمال تدلّ على ان الصّلاة تجوز، ان كان ما معه من الفارة طاهرا بالطهارة الذّاتية فتدلّ على ان الفارة تكون لها قسما نجسا و قسما طاهرا، فيقيّد بها الصحيحة الظاهرة بانه لا بأس بها مطلقا.

و امّا على الاحتمال الثاني من الاحتمال الثالث و هو كون المراد من قوله عليه السّلام في المكاتبة اذا كان ذكيّا ما يعدّ من الفارة طاهرا

بالطهارة العرضية فتدل على طهارة الفارة مطلقا و تكون لسان المكاتبة غير معارض مع الصحيحة.

اذا عرفت الاحتمالات و آثارها، فالانصاف ان دعوى ظهور المكاتبة في احد الاحتمالات، مشكل و لهذا تكون مجملا و بعد اجمالها تبقى الصحيحة بلا معارض و لكن الاشكال يكون في ان عدم الباس فيها يكون من باب طهارة فارة المسك المحمولة في الصّلاة او من باب عدم مانعية المحمول النجس في الصّلاة فان كان الاوّل تدلّ الصحيحة على طهارة الفارة مطلقا و على الثاني فلا لامكان كون وجه عدم الباس، هو عدم الباس في المحمول المتنجس و لا يمكن استفادة طهارة الفارة مطلقا عن الصحيحة بعد وجود هذا الاحتمال.

الامر الرابع: من الامور المتمسك بها على طهارة فارة المسك

انها من جملة الاجزاء الصغار المستثناة من نجاسة الميتة.

و فيه ان هذا الوجه لو تمّ يصح ان يكون وجها لفارة المسك المنفصلة من الظبى الحي فيدعي انها جزء صغير كالثالول و الثبور و نحو هما و اما الفارة المنفصلة من الظبى الميت فليست كذلك لان كل جزء صغير كالثالول و الثبور و نحو هما من ميتة الحيوان مما تحله الحياة نجس و ان كان جزء صغيرا كما مرّ.

فتحصل مما مرّ انه لم نجد وجها يستفاد منه طهارة فارة المسك مطلقا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 70

اذا عرفت ذلك نقول ان الاقوى طهارة الفارة المنفصلة من الحي لانها جزء صغير مبان من الحيّ فحكمها حكم الاجزاء الصغار المبان من الحيّ من الحيوان في عدم النجاسة.

و لصحيحة على بن جعفر المتقدمة ذكرها بناء على عدم جواز حمل النجس في الصلاة.

و اما المبانة من الميت

فالاقوى نجاستها لعدم دليل على طهارتها فمع كونها من جملة اجزاء الميتة يحكم بنجاستها نعم ان قلنا بعدم جواز حمل النجس في الصّلاة تدل رواية على بن جعفر المتقدمة ذكرها بترك استفصال المعصوم عليه السّلام من نوع الفارة من كونها من الحيّ او الميّت على الطهارة لكل فردى الفارة الماخوذة من ظبى الحي او الميت.

لكن حيث يكون جواز حمل النجس و عدمه مورد الاشكال كما قال المؤلف رحمه اللّه نقول ان الاحوط الاجتناب عن فارة الظبي الميتة و اما فارة الظبي المذكي فلا اشكال في طهارتها لان المذكي طاهر باجزائه!

و اما لو شك في فارة انها من الحيّ او من الميّت

فهي محكوم بالطهارة و لا حاجة في هذا الحكم اعني الطهارة الى الاخذ من يد المسلم لان اصالة الطهارة تجري و ان اخذت من يد غير المسلم و ليس في البين اصل موضوعي كاصالة عدم التذكية حتى نحتاج في اثبات الطهارة الى يد المسلم و نحوها لان الشك يكون في انّها من الحي او الميّت و اما.

حكم نفس المسك من حيث الطهارة و النجاسة
اشارة

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 70

فاعلم ان له على ما حكي في التحفة و غيرها اقساما:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 71

القسم الاوّل: القسم المذكور و هو دم يجتمع في اطراف سرة الظبى

ثم يعرض للموضع حكة ليسقط بسببها الدم مع الجلدة و هذه الجلدة تسمي بالفارة.

القسم الثاني: دم يقذفه الظبي بطريق الحيض

او البواسير.

القسم الثالث: المسك الهندى

و هو دم اخضر او اشقر و هو دم الظبي المعجون مع روثه و كبده.

القسم الرابع: دم يجتمع في سرة الظبي بعد صيده

يحصل من شق موضع الفارة و تغميز اطراف السرّة حتّى يجتمع الدم فيجمد و لونه اسود.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى قد يتوّهم دلالة بعض الروايات على ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستعمل المسك و انه كان له ممسكة و هو يدل على طهارة المسك مطلقا.

و لكن لا مجال لهذا التوهم لانه لا يستفاد من هذا البعض من الروايات الّا وجود مسك طاهر يستعمله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الجملة و اما كون ما استعمله جميع اقسام المسك او قسم خاص فلا يستفاد من هذه الطائفة من الاخبار فبعد ذلك نقول بانه لم اجد فيما وقفنا على الروايات ما يدل على طهارة جميع اقسام المسك و لا على طهارة قسم خاص من اقسام المسك نعم لو كان المعلوم ان المسك المتعارف استعماله في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليهم السّلام قسما خاصا او جميع اقسامه يحمل المسك الوارد في روايات الباب على المتعارف.

كما انه لو قامت السيرة المستمرة من زمان المعصوم على استعمال بعض اقسام المسك او جميع اقسامه من المتشرعة و معاملة الطهارة معه و ترتيب اثر الطهارة يقال بطهارة ما هو المتعارف او ما عليه السيرة لكن هذا غير معلوم فلا وجه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 72

للتمسك بهذا على طهارته ثم بعد ذلك نقول في مقام بيان الحكم الواقعي للمسك بان ما يكون من اقسامه دم فيكفي في نجاسته ما دل على نجاسة الدم مطلقا فيكون نجسا و

ان كان هذا المسك بقدر رأس ابرة لان الدم نجس مطلقا و لا مجال لان يقال في صورة ابانته من الظبى الحيّ انه من اجزاء صغار مبان من الحي لان هذا لا يجري في الدم بل هو نجس و لو كان بقدر رأس ابرة.

نعم القسم الاوّل و الرابع من الاقسام المذكورة الاربعة اذا خرج من الظبي المذكي طاهر لان هذين القسمين مع كونهما دما من الدم المتخلف من الذبيحة و هو طاهر.

و كذا المبان من الفارة من الظبى الحي لما قلنا من ان الفارة المبانة من الحي طاهر و كذلك ما فيها من الدم بالطهارة الذاتية و العرضية.

و اما من الاقسام فيما لم يكن دما اصلا كما احتمل ان المسك الواقع في الفارة او ما يكون في السّرة اعني القسم الاوّل و الرابع لا يكونان دمين راسا طاهر بالطهارة الذاتية و العرضية.

و ما كان دما و استحيل الى المسك فهو طاهر بالطهارة الذاتية و العرضية الّا اذا اخرجت من الميت من الظبى فهو ينجس بالنجاسة العرضية اما لملازمته مع الفارة الخارجة من الميّت.

و اما لابانته من بدن الميت و يقبل التطهير كسائر المتنجسات هذا كله بحسب الحكم الواقعي و اما حكمه بحسب الحكم الظاهري فنقول انه لو شك في انه دم أم لا او شك في انه من القسم الذي يكون دما او من القسم الّذي لا يكون دما او مشكوك كونه دما فيحكم بطهارته لاصالة الطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 73

و اما لو علم انه دم و شك في استحالته و عدمه

فيستصحب كونه دما و يحكم بنجاسته و لو شك في انه مع كونه دما من المذكي من الظبي او من الميتة يحكم بطهارته هذا كله في الحكم الظاهرى للمسك

و من هذا ظهر لك انه في صورة الشك في كون المسك او الفارة طاهرين او نجسين يحكم بطهارتهما لانه بعد كونهما قسمين قسم منهما طاهرا و قسم منها نجسا ففي مقام الشك في ان الخارج اىّ منهما يحكم بطهارته لاصالة الطهارة و ليس هنا اصل موضوعى يقتضي النجاسة حتّى نحتاج الى اليد و غيرها لاثبات الطهارة.

فما قال المؤلف رحمه اللّه بانه لو اخذ من يد المسلم يحكم بطهارتها و لو لم يعلم انها مبانة من الحي.

ان كان نظره الشريف الانحصار في الحكم بالطهارة بصورة الاخذ من يد المسلم ليس بتمام لما قلناه.

***

[مسئلة 3: ميتة ما لا نفس له]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: ميتة ما لا نفس له طاهرة كالوزغ و العقرب و الخنفساء و السمك و كذا الحية و التّمساح و ان قيل بكونهما ذا نفس لعدم معلومية ذلك مع انه اذا كان بعض الحيّات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك.

(1)

اقول: اما بحسب الفتوى فقد حكي الاجماع عليه و امّا بحسب النّص فيدل عليه بعض الروايات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 74

منها ما رواها عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النّملة و اما اشبه ذلك يموت في البئر و الزّيت و السّمن و شبهه قال كل ما ليس له دم فلا بأس». «1»

منها ما رواها حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عن ابيه عليهما السّلام، «قال لا يفسد الماء الّا ما كانت له نفس سائلة.» «2»

منها ما رواها ابن مسكان قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام كل شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و اشباه ذلك فلا

بأس». «3»

منها ما رواها محمّد بن يحيى رفعه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال: لا يفسد الماء الّا ما كانت له نفس سائلة.» «4»

منها ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده على بن جعفر عليه السّلام، «انه سأل اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام، عن العقرب و الخنفساء و أشباههما تموت في الجرة او الدّن يتوضأ منه للصلاة قال لا بأس.» «5»

فنقول بانّه مع التصريح في بعض هذه الروايات بعدم الباس عن ميتة العقرب و الخنفساء فلا يوجب ما ورد من الامر بإراقة الماء و الوضوء من غير هذا الماء الواقع فيه العقرب في ما رواها سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن جرة دخل فيها خنفساء فقد مات قال القه و توضأ منه و ان كان عقربا فأرق الماء و توضأ من ماء غيره الحديث» «6».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 6 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(6) الرواية 4 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 75

لرفع اليد مما صرح فيه من الروايات بعدم الباس بميتة العقرب لانه بعد تسليم حجية هذه الرواية لا بد من الجمع بينها و بين ما هو صريح بعدم الباس من الروايات المتقدمة بحمل الامر فبهذه الرواية على الاستحباب فلا اشكال في طهارة ميتة ما لا نفس له من

الحيوانات نصّا و فتوى.

و اما ما عن بعض «1» المحشين من دعوى التعارض بين مفهوم كل ما ليس له دم لا بأس به و بين منطوق لا يفسد الماء الا كل ما يكون له نفس سائلة ثم اتعب نفسه في انه بعد كون تعارضهما تعارض العامين من وجه يقدم العام الثاني على العام الاول لان ظهور المنطوق اقوى من المفهوم ففي مادة الاجتماع يقدم العام الثاني على العام الاولى.

ففيه انه لا تعارض اصلا بينهما لانه ليس للعام الاوّل مفهوم اصلا لعدم كونه من القضايا التي لها المفهوم و اما في خصوص الحيّة و التمساح فيكفي في الحكم بطهارة الميّت منهما نفس الشك في كونهما ذات نفس سائلة لما يأتي الكلام في ذلك في المسألة الآتية إن شاء اللّه ...

***

[مسئلة 4: اذا شك في شي ء انه من اجزاء الحيوان أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا شك في شي ء انه من اجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة و كذا اذا علم انه من الحيوان لكن شك في انه ممّا له دم سائل أم لا.

(1)

اقول: لأنّه بعد عدم كون العموم بلسانه متكفّلا لبيان ما هو فرد موضوعه بل

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 303.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 76

لا بدّ ان يكشف ذلك من الخارج فلو شككنا ان هذا المشكوك فرد للعام أو لا فلا يمكن جعله فردا للعموم باصالة العموم ففي صورة الشك في كون شي ء فردا للعموم أم لا، لا يمكن اسراء حكم العام به و بعد عدم وجود دليل لفظي من اطلاق او عموم يرجع إليه يكون المرجع الأصل العملي و هو اصالة الطهارة فيحكم بطهارة المشكوك.

و كذلك الامر في الفرض الثاني المذكور في المسألة لانه من جملة الشبهات المصداقية

و الحق فيها كما بينا في محله عدم جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية و المرجع فيها الاصل العملي و هو في المقام يكون اصالة الطهارة.

***

[مسئلة 5: المراد من الميتة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: المراد من الميتة اعم ممّا مات حتف انفه او قتل او ذبح على غير الوجه الشرعي.

(1)

اقول: لا ثمرة في البحث عن موضوع الميتة و انها هل هي ما مات حتف انفه فقط او هي اعم من ذلك و ما قتل او ذبح على غير الوجه الشرعي لان كلما كان موضوعه لا اشكال في ان الميتة التي تكون موضوع البحث في النجاسات اعم من الذي مات حتف انفه او قتل او ذبح على غير الوجه الشرعي اجماعا و نصّا.

اما اجماعا فلان هذا مراد كل من قال بنجاسة الميتة من فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم و اما نصا يظهر للمراجع في اخبار الباب من دلالة بعض الروايات على ذلك.

منها ما رواها قاسم الصيقل «قال كتبت الى الرضا عليه السّلام اني اعمل اغماد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 77

السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابى فاصلي فيها كتب عليه السّلام إليّ اتخذ ثوبا لصلاتك فكتبت الى ابى جعفر الثاني عليه السّلام اني كتبت الى ابيك عليه السّلام بكذا و كذا فصعب ذلك على فصرت اعملها من جلود حمر الوحشية الذكية فكتب عليه السّلام إليّ كل اعمال البر بالصبر يرحمك اللّه فان كان ما تعمل وحشيا ذكيّا فلا بأس». «1»

و منها ما رواها سماعة «قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال اذا رميت و سمّيت فانتفع بها و اما الميّتة فلا» «2» و غير ذلك لا حاجة الى ذكره.

***

[مسئلة 6: ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم و الشحم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم و الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة و ان لم يعلم تذكيته و كذا ما يوجد في ارض المسلمين مطروحا اذا

كان عليه اثر الاستعمال لكن الاحوط الاجتناب.

(1)

اقول: بعد ما يكون الاصل فيما شك في كون الجلد او اللحم او الشحم او غيرها من اجزاء الحيوان يكون من المذكي او غير المذكي هو اصالة عدم التذكية لانها هي الاصل الموضوعي الحاكم على اصالة الطهارة و قد مرّ الكلام في ذلك في الاصول و كذا بينا الكلام فيه في لباس المصلى.

نقول بانّه يقع الكلام هنا في انه هل يوجد فيما بايدينا من النصوص و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 49 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 49 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 78

الروايات مورد او ازيد يوجب رفع اليد عن هذا الاصل أو لا.

فنقول لا اشكال في الجملة بان مقتضي بعض الروايات مع اختلاف لسانها يدل في الجملة على خلاف ما يقتضيه هذا الاصل الاولى و هذه الاخبار باعتبار اختلاف لسانها على طوائف:

ا

لطائفة الاولى: ما يدل على محكومية المشكوك تذكية بالطهارة الّا اذا علم عدم التذكية.

الاولى: منها ما رواها على بن حمزة «ان رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلي فيه قال نعم فقال الرجل ان فيه الكيمخت قال و ما الكيمخت قال جلود دوابّ منه ما يكون ذكيّا و منه ما يكون ميّتة قال ما علمت انه ميتة فلا تصل فيه». «1»

الثانية: منها ما رواها السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «ان امير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين فقال امير المؤمنين عليه السّلام يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فاذا جاء صاحبها غرموا، له الثمن

قيل له يا امير المؤمنين عليه السّلام لا يدري سفرة مسلم او سفرة مجوسي فقال هم في سعة حتى يعلموا «2».»

الثالثة: منها ما رواها سماعة بن مهران «انه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تقليد السيف في الصّلاة و فيه الفراء و الكيمخت فقال: لا بأس ما لم تعلم انه ميتة» «3».

الطائفة الثانية بعض الاخبار الذي يكون لسانه كون المشكوك تذكية محكوما بالنجاسة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 12 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 79

الّا اذا علم تذكيته.

مثل موثقة المعروفة عن ابن بكير «قال سئل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال «يا زرارة فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في و بره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز اذا علمت انه ذكيّ و قد ذكّاه الذبح و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله و حرم عليك اكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكاه الذبح او لم يذكه.» «1»

و الانصاف ان هذه الرواية تكون في مقام بيان الحكم الواقعي للمأكول لحمه و لغيره لا في مقام حكم الشك و بيان الحكم الظاهري و قوله عليه السّلام اذا علمت انه ذكي يكون العلم طريقيا الى الواقع و ليس العلم موضوعيا حتى تكون صورة الشك واقعا محكومة بعدم التذكية و محكومة بالنجاسة.

فما قاله بعض «2» المحشين من ان الرواية تدل على المنع مطلقا حتى يعلم انه مذكي لا وجه له.

و ما رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال تكره الصّلاة في الفراء الّا

ما صنع في ارض الحجاز او ما علمت منه ذكاة» «3» بناء على حمل الكراهة على معناها اللغوي فيكون عدم كراهته لما صنع في الحجاز لأجل معلوميّة التّذكية، فيستفاد منها نجاسة المشكوك الّا ما علم ذكوته.

الطائفة الثالثة: بعض الاخبار الدالة بظاهره على محكوميّة المشكوك بالطّهارة

اذا أخذ من سوق المسلمين او أخذ في ارض الاسلام.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(2) المستمسك، ج 1، ص 306.

(3) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 80

الاولى: ما رواها عمر بن اذينة عن فضيل و زرارة و محمد بن مسلم «انهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الاسواق و لا يدري ما صنع القصابون فقال كل اذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه.» «1»

الثانية: ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر عن الرضا عليه السّلام «قال سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدري أ ذّكي هو أم لا ما تقول في الصّلاة فيه و هو لا يدري أ يصلي فيه قال نعم انا اشترى الخفّ من السوق و يصنع لى و أصلّي فيه و ليس عليك المسألة» «2» و الظاهر ان السوق الذي يشتري منه عليه السّلام هو سوق المسلمين.

الثالثة و الرابعة و الخامسة: و هي الرواية 2 و 3 و 9 من الباب المذكور فيه الرواية الثانية بناء على حمل السوق فيها على كون خصوصية له كما لا يبعد ذلك فهذه الروايات تدل على ان الماخوذ من السوق محكوم بالطهارة و المراد من السوق سوق المسلمين بقرينة التصريح في بعض الروايات و انصراف بعضها الآخر بسوق المسلمين.

السادسة: ما رواها إسحاق

بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام «انه قال لا بأس بالصلاة في فراء اليماني و فيما صنع في ارض الاسلام قلت فان كان فيها غير اهل الاسلام قال اذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «3»

تدل الرواية على ان الماخوذ ان كان من الفراء اليماني او ما صنع في ارض الاسلام فلا بأس بالصلاة فيه و حيث ان منشأ الاشكال يكون حيثيّة نجاسته من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب الذبايح من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 81

باب كونه من الميتة فنفهم من جواز الصّلاة عدم نجاسته.

و هل المراد من الغالب في قوله عليه السّلام «اذا كان لغالب عليها المسلمين فلا بأس» هو الغالب بحسب الافراد كما قال الشهيد الثاني رحمه اللّه او المراد الغلبة بحسب السلطة و الاقتدار كما قال سيدنا الاعظم آية اللّه المعظم البروجردي رحمه اللّه لا يبعد كون المراد هو الثانى.

السابعة: ما رواها إسماعيل بن عيسى «قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من اسواق الجبل أ يسأل عن ذكاته اذا كان البائع مسلما غير عارف قال عليكم انتم ان تسألوا عنه اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و اذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه» «1».

و هل المراد من السؤال السؤال اذا كان البائع مشركا و عدم السؤال اذا كان البائع، من اهل الصّلاة و يصلي فيه كما كان مختار سيدنا الاعظم رحمه اللّه الشريف او كان المراد انه اذا كان الفراء مما يتداول بيعه في السوق عن

المشركين و انه في هذه الصورة تسأل عن البائع المسلم الغير العارف و الّا فلا تسأل فعلى هذا الاحتمال انّ البائع في كلتا الصورتين هو المسلم لكن تارة يتداول ان يبيعه المشركون و تارة لا يتداول، ذلك فالسؤال في الصورة الاولى لا الثانية و هذا ما خطر ببالى و قلت بخضرته في مجلس بحثه اعلى اللّه مقامه و الشاهد على ذلك ان الراوي فرض اشترائه من المسلم الغير العارف و مع هذا قال عليه السّلام عليكم ان تسألوا اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و اذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه فلا تعرض الرواية صورة الاشتراء، عن المشرك اصلا.

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 82

هذا بعض ما دل بظاهره على محكومية المشكوك بالطهارة لاجل اخذه من سوق المسلمين او ارض المسلمين.

و هل المستفاد من هذه الطائفة ان الحكم بالتذكية و الطهارة كان من باب كون سوق المسلمين او ارض الاسلام او غلبة المسلمين او يد المسلم أمارة على التذكية فلاجل هذا صار محكوما بالتذكية او يكون المستفاد انه مع اخذه من السوق و يد المسلم يكون محكوما بالتذكية و الطهارة تعبّدا و بعبارة اخرى على الاوّل الشرط التذكية و لكن السوق و ارض الاسلام أمارة عليها و على الثاني هو حكم ظاهري في صورة الشك سواء كان أمارة على الواقع أو لا.

قد يقال بالاوّل فان الظاهر منها كون ذلك أمارة على التذكية.

و فيه انّه مع ما نرى من ان المراد من السوق هو سوق المسلمين سواء كان من الشيعة او غير هم بل في بعض الروايات التصريح باخذه من المسلم الغير العارف

مع انه من المسلّم عدم وجود سوق خاص للشيعة في زمان صدور الروايات اصلا و بعد كون المراد من السوق مطلق سوق المسلمين سواء كان من العارفين بالحق او غير العارفين مع اختلاف غيرنا من بعض طوائف المسلمين معنا في بعض شرائط التذكية.

و مع انّهم يبيعون ذبيحة اهل الكتاب و يحكمون بتذكيته: و مع انهم يقولون بقابلية جلد الميتة للذكاة و يقولون بان دباغه ذكاته.

فكيف يكون حكم الامام عليه السّلام بالتذكية و الطهارة اذا اخذ من سوق المسلمين او يدهم او ارضهم أمارة على التذكية المعتبرة عندنا و لاجل هذا لا يمكن الالتزام بكون اعتبار سوق المسلمين او يدهم او ارض الاسلام من باب كونه أمارة على التذكية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 83

اذا عرفت ذلك نقول ان في المسألة بعض الاخبار ربما يقال او يدعي معارضته مع الطائفة الثالثة المذكورة.

منها ما رواها محمد بن الحسين «الحسن» الاشعرى «قال كتب بعض اصحابنا الى ابى جعفر الثاني عليه السّلام ما تقول في الفرو يشتري من السوق فقال اذا كان مضمونا فلا بأس» «1» وجه التعارض هو ان مفاد الطائفة السابقة من الاخبار محكومية المشكوك بالتذكية اذا اخذ من سوق المسلمين او يد المسلم او ارض الاسلام مطلقا و هذه الرواية تدل على محكوميته بالتذكية اذا كان مضمونا و ان اخذ من سوق المسلمين او يد المسلم او ارض المسلمين او يد المسلم او من ارض الاسلام و يمكن ان يقال بان هذه الرواية تكون ضعيفة السند لمجهولية بعض الاصحاب الذي روي عنه محمّد و انه كان من الثقات او لا.

و دعوى ان تعبير محمد الراوي عن الذي كتب بعنوان بعض الاصحاب شاهد على

وثاقة هذا البعض عند محمد و هو يكفي في وثاقته.

يكون دعوى بلا دليل لان مجرد كون الشخص من جملة الاصحاب غير كاف في وثاقة الشّخص لإمكان كونه من الاصحاب و لم يكن ثقة كما ترى نظائره.

و منها ما رواها ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الفراء فقال كان على بن الحسين عليه السّلام رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجار لان دباغه بالقرظ فكان يبعث الى العراق فيؤتي مما قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصّلاة القاه و القي القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان اهل العراق يستحلون لباس

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 50 من ابواب النجاسات و ذكره أيضا باب 61 من ابواب لباس المصلى ح 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 84

جلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكاته» «1».

و منها ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اني ادخل سوق المسلمين، اعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام فاشتري منهم القراء للتجارة فاقول لصاحبها أ ليس هي ذكيّة فيقول بلى فهل يصلح لي ان ابيعها على انها ذكية فقال لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول قد شرط لى الذي اشتريتها منه انها ذكيّة قلت و ما افسد ذلك قال استحلال اهل العراق للميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك الا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.» «2»

وجه التعارض ان مفاد الطائفة السابقة من الروايات هو محكومية المشكوك تذكيته بالتذكية اذا كان في سوق المسلمين او ارض الاسلام اذا كان الغالب عليها المسلمين

او يد المسلم فيما يصلي فيه و الحال ان مفاد هذه الطائفة الاخيرة عدم اعتبار سوق المسلمين و غيره معلّلا باستحلال بعض المسلمين الميتة هذا كله في بيان حال الروايات من حيث الاختلاف في المضمون فنقول اما الطائفة الاخيرة من الاخبار مضافا الى كونها ضعيفة السند يمكن ان يقال فيها:

أولا بان الرواية الاولى من هذه الطائفة الاخيرة و هي المكاتبة الدالة على اعتبار السوق و محكومية المشكوك بالتذكية فيما كان مضمونا تكون مجملا لعدم معلومية المراد من كونه مضمونا و اجمال مفهومه.

و ثانيا بناء على كون المضمون اي المتعهد يكون المراد انه اذا تعهد البائع و ذو اليد على تذكيته يحكم بالتذكية يمكن ان يقال بان السوق فيها ان كان أعمّ من سوق

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 85

المسلمين و غيره نقول. نقيدها بقرينة ما دل على اعتبار سوق المسلمين بلا اشتراطه بالتعهد بغير سوق المسلمين و بصورة يبيع المشركون المشكوك فتكون النتيجة اعتبار التعهد في غير سوق المسلمين فمع التصريح فيما دل على اعتبار السوق من غير تعهد كما هو مفاد الطائفة الثالثة من الروايات يحمل التعهد على الاستحباب هذا بالنسبة الى الرواية الاولى.

و اما بالنسبة الى الروايتين الاخيرتين فنقول بعد عدم امكان حمل ما يدلّ على المحكومية بالتذكية في سوق المسلم و يده و ارضه على خصوص سوق الشيعة و ارضه و يده لعدم سوق، لهم خصوصا السوق الذي كان يشتري منه المعصوم عليه السّلام فمع دلالة هذه الطائفة على اعتبار السوق فلا بد فرض حمل ما دل

على ان الامام زين العابدين عليه السّلام ينزع الفراء المشتري من العراق و النهي عن القول بانه مذكي كما في الرواية الاخيرة اى رواية عبد الرحمن بن الحجاج على الكراهة. و يحتمل فبهذه الرواية اى الاخيرة احتمالا آخرا و هو ان الطائفة الثالثة من الروايات تدل على محكومية المشكوك بالتذكية اذا كان في سوق المسلمين او ارض الاسلام او يد المسلم و لكن مع هذا لا يستفاد منها انه يصحّ ان يخبر من يشتري عن السوق بانه مذكي اخبارا عن الواقع بل ان يقول ان المشكوك محكوم بالتذكية و رواية عبد الرحمن يكون مفادها عدم صحة الاخبار بالتذكية و هذا لا ينافي مع الطائفة الثالثة لان المحكومية بالتذكية لا توجب صحة الاخبار بالتذكية فتأمّل.

فتلخص ان الطائفة الاخيرة مع ضعف سندها يمكن جمعها مع الطائفة الثالثة و لا تنافي و لا تعارض بينهما فاقهم.

و اما الكلام فى تعارض الطائفة الثالثة مع الطائفة الاولى فنقول، بانه بعد كون لسان الطائفة الثالثة محكوميه المشكوك تذكيته بالتذكية اذا كان فى سوق المسلمين او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 86

يد المسلم او ارض المسلمين و يكون لسان الطائفة الاولى محكومية المشكوك بالتذكية مطلقا الى ان يعلم كونه ميته فيقيد اطلاق الطائفة الاولى بالطائفة الثالثة فتكون النتيجة محكوميه المشكوك تذكيته بالتذكية فى خصوص ما اخذ من يد المسلم او سوق المسلم او ارضهم.

و كذا تقيد بهذه الطائفة اعنى الطائفة الثالثة الطائفة الثانية من الاخبار المتقدّمة ذكرها لان لسان الطائفة الثانية محكوميه المشكوك تذكيته بعدم التذكية الا اذا علم تذكيه و بعد التقييد تكون النتيجة محكوميه المشكوك بعدم التذكية الا اذا علم تذكيته او اخذ من يد المسلم

اذا يعامل هذا البائع المسلم مع الماخوذ منه معامله المذكى:

او سوق المسلمين او ارض المسلمين اذا كان الغالب عليه المسلمين.

فنلخص ان المشكوك تذكيته يكون محكوما بعدم التذكية الّا اذا علم تذكيته او اخذ من سوق المسلمين او يد المسلم في خصوص صورة يعامل المسلم الماخوذ منه مع المشكوك معاملة المذكي و هذا يعرف اما بالسؤال منه او معاملته معه معاملة المذكي مثل انه يصلي فيه او ارض المسلمين اذا كان الغالب عليها المسلمين.

***

[مسئلة 7: ما يؤخذ من يد الكافر او يوجد في ارضهم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: ما يؤخذ من يد الكافر او يوجد في ارضهم محكوم بالنجاسة الّا اذا علم سبق يد المسلم عليه.

(1)

اقول: وجه ذلك كون المورد مورد جريان اصالة عدم التذكية مع فرض كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 87

الشك في ان الماخوذ من يد الكافر من الحيوان من جلده او لحمه او شحمه او غيرها هل يكون مذكي حتى يكون طاهرا او غير مذكي حتى يكون نجسا و ليس في البين ما يقتضي الخروج عن هذا الاصل.

نعم مع السؤال عن الكافر و اخباره بتذكية ما في يده و انه يحكم بتذكية ما في يده او لا يحكم به كلام آخر و هذا غير الصورة التي عنونه المؤلف «رحمه اللّه» في هذه المسألة و اما مع العلم لسبق يد المسلم عليه فمحكوم بالتذكية لما عرفت من ان المأخوذ من يده محكوم بالتذكية بالشرط الذي قلنا و قد مضى الكلام فيه في المسألة السابعة.

***

[مسئلة 8: جلد الميتة لا يطهر بالدبغ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: جلد الميتة لا يطهر بالدبغ و لا يقبل الطهارة شي ء من الميتات سوي ميت المسلم فانه يطهر بالغسل.

(1)

اقول: اما عدم طهارة الميتة بالدبغ فلا اشكال فيه فتوى و لا يذكر مخالف فيه من الفقهاء الّا ما حكي عن ابن الجنيد، و اما بحسب النص فيكفي في عدم طهارة الميتة بالدبغ اطلاق رواية جابر عن ابى جعفر عليه السّلام «قال اتاه رجل فقال وقعت فارة في خابية فيها سمن او زيت فما ترى في اكله قال فقال له ابو جعفر عليه السّلام لا تاكله فقال له الرجل الفأرة اهون عليّ من ان اترك طعامي من اجلها قال فقال له ابو جعفر عليه السّلام انّك

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 88

لم تستخفّ، بالفارة و انّما استخففت بدينك ان اللّه حرّم الميتة من كل شي ء» «1» لان قوله عليه السّلام في الرواية «ان اللّه حرّم الميتة» يشمل حرمته حتى بعد الدبغ.

مضافا الى التصريح في بعض الروايات بذلك مثل ما مضى عليك رواية «2» ابي بصير و عبد الرحمن «3» بن الحجاج حيث بيّن وجه نزع على بن الحسين عليه السّلام فراءه المشتري من العراق في الاولى و وجه عدم جواز ان يقال ان ما يبيعه مذكي في الثانية استحلال مخالفينا للميتة و زعمهم ان دباغ جلدها ذكاته.

و لكنهما كما بيّنا ضعيفة السند.

نعم هنا رواية اخرى و هي ما رواها محمد بن مسلم «قال سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصّلاة اذا دبغ قال لا و ان دبغ سبعين مرة» «4» و اضمارها لا يضر لان محمد بن مسلم لا يروي الّا عن المعصوم عليه السّلام مضافا الى ان الحديث ان كان مضمرا بنقل التهذيب كما رايت فهو مسند بنقل الصدوق لان الصدوق على ما في الوسائل روا باسناده عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام مثله فيكون دليلا على الحكم.

اما طهارة بدن ميت الانسان فيدل عليها بعض الروايات مثل ما رواها ابراهيم بن ميمون «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال ان كان غسل الميت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني اذا برد الميّت.» «5»

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)

الرواية 4 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 89

[مسئلة 9: السقط قبل ولوج الروح نجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: السقط قبل ولوج الروح نجس و كذا الفرخ في البيض

(1)

اقول: يستدلّ على نجاسة السقط قبل ولوج الروح فيه بامور:

الامر الاول: انه جزء مبان من الحيّ مما تحلّه الحياة

فيشمله ما دل على نجاسة الجزء المبان من الحيّ مما تحلّه الحياة و فيه ان السقط ليس جزء من الحامل بل هو كالبيض شي ء خارج يتكوّن فيه و لو كانت نجاسته من هذا الباب كان اللازم ان يقال بوجوب غسله اذا كان له العظم و الحال انه لا يجوز الغسل في السقط قبل ولوج الروح فيه بل يلفّ في خرفة و يدفن.

الامر الثاني: ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان «ذكاة الجنين ذكاة أمه»

بدعوى دلالته على ان الجنين منه المذكي و هو ما ذكي بتذكية أمّه و منه الميتة شرعا و هو ما عداه لانّ الميتة عبارة عن غير المذكي.

و قيل «1» اشكالا عليه ان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم على ما روي ذكاة الجنين ذكاة أمه» لا اطلاق له في موضوع الذكاة لوروده في مقام بيان الاكتفاء بذكوة الام في تحقق ذكاة الجنين فيمكن اختصاصه بما ولج فيه الروح و يكون نظره الى ان الخبر حيث يكون في مقام بيان الاكتفاء بتذكية اللام عن تذكية الجنين لا اطلاق له من حيث اصل موضوع الذكاة حتى يقال مقتضي اطلاقه كونه ميتة مطلقا في غير صورة تذكيته بتذكية الام و بعد عدم اطلاقه من هذه الجهة يمكن حمله على صورة ولوج الروح في الجنين فاذا ذكي بتذكية الام فهو مذكي و الّا فميّت و على هذا يكون الخبر غير

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 315.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 90

مربوط بصورة عدم ولوج الروح.

و يرد على ما قيل من الاشكال أولا ان ما قيل من عدم اطلاق للرواية لا وجه له ان كان المدرك في ذكاة الجنين ذكاة أمه هذا النبوي لانه بعد عدم تقييد الكلام و ورود الحكم على

طبيعة الجنين بدون تقييده بصورة ولوج الروح نفهم كون الحكم مطلقا كما نقول به في مقام اخذ الاطلاق.

و ثانيا يظهر للمراجع فى هذه المسألة اعني مسئلة ذكاة الجنين ذكاة أمه ان الروايات الواردة في طرقنا غير النبوي علّق هذا الحكم في بعضها بما اذا تمّت خلقة الجنين و في بعضها بما اشعر و أوبر.

و مورد المسلّم من الحكم بحسب الفتوى صورة قبل ولوج الروح فيها تمّت خلقته او اشعر او اوبر و فيما بعد ولوج الروح فيه يكون الحكم مورد الخلاف فبعض يقولون بان ذكاة الجنين ذكاة أمّه اذا تمّت خلقته او اشعر و أوبر فيما لم يلج فيه الروح و بعضهم يعمّ الحكم حتى فيما بعد ولوج الروح و الغرض ان مورد المسلّم قبل ولوج الروح.

فحمل الخبر على طبيعة ما بعد ولوج الروح كما قال هذا القائل لا وجه له.

فالحق في الجواب هو ان يقال ان النبوي المذكور و ان كان مطلقا لكن بعد ورود روايات اخرى عن اهل البيت المعصومين عليهم السّلام على اختصاص الحكم بما اذا تمّت خلقته او اشعر و اوبر و مفهومها عدم كون هذا الحكم في غير هذه الصورة فاذا ضمّ الاخبار بعضها ببعض تكون النتيجة كون تذكية الجنين بتذكية أمّه اذا تمّت خلقته او اشعر و اوبر فاذا كان تذكيته في هذا الزمان بهذا نقول يكون الجنين في هذا الزمان اذا سقط او اخرج بغير تذكية أمّه ميتة لان مقابل المذكّي يكون الميتة و اما كونه ميتة حتّى في غير صورة تمامية خلقته و في غير صورة ما اشعر و اوبر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 91

فلا يستفاد من الاخبار لعدم تعرض الاخبار له.

و

بعبارة اخرى يكون الدليل اخص من المدعي لان غاية ما يستفاد من الدليل كون غير ما ذكي بتذكية الأم حال تمام خلقته او ما اشعر و اوبر ميتة نجسة و اما مطلق الجنين حتى قبل هذا الحال فلا يدل على كونه ميتة.

الثالث اطلاق الميتة على السقط من الجنين عرفا، و استشكل عليه أوّلا بعدم صدق الميتة الّا على ما يعرضه الحياة ثم يزول عنه لا على ما تلجه الحياة فيما بعد كما فيما نحن فيه.

و ثانيا على فرض صدق الميتة عليه و لكن لا اطلاق لادلة نجاسة الميتة يشمل كل ميتة حتى السقط و يردّ كلّ من الاشكالين.

اما الاوّل فبان الميتة عبارة عما ليس له الحياة سواء كانت له الحياة ثم زالت عنه او ما لا تدرك الحياة بعد كما تري اطلاقه على كلتا الصورتين.

و اما الثاني ففيه انه بعد كون السقط مصداقا من مصاديق الميتة فما بينّا من الرواية الدالة على نجاسة الميتة بنحو العموم و هي قوله عليه السّلام ان اللّه حرّم الميتة من كل شي ء يشمل السقط و بهذا الوجه يمكن ان يقال بنجاسة الفرخ في البيض هذا.

و لكن مع هذا شمول الميتة لما لا يلج فيه الروح مشكل و لهذا نقول الاحوط الاجتناب عن السقط قبل ولوج الروح فيه و كذا عن الفرخ في البيض لدعوى الاتّفاق على نجاسته.

***

[مسئلة 10: ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 92

النجاسة على الاقوى و ان كان الاحوط غسل الملاقي خصوصا في ميتة الانسان قبل الغسل.

(1)

اقول: ما اختاره المؤلف رحمه اللّه هو قول المشهور و نقل الخلاف عن بعض.

و منشأ توهم نجاسة الملاقي «بالكسر»

مع ملاقي النجس بلا رطوبة مسرية في واحد من الملاقي «بالكسر» و الملاقي «بالفتح» ليس الّا الجمود على ظاهر بعض الاخبار الدالة على نجاسة الميتة الآمرة بالغسل عنها مع عدم اشتراط السراية فيه مثل قوله عليه السّلام «في الامام الذي حدثت له حادثة بانه «ليس على من مسّه الّا غسل اليد» «1».

و ترك الاستفصال عن كون ملاقات من مسّه مع الرطوبة المسرية في الملاقي او الملاقي او كليهما او عدم وجود الرطوبة المسرية في كليهما يدل على تعميم الحكم اي وجوب الغسل في كل من هذه الصور حتى في صورة لا تكون رطوبة مسرية في كل من الملاقى «بالكسر» و الملاقى «بالفتح» و غير ذلك من الاخبار.

و لكن الأقوى عدم تنجس ملاقي ميتة بدون رطوبة مسرية في الملاقي «بالكسر» او الملاقى «بالفتح» او في كليهما امّا أولا فلانه بعد ما تري ان العرف لا يفهم من تنجّس شي ء بملاقات واحدة من الاعيان النجسة الا تسرية قذارة النجس به و كسب الملاقي القذارة من النجس و لهذا اذا قيل له ينجس الملاقى مثلا مع ملاقاته للدم لا يأتي بنظره الّا صورة استقذار الشي ء الملاقي للدّم به و هو صورة وجود الرطوبة المسرية في كلّ من المتلاقيين او احد هما و مع هذا الارتكاز العرفي

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب غسل المس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 93

اذا ورد دليل على وجوب الغسل لما اصاب واحدة من النجاسات و كان الدليل مطلقا من حيث كون الرطوبة في المتلاقيين او احدهما رطوبة مسرية لارتكاز العرفي على ذلك و انصراف ذهن العرف يوجب الانصراف.

و ثانيا ان قوله عليه السّلام في موثقة

ابن بكير و هي هذه يروي عبد اللّه بن بكير «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال كل شي ء يابس ذكي» «1».

و هذه الرواية و ان كان صدرها مجملة من حيث ان السؤال هل كان عن طهارة موضع البول بالمسح او كان السؤال عن سراية نجاسة موضع البول الى ما يلاقيه من ثوبه او غيره و لكن ذيلها يدلّ على عدم موجبيّة ملاقات النجاسة مع عدم السراية لنجاسة ملاقيه لدلالتها على عدم تنجيس موضع البول ما يلاقيه لانه يابس و اليابس ذكي.

ان قلت ان النسبة بين هذه الموثقة و بين ما دلّ على نجاسة الميتة و تنجيس ما يلاقيها تكون عموما من وجه لانها تدل على ان كل يابس زكي سواء لاقي النجس بلا سراية أو لا و ما دل على الامر بغسل ملاقي الميتة يدل على ذلك سواء كان الملاقات مع الرطوبة او بلا رطوبة مسرية ففى مورد ملاقات الميتة مع شي ء بلا رطوبة مسرية يقع بينهما التعارض لان مقتضي الموثقة عدم النجاسة و مقتضي ما دل على وجوب غسل ملاقي الميتة هو نجاسة ما يلاقيها فما وجه تقديمك الموثقة على ما يعارضها.

اقول: امّا أولا يمكن ان يقال ان لسان كل يابس زكيّ هو الحكومة و شرح

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الخلوة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 94

كيفية تنجيس النجاسات و بعد وضعها فى مقابل ادلة تنجيس ملاقي النجاسات يفهم عدم تنجيس ملاقيها مع اليبوسة و عدم الرطوبة المسرية.

و ثانيا لو ابيت عن ذلك و كما قلت بين الدليلين عموما من وجه و لم

نقل بان شمول الموثقة لمادة الاجتماع يكون اظهر فلا اقلّ من وقوع التعارض بين الدليلين.

لعدم اظهرية الطائفة المعارضة مع الموثقة في مادة الاجتماع و بعد التعارض بين الدليلين و عدم وجود المرجح في احدهما و تساقطهما بالتعارض و عدم امكان الاخذ في مادة الاجتماع باحد الدليلين و تصل النوبة بالاصل و هو في المقام اصالة الطهارة فتكون النتيجة عدم نجاسة ملاقي النجس من الميتة او غيرها بالنجس مع عدم وجود الرطوبة المسرية في كليهما او احدهما و لكن الاحتياط حسن.

***

[مسئلة 11: يشترط في نجاسة الميتة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده فلو مات بعض الجسد و لم تخرج الروح من تمامه لم ينجس.

(1)

اقول: وجهه واضح لان موضوع الحكم في نجاسة الميتة هو البدن باعتبار قطع ارتباط الروح فيقال للبدن حيّ باعتبار ارتباط الروح معه و يقال ميّت باعتبار قطع هذا الارتباط مع الروح و اجزاء البدن تتصف بانها ميتة باعتبار انها جزء البدن بعين اتصاف البدن لا باعتبار مستقل و قد عرفت ان جزء الميت يقال بنجاسته باعتبار انه جزء الميت لا باعتبار مستقل آخر و لهذا في الجزء المبان من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 95

الحيّ لو قلنا بنجاسته كان من باب الدليل لا من باب انه ميتة عرفا و على هذا ما لم يخرج الروح عن جميع البدن لا يكون الجسد ميّتا.

***

[مسئلة 12: مجرد خروج الروح يوجب النجاسة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: مجرد خروج الروح يوجب النجاسة و ان كان قبل البرد من غير فرق بين الانسان و غيره نعم وجوب غسل المس للميّت الانسانى مخصوص بما بعد برده.

(1)

اقول: وقع الخلاف في ان مجرد خروج الروح يوجب النجاسة و ان كان قبل البرد بعد ما لا اشكال في ان غسل مسّ الميّت من الانسان مخصوص بما بعد برده او ان موجبية ملاقات الميتة للنجاسة يكون بعد البرد.

و الاقوى الاوّل لان الميت و الميتة ما خرج عنه الروح فبمجرد زهاق الروح عن الحيوان يعدّ عند العرف ميّتا انسانا كان او غيره و في رواياتنا الواردة في باب الميتة و خصوصياتها.

اما رتّب فيها النجاسات على الميّت و الميتة و لم يبيّن مراده فيهما و قهرا يكون الايكال في موضوعه الى العرف.

و اما فيها ما يدلّ على انّ الميّت هو ما زهق روحه و ان لم يبرد

بعد مثل الرواية التي رواها الطبرسي في الاحتجاج «قال مما خرج عن صاحب الزمان عليه السّلام الى محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميرى حيث كتب إليه روي لنا عن العالم عليه السّلام انه سئل عن امام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال يؤخر و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم و يغتسل من مسّه التوقيع ليس على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 96

من مسّه إلّا غسل «اليد و اذا لم تحدث حادثة تقطع الصّلاة تمّ صلاته مع القوم» «1» لانّه من الواضح ان من مات حال الصّلاة و يمسّه احد لم يبرد بعد و مع هذا امر بغسله.

و الرواية التى رواها أيضا «قال و كتب إليه و روي عن العالم ان من مسّ ميتا بحرارته غسل يده و من مسّه قد برد

فعليه الغسل و هذا الميّت في هذه الحال لا يكون الّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو و لعله ينحيه بثيابه و لا يمسه و كيف يجب عليه الغسل في التوقيع اذا مسّه على «فى» هذه الحالة لم يكن عليه الّا غسل يده» «2»

الّا ان يشكل بضعف سندهما و قد ظهر لك ان العمدة في المسألة مضافا الى الروايتين هو ما قلنا في ان الحكم بنجاسة الميتة في الاخبار عرض على الميتة و بعد عدم تصرّف من قبل الشارع في موضوع الميتة فلا بد من الرجوع الى العرف في تشخيص موضوعها و الميتة عند العرف عبارة عما ذهق عنه الروح.

و اما ما قيل في المقام من التمسك بإطلاق الاخبار فلم نجد في اخبارنا «غير الخبرين الدالين على وجوب غسل اليد بمجرد الموت لان موردهما هو حال بقاء الحرارة في الميت» خبرا يكون في مقام بيان هذا الحيث بل في كلها يكون موضوع الحكم هو الميت او الميتة و لا مجال لدعوى الاطلاق فى الميتة لانّه لو منع كون الميّت قبل البرد ميتا يمكن ان يقال بان اطلاق الميّت يشمله لان الاشكال يكون في المراد من طبيعة الميت او الميتة و لا بد في فهم ذلك من العرف لو لم يبيّن الشارع موضوع حكمه فلا بد ان يقال بما قلنا من ان الميتة بما له من الموضوع تشمل كل ما زهق عنه الروح و لو لم يبرد بعد و بعد ما يكون الموضوع ما قلنا يكون لدعوى الاطلاق مجال

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب غسل المس من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب غسل المس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 97

و الّا لو انكرت ذلك كما انكر المخالف و جعل احد ادلته عدم كون الميتة ميتة قبل البرد فلا اثر لدعوى الاطلاق بل لا بد في جوابه ان يقال ما قلنا فافهم.

و اما وجه القول الثاني فما يمكن ان يستدل به امور:
الاوّل: ما اشرنا إليه من انه ما دام تكون الحرارة باقية في الجسد فهي تكشف عن بقاء علقة الروح فيه

و عدم زهاقه عنه و مع برد الجسد قطع الروح علاقته عن الجسد كاملا و فيه ما قلنا من انه مع كون موضوع الادلة الميّت و هو عرفا صادق و لو قبل البرد فلا مجال لهذا و الشاهد عليه صحة غسله و دفنه فى هذا الحال مع انه لو كان حيّا لا يصح غسله و كفنه و دفنه.

الثاني: بعض الروايات

مثل ما رواها ابراهيم بن ميمون «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت قال ان كان غسل الميّت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعنى اذا برد الميت» «1» تمسكا بذيل الرواية «يعني اذا برد الميت» فما دام لم يبرد لا يجب ملاقات الثوب للميّت غسله بمقتضى مفهوم الكلام و فيه ان كون هذه الفقرة اعني «يعني اذا برد الميت» من كلام الامام عليه السّلام غير معلوم و من المحتمل كونها من احد ناقلي الرواية فلا يمكن التمسك بها.

و كالرواية التي رواها إسماعيل بن جابر «قال دخلت عن ابي عبد اللّه عليه السّلام حين مات ابنه إسماعيل الاكبر فجعل يقبّله و هو ميت فقلت جعلت فداك أ ليس لا ينبغي ان يمسّ الميت بعد ما يموت و من مسّه فعليه الغسل فقال اما بحرارته فلا بأس انما ذلك اذا برد» «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 98

وجه الاستدلال، ان المستفاد منها انه بعد ما قال جابر أ ليس ينبغي مسّ الميّت اجاب عليه السّلام اما بحرارة فلا

بأس و اطلاق لا بأس يقتضي عدم البأس بمسّه حتى من حيث النجاسة و فيه ان وضع كلام المسائل و جواب الامام عليه السّلام صريح في ان المرتكز في ذهن السائل وجوب الغسل بالمسّ و لهذا قال السائل أ ليس لا ينبغي ان يمسّ الميّت و من مسّه فعليه الغسل و جواب الامام عليه السّلام بان وجوب الغسل بعد البرد و مضافا الى ان نفي الباس انما هو بلحاظ مسّه في حدّ ذاته و هذا لا ينافي وجوب غسل ملاقيه.

و كالرواية التي رواها محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام «قال مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس» «1»

و اطلاقها يقتضي عدم الباس من حيث الغسل و غسل ملاقيه و فيه ان حمل لا بأس في الرواية على عدم الباس التكليفي غير صحيح لانّه لا يحرم المس بالحرمة التكليفية و لا بأس به و لكن لا يبعد ظهورها انصرافا في عدم الباس من حيث وجوب الغسل بمسّه.

الثالث: دعوى الملازمة بين وجوب الغُسل و وجوب الغَسل

فكما يجب الاوّل بعد البرد كذلك الثانى و فيه انه اي ملازمة بينهما هل الملازمة ملازمة عقلية او عرفية او شرعية اما الاوّل و الثاني فمعلوم عدم وجودهما و اما الثالث فعلي خلافه الدليل لان الشرع اوجب الغسل بعد البرد راجع الادلة و وجب غسل الملاقي بالموت لاطلاق الادلة بعد كون الميتة عرفا تحصل بزهاق الروح.

الرابع: استصحاب حياة الميت قبل برده.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 99

و فيه انه بعد ما قلنا من انه ميتة بمجرد زهاق الروح حتى قبل برده فلا شك حتى تصل النوبة بالاستصحاب فتلخص ان الحق هو ان مجرد خروج الروح يوجب نجاسة ملاقي الميتة حتى قبل بردها.

***

[مسئلة 13: المضغة نجسة و كذا المشيمة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: المضغة نجسة و كذا المشيمة و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل.

(1)

اقول: اما المضغة فيمكن ان يقال انها بحكم السقط قبل ولوج الروح فيه لانّها مصداق من مصاديقه قبل ولوج الروح و يكون من افراده المضغة و انها ميتة عرفا.

و اما المشيمة و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل فيمكن القول بنجاستهما من باب انهما جزء ان من الحيّ قد تحلهما الحياة و لكن حيث اشكلنا في نجاسة السقط قبل ولوج الروح و قلنا بانه نجس على الاحوط من باب احتمال كونه ميتة و من باب دعوى الاتفاق او لا خلاف في نجاسته نقول كذلك في المضغة و اما المشيمة و قطعة اللحم فربما يشكل في كونهما من المبان من الحي و لهذا نقول بان الاحوط فيهما الاجتناب.

***

[مسئلة 14: اذا قطع عضو من الحيّ و بقى معلّقا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا قطع عضو من الحيّ و بقى معلّقا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 100

متصلا به طاهر ما دام الاتصال و ينجس بعد الانفصال نعم لو قطعت يده مثلا و كانت معلقة بجلدة رقيقة فالاحوط الاجتناب.

(1)

اقول: لانه ما لم ينفصل فهو جزء من الحيوان الحيّ و لو وصل الامر الى الشك فالاصل يقتضي الطهارة و اما اذا كان المقطوع متصلا بالجسم بواسطة جلدة رقيقة فالحكم بالنجاسة مشكل أيضا لانه لو لم نقل بانه الجزء من الحيّ فلا اقل من الشك و مع الشك يكون المرجع هو اصالة الطهارة.

و دعوى كونه محكوما بالجزء المبان من الحي غير مسموع لانه على الفرض يكون المقطوع غير مبان من الحي لاتصاله به و لكن مع هذا ينبغي الاحتياط لانه حسن على كل حال.

***

[مسئلة 15: الجند المعروف كونه خصية كلب الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الجند المعروف كونه خصية كلب الماء ان لم يعلم ذلك و احتمل عدم كونه من اجزاء الحيوان فطاهر و حلال و ان علم كونه كذلك فلا اشكال في حرمته لكنه محكوم بالطهارة لعدم العلم بان ذلك الحيوان مما له نفس.

(2)

اقول: لا فرق في محكومية المشكوك بالطهارة بين الاحتمال الاوّل و الثاني لان الشك سواء كان في كون شي ء جزء من الحيوان او غيره او كان. في انه جزء من الحيوان الذي له نفس سائلة او مما ليس له نفس سائلة ففي كل من الفرضين يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 101

مع الشك محكوما بالطهارة نعم بناء على الفرض الاول يكون الجزء المشكوك حلالا بمقتضى اصالة الحليّة و لكن فى الفرض الثانى لا يكون حلالا لان كونه جزء من الحيوان الّذي يعيش فى

البحر معلوم و قد تحقق فى محله ان الحيوانات البحرية لا تكون حلالا الا السمك منها الّذي له الفلس نعم لو شك فى انّ المتخذ يكون من القسم الحلال من الحيوان البحر او حرامه فأيضا يحكم بحليته لا فى انه من الحيوان الّذي له نفس سائله أو لا.

***

[مسئلة 16: اذا قلع سنّه او قصّ ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: اذا قلع سنّه او قصّ ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم فان كان قليلا جدا فطاهر و الّا فنجس.

(1)

اقول: اما نفس السنّ و الظفر فهما ممّا لا تحلّه الحياة فليس بنجس سواء كانا من الميتة او كانا مما يبان من الحي و اما اللّحم الذي منفصل مع احدهما.

فنقول بانه بعد ما عرفت في المسألة الاولى من المسائل المتفرعة على نجاسة الميتة بان الاجزاء المبانة من الحيّ الّا الصّغار منها نجس فلا بدّ من ان نقول بنجاسة اللحم المبان مع السنّ او الظفر و ان كان قليلا الّا ان يدعّي انّ اللّحم اذا كان قليلا جدّا يكون من جملة الاجزاء الصغار المستثنى من نجاسة المبان من الحيّ و كما امضينا لا يشمله أدلّة الدّالة على نجاسة المبان من الحيّ لما يكون قليلا جدّا مضافا الى دلالة رواية عليّ بن جعفر المتقدّمة ذكرها على ذلك، للتّصريح فيها «او ينتف بعض لحمه عن ذلك الجرح» فاذا كان اللّحم المبان قليلا جدّا، لا يبعد القول بعدم نجاسته، و ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 102

كان كثيرا فهو من الجزء المبان من الحيّ و يكون نجسا لما قدّمنا.

***

[مسئلة 17: اذا وجد عظما مجردا و شك في انه من نجس العين او من غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا وجد عظما مجردا و شك في انه من نجس العين او من غيره يحكم عليه بالطهارة حتى لو علم انه من الانسان و لم يعلم انه من كافر او مسلم.

(1)

اقول: لاصالة الطهارة حتى فيما يكون الشك في انه من المسلم او من الكافر مع العلم بكونه من الانسان الّا على القول بصحة استصحاب العدم الازلى و بناء على كون النسبة بين الكفر و الاسلام العدم و الملكة فيستصحب عدم

الاسلام فيترتب عليه آثار الكفر لكن الاشكال في صحة استصحاب العدم الازلى.

***

[مسئلة 18: الجلد المطروح ان لم يعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الجلد المطروح ان لم يعلم انه من الحيوان الذي له نفس او من غيره كالسمك مثلا محكوم بالطهارة.

(2)

اقول: لاصالة الطهارة في صورة الشك في انه من اي منهما.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 103

[مسئلة 19: يحرم بيع الميتة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: يحرم بيع الميتة لكن الاقوى جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة.

(1)

اقول: الكلام يقع في جهتين:

الجهة الاولى: في حرمة بيع الميتة

لا يخفي على المتتبع في اقوال فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم ان المعروف و المشهور عندهم حرمة بيع الميتة بل نقل الاجماع عليه و كونها مذهب اصحابنا.

و اما بمقتضى النصوص و الروايات فيستفاد من عدّة من الروايات حرمة بيعها بالخصوص مضافا الى ما دل عليها بالعموم مثل بعض الروايات الدالة على حرمة بيع الاعيان النجسة او ما يدل على حرمة بيع ما ليس فيه منفعة عرفية معتدة بها.

و من جملة ما يدلّ على حرمة بيعها بالخصوص ما رواها السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن». «1»

و ما رواها حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر ابن محمد عن آبائه عليهم السّلام «في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام قال يا على من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن. «2»

و ما رواها في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 104

عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها

قال لا و لو لبسها فلا يصلّ فيها». «1»

و ما رواها ابن ادريس نقلا عن كتاب جامع البزنطى صاحب الرضا عليه السّلام «قال سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء أ يصلح ان ينتفع بما قطع قال نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبعها». «2»

و دلالة هذه الروايات على عدم جواز بيعها و عدم نفوذه واضح لان النهي عن تملك الثمن و انه سحت لا معنى له الافساد المعاملة و عدم تحقق النقل و الانتقال في نظر الشارع.

و في قبال تلك الاخبار بعض الاخبار يرى مخالفا لما ذكرنا من الاخبار المتقدمة.

مثل ما روي ابو القاسم الصيقل و ولده «قال كتبوا الى الرجل جعلنا اللّه فداك انّا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الاهليّة لا يجوز لنا في اعمالنا غيرها فيحلّ لنا عملها و شرائها و بيعها و مسّها بايدينا و ثيابنا و نحن نصلى في ثيابنا و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا فكتب اجعل ثوبا للصلاة و كتب إليه جعلت فداك و قوائم السيوف التي تسمى السفن نتخذها من جلود السمك فهل يجوز لى الحمل بها و لست ناكل لحومها فكتب عليه السّلام لا بأس». «3»

و اما الاشكال في دلالة الرواية على جواز بيع الميتة و شرائها و العمل فيها

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية من الباب 30 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب ما يكتسب به من

الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 105

لانه يمكن كون البيع و الشراء يقع على نفس السيوف لا ما لا ينتفع به و هو الجلود مما لا يعتني به لان هذا خلاف ظاهر الرواية ثم انه نقول مع قطع النظر عن الاشكال في الرواية بضعف السند و جوابه نقول: اما أولا فالرواية مما اعرض عنها الاصحاب لانهم مع روايتهم هذه الرواية لم يعملوا بها و يلوح منها آثار التقية لانه عليه السّلام لم يقل في الجواب الّا «اجعل ثوبا للصلاة» مع ان المناسب الجواب عمّا سئل بالنفي او الاثبات و هذا يكون كالاعراض عن الجواب. و أما ثانيا فعلي فرض وجود مقتضي الحجية فيها لا يمكن الجمع الدلالى بينها و بين ما دل على عدم الجواز لان مفاد الطائفة الاولى ان كان مجرد النهي عن بيعها فكان مجال لان يقال بعد دلالة رواية الصيقل على عدم الباس يحمل النهي في الطائفة الاولى على الكراهة و لكن الاشكال في ان التعبير في الروايتين من الطائفة الناهية عن البيع هو كون الثمن سحت و لا يمكن حمل السحت على الكراهة.

و لا يحمل ما دل على عدم الجواز على بلاد لا ينتفع بها و حمل ما دل على الجواز على بلاد ينتفع بها لعدم شاهد لهذا الجمع كما لا شاهد على حمل الطائفة الاولى على خصوص ما يشترط فيه الطهارة و الثانية على غيرها.

و بعد عدم امكان الجمع الدلالى تصل النوبة الى اعمال قواعد التعارض فان كان المرجح لاحدى الطائفتين يؤخذ بما فيه الترجيح و اذا وصلت النوبة بهذا المقام يكون الترجيح مع الطائفة الاولى لان المرجح ان كان هو الشهرة الفتوائية كما كان مبني سيدنا

الاعظم اعلى اللّه مقامه يكون الترجيح مع الطائفة الاولى و ان كان المراد من الشهرة المرجحة الشهرة الروائية فربما يقال لا يكون ترجيح لاحدى الطائفتين على الاخرى الّا ان يدّعى ان الطائفة الاولى اشهر بحسب الرواية ثم بعد عدم الترجيح بحسب الشهرة تصل النوبة بالترجيح بمخالفة العامة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 106

و في هذا المقام قد يقال بان الترجيح مع الاولى لان المروي عنه في الرواية الصيقل على الظاهر هو ابو جعفر الثاني عليه السّلام المعروف بابن الرضا عليهما السّلام و المعروف على ما يقال فتوى الشافعي على الجواز من زمان الرضا عليه السّلام و بعده عند العامة و هو موافق مع رواية صيقل فالطائفة الاولى مخالف للعامة فالترجيح معها.

و يرد بان فتوى الشافعى ان كان على طهارة الميتة بالدبغ و صحة بيعه فعلى هذا الفرض تكون رواية صيقل على خلاف فتواه لدلالتها على نجاسة جلد الميتة لقوله «اجعل ثوبا للصلاة» فلا تكون هذه الرواية موافقا للعامة حتى يؤخذ بمخالفها فلا ترجيح للطائفة الاولى على الثانية من هذا الحيث.

و أما ثالثا يمكن ان يقال، ان مورد خبر الصيقل هو الاضطرار و في صورة الاضطرار جوّز البيع و الشراء و هذا الاحتمال و ان كان يأتي بالنظر الّا ان يقال يوهن هذا الاحتمال عدم وجود قائل بالتفصيل بين صورة الاختيار و الاضطرار، فالعمدة هو كون الخبر معرضا عنه عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم- فتلخص انّ الاقوى عدم جواز بيع الميتة.

الجهة الثانية: هل يجوز الانتفاع بالميتة فيما لا يشترط فيه الطهارة

كالتسميد و اطعام جوارح الطير و جعل جلود السيوف و لبسها في غير حال الصّلاة و غير ذلك مما لا يشترط فيها الطهارة.

اعلم ان ما يمكن ان يكون وجها لعدم الجواز روايات

الرواية الاولى ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام تعرضنا لها في الجهة الاولى من هذه المسألة فقال السائل «سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها قال لا.» «1»، فان هذه الرواية تدل على عدم

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 107

جواز الانتفاع بها بالدباغ و اللبس.

و يمكن حمل الخبر على صورة يكون سؤال السائل عن هذه الصورة و هى صورة كون لبسها بعد الدباغ فيكون السؤال عن دباغها و لبسها فلا يجوز الانتفاع بجلد الميتة بعد دباغها و لبسها فعلى هذا عدم الانتفاع من الميتة بغير هذا النحو لا يستفاد من الرواية.

الرواية الثانية: ما رواها سماعة «قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال اذا رميت و سميت فانتفع بجلوده و اما الميتة فلا». «1»

الرواية الثالثة: ما رواها على بن ابى المغيرة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي ء فقال لا قلت بلغنا ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم مرّ بشاة ميتة فقال ما كان على اهل هذه الشاة اذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها «بجلدها» قال تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما كان على اهلها اذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها اي يذكي» «2».

الرواية الرابعة: ما رواها الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسن عليه السّلام

«قال كتبت إليه اسأله عن جلود الميتة التي تؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السّلام لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب». «3»

اقول: اما الرواية الاولى فالظاهر من قول السائل «و دباغها و لبسها» هو انه هل يطهر الميتة بالدباغ فليبس ما دبغ على انه طاهر فقال عليه السّلام «لا» و السؤال حيث يكون من الدباغ و اللبس بعده تكون الرواية ظاهرة في ذلك فالسئوال عن

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 49 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 33 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 108

طهارة الجلد بعد الدبغ و لبسه بميزان انه طاهر فالرواية لا تدل على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقا حتى فيما لا يشترط فيه الطهارة و اما ما بقي من الروايات فان الظاهر من الانتفاع المنهي عنه هو الانتفاع بخصوص البيع و الشراء و لا اقل من احتماله فلا تدل على عدم جواز مطلق الانتفاع.

و فيه ان الظاهر منها هو مطلق الانتفاع.

كما ان حمل الاخبار على ان النهي فيها يكون نهيا ارشاديّا لا مولويّا يرشد بالنجاسة أيضا لا شاهد لهذا الحمل.

نعم في قبال هذه الاخبار بعض الاخبار يستفاد منها جواز الانتفاع بالميتة.

منها الرواية الصيقل المتقدمة ذكرها في الجهة الاولى من المسألة و منها ما رواها الحسن بن «على قال سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت جعلت فداك ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال هي حرام قلت فنصطبح بها قال أ ما تعلم انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «1» بدعوى ظهورها في جواز الانتفاع بالميتة.

و منها

ما رواها ابن ادريس عن كتاب جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السّلام «قال سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء أ يصلح له ان ينتفع بما قطع قال نعم يذيبها و يسرج به و لا يأكلها و لا يبيعها». «2»

و منها الرواية التي تعرضناها في المسألة السادسة من نجاسة الميتة «و هي ما رواها ابو بصير الدالة على ان على بن الحسين عليه السّلام يلبس الفرو مع كونه محكوما بعدم التذكية لكونه من العراق الذي يستحلون جلود الميتة و يزعمون ان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 109

دباغه ذكوته «1».»

اذا عرفت ذلك نقول اما الرواية الاولى اعني رواية الصيقل فقد عرفت الكلام فيها و انها مضافا الى ما يحتمل فيها من التوجيهات فيها من حيث الدلالة بحيث لا تعارض مع ما دل على عدم جواز بيع الميتة و هكذا مع ما دل على عدم جواز الانتفاع بالميتة لم يكن مقتضي الحجية فيها موجودا و لا بد من رد علمها الى اهله.

و اما الرواية الثانية و الثالثة فغاية ما يستفاد منهما جواز الانتفاع باليات الغنم المبانة من الحيّ بالاستصباح فكما يدلّ على جواز الاستصباح بالدهن المتنجس بعض الروايات غيرهما تدل هاتان الروايتان على جواز الانتفاع باليات الغنم في خصوص الاستصباح.

و اما الرواية الاخيرة فقد عرفت ضعف سندها فلم نجد في المقام ما يدل من الروايات على جواز مطلق الانتفاعات الغير المشروطة بالطهارة من الميتة فهل يلتزم بالعمل بما يدلّ على عدم جواز الانتفاع بها مطلقا

او يقال بحمل هذه الطائفة على النهي عن الانتفاع بخصوص البيع و الشراء او خصوص ما يشترط فيه الطهارة مع اطلاق لسانها.

او نقول بانه مضافا الى ضعف سند بعض الروايات الدالة على عدم جواز الانتفاع بالميتة مثل رواية على بن ابى المغيرة فانه مجهول و الرواية الفتح بن يزيد الجرجاني فانه مجهول بانه يمكن حمل الروايات الدالة على عدم جواز الانتفاع بالانتفاع المخصوص و هو دبغ جلد الميتة و الانتفاع بها كما ينتفع بالمذكّى.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 110

و بعبارة اخرى تكون الروايات ناظرة الى ما تقول به العامة من انّ زكاة الميتة دباغها و كونها بعد الدبغ كالمذكى و انّ ما قالوا ليس حكم اللّه و لا يجوز الانتفاع به و هذا الاحتمال ان لم نقل بكونه اظهر من سائر الاحتمالات في الروايات فلا اقلّ من تساويه معها خصوصا في رواية على بن جعفر كما بيّنا في ذيلها و رواية على بن ابى المغيرة فلهذا لم يكن في البين خبر يكون بظاهره دالا على حرمة مطلق الانتفاعات و مع الشك يكون المرجع اصالة الحلية و يحل بمقتضاها الانتفاعات غير البيع و الشراء من الميتة فيما لا يشترط فيه الطهارة. فتأمّل.

***

[الخامس: الدّم من كل ما له نفس سائله:]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الخامس: الدّم من كل ما له نفس سائله: انسانا او غيره كبيرا أو صغيرا قليلا كان الدم او كثيرا و اما دم ما لا نفس له فطاهر كبيرا كان او صغيرا كالسمك و البق و البرغوث و كذا ما كان من غير الحيوان كالموجود تحت الاحجار عند قتل سيد الشهداء ارواحنا فداه و يستثنى من دم الحيوان المتخلف

في الذبيحة بعد خروج المتعارف سواء كان في العروق او في اللحم او في القلب او في الكبد فانه طاهر نعم اذا رجع دم المذبح الى الجوف لرد النفس او لكون رأس الذبيحة في علوّ كان نجسا و يشترط في طهارة المتخلف ان يكون مما يؤكل لحمه على الاحوط فالمختلف من غير المأكول نجس على الاحوط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 111

(1)

أقول: يقع الكلام في المسألة في جهات:

الجهة الاولى: بعد ما لا اشكال نصا و فتوى فى نجاسة الدم في الجملة
اشارة

يقع الكلام فيما هو الدليل على نجاسة الدم بالعنوان الكلى الذي عنونه المؤلف رحمه اللّه و هو نجاسة الدم من كل ماله نفس سائلة من الحيوان.

فنقول

اما من حيث الفتوى

و ان كان ظاهر كلام بعضهم دعوى الاجماع على نجاسته او دعوى الاتفاق و بعضهم قال لا خلاف في نجاسة الدم و ذهب علمائنا لكن كلامهم في معقد الاجماع مختلف فبعضهم قال لا ينجس من الدم الّا ما كان من حيوان له عرق كما هو عبارة الشرائع او نجاسة الدم قليله و كثيره الّا دم ما لا نفس له او النجس منه هو الدم المسفوح اى ما انصب من العرق نفسه و تختلف النتيجة الحاصلة من هذه العبارات فعلى هذا يكون القول بان ما عنونه المؤلف رحمه اللّه هو المجمع عليه او مورد الاتفاق مشكل فنقول بعد ما لا اشكال في نجاسة الدم في الجملة لا بدّ من فهم موضوع الدم المحكوم بالنجاسة في الجملة مما يقتضيه النص.

فاذا بلغ الكلام بهذا المقام نقول بانه قد يقال بعدم وجود نص فيما بايدينا من الاخبار على نجاسة الدم بهذا الاطلاق بحيث يدخل فيه ما ادخل في عنوان المسألة و اخرج منه ما خرج من عنوان المسألة كما انه من الواضح عدم دلالة بعض الآيات الشريفة المتعرضة للدم على ذلك.

و لكن الحق ان الاخبار المتعرضة للدم و خصوصياته و ان لم يكن جميعها دالا على ذلك و لكن فيها ما يكون به الغني و الكفاية عما نحن بمقامه.

و قبل الورود في ذكر الاخبار نقول انّ الآية الشريفة «1» «قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ

______________________________

(1) سورة الانعام، الآية 145.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 112

إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ

إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ لا دلالة لها على حرمة مطلق الدم فضلا عن دلالتها على نجاسة مطلق الدم من ذى النفس الّا بناء على حمل الرجس على النجس و كذلك قوله تعالى إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ «1» لانّها مثل سابقها في مقام حرمة الاكل لا النجاسة فالاستدلال بهما على نجاسة الدم بنفسهما غير تمام.

و اما الاخبار
اشارة

فالمراجع فيها يرى ان في بينها و ان لم يوجد ما يكون السؤال و الجواب بنفسه عن نجاسة اصل الدم لكن الموضوعات المعنونة في الاخبار عن بعض الخصوصيات المربوطة به كثيرة كالسؤال عن الصّلاة في الدم نسيانا او عن الاقل من الدرهم او عمّا يخرج عن الجروح و القروح و غيرها و نحن لم تكن في مقام بيان ذكر كلها بل نذكر بعض ما يدل على المقصود فنقول:

الطائفة الاولى: بعض الروايات الواردة في العفو عن اقل الدرهم من الدم

و هي روايات نذكر بعضها بعونه تعالى.

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن ابي يعفور في «حديث» «قال، قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام، الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلّى ثم يذكر بعد ما صلى، أ يعيد صلاته قال يغسله و لا يعيد صلاته الّا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة». «2»

الرواية الثانية: ما رواها اسماعيل الجعفى عن ابى جعفر عليه السلام قال فى الدم يكون فى الثوب ان كان اقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة. «3»

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 173.

(2) الرواية 1 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 113

الرواية الثالثة: و هي ما رواها داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يصلي فابصر في ثوبه دما قال يتمّ» «1» بناء على حملها بقرينة غيرها على الاقل من الدرهم و هذه الروايات بترك استفصال الامام عليه السّلام عن الدم خصوصا الثالثة للتعبير بذكر الدم نكرة تدل على نجاسة مطلق الدم.

الطائفة الثانية: بعض ما ورد فيمن يرى الدم في ثوب الغير،

منها ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام «قال سالت عن الرجل يري في ثوب اخيه دما و هو يصلي قال لا يؤذنه حتى ينصرف» «2».

و من الواضح كون المرتكز عند السائل نجاسة الدم و انه لا يصح معه الصّلاة و لهذا سئل عما يرى في ثوب اخيه بان يؤذنه فقال عليه السّلام لا يؤذنه حتى ينصرف و السائل مع انه لا يدري اى دم في ثوب اخيه هل هو من الانسان او غيره

او من العرق أو لا او يكون من الصغير او الكبير او من الماكول او غيره و غير ذلك بحسب ارتكازه يرى مانعيّته للصلاة و لهذا سئل و هو عليهم السّلام لم يقل بانك لا تدري ان هذا دم خاص او لا بل قال لا يؤذنه و ان اشعاره و تنبيهه حال الصّلاة لا يلزم عليك.

الطائفة الثالثة: بعض ما ورد في صحة الصّلاة مع الجهل بالدم

مثل ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «ان اصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل ان يصلي فنسى و صلى فيه فعليه الاعادة» «3» فهذه الرواية بترك التفصيل بين نوع الدم تدل على نجاسة الدم مطلقا.

الطائفة الرابعة: بعض ما ورد في سؤر الطيور

كالرواية التي رواها عمار بن

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 114

موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سال عما تشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل من لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب و عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الّا ان ترى في منقاره دما فان رايت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «1» و شمول الدم في الرواية لدم الآدمي و غيره بترك التفصيل و اطلاق الدم واضح نعم يمكن دعوى انصراف الدم فيها عن بعض الدماء كدم السمك او غيره مما لا نفس له.

الطائفة الخامسة: بعض ما ورد فيمن لم يكن له الّا ثوب واحد متلوث بالدم

و هو رواه على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام «قال سألته عن رجل عريان و حضرت الصّلاة فاصاب ثوبا نصفه دم او كله دم يصلي فيه او يصلي عريانا قال ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصلّ عريانا» «2». و ربما يأتي بالنظر البدوي ان هذه الروايات المتقدمة ذكرها حيث تكون في مقام بيان حكم آخر من العفو او عدم وجوب اعادة الصّلاة او عدم وجوب الاعلام او غير ذلك لا في مقام نجاسة الدم حتى يقال بإطلاقه و الظاهر كون نظر السائل الى ما هو المرتكز في ذهنه عن الدم النجس و ما هو المعهود عنده و عند المسئول عنه فلا يمكن استفادة الاطلاق من الروايات

بالنسبة الى نجاسة مطلق الدم بل بعد مفروغية نجاسة دم بين السائل و السؤال عنه يكون السؤال في هذه الروايات عن حيث آخر و اما ما هو المعهود بينهما فهو غير معلوم.

و فيه انه و ان كان مجال لهذا الاحتمال في بعض هذه الروايات و لكن لا يأتي في كلها مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة في باب من يرى الدم في ثوب اخيه فهو

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 115

كيف يدري انه من اي دم او هو من القسم المعهود بين السائل و المسئول عنه حتى يقال ان السائل اشار الى ما هو المعهود من الدم بينه و بين المسئول عنه و كذا في رواية عمار الواردة في سؤر الطير نعم يمكن دعوى انصراف الدم فيها عن بعض افراد الدم مثل دم الحيوان الذي لا نفس له كالسمك و البرغوث و غيرهما مما لا نفس له و اما اطلاقها من حيث ترك استفصال السائل و المسئول عنه من انه من دم الانسان و ان لم يكن خارجا من عرقه او غير الانسان من الحيوانات اهليا او وحشيا صغيرا او كبيرا قليلا او كثيرا مما لا ينكر فتلخص ان الدم من ذي النفس نجس من انسان كان او غيره كبيرا كان الحيوان او صغيرا كثيرا كان الدم او قليلا.

و اما ما حكي عن الصدوق رحمه اللّه من عدم نجاسة دون الخميصة من الدم تمسكا بما رواها مثنى بن عبد السلام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال قلت له انى حككت

جلدي فحرج منه دم فقال ان اجتمع بقدر حمّصة فاغسله و الا فلا» «1».

ففيه انه لا تدل الرواية على عدم النجاسة الدم اذا كان اقلّ من الحمصة لان ما تدل عليه الرواية عدم وجوب الغسل اذا كان اقل منها و لعل عدم وجوب الغسل كان من باب كون الاقل من الحمّصة اقل من الدرهم و لا يجب غسل اقل من الدرهم في الصّلاة فعدم وجوب الغسل لا يلازم عدم النجاسة.

و كذا ما حكي عن الشيخ رحمه اللّه من عدم نجاسة الدم اذا لم يدركه الطرف تمسّكا بما رواها على بن جعفر عن اخيه ابى الحسن موسى بن جعفر عليهم السّلام «قال سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فاصاب إناءه و لم يستبن ذلك في الاناء هل يصلح له الوضوء فقال ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس «2»

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 116

بدعوى دلالتها على عدم نجاسة الدم ما لم يدركه الطرف لدلالة الرواية على صلاحية الماء الواقع فيه الدم ما لا يدركه الطرف لأن يتوضأ منه و قيل جوابا عنه بان مورد الرواية هو ما اذا لم يعلم بان الدم وقع في الماء او في الاناء او يعلم ورود الدم في الاناء لكن لا يعلم وروده في الماء من باب انه يعلم ورود الدم على الاناء لكن لا يدري انه وقع على خارج الاناء فقط فلم يبلغ الماء او وقع داخل الاناء حتى وقع فى الماء و حيث يكون احد طرفي المعلوم

بالاجمال خارجا عن محل الابتلاء فلا يكون العلم الاجمالى منجزا و لهذا يصح الوضوء من الماء.

و فيه انه كيف يمكن ان يكون المفروض في الرواية على ما قيل من موارد الخروج عن محل الابتلاء لعدم تأتى ما هو الملاك في الخروج عن محل الابتلاء فيه، فالحرى في الجواب ان يقال انه يحتمل كون مورد الرواية من صغريات الاقل و الاكثر الارتباطي من باب ان مفروض السائل علمه بوقوع الدم على الاناء لكنه يشك في انه مضافا الى وقوعه على الاناء هل وقع على الماء أيضا حتى لا يصح الوضوء من الماء فجواب الامام عليه السّلام بقوله لا بأس اى لا بأس بالوضوء من الماء لكون مقتضي الشك في الاقل و الاكثر الارتباطي هو البراءة فيكون الحكم موافقا للقاعدة.

و هذا الاحتمال ان لم نقل بكونه موافقا لظاهر الرواية فلا اقل من كونه احدي الاحتمالات فيها فلا يمكن التمسك بالرواية لما حكي عن الشيخ رحمه اللّه من عدم نجاسة ما لا يدركه الطرف من الدم.

الجهة الثانية: الدم مما لا نفس له طاهر
اشارة

صغيرا كان او كبيرا كالبرغوث و كالسمك و ادعي عن بعض الاجماع عليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 117

[فى دعوى الاجماع عليه]

اعلم أولا بان ما قدّمنا من الاخبار المتعرضة للدم و ان قلنا بان اطلاق بعضها للدم مما له نفس سائلة مما لا اشكال فيه و لكن لا اطلاق لها بالنسبة الى دم ما ليس له نفس سائلة من الحيوانات لان اظهر الروايات في الباب على ما عرفت رواية محمد بن مسلم و رواية عمار الساباطي و دعوى عدم عموم او اطلاق لها يشمل دم ما لا نفس له ليس دعوى بعيدا حيث ان ابتلاء منقار الطير بمثل دم البق او البرغوث بعيد جدا و لا يكون دمهما بمقدار يشاهد في الثوب او منقار الطير و احتمال ابتلاء منقار الطير بدم السمك أيضا بعيد في الغاية فشمول الدليل الدال على نجاسة الدم لدم حيوان لا نفس له غير مسلّم ان لم نقل بكونه مسلّم العدم فمن رأس لا دليل لنا على نجاسة دم لا نفس له و تصل النوبة مع الشك في نجاسته و عدمه الى الاصل و الاصل يقتضي الطهارة.

و ثانيا يدل على عدم نجاسة بعض افراد ما ليس له نفس سائلة بعض الاخبار:

منها ما رواها ابن ابى يعفور قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام «ما تقول في دم البراغيث قال ليس به بأس قلت انه يكثر و يتفاحش قال و ان كثر «الحديث». «1»

منها ما روي محمد بن ريّان «قال كتبت الى الرجل عليه السّلام هل يجري دم البق مجري دم البراغيث و هل يجوز لاحد ان يقيس بدم البق على البراغيث فيصلى فيه و ان يقيس على نحو هذا فيعمل

به فوقّع عليه السّلام يجوز الصلاة و الطهر منه افضل» «2».

و منها ما روي غياث عن جعفر عن ابيه قال لا بأس بدم البراغيث و البق و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 23 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 118

بول الخشاشيف» «1».

و احتمال كون النظر في الرواية الثانية اعني رواية محمد بن ريان الى مجرد العفو عن دم البق مثل البراغيث في الصّلاة و لا تدل الرواية على طهارتهما يوجب عدم الاستدلال بهذه الرواية على طهارتهما.

لكن لا يتأتى هذا الاحتمال في الرواية الاولى و الثالثة و هما تكفيان للدلالة على طهارتهما فتلخص مما ذكر طهارة دم البق و البرغوث لدلالة الرواية الاولى و الثالثة على ذلك بلا اشكال.

و اما ما يمكن الاستدلال به على طهارة غيرهما
اشارة

مما لا تكون له نفس سائلة فهو امور:

الامر الاوّل: بعض الاخبار.

منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال ان عليّا عليه السّلام كان لا يري باسا بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلى فيه الرجل يعني دم السمك بدعوى دلالة قوله عليه السّلام «يعني السمك» عن الصادق عليه السّلام تفسيرا لكلام على عليه السّلام من قوله بان عليّا عليه السّلام لا يرى باسا بدم ما لم يذكّ». «2»

الامر الثاني: ما عن المنتهى بان دم ما لا نفس له من الحيوان ليس اعظم من ميتة ما لا نفس له

و ميتته طاهرة انتهى و قد تصدي لتوجيه الاستدلال بعض الاعاظم بعد ذكر الاشكال بان هذا لم يخرج من القياس بما حاصله يرجع الى انّ بعض اجزاء الميتة الدم فلو لم يكن الموت سببا لاشتداد حكم الدم من حيث النجاسة لم يصر سببا لرفع حكم النجاسة و ان يصير الدم طاهرا فطهارة ميتة ما لا نفس له

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 33 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 119

من الحيوان تدل على طهارة دمه و لحمه و عظمه و سائر اجزائه بالتضمّن و على هذا يكون الاستدلال على طهارة دم ما لا نفس له ببعض الاخبار الدالة على طهارة نفسه.

كالرواية التي رواها عمّار الساباطي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما اشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال كل ما ليس له دم فلا بأس». «1»

و كالرواية التي رواها حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام «قال لا يفسد الماء الّا ما كانت له نفس سائلة» «2».

بعد وضوح ان الحيوان الذي يموت في الماء يصيب

دمه الماء خصوصا اذا تفسّح في الماء فمع ذلك قال عليه السّلام بعدم فساد الماء به بقول مطلق و الحال ان دمه لو كان نجسا كان الحري ان يقول اما دمه اذا اصاب الماء ينجّس الماء.

اقول: و يمكن ان يقال بانه مع قطع النظر عن الاعتبار الذي قاله العلامة الهمداني رحمه اللّه «3» بانه يمكن الاستدلال بترك الاستفصال لكون الدم مما لا نفس له لا ينجس بعد موته لان عدم نجاسة ميتة ما لا نفس له باجزائها كما هو مفاد هذين الخبرين و غيرهما يدل على عدم كون دم ميتة ما لا نفس له نجسا و التفصيل بين حال حياته و مماته بان يقال ان الدليل غاية ما يدلّ عليه يدلّ على طهارة دم ميتة ما لا نفس له و اما حال حياته فلا يدلّ عليه مما لا يمكن الالتزام به.

الامر الثالث: ما عن المعتبر في خصوص عدم نجاسة دم السمك

بانه لو كان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) مصباح الفقيه، ج 7، ص 151.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 120

دمه نجسا توقفت إباحة اكله على سفح دمه كالحيوان البرىّ و لم نقل به هذا كله فيما يمكن ان يكون وجها لطهارة دم ما لا نفس له من الحيوانات و على كل حال لا اشكال في طهارة دمه و ان كان بعض الوجوه المستدلة بها لم يمكن حال عن الاشكال.

الجهة الثالثة: الدم من غير الحيوان كالموجود تحت الاحجار عند شهادة سيد الشهداء

عليه الصّلاة و السلام و روحي له الفداء فهو طاهر لعدم كونه دما حقيقيا كما قيل و على فرض كونه دما فالاخبار الدالة على نجاسة الدم منصرفة عنه بلا اشكال.

و دعوى ان منشأ توهم الانصراف يكون ندرة الوجود و هذا لا يوجب الانصراف مدفوع بان منشأ الانصراف عدم معهودية ذلك الدم و في هذا المورد لو لم نقل بالانصراف ففي اي مورد يصح دعوى الانصراف و مع شك يكون مقتضي الاصل الطهارة.

الجهة الرابعة: استثنى من حكم نجاسة دم الحيوان الدم المختلف في الذبيحة
اشارة

بعد خروج المتعارف منه حين الذبح سواء كان في العروق او في اللحم او في القلب او في الكبد فانه طاهر و ادعى على طهارته الاجماع كما عن بعض و لا خلاف كما عن بعض آخر.

و استدل على طهارته بعد الاجماع بوجوه:

الوجه الاوّل: ان الاجتناب منه حرج و هو مرفوع

و فيه انه لا حرج في الاجتناب عنه لامكان ازالته و على فرض عدم امكان ازالته عن موضع يجتنب عنه و لا يوجب حرجا و على فرض وجود الضرورة في ارتكابه يجوز ارتكابه و ان كان نجسا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 121

الوجه الثاني: ما دلّ على حلية الذبيحة

و فيه ان ما دل على حلية الذبيحة متعرض لحيث حلية الحيوان بالذبح من حيث عدم كونه ميتة و هذا لا ينافي مع كون الذبيحة متنجّسا بنجاسة بحيثيّة اخرى.

الوجه الثالث: ان الدم الذي محكوم بالنجاسة هو الدم المسفوح

و الدم المختلف في الذبيحة ليس بمسفوح.

و فيه ان المسفوح ما من شانه ذلك و لا ينحصر النّجس بالمسفوح الفعلي و لهذا ما يخرج من الدم عن الجسد حين حكّه او عن الجروح و القروح يكون نجسا أيضا.

الوجه الرابع: السيرة المستمرة من المتشرعة من زمان المعصوم عليه السّلام

و صاحب الشرع الى زماننا من المتشرعة و من زماننا الى زمان المعصومين عليهم السّلام على معاملة الطهارة مع الدم المختلف فى الذبيحة بعد خروج الدم المتعارف منه حين الذبح و نرى وجود ذلك من زمنهم عليهم السّلام الى زماننا و قد وصل بايدينا يدا بيد و لم يكن شيئا احدث بعدهم بدون الاستناد بهم و لم يكن امرا احدثوا من قبل انفسهم بلا اتخاذه من صاحب الشرع و هذه السرة تكفي دليلا على طهارة الدم المتخلف ثم ان هذا الحكم اعني طهارة الدم المختلف في الذبيحة هل يكون منحصرا بدم المختلف عن المأكول اللحم من الحيوان او يعمّ غير الماكول منه ما عدا الحيوان الّذي يكون نجس العين كالكلب و الخنزير منه يدعي عدم الفرق في الطهارة بين المأكول و غيره ما عدا نجس العين.

و لكن حيث يكون الدليل على الطهارة هو السيرة و تحققها على طهارة دم المختلف في ذبيحة غير مأكول اللحم من الحيوان غير معلوم لا يمكن القول بطهارة دم المختلف في الذبيحة في غير الحيوان المأكول اللحم و ان كان لدعوى السيرة على عدم غسل جلد غير المأكول المذكي و بعض اجزائه الّذي ينتفع منه مجال: لكن مع هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 122

الاحوط الاجتناب منه.

و هل يشترط في طهارة دم المختلف من الذبيحة ان يكون الدم في خصوص العروق كما حكي عن بعض معاقد الاجماعات او

لا بل هو طاهر سواء كان في العروق او في اللحم او في القلب او في الكبد او في غير ذلك من اجزائه حتى في النخاع و الطحال لان كل ما يدلّ على طهارة الدم المتخلف يدلّ على طهارته و ان كان في النخاع و الطحال أيضا.

و ما عن بعض من الاستشهاد على نجاسته اذا كان في الطحال بما رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «و قد سئل عن الجرى يكون في السفود مع السمك قال يؤكل ما كان فوق الجري و يرمي ما سال عليه الجرىّ قال و سئل عن الطحال مع اللحم في سفود و تحته خبز و هو الجواذب أ يؤكل ما تحته قال نعم يؤكل اللحم و الجواذب و يرمي بالطحال لان الطحال في حجاب لا يسيل منه فان كان الطحال مشقوقا او مثقوبا فلا تأكل ما يسيل عليه الطحال» «1».

بدعوى ان وجه عدم جواز اكل ما يسيل على الطحال «و هو الدم كما يفصح عنه بعض الاخبار» هو كون ما في الطحال يعني الدم نجسا لا من حيث حرمته لانه ان كان المنشأ حيث حرمة ما فى الطحال لكان المناسب ان يقول لا يؤكل اللحم الذي يسيل عليه الطحال الّا بعد ازالة ما عليه من ما فى الطحال لا ان يقول لا يؤكل هذا اللحم.

ليس في محله لانه على تقدير النجاسة يكفي ان يقول لا يؤكل الّا بعد الغسل لان مجرد نجاسة اللحم بسبب ملاقاته لما في الطحال لا يوجب عدم جواز اكله مطلقا بل مفاد الرواية و اللّه اعلم ليس الّا عدم جواز اكل اللحم الذي ورد عليه ما في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب

49 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 123

الطحال بهذه الحالة و اما كون منشأ النهي نجاسة ما في الطحال او حرمته فغير مستفاد من الرواية.

ثم ان وجه الاشكال في الطهارة دعوى عدم وجود السيرة على عدم الاجتناب عن الدم اذا كان في الجزء المحرم اكله من الحيوان لان القدر المتقين من السيرة على عدم الاجتناب عن الدم المختلف في الذبيحة هو اذا كان الدم في الاجزاء المحلل اكله من الحيوان و اما اذا كان الدم في اجزائه المحرّم اكلها كالطحال و النخاع فوجود السيرة فيه غير معلوم و مع عدم تحقق السيرة فيكون الدم المختلف الواقع في الجزء المحرم اكلها من الحيوان محكوما بالنجاسة بمقتضى الادلة الدالة على نجاسة الدم.

و حيث انه عرفت عدم وجود وجه آخر على طهارة دم المختلف فى الذبيحة غير السيرة و المتيقن من السيرة طهارة هذا الدم اذا كان في الجزء الماكول لحمه من الحيوان فالاحوط بل الاقوى وجوب الاجتناب عن الدم المختلف الواقع في الجزء المحرم اكله من الحيوان كالطحال و النخاع و ترتيب آثار النجاسة عليه.

ثم انه اذا رجع دم المذبوح الى الجوف لرد النفس او لكون رأس الذبيحة في علوّ كان نجسا اما اذا رجع الدم من الخارج الى الداخل فلا اشكال في نجاسته لان الدم المسفوح دخل في الجوف و اذا رجع هذا الدم من الداخل بالنفس فأيضا نجس بعد كون الاصل في دم ما له نفس سائلة النجاسة و لا يكون هذا من الدم المختلف في الذبيحة.

ان قلت انه اذا خرج دم من الحيوان يكون نجسا و اذا لم يخرج و لم يظهر يكون طاهرا و ان

كان في اللحم.

اقول: ان المبني تارة يكون على عدم دليل على نجاسة دم ما له نفس سائلة من الحيوان بنحو الاطلاق فالامر سهل و يقال في المقام بانه نشك في نجاسته الدم في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 124

محل الكلام و لا عموم و لا اطلاق يدل على نجاسة فيكون المرجع هو الاصل و هو الطهارة.

و تارة يكون المبني نجاسة مطلق الدم من كل حيوان يكون له نفس سائلة الا ما خرج بالدليل.

و من جملة الدم الذي يشمله الاطلاق هو هذا الدم الذي يكون مورد الكلام و يشمله اطلاق ما دل على نجاسة دم ذي النفس من الحيوان و لا دليل على اخراجه عن هذا الاطلاق فيحكم بنجاسته.

***

[مسئلة 1: العلقة المستحيلة من المني نجسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: العلقة المستحيلة من المني نجسة من الانسان كان او غيره حتى العلقة في البيض و الاحوط الاجتناب عن النقطة من الدم الذي يوجد في البيض لكن اذا كانت في الصفار و عليه جلدة رقيقة لا ينجس معه البياض الّا اذا تمزّقت الجلدة.

(1)

اقول: لا وجه للقول بنجاسة العلقة المستحيلة من المني الّا دعوى كونها مضافا الى الحيوان الذي تتكون العلقة فيه فيقال انها دم الحيوان و هو نجس لما دلّ على نجاسة دم الحيوان الذي تكون له نفس سائلة و لكن يمكن منع ذلك لانها تتكون في الحيوان و ليس جزء من الحيوان و الدليل الدال على نجاسة دم الحيوان ذي النفس لا يدل الّا على نجاسة الدم الذي يكون جزء من الحيوان.

و اما مع فرض قبول عدم كون العلقة مضافة الى الحيوان المتكون فيه العلقة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 125

فلا وجه لنجاستها و لو

كانت دما لعدم وجود اطلاق لدليل نجاسة الدم يشمل هذا المورد و على فرض وجوده فهو منصرف عن المورد و لكن من باب نقل الاجماع على نجاستها عن بعض و احتمال انّ تكوّنها في الحيوان يوجب اضافتها الى الحيوان و القول بانها دم الحيوان المتكوّنة فيه نقول بان الاحوط معاملة النجاسة و ترتيب آثارها على العلقة المستحيلة من المني المتكوّنة في الحيوان و كذا العلقة الواقعة في البيض.

و اما نقطة دم قد يوجد في البيض فالحكم بنجاستها اشكل لعدم دليل على نجاستها الّا ان يقال باعتبار ان البيض يتكوّن في الحيوان فيقال ان الدم المتكوّن في البيض مضاف الى الحيوان و هذا الاعتبار يكفي في صدق كون هذا النقطة من الدم في البيض دم الحيوان و حيث يكون دم الحيوان ذي النفس نجس فهذا الدم الواقع في البيض نجس.

و لكن كيف يمكن الافتاء بنجاسة نقطة الدم في البيض بذلك الوجه الذي لم يكن وجيها و مع الشك يكون الاصل الطهارة و لكن مع ذلك ينبغى الاحتياط بالاجتناب عنها.

و اما الكلام في نجاسة البياض من البيض و عدمها فان قلنا بان الغلظة الموجودة في الصفار تمنع عن السراية فلا ينجس البياض و لو تمزقت الجلدة الرقيقة الفاصلة بين الصفار و البياض.

و ان لم تمنع الغلظة من السراية ينجس البياض بتمزق الجلدة الرقيقة و لا يبعد الثاني.

و اما ما قيل من انه يكون لنفس نقطة الدم في البيض جلدة رقيقة تمنع عن السراية ان كان تماما فلو اخذت نقطة الدم و طرحت فلا ينجس ما بقي من صغار البيض فضلا عن بياضه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 126

و لو شككنا في ذلك فمقتضى الاصل

هو الطهارة في البياض و الصغار من البيض.

***

[مسئلة 2: المتخلف في الذبيحة و ان كان طاهرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: المتخلف في الذبيحة و ان كان طاهرا لكنه حرام الّا ما كان في اللحم ممّا يعدّ جزءا منه.

(1)

اقول: الاقوى حرمة شرب الدم المتخلف لحرمة شرب مطلق الدم على ما يستفاد من قوله تعالى إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّٰهِ «الخ» «1» و من بعض الروايات. «2»

فالقول بعدم حرمة شرب اكل الدم المتخلف في الذبيحة كما عن الجواهر لا وجه له.

و الاستدلال عليه بقوله تعالى أَوْ دَماً مَسْفُوحاً «3» بان محرم الاكل من الدم ليس الّا المسفوح من الدم.

فيه أولا ان ذلك يوجب الالتزام بحلية اكل كل دم ليس بمسفوح و لا يمكن الالتزام به.

و ثانيا لا يستفاد من الآية الشريفة المستدلة بها انحصار حرمة الاكل بكونه

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 173.

(2) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) سورة الانعام، الآية 145.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 127

مسفوحا لان المحرّم ان كان منحصرا بالمذكورات في الآية يلزم تخصيص الاكثر.

فلا بد اما من حمل الحصر المستفاد من الآية الشريفة على ما هو المحرم اكله عند صدور الآية او الى الحصر الاضافي او غير ذلك فلا يكون المحرم اكله منحصرا بالدم المسفوح حتى يكون مجال لان يقال بحلية اكل الدم الغير المسفوح.

و اما ما كان جزء من اللحم و يعدّ منه.

فان كان مستهلكا في اللحم بحيث تكون السيرة المستمرة من المتشرّعة على عدم الاجتناب عنه فلا يبعد طهارته و عدم وجوب الاجتناب عنه و حلية اكله مع وجود السيرة.

***

[مسئلة 3: الدم الابيض اذا فرض العلم بكونه دما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الدم الابيض اذا فرض العلم بكونه دما نجس كما في خبر فصد العسكري صلوات

اللّه عليه و كذا اذا صب عليه دواء غيّر لونه الى البياض.

(1)

اقول: اما الأخبار فالظاهر انصرافها عما يكون ابيض لان قوله مثلا «رأى في ثوب اخيه دما» او «فى منقاره دما» منصرف عن الدم الابيض ان لم نقل بان المقطوع عدم كون الدم الابيض من الدم المذكور في الاخبار لان موردها ما رأى الشخص الدم و لا يرى في منقار الطير او في ثوب الّا الدم الاسود و الاحمر فيرى لونه و اما الابيض فلا يرى فهو خارج عن مورد الاخبار.

نعم مع اطلاق بعض معاقد الاجماعات و عدم القول بالفصل بين الاحمر و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 128

الابيض من الدم نقول بان الاحوط الاجتناب عن الدم الابيض و اما صفة فصد الامام ابى محمّد العسكري صلوات اللّه و سلامه عليه المذكورة في روايتين كما في الوسائل فلا تعرض فيهما لنجاسة الدم او طهارته اصلا نعم في الاولى منهما تعرض لكون الدم الخارج كان ابيض مضافا الى ضعف سند هما فراجع. «1»

***

[مسئلة 4: الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للبن.

(1)

اقول: لانّه دم الحيوان و قد دلّ الدّليل كما عرفت على نجاسته و ينجّس اللّبن لانّ اللّبن لاقي النّجاسة مع الرّطوبة المسرية.

***

[مسئلة 5: الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح و يكون ذكاته بذكاته بذكاة أمه تمام دمه طاهر لكنه لا يخلو عن الاشكال.

(2)

اقول الاقوى نجاسة دمه ان قلنا بنجاسة مطلق الدم.

______________________________

(1) الروايتان 1 و 2 من الباب 10 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 129

و ما بيّنا من الاخبار حيث يكون منصرفه غير المورد فلا دليل على نجاسته و مع الشك فالمحكّم اصالة الطهارة و اما التمسك لطهارته بان حيث تكون ذكاته ذكاة أمه و مع تذكية أمه خرج الدم المتعارف و هذا من المتخلف في الذبيحة و لهذا يجوز اكله ففيه ان ما دل على ان ذكاته بذكاة أمه لا يدلّ الّا على كونه مذكي بتذكية أمه و اما طهارة دمه فلا بل نقول بانه بعد كون دليل طهارة الدم المتخلف هو السيرة فهي غير جارية في ما نحن فيه.

***

[مسئلة 6: الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه اشكال و ان كان لا يخلوا عن وجه و اما ما خرج منه فلا اشكال في نجاسته.

(1)

اقول: و منشأ الاشكال هو الاشكال في شمول دليل الدال على طهارة الدم المتخلف في الذبيحة للمورد و عدم شموله و حيث انه قد عرفت ان الدليل العمدة في طهارة الدم المتخلف في الذبيحة بل الدليل المنحصر هو السيرة و لم نكشف تحققها في المورد فالاحوط الاجتناب عنه و اما ما خرج منه من الدم فلا اشكال في نجاسته لانه دم من الحيوان ذي النفس السائلة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 130

[مسئلة 7: الدم المشكوك في كونه من الحيوان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: الدم المشكوك في كونه من الحيوان أولا محكوم بالطهارة كما ان الشي ء الاحمر الذي يشك في انه دم أم لا كذلك و كذا اذا علم انه من الحيوان الفلانى و لكن لا يعلم انه مما لا نفس أم لا، كدم الحية و التمساح و كذا اذا لم يعلم انه دم شاة او سمك فاذا رأى في ثوبه دما لا يدري انه منه او من البق او البرغوث يحكم بالطهارة و اما الدم المختلف في الذبيحة اذا شك في انه من القسم الطاهر او النجس فالظاهر الحكم بنجاسته عملا بالاستصحاب و ان كان لا يخلو عن اشكال و يحتمل التفصيل بين ما اذا كان الشك من جهة احتمال رد النفس فيحكم بالطهارة لاصالة عدم الرد و بين ما كان لاجل احتمال كون راسه على علوّ فيحكم بالنجاسة عملا باصالة عدم خروج المقدار المتعارف.

(1)

اقول: لاصالة الطهارة الجارية في الصورة الاولى الى الرابعة من الصور المذكورة

في المسألة لانه بعد عدم حجية العام في الشبهة المصداقية تصل النوبة بالاصول العملية و الاصل في المقام هو اصالة الطهارة.

ان قيل او يقال بان الحكم في الصورة الاولى و الثالثة و الرابعة هو النجاسة لعموم ما دل على نجاسة كل دم و الخارج ليس الّا ما علم كونه من غير الحيوان او غير ذي النفس و رواية عمار الساباطي المتقدمة ذكرها حين ذكر طوائف الاخبار تدل على نجاسة الدم لان فيها قال عليه السّلام «الا ان ترى في منقاره دما» فحكم بجواز الوضوء من الماء الذي شرب منه الطير الا ان يرى دما في منقاره و اطلاقه يشمل صورة الشك أيضا.

و فيه ان التمسك بالعموم على فرض وجوده فهو من قبيل التمسك بالعام في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 131

الشبهات المصداقية و قد بيّنا عدم كون العام حجة فيها.

و اما الرواية فقد عرفت عند التعرض لها بانها و ان كانت لها الاطلاق بالنسبة الى دم ذى النفس السائلة لكنها منصرفة عن غيرها لوضوح ان منقاره لا يبتلى بدم غير الحيوان و كذا دم ما لا نفس له فلا مجال للتمسك هنا على نجاسة المشكوك كونه من دم الحيوان او غيره او دم ما لا نفس له فعلى هذا في مورد الشك.

يكون الاصل الطهارة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 131

و اما فيما يكون الشك في الدم المختلف في الذبيحة من حيث انه هل يكون من القسم الطاهر من الدم المختلف في الذبيحة و هو الدم المختلف في الذبيحة بعد

خروج الدم المتعارف حين الذبح.

او هو من القسم النجس من الدم المختلف و هو الدم الذي رجع من المذبح الى الجوف لرد النفس او لكون رأس الذبيحة في علوّ.

فقال المؤلّف فى هذه المسألة بان الظاهر الحكم بالنجاسة عملا بالاستصحاب و ان كان لا يخلو عن اشكال ثم قال و يحتمل التفصيل بين ما اذا كان الشك من جهة احتمال رد النفس فيحكم بالطهارة لاصالة عدم الرد و بين ما كان لاجل احتمال كون راسها في علوّ فيحكم بالنجاسة عملا باصالة عدم خروج المقدار المتعارف.

اقول اما استصحاب النجاسة فان كان نظره الشريف الى استصحاب نجاسة الدم في السابق قبل خروجه من الباطن فيقال ان هذا الدم كان سابقا نجسا فيما كان في الباطن فتستصحب هذه النجاسة السابقة ففيه ان نجاسة الدم ما دام يكون في الباطن غير معلوم لان غاية ما يدل عليه الدليل وجوب غسل ملاقيه او عدم جواز الصلاة فيه و غير ذلك و هو في الدم الذي يكون في الخارج فليست حالته السابقة النجاسة حتى تستصحب.

و اما وجه اشكاله في الاستصحاب اما من جهة تبدل الموضوع بان الدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 132

السابق كان في الباطن و في زمان الشك في حكمه يكون في الظاهر فليست القضية المشكوكة عين القضية المتيقنة.

ففيه ان كون الدم في الباطن او في الخارج يكون من حالات الدم و الموضوع باق بنظر العرف و هو الدم في كلتا الحالتين فتكون القضية المشكوكة عين القضية المتيقنة فيجرى الاستصحاب.

و اما بكونه مسببا عن خروج الدم المتعارف اما لرد النفس فالأصل السّببى و هو اصالة عدم رد النفس حاكم على استصحاب النجاسة و تكون النتيجة الطهارة

لانه بعد عدم رد النفس بمقتضى اصالة عدم رد النفس فيكون الدم المختلف محكوما بالطهارة.

و اما لان رأس الذبيحة في العلوّ و صار سببا لعدم خروج الدم المتعارف فيستصحب عدم خروج الدم المتعارف و هو أيضا حاكم على استصحاب النجاسة و ان كان موافقا له لان مقتضى اصالة عدم خروج الدم المتعارف هو النجاسة كما ان مقتضى استصحاب النجاسة هو النجاسة لكن الاوّل حاكم على الثاني فالنتيجة و ان كانت بحسب كل من اصالة عدم ردّ النفس و اصالة عدم خروج الدم المتعارف مختلفة لان الاولى يقتضي طهارة الدم المختلف المشكوك كونه من القسم الطاهر! او النجس و الثانية تقتضى نجاسة الدم المشكوك و لهذا قال المؤلف و يحتمل التفصيل و لكن على كل حال يكون استصحاب النجاسة محكوم الاصلين هذا حاصل وجه الاشكال الثاني على استصحاب نجاسة الدم و هو عدم اجرائه لوجود الاصل الحاكم عليه.

و فيه ان استصحاب عدم رد النفس و كذا استصحاب عدم خروج الدم بمقدار المتعارف يكون مثبتا لانه لا يثبت بها الطهارة او النجاسة الا على القول بالاصول المثبتة لان طهارة الدم في الاولى و النجاسة في الثانية ليست اثرا شرعيا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 133

للاصلين و بعد كونهما مثبتين تصل النوبة الى الاصل المحكوم و هو استصحاب نجاسة الدم لانه كان نجسا سابقا فنستصحب و لكنه قد عرفت انها ليست متيقنة في الساق لان السابق كان الدم في الباطن و ما دام الدم في الباطن لا دليل على نجاسته تمسكا باستصحاب النجاسة.

فتلخص ان النتيجة على هذا هو الطهارة لانه بعد عدم جريان استصحاب النجاسة و وقوع الشك في طهارة هذا الدم و نجاسته

فالاصل الطهارة.

و يمكن ان يقال في المقام بعدم وجود السيرة على عدم الاجتناب عن الدم المختلف فى هذا الفرض اى فرض الشك في خروج الدم بمقدار المتعارف و هو محكوم بحكم نجاسة الدم.

و بعبارة اخرى تكون السيرة في خصوص ما علم خروج الدم المتعارف و في مورد الشك يكون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لان التخصيص يكون لبيّا فيكون العام محكما فلا تصل النوبة بالاصل العملي اصلا فيكون الحكم في تلك الصورة النجاسة كما ان الامر كذلك في صورة الاخرى كما نذكر لك بعد ذلك إن شاء اللّه.

لكن يأتي بالنظر امر آخر و ان كان ما رايته في واحد من كلماتهم و نلقيه على سبيل ابداء الاحتمال و هو ان استصحاب النجاسة المنجزة كما عرفت لا مجال له و لكن لا مانع من استصحاب النجاسة التعليقية و بعبارة اخرى الاستصحاب التنجيزي و ان لم يجر في المقام لكن لا مانع من الاستصحاب التعليقي بان يقال هذا الدم ان كان سابقا يخرج من بدن الحيوان كان نجسا فهكذا فعلا فتكون النتيجة النجاسة لانه خرج فعلا من العروق و هذا يكفي في الحكم بالنجاسة و العجب انه كيف لم يتفطن احد لذلك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 134

[مسئلة 8: اذا خرج من الجرح او الدمل شي ء اصفر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا خرج من الجرح او الدمل شي ء اصفر و شك في انه دم أم لا محكوم بالطهارة و كذا اذا شك من جهة الظلمة انه دم أم قيح لا يجب عليه الاستعلام.

(1)

اقول: لاصالة الطهارة حتى فيما شك من جهة الظلمة بناء على عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية في اجراء اصالة الطهارة و غيرها من الاصول العملية الّا في موارد خاصة منها

الشك في الاستطاعة.

***

[مسئلة 9: اذا حك جسده فخرجت رطوبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في انها دم أم ماء اصفر فيحكم عليها بالطهارة.

(2)

اقول: لاصالة الطهارة فى صورة الشك كما قلنا في المسألة السابقة.

***

[مسئلة 10: الماء الاصفر الذي ينجمد على الجرح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الماء الاصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر الّا اذا علم كونه دما او مخلوطا به فانه نجس الّا اذا استحال جلدا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 135

(1)

اقول اما في صورة عدم العلم بكونه دما فطاهر لاصالة الطاهرة و اما في صورة علمه بكونه دما او مخلوطا به فنجس لان الدم نجس كما عرفت.

و اما في صورة استحالته جلدا فطاهر لان الاستحالة من المطهرات كما يأتي إن شاء الله تعالى في المطهرات.

***

[مسئلة 11: الدم المراق في الامراق حال غليانها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: الدم المراق في الامراق حال غليانها نجس منجّس و ان كان قليلا مستهلكا و القول بطهارته بالنار لرواية ضعيفة ضعيف.

(2)

اقول: مقتضى القاعدة نجاسة الدم في المراق و تنجيسه لكن المحكي عن الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر هو القول بالطهارة و ما يمكن ان يتمسك به بعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها زكريا بن آدم «قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير قال يهراق المرق او يطعمه اهل الذمة او الكلاب و اللحم اغسله و كله قلت فان قطر فيها الدم قال الدم تاكله النار إن شاء الله». «1»

الرواية الثانية: ما رواها سعيد الاعرج «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قدر فيه جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أ تؤكلّ قال نعم فان النار تأكل الدم». «2»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 44 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 136

الرواية الثالثة: ما رواها على بن جعفر في كتابه عن اخيه

«قال سألته عن قدر فيها الف رطل ماء يطبخ فيها لحم وقع فيها وقية دم هل يصلح اكله فقال اذا طبخ فكل فلا بأس.» «1»

اقول: اما الرواية الاولى فضعيفة السند؛ لان الراوي عن زكريا بن آدم و هو الحسين بن المبارك لا الحسن بن المبارك لانه لم يكن ذكر عن الحسن بن المبارك في الرجال كما قال في جامع الرواة.

و اما الحسين بن المبارك فلم يذكر فيه قدح و لا مدح فلا يمكن الوثوق بصدور الرواية.

و اما ما نقول في الرواية الاولى و الثانية و الثالثة فانه بعد ما نرى من كون مفاد ظاهر هذه الروايات من المستنكرات عند المتشرعة لا يمكن الالتزام بمضمونها بل لا بد من توجيهها بنحو من الانحاء مثل حملها على كون السؤال و الجواب عن خصوص حلية اكل الدم لا من حيث نجاسته و كانت طهارة الدم المسئول عنه مفروغا عنها عند السائل و المسئول و قد سئل السائل عن اكله فقال اذا استهلك فلا مانع من اكله.

مضافا الى ما قيل من اعراض الاصحاب عنها و مجرد افتاء الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر لا يوجب الوهن في الاعراض لان الشيخ على ما في النهاية افتى بحلية اكله اذا كان الدم قليلا و يعلّله بان الدم تستحيله النار و هذا لم يكن تمسّكا بالرواية فعلى هذا يصح ان يقال ان مضمون الروايات لم يكن مورد عمل الاصحاب بل اعرضوا عنها.

و لكن مع افتاء جمع من القدماء كالصدوق و الشيخين و غيرهم رحمهم اللّه

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 44 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 137

بذلك و ان اختلفوا فيما كان الدم

قليلا كما عن بعض او مطلقا كثيرا كان او قليلا كما عن بعضهم كيف يمكن دعوى الاعراض.

و اما اعراض المتأخرين فلم يكن موجبا للوهن في الروايات لانه لم يصل بايديهم ما لم يصل بايدينا.

***

[مسئلة 12: اذ غرز ابرة او ادخل سكينا في بدنه او]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذ غرز ابرة او ادخل سكينا في بدنه او بدن حيوان فان لم يعلم ملاقاته للدم في الباطن فطاهر و ان علم ملاقاته لكن خرج نظيفا فالاحوط الاجتناب عنه.

(1)

اقول: بعد عدم كون الملاقات في الباطن موجبا للنجاسة كما مرّ ففي صورة العلم بملاقات الشي ء الخارجي مع الدم في الباطن لا يوجب نجاسة الشي ء الخارجى ما دام لا يكون معه الدم في الخارج فضلا عما يكون الشك في ملاقاته مع الدم في الباطن.

***

[مسئلة 13: اذا استهلك الدم الخارج من بين الاسنان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا استهلك الدم الخارج من بين الاسنان في ماء الفم فالظاهر طهارته بل جواز بلعه نعم لو دخل من الخارج دم في الفم فاستهلك فالاحوط الاجتناب عنه و الاولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 138

غسل الفم بالمضمضة او نحوها.

(1)

اقول: مضى بعض الكلام فى المسألة الاولى من المسائل المتعلقة بنجاسة البول و الغائط.

و نقول في المقام اما في الصورة الاولى بان الدم لا يكون نجسا بناء على عدم نجاسته ما دام في الباطن و اما جواز بلعه اذا استهلك في ماء الفم و عدم جوازه فنقول بناء على عدم نجاسة الدم الداخل فلا وجه للقول بحرمة بلعه من باب كونه من الخبائث لان عدّه من الخبائث مشكل و مع الشك الاصل حلية بلعه و لا وجه آخر لحرمة بلعه.

و كذا الامر في الصورة الثانية لعدم دليل على تنجس الباطن بالنجاسة كما مرّ.

و اما بلعه مع عدم الاستهلاك في ماء الفم فلا يجوز لانه دم نجس دخل من الخارج.

***

[مسئلة 14: الدم المنجمد تحت الاظفار او تحت الجلد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: الدم المنجمد تحت الاظفار او تحت الجلد من البدن ان لم يستحل و صدق عليه الدم نجس فلو انخرق الجلد و وصل الماء إليه تنجس و يشكل معه الوضوء او الغسل فيجب اخراجه ان لم يكن حرج و معه يجب ان يجعل عليه شيئا مثل الجبيرة فيتوضّأ او يغتسل هذا اذا علم انه دم منجمد و ان احتمل كونه لحما كالدم من جهة الرض كما يكون كذلك غالبا فهو طاهر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 139

(1)

اقول: اما نجاسته و تنجيسه الماء بعد انخراق الجلد واضح لان بالانخراق صار الباطن ظاهرا و الدم في الظاهر

نجس و ينجس ما يلاقيه و بعد كون الموضع من مواضع الوضوء و احتاج الى الغسل يجب اخراج الدم من الموضع ان امكن له لوجوب طهارة مواضع الوضوء و الغسل و ان يصل الماء في الوضوء و الغسل بالبدن.

و ان كان اخراج الدم حرجا يجب على المكلف وضع شي ء على الموضع كالجبيرة و الوضوء او الغسل «مع ضم التيمم احتياطا بناء على ما يأتى إن شاء اللّه في مبحث الجبيرة من ان الاحوط ضم التيمم».

و اما اذا احتمل كونه لحما فصار كالدم من جهة الرض او غيره و بعبارة اخرى صار مورد الشك في انه دم او لحم فيحكم بطهارته لاصالة الطهارة.

***

[السادس و السابع: الكلب و الخنزير البريان]
اشارة

قوله رحمه اللّه

السادس و السابع: الكلب و الخنزير البريان دون البحرى منهما و كذا رطوباتهما و اجزائهما و ان كانت مما لا تحله الحياة كالشعر و العظم و نحوهما و لو اجتمع احدهما مع الآخر او مع آخر فتولد منهما ولد فان صدق عليه اسم احدهما تبعه و ان صدق عليه اسم احد الحيوانات الآخر او كان مما ليس له مثل في الخارج كان طاهرا و ان كان الاحوط الاجتناب عن المتولّد منهما اذا لم يصدق عليه اسم احد الحيوانات الطاهرة بل الاحوط الاجتناب عن المتولّد من احدهما مع طاهر اذا لم يصدق عليه اسم ذلك الطاهر فلو نزى كلب على شاة او خروف على كلبة و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 140

يصدق على المتولّد منهما اسم الشاة فالاحوط الاجتناب عنه و ان لم يصدق عليه اسم الكلب.

(1)

اقول: لا اشكال في نجاستهما في الجملة نصا و فتوى كما ادعى عليها الاجماع.

و نحن نذكر اخبار الباب كى يتضح لك حكم اصل المسألة

و بعض التفريعات المتعلقة بنجاسة الكلب و الخنزير إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى اما الاخبار الدالة على نجاسة الكلب.

فالاولى: ما رواها الفضل ابو العباس قال «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان اصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسّه جافا فاصبب عليه الماء قلت و لم صار هذه المنزلة قال لان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم امر بقتلها» «1».

الثانية: ما رواها فضل بن ابى العباس في حديث «انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء.» «2»

الثالثة: ما رواها محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه

السّلام «قال سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء الحديث.» «3»

الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال تغسل المكان الذي اصابه» «4»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 141

الخامسة: ما رواها حريز عمن اخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا ولغ الكلب في الاناء فصبه» «1».

السادسة: ما رواها معاوية بن شريح عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث انه سئل عن سئور الكلب يشرب منه او يتوضأ قال لا قلت أ ليس هو سبع قال لا و اللّه انه نجس لا و اللّه انه نجس.» «2»

«روي صاحب الوسائل هذه الرواية أيضا في الباب الاوّل من ابواب الأسآر عن معاوية بن شريح قال سئل عذافر أبا عبد اللّه عليه السّلام مع زيادة راجع»

السابعة: ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث قال لا يشرب سئور الكلب الا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه». «3»

الثامنة: ما رواها ابو سهل القرشى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن لحم الكلب قال هو مسخ قلت أ هو حرام قال هو نجس اعيده «ها» عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول هو نجس «4».»

التاسعة: ما رواها الصدوق في الخصال باسناده عن على عليه السّلام «قال تنزهوا عن قرب الكلاب فمن اصاب

الكلب و هو رطب فيغسله و ان كان جافا فلينضح ثوبه بالماء» «5»

العاشرة: ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «عن الكلب

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 10 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 11 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 142

السلوقي فقال اذا مسسته فاغسل يدك». «1»

اما ما يدلّ على نجاسة الخنزير:

فالاولى: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به قال ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما اصاب من ثوبه الّا ان يكون فيه اثر فيغسله قال و سألته عن خنزير يشرب من اناء كيف يصنع به قال يغسله سبع مرات». «2»

الثانية: ما رواها خيران الخادم «قال كتبت الى الرجل اسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا فانّ اصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صلّ فيه فان اللّه انّما حرّم شربها و قال بعضهم لا تصل فيه فكتب عليه السّلام لا تصل فيه فانه رجس «3».»

الثالثة: ما رواها سليمان الاسكاف «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شعر الخنزير يخرز به قال لا بأس و لكن يغسل يده اذا اراد ان يصلى» «4».

الرابعة: ما رواها على بن رئاب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في

الشطرنج قال المقلب لها كالمقلب لحم الخنزير قال قلت ما على من قلب «يقلب خ ل» لحم الخنزير قال يغسل يده». «5»

و الناظر في الاخبار المذكورة يرى ان نجاستهما مورد النصوص.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الرسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 143

و ما روي في قبال تلك الاخبار الدال على طهارتهما فلا بد من ردّ علمها الى اهلها ان لم يمكن حملها على ما لا ينافي الاخبار المتقدمة لعدم مقتضى الحجية فيها مع هذا التسالم و اعراض الاصحاب عنها.

اما هذا البعض من الروايات الدالة بظاهرها على الطهارة:

منها ما رواها ابن مسكان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه و السنور او شرب منه جمل او دابة او غير ذلك أ يتوضأ منه او يغتسل قال نعم الّا ان تجد غيره فتنزّه عنه» «1».

و حملها الشيخ على صورة كون الماء كرا كما لا بعد فيه لقوة احتمال ورودها في مياه الغدران التي تزيد غالبا على الكر خصوصا بقرينة رواية ابى بصير المتقدمة و هي الرواية السابعة الدالة على عدم جواز عن سئور الكلب الّا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه.

اقول: لانه على فرض اطلاق رواية ابن مسكان المتقدمة يقيد اطلاقها برواية ابى بصير المتقدمة المفصّلة بين الكر و غيره:

منها ما رواها زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن

الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس» «2».

اقول و هذه الرواية ليست مربوطة بما نحن فيه اصلا بل الظاهر منها جواز الانتفاع من شعر نجس العين يجعله جبلا و يستقى به و اما الماء الذي يستقى به طاهر أم لا فلا يكون الخبر متعرضا له اصلا.

و منها ما رواها الحسين بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال قلت له الشعر

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 144

الخنزير يعمل حبلا و يستقى به من البئر التي يشرب منها او يتوضأ بها فقال لا بأس به» «1».

اقول مقتضى ظاهر السؤال في الرواية كونه عن ماء البئر و الشرب و التوضى عنه فقال لا بأس به لعدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة و لا يستفاد منها طهارة شعر الخنزير اصلا.

اذا عرفت ذلك نقول بان الاخبار المتوهمة دلالتها على طهارة الخنزير مما لا وجه لها كما بينا و على فرض دلالتها حيث لا يكون مقتضى الحجية فيها للاعراض الاصحاب عنها لا يصح التمسك بها.

و بعد ثبوت نجاسة الكلب و الخنزير في الجملة يقع الكلام إن شاء اللّه في جهات:
الجهة الاولى: هل الحكم بالنجاسة مختص بالبرى من الكلب و الخنزير

او يشمل البحرى منهما الحق عدم الشمول لان منصرف الاخبار هو البرى منهما و ظاهر الاخبار منصرف عن البحرى منهما مضافا الى ما قيل من ان لفظ الكلب و الخنزير حقيقة في البرى منهما.

و يمكن الاستدلال في خصوص الكلب و كون النجس منه خصوص البرى منه و عدم شمول حكم النجاسة للبحرى منه بما رواها عبد الرحمن بن الحجاج «قال سال أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل و

انا عنده عن جلود الخز فقال ليس به بأس فقال الرجل جعلت فداك انها علاجى و انما هي كلاب تخرج من الماء فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا خرجت تعيش خارجة من الماء فقال الرجل لا قال ليس به بأس» «2» بناء على عدم جواز لبس النجس فى الصّلاة و على كل حال لا اشكال في الحكم.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 145

الجهة الثانية: و لا فرق في نجاستهما بين اجزائهما

فتمام اجزائهما من اللحم و العظم و كل ما هو منهما حتى ما لا تحلّه الحياة كالشعر منهما نجس لان بعض التعبيرات في النصوص المتقدمة ذكرها من تعرض ملاقات بعض مواضعهما او اطلاق الاصابة و الجواب الدال على نجاسته و عدم سؤال عن موضع الاصابة و ان الكلب هو باجزائه و كذا الخنزير يقتضي ذلك اعني نجاستهما بكل اجزائهما مضافا الى اطلاق بعض معاقد الاجماعات.

الجهة الثالثة: لو اجتمع الكلب مع الخنزير او اجتمع احدهما مع حيوان آخر
اشارة

فتولد منهما ولد هل يكون الولد نجسا أو لا فللمسألة صور:

الصورة الاولى: اذا اجتمع احدهما مع الآخر و تولد ولد يصدق عليه اسم احدهما

فلا اشكال في نجاسته لان الكلب و الخنزير نجس و على الفرض يصدق على المتولد منهما اما اسم الكلب و اما اسم الخنزير.

الصورة الثانية: ما اذا اجتمع احدهما مع حيوان آخر

مثل ما نزى كلب على شاة فتولد منهما ولد يصدق عليه اسم الكلب فلا اشكال فى نجاسته.

الصورة الثالثة: مثل الثانية لكن تولد منهما و لم يصدق عليه اسم احدهما

سواء يصدق عليه اسم حيوان آخر معها أو لا يصدق اسم حيوان آخر عليه فلا وجه لنجاسة الولد المتولد منهما.

و دعوى نجاسته اما بان المتولد من احدهما يكون جزء من احدهما.

ففيه انه لا يكون جزء من احدهما بل يكون في بطن احدهما.

او بدعوى ان الولد تكوّن من احدهما و المتكوّن من احدهما نجس مثلهما.

ففيه ان مجرد التكوّن من احدهما لا يوجب كونه مثلهما حكما لانه و ان كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 146

مبدأ تكوّنه من نجس العين و لكن استحال بصورة اخرى و لو تم هذا الوجه فلا بد من القول بنجاسة الحيوانات الطاهرة لكونها متكوّنة من المني و المنى من كل حيوان ذى النفس نجس و كيف يمكن الالتزام به.

و اما بدعوى استصحاب نجاسته لانه فيما كان جنينا كان نجسا فستصحب النجاسة السابقة.

و فيه انه مع الاستحالة تبدل الموضوع فلا مجال معه للاستصحاب.

اذا عرفت ذلك فالاقوى طهارته مع عدم صدق اسم احدهما عليه فان صدق عليه اسم حيوان طاهر مثلا يقال انه شاة فطاهر لان الشاة طاهر و ان لم يصدق عليه اسم واحد من الحيوانات فنشك في طهارته فالاصل يقتضي طهارته.

الصورة الرابعة: المتولد من احدهما و حيوان آخر مع عدم صدق اسم احدهما عليه

فالامر فيه سهل و الاقوى طهارته سواء يصدق عليه اسم حيوان طاهر أو لا يصدق عليه اسم شي ء من الحيوانات كما عرفت في الصورة الثالثة و لكن مع ذلك نقول.

اما في الصورة الثالثة اعني في صورة تولده منهما يشكل الحكم بطهارة المتولد فيما لا يصدق عليه اسم احد هما و لا اسم حيوان آخر لانه بعد فرض نجاسة الكلب و الخنزير يكون الحكم بنجاستهما كاف في نجاسة المتولد منهما لانه الكلب و الخنزير لا غيرهما و ان

لم يصدق عليه اسم احد هما نظير الآنية الملفقة من الذهب و الفضة و ان لم يصدق عليها انها آنية الذهب و لا اسم آنية الفضة لكن نعلم بكونها محكومة بحكمهما فكذلك في المقام و الاحوط ترتيب آثار النجاسة فيما لا يصدق على المتولد اسم احد الحيوانات الطاهرة في هذه الصورة اعني صورة كونه متولّدا منهما لوجود الملاك الذي يوجب النجاسة و هو كونه المتولد منهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 147

و اما في الصورة الرابعة و ان لم يجر ما قلنا في الصورة الثالثة لكن ينبغي الاحتياط في صورة عدم صدق اسم حيوان طاهر عليه.

***

[الثامن: الكافر باقسامه حتى المرتد بقسميه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن: الكافر باقسامه حتى المرتد بقسميه و اليهود و النصارى و المجوس و كذا رطوباته و اجزائه سواء كانت مما تحله الحياة أو لا و المراد بالكافر من كان منكرا للالوهية او التوحيد او الرسالة او ضروريّا من ضروريّات الدين مع الالتفات الى كونه ضروريّا بحيث يرجع انكاره الى انكار الرسالة و الاحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا و ان لم يكن ملتفتا الى كونه ضروريّا و ولد الكافر يتبعه في النجاسة الّا اذا اسلم بعد البلوغ او قبله مع فرض كونه عاقلا مميزا و كان اسلامه عن بصيرة على الاقوى و لا فرق في نجاسته بين كونه من حلال او من الزنا و لو في مذهبه و لو كان احد الابوين مسلما فالولد تابع له اذا لم يكن عن زنا بل مطلقا على وجه مطابق لاصل الطهارة.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام في نجاسة الكافر يقع في جهات:

الجهة الاولى: لا اشكال في ان المشهور شهرة محققة عند اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم هو نجاسة الكافر مطلقا
اشارة

كتابيّا كان او غير كتابىّ بل ادعي الاجماع عليه من غير واحد و لم اجد مخالفا الا ما حكى عن ابن الجنيد و العماني و نهاية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 148

الشيخ رحمه اللّه فى خصوص الكتابى و تبعه بعض المتأخرين.

[ما قاله فى مفتاح الكرامة]
اشارة

و كان المناسب ان ننقل هنا ما قاله العلامة المتتبّع رحمه اللّه في كتابه الشريف المسمى بمفتاح الكرامة حتى يظهر لك حال الاجماع و الشهرة و وضع مخالفة ما نقل من المخالفين و هذا ما قاله في هذا المقام «و الكافر مشركا كان او غيره ذمّيا كان او غيره اجماعا في الناصريات و الانتصار و الغنية و السرائر و المعتبر و المنتهى و البحار و الدلائل و شرح «لفاضل» و ظاهر التذكرة «و نهاية الاحكام» و في «التهذيب» اجماع المسلمين عليه «قال» الفاضل الهندي و كانه اراد اجماعهم على نجاستهم في الجملة لنص الآية الشريفة و ان كان العامة يأولونها بالحكمية و في الغنية» ان كل من قال بنجاسة المشرك قال بنجاسة غيره من الكفار «و في حاشية المدارك» ان الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامة منهم بل و عوامهم يعرفون ان هذا مذهب الشيعة بل و نسائهم و صبيانهم يعرفون ذلك و جميع الشيعة يعرفون ان هذا مذهبهم في الاعصار و الامصار و نقل عن القديمين القول بعدم نجاسة اسئار اليهود و النصارى و عن ظاهر المفيد في رسالته الغريّة و ربما ظهر ذلك في موضع من النهاية حيث قال و يكره ان يدعو الانسان احدا من الكفار الى طعامه فياكل معه فان دعاه فليامره بغسل يديه ثم يأكل معه ان شاء لكنّه صرّح قبله في غير موضع

بنجاستهم على اختلاف مللهم و خصوصا اهل الذمة و لذا اعتذر عنه المحقّق في النكت بالحمل على الضرورة او المؤاكلة في اليابس قال و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقات النجاسات العينية و ان لم تفد طهارة اليد و اعتذر عنه ابن ادريس بانه ذكر ذلك ايرادا لا اعتقادا و مال الى طهارتهم صاحب المدارك و المفاتيح قال الاستاذ في حاشية المدارك لا يحسن جعل ابن ابى عقيل من جملة القائلين بعدم نجاسة هؤلاء مع تخصيصه عدم النجاسة بأسئارهم و انّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 149

لا يقول بانفعال الماء القليل و السؤر عند الفقهاء، الماء القليل الذي لاقاه فم الحيوان او جسمه، قال و الكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوى فيكون ابن الجنيد هو المخالف فقط «الخ».

و يستفاد من كلامه امور:
الامر الاوّل: قيام الاجماع على نجاسة الكافر

و قلّ مورد من موارد ادعي عليه الاجماع لا يرى مخالف له الّا الاقل من القليل مثل هذا المورد بل لا يرى مخالف الّا ابن الجنيد لان غيره ممن عد من المخالفين كالشيخ و ابن ابى عقيل لا وجه له لما ذكر.

الامر الثاني: الشهرة المحققة

و لا تجد مخالفا لنجاسة الكافر الّا ابن جنيد و قلّما يتق في الفقه شهرة مثل هذه الشهرة و لهذه الشهرة نقول لو شك احد في حصول الاجماع الذي يمكن حدس قول الامام عليه السّلام منه او قلنا بعدم حجيّة الاجماع بهذا المعني و قلنا بان المراد من الاجماع في كلام القدماء رحمهم اللّه هو النّص كما افاده سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه و اذا راينا مثل هذه الشهرة نطمئن بوجود نصّ عن المعصوم عليه السّلام و اطلاع المشهور من القدماء عليه و لو لم يبلغ بنا و لهذا يكون مثل هذه الشهرة حجة وجهها ظاهر لانه بعد ما نرى من ان وضعهم في الفقه و فتواهم هو الاقتصار في المدرك في الاحكام على النّص من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم او الائمة عليهم السّلام حتى نرى انهم مقيّدون في ذكر فتاويهم بعين ما ورد في نصوص اهل البيت و لم يتعدوا الى شي ء آخر و اكتفوا بالنصوص ورد كل سلف الى الخلف و يظهر للمراجع في كتبهم هذا حتى ان الشيخ رحمه اللّه كان بنائه في كتاب التذكرة المعد لذكر التفريعات بان يحصّل حكم التفريعات من النصوص و لهذا نقول نحن اهل النّص و لا نعمل ببعض ما يعمل به مخالفونا من العمل بالقياس ففي المسألة المبحوثة نقول، بان الشهرة تدل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 150

على كون فتوى المعصوم عليه السّلام هو ما عليه الشهرة و لهذا لو وجدت رواية تدل على طهارة الكافر نكشف عن وجود خدشة فيها يوهن صدورها او جهة صدورها و كان هذه السر في ان الفقهاء منا مع انهم روا هذه الرواية الدالة على الطهارة و نقلوها في كتبهم مع ذلك لا يعتنوا بها و لا بدلنا من رد علمها الى اهلها.

الامر الثالث: يظهر لك مما مر في ضمن كلامه ان نجاسة الكافر كان من المسلمات عند الخاصة

حتى انها من الامور المسلمة عند علماء العامة بل عوامهم فضلا عن التسالم عندنا بحيث يعد من جملة شعائرنا و من هذا الوضوح عند الفريقين نكشف تحقق السيرة على النجاسة و هي غير الاجماع و الشهرة المدعاة دليل آخر على نجاسة الكافر هذا حال المسألة بحسب الفتوى و الاجماع و الشهرة و السيرة.

و اما بمقتضى النّص

فاستدل على نجاسة الكافر بالكتاب الكريم و بعض الاخبار
اشارة

فنقول بعونه تعالى

اما الكتاب الكريم قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
اشارة

فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شٰاءَ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1» و قد يستدل بهذه الآية على نجاسة المشرك فتمّ الاستدلال به كما يأتي في مطاوى البحث و قد يستدل بهذه الآية على نجاسة مطلق الكافر حتى من لم يكن مشركا وجه الاستدلال هو ان المراد بالمشرك كما في القاموس هو الكافر فتدل الآية الشريفة على نجاسة مطلق الكافر.

و اشكل على الاستدلال بالآية على نجاسة الكافر بامور
الامر الاوّل ان المراد بالمشرك كما في اللغة هو من اتّخذ شريكا للّه تعالى في الالوهية

و مجرد اطلاقه في بعض الموارد على الكافر لا يوجب حمل اللفظ عليه مطلقا فلا تدل الآية الّا على

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 28.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 151

نجاسة المشرك لا مطلق الكافر.

و رد بان من يكون منكرا للالوهية من الكفار و غير معترف بها رأسا فهو نجس بالاولوية لانه مع فرض نجاسة المشرك كما يدل عليها الآية المذكورة فمن يكون منكرا للّه تعالى راسا فهو نجس بطريق الاولى.

و اما المجوس فانهم نجس لانهم من المشركين لانهم يقولون بالوهية يزدان و اهرمن و النور و الظلمة و اما اليهود و النصارى فنجس لانهم مشركون لقوله تعالى وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ يُضٰاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ «1» اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ «2».

و اورد على الجواب أولا بان المستفاد من الآية الاولى كون اليهود قائلين بان العزير ابن اللّه و النصارى قائلين بان المسيح ابن اللّه و لا يستفاد من ذلك انّهما قائلون بان

العزير و المسيح شريكان للّه تعالى في الالوهية و المراد من الآية الثانية على ما ورد في بعض الاخبار كانت الاحبار و الرهبان يحلّلون الحرام و يحرّمون الحلال و لاجل ذلك قال اللّه تعالى اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ».

و ثانيا غاية ما يمكن ان يستفاد من الآيتين هي كون اليهود و النصارى مشركين حين نزول الآية او قبله و اما كون كل يهودي و نصراني حتى من يتولد بعد صدور الآية مشركا فلا يستفاد من الآيتين.

اقول يمكن دعوى دلالة الآيتين على شرك النصارى الى زمان نزول الآيتين

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 30.

(2) سورة التوبة، الآية 31.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 152

لقوله تعالى في الآية الثانية وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ لان المسيح لم يحلّ حراما و لم يحرّم حلال فاتخاذهم المسيح ربّا يكون من باب اعتقادهم بالاقانيم الثالثة.

الّا ان يقال ان قوله جلّ جلاله أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ هو انهم اتخذوه ربّا من دون اللّه تعالى و هو غير المشرك باللّه.

و لكن قوله تعالى سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ شاهد على انّهم اتخذوه ربّا على سبيل التشريك.

و اما الاشكال الثاني فاشكال وارد لانه لو سلّم دلالة الآيتين على شرك اليهود و النصارى لاجل ما كانا معتقدين به من قول اليهود عزير بن اللّه و من باب اعتقاد النصارى بان المسيح ابن اللّه فلا تدل الآيتان بشرك كل يهودي و نصرانى حتى من لا يكون معتقدا بهذا الاعتقاد الفاسد و بعبارة اخرى لا يستفاد من الآيتين بعد اتعاب النفس في الاستدلال بها الّا كون القائل بمقالة ما اعتقد به اليهود و النصارى حين نزول الآية مشرك و يكفي في نجاستهما مع هذا

الاعتقاد. قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ففي الحقيقة بعد اللتيا و التي يثبت بالآيتين الصغرى اعنى شرك اليهود و النصارى المعتقدين بما في الآيتين و يثبت بالآية الاخرى و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ الكبرى و هى نجاسة كل مشرك. و اما شرك كل يهودي و نصراني فلا يستفاد من الآيتين فلا مجال لان يقال بنجاسة كل يهودي و نصراني بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.

و مما مر ظهر لك ان الاستدلال بالآية الشريفة على نجاسة مطلق الكافر غير سليم عن الاشكال و اما بالنسبة الى نجاسة خصوص المشرك فيصحّ الاستدلال بها و سليم عن الاشكال المذكور.

الامر الثاني من الامور التي اشكل بها على الآية الشريفة المذكورة

و هي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 153

قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ هو ان دلالتها على نجاسة المشرك او مطلق الكافر مبنيّة على ان يكون المراد من النجس هو النجس المصطلح اعني النجس المقابل للطاهر و هذا غير معلوم لاحتمال كون المراد من النجس هو القذر باعتبار القذارة المعنوية التي تكون في المشرك باعتبار شركه و هذا الاشكال ان كان واردا فلا يتمّ الاستدلال بالآية حتى على نجاسة خصوص المشرك فضلا على نجاسة مطلق الكافر.

و فيه ان النجس لم يكن مثل القذر حتى تأتى فيه هذا الاحتمال بل النجس مقابل الطاهر و لهذا اذا ورد مثلا ان الكلب رجس نجس لا يحتمل ان المراد من كونه نجسا انه قذر بالقذارة المعنوية او عرفية بل الظاهر منه ان الكلب نجس في قبال بعض الآخر من الحيوانات او السباع الذي يكون طاهرا.

مضافا الى ان التعبير شاهد على ذلك فان قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم «الخ» مناسب مع نجاستهم الجسمية.

ان قلت ان قذارتهم المعنوية تناسب

مع التفريع بعدم قربهم المسجد الحرام.

قلت ان كان الموجب لعدم قربهم المسجد الحرام هو القذارة المعنوية و هى الشرك فذكر النجاسة يكون لغوا و كان المناسب ان يقال انّما المشركون لا يقربوا المسجد الحرام فان الظاهر من قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ كون نجاستهم موجبا لذلك لا شركهم فلا يبقى اشكال من هذا الحيث فلا حاجة الى اتعاب النفس كما اتعب نفسه صاحب «1» الحدائق رحمه اللّه من حمل النجس على المعنى المصطلح بانه بعد كونه مصطلح الائمة عليهم السّلام هو هذا و ان مصطلحهم على طبق مصطلح اللّه تعالى لانهم أمناء وحيه فيحمل قوله تعالى على طبق مصطلحهم، لامكان دفع هذا التوجيه و انه لا ملازمة بين مصطلحهم و مصطلح اللّه تعالى.

______________________________

(1) الحدائق، ج 5 ص 165.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 154

فتلخص مما مر في الامر الثاني الذي تعرضنا فيه الاشكال الثاني على الاستدلال بالآية الشريفة المذكورة عدم ورود الايراد.

و ان فرض ورود الايراد فلا يمكن الاستدلال بها على نجاسة مطلق الكافر و لا على نجاسة خصوص المشرك لانه ان كان المراد من النجس القذر بمناسبة القذارة المعنوية فلا يمكن الاستدلال بها على النجس المقابل للطاهر و لكن العمدة عدم ورود الايراد فافهم.

الامر الثالث: من الامور التي اوردت على الآية الشريفة

و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ هو انه بعد ما تبيّن في محله بان المصدر غير قابل للحمل على الذات بلا تقدير و كلمة «نجس» بفتح النون و الجيم مصدر لا يمكن حملها على الذات في قوله تعالى انّما المشرك الّا بتقدير ذي فمعنى قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ اي ذو نجاسة و كفى في صحة الحمل اي حمل ذو ادني الملابسة

فيكفي كونهم ذي نجاسة لعدم انفكاك بدنهم غالبا عن النجاسات العرضية لعدم تجنّبهم عن النجاسات الشرعية كالبول و الدم و غير هما و اكلهم لحم الخنزير و شربهم الخمر فلا تدل الآية على نجاسة المشرك ذاتا.

و فيه امّا أولا فان كلمة «نجس» بفتح النون و الجيم كما اطلقت و اريد بها المصدر كذلك تطلق و تراد بها الوصف و لا مانع من ان تكون في المقام بمعنى الوصف بمعنى ان المشركين متصفون بالنجاسة.

و ثانيا يمكن حمل المصدر على الذات بالمبالغة مثل زيد عدل و يكون ابلغ و اولى من التقدير اعني تقدير ذى لان المجاز خير من الاضمار و التقدير فزيد عدل و ان كان مجازا في الكلمة او في الاسناد خير من التقدير مطلقا و كذلك في المقام.

فتلخص من ذلك كله ان الآية الشريفة تدل على نجاسة المشركين من الكفار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 155

سواء كانوا من غير اهل الكتاب القائل بالشرك او الكتابي منهم القائل بمقالة الشرك مثل من يقول من اليهود و النصارى بان للّه تعال شريكا في الالوهية و اما من كان نعوذ باللّه منكرا لاصل وجود اللّه تعالى فهو نجس بالاولوية القطعية و اما من لم يكن مشركا فلا يمكن الاستدلال على نجاسته بالآية المذكورة.

و استدل على طهارة اهل الكتاب بقوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ. «1»

و فيه انه بعد تفسير الطعام المذكور في الآية الشريفة بالحبوب لا مجال للاستدلال بها على الطهارة نذكر لك بعض الاخبار الدالة على ان المراد من الطعام هو الحبوب و اشباهها مثل ما رواها قتيبة الاعشى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

في حديث انه سئل عن قوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ قال كان ابى يقول انما هي الحبوب و اشباهها «2» و غير ذلك راجع الباب 51 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

هذا كله بحسب ما يستفاد من القرآن الكريم

و اما بحسب الروايات.
اشارة

فما يمكن ان يستدل بها على نجاسة الكافر روايات:

الرواية الاولى: ما رواها «سعيد الاعرج

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سئور اليهودي و النصراني فقال لا» «3».

و دلالتها على عدم جواز سئور اليهودي و النصراني واضحة ان قلت يمكن ان يكون وجه عدم الجواز هو ابتلائهما بالنجاسات الظاهرية لا كفر هما.

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 5.

(2) الرواية 4 من الباب 51 من الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 156

اقول اطلاق الجواب يقتضي عدم الجواز حتى حال طهارتهما عن النجاسات الظاهرية مثل حال طهارة بدنهما عن هذه النجاسات الظاهرية لان اطلاق الجواب يشمل حتى هذا الحال.

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن مسلم

«قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية اهل الذمة و المجوس فقال لا تاكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر. «1»»

و الاشكال فيها بان الظاهر من قوله عليه السّلام «و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» هو كون النهي لاجل النجاسة العرضية لا الذاتية ليس في محله لانه بعد النهي المطلق فى الصدر الرواية عن الاكل فى آنيتهم و طعامهم الّذي يطبخونه يكون لاجل النجاسة الذاتية ثم بعد ذلك ذكر حكما آخرا و هو كون آنيتهم التي يشربون فيها الخمر نجس و هذا لا ينافي مع اطلاق صدر الرواية.

الرواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلى

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم رجل مجوسى أ يدعونه الى طعامهم فقال اما انا فلا أو اكل المجوسى و أكره ان احرّم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم «2».»

قد يتوهم دلالة هذه الرواية على عدم نجاسة المجوسى لقوله عليه السّلام «اكره ان احرّم عليكم» و لكن يدفع هذا التوهم قوله عليه السّلام «اما انا فلا او اكل المجوسى» فهذا شاهد على تحريم المؤاكلة مع المجوسى و قوله عليه السّلام «و اكره ان احرّم عليكم» شاهد على رعاية التقية بالنسبة الى السائل و انه مع ما يصنعون في بلادكم من تحليلهم لمؤاكلته معهم كيف احرّم عليكم و اوردكم في الهلاكة، و الحاصل ان صدر الرواية و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 157

هو قوله عليه السّلام اما انا فلا او اكل المجوسي دليل

على عدم الجواز و اما الذيل ان لم يكن دليلا على التقية فلا اقل من عدم ظهوره في عدم التحريم فظهور الصدر باق بحاله مع انه لا فرق بين المعصوم عليه السّلام و بين السائل في الحكم الّا من حيث ابتلاء السائل بالتقية فيكون الذيل أيضا شاهد على الحرمة لانه لو لم يكن التقية كان حراما المؤاكلة معه أيضا للسائل اللّهم الّا ان يقال بان ما قال عليه السّلام «اما انا فلا او اكل المجوسي» اعم من التحريم لإمكان كون تركه لاجل كراهة ذلك لا لاجل حرمته لكن هذا لا يناسب مع ما قال في الذيل من ان علة عدم تحريمه على السائل هي قوله عليه السّلام «و اكره ان احرّم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم» لانه مع كون المؤاكلة على ما فرضت مكروها لا محرّما ليس ما يصنعون في بلادهم محرّما حتى لاجله لا يحرّم عليه فلا تصح العلة على هذا الاحتمال فهذا الاحتمال اي احتمال كون ترك المعصوم عليه السّلام لاجل كراهته مردود.

مضافا الى ان قوله عليه السّلام في الرواية «و اكره ان احرّم عليكم «الخ» ظاهر بل صريح في ان المؤاكلة مع المجوسي محرمة في حدّ ذاتها و لكن لم يحرّم عليهم لاجل التقية.

نعم لا بد من حمل المؤاكلة في الرواية على المساورة لا المؤاكلة التي الاعم من المساورة لان المساورة عبارة عن التشريك في اناء واحد و قصعة واحدة و هي حرام لا مطلق المؤاكلة التي تشمل حتى صورة عدم التشريك في اناء واحد و تحصل حتى بالمعية في سفرة واحدة و لو لم يكن بتشريك في اناء و لم تحصل ملاقاة مع الرطوبة بين الفردين او الافراد لان المؤاكلة بهذا

المعني خارج عن محل الكلام لدلالة بعض الاخبار المتمسكة على طهارة اهل الكتاب على جواز المؤاكلة و مفاد هذه الطائفة من الاخبار خارج عن محل الكلام لان محل الكلام في نجاسة الكافر في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 158

المساورة و الاختلاط و المؤاكلة معه في ظرف واحد بالتشريك و مع الرطوبة.

و ممّا ذكرنا من الفرق بين المؤاكلة و المساورة ربما يختلج بالبال احتمال آخر و هو ان يكون النظر في السؤال كما هو الظاهر منه عن المؤاكلة الاعم من المساورة و هو عليه السّلام قال اما انا فلا او اكل المجوسي» حتى اذا كانت المؤاكلة بدون المساورة لاجل كون ذلك مكروها و كراهته لان يحرّم عليهم كانت من باب ابتلائهم في بلادهم بالمؤاكلة معهم.

لكن هذا الاحتمال مدفوع بقوله عليه السّلام و اكره ان «احرّم عليكم» لانه لو كانت المؤاكلة مكروها و لهذا قال اما انا فلا او اكل المجوسي فليس المناسب ان يقول اكره ان احرّم عليكم فقوله اكره ان احرّم عليكم» دليل على كون ترك مواكلته لاجل حرمته و لكن لا يحرّم عليهم لاجل ابتلائهم بالتقية فيتم الاستدلال على نجاسة المجوسي بالرواية.

نعم هذا الاستظهار من حمل المؤاكلة على خصوص المساورة لا يدلّ على جواز المؤاكلة بدون المساورة.

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام

«في رجل صافح رجلا مجوسيّا فقال يغسل يده و لا يتوضأ» «1»

تدل على نجاسة المجوسي بعد حمل مورد الرواية على صورة وجود رطوبة مسرية في يديهما او يد إحداهما اقلا لاشتراط سراية النجاسة من الملاقي «بالفتح» الى «الملاقى» بالكسر بالرطوبة المسرية و الّا فمع يبوسة كل منهما لا تسرى النجاسة من إحداهما الى الأخرى لان كل يابس ذكي و يمكن حمل قوله عليه

السّلام في الرواية

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 159

«يغسل» على الاستحباب بقرينة عدم كون مجرد المصافحة يوجب للغسل بل على تقدير نجاسته يجب الغسل مع السراية فالامر بالغسل مطلقا سواء توجب المصافحة السراية أم لا شاهد على ان مجرد المصافحة يوجب استحباب الغسل و لكن يمكن ان يقال بان الرواية ليست الّا في مقام بيان وجوب غسل اليد بملاقات بدن المجوسي و ليست في مقام بيان ما يشترط في نجاسة ملاقيه كما ترى في الحكم بالغسل في سائر النجاسات فالرّواية تدل على النجاسة فتدبر.

الرواية الخامسة: ما رواها ابو بصير عن احدهما عليهما السّلام

«في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني قال من وراء الثوب فان صافحك بيده فاغسل يدك.» «1»

يدلّ على نجاسة اليهودي و النصراني بما عرفت في الرواية الرابعة.

و يحتمل فيها ما احتملنا في الرواية السابقة و يردّ الاحتمال بما قلنا في الرواية السابقة.

الرواية السادسة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه ابى الحسن موسى عليه السّلام

قال سألته عن مواكلة المجوسي في قصعة واحدة و ارقد معه على فراش واحد و اصافحه فقال لا» «2».

و بهذه الرواية تقيّد ما يدلّ على جواز مطلق المؤاكلة و يدلّ على عدم جواز مواكلة المجوسي اذا كانت المؤاكلة بنحو المساورة و التشريك كما في مورد الاكل معه في قصعة واحدة.

و ربّما يشكل على الاستدلال لانه بعد عدم حرمة الرقود معه و مصافحته بل

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 160

كراهتهما فلا بد من حمل قوله عليه السّلام «لا» على الكراهة و على مطلق المرجوحية فلا تدل على المدعى.

الا ان يقال بان القول بكراهة الرقود معه و المصافحة معه يكون من باب دليل آخر فيبقي النهي بحاله من حيث المؤاكلة في قصعة واحدة فتدلّ الرواية على النجاسة فتأمل.

الرواية السابعة: ما رواها هارون بن خارجة

«قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اني اخالط المجوسي فآكل من طعامهم فقال لا «1».»

الرواية الثامنة: ما رواها علي بن جعفر

انه سئل اخاه موسى بن جعفر عليه السّلام «عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال اذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام الا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل و سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يضطر إليه.» «2»

و ربما يتوهم كون المراد من الاضطرار هو الاضطرار الى استعمال الماء و عدم وجود ماء آخر فيقال لا معنى لتغيير الحكم الوضعي و هو بطلان الوضوء بالماء النجس بالاضطرار فان صار الماء نجسا بملاقات اليهودي او النصراني فلا يجوز التوضؤ به مضطرا كان الى ذلك أم لا.

و بعبارة اخرى لا يصح الوضوء بالماء النجس سواء كان له ماء آخر أم لا نعم مع عدم وجود ماء آخر ينتقل التكليف بالتّيمم و هذا يوهن الرواية فلا بد من حمل النهي فيها على الكراهة و انه يكره الوضوء بماء يلاقيه يد اليهودي او النصراني الا ان يضطر إليه لعدم وجود ماء آخر فتكون الرواية غير دالة على نجاسة

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 161

اهل الكتاب.

لكن فيه ما نقول بانه أوّلا من المحتمل كون الاضطرار الى التوضي به لاجل التقية فلا مسرح له الا التوضي من الماء النجس لان المشهوريين العامّة القول بطهارة الكافر و هذا احتمال قريب في الرواية.

و ثانيا لو لم تدل الفقرة الاخيرة و هي قوله و سأله الخ» على

النجاسة فلا اشكال في دلالة الصدر و يحتمل كون الصّدر و الذيل روايتان سئل مرة عن الاغتسال من ماء الحمام و اخرى عن التوضي بالماء الذي ادخل اليهودي او النصراني يده فيه.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

«قال سألته عن فراش اليهودي و النصراني ينام عليه قال لا بأس و لا يصلى في ثيابهما و قال لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة و لا يقعده على فراشه و لا مسجده و لا يصافحه قال و سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصّلاة فيه قال ان اشتراه من مسلم فليصل فيه و ان اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله.» «1»

اقول: ربما يتوهم ان قرينة السياق يقتضي حمل النهى عن الاكل على الكراهة لانه بعد كون النهي عن القعود على الفراش و مسجده و مصافحته محمولا على الكراهة فالنّهي عن الاكل محمول على الكراهة لكن هذا التوهم فاسد لان النهي ظاهر في التحريم و لو لا الدليل من الخارج على عدم حرمة هذه الثلاثة كان اللازم حمل النهي فيها على الحرمة فلا وجه لحمل النهي عن الاكل على الكراهة.

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 162

نعم ان كان كل هذه الاربعة المذكورة متعلقا بالنهي الواحد مثلا كانت العبارة هكذا «نهي عن الاكل و القعود في فراش المجوسي و مسجده و المصافحة معه» كان مجال لان يقال بعد كراهة الثلاثة المذكورة لا يمكن حمل النهي بالنسبة الى الاكل على التحريم لان المفروض كون النهي نهيا واحدا و النهي الواحد ليس قابلا لحمل بعض النهي عنه على الكراهة و حمله

بالنسبة الى البعض على التحريم فلا بد من حمل النهي على مطلق المرجوحية كما قيل و لكن ان النهي في الرواية متعدّدا لا واحدا كما ترى فلا مجال لهذا الدعوي في هذه الرواية.

الرواية العاشرة: ما رواها العيص

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مواكلة اليهودي و النصراني و المجوسي ناكل من طعامهم قال لا» «1».

و لا يمكن حملها على مطلق المؤاكلة و ان كانت بلا مساورة و الاشتراك و ابتلائه بملاقاتهم حتى يحمل على الكراهة لان قوله نأكل من طعامهم» يدلّ على كون المؤاكلة بنحو المساورة و الاكل من طعامهم المتوقف على الملاقات مع الرطوبة معهم فالرواية ظاهرة في الحرمة.

الرواية الحادية عشر: ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«في آنية المجوسي فقال اذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء» «2» هذا كله في الروايات المتمسكة بها على النجاسة و لا اشكال في دلالة بعضها و ان استشكل في دلالة بعضها الآخر.

و فيها ما يدلّ على نجاسة اليهود و النصارى بالصراحة او من باب انهما اهل الكتاب و فيها ما يدل على نجاسة المجوسي و لو فرض عدم كونه من جملة اهل الكتاب للتصريح في بعض الروايات على ما يدل على نجاسته.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 52 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 14 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود، من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 163

و في قبال تلك الروايات ما يتمسك به على طهارتهم
اشارة

او يمكن ان يتمسك به و هي طوائف من الاخبار:

الطائفة الاولى: بعض الاخبار الذي قيل بدلالته على جواز مواكلتهم
اشارة

و المعاشرة و الاختلاط معهم.

الرواية الاولى: ما رواها ابراهيم بن ابي محمود

«قال قلت للرضا عليه السّلام الجارية النصرانية تخدمك و انت تعلم انها نصرانيّة لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة قال لا بأس تغسل يديها». «1»

وجه الاستدلال توهّم السائل نجاسة العرضيّة للنصرانيّة و جوابه عليه السّلام بعدم الباس بانها تغسل يديها فترتفع نجاستها العرضيّة.

و فيه انه مع كون القضية قضية خاصة غير معلوم وجهها و لعله عليه السلام كان مبتلا بها لاجل التقية فلا يستفاد من الرواية ازيد من كون النصرانية خادمة له و اما كونها مبتلى بها في مأكوله و مشروبه و بعبارة اخرى ابتلاء الامام عليه السّلام بملاقاتها او ملاقات ما يلاقيها مع الرطوبة فغير معلوم و السؤال من عدم وضوئها و غسلها لاجل وجود القذارة فيها غير القذارة النصرانية و هو غير مناسب مع الخادم فاجاب عليه السّلام بانها تغسل يديها ثم ان ما يأتي بالنظر كون سؤال السائل عن القضية الفرضية بمعنى انه أفرض ان لك خادمة نصرانية لا ان للامام عليه السّلام كان له خارجا خادمة نصرانية و نظر السائل الى القذارة العرفية التي لها من باب عدم مبالاتها و عدم وضوئها و غسلها و اجاب عليه السّلام بان هذه القذارة ترفع بالغسل لا انّها تلاقي مع الرطوبة مع سيدها او غيره حتى كانت الرّواية دليلا على طهارة النصرانية فتأمل.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 164

الرواية الثانية: ما رواها ذكريا ابن ابراهيم

«قال كنت نصرانيّا فاسلمت فقلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ان اهل بيتي على دين النصرانيّة فاكون معهم في بيت واحد و آكل من آنيتهم فقال أ يأكلون لحم الخنزير قلت لا قال لا بأس.» «1»

اقول: روى الراوي الرواية بنحو آخر

نذكر حتى يتضح لك الحال روي في الوافى عن الكليني في باب البر بالوالدين من ابواب ما يجب على المؤمن من الحقوق في المعاشرات و هي هذه «كالعدة عن البرقي عن علي بن الحكم عن ابن وهب عن ذكريا بن ابراهيم «قال كنت نصرانيا فاسلمت و حججت فدخلت على ابي عبد اللّه عليه السّلام فقلت اني كنت على نصرانية و اني اسلمت فقال و اي شي ء رايت في الاسلام قلت قول اللّه تعالى ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء فقال لقد هداك اللّه ثم قال اللهم اهده ثلاثا سئل عما شئت يا بنيّ فقلت ان ابي و امي على النصرانية و اهل بيتى و امي مكفوفة البصر فاكون معهم و آكل في آنيتهم فقال يأكلون لحم الخنزير فقلت لا و لا يمسّونه فقال لا بأس فانظر امك فبرّها فاذا ماتت فلا تكلها الي غير و كن انت الذي تقدم بشأنها و لا تخبرنّ احدا انك اتيتني حتى تأتيني بمنى إن شاء اللّه تعالى قال فاتيته بمنى و الناس حوله كانّه معلّم الصبيان هذا يسأله و هذا يسأله فلمّا قدمت الكوفة لطفت بامي و كنت اطعمها و أفلي ثوبها و راسها و أخدمها فقالت لي يا بنيّ ما كنت تصنع بي هذا و انت على ديني فما الذي ارى منك مذ هاجرت فدخلت في الحنيفية فقلت رجل من آل نبينا امرني بهذا فقالت هذا الرجل هو النبي فقلت لا و لكنه ابن نبي فقالت لا يا بني هذا نبى ان هذه وصايا الأنبياء فقلت يا أمه ليس يكون بعد نبينا نبي و لكنه ابنه فقالت يا

بنيّ دينك خير دين أعرضه عليّ فعرضته عليها و دخلت في الاسلام و علّمتها فصلّت

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 53 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 165

الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة ثم عرض لها عارض في الليل فقالت يا بنيّ اعد عليّ ما علّمتني فاعدته عليها فاقرّت به و ماتت فلما اصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها و كنت انا الذي صليت عليها و نزلت في قبرها.»

و بعد المراجعة بهذه الرواية تفهم ان تجويز الامام عليه السّلام مع أمه النصرانية المعاشرة كان لما يرى بالاعجاز من ان ذلك الحشر و النشر بصير سببا لاسلام أمه و لا مانع من تجويز المعاشرة بل الاكل في آنيتهم لاجل ذلك و هذا غير كون اليهود و النصارى طاهرا فالرواية الثانية لا تدلّ على طهارة اهل الكتاب.

الرواية الثالثة: ما رواها عيسى بن القاسم

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مواكلة اليهودي و النصراني فقال لا بأس اذا كان طعامك و سألته عن مواكلة المجوسي فقال اذا توضّأ فلا بأس.» «1»

و دلالتها على الطهارة تتوقف على كون المؤاكلة بنحو المساورة و هذا غير معلوم بل المؤاكلة اعم من ان يكون بنحو يبتلي الشخص بملاقات من يؤاكله مع الرطوبة و اما التجويز في مواكلة المجوسي اذا توضأ فيمكن ان يكون ذلك من آداب المائدة و ليس فيه اشعار على كون المؤاكلة بنحو يلاقي كل منهما الآخر مع الرطوبة هذا بناء على كون الفاعل في قوله «اذا توضأ هو المجوسى» كما هو الظاهر الرواية لا المسلم و على كل حال بعد كون المؤاكلة اعم من المساورة تعارض الرواية مع ما دل على النجاسة اذا

كانت بنحو المساورة لدلالة بعض ما دل على النجاسة صريحا على النجاسة اذا كانت المؤاكلة بالمساورة او كونها في قصعة واحدة.

الرواية الرابعة: ما رواها إسماعيل بن جابر

«قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ما

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 53 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 166

تقول في طعام اهل الكتاب فقال لا تاكله ثمّ سكت هنيئة ثم قال لا تأكله ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال لا تأكله و لا تتركه تقول انه حرام و لكن تتركه تنزها عنه انّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير.» «1» وجه التمسك بذيل الرواية الدال على ان النهي يكون نهيا تنزيهيا.

و لكن المتأمل في صدر الرواية و انه عليه السّلام نهي عن اكل طعام اهل الكتاب و تكراره النهي يرى ان وجه ما قاله عليه السّلام في الذيل ليس الا التقية و لو لم تكن الرواية ظاهرة في التقية فلا اقلّ من احتمالها فلا يبقى مع هذا الاحتمال ظهور للرواية في طهارتهم مضافا الى ان العلة المذكورة في ذيل الرواية «ان في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير لا تلايم مع الكراهة فتأمل.

الرواية الخامسة: ما رواها عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«قال سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز او اناء غيره اذا شرب منه على انّه يهودي فقال نعم فقلت من ذلك الماء الذي يشرب منه قال نعم.» «2»

و دلالتها على الطهارة تتوقف على حمل قوله «اذا شرب منه على انه يهودي» على صورة علمه بذلك و اما ان كان مجرد تخيّله ذلك او ظنّه بكون من شرب منه هو اليهودي فلا تدل على الطهارة لان منشأ تجويز الوضوء في هذه الصورة هو اصالة الطهارة و لا يبعد كون المحتمل هذا لان الاناء و الكوز من الغير فشرب منه فتخيل كون صاحبه يهود يا فسئل عن الوضوء و مع هذا الاحتمال فلا تدلّ الرواية

على طهارتهم.

الطائفة الثانية: بعض الروايات الدالة على جواز تصدى اهل الكتاب لغسل المسلم او المسلمة:
اشارة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 54 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الأسآر الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 167

الرواية الاولى: ما رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«في حديث قال قلت فان مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصاري و نساء مسلمات ليس بينه و بينهنّ قرابة قال يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر، و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها و معها نصرانية و رجال مسلمون «و ليس بينها و بينهم قرابة» قال تغتسل النصرانية ثم تغسلها» «1».

الرواية الثانية: ما رواها خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام

«قال:

اتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم نفر فقالوا ان امرأة توفيت معنا و ليس معها ذو محرم فقال كيف صنعتم فقالوا صببنا عليها الماء صبا فقال او ما وجدتم امرأة من اهل الكتاب تغسلها قالوا لا قال أ فلا يمّموها.» «2»

قال في المعتبر بعد نقل الخبرين و عندي في هذا التّوقف و الاقرب دفنها من غير غسل لان غسل الميت يفتقر الى النية و الكافر لا يقع منه نية القربة ثم طعن في الحديث الاول بان السند كله فتحيّة و الحديث الثاني بان رجاله زيديّة.

اقول: مع ضعف سند هما كما ترى من عبارة المعتبر لا يمكن التعويل عليهما.

ان قلت ان الروايتين مجبورة ضعفهما بعمل الاصحاب لان ما قبل المحقق رحمه اللّه قد عمل بهما في مورده.

قلت مع إن عمل الاصحاب غير معلوم لكون المسألة مختلفا فيه من حيث

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب غسل الميت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 168

النص و الفتوى غاية ما يمكن ان يقال بعد عمل الاصحاب بهما هو تجويزهم غسل الكافر مع فقد

المسلم و اما كيفية تجويزهم من مباشرة الكافر بدن المسلم او المسلمة الميت او عدم مباشرته فهو غير معلوم و من هذا الحيث يكون عملهم مثل نفس الروايتين غير معلوم فلا يمكن الاستدلال بهما على طهارة الكتابي.

و الاشكال بعدم تمشى قصد القربة من النصراني و الحال ان الغسل عبادة موقوف بقصد القربة.

ممكن الدّفع اما بان هذا اجتهاد في مقابل النص لانه بعد تجويزه يسقط هذا الشرط.

و اما بانّ الآمر يقصد القربة و هو كاف و لكن مع ذلك نقول اما أولا بانه كما يمكن ان يكون تجويز تغسيل الكافر المسلم من باب كون الكافر طاهرا كذلك يمكن ان يكون من باب العفو عن تنجيسه فى هذا المورد و الرواية لا تدل الا على اغتساله و لا يذكر فيها ان وجه اغتساله طهارة النصراني او العفو عن تنجيسه فى هذا المورد و مع هذا الاحتمال لا يستفاد من الرواية طهارة النصراني.

و امّا ثانيا كما بيّنا غاية ما يستفاد من الخبرين هو تغسيل المماثل الكافر المسلم اذا لم يكن مماثل المسلم او ذو قرابة مسلمة و اما كيفية غسله فلا تعرض في الرواية لها فنقول بمقتضى عدم جواز تنجيس الميت و وجوب كون بدنه طاهرا حال الغسل بان يغسله النصراني بنحو لا ينجسه و بعبارة اخرى ان الرواية متعرضة لحيث وجوب تغسيل الكافر المسلم في صورة عدم المماثل و ذي القرابة من المسلمين و اما حيث آخر و هو وجوب طهارة بدن الميت المسلم حال الغسل و بعده حتى دفن فالرواية غير متعرضة لها فدليل اعتبارها باق بحاله فاذا جمعنا هذه الرواية مع ما دل على وجوب طهارته تكون نتيجة الجمع ان يغسله بنحو لا يوجب تنجيس

الميت المسلم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 169

فتلخص ان الروايتين لا تدلان على طهارة النصراني هذا كله في الاخبار المتمسكة بها على طهارة الكافر او ما يمكن ان يتمسك بها على الطهارة.

فنقول بعونه تعالى انه اذا تأمّلت فيما بيّنا فى هذه الروايات لم تجد ما بينها ما يمكن الاستدلال بها على الطهارة الّا الرواية الخامسة من الطائفة الاولى من الطائفتين المستدلة بهما على الطهارة لما عرفت من عدم ظهور غيرها في الطهارة.

الطائفة الثالثة: بعض الاخبار الواردة في طهارة ما يعمله الذمي

او كان تحت يده كالرواية التي رواها معاوية بن عمّار «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس و هم اخباث «اجناب» و هم يشربون الخمر و نسائهم على تلك الحال البسها و لا اغسلها و اصلّي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا و خططته و فتلت له إزارا و رداء من السابري ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنّه عرف ما اريد فخرج بها الى الجمعة» «1» و غيرها راجع الباب المذكور.

اقول: يحتمل ان فرض السائل في الرواية المذكورة صورة علمه بملاقات المجوسي مع الثياب مع الرطوبة و مع ذلك جوّز عليه السّلام لبسه و الصّلاة فيه بدون غسله و صلّى عليه السلام فيه مع هذا الحال و لازم هذا الاحتمال عدم نجاسة الخمر أيضا.

و فيه انه مع فرض كونه اخباث و هم يشربون الخمر لا يمكن الالتزام به فلا مجال لهذا الاحتمال و يحتمل ان يكون فرض السائل صورة الشك في ملاقات المجوسي الثياب مع الرطوبة و هذا هو الظاهر من الرواية لعدم الملازمة بين نجاستهم و بين ملاقاتهم الثياب مع الرطوبة فلا تدل الرواية و نظائرها على

طهارة المجوسي فيكون الاستدلال بها في غير محله.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 73 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 170

الطائفة الرابعة: بعض الروايات الدالة على طهارة الثوب الذي يستعيره الذمي

و هي روايات راجع الباب 74 من ابواب النجاسات من الوسائل نذكر واحدة منها.

و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال سئل ابي أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر اني اعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده على فاغسله قبل ان اصلى فيه فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام صل فيه و لا تغسله من اجل ذلك فانك اعرته اياه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجسه فلا بأس ان تصلّي فيه حتى تستيقن انه نجسه». «1»

اعلم ان هاتين الطائفتين بلسانهما لا تكونان مربوطتين بالمقام بل الحكم فى إحداهما بالطهارة كما بينا في ذيل رواية معاوية بن عمار يكون من باب اصالة الطهارة في صورة الشك في النجاسة و انه حيث لا يعلم بنجاسة ما وقع تحت يد الكتابي بملاقاته مع الرطوبة يكون محكوما بالطهارة و فى الاخرى لاجل استصحاب الطهارة مع الشك فى تنجيسه.

ان قلت ان توهم السائل نجاسة ما وقع تحت يده يكون لاجل النجاسة العرضية و هو ابتلاء الكتابي بشرب الخمر و اكل لحم الخنزير لا الذاتية و هذا يدلّ على ان كون المعلوم عندهم طهارته ذاتا.

قلت أولا مجرد تخيّل السائل لا يكفي في كون الكافر طاهرا و لم يقرّره الامام عليه السّلام بل صار في مقام بيان حكم آخر يكون مورد سؤال السائل و هو عدم نجاسة ما تحت يده مع الشك في النجاسة.

و ثانيا فرض السائل على تقدير كون الصادر في رواية

معاوية «و هم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 74 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 171

اخبات» خباثة نفس المجوسى و نجاسته.

مضافا الى ان ما تحت ايديهم لو نجس ينجس غالبا بما يلاقيه من مأكولهم و مشروبهم و لهذا ذكر شرب خمرهم و اكل لحم الخنزير و هذا لا يدل على كون نظر السائل و مركوز ذهنه هو طهارتهم بانفسهم فعلى هذا لا وجه لجعل الطائفتين من جملة ادلة طهارة كتابي.

اقول و مما قلنا في طي الاستدلال بالاخبار المتمسكة بها على نجاسة اهل الكتاب و الاخبار المتمسكة بها على طهارتهم يظهر لك ان جل الاخبار المتمسكة على النجاسة تدل على نجاستهم.

و اما الاخبار المتمسكة على طهارتهم فلا يتم الاستدلال بها على الطهارة الا رواية او روايتين.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى شأنه انه قد يقال بانه بعد ما مضى في مبحث التعادل و الترجيح انه اذا امكن التوفيق بين الخبرين المتعارضين بالجمع العرفي فيؤخذ به و بعبارة اخرى يرفع التعارض بالجمع العرفي و بعبارة ثالثة لا يرى تعارض بينهما مع امكان الجمع العرفي بين المتعارضين.

فيقال انه قد مضى في المبحث المذكور بانه اذا كان لسان احد المتعارضين النهي و لسان ما يعارضه الجواز فيحمل الظاهر على النص بنظر العرف فيرفع عندهم عن ظاهر النهي بسبب ما يعارضه الذي هو نص في الجواز فتكون النتيجة حمل النهي في الطائفة التي ظاهر في الحرمة في حد ذاته على الكراهة بقرينة الطائفة المعارضة لها التي هي نص في الجواز فيقال في المورد بان مقتضى الجمع العرفي هو حمل النهي في الطائفة الاولى من الاخبار و هي ما دل على نجاسة اهل الكتاب

بقرينة الطائفة الثانية المعارضة للاولى و هي الاخبار المتمسكة بها على الطهارة على الكراهة فتكون نتيجة الجمع هو القول بكراهة ملاقات اهل الكتاب مع الرطوبة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 172

و فيه أوّلا انه كما قلنا في مبحث التعادل و الترجيح من ان مورد الكلام في باب تعارض الخبرين و ما يقال فيه من الجمع العرفي او الترجيح بالمرجحات و بالاخرة التخيير او التوقف بالكيفية المذكورة في محلّه.

يكون كل ذلك في صورة وجود مقتضي الحجة لكل واحد من الخبرين المتعارضين و بعبارة اخرى يكون محلّ الكلام هو في صورة تعارض الحجتين لا في صورة تعارض الحجة مع اللاحجة.

فاذا لم يكن في احد الخبرين مقتضى الحجية فلا مجال لاعمال قاعدة التعارض من الجمع العرفي و غير ذلك فبناء عليه نقول بانه مع اعراض الاصحاب عن الاخبار المتمسكة بها على الطهارة لوضوح اعراضهم مع هذه الشهرة القوية على النجاسة و مطابقة هذه الطائفة المتمسكة بها على الطهارة مع فتوى المشهور من العامة فليس مقتضى الحجيّة موجود فى الاخبار المتمسكة على الطهارة فلا مجال لاعمال قواعد التعارض مثل الجمع العرفي في المقام.

بل لو لم يكن معارض لهذه الطائفة لا يمكن التمسك بها على الطهارة بل نقول تصل النوبة بالاصل.

و ثانيا على فرض الاغماض عن الاشكال الاول بالالتزام على شمول مورد تعارض الخبرين و اعمال ما يترتب عليه لصورة تعارض الحجية مع اللاحجة او قلنا فرضا بوجود مقتضى الحجية لبعض ما يستدل عليه من الروايات على طهارة الكافر.

نقول بان المورد ليس قابلا للجمع العرفي بالنحو المتقدم من الجمع بحمل الاخبار الناهية عن مباشرة الكافر على الكراهة بقرينة الاخبار المجوزة لان محل كلامنا غير قابل لهذا الجمع.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 173

بيانه ان في الخبرين المتعارضين اذا كان لسان احدهما الامر و لسان الآخر الجواز او لسان احدهما النهي و لسان الآخر الجواز يحمل في الصورة الاولى الخبر الذي لسانه الامر على الاستحباب و في الصورة الثانية الخبر الذي ظاهره النهي على الكراهة بقرينة ما يعارضه على الجواز لحمل الظاهر على النص و هو جمع عرفي و بذلك يرتفع التعارض بينهما عند العرف لكنه لا يمكن الجمع بالنحو المذكور في محل كلامنا لان لسان بعض الروايات المستدلة بها على النجاسة آبية عن هذا الحمل و هذا الجمع مثل الرواية الثالثة من هذه الطائفة نذكر الرواية لتتميم الفائدة.

فنقول اما الرواية فهى ما رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلي «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم رجل مجوسيّ أ يدعونه الى طعامهم فقال اما انا فلا او اكل المجوسيّ و اكره ان احرّم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم.» «1»

و قد مضى الكلام في دلالتها على النجاسة و ذكر ما يمكن ان يورد على دلالتها و الجواب عنه و الحاصل ان صدر الرواية و هو قوله عليه السّلام «اما انا فلا أؤاكل المجوسي» و ذيلها و هو قوله عليه السّلام «و اكره ان احرم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم» ظاهر في ان عدم مواكلته مع المجوسي كان من باب حرمته و ان عدم تحريمة على السائل يكون من باب ابتلاء السائل بالتقية.

اذا عرفت ذلك نقول بانه بعد كون قوله عليه السّلام و اكره ان احرّم عليكم الخ صريح في ان عدم تحريمه على السائل كان من باب ابتلائه بالتقية فيستفاد من هذه الفقرة ان الحكم

هو الحرمة في حدّ ذاته و عدم تحريمه على السائل لاجل ابتلاء السائل بالتقية و حيث ان المذكور الحرمة لقوله و اكره ان احرّم عليكم الخ فلا يمكن الجمع بين هذه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 174

الرواية و ما استدل من الاخبار على الطهارة لان التعبير بالحرمة غير قابل للحمل على الكراهة بعنوان الجمع بين الطائفتين المتعارضتين.

و مثل الرواية الثامنة من الروايات المتقدمة المستدلة بها على نجاسة الكافر نذكر الرواية و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه انه سال اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام «عن النصراني يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل و سئل عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يضطر إليه.» «1»

فان ظاهر قوله عليه السّلام في ذيل الرواية بعد ما سئل السائل «عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة» قال «لا الا ان يضطر إليه» لا يمكن حمل «لا» في كلام الامام عليه السّلام على الكراهة لانه لو كان التوضى منه مكروها يجوز و لو لم يكن الشخص مضطرا إليه لاجل التقية مثلا فجوازه في صورة الاضطرار فقط دليل على كون النهي للتحريم فلا يمكن الجمع بين هذه الرواية و بين بعض ما يستدل به من الروايات على طهارة الكافر بحمل النهي على الكراهة.

فهذا وجه آخر على عدم امكان الجمع بين الطائفة الدالة من الاخبار على نجاسة الكافر و بين الطائفة المتمسكة بها على طهارة الكافر بالجمع بينهما بالجمع العرفي من حمل الطائفة الاولى على الكراهة بقرينة الجواز في الطائفة

الثانية و هذا وجه خطر ببالى بعد الدقة في الروايات و لم أر من تفطن به غيري.

اذا عرفت عدم امكان الجمع بالجمع العرفي بين الطائفتين من الروايات

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 175

المربوطة بالباب نقول بعون اللّه تعالى في المقام.

انه كما قلنا في مبحث التعادل و الترجيح مقتضى القاعدة مع عدم امكان الجمع العرفي بين الخبرين المتعارضين هو الاخذ مما فيه احد المرجحات ان كان لاحدهما الترجيح.

فتقول في ما نحن فيه بان الترجيح يكون مع الاخبار الدالة على نجاسة الكافر.

بيانه ان اوّل المرجحات يكون الشهرة و قد اختلفوا في ان الشهرة المرجحة للرواية على معارضها هل تكون الشهرة الفتوائية او الشهرة الروائية و ليس المقام، مقام التكلم في ان المرجح اي شهرة من الشهرتين.

و نقول بان الترجيح مع الطائفة من الاخبار الدالة على النجاسة بكلتا الشهرتين.

لان الشهرة ان كانت فتوائية فالشهرة الفتوائية كما عرفت في صدر المبحث تكون مع الطائفة من الاخبار التي تدل على النجاسة لان القائل بالطهارة بين قدمائنا الامامية رضوان اللّه تعالى عليهم و بين المتأخرين منهم رضوان اللّه تعالى عليهم اقل من القليل فالشهرة الفتوائية على طبق الاخبار الدالة على النجاسة.

و ان كانت الشهرة المرجحة الشهرة الروائية فأيضا تكون هذه الشهرة مع الطائفة الدالة على النجاسة.

و ان ابيت عن ذلك و فرضت كون الروايات المتمسكة بها على طهارة الكافر أيضا مشهورة بالشهرة الروائية فنقول بانه لا اشكال في كون الطائفة الدالة على النجاسة من الاخبار تكون اشهر و قال المعصوم عليه السّلام بعد قول السائل بان كلاهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 176

مشهور

ان «خذ باشهرهما».

فتلخص ان الترجيح بسبب الشهرة فتوائية كانت او روائية يكون مع الروايات الدالة على النجاسة و مع قطع النظر عن الترجيح بالشهرة يبلغ الامر بعدها على الترجيح بمخالفة العامة فأيضا يكون الترجيح مع الاخبار الدالة على النجاسة لانه كما ذكرنا في صدر المسألة المشهور شهرة قويّة هو القول بالطهارة عندهم بل على ما ذكرها السيد رحمه اللّه اعني السيد المرتضى علم الهدى يكون القول بنجاسة الكافر من متفردات الامامية فالروايات الدالة على النجاسة تخالف مع العامة و لا بدّ من الاخذ بخلافهم لان الرشد في خلافهم فعلى هذا يكون الترجيح مع الاخبار الدالة على النجاسة و ردّ علم الاخبار المتمسكة على الطهارة الى اهلها.

و قد ظهر لك ان الحق نجاسة الكافر و نعطف عنان الكلام إن شاء اللّه الى بعض جهات اخرى.

الجهة الثانية: يشمل حكم نجاسة الكافر للمرتد بقسميه

اعني المرتد الفطري و هو من كان مسلما فكفر او اشرك او كان مرتدا مليّا و هو من كان على ملة الكفر فأسلم ثمّ كفر.

لشمول اطلاقات الادلة الدالة على نجاسة المشرك و غيره من اليهودي و النصراني و المجوسي للمرتد بقسميه.

الجهة الثالثة: [حكم رطوباته و ما لا تحله الحياة منه]

بعد معلومية نجاسة الكافر في الجملة على ما مرّ يقع الكلام في انه هل يشمل الحكم بنجاسته رطوباته و ما لا تحله الحياة من اعضائه أم لا.

اقول ان كان الوجه في الحكم بالنجاسة هو الاجماع يمكن الشك في شمول الحكم للموردين لعدم تصريح من المجمعين بالشمول او عدمه و القدر المتيقّن من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 177

الاجماع هو عدم الحكم في الموردين.

و اما ان كان الدليل النص كما قدّمنا دلالته على الحكم و بعبارة اخرى يكون الدليل الدليل اللفظي لا الدليل اللبي يمكن ان يقال بشموله للموردين.

ان قلت ان مورد الجلّ من الاخبار لو لا الكل هو المؤاكلة او آنية الكافر و هما لا يشملان الرطوبات و ما لا تحله الحياة منه.

قلت بعد دلالة عدة من الروايات المتقدمة ذكرها على النجاسة مع قطع النظر عن الآية الشريفة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يفهم العرف من نجاسة الكافر الا نجاسته بجميع اجزائه مثل ما اذا قال في الكلب انه رجس نجس يفهم العرف من ذلك نجاسته بجميع اجزائه و لا يفهم التفكيك بين اجزائه من يده و رجله و جميع رطوباته و غيرها من اجزائه و بين ما تحله الحياة منه و بين ما لا تحله الحياة منه فكذلك في الكافر.

و من جهة هذا الفهم العرفي نقول بانه لو كان نظر الشارع اختصاص حكم النجاسة ببعض اجزاء الكافر كان عليه البيان.

مضافا

الى ان نجاسة آنيتهم و النهي عن الاكل منها ليس الا من باب ملاقات رطوبة منه او غيرها مع الآنية فتنجست الآنية بملاقاتها فيكون الكافر نجسا بجميع اجزائه حتى رطوباته و ما لا تحله الحياة من اجزاء بدنه.

الجهة الرابعة: قال المؤلف رحمه اللّه و المراد بالكافر
اشارة

من كان منكرا للالوهية او التوحيد او الرسالة او ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات الى كونه ضروريا بحيث يرجع انكاره الى انكار الرسالة.

اقول: بعد عدم ورود لفظ الكافر في الآيات و الروايات المتمسكة بها على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 178

النجاسة فلا فائدة في اتعاب النفس الى فهم المراد من الكافر لغة ثم بعد ذلك نقول يقع الكلام في امور:

الامر الاول: لا اشكال في شمول، حكم النجاسة لمن يكون منكرا للالوهيّة

و لمن يكون منكرا للتوحيد اما منكر التوحيد فانه مشرك و تدل على نجاسته الآية الشريفة المتقدمة ذكرها و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.

و بعد كون المشرك اعنى منكر التوحيد نجسا نقول بان منكر الالوهية نجس بطريق الاولى مضافا الى قيام الاجماع في كليهما.

الامر الثانى: من يكون منكرا لرسالة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو كافر نجس.

اما اليهود و النصارى و المجوس فنجس لكونهم مذكورين في ضمن الروايات المتقدمة المتمسكة على النجاسة و اما غيرهم فمن كان منكرا لرسالته صلّى اللّه عليه و آله و سلم فلعدم الفرق بينهم و بين اليهود و النصارى و المجوس لان وجه نجاسة غير مشركيهم المحكومين بالنجاسة بإطلاق الاخبار هو كونهم منكرين لرسالة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

مضافا الى الاجماع الدال على ذلك.

الامر الثالث: هل يشمل حكم النجاسة لمن يكون منكرا لضروري من ضروريات الدين أم لا.
اشارة

اقول: لا اشكال في نجاسة منكر الضروري بل غير الضرورية من الدين اذا رجع انكاره الى انكار اصل الرسالة لما عرفت من نجاسة منكر رسالة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

انما الكلام في ان كفر منكر الضروري و نجاسته هل يكون من باب ان انكاره يصير سببا لانكار الرسالة فلا يكون انكار الضروري سببا مستقلا للنجاسة و الكفر بل السبب في الحقيقة في انكار الضروري للكفر و النجاسة هو انكار الرسالة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 179

او ان انكار الضروري بنفسه سبب للكفر و النجاسة و ان لم يكن انكاره موجبا لانكار الرسالة مثل ما كان انكاره الضروري من باب اعتقاده بعدم كونه من احكام الدين لشبهة حصلت له بحيث لو علم انه من الدين لقبله و على هذا التقدير يكون انكار الضروري سببا مستقلا للكفر و النجاسة فقد يقال بالثاني تمسّكا بالوجوه التي نذكره إن شاء اللّه.

الوجه الاول: دلالة بعض الروايات
اشارة

على سببية انكار بعض الاحكام الشرعية حتى حكما واحدا للكفر نذكر منها روايات:

الرواية الاولى: ما رواها عبد الرحيم القصير

قال كتبت مع عبد الملك بن اعين الى ابي عبد اللّه عليه السّلام «اسأله عن الايمان ما هو فكتب الى مع عبد الملك بن اعين سألت رحمك اللّه عن الايمان» الى ان قال عليه السّلام «و لا يخرجه الى الكفر الا الجحود و الاستحلال ان يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها ابو الصباح الكناني عن ابي جعفر عليه السّلام

و فيها قال «و قلت لابى جعفر عليه السّلام ان عندنا قوما يقولون اذ شهد ان لا إله الا اللّه و ان محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو مؤمن قال فلم يضربون الحدود و لم تقطع ايديهم و ما خلق اللّه عز و جلّ خلقا اكرم على اللّه عز و جلّ من المؤمن لان الملائكة خدام المؤمنين و ان جوار اللّه للمؤمنين و ان الجنة للمؤمنين و ان الحور العين للمؤمنين ثم قال فما بال من جحد الفرائض كان كافر» «2».

الرواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن سنان

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1) الرواية 12 من باب ان الايمان اخص من الاسلام من الوافى، ص 18 من الطبع الحجرى و اصول كافى ج 3، ص 49، ح 1.

(2) من باب مجمل القول فى الايمان و مفضله ص 22 بالطبع الحجرى؛ اصول كافى ج 3، ص 58، ح 2.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 180

الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الاسلام و ان عذّب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة انقطاع فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال اخرجه ذلك من الاسلام و عذّب باشدّ العذاب و ان كان معترفا انه ذنب و مات عليها اخرجه من الايمان و لم يخرجه من الاسلام و كان عذابه اهون من عذاب الاوّل «1».

الرواية الرابعة: ما رواها العجلى عن ابي جعفر عليه السّلام

«قال سألته عن ادنى ما يكون العبد به مشركا فقال من قال للنواة انها حصاة و للحصاة هى نواة ثم دان به.» «2»

و قريب من هذه الرواية ما في ذيل الرواية التي رواها في السّفينة «3» في مادة «فضل» عن ابراهيم بن محمود قال قلت للرضا عليه السّلام «الى ان قال في ذيلها» ان ادنى ما يخرج الرجل من الايمان ان يقول للحصاة هذه نواة ثم يدين به و يبرأ من خالفه الخ.

الرواية الخامسة: ما رواها سليم بن غيث

«قال سمعت عليّا عليه السّلام يقول و اتاه رجل فقال له ما ادنى ما يكون به العبد مؤمنا و ادنى ما يكون به العبد كافرا، و ما يكون به العبد ضالا» «ففيها قال عليه السّلام و ادنى ما يكون به العبد كافرا من زعم ان شيئا نهى اللّه تعالى عنه ان اللّه تعالى امر به و نصبه دينا يتولى عليه و يزعم انه يعبد الذي امر به و انّما يعبد الشيطان و ادني ما يكون به العبد ضالا ان لا يعرف حجة اللّه

______________________________

(1) الرواية 7 من باب مجمل القول في الايمان و مفصّله- صفحه 29 بالطبع الحجرى؛ وسائل، ج 1 ص 22 ح 10.

(2) الرواية 2 من باب ادنى الكفر و الشرك و الضّلال من الوافى، ص 42 من الطبع الحجرى؛ اصول كافى، ج 4 ص 122 ح 1.

(3) سفينة البحار، ج 2، ص 366.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 181

تعالى الخ «1».»

وجه الاستدلال دلالة هذه الروايات و نظائرها على سببيّة انكار الحلال و الحرام للكفر.

و فيه ان الظاهر من هذه الروايات كون منشأ الكفر الجحود و الانكار و هذا لا يحصل الا مع علم الشخص و

زعمه بكون حكم شي ء الحلية فانكرها او ان حكم شي ء الحرمة فانكرها «و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم» فلا يوجب مجرد عدم الاعتراف و الاعتقاد بحلية الحرام او حرمة الحلال مثل ما اذا كان هذا التخيل من باب شبهة حصلت له فاعتقد بحلية شي ء مع كونه حراما واقعا او بالعكس.

و الحاصل انه لا يستفاد من الاخبار الا خصوص صورة الجحود و الانكار لا مطلقا حتى في صورة كان وجه اعتقاده على خلاف الواقع من باب اشتباهه في اجتهاده فاعتقد حلية الحرام الواقعي او اعتقد حرمة الحلال الواقعي يكون كافرا و لو فرض اطلاق لهذه الاخبار بحيث كان لازم اطلاقها القول بكفر كل من اعتقد حرامة ما هو حلال في الواقع او بالعكس و لو لم يكن عن جحود مثل من اعتقد باجتهاده حرمة شي ء يكون حلالا في الواقع او بالعكس و لو لم يكن عن جحود مثل من اعتقد باجتهاده حرمة شي ء يكون حلالا في الواقع او بعكسه لخطاء اجتهاده فيما اعتقده فلا بد من تقييده بالصورة التي قلنا لعدم امكان الالتزام له مسلّما.

مضافا الى انه بعد فرض اثبات الكفر بهذه الاخبار لا يكون لنا نصّ على نجاسة مطلق الكافر حتى يقال بنجاسة منكر الضروري و قد مرّ سابقا بان لفظ الكافر ليس مذكورا في باب النجاسة في آية و رواية اصلا فافهم.

______________________________

(1) من باب ادنى الكفر و الشرك و الضلال من الوافى صفحة 42 من الطبع الحجرى؛ اصول كافى، ج 4 ص 152 ح 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 182

[الوجه] الامر الثاني: ان الاسلام عبارة عن مجموع ما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم

فمن انكر واجبا من واجباته او حراما من محرّماته فهو خارج عن الاسلام و فيه ان المعتبر في صحة اسلام

الشخص كونه معتقدا بما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ان كان على سبيل الاجمال و لا يلزم معرفة جميع الواجبات و المحرّمات تفصيلا فمن يعتقد عدم وجوب ما كان واجبا واقعا او حرمة ما كان حراما واقعا في الشرع مع انه لو علم انه واجب او حرام يعتقد بها لا يكون خارجا عن الاسلام.

مضافا الى ان ما قيل في الامر الثاني يكون على فرض تماميّته دليلا على ان وجه نجاسة منكر الضروري هو كون انكار الضروري من باب ان انكاره ينتهي الى انكار الرسالة لا انه سبب مستقل بنفسه.

[الوجه] الامر الثالث: هو التمسك بعبارة بعض فقهائنا

رضوان اللّه تعالى عليهم و كلماتهم من افراد منكر الضروري من غيره او عدم التقييد في نجاسته بصورة كون انكاره منتهيا بانكار الرسالة و غير ذلك.

و فيه انه لا مجال للتمسك بكلمات الاصحاب رحمهم اللّه أولا، لان الكلام الصادر من بعضهم قابل للتوجيه.

و ثانيا، يفيد كلامهم في فرض ظهور في احد طرفي البحث لاخذ الاجماع و التمسك بالاجماع امر آخر و اذا بلغ الكلام الى دعوى الاجماع على كون منكر الضروري محكوما بالنجاسة من باب سببيّة المستقلة فنقول لا يثبت اجماع على ذلك.

ثم انه نقول بعدم تمامية الوجوه المستدلة بها على كون انكار الضروري سببا مستقلا للنجاسة لان عمدة الوجوه هو الوجه الاول و هو بعض الروايات التي تعرضنا له و عرفت انه ليس له اطلاق يشمل حتى صورة لا ينتهي انكار الضروري بانكار الرسالة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 183

فمنكر الضروري كافر و نجس في خصوص ما ينتهي انكاره بانكار الرسالة.

الجهة الخامسة: في حكم ولد الكافر من حيث النجاسة و عدمها.
اشارة

و قبل الشروع في المقصود

نقدّم امرين:

الامر الاول: ان ما يدّعى من تسالم الاصحاب على تبعية ولد الكافر للوالدين في الاسر و الاسترقاق لا يوجب تبعيته لهما في النجاسة لان التسالم ليس في النجاسة.

الامر الثاني: الكلام في نجاسة ولد الكافر يكون في نجاسة كل من ولد ممن قلنا بنجاسة من المشركين و غيرهم فان قلنا بنجاسة الكتابي فاولادهم داخلون في محل النزاع هنا.

اذا عرفت ذلك نقول بان الكلام في المسألة يقع في موارد:
المورد الاول: فيما يكون ابواه كافرين
اشارة

فنقول تارة يقع

فيما كان ولد الكافر بالغا

فلا اشكال في انه لو لم يسلم يكون كافرا نجسا لانه من الكافرين المحكومين بالنجاسة كما انه لو اسلم يقبل اسلامه و يشمله احكام المسلمين و يكون محكوما بالطهارة مثل سائر المسلمين.

و تارة يقع الكلام فيما يكون صبيّا مميّزا و لم يبلغ الحلم

و الكلام فيه مرة يقع في حكمه من حيث النجاسة و الطهارة اذا اسلم صبيّا مميزا و بعبارة اخرى في قبول اسلامه فلا ينبغي الاشكال في قبوله اسلامه لانه مميّز. و حديث رفع القلم و هو المروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في الحديث المذكور «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» لا يدلّ على عدم قبول اسلامه او طاعاته بل يدلّ على رفع قلم التكليف عنه و عدم المؤاخذة على ترك ما يجب عليه او فعل ما يحرّم فعله ما دام يكون صبيّا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 184

و تارة يقع الكلام في كفره فكما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في الصبي الغير المميز انه اذا كان ابواه كافرين فهو محكوم بحكمهما في الكفر.

و وجهه ان هذا الصبي يكون يهوديا او نصرانيا او مجوسيا بعد كونه عاقلا رشيدا مميّزا و ان لم يكن بالغا، او لما يدعي من التسالم على ذلك.

و تارة اخرى في نجاسته فنقول بعد كونه محكوما بكفر يوجب النجاسة مثل الشرك او اليهودية او النصرانية او المجوسية فهو نجس لان هذه الطوائف نجس كما بيّنا.

ان قلت ان حديث رفع القلم عن الصبي يرفع حكم النجاسة.

قلت ان الحديث يرفع قلم التكليف عن الصبي و اما الحكم الوضعي فلا يرتفع به و لهذا نقول بضمان الصبي و بالغسل على الصبي لو حصل سببه له حال صبابته فيجب عليه بعد البلوغ اداء ما

ضمنه و الغسل الحاصل سببه حين صبابته.

و تارة يقع الكلام في حكم الصبي الغير المميّز من ولد الكافر
اشارة

من حيث الكفر و النجاسة و الكلام فيه في موارد:

المورد الاول: اذا كان الصبي الغير المميّز ممن يكون ابواه كافرين يستدل على كفره و نجاسته بامور:
الامر الاوّل: بعض الروايات الواردة في تفسير. قوله تعالى

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ مٰا أَلَتْنٰاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمٰا كَسَبَ رَهِينٌ «1».

مثل ما رواها الوافى و قال فيها «اما اطفال المؤمنين فانهم يلحقون بآبائهم و

______________________________

(1) سورة الطور، الآية 21.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 185

اولاد المشركين فيلحقون بآبائهم و هو قول اللّه تعالى بايمان ألحقنا بهم ذريّتهم» «1».

و بعض الآخر من الروايات مثل ما روي في الوافي في الباب المذكور عن «الفقيه» و هي ما رواها وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام قال قال على عليه السّلام اولاد المشركين مع آبائهم في النار و اولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة «2».

و مثل ما رواها في الوافي عن جعفر بن بشير عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اولاد المشركين يموتون قبل ان يبلغوا الحنث قال كفار و اللّه اعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم. «3»

اقول: فيه أولا ان ظاهر هذه الاخبار مخالف مع بعض من القواعد المسلّمة عند العدلية لانه كيف يعذّب اولاد الكفار ما دام لم يعصوا و ماتوا قبل ان يبلغوا الحلم و مجرد علمه تعالى بانه لو فرض انهم يبقون في الدنيا و بلغوا يعصون اللّه لا يوجب ان يعذبهم و يستحقون العقوبة.

و على تقدير صحة سندها لا بدّ من توجيهها بنحو لا يكون مخالفا مع القواعد مسلّمة.

و ثانيا على فرض الاغماض عن هذا الاشكال نقول بان غاية ما يدل عليه هذه الاخبار كون اولاد الكفار مثل آبائهم في الآخرة و يعامل معهم ما يعامل

مع آبائهم و هذا لا يفيد لما نحن في بحثه من نجاسة ولد الكافر و عدمها و لا دلالة لهذه الاخبار على نجاسة الصبي الغير المميز من اولاد الكافر و لا مميّزه فلا ربط لهذه الاخبار بما نحن فيه.

الامر الثاني: انه بعد كون الكفر امرا عدميا

و هو عدم الاسلام في محل قابل

______________________________

(1) وافي ج 3 باب 112 من ابواب ما بعد الموت.

(2) وافي ج 3 باب 112 من ابواب ما بعد الموت.

(3) وافي ج 3 باب 112 من ابواب ما بعد الموت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 186

للاسلام فالولد الكافر كافرا لانه لا يكون مسلما و هو في محل قابل للاسلام.

و فيه ان النسبة بين الكفر و الاسلام العدم و الملكة اعني من كان شانه الاسلام و لم يسلم فهو كافر و الصبي الغير المميز ليس من شانه لعدم تميزه و لا يحكم بكفره بنفسه كما لا يحكم باسلامه بنفسه الا بالتبع ان وجدنا دليلا على نجاسته بالتبعية.

الامر الثالث: من الامور المتمسك بها على نجاسة الصبي الغير المميّز

من ولد الكافر الاستصحاب بيانه هو دعوى ان ولد الكافر كان قبل ولادته دما او علقة و كان فى هذا الحال نجسا لكونه دما فبعد ولادته حال صبابته يستصحب النجاسة السابقة.

و فيه أولا كون الدم الباطن نجسا محل كلام بل المقدار المسلم من نجاسته صورة خروجه في الخارج.

و ثانيا لو اغمضنا عن الاشكال الاوّل نقول ان المعتبر في حجية الاستصحاب بقاء موضوع المستصحب بنظر العرف لانه الحاكم في بقاء الموضوع و عدمه في الاستصحاب كما مر الكلام فيه في الاستصحاب فعلى هذا نقول في المقام بعدم مجال لجريان الاستصحاب لعدم بقاء الموضوع في نظره لان الدم غير الانسان فالمتقين غير المشكوك فلا يجري الاستصحاب.

الامر الرابع: الذي يستدل به على نجاسة الصبي الغير المميّز

من ولد الكافر هو الاجماع بل التسالم عند اصحابنا على نجاسته.

اقول: اما دعوى التسالم عليه فكما قلنا في صدر البحث على نجاسة ولد الكافر غير معلوم و لكن لا يبعد تحقق الاجماع عليه كما ترى في بعض كلماتهم.

ثم انه يقع الكلام فيما كان ولد الكافر من الزنا و انه هل الحكم بنجاسة الصبي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 187

الغير المميز من اولاد الكافر يختص بخصوص ما كان ولد الحلال او يشمل حكم النجاسة صورة كون الولد للكافر من الحرام و بعبارة اخرى كان من الزنا و ان كان في مذهبه.

وجه عدم الشمول ان الولد من يكون ولدا شرعيّا لوالديه و ولد الزنا ليس كذلك.

وجه الشمول هو ان الولد الواقع موضوعا لحكم النجاسة هو من يكون ولدا لغة و هو من يكون منشأ وجوده والده فمن تولد من شخص من الزنا فهو ولد له مثل من تولد منه من الطريق المشروع.

اقول و ان كان ليس للشارع في الولد

اصطلاح بل كل من يكون منشأ لتولد شخص فهو ولد له كما في اللغة و العرف.

لكن ما ينبغي ان يقال في المقام هو ان الدليل الدال على نجاسة ولد الكافر فيما كان من حلال ان كان الدليل الاوّل و الثاني و الثالث مما بينا لك فكان القول بنجاسته فيما كان من الزنا كان سهلا لانه يمكن دعوى شمول الولد لكل ولد سواء كان من الحلال او كان من الحرام و اما ان كان الدليل في نجاسة ولد الغير المميز من الكافر هو الاجماع فقط كما عرفت لعدم تمامية ما بقي من الادلة فشمول الحكم لولد الحرام من الكافر مشكل نعم لو كان معقد الاجماع هو نجاسة ولد الكافر لا يبعد القول بنجاسة ولد الزنا من الكافر لكن تحقق الاجماع بحيث يشمل ولد الحرام من الكافر مشكل و ان كان الاحوط القول بنجاسة الصبي من الكافر المتولد من الحرام هذا كله فيما كان كل من الأب و الام كافرا.

المورد الثاني: اذا كان احد الابوين مسلما و الآخر كافرا

فهل يحكم بنجاسة الولد المتولد منهما في كل مورد قلنا بنجاسة الولد المتولد من الكافرين او لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 188

لا وجه للقول بنجاسته فى هذه الصورة لان المورد الذي قلنا بنجاسة الولد المتولّد من الكافرين كان الصبي الغير المميز المتولد من الكافرين و لم يكن دليل على نجاسته الا الاجماع و شموله للمورد غير معلوم فلا وجه لنجاسته.

المورد الثالث: لو زنا نعوذ باللّه مسلما مع كافرة او بالعكس فتولد منهما ولد

فهل يكون نجسا او لا.

لا وجه لنجاسته لان الوجه في نجاسة ولد المتولد من الكافرين في مورد قلنا به لم يكن الّا الاجماع و تحقق الاجماع في المورد و هو المتولد من مسلم و كافر غير معلوم و لو شك في طهارته و نجاسته فمقتضى اصالة الطهارة هو الطهارة.

***

[مسئلة 1: الاقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الاقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين سواء كان من طرف او طرفين بل و ان كان أحد الابوين مسلما كما مر.

(1)

اقول: المشهور طهارة ولد الزنا و نسب الى الصدوق و علم الهدى و الحلي رحمهم اللّه نجاسته و كفر ولد الزنا من المسلمين بل المحكي عن الحلي رحمه اللّه نفي الخلاف عنه و ما يمكن ان يستدل به روايات.

الرواية الاول: ما رواها ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«قال لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر الى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرّ هما ان اللّه لم يخلق خلقا شرا من الكلب و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 189

ان الناصب اهون على اللّه من الكلب.» «1»

وجه الدلالة النهي عن الاغتسال عن الماء المجتمع من غسالة الحمام لاجل اغتسال ولد الزنا و الناصب فيدلّ على نجاستهما.

و فيه ان الظاهر عن الاغتسال من باب القذارة المعنوية الموجودة في ولد الزنا و عدم طهارته المعنوية و الا ان كان المراد النجاسة الظاهرية و عدم طهارته الظاهرية كان اللازم نجاسته الى سبعة آباء «اى الى اولاده، نازلا الى السبعة» و هو مما لا يمكن الالتزام به.

الرواية الثانى: ما رواها حمزة بن احمد عن ابي الحسن الاول عليه السّلام

«قال سألته او سأله غيري عن الحمام قال ادخله بميزر و غصّ بعدل و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فانه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا الناصب لنا اهل البيت و هو شرّهم.» «2»

وجه الاستدلال ما ذكرنا في الرواية الاولى.

و فيه ان النهي عن الاغتسال يكون لاجل القذارة المعنوية الموجودة في ماء البئر كما هو صريح الرواية الاولى.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 189

و ان ابيت عن حمل ظاهر الرواية على القذارة المعنوية فلا أقلّ من كون الرواية ذا احتمالين احتمال كون النظر الى القذارة الظاهرية و بعبارة اخرى النجاسة و احتمال كون النظر الى القذارة المعنوية و لا نظر فيها الى النجاسة و

بعد كونها ذا احتمالين لا يمكن الاستدلال بها على النجاسة.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 190

الرواية الثالثة: ما رواها الوشاء عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«انه كره سئور ولد الزنا و سؤر اليهودي و النصراني و المشرك و كل ما «من خ» خالف الاسلام و كان اشد ذلك عنده سؤر الناصب» «1».

أقول و هذه الرواية ضعيفة السند لكون «من ذكر عنه» الوشاء مجهولا.

مضافا الى ان كراهته عليه السلام عن سؤر المذكورين في الرواية لا تفيد الا المرجوحية لمناسبتها مع كل من الحرمة و الكراهة.

الرواية الرابعة: ما رواها في كتاب ثواب الاعمال

و هي ما رواها محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام «قال لبن اليهودية و النصرانيّة و المجوسية احب الي من ولد الزنا» «2».

بدعوى دلالتها على نجاسة لبن ولد الزنا و ذلك يدل على نجاسته لان لبنه من اجزائه.

و فيه ان مبغوضية لبن ولد الزنا و كونه ابغض من لبن اليهودي و النصارى و المجوس يكون من جهة خباثة المعنوية و تأثير هذه الخباثة في الولد هذا كله في الاخبار المتمسّكة بها على نجاسة ولد الزنا و قد عرفت عدم دلالتها و مع الشك يكون المرجع اصالة الطهارة.

هذا كله فيما كان ولد من الزنا من طرف الأب و الام و كانا مسلمين و امّا ان كان ولد من الزنا من طرف واحد فقط، فله صورتان:

الصورة الاولى: كون كل منهما مسلمين و يكون بالنسبة الى واحد من الأب

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 75 من ابواب الاحكام الاولاد من الوسائل، ج 15، ص 184.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 191

او الام ولد من الزنا فقط فالحكم بطهارته اوضح لأنّ الاخبار المتقدمة على تقدير ثبوت دلالتها منصرفة عن هذه الصورة المذكورة.

الصورة الثانية: ما اذا كان ولد من الزنا من طرف واحد و لكن كان

واحد من الرّجل و المرأة كافرا فقد مرّ في المورد التي قدمنا ذكرها في مسئلة 1، طهارته على الاقوى لعدم شمول الاجماع الذي هو العمدة في نجاسة ولد الكافر للمورد.

***

[مسئلة 2: لا اشكال في نجاسة الغلاة و الخوارج و النواصب]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا اشكال في نجاسة الغلاة و الخوارج و النواصب و اما المجسمة و المجبرة و القائلين بوحدة الوجود من الصوفية اذا التزموا باحكام الاسلام فالاقوى عدم نجاستهم الّا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام في هذه المسألة يقع في جهات:

الجهة الاولى: يقع الكلام في نجاسة الغلات و عدمها و هم على طوائف:
الطائفة الاولى: من يعتقد نعوذ باللّه ألوهية امير المؤمنين عليه و السلام

او غيره من الائمة عليهم السّلام و انه الرب الآمر و الاله المجسم الذي نزل على الارض فمن كان ممّن يعتقد بذلك فهو كافر نجس لانه انكر اللّه تعالى و منشأ كفره و نجاسته هو كونه منكرا للّه تعالى سواء كان من يعتقد ألوهية صنم او شخص من الاشخاص لما مر سابقا من ان منكر اللّه تعالى كافر نجس لانه بعد كون المشرك كافرا نجسا فمنكر اللّه تعالى بالطريق الاولى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 192

الطائفة الثانية: من يرجع غلوّه الى انكار ضروري او ضروريات من الدين

و لا ينتهي ذلك بانكار اللّه تعالى بل هو معتقد باللّه تعالى و لكن يدعي مقاما لامير المؤمنين عليه السّلام و الحال ان اللّه تعالى لم يجعل له مثلا يدعي ان امر التكوين و التشريع بيده عليه السّلام و هو الذي يحيي و يميت.

و الحال انه ما فوّض اللّه تعالى امر الخلق و التشريع به عليه السلام بالضرورة و هو مخالف للقرآن الكريم.

و يظهر من الآثار الواردة عن المعصومين عليهم السّلام خلاف هذا الاعتقاد و مخالفة هذا الاعتقاد لما عليه المسلمون و لكن كما قلنا في البحث عن نجاسة منكر الضروري من الدين انه ليس سببا مستقلا للنجاسة بل يوجب انكاره للنجاسة اذا كان انكاره موجبا لانكار الرسالة فاذا انكر امرا من الدين مع علمه بانه من الضروريات من الدين فهو نجس لانه في الحقيقة انكر الرسالة و اما ان كان منشأ انكاره عدم علمه بكون ذلك من الدين و لو كان انكاره لشبهة عرضت له فلا يوجب انكاره للنجاسة لعدم كون منشأ انكاره انكار رسالة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم بل لو علم انه قاله اتبعه و انقاده فعلى هذا نقول بان

هذه الطائفة الثانية يحكم بنجاستهم في خصوص ما اذا كان اعتقادهم منتهيا بانكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

الطائفة الثالثة: طائفة قد يتّهمون بالغلو و الحال انهم لا يعتقدون بامر يوجب الغلو

لانهم لا يقولون بالوهية امير المؤمنين عليه السّلام و لا غيره من الأئمة عليهم السّلام و لا بربوبيّتهم و لا يعتقدون انه فوض امر الخلق و التشريع إليهم بل يعتقدون انهم ولاة امره و اكرم الخلق عنده.

و ان كان يطلب منهم الرزق و الشفاء و الصّحة و غير ذلك و لا يطلب منهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 193

من باب ان يتوهم انهم مستقلون في اعطاء شي ء منها او دفع بلايا منهم عليهم السّلام.

بل من باب انهم الوسائل عند اللّه و ما يفعلون شيئا الا باذن اللّه تعالى و لا يسند شي ء من هذه الامور المتوسلة بهم الا يرى انهم الوسائل و السبيل إليه تعالى مثل نسبة احياء الموتى في القرآن الكريم الى عيسى على نبينا و آله و عليه السلام فهذه الطائفة لا ينكرون اللّه تعالى و لا رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا لضروري من ضروريات الدين فلا اشكال في كونهم مسلمين مؤمنين عارفين باللّه و رسوله و الأئمة المعصومين و درجاتهم و لا مجال للشك في طهارتهم بل علوّ شأنهم.

الجهة الثانية: في حكم الخوارج من حيث النجاسة و الطهارة

فنقول بعونه تعالى ان اريد بهم من يعتقد نعوذ باللّه كفر امير المؤمنين عليه الصّلاة و السلام.

خذ لهم اللّه تعالى و الذين يتقربون الى اللّه تعالى ببغضه و بمحاربته و بمخالفته فلا اشكال في نجاستهم لان هذا اعلى مرتبة نصب العداوة لامير المؤمنين و الائمة المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم.

و ان اريد بهم من يخرج على امام زمانه مثلا خرج على امير المؤمنين عليه السّلام و يحارب معه لكن لا من باب اعتقاده بنصب عداوته و جواز محاربته بل بداعي المشتهيات النفسانية و

بلوغه الى الآمال الدنيوية كما يتّفق لبعض العصاة الذين يعصون اللّه تعالى لغلبة الهوى و اعانة الشقوة فهذا الامر و ان كان من اكبر الكبائر عند اللّه الا انه لا يوجب النجاسة الظاهرية لعدم دليل على نجاسته بالخصوص و عدم وقوع هذا العنوان تحت احد العناوين الموجبة للنجاسة.

الجهة الثالثة: في حكم النواصب من حيث النجاسة و عدمها

فنقول ان النواصب هم الذين ينصبون العداوة لاهل البيت عليهم السّلام و يظهرون بغضهم و منهم معاوية و يزيد لعنهما اللّه و من يحذو حذوهم و كان، على طريقتهم فلا اشكال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 194

كفرهم و نجاستهم كما يدلّ الروايات المذكورة في باب من ابواب ماء المضاف من الوسائل و لو اشكل في دلالة بعضها بمناسبة ذكر الناصب في طي بعض من لم نقل بنجاسته مثل ولد الزنا فنقول يكفينا في ذلك بعض الروايات.

مثل ما رواها ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال «و اياك ان تغتسل من غسالة الحمّام ففيها يجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا انجس من الكلب و ان الناصب لنا اهل البيت لا نجس منه». «1»

و هذه الرواية صريحة في نجاسة الناصب و ليس فيها مجرّد النهي عن الاغتسال حتى يكون مجال لتوهم ان النهي لعله يكون من باب الكراهة او القذارة المعنوية بقرينة ذكره في بعض الاخبار من جملة ما لا يقال بنجاسته مثل ولد الزنا.

وجه عدم المجال هو ان المصرّح في هذه الرواية نجاسته نجاسة ظاهرية لعدّ نجاسته فى هذه الرواية من سنخ نجاسة الكلب الذي نجاسته نجاسة ظاهريه بل هو أنجس

من الكلب.

و لعل وجه انجسيته من الكلب لان الناصب نجس بالنجاسة الظاهرية و النجاسة الباطنيّة و الحال ان الكلب نجس بالنجاسة الظاهرية فقط.

و ربما يستشكل في نجاسة الناصب و يبعّدها لانه مع كثرة النصب في دولة بني امية يرى مساورة الائمة عليهم السّلام و اصحابهم مع النصاب يدخلون مداخلهم و بيوتهم و هم يدخلون بيوت الائمة و اصحابهم و مداخلهم و مع ذلك ما نرى في رواياتنا نهيا عن مساورتهم و لا ترى في الآثار اجتناب الائمة عليهم السّلام عنهم و هذا كاشف قطعي

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 11 من ابواب ماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 195

عن عدم نجاستهم.

و فيه ان ما قيل عن عدم بيان نجاستهم عن قبل الائمة عليهم السّلام يكون مخالف الوجدان هذا رواية ابن ابي يعفور المتقدمة ذكرها عن الصادق عليه السّلام و زمانه مثل زمان ابيه عليهما السّلام انتشر فيه اكثر الاحكام و عدم بسط هذا الحكم قبل ذلك مثل عدم انتشار كثير من الاحكام كان لاجل عدم بسط يدهم عليهم السّلام.

و اما مساورة الائمة عليهم السّلام معهم فغير معلوم و لو فرض اتفاقها كان ذلك من باب التقية و كذا اصحابهم رضوان اللّه تعالى عليهم فلا يرد الاشكال.

الجهة الرابعة: في حكم المجسمة من حيث النجاسة و الطهارة

اعلم ان القائل بالتجسم ان كان يدّعي ان اللّه تعالى يكون جسما حقيقة كسائر الاجسام و كما ان لنا اعضاء و جوارح يكون للّه تعالى غاية الامر مع جسميته يكون خالق غيره و موجد سائر الاجسام و كان ملتزما بلوازم هذا الاعتقاد الفاسد من الحدوث و الحاجة الى المكان و عدم كونه قديما فيكون كافرا نجسا لانه على هذا يكون منكرا للّه تعالى

في الحقيقة لان اللّه تعالى ليس بحادث و هو غني غير محتاج حتى الى الحيّز و المكان فمن يقول و يعتقد باللّه الحادث المحتاج فهو منكر للّه تعالى و المنكر للّه تعالى كافر و نجس و ان كان في كون مجرد ذلك موجبا للكفر و النجاسة اشكال لعدم كونه منكرا للّه تعالى و لا مشركا الا ان يقال بانه منكر للّه لانكار صفاته.

او من باب انه انكر الضروري اذا كان عالما بكونه من الضروريات حتى يكون انكاره انكار الرسالة.

و اما ان كان غير ملتزم بلوازم هذا القول الفاسد فمع اعتقاده بجسميّته يعتقد قدمه و عدم حدوثه و عدم احتياجه فهو و ان كان صاحب عقيدة فاسدة و هي القول بجسميّته لكن كون ذلك موجبا لكفره و نجاسته لا دليل له و اما اذا اعتقد انه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 196

جسم لكن لا مثل سائر الاجسام و هو قديم غير محتاج فلا يوجب هذا الاعتقاد في حد ذاته لكفره الا اذا كان من باب كون اعتقاده على خلاف الضروري من الدين و هو عدم كون اللّه تعالى جسما ففي هذه الصورة يكون نجسا اذا كان انكاره مستلزما لانكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعم ان كان نفس القول بالتجسم انكار الضروري فيكون القول بان اللّه تعالى جسم مع العلم بكونه ضروريا من ضروريات الذين موجبا للنجاسة فتأمل.

الجهة الخامسة: يقع الكلام في حكم المجبّرة من حيث النجاسة و عدمها

فنقول ان المجبّرة طائفة يعتقدون بماله توالي فاسدة فيعتقدون ابطال التكليف و الثواب و العقاب و اسناد الظلم الى اللّه تعالى كما في اشعار الحميرى في مقام قدحهم.

انّ المجبّرين يجادلون بباطل و خلاف ما يجدون فى القرآن أ يقول ربّك للخلائق

آمنوا جهرا و يجرهم على العصيان ان صحّ قولكم فتعوذوا. من ربّكم و ذروا تعوذكم من الشيطان.

فتقول انه حيث يكون هذا الاعتقاد في الحقيقة انكار بعض ضروريات الدين مثل انكار التكليف و المعتقد بهذا الاعتقاد منكر لضروري الدين و قلنا ان منكره كافر و نجس فيما يوجب انكاره انكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكن اذا لم يعتقدوا بهذه التوالى الفاسدة بل يعتقد بخلاف التوالي الفاسدة لا يحكم بكفرهم و لا نجاستهم لان منشأ كفر هذه الطائفة يكون اعتقادهم بهذه التوالي الفاسدة و اما ما في التنقيح «1» من استبعاد كفر من يقول بالجبر و لا يلتزم بلوازمه الفاسدة من انه لو قلنا بذلك يلزم القول بكفر اكثر المخالفين و نجاستهم لان الاشاعرة القائلين بهذا القول من اكثر المخالفين في قبال المعتزلة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 2، ص 75.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 197

و فيه ان مجرد ذلك لا يوجب الحكم بعدم كفرهم و نجاستهم و الا فجمعية المنكرين للّه و للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكون اكثر فالعمدة عدم الدليل في هذه الصورة على نجاستهم.

الجهة السادسة: يقع الكلام في نجاسة المفوّضة و عدمها

فنقول ان المؤلف لم يتفرد المفوضة بالذكر و لعل عدم ذكره كان من باب عدّها من جملة الغلاة و على كل حال فان كان المراد من المفوّضة مقابل المجبّرة و هي أنهم كانوا معتقدين بان اللّه تعالى فوّض امر الخلق و الرزق الى بعض عباده فهم في قباله تعالى فهم مشركون و قائله نجس و من باب ان ذلك انكار الضروري من الدين لان خلاف هذا الاعتقاد من ضروريات الدين و كل من انكر الضروري من الدين كما قلنا مكررا

في طي بعض المباحث الماضية في نجاسة الكافر اذا كان انكار الضروري ينتهي الى انكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم موجب للنجاسة فهذه الطائفة مع هذا الاعتقاد كما قلنا في صورة المتقدمة نجس.

الجهة السابعة: يقع الكلام في نجاسة القائلين بوحدة الوجود و عدمها

فنقول بعونه تعالى ان القائلين به تارة يقولون بالوحدة السنخية بمعني ان سنخ وجود اللّه تعالى و سنخ وجود غيره من الموجودين المخلوقين له من سنخ واحد و ان كانت النسبة بينهما التشكيك فهو تعالى في اعلى درجاته مرتبة و قوة و كمالا و الوجود في الممكن في انزل مراتب الوجود من حيث الضعف و النقصان و لكن كل منهما وجود حقيقة فهو اللّه تعالى فرد من الوجود لكماله و هنا فرد آخر من الوجود بنقصانه و مع ذلك كل منهما من سنخ واحد لان كلا منها موجود و ان كان الاول خالق الثاني و موجده كما يظهر ذلك من اكثر اهل الفلسفة كما قال السبزواري في منظومته.

«يعطى اشتراكه صلاح المقسم كذلك اتحاد معنى العدم الخ».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 198

فهذا القول قول بكثرة الوجود و الموجود و هو ما ينقل عن المعصوم عليه السّلام في دعائه «انت الخالق و انا المخلوق و انت الرب و انا المربوب» فالقائل بهذا القول بان اللّه و غيره من مخلوقاته موجودان متعددان و هذا القول لا يوجب كفرا و لا يكون القائل به نجسا.

و تارة يراد بالقائل بوحدة الوجود من يقول بوحدة الوجود و الموجود حقيقة و انه ليس في الخارج الا وجود واحد و موجود واحد و ان كان له تطوّرات متكثرة و اعتبارات مختلفة كما يظهر ذلك من كلمات بعض الصوفية و في اشعارهم كما حكي

عن بعضهم قال ليس في جبّتى سوى اللّه فصاحب هذا القول يقول بوحدة الخالق و المخلوق وحدة حقيقية و بين بعض المخلوقات مع البعض الآخر و هو يقول لا فرق بين الخالق و المخلوق الا بالاعتبار و صاحب هذا الاعتقاد بحسب ظاهر الشرع منكر للّه تعالى ان كان يعتقد انّ نفسه اللّه تعالى و مشرك ان كان يعتقد انه غير اللّه تعالى بالاعتبار و لكن مع وجوب وجود اللّه تعالى فهو مع غيرية الاعتبارية شريك مع اللّه تعالى في الوجود و هو نجس باعتقاده ذلك.

مع انه لا يتصور من هذا المعنى من الوحدة الا العينية و الاتحاد لا الغيرية و الاشتراك لان الغيرية امر عدمي و ليس الوجود بزعمه الا وجود واحد و لكن يمكن تصوير بعض صور آخر كما يظهر من بعض الكلمات في المراد من وحدة الوجود و لا ثمرة في ذكره.

و الضابط ان الاعتقاد بها ان كان يوجب انكار اللّه تعالى او الشرك باللّه تعالى او انكار الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيحكم بنجاسته و كفره و الا فلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 199

[مسئلة 3: غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة اذا لم يكونوا ناصبين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة اذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الائمة و لا سابّين لهم طاهرون و اما مع النصب او السب للائمة الذين لا يعتقدون بامامتهم فهم مثل سائر النواصب.

(1)

اقول: الكلام فى المسألة يقع في موارد:

المورد الاول: في ان غير الاثنى عشرية من فرق المسلمين [هل يكون محكومين بالطهارة او النجاسة]

سواء كانوا منكرين لامامة الائمة المعصومين عليهم السّلام او بعضهم اذا لم يكونوا ناصبين و لا من معادين و لا سابين لهم هل يكون محكومين بالطهارة او النجاسة.

و قبل الورود في بيان الحق في المسألة نقول بانه مع ما يرى في بعض كلمات فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم من دعوى الشهرة على طهارة الفرق المذكورة الا ما استثني على ما عرفت.

يرى دعوى الشهرة على نجاستهم فقد حكي عن صاحب الحدائق رحمه اللّه دعوى الشهرة بين الفقهاء على نجاستهم.

فمع دعوى الشهرة على كل طرفى المسألة لا يصح الاستدلال بها على الطهارة او النجاسة.

اذا عرفت ذلك نقول ان المناسب عطف عنان الكلام الى ما يستدل به على النجاسة الاول بعض الروايات الدالة على ان بتبعية علي عليه السّلام يكون الشخص مؤمنا و بمخالفته يصير كافرا مثل ما رواها المفضل بن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال قال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 200

ابو جعفر عليه السّلام ان اللّه جعل عليا عليه السّلام علما بينه و بين خلقه ليس بينه و بينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا» «1».

و مثل ما رواها مروان بن مسلم «قال قال الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام الامام علم فيما بين اللّه عز و جل بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا

و من انكره كان كافرا» «2»

و غيرها من الروايات وجه الاستدلال دلالة هذه الطائفة على كفر المخالف للامام و الكفر ملازم للنجاسة.

و نقول في جواب الاستدلال بهذا الطائفة من الروايات. اما الاستدلال بها على نجاستهم، فنقول لا تعرض لنجاستهم في هذه الطائفة من الروايات و دعوى ملازمة النجاسة مع الكفر فبعد التصريح بكفرهم فيها فبالملازمة يحكم بنجاستهم أيضا.

ففيه انه كما مر سابقا في طي البحث عن نجاسة الكافر على طبق عنوان مؤلف العروة ليس في الآيات و الروايات حكم النجاسة مترتبا على عنوان الكافر و ملازمة بين عنوان الكافر و بين النجاسة و الكفر و النجاسة.

و اما الكلام في كفرهم من باب ان المذكور في الخبرين المتقدمين حكم بكفرهم فنقول بعد ما نرى من ان المذكور في الروايات جعل المناط في الاسلام و حقن الدماء و تجويز النكاح و التوارث هو الشهادتان الشهادة بانه لا إله الا اللّه و الشهادة بان محمدا رسول اللّه و انّه بمجرد ذلك يحكم باسلام الشخص مثل ما رواها سماعة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اخبرني عن الاسلام و الايمان أ هما مختلفان فقال ان الايمان يشارك الاسلام و الاسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 5 من ابواب حدّ المؤمن من الوسائل.

(2) الرواية 18 من الباب 5 من ابواب حدّ المؤمن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 201

الاسلام شهادة ان لا إله الا اللّه و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهر جماعة الناس و الايمان الهدى و ما يثبت في

القلوب من صفة الاسلام و ما ظهر من العمل به و الايمان ارفع من الاسلام بدرجة ان الايمان يشارك الاسلام في الظاهر و الاسلام لا يشارك الايمان في الباطن و ان اجتمعا في القول و الصفة» «1» و بعد ملاحظة هذه الرواية لا بدّ من حمل الطائفة من الروايات الدالة بظاهرها عل كفرهم اما على الكفر في مقابل الايمان لا في مقابل الاسلام و اما على الكفر الباطني.

هذا كله بالنسبة الى التعبير بالكفر في هذه الطائفة من الاخبار المتمسكة بها على نجاسة غير الاثنى عشرية و لو لم يكن ناصبيّا و لا من الخوارج و المعادين و السابين للائمة عليهم السّلام من عدم كون المراد من الكفر فيها هو الكفر الموجب للنجاسة مضافا الى ما قدمنا من انه لو كان الكفر في الاخبار الكفر الظاهري فلا يقتضي نجاستهم لعدم كون كل كفر موجبا للنجاسة لعدم الملازمة بينهما.

منها بعض الروايات الدالة على ان المخالف ناصب فيقال انه بعد كونه ناصبا فهو نجس.

مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانّك لا تجد رجلا يقول انا ابغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا «2».

و مثل ما رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل

______________________________

(1) من باب ان الإيمان اخص من الاسلام من ابواب تفسير الايمان و الاسلام من الوافي صفحة 18 بالطبع الحجرى؛ اصول كافى، ج 3 ص 46 ح 1.

(2) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 202

الرجال عن محمد بن احمد بن زياد و موسى بن محمد بن على بن عيسى «قال كتبت إليه يعني علي بن محمد عليهما السّلام اسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى اكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاد إمامتهما فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب» «1».

بدعوى دلالة الرواية الاولى على ان مجرد نصب العداوة للشيعة يوجب كون الناصب ناصبيا و دلالة الرواية الثانية على انه يكفي في كون الشخص ناصبيا تقديمه الجبت و الطاغوت فتدلّ على نجاسة كل من يقدّمهما لانه من النواصب.

و فيه ان الرواية الاولى فلا يبعد كون الظاهر منها كون نصب عداوته للشيعة من باب كون الشيعة يعتقد إمامة امير المؤمنين و الائمة عليهم السّلام و يحبّونهم و يبغضون اعدائهم فنصب عداوته لهم لا ينفك عن عداوته مع امير المؤمنين عليه السّلام او الائمة كلهم او بعضهم لان من يبغض احدا لحبّة لاحد فهو مبغض لمن يحبه و هذا ليس الا لنصب العداوة لمن يحبّ من يبغضه هذا الشخص.

فعلى هذا مفاد الرواية هو كون الناصب للشيعة ناصبا لاهل البيت عليهم السّلام لان بغضه لها لاجل بغضه لاهل البيت فهو ممّن ينصب العداوة لعلي عليه السّلام او الائمة و قد مضى انه كافر نجس و هذا غير مفروض الكلام في المسألة لان الكلام في المسألة يكون في حكم نجاسة المخالف للشيعة الاثنى عشرية و لم يكن ممّن نصب العداوة لعلي و لا للائمة عليهم السّلام و لا من الخوارج و لا المعاندين و لا السابين لهم.

و اما قوله عليه السّلام في الرواية «ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانّك لا تجد رجلا يقول

انا ابغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم الخ».

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 203

فالمراد منه اما ان الناصب لا يقول انا انصب العداوة لمحمد و آله صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم و اما ان يكون المراد ان الناصب ليس منحصرا بمن يظهر البغض و العداوة مستقيما بمحمد و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلم بل يحصل بان ينصب العداوة لشيعتهم من باب انهم يتولونهم كما يظهر ذلك من قوله عليه السّلام في الرواية بعد الجملة المذكورة «و لكن الناصب من ينصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا».

و اما الرواية الثانية فقد يجاب عن الاستدلال بها بما في التنقيح «1» و حاصله ان غاية ما يستفاد من الرواية كون كل مخالف لامير المؤمنين او لسائر الائمة عليهم السّلام ناصبى الا ان ذلك لا يوجب كون كل مخالف معهم عليهم السّلام نجسا لعدم وجود دليل يدل على نجاسة كل ناصبي.

و فيه انه قد مضى ان كل من يكون من النواصب نجس لدلالة رواية ابن ابي يعفور المتقدمة ذكرها في طي البحث عن نجاسة النواصب و فيها انه انجس من الكلب و قوله عليه السّلام قبله «و الناصب لنا الخ» مفرد معرف بالالف و الا و مفرد المعرّف بالالف و اللام يفيد العموم ففى الحقيقة يثبت برواية ابن يعفور المتقدمة ذكرها في حكم الناصب و هو ان كل ناصبي نجس الكبرى و من هذه الرواية اعني رواية السرائر الصغرى فتكون النتيجة بعد ضم الصغرى و هي كون المخالف ناصبيا

بالكبرى و هو كون كل ناصبي نجس المستفاد من رواية ابن يعفور هو كون المخالف نجسا فلا يتم كلام التنقيح في مقام الجواب عن الاستدلال بالرواية الثانية.

اقول: فما ينبغي ان يقال في جواب الاستدلال بالرواية الثانية ان يقال و يسهّل الخطب هو انه بعد ما نرى من الضرورة ان مجرد الشهادتين الشهادة بانه لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يكفي في تحقق الاسلام و نرى من الصّدر

______________________________

(1) التنقيح، ج 2، ص 85.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 204

الاول معاملة الاسلام و الطهارة مع المخالفين من غير الناصب و المعاندين للائمة عليهم السّلام و الساب بهم و الخوارج فلا بد من حمل هذه الرواية و نظائرها على ما لا ينافي هذه الخارجية و الضرورة مثل حمل ما استدل به على نجاستهم على صورة التي يقدم المخالف الجبت و الطاغوت بنحو ينصب العداوة مع الائمة عليهم السّلام او كون نصب العداوة من قبل المخالف للشيعة من باب نصب عداوتهم للائمة عليهم السّلام و على كل حال لا يمكن القول بنجاستهم برواية قابلة للتوجيه مع السيرة المستمرة على خلافها.

و قد يستدل على نجاستهم بانه بعد ما كان المعلوم نجاسة منكر الضروري من الدين كما مر الكلام فيه فيقال بان ولاية امير المؤمنين عليه الصّلاة و السلام من الضروريات في الدين فمن انكرها كان منكرا للضروري فيكون نجسا.

و فيه انه قد مرّ عند البحث عن نجاسة منكر الضروري من الدين انه ليس منكر الضروري على الاطلاق نجسا بل اذا كان انكاره له موجبا لانكاره رسالة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم يكون موجبا

لنجاسة منكر الضروري و اما اذا لم ينته انكاره بانكار الرسالة مثل ما كان منشأ انكاره عدم توجه الشخص بكونه ضروريا و لو كان من باب شبهة تعرضه بحيث انه لو توجه بكونه من الدين لا ينكره فبناء عليه لو اعتقد المخالف ان امير المؤمنين عليه السّلام خليفة رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الامام بعده بلا فصل و مع ذلك ينكر إمامته و خلافته مثل بعض المخالفين من الذين غصبوا الخلافة مع ما شافهوا من الآيات التي نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في شأن علي عليه السّلام و النصوص الصادرة من مقام الرسالة في قصة غدير الخم و غيره فهم نجس لا كلام فيه بحسب الموازين.

[المورد الثانى المنافقين و اتباعهم]

و اما من انكر ولايته لشبهة او شبهات اوقع في نفسه من الاولين من المنافقين و اتباعهم جحودا و لطلب الدنيا و امثالهم كثير فيهم لعدم توجههم و وقوعهم في محيط الضلالة فكان انكاره شبهة او غيرها بحيث لو توجه بطريق الحقّ لقبله فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 205

ينتهي انكاره هذا الضروري بانكار الرسالة لعدم توجهه بانه من الدين فلا يمكن القول بنجاسته و محل الكلام في هذه المسألة فى هذا القسم من المخالفين الذين لم يكونوا من النواصب و الخوارج و المعادين و السابين لاحد من الائمة عليهم السّلام.

ثم انه يكون في حكم المخالفين غير النواصب و الخوارج و المعادين و السابّين لاحد الائمة صلّى اللّه عليه و آله و سلم من حيث الطهارة بعض الطوائف الشيعة غير الاثنى عشرية كالزيدية و الفتحية و الكيسانية و الاسماعيلية اذا كانوا منكرين لبعض الائمة و

لم يعتقدوا بامر آخر يوجب النجاسة مثل ان يكونوا ناصبين العداوة لبعض الائمة عليهم السّلام ففي هذه الصورة نجس لما قلنا بيانه في محله.

***

[مسئلة 4: من شك في اسلامه و كفره طاهر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة: من شك في اسلامه و كفره طاهر و ان لم يجر عليه سائر احكام الاسلام.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام يقع في الموردين:

المورد الاول: في حكم من شك في اسلامه و كفره

فتارة يعلم حالته السابقة من الاسلام او الكفر و تارة لا يعلم حالته السابقة.

اما في الصورة الاولى و هي الصورة العلم بحالته السابقة مثل ما اذا كان محكوما بالاسلام سابقا بتبع ابويه المسلمين او اشرف ابويه المسلمين ثم بعد ذلك شك في اسلامه و كفره فيحكم باسلامه ببركة الاستصحاب هذا فيما كانت الحالة السابقة الاسلام و اما اذا كانت الحالة السابقة المعلومة هي الكفر مثل الصبي التابع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 206

لابويه الكافرين في الكفر فحكم بكفره بتبعهما و لو شك بعد بلوغه في كفره يحكم بكفره للاستصحاب.

و السّر في ذلك هو ان من كان محكوما بالاسلام بتبع ابويه فما لم يظهر الكفر و الجحود لا يحكم بكفره فمع كونه سابقا محكوما بالاسلام يستصحب اسلامه.

و اما من كان محكوما بالكفر و لو بالتبع فما لم يظهر الاسلام و كانت حالته السابقة الكفر يستصحب كفره لاعتبار الاظهار في مثله و الاعتراف بالوحدانية و النبوة.

اما الصورة الثانية و هي الصورة الجهل بالحالة السابقة و شك في اسلام الشخص و كفره فالكلام ان كان في نجاسته و طهارته مثل ساير الموارد التي شك في نجاسة شي ء و طهارته بالشبهة الموضوعية فالمحكّم اصالة الطهارة لانه بعد ما نعلم نجاسة الكافر و طهارة المسلم و نشكّ في ان هذا الشخص من ايّهما فان كان كافرا يكون نجسا و ان كان مسلما يكون طاهرا يحكم بطهارته لاصالة الطهارة.

و ان كان الكلام في غير حيث النجاسة و الطهارة من الاحكام فياتى ان شاء

اللّه في المورد الثاني، فنقول بعونه تعالى.

المورد الثانى: بقي الكلام فيمن شك في اسلامه و كفره في الاحكام الأخر

غير الطهارة و النجاسة مثل حقن دمه و نكاحه و إرثه و اكل ذبيحته و الصّلاة عليه اذا مات و ساير تجهيزاته.

فنقول بانه اما فيما كان محكوما بالاسلام بالاستصحاب كما فرض في الصورة الاولى فيترتب على اسلامه المستصحب كل اثر يترتب على الاسلام، كما انه مع استصحاب كفره يترتب عليه كل اثر يترتب على الكفر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 207

و اما فيما لا يعلم حالته السابقة و قلنا بطهارته فلا بد من ملاحظة الدليل الوارد فى كل مورد من الموارد فان كان الحكم المستفاد منه مترتبا على الاسلام فلا يترتب عليه كما انه ان كان مترتبا على الكفر فلا يترتب عليه لان كلا منهما غير معلوم.

هذا تمام الكلام في نجاسة الكافر و الحمد للّه و الصلاة على رسوله و آله.

***

[التاسع الخمر بل كل مسكر مائع بالاصالة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع الخمر بل كل مسكر مائع بالاصالة و ان صار جامدا بالعرض لا الجامد كالبنج و ان صار مائعا بالعرض.

(1)

اقول: اعلم ان الاشهر بل المشهور نجاسة الخمر بل نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لانه لم ينقل القول بالطهارة الا عن الصدوق في المقنعة و والده في الرسالة و الجعفي و العماني و بعض المتأخرين كالمقدس الاردبيلي رحمهم اللّه.

فالمشهور عندنا هو القول بالنجاسة
اشارة

كما ان المشهور بين العامة أيضا هو القول بالنجاسة هذا بحسب الفتوى.

و اما بحسب النص فنقول بعونه تعالى اما ما يمكن ان يستدل على نجاسته من

القرآن الكريم قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ

وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. «1»

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 90.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 208

وجه الاستدلال ان اللّه تعالى جعل الخمر رجسا و الرجس هو النجس كما يظهر من اللغة.

و فيه أولا ان كون معنى الرجس النجس لم ينقل عن اهل اللغة كما يظهر للمراجع فيها بل المنقول عنهم ان الرجس الاثم كما هو المناسب للمقام لان عمل الشيطان هو الاثم.

و ثانيا لا يصح حمل الرجس فى هذه الآية الشريفة على النجس لان الميسر و الانصاب و الازلام لا يكون نجسا فلا بد من حمل الرجس في الآية على الاثم او على القذارة المعنوية الموجودة في كل من المذكورات في الآية.

و اما الروايات فعلى طائفتين
اشارة

طائفة يستدل بها على النجاسة و طائفة يستدل بها على الطهارة.

اما الطائفة التي يستدل بها على النجاسة فهي روايات:
اشارة

الرواية الاولى: ما رواها يونس عن بعض من رواه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا اصاب ثوبك خمرا و نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فاعد صلاتك» «1».

الرواية الثانية: ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث النبيذ قال ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء يقولها ثلاثا.» «2»

الرواية الثالثة: ما رواها عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تصلّ في بيت فيه خمر و لا مسكر لانّ الملائكة لا تدخله و لا تصلّ في ثوب قد اصابه خمر او مسكر

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 209

حتى تغسله.» «1»

الرواية الرابعة: ما رواها زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن عليه السّلام «عن قطرة خمر او نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال يهراق المرق او يطعمه اهل الذمة او الكلب و اللحم اغسله و كله قلت فانه قطر فيه الدم قال الدم تاكله النار ان شاء اللّه قلت فخمر او نبيذ قطر في عجين او دم قال فقال فسد قلت ابيعه من اليهودي و النصارى و ابين لهم قال نعم فانّهم يستحلّون شربه قلت و الفقّاع هو بتلك المنزلة اذا قطر في شي ء من ذلك قال فقال اكره انا ان آكله اذا قطر في شي ء من طعامي.» «2»

الرواية الخامسة: ما رواها ابو بكر الحضرمي «قال قلت

لابى عبد اللّه عليه السّلام اصاب ثوبي نبيذ اصلّي فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ قطر في حبّ أشرب منه قال نعم ان اصل النبيذ حلال و ان اصل الخمر حرام» «3».

قال في الوسائل بعد ذكر الخبر «حمله الشيخ على النبيذ الذي لا يسكر كما مر في الماء المضاف».

الرواية السادسة: و هي ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قاله سألته عن النضوح يجعل في النبيذ أ يصلح ان تصلى المرأة و هو في رأسها قال لا حتى تغتسل منه» «4».

الرواية السابعة: ما رواها عمار بن موسى بن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 15 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 210

الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خلّ او ماء كامخ او زيتون قال اذا غسل فلا بأس و عن الابريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح ان يكون فيه ماء قال اذا غسل فلا بأس و قال في قدح او اناء يشرب فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرات و سئل أ يجزيه ان يصبّ فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيد و يغسله ثلاث مرات» «1».

الرواية الثامنة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم انه يأكل لحم الجرى او يشرب الخمر فيرده أ يصلّى فيه

قبل ان يغسله قال لا يصلى فيه حتى يغسله» «2».

الرواية التاسعة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال سئل ابى أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر اني اعير الذّمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده عليّ فاغسله قبل ان اصلّي فيه فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلّ فيه و لا تغسله من اجل ذلك فانّك اعرته ايّاه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجسه فلا بأس ان تصلى فيه حتّى تستيقن انه نجّسه» «3».

الرواية العاشرة: ما رواها هشام بن الحكم «انه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفقاع فقال لا تشربه فانه خمر مجهول و اذا اصاب ثوبك فاغسله». «4»

و غير ذلك من الاخبار الواردة في موارد مختلفة يدلّ على النجاسة و لو اشكل في سند بعض الروايات او دلالة بعض الاخبار المتقدمة ذكرها ففي دلالة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 74 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 211

اكثرها على النجاسة تكون غنى و كفاية.

و اما ما يمكن الاستدلال به من الاخبار على الطهارة:

الرواية الاولى: ما رواها حفص الاعور «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الدّن يكون فيه الخمر ثم يجفّف يجعل فيه الخلّ قال نعم.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها الحسين بن موسى الحناط «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال لا بأس» «2».

اقول: يمكن حمل الرواية من قوله عليه السّلام

لا بأس على عدم نجاسة الفم بالنجاسات او طهارته بعد ذهاب عين النجاسة منه على فرض نجاسته و لهذا لا تدل على طهارة الخمر.

الرواية الثالثة: ما رواها الحسين بن ابي سارة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ان اصاب ثوبى شي ء من الخمر اصلى فيه قبل ان اغسله قال لا بأس ان الثوب لا يسكر» «3».

الرواية الرابعة: ما رواها عبد اللّه بن بكير «قال سئل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب قال لا بأس» «4».

الرواية الخامسة: ما رواها الحسين بن ابي سارة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام انا نخالط اليهود و النصارى و المجوس و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمرّ ساقيهم و يصيب على ثيابي الخمر فقال لا بأس به الّا ان تشتهي ان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 39 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 11 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 212

تغسله لأثره.» «1»

الرواية السادسة: مرسلة الصدوق «محمد بن علي بن الحسين قال سئل ابو جعفر و ابو عبد اللّه عليهما السّلام فقيل لهما انّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ نصلّي فيها قبل ان نغسلها فقال نعم لا بأس ان اللّه انّما حرم اكله و شربه و لم يحرم لبسه و مسّه و الصّلاة فيه «2».

و قال في الوسائل و في «العلل» عن ابيه عن سعد عن محمد بن الحسين «على» و محمد

بن اسماعيل و يعقوب بن يزيد كلّهم عن حماد بن عيسى عن حريز عن بكير عن ابى جعفر عليه السّلام و عن ابي الصباح و ابى سعيد و الحسن النبال عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

اقول فالرواية و ان روي على نقل الوسائل أولا مرسلا و لكن على ما حكي عن العلل تكون مسندة.

الرواية السابعة: ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن احمد و عبد اللّه ابني محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي فاغسله و اصلي فيه قال صل فيه الا ان تقذره فتغسل منه موضع الأثر ان اللّه تعالى انّما حرّم شربها.» «3»

الرواية الثامنة: ما رواها على الواسطي «قال دخلت الجويرية و كانت تحت عيسى بن موسى، على ابي عبد اللّه عليه السّلام و كانت صالحة و قالت اني أتطيّب لزوجي فيجعل في المشطة التي امتشط بها الخمر و اجعله في راسي قال لا بأس». «4»

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 14 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 37 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 213

[الجمع بين الروايات]

اذا عرفت ما ذكرنا من الطائفتين من الروايات فقد يقال بانه يمكن الجمع بين الطائفتين بالجمع العرفي لان الظاهر من الطائفة الاولى المستدلة بها على نجاسة الخمر اما الامر بغسل الثوب او غيره اذا اصابه الخمر او النهي عن الصّلاة في الثوب الملاقي للخمر فمن الامر

بالغسل او النهي عن الصّلاة في الثوب مثلا يستفاد نجاسة الخمر و حيث ان الطائفة الثانية نص في عدم وجوب الاجتناب و الغسل فيحمل الظاهر على النص فيقال ان الظاهر من الطائفة الاولى و هو الامر بالغسل او النهي عن مثلا قبل الغسل يحمل الامر فيها على الاستحباب و النهي فيها على الكراهة بقرينة نصوصيته الطائفة الثانية في جواز الاستعمال و عدم وجوب الغسل.

و فيه انه لا يمكن هذا الجمع في محل الكلام:

اما أولا فلإباء بعض الاخبار من الطائفة الاولى عن هذا الحمل مثل الرواية الثانية من هذه الطائفة التي قدمنا ذكرها فانّ فيها قال ابو عبد اللّه عليه السّلام «في حديث النبيذ قال ما يبل الميل ينجّس حبا من ماء يقولها ثلاثا» لا يمكن حملها على الاستحباب لانها نص في نجاسة النبيذ.

و مثل الرواية الرابعة من الطائفة الاولى فان فيها بعد ما قال السائل «قلت فخمر او نبيذ قطر في عجين او دم قال فسد الخ» فقوله عليه السّلام «فسد» بملاقات العجين للخمر او النبيذ لا يساعد مع استحباب غسل ما يلاقي الخمر او النبيذ او كراهة استعماله قبل الغسل.

و كذلك في الطائفة الثانية من الاخبار المستمسكة بها على طهارة الخمر ما لا يمكن الالتزام به مثل تجويز لبس ودك الخنزير و الصّلاة فيه في الرواية السادسة من الطائفة الثانية و الحال انه من المسلّم عدم جواز الصّلاة فيه فلو فرض عدم نجاسة الخنزير لا يمكن القول بجواز الصّلاة فيه لانه غير مأكول اللحم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 214

فممّا مر تعرف عدم امكان الجمع العرفي بين الطائفتين اذا عرفت ذلك نقول بانه بعد عدم امكان الجمع العرفي و وقوع التعارض

بين الطائفتين من الروايات نقول ان كان الترجح لإحداهما لا بدّ من الاخذ بما فيه المرجح فنقول ان كانت الشهرة المرجحة الشهرة الفتوائي فالترجيح مع الطائفة الدالة على النجاسة و ان كانت الشهرة الروائي فيحث ان كلا من الطائفتين مشهورتان بالشهرة الروائية نقول لا بدّ من الاخذ باشهرهما و لا يبعد كون الطائفة الدالة على النجاسة اشهر و ان ابيت عن ذلك فالمرجح بعد الشهرة و ان كان مخالفة العامة لكن حيث لا يكون كل منهما مخالفا للعامة لان مشهور العامة قائلون بالنجاسة فلا بدّ من ملاحظة ما هو المرجح بعد ذلك و المرجح بعدها هو كون احد الخبرين مخالفا لقول حكامهم و حيث ان الطائفة الاولى الدالة على النجاسة مخالفا لحكام العامة و الطائفة الثانية الدالة على الطهارة موافقا لحكامهم فلا بد من الاخذ بالطائفة الاولى الدالة على النجاسة فتلخص من ذلك كله انه لا بدّ من الاخذ بما دل على النجاسة.

و ثانيا فقد دلّ الرواية التي رواها سهل بن زياد «قال قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد الى ابي الحسن عليه السّلام جعلت فداك روي زرارة عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا بأس بان تصلي فيه انّما حرّم شربها و روي عن «غير» زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال اذا اصاب ثوبك خمر او نبيذ يعنى المسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فاعد صلاتك فاعلمني ما آخذ به فوقع عليه السّلام بخطه و قرأته خذ بقول ابي عبد اللّه عليه السّلام» «1».

و الرواية التي رواها علي بن محمد

عن سهل بن زياد عن خيران الخادم «قال

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 215

كتبت الى الرجل عليه السّلام اسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلي فيه أم لا فان اصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صلّ فيه فان اللّه انّما حرّم شربها و قال بعضهم لا تصل فيه فكتب عليه السّلام لا تصلّ فيه فانه رجس الحديث». «1» على انّ ما يجب اخذه من بين الطائفتين المتقدمتين هو الطائفة الاولى الدالة على النجاسة فهذان الخبران كالاخبار العلاجية فى هذا الموضوع الخاص و لا بد من الاخذ بمدلولهما فافهم.

فتلخّص ان الاقوى نجاسة الخمر.

ثم بعد ذلك نقول يقع الكلام في جهات:
الجهة الاولى: [في نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة]
اشارة

كما لا اشكال في نجاسة الخمر لدلالة روايات كثيرة و ما يقابلها من الروايات الدالة على الطهارة مطروح كما عرفت.

كذلك لا اشكال في نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لوجوه:

الوجه الاولى: التصريح بذلك في بعض الروايات

المتقدمة الدالة على النجاسة اعني الطائفة الاولى مثل ما في الرواية الاولى «اذا اصاب ثوبك خمر او نبيذ مسكر فاغسله».

و ما في الرواية الثانية «و لا تصل في ثوب قد اصابه خمر او مسكر حتى تغسله فامر بغسل الثوب باصابة المسكر له كما امر بغسله باصابة الخمر به.

الوجه الثاني: بعد كون الخمر هو المسكر فاذا ثبت نجاسة الخمر يثبت نجاسة كل مسكر.

و يظهر ذلك اي كون الخمر هو المسكر من بعض اهل اللغة.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 216

و من بعض الروايات مثل ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الخمر من خمسة العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المزر من الشعير و النبيذ من التمر» «1».

و مثل ما رواها علي بن ابراهيم في تفسيره عن ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السّلام في قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية اما الخمر فكل مسكر من الشراب اذا اخمر فهو خمر و ما اسكر كثيره فقليله حرام و ذلك ان أبا بكر شرب قبل ان تحرم الخمر فسكر الى ان قال فانزل اللّه تحريمها بعد ذلك و انما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر و التمر فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فاكفاها كلها و قال هذه كلها خمر حرّمها اللّه فكان اكثر شي ء اكفى في ذلك اليوم الفضيخ و لم اعلم اكفى ء يومئذ من خمر العنب شيئا الا اناء واحد كان فيه زبيب و

تمر جميعا فامّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذ بالمدينة شي ء و حرّم اللّه الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شرائها و الانتفاع بها قال و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه و ان عاد رابعة فاقتلوه و قال حقّ على اللّه ان يسقي من يشرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات و المومسات الزواني يخرج من فروجهنّ صديد و الصّديد قيح و دم غليظ مختلط يؤذي اهل النار حرّه و نتنه قال و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من شرب الخمر لم تقبل منه صلاة اربعين ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الاربعين ليلة من غير توبة سقاه اللّه يوم القيامة من طينة خبال الحديث» «2».

و مثل ما رواها عطا بن يسار عن ابي جعفر عليه السّلام «قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 217

مسكر حرام و كل مسكر خمر» «1».

الوجه الثالث: التنصيص بالعموم في كلمات القائلين بالنجاسة و بعض معاقدة الاجماعات

من اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم فلهذا لا ينبغي التشكيك في عموم حكم النجاسة لكل مسكر مائع بالاصالة.

الجهة الثانية: اذا صار المسكر المائع بالاصالة جامدا بالعرض فهو نجس

مثل حال كونه مائعا لشمول الادلة له و لو فرض الشك في نجاسته و طهارته يستصحب نجاسة السابقة اعني حال كونه مائعا.

الجهة الثالثة: المسكر الجامد بالاصالة طاهر

و ان صار مائعا بالعرض و وجهه ما يدعي من الاجماع او الشهرة على طهارته.

و مع الشك في الطهارة و النجاسة فالمحكّم هو اصالة الطهارة نعم قد يقال بانه لا تصل النوبة باصالة الطهارة لانه مع وجود الاصل اللفظي اعني العموم و الاطلاق لا تصل النوبة بالاصل العملي و في المقام عموم الاخبار المتقدمة الدالة على نجاسة المسكر او اطلاقها يشمل المسكر الجامد لانه فرد من العموم او الاطلاق فلا بد من القول بنجاسة المسكر الجامد مثل المسكر المائع.

و قيل في جوابه بان الدليل الدال على نجاسة المسكر و هو الاخبار التي تعرضنا له في اصل المسألة منصرف عن المسكر الجامد.

و فيه انه لا وجه للانصراف.

اقول: لكن يأتي بنظرى القاصر وجه آخر لعدم شمول الاخبار الدالة على نجاسة المسكر للمسكر الجامد و هو ان ما ذكرنا من الروايات الدالة علي نجاسة

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 218

الخمر و المسكر و ان كان لها الاطلاق من حيث الخمر لكن لا اطلاق لها من الحيث الذي يكون مورد البحث في هذه الجهة و هو البحث عن شمول المسكر النجس لما يكون جامدا بالاصالة لان المراجع في كل من الروايات الدالة على النجاسة يرى ان مورد السؤال و الجواب و بعبارة اخرى مورد التكلم فيها هو الخمر و المسكر المائع لان السؤال مثلا عن اصابة الخمر او النبيذ المسكر او المسكر و عن قطرة قطر في ثوب او اناء او نحو

ذلك و لا عموم و لا اطلاق لواحدة من الروايات تشمل المسكر الجامد.

ان قلت انه كما قلت بشمول حكم نجاسة المسكر المائع بالاصالة لما اذا صار جامدا بالعرض نقول بنجاسة المسكر الجامد و لا اقل في المسكر الجامد الذي صار مائعا بالعرض.

قلت ان وجه شمول حكم نجاسة المسكر المائع بالاصالة لما اذا صار جامدا بالعرض هو شمول الاطلاق او العموم لطبيعة المسكر المائع بالاصالة كما ترى ان هذا مورد الظاهر من الروايات و بعد شموله له يقال ان للمسكر المائع فردان، فرد بقي على مائعيته و فرد صار جامدا بالعرض فكما يشمل الاطلاق او العموم الفرد الاول يشمل الفرد الثاني لان كلا منهما فرد لطبيعة المسكر المائع و هذا بخلاف المسكر الجامد بالاصالة لان الروايات الواردة في نجاسة الخمر و المسكر لا اطلاق و لا عموم لها يشمل المسكر الجامد من رأس بل مورد كلها هو الخمر و النبيذ و المسكر المائع للخصوصيات الواردة في الروايات فتلخص مما بينا لك عدم شمول حكم النجاسة الثابتة للمسكر المائع بالاصالة و ان صار جامدا للمسكر الجامد بالاصالة و ان صار مائعا بالعرض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 219

[مسئلة 1: الحق المشهور بالخمر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الحق المشهور بالخمر العصير العنبى اذا غلى قبل ان يذهب ثلثاه و هو الاحوط و ان كان الاقوى طهارته نعم لا اشكال في حرمته سواء غلى بالنار او بالشمس او بنفسه و اذا ذهب ثلثاه صار حلالا، سواء كان بالنار او بالشمس او بالهواء بل الاقوى حرمته بمجرد النشيش و ان لم يصل الى حد الغليان و لا فرق بين العصير و نفس العنب فاذا غلى نفس العنب من غير ان يعصر

كان حراما و اما التمر و الزبيب و عصيرهما فالاقوى عدم حرمتهما أيضا بالغليان و ان كان الاحوط الاجتناب عنهما اكلا بل من حيث النجاسة أيضا.

(1)

اقول: اما حكم المسألة من حيث الفتوى و ان حكى ان القول بالنجاسة هو المشهور بين قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم او كونه المشهور مطلقا بل عن كنز العرفان دعوى الاجماع عليها لكن يظهر للمراجع عدم تحقق الشهرة بين القدماء على النجاسة لعدم عين و لا اثر في كلمات جلّهم غير ما حكى عن ابن حمزة و ابن ادريس و ان قال العلامة رحمه اللّه في المختلف الخمر و كل مسكر و الفقّاع و العصير اذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار او من نفسه نجس ذهب إليه اكثر علمائنا كالشيخ المفيد رحمه اللّه و الشيخ ابي جعفر و السيد المرتضى و ابى الصلاح و سلار و ابن ادريس».

اقول: و لم اروجها لنقله رحمه اللّه مع عدم وجود القول بها في كتبهم الا ما اشرنا إليه الّا اجتهاد منه او عثوره بما لم يعثر عليه غيره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 220

و على كل حال فنعم ما قاله العلامة الهمداني «1» رحمه اللّه و كيف كان ففي المسألة في هذا العصر قولان مشهوران و اما الاعصار المتقدمة فلم ينقح لنا حالها انتهى.

و لا حاجة في اتعاب النفس ازيد من ذلك في وضع الحكم في المسألة من حيث الفتوى لانه من الواضح عدم حصول شهرة محققة كاشفة عن وجود نصّ لم يبلغ إلينا في المسألة فالمهم عطف عنان الكلام الى ما يقتضيه النص فنقول بعونه تعالى يستدل على نجاسة العصير العنبي ببعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها معاوية بن عمار

قال سألت أبا عبد اللّه

عليه السّلام عن الرجل من اهل المعرفة بالحق يأتينى بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا عرف انه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال خمر لا تشربه، قلت: فرجل من غير اهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف يخبرنا ان عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال:

نعم «2».

وجه الاستدلال بالرواية هو قوله عليه السّلام في جواب السائل «خمر لا تشربه» فان قوله «خمر» يكون صغرى للكبرى التي ثبتت كما عرفت في نجاسة الخمر فاذا ضمت الصغرى و هي قوله عليه السّلام «خمر» «يعني العصير خمر» بالكبرى و هي كل خمر نجس تكون النتيجة ان العصير نجس.

و قد يورد على الاستدلال أوّلا ان الاستدلال مبني على كون المذكور في الرواية كلمة «خمر» و هذا غير معلوم لان الرواية بنقل الكليني تكون بدون كلمة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، طبع الجديد ج 7 ص 195.

(2) الرواية من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرّمة من الوسائل بنقله عن الكافي ليس كلمة (خمر) في نقله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 221

«خمر» و الشيخ رحمه اللّه و ان نقله باضافة كلمة «خمر» لكن كما يقال يكون الكليني اضبط من الشيخ في النقل مضافا الى ان الشيخ رحمه اللّه روى الخبر و اخذه من الكليني رحمه اللّه حيث قال في مشيخة التهذيب «و من جمله ما ذكرته عن احمد بن محمد بن عيسى ما رويته بهذه الاسانيد عن محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى» و المراجع في سند الكافي يرى انّه يروي عن

احمد بن محمد، فاما ان يكون فى نسخة الكافى الموجود عنه الشيخ رحمه اللّه هذه الزيادة او وقع الزيادة منه اشتباها فالنقل من الكلينى رحمه اللّه. يكون مختلفا، فعلى ما في نسخ الكافي الموجودة عندنا بلا زيادة و على ما روى الشيخ رحمه اللّه يكون مع الزيادة فلم نعلم انّ الصّادر ايّهما و اذا كان الشيخ رحمه اللّه ناقلا عن الكافي فلا مجال لأن يقال انّ الدّوران بين الزيادة و النّقيصة و الاصل عدم الزّيادة لا عدم النّقيصة لانّه بعد ما نرى من انّ كلّ نسخ الكافي يكون بدون هذه الزيادة و تكون هذه الزّيادة فقط في نقل الشّيخ رحمه اللّه، فكيف يمكن الاعتماد بنقل ما تفرّد به الشيخ رحمه اللّه لانه ربما وقع الغلط و الزيادة في نسخة الكافي الذي روي عنه الشيخ او وقعت الزيادة من نفس الشيخ رحمه اللّه فلا يمكن ان يقال ان بناء العقلاء في مثل المورد على عدم الزيادة.

و ثانيا لو سلّمنا كون الوارد كلمة الخمر في الرواية فنقول، بعونه تعالى:

امّا ان يقال بان المراد من البختج الوارد في الرواية المذكورة هو مطلق العصير العنبي فنقول بانه بعد عدم كون مطلق العصير العنبي بتمام اقسامه خمرا مسلّما «بل لا يكون قسم من اقسامه خمرا حقيقة لعدم تسلم ذلك ان لم نقل بتسلّم عدمه اذ لو كان العصير خمرا كان معلوما يعلمه الناس مثل ساير انواع الخمر» فالتنزيل لا يكون تنزيلا حقيقيا فلا يكون المراد من قوله (خمر لا تشربه) كونه خمرا حقيقة بل المراد كونه خمرا تنزيلا و بعد كون الحمل الحمل التنزيلي فاذا كان في المنزّل عليه و صفا واضحا- يحمل التنزيل عليه و في المقام يكون التنزيل

باعتبار الحرمة بمعنى انه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 222

كالخمر في الحرمة و لهذا قال لا تشربه.

و اما كونه كالخمر من حيث النجاسة فغير معلوم.

و اما ان يقال بكون البختج قسما خاصا من العصير و هو الذي يعبّر عنه في الفارسية به «مي پخته» كما فسّر بذلك في نهاية اللغة فنقول، مضافا الى ان الدليل اخص من المدعى اذ لا يدل الا على كون هذا القسم من العصير خمرا.

نقول كما قلنا في الاحتمال الاوّل، بانّه ان ثبت خمرية هذا القسم حقيقية فتدل الرواية على كون هذا القسم خمرا و يدل على نجاسته ما يدل على نجاسة الخمر، و ان لم يعلم ذلك فلا يمكن حمل التنزيل على التنزيل الحقيقي بل لا بد من حمله على كونه خمرا تنزيلا و كونه تنزيلا كالخمر في حكم الظاهر و هو الحرمة و اما غير ذلك فغير معلوم.

فتلخص عدم استفادة نجاسة العصير اذا غلى قبل ان يذهب ثلثاه من الرواية.

الثانى: بعض ما ورد من الاخبار الدال على ان الخمر يؤخذ من خمسة او من ستة او تسعة

و منها العصير يؤخذ من الكرم و قد ذكرنا بعض اخباره عند التعرض لنجاسة كل مسكر و فيه انه لا يستفاد من هذه الاخبار الا ان قسما من اقسام الخمر يؤخذ من الكرم و لا يدل على ان كل ما يؤخذ من الكرم فهو خمر.

الثالث: بعض الاخبار «1» الواردة في نزاع آدم و نوح على نبيّنا و آله و عليهما السلام مع ابليس

لعنه اللّه في قصبتين من عنب فانه لا يستفاد منه الّا حرمة الخمر و لا يرتبط بالمقام لانّ السؤال عن بدء الخمر و حرمتها.

الرابع: ما رواها ابو بصير

«قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و سئل عن الطلاء فقال ان طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس

______________________________

(1) الرواية 1 و 2 و 3 و 4 و 5 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 223

فيه خير».

و فيه انها لا تدل الّا على حرمته قبل ذهاب ثلثيه و اما النجاسة فلا «1».

الخامس: ما رواها محمد بن الهيثم عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«قال سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته أ يشربه صاحبه فقال اذا تغير عن حاله و غلا فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «2» و هي لا تدل الّا على حرمة شربه بعد ما تغيّر عن حاله حتى يذهب ثلثاه و اما نجاسته فلا يستفاد منها.

فتلخص من كل ما بيّنا انه لم اجد وجها لنجاسة العصير العنبي اذا غلى.

و ما قيل من انه خمر كما في بعض الكلمات مثل كلام الصدوق رحمه اللّه فهو لا يصير دليلا و الحال انه لو كان خمرا، لشاع و ما يخفى امره و لو شك في حكمه من حيث الطهارة و النجاسة فمقتضى الاصل اعنى اصالة الطهارة طهارته و لكن مع ذلك الاحتياط حسن على كل حال اذا عرفت ذلك

يقع الكلام في بعض جهات اخرى:
الجهة الاولى: [في ان حرمته هل هي مختصة بما كان بسبب خاص]
اشارة

لا اشكال في حرمة العصير العنبى في الجملة انما الكلام يقع أولا في ان حرمته هل هي مختصة بما كان بسبب خاص كغليانه بالنار مثلا أو لا سواء غلى بالنار او بالشمس او بالهواء او بنفسه.

و ثانيا يقع الكلام في ان الحرمة تعرضه بمجرد النشيش او تعرضه اذا غلى او تعرضه اذا غلى و اشتد.

نذكر الاخبار المربوطة بالمقام و ما يستفاد منها فنقول:

الرواية الاولى: الرواية التى رواها ابو بصير المتقدمة ذكرها و فيها قال «ان

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 224

طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس فيه خير». «1»

الرواية الثانية: الرواية الخامسة المتقدمة ذكرها اعني مرسلة محمد بن الهيثم عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته أ يشربه صاحبه فقال اذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه». «2»

الرواية الثالثة: ما رواها حمّاد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال لا يحرم العصير حتى يغلى» «3».

الرواية الرابعة: ما رواها حمّاد بن عثمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن شرب العصير قال تشرب ما لم يغل فاذا غلا فلا تشربه قلت اى شي ء الغليان قال القلب.» «4»

الرواية الخامسة: ما رواها ذريح قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام «يقول اذا نشّ العصير او غلا حرم» «5».

الرواية السادسة: ما رواها ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال كل عصير اصابته النار فهو حرام

حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه.» «6»

الرواية السابعة: ما رواها عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل اخذ

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(6) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 225

عشرة ارطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا من ماء ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا و بقى عشرة ارطال أ يصلح شرب تلك العشرة أم لا فقال ما طبخ على الثلث فهو حلال» «1».

الرواية الثامنة: ما رواها عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انه قال في الرجل انه باع عصيرا فجسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا فقال اذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به.» «2»

الرواية التاسعة: ما رواها ابن ابى يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا زاد الطلاء على الثلث فهو حرام.» «3»

اذا عرفت ما قدمنا لك من الروايات نعطف عنان الكلام الى

ما يستفاد من الاخبار
اشارة

فنقول كما قلنا يقع الكلام في الجهة الاولى في امرين:

الامر الاوّل: في انه هل يختص حكم حرمة العصير بما اذا كان الغليان فيه ببعض الاسباب المخصوصة

مثلا يكون الغليان بالنار او يعمّ غيره مثل ما كان الغليان بالشمس او بالهواء او بنفسه فنقول بان المذكور في بعض الروايات و ان كان صورة طبخ العصير بالنار كالرواية الاولى و الثانية و غيرهما لكن حيث يكون بعض الروايات المتقدمة مطلقا من هذا الحيث فلا فرق في حكم الحرمة بعد تغيّر حاله «يأتي الكلام فيما هو سبب للتحريم من الغليان او غيره إن شاء اللّه» بين كون التغير الحاصل فيه الموجب لحرمة شربه بالنار او بالشمس او الهواء او بنفسه.

الامر الثاني: هل يكفي في حرمة العصير العنبي مجرد الشخونة

او النشيش او

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 226

يعتبر الغليان او الاشتداد فنقول بعونه تعالى بان بعض الروايات المتقدمة ذكرها ساكت عن هذا الحيث راسا كالرواية الاولى و السادسة و السابعة و الثامنة و التاسعة و المستفاد من الرواية الثانية هو ان العصير اذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه و مفهومه عدم الحرمة اذا لم يغل و كذا الثالثة تفيد ذلك بمفهوم الغاية و كذا الرابعة تدلّ على ثبوت الحرمة اذا غلى و مفهومه عدم الحرمة ما لم يغل و فسّر فيها الغليان بالقلب فهذه الثلاثة تدل على اعتبار الغليان في تحقق الحرمة للعصير و مفهومها عدم الحرمة ما لم يصل بهذه المرتبة بمفهوم الشرط و الغاية.

و اما الرواية الخامسة فمفادها حرمته اذا نشّ العصير او غلى.

قد يقال بان مقتضى هذه الرواية كفاية تحقق احد الامرين اما النشيش و اما الغليان في الحرمة.

و يرد

عليه بان لازم كون النشيش سببا للحرمة هو لغوية جعل الغليان سببا للحرمة لان النشيش يحصل دائما قبل الغليان.

و قد يقال بانّا نجمع بين الروايات الدالة على موضوعية الغليان و بين الرواية الدالة على كفاية النشيش او الغليان في الحرمة بان يحمل سببية النشيش للحرمة بما اذا تغير و طبخ العصير بغير النار كالشّمس و الهواء او بنفسه و يحمل سببيّة الغليان للحرمة بما كان طبخ العصير بالنار.

و الشاهد على ذلك عدم تحقق الغليان المفسّر بالقلب في غير النار لانه اذا تغير طبخ العصير بغير النار لم يحصل له حالة الغليان اصلا كما نقل بعض فضلاء بحثنا بامتحانه ذلك.

و الروايات الثلاثة المعلقة فيها الحرمة على الغليان يحمل على الطبخ بالنار كما ان المصرّح في الرواية الثانية ان الطبخ كان بالنّار.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 227

و يشكل ذلك بانه بعد كون الرواية الخامسة مطلقا لانه قال عليه السّلام فيها اذا نشّ العصير او غلا حرم» و اطلاقه يقتضي كفاية احد الامرين في مطلق العصير فلو فرض عدم تحقق الغليان في بعض افراده و هو ما اذا كان بغير النار و تعليق الحرمة بالنشيش فى هذا القسم دائما و لكن بعد كون النشيش بمقتضى هذه الرواية كاف في الحرمة في مطلق العصير. فاذا كان الطبخ بالنّار فمقتضى اطلاق هذه الرواية كفايته في الحرمة و لو لم يحصل الغليان و هذا معارض مع الروايات الثلاثة الدالة على عدم حصول الحرمة الا بعد الغليان فبما قلت من حمل النشيش على ما كان بغير النار و حمل الغليان على ما كان بالنار لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و الروايات الثلاثة.

فالاولى، ان يقال في مقام الجمع

بان النشيش مرتبة من الغليان و بعبارة اخرى بعد ما شرع المائع ماء كان او غيره من اثر الحرارة على تغيير الحالة فاذا شرع في الغليان يحصل له النشيش و هو صوت الماء و غيره اذا غلى كما في القاموس و المعبّر بالفارسية كما في منتهى الارب «آواز جوشش آب و ديگ و غير آن» فيكون النشيش و الغليان مساويا في الوجود تقريبا و لا يكون بينهما فصل وجودي معتدّ به أو لا فصل بينهما اصلا لانه لو لم يكن غليان لما كان له الصوت فبناء على هذا كيف نقول بان النشيش يكون فيما لا يكون غليان اصلا كالمطبوخ بغير النّار، الا ان يقال بانّه في المطبوخ بالنار يتحقق الغليان و القلب بمراتب واضحة و لكن في غير النار لم يبلغ بهذه المرتبة بل بالغليان المساوق للنشيش فقط.

و الحاصل انّا نقول بعد ظهور الروايات الثلاثة بل صراحتها في اعتبار الغليان في الحرمة لا يمكن رفع اليد عنها بمجرد ما ورد في رواية ذريح من اعتبار النش او الغليان و انه قبل الغليان يعرضه الحرمة لاحتمال كون النشيش مساوقا مع الغليان خصوصا مع التّخيير بينهما في الحكم بالحرمة و لا ينافي ما قلنا مع ما قيل ان النش

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 228

يكون في غير النار دائما لانه بعد كونه مساوقا للغليان فقد تحقق موضوع الحرمة.

الجهة الثانية: [العصير الّذي غلى بغير النار هل يكون مثل المغليّ بالنار]

بعد ما لا اشكال في ان العصير المطبوخ بالنار اذا غلى يحرم شربه و اذا ذهب ثلثاه و بقى ثلثه حلّ شربه.

يقع الكلام في العصير الّذي غلى بغير النار في انه هل يكون مثل العصير المغليّ بالنار في حلية شربه اذا ذهب ثلثاه و بقي

ثلثه و بعبارة اخرى في ارتفاع حرمة شربه الحاصلة بالغليان بعد ذهاب ثلثيه يكون المغليّ بغير النار مثل المغلى بالنار أو لا يصير المغليّ بغير النار من العصير حلالا الّا بصيرورته خلا او لا يحلّ اصلا بل يبقى على حرمة الحادثة فيه بالغليان.

اعلم ان العصير المغلى بغير النار لا يحل بذهاب الثلثين لان كل ما يدل من الاخبار المتقدمة ذكرها يكون مورده الغليان الحاصل بالنار و في هذه الصورة جعل الحلية بذهاب ثلثيه راجع الاخبار المتقدمة فترى ان موردها هو صورة الغليان بالنار و انه يحرم بالغليان و تذهب الحرمة بذهاب ثلثيه و لا تجد في الاخبار ما كان متعرضا لصورة الطبخ بغير النار فلا وجه للقول بان العصير المغلىّ بغير النار تذهب حرمته الحاصلة فيه بالغليان بذهاب الثلثين منه.

ان قلت كما قلت من انه لا فرق في عروض الحرمة للعصير بين كون غليانه بالنار و بين كون غليانه بغير النار فكذلك تقول في ذهاب ثلثيه لرفع هذه الحرمة بين كون ذهاب الثلثين بالنار او بغير النار.

قلت بأن الفارق بين الصورتين اعني صورة عروض الحرمة و بين صورة رفع الحرمة هو وجود بعض الاخبار المطلقة الدالة بإطلاقها على عروض الحرمة بغليان العصير سواء كان هذا الغليان بالنار او بغير النار و لكن لا تعرض لهذا البعض من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 229

الاخبار المطلقة لحلية العصير بذهاب الثلثين لما اذا كان الغليان و ذهاب ثلثيه بغير النار لا بالصراحة و لا بالإطلاق و لهذا لا يمكن الالتزام بان ذهاب الثلثين موجب لحلية العصير اذا كان الغليان بغير النار.

اذا عرفت ذلك نقول بانه تارة يقال بان ماء العنب الذي يغلى بغير النار

يصير مسكرا فلا اشكال في حرمته بالغليان و بقاء حرمته الى ان ينقلب خلا لما دل على مطهرية الانقلاب كما يأتي إن شاء اللّه في المطهرات و لكن لو قلنا بذلك لا بدّ و ان نقول بنجاسته أيضا حال الاسكار و تغيّره بالغليان و بقاء نجاسته الى ما قبل انقلابه خلا لما عرفت من نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لكن الاشكال في صيرورته مسكرا بالغليان مطلقا.

نعم يمكن ان يقال بصيرورته مسكرا في بعض الموارد كما ينادي به الرواية الثانية من الروايات المتقدمة ذكرها و هى ما رواها عبيد بن زرارة.

و تارة يقال بعدم سكر العصير العنبى اذا غلى بغير النار او الشك في ذلك فنقول لا وجه لبقاء حكم حرمة العصير الثابت بغليانه بغير النار بعد صيرورته خلًّا الا استصحاب الحزمة.

و لا وجه للتمسك بالاخبار المتقدمة لان المستفاد من الاخبار ليس الا حيث حدوث الحرمة بالغليان و اما متى تبقى هذه الحرمة فالاخبار ساكتة عن ذلك فلا بد للتمسك ببقاء الحرمة بعد صيرورة العصير خلا الى استصحاب الحرمة السابقة الحادثة له بحدوث الغليان.

و لكن لا تصل النوبة بالاستصحاب لانه بعد صيرورة العصير خلًّا يشمله اطلاق دليل حلية الخل مثل ما ورد في حلية الخل و لسانه الاطلاق و مثل بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 230

ما ورد من ان الخمر اذا صار خلا يكون حلالا و لا وجه لحليّته الا كونه خلا فكذلك في محل كلامنا فتلخّص مما مر انه اذا صار العصير في محل الكلام خلا يرتفع به الحرمة الحاصلة بالغليان.

و الحاصل ان العصير اذا غلى بالنار يحرم شربه و يرتفع التحريم بذهاب ثلثيه و اما اذا غلى بغير النار

يحرم شربه و ترتفع حرمته بصيرورته خلا فافهم.

فرع اذا غلى نفس العنب من غير ان يعصر هل يكون شربه حرام أو لا قد يتوهم عدم حرمته بالغليان جمودا على ظاهر الدليل بدعوى ان المذكور في الروايات كما رايت العصير و العنب غير العصير.

و فيه ان الاقوى عدم الفرق لان ماء العنب اذا غلى قبل ان يعصر و ان لم يكن بعصير بنفسه لكن مثله حكما بتنقيح المناط القطعى لان المناط في حرمة العصير ليس عصره بل هذا الماء اذا غلى يصير حراما و الماء في العنب مثله فيصير بحكمه اذا غلى فلا مجال و لا اشكال في حرمته هذا تمام الكلام في العصير العنبي.

الجهة الثالثة: يقع الكلام في العصير التمرى

فنقول بعونه تعالى المشهور حليّته ما لم يسكر.

و لا حاجة لحليّته الى اقامة الدليل لانه مع الشك في حليته و حرمته يكفي الاصل اعنى اصالة الحلية فاذا لا بدّ من ملاحظة انه هل يكون دليل على حرمته حتى ترفع اليد لاجله عن الاصل المذكور أو لا فنقول بان ما يمكن ان يستدل به على حرمة شربه بعض الروايات المتقدمة ذكرها في الجهة الاولى.

الرواية الاولى: و هي ما رواها ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال كل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 231

عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه» «1» بدعوى ان من اقسام العصير العصير التمرى فيشمله عموم «كل عصير اصابته النار فهو حرام.

و فيه أولا كما في «الفقيه» يكون العصير هو العصير العنبي.

و ثانيا كون المراد من العصير في الروايات مطلق العصير غير معلوم لان التعبير عنه في بعض الروايات بالبختج ربما يكون هو العصير الماخوذ من خصوص العنب لا

غيره.

و ثالثا لو كان البناء على الجمود بعموم الرواية و هو كل عصير يلزم تخصيص الاكثر لان الاكثر من المعصرات لا يكون حراما.

الرواية الثانية: ما رواها عمار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث انه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل قال خذ ماء التمر فاغسله حتى يذهب ثلثا ماء التمر» «2».

الرواية الثالثة: ما رواها عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن النضوح قال يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه ثم يمتشطن» «3».

وجه الاستدلال بهاتين الروايتين المرويتين عن عمار الساباطي هو حليّة العصير التمري بالتّثليث.

و فيه «بعد كون المحتمل ان الروايتين ليستا الا رواية واحدة» ان النضوح على ما نقل طيب مخصوص يحصل من اختلاط اشياء و منها التمر و يصير مسكرا بعد مدة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 32 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 37 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 232

فالسؤال يكون لعلاج يرفع به سكره و يرتفع الاشكال في الصّلاة معه و اذا صنع كما امر عليه السّلام بان يأخذ التمر و يغسله حتى يذهب ثلثاه لم يصر مسكرا بعد ذلك فليست الروايتان مربوطتين بالمقام اصلا فتلخص من كل ذلك ان العصير التمرى اذا صار مسكرا فهو نجس و حرام و المستفاد من بعض الاخبار دوران الحرمة مدار الاسكار و اذا لم يصر مسكرا فلا وجه لحرمته و ان غلى فافهم.

الجهة الرابعة: يقع الكلام في العصير الزبيبى
اشارة

و الحق عدم حرمته بالغليان كما عليه الشهرة او الاتفاق تقريبا و استدل على الحرمة بامرين:

الامر الاول: بعض الاخبار.
منها الرواية المتقدمة ذكرها في الجهة الاولى

و هي ما رواها ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

وجه الاستدلال دعوى ان العصير المذكور في الرواية مطلق يشمل كل عصير.

و فيه ما مضى سابقا بانه أولا ما قال في الفقيه بان العصير هو العصير العنبى.

و ثانيا ان المراد من العصير في الروايات هو العصير العنبى كما في بعض الروايات.

و ثالثا بان الالتزام بان العصير في الرواية المذكورة عام او مطلق يلزم تخصيص الاكثر لانّه لا اشكال في حلية اكثر المعصرات.

و منها ما رواها عمار بن موسى الساباطي

«قال وصف لى ابو عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 233

المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال لى عليه السّلام تاخذ ربعا من زبيب و تنقّيه ثم تصبّ عليها اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان ايام الصّيف و خشيت ان ينشّ جعلته في تنور سخن قليلا حتى لا ينشّ ثم تنزع الماء منه كله اذا اصبحت ثم تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه حتى يذهب حلاوته ثم تنزع ماءه الآخر فتصبّه على الماء الاول ثم تكيله كله فتنظر كم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الاناء الذي تريدان تغليه و تقدّره و تجعل قدره قصبة او عودا فتحدّها على قدر منتهى الماء ثم تغلى الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقي الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من عسل فتغليه حتى تذهب رغوة العسل و تذهب قساوة العسل في المطبوخ ثم تضربه بعود

ضربا شديدا حتى يختلط و ان شئت ان تطيبه بشي ء من زعفران او شي ء من زنجبيل فافعل ثم اشربه فان احببت ان يطول مكثه عندك فروّقه» «1».

و منها ما رواها عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام

«قال سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالا قال تاخذ ربعا من زبيب فتنقّيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان من غد نزعت سلافته ثم تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع ماءه فتصبه على الاول ثم تطرحه في اناء واحد ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه و تحته النار ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم اضربه حتى يختلط به و اطرح فيه ان شئت زعفرانا و طيبه ان شئت بزنجبيل قليل قال فان اردت ان تقسمه اثلاثا لتطبخه فكله بشي ء واحد حتى تعلم كم هو ثم اطرح عليه الاول في الاناء الذي تغليه فيه ثم تصنع فيه مقدارا و حدّه حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 234

الآخر و حدّه حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الآخر و حدّه حيث يبلغ الماء ثم توقد تحته بنار لينة حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه.» «1»

اقول: ان هاتين الروايتين رواية واحدة لقرب مضمونهما و كون الراوي في كل منهما هو العمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و على كلّ حال نقول ان الروايتين لا تدلان على المدعى لانهما مضافا الى اجمالهما و مضافا الى عدم دخل ما فيهما في التثليث مسلّما

تكونان متعرضتين للعلاج لدفع اسكاره ظاهرا لا انّه لا يحلّ ماء الزبيب و لو لم يسكر الا بالتثليث و تعارضهما مع الروايات الواردة في العصير العنبى و تعارض كلّ واحد منهما مع الآخر و لا اقل من عدم ظهورهما في حرمة العصير الزّبيبى بالغليان و حليّته بالتثليث.

و منها ما رواها إسماعيل بن الفضل الهاشمي
اشارة

قال شكوت الى ابي عبد اللّه عليه السّلام «قراقر تصيبنى في معدتى و قلة استمرائى الطعام فقال لى لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن و هو يمرئ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن قال فقلت له صفه لى جعلت فداك قال تأخذ صاعا من زبيب فتنقيه من حبّه و ما فيه ثم تغسل بالماء غسلا جيّدا ثمّ تنقعه في مثله من الماء او ما يغمره ثم تتركه في الشتاء ثلاثة ايام بلياليها و في الصيف يوما و ليلة فاذا اتى عليه ذلك القدر صفّيته و أخذت صفوته فجعلته في اناء و اخذت مقداره بعود ثم طبخته طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم تجعل عليه نصف رطل عسل و تأخذ مقدار العسل ثم تطبخه حتى تذهب الزيادة ثم تأخذ زنجبيلا و خولنجان و دارصينى و زعفران و قرنفلا و مصطكى و تدقه و تجعله في خرفة رقيقة و تطرحه فيه و تغليه معه غلية ثم تنزله فاذا برد صفّيت و اخذت منه على غذائك و عشائك قال ففعلت فذهب عنى ما كنت أجده و هو

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 235

شراب طيب لا يتغيّر اذا بقى إن شاء اللّه.» «1»

اقول و الكلام فيها هو الكلام في الروايتين السابقتين منها

و ما فيهما من الاشكال.

الموضع الاول: يقع الكلام في سند الحديث و الكلام فيه يقع في موارد:
اشارة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 5 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من المستدرك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 236

المورد الاول: في انه هل يصحّ الاعتماد بزيد النّرسى حتى يصحّ الاعتماد على اصله المنسوب إليه لو فرض وجود اصل له أم لا.

المورد الثاني: في انه هل يكون له اصل او لا.

المورد الثالث: في ان الموجود الذي نسب إليه هل يكون الاصل الذي منه او لا

اما الكلام في المورد الاول اعني صحة الاعتماد على «زيد النرسي» و اصله» او عدمه:

فنقول ان المنقول من الصدوق و استاده رحمهما اللّه هو عدم الاعتماد عليه كما قال الاردبيلى رحمه اللّه في جامع «1» الروات «زيد النّرسى، روى عن ابي عبد اللّه و ابي الحسن عليهما السّلام له كتاب يرويه جماعة منهم ابن ابى عمير «جش» له اصل لم يروه محمد بن على بن بابويه و قال لم يروه محمد بن الحسن بن الوليد و كان يقول وضعه محمد بن موسى السمان الهمدانى و قال ابن الغضائرى هذا غلط فانى رايت كتابه مسموعا من محمد بن ابى عمير و قال الشيخ أيضا ان كتابه رواه عنه ابن ابى عمير «مح» الى هنا كان كلام الاردبيلي في جامع الروات» اقول بعد ما يكون مختارى في حجية الخبر الواحد و جواز الاخذ به هو الاطمينان بالصدور و هذا يحصل بمجرد الوثوق بقول الراوي.

و بعد ما هو المعروف عند الاصحاب بان محمد بن ابي عمير لا يروي الّا عن الثّقة و لهذا قيل، ان مراسيله بحكم المسانيد و هو على الفرض روى من كتابه مضافا الى رواية غيره عنه أيضا كما عرفت عن «جش» فعلى ذلك يكون الخبر المذكور بحدّ ساير الروايات التي

يكون البناء على الاخذ بها فمن هذا الحيث يمكن دفع الاشكال.

______________________________

(1) جامع الرواة، ج 1، ص 343.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 237

اما الكلام فى المورد الثاني: يقع الكلام في انه هل يكون لزيد النّرسى اصل

او هو من الموضوعات فنقول بعونه تعالى ان منشأ كون الاصل المنتسب إليه موضوعا ليس الّا قول ابن الوليد و لم يبيّن مدركه و في قباله قال الشيخ رحمه اللّه ان له و لزيد الزراد اصلين و لم يروهما محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه و قال في الفهرست لم يرو عنهما محمد بن الحسن بن الوليد و كذا الغضائرى و كذا النجاشى و قد تصدّى الوحيد البهبهاني و العلامة الطباطبائى قدس سرهما على ما نقل الشيخ الشريعة في افاضة الغدير لتصحيح استناد الاصل المذكور الى زيد و اختاره الشيخ الشريعة رحمه اللّه و سيدنا الاستاذ الحجة رحمه اللّه.

اقول: و مع نسبة هذه الاجلاء الاصل إليه هل يكتفي بها لصحة الاستناد إليه او انه بعد عدم رواية الصدوق و ابن الوليد عنه و قول الثاني بان الأصل المنسوب إليه من الموضوعات يقال بعدم صحة الاستناد وجهان؟

اما الكلام فى المورد الثالث: [ان ما بايدينا من الاصل المنتسب إليه هل هو اصله أولا]

بعد فرض تسلّم الامر الاول و هو كون زيد النّرسى ثقة من الثقات و يحصل من روايته الاطمينان بالصدور و بعد فرض تسلم الامر الثاني و هو ان لزيد النّرسى اصل.

يقع الكلام في ان ما بايدينا من الاصل المنتسب إليه هل هو اصله أو لا يكون ما بايدينا اصله قد عرفت ان منشأ نسبة هذا بزيد النّرسى و دعوى انه اصله هو ما وجده العلامة المجلسي رحمه اللّه و كانت هذه النسخة على ما نقل كتبت في القرن الثالث من الهجرة و لا عين و لا اثر له بين الاصحاب الى زمان العلامة المجلسي و ان كان عند الشيخ حرّ العاملى رحمه اللّه نسخة اخذها منها.

فهل يمكن الاعتماد على هذه النسخة و يقال انها تكون اصل

زيد النّرسي أو لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 238

غاية ما يمكن ان يقال في تمامية الاستناد هو ان تاريخ كتابة هذه النسخة المنتسبة على ما فيها يكون القرن الثالث من الهجرة و ان بعض الاخبار المذكورة في هذه النسخة ذكر في بعض الكتب المعتبرة كالكافي مرويا عن زيد النّرسي و انه من البعيد جعل كتاب و تسميته باصل زيد النّرسي و جعل اخبار و وضعها و نقلها باسم زيد غاية البعد و لكن مع هذا لا يوجب كل ذلك حصول الوثوق و الاطمينان بكون الكتاب الذي كان عند العلامة المجلسى رحمه اللّه هو اصل زيد النّرسى.

نعم ينبغي الاحتياط في مسئلتنا و في كل حكم يكون مستنده هذا الكتاب فقط.

ثم انه يقال بانه على فرض تسليم الموارد الثلاثة المتقدمة اعني وثاقة زيد النّرسي و ان له اصل و ان هذا الاصل هو الذي كان عند العلامة المجلسى رحمه اللّه لا يمكن التعويل على هذه الرواية لضعفها باعراض الاصحاب عنه لعدم تعرض قدماء اصحابنا لها مع قرب زمانهم بزمان زيد و هذا اعراض عنهم منها فتصير ضعيفة.

و فيه ان مجرد عدم ذكر اصحابنا عن اصل زيد هذه الرواية التي يدعي انها منه لا يكون اعراضا لانك تقول بعدم ذكرهم عن اصل زيد فلا معنى لان يقال اعرضوا عنه لإمكان عدم وقوفهم إليه و مجرد ذلك ليس اعراضا نعم عدم تعرض قدماء اصحابنا لاصله لو كان دليلا او مؤيدا يكون دليلا او مؤيدا لعدم وجود الاصل او عدم وقوفهم بالاصل فعدم ذكر هذا الاصل في كلمات جلّ الاصحاب اما يكون لعدم اصل له او لعدم وقوفهم عليه و قد ذكرنا الكلام فيه في الامر

الثاني و الثالث من الموارد الثلاثة و ما ينبغى ان يقال.

الموضع الثاني: يقع الكلام في دلالة هذا الحديث

اعني الرواية المنسوبة باصل زيد النّرسي.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 239

فنقول بعونه تعالى ما يأتي بالنظر ان هذه الرواية مع قطع النظر عن الاشكال في سندها كما عرفت الكلام فيه يكون الظاهر عدم اشكال في دلالتها على حرمة العصير الزبيبي في الجملة و حليّته بذهاب الثلثين مع انها لا تخلوا عن الاجمال و مبدأ الحرمة و ان لم يكن مذكورا في صدر الرواية بانه بالغليان او غيره لكن يستفاد من ذيلها ان الحرمة تعرض العصير الزبيبى اذا وصلت الحلاوة بالماء من العصير او نش او غلى.

و حيث ان العمدة الاشكال في سند الرواية فلا اثر للتكلّم في الدلالة ازيد من ذلك.

هذا تمام الكلام في الامر الاول من الامرين المتمسك بهما على حرمة العصير الزبيبي و هو بعض الاخبار و قد عرفت عدم امكان الاستدلال به و عدم تمامية الامر الاول من الامرين المستدل بهما على حرمة العصير الزبيبى.

و منها رواية زيد النّرسى

التى رواها العلامة المجلسي قدس سره في اطعمة البحار عن النسخة الموجودة عنده و كان تاريخ النسخة سنة 374 و كانت بخط الشيخ منصور بن محسن الابى و ذكر انه كتبها من اصل محمد بن الحسن بن الحسين بن أيوب القمى الناقل له خط الشيخ الاجل المجوال هارون بن موسى التلعكبرى و تلك النّسخة كانت عند الشيخ حرّ العاملى و الرواية ما ننقله في الذيل.

«زيد النّرسى قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الزبيب يدق و يلقى في القدر ثم يصبّ عليه الماء و يوقد تحته فقال لا تاكله حتى يذهب الثلثان و يبقي الثلث فان النار قد اصابته قلت فالزبيب كما هو في القدر و يصبّ عليه الماء ثم يطبخ و

يصفى عنه الماء فقال كذلك هو سواء اذا ادت الحلاوة الى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير ثمّ نشّ من غير ان تصيبه النّار فقد حرم و كذلك اذا اصابته النار فاغلاه فقد فسد» «2» و النقل بهذا النحو على ما قال سيدنا الاستاد الحجة قدس سره كان عن البحار و نقله في المستند و المستدرك و كذلك نقل الشيخ الشريعة قدس سره في افاضة الغدير و قال هذا مطابق للنسخ الصحيحة من اصل زيد النّرسي الموجودة بايدينا فمن نقل متن الحديث على غير هذا النحو لعله كان من النقل بالمعنى او كان للمسامحة في النقل، اذا عرفت الحديث نقول يقع الكلام فيه في موضعين:

الامر الثانى من الامرين الذين استدل بهما على الحرمة هو استصحاب الحرمة التعليقية

فيقال ان هذا كان سابقا اذا غلى يحرم و بعبارة اوضح كان هذا الذي يكون زبيبا فعلا اذا غلى سابقا في حال كونه عنبا يحرم فكذلك في الحال ببركة الاستصحاب.

و اورد على هذا الاستصحاب بايرادات بعضها بعض الايرادات الّتي اورد على استصحاب التعليقي من رأس و انه لا مجال للاستصحاب التعليقي اصلا.

مثل الاشكال بان التعليقية ان كانت السببية بمعني الغليان للحرمة او الملازمة الموجودة بين الغليان للحرمة فنقول أوّلا ليس هذا الاستصحاب تعليقيا بل هو الاستصحاب التّنجيزى لان المستصحب يكون امرا منجّزا و هو السببية او الملازمة و ثانيا لا تكون السببية المذكورة او الملازمة من المجعولات الشريعة كى يكون قابلا لوصول يد الشارع عليه اثباتا او نفيا فاذا قال الشارع لا تنقض اليقين بالشك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 240

لا يشمل المورد.

و ان كان المستصحب الوجوب او الحرمة فبناء على مختار الشيخ الانصاري رحمه اللّه في واجب المشروط من كون القيد فيه قيدا للمادة و كون

الوجوب فعليا قبل حصول الشرط يمكن الاستصحاب.

و اما بناء على قول من يقول بان الشرط في الواجب المشروط راجع الى الهيئة فلا مجال للاستصحاب اعنى استصحاب الحرمة او الوجوب لعدم وجوب قبل تحقق الشرط في الواجب المشروط حتى يستصحب.

و مثل الاشكال بكون الاستصحاب المعلّق معارض مع الاستصحاب المنجزّ مثلا في المقام كما تستصحب الحرمة المعلقة كذلك تستصحب الحلية المنجزة قبل الغليان.

فنقول، ان هذا القسم من الاشكال يكون محل بحثه في الاصول عند التعرض لحجية الاستصحاب التعليقي و انّه حجة أم لا و تعرضنا له في محله و في المقام بعد الفراغ عن البحث الاصولي ينبغي التكلم في المقام في انه على فرض حجيته هل يكون فيما نحن فيه اشكال آخر في اجراء الاستصحاب التعليقي في المقام بالخصوص و لو لم نشكل في حجية هذا الاستصحاب أو لا.

فنقول بعد فرض حجية الاستصحاب التعليقي ربما يقال بعدم مجال لجريانه فيما نحن فيه لامرين:

الامر الاوّل: انه لا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع حتى تكون القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقّنة و في المقام ليس كذلك بل تكون القضية المشكوكة غير القضيّة المتيقنة لان الموضوع المتقين هو العنب و موضوع القضية المشكوكة هو الزبيب و الزبيب غير العنب.

و اجيب عن هذا الاشكال بان الزبيب عنب بنظر العرف و لهذا يصح بنظرهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 241

ان يقال ان هذا لو غلى سابقا يحرم فكذا في الحال.

الامر الثاني: و هو العمدة ان موضوع حكم الحرمة كما عرفت عند البحث عن حرمة العصير العنبي اذا غلى بمقتضى الاخبار هو ماء العنب المسمى بالعصير فالمستفاد من الادلة هو حرمة ماء العنب اذا غلى فنقول لا يجرى

الاستصحاب التعليقي لعدم بقاء الموضوع لان الموضوع في السابق كان ماء العنب و في زمان الشك ليس ماء عنب في البين و الزبيب ليس ماء العنب عند العرف فلا مجال لجريان الاستصحاب التعليقي لاعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب.

فتلخّص مما مرّ عدم دليل على حرمة العصير الزبيبى نعم ينبغي الاحتياط بترك شربه اذا غلى الى ان يذهب ثلثاه.

***

[مسئلة 2: اذا صار العصير دبسا بعد الغليان]
اشارة

مسئلة 2: اذا صار العصير دبسا بعد الغليان قبل ان يذهب ثلثاه فالاحوط حرمته و ان كان لحليته وجه و على هذا فاذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه فالاولى ان يصب عليه مقدار من الماء فاذا ذهب ثلثاه حلّ بلا اشكال.

(1)

اقول: قد عرفت ان المصرّح به في روايات الباب اعتبار ذهاب الثلثين في ذهاب الحرمة و طرو الحلية للعصير بعد حرمة شربه بالغليان و كذا رفع النجاسة عن العصير بناء على عروض النجاسة له بالغليان و طهارته بالتثليث.

و لكن قد يقال بحلية العصير المحرم شربه بالغليان بالنار اذا صار دبسا و لو لم يذهب ثلثاه كما حكى عن المقدس الاردبيلي قدس سرّه و ذكر الشهيد الثاني بنحو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 242

الاحتمال في المسالك.

و على كل حال

ما يمكن ان يكون وجها لحلية العصير اذا صار دبسا امور:
الامر الاول: ما رواها عمر بن يزيد

«قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا كان يخضب الاناء فاشربه» «1» و خضب الاناء عبارة عن القوام و السخانة و هو كناية عن صيرورته دبسا.

و اشكل على الرواية بان رواية معاوية بن وهب المذكورة فى هذا الباب المذكور فيها رواية عمر بن يزيد و هي ما نذكرها «معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البختج فقال اذا كان حلوا يخضب الاناء و قال صاحبه قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث فاشربه» «2» تدل على اعتبار خضب الاناء و ذهاب ثلثيه.

و عن الشيخ الشريعة في مقام الرد عن هذا الاشكال ان رواية معاوية لا تعارض رواية عمر بن يزيد للزوم اخراج رواية معاوية عن ظاهرها بجعل الواو بمعنى «او» فتدل على كفاية احد الامرين اما خضب الاناء و اما ذهاب الثلثين او حمل الشرط الاخير على الاولوية بمعنى

اولوية ان يقول صاحبه قد ذهب ثلثاه او حمل الاول يعني «اذا كان حلوا يخضب الاناء» على الاولوية بمعنى انه مع اخبار ذي اليد بذهاب ثلثيه الاولى تحقق خضب الاناء و ذلك لان قول ذي اليدان كان مثبتا لما ادعاه فلا وجه لاشتراط اخباره بذهاب ثلثيه.

و قال سيدنا الحجة رحمه اللّه اشكالا على الشيخ الشريعة رحمه اللّه بان اعتبار الحلاوة و خضب الاناء كان لحصول الاطمينان.

اقول: اما ما افاده سيدنا الحجة رحمه اللّه فغير تمام لانه ان كان قول ذي اليد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 243

حجة من باب الاطمينان فلا يصح ما قاله لحصول الاطمينان من نفس قول ذي اليد و الا لا يؤخذ بقوله.

و اما ان كان حجة تعبدا فلا وجه لاعتبار امر زائد على اخباره و هو خضب الاناء و حصول الاطمينان بهذا الامر الزائد.

و اما ما قاله الشيخ الشريعة رحمه اللّه ففيه أوّلا ما قاله رحمه اللّه و هو ما حكى عن شيخ الطائفة رحمة اللّه و بعض آخر من احتمال كون خضب الاناء في رواية عمر بن يزيد من باب بيان الأمارة على ذهاب ثلثيه فلا تعارض بين هذه الرواية و ما دل على اعتبار ذهاب ثلثي العصير، بل قيل بانّه لا يمكن صيرورة العصير بمرحلة يخضب الاناء ان كان خضب الاناء عبارة عن صيرورته دبسا الّا بذهاب ثلثيه بل ادعى بعض فضلاء بحثنا ان العصير لا يصير دبسا غالبا الّا بذهاب، اكثر من ثلثيه. و لا يحتاج الى حمل «الواو» في رواية معاوية

على «او».

و ثانيا مقتضى اطلاق رواية عمر هو جواز الشرب اذا خضب الاناء سواء ذهب ثلثاه أم لا و مقتضى الاخبار المتقدمة في اصل مسئلة العصير هو انه يجوز الشرب اذا ذهب ثلثاه.

فنقول تارة يقال انّ خضب الاناء أمارة على تحقق ذهاب ثلثيه فلا تعارض بين رواية عمر و ساير الروايات و كذا رواية معاوية.

و تارة يقال ان خضب الاناء و صيرورته حلوا يحصل قبل ذهاب ثلثي العصير. فنقول لا يمكن الجمع بين رواية عمر، و الاخبار الدالة على اعتبار ذهاب ثلثيه الّا بان يقيد اطلاق رواية عمر بها، فيقال اذا كان حلوا يخضب الاناء يجوز شربه بشرط ذهاب ثلثين. و ان ابيت عن هذا الجمع فيقع بينهما التعارض لانّ مقتضى علية كل منهما لغوية عليّة الاخرى لانه ان كان خضب الاناء علة لرفع الحرمة فمع فرض كون تحققه قبل ذهاب ثلثي العصير فجعل ذهاب ثلثيه علة لرفع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 244

الحرمة بصير لغوا لحصول الخضب دائما قبله، و ان كان ذهاب ثلثيه رافعا للحرمة فجعل الخضب رافعا يكون لغوا لانّ ذهاب ثلثيه لا يتحقق الّا بعد الخضب و لهذا يقع بينهما التعارض و بعد التعارض لا اشكال في عدم وجود المرجّح لرواية عمر بل الترجيح ان كان، يكون للروايات المعتبرة فيها ذهاب الثلثين و التّرجيح مع الرّوايات المتقدّمة لموافقتها مع الشّهرة الرّوائية و الفتوائية و ان لم يكن ترجيح في البين فتكون النتيجة تساقطهما فيرجع الى الاصل، و الاصل في المقام هو استصحاب الحرمة الثابتة للعصير بعد الغليان الى ان يذهب ثلثاه، فمع خضب الاناء و قبل ذهاب ثلثين لو شككنا في بقاء الحرمة و عدمه يكون مقتضى

الاستصحاب هو الحرمة الى ان يذهب ثلثاه.

الامر الثاني: اطلاقات الدالة على حلية الدبس

فهي تشمل المورد لانه دبس على الفرض.

و فيه انه على فرض تحقق اطلاق متعرض لهذا الحيث «و انّى لم اجد رواية متعرضة لذلك». نقول ان هذا الاطلاق مقيد بما دل من الروايات على ان العصير اذا غلى بالنار يحرم و لا يحل الّا بعد ذهاب ثلثه، لأنّ الدبس لا يحصل الّا من العصير المغليّ بالنار بالكيفية المخصوصة و مورد الروايات المتعرضة لحلية العصير بذهاب ثلثيه هو ما غلى بالنار، فلو كان دليل يفيد حلية الدبس مطلقا لا بدّ من تقييده بصورة ذهاب ثلثي العصير.

الامر الثالث: دعوى انصراف الادلة الدالة على حلية العصير بذهاب ثلثيه

عن صورة صيرورته دبسا قبل ان يذهب ثلثاه.

و فيه ان ذلك دعوى لا دليل له و لم اجد وجها للانصراف.

الامر الرابع: انه صار طاهرا بالانقلاب لانقلابه دبسا

و فيه انه لا دليل على مطهرية انقلاب العصير بصيرورته دبسا و لكن بانقلابه خلًّا يصير طاهرا و حلالا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 245

للدليل ثم انه نقول بعد عدم الدليل على الحلية قبل ان يذهب ثلثاه و ان صار دبسا يكفي لبقاء الحرمة الاستصحاب لانه اذا شككنا في ان ما صار دبسا قبل ذهاب ثلثيه هل يحلّ شربه أم لا، نستصحب الحرمة.

***

[مسئلة 3: يجوز اكل الزبيب و الكشمش و التمر في الأمراق]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجوز اكل الزبيب و الكشمش و التمر في الامراق و الطبيخ و ان غلت فيجوز اكلها باىّ كيفيّة كانت على الاقوى.

(1)

اقول: امّا بناء على القول بعدم نجاسة العصير الزبيبى و التمرى و عدم حرمتهما، فواضح و امّا بناء على القول بنجاستهما او حرمتهما فقيل بانه لا وجه للطهارة او الحلية و لو بعد ذهاب ثلثيه لعدم الدليل عليه الا بان يكون قليلا بمقدار يستهلك في المرق و لا يصدق عليه العصير.

و مع ذلك الحكم بطهارتها على القول بنجاستها بالغليان و كذا القول بحليتها على القول بحرمتها بالغليان مشكل.

***

[العاشر: الفقّاع]
اشارة

قوله رحمه اللّه

العاشر: الفقّاع و هو شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص و يقال ان فيه سكرا خفيا و اذا كان متخذا من غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 246

الشعير فلا حرمة و لا نجاسة الّا اذا كان مسكرا.

(1)

اقول، اما نجاسة الفقاع من حيث الفتوى فالشهرة قائمة عليها بل الاجماع على المحكى عن جماعة و نجاسته من متفردات الامامية على ما قال سيد المرتضى قدس سرّه في الاطعمة من الانتصار.

و ما يمكن ان يستدل به على نجاسته مع قطع النظر على الشهرة امور:
الامر الاوّل: ان الفقاع من المسكرات المائعة بالاصالة

و قد عرفت نجاستها و مقضى اطلاق دليل نجاستها هو نجاسة الفقاع لان الاطلاق يشمل الفقاع أيضا.

و استشكل في كونه مسكرا بانه لا يوجب السكر و قيل جوابا عن الاشكال بانه مسكر و لكن يكون سكره خفيّا و لعل التعبير في بعض الروايات في باب الفقاع بان الفقاع «خمر استصغره الناس» يكون من ذلك الباب اعني خفاء سكره.

و على كل حال على تقدير كونه مسكرا يكفي في نجاسته ما مضى من نجاسة كل مسكر.

الامر الثاني: بعض الروايات المعتبر فيه بان الفقاع «خمر»

او هو «الخمر» او هي الخمر بعينها» او خمر مجهول» او هذه الخمرة» و الاخبار بهذه العبارات كثيرة «1» و كذا بعض الاخبار المتعرض فيه بان الخمر يؤخذ من خمسة اشياء و عدّ واحدة منها ما يؤخذ من «الشعير» «2» فيقال بعد التعبير بكونه خمر او هو الخمر بعينها او خمر مجهول و غير ذلك لا بدّ من ترتيب احكام الخمر عليه من الحرمة و النجاسة و اقامة

______________________________

(1) راجع الباب 27 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) راجع الباب 2 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 247

الحدّ على شاربه كما وقع التصريح باقامة الحدّ عليه في بعض الروايات.

اقول و يمكن الاشكال بالتمسك بمثل هذه الاخبار على نجاسة الفقاع من باب انه بعد عدم كون الفقاع خمرا حقيقة يكون الحمل اى حمل الخمر عليه حملا تنزيليا يعني انه بمنزلة الخمر و بعد كون الحمل تنزيلا لا بدّ من ملاحظة وجه شبه اظهر من غيره فيقال ان حمل الخمرية عليه يكون بمناسبة شباهة ظاهرة او اثر ظاهر في الخمر يكون التنزيل بمناسبته و اذا بلغ الامر الى هنا فنقول ان الشباهة الظاهرة و الاثر

الظاهر الذي نزّل الشارع الفقاع بمنزلة الخمر هو الحرمة كما يستفاد ذلك اى حرمته من بعض الاخبار فيحمل التنزيل على ذلك و يقال ان التعبير بان الفقاع خمر يكون باعتبار كونه مثل الخمر و بمنزلته في الحرمة.

و فيه ان الاخبار التي فيها التعبير بانه خمر ان كانت قابلة للحمل على ذلك لكن ما ورد في بعض الروايات من انه يؤخذ الخمر من اشياء و من جملتها الشعير يدلّ على ان الفقاع خمر حقيقة لان الفقاع يؤخذ من الشعير.

و ان قيل بأنه يأخذ من غير الشعير أيضا.

نقول بان ما يؤخذ من الشعير فهو خمر لدلالة بعض الاخبار عليه «1» فيتم الاستدلال للنجاسة بهذا القسم من الاخبار لانه نجس بعد كونه قسما من الخمر بناء على ان الخمر الماخوذ من الشعير يكون هو الفقاع و لا يؤخذ منه خمر آخر.

و الّا يمكن المناقشة في دلالة هذا البعض من الاخبار لان هذا القسم من الاخبار لا تدل الّا على اخذ خمر من الشعير و اما كون الماخوذ هو الفقاع المتعارف فغير معلوم.

______________________________

(1) راجع الباب 1 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 248

الامر الثالث: ما رواها هشام بن الحكم

انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفقاع فقال لا تشربه فانّه خمر مجهول و اذا اصاب ثوبك فاغسله «1» و لا اشكال في دلالتها على نجاسة الفقاع لانه قال عليه السّلام «و اذا اصاب ثوبك فاغسله» بل تدل على نجاسة الخمر أيضا.

و مقتضى هذه الرواية نجاسة الفقاع و لو لم يكن مسكرا لانه امر عليه السّلام بغسل الثوب اذا اصابه الفقاع هذا بالنسبة الى نجاسة الفقاع.

و اما الكلام في بيان حقيقة الفقاع و موضوعه فهو على

ما ترى قال السيد رحمه اللّه هو «شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص» و قال انه ان كان متخذا من غير الشعير فلا حرمة و لا نجاسة الّا اذا كان مسكرا.

اعلم ان هنا كلاما في ان الفقاع هو خصوص شراب متخذ من الشعير كما عن مجمع البحرين.

او هو اعم مما يتخذ منه و من الزبيب و الرمان و الدّبس و يسمّون الجميع فقاعا كما حكى عن سؤال المهنّأ بن سنان.

و موضوع الفقاع غير مذكور فيما بايدينا من الاخبار المربوطة بالمقام و لم يكن في البين الّا قول اهل اللغة و بعضهم قال بان الفقاع هو الشراب المتّخذ من الشعير و بعضهم قال بانه الاعم من ذلك فاذا كان الامر كذلك يكون الشراب المتخذ من الشعير هو القدر المتيقن من الفقاع و يحكم بنجاسته و حرمة شربه.

و اما المتّخذ من غير الشعير فان كان مسكرا هو نجس و يحرم شربه لنجاسة كل مسكر مائع بالاصالة و يحرم شربه.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 27 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 249

و اما اذا لم يكن متخذا من الشعير و لم يكن مسكرا فنقول بانه بعد كون موضوع حكم النجاسة و الحرمة و هو الفقاع امره دائر بين الاقل و الاكثر فبالنسبة الى الاقل و هو المتخذ من الشعير لا اشكال في شمول حكم العام او المطلق له فهو محكوم بمقتضى الدليل بالحرمة و النجاسة و اما الاكثر فشمول الدليل له غير معلوم فالمرجع مع الشك و عدم وجود الدليل اللفظي يكون الاصل العملي فيحكم بطهارته لاصالة الطهارة و بحليّة شربه لاصالة الحلية.

هذا كله بناء على كون الفقاع الواقع

في لسان الدليل الدالة على نجاسة الفقاع او حرمته كان امره دائرا بين الاقل و الاكثر و بعبارة اخرى يكون الشّك بين كون الاقل و هو المتخذ من الشعير و بين الاكثر و هو كون المراد من الفقاع المذكور في لسان الدليل هو اعم مما يؤخذ من الشعير و غيره فعلى هذا الفرض قلنا من ان المتقين هو الاقل و الاكثر يكون مشكوكا و قلنا ما عرفت.

و لكن يمكن ان يقال بان المراد من الفقاع المذكور في لسان الاخبار هو خصوص الشراب المتخذ من الشعير لا غيره لما في الروايات من ان الشعير من جملة الاشياء التي يؤخذ منه الخمر. «1»

فنقول بعد كون الفقاع الذي يكون شربه حراما و يكون نجسا هو ما يؤخذ من الشعير فليس المورد من قبيل دوران العام او المطلق بين الاقل و الاكثر.

ففي ما يقال من اخذ الفقاع من غير الشعير لو فرض وقوعه نقول ان كان مسكرا فحرام شربه و يكون نجسا.

و ما لا يكون مسكرا فمع عدم الدليل اللفظي على حرمته و لا نجاسته نقول

______________________________

(1) راجع الباب 1 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 250

بعدم حرمة شربه و بعبارة اخرى بحليّة شربه باصالة الحلية و نقول بطهارته باصالة الطهارة.

***

[مسئلة 1: ماء الشعير الذي يستعمله الاطباء في معالجاتهم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ماء الشعير الذي يستعمله الاطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع فهو طاهر حلال.

(1)

اقول: و وجهه واضح لان الفقاع شراب يتخذ من الشعير بنحو خاص و كيفية خاصة و ماء الشعير لا يؤخذ بهذا النحو الخاص فدليل حرمة شرب الفقاع و نجاسته لا يشمل ماء الشعير فهو طاهر حلال شربه و لو شك في نجاسته او حرمته

فالاصل هو طهارته و حليّته.

***

[الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام]
اشارة

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 250

قوله رحمه اللّه

الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام سواء خرج حين الجماع او بعده من الرجل او المرأة سواء كان من زنا او غيره كوطي البهيمة او الاستمناء. او نحوهما مما حرمته ذاتية بل الاقوى ذلك فى وطى الحائض و الجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن او فى الظهار قبل التكفير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 251

(1)

اقول: اما

الكلام في نجاسة عرق الجنب من الحرام و عدمها
اشارة

فقد ادعى ان المشهور عند قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم هو نجاسته بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه و وافقهم جمع من المتاخرين.

و لكن كما يرى المراجع في كلام المراجع و في كلام القدماء يكون ظاهر كلام بعضهم هو عدم جواز الصّلاة فيه كما هو ظاهر الاخبار التي نذكرها إن شاء اللّه و لم يصرح فيها بنجاسته.

و في قبال ذلك ذهب جمع من اصحابنا الى القول بطهارته كما عن الحلّي و الفاضلين و جماعة من المتاخرين قدس اللّه اسرارهم بل قيل عليه جمهورهم بل حكي عن الحلى الاجماع على طهارته مدّعيا ان من اختار نجاسته في كتاب رجع عنه في كتابه الاخر هذا بالنسبة الى وضع الفتوى في المسألة.

و اما الاخبار المربوطة بما نحن فيه
اشارة

ارويها «غير رواية فقه الرضا» عن كتاب جامع احاديث الشيعة الّذي الّف تحت اشراف سيدنا الاعظم المرجع الاعلى في عصره فقيه الاسلام آية اللّه العظمى الحاج آغا حسين البروجردي قدس سره و بذل جهده و لطفه و شئونه و مساعيه الجميلة.

الرواية الاولى: مرسلة الشهيد رحمه اللّه في الذكري

روي محمد بن همام باسناده الى ادريس بن يزداد الكفرثوثى انه كان يقول بالوقف. فدخل بسر من راى في عهد ابي الحسن عليه السّلام و اراد ان يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلي فيه فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره عليه السّلام اذ حرّكه ابو الحسن عليه السّلام بمقرعة و قال مبتدئا ان كان من حلال فصلّ فيه و ان كان من حرام فلا تصلّ فيه «1» اثبات

______________________________

(1) الرواية 19 من الباب 14 من ابواب النجاسات من جامع الاحاديث الشيعة.

الوسائل ج 2 الباب 27 من ابواب النجاسات ح 12 لكن ذكر ادريس بن داود (برزاخ ل).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 252

الوصية صفحه 179 عن احمد بن محمد بن مابنداذ الكاتب الاسكافي قال تقلّدت ديار ربيعة و ديار مضر «و ذكر كيفيّة ورود ادريس بن- زياد- كذا- عليه الى ان قال» فسألته بعد مقامه عندنا اياما ان يهب لى زورة الى سر من راى لينظر الى ابي الحسن عليه السّلام و ينصرف (و ذكر كيفية دخوله على ابى الحسن عليه السّلام ثم ذكر نحو ما ذكر في الذكري».

الرواية الثانية: المناقب 452 ج 2 نقلا من كتاب المعتمد في الاصول

قال على بن مهزيار «في حديث وروده على ابى الحسن صاحب العسكر عليه السّلام) ثم قلت اريد ان اسأله عن الجنب اذا عرق في الثوب فقلت في نفسى ان كشف وجهه فهو الامام فلمّا قرب منّى كشف وجهه ثم قال ان كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا يجوز الصّلاة فيه و ان كان جنابته من حلال فلا بأس فلم يبقى في نفسى بعد ذلك شبهة». «1»

الرواية الثالثة: البحار صفحه 27 ج 18 بعد نقل حديث المناقب

قال وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء اصحابنا اظنّه مجموع الدعوات لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري رواه عن ابى الفتح غازى بن محمد الطرائفي عن على بن عبد اللّه الميمونى عن محمد بن على بن المعمر عن على بن يقطين بن موسى الاهوازى عنه عليه السّلام مثله و قال ان كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و ان كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام». «2»

الرواية الرابعة: الفقه الرضوي

ان عرقت في ثوبك و انت جنب و كانت الجنابة من حلال؛ فتجوز الصّلاة فيه و ان كان حراما فلا تجوز الصّلاة فيه حتى بغسل) هذا هو تمام الروايات المستدلة بها على نجاسة الجنب من الحرام.

______________________________

(1) جامع الاحاديث، ج 2، ص 119.

(2) جامع الاحاديث، ج 2، ص 120.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 253

ثم انه يقع الكلام في موضعين: الموضع الاول في سند الاخبار الموضع الثاني في دلالتها.

اما الكلام في الموضع الاول [سند الروايات]

فنقول لا اشكال في ضعف سند الروايات المذكورة في حدّ ذاتها.

مضافا الى بعد وجود قضايا متعددة اعني سؤال اشخاص متعددة عن موضوع واحد بكيفية واحدة لان في كلها غير رواية فقه الرضا يكون نظر السائل في السؤال ما اراد في نفسه فاجاب الامام عليه السّلام.

و قيل بان ضعف سندها منجبر بعمل الاصحاب لان قدماء اصحابنا عملوا على طبقه و افتوا به.

و فيه ان مجرد مطابقة الفتوى مع الخبر لا يوجب جبر ضعف السند لان منشأ كون عمل المشهور جابرا هو استنادهم الى الخبر فيقال مع كون سنده ضعيفا في حدّ ذاته نكشف من استناد المشهور إليه كونهم واقفين على ما اوجب اعتمادهم بالخبر و ان لم يصل إلينا و اما اذا لم يقف المشهور بالخبر راسا و الشاهد عدم ذكر عنه في كتبهم كيف نقول بجبر ضعف السند بالشهرة فلهذا لا يكون فتوى المشهور جابرا لضعف سند الاخبار لان مطابقة فتوى المشهور مع مفاد الخبر بدون الاستناد إليه لا يكون جابرا خصوصا مع ما يظهر من الشيخ رحمه اللّه في التهذيب «1» من كون استنادهم الى رواية اخرى حيث قال «لا بأس بعرق الحائض و الجنب و لا يجب غسل الثوب منه الّا ان

يكون الجنابة من حرام فتغسل ما اصابه من عرق صاحبهما من جسد و ثوب و يعمل في الطهارة بالاحتياط» الى ان قال «2» «فاما ما يدل على ان الجنابة من حرام فانه يغسل الثوب منها احتياطا فهو ما اخبرني به الشيخ ايده اللّه عن احمد بن

______________________________

(1) التهذيب، ج 1، ص 268.

(2) التهذيب، ج 1، ص 271.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 254

محمد عن ابيه عن سعيد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن ابان بن عثمان عن محمد الحلبي قال قلت لابي «1» عبد اللّه عليه السّلام رجل اجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره قال يصلي فيه و اذا وجد الماء غسله (لا يجوز ان يكون المراد بهذا الخبر الّا من عرق في الثوب من جنابة اذا كانت من حرام لانا قد بيّنا ان نفس الجنابة لا يتعدى الى الثوب و ذكرنا أيضا ان عرق الجنب لا ينجس الثوب فلم يبق معني يحمل عليه الخبر إلا عرق الجنابة من حرام فحملناه عليه». «2»

اقول و من الواضح ان الرواية لا تدل على نجاسة عرق الجنب من الحرام بل الظاهر ان ثوبه صار نجسا بالمنى فقال صل فيه حيث لا ثوب له غيره ثم بعد ذلك اغسله فافهم.

نعم ان قلنا بكفاية مطابقة فتوى المشهور مع مفاد الخبر لجبر الضّعف يصحّ ان يقال بانّ ضعف سند هذه الاخبار يجبر بعمل الاصحاب.

نعم هنا كلام آخر و هو انّ نفس كون الحكم مشهورا عند قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم ربما يوجب ان يقال بان الاحوط ترك الصّلاة في عرق الجنب من الحرام كما كان هذا مختار سيدنا الاعظم

آية اللّه البروجردي رحمه اللّه بل يكون حجة في بعض الموارد و دليلا على حكم اللّه و هو فيما نرى منهم الإفتاء بحكم و لم نجد نصا عليه و نعلم انهم لا يفتون بشي ء الّا بعد وجود نص عليه من احد المعصومين عليهم السّلام مع كونهم في فتواهم مقتصرين بالنص و لم يتعدوا عن هذه الطريقة و انّهم من جهة قربهم بزمانهم عليهم السّلام ربما وقفوا بنص او نصوص لم يصل إلينا مع كون بنائهم في مقام ذكر الفتوى الاقتصار على متن الروايات كما يرى من الصدوقين و الشيخ في بعض كتبه.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 27 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) التهذيب، ج 1، ص 271.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 255

و هذا كله في اصل مسئلة الشهرة عند القدماء في الجملة و لكن في تحقق الشهرة في ما نحن فيه اشكال لان الشيخ رحمه اللّه و ان قال في النهاية بعدم حلية الصّلاة فيه و لكن عبارته في التهذيب «1» كما عرفت يكون من باب الاحتياط و في موضع من المبسوط و ان قال بذلك لكن قال في موضع آخر على ما حكى عنه يكون النهي تغليظ في الكراهة و هذا عبارته المحكية لان المبسوط لم يكن عندي فعلا «قال في المبسوط في باب تطهير الثياب و ان كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض اصحابنا انتهى» و قال في باب حكم الثوب و البدن الخ فان عرق فيه «اى الثوب» و كانت الجنابة من حرام روي صحابنا انه لا يجوز الصّلاة فيه و ان كان من حلال لم يكن به بأس و يقوى

ان ذلك تغليظ في الكراهة دون فساد الصلاة انتهى».

و المفيد رحمه اللّه ففي المقنعة قال بذلك على سبيل الاحتياط.

و على ما حكي انّ الحلّي عدل عن ذلك و قال بالطهارة فلم يبق القائل الّا الصدوقين و ابن البرّاج على ما حكي عنه فلم تبق شهرة فتوائية على الحكم بالنجاسة.

و اما الكلام في الموضع الثاني اعني مقام دلالة الاخبار

فنقول بعونه تعالى انه يقع الكلام في انه بعد ما تري ان مفاد الروايات على فرض صحة سندها و وجود مقتضى الحجيّة فيها ليس الّا النهي عن الصّلاة في عرق الجنب من الحرام و هل يستكشف عن النهي في الصّلاة في ثوب فيه عرق الجنب من الحرام نجاسة عرقه كما اذا قال مثلا لا تصل في الدم او اعد الصّلاة لانه لا منشأ للنهي عن الصّلاة فيه الّا النجاسة كما اختاره جمع.

______________________________

(1) التهذيب، ج 1، ص 271.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 256

او يقال بان غاية ما يستفاد من الاخبار هو حرمة الصّلاة فيه و اما نجاسته فلا يستفاد منه و لا يمكن الاستناد في النجاسة الى الشهرة لان المراجع في كلمات القدماء يري ان فتوى بعضهم ليس الّا حرمة الصّلاة مثل مفاد الاخبار فالشّهرة ليست الّا على تحريم الصّلاة و اما الشهرة على النجاسة فغير معلوم اقول كما عرفت تكون الشهرة عند القدماء غير معلوم.

و على تقدير وجود الشهرة فالشهرة ليست الاعلى عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام لان العمدة في المقام هو كلام الصدوقين و السيد قدس سرهم و هم يقولون بحرمة الصّلاة ففتواهم عين مفاد الاخبار المتقدم فلا نعلم بكون فتواهم على عدم جواز الصّلاة فيه فقط او نجاسة العرق الجنب من الحرام أيضا كما لا نعلم مفاد

الاخبار فلهذا كلما يستفاد من الاخبار لا بد من الاخذ به بناء على عدم اشكال في سندها.

و اعلم ان الاخبار المتقدمة متعرضة لحرمة الصّلاة لا فيها ان كان عرق الجنب من الحرام لا يصلي فيه فقد يقال بانه لا وجه لحرمة الصّلاة فيه الّا نجاسته فكما ان قوله مثلا اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه يدلّ على نجاسة البول و الحال ان الامر لا يكون الّا بالغسل كذلك لو قال ان كان من حرام فلا تصل فيه يفيد النجاسة لانه لا معنى للنهي عن الصّلاة الّا نجاسته كما لا معنى للأمر بغسل المتلوّث بالبول الّا نجاسته.

و فيه أوّلا، ان الموارد مختلفة ففي بعضها نفهم بالفهم العرفى الملازمة مثل قوله اغسل ثوبك من ابواب ما لا يؤكل لحمه فان الغسل و وجوبه لا معنى له الّا لاجل القذارة الحاصلة في الثوب و هو النجاسة. و لكن في المورد لم نفهم هذه الملازمة اذ من المحتمل عدم جواز الصّلاة فيه لاجل خصوصية فيه غير النجاسة مثل النهي عن الصلاة في غير المأكول فهل قلت بانه نكشف من ذلك نجاسة غير المأكول و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 257

لو شككنا في النجاسة فالاصل هو الطهارة.

و ثانيا: لسان بعض الاخبار الواردة في طهارة عرق الجنب يكون مطلقا ينافي مع مدلول هذه الاخبار.

ان قلت ان ما دل من الاخبار على طهارة عرق الجنب مطلق و هذه الاخبار مقيد فيقيّد بها إطلاقها و تكون النتيجة التفصيل بين عرق الجنب من الحلال و بين عرق الجنب من الحرام، بالطهارة في الاوّل و النجاسة في الثاني.

قلت بعض اخبارها و ان كان مطلقا و لم نقل بان المطلقات

التي تكون في مقام البيان غير قابل للتقييد لكن في بعضها خصوصية ينافي التقييد مثل ما روي زيد بن على عن ابيه عن جده عن على عليهم السّلام «قال سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما فقال ان الحيض و الجنابة حيث جعلهما اللّه عز و جل ليس في العرق فلا يغسلان ثوبهما» «1».

فانها تدل على ان العرق لا ينجس و لا يؤثر فيه الجناية و هذا ينافي مع ما دل على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام و انه يؤثر فيه الجناية فالجمع بينهما لا يمكن بالإطلاق و التقييد.

فلا بد امّا من الجمع بينهما بحمل ما دل على النهي عن الصّلاة في العرق ان كان من الحرام على الكراهة كما احتمله العلامة الهمداني- رحمه اللّه- و هذا لا يمكن في المقام لانه ان كان لسان ما دل على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام بصورة النهي فقط كان لهذا الحمل مجال فيقال بحمل النهي على الكراهة و لكن لسان بعض هذه الطائفة من الاخبار هو حلية الصّلاة ان كان الجنابة من الحلال و حرمة الصلاة ان كان من الحرام كما في ما رواها في البحار انّه وجدها في كتاب عتيق، و امّا

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 27، من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 258

ان يقال بعد كون مفاد رواية زيد عدم تاثير الجنابة في العرق و ظاهر ما دل على النهي عن الصّلاة في عرق الجنب من الحرام على عدم جواز الصلاة فيه بانه يحمل هذه الطائفة على عدم

جواز الصّلاة فيه لا النجاسة كما هو ظاهره فيبقى نفى ظهور كل من الطائفتين بحاله.

و امّا ان يقال بانه بعد عدم امكان الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد و لا على حمل ما دل على النهي عن الصّلاة على الكراهة و لا على حمل هذه الطائفة على ظاهرها من عدم جواز الصّلاة فقط لا النجاسة و قلنا بحجية كل من الطائفتين من الاخبار بانه يقع التعارض بينهما و بعد وقوع التعارض لا بد من الاخذ بما فيه الترجيح ان كان مرجح لاحدهما و الا ينتهي الامر بالتساقط و التخيير.

فنقول ان اوّل المرجحات الشهرة، فان كانت الشهرة المرجحة هي الفتوائية فهي على فرض كونها موافقة لما دلّ على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام.

نقول كما عرفت حيث تكون هذه الشهرة المدعاة على خصوص عدم جواز الصلاة و ليست شهرة فتوائية قائمة على نجاسته و ظاهر الاخبار لا يدل الّا على ذلك لا على النجاسة فالروايات مع ضم الشهرة الفتوائية لا تدل الا على عدم جواز الصلاة و اما على نجاسة عرق الجنب من الحرام فلا فيكون المتيقّن عدم جواز الصلاة و اما نجاسته فلا يدل عليه و ظهور الطائفة الدالة على طهارة عرق الجنب مطلقا باق بحاله و ليس له معارض.

و ان كانت الشهرة المرجّحة الشهرة الروائى فالترجيح مع ما دل على طهارة عرق الجنب مطلقا فلا بد من الاخذ بها و طرح ما دل على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام، لكن مع هذا لا يجوز الصّلاة فيه بناء على حجية ما دل على النهي عن الصّلاة فيه لعدم معارض له من هذا الحيث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 259

فتلخص ان الاقوى هو طهارة عرق الجنب عن الحرام لعدم الدليل على النجاسة كما مر بيانه و على فرض تمامية الدليل اعني الشهرة او النص و هو الاخبار المتقدمة ذكرها فلا يستفاد منه إلا عدم جواز الصّلاة فيه لا النجاسة، لمّا مرّ.

و اما التمسك على نجاسة عرقه لبعض ما ورد في غسالة ماء الحمام مثل ما رواها «محمد بن على بن جعفر عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام «في حديث قال من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومنّ الا نفسه فقلت لابى الحسن عليه السّلام ان اهل المدينة يقولون انّ فيه شفاء من العين فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين الحديث». «1» فغير مفيد لانّ هذا القسم من الروايات على تقدير دلالته على النجاسة يدل على نجاسة بدن الجنب لا عرقه فافهم.

تتمة بعد ما عرفت عدم حجية بعض الروايات الدالة على عدم جواز في عرق الجنب عن الحرام في حدّ ذاته و عرفت عدم تحقق شهرة فتوائيه حتى على عدم جواز الصّلاة حتى تكون جابرة لضعف سندها بل عرفت عن كلام الشيخ رحمه اللّه ان السند عنده على النجاسة غير هذه الاخبار فلا يمكن الاستناد لا على نجاسة عرق الجنب عن الحرام بل و لا على عدم جواز الصّلاة فيه.

نعم ينبغي الاحتياط بالنسبة الى النجاسة لان الموجود من الرواية و الشهرة المدعاة ليس قائما الّا على عدم جواز الصّلاة لا على نجاسة عرقه و يجب الاحتياط بالنسبة الى خصوص الصّلاة و انه يترك الصّلاة فيه احتياطا وجوبيا للشهرة المدعاة على ذلك

و لا يستفاد من هذه الروايات متيقنا، فافهم هذا بالنسبة الى اصل المسألة و اما الكلام في بعض خصوصياته فقال المؤلف رحمه اللّه.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 260

«سواء خرج حين الجماع او بعده من الرجل او المرأة سواء كان من زنا او غيره كوطى البهيمة او الاستمناء او نحو خما مما حرمته ذاتية».

اقول كل ذلك لاطلاق الدليل على فرض تماميّته. قال (بل الاقوى ذلك في و طى الحائض و الجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن او في الظهار قبل التكفير).

منشأ الاشكال في شمول الاخبار له على ما قيل هو دعوى كون ظاهر الدليل كون الجنب من حرام من جهة الفاعل او القابل و اما الحرمة من جهة الفعل بمعنى كون الفعل اعني الوطي حراما فلا يشمله الدليل.

و فيه مع انه يمكن ان يقال بانه في كل الموارد يكون الفعل حراما و لهذا يحرم على الفاعل او القابل اذا ففى كلها يصدق ان الفاعل و القابل اجنب من الحرام فيشمله اطلاق الدليل.

***

[مسئلة 1: العرق الخارج منه حال الاغتسال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس و على هذا فليغتسل في الماء البارد و ان لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار و ينوي الغسل حال الخروج او يحرّك بدنه تحت الماء بقصد الغسل.

(1)

اقول: وجوب اغتسال الجنب من الحرام في الماء البارد و عدم كفاية غسله في الماء الحار مبنى على نجاسة عرقه و خروج عرقه بمجرد خروجه عن الماء اذا كان الماء حارّا و عدم كفاية اغتساله في الماء الحار حال التمكن من الاغتسال في الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2،

ص: 261

البارد بالنحو المذكور يعني حال الخروج من الماء او بحركته تحت الماء بنيّة الغسل و كل ذلك محل الاشكال.

اما وجوب الاغتسال مع التمكن في الماء البارد من باب انّ عرقه نجس و اذا اغتسل في الماء الحارّ يخرج عرقه و هو نجس فنقول.

أوّلا بعدم نجاسة عرقه كما عرفت.

و ثانيا على فرض نجاسة عرقه نقول ان حصول العرق دائما مع اغتساله في الماء الحارّ بمجرد خروجه عن الماء الحار غير معلوم بل كثيرا ما يكون معلوم العدم.

و لو شك في خروج العرق منه بمجرد الخروج عن الماء الحارّ يستصحب طهارة بدنه.

و اما ما قال من انه لو لم يتمكّن من الاغتسال في الماء البارد فيغتسل في الماء الحار بالكيفيتين اما ينوي الغسل حال الخروج من الماء الحار أو يحرّك بدنه تحت الماء بنية الغسل و الظاهر من كلامه عدم كفاية هاتين الكيفيتين مع التمكن من الاغتسال بالماء البارد فنقول بانه لو اكتفي بالكيفيتين المذكورتين بعد تحقق الارتماس في الماء بنيّة الغسل حال الخروج او بالحركة تحت الماء بنية الغسل فلا فرق بين حال الاضطرار و الاختيار فما قال المؤلف المعظم من كفاية ذلك حال الاضطرار و عدم التمكن من الغسل في الماء البارد لا وجه له بل يكفي الغسل في الماء الحار بإحدى الكيفيتين حتى في صورة التمكن من الغسل في الماء البارد و اغتساله في الحار.

اذا عرفت ذلك نقول بعد فرض نجاسة عرق الجنب من الحرام فعرقه نجس قبل تمام الغسل و لكن لا يوجب الخروج عن الماء الحار مطلقا لان يعرق فلو خرج من الماء و ارتمس في الماء بعد فصل لا يعرق غالبا ان لم نقل دائما فيمكن له بعد غسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 262

بدنه الغسل الترتيبي و الارتماسى كليهما اما في الماء البارد فلا اشكال في صحة غسله سواء يكون غسله ارتماسيا او ترتيبيّا و اما في الماء الحارّ فمع عدم عرقه بخروجه عن الماء او مع الشك في خروج العرق منه بعد طهارة بدنه يصحّ منه الغسل بكلا نحويه و اما مع اليقين بعرقه بسبب خروجه عن الماء فمع كفاية تحريك البدن تحت الماء مع نية الغسل ثلاث مرات مرة بنية الرأس و مرة بنية طرف اليمين و مرة بنية طرف اليسار فيصح منه الغسل الترتيبي و اما الغسل الارتماسي فيشكل صحّته منه تحت الماء بكلا نحوي الذي ذكر المؤلف رحمه اللّه لا بان ينوي الغسل حال الخروج عن الماء و لا بتحريك البدن تحت الماء بنية الغسل لما يدّعى من ان الارتماسى لا يصدق الّا بان يكون تمام البدن او معظمه خارج الماء حتى يصدق انه ارتمس في الماء و لا يبعد ذلك.

***

[مسئلة 2: اذا اجنب من حرام ثم من حلال او من حلال ثم من حرام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا اجنب من حرام ثم من حلال او من حلال ثم من حرام فالظاهر نجاسة عرقه أيضا خصوصا في الصورة الاولى.

(1)

اقول: بناء على نجاسة عرق الجنب من الحرام لا اشكال في نجاسة عرقه في الصورة الاولى و هي ما اذا اجنب من حرام ثم اجنب من حلال لانه يصدق عليه انّه اجنب من الحرام.

و اما في الصورة الثانية و هي صورة اجنب من الحلال ثم اجنب من حرام فيشكل القول بنجاسة عرقه بدعوى ان الظاهر من اخذ الجنابة موضوعا للحكم بنجاسة عرقه هو صرف، وجوده لا ان يكون كل سبب سببا مستقلا للحكم حتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 263

يكون: لازمه ان الرجل مثلا لو وطى مرات بجب عليه اغسال متعددة بعدد كل مرة غسلا فلهذا اذا اجنب في اوّل مرة بحصول سبب الجنابة يقال انه جنب و لهذا لو اوجد سببا آخرا قبل ان يغتسل لا يقال انه اجنب مجددا حتى اذا كانت جنابته الاولية من حلال يقال انه اجنب من حلال و ان اجنب بعده من الحرام و كذا لو جنب أولا من حرام يقال انه اجنب من حرام و ان اجنب بعده من حلال و لكن مع ذلك الاحوط الاجتناب عن عرقه في الصورة الثانية بناء على القول بنجاسة عرق الجنب من الحرام.

***

[مسئلة 3: المجنب من حرام اذا تيمّم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: المجنب من حرام اذا تيمّم لعدم التمكن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه و ان كان الاحوط الاجتناب عنه ما لم يغتسل و اذا وجد الماء و لم يغتسل بعد فعرقه نجس لبطلان تيممه بالوجدان.

(1)

اقول: نجاسة عرقه و عدم نجاسته في حال يسوّغ التيمم له فمبنىّ على كون التيمم مطهرا مثل الوضوء او مبيحا للصلاة فقط فان قلنا بالاوّل فعرقه لا يكون نجسا و ان قلنا بالثاني فعرقه نجس يأتي الكلام فيه في باب التيمم إن شاء اللّه و اما نجاسة عرقه بعد وجدان الماء قبل الغسل فواضح لان التيمم و لو كان يفيد الطهارة فيفيد في خصوص حال الاضطرار و اما مع وجدان الماء فلا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 264

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الصبي الغير البالغ اذا اجنب من حرام ففي نجاسة عرقه اشكال و الاحوط امره بالغسل اذ يصح منه قبل البلوغ على الاقوى.

(1)

اقول: وجه عدم نجاسته عدم حرمته عليه لحديث رفع القلم الّا ان

يدعي حرمته ذاتا بمعني ان الجنابة من الحرام حرام ذاتا سواء تحقق من البالغ او غيره و لا دليل على ذلك.

و اما صحة غسله قبل البلوغ على تقدير الغسل فلان غاية ما يقتضي رفع القلم هو عدم الوجوب و الالزام لا عدم الحسن و المناط فاذا اتى به يكون صحيحا.

***

[الثاني عشر: عرق الابل الجلالة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر: عرق الابل الجلالة بل مطلق الحيوان الجلال على الأحوط.

(2)

اقول: القول بالنجاسة منسوب الى جمع من القدماء بل حكي ان المشهور عندهم النجاسة.

[ما استدل به على النجاسة]

و يدلّ عليها من الاخبار ما رواها حفص البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تشرب من البان الابل الجلالة و ان اصابك شي ء من عرقها فاغسله» «1» و هذه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 265

الرواية على ما قيل من جملة الروايات الحسنة او المصحّحة باصطلاح علماء الرجال و على كل حال يكون الوثوق بصدورها فلا اشكال في سندها خصوصا مع كونها معتضدة بالشهرة الفتوائية من القدماء على طبقها.

و اما دلالتها على نجاسة عرق الابل الجلالة فواضح لان الامر بغسل ما أصابه ليس الا لاجل كون عرقه نجسا.

و في قبال هذه الرواية و ما ذهب إليه جمع من قدماء اصحابنا حكي عن الحلي و المنتقى و العلامة في كتبه الطهارة و عامة المتاخرين ذهبوا الى ان عرقه طاهر

[ما استدل به على الطهارة]
اشارة

و استدل عليها بوجوه:

الوجه الاوّل: طهارته و طهارة سئوره مع الملازمة بين طهارتهما و طهارة عرقه.

و فيه انه لا ملازمة بين طهارة الابل و سؤره و بين عرقه فيمكن ان يكون عرقه نجسا مع كون نفسه و سئوره طاهرا.

الوجه الثاني: ان القول بنجاسة عرق الابل الجلال يوجب الفرق بينه و بين غيره

ممّا لا يؤكل لحمه بل يلزم الفرق بينه و بين ساير الحيوانات الجلالة لعدم الاشكال في طهارة عرق ساير الحيوانات و كذا لا اشكال في طهارة عرق الحيوانات الجلالة غير الابل الجلالة.

و فيه ان ذلك مجرد الاستبعاد و لا ينبغي ان يجعل الاستبعاد دليلا.

الوجه الثالث: انه بعد الاجماع على طهارة عرق غير الابل الجلالة من الجلالات

يوجب ان يحمل ما دلّ على نجاسة عرق الجلّالات على الاستحباب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 266

مثل ما رواها هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تأكل اللحوم الجلالة و ان اصابك من عرقها فاغسله» «1» و مرسلة الفقيه نهي عن ركوب الجلالات و شرب البانها و ان اصابك من عرقها فاغسله.

و بعد حمل هذين الخبرين على الاستحباب يوجب حمل الامر بالغسل عن عرق الابل الجلالة في رواية حفص البختري المتقدمة ذكرها على الاستحباب لكون سياقها متحدا مع الخبرين.

و فيه ان مجرد وحدة السياق لا يوجب هذا الحمل أوّلا و حمل الخبرين على الاستحباب للاجماع على طهارة ساير الجلالات لا يوجب حمل خبر حفص البخترى على الاستحباب اذ لا اجماع على خلافه بل الشهرة الموافقة له تعضده ثانيا و عدم الالتزام بالخبرين و عدم القول بنجاسة ساير الجلالات ليس من باب حمل الامر في الخبرين على الاستحباب بل من باب اعراض الاصحاب عن ظاهرهما ثالثا.

و الحاصل ان رواية حفص تدل على وجوب غسل ما اصابه عرق الابل الجلالة و لا مانع من الاخذ بظاهرها فالاقوى نجاسة عرق الابل الجلالة.

***

[مسئلة 1: الاحوط الاجتناب عن الثعلب و الارنب و ...]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الاحوط الاجتناب عن الثعلب و الارنب و الوزغ و العقرب و الفأر بل مطلق المسوخات و ان كان الاقوى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 267

طهارة الجميع.

(1)

اقول: اختار النجاسة بعض من قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم في الجملة فحكى عن بعضهم القول بالنجاسة في الاولين او الثالث و الرابع او الخامس من المذكورات و العمدة في المسألة بعض الاخبار الدالة على النجاسة

بالنسبة الى كل منها بل بعضها يدل على نجاسة كل السباع و بعضها يدل على نجاسة خصوص من يكون من الخمسة المذكورة نذكر الاخبار إن شاء اللّه.

الرواية الاولى: ما رواها يونس مرسلا عن رجل «عن بعض اصحابنا خ» عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قاله سألته هل يحلّ ان يمسّ الثعلب و الارنب او شيئا من السّباع حيّا او ميّتا قال لا يضرّه و لكن يغسل يده» «1» و هذه المرسلة تدل على نجاسة جميع السباع.

الرواية الثانية: ما رواها هارون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال سالته عن الفارة و العقرب و اشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ به «منه خ ل» قال يسكب منه ثلث مرات و قليله و كثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه «و يتوضأ منه» غير الوزغ فانه لا ينتفع بما يقع فيه» «2» هذه الرواية في خصوص الوزغ.

الرواية الثالثة: ما رواها ابو بصير عن ابى جعفر عليه السّلام «قال سألته عن الخنفساء تقع في الماء أ يتوضأ به قال نعم لا بأس به قلت فالعقرب قال أرقه» «3» هذه الرواية في

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 6 من ابواب غسل المس من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 268

خصوص العقرب.

الرواية الرابعة: ما رواها سماعة و فيها «و ان كان عقربا فرق الماء» «1» في خصوص العقرب.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قال سألته عن الفارة

الرطبة قد وقعت في الماء فتمشى على الثياب أ يصلى فيها قاله اغسل ما رايت من اثرها و ما لم تره أنضحه بالماء» «2» و هي في خصوص الفارة.

الرواية السادسة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «قال سألته عن الفارة و الكلب اذا اكلا من الخبز او شمّاه أ يؤكل قال يترك ما شمّاه و يؤكل ما بقى» «3».

الرواية السابعة: ما روى في قرب الاسناد باسناده عن على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام «قال سألته عن الفارة و الكلب اذا اكلا من الخبر و شبهه أ يحلّ اكله قال له يطرح منه ما اكل و يؤكل الباقي.» «4»

و هذه الثلاثة وردت في خصوص الفارة.

الرواية الثامنة ما ورد في وجوب نزح الماء من البئر عند وقوع الفارة و الوزغة فيه.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 33 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 36 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 36 من ابواب النجاسات بهذه السند و عنه عن احمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 269

و اما ما يدل على نجاسة مطلق المسوخات فلم ار فيما تتبّعت في الاخبار و ان حكي عن الشيخ القول بنجاستها في بعض كتبه.

و في قبال القول بنجاسة المذكورات و ما ورد من الروايات الظاهرة في حد ذاتها على نجاستها فالمشهور عند المتأخرين او اتفاقهم يكون على طهارتها.

و ما يمكن ان يستدل بها على الطهارة روايات:

الرواية الاولى: ما دل على

طهارة خصوص الفارة و العقرب و اشباه ذلك و الدالة على نجاسة خصوص الوزغ. و هي الرواية الثانية من الروايات المتقدمة ذكرها و هي ما رواها هارون بن حمزة الغنوي.

الرواية الثانية: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «في حديث قال سألته عن العظاية و الحية و الوزغ يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصلاة قال لا بأس به و سالته عن فارة وقعت في حب دهن و اخرجت قبل ان تموت ابيعه من مسلم قال نعم و يدهن منه». «1»

الرواية الثالثة: ما رواها إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول لا بأس بسؤر الفأرة اذا شربت من الإناء ان تشرب منه و تتوضأ منه. «2»

يستفاد من هذه الروايات عدم الباس بما تلاقيه الفارة او العقرب او الوزغ.

و لم اجد في هذه الاخبار ما يدلّ، على عدم الباس في خصوص الثعلب و الارنب.

و ما يمكن ان يستدل بعمومه على عدم الباس ليس الا الرواية الآتية و هي

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 270

الرواية الرابعة، و هى ما رواها الفضل ابو العباس «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال، و الوحش و السباع فلم اترك شيئا الّا سألت عنه فقال لا بأس حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس الحديث» «1» و هذه الرواية بعمومها تدل على طهارة الوحوش و السباع

و من حملتها الثعلب و الارنب و عدم نجاسة كل من الوحوش و السباع.

فنقول اما نجاسة مطلق السباع فلا دليل عليه الّا مرسلة يونس المتقدمة ذكرها في طى الاخبار المستدلة على النجاسة و هذه المرسلة ضعيفة السند و مع قطع النظر عن ذلك نقول بانه بعد دلالة رواية الفضل ابى العباس على عدم الباس بفضل السباع يحمل النهي في مرسلة يونس على الكراهة جمعا فيبقى الاشكال في حكم الثعلب و الارنب من حيث النجاسة و الطهارة حيث ان مرسله يونس نص في وجوب غسل ما يلاقيها و رواية الفضل ابي العباس تدل على طهارتهما بالعموم.

و ربما يقال بان مقتضى القاعدة في مقام الجمع العرفي هو تخصيص عموم رواية الفضل بمرسلة يونس فتكون النتيجة هي القول بنجاستهما.

لكنه بعد ضعف سند مرسلة يونس و اعراض الاصحاب عنه فلا تقام مع رواية ابي العباس المتقدمة الدالة على طهارة.

خصوصا مع تسلّم قابلية الثعلب و الارنب للتذكية مع فرض ان نجس العين لا يقبل التذكية.

فتلخص ممّا مر طهارة المذكورات في المسألة و مطلق المسوخ.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 271

[مسئلة 2: كل مشكوك طاهر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: كل مشكوك طاهر سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الاعيان النجسة او لاحتمال تنجسه مع كونه من الاعيان الطاهرة و القول بان الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر او النجس محكوم بالنجاسة ضعيف نعم يستثنى مما ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات او بعد خروج المني قبل الاستبراء بالبول فانّها مع الشك محكومة بالنجاسة.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام في المسألة يقع في موارد:

المورد الاوّل: في ان الشبهة سواء كانت الشبهة الحكمية

مثل ما اذا شك في ان حكم عرق الجنب من الحرام هل يكون الطهارة او يكون النجاسة او كانت الشبهة موضوعية مثل ما اذا شك في تنجس شي ء طاهر ففي كلتا الصورتين بحكم بطهارة المشكوك.

وجه الطهارة في الصورة الاولى اعني الشبهة الحكمية هو ما مر في محله من ان الحكم في الشك في الطهارة و النجاسة بالشبهة الحكمية الطهارة.

و وجه الحكم بالطهارة فى الصورة الثانية اعنى الشبهة الموضوعية بعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال كل شي ء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 272

نظيف حتى تعلم انه قذر فاذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها حفص بن غياث عن جعفر عن ابيه عن على عليهم السّلام «لا أبالي أ بول اصابنى او ماء اذا لم اعلم» «2» و غير ذلك.

المورد الثاني: في ان الدم المشكوك كونه من اقسام الطّاهر او النجس

فهل يحكم بطهارته او يحكم بنجاسته فنقول قد يتوهم انه محكوم بالنجاسة لرواية عمار و هي هذه «روى عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سأل عما تشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل لحمه تتوضأ من سئوره و اشرب و عن ماء شرب منه باز أو صقر او عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه الّا ان ترى في منقاره دما فان رايت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «3».

وجه التوهم انه مع عدم معلومية كون الدم في منقاره من القسم الدم النجس او من القسم الطاهر نهي عن شربه و التوضى منه.

و فيه انا قلنا سابقا في ذيل مسئلة 7 من مسائل مبحث نجاسة الدم ان

مورد الرواية ليس الّا ما يكون الدم الموجود في منقار الطير من القسم النجس من الدم لان ما ذكر من الطير لا يبتلي منقاره بالدم الطاهر كالدم المتخلف من الذبيحة او دم حيوان لا نفس له فلو فرض ان «دما» في قوله عليه السّلام في الرواية المذكورة «الّا ان ترى في منقاره دما» يكون له الاطلاق فهو منصرف الى الدم النجس لما قيل من عدم ابتلاء منقار الطير المذكور في الرواية بالدم الطاهر فلا تدل الرواية على ما توهمه المتوهم و لو فرض بالفرض الغير الصحيح ان الرواية المتقدمة تدل على محكومية الدم الذي يوجد في منقار الطّير بالنجاسة حتى في صورة الشك فيختص هذا الحكم

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 37 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 37 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 273

بخصوص مورده و هو الدم الواقع في منقار الطير و اما الدم في غير هذا المورد المشكوك كونه من القسم النجس او الطاهر و كذا في غير هذا المورد مما يشك في طهارة شي ء و نجاسته بالشبهة الموضوعية فالحكم هو الطهارة لعموم كل شي ء نظيف حتى يعلم انه قذر.

المورد الثالث: و اما الكلام في الرطوبة الخارجة بعد البول

قبل الاستبراء بالخرطات او بعد المني قبل الاستبراء بالبول فياتي الكلام فيه إن شاء اللّه من ان ذلك من باب ما يقتضيه النّص.

***

[مسئلة 3: الاقوى طهارة غسالة الحمام]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الاقوى طهارة غسالة الحمام و ان ظنّ نجاستها لكن الاحوط الاجتناب عنها.

(1)

اقول: اعلم ان محل الكلام في طهارة غسالة الحمام او نجاسته ليس فيما يعلم نجاستها و لا فيها يعلم طهارتها لانه في الصورة الاولى تكون محكومة بالنجاسة و في الصورة الثانية محكومة بالطهارة مسلما.

بل يكون محل الكلام فيما يشك في طهارته و نجاسته و المسألة ذات قولين.

فعن بعض القول بالنجاسة او المنع عن التطهّر بها او عدم جواز استعمالها و عن بعض القول بطهارتها.

و ما يمكن ان يستدل على نجاستها روايات:

الرواية الاولى: ما رواها حمزة بن احمد عن ابى الحسن الاوّل عليه السّلام «قال سألته او ساله غيري عن الحمام قال ادخله بميزر و غضّ بصرك و لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمام فانه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 274

الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن على بن جعفر عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام «في حديث» قال من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومنّ الّا نفسه فقلت لأبي الحسن ان اهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شر هما و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين» «2».

الرواية الثالثة: ما رواها على بن الحكم عن رجل عن ابى الحسن عليه السّلام «في حديث» انه قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فانه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم. «3»

الرواية

الرابعة: ما رواها ابن ابى يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر الى سبع آباء و فيها غسالة الناصب و هو شر هما ان اللّه لم يخلق خلقا شرا من الكلب و ان الناصب اهون على اللّه من الكلب» «4».

الرواية الخامسة: ما رواها عبد اللّه بن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال و اياك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا اهل البيت فهو شرهم فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا انجس من الكلب و ان النّاصب لنا اهل البيت اهل البيت لا نجس منه.» «5»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(5) الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 275

وجه الاستدلال بهذه الروايات على نجاسة غسالة الحمام هو ان يقال ان منشأ النهي عن الاغتسال من غسالة الحمام ليس الّا نجاستها فتدل هذه الاخبار على نجاستها.

و في قبال تلك الاخبار قد يستدل على طهارة غسالة الحمام بما رواها ابو يحيى الواسطي عن بعض اصحابنا عن ابى الحسن الماضي عليه السّلام «قال سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال لا بأس» «1».

اقول و دلالة هذه الرواية

على عدم نجاسة غسالة الحمام واضحة لكن الاشكال في ضعف سندها لكونها مرسلة و عدم معلومية ان بعض اصحابنا الّذي يروى عنه ابو يحيى من هو و هل يكون موثوقا به أو لا فلا يمكن الاستناد بها.

ثم بعد ذلك نقول بان مفاد كل من الروايات الخمسة هو النهي عن الاغتسال من غسالة الحمام و ليس فيها تعبير بالنجاسة و من المحتمل ان يكون النهي لاجل القذارة المعنوية في غسالة الحمام و هي اغتسال الجنب عن الحرام او ولد الزنا او الناصب او اليهودي او النصراني او المجوسي كما يستفاد من ظاهر الاخبار استناد النهي عن الاستعمال و الاغتسال كان لاجل وجود القذارة المعنوية في غسالتها لاجل بعض هذه الامور لا من جهة النجاسة الظاهرية و يؤيد ذلك ان بدن الجنب حتى الجنب من الحرام غير ملازم دائما للنجاسة حتى يكون النهى عن الاغتسال بها لاغتسال الجنب.

و يؤيد ذلك انّ اغتسال النّاصب او اليهودي من ماء الحمّام لا يوجب دائما لنجاسة الغسالة لاحتمال اتّصالها بالمادّة فلا تلازم مع النجاسة.

و يؤيده أيضا ما ورد في بعض رواياتها من منشأ النّهى كان لاغتسال ولد

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 276

الزنا و هو لا يطهر الى سبعة آباء و الحال انّ المراد من عدم طهارته الى سبعة آباء «على فرض صحة الرواية» ليس عدم الطهارة الظاهرية اعنى النجاسة الظاهرية بل المراد هو القذارة المعنوية.

و الحاصل انه بعد ما عرفت في المسألة السابقة طهارة كلما شك في طهارته و نجاسته من قوله عليه السّلام كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر فلا يمكن القول بنجاسة

غسالة الحمام مع الشك في نجاستها و المحتمل في الروايات المتقدمة المستدلة بها على نجاستها هو ما قلنا من ان المحتمل بالاحتمال القوى كون النهي لاجل القذارة المعنوية لا لاجل النجاسة الظاهرية.

***

[مسئلة 4: يستحب رشّ الماء اذا اراد انّ يصلى في معابد اليهود و النصارى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يستحب رشّ الماء اذا اراد انّ يصلى في معابد اليهود و النصارى مع الشك في نجاستها و ان كانت محكومة بالطهارة.

(1)

اقول: منشأ ذلك دلالة بعض الاخبار على ذلك مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الصّلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس فقال رش وصل «1»» و في خصوص بيوت المجوس.

ما رواها الحلبى «في حديث» قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في بيوت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 277

المجوس و هي ترشّ بالماء قال لا بأس.» «1»

و ما رواها ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في بيوت المجوس فقال رشّ و صل.» «2»

و الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: اعلم ان رش الماء كما يستحب في معابد اليهودي و النصارى

اذا اراد الشّخص ان يصلي فيها كذلك يستحب في بيوت المجوس أيضا فحصر الاستحباب في كلام المؤلف رحمه اللّه ان كان لمجرد عدم كونه في مقام تعرض حكم استحباب رش الماء في بيوت المجوس فيما يريد الصّلاة فيها فلا اشكال و اما ان كان من باب تخيّل انحصار هذا الحكم بخصوص معابد اليهود و النصارى فلا وجه له كما بينا دلالة بعض الاخبار عليه.

الجهة الثانية: هل يكون استحباب رش الماء في خصوص ما يشك في نجاسة معابدهما او بيوت المجوس

او لا بل يستحب و لو لم يكن شاكا في نجاستها ظاهر الروايات هو الثاني و لكن المؤلف انحصر مورد الاستحباب بصورة الشك في النجاسة.

الّا ان يدعى ان وجه الانحصار بصورة الشك من باب كون تسالم الاصحاب على الاستحباب فى هذه الصورة.

الجهة الثالثة: وجه حمل الامر بالرش على الاستحباب

هو ان يقال حيث ان الامر بالصلاة محمول على الاستحباب لا الوجوب لانه ورد في مورد توهم الحضر فلذلك امر بالرش بقرينة السياق.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 278

او ان يدّعى انّ ذلك من باب التّسامح في أدلّة السّنن، كما عن بعض شراح العروة.

و كل من الوجهين لم يخل من الاشكال الّا ان يدعي تسالم من الاصحاب عليه فتامل.

***

[مسئلة 5: في الشك في الطهارة و النجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص بل يبني على الطهارة اذا لم يكن مسبوقا بالنجاسة و لو امكن حصول العلم بالحال في الحال.

(1)

اقول: و يدل عليه بعض الروايات:

مثل الرواية التي رواها زرارة التي يتمسك بها على حجية الاستصحاب و فيها قال «قلت فهل عليّ ان شككت في انه اصابه شي ء ان انظر فيه قال لا و لكنّك انّما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك.» «1»

هذا كله فيما لم تكن الحالة السابقة النجاسة و الا فمع كون الحالة السابقة النجاسة تستصحب النجاسة.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 37 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 279

[فصل: في طريق ثبوت النجاسة]

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 281

قوله رحمه اللّه

فصل في طريق ثبوت النجاسة

طريق ثبوت النجاسة او التنجس العلم الوجداني او البينة العادلة و في كفاية العدل الواحد اشكال فلا يترك مراعات الاحتياط و تثبت أيضا بقول صاحب اليد بملك او اجارة او عارية او امانة بل او غصب و لا اعتبار بمطلق الظن و ان كان قويّا فالدهن و اللبن و الجبن المأخوذ من اهل البوادي محكوم بالطهارة و ان حصل الظن بنجاستها بل قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها بل قد يكره او يحرم اذا كان في معرض الوسواس.

(1)

اقول:

اما وجه حجية العلم و البينة و كفاية العدل الواحد فيما يورث الاطمينان

و عدم حجّيته فيما لا يورث الاطمينان و ثبوته بقول ذي اليد اذا لم يكن متهما و عدم اعتبار مطلق الظن فقد مضى الكلام فيه في طى المسألة السادسة من المسائل المذكورة في طى فصل ماء البئر النابع من الكتاب فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 282

و من المعلوم ان الظن اذا بلغ حد الاطمينان فهو حجة لحجيّة الاطمينان كما عرفت.

و اما كون الدهن و اللبن و الجبن الماخوذ من اهل البوادي محكوم بالطهارة كما قال المؤلف رحمه اللّه لاصالة الطهارة لا لاستصحاب الطهارة كما قال في المستمسك «1» لان الشخص لا يكون عالما بحالته السابقة حتى يكون مورد الاستصحاب فمع الشك في النجاسة تجري اصالة الطهارة و ان كان الظن الغير المعتبر قائما على نجاستها لان غاية الماخوذة في اصالة الطهارة هو العلم او ما يقوم مقامه و هو الظن المعتبر فمع الشك في النجاسة يحكم بطهارة المشكوك حتى يحصل العلم او ما يقوم مقامه من الظن المعتبر.

و مما قلنا يظهر لك ان اطلاق كلام المؤلف رحمه

اللّه «و ان حصل الظن» غير تمام لان الظن على قسمين معتبر و غير معتبر و ما ليس بالحجة منه هو الظن الغير المعتبر بنجاستها» فافهم.

و اما ما قال المؤلف رحمه اللّه من انه قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها بل قد يكره او يحرم اذا كان في معرض الوسواس.

فنقول اما الاحتياط فلا اشكال في رجحانه في حدّ ذاته عقلا.

نعم يمكن ان يقال بانه يستظهر من مطاوى بعض ما ورد عنهم من عدم وجوب الفحص عن النجاسة بل القاء امر يوجب حصول الشك في النجاسة حتى من عمل بعض المعصومين عليهما السّلام عدم رجحان الاحتياط بل كراهته و اما حرمته فيما يكون معرضا لحصول الوسواس و ينجرّ إليه غالبا و يكون اضرارا على النفس و

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 423.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 283

كلاهما حرام لذم الوسواس و انه من عمل الشيطان و انه اضرار بالنفس.

***

[مسئلة 1: لا اعتبار بعلم الوسواسى في الطهارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا اعتبار بعلم الوسواسى في الطهارة و النجاسة.

(1)

اقول: اما الكلام في تلك المسألة ثبوتا بمعنى انه هل يمكن نهي الوسواسي عن متابعته عن علمه أم لا فنقول بعد ما تحقق في علم الاصول من ان العلم على قسمين طريقي و لا تناله يد الجعل اثباتا و نفيا و موضوعى و هو ما يكون قابلا للجعل اثباتا و نفيا و هو العلم الموضوعي اعني القسم الثاني.

فبناء عليه لو نهى الشارع الوسواسى عن اتباع علمه يكون من باب جعل العلم في النجاسة موضوعيا بمعنى انه اذا علم مثلا من الطرق المتعارفة بالنجاسة يكون نجسا او اذا علم من الطرق الخاصّة يكون نجسا و علم الوسواسي لا اعتبار به لعدم حصوله

من الطرق المتعارفة.

و فيه انه من الواضح ان الطهارة و النجاسة الواقعتين في لسان الشرع و انهما تكونان ذات بعض الآثار هي الطهارة و النجاسة الواقعيّتين سواء تعلق العلم بهما أم لا، نعم بالعلم يصير الواقع على المكلف منجّزا.

و يحتمل ان يكون الواقع هو الموضوع لكن في غير حالة الوسواس فيكون الشي ء نجسا او طاهرا واقعا لكن في غير الوسواسي.

و فيه انه لا دليل على ذلك و ما ورد من ذم الوسواسى لا يدل الّا على كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 284

الواقع مع العلم موضوعا للطهارة او النجاسة للوسواسي و ليس الواقع مقيدا بعدم كونه وسواسيا.

و يحتمل ان يكون ترتب بعض الآثار على عدم الوسواس بمعنى انّ الطهارة و النجاسة هي الطهارة و النجاسة الواقعيتين و ليس العلم مأخوذا فيهما موضوعا و ليس الواقع فيهما مشروطا بعدم الوسواس و لكن الشارع جعل ترتب بعض الآثار المترتبة على الطهارة او النجاسة مشروطا بعدم الوسواس مثلا يكون اثر من آثار النجاسة نجاسة ملاقيها فجعل الشارع ترتب هذا الاثر على عدم الوسواس فاذا كان الشخص وسواسيا لا يترتب هذا الاثر اعني نجاسة ملاقيها على النجاسة و هذا امر ممكن في مقام الثبوت و يمكن تقييد بعض الآثار الثابتة للنجاسة على عدم كون الشخص من اهل الوسواس في مقام الثبوت و مع الدليل على اثباته يقال به.

و اما في مقام الاثبات فما يمكن ان يستدل به على عدم اعتبار علم الوسواسي بعض الروايات.

مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال ذكرت لابى عبد اللّه عليه السّلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصّلاة و قلت هو رجل عاقل فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام و اى

عقل له و هو يطيع الشيطان فقلت له و كيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من اىّ شي ء هو فانه يقول من عمل الشيطان» «1».

و مثل ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام «قال اذا اكثر عليك السهو فامض على صلاتك فانه يوشك ان يدعك انما هو من الشيطان» «2».

و مثل ما رواها حريز عن زرارة و ابى بصير «جميعا قالا قلنا له الرجل يشك

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب مقدمات العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب الخلل الواقع في الصّلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 285

كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه قال يعيد قلت فانه يكثر عليه ذلك كلّما اعاد شك قال يمضى في شكه ثم قال لا تعودوا الخبيث من انفسكم نقض الصّلاة فتطيعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض احدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصّلاة فانه اذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك قال زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ان يطاع فاذا عصى لم يعد الى احدكم» «1».

وجه الاستدلال بهذه الروايات هو ان يقال ان المستفاد منها كون الوسواسي مطيع الشيطان و اطاعته حرام، فلا يجوز ترتيب الاثر بعلمه لانه اطاعة الشيطان و هو حرام فرفع الشارع منّة بعض الاحكام الاوّلية لعنوان طار و هو اطاعة الشيطان و موجبية العمل به طغيان الشيطان و لهذا ما اوجب في الشك على الوسواسي ما يقتضيه الشك لو لا الوسواس فكذلك في النجاسة، هذا كله في عدم اعتبار علم الوسواسي في النجاسة و اما في الطهارة

فلا وجه لعدم اعتبار علم الوسواسي في الطهارة لان وجه عدم اعتبار علمه في النجاسة كان من باب انه يقطع بالنجاسة من بعض الاسباب الغير المتعارفة التي يكون قطعه من باب اطاعة الشيطان و اما في الطهارة فيمكن ان يقال بان علمه بالطهارة ليس منشأه اطاعة الشيطان بل اثر الوسواس غالبا عدم العلم بالطهارة لانه قلّ مورد يوجد حصول العلم بالطهارة للوسواسي من جهة الوسواس و اطاعة الشيطان بل يمكن عدم وجود الوسواس و منشئيّته لحصول الطهارة اصلا و لا يكون علمه بالطهارة ببعض الاسباب الغير المتعارفة بخلاف علمه بالنجاسة فان حصول العلم بالنجاسة للوسواسي يكون غالبا لاسباب غير متعارفة و باغواء الشيطان فلا يقاس علم الوسواسي بالطهارة بعلمه بالنجاسة و عدم اعتبار علمه بالطهارة مثل عدم اعتبار علمه بالنجاسة يكون

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 16 من ابواب الخلل الواقع في الصّلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 286

محل الاشكال.

***

[مسئلة 2: العلم الاجمالي كالتفصيلى فاذا علم بنجاسة احد الشيئين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: العلم الاجمالي كالتفصيلى فاذا علم بنجاسة احد الشيئين يجب الاجتناب عنهما الّا اذا لم يكن احد هما محلا لابتلائه فلا يجب الاجتناب عما هو محل الابتلاء أيضا.

(1)

اقول: قد مضى تحقيق ذلك في الاصول و مجمل القول فيه ان العلم الاجمالي كالتّفصيلى في التنجز و استحقاق العقوبة على مخالفته و استحقاق المثوبة على اطاعته لعدم الفرق في العلم بين صورة الاجمال و التفصيل في المتعلق و لا يوجب اجمال المتعلق الفرق في حكم العقل و ان كان نحوة اطاعتهما مختلفة، ففي التفصيلي يجب الاتيان بالمعلوم المفصّل الممتاز، و اما في الاجمالى يجب الاحتياط بفعل الاطراف فيما كان العلم الاجمالي قائما بطلب شي ء و الاحتياط بالاجتناب عن الاطراف

فى ما كان العلم الاجمالي قائما بالاجتناب عن المعلوم بالاجمال بحكم العقل لتحصيل اطاعة المعلوم الواقعي في البين، نعم فيما كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء فلا يتنجّز العلم الاجمالي لان العلم الاجمالي كالتفصيلي يصير منجزا في صورة يصح بعث المولى نحو المعلوم او زجره عنه و يصح و يمكن انبعاث العبد نحو مطلوب المولى او مزجوره و هذا فيما لا يكون البعث او الزجر نحو الشي ء لغوا و عبثا عند العقل و فيما لا يحصل للعبد انقداح الداعي نحو الفعل او الترك يكون البعث و الزجر عنه لغوا و عبثا عند العقل و لا فرق في ذلك بين الواقع المنكشف بالعلم الاجمالي او التفصيلي فكما لا يصح للمولى امره بشرب العبد عن اناء يكون في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 287

الخارج مشتبها بين الاناء الذي واقع تحت يده و بين الاناء الذي لا يتمكن العبد من الوصول إليه و وقوعه تحت يده و شربه منه.

كذلك لا يمكن للمولى امره بعبده بشربه من الاناء المعيّن الذي لا يتمكّن العبد من الوصول به لعدم وجوب امتثال امره حينئذ فلهذا لا بدّ في تنجز العلم الاجمالى من ان يكون بحيث لو كان المعلوم في كل طرف من اطرافه كان المأمور متمكنا من امتثاله و اتيانه حتى يصح التكليف به و يمكن للعبد انقداح الداعي نحو فعله او تركه فيصح في هذه الصورة امر المولى او نهيه و لهذا قال المؤلف رحمه اللّه من ان العلم الاجمالي كالتفصيلي الّا اذا كان بعض اطرافه خارجا عن محل الابتلاء و هذا تمام الكلام و لا اشكال فيه فيما كان الخروج عن محل الابتلاء في بعض

الاطراف قبل العلم.

و اما ان كان خروج بعض اطراف العلم الاجمالي بعد تنجز العلم فهل يكون العلم الاجمالي منجزا فى هذا الحال أو لا و يكون اثر بقاء العلم على التنجز الاحتياط في الطرف الباقى في محل الابتلاء وجودا و عدما و قد مضى الكلام فيه في الاصول.

***

[مسئلة 3: لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها.

(1)

اقول: اما عدم اعتبار حصول الظن من البينة في حجيتها فلاطلاق ادلتها و انها حجة حتى مع عدم حصول الظن منها. و اما عدم اعتبارها في صورة معارضتها بمثلها مثل ما اذا قامت البينة على النجاسة و قامت بينة اخرى على الطهارة فلاجل عدم شمول ادلة حجية البينة لمورد التعارض لان جعلهما حجة في مورد التعارض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 288

يلزم التعبد بالمتعارضين فيتساقطان بالتعارض.

و ما ورد من الاخذ بما فيه المرجّح في الخبرين المتعارضين مخصوص بالخبرين فلا يتعدى الى غيرهما.

نعم لو كان مستند احدي البينتين العلم و مستند الأخرى الاصل تقدم البينة المستندة الى العلم على المستندة بالأصل كما ذكرنا في طى المسألة 7 من فصل ماء البئر النابع فراجع.

***

[مسئلة 4: لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة نعم لو ذكرا مستندها و علم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة.

(1)

اقول: لاطلاق أدلّتها و احتمال خطاء الشّاهد في مستنده، ملغى عند العقلاء و عدم اعتنائهم بهذا الاحتمال و لم يردع الشارع عن طريقتهم.

نعم اذا ذكر الشاهد مستند شهادته و علم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة مثل ما اذا قال الشاهد استنادي في الشهادة بالنجاسة بقول شخص يعلم كذبه فلا يعتني بهذه البينة.

***

[مسئلة 5: اذا لم يشهدا بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 289

ان لم يكن موجبا عند هما او عند احد هما فلو قالا ان هذا الثوب لاقي عرق المجنب من حرام او ماء الغسالة كفى عند من يقول بنجاستهما و ان لم يكن مذهبهما النجاسة.

(1)

اقول: لانه اذا كانت البينة قائمة على ما كانت مؤداها ذات اثر شرعي في نظر من يقوم عنده البينة يكفي و هي حجة و ان لم يكن مؤدي الشهادة ذات اثر عند احد من الشاهدين او عند كل منهما.

***

[مسئلة 6: اذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها و ان لم تثبت الخصوصية كما اذا قال احد هما ان هذا الشي ء لاقي البول و قال الآخر انه لاقي الدم فيحكم بنجاسته لكن لا يثبت النجاسة البولية و لا الدمية بل القدر المشترك بينهما لكن هذا اذا لم ينف كل منهما قول الآخر بأن اتفقا على اصل النجاسة و اما اذا نفاه كما اذا قال احد هما انه لاقي البول و قال الآخر لا بل لاقي الدم ففي الحكم بالنجاسة اشكال.

(2)

اقول: الضابط في قول البينة و حجيّتها هو ان يشهد الشاهدان و كانا مشتركين في الشهادة بحيث يخبر كلّ منهما عن قضية واحدة فاذا اخبرا بما هو كذلك يتبع قولهما و ان اختلفا في بعض الخصوصيات نعم لا تثبت الخصوصيات التي ليست

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 290

مورد اتفاقهما.

و اما اذا اخبرا عما لا يرجع الى قضية واحدة بل يكون اخبار كل منهما عن قضية غير الآخر فليس اخبار هما حجة مثلا اخبر احد هما

بنجاسة الشي ء الفلاني و اخبر الآخر بنجاسة هذا الشي ء لكن احد هما يقول بانّه تنجّس بدم الرعاف و الآخر اخبر بسبب تنجسه بدم الاسنان فشهادتهما حجة و يحكم بالنجاسة لاتّفاقهما في الاخبار الدم.

و اما اذا اخبرا بامرين مثل ان يخبر احد هما بملاقاة الثوب الفلاني مع البول و اخبر الآخر بان هذا الثوب لاقاه الدم فليست البينة حجة لعدم كون المشهود به امرا واحدا و قضية واحدة.

و يظهر لك ان المثال الذي ذكره المؤلف و قال بثبوت النجاسة بالبينة ليس في محله لان مثاله من القسم الثاني الذي قلنا بعدم حجية البينة فيه.

و اذا كان الميزان ما قلنا فيكفي في عدم حجية البينة عدم اخبار الشاهدين بامر واحد و لا يسمع قول البينة و ان لم يكن كل واحد من الشاهدين او واحد منهما ينف القول الآخر منهما نعم لو نفى كل منهما الآخر فهو أيضا من القسم الثاني اعني صورة عدم اخبار هما عن قضية واحدة فلا يسمع قولهما لا لكون كل منهما نافيا للآخر بل لعدم كون اخبار هما على امر واحد فافهم.

***

[مسأله 7: الشهادة بالاجمال كافية]

قوله رحمه اللّه

مسأله 7: الشهادة بالاجمال كافية أيضا كما اذا قالا احد هذين نجس فيجب الاجتناب عنهما و اما لو شهد احد هما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 291

بالاجمال و الآخر بالتعيين كما اذا قال احدهما احد هذين نجس و قال هذا معينا نجس ففي المسألة وجوه وجوب الاجتناب عنهما و وجوبه عن المعيّن فقط و عدم الوجوب اصلا.

(1)

اقول: اما الشهادة بالاجمال كافية اذا كانت شهادة الشاهدين بقضية واحدة مثلا اذا قالا احد هذين نجس لملاقاة احد هما المردّد مع الدّم.

و اما لو شهد احد هما بالاجمال

و الآخر بالتعيين فتارة يكون مع اجمال احد هما يرجع شهادتهما الى الاخبار عن القضية الواحدة، غاية الامر ان احد هما يخبر عنها على الاجمال و الآخر على التعيين، كما اذا اخبر كل منهما على وقوع الدم الكذائى، غاية الامر يشهد احد هما بانه مثلا وقع في الاناء الابيض من الإناءين و الآخر بوقوع الدم في احد من الإناءين لكن لا يخبر بانه وقع في الاناء الابيض او الاسود فهما يشهدان بوقوع الدم الكذائى و لكن اختلافهما يكون من حيث الاجمال و التفصيل.

فنقول في هذه الصورة بان البينة حجة فيما يكون الشاهدان مخبرين عنه و متحدين فيه ففي المثال هما متحدان في وقوع النجاسة و مختلفان في انّها وقعت في اي من الإناءين، فيقول احد هما انّها وقعت في الاناء المعين و هو الاناء الابيض و الآخر لا يخبر الّا عن وقوعه في احد الإناءين فهو متفق مع الاوّل في وقوعه في واحد منهما لكن لا يخبر عن وقوعه في اي منهما فهو لا ينكر الاوّل و لا ينفيه، فلا مانع من الأخذ بالبينة في المقدار المتفق عليهما كل منهما و متحدان فيها فالبينة حجة في هذا المقدار.

و تارة لا يكون اخبار الشاهدين عن الواقعة الواحدة مثل ما اذا اخبر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 292

احدهما بوقوع دم الرعاف في احد من الإناءين و اخبر الآخر بوقوع دم من الفم على الاناء المعيّن من هذين الإناءين فلا تكون البينة حجة لعدم كون اخبار كل من الشاهدين عن واقعة واحدة لان احد هما يشهد بوقوع دم الرعاف في الإناءين و الآخر يشهد بوقوع الفم في احد المعيّن من هذين الإناءين.

فتلخص مما مران

الميزان في حجية البينة و عدمها هو ما قلنا من ان اخبار الشاهدين اذا كان عن قضية واحدة يكون اخبار هما حجّة و ان لم يكن عن قضية واحدة لا يكون اخبار هما حجة و حيث ان اخبار هما يكون في الصورة الاولى عن القضية الواحدة فالبينة حجة فيها و اما في الصورة الثانية لا تكون البينة حجة لعدم كون اخبار الشاهدين عن القضية الواحدة.

***

[مسأله 8: لو شهد احد هما بنجاسة الشي ء فعلا و الاخر بنجاسة سابقا]

قوله رحمه اللّه

مسأله 8: لو شهد احد هما بنجاسة الشي ء فعلا و الاخر بنجاسة سابقا مع الجهل بحاله فعلا فالظاهر وجوب الاجتناب و كذا اذا شهدا معا بالنجاسة السابقة لجريان الاستصحاب.

(1)

اقول: لا وجه لوجوب الاجتناب في الصورة الاولى لان الشاهدين لا يخبران عن واقعة واحدة لان احد هما يخبر عن نجاسته السابقة و الآخر عن نجاسته فعلا نعم لو كان من يخبر بنجاسته فعلا يخبر عن نجاسته سابقا أيضا يسمع قولهما بالنسبة الى النجاسة السابقة فيستصحب النجاسة السابقة، لكن هذا غير مفروض المسألة في كلام المؤلف رحمه اللّه كما انه لو اخبر احد هما بنجاسته سابقا و الاخر بنجاسته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 293

فعلا و يكون اختلافهما من حيث الزمان فقط و مع قطع النظر عن الزمان يخبران عن امر واحد مثل ما اذا اخبر احد هما بان الدم الكذائي وقع في الاناء الكذائى في الامس و اخبر الاخر بان هذا الدم وقع في الاناء المذكور في الحال فأيضا لا يثبت بقولهما حتى اصل النجاسة لان النجاسة المخبر بها احد هما بوقوعها في الامس ما قامت البينة عليه بل المخبر به هو الخبر الواحد و به لا يثبت نجاستها حتى يستصحب و كذلك لا تثبت

النجاسة فعلا بقول من يخير عن نجاسته الفعلية.

ان قلت ان نفس النجاسة يثبت بالبينة لقيام البينة عليه.

قلت ليس للنجاسة الاعم من السابق و اللاحق اثر حتى يترتب عليه.

***

[مسأله 9: لو قال احدهما انه نجس و قال الاخر انه كان نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسأله 9: لو قال احد هما انه نجس و قال الاخر انه كان نجسا و الآن طاهر فالظاهر عدم الكفاية به و عدم الحكم بالنجاسة.

(1)

اقول: اعلم انه تارة يكون اخبار الشاهدين عن واقعتين لا واقعة واحدة مثل ما اذا اخبر احد هما عن ملاقاة الدم مع الاناء الخاص في الامس و اخبر الاخر بملاقاة البول مع هذا الاناء في امس ففي هذا الفرض لم يسمع قولهما لان البينة لم تقم على قضية و واقعة واحدة سواء اخبر كلاهما بنجاسته فعلا او احدهما فقط لعدم تحقق البينة على مورد واحد.

و تارة يحكى الشاهدان عن واقعة واحدة مثلا يخبران بان دم رعاف زيد في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 294

الامس وقع في الاناء الخاص المعيّن غاية الامر احد هما يخبر بطهارة الاناء و زوال النجاسة و الاخر يشهد ببقاء نجاسته فعلا ففي هذه الصورة يحكم بنجاسته السابقة لقيام البينة على النجاسة في الامس و يحكم ببقاء النجاسة فعلا ببركة الاستصحاب و لا يعتنى بقول من يخبر بطهارة الاناء لانه خبر واحد و ان كان عدلا لعدم اثبات الطهارة و النجاسة باخبار العدل الواحد الا اذا حصل الاطمينان من قوله.

و تارة يخبر كل منهما و لكن لا يخبران عن مستندهما فيخبر احدهما عن نجاسة الاناء مثلا في الامس و لكن يخبر عن طهارته فعلا و يخبر الاخر عن نجاسته الفعلية بدون اخباره عن نجاسته السابقة او طهارة هذا الشي ء، ففي هذه الصورة يقع التعارض

بينهما لان احد هما يخبر عن نجاسته فعلا و الاخر يخبر عن طهارته الفعلية فيتساقطان بالتعارض و لا بدّ من الرجوع الى أمارة اخرى او اصل آخر.

***

[مسأله 10: اذا اخبرت الزوجة او الخادمة او المملوكة بنجاسة ما في يدها]

قوله رحمه اللّه

مسأله 10: اذا اخبرت الزوجة او الخادمة او المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج او ظروف البيت كفي في الحكم بالنجاسة و كذا اذا اخبرت المربية للطفل او المجنون بنجاسته او نجاسة ثيابه بل و كذا اذا اخبر المولى بنجاسة بدن العبد او الجارية او ثوبهما مع كونهما عنده او في بيته.

(1)

اقول: كل ذلك لاطلاق دليل حجية اليد و ان كان يشكل ذلك في حجية قول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 295

المولى بالنسبة الى عبده لعدم صدق ذي اليد على المولى بالنسبة الى عبده و ما تحت يد العبد بمجرد كون العبد ملكا له خصوصا فيما اخبر المملوك على خلاف ما يخبر المولى.

نعم لا يبعد ذلك في خصوص ما يكون تحت يد المولى من ثياب العبد و غيره.

***

[مسأله 11: اذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كل منهما فى نجاسته]

قوله رحمه اللّه

مسأله 11: اذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كل منهما فى نجاسته نعم لو قال احد هما انه طاهر و قال الاخر انه نجس تساقطا كما ان البينة تسقط مع التعارض و مع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه.

(1)

اقول: اما وجه سماع قول كل منهما فلان الشي ء تحت يد كل منهما و قول ذي اليد حجة و اما اذا اخبر احد منهما بطهارة ما يكون تحت يدهما و الاخر بنجاسته تساقطا لتساقط كل من المتعارضين في مقام التعارض الّا في خصوص الخبرين كما مرّ في الاصول.

نعم ان كان مستند احد الشّريكين الاصل و مستند الاخر العلم يقبل قول من يكون مستنده العلم كما مر في طى المسألة 7 من المسائل التي تعرضنا في فصل ماء البئر النابع.

اما اذا تعارضت البينة مع قول ذي اليد تقدم

البينة الّا اذا كان مستندها الاصل فيقدم قول ذي اليد عليها فى هذه الصورة كما مرّ بيانه في المسألة 7 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 296

المسائل المتعرضة في فصل ماء البئر النابع من الكتاب فراجع.

***

[مسأله 12: لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسأله 12: لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين ان يكون فاسقا او عادلا بل مسلما او كافرا.

(1)

اقول: لشمول دليل اعتباره لكل هذه، نعم يجب ان لا يكون متهما كما مر بيانه في فصل ماء البئر النابع.

***

[مسئلة 13: في اعتبار قول صاحب اليد اذا كان صبيّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: في اعتبار قول صاحب اليد اذا كان صبيّا اشكال و ان كان لا يبعد اذا كان مراهقا.

(2)

اقول: قد عرفت ان العمدة في حجية قول ذى اليد هو سيرة العقلاء و لم يردع عنه الشارع و لا فرق عند العقلاء بين كون ذي اليد بالغا او غير بالغ نعم يشكل تحقق السيرة في غير البالغ الذي لا يكون مميزا فافهم.

***

[مسأله 14: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد ان يكون]

قوله رحمه اللّه

مسأله 14: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد ان يكون قبل الاستعمال كما قد يقال فلو توضأ شخص بماء مثلا و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 297

بعده اخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه و كذا لا يعتبران يكون ذلك حين كونه في يده فلو اخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده يحكم بالنجاسة في ذلك الزمان و مع الشك في زوالها تستصحب.

(1)

اقول: لاطلاق دليل اعتبار قول ذي اليد من هذه الجهات المذكورة في المسألة 12 و 13 و 14 فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 299

[فصل: في كيفية تنجيس المتنجسات]

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 301

قوله رحمه اللّه

فصل في كيفية تنجيس المتنجسات

يشترط في تنجيس الملاقي للنجس او المتنجس ان يكون فيهما او في احدهما رطوبة مسرية، فاذا كانا جافين لم ينجس و ان كان ملاقيا للميتة، لكنّ الاحوط غسل ملاقي ميّت الانسان قبل الغسل و ان كانا جافّين، و كذا لا ينجس اذا كان فيهما او في احدهما رطوبة غير مسرية، ثم ان كان الملاقي للنجس او المتنجس مائعا ينجس كله كالماء القليل المطلق او المضاف مطلقا و الدهن المائع و نحوه من المائعات، نعم لا ينجس العالي بملاقات السافل اذا كان جاريا من العالي، بل لا ينجس السافل بملاقات العالي اذا كان جاريا من السافل كالفوّارة من غير فرق في ذلك بين الماء و غيره من المائعات، و ان كان الملاقي جامدا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة سواء كان يابسا كالثوب اليابس اذا لاقت النجاسة جزء منه او رطبا كما فى الثوب المرطوب او الارض المرطوبة فانّه اذا وصلت النجاسة الى جزء

من الارض او الثوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 302

لا يتنجس ما يتصل به و ان كان فيه رطوبة مسربة بل النجاسة مختصّة بموضع الملاقاة، و من هذا القبيل الدهن و الدبس.

الجامدان، نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثم اتصل تنجس موضع الملاقات منه فالاتصال قبل الملاقات لا يؤثر في النجاسة و السراية بخلاف الاتصال بعد الملاقات، و على ما ذكر فالبطيخ و الخيار و نحوهما مما فيه رطوبة مسرية اذا لاقت النجاسة جزء منها لا يتنجس البقية بل يكفي غسل موضوع الملاقات الا اذا انفصل بعد الملاقاة ثم اتصل.

(1)

اقول: يقع الكلام في الاحكام المذكورة في المسألة في جهات:

الجهة الاولى: يشترط في تنجّس الملاقي للنجس او المتنجس ان يكون فيهما او في احدها رطوبة مسرية
اشارة

فاذا كانا جافين لم ينجس لوجهين:

الوجه الاوّل: دلالة بعض الاخبار على ذلك

نذكر بعضها، منها ما رواها الفضل ابو العباس «قال، قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا اصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسّه جافا فاصبب عليه الماء الحديث.» «1»

و منها ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام «قال سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميّت هل يصلح له الصّلاة فيه قبل ان يغسله قال ليس عليه غسله و يصلى فيه و لا بأس» «2».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 303

بناء على حمل الرواية على صورة كونهما جافين بقرينة ما يدل على تنجّس الثوب اذا كان فيه او في الحمار الميت او فيهما رطوبة مسرية.

و منها ما رواها موسى بن قاسم عن على بن محمد عليهما السّلام «قال سألته عن خنزير اصاب ثوبا و هو جاف هل تصلح الصّلاة فيه قبل ان يغسله قال نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه الحديث» «1».

و منها ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قال سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميّت قال ينضحه بالماء و يصلي فيه و لا بأس.» «2»

و منها ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر «و ذكر الحديث الذي قبله و زاد و سألته عن الرجل يمشى في العذرة و هي يابسة تصيب ثوبه و رجليه هل يصلح له ان يدخل المسجد فيصلّى و لا يغسل ما اصابه قال ان كان يابسا

فلا بأس» «3».

و منها ما رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «عن الرجل يطأ في، العذرة او البول أ يعيد الوضوء قال و لكن يغسل ما اصابه «4» قال الكليني و في رواية اخرى اذا كان جافا فلا يغسله» «5».

الوجه الثاني: الارتكاز العرفي

فان المرتكز عندهم هو ان منشأ تنجس الملاقي تسرية القذارة من النجس او المتنجس به فلا يأتي بنظرهم قذارة مع عدم

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 15 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 16 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 304

كون رطوبة مسرية في كل من الملاقي و الملاقي او في احدهما و مع هذا الارتكاز لو فرض اطلاق في ادلة تنجس المتنجسات فقدر المتيقن من اطلاقها هو خصوص صورة وجود رطوبة مسرية فيهما او في احدهما لانه المنصرف إليه من الاطلاق.

مضافا الى ما عرفت في الوجه الاول من دلالة بعض الاخبار على انهما اذا كان جافّين لم ينجس الملاقي و هكذا اذا كان في احدهما او في كليهما رطوبة غير مسربة مثل الرواية الاولى، من الروايات المذكورة في الوجه الاول ففيها قال اذا اصاب ثوبك من الكلب فاغسله» و مع كون الرطوبة غير مسرية لم يصدق انه اصاب ثوبك» و العمدة هو الارتكاز العرفي الذي قلنا.

و لا فرق في ذلك بين النجاسات فلا يتنجّس ما يلاقي الميتة و ان كانت ميّت الانسان اذا لم يكن في الملاقي لها رطوبة مسرية لعموم الدليل

من الارتكاز او بعض الاخبار المتقدمة في الحمار الميّت نعم ينبغى الاحتياط في خصوص ميّت الانسان اذا لاقاه قبل الغسل و ان لم يكن في الميت و لا ما يلاقيه رطوبة مسرية و لا يجب ذلك كما مرّ الكلام فيه عند التعرض لنجاسة الميتة فراجع.

الجهة الثانية: اذا كان الملاقي للنجس او المتنجّس مائعا تنجّس كله

كالماء القليل المطلق و المضاف مطلقا و الدهن المائع و نحوه من المائعات.

و يدلّ عليه ما ورد في نجاسة الماء القليل بملاقاته للنجاسة و قد مرّ الكلام فيه و ما مرّ من نجاسة المضاف مطلقا قليله و كثيره و ان كان كرّات.

و ما ورد في المرق الذي وقعت فيه الفارة كما في الرواية «او قطرة خمر او نبيذ مسكر،» في الرواية «1».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 305

و ما ورد في خصوص «السمن اذا ماتت فيه الفارة» «1» نعم لا ينجس العالى بملاقات السافل اذا كان جاريا من العالى بل لا ينجس السافل بملاقات العالى اذا كان جاريا من السافل و قد مرّ وجهه في فصل الماء الراكد بلا مادة فراجع.

الجهة الثالثة: اذا كان الملاقي جامدا اختصت النجاسة بموضع الملاقات.

و يدل عليه ما رواها زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام «قال اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فالقها، و ما يليها و كل ما بقي و ان كان ذائبا فلا تاكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك». «2»

و قال المؤلف رحمه اللّه «سواء كان يابسا كالثوب اليابس اذا لاقت النجاسة جزء منه او رطبا كما في الثوب المرطوب او الأرض المرطوبة فانه اذا وصلت النجاسة الى جزء من الأرض او الثوب لا يتنجس ما يتصل به و ان كان فيه رطوبة مسرية بل النجاسة مختصة بموضع الملاقات و من هذا القبيل الدهن و الدبس الجامدين نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثم اتّصل تنجّس موضع الملاقات منه فالاتصال قبل الملاقات لا يؤثّر في النجاسة و السراية بخلاف الاتصال بعد الملاقات».

اقول اما فيما يكون الملاقي يابسا

كالثوب اليابس فلا اشكال في نجاسة خصوص موضع الملاقات.

و اما فيما كان في الملاقي للنجس او المتنجس رطوبة فتارة لا تكون الرطوبة مسرية فلا اشكال في عدم نجاسة الجزء المتصل بموضع الملاقات أيضا لما قلنا من اعتبار كون الرطوبة مسرية بلا فرق بين صورة الاتصال بذلك الموضع الملاقي او اتصاله بموضع الملاقات بعد صيرورته نجسا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 306

و تارة تكون في الموضع الملاقي مع النجس او المتنجس رطوبة مسرية ففي هذه الصورة كما تري اختار المؤلف رحمه اللّه و جماعة من المحشّين التفصيل بين صورة اتصال الثوب او الأرض فقال بعدم صيرورة ما يتصل بالموضع الملاقي للنجس نجسا و ان كان في هذا الموضع رطوبة مسرية و بين ما ينفصل هذا الجزء المتصل ثم اتصل بالموضع الملاقي للنجس فقال بتنجسه لملاقاته مع الموضع الملاقي للنجس مع فرض وجود رطوبة مسرية فى هذا الموضع الملاقي و لم أر فرقا بين الموضعين الّا دعوى ان العرف لا يحكم في الصورة الاولى بان هذا الجزء المتصل اثّر فيه الرطوبة المسرية من المتنجس و لاقاه لكن يحكم بذلك في الصورة الثانية.

***

[مسأله 1: اذا شك في رطوبة احد المتلاقيين]

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: اذا شك في رطوبة احد المتلاقيين او علم وجودها و شك في سرايتها لم يحكم بالنجاسة و اما اذا علم سبق وجود المسرية و شك في بقائها فالاحوط الاجتناب و ان كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو من وجه.

(1)

اقول: و اما فيما شك في رطوبة احد المتلاقيين او علم وجودها و شك في سرايتها

فلا يحكم بالنجاسة للشك في تحقق ما هو معتبر في نجاسة الملاقي للنجس فيحكم بطهارة الملاقي.

اما لاستصحاب الطهارة ان كان مستصحب الطهارة.

و اما لاصالة الطهارة للشك في طهارته و نجاسته بل يمكن ان يقال باصالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 307

الطهارة في صورة وجود حالة السابقة أيضا لان نفس الشك يكفى في جريان اصالة الطهارة و لا حاجة الى ملاحظة الحالة السابقة و على كل حال لا اشكال في محكومية الملاقي بالطهارة.

و اما اذا علم سبق وجود الرطوبة المسرية و شك في بقائها فالاقوى أيضا الطهارة لان استصحاب الرطوبة المسرية لا يثبت كون الملاقات مع الرطوبة المسرية الا على القول بالاصول المثبتة و وجه الاحتياط الاستحبابى هو ان الواسطة خفيّة لا يعتنى به العرف فيترتب على الاستصحاب الاثر المقصود.

***

[مسأله 2: الذباب الواقع على النجس الرطب]

قوله رحمه اللّه

مسأله 2: الذباب الواقع على النجس الرطب اذا وقع على ثوب او بدن شخص و ان كان فيهما رطوبة مسرية لا يحكم بنجاسته اذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس و مجرد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله لاحتمال كونها مما لا تقبلها و على فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات.

(1)

اقول: الوجه في ذلك هو ان الثوب او البدن في فرض الشك في مصاحبة الذّباب لعين النجس محكوم بالطهارة للاصل و مجرد وقوع الذباب الواقع على النجس الرطب على الثوب لا يوجب نجاسة الثوب اما لاحتمال ان رجل الذباب لا تقبل النجاسة فلا يعلم بالنجاسة و لا يجب الفحص و اما انه لو قبلتها فزوال العين مطهّرها.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 308

[مسأله 3: اذا وقع بعر الفأر في الدهن او الدبس الجامدين]

قوله رحمه اللّه

مسأله 3: اذا وقع بعر الفأر في الدهن او الدبس الجامدين يكفي القائه و القاء ما حوله و لا يجب الاجتناب عن البقية و كذا اذا مشى الكلب على الطين فانّه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله الا اذا كان وحلا و المناط في الجمود و الميعان انه لو اخذ منه شي ء فان بقي مكانه خاليا حين الاخذ و ان امتلأ بعد ذلك فهو جامد و ان لم يبق خاليا اصلا فهو مائع.

(1)

اقول: اما فيما وقع بعر الفأر في الدهن الجامد او غيره فيكفي القائه و القاء ما يليه و لا يجب الاجتناب عن البقية لما دل عليه في بعض الاخبار المتقدم ذكره و يأتى ذكره بعد ذلك إن شاء اللّه عند التعرض لكيفيّة تنجّس المتنجسات في الجامدات و كذلك اذا مشى الكلاب على الطين فانه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله الا اذا كان وحلا

نعم انه بعد ما عرفت في أوّل الفصل في كيفية تنجّس المتنجسات انه اذا كان الملاقي للنجس مائعا ينجس بتمامه لا خصوص موضع ملاقاته مع النجس كما اذا لاقي النجس الماء الذي ينجس بملاقات النجس كالماء القليل.

و اما اذا كان جامدا لا ينجس الا موضع ملاقاته مع النجس.

يقع الكلام في ضابط المائع و الجامد فنقول ان ما ذكر فيه هذا الحيث بعض الاخبار:

منها ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام «قال اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فالقها و ما يليها و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 309

مثل ذلك.» «1»

فان المستفاد منها هو ان في الجامد يؤخذ ما يلي النجس و في الذائب ينجس كله و لو كنا و هذه الرواية لا بدلنا من الرجوع في الجامد و الذائب الى العرف لانه بعد ما لم يبيّن الشارع موضوع الجامد و الذائب فلا بد ان يؤخذ بما هو جامد او ذائب بنظر العرف للاطلاق المقامي.

و منها ما رواها الحلبي «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه فقال ان كان سمنا او عسلا او زيتا فانه ربما يكون بعض هذا فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و ان كان الصّيف فارفعه حتى تسرج به و ان كان ثردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من اجل دابة ماتت عليه» «2».

و اما بعض الروايات الآخر الوارد فيما وقع في الدّهن او غيره من حيث النّجاسة فليس متعرضا لحيث الفارق بين الجمود و الميعان.

اذا عرفت ذلك

نقول اما رواية زرارة و سماعة فقد فصلتا بين الجامد و الذائب بدون ذكر ما هو الجامد و الذائب، و اما رواية الحلبي فلا يستفاد منها الا انه اذا كان في الشتاء فانزع ما حوله و كل ما بقى و اذا كان في الصيف فارفعه حتى تسرج به و من المعلوم ان السمن في الصيف يكون ذائبا و لهذا قال فارفعه حتى تسرج به و في الشتاء يكون جامدا و لهذا قال فانزع ما حوله و كله فلا يستفاد منها أيضا ضابط للجمود و الميعان فعلى هذا يكون المرجع في تشخيص الجامد و الذائب هو العرف و لا يبعد ان نظر العرف في الجامد ان يكون بحيث اذا اخذ منه شي ء يبقى مكانه خاليا و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 43 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 310

فى الذائب ان يكون بحيث اذا اخذ منه شي ء لم يبق مكانه خاليا فتأمّل.

***

[مسأله 4: اذا لاقت النجاسة جزء من البدن المتعرّق]

قوله رحمه اللّه

مسأله 4: اذا لاقت النجاسة جزء من البدن المتعرّق لا يسرى الى ساير اجزائه الا مع جريان العرق.

(1)

اقول: لعدم السراية الا مع الجريان.

***

[مسأله 5: اذا وضع ابريق مملوّ ماء على الأرض النجسة و كان في اسفله ثقب]

قوله رحمه اللّه

مسأله 5: اذا وضع ابريق مملوّ ماء على الأرض النجسة و كان في اسفله ثقب يخرج منه الماء فان كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض او يجري عليها فلا يتنجّس ما في الابريق من الماء و ان وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في الابريق بسبب الثقب تنجّس و هكذا الكوز و الكاس و الحبّ و نحوها.

(2)

اقول: اما فيما يخرج الماء من الابريق و نظيره و لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض او يجري عليها فلا يتنجّس ما في الابريق من الماء لما مرّ في أوّل الفصل من ان الماء الدافع لا يتنجس و ان كان سافلا بالنسبة الى النجس و اما اذا وقف الماء تحت الابريق بحيث يصدق اتحاده مع ما في الابريق من الماء بسبب الثقب الذي في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 311

الابريق ينجس الماء الواقع في الابريق بشرط عدم خروج الماء من الابريق مع كونه دافعا كالصورة الاولى.

و يحتمل كون نظر المؤلف رحمه اللّه صورة عدم كون الماء الواقع في الابريق دافعا بقرينة فرض الاوّل الخارج من الابريق.

***

[مسأله 6: اذا خرج من انفه نخاعة غليظة و كان عليها نقطة من الدم]

قوله رحمه اللّه

مسأله 6: اذا خرج من انفه نخاعة غليظة و كان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محله من ساير اجزائها فاذا شك في ملاقات تلك النقطة لظاهر الانف لا يجب غسله و كذا الحال في البلغم الخارج من الفم.

(1)

اقول: مضى انه مع كون الشي ء جامدا لا ينجس الّا موضعا يسرى النجس فيه بوجود رطوبة مسرية فيهما او فى احدهما و فى المقام بعد كون النخاعة غليظة فلا ينجس غير النقطة فاذا شك في ملاقات الظاهر معها فالظاهر محكوم

بالطهارة للاصل.

***

[مسأله 7: الثوب او الفرش الملطخ بالتراب النجس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 7: الثوب او الفرش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضه و لا يجب غسله و لا يضر احتمال بقاء شي ء منه بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 312

العلم بزوال القدر المتيقن.

(1)

اقول: في الفرض ليس النجس الا التراب و على فرض خروجه بالنفض يكفي ذلك مضافا الى دلالة ما رواها على بن جعفر في رواية «و سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و راسه يصلّى فيه قبل ان يغسله قال نعم ينفضه و يصلّى فلا بأس.» «1»

و امّا مع احتمال بقاء شي ء منه فتارة يكون، المورد من قبيل الاقلّ و الاكثر مثل انّه يعلم بتلطّخ ثوبه بمقدار من التراب النجس و يشكّ من اوّل الامر في الازيد من ذلك المقدار ففي هذا المورد اذا خرج بالنفض ما علم من الاول فبالنسبة الى الزائد يجري الاصل و لا يضرّ هذا الاحتمال.

***

[مسأله 8: لا يكفي مجرد الميعان في التنجس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 8: لا يكفي مجرد الميعان في التنجس بل يعتبران يكون مما يقبل التأثر و بعبارة أخرى يعتبر وجود الرطوبة في احد المتلاقيين فالزئبق اذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة له لا يتنجّس و ان كان مائعا و كذا اذا اذيب الذهب او غيره من الفلزّات في بوطقة نجسة او صبّ بعد الذوب في ظرف نجس لا ينجس الا مع رطوبة الظرف او وصول رطوبة نجسة

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 313

إليه من الخارج.

(1)

اقول: منشأ ذلك هو ارتكاز العرفي على ان المعتبر وجود الرطوبة في احد المتلاقيين كي يسري القذارة من النجس او المتنجس الى الملاقي

و في الزئبق و نظائره ليست هذه الرطوبة نعم لو وصل إليه رطوبة من الخارج او كان في النجس رطوبة يتنجس ظاهره و يكون قابلا للتطهير أيضا.

***

[مسأله 9: المتنجّس لا يتنجّس ثانيا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 9: المتنجّس لا يتنجّس ثانيا و لو بنجاسة أخرى لكن اذا اختلف حكمهما يترتب كلاهما فلو كان لملاقي البول حكم و لملاقي العذرة حكم آخر يجب ترتيبهما معا و لذا لو لاقي الثوب دم ثم لاقاه البول يجب عليه غسله مرتين و ان لم يتنجّس بالبول بعد تنجّسه بالدم و قلنا بكفاية المرة في الدم و كذا اذا كان في اناء ماء نجس ثم ولغ فيه الكلب يجب تعفيره و ان لم يتنجّس بالولوغ و يحتمل ان يكون للنجاسة مراتب في الشدة و الضعف و عليه يكون كل منهما مؤثرا و لا اشكال.

(2)

اقول: اعلم ان النجاسة الاخرى الطارية على ما تنجس بالنجاسة الاولى.

تارة تكون من نوع النجاسة الاولى كما اذا تنجس الثوب بالدم ثم يقع فيه دم آخر أيضا و تارة تكون من غير نوع النجاسة الاولى و لهذه الصورة صورتان لان النجاسة الثانية اما لم يكن لها حكم زائد على ما رتب على الاولى كما اذا لاقى الثوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 314

الدم ثم لاقاه العذرة بعد ذلك و اما ان يكون لها حكم زائد على الاولى كما اذا لاقي الثوب الدم ثم لاقاه البول فللبول حكما زائدا و هو الغسل مرتان.

اذا عرفت ذلك نقول تارة نلتزم بتداخل الاسباب في كل من الصورتين حتى فيما تكون الاسباب من غير نوع واحد ففي الصورة الاولى من الثانية لا يجب الّا الغسل مرة واحدة لا الغسل مرة لاحدى النجاستين و الغسل

مرة اخرى للأخرى منهما.

و اما في الصورة الثانية من الثانية و هى الصورة التي تقتضي النجاسة الثانية حكما زائدا يجب اعمال الحكم الزائد ففى المثال يجب الغسل مرتين لان النجاسة الثانية و هى البول تقتضي تعدد الغسل.

و محلّ الكلام في التداخل فيما يكون السبب متعددا

و يقتضي كل واحد من الاسباب ما يقتضي السبب الاول، و بعبارة اخرى يكون مورد النزاع في تداخل الاسباب ما اذا كان المسبّب يقتضي بإطلاقه نفس الطبيعة و ايجادها، و لهذا يقع التعارض بين ظهور الاسباب في علّية كل منها مستقلا لايجاد المسبب و بين اطلاق المسبب و عدم اقتضائه انفس ايجاد الطبيعة، فعلى هذا اذا اقتضي سبب ايجاد الفرد من الطبيعة و اقتضى سبب آخر فردين من الطبيعة الفردين من الطبيعة بظهور الدليل، مثل ما اذا قال المولى اذا لاقي الدم ثوبك فاغسله مرة و اذا لاقاه البول فاغسله مرتين فهو خارج عن حريم نزاع تداخل الاسباب ففي ما نحن فيه بعد ما كان للنجاسة الثانية اثرا زائدا سواء كان من جنس الاثر الاول، مثل ما اذا قال اغسل عن البول مرتين بعد ما قال اغسل عن الدم الملاقي للثوب مرة فلاقاه الدم ثم لاقاه البول فليس من باب تداخل الاسباب لان البول ليس مسبّبه طبيعة الغسل بل فردان من الغسل ففي مثل ذلك نقول بالغسل مرتين للدم و البول لانه بعد كون البول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 315

سببا للغسل مرتين يحصل الامتثال بالغسل مرتين و يحصل بذلك امتثال الامر المتعلق بطبيعة الغسل بملاقات الدم لانه بعد عدم كون الدم موجبا و سببا الا الطبيعة الغسل بدون خصوصيّة زائدة على ذلك ففي الفرض يتحقق امتثال امره بحصول طبيعة الغسل بالغسل مرتين أيضا

و هذا ليس من باب تداخل الاسباب بل من باب تحقق العنوانين في ضمن امتثال واحد مثل ما اوجب المولى اكرام طبيعة الهاشمي و طبيعة العالم فيحصل الامتثال باكرام العالم الهاشمي ففي هذه الصورة يحصل الامتثال بما قلنا و ان لم نقل بتداخل الاسباب.

و كذلك فيما تقتضي النجاسة الثانية اثرا آخرا غير الغسل مثل ولوغ الكلب فلو تنجس أولا بالدم ثم بولوغ الكلب يجب التعفير و الغسل و به يحصل امتثال الامرين فافهم.

اما فيما يكون السّببان من نوع واحد

مثل ما اذا لاقي البول الثوب مرتين فيمكن ان يقال بكفاية الاتيان بجزاء واحد و بعبارة اخرى بمسبب واحد فيكفي الغسل مرتين في الماء القليل لانه لا يستفاد من الادلة الواردة في غسل ملاقي النجس الا جنس النجس فاذا قال اغسل ثوبك عن بول ما لا يؤكل لحمه لا يستفاد منه الا وجوب الغسل بملاقات جنس البول و كذلك في الدم و غيره مضافا الى الوجه الذي نقول به فيما اختلف السببان بمعنى عدم كونهما من نوع واحد مثل ما اذا لاقي الدم الثوب ثم لاقاه نجاسة اخرى فنقول اما فيما كان للنجاسة العارضة ثانيا اثرا زائدا على النجاسة الاولى مثل ما لاقي ثوبك دم ثم لاقاه البول فقد عرفت الكلام فيه و انه ليس من صغريات نزاع تداخل الاسباب و يكفي الغسل مرتين في المثال.

و اما فيما لم يكن للنجاسة الثانية اثرا زائدا

مثل ما لاقي الثوب الدم ثم العذرة بناء على عدم تداخل الاسباب قد يقال بانه لا بد من تعدد المسبب بتعدد السبب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 316

فيجب الغسل مرة للدم و مرتين في الماء القليل للبول.

و قد يقال بعدم تعدد المسبب من باب ان محلّ النزاع في تداخل الاسباب يكون فيما يقبل المسبب للتعدد و اما فيما لا يقبل التعدد فلا مجال للنزاع في التداخل و عدمه مثلا اذا قال من قتل مؤمنا يجب قتله و من سبّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعوذ باللّه يجب قتله ثم انّ رجلا قتل مؤمنا و سبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا مجال للنزاع في انه هل تعدد السبب يوجب تعدد المسبب أم لا لان المسبب و هو القتل غير قابل

للتكرر فمثل هذا المورد خارج عن حريم النزاع فلذلك يقال فيما نحن فيه بانه بعد كون هذه النجاسات كما يظهر من اسمائها نجاسات و قذارات موجبة للنجاسة و حيث يوجب النجاسة غسل ملاقيها يقال ان النجاسة المسببة من البول او غيره من النجاسات الموجبة لغسل ملاقيها غير قابلة للتكرر لان النجاسة القذارة و هى كالقتل غير قابلة للتكرر.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 316

ان قلت بناء على هذا فلو تنجس الشي ء بنجاسة لا توجب الا الغسل مرة ثم تنجّس بما يوجب الغسل مرتين يكون لازم ما قلت عدم وجوب الغسل الا مرة واحدة لان النجاسة الثانية لا تؤثر حيث انها غير قابلة للتكرر.

قلت بان النجاسة و القذارة غير قابلة للتكرر لا بمرتبة اخرى فالقذارة الموجبة للغسل مرة قذارة واحدة سواء تحقق بالدم او بالعذرة فاذا تحققت بالدم لا يوجب ملاقاة العذرة قذارة اخرى لان القذارة فى هذه المرتبة غير قابلة للتكرر و اما القذارة بالمرتبة الاشد فالمحل قابل لهذه الزيادة فلو لاقي الثوب الدم تختص القذرة فيه بمرتبته فلو لاقي هذا الثوب مع البول ففي المرتبة المتحدة مع القذارة الاولى الموجبة للغسل مرة غير قابلة للتكرر و اما في المقدار الزائد و هى المرتبة الاشد و هى الغسل مرتبة اخرى تؤثر هذه المرتبة من القذارة و تكون النتيجة وجوب الغسل مرتين فيتداخلان في المرة الاولى من الغسل لا في الغسل مرة ثانية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 317

هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه هذا الوجه و مال إليه

بعض اعاظم المعاصرين حين ما تكلمت معه.

و فيه اما أولا ان الجزاء ان كانت النجاسة مثلا قال اذا لاقي البول الثوب ينجس الثوب و اذا لاقي معه الدم ينجس كان مجال لان يقال ان النجاسة الواقعة جزاء لا تتكرر فما نحن فيه خارج عن محل نزاع تداخل الاسباب بل لا بد فيه عن الالتزام بتداخل الاسباب لان النجاسة كالقتل غير قابلة للتكرر لكن ليست النجاسة في لسان الادلة جزاء بل الغسل يكون الجزاء و الواجب المسبب عن ملاقاة النجاسات هو الغسل مثلا قال اغسل عن البول او اذا لاقي البول شيئا فاغسله و هكذا في الدم و ساير النجاسات و الغسل يكون قابلا للتكرر و لهذا يجري فيه نزاع تداخل الاسباب.

و أما ثانيا فلو فرض كون النجاسة مترتبة على السبب مثلا قال البول ينجس ملاقيه او اذا لاقي الدم ثوبك فهو نجس و قلنا بان النجاسة و القذارة امر يحصل للشي ء بملاقاته لهذه النجاسات فاذا تنجّس ليس قابلا لحمل نجاسة اخرى عليه لان النجاسة غير قابلة للتكرر و لو كان للنجاسة الاخرى اثرا زائدا على النجاسة الاولى فلازم ذلك انّه لو تنجّس الشي ء أوّلا بالدم ثم بالبول لا يكون الواجب الا الغسل مرة واحدة لعدم قابلية المحل لنجاسة اخرى و اذا لم يكن قابلا لتحمل نجاسة اخرى لا يجب ترتيب الاثر الزائد و الا يلزم كون الحكم بلا موضوع لان الغسل مرتان اثر نجاسة البول و بعد عدم تاثير نجاسة البول على الفرض بعد تاثير نجاسة الدم فلا يمكن ترتب اثر البول من الغسل مرتين لعدم تعقل الحكم بلا موضوع و دعوى ان النجاسة الواقعة من النجاسة الثانية لا تؤثر في خصوص مرتبة النجاسة الاولى

لا في المقدار الزائد فالقذارة الحاصلة من البول بعد الدم لا تتكرر في خصوص

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 318

الغسل مرة واحدة لان القذارة حصلت في الشي ء لملاقات في هذه المرتبة فلا يؤثر فيه القذارة الحاصلة من البول بعده في هذه المرتبة و امّا في المقدار الزائد يكون مؤثرا فهى دعوى لا دليل له لان النجاسة ان لم تكن قابلة للتكرر فلا تؤثر نجاسة البول بعد تاثير نجاسة الدم فاذا لم تؤثر نجاسة البول فما الوجه في وجوب غسل مرة اخرى للاثر الزائد.

الا ان يقال يكون النجاسة امرا واحدا ذي مراتب فعلى هذا تؤثر النجاسة الثانية للمرتبة الاشد فلا يكون ترتب، اثر الزائد الا لاجل حدوث مرتبته فلا يكون مجال للاشكال بان الحكم يكون بلا موضوع لان موضوعه مرتبته.

اقول و هذا الاشكال و ان لم يرد على هذا الوجه لكن يرد عليه الاشكال الاول.

و قد يقال كما لا يبعد انه الوجه في التداخل و عدم تاثير النجس في المتنجس ثانيا في الاثر المشترك هو تسالم الاصحاب على ذلك و انّهم في المثال لا يوجبون الا الغسل مرتان و ان لاقي الثوب او غيره الدم و البول لا الغسل ثلاث مرات مرة للدم بالخصوص و مرتين للبول بالخصوص و اما اذا لم يكن لاحدى النجاستين اثرا زائدا على الأخرى مثل ما اذا لاقاه الدم ثم لاقاه العذرة فلا يجب الا غسل الملاقي مرة واحدة و هذا المقدار مورد تسالمهم و ان كان كلامهم مختلفا من حيث وجه ذلك و ان ذلك هل يكون من باب عدم تنجّس الشي ء ثانيا بعد تنجّسه فلا يوجب لسبب ملاقاة النجاسة الثانية شي ء الا اذا كانت لها

اثرا زائدا.

أو انّ الملاقي تنجّس بالثانية، و لكن لا يترتب حكم النجاسة في الاثر المشترك و هو الغسل مرة اخرى.

فتخلص مما مرّ ان النجاسة العارضة ثانيا للشي ء ان كان من جنس الاول فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 319

اشكال في عدم احداثها اثرا زائدا و لو لم نقل بتداخل الاسباب لان المراد من المسبّب هو الجنس و ان جنس الدم مثلا يوجب الغسل مرة و ان لاقي الشي ء مراتا عديدة مضافا الى التّسالم.

اما فيما توجب اثرا زائدا

مثل ما لاقي الثوب الدم ثم لاقاه البول فلا اشكال في ترتب الاثر الزائد فيجب الغسل مرتين لما قلنا من ان المورد خارج عن محل النزاع في تداخل الاسباب فعلى هذا يجب ترتيب الاثر الاشد ففي المثال يجب الغسل مرتين فقط للدم و البول لا ثلاث مرات لان البول يتعين المرتين و حيث ان الدم لا يقتضي الا صرف الوجود من الغسل فبالغسل مرتان يحصل امتثال امر الدم كما عرفت منّا بيانه.

و اما فيما لا توجب الثانية اثرا زائدا على الاثر الاولى

و ان كانت من غير جنس الاولى مثل ما اذا لاقي الثوب الدم ثم لاقاه العذرة فلا يجب الا الغسل مرة واحدة لاجل تسالم الاصحاب على ذلك و لعل منشأ تساؤلهم هو ان النجاسات ليست متباينات بل النجاسة امر واحد ذو مراتب فبعد كون النجاستين لا توجبان الا مرتبة واحدة من القذارة و النجاسة فلا يتأتى من قبل النجاسة الثانية بعد عدم كون اثر زائد لها على الاولى مرتبة اخرى من القذارة لان ذلك تحصيل الحاصل و على هذا يمكن ان يقال انّ المتنجس لا يتنجس ثانيا اى لا يقبل لقبول مرتبة ثانية للمرتبة الواحدة لها و بعد كون الاكتفاء فى هذه الصورة بما اقتضت النجاسة الملاقية أولا لا ازيد منه و ان لاقته نجاسة اخرى من باب تسالم الاصحاب و لا ندري ان وجه تسالمهم هو تداخل الاسباب يعنى عدم اقتضاء الثانية اثرا زائدا او تداخل المسببات بمعنى انه مع اقتضاء كل من النجاستين للغسل لكن يتداخلان في المسبب فيكتفي المسبب الواحد لكل منهما كما نقول في الاغسال المتعددة بمقتضى الرواية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 320

فلا يمكن ان يقال بان النجس لا ينجس ثانيا لاحتمال انه مع

اقتضائه للتنجيس ثانيا لكن يتداخلان في المسبب و يقتضيه عدم الزام الثّانية مسبّبا مستقلا و يأتي الكلام في مسئلة مطهرية التراب بما يناسب المقام إن شاء اللّه.

***

[مسأله 10: اذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة و شك في ملاقاته للبول]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 10: اذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة و شك في ملاقاته للبول أيضا مما يحتاج الى التعدد يكتفي فيه بالمرة و يبني على عدم ملاقاته للبول و كذا اذا علم نجاسة اناء و شك في انه ولغ فيه الكلب أيضا أم لا؟ لا يجب فيه التعفير و يبني على عدم تحقق الولوغ نعم لو علم تنجّسه اما بالبول او الدم و اما بالولوغ او بغيره يجب اجراء حكم الاشد من البول و التعفير في الولوغ.

(1)

اقول: في المسألة صورتان:

اما الصورة الاولى و هى ما اذ علم بنجاسة الثوب مثلا بما يكتفي فيه بالمرّة

و شك في تنجّسه بما يجب فيه مرتان او علم بتنجسه بما يجب فيه الغسل فقط و شك في انه هل تنجّس بما يجب فيه التعفير أم لا فلا يجب الا ترتب اثر الاخف مثلا في المثال الاول الذي مثّل به المؤلف رحمه اللّه يجب الغسل مرة واحدة و في المثال الثاني يجب الغسل فقط لا التعفير لان المورد من صغريات القسم الثالث من الكلي و قد بيّنا في الاصول ان الحق فيه عدم اجراء استصحاب الكلي كما لا مجال لاستصحاب الفرد.

و اما الصورة الثانية و هى ما اذا علم بوقوع نجاسة في ثوبه

لكن لا يدري ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 321

النجاسة العارضة مما يكفي فيه المرة او مرّتان مثل ما اذا لم يعلم ان النجاسة العارضة كانت الدم او البول او انّ النجاسة المعلومة عروضها كانت مما يجب فيه الغسل او يجب فيه التعفير و الغسل مثل ما اذا علم بتنجس إنائه لكن لا يدري انه لاقاه الدم حتى يجب الغسل فقط او لاقاه الكلب حتى يجب التعفير و الغسل فقال المؤلف رحمه اللّه يجب اجراء حكم الاشد.

اقول هذه الصورة تكون من قبيل القسم الثاني من استصحاب الكلي و قد بيّنا في الاصول ان فى هذا القسم يكون لاستصحاب نفس الكلي مجال ان كان له اثر شرعيا و اما استصحاب الفرد فلا مجال لجريانه فعلى هذا نقول حيث انه ليس لكلى النجاسة اثرا شرعى بل الاثر مترتب على الفرد فان الدم و هو فرد من النجس يوجب الغسل مرة و البول و هو فرد آخر يوجب الغسل مرتين او ولوغ الكلب يوجب التعفير فليس للكلي اثر حتى يستصحب و الفرد الاشد مشكوك لا مجال لاستصحابه بعد الغسل مرة فيما دار

الامر بين الدم و البول و كذلك فيما دار الامر بين الغسل فقط او التعفير و الغسل هذا كله بناء على كون النجاسة امرا واحدا ذي مراتب مختلفة من حيث الشدة حتى يتصوّر لها كلّيا يكون كل فرد من النجاسات فردا لهذا الكلي كما هو الحق و مضى بعض الكلام فيه في السابقة.

و اما بناء على كون النجاسات متباينات لا من قبيل الافراد للكلي فيعلم اجمالا بوجود احد المتباينين فيعلم اما بوجوب الغسل مرة او مرتين او الغسل او التعفير و الغسل كما قلنا في العلم الاجمالي فيما دار الامر بين المتباينين بانه يجب الاحتياط بفعل الطرفين اذ كان المطلوب فعلهما و ترك الطرفين ان كان المطلوب تركهما فكذلك في المقام لكن ليس المورد من قبيل المتباينين كما عرفت فافهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 322

[مسأله 11: الاقوى ان المتنجس منجّس كالنجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 11: الاقوى ان المتنجس منجّس كالنجس لكن لا يجري عليه احكام النجس فاذا تنجّس الاناء بالولوغ يجب التعفير لكن اذا تنجّس اناء آخر بملاقات هذا الاناء او صبّ ماء الولوغ في اناء آخر لا يجب فيه تعفيره و ان كان الاحوط خصوصا في الفرض الثاني و كذا اذا تنجّس الثوب بالبول وجب تعدد الغسل لكن اذا تنجّس ثوب آخر بملاقات هذا الثوب لا يجب فيه التعدد و كذا اذا تنجّس شي ء بغسالة البول بناء على نجاسة الغسالة لا يجب فيه التعدد.

(1)

اقول:

اما الكلام في ان المتنجس منجّس كالنجس فمن حيث الفتوى

مما لا اشكال فيه لانه المشهور بل ادعى عليه الاجماع بل ادعى انه من الضروريات و لا اشكال في كونه من ضروريات فقهنا و ان لم يكن من ضروريات المذهب و لم ينقل مخالف في ذلك من فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم الا ما نسب الى السيد و الحلي رحمهما اللّه على ما يقال و يستفاد من عبارتهما انهما لا يكونان مخالفين في هذه الجهة نعم من يقول بعدم تنجّس المتنجس و يعرف بذلك هو الفيض الكاشاني رحمه اللّه.

و اما من حيث النص
اشارة

فياتي إن شاء اللّه بعد ذلك و على كل حال ما يمكن ان يكون وجها لكون المتنجس منجس امور:

الامر الاول: اجماع العلماء

خلفا عن سلف و ارساله ارسال المسلمات.

الامر الثاني: معروفية ذلك عند المتشرعة

و مغروسيته في اذهانهم بحيث انه يستكشف من ذلك وصول الحكم إليهم من المعصومين عليهم السّلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 323

الامر الثالث: الاخبار

و هى كثيرة فمن يراجع الاخبار في الابواب المتفرقة يجد ذلك في اخبارنا كثيرا لا حاجة الى ذكر كلها بل نذكر عدة منها تبرّكا إن شاء اللّه تعالى:

منها ما رواها عمار بن موسى الساباطي «انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يجد في إنائه فارة و قد توضّأ من ذلك الاناء مرارا او اغتسل منه او غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلّخة فقال ان كان رآها في الاناء قبل ان يغتسل او يتوضأ او يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كلما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصّلاة و ان كان انّما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمسّ من الماء شيئا و ليس عليه شي ء لانه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعلّه ان يكون إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها». «1»

منها ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الجنب يحمل «يجعل في» الركوة او التور يدخل اصبعه فيه قال ان كانت يده قذرة فاهرقه و ان كان لم يصبها قذر فليغسل منه هذا مما قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.» «2»

منها ما رواها المعلّى بن خنيس «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء امرّ عليه حافيا فقال أ ليس ورائه شي ء جاف قلت بلى قال فلا بأس ان

الارض يطهر بعضها بعضا». «3»

منها ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية اهل الذمة و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 324

المجوس فقال لا تاكلوا من آنيتهم و لا عن طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر.» «1»

منها ما رواها عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث قال سئل عن الموضع القذر يكون في البيت او غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر قال لا يصلي عليه و اعلم موضعه حتى تغسله و عن الشمس هل تطهر الارض قال اذا كان الموضع قذرا من البول او غير ذلك فاصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة و ان اصابته الشمس و لم يبس الموضع القذر و كان رطبا لا يجوز الصّلاة حتى يبس و ان كان رجلك رطبا و جبهتك رطبة او غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى يبس و ان كان غير الشمس اصابه حتى ييبس فانه لا يجوز ذلك.» «2»

هذا كله بعض الاخبار المستفاد منه ان المتنجس ينجس كالنجس و يوجد فيما بايدينا من الاخبار غير ذلك و فيما ذكرنا غنى و كفاية، فلا مجال بعد ذلك لانكار ان المتنجس ينجّس كالنجس.

بل نقول بان المذكور فيما بايدينا من الاخبار ليس هذا الاصطلاح اعنى اطلاق النجس على خصوص الاعيان النجسة و اطلاق المتنجس على

ما يلاقي هذه الاعيان بل هذا اصطلاح من الفقهاء بل المذكور في نوع النجاسات ليس تعبير النجس اصلا بل تستفاد النجاسة من لازم آخر و هو الامر بالغسل او التعفير و الغسل فكما يطلق على عين النجس انه نجس أو أمر بغسل ملاقيه او عدم جواز الصلاة معه كذلك يقال في ما يلاقي عين النجس لانه كما لاحظت في هذه الاخبار

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 325

الامر بغسل ما يلاقي ملاقي النجس او عدم الصّلاة فيه او اهراقه فهو أيضا نجس مثل عين النجس فكلّ من الاعيان النجسة و ما يلاقيها نجس لان القذارة الحكميّة كالقذارة العينيّة عند الشارع فحكمه بغسل ملاقي النجس الحكمي اعني الملاقي لملاق العين النجس كحكمه بغسل ملاقي عين النجس.

ان قلت سلّمنا انّ ما يلاقي بلا واسطة للنجس ينجس ما يلاقيه و اما ازيد من ذلك فلا دليل عليه و بعبارة اخرى ما يلاقي النجس بواسطة واحدة يصير نجسا و اما فيما يلاقي ملاقى ملاقي النجس او ملاقي ملاقي ملاقي النجس لا دليل على تنجّسه خصوصا فيما تكون الوسائط كثيرة مثلا مائة وسائط.

قلت بعد ما نرى تنجس ملاقي المتنجس بحكم الاخبار نقول بان مورد الاخبار و ان كانت الواسطة الاولى لكن نعلم ان وجه تنجس ملاقي النجس و كونه موجبا لتنجيس ملاقيه كعين النجس ليس الا كونه واجدا للنجاسة و القذارة الحكمية فالمناط هو وجود القذارة و النجاسة الحكميّة فلا فرق مناطا بين ان تكون الواسطة قليلة او كثيرة.

مضافا الى انه بالنسبة الى ازيد من الواسطة واحدة

يمكن دعوى تحقق الاجماع و السيرة على الاجتناب عنه لكن العمدة في الباب بنظري القاصر هو الاخبار لان الاجماع يمكن ردّه و عدم كونه دليلا مستقلا من باب احتمال كون وجه اتفاقهم هو الاخبار فلا يمكن كشف اجماع و اتفاق يكشف عن وجود نص في المسألة لم يبلغ بايدينا.

نعم لا يمكن انكار السيرة في الجملة على الاجتناب عن ملاقي المتنجسات كنفس النجاسات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 326

و إما ما قاله العلامة الهمداني «1» «الحاج آقا رضا رحمه اللّه» في جواب ما قلنا من المناط الموجود فيما يكون الوسائط كثيرة من انّه يمكن الفرق بين قلة الوسائط و كثرتها بانه يحتمل ان يكون لقلة الوسائط دخلا في التأثير فلا يمكن حصول العلم بالمناط.

ففيه انه بعد ما عرفت من ان المناط و الّذي اوجب تنجيس المتنجس ليس الّا ما فيه من النجاسة الحكميّة و هذا المناط موجود في كلّ ما يلاقي المتنجس و ان كان المتنجس ملاقيا للنجس بوسائط كثيرة.

و اما ما يمكن ان يستدل به لمختار المحدث الكاشانى رحمه اللّه امور:
[الامر الاول الاخبار]
الرواية الاولى: و هو العمدة ان ما في الباب

بعض الروايات الّذي يمكن الاستدلال به لمختاره الرواية الاولى ما رواها سماعة «قال قلت لابى الحسن موسى عليه السّلام انّى ابول ثم اتمسّح بالاحجار فيجي ء من البلل ما يفسد سراويلى قال ليس به بأس» «2»

وجه الاستدلال ان ملاقى النجس و هو موضع خروج البول بعد مسح العين بالاحجار ان كان متنجّسا فينجّس البلل الخارج فقوله عليه السّلام لا بأس دليل على عدم تنجيس المتنجس.

و فيه ان الرواية تدلّ على كفاية الاحجار في طهارة مخرج البول كما عليه العامة خلافا للحق المختار من انه لا بدّ من الاقتصار بالماء في طهارة مخرج البول فالرواية صدرت تقيّة فليست بحجّة.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 13 من

ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) مصباح الفقيه، ج 8، ص 18.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 327

الرواية الثانية: ما رواها حنان بن سدير

«قال سمعت رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال انّي ربّما بلت فلا اقدر على الماء فيشتدّ ذلك عليّ فقال اذا بلت و تمسّحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذلك.» «1»

وجه الاستدلال انه لو كان المتنجس منجسا لتنجس الريق فلا يعالج به و لا يدفع به الشك.

و فيه انه تارة يقال ان الموضع يطهر بالمسح و مجرد ازالته و هو ما لا يقال به في موضع البول فالرواية تسقط عن الحجية.

و تارة يقال انّ الموضع باق على نجاسته فما يشتد عليه ان كان خروج البول فما ذكر عليه السّلام لا يؤثر في رفع شدته لو مسح ريقه بموضع خروج البول لأنّه بعد خروج البول ينجس قطعا الّا بان يمسح بريقه غير موضع خروج البول حتى اذا راى و تنبّه ببلل يحمل على انه من ريقه و بعبارة اخرى يقع بذلك في الشك فيمكن له اجراء اصالة الطهارة و ان كان وقوع الشدة و الضيق على السائل في الرواية كان من باب احتمال خروج بلل مشتبه فهو ان المستبرأ مع خروج شي ء لا ينجس بدنه و ثوبه بخروج الخارج و لو لم يمسح بريقه بناء على عدم المتنجّس فالمحتمل ان كان هذا الفرض فهو يصير دليلا على ان المتنجس منجّس و لهذا امر بهذه الحيلة و ان كان السابق اعنى احتمال خروج البول فأيضا هذا العمل لا يؤثر إلا بأن يمسح الريق بموضع آخر و على هذا تكون الرواية غير مربوطة بما استدل بها.

الرواية الثالثة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه عليه السّلام

«من عدم الباس على الكنيف المتنجس في فرض كونه جافا اي خاليا عن النجاسة.» «2»

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية

2 من الباب 60 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 328

و فيه ان المستفاد من الخبر ليس إلا عدم الباس بما ينضح على الثياب من الكنيف و اما وجهه غير مذكور و من المحتمل ان لم يكن الظاهر من الخبر هو كون عدم الباس من باب عدم اليقين بنجاسة الكنيف خصوصا مع قوله اذا كان جافا اى خاليا عن النجاسة فلا يعلم بنجاسته مع عدم عين النجاسة فيه و لو احتمل صيرورته نجسا يحتمل طهارته بالماء المستعمل في الاستنجاء او غيره من المياه و على كل حال لا يعلم بنجاسته.

الرواية الرابعة: ما رواها حكم بن حكيم ابن اخى خلاد

انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام «فقال له ابول فلا اصيب الماء و قد اصاب يدى شي ء من البول فامسحه بالحائط و بالتراب ثم تعرّق يدى و امسح وجهى او بعض جسدى او يصيب قال لا بأس به.» «1»

الرواية الخامسة: ما رواها العيص بن القاسم في حديث

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فاصابه ثوبه يغسل ثوبه قال لا.» «2»

وجه الاستدلال و جوابه يظهر من، وجه الاستدلال و الجواب عن الرواية الثالثة فلا حاجة الى التكرار مع ان ما في صدر الرواية الّذي يذكره صاحب الوسائل) فى هذا الباب دال على خلاف مطلوب الكاشاني رحمه اللّه و هو هذا «روى العيص بن القاسم «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذه قال قال يغسل ذكره و فخذه الحديث» «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 329

و هذا الصدر من الرواية يشهد على ان المفروض في ذيل الرواية هو صورة الشك في السراية.

الرواية السادسة: ما رواها حفص الاعور

«قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الدّن يكون فيه الخمر ثمّ يجفف فيجعل فيه الخل قال نعم.» «1»

وجه الاستدلال انه لو كان المتنجس منجّسا ينجس الخلّ بملاقاته للدّن المتنجس بالخمر.

و فيه انه بعد ما نصّ في الرواية الاولى من الباب المذكور و هي ما رواها عمار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الدّن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خلّ او ماء كامخ او زيتون قال اذا غسل فلا بأس و عن الابريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح ان يكون فيه ماء قال اذ غسل فلا بأس و قال في قدح او اناء يشرب

فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرّات و سئل أ يجزيه ان يصيب فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات» «2» بوجوب غسله ثم جواز جعل الخلّ فيه و انه اذا غسل يجوز ذلك لا بدّ من التصرف في اطلاق رواية حفص المتقدمة ذكرها ان كان فرض له اطلاق.

و مع منع الاطلاق له لاحتمال كون مورد السؤال هو قابلية جعل الخلّ في ظرف الخمر راسا بعد مفروغية وجوب غسله.

ان قلت بعد دلالة رواية عمار المتقدمة ذكرها بوجوب الغسل مطلقا و دلالة رواية حفص المتقدمة ذكرها على عدم الباس في خصوص ما صار الدّن جافّا فيقيد الاولى بالثانية و تكون النّتيجة وجوب الغسل اذا لم يكن الدّن و ظرف الخمر جافا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 330

فلا يبقى اشكال في دلالة رواية حفص على المراد.

قلت لا اشكال في ان المعتبر غسل الظرف بعد زوال العين كما هو المعتبر في تطهير كل من المتنجسات و ينادي به ذيل رواية عمّار من انه لا يكفي مجرد اصابة الماء بل لا يجزيه حتّى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات و صيرورة الدّن جافّا كما في رواية حفص لا يؤثر الا في ذهاب عين النجس ان قلنا بان المراد من الجفاف هو الجفاف الكامل و يحصل به «و ان قلنا بان المراد من الجفاف هو الجفاف الغير المنافي مع بقاء بعض اجزاء الخمر فلا يكون خاصا و مقيّدا حتى يكون مجال لما ادعى من تقييد رواية التي رواها عمّار» لان ذهاب العين

كما يحصل بالدّلك و غيره يحصل بالجفاف و زوال اجزاء الخمرية فمورد رواية عمار يكون خصوص مورد ذهاب العين و مع هذا قال اذا غسل فلا بأس و يقيّد بها رواية حفص الدّالة على عدم الباس مطلقا سواء غسل أم لا بناء على وجود اطلاق و هو مورد المنع.

هذا كله فيما ذكر من الروايات المتمسكة بها على عدم تنجيس المتنجس و قد عرفت عدم دلالة واحدة منها على مدعى القائل بعدم تنجيس المتنجس و لو تمت دلالتها يشكل بل لا يمكن العمل بها لأعراض الاصحاب عنها.

الوجه الثاني: انه لو كان المتنجس منجّسا مطلقا

كما هو معقد اجماعاتهم المحكية للزم نجاسة جميع ما في ايدي المسلمين و اسواقهم و لتعذر الخروج عن التكليف بالاجتناب عن النجس و التالي باطل بشهادة العقل و النقل فكذا المقدم بيان الملازمة انا نعلم عدم تحرّز اكثر الناس عن النجاسات مع اختلاطهم مع غيرهم فيستوى حال الجميع لقضاء العادة بانه لو لم يتحرّز شخص و لو في اقصى نقاط العالم عن النجاسة لسرت النجاسة الى جميع العالم فلا بدّ اما من الالتزام بعدم الاجتناب للعسر و الحرج او بعدم كون المتنجس متنجسا و لا يمكن الالتزام بالقول الاول بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 331

يكون الوجه هو الثاني و قد بالغ في تشييد ذلك الوجه و الوجه الثالث العلامة الهمداني رحمة اللّه.

و فيه ان ذلك ليس وجها بل صرف ادعاء لانه يدعى نجاسة جميع العالم بل يدعى العلم بذلك ان كان المتنجس منجسا و الحال انا ندري نجاسة بعض الاشياء و عدم مبالات بعض الافراد حتى من المسلمين و لا نعلم بذلك و ما علم به احد من الاصحاب رضوان اللّه عليهم الا العلامة

الهمداني رحمه اللّه كما انا نعلم بتغييرات في بلادنا في الاراضي و الاملاك من حيث غصب املاك الناس و تبديل الموقوفات و املاك الغيّب و القصّر و تجاوز الاقوياء على الضعفاء بالنسبة الى املاكهم فهل يحصل لنا العلم بغصبية تمام الاملاك و لم لا يتحرّز هذا العالم الجليل عن الاملاك و البيوت و الطرق و الشوارع مع ما ورد فيهما من التّصرفات.

و السرّ هو عدم حصول العلم العادي بنجاسة جميع الاشياء بمجرد نجاسة بعض الاشياء او عدم مبادلات بعض الناس فلا يعتني بهذا الوجه.

الوجه الثالث: دعوى استقرار سيرة المتشرعة

على المسامحة في مقام العمل عن الاجتناب عن ملاقي المتنجس خلفا عن سلف بحث لو خرج عن الطريقة المالوفة عندهم في اجتناب النجاسات بان اجتنب عن ابنية البلاد من باب ان من عمّرها استعمل فيها ما استعمل في الكنيف و الامكنة النجسة من غير أن يطهر آلات او اجتنب عن المساورة مع بعض الاشخاص معتذرا بانه يساور من لا يبالي بالنجاسة من الكفار و غيرهم يطعنون به المتشرعة و يرمونه بالوسواس و يرونه منحرفا عن طريقتهم و هذا شاهد على كون المرتكز عندهم عدم الاجتناب عن ملاقى المتنجس.

و فيه ان ما ادعى من سيرة المتشرعة من المسامحة في الاجتناب عن ملاقي المتنجسات ممنوع بل السيرة كما عرفت على خلافه و اما عدم اجتنابهم من الابنية و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 332

الاماكن بمجرد احتمال انه استعمل فيها ما استعمل في الامكنة النجسة او من يساور مع من لا يبالى من النجاسة فهو من باب الشك في نجاسة ذلك و انه كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر فهذا الوجه فيه ما فيه.

[الحق فى المقام]

فتلخص بحمد اللّه ان الحق ما ذهب إليه المشهور و لو فرض ان احدا يشكل له القول بالنجاسة في صورة كثرة الوسائط مثل ما اذا لاقي النجس شيئا بالف واسطة في انه لا تشملها الاخبار و لا المناط و لا الاجماع و لا السيرة.

لكن كيف يمكن له الافتاء بعدم الباس و عدم النجاسة بل لا بد ان يقول بان الاحوط وجوبا هو الاجتناب كما ترى ان العلّامة الهمداني رحمه اللّه لا تتمكن نفسه عن الانحراف عن طريقة المشهور، هذا تمام الكلام في نفس المسألة و هى كون المتنجس منجّسا.

[هل يجرى على ملاقيه جميع احكام النجس أم لا]

و اما الكلام في الجهة الاخرى و هى انه بعد فرض كون المتنجس منجّسا هل يجرى على ملاقيه جميع احكام النجس أم لا مثلا اذا تنجس الاناء بالولوغ يجب تعفيره فهل يجب تعفير الاناء الّذي يلاقي هذا الاناء او يصب فيه ماء الولوغ أم لا و كذا اذا تنجس المحل بالبول يجب الغسل مرتين بالماء القليل فلو لاقي الثوب هذا المحل هل يجب فيه الغسل مرتين او لا يجب الا الغسل مرة واحدة.

فنقول بعونه تعالى انه لا يجرى على ملاقي المتنجس جميع الاحكام الجارية على ملاقي النجس لعدم شمول ادلته المثبتة لهذه الاحكام لملاقي المتنجس مثلا فيما لاقي البول الثوب يجب الغسل مرتين مسلّما في الماء القليل للدليل و لا يجب في ملاقي هذا الثوب الملاقي للبول الغسل مرتان لقصور الادلة فقوله عليه السّلام مثلا في جواب من سئل عن اصابة البول الجسد بانه اغسله مرتين لا يشمل ما يلاقي للجسد الملاقي للبول بل يكتفي بالمرّة لان ما بيّنا من الروايات في صدر المسألة الدالة على تنجس الشي ء بالمتنجّس لا يدل الا صرف الوجود من الغسل

لان الواجب فيها هو الغسل و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 333

هو يحصل بصرف وجوده و كذا فيما لاقي شي ء لاناء الذي ولغ فيه الكلب فلا يجب إلا غسله و لا يجب التعفير لان الدليل الدال على وجوب التعفير لا يدل الا فيما ولغ فيه الكلب لا ما يلاقى لما ولغ فيه نعم فيما ولغ الكلب في ماء اناء ثم افرغ ماء هذا الاناء في اناء آخر فهل يكون أيضا مثل ما يلاقي الاناء الذي ولغ فيه الكلب فلا يجب التعفير او يكون ذلك مثل الاناء الاول الذي ولغ الكلب في مائه.

يحتمل بل لا يبعد كون هذه الصورة مثل نفس الاناء الذي وقع الولوغ فيه لان ما ولغ فيه الكلب من الاناء سواء كان خصوص الولوغ او مع اللطع او مطلق ما يباشر الكلب بفضله و يصحّ ان يقال فضل ماء الكلب كما يأتي في محله إن شاء الله يكون باعتبار الماء الواقع في الاناء و لأجله وجب التعفير و بعد ما يفرغ هذا الماء في اناء آخر فهو يكون مثل الاناء الاول و على هذا يجري في الاناء الثاني ما يجري في الاناء الاول فما يأتي بالنظر عاجلا هو ان الاقوى وجوب التعفير.

***

[مسأله 12: لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة اصلا]

قوله رحمه اللّه

مسأله 12: قد مرّ انه يشترط في تنجس الشي ء بالملاقات تأثره فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة اصلا كما اذا دهن على نحو اذا غمس في الماء لا يتبلّل اصلا يمكن ان يقال انه لا يتنجس بالملاقات و لو مع الرطوبة المسرية و يحتمل ان يكون رجل الزنبور و الزباب و البقّ من هذا القبيل.

(1)

اقول: مضى الكلام في اشتراط تاثر الشي ء بملاقات النجس

في تنجّسه لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 334

كون المثال من قبيل ذلك غير معلوم كما ان كون رجل الزنبور و اخواته من هذا القبيل غير معلوم نعم مع الشك في السراية لاجل التدهين و انه لا يتأثر بعد بالملاقات و كذلك في صورة الشك في تأثر رجل الزنبور و اخواته بالنجاسة فلا يحكم بالنجاسة لكون ذلك مشكوكا و لا يجب الفحص و يحكم مع الملاقات للنجس بالطهارة.

***

[مسأله 13: الملاقات في الباطن لا توجب التنجيس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 13: الملاقات في الباطن لا توجب التنجيس فالنخامة الخارجة من الانف طاهرة و ان لاقت الدم في باطن الانف نعم لو ما دخل فيه شي ء من الخارج و لاقى الدم في الباطن فالاحوط فيه الاجتناب.

(1)

اقول: مضى الكلام فيه في المسألة الاولى من المسائل الراجعة الى البول و الغائط من النجاسات و ان الملاقاة في الصورة الاولى لا توجب التنجيس كما ان الاقوى ذلك في الصورة الثانية اذا لم يكن الملاقي في الباطن حاملا لعين النجس الى الخارج كما هو مفروض الكلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 335

الفهرس

فصل فى الأسآر 7

فى معنى السّؤر و مفهومه لغة 7

سؤر نجس العين نجس و سئور طاهر العين طاهر 8

في بعض الرّوايات الّتي ورد في الأسآر 9

ما قيل في نجاسة سؤر الجلّال 10

في كراهة سؤر مكروه اللّحم كالخيل و البغال و الحمير 11

فى كراهة سؤر الحائض المتّهمة 11

في ان المراد من كونها مأمونة يعنى مأمونة من النّجاسة 13

في تعميم الحكم يعنى كراهة شرب سؤر الحائض مطلقا 14

فصل فى النّجاسات 15

النجاسات اثنى عشر (الاوّل و الثاني) البول و الغائط من غير مأكول اللّحم اذا كان له نفس سائلة 15

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 336

عدم الفرق فى نجاسة البول و الغائط من غير مأكول اللّحم 19

هل يشترط فى نجاسة البول و الغائط من غير المأكول ان يكون له دم سائل أم لا؟ 20

الكلام في الطّيور من غير مأكول اللّحم 21

بيان النّسبة بين الطّائفتين من الرّوايات المتعارضين 22

انّ القاعدة فيما يكون التّعارض بنحو العموم من وجه هو

تقديم الاظهر 22

فى بيان الجمع بين الطائفتين من الرّوايات 23

القول في التفصيل بين بول الطّيور و خرئه 24

في الرواية الّتي تدلّ على نجاسة بول الخفّاش 25

لا فرق في نجاسة بول غير المأكول و غائطه بين ان يكون اصليّا او عارضيّا كالجلّال 26

في طهارة بول مأكول اللّحم حتّى المكروه طاهر 27

في جواز الصّلاة في وبر مأكول اللّحم و شعره و ألبانه و ورثه و بوله 29

ملاقات الغائط في الباطن لا يوجب النّجاسة 30

الكلام في ملاقات النّجاسة في الباطن و احكامها 31

في دعوى عدم نجاسة الاعيان النّجسة ما دام في الباطن 32

في ملاقات الاشياء الخارجيّة مع البول و الغائط في الباطن 33

حكم بيع البول و الغائط من المأكول و غيره و الانتفاع بهما 34

في الرّوايات الّتي وردت في حرمة بيع العذرة 35

في بيان الجمع بين رواية الدّالة على جواز بيع العذرة و ما دلّ على عدمه 36

اشكال آخر في الجمع بين الرّوايتين 37

في مكان الجمع العرفى بين صدر رواية سماعة و ذيلها 38

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 337

الكلام في البوال و الغائط من الحيوان المشكوك و حكم اكل لحمه 39

في بيان حكم بول حيوان المشكوك و روثه 40

انّ الحيوان المشكوك، قابل للتذكية أم لا؟ 41

حكم فضلات الحيّات و التّماسيح 42

الثالث من النجاسات: المنى، حكم المنيّ من كلّ حيوان له دم سائل 42

وجه نجاسة منّى غير الانسان 43

طهارة المذي و الوذي و الودى و رطوبات الفرج و الدّبر من كلّ حيوان الّا نجس العين 45

الرّابع من النّجاسات الميتة من كلّ ماله

دم سائل حلالا كان او حراما 46

في بيان وجه نجاسة الميتة و اجزائها المبانة منها عدا ما لا تحلّه الحياة منها 47

في ما دلّ من الرّوايات على نجاسة الميتة 48

عدم الفرق من نجاسة الميتة بين كونها حلال اللّحم أو حرامه 49

في طهارة ما لا تحلّه الحياة من الحيوان الميّت الطّاهر العين 50

في طهارة البيضة الميتة من المأكول 51

وجه عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من اجزاء الحيوان 52

الكلام في الانفحة و تحقيق المراد منها 52

في طهارة الانفحة موضوعها 54

في التّحقيق انّ المراد من الانفحة هو الظّرف أو المظروف مع الظّرف 55

طهارة الظّرف ذاتا موقوف على كونه هو الانفحة 56

الكلام في نجاسة اللّبن في الميتة و طهارة 56

طهارة ما لا تحلّه الحياة و الانفحة و البيضة مختصّ بغير نجس العين 58

في نجاسة جميع اجزاء نجس العين من الحيوانات حتّى ما لا تحلّه الحياة 59

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 338

الكلام في الاجزاء المبانة من الحىّ نجسة كالميتة 60

الجزء المبان من الحىّ و المبان منه ممّا تحله الحياة كالثّالول و البثور 60

الكلام في فارة المسك من المذكّى و غيره 65

التّفصيل بين ما كانت الفارة منفصلة عن الحيّ او الميّت 66

في الجمع العرفي بين رواية عليّ ابن جعفر و رواية عبد اللّه ابن جعفر 67

في انّ المراد من قوله عليه السّلام ذكيّا هو الطّهارة الذاتية او العرضيّة 67

في الاحتمالات و آثارها 67

فيما اذا شكّ في فارة أنّها من الحيّ او الميّت 70

فيما دلّ على طهارة المسك مطلقا 71

فيما علم انّه دم و

شكّ في استحالته مسكا 73

ميتة ما لا نفس له طاهرة كالسّمك 73

فيما دلّ على طهارة ميتة ما لا نفس له 74

اذا شكّ في شي ء أنّه من اجزاء الحيوان او ما له نفس سائلة 75

الكلام في ما يؤخذ من يد المسلم من اللّحم و الشّحم او الجلد 77

فيما دلّ على أماريّة يد المسلم 79

فى الرّوايات الواردة في شراء اللّحوم من الاسواق 80

في ما ورد في جلود الفراء و شرائها من الاسواق 81

يد المسلم أمارة على التذكية 82

في الرّوايات الّتي تدلّ على تذكية الفرو اذا كان مضمونا 83

وجه التّعارض في مفاد الطائفتين من الرّوايات 84

في الرّوايات الّتي تدلّ على التّذكية اذا كان في سوق المسلمين 85

ما يؤخذ من يد الكافر او يوجد في ارضهم محكوم بعدم التّذكية 86

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 339

جلد الميتة لا يطهر بالدّبغ 87

السّقط قبل ولوج الرّوح نجس و كذا الفرخ في البيض 89

في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم زكاة الجنين زكاة أمّه 89

لا بدّ في زكاة الجنين ان يكون قد تمّ خلقته 91

ملاقات الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النّجاسة 91

النّسبة بين الموثّقة بين ما دلّ على نجاسة ما يلاقي النّجاسة 93

يشترط في نجاسة الميتة خروج الرّوح من جميع الجسد 94

مجرّد خروج الرّوح يوجب النّجاسة و ان كان قبل البرد 95

الميتة عند العرف عبارة عمّا زهق عنها الرّوح 96

في الرّوايات الواردة في ملاقى جسد الميّت 97

نجاسة المضغة و المشيمة و ما يخرج من اللّحم حين الولادة 99

في العضو المقطوع المتّصل بجلدة

رقيقة 99

حكم الجند المعروف انّه خصية كلب الماء 100

حكم ما ينفصل من اللّحم مع الظّفر او السنّ 101

العظم المجرّد المتردد بين كونه من نجس العين و كونه من طاهر العين 102

الجلد المطروح المشكوك كونه من ذي النّفس او من غيره 102

حرمة بيع الميتة 103

في الرّوايات الواردة في حرمة بيع الميتة 103

هل يجوز الانتفاع بالميتة فيما لا يعتبر فيه الطّهارة 106

فى الاشارة الى دعوى عموم عدم جواز الانتفاع بالنّجس 106

في الرّوايات الواردة في عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة 107

هل يجوز الاستصباح بالدّهن النّجس أم لا؟ 109

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 340

(الخامس) من النّجاسات: الدّم ممّا لا نفس سائلة مع تحقيق انّه لا دليل على نجاسته كليّة 110

فيما دلّ على نجاسة الدّم 111

في الروايات الواردة في نجاسة الدّم 112

الاحتمال في هذه الرّوايات 114

فيما حكى عن الصّدوق رحمه اللّه من عدم نجاسة ما دون الخميصة 115

الدّم ممّا لا نفس له صغيرا كان او كبيرا كالبرغوث و السمك 116

دم ما لا نفس له ليس باعظم من ميتته، و ميتته طاهرة 118

في خصوص عدم نجاسة دم السّمك 119

في دم المتخلّف في الذّبيحة بعد خروج المتعارف 120

انّ طهارة دم المتخلّف هل يكون منحصرا بالمأكول او يعمّ غيره 121

يقع الكلام في دم الطّحال و ما يسيل منه 122

حكم العلقة المستحيلة من المنى من إنسان كان او غيره 124

الكلام في حكم الدّم الّذي يوجد في البيضة 125

الدّم المتخلّف في الذّبيحة و ان كان طاهرا لكنّه حرام 126

الدّم الابيض اذا فرض العلم بكونه دما نجس

127

الدّم الّذي قد يخرج مع اللّبن نجس و منجّس له 128

حكم دم الجنين الّذي ذكاته بذكاة أمّه 128

حكم دم الصّيد المتخلّف فيه بعد موته باصابة الآلة له 129

الدّم المشكوك في كونه من الحيوان او لا محكوم بالطّهارة 130

في حكم الدّم المتخلّف في الذبيحة اذا شكّ في انّه من القسم الطّاهر او النّجس 131

وجه الاشكال في استصحاب تبدل الموضوع 132

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 341

في انّ استصحاب عدم خروجى الدّم بمقدار المتعارف يكون مثبتا 132

فيما خرج من الجرح شي ء أصفر و شكّ في انّه دم أم لا؟ 134

اذا حكّ جسده فخرجت رطوبة فشك أنّها دم أم ماء اصفر 134

في الماء الاصفر الّذي ينجمد على الجرح 134

الدّم المراق في الامراق حال غليانها نجس منجّس 135

الاشكالات الّتي اوردت على الرّوايات الواردة في الدّم المراق في الامراق 136

اذا غرز إبرة او سكينا في بدنه و اخرجها نظيفة 137

الدّم المنجمد تحت الاظفار او الجلد في البدن 138

(السادس و السابع) من النّجاسات الكلب و الخنزير البرّيان دون البحريين 139

في الرّوايات الواردة في نجاسة الكلب و الخنزير البرّيين 140

الاخبار الدّالة على طهارتهما فلا بدّ من ردّ علمها الى أهلها 143

لا فرق في نجاسة الكلب و الخنزير بين اجزائها و رطوبتهما و ان لم تحلّها الحياة 144

حكم المتولّد منهما او من أحدهما

(الثّامن) من النّجاسات، الكافر على كلام مع تحقيق حال النّصوص الدّالة على طهارة الكتابي و النّصوص الدّالة على نجاسته 147

الاحوط هو الاجتناب عن منكر الضرورى مطلقا و ان لم يكن ملتفتة الى كونه ضروريا 148

لا فرق

في نجاسة ولد الكافر بين كونه من حلال او من زنا و لو في مذهبه 149

انّ نجاسة الكافر كان من المسلّمات عند الخاصّة 150

الاشكال على الاستدلال بالآية على نجاسة الكافر 150

ورود الاشكال الثّاني على الاستدلال بالآية 152

في معنى نجاسة المصطلحة عند المتشرّعة 153

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 342

الاستدلال بالآية على نجاسة مطلق الكافر 154

انّ الآية تدلّ على نجاسة المشركين من الكفّار 155

في روايات الّتي يستدلّ بها نجاسة الكافر 155

لا بدّ من حمل المؤاكلة في الرّوايات على المساورة 157

و ممّا ذكرنا يظهر الفرق بين المؤاكلة و المساورة 159

في مصافحة و مؤاكلة المسلم مع اليهودي و النّصراني 160

في مخالطة المسلم مع المجوسي 160

هل يجوز الصّلاة في ثياب اليهودي او النّصراني 160

في آنية المجوسي 161

في الرّوايات الّتي يتمسّك بها على طهارة أهل الكتاب 163

في رواية زكريّا ابن ابراهيم 164

دلالة الرّوايات على طهارة الكتابي تتوقّف على كون المؤاكلة بنحو المساورة 165

في عدم جواز الاكل في آنية اهل الكتاب اذا كانوا يأكلون فيه لحم الخنزير 166

بعض الرّوايات الدّالة على جواز تصدّى اهل الكتاب لغسل المسلم او المسلمة 166

الاشكال في سند الرّوايتين 167

الايراد و الاشكال في التّمسك بهاتين الرّوايتين 168

بعض الرّوايات الدّالة على طهارة الثّوب الّذي يستعيره الذّمى 169

في عدم تماميّة الاستدلال بالاخبار الّتي يستطهر منها طهارة اهل الكتاب 170

في التّعارض بين الطائفتين من الاخبار الّتي ورد، في اهل الكتاب 171

عدم قابلية الجمع العرفي بين الطّائفتين من الاخبار 173

وجه آخر على عدم امكان الجمع بين الطّائفتين من الروايات 175

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 343

ان الترجيح يكون مع الرّوايات الدّالة على النجاسة 176

في نجاسة رطوبات الكافر و اجزائه حتّى ما لا تحلّه الحياة 176

المعيار في تحقّق الكفر و تحقيق حال منكر الضّروري من الدّين 177

في كفر منكر الضّروري و نجاسته 178

في الرّوايات الدّالة على كفر منكر بعض الاحكام الشرعية 179

وجه استدلال دلالة هذه الروايات على سببيّة انكار الحلال و الحرام للكفر 181

الاسلام عبارة عن مجموع ما جاء به النّبي 182

عدم تماميّة الوجوه المستدلّة على كون انكار الضّروري سببا مستقلا للنّجاسة 182

انّ حديث رفع القلم عن الصّبى، يدلّ على رفع قلم التّكليف عنه 184

في روايات الّتي وردت في اولاد المشركين و اولاد المسلمين 184

انّ ظاهر بعض هذه الاخبار مخالف مع بعض القواعد المسلّمة عند العدليّة 185

من الادلّة الّتي استدلّ على نجاسة ولدا الكافر هو الاجماع و التّسالم عند الاصحاب 186

الاقوى طهارة ولد الزّنا من المسلمين 188

نسب الى الصّدوق و علم الهدى و الحلّي، نجاسة ولد الزّنا و كفره 186

روايات الّتي وردت في نجاسة والد الزّنا 186

في نجاسة الغلات و الخوارج و النّواصب 191

في من يرجع غلوّه الى انكار ضروري او ضروريّات من الدّين 192

الكلام في نجاسة الغلات و عدمها 193

في انّ النّاصب لأهل البيت انجس من الكلب 194

في حكم المجسّمة من حيث النّجاسة و الطّهارة 195

يقع الكلام في حكم المجبّرة من حيث النّجاسة و عدمها 196

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 344

يقع الكلام في نجاسة القائلين بوحدة الوجود و عدمها 197

في غير الاثنى عشريّة من فرق الشيعة اذا لم

يكونوا ناصبين لسائر الائمّة هل يكونوا محكومين بالطّهارة او النّجاسة 199

في بعض الرّوايات الدّالة على انّ المخالف ناصب 201

مفاد بعض الرّوايات هو كون النّاصب للشّيعة ناصبا لأهل البيت 202

ما قيل في التّنقيح في الجواب عن الاستدلال بالرّواية الثّانية و الايراد على ذلك الجواب 203

في توجيه الرّواية على ما لا ينافي مع السّيرة المستمرة على خلافها 204

من شكّ في اسلامه و كفره فهو طاهر 205

فيمن شكّ في اسلامه و كفره في الاحكام الاخرى غير الطّهارة و النّجاسة 206

التّاسع: من النجاسات الخمر بل مسكر مائع بالاصالة 207

في الرّوايات الّتي يستدلّ بها على نجاسة الخمر و المسكر 208

فيما يمكن الاستدلال به من الاخبار على طهارة الخمر 211

في الجمع العرفى بين الطّائفتين من الاخبار 213

في عدم امكان هذا الجمع العرفى 214

في رواية سهل ابن زياد و رواية خيران الخادم 214

لا اشكال في نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لوجوه 215

المسكر الجامد بالأصالة طاهر 217

تحقيق حال العصير العنبي من حيث النّجاسة و الحرمة 219

حكم العنب اذا غلى بلا عصر 219

وجه الاستدلال برواية معاوية ابن عمّار و الايراد عليه في التّحقيق عن البختج و المراد منه 220

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 345

في بعض الاخبار الواردة بانّ الخمر يؤخذ من خمسة او ستّة او تسعة 222

في العصير العنبى اذا غلى 223

اذا نشّ العصير او غلى حرم 226

هل يكفى في حرمة العصير مجرّد النّشيش او يعتبر الغليان 225

يكون النّشيش و الغليان مساويا في الوجود تقريبا 227

يقع الكلام في العصير المغليّ بغير النّار لا يحل بذهاب الثّلثين 228

يقع الكلام في حكم العصير التّمري 230

في حكم العصير الزبيبي 232

الاشكال في دلالة هاتين الرّوايتين على ما نحن فيه 234

في رواية زيد النّرسى و الاستدلال بها على حرمة العصير الزّبيبي 235

وقوع الكلام في سند الحديث 235

تحقيق الطّريق الى اصل زيد التّرسى 236

هل كان لزيد النّرسى اصل او هو من الموضوعات 237

في دلالة هذا الحديث المنسوب باصل زيد النّرسى 238

في استصحاب التّعليقى لحرمة العصير الزّبيبي 239

الاشكال في الاستصحاب التّعليقي 240

اذا صار العصير دبسا قبل ان يذهب ثلثاه 241

في تحقيق الحال عن خضب الإناء 242

مقتضي اطلاق الرّواية هو جواز الشّرب اذا خضب الإناء سواء ذهب ثلثاه أم لا؟ 243

في الزّبيب و الكشمش و التّمر المطبوخ في الامراق و غيرها 245

(العاشر) من النّجاسات: الفقّاع 245

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 346

الكلام في حقيقة الفقّاع 246

مقتضى رواية هشام ابن الحكم هو نجاسة الفقّاع و ان لم يكن مسكرا 248

المتّخذ من غير الشعير ان كان مسكرا فهو نجس 248

ماء الشعير الّذي يصفه الاطبّاء في معالجاتهم ليس من الفقاع 250

(الحادي عشر) من النّجاسات: عرق الجنب من الحرام 250

ذهب جمع من الفقهاء الى القول بطهارة العرق الجنب من الحرام 251

في الاخبار الواردة في عرق الجنب 252

ضعف سند الاخبار و ما قيل فيها 253

قيل بانّ غاية ما يستفاد من الاخبار هو حرمة الصّلاة و امّا نجاسته فلا 254

اختلاف الاصحاب في الاستفادة من هذه الاخبار 256

في مرجّحات الشّهرة 258

في عدم تحقّق شهرة فتوائية 259

العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس 260

في كيفيّة

اغتسال الجنب من الحرام 261

حكم ما اذا اجنب من حرام ثمّ من حلال او بالعكس 262

حكم ما اذا تيمم المجنب من حرام بدلا عن الغسل 263

اذا اجنب الصبيّ الغير البالغ من حرام 264

(الثاني عشر) من النجاسات: عرق ابل الجلّالة على كلام فيها و في مطلق الجلّال 264

عرق غير الابل الجلّال من الجلّالات ليس بنجس 265

الاحوط الاجتناب عن الثّعلب و الارنب و الوزغ و الفار، بل مطلق المسوخات 266

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 347

في روايات الواردة في المسوخات 267

عدم البأس بما تلاقيه الفارة او الوزغ 270

كلّ مشكوك النّجاسة ذاتا او عرضا، طاهر ظاهرا 271

الدّم مشكوك كونه من اقسام الطّاهر او النّجس فهل يحكم بطهارته او يحكم بنجاسته 272

الكلام في غسالة الحمّام، و تحقيق حال الاخبار الواردة فيها 273

الرّوايات الواردة في غسالة ماء الحمّام 273

النّهى عن الاغتسال من غسالة الحمّال ليس الّا لنجاستها 275

يستحبّ رشّ الماء لمن اراد الصّلاة في معابد اليهود و النّصارى و المجوس 276

لا يجب الفحص عن النّجاسة في مع الشّبهة الموضوعيّة حتى لو امكن تحصيل العلم حالا 278

فصل في طرق ثبوت النّجاسة 279 حكم الاحتياط في الشّبهة البدوية في باب النّجاسة 281

الدّهن و اللّبن و الجبن المأخوذ من اهل البوادى محكوم بالطّهارة 282

الكلام في علم الوسواسى 283

في بعض الرّوايات الّتي استدلّ على عدم اعتبار علم الوسواسى 284

العلم الاجمالى كالتّفصيلى في منجزيّة الواقع الّا مع عدم الابتلاء ببعض الاطراف 286

لا يعتبر في حجّية البيّنة إفادتها الظّن بل يعتبر عدم معارضتها بمثلها 287

لا يعتبر في حجّية البيّنة ذكر مستند

الشّهادة 288

يكفى الشّهادة بسبب النّجاسة و ان لم يعتقد الشّاهد انّه سبب لها 289

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 348

حكم اختلاف الشّاهدين في سبب النّجاسة مع تحقيق المعيار في القبول و عدمه 290

الشّهادة بالاجمال مقبولة فيجب الاجتناب عن جميع الاطراف و حكم اختلاف الشّاهدين في الاجمال و التّعيين 290

اذا شهد احد الشّاهدين بالنّجاسة فعلا و الاخر بالنّجاسة سابقا 291

لو شهد احدهما بالنّجاسة فعلا و الآخر بالنّجاسة سابقا مع الطّهارة فعلا 292

يقبل خبر صاحب اليد بالنّجاسة 293

اذا كان الشي ء بيد شخصين كالشّريكين يسمع قول كلّ منهما بنجاسته 295

لا يعتبر العدالة في حجّية خبر صاحب اليد 296

في اعتبار قول صاحب اليد اذا كان صبيا اشكال 296

حكم ما اذا أخبر صاحب اليد بعد الاستعمال بالنّجاسة سابقا او اخبر بها بعد خروج العين عن يده 296

فصل في كيفيّة تنجيس المتنجّسات 299

يشترط في تنجيس الملاقى للنّجس او المتنجّس ان يكون فيها او أحدهما رطوبة مسرية 301

في عدم تنجّس السّافل بملاقات العالى اذا كان جاريا من السّافل كالفوارة 302

في ما اذا تنجّس الدّهن الدبس الجامدين 303

في عدم تنجّس الملاقى اذا كان المتلاقيين جافّين 304

اذا كان الملاقى جامدا اختصّت النّجاسة بموضع الملاقات 305

فيما اذا شك في رطوبة احد المتلاقيين 306

في الذّباب الواقع على النّجس الرّطب اذا وقع على ثوب أو بدن 307

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 349

اذا وقع بعر الفار في الدّهن او الدّبس الجامدين 308

انّ الجامد لا ينجس الّا موضع ملاقاته مع النّجس 309

فيما اذا لاقت النّجاسة جزء من البدن المتعرّق فيما اذا

وضع ابريق مملوّة من الماء على الارض النّجسة 310

فيما اذا خرج من انفه و كان فيه نقطة من الدّم 311

في الثّوب او الفرش الملطّخ بالتّراب النجس 311

لا يكفى مجرّد الميعان في التنجّس 312

المتنجّس لا يتنجّس ثانيا و لو بنجاسة اخرى 313

في تداخل الاسباب و عدمه 314

فيما اذا كان السّببان للنّجاسة من نوع واحد 315

فيما لا يقبل التّعدد في المسبّب 316

قد يقال بانّ النّجاسة امر واحد ذي مراتب 316

فيما توجب ملاقات النّجاسة الاخرى اثرا زائدا 319

اذا تنجّس الثّوب مثلا بالدّم و شك في ملاقاته للبول 320

الاقوى انّ المتنجّس منجّس كالنجس 322

في الرّوايات الّتي يستفاد منها تنجّس ملاقى المتنجّس 323

في ما اذا كثرت الوسائط في ملاقى المتنجّس 325

في ما يمكن ان يستدلّ به لمختار الكاشاني رحمه اللّه 326

في روايات الّتي استدلّ بها لعدم تنجّس ملاقى المتنجّس 327

الوجه الثّاني في عدم تنجّس ملاقى المتنجّس 330

في دعوى استقرار السّيرة المتشرعة على عدم الاجتناب عن ملاقى المتنجّس 331

هل يجرى على ملاقى المتنجّس جميع احكام النّجس؟ 332

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 350

يشترط في متنجّس الشّي ء بالملاقات تأثّره 333

الملاقات في الباطن لا توجب التنجيس 334

الفهرس 335

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء الثالث

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 4

[تتمة كتاب الطهارة]

[الحمد و الثناء]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشكرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا

وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن احبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 5

فصل: فى اشتراط ازالة النجاسة عن البدن و اللباس فى الصلاة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 7

قوله رحمه اللّه

فصل فى اشتراط ازالة النجاسة عن البدن و اللباس فى الصلاة يشترط، في صحة الصلاة واجبة كانت او مندوبة ازالة النجاسة عن البدن حتى الظفر و الشعر و اللباس، ساترا كان او غير ساتر عدا ما سيجي ء من مثل الجورب و نحوه ممّا لا تتم الصلاة فيه، و كذا يشترط في توابعها من صلاة الاحتياط و قضاء التشهد و السجدة المنسيّين و كذا في سجدتى السهو على الاحوط، و لا يشترط فيما يتقدمها من الاذان و الاقامة و الأدعية التي قبل تكبيرة الاحرام و لا فيما يتأخرها من التعقيب، و يلحق باللباس على الاحوط اللحاف الذي يتغطّى به المصلي مضطجعا ايماء سواء كان مستترا به او لا، و ان كان الاقوى في صورة عدم التستّر به بان كان ساتر غيره عدم الاشتراط، و يشترط في صحة الصلاة أيضا ازالتها عن موضع السجود دون المواضع الآخر فلا بأس بنجاستها الّا اذا كانت مسرية الى بدنه او لباسه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 8

(1)

اقول:

يقع الكلام في الفصل المذكور في مواقع:
الموقع الاول: لا اشكال فتوى في اشتراط صحة الصلاة في الجملة بازالة النجاسة

عن البدن و اللباس و ادعى عليه الاجماع و الاتفاق بل الضرورة.

كما لا اشكال في ذلك نصا بل الاخبار بلغ حد الاستفاضة بل في اللباس حدّ التواتر.

فيدلّ في خصوص البدن بعض الاخبار:

منها الرواية 4 من الباب 29 و الرواية 5 من الباب 20 و الرواية 7 من الباب 30 من ابواب النجاسات من الوسائل و غيرها من الاخبار.

و يدلّ فى خصوص الثوب بعض الروايات كالرواية 1 من الباب 8 و الرواية 2 من الباب 16 و الرواية 1 و 2 و 4 و 6 من الباب 20 و الرواية

5 من الباب 25 و الرواية 12 من الباب 27 و الرواية 5 و 7 من الباب 30 و الرواية 1 و 2 و 5 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل و غيرها من الاخبار فلا اشكال في الجملة في اصل المسألة.

الموقع الثاني: لا فرق في النجاسات من حيث هذا الحكم

فيجب الازالة البدن عن جميع النجاسات لان بعض الاخبار و ان كان مورده خصوص بعض افراد النجاسات لكن بعضها يكون مطلقا مثل الرواية 4 من الباب 29 من ابواب النجاسات في خصوص البدن و مثل الرواية 5 من الباب 30 و الرواية 2 من الباب 31 و الرواية 5 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل في خصوص اللباس.

الموقع الثالث: لا فرق فى هذا الحكم بين ان تكون الصلاة واجبة

و بين ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 9

تكون مندوبة فيشترط ازالة النجاسة عن البدن في كل منهما بمقتضى اطلاق الادلة.

الموقع الرابع: لا فرق في النجاسة بين قليلها و كثيرها

لاطلاق بعض الاخبار فيشمل القليل كما يشمل الكثير، بل التصريح في بعض الروايات بوجوب الازالة حتى في القليل مثل الرواية 1 و 2 و 3 من الباب 19 و الرواية 1 من الباب 21 و الرواية 1 و 2 من الباب 24 من ابواب النجاسات من الوسائل الا في خصوص الدم الاقل من الدرهم لورود النص في خصوصه الدال على عدم الباس في الاقل من الدرهم.

الموقع الخامس: لا فرق في وجوب الازالة عن البدن بين اجزائه

فيشترط ازالة النجاسة عن جميع اجزاء البدن في الصلاة حتى الظفر و الشّعر لاطلاق الاخبار بحيث يشمل جميع اجزاء البدن خصوصا مع التصريح ببعض الاجزاء من البدن في بعض الروايات.

مثل الرواية 4 من الباب 29 من ابواب النجاسات من الوسائل لان فيها قال عليه السّلام «و ان كانت رجلك رطبة او جبهتك رطبة او غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك حتى ييبس» فان قوله او غير ذلك منك يشمل حتى الظفر و الشعر.

الموقع السادس: بعد ما عرفت من انه تجب ازالة النجاسة للصلاة

عن اللباس في الجملة و بعد ما يأتي إن شاء الله من اغتفار النجاسة اذا كانت فيما لا تتم فيه الصلاة مثل الجورب و نحوه.

يقع الكلام فيما هو المراد من اللباس، و انه هل يكون خصوص الثوب او مطلق اللباس و ان لم يطلق عليه الثوب مثل العمامة او ما يغطّى به البدن و ان لم يكن لباسا مثل ما اذا غطّي بدنه بالقطن او الصوف، او يكون اوسع من ذلك أيضا فيكفى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 10

فيما تجب ازالة النجاسة عنه كونه بحيث يقع اطلاق عنوان كون الصلاة فيه بالظرفيّة الاتّساعيّة لا الظرفيّة الحقيقية.

لا اشكال في عدم الانحصار بخصوص الثوب و ان كان في جلّ الاخبار او كلّها المذكور هو الثوب لانّا نعلم عدم الاختصاص به و المناط الموجود في الثوب موجود فيما يطلق عليه اللباس كالقطن او الصوف الغير المنسوجين المغطّي به الجسد لان ذكر الثوب يكون من باب المثال.

مضافا الى ما ذكرنا من ان المناط هو عدم كون ما يصلّي فيه نجسا.

و لهذا نقول الحق هو عدم الجواز حتى في الصورة الرابعة، و هى ما تكون الصلاة فيه

بغير الظرفيّة الحقيقيّة و الشاهد على تعميم الحكم و شموله لكل من الصور المذكورة ما ورد في عدم البأس بما لا تتم الصلاة فيه و ان الصلاة فيه جائز مع عدم كون كل افراد ما لا تتمّ الصلاة فيه ثوبا بل و لا لباسا بل و لا بنحو يغطّى به البدن بل يكون مجرد كون الصلاة فيه توسّعا و هذا اعني عدم الباس فيما لا تتمّ فيه الصلاة يكون الاستثناء من اللباس الذي تجب ازالة النجاسة عنه و بعد كون الظاهر من الاستثناء هو المتصل و كونه من جنس المستثنى منه نكشف من ذلك تعميم المستثنى منه بنحو يشمل جميع ما يصح ان يقال يصلّي فيه و لو توسّعا فمن ذلك الاخبار الواردة فيما لا تتمّ فيه الصلاة من انه لا بأس بالصلاة فيه مع كونه نجسا.

مثل ما رواها زرارة عن احدهما عليهما السّلام (قال كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بان يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب). «1»

و مثل ما رواها حمّاد بن عثمان عمّن رواه عن أبي عبد اللّه عليهما السّلام (في الرّجل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 11

يصلّى في الخفّ الّذي قد اصابه القذر فقال اذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس). «1»

و مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عمّن اخبره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (انه قال كلما كان على الانسان او معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بان يصلّي فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و

النعل و الخفّين و ما اشبه ذلك) «2»

و هذه الرواية تدلّ على ان ما كان على الانسان او معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بان يصلّى فيه فاذا كان على الانسان او معه ما يتمّ الصلاة معه لا يجوز الصلاة فيه لانه بعد كون المرتكز عند السائل و المسئول عنه هو عدم جواز الصلاة في النجس يستفاد من الرواية جوازه فى هذا القسم و ان اللباس الموضوع لحكم النجاسة هو ما يكون عليه او معه غاية الامر هذا القسم يستثني من عدم الجواز.

نعم هنا كلام آخر و هو انها هل تدلّ على عدم الجواز في المحمول أم لا يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

فيستفاد من هذه الاخبار باعتبار الاستثناء و باعتبار بعض الامثلة المذكورة و باعتباران مجرّد كون الصلاة فيه توسّعا يكفي فيما هو موضوع الحكم من اللباس و ان لم يكن لباسا اصلا مثل التكة مثلا ما قلنا في موضوع اللباس.

و كذلك يستفاد ذلك من بعض اخبار أخر مثل ما رواها ابن ابي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الميتة قال لا تصلّ في شي ء منه و لا في شسع). «3»

بناء على ان الوجه في عدم الجواز في الميتة كونها نجسا فتدل الخبر على ان ما لا تصحّ فيه الصلاة اعمّ من اللباس بحيث يشمل الشّسع من النّعل.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب اللباس المصلي من الوسائل، ج 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 12

و مثل ما رواها وهب عن جعفر

عن ابيه ان عليا عليه السّلام (قال السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم ترفيه دم و القوس بمنزله الرداء) «1».

فهي تدلّ على ان السيف بمنزلة الرداء تجوز الصلاة فيه ما لم يكن نجسا فيستفاد منه انّ اللباس الموضوع للحكم اعم دائرة بحيث يشمل السيف و القوس.

و مثل ما رواها موسى بن اكيل النميري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الحديد و فيها قال «قال لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد فانه نجس ممسوخ) «2».

و هذه الرواية و ان حملت على الكراهة لكن لا يضرّ بالاستشهاد للتعبير فيها بانه «لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد فانه نجس» فما منع من الصلاة فيه لاجل النجاسة من اللباس يكفي فيه مجرد الصلاة فيه و ان كان كالحديد و يستفاد من بعض الاخبار اطلاق اللباس على الخاتم و امثاله فراجع ابواب اللباس المصلي.

الموقع السابع: لا فرق في الحكم بوجوب الازالة بين كون اللباس ساترا او غير ساتر

لاطلاق الادلة الواردة في الباب.

الموقع الثامن: كما يجب ازالة النجاسة عن الثوب و البدن في صحة الصلاة

يجب ازالتها في صلاة الاحتياط لانه صلاة فيشملها الاطلاقات.

مضافا الى كونها على تقدير جزء من الصلاة فيجب اتيانها بنحو تكون قابلة لان تصير جزء للصلاة.

و كذلك في قضاء التشهد و السجدتين لا المنسيّتين لانها قضاء للتشهد و سجدة الصلاة فيعتبر في القضاء ما يعتبر في الاداء.

و أمّا في سجدتي السهو فقد يقال كما حكى عن بعض بان المنصرف من ادلتهما

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 57 من ابواب اللباس المصلي من الوسائل، ج 3.

(2) الرواية 6 من الباب 32 من ابواب اللباس المصلي من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 13

اشتراطهما بطهارة الثوب و البدن.

و فيه منع الانصراف بل ادلتهما مطلقة و مع الشك في الاعتبار يكون المرجع اصالة البراءة لكون الشك في الشرطية في المأمور به.

و قد يقال باعتبارها فيهما لكونهما من متمّمات الصلاة لان ما وقع منه أو فات سهوا صار موجبا لوجوبهما فهما مربوطتان بها و من متمماتها.

و فيه منع ذلك أيضا فان الاقوى كما قلنا في بعض تقريراتنا عن بحث سيدنا الأعظم آية العظمى البروجردي قدّس سرّه ان سجدتي السهو واجبتان مستقلتان و ان كان سبب وجوبهما ما وقع او ما فات عنه في الصلاة لكن ليستا من متمّماتها و لهذا لا يضرّ بهما وقوع المنافيات بينهما و بين الصلاة و لو تركهما عمدا لا تبطل صلاته بل يعاقب على ترك ما وجب عليه من سجدتي السهو و لكن مع هذا نقول في مقام العمل بان الاحوط اشتراطها فيهما.

اما في الاذان و الاقامة فلا دليل على اشتراط صحتهما بازالة النجاسة عن الثوب و البدن بل ما يأتي عاجلا بنظري القاصر عدم وجود الدليل

على استحبابها فيهما بالخصوص الا ان يقال باستحبابها فيهما من باب معلوميتها في مطلق حال الذكر و الدعاء.

و كذلك في التعقيب لان الادلة تدل على اعتبارها في الصلاة و ليس الاذان و الاقامة و التّعقيب من الصلاة.

الموقع التاسع: و يلحق باللباس اللحاف الذي يتغطّى به المصلي مضطجعا

ايماء سواء كان ساترا له أم لا لما قلنا في الموقع السادس من ان اللباس الذي يجب ازالة النجاسة عنه في صحة الصلاة اعم من الثوب و اللباس بل عمّا يتغطّى به المصلّي و يكفي في موضوعه مجرد وقوع الصلاة فيه و كونه ظرفا للصلاة و لو توسّعا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 14

و من الواضح ان اللحاف الذي يتغطى به المصلّي لا يكون امره اهون مما يتغطّى به من القطن او الصوف و بعد التغطي به حال الصلاة يجب ازالة النجاسة عنه سواء كان ساترا له أم لا، فما قاله المؤلف رحمه اللّه من ان الاقوى عدم الشّرطية في صورة عدم التّستر به ليس بتمام.

الموقع العاشر: و يشترط في صحة الصلاة ازالة النجاسة عن موضع السجود
اشارة

دون المواضع الآخر الا اذا كانت مسرية الى بدنه او لباسه فيقع الكلام في جهتين:

الجهة الاولى: في اشتراطها في موضع السجود

فنقول بعونه تعالى.

أمّا الحكم من حيث الفتوى فقد ادعى عليه الاجماع و من ذكر انّه مخالف من الفقهاء فقد استوجه كلامه بنحو لا يكون مخالفا للاجماع.

و أمّا من حيث النص فما استدل به فروايات:

الرواية الاولى: النبوى المشهور (جنّبوا مساجدكم النجاسة). «1»

و فيه انه من المحتمل كون المراد الأمكنة المعدّة للصلاة و السجود و بعبارة اخرى المساجد و لهذا استدل بها على عدم جواز تنجيس المسجد و وجوب ازالة النجاسة عنها.

الرواية الثانية: ما رواها زرارة (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن البول يكون على السطح او في المكان الذي يصلّي فيه فقال اذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر) «2».

بناء على شمولها لموضع السجدة فهى تدل على أن الارض بعد تجفيفها

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب احكام المساجد من الوسائل ج 3.

(2) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 15

بالشمس حيث تصير طاهرة تصحّ الصلاة عليها فلا يرد عليها ما يتوهم من ان جواز الصلاة مع التجفيف يكون لا جل عدم سراية النجاسة.

لأنه ان كان لا جل ذلك لا يحتاج الى ان يقول فصلّ عليه فهو طاهر بل الحري ان يقول صلّ عليه لانّه جاف.

لكن يرد على الاستدلال ان مقتضى الخبر اعتبار طهارة مكان المصلى حتى غير موضع الجبهة و بعد دلالة بعض الروايات كما سيأتي إن شاء اللّه على عدم الاعتبار به و كفاية الجفاف و عدم السراية و ان لم يكن طاهرا لا بد من حمل الخبر على ان النظر في السؤال و الجواب

على صورة عدم الجفاف و ان مع الجفاف لا اشكال فيه، غاية الامر مع تجفيفها بالشمس صار طاهرا أيضا او يحمل على استحباب طهارة المكان مع الجفاف بقرينة ما يدل على عدم اعتبار الطهارة مع الجفاف و عدم السراية.

الرواية الثالثة: ما رواها عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال (و ان كانت رجلك رطبة و جبهتك رطبة او غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك الموضع حتى ييبس و ان كان غير الشمس اصابه حتى ييبس فانه لا يجوز ذلك). «1»

تدل على عدم جواز وضع الجبهة على الارض الرطبة حتى يبيس بالشمس و عدم كفاية صيرورتها جافة بغير الشمس لان بالشمس تطهر الارض لا بغيره فيستفاد من ذلك اعتبار طهارة المسجد و الا لو كان الجفاف كافيا لا فرق بين جفافها بالشمس او بغيرها.

ان قلت بعد عدم اعتبار الطهارة في غير مسجد الجبهة لا بد من حمل قوله لا

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب النّجاسات و الاواني الجلود من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 16

يجوز ذلك على الكراهة.

قلت ما يدلّ عليه الدليل هو عدم الاعتبار في غير مسجد الجبهة ففي الرجل او غيرها من اعضاء البدن غير موضع السجدة يحمل على استحباب الطهارة او الكراهة بدون الطهارة.

و أمّا في خصوص الجبهة فالخبر باق بحاله من الحجّية و هذا ما خطر ببالي من الاستدلال بهذا الخبر و لم أر انّ غيري تمسّك به على اعتبار طهارة موضع الجبهة.

الرواية الرابعة: ما رواها الحسن بن محبوب (قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجصّ توقد عليه العذرة و عظام الموتى ثمّ يجصّص

به المسجد أ يسجد عليه فكتب عليه السّلام إليّ بخطّه ان الماء و النار قد طهّراه). «1»

و الرواية و ان كان كانت بظاهرها مورد الاشكال من حيث ان وقود العذرة و عظام الموتى لا يوجب تنجس الجص و على فرض نجاسته لا يكون الماء و النار مطهّرين له و لكن مع هذا لا يضرّ ذلك على الاستشهاد بالرواية لانه يستفاد من الرواية كون المرتكز عند السائل و الامام عليه السّلام اعتبار طهارة موضع السجدة لانه سئل عن جواز السجود عليه مع نجاسته في نظره و يقرّره الامام عليه السّلام بان الماء و النار قد طهّراه و لو لم يعتبر الطهارة في موضع السجدة كان المناسب ان يجيب بانه لا يضرّ نجاستها لا ان يقول ان الماء و النار قد طهّراه فتدل على طهارة موضع السجدة و على كل حال لا اشكال في ذلك فتوى كما يستفاد ذلك من بعض النصوص المتقدمة.

الجهة الثانية: لا يعتبر طهارة غير موضع السجدة من المكان المصلى

الا اذا كان فيه نجاسة مسرية الى بدنه او لباسه للتنصيص بذلك في الروايتين و هما ما

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب ما يسجد عليه من الوسائل. ج 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 17

رواهما على بن جعفر «1» عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «2» و الرواية الّتي رواها عمار الساباطي (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها فقال اذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها) «3».

و بها يجمع بين ما يدل على عدم الباس مطلقا بحيث يشمل اطلاقها صورة عدم الجفاف كالرواية 3 و 4 من الباب المذكور و بين ما يدل عدم الصلاة مطلقا في

مكان نجس كالرواية 6 من الباب المذكور فيقيّد اطلاق كل من الطائفتين بالروايات الثلاثة الدالة على عدم البأس اذا كان المكان جافّا.

و يحتمل حمل ما دل على عدم البأس على غير موضع السجدة و ما يدلّ على البأس على موضع السجدة.

و لكن مع هذا لا بدّ من تقييد ما يدل على النهى على المكان النجس بمفهوم الروايات المقيدة على الجواز على خصوص صورة كون المكان جافّا.

***

[مسئلة 1: اذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس صحّ اذا كان الطاهر بمقدار الواجب فلا يضرّ كون البعض الآخر نجسا، و ان كان الاحوط طهارة جميع ما يقع عليه، و يكفى كون السطح الظّاهر من المسجد طاهرا و ان كان باطنه او سطحه الآخر او ما تحته نجسا، فلو وضع التربة على محل نجس

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب النجاسات من الوسائل. ج 3.

(2) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب النجاسات من الوسائل، ج 3.

(3) الرواية 5 من الباب 30 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 18

و كانت طاهرة و لو سطحها الظّاهر صحت الصلاة.

(1)

أقول: ان في المسألة جهتان من البحث:

الجهة الاولى: هل المعتبر طهارة خصوص المقدار الواجب من مسجد الجبهة

و ان كان باقي موضع السجود نجسا او يعتبر طهارة تمام الموضع الذي يقع عليه الجبهة و ان كان ازيد من المقدار الواجب من السجدة.

الحقّ هو الاول لان الدليل لا يدلّ على ازيد من ذلك سواء كان الدليل الاجماع او النص لان الواجب في السجود وضع الجبهة على الارض و يشترط طهارة هذا الموضع الذي يجب وضع الجبهة عليه فلو اعتبرنا فيه المسمّى او مقدارا لا يكون اقلّ من الدرهم فالمعتبر على هذا طهارة هذا المقدار و كل مقدار من الجبهة يقع على الموضع ازيد من هذا المقدار فهو كالحجر في جنب الانسان لا يكون دخيلا في الواجب فلو وقع هذا المقدار الزائد على ما لا يقع السجود عليه من جهة نجاسة هذا الموضع الزائد على الواجب او من جهة عدم كونه من الارض او ممّا انبتته الارض فلا يضرّ ذلك بتحقق الواجب فلا يعتبر في الزائد ما

يعتبر في المقدار الواجب.

ان قلت مع فرض وقوع الجبهة على المكان النجس و ان وقعت الجبهة بمقدار الواجب على المكان الطاهر لكن مع ذلك يصدق عرفا انه سجد على النجس فلا يتحقق الامتثال و فرق بين وقوع ازيد من الواجب على النجس و بين وقوعه على غير ما يصحّ السجود عليه لان الاول شرط في المسجد فيعتبر بنظر العرف كون تمام موضع السجود طاهرا و الثاني شرط في السجدة فلا يعتبر بنظر العرف الّا كون المقدار الواجب على يصحّ السجود عليه.

قلت انه و ان كان يصدق في المثال انه سجد على النجس لكن يصدق انه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 19

سجد على الموضع الطاهر و لا نحتاج الّا الى وقوع مقدار الواجب على الطاهر و الفرق الذي ادعى بين شرط السجدة و شرط المسجد بنظر العرف ففيه انه ادعاء و ليس كما توهّم.

فلا اشكال في كفاية كون المقدار الواجب طاهرا و ان كان ينبغي الاحتياط.

الجهة الثانية: و هى انه هل يكفي في مسجد الجبهة طهارة سطحه الظاهر

المماس مع الجبهة و ان كان باطنه او سطحه الآخر نجسا او لا يكفي ذلك بل الواجب طهارة سطحه الظاهر المماس مع الجبهة و سطحه الآخر و جوفه.

الاقوى الاول لان الدليل سواء كان الاجماع او النصوص لا يدل على ازيد من ذلك فلا يجب طهارة جوفه و لا سطحه الآخر فضلا عن الموضع الذي يكون تحت سطحه الآخر فلو وضعت التربة على محل النجس و كان سطحها الظاهر طاهرا يكفي للسجود و لا يضرّ نجاسة جوفها و لا سطحها الآخر و لا ما تحت سطحها الآخر.

***

[مسئلة 2: يجب ازالة النجاسة عن المساجد]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجب ازالة النجاسة عن المساجد داخلها و سقفها و سطحها و طرف الداخل من جدرانها بل و الطرف الخارج على الاحوط الا ان لا يجعلها الواقف جزء من المسجد بل لو لم يجعل مكانا مخصوصا منها جزء لا يلحقها الحكم و وجوب الازالة فوري، فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي، و يحرم تنجيسها أيضا بل لا يجوز ادخال عين النجاسة فيها و ان لم تكن منجّسة اذا كانت موجبة لهتك حرمتها بل مطلقا على الاحوط و امّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 20

ادخال المتنجس فلا بأس ما لم يستلزم الهتك.

(1)

اقول: الكلام يقع في موارد:

المورد الاوّل: في وجوب ازالة النجاسة عن المساجد في الجملة.
اشارة

فنقول بعونه تعالى انه ليس فيما يستدل به من الكتاب و السنة و الاجماع ما يدلّ على وجوب ازالة النجاسة عن المساجد الا الآية الشريفة التي نذكرها إن شاء الله و لا يتم الاستدلال بها نعم.

ما يكون معنونا في كلماتهم كما ترى من الشرائع هو وجوب ازالة النجاسة لدخول المساجد و انه لا يجوز ادخال النجاسة فيها و عليه يدعى دلالة بعض الآيات الشريفة او الاخبار او قيام الاجماع.

فيقال بعد فرض حرمة ادخال النجاسة في المساجد يجب ازالة النجاسة عنها لانه بعد ما كان ادخالها حراما فازالتها واجبة، فعلى هذا لا بد من عطف عنان الكلام الى ما يمكن ان يستدل به على حرمة ادخال النجاسة فى المساجد فنقول:

الدليل الأوّل: بعض الآيات

منها قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شٰاءَ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. «1»

بدعوى دلالة الآية على عدم جواز دخول المشركين في المسجد الحرام لاجل نجاستهم و انه لا فرق بين نجاسة الشرك و بين غيرها من النجاسات لعدم القول بالفصل و انه لا فرق بين المسجد الحرام فى هذا الحيث و بين غيره من المساجد مسلّما و عدم القول بالفصل.

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 28.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 21

استشكل بالاستدلال بها: أوّلا: بان الآية غاية ما تدل عليه هو عدم جواز ادخال خصوص المشرك في خصوص المسجد الحرام و أمّا غير المشرك من النجاسات و حرمة ادخال مطلق النجاسات حتى المشرك في غير المسجد الحرام فلا تدل عليه.

و فيه أنّه كما مرّ الكلام عند البحث عن نجاسة الكافر عن الآية هو ان

النهى عن دخول المشرك في المسجد الحرام في الآية الشريفة كان لنجاسته فكل نجاسة مثله فالآية تدل على عدم جواز دخوله في المسجد الحرام حتى لو قلنا بأن النجس في الآية اعم من النّجس المصطلح او كان المراد منه مطلق القذارة فتدل الآية على عدم جواز ادخال النجاسة في المسجد لانها من القذارات.

نعم دعوى عدم الفرق في هذا الحكم بين المسجد الحرام و بين غيره من المساجد فعهدته على مدعيه.

و كيف يمكن القول بعدم الفرق بين ساير المساجد و بين المسجد الحرام فى هذا الحكم.

ثانيا: استشكل في الاستدلال بالآية بان مقتضي ظاهر الآية على تقدير تمامية دلالتها هو عدم جواز إدخال النجاسة سواء كانت مسرية أم لا.

و اجيب عن ذلك بان النهى عن دخول المشركين فى المسجد الحرام يكون من باب ان الغالب سراية نجاسة بدنهم و لباسهم بالمسجد لعدم مبالاتهم في عدم السراية و انّهم متى يجلسون في المسجد يعرق ابدانهم و يسري الى المسجد.

فيه ان الغالب ليس كذلك و بعد كون النهى مطلقا سواء كان فيهم او معهم نجاسة مسرية أم لا فكيف يمكن حمل المطلق بخصوص مورد السراية لمجرد السراية الاتفاقيّة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 22

و لهذا لا بدّ إمّا من الالتزام بعدم جواز ادخال النجس مطلقا سواء كان مسريا أم لا او الجواب بنحو آخر و يأتي إن شاء الله عند التعرض للاجماع.

منها قوله تعالى وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْقٰائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ «1» و المراد هو التطهير من النجاسة.

هذه الآية على تقدير دلالتها تدل على وجوب ازالة النجاسة عن المسجد.

و فيه أمّا أولا فانها في خصوص المسجد الحرام و دعوى عدم الفرق بينه و بين

ساير المساجد قد عرفت فساده.

و أمّا ثانيا بان الامر بعد كونه بابراهيم عليه السّلام يحتمل ان يكون التطهر عن قذارة الشرك و الكفر و الأوثان و الشاهد انّ اللّه تعالى يأمر نبيه عليه السّلام بأن يطّهر بيته للطائفين الى الآخر يعني يفرغ هذا المكان الشريف عن المشركين و الكفار و يخلّيه للطائفين و القائمين و الرّكّع السجود.

الدليل الثاني: بعض الاخبار

منها النبوى المعروف «جنّبوا مساجدكم النّجاسة» «2» فان هذه الرواية تدل على وجوب تجنّب المساجد عن النجاسات.

فيه ان المسجد مجمل بين المسجد اى المعبد و بين موضع الجبهة حين السجود لانه مسجد أيضا و بعد كونه مجملا لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية.

منها ما رواها ميمون القدّاح عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام (قال قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تعاهدوا نعالكم عند ابواب مساجدكم و نهى ان يتنعّل الرجل و هو قائم) «3».

______________________________

(1) سورة الحج، الآية 26.

(2) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب احكام المساجد من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب احكام المساجد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 23

و منها ما عن الطبرسي في (مكارم الاخلاق) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال تعاهدوا نعالكم عند ابواب المسجد) بدعوى دلالتها على ان الامر بالتعاهد و النظر الى النعال قبل دخول المسجد يكون لاجل ان لا يدخل الشخص مع النعل النجس.

حمل هذه الطائفة من الاخبار على التعاهد لاجل الصلاة لان الذهاب الى المسجد يكون لاجل اداء الصلاة حتى لا تقع صلاته في النجس بعيد لان تعاهد النعال ان كان للصلاة فلا يامر بتعاهده عند

ابواب المسجد فتدلّ هذه الطائفة من الاخبار على المدّعى فتأمل.

و ما قيل من ان الامر بالتعاهد لا يدل على الوجوب ففيه ان الظاهر هو الوجوب و لا قرينة على حمله على الاستحباب بل يكون وجوب التعاهد للغير و هو عدم ورود النجس في المسجد و هذا شاهد على اهميّة تجنب النجاسة عن المساجد و لهذا امر بالتعاهد.

منها ما رواها محمد الحلبي قال نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر (فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال اين نزلتم فقلت نزلنا في دار فلان فقال ان بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا او قلنا له ان بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا فقال لا بأس ان الارض تطهّر بعضها بعضا قلت فالسرقين الرطب اطأ عليه فقال لا يضرك.

مثله) «1» لكن يشكل الاستدلال بها لاحتمال كون السؤال من حيث الصلاة و انه يريد المسجد لاداء الصلاة.

و منها بعض الاخبار الدالة على جواز اتّخاذ الكنيف مسجدا بعد تنظيفه و لو بطرح التراب عليه مثل ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبي (في حديث) (انه قال

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 24

لابى عبد اللّه عليه السّلام فيصلح المكان الذي كان حشّا زمانا ان ينظف و يتّخذ مسجدا فقال نعم اذا ألقى عليه من التراب ما يواريه فانّ ذلك ينظفه و يطّهره) «1».

بدعوى على ان المستفاد من هذه الطائفة من الاخبار انه لا يجوز كون المسجد نجسا و لهذا سئل عن موضع الذي كان نجسا بانه يصلح صيرورته مسجدا أم لا و اجاب الامام عليه السّلام بان هذا يصح بعد تنظيفة و تطهيره

و لو بإلقاء التراب عليه.

و قد يقال كون المستفاد من هذه الطائفة من الاخبار جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد التنظيف و لا يبعد كون المراد صيرورة ظاهره بعد ازالة الخباثة و القاء التراب عليه طاهرا لا تمام الموضع الذي كان نجسا حتى باطنه الذي وضع عليه التراب فلا يستفاد من الرواية عدم جواز ادخال النجس في المسجد او وجوب ازالته لانّ باطن الموضع الذي كان كنيفا باق على النجاسة و ان القى عليه التراب و الحال انه بعد صيرورته مسجدا يصير مسجدا حتى باطنه.

و يدفع بان المستفاد من كيفيّة السؤال و الجواب ان طهارة المسجد و تجنّبه عن النجاسة كان امرا مركوزا عند السائل و المسئول عنه لان السائل يكون سؤاله من هذا الحيث و الامام عليه السّلام لا ينكر عليه ذلك بل قال بان الموضع الذي كان كنيفا و اريد جعله مسجدا يطهره أوّلا و يزيل عنه النجاسة ثم يجعله مسجدا فهذه الروايات الواردة في باب جعل الكنيف مسجدا يشعر منها بل تدلّ على وجوب تجنّب المساجد عن النجاسة.

الدليل الثالث: و هو العمدة في الباب الاجماع

على عدم جواز ادخال النجاسة في المساجد كما يظهر للمراجع دعواه في كلمات بعض من الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب احكام المساجد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 25

لكن هنا اشكال و قد اشرنا عند التعرض لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ و هو ان الآية على تقدير سلامتها عن ساير الاشكالات يرد عليها اشكال آخر كما ان هذا الاشكال يكون في الاجماع المدعى أيضا و هو ان لازم الآية و الاجماع هو عدم جواز ادخال مطلق النجاسات في المسجد سواء كانت مسرية أم لا

كما هو ظاهر اطلاق كلام القدماء من الفقهاء رضوان اللّه عليهم بخلاف ما يظهر من جلّ المتاخرين منهم من انّ التجنب واجب اذا كانت النجاسة مسرية بالمسجد او فيما كانت موجبة لهتك المسجد و ان كانت غير مسرية كما في كلمات بعضهم فما ينبغي ان يقال فهل نقول بوجوب التجنب مطلقا سواء كانت النجاسة مسرية أم لا او نقول بوجوب التجنب في خصوص صورة كانت مسرية و وجوب ازالة النجاسة المسرية عن المساجد و أمّا لو لم تكن مسرية فلا يحرم ادخالها و لا ابقائها في المساجد.

اقول ما يمكن ان يقال في وجه حصر الحكم بصورة السراية امران:

الأمر الاوّل: دعوى انصراف كلمات المجمعين بخصوص هذه الصورة و أن القدر المتيقن من اتفاقهم هذه الصورة كما يمكن ان يقال بذلك في الآية كما اشرنا بان يقال وجه عدم جواز دخول المشركين ليس الا تسرية نجاستهم بالمسجد لانهم في الغالب مصاحبين للنجاسة و يعرق ابدانهم فيسري نجاستهم بالمسجد.

الأمر الثاني: بعض ما يدل على جواز اجتياز الجنب و الحائض عن المساجد و لبث المستحاضة مع العمل بوظيفتها و الصبيان و المجانين مع عدم انفكاكهم عن النجاسة الواقعة في بدنهم و لباسهم غالبا و كذا من به السلس او القروح و الجروح و جواز وروده في المساجد مع كونه ملوثا بالبول و الدّم فيقال بانه يستفاد منها جواز ادخال النجاسة الغير المسرية في المساجد و عدم خصوصيّة لنجاسة المني او دم الحيض او البول او الدم.

اقول بعد ما نرى جواز دخول هذه الطوائف من المستحاضة و المسلوس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 26

و المبطون و من به القروح و المجروح و الصبيان و المجانين في

المساجد و لا يبعد دعوى السيرة على ذلك.

فأمّا ان يجمد و يقال ان الاجماع دليل مطلق يدل على عدم جواز ادخال النجاسة مطلقا مسرية كانت او غير مسرية و بعد جواز دخول هذه الاشخاص نقول بانه يقيد الدليل المطلق بدليل يدل على جواز دخول هذه الطوائف فتكون النتيجة الجواز في خصوص المذكورات.

أو يقال بانه بعد تجويز دخول المذكورات في صورة عدم السراية مع عدم اضطرارهم في دخول المساجد نقول بتجويز دخول كل نجاسة غير مسرية لعدم خصوصية لهذه المذكورات قطعا حتى يخصّص الحكم بخصوص هذه المذكورات.

اذا نقول انه لا يجوز ادخال النجاسة المسرية في المساجد و على تقدير نجاستها تجب ازالتها.

اما اذا لم تكن مسرية فلا يجوز أيضا اذا كانت موجبة لهتك حرمة المسجد.

اما اذا لم تكن مسرية و لم يكن دخولها موجبة لهتك المسجد.

فنقول أمّا الآية الشريفة كما عرفت واردة في خصوص المشرك و في خصوص المسجد الحرام و لا يتعدى الى غير المسجد الحرام.

و أمّا الاجماع و ان قلنا بانه مع تجويز المذكورات و عدم فهم الفرق بينها و بين غيرها من النجاسات و احتمال كون القدر المتقين من الاجماع هو صورة السراية و لكن مع ذلك لا ينبغى ترك الاحتياط في خصوص المشرك لاحتمال وجود الفرق بينه و بين ساير النجاسات.

ثمّ اعلم انه لا فرق في الحكم المذكور بين النجس و المتنجس فان قلنا بعدم الجواز نقول في المتنجس أيضا لانّ المتنجّس مصداق للنجس شرعا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 27

المورد الثاني: بعد ما عرفت من وجوب ازالة النجاسة عن المساجد

في الجملة نقول يثبت هذا الحكم فى داخل المساجد لانه القدر المتقين من موضوع الحكم و كذا سطحها و سقفها و الداخل من جدرانها من المسجد.

اما الخارج من

جدرانها ففيه اشكال منشأه عدم شمول الحكم له بدعوى انصراف الدليل عنه.

لكن لا يبعد عدم الفرق بين قسمة الخارج من جدرانها و بين قسمة الداخل منها لان الجدران من المسجد و الدليل يشمله.

المورد الثالث: ما ليس جزء للمسجد

اى للمعبد بحسب وقفه و ان كان من مرافق المسجد و متعلقاته لا يشمله الحكم لاختصاص الحكم بالمسجد فالصحن الخارج من المسجد بحسب وقفه لا يشمله الحكم.

المورد الرابع: ازالة النجاسة عن المسجد واجب فوري

و لو لم نقل باقتضاء الامر الفورية مطلقا لخصوصيّة في المورد لانه بعد ما صار ادخال النجاسة حراما لاجل تعظيم المسجد و تفخيمه و كذلك ابقائها فيجب الازالة فورا لان ابقاء النجاسة مخالف للمصلحة التي اوجبت الامر بالازالة فتجب الازالة فورا و تخلية المسجد عن النجاسة.

المورد الخامس: قد عرفت في المورد الاول ان وجوب الازالة منحصر بصورة سراية النجاسة

و لا يجوز الادخال في خصوص هذه الصورة نعم لو كان وجود النجاسة في المسجد موجبا لهتك حرمة المسجد و لو لم تكن مسرية لا يجوز ادخالها فيه و على فرض ادخالها يجب اخراجها فورا و لا فرق في ذلك بين اعيان النجسة و المتنجسة فلو كان وجود المتنجس موجبا لهتك المسجد يحرم ادخاله فيه و على فرض الدخول يجب اخراجه فورا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 28

[مسئلة 3: وجوب ازالة النجاسة عن المساجد كفائي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: وجوب ازالة النجاسة عن المساجد كفائي و لا اختصاص له بمن نجّسها او صار سببا فيجب على كل احد.

(1)

اقول لأنّ المطلوب من الامر بالازالة هو خلوّ المسجد عن النجاسة و بعد كون المخاطب بالامر، الجميع فيجب على الجميع و يسقط بقيا بعض المكلفين بالازالة لان هذا معني الوجوب الكفائي و لا يجب على خصوص من نجّس المسجد لان الامر يكون بالجميع.

***

[مسئلة 4: اذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة يجب المبادرة الى ازالتها مقدّما على الصلاة مع سعة وقتها و مع الضيق قدمها و لو ترك الازالة مع السعة و اشتغل بالصّلاة عصى لترك الازالة لكن في بطلان صلاته اشكال و الاقوى الصحة هذا اذا امكنه الازالة و اما مع عدم قدرته مطلقا او في ذلك الوقت فلا اشكال في صحة صلاته و لا فرق في الاشكال في الصورة الاولى بين ان يصلي في ذلك المسجد او في مسجد آخر و اذا اشتغل غيره بالازالة لا مانع من مبادرته الى الصلاة قبل تحقق الازالة.

(2)

اقول أمّا فيما يكون وقت الصلاة موسّعا يجب المبادرة الى ازالة النجاسة عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 29

المسجد مقدّما على الصلاة لان الازالة من قبيل الواجب المضيّق لان الازالة يجب فورا و الصلاة من قبيل الواجب الموسّع و مع الدوران بينهما يجب تقديم المضيّق.

اما مع ضيق وقت الصلاة يقدم الصلاة لان وقت الازالة و ان كان مضيّقا لكون امره فوريا لكن حيث يكون وقت الصلاة مضيّقا يجب المبادرة نحوها لاهميّة الصلاة بالنّسبة الى الازالة و لا يمكن له صرف القدرة في كليهما فيجب صرف القدرة في الواجب

الاهم و مع ضيق الوقت تكون الصلاة أهمّا.

و امّا فيما كان في سعة وقت الصلاة فحيث يجب المبادرة بالازالة فلو تركها و صلّى عصى لتركه الواجب لكن يصح صلاته لان الامر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضدّه كما بيّنا في الأصول.

اما اذا لم يتمكن من الازالة مطلقا او في وقت الصلاة فلا اشكال في صحة صلاته و ان قلنا بان الامر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده لانه مع عدم القدرة لم يكن امرا منجزا متعلقا بالازالة حتى يكون تركه موجبا للعصيان في صورة سعة وقت الصلاة فلا عصيان بترك الازالة و لا اشكال في صحة صلاته.

و فيما قلنا بصدق العصيان او قلنا بعدم صحة الصلاة مثل ما يكون الوقت موسّعا و ترك الازالة و اشتغل بالصلاة و التزمنا بان الامر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده لا فرق بين ان يصلّي في ذلك المسجد الذي متنجس و يجب ازالة النجاسة عنه و بين ان يصلّي في مسجد آخر لان منشأ العصيان هو ترك الامر المضيّق و اشتغاله بالموسّع كما ان منشأ بطلان الصلاة هو ان الامر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده ان قلنا بذلك.

اذا اشتغل غيره بالازالة لا مانع من مبادرته الى الصلاة و لو لم يتحقق الازالة بعد لان هذا معنى كون وجوبه وجوبا كفائيا فباشتغال احد من المكلفين باتيان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 30

الواجب يسقط عن الآخرين بمعنى كون فعلية التكليف بالنّسبة الى غيره مراعي باتيان المشتغل بها و مع عدم فعلية الامر بالاهم يكون امر المهمّ فعليا و يتحقق بفعلها الامتثال نعم لو كانت الازالة مع اشتغال الغير موقوفا الى الاعانة فيجب عليه المبادرة بالاعانة و ترك الصلاة

في سعة وقت الصلاة و هذا خارج عن الفرض المعنون في كلام المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 5: اذا صلّى ثم تبيّن له كون المسجد نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا صلّى ثم تبيّن له كون المسجد نجسا كانت صلاته صحيحة و كذا اذا كان عالما بالنجاسة ثمّ غفل و صلّى و اما اذا علمها او التفت إليها في اثناء الصلاة فهل يجب اتمامها ثم الازالة او ابطالها و المبادرة الى الازالة وجهان او وجوه و الاقوى وجوب الاتمام.

(1)

اقول: أمّا اذا صلّى ثم تبيّن له كون المسجد نجسا او كان عالما بالنجاسة ثمّ غفل و صلي فلا اشكال في صحة صلاته لان الامر بالازالة مع سعة وقت الصلاة و ان كان اهمّا و لكن الامر بالصلاة باق غاية الامر ان العقل يحكم بصرف القدرة في الازالة مع تنجّز امرها بالعلم بها و أمّا مع الغفلة عن الامر بالازالة فالامر بالصلاة منجّز على المكلف و يأتي بها و تقع صحيحة و لا يكون امر شاغلا عن صرف القدرة فيها لعدم تنجّز الامر بالازالة.

اما فيما علم بالنجاسة في اثناء الصلاة او علم قبلها و غفل ثم التفت في اثناء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 31

الصّلاة بالنجاسة فهل يجب ابطال الصلاة و ازالة النجاسة ثمّ اتيان الصلاة بعدها او يجب اتمام الصلاة ثمّ الازالة بعد اتمام الصلاة او يتخير بين الابطال و ازالة النجاسة و بين اتمام الصلاة ثم ازالة و بين ما اذا علم بالنجاسة قبل الصلاة و غفل عنها و تذكر بها في اثناء الصلاة فيجب الاتمام ثمّ الازالة النجاسة او الفرق بين ما اذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فيجب ابطال الصلاة و ازالة النجاسة ثمّ الاتيان بالصلاة احتمالات.

وجه وجوب اتمام الصلاة

هو دعوى ان قطع الصلاة غير جائز و دليل فورية الازالة قاصر الشمول للمورد كما اختاره المؤلف رحمه اللّه و علّله في فصل حرمة قطع الصلاة بما قلنا من قصور دليل فورية الازالة للمورد.

و فيه ان وجه الفورية هو ان مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي الفورية لان الامر بعدم ادخال النجاسة في المسجد و وجب ازالتها عنه في صورة التنجس هو ان وجود النجاسة في المسجد مناف لتعظيم المسجد و المسجد بسبب موقعيته و حرمته لا بد من ان لا يكون فيه النجاسة و هذا يقتضي فورية الازالة و هذا موجود حين الاشتغال بالصلاة و حيث ان عمدة الدليل في حرمة قطع الصلاة هى الاجماع و القدر المتقين منه غير المورد فلا دليل على حرمة قطع الصلاة.

و أمّا وجه التخيير هو ان يقال ان دليل فورية الازالة قاصر عن شموله للمورد و دليل حرمة القطع كذلك فيدور الامر بين اتيان الواجبين الموسّعين فيكون مخيّرا في تقديم كل منهما على الآخر.

اما وجوب قطع الصلاة و الازالة فورا ثمّ اتيان الصلاة فقد عرفت في ردّ وجه الاول و هو ان الازالة تجب فورا و دليله يشمل المورد و دليل حرمة قطع الصلاة لا يشمل المورد فلهذا يجب قطع الصلاة و المبادرة بالازالة ثمّ اتيان الصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 32

مع فرض سعة وقت الصلاة.

فالحقّ خلافا للمؤلف هو ابطال و المبادرة بالازالة ثمّ اتيان الصلاة مع سعة الوقت و الا يجب اتمام الصلاة ثمّ الازالة.

هذا كله فيما لا يتمكن من الزالة حال الصلاة و أمّا اذا تمكن من الازالة حال الصلاة بدون فعل مناف للصلاة فتجب الازالة حال الصلاة و اتمام الصلاة فافهم.

***

[مسئلة 6: اذا كان موضع من المسجد نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا بما يوجب تلويثه بل و كذا مع عدم التلويث اذا كانت الثانية اشد و اغلظ من الاولى و الا ففي تحريمه تامل بل منع اذا لم يستلزم تنجيس ما يجاوره من الموضع الطاهر لكنه احوط.

(1)

اقول: قد مرّ سابقا عند التعرض لمسألة ان المتنجس هل ينجّس ثانيا أم لا بانه تارة تكون النجاسة الثّانية ذات اثر اشد فيجب ترتب الاثر الزائد مثل ما اذا لاقي الدم موضعا ثمّ لاقاه البول فيجب الغسل مرتين و ليس مربوطا بباب تداخل الاسباب اصلا.

فلذلك نقول في المقام بان المسجد لو تنجّس أوّلا بما يكون ذا أثر أخفّ لا يجوز تنجسه بما يكون ذا أثر أشدّ لان النجاسة و ان كانت ذوى مراتب فلا يجوز تنجيس المسجد بكل من مراتبه و ان لم توجب ملاقاة النجاسة الثانية لتلويث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 33

المسجد.

و تارة تكون النجاسة الثانيّة متحدة في الاثر مع النجاسة الاولى سواء كانتا من جنس واحد مثل ما اذا تنجس المسجد بالدم ثمّ يريد تنجيسه ثانيا به او لا مثل ما اذا تنجّس أوّلا بالدم ثمّ يريد تنجسه بالعذرة فلهذه الصورة صورتان:

فتارة توجب تلويث المسجد بالنجاسة الثانيّة و تارة لا توجب تلويثه فان كانت موجبة لتلويثه فلا يجوز لان ذلك يوجب الهتك و لو فرض صورة لا يوجب الهتك فياتي حكمه إن شاء اللّه في الصورة الثانيّة.

اما فيما لا توجب الملاقات لتلويث المسجد فان قلنا بعدم تداخل الاسباب و لازمه سببيّة كل نجاسة لأثر مستقل فلا اشكال في عدم جواز تنجسه ثانيا لان ملاقاة النجاسة الثانية للمسجد توجب نجاسة ثانية

كما توجب الملاقاة الاولية للنجاسة و لا يجوز تنجيس المسجد.

و ان قلنا بتداخل الاسباب فليس معناه الا ان اجتماع السببين لا يوجب الا لمسبّب واحد و ما يكون في الباب حراما هو ادخال النجاسة في موضع من المسجد و كان مسريا و تنجّس به المسجد فلا يجوز ادخال فرد آخر لانه حرام مثل الاول.

و مجرد أنّه لو ادخل فردا آخرا و كان مسريا لا يوجب لاثر زائد اذا كان متحدا في الاثر مع الاول لا يوجب جواز الادخال فتفريع جواز تنجيس موضع من المسجد ثانيا اذا كان نجسا و عدم جوازه بالقول بتداخل الاسباب و عدم التداخل مما لا وجه له.

اذا نقول بان الاقوى حتى في صورة عدم موجبيّة النجاسة الثانية لاثر زائد على النجاسة الاولى و عدم تلويث المسجد بالنجاسة الثانيّة عدم جواز تنجيس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 34

المسجد بالنجاسة الثانيّة.

***

[مسئلة 7: لو توقف تطهير المسجد على حفر ارضه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لو توقف تطهير المسجد على حفر ارضه جاز بل وجب و كذا لو توقف على تخريب شي ء منه و لا يجب طمّ الحفر و تعمير الخراب نعم لو كان مثل الآجر مما يمكن ردّه بعد التطهير وجب.

(1)

اقول: الكلام في المسألة يقع في جهات:

الجهة الاولى: في جواز تخريب المسجد

و طمّه لازالة النجاسة و عدمه و الكلام فيها في الموردين:

المورد الاول: فيما لا توجب الازالة لتخريب مثل ما توجب لحفر ارضه بمقدار بشر فلا ينبغى الاشكال فى جواز الازالة بل وجوبها.

المورد الثاني: فيما توجب ازالة النجاسة لتخريب شي ء من المسجد.

فنقول أن الاشكال تارة يكون في اطلاق دليل وجوب الازالة و انه هل يشمل اطلاقه لصورة تخريب شي ء من المسجد أم لا.

فلو قلنا بعدم اطلاق لدليله فلا يجب الازالة فيما اوجبت التخريب و ان لم يكن لنا دليل على حرمة تخريب المسجد نعم يمكن القول بجوازه مع عدم الدليل على حرمة التخريب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 35

قد يقال بعدم شمول اطلاق دليل وجوب الازالة لما اوجبت تخريب شي ء من المسجد لان العمدة في المسألة تكون الاجماع و المتّقين منه صورة عدم ايجاب الازالة لتخريب المسجد.

و تارة يكون الاشكال من جهة اخرى و هى انه على فرض اطلاق دليل الازالة هل يكون لدليل حرمة تخريب المسجد اطلاق حتى يشمل هذا المورد اعنى ما يكون التخريب لاجل حفظ المسجد عن النجاسة او لا فان كان لدليل حرمة التخريب اطلاق يشمل المورد و يكون لوجوب الازالة اطلاق يشمل المورد فيصير وجوب الازالة و حرمة التخريب من قبيل المتزاحمين فيؤخذ بما هو الاهم ان كان اهم في البين و الا يكون الحكم هو التخيير.

أو لا يكون لحرمة التخريب

اطلاق يشمل المورد فيدور مدار اطلاق دليل وجوب الازالة و عدمه كما قلنا فان كان له الاطلاق يجب و ان كان مستلزما لتخريب شي ء من المسجد و الا فلا يجب ذلك.

اقول أمّا فيما توجب الازالة طمّ الارض او تخريب شي ء قليل من المسجد مثل قلع مقدار جصّ منه بمقدار يتعارف غالبا في الازالة هذا المقدار من الطمّ او التخريب فلا اشكال في وجوب الازالة لشمول دليل الازالة لذلك و عدم اطلاق لدليل حرمة التخريب حتى يشمل ذلك المورد كما سيأتي إن شاء الله في الصورة اللاحقة.

و كذلك فيما توجب الازالة تخريب المسجد ازيد من ذلك و يكون في البين من يتبرّع بتعميره بعد تخريبه فلا اشكال في جواز التخريب لعدم شمول.

دليل تحريم التخريب للمورد أيضا لان ادلة تخريب المسجد لا يشمله.

و امّا وجوب الازالة فى هذه الصورة فغير معلوم لان العمدة الاجماع و المتقين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 36

منه غير المورد نعم يمكن ان يقال ان ملاك وجوب الازالة و هو تعظيم المسجد و ان موقعيته يقتضي تجنبه عن النجاسة موجود فى هذه الصورة و لا توجب الازالة ضررا بالمسجد بعد وجود من يعمر التخريب فيجب.

و امّا فيما توجب الازالة تخريب شي ء متعدّ به من المسجد و لم يكن من يعمره تبرعا فهل تجب الازالة أم لا و مفروض الكلام فيما لا يكون بقاء النجاسة موجبا لهتك المسجد.

فنقول في هذه الصورة بانه و لو فرض عدم وجود اطلاق لدليل تحريم تخريب المسجد و يقال ان ذلك التخريب حيث يكون لمصلحة المسجد لا اشكال فيه و لكن مع هذا، الإفتاء بوجوب الازالة مشكل لعدم اطلاق لدليل وجوب الازالة حتى يشمل المورد

لان العمدة الاجماع و المتيقن منه غير ذاك المورد.

و أمّا جواز التخريب للازالة فيدور مدار وجود اطلاق لدليل حرمة التخريب و عدمه او دعوى انه على فرض وجود الاطلاق له يزاحمه جهة الاقوى و هى تعظيم المسجد و لزوم تجنبه عن النجاسة و حيث ان دليل التحريم مثل قوله تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسٰاجِدَ اللّٰهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعىٰ فِي خَرٰابِهٰا «1» لم يكن له اطلاق يشمل حتى مثل المورد فيمكن دعوى جواز تخريب شي ء من المسجد لازالة النجاسة نعم تخريب كله او القسمة المهمة منه لا يمكن الالتزام بجوازه كما سيأتي إن شاء اللّه في المسألة التاسعة الا ان يتمسك لوجوب الازالة فى هذه الصورة بتحقق ملاكها و هو ان تعظيم المسجد يقتضي تجنبه عن النجاسة و هو موجود و ان لم يكن الدليل بإطلاقه اللفظي يقتضي الوجوب.

الجهة الثانية: بعد فرض جواز تخريب المسجد للازالة

يقع الكلام في انه هل

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 113.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 37

يجب على المخرّب تعميره و هل هو الضامن أم لا.

لا ينبغي الاشكال في عدم وجوبه و عدم ضمانه أمّا عدم الضمان في تخريبه لانه في تخريبه محسن مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. «1»

و أمّا عدم الوجوب لعدم دليل عليه.

الجهة الثالثة: لو خرّب بعض المسجد

فهل يوجب رده الى المسجد بعد تطهيره أم لا.

لا يبعد وجوبه لانه من المسجد مضافا الى دلالة بعض الروايات عليه.

مثل ما رواها زيد الشحام (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اخرج من المسجد و في ثوبي حصاة قال فردها او اطرحها في مسجد) «2».

و مثل ما رواها وهب بن وهب عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام (قال اذا اخرج احدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها او في مسجد آخر فانها تسبّح) «3».

***

[مسئلة 8: اذا تنجّس حصير المسجد وجب تطهيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا تنجّس حصير المسجد وجب تطهيره او قطع موضع النجس منه اذا كان ذلك اصلح من اخراجه و تطهيره كما هو الغالب.

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 91.

(2) الرواية 3 من الباب 26 من ابواب المساجد من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 26 من ابواب المساجد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 38

(1)

اقول الوجه في وجوب تطهير حصير المسجد ليس الا كونه من المسجد و تبعا له فاذا وجب تطهير المسجد يجب تطهير ما يضاف إليه من الفرش و الحصير بالتبع.

و أيضا ان ملاك وجوب الازالة موجود فيه لان تعظيمه تعظيم المسجد و تحقير فرشه و حصيره تحقير المسجد.

مضافا الى دعوى الاجماع على وجوب تطهير حصيره النجس.

نعم كما قال المؤلف رحمه اللّه حيث يكون المنظور تجنب المسجد و تبعاته من النجاسة فكما يحصل ذلك تارة بتطهير الحصير ذلك يحصل تارة بقطع الجزء النجس من الحصير اذا كان القطع اصلح من تطهيره مثل ما اذا التزم تطهير الحصير خروجه عن المسجد و هو يوجب لكسر جزء اعظم من جزء النجس فالقطع مقدم على التّطهير.

***

[مسئلة 9: اذا توقف تطهير المسجد على تخريبه اجمع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا توقف تطهير المسجد على تخريبه اجمع كما اذا كان الجص الذي عمّر به نجسا او كان المباشر للبناء كافرا فان وجد متبرّع بالتعمير بعد الخراب جاز و الا فمشكل.

(2)

اقول: فيما يكون متبرع في البين لا يبعد دعوى عدم شمول دليل حرمة التخريب للمورد الذي يكون لاجل حفظ مصلحته و هى ازالة النجاسة فلا اشكال في جواز التخريب كما لا يبعد دعوى وجوبه لوجوب ملاك الوجوب و هو حفظ تعظيم المسجد بتجنّبه عن النجاسة و ان لم يشمل دليل وجوب الازالة

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 39

للمورد بإطلاقه.

و أمّا فيما لا يكون متبرع بالتعمير بعد الخراب لا يجوز التخريب على الاقوى لان اطلاق دليل حرمة التخريب يشمل المورد و لا وجه للتمسك بدليل وجوب الازالة لعدم شموله للمورد لان الاجماع و هو العمدة في الدليل متيقّنه غير المورد.

و كذلك ملاك وجوب الازالة لان تعظيم المسجد لا يقتضي ذهاب موضوعه و في الفرض تتوقف الازالة على ذهاب موضوع المسجد نعم لو امكن في مفروض المسألة تطهير ظاهر المسجد يجب ذلك لانه كما تجب الازالة كليّة يجب تقليل النجاسة لان ملاكهما واحد.

***

[مسئلة 10: لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا]

قوله

مسئلة 10: لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و ان لم يصلّ فيه احد و يجب تطهيره اذا تنجس.

(1)

اقول: للمسألة صورتان:

صورة صار المسجد خرابا و تغير عنوان مسجديته فياتي حكمه إن شاء الله في طى المسألة الثالثة عشر.

و صورة خرب المسجد و لم يتغير عنوان مسجديته فنقول في هذه الصورة بانه لا اشكال في حرمة تنجيسه مع صيرورته خرابا لانه مسجد بعد و يترتب عليه آثار المسجديّة و ان لم يصلّ فيه احد.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 40

[مسئلة 11: اذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة لا مانع منه ان امكن ازالته بعد ذلك كما اذا اراد تطهيره بصبّ الماء و استلزم ما ذكر.

(1)

اقول: لانه و ان كان تنجيس موضع الآخر حرام في حد ذاته لكن يدور الامر بين ابقاء النجاسة في الموضع الاول مطلقا و عدم تنجيس الموضع الآخر و بين تنجيس الموضع الآخر موقّتا أيضا و تطهير كل من الموضعين فيدور الامر بين المحذورين لكن حيث يكون الثاني و هو تنجيس بعض المواضع الطاهرة ثمّ تطهيره مع تطهير الموضع الاول اخف محذورا يجب اختيار الثاني كما قاله المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 12: اذا توقف التطهير على بذل مال وجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا توقف التطهير على بذل مال وجب و هل يضمن من صار سببا للتنجس وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة.

(2)

اقول: أمّا وجوب بذل المال لو توقف التطهير عليه لان ذلك مقدمة الواجب فيجب بذله نعم لو كان موقوفا على بذل مال كثير يكون في بذله العسر و الحرج او ضرر ازيد مما يقتضي طبع الحكم يرفع بدليل نفى العسر و الحرج و لا ضرر.

و أمّا ضمان من صار سببا للتنجيس ففيه وجهان وجه عدم الضمان هو ان المباشر في المقام اقوى من السبب فلا معني لضمان السبب لان ضمان السبب يكون فيما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 41

كان الشخص سببا للا تلاف و صدور الفعل من المباشر بدون الاختيار مثل ما اذا وضع زيد ابريقا عند رجل عمرو و الحال ان العمر و نائم فضرب عمرو رجله بالابريق و كسره ففي المقام يرجع الى السبب.

و أمّا اذا كان صدور الفعل باختيار المباشر مثل المقام فان من تصدي لازالة النجاسة

و تخريب المسجد يخربه باختياره فلا معني للرجوع الى السبب اعني من صار سببا لتنجيس المسجد و هو مختار المؤلف رحمه اللّه.

و أمّا وجه ضمان السبب و جواز الرجوع إليه هو ان المباشر و ان قام بالتخريب لكن قيامه بذلك كان من باب امر الشارع فهو و ان باشر ذلك لكن خرج من تحت اختياره خروجا شرعيّا و ان كان باختياره تكوينا فغير المختار الشرعي كغير المختار التكويني.

و هذا القول اختاره سيدنا الاعظم آية اللّه العظمى البروجردي اعلى اللّه مقامه في حاشيته على العروة.

اقول المحرر في كتاب الغصب هو ان سبب الضمان أمران التسبيب و المباشرة أمّا التسبيب فيدل على كونه سبب الضمان روايات متعرضة فيها لبعض صغريات التسبيب.

و فيما دار الامر بين ضمان المسبب و المباشر يلتزمون بضمان المباشر لكونه اقرب من السبب في ايجاد الفعل فهو اقوى من السبب.

و مع هذا بعض يقولون بضمان كل من السبب و المباشر و جواز رجوع من تلف ماله بكليهما و ان كان هذا الكلام غير مرضي و لكن الفرض هو ان الرجوع الى المباشر يكون لاقوائيته بالنسبة الى السبب و الا فيجب الرجوع الى المسبّب و في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 42

المقام حيث لا يمكن الرجوع الى المباشر لانه محسن (و ما على المحسنين من سبيل) «1» فضمان السبب بحاله الّا ان يمنع ذلك و يقال بانه مع وجود المباشر يستند الفعل إليه لا الى المسبّب فلا ضمان على المسبب سواء كان المباشر ضامنا او لا.

و ان قلنا بذلك. فلو التزمنا بكون المباشر حيث كان مسلوب الاختيار شرعا و لو لم يكن مسلوب الاختيار تكوينا و غير المختار بسبب شرعي مثل

الغير المختار بالسبب التكويني فيرجع الى السبب لانه مع عدم صدور الفعل بالاختيار عن المباشر يرجع الى السبب و لكن هذا مشكل.

***

[مسئلة 13؛ اذا تغيّر عنوان المسجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13؛ اذا تغيّر عنوان المسجد بان غصب و جعل دارا او صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه و قلنا بجواز جعله مكانا للزّرع ففي جواز تنجيسه و عدم وجوب تطهيره كما قيل اشكال و الاظهر عدم جواز الاول بل وجوب الثاني أيضا.

(1)

اقول اعلم أن في المسجد كلاما من حيث كيفيّة وقفه و انه يكون فك الملك او التمليك للمسلمين.

و كلاما آخرا في انه هل يجوز بعد زوال عنوان المسجدية للحاكم اجارة المسجد للزرع و غيره أم لا.

______________________________

(1) سورة التوبة 9، الآية 91.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 43

و كلاما آخرا في انه هل يجوز انتفاع الاشخاص منه بالزرع و غيره راسا قبل اذن الحاكم حال معموريته فيما لا يزاحم مع جهات مسجديته و بعد خرابه و ذهاب عنوانه مطلقا أم لا فهذه أمور ينبغي التكلم فيها في محله و لا نحتاج الى التكلم فيها في المقام الا في انه بعد بقاء المسجد لما يصلح ان ينتفع به و بعبارة اخرى يمكن ان يصلي فيه و قابليته بذاته لذلك و صلوحه له و ان منع مانع من ذلك الانتفاع او آجره الحاكم للزرع ان قلنا بجوازه كما نسب الى كاشف الغطاء رحمه اللّه هل يجب ترتيب آثار المسجدية عليه أم لا يجب ذلك لانه و لو كان صالحا لذلك لكن لا يكفي مجرّد الصلاحيّة بل يعتبر كونه بحيث يعدّ للانتفاع و مع ذهاب عنوان المسجدية عنه لا يكون معدّا لذلك.

و الحق الاول لان المسجد

مكان موقفه يصلحه لان يعبد فيه سواء عبد فيه أم لا و سواء كان معدّا له أم لا و لهذا لو فرض مسجد معمور و لكن قفل غاصب بابه او وقع في مكان باد اهله فعلا و لم يصل فيه لا يمكن ان نلتزم بذهاب عنوان المسجدية عنه بهذا فبناء عليه نقول في المقام بحرمة تنجيسه و وجوب ازالة النجاسة عنه نعم في الاراضي المفتوحة عنوة فلو قلنا فيها ملكية الارض بتبع بنائها يمكن ان يقال بعد خراب بناء المسجد يذهب عنوان المسجدية فتأمل.

***

[مسئلة 14: اذا رأى الجنب نجاسة في المسجد]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا رأى الجنب نجاسة في المسجد فان أمكنه ازالتها بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها و الا فالظاهر وجوب التأخير الى ما بعد الغسل لكن يجب المباردة إليه حفظا للفوريّة بقدر الامكان و ان لم يكن التطهير الا بالمكث جنبا فلا يبعد جوازه بل وجوبه و كذا اذا استلزم التأخير الى ان يغتسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 44

هتك حرمته.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام فى امور:

الأمر الاول: اذا راى الجنب نجاسة فى المسجد

فان امكنه ازالتها بدون المكث فى حال المرور وجب المبادرة إليها لوجوب ازالة النجاسة عن المسجد و هو و ان كان جنبا لكن يجوز له المرور فى المساجد غير الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المفروض غير المسجدين.

الأمر الثاني: ما اذا لم يتمكن من الازالة بلا مكث في المسجد

يجب التأخير الى ما بعد الغسل لدوران الامر بين وجوب الازالة فورا و بين حرمة مكث الجنب في المسجد و لا وجه لتقديم الازالة لعدم كونها اهم بالنّسبة الى مكث الجنب ان لم نقل بكون حرمة مكث الجنب اهم منها.

بل يقال بان دليل فورية الازالة لم يشمل المورد اصلا لعدم اطلاق له يشمل المورد بل ان كنّا و ملاكه من فورية رفع تحقير المسجد و اخراج ما يكون منافيا مع تعظيمه فابقاء الجنب فيه خلاف تعظيم المسجد أيضا و معه لا ملاك لفورية الازالة.

و هذا كله فيما لا يكون متمكّنا من التيمم قبل الغسل و أمّا اذا كان متمكّنا من التيمم في زمان اقصر من الزمان الذي يتمكن من الغسل فهل يشرع التيمم في هذا المورد او لا يجب بل يجب الغسل ثم الازالة.

قد يقال بوجوب التيمم أمّا من باب انّ الازالة واجب فوري و حيث لا يتمكّن من اتيانه مع الغسل فيجب التيمم مثل كل الموارد التي تجب فيها الطهارة و لا يتمكّن من الطهارة المائيّة منها فلا بد من تحصيل الطهارة الترابية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 45

و أما من باب ان الكون في المسجد مستحب فيستحب له التيمم فاذا تيمم يجب عليه الازالة لتمكنه من الازالة مع الطهارة.

و استشكل على الثاني بان مشروعيّة التميم في مثل هذه المورد غير ثابتة و الا لجاز للجنب دخول

المساجد مع وجود الماء في خارج المسجد و هذا الاشكال لا يرد على الوجه الثاني اذ لا يلزم شرعا دخول المسجد و مشروعيّة التيمم فيه غير معلوم.

و أمّا الوجه الاول فان قلنا بان الفورية المعتبرة في الازالة تنافي مع مضى الوقت بقدر الغسل يجب عليه التيمم لان المفروض وجوب الازالة فورا و تتوقف على الطهارة و لا يتمكن من الطهارة المائية فتجب الترابية.

و ان قلنا بان الغسل لا ينافي مع حفظ الفورية او كان زمانه بقدر زمان التيمم من حيث الطّول و القصر فلا يجب التيمم لعدم تحقق موضوعه بل يجب الغسل و المبادرة الى الازالة.

و لا يبعد الاول اعنى فورية الازالة تقتضي القيام بها بلا تأخير و على الفرض لا يتمكن من الغسل بلا تاخير فيجب التيمم.

و أمّا اذا لم يتمكن من التطهير الا بالمكث جنبا فيجب عليه الازالة في حال الجنابة ان لم يتمكن فى هذا الحال من التيمم أيضا و الا فعليه ان يتيمم و يشتغل بالازالة الا اذا كان بقاء النجاسة في المسجد موجبا للهتك حتى بمقدار بقائها بقدر التيمم فتجب في هذه الصورة المبادرة الى الازالة جنبا و كذا في صورة تكون صرف الوقت بالغسل و بقاء النجاسة في المسجد موجبا لهتك المسجد.

فنقول ان كان صرف الوقت في التيمم ثم الاشتغال بالازالة غير موجب للهتك بان يكون زمان التيمم اقصر من زمان الغسل و يكون هذا الزمان الاقصر غير موجب للهتك يجب التيمم ثم الازالة و ان كان صرف هذا المقدار من الزمان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 46

للتيمم موجبا للهتك مثل صرف الزمان للغسل فيسقط التيمم كالغسل و تجب الازالة الا ان يدّعى في صورة

عدم التمكن من الازالة الا جنبا و كون بقاء النجاسة بقدر الغسل و التيمم هتكا للمسجد بان الامر يدور بين الازالة و هى واجبة و بين المكث في المسجد جنبا و هو محرّم ففي هذه الصورة يدور الامر بين المتزاحمين و من اين تقول بتقدم جانب الازالة مع ان وجه فوريتها ليس الا ان بقاء النجاسة في كل آن ينافي تعظيم المسجد و كون النجاسة فيه مخالف لتعظيمه و هل يوجب ذلك تجويز ورود الوهن بالمسجد بادخال الجنب فيه و مكثه فيه مدة في بعض صوره و هل يكون الاول اهم من الثاني او الثاني اهم منه.

***

[مسئلة 15: في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى اشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى اشكال و اما مسجد المسلمين فلا فرق بين فرقهم.

(1)

اقول: لعدم كون معابد اليهود و النصارى مسجدا على مصطلح المسلمين و لهذا لا يمكن دعوى شمول بعض الاطلاقات الواردة في باب المسجد لها.

مضافا الى ان العمدة على ما عرفت في وجه حرمة تنجيس المسجد هو الاجماع و لا اشكال في عدم شموله لمعابد اليهود و النصارى و ان القدر المتقين غيرها كما ان بعض الروايات على تقدير دلالتها يكون المراد منها خصوص مساجد المسلمين.

و أمّا ما قيل من انه يرتّب على بعض معابدهم آثار المسجديّة في الاسلام مثل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 47

مسجد الاقصى و بيت المقدّس و أياصوفيّة فانّهما كانا معبدين قبل الاسلام و مع هذا يرتّب عليهما آثار المسجديّة في الاسلام فهذا يكون من باب جعلهما مسجدين و لا يجوز تنجيسهما و يجب ازالة النجاسة عنهما.

ففيه ان ترتيب آثار المسجديّة في الاسلام عليهما يكون من باب جعلهما مسجدين بعد تصرف المسلمين

لا من باب كونهما مسجدين قبل الاسلام.

و أمّا مساجد المسلمين فكما قال المؤلف لا فرق بين فرقهم لعدم كون دليل حرمة تنجيس المسجد او وجوب ازالة النجاسة عنه مخصوصا بالمسجد المتعلق بالشيعة الاثنا عشريّة.

***

[مسئلة 16: اذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: اذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد او سقفه او جدرانه جزءا من المسجد لا يلحقه الحكم من وجوب التطهير و حرمة التنجيس بل و كذا لو شك في ذلك و ان كان الاحوط اللحوق.

(1)

اقول: فيما علم عدم كونه من المسجد بجعل الواقف فلا يحرم تنجيسه و لا تجب ازالة النجاسة عنه لان الحكمين مخصوص بالمسجد و على الفرض ليس هذا من المسجد.

و أمّا فيما شك في ان الواقف جعل المشكوك جزءا للمسجد أم لا فنقول لا يحرم تنجيسه و لا تجب ازالة النجاسة عنه لان مع الشك في كونه جزء للمسجد يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 48

المورد مورد البراءة.

نعم لو كان في البين أمارة ثابتة حجيتها كالبيّنة او ما يورث الاطمينان بكون المشكوك جزء للمسجد كما لا يبعد حصول الاطمينان في السقف و الجدران نقول بحرمة التنجيس و وجوب ازالة النجاسة عنه.

***

[مسئلة 17: اذا علم بنجاسة احد المسجدين او احد المكانين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا علم بنجاسة احد المسجدين او احد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما.

(1)

اقول: لان هذا مقتضي العلم الاجمالي فانه يجب الاحتياط بحكم العقل في الاطراف كى يعلم بموافقة القطعيّة و امتثال المعلوم في البين.

***

[مسئلة 18: لا فرق بين كون المسجد عاما او خاصا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: لا فرق بين كون المسجد عاما او خاصا و اما المكان الذي اعدّه للصلاة في داره فلا يلحقه الحكم.

(2)

اقول: اما اذا كان المسجد عاما فلا اشكال في حرمة تنجيسه و وجوب الازالة لو تنجّس.

و اما اذا كان خاصا و المحتمل من المسجد الخاص اثنان:

الاوّل: ان يكون نظر المؤلف من المسجد الخاص مسجدا بني بداع خاص

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 49

و ان كان وقفه عاما مثل من يبنى مسجدا بداعي ان يصلي فيه القبيلة او اهل السوق و به يقال مسجد القبيلة او مسجد السوق ففيها و ان كان داعي الواقف خاصا لكن وقفه يكون عاما فان كان هذا مراده فهو مثل ما يكون المسجد عاما.

الثاني: ان يكون ايقافه لافراد خاصّه مثل ان يجعله بوقفه لجماعة خاصّة كالطلاب ففي هذا القسم يكون الخلاف بين فقهائنا و الاقوال فيه ثلاثة قول بصحة وقفه و وقوعه مسجدا لخصوص الجماعة التي وفقه الواقف لها و قول بعدم وقوعه مسجدا لخصوص الجماعة التي وقفه لها و لا لمطلق المسلمين و قول بوقوعه وقفا مسجدا لجميع المسلمين و لو جعله الواقف لجماعة خاصّة.

و حيث انه لا يبعد كون حقيقة وقف المسجد تحريرا و فكّا عن الملكيّة و هذا غير قابل للتخصيص فلو وقف لجماعة خاصّة لم يصر مسجدا و لا يترتب عليه آثار المسجديّة و لهذا اجراء الحكمين اعني حرمة تنجيسه و وجوب ازالة النجاسة

عن مثل هذا المسجد مشكل.

و أمّا المكان الذي اعدّه للصلاة في داره فلا يلحقه الحكمين لعدم جعله مسجدا و ان اعدّه لان يصلي فيه.

و ما ورد في بعض الروايات من جواز جعل هذا المكان كنيفا شاهد على عدم صيرورته مسجدا و يكون النظر الى موضع اعده الشخص في داره لان يصلي فيه لا ان جعله مسجدا فافهم.

***

[مسئلة 19: هل يجب اعلام الغير اذا لم يتمكن من الازالة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: هل يجب اعلام الغير اذا لم يتمكن من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 50

الازالة الظاهر العدم اذا كان مما لا يوجب الهتك و الا فهو الاحوط.

(1)

اقول: الكلام يقع تارة في انه مع عدم تمكن الشخص من الازالة هل يجب عليه اعلام الغير من باب الارشاد او لا يجب ذلك فنقول لا دليل على وجوب الاعلام.

و تارة يقع الكلام في انه بعد ما كان الواجب على المكلف ازالة النجاسة عن المسجد بقيامه على الازالة و قيامه على الازالة اعم من المباشرة و التسبيب فاذا لم يتمكن من المباشرة يجب بنحو التسبيب بان يعلم شخصا او اشخاصا حتى يمتثل الواجب و هو الازالة كما اذا كانت ازالة النجاسة عن المسجد موقوفه بصرف مال من اجرة الاجير و غير ذلك.

فان كان الكلام في ذلك فلا ينبغي الاشكال في وجوب اعلام الغير مع احتمال التأثير و قيام الغير بها سواء كان بقاء النجاسة موجبا لهتك المسجد أم لا.

***

[مسئلة 20: المشاهد المشرفة كالمساجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس بل وجوب الازالة اذا كان تركها هتكا بل مطلقا على الاحوط لكن الاقوى عدم وجوبها مع عدمه و لا فرق فيها بين الضرائح و ما عليها من الثياب و ساير مواضعها الا في التّأكد و عدمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 51

(1)

اقول و الوجه في ذلك أمّا دعوى وجوب تعظيم المشاهد المشرفة و يكون تنجيسها مناف للتعظيم و فيه ان كون التنجيس مطلقا منافا مع التعظيم الواجب ممنوع.

نعم فيما يوجب التنجيس الوهن بالنّسبة إليها يصح ذلك.

و أمّا دعوى ان التنجيس مستلزم للوهن و لا اشكال في حرمة اهانتها.

و فيه ان تحقق

الوهن مطلقا ممنوع نعم في بعض الموارد يصح ذلك.

فاذا نقول أمّا فيما يوجب التنجيس الوهن بالمشاهد المشرفة لا اشكال في حرمتها بل ربما يوجب الارتداد في بعض الموارد و كذلك تجب ازالة النجاسة اذا كان بقائها سببا للوهن.

و أمّا فيما لا يوجب الوهن فنقول بانه و ان لم يكن دليل وافيا على حرمة تنجيسها و لكن الاحوط ترك تنجيسها.

و أمّا وجوب ازالة النجاسة عنها فهو في الحكم مثل حرمة تنجيسها فاذا كان بقائها موجبا للهتك تجب الازالة و أمّا اذا لم يكن موجبا للوهن فالاحوط ازالتها و على كل حال لا فرق في الحكم بين الضرائح و غيرها الا في التأكد و عدمه فان الحكم في الاقرب آكد من الابعد.

***

[مسئلة 21: يجب الازالة عن ورق المصحف الشريف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: يجب الازالة عن ورق المصحف الشريف و خطّه بل عن جلده و غلافه مع الهتك كما انه معه يحرم مسّ خطّه او ورقه بالعضو المتنجس و ان كان متطهرا من الحدث و اما اذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 52

كان احد هذه بقصد الاهانة فلا اشكال فى حرمته.

(1)

اقول: أمّا وجوب ازالة النجاسة عن ورق القرآن الكريم و خطّه و جلده و غلافه مع كون ابقاء النجاسة فيه موجبا للهتك فممّا لا ينبغي الاشكال في وجوبها و لا حاجة للتمسك ببعض الروايات الدالة عليه لانه لا يبعد كون وجوب الازالة من المسلمات بل من الضروريات مع ان هتك القرآن غير جائز باىّ نحو كان.

و لا سيما فيما كان ابقاء النجاسة عليه بقصد الاهانة بل ربما يوجب الارتداد.

و أمّا حرمة مسّ خطّه و ورقه بالعضو المتنجس و ان كان متطهرا من الحدث فأيضا لا اشكال في حرمته اذا كان موجبا

للهتك و كذا لو كان ذلك بقصد الاهانة فانه حرام بل ربما يوجب الارتداد.

انّما الكلام فيما لا يوجب المسّ الوهن و لا يقصد به الاهانة فهل يحرم مسّ خطّه و ورقه بالعضو المتنجس أم لا.

و قد يتمسك بقوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1».

و فيه انه بعد فرض كون مرجع الضمير في قوله عزّ من قائل «لا يمسه» هو القرآن كما يدلّ عليه الخبر الآتي ذكره.

نقول ان المراد هو الطهارة من الحدث بقرينة نسبة المسّ الى الشخص الذي يمسّه اى الى الماسّ لا الى العضو الممسوس به.

و بدلالة الرواية و هى ما رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه السّلام قال المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطه و لا تعلّقه ان اللّه تعالى يقول

______________________________

(1) سورة الواقعة، الآية 79.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 53

لا يمسّه الا المطهرون. «1»

الا ان يقال ان المستفاد من الآية عدم جواز مسّ المصحف على غير طهر اى غير وضوء و لا في حال الجنابة لان اللّه تعالى يقول لا يمسّه الا المطهرون و لا يستفاد منها كون النهى في خصوص الحدث لا الخبث.

و لكن قد يقال بان الآية تدل على وجوب الازالة لانه بعد عدم جواز مسّه الا متطهرا يقال بالاولوية بوجوب ازالة النجاسة عن المصحف كما عن الشيخ الانصاري رضوان اللّه تعالى عليه.

و استشكل عليه العلامة الهمداني رحمه اللّه انه لو كان الواجب حفظ المصحف عن مسّ غير المتطهر و ان لم يكن مكلفا كالصغير و المجنون او العاقل بان يمنع عن مسّ غير المتطهر القرآن الكريم مطلقا و ان لم يكن مكلّفا يمكن ان يقال

بانه بعد لزوم حفظه مطلقا عن مس غير المتطهر تجب ازالة النجاسة عنه بطريق الاولى.

و لكن لا دليل على ذلك بل يمكن دعوى السيرة على خلافه لملازمتهم مع المصحف غالبا و انه يتفق كثيرا مسّهم المصحف بلا طهارة و عدم البناء على ردعهم.

اقول و قد عرفت عدم كون الآية معترضة الّا عن التطهر من الحدث.

و لكن مع هذا يمكن ان يقال بعدم جواز مسّ خط المصحف بالعضو المتنجس من باب ان غير المتطهر ليس الا من ارتكب احدا من النواقص للوضوء او الغسل مثلا خرج منه البول فمن تكون يده متنجّسة بالبول مثله اقلا و نقول بالنسبة الى وجوب ازالة النجاسة عنه بانه بعد عدم جواز مسّه بالعضو المتنجس و لو لم يكن مسريا فوجوب ازالة النجاسة عنه لا اشكال فيه بالاولوية و لا اقل من الاحتياط فعلى هذا نقول بان الاحوط في غير ما يكون هتكا او بقصد التوهين عدم جواز مسّ

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 54

خط المصحف بالعضو المتنجس و أمّا ورقه و جلده و غلافه فلا فافهم.

***

[مسئلة 22: يحرم كتابة القرآن بالمركّب النجس]

قوله رحمه الله

مسئلة 22: يحرم كتابة القرآن بالمركّب النجس و لو كتب جهلا او عمدا وجب محوه كما انّه اذا تنجس خطّه و لم يمكن تطهيره يجب محوه.

(1)

اقول: أمّا اذا كان موجبا للهتك او بقصد الوهن فواضح.

و أمّا فيما لا يكون ذلك فوجهه ما ذكر في وجه حرمة مسّه بالعضو المتنجس.

و لو كتب بالمركّب النجس فان امكن تطهيره يجب و الّا يجب محوه لوجود الملاك المتقدم في المسألة السابقة فانه بعد عدم جواز مسّه محدثا و عدم جواز مسّه بالعضو

المتنجس فالقرآن الذي يكون كلماته متنجسة و لا يمكن ازالة النجاسة عنه يجب محوه كى لا يبقي القرآن مع النجاسة و كذلك اذا تنجس خطه و لا يمكن تطهيره يجب محوه.

***

[مسئلة 23: لا يجوز اعطائه بيد الكافر]

قوله رحمه الله

مسئلة 23: لا يجوز اعطائه بيد الكافر و ان كان في يده يجب اخذه منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 55

(1)

اقول: أمّا فيما يوجب اعطائه اياه او بقائه عنده هتكا و و هنا بالقرآن الكريم يحرم اعطائه و لو كان في يده يجب اخذه منه و أمّا في غير هذه الصورة فمشكل بل لا دليل عليه.

***

[مسئلة 24: يحرم وضع القرآن على العين النجسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: يحرم وضع القرآن على العين النجسة كما انه يجب رفعها عنه اذا وضعت عليه و ان كانت يابسة.

(2)

اقول: وجهه ما ذكر في المسألة 23.

***

[مسئلة 25: يجب ازالة النجاسة عن تربة الحسينية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: يجب ازالة النجاسة عن تربة الحسينية بل عن تربة الرسول و سائر الائمة صلوات اللّه عليهم الماخوذة من قبورهم و يحرم تنجيسها و لا فرق في التربة الحسينيّة بين الماخوذة من القبر الشريف او من الخارج اذا وضعت عليه بقصد التبرك و الاستشفاء و كذا السّبحة و التربة الماخوذة بقصد التبرك لاجل الصلاة.

(3)

اقول: أمّا فيما يوجب ترك الازالة الوهن فلا اشكال في وجوبها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 56

و أمّا في غير هذه الصورة فلانه بعد ما يكون معلوما من وجوب تعظيم التربة الحسينية و الرسول و سائر الائمة عليهم الصلاة و السلام كما حكى عن التنقيح دعوى تواتر النقل بذلك فيوجب تعظيمها ازالة النجاسة عنها و كذلك حرمة تنجيسها و منشأ اختصاص الحكم في تربة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ساير الائمة عليهم السّلام بخصوص الماخوذ من قبورهم و تعميم الحكم بالنّسبة الى التربة الحسينية على صاحبها الصلاة و السلام حتى ما يؤخذ من الحائر و توضع على الضريح لان يتبرك به مثلا.

لعلّه يكون من باب ان التربة الحسينية التي يستشفى بها او جعلت مسجدا للمصلى اعم من التربة الماخوذة من الحرم.

***

[مسئلة 26: اذا وقع ورق القرآن او غيره من المحترمات في بيت الخلاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: اذا وقع ورق القرآن او غيره من المحترمات في بيت الخلاء او بالوعته وجب اخراجه و لو باجرة و ان لم يمكن فالاحوط و الاولى سدّ بابه و ترك التخلي فيه الى ان يضمحل.

(1)

اقول: أمّا وجوب اخراجه مع الامكان فلان إبقاءه فيه هتكا له فيجب اخراجه.

و أمّا وجوب الأجرة مع الاحتياج بها فلان ما يتوقف عليه الواجب واجب فتجب الأجرة و أمّا وجوب سدّ بابه لو لم

يمكن اخراجه عنه فلان به يدفع عنه الاهانة الزائدة فيجب ذلك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 57

[مسئلة 27: تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره.

(1)

اقول: للمسألة صور:

الصورة الاولى: ان يكون السبب للتنجيس و المباشر للتطهير شخصا واحدا مثلا نجّس زيد مصحف العمرو و هو طهّره بنفسه ففي هذه الصورة يكون زيد ضامن النقص الحاصل في مصحف العمرو و سواء حصل النقص في المصحف بتنجيسه او بتطهيره او بكل منهما و هذا واضح لان السبب و المباشر يكونان واحدا.

الصورة الثانية: ما يكون السبب للتنجيس شخصا و مباشر تطهير المصحف شخصا آخرا و لكن حصل النقص في المصحف بتنجيسه فيكون السبب و المباشر للنقص واحدا و ان كان سبب التّنجيس و المباشر للتطهير متعددين فلا اشكال في ان الضامن هو السبب.

الصورة الثالثة: ما اذا يكون المباشر للتطهير غير المسبب للتنجيس و وقع النقص في المصحف بتطهيره.

اما المباشر للتطهير فلا ضمان عليه لانه بعد كون الواجب تطهير المصحف على كل مكلف فهو يكون محسنا مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1».

و أمّا السبب و هو من نجّس مصحف الغير ففي ضمانه و عدمه وجهان تقدم الكلام فيه في المسألة 12 من هذه المسائل و يأتي في المسألة الآتية إن شاء اللّه.

و ممّا مر يظهر ما في كلام المؤلف رحمه اللّه من الاشكال فلان النقص الحاصل من

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 91.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 58

التطهير لم يكن مضمونا عليه كما مر في المسألة 12 و يأتي في المسألة الآتية إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 28: وجوب تطهير المصحف كفائي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: وجوب تطهير المصحف كفائي لا يختص بمن نجّسه و لو استلزم صرف المال وجب و لا يضمنه من نجّسه اذا لم يكن لغيره و ان صار هو السبب للتكليف بصرف المال

و كذا لو القاه في البالوعة فان مئونة الاخراج الواجب على كل احد ليس عليه لان الضرر انما جاء من قبل التكليف الشرعي و يحتمل ضمان المسبب كما قيل بل قيل باختصاص الوجوب به و يجبره الحاكم عليه لو امتنع او يستأجر آخر و لكن يأخذ الاجرة منه.

(1)

اقول: الكلام يقع تارة في ان وجوب الإزالة يختص بمن نجّس المصحف او لا يختص به بل يجب على الجميع و على تقدير تعلق الوجوب بالجميع هل يكون تعلق الوجوب على المكلفين وجوبا عينيا او كفائيا.

فنقول في هذا المقام بان الإزالة تجب على جميع المكلفين و ان كان سبب التنجيس شخصا خاصا لان العمدة في وجه وجوب الإزالة أمّا دعوى الاولوية القطعيّة ان قلنا بكون المستفاد من قوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.

هو عدم جواز المسّ لمن لم يكن طاهرا عن الخبث بالاولوية.

و امّا دعوى ان تعظيم المصحف ينافي مع تقريبه النجاسة فيجب تعظيما له ازالة النجاسة عنه لو تنجس و كلاهما يقتضي الوجوب على الجميع لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 59

خصوص المسبب.

و هذا يقتضي كون الوجوب كفائيا لان الامتثال يحصل بقيام البعض بالازالة و على هذا لا وجه لاختصاص الوجوب بالمسبّب كما نسب المؤلف رحمه اللّه في ذيل المسألة بقوله «و قيل».

و تارة يقع الكلام في وجوب صرف المال على المكلف لو توقف ازالة النجاسة على صرفه فنقول لا اشكال في وجوب ذلك بعد فرض وجوب الازالة لتوقف الواجب عليه.

و تارة يقع الكلام في انه هل يكون للمباشر للازالة الرجوع فيما صرفه في طريق ازالة النجاسة الى، المسبّب لو لم يكن متبرعا في اقدامه على الازالة.

او لا يكون له ذلك.

او يقال بالتفضيل

بين الصورة التي يكون المصحف ملكا لمن نجسه فلا يضمن ما صرفه المباشر في مصير تطهيره و بين الصورة التي لا يكون من نجّس المصحف مالكا له فيضمن للمباشر ما صرفه في مصير تطهيره.

قد عرفت في مسئلة 12 من هذه المسائل عند التكلم في جواز رجوع المباشر لتطهير المسجد الى المسبّب و عدمه اختيار المؤلف رحمه اللّه عدمه كما اختاره في المقام غاية الامر قيّد عدم الضّمان فى هذه المسألة بانه اذا لم يكن المصحف لغيره و علّل عدم الضمان بان الضرر جاء من قبل التكليف الشرعي فلا ضمان على السبب.

و فيه ان وجه عدم ضمان السبب لا يكون الا ان المباشر في المورد يكون اقوى من السبب و عدم كون نفى الاختيار الشرعي مثل نفى الاختيار التكويني و في هذا لا فرق بين ان يكون المصحف ملكا للمسبب او لغيره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 60

نعم في النقص الحاصل بالتنجيس فرق بين يكون المصحف من نفسه و بين كونه من غيره لان في الصورة الاولى لا معني لضمان السبب حيث انه ورد النقص في ملك نفسه.

و وجه الضمان ليس الا ما عرفت في مسئلة 12 من ان بعد كون الواجب على المباشر التطهير و لو انه غير مختار في الفعل شرعا و هو يكون مثل الغير المختار تكوينا فكما ان المباشر ان كان غير مختار تكوينا يرجع الى السبب كذلك اذا كان غير مختار شرعا.

***

[مسئلة 29: اذا كان المصحف للغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: اذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير اذنه اشكال الا اذا كان تركه هتكا و لم يمكن الاستيذان منه فانه حينئذ لا يبعد وجوبه.

(1)

اقول: ينبغي ان يجعل مورد الكلام خصوص مورد

لا يمكن الاستيذان من المالك او استوذن منه و لم يأذن بتطهيره و لم يتصدّ بنفسه او مع الواسطة لتطهيره و الا لو استوذن المالك فأذن به او تصدّي بنفسه او مع الواسطة لتطهير المصحف فلا معني للتصرف فيه بغير اذن مالكه لعدم جواز التصرف في ملك الغير بغير اذنه.

فاذا كان مورد الكلام في مسئلتنا ما اذا لا يمكن الاستيذان او ما اذا استوذن المالك و لم يأذن و لم يتصد للتطهير بنفسه و لا بواسطة الغير.

فيقال هل يجوز تطهير مصحف الغير بغير اذنه فى هذه الصورة أم لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 61

لا وجه لجواز التّطهير بدون اذن المالك الا دعوى انه بعد ما نرى ان الواجب تطهير المصحف و نرى ان التصرف في ملك الغير بغير اذنه يكون حراما فيقع التزاحم بينهما فهل يقدم الواجب و هو تطهير المصحف و ان ارتكب حراما و هو التصرف في ملك الغير بغير اذنه او يقدم ترك الحرام و لا يتصرف في مصحف الغير بغير اذنه و يترك الواجب و هو تطهير المصحف.

و بعد التزاحم يقال بانه حيث يكون تطهير المصحف و ازالة النجاسة عنه اهم من حرمة التصرف في ملك الغير بغير اذنه فنقول بجواز تطهير المصحف مع عدم اذنه.

اقول لكن اهميّة وجوب ازالة النجاسة من حرمة التصرف في ملك الغير بغير اذنه غير معلوم لو لم نقل بأهمية عكسه و عدم جواز عدم التصرف في ملك الغير بغير اذنه على وجوب تطهير المصحف.

نعم فيما يوجب بقاء النجاسة في المصحف الهتك للمصحف لا يبعد اهميّة وجوب التطهير حتى مع عدم اذن المالك.

***

[مسئلة 30: يجب ازالة النجاسة عن الماكول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: يجب ازالة النجاسة عن الماكول

و عن ظروف الاكل و الشرب اذا استلزم استعمالها تنجيس الماكول و المشروب.

(1)

اقول: بمعني عدم جواز، اكل المأكول النجس و شرب المشروب النجس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 62

و كذا في ظروف الماكول و المشروب النجس اذا استلزم استعمالها تنجيس الماكول و المشروب لعدم جواز اكل النجس و المتنجس و كذا لا يجوز شرب النجس و المتنجس كما يظهر ذلك للمراجع بالابواب المتفرقة من الفقه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 3، ص: 62

***

[مسئلة 31: الاحوط ترك الانتفاع بالاعيان النجسة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: الاحوط ترك الانتفاع بالاعيان النجسة خصوصا الميتة بل و المتنجسة اذا لم تقبل التطهير الا ما جرت السيرة عليه من الانتفاع بالعذرات و غيرها للتّسميد و الاستصباح بالدهن المتنجس لكن الاقوى جواز الانتفاع بالجميع حتى الميتة مطلقا في غير ما يشترط فيه الطهارة نعم لا يجوز بيعها لاستعمال المحرم و في بعضها لا يجوز بيعها مطلقا كالميتة و العذرات.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام في المسألة يقع في جهات:

الجهة الاولى: هل يجوز بيع اعيان النجسة للاستعمال المحرم او لا يجوز ذلك.

«و قدمنا هذه الجهة و ان كان على خلاف ترتيب المؤلف رحمه اللّه» فنقول بعونه تعالى قد مرّ في بحث النجاسات في المسألة 2 من المسائل المتعلقة بالبول و الغاية و هما الاول و الثاني من النجاسات بانّه لا يجوز بيع بول غير مأكول اللحم من الحيوان لعدم وجود منفعة محللة معتدة بها له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 63

مضافا الى ما في رواية تحف العقول «او شي ء من وجوه النجس» «1» المنجبرة بالنسبة إليه بعمل الاصحاب.

و كذلك الغائط لما ادعى الاجماع عليه و لدلالة رواية تحف العقول و هى هذه الفقرة المتقدمة ذكرها من قوله «او شي ء من وجوه النجس» المنجبرة بعمل الاصحاب بالنّسبة الى حرمة بيع البول و الغائط.

و لما ورد في رواية يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام ثمن العذرة من السحت. «2»

و ما رواها محمد بن مضارب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قاله لا بأس ببيع العذرة «3» و ان كان ظاهرها جواز بيع العذرة.

و ربما يتوهم ان مقتضي الجمع بين الرواية الاولى الدالة على عدم جواز بيع العذرة و بين الرواية الثانية الدالة على جواز بيعها هو حمل الرواية الاولى على الكراهة

بقرينة الرواية الثانية على الجواز.

لكن فيه ان الجمع بهذا النحو يصح فيما كان لسان احد الخبرين هو النهى مثلا يقول لا تبع و لسان الآخر جواز البيع يجمع بينهما بحمل النهى في الخبر الاول بقرينة جوازه في الخبر الثاني على الكراهة بنظر العرف لكن لا يصح هذا الجمع في ما نحن فيه لان لسان الرواية ليس النهى بل قال ثمن العذرة من السحت و «السحت» غير قابل للحمل على الكراهة فلا يمكن الجمع العرفي بين الروايتين بالحمل بما توهم يعني حمل الرواية الاولى على الكراهة.

______________________________

(1) الرواية من الباب 2 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 64

و بعد عدم امكان الجمع العرفي و وقوع التعارض بينهما فكما قلنا في باب التعادل و الترجيح بانه ان كان الترجيح لاحدى الروايتين على الآخر يؤخذ بما فيه المرجح و يطرح الآخر و ان لم يكن لاحدهما ترجيح على الآخر تكون النتيجة التخيير او التوقف على ما مر في محله.

فنقول في مقام الترجيح بان اوّل المرجحات الشهرة.

فنقول ان المراد من الشهرة المرجحة ان كانت الشهرة الفتوائية كما اختاره سيدنا الاعظم آية اللّه المعظم البروجردي قدّس سرّه فالترجيح يكون مع الرواية الاولى الدالة على عدم جواز بيع العذرة لان الشهرة الفتوائية على طبقها.

و ان كانت الشهرة الروائية فلا ترجيح لأحد من الروايتين على الاخرى لان كل منهما مشهورتان بالشهرة الروائية.

فلا بد من الرجوع الى ما عدّ مرجّحا بعد الشهرة و هو مخالفة العامة و بعد كون المشهور عند

العامة جواز بيع العذرة فالترجيح مع الرواية الاولى لانها تخالف العامة.

و قد يقال بالجمع بين الروايتين بنحو آخر و هو ان يحمل الرواية الاولى الناهية عن بيع العذرة على عذرة الانسان و الرواية الثانية المجوّزة لبيع العذرة على عذرة غير الانسان بقرينة الرواية التي رواها سماعة بن مهران (قال سال رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر فقال اني رجل ابيع العذرة فما تقول قال حرام بيعها و ثمنها و قال لا بأس ببيع العذرة) «1».

لان فى هذه الرواية قال عليه السّلام في صدرها بحرمة بيع العذرة و في ذيلها بجواز

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 65

بيعها و لا يمكن ان يكون مورد الحرمة و الجواز واحدا و لا بد من ان يقال بان مورد صدر الرواية التي حرّم بيعها يكون عذرة الانسان و مورد ذيلها المجوّز بيعها يكون عذرة غير الانسان و بعد حمل هذه الرواية على ما قلنا من التفصيل بين عذرة الانسان و غير فتحرم الاولى و يجوز الثاني.

فبها يجمع بين الروايتين المتقدمتين الدالة إحداهما على حرمة بيع الغدرة و الثانية على جواز بيعها بحمل الاولى على عذرة الانسان و الثانية على عذرة غير الانسان بقرينة رواية سماعة بعد حملها على التفصيل بين عذرة الانسان و غيره من حيث الحرمة في الاوّل و الجواز في الثاني.

و فيه أمّا أولا يحتمل كون كل من الصدر و الذليل رواية مستقلة بمعني انه راى سماعة مرة سئل السائل عن حكم بيع العذرة و اجاب الامام عليه السّلام بحرمة بيعه و مرة اخرى راى سئل السائل و اجاب

عليه السّلام بعدم الباس ثم ان سماعة نقل ما راى في المجلسين مثلا متّصلا كل منهما بالآخر في مقام النقل فيكون الصدر رواية و الذيل رواية اخرى و الشاهد على ذلك ان سماعة بعد ذكر صدر الرواية قال «و قال لا بأس ببيع العذرة و على هذا الاحتمال تكون رواية سماعة روايتين متعارضين مثل الرواية الاولى اعني رواية يعقوب بن شعيب و الرواية الثانية اعني رواية محمد بن مضارب و لا بد معاملة التعارض بينهما.

و أمّا ثانيا يحتمل كون ذيل رواية سماعة صدر تقية لكون الجواز كما قلنا موافقا للمشهور عند العامة.

و أمّا ثالثا يحتمل حمل صدر رواية سماعة على عذرة غير مأكول اللحم من الحيوان و الذيل على عذرة مأكول اللحم من الحيوان و مع وجود هذه الاحتمالات لا يمكن حمل رواية سماعة على ما توهم حتى يمكن الجمع بما توهم بين رواية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 66

يعقوب و مضارب.

اذا عرفت عدم امكان الجمع بين رواية يعقوب و رواية مضارب بما توهم من حمل الاولى الظاهرة فى عدم جواز بيع العذرة على عذرة الانسان و حمل الثانية الظاهرة في جواز بيعها على عذرة غير الانسان.

فتكون النتيجة ما اخترنا من انه بعد عدم امكان الجمع العرفي و بلوغ الامر بالتعارض و الاخذ بما فيه المرجع منهما لا بد من الاخذ بالرواية الاولى الدالة على حرمة بيع العذرة لما فيما من المرجّح و ردّ علم الثانية الدالة على جواز بيعها على اهله.

مضافا الى ان المذكور في هذه الروايات الثلاثة كلمة العذرة و ربما يدعى انّها اسم لخصوص غائط الانسان لا غيره.

فلا يمكن الجمع بين الروايتين بحمل ما دل على عدم جواز

بيع العذرة على عذرة الانسان و حمل ما دل على جواز بيعها على عذرة غير الانسان فلا تكون في البين ما يدل على عدم جواز بيع الغائط مطلقا اعني حتى بالنسبة الى عذرة غير الانسان و لا جوازه نعم لا يجوز بيع الغائط مطلقا من باب ما فى رواية تحف العقول المتقدمة ذكرها.

و كذلك لا يجوز بيع المني لدلالة رواية تحف العقول المتقدمة عليه و لعدم وجود منفعة محلّلة له معتدة بها.

و كذلك الدم أمّا لعدم وجود منفعة محللة معتدة بها له و ان كان يمكن الاشكال فيه للانتفاع به فعلا للمرضي او غيره فيقال في جواز بيعه في خصوص صورة له منفعة محللة و أمّا لما في رواية تحف العقول المتقدمة يشمل الدم.

و كذلك الكلب الا ما استثنى و الخنزير البريان لشمول ما في رواية تحف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 67

العقول لهما.

و كذلك الخمر لدلالة بعض النصوص عليه و من جملتها ما في رواية تحف العقول للتنصيص به فيها بالخصوص.

و أمّا الميتة فقد مضى الكلام في حرمة بيعها في طى المسألة 19 من المسائل المتعلقة بنجاسة الميتة لان عدّة من النصوص تدل على عدم جواز بيعها و ليس لنا في البين ما يمكن ان يستدل به على الجواز بين الروايات الا رواية واحدة و هى مع الاشكال في دلالتها لا يمكن العمل بها لاعراض الاصحاب عنها و لا يمكن الجمع الدلالي بينها و بين النصوص الدالة على عدم الجواز بحمل ما دل على عدم الجواز على الكراهة بقرينة هذه الرواية لان التعبير في بعضها من المعصوم عليه السّلام ان السحت ثمن الميتة «او من السحت ثمن الميتة» و هذه

العبارة غير قابلة للحمل على الكراهة فلا يجوز بيع الميتة.

هذا كله بالنسبة الى عدم جواز بيع الاعيان النجسة الا فيما استثنى من بيع الاعيان النجسة كالعبد الكافر او غيره.

الجهة الثانية: و هى انه هل يجوز الانتفاع بالاعيان النجسة مطلقا
اشارة

بعد عدم جواز بيعها.

او لا يجوز مطلقا.

او يجوز في غير الميتة و لا يجوز الانتفاع في الميتة فنقول بعونه تعالى ما يمكن ان يكون وجها لعدم الجواز امور:

الأمر الاول: بعض الآيات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 68

منها قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ الخ «1»

بناء على كون المحرم جميع الانتفاعات.

و منها قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «2».

بدعوى دلالتها على وجوب الاجتناب عن كل رجس و هو نجس العين و الاجتناب لا يحصل الا بترك جميع الانتفاعات.

و منها قوله تعالى وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «3».

و لا يحصل الهجر الا بترك مطلق الانتفاع عنه.

و فيه ان الظاهر من التحريم او الامر بالاجتناب او الهجر هو في كل نجس بحسبه ففي الميتة هو الاكل و في الخمر الشرب و في الميسر اللعب به لا جميع التقلبات فيه و حذف المتعلق يفيد العموم ان لم يكن فيه ما هو الظاهر فيه بنظر العرف كما فى المقام لان الظاهر من حرمة الميتة و الدم حرمة اكلهما و فلا دلالة للآيات الكريمة المتقدمة على حرمة جميع الانتفاعات.

الأمر الثاني: بعض الروايات:

منها ما ورد في رواية «4» تحف العقول بعد قوله «او شي ء من وجوه النجس» فهذا كله حرام محرم لان ذلك كله منهى عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام».

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 3.

(2) سورة المائدة، الآية 90.

(3) سورة المدّثر، الآية 5.

(4) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل، ج 12، ص 56.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 69

و فيه أولا لا يبعد انصرافها الى خصوص الاكل و الشرب اللهم الا ان يقال ان قوله فلان ذلك كله منهى عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه

محرم يشمل غير الاكل و الشرب أيضا.

و ثانيا ان الظاهر منه التقلبات التي تكون فيها وجه من وجوه الفساد بقرينة قوله قبل ذلك.

او شي ء يكون فيها وجه من وجوه الفساد» و عدّ من شي ء من وجوه النجس فلا يستفاد الا حرمة الانتفاع في الجهات المحرمة.

و منها ما دل على حرمة بيع النجس بناء على كون النهى من جهة حرمة الانتفاع به.

و فيه ان كون هذا منشأ الحرمة غير معلوم ان لم يكن معلوم العدم.

منها بعض ما ورد في حرمة الانتفاع بالميتة و قد ذكرنا في طى المسألة 19 من المسائل المتعلقة بنجاسة الميتة.

مثل ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها قال لا الخ «1» و يمكن حملها على لبسها بعد الدباغ فلا يصلح الانتفاع بها لان جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لا مطلق الانتفاع فلا تدل على حرمة الانتفاع بالميتة مطلقا.

و مثل ما في راية سماعة قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال اذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده و أمّا الميتة فلا «2»

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 49 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 70

و مثل ما في رواية على بن ابي المغيرة قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي ء فقال لا، قلت بلغنا انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرّ بشاة ميتة فقال ما كان على هذه الشاة اذ لم ينتفعوا بلحمها

ان ينتفعوا بإهابها «بجلدها» قال تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما كان على اهلها اذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها اى تذكي «1».

و مثل ما رواها الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابى إسحاق عن ابي الحسن عليه السّلام قال كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السّلام لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب الخ. «2»

و هذه الروايات و ان كانت في الميتة الا أنّه يمكن ان يقال بحرمة الانتفاع في مطلق النجاسات بإلغاء الخصوصية.

و فيه منع ذلك و لا اقل من عدم القطع بوجود الملاك في مطلق نجس العين.

الأمر الثالث: دعوى الشهرة بل الاجماع على حرمة الانتفاع بنجس العين.

و فيه انه يمكن مستند فتواهم الروايات فلا يكون في البين اجماع بنحو يكون دليلا مستقلا.

فعلى هذا نقول أمّا في مطلق نجس العين فليس في البين ما يستفاد منه حرمة جميع الانتفاعات فاذا نقول الاقوى جواز الانتفاع بالاعيان النجسة في غير الجهات المحرمة غير الميتة و ان كان الاحوط استحبابا ترك جميع الانتفاعات.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 33 من ابواب الأطعمة المحرمة من الوسائل، ج 16.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 71

و أمّا في خصوص الميتة فقد عرفت دلالة بعض الروايات على حرمة الانتفاع بها مطلقا و في قباله يستدل ببعض الروايات على جواز الانتفاع بها قدمنا ذكره عند البحث عن جواز الانتفاع بالميتة و عدمه و نذكرها مزيدا للفائدة.

و هى ما رواها ابو القاسم الصيقل

و ولده قال كتبوا الى الرجل جعلنا اللّه فداك انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الاهليّة لا يجوز في اعمالنا غيرها فيحلّ لنا عملها و شرائها و بيعها و مسّها بايدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون الى جوابك فى هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا فكتب اجعل ثوبا للصلاة فكتب إليه جعلت فداك و قوائم السيوف التي تسمى السفن نتخذها من جلود المسك فهل يجوز لى العمل بها و لسنا ناكل لحومها فكتب عليه السّلام لا بأس «1».

و منها ما رواها الحسن بن على قال سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت جعلت فداك ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال هى حرام قلت فنصطبح بها قال أمّا تعلم انه يصيب اليد و الثوب و هو «2» حرام.

و منها ما رواها ابن ادريس نقلا عن كتاب جامع البزنظي صاحب الرضا عليه السّلام قال سألت عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هى احياء أ يصلح ان ينتفع بما قطع قال يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا بيعها «3».

و منها ما رواها ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الفراء فقال كان على بن الحسين عليه السّلام كان رجلا صردا لا يدفئه الفراء الحجاز لان دباغها

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب كتاب الاطعمة و الأشربة، ج 16.

(3) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب الصيد و الذبايح من

الوسائل، ج 16.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 72

بالقرض فكان يبعث الى العراق فيؤتي ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصلاة القاه و القى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان اهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكوته «1».

اذا عرفت ذلك نقول انّ هذه الروايات الاربعة على تقدير دلالتها لا تقاوم مع الروايات الدالة على العدم.

امّا الاولى منها فلانها مع ما يلوح منها آثار التقية لاعراض الامام عن الجواب لانه لم يجب عما سأله بل كتب اجعل ثوبا للصلاة تكون مما اعرض عنها الاصحاب لانه بمفادها تدل على جواز بيع الميتة فهى معرض عنها.

كما ان الرابعة منها ضعيفة السند كما قدمنا في محله.

و أمّا الثانية و الثالثة منها فلا تدلان الا على جواز الانتفاع باليات الغنم لخصوص الاستصباح فليس في البين من الروايات ما يمكن الاستدلال بها على الجواز.

ثم بعد ذلك هل نقول بعدم جواز مطلق الانتفاعات بدلالة الروايات المتقدمة.

او نقول بان الظاهر منها بعض الانتفاعات الظاهرة من النجاسات و هو البيع و الشراء و الاكل و الشرب لا مطلق الانتفاعات كل محتمل.

اقول مضافا الى ضعف سند بعض الروايات الدالة على عدم جواز الانتفاع كرواية على بن ابي المغيرة و الفتح بن يزيد فانهما مجهولان كما عن العلامة المامقاني رحمه اللّه.

بانه ما يأتي بالنظر هو احتمال آخر فى هذه الروايات و هو انه بعد ما يكون

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب لباس المصلى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 73

العامة يقولون بان ذكاة جلد الميتة دباغه و ينسبون كذبا هذا الفتوى الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحتمل

ان يكون النظر فى هذه الروايات الى الانتفاع بهذا النحو و انه لا يجوز ان ينتفع بجلد الميتة بما يقول العامة لعدم صيرورته مذكى بالدباغ كما ان دلالة بعض الاخبار المتقدمة على ذلك واضح كرواية على بن ابي المغيرة و هذا الاحتمال ان لم يكن اظهر الاحتمالات فلا اقل من تساويه مع ساير الاحتمالات فاذا ليس في البين ما يدل على حرمة مطلق الانتفاعات.

و مع الشك في الجواز و عدمه يكون المرجع اصالة البراءة و مما ذكرنا يظهر لك جواز الانتفاع بالاعيان النجسة مطلقا في غير ما يشترط فيه الطهارة و في غير الاستعمالات المحرمة حتى في الميتة و ان كان لا ينبغي ترك الاحتياط مطلقا و في خصوص الميتة بطريق الاولى لان العمدة ما ورد و يدل على عدم جواز الانتفاع ورد في خصوص الميتة فافهم.

***

[مسئلة 32: يحرم التسبب لاكل الغير او شربه الشي ء النجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: كما يحرم الاكل و الشرب للشي ء النجس كذا يحرم التسبب لاكل الغير او شربه و كذا التسبب لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة فلو باع او اعار شيئا نجسا قابلا للتطهير يجب الاعلام بنجاسته و اما اذا لم يكن هو السبب في استعماله بان راى ان ما يأكله شخص او يشربه او يصلي فيه نجس فلا يجب اعلامه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 74

(1)

اقول: للمسألة صور ثلاثة:

الصورة الاولى: ان يكون دخل الشخص في فعل الغير بنحو التسبيب

بان يكون من قصده ايجاد المسبب بهذا السّبب لاعتبار القصد الى المسبب في التسبيب في هذه الصورة يكون صدور الفعل مثلا الاكل او الشرب من الآخر بتسبيب الشخص بان قصد من السبب ايجاد المسبب و حصوله من الاكل او الشرب من الشخص الآخر.

الصورة الثانية: ان يكون الشخص سببا لصدور الفعل من الآخر لكن لا يقصد في ايجاد السبب

حصول المسبّب منه و ان كان هو السبب مثل ما جعل الماكول عند رجل آخر و هو اكله بلا التفات و لا اختيار و لم يقصد بجعله عنده أكله او شربه و لكن مع ذلك اكله او شربه بلا التفات و اختيار يعدّ الشخص سببا لاكله او شربه.

الصورة الثالثة: ان لا يكون تسبيب في البين
اشارة

و لا التسبب مثل ما راى الآخر يأكل النجس او يشربه و هو عالم به و لم يعلمه.

و نحن نتكلم إن شاء الله في حكم الصورة الاولى من حيث حرمة التسبيب و عدمه فان ساعدنا دليل على حرمة التسبيب نعطف عنان الكلام الى الصورة الثانية و الثالثة و ان لم يساعد الدليل على حرمة الاولى فالثانية و الثالثة لم تكونا حرامين بطريق الاولى فنقول بعونه تعالى

ما يمكن ان يستدل به على حرمة التسبيب امور:
الأمر الاول: ان ذلك حرام و وقوعه مبغوض للشارع

فلا يجوز التسبيب إليه.

و فيه انه تارة نعلم بمبغوضية شي ء على كل حال و كون المطلوب عدم وقوعه راسا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 75

و تارة نعلم بمبغوضية وقوعه على خصوص من توجه إليه التكليف كما انه يمكن كون الامر باحد هذين النحوين.

فان كان كالاول يجب على كل احد فعله ان كان واجبا مثل ازالة النجاسة عن المسجد و يجب تهيّة اسباب تركه و عدم وقوعه في الخارج ان كان منهيا عنه لمبغوضية وقوعه على كل حال و من كل احد فالشارع كره وجود هذا الفعل مطلقا في الخارج فيحرم التسبيب على وجوده و كذا من يرى انه يوجده في الخارج شخص آخر جهلا به و هو عالم يجب اعلامه و منعه عن ارتكاب هذا الفعل المبغوض و في هذا القسم يكون في الحقيقة النهى عن الفعل متعلّقا بالسبب كما تعلّق بالمباشر.

و أمّا لو لم يكن كذلك بل الفعل المحرم مبغوض صدوره عن خصوص من يكون مورد النهى لا على غيره ففي هذه الصورة لا يجب اعلامه بل لا مانع من تسبيبه و التسبب الى الفعل لانه على الفرض ليس مبغوضا بمعني يشمل التسبيب و التسبب.

و المقام ليس من قبيل القسم الاول لان حرمة اكل

النجس او شربه المتعلق بكل مكلف يكون من باب وجود ملاك مخصوص بصدوره عنه او تركه بخصوص هذا المكلف لا على غيره بل لو شككنا في مبغوضيته المطلقة و عدمها يكون مورد البراءة فهذا الوجه لا يكفي لإثبات المطلوب.

الأمر الثاني: ان يقال بحرمة التسبيب بملاك الامر بالمعروف و النهى عن المنكر

و ارشاد الضال.

و فيه ان كل ذلك يكون فرع كون صدور الفعل عن المباشر مبغوضا و منهيا عنه فى هذا الحال فيقال بحرمة التسبيب به و الحال انه ليس على الفرض الاكل او الشرب مع جهل المباشر بالنجاسة منهيا عنه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 76

الأمر الثالث: انه إعانة على الأثم.

و فيه انه مع فرض جهل المباشر لا اثم حتى يكون التسبيب او التسبب اعانة على الاثم.

الأمر الرابع: يقال بان النجاسة عيب خفي يجب اعلامه عند البيع.

و فيه أمّا أولا، فكونها عيبا يتوقف على مبغوضية استعمالها حتّى مع جهل المباشر و هذا أوّل الكلام.

و أمّا ثانيا، على تقدير تماميته يفيد في خصوص لزوم الاعلام في مقام البيع.

الأمر الخامس: دعوى دلالة بعض الروايات على حرمة تقرير الجاهل

على عمله.

مثل ما رواها ابو عبيدة قال قال ابو جعفر عليه السّلام من افتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «1» بدعوى صيرورة المفتي بغير علم سببا فعليه وزر من عمل بفتياه.

و فيه ان من يعمل بفتوى من يفتي بغير علم ان كان عالما بعدم علوم او جاهلا غير معذور فعليه الوزر فيما فعله على طبق فتواه فيكون مثل وزره على المفتي باعتبار نفس الفتوى بغير العلم نظير من سنّ سنة سيئة كان له وزرها و وزر من عمل بها لا من باب وجوب اعلام الجاهل او حرمة تقريره بترك اعلامه.

مضافا الى انه في صورة العلم لا معني لوجوب الاعلام او حرمة تركه.

و ان كان معذورا في العمل على طبق فتواه فلا وزر عليه حتى لحق المفتي

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب صفات القاضي و ما يجوزان يفني به من الوسائل، ج 18.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 77

بغير العلم.

و المفتي بغير علم عليه الوزر لنفس فتواه الذي أفتى بغير علم لا من باب عدم اعلام المستفتي به.

و كذلك في باب امام الجماعة من دلالة بعض الروايات على انه ان كان في صلاة الماموم نقص فعلي الامام.

ففيه أولا أني ما رأيت و ما وجدت رواية بهذا المضمون في ابواب صلاة الجماعة في بعض ما عندي من كتب الاخبار.

نعم ورد بعض الاخبار على خلافه و

ان امام الجماعة لا يضمن شيئا الا القراءة.

و ثانيا ان كان المراد مما ذكره الشيخ رحمه اللّه من ان الروايات الدالة على ان تقصير المامومين على الامام هو انهم لا يلتفتون و لا هم متذكرون بذلك و هم معذورون فلا تقصير عليهم فى هذه الصورة حتى يكون التقصير عليه.

و ان كانوا متذكرين بتقصيرهم فلا اثر للاعلام فلا بد من ان يحمل على ما يكون هو سبب تقصيرهم و العقاب و التقصير عليه في هذه الصورة يكون لمجرد اضلالهم لا لعدم اعلامهم.

و مثل ما رواها ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة تقع في السمن او في الزيت فتموت فيه فقال ان كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقى و ان كان ذائبا فاسرج به و أعلمهم اذا بعته «1».

و مثل ما رواها معاوية بن وهب و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في جرذ مات في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 6 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 78

زيت ما تقول في بيع ذلك فقال بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به «1».

بدعوى دلالتهما على الاعلام لان الاستصباح ليس واجبا على المشتري حتى يكون الاعلام لاجل توقف الواجب عليه بل الامر بالاعلام ليستصبح يكون عرضا و في الحقيقة يكون الاعلام واجبا لدلالة المشتري.

و المورد و ان كان خاصا من حيث ان السؤال و الجواب في الروايتين عن السمن او الزيت او الزيت المتنجّس و بيعه لكن بإلغاء الخصوصية يعمّ الحكم بغير المورد يعني غير مورد البيع و غير السّمن و الزيت.

اقول بعد تسلم تقييد بعض المطلقات الواردة في

الدهن المتنجس من انه يستصبح به بدون التقييد بالاعلام بهاتين الروايتين و الالتزام بوجوب الاعلام فالتعدي عن مورد الدهن المتنجس بغير بيعه مثل صورة جعله تحت يد الغير بالتسبب او التسبيب بلا بيع غير بعيد بإلغاء الخصوصية.

و لكن التعدي عن الدهن المتنجس بغير الدهن المتنجس بإلغاء الخصوصية مشكل لعدم القطع بوجود الملاك في غيره ان لم نقل بان نفس استثناء الدهن المتنجس شاهد على خصوصية فيه فلا وجه للتعدي من الدهن المتنجس الى غيره.

نعم ينبغي الاحتياط بالاعلام خصوصا في الاعيان النجسة.

هذا كله فيما لا يوجب التسبب و التسبيب ضررا على المباشر الجاهل في نفسه او غير نفسه.

و أمّا اذا كان موجبا للضرر فياتي إن شاء الله في المسألة 33 من هذا الفصل حرمة التسبيب و التسبب بل يجب الردع و ان لم يكن تسبيبا اذا كان اكل النجس او

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 6 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل، ج 12.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 79

شربه موجبا لاهلاك النفس.

و اذا لم يجب الاعلام في صورة التسبب لا يجب الاعلام في الصورة الثانية و هى صورة التسبيب و بعد عدم وجوب الاعلام فيهما لا اشكال في عدم وجوب الاعلام في الصورة الثالثة و هى الصورة التي لا تسبب و لا تسبيب فى العين بل يكون مجرد اطلاع الشخص بكون شي ء نجسا فيرى ان احدا يأكله او يشربه فلا يجب الاعلام.

و ممّا مر في الصور بالنّسبة الى الاعلام و التسبب للاكل و الشرب يظهر لك عدم حرمة التسبب لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة فلا يجب الاعلام الا في صورة البيع لما قلنا من انه يمكن الغاء الخصوصية بالنّسبة الى مطلق

النجس الذي يبيعه للاكل و الشرب او لاستعمالات المشروطة بالطهارة.

و أمّا في صورة البيع فأيضا لا دليل على وجوب الاعلام في غير الدهن المتنجس «و الزيت المتنجس لكونه مذكورا في رواية ابي بصير و رواية معاوية بن وهب» و كذا اذا اعاره بشخص.

و أمّا ما قال المؤلف رحمه اللّه من وجوب الاعلام فيما اذا باع او اعار شيئا نجسا قابلا للتطهير.

فلا وجه على مبناه للتقييد بصورة كون النجس قابلا للتطهير بل يجب الاعلام مع التسبيب حتى في النجس الذي لا يقبل التطهير.

***

[مسئلة 33: لا يجوز سقى المسكرات للأطفال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: لا يجوز سقى المسكرات للأطفال بل يجب ردعهم و كذا سائر الاعيان النجسة اذا كانت مضرة لهم بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 80

مطلقا و اما المتنجسات فان كان التنجّس من جهة كون ايديهم نجسة فالظاهر عدم البأس به و ان كان من جهة تنجس سابق فالاقوى جواز التسبب لاكلهم و ان كان الاحوط تركه و اما ردعهم عن الاكل او الشرب مع عدم التسبب فلا يجب من غير اشكال.

(1)

اقول: أمّا عدم جواز سقى المسكرات للأطفال فيدل عليه بعض الروايات:

منها ما رواها ابو الربيع الشامي قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر فقال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان اللّه عزّ و جلّ بعثني رحمة للعالمين و لأمحق المعازف و المزامير و أمور الجاهليّة و الاوثان و قال أقسم ربّي لا يشرب عبد لي خمرا في الدنيا الا سقيته مثل ما يشرب منها من الحميم معذّبا او مغفورا له و لا يسقيها عبد لي صبيا صغيرا او مملوكا ألّا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذبا او

مغفورا له «1» و هذه الرواية في خصوص الخمر.

و منها ما رواها عجلان ابو صالح قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام المولود يولد فنسقيه الخمر فقال لا من سقى مولودا مسكرا سقاه اللّه من الحميم و ان غفر له «2».

منها ما رواها حفص البختري و درست و هشام بن سالم عن عجلان أبي صالح قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول يقول اللّه عزّ و جلّ من شرب مسكرا أو سقاه صبيا لا يعقل سقيته من ماء الحميم مغفورا له او معذّبا و من ترك المسكر ابتغاء مرضاتي ادخلته الجنة و سقيته من الرحيق المختوم و فعلت من الكرامة ما فعلت

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 81

بأوليائي «1».

منها ما رواها محمد بن على بن الحسين في «الخصال» باسناده عن على عليه السّلام في حديث الأربعمائة قال من سقى صبيّا مسكرا و هو لا يعقل حسبه اللّه عزّ و جلّ في طينة خبال حتى يأتي ممّا صنع بمخرج «2».

اقول ان الرواية الاولى من الروايات المذكورة و ان كانت في خصوص الخمر لكن الروايات الثلاثة الاخير تدل على حرمة سقى الصبيان كل مسكر فيحرم سقى كل مسكر الصبيان.

و أمّا وجوب ردع الصبيان عن سقى المسكرات فيستفاد ذلك من اهتمام الشارع بتركه و عدم وقوعه باى نحو كان لمبغوضية وجوده في الخارج اعنى مبغوضية تحقق شربه حتى مبغوضية غرس شجرها فيما كان بهذا الداعي و هذا يكفي لمطلوبية الردع عن سقيها بل وجوبه.

و أمّا وجه حرمة سقى الصبيان غير المسكرات

من الاعيان النجسة فقال المؤلف رحمه اللّه بانه تارة يكون في استعماله الضرر و تارة لا ضرر في استعماله من شربه فقال بحرمة سقيها في كلتا الصورتين.

اقول أمّا فيما يوجب سقيها الضّرر على النفس فلا يجوز سقيها الصبيان لان الاضرار بالنفس حرام سواء كان موجبا للاضرار بنفس من يشربها او بغيرها.

و أمّا في غير ذلك فلا دليل على الحرمة لما قلنا من عدم دليل على حرمة التسبيب و التسبب في غير الدهن المتنجس في المسألة السابقة.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 10 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 82

و أمّا الكلام في وجوب ردع الصبيان عن سقى النجس و عدمه فنقول بان سقيهم تارة يوجب الاضرار بالنفس فيجب الردع لان حفظ النفس المحترمة واجب.

و أمّا في غير الصورة المذكورة فلا يجب الردع لعدم الدليل حتى فيما يوجب سقى الصبيان الضرر غير الضرر على النفس لعدم دليل على وجوب دفع كل ضرر عن الاشخاص.

و أمّا فيما لا يوجب ضرر عليهم فلا يجب الا ان يقال بوجوب الاعلام بمن يرى انه يأكل او يشرب النجس و قد مرّ في المسألة السابقة ان الاقوى عدم وجوبه و أمّا في المتنجس فنقول ان كان الاكل او الشرب موجبا لضرر على الصبيان او بغيرهم و كان الضرر ضرر النفس فيحرم التسبيب و التسبب كما يجب ردعهم على الشخص و ان لم يكن سببا في هذه الصورة اعنى صورة الضرر.

و أمّا فيما لا يوجب ذلك فالاقوى عدم حرمة التسبيب او التسبب كما انه لا يجب الردع على الشخص فى هذه الصورة سواء كان

تنجيس المتنجس بيد هذا الشخص او بسبب نجاسة سابقة موجودة في المتنجس لما مر من عدم الدليل و مع الشك فالمرجع اصالة البراءة عن تحريم التسبب و وجوب الردع.

و في المقام يكون الدليل على عدم حرمة التسبب و التسبيب و عدم وجوب الردع ما ورد من جواز ارضاع الكتابية طفل المسلم و الحال انّ لبنه نجس و في المتنجس بطريق الاولى.

و امّا المؤلف رحمه اللّه قال في النجس بوجوب الردع مطلقا و في المتنجس فصلّ بين صورة كون سبب نجاسة المتنجس ملاقاته ليد النجسة من الصبي و بين النجاسة السابقة و لعلّ ذلك لعدم الحرمة في الصورة الاولى مسلّما لابتلاء الصبيان بالنجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 83

غالبا فينجس ما يريدون ان يأكلوا او يشربوا بملاقاة بعض اجزاء بدنهم و لكن الاقوى عدم حرمة التسبب و التسبيب و عدم وجوب الردع في كلتا الصورتين.

***

[مسئلة 34: اذا كان موضع من بيته او فرشه نجسا فورد عليه ضيف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: اذا كان موضع من بيته او فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره برطوبة مسرية ففي وجوب اعلامه اشكال و ان كان احوط بل لا يخلو عن قوة و كذا اذا احضر عنده طعاما ثمّ علم بنجاسته بل و كذا اذا كان الطعام للغير و جماعة مشغولون بالاكل فرأى واحد منهم فيه نجاسة و ان كان عدم الوجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوة لعدم كونه سببا لاكل الغير بخلاف الصورة السابقة.

(1)

اقول: أمّا بناء على ما قلنا في المسألة 32 من عدم وجوب الاعلام حتى في صورة التسبيب و التسبب فلا يجب الاعلام في جميع الصور و ان كان احوط فيما كان تسبيب او تسبب من فبل صاحب البيت.

و أما بناء على

قول المؤلف رحمه اللّه من وجوب الاعلام فيما يكون تسبيب او تسبب فمنشأ وجوب الاعلام هو كون صاحب البيت سببا و منشأ عدم وجوب الاعلام هو عدم سببيّته الا اذا كان وروده في بيته و جلوسه فيه او على فرشه بدعوته.

و أما اذا أحضر عند الضيف طعاما و هو نجس فيصدق التسبيب و لو لم يكن من قصده تنجيسه و الا فمع التّقييد يصدق التسبيب و لا بدّ من ان من يقول بوجوب الاعلام ان يقول بوجوب الاعلام في ذلك المقام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 84

و أمّا من وجد في طعام الغير نجاسة فلا يجب الاعلام حتى على مختار المؤلف رحمه اللّه لعدم تسبيب في البين.

***

[مسئلة 35: اذا استعار ظرفا او فرشا او غيرهما من جاره فتنجس عنده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: اذا استعار ظرفا او فرشا او غيرهما من جاره فتنجس عنده هل يجب عليه الاعلام عند الرد فيه اشكال و الاحوط الاعلام بل لا يخلو من قوة اذا كان مما يستعمله المالك فيما يشترط فيه الطهارة.

(1)

اقول: أمّا على مختارنا من عدم وجوب الاعلام و مضى الكلام فى المسألة 32 فلا يجب الاعلام.

و اما بناء على مختار المؤلف رحمه اللّه من وجوب الاعلام في صورة كانت تسبيب او تسبب للنجاسة و لهذا قال في المسألة 32 بوجوب الاعلام فيما باع او أعار شيئا نجسا قابلا للتطهير يجب الاعلام بنجاسته فلا فرق بين المعير و المستعير بل يدور مدار التسبيب فان كان تسبيب يجب الاعلام و لم أدر لم مشى فى هذه المسألة بهذا النحو فراجع حتى يظهر لك الحال إن شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 85

فصل: فى الصلاة فى النجس

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 87

قوله رحمه اللّه

فصل فى الصلاة فى النجس اذا صلى في النجس فان كان عن علم و عمد بطلت صلاته و كذا اذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم بان لم يعلم ان الشي ء الفلاني مثل عرق الجنب عن الحرام نجس او عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة و أما اذا كان جاهلا بالموضوع بان لم يعلم ان ثوبه او بدنه لاقي البول مثلا فان لم يلتفت اصلا او ألتفت بعد الفراغ من الصلاة صحت صلاته و لا يجب عليه القضاء بل لا الاعادة في الوقت و ان كان احوط و ان التفت في اثناء الصلاة فان علم سبقها و ان بعض صلاته وقع مع النجاسة بطلت مع سعة الوقت للاعادة و ان

كان الاحوط الاتمام ثم الاعادة و مع ضيق الوقت ان امكن التطهير او التبديل و هو في الصلاة من غير لزوم المنافي فليفعل ذلك و يتم و كانت صحيحة و ان لم يمكن اتمّها و كانت صحيحة و ان علم حدوثها في الاثناء مع عدم إتيان شي ء من اجزائها مع النجاسة او علم بها و شك في آنها كانت سابقة او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 88

حدثت فعلا مع سعة الوقت و امكان التّطهير او التبديل يتمّها بعدهما و مع عدم الامكان يستأنف و مع ضيق الوقت يتمّها مع النجاسة و لا شي ء عليه و أما اذا كان ناسيا فالاقوى وجوب الإعادة او القضاء مطلقا سواء تذكر بعد الصلاة او في أثنائها امكن التّطهير او التبديل او لا.

(1)

اقول: الكلام فى الفصل يقع فى طى امور:

الأمر الاول: اذا صلي في النجس عالما عامدا بالحكم و الموضوع

بطلت صلاته بلا اشكال لان هذا مقتضي شرطيّة الطهارة عن الخبث او مانعيّة النجاسة الخبثيّة او كليتهما للصلاة «على الكلام فيها» فلو التزمنا بالصحة في الفرض يلزم لغوية اعتبارها فيها وجودا او عدما او كليهما و هو واضح الفساد.

الأمر الثاني: اذا صلي في النجس من باب الجهل بالحكم

و كان جهله عن تقصير فتبطل صلاته لعدم معذورية الجاهل المقصر في الحكم الا في موضعين و قد مضى بعض الكلام فى المجلد الاول من هذا الكتاب «ذخيرة العقبى» في مبحث التقليد.

الأمر الثالث: اذا صلي في النجس جاهلا بالحكم

و كان جهله عن قصور فلو لم يلتفت اصلا فهو يكون معذورا بناء على معذورية الجاهل القاصر.

و أمّا لو التفت فبعد الالتفات يكون بحكم العالم و تفصيل الكلام في محله.

الأمر الرابع: اذا صلي الشخص في النجس جهلا و كان جهله، الجهل بالموضوع

و لا يعلم بذلك الا بعد الفراغ من الصلاة بان كان جاهلا بوقوع النجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 89

في بدنه او ثوبه و صلّى ثمّ تبين له بعد الصلاة آنها وقعت في النجاسة.

و لا اشكال في صحة الصلاة فى هذه الصورة لدلالة جملة من الروايات عليها و قبل ذكر الروايات نقول مضافا الى انه مع القول باجزاء المأمور به بالامر الظاهري عن المامور به بالامر الواقعي اذا كان المامور به هو الطبيعة و كان المامور به بالامر الظاهري فردا لها يكون المامور به بالامر الظاهري مجزيا عن الواقعى.

منها ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به قال عليه ان يبتدئ الصلاة قال: و سألته عن رجل يصلى و في ثوبه جنابة او دم حتى فرغ من صلاته ثمّ علم قال مضى صلاته لا شي ء عليه «1».

و منها ما رواها عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اصاب ثوبه جنابة او دم قال ان كان علم انه اصاب ثوبه جنابة او دم قبل ان يصلّي ثمّ صلّى فيه و لم يغسله قبله فعليه ان يعيد ما صلّى و ان كان لم يعلم به فليس عليه اعادة و ان كان يرى انه اصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء «2».

و منها ما رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من انسان او سنور او كلب أ يعيد صلاته قال ان كان لم يعلم فلا يعيد «3».

و منها ما رواها العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلي في ثوب رجل اياما ثمّ ان صاحب الثوب اخبره انه لا يصلي فيه قال لا يعيد شيئا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 90

من صلاته «1».

و منها ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان اصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل ان يصلّي فنسى و صلّى فيه فعليه الاعادة «2».

و مفاد هذه الروايات كما ترى عدم وجوب الاعادة على من علم بالنجاسة بعد الصلاة و الاعادة أمّا اعم تشمل الاعادة في الوقت و كذلك القضاء في خارج الوقت او لا تكون أعمّ بل المراد من الاعادة خصوص الاعادة في الوقت فعلى الاول تشمل الروايات بمنطوقها اللفظي كلتا الصورتين اعنى صورة حصول العلم بالنجاسة بعد الصلاة مع بقاء وقتها و صورة العلم بالنجاسة بعد الصلاة و مضى وقتها يعني صورة حصول العلم بالنجاسة بعد الصلاة و بعد خروج وقتها و على الاحتمال الثاني تدل الروايات بمنطوقها اللفظي صورة حصول العلم بالنجاسة بعد الصلاة مع بقاء وقت الصلاة حين العلم بالنجاسة فيقال فى هذه الصورة اعنى صورة العلم بالنجاسة بعد الصلاة و

مع بقاء الوقت بانه لا تجب الاعادة اذا علم بالنجاسة بعد الصلاة و بعد انقضاء الوقت بالاولوية القطعية لانه مع عدم وجوب الاعادة فى فرض كون العلم بالنجاسة بعد الصلاة فى الوقت فاذا كان حصول العلم بالنجاسة بعد الصلاة مع مضى وقتها لا تجب الاعادة بطريق الاولى كما ذهب المشهور في صورة حصول العلم بالنجاسة بعد الصلاة بعدم وجوبها سواء كان العلم في الوقت او خارجه فلا تجب الاعادة و القضاء.

و في قبال هذه الروايات بعض الروايات يدل بظاهره على وجوب اعادة

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 91

الصلاة اذا صلّى في النجس و علم به بعد الصلاة.

منها ما رواها وهب بن عبد ربه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه فيصلي فيه ثمّ يعلم بعد ذلك قال يعيد اذا لم يكن علم «1».

و منها ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن رجل صلّى و في ثوبه بول او جنابة فقال علم به او لم يعلم فعليه اعادة الصلاة اذا علم «2».

و ظاهر هذه الطائفة من الاخبار وجوب اعادة الصلاة و الاعادة عبارة عن اتيان الصلاة مجدّدا سواء كانت في الوقت او خارج الوقت.

لكن قد يقال كما ذهب إليه جمع من الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم بالتفصيل في المسألة بين صورة حصول العلم بالنجاسة بعد الصلاة في الوقت و بين الصّورة التي حصل العلم بالنجاسة بعد الصلاة و بعد انقضاء وقتها و بعبارة اخرى علم بالنجاسة بعد الصلاة

و بعد مضى وقتها فيقال في الصورة الاولى بوجوب الاعادة و في الصورة الثانية بعدم وجوب اعادة الصلاة بحمل الطائفة الاولى من الروايات الدالة على عدم وجوب الاعادة بصورة كون حصول العلم بالنجاسة بعد الصلاة و بعد انقضاء الوقت و حمل الطائفة الثانية من الروايات المتقدمة الدالة على وجوب الاعادة على صورة كون العلم بالنجاسة بعد الصلاة مع كون العلم حاصلا في وقت الصلاة و عدم مضى الوقت و بهذا النحو يجمع بين الطائفتين المتقدمتين من الاخبار.

و فيه أولا ان هذا جمع تبرّعي لا يساعده نظر العرف.

و ثانيا انه يأبى ذلك بعض الروايات من الطائفة الاولى الدالة على عدم وجوب اعادة الصلاة لو علم بعد الصلاة وقوعها مع النجاسة مثل الرواية الاولى

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 92

من هذه الطائفة التي رواها ابو بصير لانه قال عليه السّلام «مضت صلاته و لا شي ء عليه» و هذه الفقرة من الرواية تدل على ان صلاته صارت ممضاة و لا شي ء عليه لا ما يقتضيه الجمع المذكور من كون وجه عدم الاعادة هو حصول العلم بالنجاسة بعد مضى الوقت.

فعلي هذا يقع التعارض بين الطائفين من الروايات لو لم يمكن الجمع بين الطائفتين بنحو آخر.

لكن يمكن الجمع بنحو آخر و هو جمع عرفي بحمل الطائفة الثانية الظاهرة في وجوب الاعادة على الاستحباب بقرينة الطائفة الاولى الّتي تكون نصا في عدم وجوب الاعادة كما يصنع في نظائرهما.

و ان ابيت عن ذلك و التزمت بعدم امكان الجمع العرفي بينهما و كونهما متعارضين فنقول بانه في صورة التعارض

لا بد من الاخذ بما فيه المرجح ان كان في إحداهما المرجح و حيث ان اوّل المرجحات يكون الشهرة فالترجيح مع الطائفة الاولى سواء كانت الشهرة المرجحة هى الروائية او الفتوائية لان الطائفة الاولى اشهر رواية و فتوى من الطائفة الثانية فتكون النتيجة عدم وجوب اعادة الصلاة الواقعة في النجاسة اذا علم بها بعد الصلاة سواء حصل العلم بها بعد الصلاة في الوقت او في خارج الوقت.

و هنا تفصيل آخر حكى عن بعض المتاخرين و لا يرى قائل به بين المتقدمين رحمهم اللّه جميعا و هو التفصيل في محل الكلام بين صورة الفحص عن النجاسة قبل الصلاة و عدم الوقوف عليه ثمّ بعد اتيان الصلاة علم بوقوع النجاسة و وقوع الصلاة في النجاسة فلا يجب عليه اعادة الصلاة.

و بين صورة عدم الفحص قبل الصلاة عن النجاسة ثمّ بعد الصلاة علم بوقوع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 93

الصلاة في النجاسة فيجب عليه اعادة الصلاة فى هذه الصورة.

و يستدل على هذا التفصيل بروايات:

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ذكر المني فشدّد فجعله اشدّ من البول ثمّ قال ان رايت المني قبل او بعد ما تدخل في الصلاة فعليك اعادة الصلاة و ان انت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رايته بعد فلا اعادة عليك فكذلك البول «1».

الرواية الثانية: ما رواها ميمون الصيقل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فاذا في ثوبه جنابة فقال الحمد للّه الذي لم يدع شيئا إلا و له حدّ أن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا

إعادة عليه و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الاعادة «2».

اقول اعلم ان هاتين الروايتين مضافا الى كونهما مخالفتين مع ما ذهب إليه المشهور تكونان معارضتين مع كل من الطائفتين المتقدمتين لان الطائفة الاولى منهما دالة على عدم وجوب اعادة الصلاة اذا علم بعد الفراغ عن الصلاة بوقوعها في النجاسة مطلقا سواء نظر قبل الصلاة و لم ير النجاسة او لم ينظر.

و الطائفة الثانية منهما دالة على وجوب اعادة الصلاة اذا علم بعد الصلاة بوقوع الصلاة في النجاسة سواء نظر قبل الصلاة و لم ير النجاسة او لم ينظر لان مفاد هاتين الروايتين هو التفصيل بين صورة النظر قبل الصلاة و عدم رؤية النجاسة فلا تجب الاعادة و بين صورة عدم النظر فتجب الاعادة اذا علم بالنجاسة بعد الصلاة.

و لا يمكن الجمع بينهما بما يستفاد من الروايتين من التفصيل بين النظر قبل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 94

الصلاة و بين عدم النظر لان بعض من الروايات الطائفة الاولى الدالة على عدم وجوب اعادة الصلاة اذا علم بعدها بوقوع الصلاة في النجاسة مطلقا يدل على عدم الاعادة حتى مع الفحص و النظر قبل الصلاة فانظر الى الرواية الثالثة من هذه الطائفة من الروايات و هى ما رواها العيص بن القاسم المتقدمة ذكرها نذكرها تتميما للفائدة «روى العيص «1» بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل صلّى في ثوب رجل ايّاما ثمّ ان صاحب الثوب اخبره انه لا يصلي فيه قال لا يعيد شيئا من صلاته» وجه الدلالة على

ان موردها عدم الفحص و النظر لانه لو تفحص قبل صلاته من نجاسة الثوب و عدمه فلا بد من الفحص عن صاحبه و لو سئل عنه يعلمه بانه لا يصلي فيه فمع كون موردها عدم النظر و الفحص قال عليه السّلام «لا يعيد شيئا من صلاته».

و بعد عدم امكان الجمع بينهما و وقوع التعارض فحيث انه قلنا في المتعارضين بانه لو كان لاحدهما ترجيح على الآخر بسبب احد المرجحات يؤخذ به.

نقول بان الترجيح مع الطائفة الاولى من الروايات الدالة على على عدم وجوب الاعادة لو علم بعد الصلاة بوقوع الصلاة في النجاسة لان اوّل المرجحات يكون الشهرة و هى ان كانت فتوائية فالترجيح مع هذه الطائفة من الاخبار لان المشهور قائلون بعدم الاعادة و ان كانت الروائية فهذه الطائفة اشهر.

مضافا الى ان الطائفة الثالثة من الروايات اعنى ما يدل على التفصيل بين الفحص و النظر قبل الصلاة و عدمه في عدم وجوب الاعادة و وجوبها تعارضت مع واحدة من روايتي زرارة المتمسكة «2» بها لحجية الاستصحاب لان فيها بعد ما قال

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 37 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 95

السائل «فهل عليّ ان شككت في انه اصابه شي ء ان النظر فيه» قال عليه السّلام «لا و لكنك انما تريد ان تذهب بالشك الذي وقع في نفسك» لان مفاد هاتين الروايتين دخل الفحص و النظر قبل الصلاة و عدمه في عدم وجوب الاعادة و وجوبها و الحال ان مقتضي رواية زرارة عدم كون الفحص و النظر مؤثرا في عدم وجوب الاعادة بل لا اثر للفحص

بمقتضى رواية زرارة الا ذهاب شك الشخص فيقع التعارض بينهما و بين رواية زرارة و مع التعارض فالترجيح مع رواية زرارة.

فتلخص مما مرّ أنه اذا صلّى الشخص في النجس جهلا و كان جهله من باب الجهل بالموضوع و علم بالنجاسة بعد الصلاة لا يجب عليه اعادة الصلاة اذا علم بعد الصلاة في الوقت و لا خارج الوقت اذا علم خارج الوقت بوقوع صلاته في النجاسة.

الأمر الخامس: اذا راى الشخص في بدنه او ثوبه نجاسة حال الصلاة فللمسألة صور ثلاثة:
الصورة الاولى: صورة علم بالنجاسة حال الصلاة و علم بحدوث النجاسة في الحال

بحيث لم يقع جزء مما مضى من اجزاء الصلاة و لا ما بقى منها في النجاسة مثلا يعلم برعافه في الحال بعد اتيان الجزء الماضي و قيل اتيان الجزء اللاحق من صلاته.

فنقول بعونه تعالى بانه تارة يتمكن الشخص من نزع النجس او طرحه او تبديله اذا كانت النجاسة في ثوبه او تطهر بدنه او ثوبه النجس بدون فعل المنافي.

و تارة لا يتمكن من ذلك كله.

فان تمكن من ازالة النجاسة الواقعة في بدنه او ثوبه بنحو من الانحاء فلا اشكال في انه لو فعل ما يوجب ازالة النجاسة بالنحو الشرعي يتمّ صلاته و تقع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 96

صلاته صحيحة.

لان الكلام تارة يقع فى صحة ما مضى من صلاته و عدمها فلا اشكال في صحتها لان ما وقع من صلاته وقع صحيحا واجدا للاجزاء و الشرائط و منها الطهارة على الفرض مضافا الى دلالة بعض الاخبار الوارد في مورد من رعف في صلاته على ذلك نذكر لك إن شاء الله في طى هذا البحث.

و تارة يقع الكلام في صحة الصلاة من حيث الزمان الذي يحتاج في ازالة النجاسة الواقعة في الثوب او البدن الى نزع الثوب او تبديله او تطهير الثوب او البدن بعد حصول العلم

له بالنجاسة فيقع هذا الكون الواقع للازالة مع النجاسة مع كونه الكون الصلاتي لانه واقع في اثناء الصلاة فالمصلي في هذا الحال الذي هو الكون الصلاتي يكون مع النجاسة.

فنقول هذا المقدار مغتفر.

اما أولا فلدلالة بعض الروايات الواردة فيمن رعف في الصلاة بانه يغسل انفه و يتم صلاته.

مثل ما رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سأله عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته فقال ان كان الماء عن يمينه او عن شماله او عن خلفه فليغسله من غير ان يلتفت و ليبن على صلاته فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة قال و القي ء مثل ذلك «1».

و مثل ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يأخذه الرعاف و القي ء في الصلاة كيف يصنع قال ينفتل فيغسل انفه و يعود في صلاته و ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب قواطع الصلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 97

تكلم فليعد صلاته و ليس عليه وضوء «1».

و مثل ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة فقال ان قدر على ماء عنده يمينا و شمالا او بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمّ ليصلّ ما بقى من صلاته و ان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه و يتكلم قطع صلاته «2».

و مثل ما رواها معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرعاف أ ينقض الوضوء قال لو ان رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء او

من يشير إليه بماء فتناوله فقال «فمال ظ» برأسه فغسله فليبن على صلاته و لا يقطعها «3».

و مثل ما رواها على بن جعفر عن اخيه قال و سألته عن رجل رعف و هو في صلاة و خلفه ماء هل يجوز له ان ينكص على عقيبه حتى يتناول الماء فيغسل الدم قال اذا لم يلتفت فلا بأس. «4»

و يستفاد من هذه الروايات اغتفار النجاسة الحادثة في الصلاة بعد العلم به في المقدار الذي يخرج الدم و يحتاج الى الازالة بنزعه او تبديله او تطهيره.

و مورد الروايات و ان كان دم الرعاف لكنه من الواضح عدم انحصار الحكم بخصوصه دم الرعاف بل يتعدى منه الى كل دم حادث في حال الصلاة بل من الواضح انه يتعدى الى غير الدم من النجاسات فلو تنجس الثوب او البدن حال الصلاة بنجاسة اخرى مثل البول او الغائط يكون حكمه في حمل الكلام حكم دم

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب قواطع الصلاة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب قواطع الصلاة من الوسائل.

(3) الرواية 11 من الباب 2 من ابواب قواطع الصلاة من الوسائل.

(4) الرواية 18 من الباب 2 من ابواب قواطع الصلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 98

الرعاف.

و ثانيا قيل بان القدر المتقين من اعتبار الطهارة عن الخبث و عدم النجاسة في الصلاة وجودا او عدما او كليهما «على الكلام فيه» هو دخلها في خصوص اجزاء الصلاة و افعالها و أمّا في اكوان الصلاة فدخلها غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم فلو لم يكن المصلي مشتغلا بجزء من اجزاء الصلاة و لا فعل من افعالها و كان بدنه او

ثوبه نجسا فى هذا الحال فلا يضر بصلاته.

و لكن اورد عليه بان هذا المقدار الذي يزيل النجاسة فيه يكون من الصلاة و الصلاة عبارة عن الاعم من اجزائها و شرائطها و الاكوان المتخللة ببينها و لهذا قلنا بان بعض الامور قواطع للصلاة لان المصلي اذا كبّر فهو في الصلاة الى ان يسلّم.

هذا كله في ما مضى من صلاته فى هذه الصلاة.

ثمّ نقول و تارة يقع الكلام فيما بقى من صلاته فنقول بعد فرض صحة ما مضى من صلاته و اغتفار النجاسة في الزمان المتخلّل بين العلم بها و بين ازالتها فعلى الفرض فقد اوجد الطهارة لما بقى من صلاته فيقيم باقي صلاته واجدا للشرط و فاقدا عن المانع و تصير الصلاة صحيحة فلا اشكال في هذه الصورة.

و أمّا اذا علم بحدوث النجاسة في اثناء الصلاة بحيث لم يقع جزء من صلاته مع النجاسة في بدنه او ثوبه و لم يتمكن من تطهيره و لا تبديل ثوبه و لا نزعه ان كانت النجاسة في ثوبه.

فتارة يكون في سعة الوقت فيقطع الصلاة و يحصّل الشرط و يصلّي و لا يمكن له اتمام الصلاة مع النجاسة لان ما مضى من صلاته و ان وقع صحيحا و المقدار من الزمان الّذي علم بالنجاسة الى زمان ازالة النجاسة و تحصيل الشرط و ان كان مغتفرا و لكنه على الفرض لا يتمكن من ازالة النجاسة فلا يمكن له حفظ الشرط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 99

او ازالة المانع لما بقى من صلاته فلا يمكن له اتمام هذه الصلاة فيقطعها ثمّ يعيدها.

و تارة يكون في ضيق الوقت فياتي الكلام فيه إن شاء الله في طى المسألة الرابعة من

مسائل هذا الفصل.

الصورة الثانية: اذا رأى الشخص في بدنه او ثوبه نجاسة في حال الصلاة

و شك في انها حدثت في الآن بحيث لم يقع جزء او شرط من الصلاة مع النجاسة او حدثت قبل ذلك بحيث انه وقع تمام ما مضى من صلاته او بعضها مع النجاسة فنقول بانه تارة يتمكن من تطهير بدنه او ثوبه او نزع ثوبه او تبديله فلا اشكال في انه لو ازال النجاسة باحد الانحاء و يأتي بما بقى من صلاته تقع الصلاة صحيحة.

اما أولا فلان مع الشك في حدوث النجاسة فى الحال او آنها كانت سابقة يكفي استصحاب طهارة البدن او الثوب او كليهما مع الشك في كونها فيها سابقا او لا لصحة ما مضى من صلاته.

و حدوثه في الحال كما قلنا في الصورة السابقة مغتفر في المقدار الذي يزيل النجاسة بعد العلم و يأتي بما بقى من صلاته فتكون صلاته صحيحة كما ينادي بذلك ما في احدى روايتي زرارة المتمسكة «1» بهما في باب الاستصحاب و هو هذا «و ان لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت و غسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعله شي ء اوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك ابدا».

و ثانيا يدل على صحة ما مضى من الصلاة ما ذكرنا من الروايات الدالة على صحة الصلاة الواقعة في النجس جهلا بالموضوع و تذكّر بعد الصلاة بالاولوية لانه بعد كون معلوم النجاسة بعد الانكشاف مغتفرا فالمشكوك نجاسته يكون اولى هذا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 44 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 100

بالنسبة الى ما مضى من صلاته.

و أمّا بالنسبة الى الزمان المتخلل بين زمان العلم بالنجاسة و بين زمان ازالتها بتطهيرها او نزع الثوب الواقع فيه

النجاسة او تبديله فلما قلنا في الصورة الاولى.

و كذا بالنسبة الى ما بقى من صلاته بعد ازالة النجاسة بالتطهير او طرح الثوب او تبديله تكون الصلاة واجدة للشرط و فاقدة للمانع.

الصورة الثالثة: اذا رأى الشخص في حال الصلاة نجاسة في بدنه او ثوبه و علم بان تمام ما مضى من صلاته او بعضها وقع في النجس
اشارة

ففي المسألة قولان:

القول الاول: صحة الصلاة

لو تمكن المصلي بعد العلم بالنجاسة في اثناء الصلاة بتطهير بدنه او ثوبه او نزعه او تبديله.

و ان لم يتمكن من ذلك ففي سعة الوقت يقطع صلاته و يحصّل الشرط و يعيد صلاته و مع ضيق الوقت يتمّ صلاته فى هذه الحالة و تصح صلاته و هذا القول ذهب إليه المشهور.

القول الثاني: القول بفساد الصلاة

و ان امكن للمصلي ازالة النجاسة عن البدن او الثوب بالتطهير او طرح الثوب او تبديله في سعة الوقت ذهب إليه جمع من المتاخرين و أمّا في ضيق الوقت فان امكن ازالة النجاسة بدون استلزامه للمنافي بتطهير بدنه او ثوبه او نزعه او تبديله فليفعل و يتم صلاته و تقع صحيحة و ان لم يمكن ذلك اتمها و كانت صحيحة و هذا القول مختار المؤلف رحمه اللّه.

اذا عرفت ذلك نقول بانه لو كنّا و ما ورد من الاخبار الدالة على عدم وجوب اعادة الصلاة على من صلي في النجس جهلا بالموضوع مع انكشاف الحال بعد الصلاة و قدّمنا ذكرها يكون الحق في المسألة هو القول الاول لانه بعد فرض صحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 101

الصلاة مع وقوع تمامها في النجاسة فكذلك بعض الصلاة ان لم نقل بكون الصحة فى البعض اولى.

مضافا الى انه لو قلنا بمقالة سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي قدّس سرّه من اجزاء المامور به بالامر الظاهري عن المأمور به بالامر الواقعي فيما كان المأمور به الطّبيعة و كان المأمور به بالامر الظاهري فردا للطبيعة و بعد صحة ما مضى من صلاته فان امكن ازالة النجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او نزع ثوبه او تبديله بدون فعل المنافي يتم صلاته و تقع صحيحة.

و لكن في المقام بعض

الأخبار قيل بدلالته على القول الثاني فنذكر هذه الروايات و مقدار دلالتها و ما يمكن ان يعارضها و ما يمكن به الجمع بينهما ثمّ ما ينبغي ان يقال في المسألة إن شاء اللّه.

فنقول أمّا ما قيل بدلالته على فساد الصلاة في الصورة المفروضة روايات:

الرواية الاولى: من الروايات هى فقرة من رواية زرارة المتمسكة بهذه الرواية في باب الاستصحاب و هذه الفقرة ما نذكره «أن رأيته في ثوبي و انا في الصلاة قال تنقض الصلاة و تعيد اذا شككت في موضع منه ثمّ رايته و أن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت و غسلته ثمّ بنيت على الصلاة لانك لا تدري لعلّه شي ء اوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك ابدا «1».

يستدل بصدر هذه الفقرة على فساد الصلاة في مفروض الكلام بناء على حمله على صورة وجود الدم في الثوب من السابق و علم به في اثناء صلاته «لا على صورة العلم الاجمالي بوقوع الدم في ثوبه من السابق و كون شكه في موضعه لا في

______________________________

(1) و هذه الفقرة جعلها صاحب الوسائل؛ الرواية 1 من الباب 44 من ابواب النجاسات من الوسائل و بعض الاخر من الرواية في بعض الابواب الآخر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 102

اصله و علم في أثناء الصلاة وقوع الدم في الثرب» بقرينة مقابلتها مع الصورة الثانية و هى صورة رؤية الدم في الثوب و شكه في انه حدث في الحال او كان من السابق.

و أما ذيلها فلان المستفاد من التّعليل و هو قوله «لانك لا تدري لعله شي ء اوقع عليك» كون العلة لعدم الاعادة احتماله وقوع النجاسة في الاثناء و طروّها فعلا حيث انه

لم يقع جزء من اجزاء صلاته مقترنا بالمانع.

فاذا علم بسبقها عن الصلاة و وقوع بعض اجزائها مع المانع تبطل الصلاة لعدم وجود العلة و ان اشكل في الفقرة الاولى لان فيها احتمالين و لكن لا اشكال في الفقرة الثانية.

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ذكر المني فشدّده فجعله أشدّ من البول ثمّ قال ان رأيت المنى قبل او بعد ما تدخل في الصلاة فعليك اعادة الصلاة و ان انت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثمّ رايته بعد ذلك فلا اعادة عليك فكذلك البول «1» بناء على حمل الفقرة الاولى على صورة جهله بالنجاسة و علمه بذلك في الاثناء.

و فيه انه يحتمل كون موردها هو علمه بالنجاسة قبل الصلاة فنسيها فتذكر في اثناء الصلاة لان المفروض فيها رؤية المني قبل الصلاة او بعد ما يدخل في الصلاة فنسيها و لا يمكن حمل رؤيته قبل الصلاة على دخوله في الصلاة عالما عامدا فيكون دخوله فيها بحسب الظاهر نسيانا.

الرواية الثالثة: ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به قال عليه ان يبتدى الصلاة قال و سألته عن رجل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 103

يصلّي و في ثوبه جنابة او دم حتى فرغ من صلاته ثمّ علم قال مضت صلاته و لا شي ء عليه. «1»

و في قبال تلك الاخبار بعض الاخبار يدلّ على عدم فساد الصلاة او يمكن ان يقال بدلالته على ذلك.

الرواية الاولى: ما رواها داود بن سرحان عن ابي

عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصلّي فابصر في ثوبه دما قال يتمّ «2» بناء على حمل الدم فى مورد السؤال على الاكثر من الدرهم و الا فلا يتمّ الاستدلال بها على عدم فساد الصلاة فيما نحن فيه.

الرواية الثانية: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال أن رأيت في ثوبك دما و انت تصلّي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك فاذا انصرفت فاغسله قال و أن كنت رأيته قبل ان تصلّي فلم تغسله ثمّ رأيته بعد و انت في صلاتك فانصرف فاغسله واعد صلاتك. «3»

اذا عرفت ذلك نقول بانه قد يقال بان الطائفة الاولى من الطائفتين المتقدمتين من الروايات تدل على فساد الصلاة برؤية الدم او المني في اثناء الصلاة مطلقا سواء تمكن من ازالة النجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او تبديل ثوبه او طرحه او لا يتمكن من ذلك و سواء كان في سعة الوقت او ضيق الوقت.

و تدلّ الطائفة الثانية على عدم فساد الصلاة و اتمامها بهذا الحال سواء تمكن من ازالة النجاسة باحد من الانحاء او لا و سواء كان في سعة الوقت او ضيقه و لا يمكن العمل بإطلاق كلتا الطائفتين لان من يقول ببطلان الصلاة يقول ببطلانه مع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 44 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 44 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 104

سعة الوقت لازالة النجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او تبديل ثوبه او نزعه و الاعادة و الا لو لم يكن الوقت موسّعا للاعادة بعد تطهير

بدنه و لباسه او ثوبه او نزع ثوبه او تبديله في حال الصلاة بدون فعل المنافي ان امكن له ذلك يقول بأنه يصلّي في النجس او يصلي عريانا على الكلام فيه.

و من يقول بعدم نقض الصلاة و عدم فساده لا يقول بالاتمام مطلقا مع النجس بل يقول ان تمكن الشخص حال الصلاة من ازالة النجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او نزعه او تبديله بدون فعل المنافي يفعل ذلك و ان لم يتمكن من ذلك ففي سعة الوقت ينقض صلاته و يعيد و في ضيق الوقت يصلي في النجس او يصلي عريانا على الكلام فيه فلم تكن الطائفتان من الروايات محمولة بهما.

و لكن يمكن الجمع بينهما بحمل الطائفة الاولى الدالة على فساد الصلاة على صورة عدم تمكن المصلّي من اتمام الصلاة بازالة النجاسة من تطهير بدنه او ثوبه او نزع ثوبه او تبديله مع عدم فعل المنافي و في سعة الوقت للاعادة.

و حمل الطائفة الثانية على خصوص صورة لا يتمكن من ذلك فيقيّد اطلاق هذه الطائفة الدالة على الاتمام مطلقا على خصوص صورة لا يتمكن من ازالة النجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او نزعه او تبديله بدون فعل المنافي و في صورة ضيق الوقت للاعادة فيرتفع التعارض بينهما و تكون النتيجة على وفق مذهب المشهور و يقال بانه يدلّ و يشهد على هذا الجمع.

ما روى محمد بن مسلم قال قلت له الدم يكون في الثوب عليّ و انا في الصلاة قال ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان اقل

من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل او لم تره و اذا كنت قد رأيته و هو اكثر من مقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 105

الدرهم فضيّعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فاعد ما صليت فيه «1» ما ذكرنا من متن الرواية كان المذكور بنقل الكافي «محمد بن يعقوب».

و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب و رواه الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر و ذكر الحديث و زاد «و ليس ذلك بمنزلة المني و البول».

بدعوى دلالتها على التفصيل ففي صورة تفسد الصلاة و في صورة تصح الصلاة فتحمل الطائفة الاولى الدالة على الفساد على صورة تدل رواية محمد بن مسلم على فسادها و تحمل الطائفة الثانية الدالة على الصحة على خصوص صورة تدل رواية محمد بن مسلم على صحتها.

و بعبارة اخرى يقيد كل من الطائفتين برواية محمد بن مسلم و تكون الرواية شاهدة الجمع.

اقول أمّا التمسك برواية محمد بن مسلم بعنوان شاهدة الجمع.

فنقول بانه ان كان قوله «ما لم يزد على مقدار الدرهم» قيد الكل من الشرطين فلا تدل الرواية الا على صحة الصلاة بطرح الثوب فيما يمكن الطرح بكون ثوب آخر له و صحة الصلاة بدون طرح الثوب فيما لا يكون له ثوب آخر و فيما لا يكون الدم الواقع اكثر من الدرهم.

فهذه الرواية مضافا الى عدم قابليتها لان تصير شاهدة للجمع بين الطائفتين المتقدمين من الروايات لان الكلام في النجاسة الغير المعفوّ عنها من الدم لان مفاد الطائفتين من الروايات الدالتين على فساد الصلاة او صحتها فيما يرى النجاسة المانعة للصلاة في البدن او الثوب حال الصلاة و لم يكن الدم الغير البالغ حدّ الدرهم

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 106

من جملة الموانع سواء راه قبل الصلاة او في اثنائها، تعارضت مع بعض الروايات الدالة على العفو من الدم الذي لم يبلغ حد الدرهم في الصلاة لان مفهوم. قوله في رواية محمد بن مسلم هو العفو فيما لم يزد الدم عن الدرهم و ان كان بقدر الدرهم فيعارض بمفهومها مع ما يدل على عدم العفو اذا كان بقدر الدرهم لان ظاهر هذا البعض فيما يكون بقدر الدرهم هو عدم العفو.

و ان كان قيد الخصوص الشرطيّة الثانية فتعارض مفهوم الشرطيّة الثانية مع منطوق الشرطيّة الاولى لان مفهوم الثانية هو انه ان كان لك ثوب غيره و الدم يزيد على مقدار الدرهم فلا تمض في صلاتك و الحال ان منطوق الاولى و هو قوله «ان رايته و ليس عليك ثوب غيره فلا تطرحه و صلّ» عدم وجوب طرح الثوب و المضى في الصلاة سواء كان الدم اكثر من الدرهم او الاقل و أمّا مع قطع النظر عن رواية محمد بن مسلم فلا شاهد لهذا الجمع.

فما نقول في المقام قد يقال بالجمع بين الطائفتين المتقدمتين من الاخبار بحمل الطائفة الاولى الآمرة باعادة الصلاة على الاستحباب بقرينة الطائفة الثانية الدالّة على جواز المضى في الصلاة و عدم وجوب الاعادة.

و فيه ان نتيجة هذا الجمع هو اتمام الصلاة مع النجاسة و هذا مما لم يقل به احد لان الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم بين من يقول بفساد الصلاة اذا علم بالنجاسة في ثوب او بدنه حال الصلاة و كون النجاسة في احدهما من قبل و بين من يقول بانه ان تمكن

من ازالة النجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او طرحه او تبديله يفعل ذلك و يتم صلاته و ليس قائل باتمام الصلاة مع النجاسة مع التمكن من تطهير بدنه او ثوبه او طرح ثوبه او تبديله بدون فعل المنافي وسعة الوقت.

فلهذا لا يمكن الجمع بهذا النحو كما انه لا مجال للجمع بين الطائفتين بحمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 107

الطائفة الثانية منهما على صورة كون الدم الذي يراه حال الصلاة اقل الدرهم.

وجه عدم المجال هو ان ذلك الجمع مناف مع اطلاق الرواية الاولى من هذه الطائفة اعنى الطائفة الثانية و ما في ذيل الرواية الثانية من هذه الطائفة من الانصراف عن الصلاة و غسل موضع المتنجس بالدم و اعادة الصلاة اذا كان دخوله في الصلاة ناسيا عن الدم لانه لو كان الدم في الرواية هو الاقل من الدرهم فلا يضر وجوده و ان دخل في الصلاة عالما به فضلا عن صورة النسيان.

ثمّ بعد ذلك نقول أولا يحتمل كون المفروض فى الطائفة الثانية صور العلم بالنجاسة فى الاثناء مع فرض العلم بحدوثه او شك بين كونها حادثا و بين كونها سابقا ففي هذه الصورة قال يتمّها و ظاهرها و ان كان مطلقا للامر بالاتمام بدون ذكر تطهير موضع النجس من البدن او الثوب او طرحه او تبديله لكن نقيّد اطلاقها بما دلّ على ذلك و تقدم في الصورة الاولى و الثانى من الامر الخامس.

و ثانيا على فرض كون الظاهر من هذه الطائفة صورة العلم بالنجاسة في الاثناء مع العلم بكونها من السابق.

نقول بان اطلاق الخبرين اعنى الطائفة الثانية تقتضي وجوب الاتمام و صحة الصلاة بهذه الحالة اعنى مع النجس حتى مع التمكن من

تطهير بدنه او ثوبه او نزع ثوبه او تبديله و بعبارة اخرى تكون نتيجة اطلاقها عدم شرطية الطهارة عن الخبث حتى بعد العلم فيما بقى من اجزاء الصلاة و هذا مما لم يقل به احد و لا يمكن الالتزام به لان لازمه كما عرفت عدم شرطية الطهارة عن الخبث او مانعيّة النجاسة حتى في حال العلم بالنجاسة و هذا خلف لان المفروض شرطية الطهارة عن الخبث او مانعية النجاسة او كليهما «على الكلام في ذلك».

و ما قيل من حمل الطائفة الثانية على صورة عدم التمكن من ازالة النجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 108

بتطهير بدنه او ثوبه او طرح ثوبه او نزعه و ضيق الوقت عن الاعادة.

ففيه انه لو قيل بذلك في رواية داود بن سرحان لا يقبل ذلك الحمل رواية عبد اللّه بن سنان لانه فرض فيها صورة النسيان فامر بقطع الصلاة و التطهير و الاعادة فيكشف كون موردها سعة الوقت.

فتلخص انه ان امكن حمل الطائفة الثانية على صورة احتمال حدوث النجاسة في الاثناء او علمه بذلك فهو، و الا فليست معمولا بها و لذلك يحصل الوهن فيها و تبقي الطائفة الاولى بلا معارض و لو اشكل في دلالة بعضها لا يمكن الاشكال في دلالة كلها فتكفي دلالة بعضها على فساد الصلاة لو علم بالنجاسة في الاثناء مع علمه بكونها سابقة بحيث انه وقع تمام ما مضى من صلاته او بعضها مع النجاسة.

و لكن مع ذلك حيث لم يعمل المشهور بهذه الاخبار و افتوا بانه اذا تمكن من ازالة النّجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او طرح ثوبه او تبديله يفعل و يتم صلاته نقول بان الاحتياط مع امكان ازالة النجاسة

و حصول التطهير باحد الانحاء المذكورة بعد التذكر في اثناء الصلاة باتمام الصلاة ثمّ اعادة الصلاة.

هذا كله فيما علم بالنجاسة في اثناء الصلاة و يكون الوقت موسّعا لان يعيد صلاته واجدة للشرط و أما مع ضيق الوقت عن اعادة الصلاة واجدة للشرط مثل ما اذا لم يبق من الوقت مقدار اداء ركعة فقالوا بأنه أن أمكن له التطهير او طرح الثوب او تبديله اذا كانت النجاسة في الثوب و إتمام الصلاة واجدة للشرط فهو و الا يتمّ الصلاة مع النجس او يصلي عريانا عند من يقول بتقديم الصلاة عريانا على الصلاة مع النجس فيما لا يتمكن من تطهير الثوب و لا محظور في طرحه.

و أمّا بناء على قول المشهور فلا اشكال في الصورتين لانهم في صورة سعة الوقت افتوا بوجوب التطهير او الطرح او تبديل الثوب ان امكن ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 109

و أمّا بناء على قول من يقول في سعة الوقت عن الاعادة ببطلان الصلاة في مسئلتنا من باب دلالة الاخبار المتقدمة مثل خبر زرارة و محمد بن مسلم و ابي بصير فهو كيف يقول مع ضيق الوقت ان امكن التطهير او طرح الثوب او تبديله يفعل و يتم صلاته و الا يتمّ صلاته مع النجس و صحت و لا تجب الاعادة.

قد يقال وجه اتمام الصلاة في ضيق الوقت باحد النحوين أمّا بتطهير الثوب او طرحه او تبديله و أمّا بالصلاة فيه بان لم يتمكن من التطهير او طرح الثوب او تبديله او الصلاة عريانا أمّا من باب دعوى انصراف الروايات المتقدمة عن مورد ضيق الوقت فان المتيقن منها مورد يكون الوقت باقيا بعد قطع الصلاة لاعادتها و فيه

انه لا وجه للانصراف.

و أمّا من باب ان شرطية الطهارة او مانعية النجاسة تزاحم مع شرطية الوقت لانه ان صار في مقام تحصيل الطهارة يمضي الوقت و في هذا الحال تكون متزاحمين و في صورة التزاحم لا بد من الاخذ بالاهم منهما ان كان اهم في البين و الاهم هو الوقت فلا بد من حفظه فان امكن تطهير البدن او الثوب او نزع الثوب او تبديله حفظ شرطية الطهارة و الوقت كليهما يجب ذلك و ان لم يتمكن من ازالة النجاسة باحد الانحاء المذكورة لا بد له من حفظ الوقت و اتمام الصلاة فى الثوب النجس او الصلاة عريانا «على الكلام فيه».

و فيه انه ان كان منشأ الاشكال فيما بقى من الصلاة مع فرض صحة ما مضى منها كان لذلك الكلام مجال اذ يقال بانه بعد عدم بقاء الوقت بقدر ادراك ركعة في الوقت لو قطع الصلاة لان يحصّل شرط الطهارة و يمضي الوقت فيدور الامر بين حفظ الوقت و اتمام الصلاة في النجس و بين قطع الصلاة لاجل تحصيل الشرط اى شرط الطهارة فيزاحمان الشرطين و حيث ان الوقت اهم فيكون التكليف الصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 110

فيه او عاريا فيقال و ان كان اطلاق الروايات المتقدمة يقتضي قطع الصلاة و تحصيل الشرط لكن لا بد من حفظ الوقت كما قلنا لك.

و لكن العمدة هى ان مقتضي الروايات المتقدمة بناء على العمل على طبقها هو فساد ما تقدم من الصلاة فالمصلي حال تذكره في اثناء الصلاة يكون مثل من لم يشرع في الصلاة و ضاق الوقت و على الفرض لا تزاحم بين شرطيّة الطهارة و بين شرطية الوقت لانه

لا يمكن مع فرض عدم امكان ركعة فى هذا الحال حفظ الوقت حتى يكون مورد التزاحم فبهذا النحو لا يمكن تصحيح صحة الصلاة في ضيق الوقت على مبنى المتاخرين القائلين بفساد الصلاة في سعة الوقت.

الا ان يقال بان فساد الصلاة في صورة ضيق الوقت في صورة وقوع بعض الصلاة في النجس لم يقل به احد فالرواية من هذا الحيث لا تكون معمولة بها و بعد عدم كون هذه الروايات من هذا الحيث معمولا بها.

فنحكم بانه في ضيق الوقت أن أمكن التطهير او التبديل او طرح الثوب يفعل و يتم صلاته و ان لم يتمكن يصلي مع النجس او عاريا «على الكلام فيه» لما دلّ من الروايات على صحة الصلاة فيما تذكر بعد وقوعها من النجس من باب عدم عدم الفرق بين علمه بعد الصلاة او في اثنائها بالنسبة الى ما مضى من الصلاة مع النجس.

و أمّا بالنسبة الى الزمان المتخلل بين العلم و الطرح او التبديل او التطهير فلما ورد فيمن يرعف في الصلاة.

و فيما بقى من صلاته لاجل كونه بعد التطهير او الطرح او التبديل واجدا للشرط و فيما لا يمكن من كل ذلك فلما يأتي من انه لا بد و ان يصلّي مع الثوب النجس او عاريا في المسألة الرابعة.

الأمر السادس: اذا علم بالنجاسة فنسيها و صلّى فيها ثمّ تذكر
اشارة

فللمسألة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 111

صورتان:

الصورة الاولى: ما اذا نسى النجاسة و لم يتذكر بها الا بعد الصلاة

ففيها اقوال ثلاثة:

قول بوجوب اعادة الصلاة اذا تذكر بعد الصلاة في الوقت و القضاء في خارج الوقت.

و قول آخر بعدم وجوب الاعادة و القضاء كليهما.

و قول ثالث و هو وجوب الاعادة لو تذكر بعد الصلاة في الوقت و عدم وجوب القضاء لو تذكر بعد الوقت.

و منشأ ذلك اختلاف الاخبار فنذكر الروايات ثمّ ما ينبغي ان يقال إن شاء الله في المقام.

فنقول أمّا ما يمكن ان يستدل به على وجوب الاعادة و القضاء فروايات:

الرواية الاولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اصاب ثوبه جنابة او دم قال ان كان قد علم انه اصاب ثوبه جنابة او دم قبل ان يصلي ثمّ صلّى فيه و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلّى و ان كان لم يعلم به فليس عليه اعادة و ان كان يرى انه اصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء «1».

الرواية الثانية: ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ان اصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل ان يصلّي فنسى و صلّى فيه فعليه الاعادة «2».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 112

الرواية الثالثة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام قال سألته عن الرجل احتجم فاصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى اذا كان من الغد كيف يصنع

قال ان كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي و لا.

ينقص منه شي ء و ان كان رآه و قد صلّى فليعتد بتلك الصلاة ثمّ ليغسله. «1»

الرواية الرابعة ما رواها زرارة قال قلت له اصاب ثوبي دم رعاف او غيره او شي ء من منى فعلمت اثره الى ان اصيب له الماء فاصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثمّ اني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة و تغسله قلت فاني لم اكن رايت موضعه و علمت انه اصابه فصليت فلم اقدر عليه فلمّا صليت وجدته قال تغسله و تعيد. «2»

الرواية الخامسة: ما رواها ابن مسكان قال بعثت بمسألة الى أبي عبد اللّه عليه السّلام مع ابراهيم بن ميمون قلت سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي و يذكر بعد ذلك انه لم يغسلها قاله يغسلها و يعيد صلاته «3».

الرواية السادسة: ما رواها سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى ان يغسله حتى يصلّي قال يعيد صلاته كى يهتمّ بالشي ء اذا كان في ثوبه عقوبة نسيانه قلت فكيف يصنع من لم يعلم أ يعيد حين يرفعه قال و لكن يستأنف. «4»

الرواية السابعة: ما رواها الحسين «الحسن» بن زياد قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلى ثمّ يذكر بعد انه لم يغسله

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 5 من

الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 113

قال يغسله و يعيد صلاته «1».

الرواية الثامنة: ما رواها سماعة قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثمّ توضأت و نسيت ان تستنجي فذكرت بعد ما صلّيت فعليك الاعادة و أن كنت ارهقت الماء فنسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك لان البول مثل البراز «2».

الرواية التاسعة: ما رواها محمد بن مسلم «و هذه الرواية ذكرناها في الامر الخامس من الامور الراجعة بالفصل و نذكر هنا الفقرة التي يستدل بها على فساد الصلاة و وجوب اعادتها و هى هذه» و اذا كنت قد رأيته و هو اكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه «3».

و مفاد ما ذكرنا من الروايات كما ترى وجوب اعادة الصلاة لو صلّى في النجس نسيانا و تذكر بعد الصلاة.

اما ما يستدل على عدم وجوب الاعادة في محل الكلام فروايات:

الرواية الاولى: ما رواها هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتوضأ و ينسى ان يغسل ذكره و قد بال فقال يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة «4».

الرواية الثانية: ما رواها على بن جعفر اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته انه لم يستنج من الخلاء قال ينصرف و يستنجي من

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 10 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية

2 من الباب 10 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 114

الخلاء و يعيد الصلاة و ان ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا اعادة عليه «1» تدل هذه الرواية على التفضيل بين صورة التذكر في اثناء الصلاة لا تبطل الصلاة و بين التذكر بعد الصلاة فلا تجب الاعادة.

الرواية الثالثة: ما رواها عمار بن موسى قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لو ان رجلا نسي ان يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة «2».

الرواية الرابعة: ما رواها ابو العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء فينسي ان يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة قال لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له «3» هذا كله فيما يدل على عدم وجوب اعادة الصلاة فيمن صلّى في النجس نسيانا و تذكر بعد الصلاة.

و أمّا ما يستدلّ به على التفضيل او يمكن ان يستدل به للتفصيل بين صورة تذكره بعد الصلاة في الوقت و بين تذكره بعد الصلاة و بعد الوقت فهي الرواية التي رواها على بن مهزيار (قال كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل و أنه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشك انه اصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة ثمّ نسى ان يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه ثمّ توضأ وضوء الصلاة فصلّى فأجابه بجواب قراءته بخطّه أمّا ما توهمت ممّا أصاب يدك فليس بشي ء الا ما تحقق فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلاة

اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل ان الرجل اذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت و اذا كان جنبا او صلّى

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 10 من ابواب احكام الخلوة، من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 115

على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لانّ الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك إن شاء اللّه) «1».

اذا عرفت ذلك نقول قد يقال او قيل بالتفصيل في المسألة كما نقلنا في مقام ذكر الاحتمالات بين صورة التذكر بعد الصلاة في الوقت و بين التذكر في خارج الوقت فاذا نسى النجاسة و صلّى معها ثم تذكر بعد الصلاة فان كان تذكره في الوقت يجب عليه الاعادة و ان تذكر بعد الوقت لا يجب قضاء الصلاة فيدعى ان بذلك يحصل التوفيق و الجمع بين الطائفة الاولى من الروايات الدالة بظاهرها على وجوب الاعادة مطلقا في الوقت و خارجه.

و بين الطائفة الثانية من الروايات الدالة بظاهرها على عدم وجوب الاعادة مطلقا في الوقت و خارجه و الشاهد الطائفة الثالثة اعنى رواية على بن مهزيار الدالة على هذا التفضيل.

و فيه أنه مضافا الى ضعف سند رواية على بن مهزيار لكونها مضمرة و لا ندري عمن روى الراوي.

و مضافا الى كون سليمان بن رشيد مجهول الحال كما قال سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي قدس سره الشريف.

و مضافا الى اضطراب متن الحديث أولا للتعليل المذكور فيه لوجوب

اعادة الصلاة في الوقت بقوله.

«ان الرجل اذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت» و الحال انه في الفرض المذكور في الحديث كان وضوئه فاسدا و صلّى قهرا بلا طهارة حدثية

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 116

و لا اشكال في وجوب الاعادة فى هذه الصورة مطلقا في الوقت و خارجه مع فقد الطهارة الحدثية كما هو صريح ذيل الرواية.

و ثانيا بان ما قال في ذيل الحديث و هو قوله «لان الثوب خلاف الجسد» فلما لم يكن في مقام بيان حكم الجسد في الصدر استند في الحكم الذي يكون في الثوب على ما قاله و هو قوله بعد وجوب الاعادة في الوقت «من قبل ان الرجل اذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت».

نقول بان لا يمكن التعويل على هذه الرواية لكونها مما اعرض عنه الاصحاب.

و مع قطع النظر عن رواية على بن مهزيار و ما فيها من الاشكال.

نقول بأنه لا يمكن الجمع بين الطائفة الاولى من الطائفتين الدالة بظاهرها على وجوب الاعادة في مفروض المسألة مطلقا يعني سواء كان التذكر بعد الصلاة بوقوعها في النجاسة ناسيا في الوقت او في خارج الوقت و بين الطائفة الثانية الدالة بظاهرها على عدم وجوب الاعادة مطلقا سواء كان التذكر بعد الصلاة في الوقت او خارج الوقت بحمل الطائفة الاولى على صورة تذكره في الوقت و حمل الطائفة الثانية على تذكره خارج الوقت حتى تكون النتيجة وجوب الاعادة في صورة التذكر في الوقت و عدم وجوب القضاء في صورة تذكر الشخص بعد الوقت.

اما أوّلا فلان الجمع بهذا

النحو يكون تبرعيّا لعدم مساعدة العرف معه.

و ثانيا لا يساعد مع هذا الجمع ظاهر بعض الروايات بل صراحته في شمول وجوب الاعادة لخارج الوقت و قضاء الصلاة مثل ما في رواية محمد بن مسلم و هى التاسعة من الروايات الطائفة الاولى لانه قال فيها «و اذا رايته و هو اكثر من مقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 117

الدرهم فضيّعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فاعد ما صليت فيه» «1» فان الظاهر من صلاة كثيرة هو اكثر من الصلاة المفروضة في وقت واحد و مع ذلك امر بالاعادة فيها فلم يمكن الجمع بين الطائفتين بهذا النحو.

اذا عرفت ذلك نقول هل يمكن الجمع بين الطائفتين من الروايات بحمل الطائفة الاولى الظاهرة في وجوب الاعادة على الاستحباب بقرينة لطائفة الثانية التي نص في عدم وجوب الاعادة بحمل الظاهر على النص كما هو المعمول به في نظائرها و هو جمع عرفي او لا يمكن ذلك.

اقول يشكل الجمع بهذا النحو فيما نحن فيه لاباء بعض من الروايات عن ذلك مثل الرواية السادسة من الطائفة الاولى حيث ان التعليل الوارد فيها من ان الاعادة تكون عقوبة لنسيانه لا يلائم مع الاستحباب لانه مع فرض استحباب الاعادة لا يكون عقوبة له من جهة وقوع صلاته نسيانا مع النجاسة لعدم تحفظه.

مضافا الى ان الظاهر من الطائفة الاولى هو الفرق بين الجاهل و الناسي و لا يمكن الالتزام بالاستحباب فقط في الناسي لان الجاهل يستحب له الاعادة كما قلنا فلا بد ان يكون الفرق بينهما بوجوب الاعادة في الناسى دون الجاهل.

فاذا نقول بعد عدم امكان الجمع العرفي بين الطائفتين تصيران متعارضتين و المرجح ان كانت الشهرة الفتوائية فهى مع

الطائفة الاولى لان المشهور يفتون على طبقها و ان كانت الشهرة الشهرة الروائي فلا يبعد أيضا كون الطائفة الاولى اشهر من الثانية.

و لو اغمضنا عن هذا المرجح فلا يبعد كون الاولى مخالفا للعامة.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل (و ما ذكرنا هنا جزء من الرواية).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 118

و بعد الإغماض عن هذا المرجح فالطائفة الاولى كما قيل اصح سندا و اشهر مضمونا.

الصورة الثانية: اذا صلّى في النجس نسيانا و تذكر في اثناء الصلاة

فحكمها حكم الصورة الاولى.

اما أولا فلان المستفاد من الاخبار المتقدمة الدالة على وجوب الاعادة اذا صلّى نسيانا في النجس هو كون النجاسة موجبة لاعادة الصلاة و لا فرق في ذلك بين وقوع تمام الصلاة في النجس او بعضها خصوصا مع جعل النسيان في قبال الجهل بالموضوع.

و ثانيا العقوبة المذكورة في الرواية السادسة من الطائفة الاولى و هى كون وجوب الاعادة عقوبة لنسيانه النجاسة و موجودة في فرض نسيان النجاسة في بعض الصلاة.

و ثالثا دلالة الرواية الثانية من الطائفة الثانية فان فيها و ان لم تجب الاعادة على من صلي في النجس نسيانا و تذكر بعد الصلاة لكن فيها قال فيمن يتذكر في اثناء الصلاة على وقوع ما مضى من صلاته في النجس «ينصرف و يستنجي و يعيد الصلاة».

ثمّ انه لا فرق في بطلان الصلاة و وجوب الاعادة بين صورة يتمكن الشخص في اثناء الصلاة عن ازالة النجاسة بتطهير بدنه او ثوبه او تبديل الثوب او طرحه و بين عدم التمكن من ذلك لاطلاق الادلة الدالّة على بطلان الصلاة و وجوب الاعادة في صورة نسيان الصلاة و وقوع الصلاة كلها او بعضها في النجس.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 119

[مسئلة 1: ناسى الحكم تكليفا او وضعا كجاهله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ناسى الحكم تكليفا او وضعا كجاهله في وجوب الاعادة و القضاء.

(1)

اقول من نسى ان الواجب عليه ازالة النجاسة عن بدنه و ثيابه حال الصلاة و صلي فيها فهو بحكم الجاهل بالحكم و لا فرق في الجاهل بالحكم بين من يكون جاهلا بالحكم راسا و بين من علم الحكم ثمّ نسيه من حيث وجوب الاعادة و القضاء عليه لاطلاق الدليل.

اعلم انه لا بد و ان يكون مفروض الكلام ناسي الحكم

وضعا لعدم وجوب الطهارة عن الخبث في الصلاة تكليفا بحيث يكون من اخلّ به في الصلاة يعاقب على ترك صلاته و فسادها لترك الطهارة التي كانت شرطا في الصلاة مضافا الى عدم كون نسيان الحكم تكليفا بدون نسيان الحكم الوضعي اى الشرطية موجبا للاعادة و القضاء فما قال المؤلف رحمه اللّه من فرض ناسي الحكم تكليفا غير تمام و التعجب من انه لم نر احدا من المحشّين يتذكر بذلك فتأمّل.

***

[مسئلة 2: لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته ثمّ صلّى فيه و بعد ذلك تبيّن له بقاء نجاسته فالظاهر انه من باب الجهل بالموضوع فلا يجب عليه الاعادة او القضاء و كذلك لو شك في نجاسته ثمّ تبين بعد الصلاة انه كان نجسا و كذا لو علم بنجاسته فاخبره الوكيل في تطهيره بطهارته او شهدت البيّنة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 120

بتطهيره ثم تبين الخلاف، و كذا لو وقعت قطرة بول او دم مثلا و شك في آنها وقعت على ثوبه او على الارض ثمّ تبيّن آنها وقعت على ثوبه و كذا لو راى في بدنه او ثوبه دما و قطع بانه دم البق او دم القروح المعفو او انه اقل من الدرهم او نحو ذلك ثمّ تبين انه مما لا يجوز الصلاة فيه و كذا لو شك في شي ء من ذلك ثمّ تبين انه مما لا يجوز فجميع هذه من الجهل بالنجاسة لا يجب فيه الاعادة او القضاء.

(1)

اقول في مسئلة مسائل:

المسألة الاولى: اذا غسل الشخص ثوبه النجس و حصل له العلم بطهارته

و صلّى فيه ثمّ بعد ذلك تبيّن انه نجس فهل يكون المورد من صغريات الجهل بالموضوع حتى لا يجب عليه الاعادة او القضاء او لا.

اعلم ان ما يمكن ان يكون وجها لكون المورد من صغريات الجهل بالموضوع بعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها ميمون الصيقل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له رجل اصابته جنابة بالليل فاغتسل فلمّا اصبح نظر فاذا في ثوبه جنابة فقال الحمد للّه الذي لم يدع شيئا إلا و له حدّ ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا اعادة عليه و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الاعادة «1».

بدعوى

ان مفاد الرواية التفصيل بين الفحص و غيره فلا يجب الاعادة في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 121

الاول و يجب في الثاني و ظاهرها موضوعية الفحص سواء كان الفحص عن اصل النجاسة او الفحص عن زوال النجاسة.

و فيه ان ظاهر الرواية موردها الفحص عن اصل النجاسة و لا اطلاق لها يشمل صورة الفحص عن زوال النجاسة.

مضافا الى ان السيد المؤلف رحمه اللّه القائل بعدم وجوب الاعادة و القضاء في المورد لم يقل في صورة الجهل بالموضوع بالتفصيل بين الفحص و عدمه.

الرواية الثانية: ما رواها ميسّر قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبلغ في غسله فاصلي فيه فاذا هو يابس قال أعد صلاتك أمّا انك لو كنت غسلت انت لم يكن عليك شي ء «1».

بدعوى دلالة قوله عليه السّلام «امّا انّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء» على موضوعية غسله و علمه بالطهارة لعدم وجوب الاعادة و القضاء عليه.

و فيه انه من المتحمل ان عدم شي ء عليه في صورة غسله بنفسه كان من باب انه يجاهد بنفسه في تطهيره و ازالة النجاسة عنه فيحصل تطهيره و لم ينكشف الخلاف بعد ذلك له و الشّاهد، انّ المذكور في الصدر هو عدم مراقبة الجارية في الغسل و لاجل هذا بقى الوسخ في الثوب.

و بعد هذا نقول ما يمكن ان يكون وجها للمسألة هو ان هذا المورد يكون باعتبار علم الشخص بزوال النجاسة جاهلا بالموضوع اى بموضوع النجاسة فيشمله ما دل على معذورية الجاهل بالموضوع لو انكشف بعد الصلاة كونه مستصحب النجاسة حال الصلاة.

______________________________

(1) الرواية 1

من الباب 18 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 122

و الاستدلال برواية ميسّر المتقدمة على كون المورد من صغريات الصلاة في النجس عالما بالطهارة من باب ان الصلاة في الثوب الذي غسلته الجارية يكون من باب العلم بطهارة الثوب او الاعتماد بقولها و فعلها من باب اصالة الصحة و بعبارة اخرى حمل فعل المسلم على الصحة فكان دخول الشخص في الصلاة عالما بزوال النجاسة و مع هذا قال عليه السّلام اعد صلاتك.

فتدل الرواية على وجوب الاعادة فيما غسل ثوبه النجس و علم بطهارته و صلي فيه ثمّ تبين بقاء نجاسته ليس في محله.

لان الصلاة في النجس في مفروض الرواية تكون من باب الاعتماد بقول الجارية او فعله باصالة الصحة فمع الشك في التطهير صلّى فيه اعتمادا بالاصل و معني الرواية الردع عن العمل باصالة الصحة.

و لو لم تكن هذه الرواية لقلنا في موردها بانه من الجهل بالموضوع و لا يجب الاعادة فيه و هذا غير موردنا يكون الدخول بالقطع.

المسألة الثانية: اذا شك في نجاسة الثوب فصلّى فيه

ثمّ تبين بعد الصلاة نجاسته فتارة تكون حالته السابقة النجاسة ثمّ شك في زوال نجاسته و بقائها فحيث انه يكون مقتضي الاستصحاب بقاء النجاسة يكون الشخص بحكم العالم بالنجاسة يجب عليه الاعادة و القضاء و الظاهر ان نظر المؤلف رحمه اللّه ليس بهذه الصورة و تارة لا يكون كذلك بمعنى انه لم يكن فى حال الشك محكوما بالنجاسة بدليل او اصل ففى هذه الصورة يكون من الجهل بالموضوع.

المسألة الثالثة: اذا علم الشخص بنجاسة ثوبه فأخبره البينة او الوكيل بطهارته

و تطهيره.

أمّا فيما اخبرت البينة بالطهارة فلا اشكال في كون المورد من الجهل بالموضوع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 123

مثل الفرض الثاني من المسألة الثانية فلو صلي في الثوب ثمّ تبين بقاء النجاسة لا تجب الاعادة و القضاء.

أمّا فيما اخبر الوكيل بطهارته و تطهيره فان قلنا باعتبار قوله و انه من جملة طرق ثبوت الطهارة و النجاسة أمّا من باب انه ذو اليد و أمّا من باب ما ورد من اعتبار قول القصار و الجزار و الجارية المامورة بتطهير ثوب مولاها و الحجام فهو مثل البينة و يكون من صغريات الجهل بالموضوع و اما لو أشكلنا في ذلك «و يأتي الكلام فيه إن شاء الله في الفصل المنعقد له في المطهرات» فيكون المورد من صغريات العالم بالحكم و محكوما به فتجب على من صلي في الثوب في الفرض الاعادة و القضاء.

و أمّا رواية ميسّر المتقدمة فلا تدل على عدم اعتبار قول الوكيل مطلقا بل فيما لم يكن مأمونا و يكون غير مبال للتصريح فى هذه الرواية بان الجارية لم تبالغ في تطهير الثوب.

المسألة الرابعة: ما لو قطرت قطرة بول او دم و شك في انها وقعت على ثوبه او على الارض.

فتارة يكون طرفي العلم الاجمالي مثلا في المثال الثوب و الارض مورد الابتلاء كليهما و مع هذا صلي في الثوب الذي احد طرفي المعلوم بالاجمال لا اشكال في انه يكون بحكم العلم التفصيلي لان العلم الاجمالي مع تنجزه كالعلم التفضيلي فلو صلي فى هذا الثوب يجب عليه الاعادة و القضاء.

و تارة يكون الاطراف خارجا عن محل الابتلاء بحيث لم يصر العلم منجّزا و كانت الحالة السابقة في الثوب قبل الشك الطهارة و طرأ مجرد الشك في قطرة البول او الدم وقعت على الثوب او على الارض فيكون المورد

من صغريات الجهل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 124

بالموضوع و لا يجب فيه بعد كشف الخلاف بعد الصلاة اعادتها او قضائها.

المسألة الخامسة: اذا رأى الشخص في بدنه او ثوبه دما

و قطع بانه من الدماء الطاهرة مثلا قطع بانه من البق او قطع بانه من دم القروح المعفوة او قطع بانه من الدم الاقل من الدرهم فصلي فيه و بعد الصلاة انكشف الخلاف.

فنقول أمّا فيما قطع بانه من الدماء الطاهرة مثلا يكون دم البق فانه من قبيل الجهل بالموضوع لانه جاهل بالنجاسة فلا يجب عليه بعد كشف الخلاف الاعادة او القضاء.

و أمّا فيما قطع بان الدم الواقع في بدنه او ثوبه من الدماء النجسة لكن يقطع بانه من الدماء التي تكون معفوا عنها في الصلاة مثل دم القروح و الجروح او دم الاقل من الدرهم.

فيقع الكلام في هذه الصورة هل تكون ملحقا بالعالم بالنجاسة حتى يجب عليه في صورة كشف الخلاف بعد ما صلي فيه الاعادة و القضاء.

او ملحق بالجاهل بالموضوع يعني الجاهل بالنجاسة فلا يجب عليه الاعادة و القضاء وجهان.

وجه عدم الالحاق بالجاهل بالموضوع هو ان مقتضي ما دل على عدم وجوب الاعادة و القضاء هو كونه جاهلا بالنجاسة فلا تجب عليه الاعادة و القضاء و في الفرض ليس الشخص جاهلا بنجاسة الدم بل هو عالم بها و لكنه جاهل بانه ليس من الدم الغير المعفو عنه في الصلاة.

وجه الحاق المورد بالجاهل بالموضوع هو ان الجهل الذي يكون موضوعا لعدم وجوب الاعادة و القضاء هو الجهل بالنجاسة التي تجب ازالتها في الصلاة فهو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 125

على الفرض مع علمه بنجاسة الدم يكون جاهلا بالنجاسة التي تجب ازالتها في الصلاة لجهله بان هذا

الدم اكثر من الدرهم او ليس من الدم الذي يعفي عنه من دم الجروح و القروح و مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي الثاني لان مفاد الاخبار المتقدمة المذكورة في محله الواردة في معذورية الجاهل بالموضوع في النجاسة هو كون الجهل علة لمعذورية ما لو لا الجهل له لم يكن معذورا و في الفرض لو كان الدم اقل من الدرهم و كان عالما به او كان من الجروح و القروح كان معذورا فلا يمكن ان يكون الجهل سببا لذلك بل هو ان كان عالما بكون الدم اكثر من الدرهم او يكون من القروح و الجروح و صلّى فيه تفسد صلاته و يجب عليه اعادتها فالجهل يكون عذرا في هذا المورد.

فلو كان جاهلا بان الدم اكثر من الدرهم او كان جاهلا بكونه غير دم القروح و المجروح و ان كان عالما باصل الدم يكون معذورا لان ما يثبت العلم يرفع بالجهل.

و بعبارة اوضح نقول ان كلمة النجاسة ليست مذكورة في الادلة بل المذكور افرادها كالمني و الدم و البول و غيرها و انه لو صلي الشخص فيها مع نسيانها يجب عليه الاعادة لو تذكر بعد الصلاة و ما يجب فيه الاعادة من الدم هو الدم الاكثر من الدرهم و غير دم القروح و الجروح «بالتفضيل المذكور في محله بدليل استثنائهما» و اذا كان المصلي جاهلا بها لا تجب الاعادة عليه.

فقهرا يكون ما لا تجب فيه الاعادة مع الجهل هو ما يجب عليه الاعادة في صورة النسيان و ليس هذا الادم الاكثر من الدرهم و غير دم القروح و الجروح كما صرّح بذلك فيما رواها إسماعيل الجعفي عن ابي جعفر عليه السّلام قال في الدم يكون في الثوب.

ان

كان اقلّ من قدر الدّرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر من قدر الدّرهم و كان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته و أن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 3، ص: 126

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 126

الصّلاة «1» فانّ المصرّح فيها وجوب اعادة الصلاة في الدم الاكثر من الدرهم في صورة النسيان و عدم وجوب الاعادة في الدم الاكثر من الدرهم اذا صلّى فيه جهلا بالموضوع.

فنقول ان محل كلامنا عين موضوع الرواية لانه مع تصريحه فيها بكونه مع الدم الذي في ثوبه أقل من الدرهم يكون جاهلا بالدم الاكثر من الدرهم فلا يجب عليه الاعادة و القضاء فالحق كون المورد من صغريات الجهل بالموضوع.

المسألة السادسة: اذا شك في ان الدم الذي يكون في ثوبه

من الدم الذي يعفى عنه في الصلاة او من الدم الذي لا يعفى عنه في الصلاة ثمّ تبيّن بعد ما صلّى فيه كونه من القسم الذي لا يعفى عنه في الصلاة فلا يجب عليه اعادة الصلاة و قضائها لان هذا المورد مثل الصورة السابقة يكون من صغريات الجهل بالموضوع.

***

[مسئلة 3: لو علم بنجاسة شي ء فنسى و لاقاه بالرطوبة و صلّى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لو علم بنجاسة شي ء فنسى و لاقاه بالرطوبة و صلّى ثمّ تذكّر أنه كان نجسا و ان يده تنجّست بملاقاته فالظاهر انه أيضا من باب الجهل بالموضوع لا النسيان لانه لم يعلم نجاسة يده سابقا و النسيان انما هو في نجاسة شي ء آخر غير ما يصلّي فيه نعم لو توضّأ او اغتسل قبل تطهير يده و صلّى كانت باطلة من جهة بطلان وضوئه او غسله.

(1)

اقول لانه جاهل بنجاسة يده فهو جاهل بالموضوع.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 127

أمّا لو توضأ أو أغتسل في الحال الذي تنجس يده و صلّى فصلاته تكون فاسدة لفساد وضوئه او غسله الا اذا تطهر يده قبل الوضوء او الغسل او صبّ الماء للوضوء او الغسل و قلنا بكفاية صب الماء الواحد لتطهير الخبث و الوضوء و الغسل «على الكلام فيه يأتي في محله إن شاء اللّه».

***

[مسئلة 4: اذا انحصر ثوبه في نجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا انحصر ثوبه في نجس فان لم يمكن نزعه حال الصلاة لبرد او نحوه صلّى فيه و لا يجب عليه الاعادة و القضاء و ان تمكّن من نزعه ففي وجوب الصلاة فيه عاريا او التّخيير وجوه الاقوى الاول و الاحوط تكرار الصلاة.

(1)

اقول يقع الكلام في المسألة في موردين:

المورد الاول: ما اذا كان له ثوب واحد نجس و لم يتمكن من نزعه

لبرد او نحوه مثل وجود الناظر المحترم حال الصلاة و صلّى فيه لا يجب عليه الاعادة و القضاء.

و يدل على ذلك ما رواها محمد الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب في الثوب او يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره قال يصلي فيه اذا اضطرّ إليه «1» بناء على حمل قوله عليه السّلام «اذا اضطر إليه» على الاضطرار الناشي من البرد و نحوه.

و أمّا بناء على حمل الاضطرار بالاضطرار بلبسه من باب عدم وجود ثوب

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 128

آخر له لا تدلّ الرواية على جواز الصلاة في الثوب النجس من جهة عدم امكان نزعه لبرد او نحوه.

انما الكلام في انه هل تجب عليه الاعادة و القضاء بعد رفع الاضطرار او لا.

قد يتوهم وجوبها بدعوى دلالة رواية عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع قال يتيمّم و يصلّي فاذا اصاب ماء غسله و اعاد الصلاة «1».

و فيه أمّا أولا يمكن كون وجوب الاعادة لاجل وقوع صلاته مع التيمّم كما يدل عليه بعض الآخر من الاخبار فيحمل على الاستحباب.

و أمّا ثانيا تكون الرواية

مما اعرضت عنه الاصحاب.

المورد الثاني: اذا انحصر ثوبه في النجس و يمكن نزعه

فهل تجب عليه الصلاة في هذا الثوب النجس او يصلي عاريا او يكون مخيّرا بينهما.

اعلم انه لا يرى قائل بالقول الاول بين القدماء و المتاخرين رضوان اللّه تعالى عليهم الى زمان المحقق الاردبيلي قدّس سرّه و صاحب المدرك تلميذه قدّس سرّه فاحتملا وجوب الصلاة في الثوب النجس لو لم يخالف الاجماع فكانّ هذا القول يجري بينهم مجري الاحتمال الى زمان مؤلف كشف اللثام الفاضل الهندي قدس سرّه شيخ الامامية في اصفهان في اواخر القرن الحادي عشر الى اوائل القرن الثاني عشر فهو افتى بنحو الجزم في مفروض المسألة بوجوب الصلاة في الثوب النجس الى ان صار مورد التّسلم لدى مقاربي عصرنا و معاصرينا فلا يكون من هذا القول و الفتوى عين و لا اثر بين قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليه بل يكون الفتوى على خلافه في

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 129

احد عشر قرنا تقريبا.

و أمّا القول الثاني فهو القول المشهور من زمان الشيخ قدّس سرّه الى زمان المحقق فالمحقق قال بهذا القول كما في جملة من كتبه كالشرائع و النافع.

و أمّا القول الثالث فهو مختار المحقق قدس سرّه في المعتبر و تبعه العلامة قدّس سرّه و جماعة من المتاخرين قدس سرّهم.

هذا كله بحسب الأقوال و الفتوى.

و أمّا بحسب الاخبار و الروايات:

فطائفة منها تدل بظاهرها على وجوب الصلاة في النجس.

الاول: الرواية المتقدمة ذكرها في المورد الاول و هى ما رواها محمد الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب في ثوبه او يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره قال يصلّي فيه إذا

اضطرّ إليه «1».

الثانية: ما رواها محمد بن على الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من رجل اجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره «آخر ل» قال يصلي فيه فاذا وجد الماء غسله. «2»

الثالثة: ما رواها محمد بن على الحلبي انه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله قاله يصلّي فيه «3».

الرابعة: ما رواها عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 130

يجنب في ثوب ليس معه غيره و لا يقدر على غسله قال يصلّي فيه «1».

الخامسة: ما رواها أيضا عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يجنب في ثوب و ليس معه غيره و لا يقدر على غسله قال يصلّي فيه «2» يحتمل كون هذه الرواية و الرواية السابقة واحدة لكون الراوي و المروي عنه فيهما واحدا و كذا مورد السؤال و يبعد سؤال السائل عن مسئلة مرّتان.

السادسة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام قاله سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فاصاب ثوبا نصفه دم او كله دم يصلّي فيه او يصلّي عريانا قال ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصلّ عريانا «3».

السابعة: ما رواها عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن رجل ليس

معه إلا ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله كيف يصلّي قال تيمم و يصلّي فاذا اصاب ماء غسله و اعاد الصلاة «4».

هذا كله الروايات التي يمكن ان يتمسك بها على القول الاول.

و أمّا ما يمكن ان يستدل به على القول الثاني.

فالاول: ما رواها محمد بن على الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اصابته جنابة و هو بالفلاة ليس عليه إلا ثوب واحد و اصاب ثوبه مني قال يتيمم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلي و يؤمى إيماء «5».

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 8 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 131

الثانية: ما رواها سماعة قاله سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض و ليس عليه إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع قال و يتيمم و يصلّي عريانا قاعدا و يؤمى إيماء «1».

الثالثة: ما رواها سماعة أيضا قال سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض فاجنب و ليس عليه إلا ثوب فأجنب فيه و ليس يجد الماء قال يتيمّم و يصلّي عريانا قائما يؤمى إيماء. «2»

الرابعة: ما رواها ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل عريان ليس معه ثوب قال ان كان حيث لا يراه احد فليصل قائما «3».

و أمّا وجه القول الثالث و هو التخير بين الصلاة في الثوب النجس

و بين الصلاة عريانا فهو ان يقال بانه مقتضي لسان الطائفة الاولى من الروايات و ان كان الامر بالصلاة في الثوب النجس تعيينا و مقتضي لسان الطائفة الثانية من الروايات هو الامر بالصلاة عريانا لكنه في مقام الجمع بينهما نرفع اليد عن تعيّن كل منهما و نقول بمقتضى الجمع بينهما بالتخيير بينهما.

اقول أمّا القول الثالث فلا يمكن اختياره لعدم كون الجمع بالتخيير جمعا عرفيا أولا و لعدم ملائمة هذا الجمع مع بعض الروايات من الطائفتين ثانيا فيبقى في المقام القولان القول الاول و القول الثاني.

قد يقال في المقام بانه بعد ما يكون الدوران في المسألة بين حفظ الموصوف و المشروط و هو الستر و بين شرطه و وصفه و هو طهارته لانه لو صلّى في الثوب

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 132

النجس فقد حفظ الموصوف و المشروط و لم يحفظ شرطه و هو الطهارة التي شرط فيه و ان صلّى عريانا فلم يحفظ المشروط أيضا و مع هذا الدوران يكون المتعين الصلاة في الثوب النجس لانه به يحفظ الستر اعنى المشروط و ان لم يحفظ شرطه و لو صلّى عريانا لم يحفظ كل منهما فالمتعين هو الصلاة في الثوب النجس.

و هذا الكلام على تقدير تماميّته يفيد في صورة رفعنا اليد عن الروايات الواردة في المسألة مثل ما اذا سقطت الاخبار الدالة على وجوب الصّلاة في الثوب النجس و كذا الاخبار الدالة على الصلاة عاريا بالتعارض عن الحجية فيقال بان الوظيفة هى

الصلاة في الثوب النجس لان به يحفظ اصل الستر و ان لم يحفظ شرطه و هو طهارة الساتر.

و لكن فيه انه ان كانت الطهارة شرط للستر او كانت النجاسة مانع له او كان كل من الطهارة شرط و النجاسة مانع للستر «على الكلام في ذلك» فيكون لما ذكر مجال و لكن ليس الامر كذلك بل يكون كل من الستر و الطهارة شرط للصلاة في وزان واحد لا ان يكون الثاني اعنى الطهارة شرطا للاول اعنى الستر فعلى هذا لا يمكن ان يقال مع الدوران بتقديم الستر على الطهارة بدعوى تقديم المشروط و حفظه على الطهارة لان كلا منهما شرط لامر آخر و هو الصلاة هذا.

ثمّ بعد ذلك بعونه تعالى نقول في المقام بانه قد يقال كما حكى عن الشيخ رحمه اللّه بانه يجمع بين الطائفة الاولى و الثانية من الاخبار بحمل الطائفة الاولى بصورة الاضطرار بلبس الثوب النجس لبرد او وجود ناظر محترم او غير ذلك و حمل الطائفة الثانية على صورة التمكن من الصلاة عاريا و هو جمع يلائم مع الطائفتين من الروايات المتقدمة ذكرهما بل يشهد بذلك الرواية الاولى من الطائفة الاولى لان فيها قال «اذا اضطر إليه» بناء على كون المراد من الاضطرار هو الاضطرار لبرد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 133

و نحوه لا الاضطرار بلبس الثوب النجس من باب عدم ثوب آخر له.

و أمّا ما قيل من ان الرواية السادسة من الطائفة الاولى لا تلائم مع هذا الجمع لان فيها فرض كون الشخص عاريا و تمكنه من الصلاة عاريا امره بان يصلي في الثوب النجس.

ففيه ان المفروض في الرواية كون الشخص عريانا فاصابه ثوب نجس و في

هذا الفرض قال يصلّي فيه و هذا صار سببا لتوهم انه مع فرض كونه عاريا يتمكن من الصلاة عاريا.

و لكن نقول بانه لا يستفاد من الرواية الا كونه عريانا ثمّ اصابه ثوب و يمكن ان الشخص مع كونه عاريا قبل الصلاة لعدم وجود ناظر محترم اضطر إليه حين حضور الصلاة لوجود ناظر محترم في هذا الحال او ان هذا الشخص المفروض يمكن انه كان قبل اصابة الثوب و ان كان عاريا تحمل البرد و مشقة لعدم وجود ما يدفع به مشقة البرد و لكن بعد ما اصابه الثوب يتمكن من رفع المشقة بلبس الثوب النجس و يرفع الاضطرار به فيكون فى هذا الحال مما اضطر الى الثوب النجس فلا ينافي كونه عاريا قبل اصابة الثوب مع اضطراره بلبس الثوب النجس.

فلا تنافي هذه الرواية مع هذا الجمع اعني الجمع بين الطائفتين من الاخبار بحمل الاولى منهما على صورة الاضطرار لبرد او وجود ناظر محترم فيصلي في الثوب النجس و حمل الطائفة الثانية على صورة امكان نزع الثوب و الصلاة عاريا لعدم برد و عدم وجود ناظر محترم و غيرهما مما يوجب الاضطرار.

و لو اشكل في هذا الجمع و قلنا بعدم امكان الجمع بين الطائفتين من الروايات بنحو آخر و وقوع التعارض بينهما فان كان لإحداهما ترجيح على الاخرى يؤخذ بما فيه المرجع «كما مرّ الكلام فيه في تعادل و الترجيح».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 134

فنقول بان اوّل المرجحات هو الشهرة و المراد من الشهرة ان كان الشهرة الفتوائية كما هو مختار سيدنا الاعظم آيت اللّه الحاج آقا حسين بروجردي قدس سره الشريف فالترجيح مع الطائفة الثانية من الاخبار.

و ان كان المراد منها

الشهرة الروائية فحيث ان كلتا الطائفتين مشهورتان بالشهرة الروائية تصل النوبة بما هو المرجع بعد ذلك و هو مخالفة العامة و هذا المرجع أيضا مع الطائفة الثانية لانه على ما نقل الشيخ قدّس سرّه في الخلاف المالك منهم يقول بالصلاة في الثوب النجس و ابو حنيفة يقول بالتفصيل بين كون الثوب اكثره النجس او اقله فتجب الصلاة عاريا في الصلاة الاولى و في الثّوب في الصورة الثانية و ما يتداول من فتواهم في زمن الامام الصادق عليه السّلام هو فتوى مالك و ابي حنيفة و كلاهما مخالفان مع الصلاة عاريا و خصوصا مع كون فتوى المالك المتداول فتواه في المدينة على الصلاة في الثوب النجس ففتواه مخالف مع الصلاة عريانا فالترجيح مع الطائفة الثانية من الاخبار.

***

[مسأله 5: اذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسأله 5: اذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرّر الصلاة و ان لم يمكن الا من صلاة واحدة يصلي في احدهما لا عاريا و الاحوط. القضاء خارج الوقت فى الآخر أيضا ان امكن و الا عاريا.

(1)

اقول أمّا فيما يتمكن من الصلاة في كلا الثوبين مرة في احدهما و مرة في الآخر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 135

فيصلى فيهما و بذلك يحصل الامتثال بالامر المتعلق بالصلاة لما اسلفناه في الاصول من كفاية الامتثال الاجمالي حتى مع التمكن من الامتثال التفصيلى لعدم ورود الاشكالات التي أوردها على كفاية الامتثال الاجمالى مثل الاشكال بان الامتثال الاجمالى لعب و عبث بامر المولى او انه ينافى مع الجزم المعتبر في النية او ينافي مع قصد الوجه. لعدم كون الاحتياط لعبا و عبثا بامر المولى بعد كون داعيه امتثال امره و عدم اعتبار الجزم في النية و عدم

اعتبار قصد الوجه مضافا الى انه لا يضر به بل ينافى مع التميز المامور به عن غيره و هذا غير لازم.

فلو لم يكن في البين دليل خاص على كفاية الامتثال الاجمالى بتكرار الصلاة فيهما لقلنا بكفايته بمقتضى القاعدة خصوصا في مفروض الكلام و هو مورد عدم التمكن الا عن الامتثال الاجمالى فلا اشكال في الاكتفاء به.

و قد يستدل على ذلك بما رواها صفوان بن يحيى انه كتب الى ابى الحسن عليه السّلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب احدهما بول و لم يدر ايهما هو و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع قال يصلى فيهما جميعا «1».

و المفروض في الرواية هو صورة عدم التمكن من الامتثال التفصيلى و على كل حال يكون الحكم على القاعدة و افتوا على طبقه المشهور خلافا للحلى في السرائر و المحكى عن ابن سعيد فأوجبا طرح الثوبين و ان يصلى عاريا.

و منشأ ما قاله ابن ادريس على ما يظهر من كلامه أمّا ان الامتثال الاجمالي يضرّ بقصد الوجه و التميز او بقصد التقرّب و الحق كما عرفت عدم اعتبار قصد الوجه و التميز و لا بقصد التقرب فانه بكل منهما يقصد التقرب لكن لا يقصد حين اتيان بكل واحد منهما انه الواجب و لا يضرّ التميز كما عرفت.

______________________________

(1) الرواية من الباب 64 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 136

و أمّا من باب التمسك بالمرسلة المذكورة في المبسوط من انه يتركهما و يصلى عاريا و فيه انها مرسلة و لا يصحّ الاعتماد عليها.

و أمّا اذا لم يتمكن لضيق الوقت الا من صلاة واحدة فهل يصلى فى احد الثوبين المشتبهين

و يحصل الامتثال به او يصلّى عاريا اختار الاوّل جملة من الفقهاء و منهم المؤلف رحمهم اللّه و اختار الثاني جمع منهم عليهم الرحمة.

اقول بانه تارة يقال في المسألة السابقة فيما اذا انحصر ثوبه في النجس و لا يتمكن من تطهيره بوجوب الصلاة في الثوب النجس حتى مع التمكن من الصلاة عاريا كما اختاره المؤلف رحمه اللّه.

فينبغى ان يقال فى هذه المسألة بوجوب الصلاة في أحد من الثوبين المشتبهين لانه على هذا يقوّى جانب حفظ شرطية الستر على جانب شرطية الطهارة عن الخبث او مانعيتها «على كلام فيها» بمعنى انه مع فرض الالتزام بتعين الصلاة في الثوب النجس في المسألة السابقة حفظا لجانب شرطية الستر مع معلومية نجاسة ثوبه فلا بد ان يقال بتعيّن الصلاة في احد الثوبين المشتبهين بطريق الاولى.

لان كل واحد من الثوبين المشتبهين يكون محتمل النجاسة لانه مع تقديم جانب شرطية الستر على جانب الطهارة عن الخبث في صورة معلومية النجاسة فيكون الحكم بالصلاة في احد الثوبين المشتبهين المشكوك نجاسة كل واحد منهما لحفظ جانب شرطيّة الستر اولى.

و أمّا لو قلنا في المسألة السابقة بوجوب الصلاة عاريا فربّما يشكل الامر لانه على هذا قويّنا جانب شرطية الطهارة عن الخبث او مانعيّة نجاستها على جانب شرطية الستر و لهذا قلنا بوجوب الصلاة عاريا.

فلا بد ان يقول في المقام بوجوب الصلاة عاريا لانه اذا صار شي ء دخيلا في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 137

شي ء بعنوان الشرطية فلا بد مقام امتثال المشروط من احراز الشرط أمّا بالعلم او الامارة او الاصل.

مثلا اذا كان الشرط في الصلاة الطهارة فلا بدّ حين الصلاة من احراز هذا الشرط أمّا بالعلم او الامارة او الاصل

المعتبر فاذا لا يحصّل الشرط باحد الطرق المذكورة فهو يكون بحكم من فقد الشرط و معه لا تصح صلاته.

اذا عرفت ذلك نقول بانه بعد كون الثوبين المشتبهين طرفى العلم الاجمالى و مع العلم الاجمالى لا يجرى الاصل اصلا كما هو مختار بعض او يجرى الاصل و لكن يسقط بالتعارض كما هو مختار بعض.

و على كل حال لا مجال لاحراز الشرط باستصحاب طهارة الثوبين المشتبهين لعدم جريان الاصل راسا او لسقوطه بالتعارض فكما انه مع العلم التفصيلى بنجاسة الثوب لا يمكن الصلاة فيه كذلك مع العلم الاجمالى بنجاسة احد الثوبين.

فمن يقول بوجوب الصلاة عاريا مع العلم التفصيلى بنجاسة الثوب مع امكان نزع الثوب كذلك لا بد ان يقول بوجوب الصلاة عاريا مع العلم الاجمالى بنجاسة احد الثوبين مع امكان نزع الثوب.

فتكون هذه المسألة من صغريات المسألة السابقة لانه بعد كون العلم الاجمالى كالعلم التفضيلى من حيث عدم اجراء الاصل المخالف للعلم فيكون الثوبين المعلوم بالاجمال بنجاسة احدهما كالثوب الواحد المعلوم تفصيلا بنجاسته فكل ما يقال في المسألة السابقة لا بد ان يقال فى هذه المسألة فكما انه كان الدوران بين حفظ شرطية الستر، و بين حفظ شرطية الطهارة الخبيثة او مانعيتها «على الكلام فيه» في المسألة السابقة كذلك يكون الدوران بينهما في هذه المسألة.

و فى مقام الجمع بين الاخبار لو قلنا بحمل الطائفة الدالة من الاخبار على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 138

وجوب الصلاة عاريا على صورة امكان نزع الثوب في المسألة السابقة يقال في المقام بوجوب الصلاة عاريا مع امكان نزع الثوب و قد عرفت وجهه فافهم.

***

[مسئلة 6: اذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر لا يجوز

ان يصلى فيهما بالتكرار بل يصلى فيه نعم لو كان له غرض عقلائى في عدم الصلاة فيه لا بأس بها فيهما مكرّرا.

(1)

اقول: ما قاله مبنيّ على عدم جواز الامتثال الاجمالى عقلا مع التمكن من الامتثال التفصيلى لوجوه اشرنا إليها في المسألة السابقة و بينا في الاصول في محله و أجبنا عنه اما الوجوه.

فدعوى كون الامتثال الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلى لعبا و عبثا بامر المولى و قلنا في جوابه بعدم كونه لعبا و عبثا اوانه يضرّ بقصد الوجه او التميز و قلنا بعدم مضريته بقصد الوجه أولا و عدم وجوب قصد الوجه ثانيا و عدم اعتبار قصد التميز او الاشكال بانه يضر بقصد القربة و قد بيّنا عدم كونه مضرّا به نعم ينبغى الاحتياط بترك الامتثال الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلى لان الاحتياط حسن على كل حال.

***

[مسئلة 7: اذا كان اطراف الشّبهة ثلاثة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا كان اطراف الشّبهة ثلاثة يكفي تكرار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 139

الصّلاة فى اثنين سواء علم بنجاسة واحد و شك في نجاسة الآخرين او في نجاسة احدهما لان الزائد على المعلوم محكوم بالطهارة و ان لم يكن مميزا و ان علم في الفرض بنجاسة الاثنين يجب التكرار باتيان الثلاث و ان علم بنجاسة الاثنين في الاربع يكفي الثلاث و المعيار كما تقدم سابقا التكرار الى حد يعلم وقوع احدها في الطاهر.

(1)

اقول: الميزان الكلى في اطراف العلم الاجمالى هو ان يأتى المكلف بمقدار من الاطراف يعلم بامتثال المعلوم في البين اذا كان المعلوم في البين واجبا و يترك من الاطراف بمقدار يعلم بترك المعلوم الاجمالى الواقع في البين ان كان المعلوم الاجمالى حراما.

فعلى هذا في الامثلة المذكورة في المتن

نقول اذا كان المعلوم الاجمالى الواحد بين الثلاثة يكفى تكرار الصلاة في الاثنين منهما و ان كان المعلوم الاثنين بين الثلاث يجب التكرار باتيان الثلاث و ان كان المعلوم بالاجمال الاثنين في الاربع يكفي الثلاث أيضا.

و أمّا فيما علم بنجاسة واحد من الاثواب الثلاثة يحصل الامتثال، كما عرفت باتيان الصلاة في الثوبين منهما، سواء علم بنجاسة واحد منها و بطهارة الاثنين منها او علم بنجاسة واحد منها و شك في نجاسة الآخرين لان بعد كون الاصل في المشكوك الزائد على المتيقن الطهارة فالزائد من الواحد محكوم بالطهارة فيعلم بنجاسة واحد من الثلاثة فقط فلو صلى في الاثنين منها يقطع بالامتثال.

ان قلت انه لا مجال لاجراء الاصل في المشكوك منها من جهة عدم التميز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 140

و كونه مرددا بين الاكثر و الواحد و لا مجال لاجراء الاصل في الفرد المردد.

قلت، لا اشكال في صحة اجراء الاصل هنا لو نلتزم بعدم اجراء الاصل في الفرد المردد، لان منشأ عدم اجراء الاصل في الفرد المردد هو معلومية حال الاطراف خارجا فلا معنى لاجراء الاصل في الفرد المردد، لانه ليس فرد غير الافراد الخارجية و هي معلومة الحال بخلاف المقام فانه ليس حال الافراد في الخارج معلوما فان المشكوك نجاسته من الثوب على تقدير انطباقه على كل واحد من الاطراف يكون مشكوكا فافهم.

***

[مسئلة 8: اذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا و لم يكن له من الماء الا ما يكفي احدهما فلا يبعد التخيير و الاحوط تطهير البدن و ان كانت نجاسة احدهما اكثر او اشد لا يبعد ترجيحه.

(1)

اقول أمّا على ما اختاره المؤلف عليه الرحمة في

المسألة الرابعة من تعين الصلاة في الثوب النجس مع انحصار ثوبه في الصلاة فيه و عدم جواز الصلاة عاريا حتى مع التمكن من نزعه من باب تقديم جانب حفظ شرطية الستر في الصلاة على جانب حفظ شرطية الطهارة الخبيثة او مانعيّة نجاستها «على الكلام في ذلك» ففي المقام لا بدّ ان يقول بالتخيير بين صرف الماء في تطهير البدن او الثوب الا في صورة مرجح لاحدهما كأكثريتها او أشدّيتها.

و قد يقال بتعين تطهير البدن في مفروض المسألة و ان كانت نجاسة الثوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 141

لها ترجيح عليه من الاكثرية او الاشدية من باب كون نسبة البدن الى الشخص اقوى من نسبة الثوب إليه و من نسبة الشخص الى الثوب و هذا يوجب اولوية اختيار البدن في مقام الامتثال و هذه الاولوية لو لم تكن قطعية لكن يكفى احتمالها في مقام الامتثال لانه يكون المورد لاجل هذه الاولوية المحتملة من صغريات دوران الامر بين التعيين و التخيير في مقام الامتثال و يكون اللازم الاخذ بالمتعيّن من باب حكم العقل و ان قلنا في دوران الامر بين التعيين و التخيير في مقام اثبات التكليف بعدم لزوم الاخذ بالمعيّن من باب ان التعيين المحتمل كلفة زائدة يدفعها الاصل لم نقل بذلك في احتمال الامر بين التعيين و التخبير في مقام الامتثال لحكم العقل باخذ المعين في مقام الامتثال.

و فيه انه لا وجه للاولوية و مجرد كون نسبة البدن الى الشخص اقوى من نسبة ثوبه إليه لا يوجب كون بدنه أ هما من حيث النجاسة في الصلاة فالاولوية ممنوعة.

نعم لو احتمل الأولوية يصح ما قيل من انه يشك في ان الامتثال هل

يحصل بخصوص تطهير البدن معيّنا او يحصل به او بتطهير الثوب مخيّرا فيقال ان مقتضى الاشتغال اليقينى هو تطهير البدن معيّنا و لعلّ هذا صار سببا لاحتياط المؤلف عليه الرحمة بتطهير البدن بعد ما أفتى بالتخيير بين تطهير الثوب و البدن.

و أمّا على ما قلنا في المسألة الرابعة بانه يجب ان يصلّى عاريا مع انحصار الثوب في النجس في صورة امكان نزع الثوب.

فنقول بانه على هذا يلزم ترجيح جانب شرطية طهارة البدن او مانعية نجاسته «على الكلام فيه» على جانب شرطية طهارة الستر او مانعية نجاسته فيجب تطهير البدن في المقام لانه بعد تطهير البدن يصلى عاريا فانه لو غسل ثوبه و بقى البدن نجسا فقد تقدّم شرطية الستر على شرطية الطهارة او مانعية النجاسة «على الكلام فيه و الحال ان مقتضى وجوب الصلاة عاريا هو تقديم جانب شرطية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 142

الطهارة الخبثيّة فى البدن على شرطية الستر فيستفاد من المختار في تلك المسألة وجوب تطهير البدن في هذه المسألة معيّنا.

مضافا الى انه يمكن ان يقال باحتمال كون تطهير البدن اولى من تطهير الثوب لما عرفت و مع احتماله لا يحصل اليقين بالامتثال الا بتطهير البدن فلهذا لا بد ان يقال بتعيّن تطهير البدن على تطهير الثوب و بعد تطهير البدن يصلى عريانا لان المورد يصير من صغريات المسألة الرابعة لانه ليس له الا ثوب واحد نجس و يتمكن من الصلاة عاريا على الفرض.

و لكن هذا كله فيما يتمكن من الصلاة عاريا سواء كان لاحدى النجاستين اهمية على الاخرى أو لا.

نعم فيما لم يتمكن من الصلاة عاريا لبرد او غيره و ابتلى بنجاسة ثوبه و بدنه و لم

يكن له ماء الا بمقدار غسل احدهما يكون مخيرا بين غسل بدنه و غسل ثوبه الا اذا كان لاحدهما اهمية او احتمال الاهمية الذي يوجب ترجيح غسل احدهما على الآخر.

و لهذا كان الحري ان يقيّد كلام المؤلف عليه الرحمة بصورة التمكن من نزع الثوب على مختارنا في المسألة الرابعة المتقدمة.

و أمّا في غير صورة التمكن فهو مخير بين تطهير كل منهما الا اذا كان لاحدهما اهمية او احتمال الاهمية فيغسله كما يأتى في المسألة الآتية إن شاء اللّه أمّا على مبنى المؤلف في المسألة الرابعة المتقدمة هو التخيير في غير صورة اهمية احدهما او احتمال الاهمية على الآخر سواء تمكن من الصلاة عاريا أو لا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 143

[مسئلة 9: اذا تنجّس موضعان من بدنه او لباسه و لا يمكن أزالتهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا تنجّس موضعان من بدنه او لباسه و لا يمكن أزالتهما فلا يسقط الوجوب و يتخيّر إلا مع الدّوران بين الأقل و الأكثر او بين الأخفّ و الأشد او بين متحد العنوان و متعدده فيتعيّن الثاني في الجميع بل اذا كان موضع النجس واحدا و امكن تطهير بعضه لا يسقط الميسور بل اذا لم يمكن التطهير و امكن ازالة العين وجبت بل اذا كانت محتاجة الى تعدد الغسل و تمكن من غسلة واحدة فالاحوط عدم تركها لانّها توجب خفّة النجاسة الا ان يستلزم خلاف الاحتياط من جهة اخرى بان استلزم وصول الغسالة الى المحل الطاهر.

(1)

اقول اعلم ان كل امر من الاوامر الانحلاليّة تنحلّ بأوامر متعددة بعدد موضوعاتها و منها الامر بازالة النجاسة مثلا حال الصلاة عن البدن و الثوب فالامر المتعلّق بها ينحلّ بأوامر متعددة بعدد النجاسات الواقعة في البدن او الثوب فان كان في موضع من

بدنه نجاسة و في موضع من لباسه نجاسة فأمر متعلق بازالة النجاسة عن البدن و كذلك أمر بإزالة النجاسة عن اللباس.

فعلى هذا اذا تمكن المكلف من امتثال جميع الاوامر المتعلقة بغسل النجاسة الواقعة في مواضع من بدنه او لباسه يجب امتثال الجميع و ان لم يتمكن من امتثال الجميع يتخيّر بينها مثلا اذا وقع دم في يده و وقع دم في رجله يقتضي الامر المتعلق بازالة النجاسة عن اليد ازالة النجاسة عنها و يقتضي الامر المتعلق بازالة النجاسة عن الرجل وجوب ازالة النجاسة عنه فان تمكن من ازالة النجاسة عن كل منهما يجب ذلك و ان لم يتمكن الا عن ازالة النجاسة عن احدهما يكون مخيرا بين كل منهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 144

الا اذا كان لاحدهما أهمية على الآخر فيجب صرف الماء في ازالة النجاسة عنه و غسله لأهميته كما انه لو كان احدهما محتمل الاهمية تقدم غسله على الموضع الآخر كما تقدم في المسألة السابقة لانه يدور الامر بين التعيين و التخيير في مقام الامتثال لانه يعلم بكفاية محتمل الاهمية اما لكونه هو الواجب معيّنا و أمّا من باب كونه احد طرفى الواجب المخيّر و لكن يشك في الاكتفاء بغسل الآخر لعدم احتمال أهميته و يجب الاحتياط في صورة دوران الامر بين التعيين و التخيير في مقام الامتثال بحكم العقل و ان لم نقل بالاحتياط في صورة دوران الامر بين التعيين و التخيير في مقام التكليف.

ثم ان الموارد الاهمية على ذكره المؤلف عليه الرحمة أمّا بان يكون احدهما اكثر من الآخر.

و امّا بكون احدهما أشدّ من الآخر مثلا كان احد الموضعين متلوثا بدم الحيض و الآخر متلوّثا بدم الغنم

او كان احدهما متلوّثا بنجس ذى عنوانين مثل دم القلب و الآخر ملوثا بدم نجس ذى عنوان واحد و هو دم الحيوان الماكول اللحم فانه ليس فيه إلا عنوان كونه دما فانه في كل ذلك أمّا يكون نجاسة احد الموضعين معلوم الاهمية من الآخر او محتمل الأهمية ففى كلتا الصورتين يجب تقديم تطهيره على الآخر لما عرفت من حكم العقل بتقديمه.

و أما اذا كان موضع النجس واحدا و لا يتمكن تطهير كله بل يتمكن من تطهير بعضه قال المؤلف عليه الرحمة بوجوب تطهير البعض و هذا يصح بناء على شمول قاعدة الميسور له.

بل قال اذا تمكن فيما يحتاج الى التعدد من بعضه مثلا صار موضع من بدنه متنجسا بالبول و قلنا بوجوب غسله مرتين و لا يكون له الماء الا بقدر غسل واحد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 145

يجب ذلك و لكن فى المورد مضافا الى الاشكال فى الفرض الاول يشكل القول بكون تلك المرتبة ميسور المركب لان بها لا تحصل مرتبة من الطهارة الا ان يقال لكل غسل يحصل تخفيف في النجاسة و تذهب مرتبة منها و لهذا نقول الاحوط ما قاله في كلا الفرضين.

و كذا لو امكن من ازالة عين النجاسة عن اللباس او البدن دون اثرها اعنى لا يتمكن من تطهير المحل لكن يتمكن من ازالة العين.

قال المؤلف عليه الرحمة بوجوب ازالة العين و لا دليل عليه إلا قاعدة الميسور و شمولها لمثل المورد غير معلوم لانه لا يتمكن من الميسور أيضا لان الميسور لا بد و ان يكون مطلوبا بمرتبة و ليس مجرد ازالة العين بدون التطهير المحل مطلوبا نعم يكون ذلك الاحوط.

نعم لو صار تطهير بعض

موضع النجس و كذا ازالة العين موجبا لخلاف الاحتياط من جهة اخرى بان استلزم وصول النجاسة الى موضع آخر بسبب التطهير او الازالة لا يكون تطهير البعض مطلوبا و يكون تطهيره على خلاف الاحتياط.

و قد يستدل على وجوب الازالة العين و ان لم يتمكن من تطهير المحل بما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، و سالته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتفى عليه من العذرة فيصيب ثوبه و راسه يصلى فيه قبل ان يغسله، قال نعم ينفضه و يصلى فلا بأس «1».

بدعوى انه عليه السّلام اوجب النفض و الحال انه لا يغسله و فيه، ان مفروض الكلام

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 146

في الرواية صورة كون العذرة يابسة و بالنفض تلقى عن ثوبه و راسه و الا كان المناسب أن يأمر بالغسل لتمكنه من الغسل.

***

[مسئلة 10: اذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي الا لرفع الحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي الا لرفع الحدث او لرفع الخبث من الثوب او البدن تعيّن رفع الخبث و يتمّم بدلا عن الوضوء او الغسل و الاولى ان يستعمل في ازالة الخبث أولا ثم التيمم ليتحقق عدم الوجدان حينئذ.

(1)

اقول: قد يقال في وجه تقديم صرف الماء في ازالة الخبث بانّه بعد الدوران حيث يكون لطهارة الحديثة بدل و هو التيمم يقدم الطهارة الخبثيّة من باب ان ما لا بدل له مقدم على ما يكون له البدل، كما يظهر من كلام المؤلف عليه الرحمة في التيمّم عند تعرضه للمسألة و يوجد ذلك الوجه في كلام بعض الفقهاء السابقين عليهم الرحمة.

و فيه، ان

مجرد كون البدل لاحد المتزاحمين لا يوجب تقديم ما ليس له البدل عليه، لان مجرد ذلك لا توجب الأهميّة لما ليس له البدل حتى يحكم العقل بتقديمه.

و قد يقال بان التيمّم شرّع في كل مورد يلزم محذور من الطهارة المائية- و انّ مع ذلك المحذور لا يجب على المكلّف الطهارة المائية و لا فرق في المحذور بين كونه عقليّا او شرعيّا فيقدم الطهارة الخبثيّة على الحديثة لاجل ذلك.

و ان امكن اثبات ذلك فله وجه و ليس ببعيد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 147

و قد يقال بتقديم الطهارة الخبثيّة من باب كون ذلك مسلّما عند الاصحاب حتى ان المحقق قدّس سرّه في المعتبر قال و لا اعلم فى هذه خلافا بين اهل العلم.

فان انكشف من تسلّمه عندهم وجود نص لم يبلغ بايدينا و بعبارة اخرى كان اجماع في المسألة فهو و الا ان كان منشأ تسلّمه عندهم احد الامرين المتقدمين فلا يزيد لنا شيئا. و لا يبعد تقديم الطهارة الخبثيّة لما قلنا من ان ادلة وجوب الوضوء او الغسل قاصرة الشمول للمورد لان مبنى جعل التيمم هو التسهيل على المكلّفين كما يظهر من مشروعيّته في بعض الموارد الذي يمكن ذلك و انه في كل مورد يلزم محذور من الطهارة المائية، تصل النوبة بالطهارة الترابية، و لكن دليل اشتراط الطهارة الخبثية مطلق يشمل المورد فيمكن القول بكون صرف الماء الموجود في ازالة الخبث مقدما على صرفه في ازالة الحدث.

ثم ان الاولى كما قال المؤلف عليه الرحمة هو ازالة الخبث بالماء أوّلا ثم التيمم ليتحقق عدم الوجدان، الّذي هو موضوع التيمم بلا اشكال.

***

[مسئلة 11: اذا صلى مع النجاسة اضطرارا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا صلى مع النجاسة اضطرارا لا يجب عليه

الاعادة بعد التمكن من التطهير، نعم لو حصل التمكن في أثناء الصلاة أستأنف في سعة الوقت، و الاحوط الاتمام و الاعادة.

(1)

اقول: اعلم ان مفروض المسألة فيما يجوز البدار اما للقول بجوازه مطلقا سواء كان عالما بزوال العذر أو لا يعلم بزواله او على القول بجوازه في خصوص صورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 148

يعلم عدم زوال العذر.

و أمّا بناء على عدم جواز البدار مطلقا حتى فيما يعلم عدم زوال العذر او عدمه فيما يرجو زوال العذر فلا مورد لهذه المسألة.

و حيث ان الاخبار المتقدمة الدالة على الصلاة في النّجس في صورة الاضطرار و كذا الاخبار الدالة على الصلاة عاريا مطلقة فيجوز البدار.

نعم لا يبعد انصرافها عن صورة العلم بزوال العذر و على كل حال في كل صورة جاز البدار لو صلى مع النجس لا يجب عليه الاعادة بعد التمكن من التطهير لان المامور به بالأمر الاضطراري فرد لطبيعة المامور بها فيسقط الامر المتعلق بالطبيعة باتيان فردها و يأتى الكلام في ذلك في التّيمم إن شاء اللّه.

و أمّا لو شرع في الصلاة و حصل التمكن في أثناء الصلاة يستأنف الصلاة في سعة الوقت لانه على الفرض يتمكن الشرط فعلا و ما مضي من صلاته و ان وقعت صحيحة على فرض جواز البدار و الاضطرار عن تحصيل الشرط فلا بدّ له من تحصيله بالنسبة الى ما بقى من صلاته و استيناف الصلاة.

و أمّا ما قاله المؤلف رحمه اللّه بان الاحوط فى هذه الصورة الاتمام و الاعادة فلعلّ وجهه هو تزاحم المتخيل بين حرمة الابطال و مانعية النجاسة، و لكن لا يحرم ابطال الصلاة في الفرض.

أمّا أوّلا لان العمدة في حرمة الابطال هو الاجماع

و القدر المتيقّن فيه غير المورد، و ثانيا يحرم الابطال فيما يمكن الاكتفاء بما يده من الصلاة و على الفرض لا يمكن الاكتفاء به.

و ما يأتي بنظرى القاصر عاجلا هو انّه في سعة الوقت و في أثناء الصلاة أن أمكن له تطهير البدن او الثوب او تبديله او طرحه بدون فعل المنافي يفعل ذلك و يتم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 149

صلاته و تقع صحيحة لان ما تقدم من صلاته وقع صحيحا على الفرض و ما يبقي من صلاته بعد التطهير او الطرح او التبديل يصير واجد الشرط و المقدار من الزمان المتخلل بين وجود الماء و التطهير او التبديل او الطرح لا يضرّ لما ورد في باب من عارضه الرعاف في اثناء الصلاة و ذكرناها سابقا و الحاصل ان مفروض كلامنا يكون مثل ما اذا يعلم بالنجاسة في الاثناء و لا يدرى انه كان حادثا او كان سابقا و مثل ما اذا يعلم بحدوثه في الحال فكما قلنا بانّه أن امكن له التطهير او طرح الثوب او تبديله، يجب ذلك و يتم صلاته كذلك في المقام.

و أن ابيت من كونه مثلها، فلا اقل من الاحتياط بالتطهير أن أمكن و اتمام الصلاة ثم الاعادة وجوبا، و الحال ان الاقوى ما قلنا من التطهير ان امكن بدون فعل المنافى و اتمام الصلاة و وقوعها صحيحة.

و ان لم يتمكّن من ذلك، يقطع الصلاة و يزيل النجاسة و يعيد، فتأمّل.

و العجيب انه كيف لم يقل بذلك احد من المحشين و لم ينتقل به.

هذا كله في سعة الوقت بان يكون الوقت واسعا لتحصيل شرط الطهارة او لرفع النجاسة المانعة «على الكلام فيه» و يستأنف الصلاة.

و

امّا لو لم يكن الوقت واسعا لذلك فان أمكن له التطهير حال الصلاة او طرح الثوب او تبديله فليفعل و يتم صلاته و ان لم يتمكّن من ذلك يصلّى مع النجس ان كانت النجاسة في بدنه و ان كانت في ثوبه فعلى مختار السيد رحمه اللّه عليه ان يصلّى في الثوب النجس، و على قول من يختار الصلاة عاريا يصلّى عاريا مع التمكّن من نزع الثوب و الا يصلى في الثوب النجس.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 150

[مسأله 12: اذا اضطر الى السجود على محل نجس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 12: اذا اضطر الى السجود على محل نجس لا يجب اعادتها بعد التمكن من الطاهر.

(1)

اقول: وجه ذلك هو ان العمدة في اعتبار طهارة مسجد الجبهة الاجماع و المتيقّن منه صورة عدم الاضطرار، لكن هذا بناء على جواز البدار و السجود على موضع النجس في سعة الوقت و الا مع عدم جواز البدار لا يبقى لمفروض المسألة مورد، لانه مع ضيق الوقت لا يكون وقت الاعادة حتى يبحث عن وجوبها و عدمها.

و يمكن دعوى جواز البدار في المقام لانه بعد كون دليل الاعتبار الاجماع و القدر المتيقّن منه حال التمكّن فاذا دخل الوقت و لم يتمكّن من تحصيل طهارة موضع الجبهة فليس شي ء يمنع البدار الا هذا و شمول دليله للمورد مشكوك فتجرى البراءة و تصح الصلاة فتأمل و يأتى الكلام في ذلك إن شاء اللّه في محله.

***

[مسأله 13: اذا سجد على الموضع النجس جهلا او نسيانا]

قوله رحمه اللّه

مسأله 13: اذا سجد على الموضع النجس جهلا او نسيانا لا يجب عليه الاعادة و ان كانت احوط.

(2)

اقول: يمكن ان يقال بان العمدة في اعتبار طهارة موضع السجدة و هو الاجماع لا يشمل لمورد الجهل بالموضوع و النسيان، لعدم اطلاق له. يشمل الموردين. و في خصوص ما صلى على الموضع النجس نسيانا يكفي لعدم وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 151

الاعادة حديث لا تعاد بناء على ان طهارة موضع السجدة كانت شرطا للصلاة و الا ان كانت شرطا للسجدة فتكون السجدة من جملة الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد الا اذا ترك هذا الشرط في خصوص سجدة واحدة من كل ركعة.

و بناء على كون المراد من الطهور المستثنى من عدم الاعادة في الحديث، هو الطهارة عن الحدث فقط.

و كذا

في صورة الجهل و في خصوص الجهل اشكال، من حيث شمول الحديث الرّفع لصورة الجهل.

و عندنا في ذلك التّأمل، يأتى إن شاء اللّه في محله فعلى هذا ان امكن دعوى عدم شمول الاجماع لحال الجهل و النسيان فهو، و الا لا بد و ان يقال بان الاحوط وجوبا في صورة الجهل اعادة الصلاة و الحمد له و الصلاة و السلام على رسوله و آله اجمعين.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 153

فصل: فى ما يعفى عنه فى الصلاة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 155

قوله رحمه اللّه

فصل فى ما يعفى عنه فى الصلاة و هو امور:

[الاوّل دم الجروح و القروح]
اشارة

«الاوّل» دم الجروح و القروح ما لم تبرأ في الثوب او البدن قليلا كان او كثيرا امكن الازالة او التّبديل بلا مشقّة أم لا، نعم يعتبر ان يكون ممّا فيه مشقّة نوعيّة فان كان ممّا لا مشقّة في تطهيره او تبديله على نوع النّاس فالاحوط أزالته او تبديل الثّوب و كذا يعتبر ان يكون الجرح ممّا يعتدّ به و له ثبات و استقرار و الجروح الجزئية يجب تطهير دمها و لا يجب فيما يعفي عنه منعه عن التنجيس نعم يجب شدّه اذا كان في موضع يتعارف شدّه و لا يختصّ العفو بما في محلّ الجرح فلو تعدّى عن البدن الى اللّباس او الى اطراف المحلّ كان معفوّا لكن بالمقدار المتعارف في مثل ذلك الجرح و يختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر و الصّغر و من حيث المحلّ فقد يكون في محلّ لازمه بحسب المتعارف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 156

التّعدى الى الاطراف كثيرا او في محلّ لا يمكن شدّه فالمناط المتعارف بحسب ذلك الجرح.

(1)

اقول: لا اشكال في الجملة في ان دم الجروح و القروح ممّا يعفي عنه في الصلاة و الروايات الدالة على الحكم المذكور بحدّ الاستفاضة فنذكر الاخبار المربوطة بهذا الحكم حتى يتبيّن حكم القروح المترتبة على اصل هذا الحكم فنقول، بعونه تعالى أما ما يدل على عفو دم كل من القروح و الجروح.

ما رواها سماعة مضمرة قال سألته عن الرجل به الجرح و القرح فانّه فلا يستطيع ان يربط و لا يغسل دمه، قال يصلى و لا يغسل ثوبه

كل يوم إلا مرة فانه لا يستطيع ان يغسل ثوبه كل ساعة «1».

و أمّا ما يدل على خصوص الجرح فهي ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي فقال دعه فلا يضرّك ان لا تغسله «2».

و ما رواها ابن ابى عمير عن بعض اصحابنا عن سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا كان بالرجل جرح سائل فاصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم «3».

و اما ما يدل على خصوص القروح.

فالرواية التى رواها ابو بصير قال دخلت على ابى جعفر عليه السّلام و هو يصلى فقال

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 22 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 22 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 22 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 157

لى قائدي ان في ثوبه دما فلما انصرف قلت له ان قائدي اخبرنى ان في ثوبك دما فقال ان بى دماميل و لست أغسل ثوبى حتى تبرأ «1».

و الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمى، كيف يصلى فقال يصلى و ان كانت الدماء تسيل «2».

الرواية التي رواها ليث المرادي قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الرجل تكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوّة دما و قيحا و ثيابه بمنزلة جلده فقال يصلّى في ثيابه و لا يغسلها و لا شي ء عليه «3».

و الرواية التي رواها

عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قاله سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة قال يمسح و يسمح يده بالحائط او الارض و لا يقطع الصلاة «4».

و الرواية التي رواها على بن جعفر في كتابه عن اخيه عليه السّلام قال سألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع قال ان كان غليظا او فيه خلط من دم فاغسله كل يوم مرّتين غدوّة و عشيّة و لا ينقض ذلك الوضوء و ان اصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصل فيه حتى تغسله «5».

و الرواية التي رواها عبد اللّه بن عجلان عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل به القرح لا يزال يدمى كيف يصنع قال يصلّى و ان كانت الدماء تسيل «6» اذا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 22 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 22 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 22 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 8 من الباب 22 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 8 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(6) البحار الانوار، ج 80، ص 84، (باب 3)- (نجاسة الدم و اقسامه و احكامه) ح 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 158

عرفت ما بينا لك من الاخبار نقول بعونه تعالى بان

الكلام يقع في موارد.
المورد الاول: هل العفو في دم القروح و الجروح مطلق

بحيث يشمل لهما بمجرد حدوث الدم بأى كيفيّة كان حتى يبرأ و يذهب موضوعه.

او يكون العفو مختصا بخصوص صورة يكون الدم سائلا و لا يسكن و لا ينقطع و يشق التحرز منه او يعتبر احد الامرين أمّا السيلان و أمّا المشفقة اقوال و المنشأ اختلاف الاخبار بحسب الظاهر

البدوى.

اقول أمّا من حيث اعتبار السيلان الدائمى و عدمه فالظاهر من بعض الروايات و ان كان في خصوصه لكن منه. ما يكون القيد في كلام السائل او في كلام الامام عليه السّلام من باب ذكر المورد اى ذكر مورد يكون السيلان فلا يستفاد منه الانحصار بصورة السيلان الدّم لعدم مفهوم له.

و امّا ما يكون بصورة القضية الشرطية كالرواية الثالثة من الروايات المتقدّمة الّتي ذكر فيها لفظ سائل فتدل بمفهوم الشرط على اعتبار السيلان فى العفو عن الدم لكن مع كون موردها الجرح لو كانت الغاية فيها الفترة من السيلان تدل على اعتبار السيلان لكن الغاية فيها «حتى يبرأ و ينقطع الدم» و انقطاع الدم غير الفترة من السيلان بل بقرينة عطفه على البرء هو الانقطاع من رأس المساوق للبرء و هذا دليل عل عدم اعتبار السيلان و يكون الغاية البرء و انقطاع الدم كلها و لهذا لو حصلت الفترة عن الدم و لم يبرأ لم تحصل الغاية و يكون الدم معفوا عنه مضافا الى ان بعض الروايات مطلق من هذا الحيث مثل رواية ليث المرادى و ابى بصير و عمار لان في الاولى جعل غاية عدم الغسل البرء لا السيلان و الثانية مطلق من حيث السيلان و عدمه و الثالثة لا يبعد كون موردها صورة عدم السيلان و مع هذا امر بعدم قطع الصلاة لانه مع امكان ذهاب الدم بمسح اليد و مسح اليد بالتراب نهي عن قطع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 159

الصلاة. فنفهم وجود الحكم حتى في غير صورة السيلان الدائمى.

نعم، لو لم يكن هذه الاخبار المطلق او الظاهرة في صورة عدم السيلان حيث يكون مورد بعض الآخر خصوص

صورة السيلان من حيث كون السيلان مورد السؤال لم يكن دليل لنا على العفو في غير صورة السيلان لكن لنا مع بعض الاخبار غنا و كفاية.

و أمّا من حيث اعتبار المشفقة العرفية لا بحدّ تصل الى الحرج فيكفي تصريح بعض الأخبار باعتبار المشقة و ظهور بعضها الآخر.

لان المتأمل في كل الاخبار يرى ان موردها هو مورد المشقة العرفية مضافا الى ان هذا مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع.

و لا يبعد كون المشقة المعتبرة هي المشقة النوعية لا الشخصية لما في مورد رواية عمار من الامر بمسح الدم باليد و عدم قطع الصلاة و لما يرى من ان الغسل مشقة نوعا و الا كان اللازم ان يقول ان كان له المشقة فلا يقطع الصلاة كما ان فعل الصادق عليه السّلام من عدم غسله حتى يبرأ كما في احد الاخبار المتقدمة دليل على ذلك و الحال انه لم يكن له مشقة بحسب شخصه غالبا.

و ممّا مر منّا في المقام تظهر لك ان الميزان وجود المشقة العرفية و هي تارة تحصل بسيلان الدم و تارة بغيره فلا يبعد ان يقال ان اعتبار السيلان في بعض الاخبار يكون لبيان المشقة.

المورد الثاني: يعتبر في الجرح ان يكون له ثبات و استقرار

فالجروح الجزئية التى لا مشقة في تطهيرها لا يعفى عنه في الصلاة لان اعتبار المشقة في الجملة يستفاد من اخبار الباب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 160

المورد الثالث: هل يجب فيما يعفى عنه منعه عن التنجيس أم لا

لا يجب ذلك لاطلاق الاخبار.

المورد الرابع: هل يجب شدّه ان امكن له شدّه و ربطه او لا يجب ذلك.

لا يبعد عدم وجوبه الّا ان يدّعى انصراف الاخبار الى خصوص مورد لا يتمكّن من الشّد اوان يشدّه مع امكانه فيخرج مورد امكن الشدّ و لا يشدّ و الاحوط شدّه مع الامكان.

المورد الخامس: لا يختص العفو بخصوص محل الجرح و القرح

فلو تعدّى عن البدن الى اللباس او الى اطراف المحل كان معفوا لاطلاق بعض الادلة و التصريح في بعضها الآخر.

نعم المعفو عنه المقدار المتعارف في ذلك فيختلف ذلك باختلاف صغر الجروح و القروح و كبره لان هذا هو متعيّن العفو اى مقدار المتعارف.

***

[مسأله 1: كما يعفي عن دم الجرح كذا يعفي عن القيح المتنجّس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: كما يعفي عن دم الجرح كذا يعفي عن القيح المتنجّس الخارج معه و الدواء المتنجس الموضوع عليه و العرق المتصل به في المتعارف أمّا الرطوبة الخارجيّة اذا وصلت إليه و تعدّت الى الأطراف فالعفو عنها مشكل فيجب غسلها اذا لم يكن فيه حرج.

(1)

اقول: أمّا العفو القيح المتنجس الخارج معه فتدل عليه رواية عبد الرحمن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 161

و ليث المرادى.

و أمّا العفو عن الدواء المتنجس الموضوع عليه فان كان متنجسا قبل الوضع على الجرح او القرح فلا دليل على عفوه الا ان يكون غسله و تطهير موضوعه موجبا للعسر و الحرج فلا بد من تقييد كلام المؤلف رحمه اللّه بالصورة الثاني و أمّا ان كان طاهرا قبل الوضع و تنجس بنجاسة الجرح او القرح فهو معفو عنه لانه و ان لم يكن تعرض في الروايات له لكن بعد كونه غالبا مورد الابتلاء و لا بدّ من وضع الدواء على الجروح و القروح بحيث انه قلّما يتفق عدم وضع الدواء عليه فالحكم بالعفو عن نفس الجروح و القروح لازم للعفو عنه.

لأنه لا بدّ أمّا ان يحمل الاخبار على المورد النادر و هو مورد لا يوضع عليها الدواء و هو بعيد فى الغاية و أمّا ان نلتزم بالعفو عن الدواء الموضوع عليها لان مع هذا الملازمة و مع كون الحكم فعليا لا حيثيا فالعفو

عنها ملازم للعفو عن الدواء.

و كذلك في العرق المتصل بهما على المتعارف لانه لا بد امّا من حمل الاخبار على الشّتاء الذي لم يعرق فيه الشخص و هو بعيد في الغاية او الالتزام بالعفو عنه كما قلنا في الدواء.

و أمّا الرطوبة الخارجية التى وصلت بهما و تعدّت الى الاطراف فالعفو عنها مشكل بل معلوم العدم لعدم دليل على عفوها بالخصوص و عدم كونها ملازما لها حتى يقال بالعفو عنها بالملازمة الا اذا كان غسل الاطراف التى وصلت إليها الرطوبة موجبة للعسر و الحرج فلا يجب.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 162

[مسئلة 2: اذا تلوثت يده في مقام العلاج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها و لا عفو كما انه كذلك اذا كان الحرج مما لا يتعدى فتلوثت اطرافه بالمسح عليها بيده او بالخرقة الملوثتين على خلاف المتعارف.

(1)

اقول: لكون ذلك من غير المتعارف و لا دليل على العفو عنه نعم في رواية عمار المتقدمة ذكرها فرض مسح اليد بالدمل بعد انفجاره و مع هذا قال عليه السّلام «يمسح يده بالحائط او بالارض و لا يقطع الصلاة».

و ربّما يستفاد من ظاهرها العفو عن اليد المتلوثة بالقروح و حملها على صورة خروج القيح الخالى من الدم، حمل على مورد النادر.

مضافا الى ان ترك الاستفصال في الجواب و الحكم مطلقا بعدم قطع الصلاة شاهد على اثبات الحكم مطلقا سواء انفجر و خرج منه الدم او القيح او كليهما و عليه لا يمكن الافتاء بوجوب غسل اليد فعلى هذا نقول بان الاحوط وجوبا غسل اليد.

و أمّا المقدار المتلوث به الخارج عن المتعارف فلا عفو عنه الا اذا كان غسله موجبا للعسر و الحرج.

***

[مسئلة 3: يعفي عن دم البواسير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يعفي عن دم البواسير خارجة كانت او داخلة و كذا كل قرح او جرح باطنى خرج دمه الى الظاهر.

(2)

اقول: منشأ الاشكال تارة يكون في صدق دم القرح على دم البواسير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 163

و عدمه بعد معلومية عدم كونه دم الجرح.

فنقول بان القرح بالفتح على ما يظهر من كلام بعض اللّغويين مثل المنجد هو اثر السلاح بالبدن القرحة بالفتح و القرحة بالضم الجراحة المتقاومة التى اجتمع «1» و قريب ممّا قال في المنجد عبارة القاموس و اقرب الموارد و منتهى الأرب. و قال فى مجمع البحرين القرحة بالفتح و

السكون واحدة القرح و القروح و هي حبّة تخرج فى البدن «2» فعلى هذا نقول شموله لامثال البواسير اذا كان في خارج البدن غير بعيد.

نعم اذا كان في الداخل فشمول لفظ القرح له و إن كان غير بعيد و كذا كل ما يكون في الباطن مثل البواسير لكن الاحوط الغسل الا اذا كان حرجيّا.

و كذلك الامر في الجرح لان الجرح عبارة عن شق بعض البدن على ما في كلام بعض اهل اللغة فاذا كان في الخارج لا اشكال في ثبوت الحكم له و أمّا اذا كان في الباطن فلا يترك الاحتياط بالغسل الا اذا كان حرجيّا.

و تارة يكون الاشكال بعد الفراغ عن شمول القروح للبواسير او الجروح سواء كان في الداخل او في الخارج في أن مورد الأخبار هو الجرح و القرح الخارجى و لا اطلاق لها يشمل الجرح و القرح الداخلي.

فنقول لا يبعد دعوى الانصراف الى الجرح و القرح الخارجى فعلى هذا كما قلنا في الداخلي منهما أن الاحوط وجوب غسل المتنجس بهما فيما اذا تلوّث بهما الخارج من البدن او الثوب لانه ما لم يسريا بالخارج لا يجب الاجتناب عنهما كما عرفت في محله الا اذا كان تطهير محل الغسل من البدن او الثوب حرجيّا.

***

______________________________

(1) المنجد، ص 618.

(2) مجمع البحرين، ص 178.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 164

[مسئلة 4: لا يعفي عن دم الرعاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يعفي عن دم الرعاف و لا يكون من الجروح.

(1)

اقول: أمّا عدم كونه من القروح موضوعا يكون مبنيا على عدم كون منشأ الرعاف وجود قرحة في باطن الانف كما هو الحق او عدم كون القرحة الواقعة في الباطن من القروح لغة.

و اما عدم كونه من القروح حكما فلاجل

الروايات الواردة في خصوص الرعاف و انه لا يجوز الصلاة معه و يجب الغسل و قد ذكر بعض اخباره بالمناسبة في الفصل السابق.

فعلى كل حال و لو فرض كون دم الرعاف من مصاديق القروح موضوعا لا يكون مثله حكما فلا يعفي عنه في الصلاة الا اذا كان غسله موجبا للعسر و الحرج.

***

[مسئلة 5: يستحب لصاحب القروح و الجروح ان يغسل ثوبه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يستحب لصاحب القروح و الجروح ان يغسل ثوبه من دمهما كل يوم مرّة.

(2)

اقول قد عرفت ان مضمرة سماعة المتقدمة و رواية محمد بن مسلم المنقولة من مستطرفات السرائر تدلان على غسل الثوب عن دم القروح و الجروح كل يوم مرة و تدل رواية على بن جعفر المتقدمة على الغسل كل يوم مرّتين.

فهل نقول بوجوب الغسل أم لا اعلم ان العمدة في عدم وجوب ذلك هو عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 165

عمل الاصحاب في ذلك بهما لان الشهرة على خلافهما بل لم ينقل من الاصحاب من يلتزم بذلك الا ما حكى عن صاحب الحدائق من الميل بوجوب الغسل كل يوم مرة و عدم عملهم يكشف عن اعراضهم عن الروايات بالنسبة الى هذه الفقرة مضافا الى ان نفس اختلاف رواية على بن جعفر مع مضمرة سماعة و رواية العلاء عن محمد بن مسلم من وجوب الغسل كل يوم مرتين كما في الاولى و من وجوبه كل يوم مرة كما في الاخيرتين شاهد على الاستحباب و بيان مراتب الفضل.

و ان ابيت عن ذلك نقول بانه حيث يكون ظاهر هذه الاخبار وجوب الغسل كل يوم و ظاهر غيرها عدم وجوب الغسل الى يبرأ كما في رواية سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام ففيها قال عليه السّلام «فلا

يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم» و كذلك ما في رواية ابى بصير فان فيها قال عليه السّلام و لست اغسل ثوبى حتى تبرأ» يقع بينهما التعارض و لا يمكن الجمع بينهما بتقييد ما دل على عدم وجوب الغسل الى ان يبرأ بهذه الاخبار الدالة على الغسل كل يوم مرة او مرتين لاباء ما دل على عدم وجوب الغسل حتى يبرأ عن هذا الحمل.

و مع التعارض لا بد من الاخذ بما دل على عدم وجوب الغسل الى ان يبرأ بناء على كون المرجح الشهرة الفتوائية لان الشهرة الفتوائية على طبقها و بناء على كون الشهرة المرجّحة، الشهرة الروائية فأيضا يكون الترجيح معها لكونها المشهور او الاشهر.

و لو لم يكن ترجيح فبناء على التساقط بعد التعارض و عدم المرجّح فالمرجع العمومات التى في الفوق الدالة على عدم العفو عن كل دم في الصلاة و بناء على التّخيير يمكن الاخذ بما دل على عدم وجوب الغسل أيضا.

و الحاصل انه لا يمكن الالتزام و الافتاء بوجوب الغسل و لكنّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 166

موافق للاحتياط.

***

[مسئلة 6: اذا شك في دم انه من الجروح او القروح أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا شك في دم انه من الجروح او القروح أم لا فالاحوط عدم العفو عنه.

(1)

اقول بعد ما امضينا في الاصول عدم صحة التمسك في الشبهة المصداقية بالعام فلا يمكن التمسك بعموم ما دل على عدم صحة الصلاة مع الدم في المقام و لا على ما دل على العفو عن دم الجروح و القروح فمقتضى القاعدة هو الرجوع الى الاصل العملى بعد عدم وجود الاصل اللّفظى و الاصل العملى اذا لم يكن له حالة سابقة في البين هو البراءة.

و النتيجة صحة الصلاة في الدّم المشكوك

كونه من الجروح او القروح أم لا و لكن في كلام بعض معاصرينا «1» هو انه بعد عدم كون الشك في اصل الوجود حتى يقال انه لا يمكن استصحاب عدم كون ما وجد من دم القروح او الجروح لانه من قبيل الاستصحاب عدم الازلى لان كون الدم من القروح او الجروح ليس من عوارض وجود الدم بل يكون من عوارض بقائه لان الدم الموجود في بدن الانسان ان خرج من الجرح او القرح يكون دم الجروح او القروح المعفو عنه في الصلاة فاذا كان كذلك فاصالة عدم خروج هذا الدم المشكوك من القرح و الجرح يكفى في عدم العفو فتكون النتيجة عدم صحّة الصلاة في هذا الدم المشكوك.

______________________________

(1) المتمسك ج 1، ص 533.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 167

و استشكل أولا عليه بان ما قلت من كون الدم من القروح و الجروح من عوارض البقاء غير صحيح لانه ربما يتكون الدم في القرح و الجرح فلا يعلم بوجود الدم في البدن قبل القرح و الجرح حتى يكون اصل الدم محرزا و يكون الشك في خروجه من سبيل القرح او الجرح او محل آخر.

و ثانيا يعارض هذا الاصل اصالة عدم خروجه من غير الجرح و القرح.

*** اقول: أمّا الاشكال الاول فتكوّن الدم في نفس الجرح و القرح غير معلوم خصوصا في الجرح.

و امّا في الاشكال الثانى فأصالة عدم خروج الدم من غير محل الجرح و القرح لا يثبت كون الدم من القرح او الجرح الا على القول بالاصول المثبتة.

***

[مسئلة 7: اذا كانت القروح و الجروح المتعددة متقاربة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا كانت القروح و الجروح المتعددة متقاربة بحيث تعدّ جرحا واحدا عرفا جرى عليه حكم الواحد فلو برء بعضها لم

يجب غسله بل هو معفو عنه حتى يبرأ الجميع و ان كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة العرفية فلكل، حكم نفسه فلو برء البعض وجب غسله و لا يعفى عنه الى ان يبرأ الجميع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 168

(1)

اقول أمّا فيما كانت متقاربة بحيث تعدّ جرحا او قرحا واحدا فيجرى عليه حكم الواحد كما قال المؤلف رحمه اللّه.

و اما اذا كانت متباعدة فلكل حكم نفسه فلو برء بعضها يرتفع حكم العفو بالنسبة إليه و يبقى بالنسبة الى ما بقى من الجروح و القروح الاخر.

و ما قال «1» بعض المعاصرين من العفو في الصورة حتى عما انقطع دمه و برء موضعه تمسكا بذيل رواية ابى بصير المتقدمة المحكية عن قول الصادق عليه السّلام بالنسبة الى ما فيه من الدماميل من قوله «ان بى دماميل و لست اغسل ثوبى حتى تبرأ».

لا وجه له لعدم كون الامام عليه السّلام في بيان هذه الجهة بل كان في مقام بيان ان الدمل ما لم يبرأ لا يجب غسل الثوب المتلوث به.

______________________________

(1) المتمسك، ج 1، ص 533.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 169

قوله رحمه اللّه

[الثاني الدم الاقل من الدرهم]
اشارة

«الثاني» مما يعفى عنه فى الصلاة الدم الاقل من الدرهم سواء كان في البدن او اللباس من نفسه او غيره عدا الدماء الثلاثة من الحيض و النفاس و الاستحاضه او من نجس العين او الميتة بل او غير المأكول مما عدا الانسان على الاحوط بل لا يخلو عن قوة و اذا كان متفرقا في البدن او اللباس او فيهما و كان المجموع بقدر الدرهم فالاحوط عدم العفو، و المناط سعة الدرهم لا وزنه و حدّه سعة اخمص الرّاحة و

لمّا حدّه بعضهم بسعة عقد الابهام من اليد و آخر بعقد الوسطى «و آخر بسعة السبّابة فالاحوط الاقتصار على الاقل و هو الاخير.

(1)

اقول: أمّا كونه معفوّا عنه في الصلاة في الجملة مما لا اشكال فيه نصّا و فتوى نذكر الاخبار المربوطة به لدخلها في فهم حكم بعض الخصوصيات المبحوثة عنها:

الاولى: ما رواها عبد اللّه بن ابي يعفور (في حديث) قال قلت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 170

لابي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلى ثم يذكر بعد ما صلّى أ يعيد صلاته قال يغسله و لا يعيد صلاته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة «1»

الثانية: ما رواها جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن ابى جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام انهما قالا لا بأس بان يصلى الرجل في الثوب و فيه الدم متفرقا شبه النضح ان كان قد راه صاحبه غير ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم «2».

الثالثة: ما رواها مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له انى حككت جلدى فخرج منه الدم فقال ان اجتمع قدر حمصة فاغسله و الا فلا «3».

الرابعة: ما رواها إسماعيل الجحفى عن ابى جعفر عليه السّلام قال في الدم يكون في الثوب ان كان اقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان اكثر من قدر الدرهم و كان راه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته و ان لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة «4»

الخامسة: ما رواها محمد بن مسلم قال قلت له الدم يكون في

الثوب عليّ و انا في الصلاة قال ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ فى غيره و أن لم يكن عليك ثوب غيره فأمض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان اقل من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل او لم تره و اذا كنت قد رايته و هو اكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فاعد ما صليت فيه «هذا بنقل الكافى و أمّا بنقل التهذيب فقال بعد قوله فلا اعادة عليك «و ما لم يزد على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 171

مقدار الدرهم فليس بشي ء رأيته قبل او لم تره الخ و لم ينقل «و ما كان اقل من ذلك» بعد قوله ما لم يزد على مقدار الدرهم «1». ثم بعد ذلك يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: المعفوّ عنه هو خصوص أقل من الدرهم

بحيث يكون مقدار الدرهم غير معفو عنه او يكون غير معفوّ عنه اكثر من الدرهم بحيث يكون مقدار الدرهم و الاقل منه معفوا عنه.

الاكثر على الاول و يدل عليه الرواية الاولى و الثانية.

و قد يقال بالثاني تمسكا في العفو في مقدار الدرهم بالاصل.

و فيه انه لا تصل النوبة الى الاصل لانه ان ثبت من الادلة الخاصة الواردة في المقام العفو او عدم العفو فناخذ به و لا تصلّ النوبة بالاصل و ان لم يثبت ذلك فالاطلاقات الواردة الدالة على عدم

صحة الصلاة في مطلق الدم يكفي لنا و لا تصل النوبة بالاصل أيضا.

و قد يتمسّك في ذلك بالرواية الرابعة و الخامسة من الروايات المذكورة لان في الرابعة قال «و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان راه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته» و مفهومه هو انه ان لم يكن اكثر من قدر الدرهم فلا تجب الاعادة فتدل على ان مقدار الدرهم معفو عنه.

و فيه ان المذكور فى هذه الرواية شرطان «ان كان اقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان اكثر من قدر الدرهم و كان راه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته» و فيهما احتمالات:

الاحتمال الاول: كون الشرطين مهملتين من حيث قدر الدرهم بمعنى ان

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 172

الشرطيّة الاولى معترضة لاقل الدرهم و الثانية معترضة لاكثر من الدرهم و كلتاهما ساكتتان عن الدم البالغ قدر الدرهم.

فان كان المراد من الرواية هذا الاحتمال فالرواية غير معترضة للعفو عن الدم البالغ قدر الدرهم و عدمه و هذا مبنى على عدم كون مفهوم للشرطين و حيث ان مقتضى الرواية الاولى و الثانية عدم العفو تكون النتيجة عدم العفو عن مقدار، الدرهم.

الاحتمال الثاني: ان يكون المفهوم لكل من الشرطين و على هذا فمفهوم الشرطية الاولى عدم العفو ان كان الدم بقدر الدرهم و مفهوم الثانية العفو، ان كان بقدر الدرهم فيقع التعارض بين مفهومهما لان مفهوم الاولى يقتضي عدم العفو عن مقدار الدرهم و مفهوم الثانية يقتضي العفو عنه و مع التعارض تساقطا و لا يمكن التعويل عليهما فتكون الرواية الاولى و الثانية الدالتان على عدم العفو

في مقدار الدرهم بلا معارض.

الاحتمال الثالث: كون المفهوم للشرطية الاولى و عدم المفهوم للثانية بمعنى كونها في مقام تحقق الموضوع و على هذا يستفاد من الشرطية الاولى باعتبار مفهومها عدم العفو عن مقدار الدرهم.

الاحتمال الرابع: عكس الثالث بمعنى كون الشرطية الاولى في مقام تحقق الموضوع و عدم مفهوم لها و لكن يكون المفهوم للشرطية الثانية فتكون النتيجة على هذا، العفو عن مقدار الدرهم أيضا لكن هذا خلاف الظاهر و انه لو بنينا على كون المفهوم لاحد الشرطين من باب ان الالتزام بالمفهوم لكل منهما يلزم التناقض و تساقطهما كما عرفت في الاحتمال الثاني فيقال بعدم المفهوم لاحدى الشرطين و اذا دار الامر بين كون المفهوم للشرطية الاولى و بين كون المفهوم للثانية فالاول لو لم يكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 173

ارجح لم يكن الثانى ارجح جزما فبناء عليه تكون النتيجة عدم العفو عن مقدار الدرهم لو رجّحنا كون المفهوم للشرطية الاولى و لو لم نرجّح ذلك فحيث لا ترجيح لكون المفهوم للثانية فلا ندرى ان الشرطية التى لها المفهوم هل هي الاولى او الثانية فلا يمكن الاخذ بالرواية فى هذا الحيث و لكن مع ذلك نقول بعدم العفو عن مقدار الدرهم لدلالة الرواية الاولى و الثانية عليه.

الاحتمال الخامس: هو كون الشرطية الثانية مفهوم الشرطية الاولى المذكورة بصورة المنطوق كما يرى في الروايات كثيرا و لا يبعد كون هذا الاحتمال اقوى الاحتمالات.

ان قلت ان الشرطية الثانية تعرضت صورة اكثرية الدم من الدرهم و الحال ان كانت مفهوم الشرطية الاولى كان المناسب ان يقول و ان كان بقدر الدرهم و الاكثر فليعد صلاته لكون الموضوع في الاولى اقل من الدرهم فلا بد

من ان يكون مفهومه الدرهم و الاكثر.

قلت حيث يكون المتكلم في مقام بيان حكم المنطوق و يستفاد منه المفهوم قهرا فذكر المفهوم في الجملة بإلغاء بعض خصوصياته فيكون ذكر المفهوم بالاجمال فعلى هذا لا ينافى عدم ذكر بعض افراد المفهوم في الشرطية الثانية فعلى هذا يكون العفو مخصوصا بصورة عدم كون الدم اقل من الدرهم.

و أمّا الرواية الخامسة اعنى رواية محمد بن مسلم ففيها قال عليه السّلام «ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان اقل من ذلك فليس بشي ء» لا ندرى ان المشار إليه في قوله «من ذلك» هو الدرهم او ما لم يزد على مقدار الدرهم فلا يمكن القول بان المستفاد منه من العفو هو اقل من الدرهم او هو و مقدار الدرهم أيضا فتأمل.

الجهة الثانية: لا فرق بين كون الدم في ثوب الشخص او بدنه

و هذا هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 174

المشهور بل ادعى عليه الاجماع و ليس في الروايات ما يدلّ على شمول حكم العفو للبدن الا الرواية الثانية من الروايات المتقدمة ذكرها.

و استشكل بانه لا يمكن الاخذ بمضمونها لعدم العبرة في العفو بمقدار الحمصة.

و صار بعض بسدد توجيه ذلك و ان المراد مقدار الحمصة وزنا لا سعة أو أن الكلمة الخصمة بالخاء لا الحمصة بالحاء.

و لكن نقول بانه لو فرض اجمال ما قدّر فى هذه الرواية في مقام تحديد العفو و عدم امكان الاخذ بهذه الفقرة و عدم عمل الاصحاب بهذه الفقرة لكن لا مانع من الاخذ بما هو ظاهر فيها من العفو في الدم في الجملة اذا كان في البدن مع هذه الرواية و الشهرة بل فى الاجماع المحكى لنا غنى و كفاية.

الجهة الثالثة: لا فرق بين كون الدم في بدنه او لباسه منه او من غيره

لاطلاق الادلة.

نعم قد يتوهم عدم العفو اذا كان الدم من الغير لما رواها على بن ابراهيم عن احمد بن أبي عبد اللّه عن ابيه رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال دمك انظف من دم غيرك اذا كان في ثوبك شبه النّضح من دمك فلا بأس و ان كان دم غيرك. قليلا او كثيرا فاغسله «1».

و فيه أمّا أولا لازم ذلك عدم الباس في دم الشخص قليلا كان او كثيرا اذا كان شبه النضح.

و ثانيا تكون الرواية مرفوعة و لا نعلم من الواسطة بين أبي عبد اللّه و بين الامام الصادق عليه السّلام.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 21 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 175

و ثالثا اعرض عنها الاصحاب فلا يمكن التعويل عليها.

الجهة الرابعة: هل العفو مطلق يشمل الدماء الثلاثة او لا يشملها.

اقول تارة يقع الكلام في دم الحيض فاعلم ان الشهرة الفتوائية على عدم العفو عن دم الحيض و ان كان أقل من الدرهم بل ادعى عليه الاجماع بل ادعى ان الاجماع عليه مستفيض.

قد يقال بانّ ما ذكرنا من الاخبار المتقدمة بإطلاقها لا يشمل الدماء الثلاثة لان دم الحيض حيث يكون وقوعه في البدن او اللباس نادرا خصوصا مع كون مورد السؤال في الاخبار الرجل و وقوع دم الحيض في بدنه و ثوبه نادر فيمكن دعوى انصراف الاخبار عنه.

و فيه منع الانصراف و منع ندرته و الرجل المذكور في الاخبار لا خصوصية له و الا فلا بد من الالتزام بعدم العفو مطلقا للنساء.

و قد يستدل بما رواها الكليني عن احمد بن ادريس عن محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن نضر بن مؤيد عن ابى «الحسين بن» سعيد المكارى عن ابى بصير عن

أبي عبد اللّه او ابى جعفر عليهما السّلام قال لا تعاد الصلاة من دم لا تبصر «من دم لا تبصره خ» غير دم الحيض فان قليله و كثيره في الثوب ان رآه او لم يره سواء «1» و مقتضى هذه الرواية وجوب الاعادة اذا كان دم الحيض في ثوب قليلا كان او كثيرا و تكون نسبة هذه الرواية مع الاخبار المتقدمة عموما من وجه لان الأخبار المتقدمة اعمّ من حيث شمولها لكل الدماء و أخص من حيث اختصاصها باقل من الدرهم و هذه الرواية اعم من حيث شمولها لمطلق دم الحيض كان اقل من الدرهم او اكثر منه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب النجاسات من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 176

و اخص باعتبار ورودها في خصوص دم الحيض.

فنقول لا يبعد كون شمول رواية ابي بصير للمورد اظهر من الروايات الدالة على العفو من الدم الاقل من الدرهم.

و ان ابيت عن ذلك فلا اشكال في عدم كون الروايات الدالة على العفو اظهر من حيث شمولها لمورد الاجتماع فيتعارضان و يتساقطان و المرجع بعد تساقطهما الاطلاقات الدالة على عدم عدم صحة الصلاة في الدم فتكون النتيجة هي عدم العفو عن دم الحيض ان كان اقل من الدرهم.

ان قلت بعد قوله في رواية ابى بصير «فان قليله و كثيره في الثوب أن رآه او لم يره سواء» فقليله مطلق يشمل كلّما يكون من مراتب القلة فعلى هذا نقول بانه يمكن تقييدها بالروايات الدالة على العفو بان يقال قليله و كثيره سواء الا اذا كان في مقام القلة بحد لا تصل الى مقدار الدرهم.

قلت ان امكن ذلك في غير المورد و فرض

قابلية تقييد القليل لكن لا يمكن في هذه الرواية لان مفاد الرواية كون القليل من دم الحيض و كثيره سواء و ان فرض استثناء مقدار الدرهم لم يكن القليل و الكثير سواء فالتقييد ملازم لطرح الرّواية فلا يمكن التقييد.

ان قلت ان الرواية تدلّ على ما لا يمكن الالتزام به و هو وجوب اعادة الصلاة مع دم الحيض حتى في صورة الجهل بالموضوع و لا يمكن الالتزام به لانه قال «فان قليله و كثيره في الثوب ان راه او لم يره سواء».

قلت أولا يمكن ان يكون المراد من الرؤية و عدمها كون الدم بمقدار يرى بالبصر او لا يرى و الشاهد في الصدر قال «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 177

و ثانيا على فرض كون المراد من الرؤية و عدمها العلم بدم الحيض و عدمه فغايته.

عدم امكان الاخذ بهذه الفقرة من الرواية لكونها على خلاف الرواية الدالة على عدم وجوب الاعادة مع الجهل بالنجاسة موضوعا و أمّا هذه الجهة التى لنا بصدده و هو عدم العفو عن قليل دم الحيض فلا مانع من الاخذ بالرواية.

ان قلت ان الرواية ضعيفة بالحسين بن سعيد المكارى الراوى عن ابى بصير قلت و ان كان الحسين بن ابى سعيد و ابوه من الواقفية على ما نقل في جامع الروات و لكن ضعف الخبر في المورد منجبر بعمل الاصحاب على طبقة.

و تارة يقع الكلام في ان العفو عن مقدار اقل الدرهم يشمل الاستحاضة و النفاس أم لا.

اعلم ان المشهور على الثانى بل ادعى عليه الاجماع و لكن مع قطع النظر عن الشهرة و دعوى الاجماع لا وجه له وجها يمكن الاتكال عليه

خصوصا في دم الاستحاضة و في النفاس و ان قيل بكونه حيضا موضوعا كما حكى من ان دم النفاس حيض احتبس او انه بحكم الحيض و ان لم يكن منه موضوعا.

لكن ذلك غير تمام لعدم كون دم النفاس دم الحيض و مجرد كون بعض الاحكام الثابتة للحيض ثبت بالدليل لدم النفاس لا يدل على ان جميع احكام الحيض ثابت له لعدم دليل عام دال على انه بحكم الحيض في جميع الاحكام.

فاذا نقول الاحوط وجوبا باعتبار الشهرة و ادعاء الاجماع عدم العفو في الاقل من الدرهم في دم الاستحاضة و النفاس.

الجهة الخامسة: هل العفو في اقل الدرهم من الدم يشمل لدم نجس العين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 178

كالكافر و الكلب و الخنزير او لا.

قد يقال بانصراف الاخبار الواردة في العفو عن اقل الدرهم من الدم عن دم نجس العين و الميتة و غير المأكول اللحم.

و فيه انه لا وجه للانصراف ندرة وجوده على فرض تسلّم ندرته لا يوجب الانصراف فاطلاق الدم الوارد في الاخبار الواردة يكفى لشمول العفو لدم الاقل من الدرهم من نجس العين و الميتة و غير مأكول اللحم.

و ما ذكر وجها لعدم شمول الاخبار لدم نجس العين وجهان.

الوجه الاول: ان دم نجس العين بعد خروجه عنه يكتسب نجاسة اخرى و هو تنجسه لملاقاته لجسم نجس العين و لا دليل في البين يشمل العفو عن هذه النجاسة العرضية.

و فيه انه لو كان النجس قابلا للتنجس ثانيا فهو فيما كان متنجسا بنجاسة اخرى و كان لها حكم زائدا مثلا تنجّس ما تنجس بالدم أولا بالبول ثانيا فان للبول حكما زائدا و هو الغسل مرتان في القليل او فيه و في الكثير الغير الجارى «على الكلام فيه».

و اما ما تنجّس بعين ما تنجس

به او تنجس النجس بنفسه فلا معنى له و في المقام يكون كذلك لان دم نجس العين من اجزاء نجس العين فيكون فيه قذارة نجس العين فلا معنى لصيرورته نجسا بملاقاته لجسم نجس العين.

الوجه الثاني: ان المستفاد من اخبار العفو هو العفو عن الدم الاقل من الدرهم فما عفى هو حيث الدمية و أمّا الحيثيات الاخرى المانعة في الصلاة فما عفى عنها فعلى هذا نقول ان في دم نجس العين حيثيتين حيثية كونه دما و حيثية كونه نجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 179

العين و ما دل من الاخبار الواردة في العفو عن الاقل من الدرهم يدلّ على حيث كونه دما اعنى الحيث الاول و أمّا الحيث الثاني و هو كونه من نجس العين فباق على مانعيّته للصلاة فلا يجوز الصلاة في دم نجس العين و ان كان الاقل من الدرهم لاجل كونه دم نجس العين.

و فيه انه و ان كان هذا الكلام في حدّ ذاته صحيحا بمعنى انه ان كان فيه جهتان مثلا و قد صار بجهة منها لا اقتضاء من حيث المانعية او غيرها و لكن يكون من حيث آخر مقتضيا لحكم من المانعيّة او غيرها لا يمكن الالتزام بارتفاع جهة مانعيّته بمجرد عدم مانعيّته من جهة فلو كان الشخص مثلا فيه جهتان العلم و الفسق فلو صار من حيث علمه لا اقتضاء من حيث وجوب الاكرام و عدمه و لكن كان من حيث فسقه محرّم الاكرام لا يمكن الحكم بعدم مانع من اكرامه لكونه من حيث علمه لا اقتضاء من حيث الاكرام و عدمه بل و لو كان بحيث محكوما بحكم و من حيث آخر محكوما بحكم مضاد

له يكون من صغريات اجتماع الامر و النهى و هذا شاهد على ان مجرد لا اقتضائيته من حيث او اقتضائه لحكم بحيث وجهة لا يوجب كونه لا اقتضاء او محكوما بهذا الحكم بحيث وجهة آخر مثلا لو قال في دليل لا تضرب العلماء و قال في دليل آخر اضرب الفسّاق فلا يوجب كونه من حيث العلم غير محكوم بالضرب كونه غير محكوم بالضرب من حيث الفسق و لا فرق في ذلك بين كون الدليل المتكفّل لاثبات حكم او نفى الحكم مطلقا او عاما لان في العام شمول حكم الطبيعة للفرد يكون بحيث حصته للطبيعة لا بجهة اخرى.

و ما قال «1» العلامة الهمداني رحمه اللّه من الفرق بين المطلق و العام في غير محله لكن مع تسلّم هذه الكليّة نقول ان في موردنا بعد كون مانعية نجاسته نجس العين من حيث

______________________________

(1) مصباح الفقيه ج 8، ص 95.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 180

نجاسته لا بجهة اخرى و العفو عن اقل الدرهم من الدم يكون من حيث نجاسة فليس في البين غير حيث النجاسة المعفو عنها في المقدار الاقل من الدرهم حيث آخر حتى يقال انّ دليل العفو لا يشمل هذا الحيث الآخر و لهذا يكون الاقوى العفو عن دم نجس العين و ان كان الاحوط في مقام العمل الاجتناب عن دم نجس العين في الصلاة في الاقل من الدرهم.

الجهة السادسة: هل العفو يشمل دم الميتة أم لا.

اعلم ان وجه الشمول ما ذكرناه في الجهة السابقة في شمول العفو لدم نجس العين و وجه عدم الشمول ما ذكرناه في الجواب.

و لكن هنا كلاما آخرا و هو انه يمكن ان لا تكون لاجل نجاستها بل تكون لاجل نفس كونها ميتة كما

ان ذلك ربما يستفاد من بعض الادلة و على هذا يكون هذا حيث آخر غير حيث نجاسة الدم فالعفو من حيث نجاسة الدم لا يشمل العفو من دم الميتة لكونه من اجزاء الميتة.

فعلى هذا نقول الاحوط وجوبا هو الاجتناب عن نجاسة دم الميتة في الصلاة في الاقل من الدرهم أيضا كما لا يجوز في الصلاة في اكثر من الدرهم من الميتة مسلّما.

الجهة السابعة: هل العفو في الاقلّ، من الدرهم من الدم يشمل دم مطلق غير الماكول اللحم

حتى غير الانسان او لا بل يختص بدم الانسان.

وجه عدم الشمول امران:

الأمر الاوّل: الوجه الثانى من الوجهين المتقدمين في الجهة الخامسة و هو ان في دم غير المأكول جهتين جهة الدمية و هى المعفو عنها اذا كانت اقل من الدرهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 181

وجهة غير المأكولية و هي باقية على مانعيتها للصلاة.

الأمر الثانى: ما رواها ابن بكير قال سئل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان الصلاة في و بر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في و بره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما احل اللّه اكله ثم قال يا زرارة هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سلم فاحفظ ذلك يا زرارة فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في و بره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز اذا علمت انه ذكى و قد ذكاه الذبح و ان كان غير ذلك مما نهيت

عن اكله و حرّم عليك اكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكاه الذبح او لم يذكه «1»

وجه الاستدلال قوله عليه السّلام «و كل شي ء منه فاسد» فما يكون من اجزاء غير الماكول لا يجوز الصلاة فيه و من جملة الاجزاء الدم منه فلا يعفى دم غير المأكول.

و استشكل بهذا الاستدلال.

أوّلا: بأنّ كل شي ء منه فاسد و ان كان يقتضي العموم باعتبار كلمه «كل» لكن عمومه تابع عموم مدخوله و حيث ان المذكور في الرواية حكم المأكول و غير المأكول فكلّما يجوز الصلاة فيه من المأكول لا يجوز الصلاة فيه من غير المأكول لان الحكم بصحة الصلاة و عدمها متفرّع على حيث المأكولية و غير المأكولية و من المسلّم ان الدم من المأكول لا يجوز الصلاة فيه و كلما يكون من الاجزاء لا يجوز الصلاة فيه حتى من المأكول يكون خارجا عن تحت العموم لان الحديث متكفّل لعدم جواز الصلاة في خصوص ما يكون من غير المأكول لو كان من المأكول يكون مما يجوز الصلاة فيه و الدم ليس من ذلك القبيل لانه لو كان من الماكول لا يجوز الصلاة فيه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 182

و بعد عدم شمول العموم بقرينة سياق الحديث للدم لا يمكن الاستدلال بالحديث لعدم العفو في الاقل من الدرهم من دم غير المأكول.

و ثانيا: تكون النسبة بين هذا الحديث و بين الاخبار الواردة في العفو عن الاقل من الدرهم عموما من وجه لان هذا الحديث اعمّ باعتبار تعميمه لدم الاقل من الدرهم و الاكثر منه و اخصّ باعتبار اختصاصه بصورة عدم جواز الصلاة بدم

غير المأكول و الاخبار المتفرقة الواردة في العفو تكون أعم باعتبار شمولها لدم المأكول و غير المأكول و أخصا باعتبار اختصاص موردها بدم الاقل من الدرهم و يتعارضان في الدم الاقل من الدرهم من غير المأكول لان هذا مورد اجتماعهما و مع التعارض حيث يكون مقتضى القاعدة الاخذ بالأظهر و يكون شمول اخبار العفو لمورد الاجتماع أظهر فلا بد من الاخذ باخبار العفو و تكون النتيجة الاخذ بالاقل من الدرهم من دم غير المأكول.

و فيه أمّا الاشكال الاول فغير وارد لان مجرد عدم كون الدم من غير المأكول مما لا تجوز الصلاة فيه بالدليل لا يقتضي رفع اليد عن عموم «كل شي ء منه فاسد» في غير المأكول.

مضافا الى ما قيل من ان في المأكول ما لا يجوز الصلاة فيه من الدم هو الاكثر لا الاقل من الدرهم ففي الاقل من الدرهم منه تجوز الصلاة و لا بد ان يكون بقرينة السياق الدم الاقل في غير المأكول مما لا تجوز الصلاة فيه و بعبارة اخرى بعد كون الدم الاقل من الدرهم داخل في عموم «كل شي ء منه جائز» في المأكول لا بد و ان يكون الدم الاقل من الدرهم في غير المأكول داخل في عموم «و كل شي ء منه فاسد» فتكون النتيجة عدم العفو عن الاقل من الدرهم في دم غير المأكول.

الجهة الثامنة: اذا كان الدم متفرقا في البدن و اللباس و كان المجموع اقل من الدرهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 183

فلا اشكال في العفو و أمّا ان كان المجموع اكثر من الدرهم و ان كان كل واحد واحد من المواضع الواقعة فيه الدم اقل من الدرهم فهل يكون معفوا عنه أم لا.

فاقول ان الظاهر عدم العفو وجه عدم العفو قوله في الرواية الاولى من الروايات

المتقدمة ذكرها «الّا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا» و قوله فى الرواية الثانية منها «فلا بأس ما لم يكن مجتمعا بقدر الدرهم بناء على كون قوله «مجتمعا» في الخبرين حالا فيكون المراد عدم العفو ان كان حال اجتماعه بقدر الدرهم و العفو ان كان حال اجتماعه اقل من الدرهم.

و قيل بالعفو اذا كان كل دم من الدماء المتفرقة اقل من الدرهم و ان كان مجموعها اكثر منه بكون كلمة «مجتمعا» في الرواية الاولى خبرا ثانيا لقوله يكون و كون مجتمعا في الرواية الثانية الخبر الاول لقوله «و لم يكن» فيكون المعنى في الخبرين لا بأس به الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فتكون النتيجة اعتبار الامرين في عدم العفو بلوغ الدم مقدار الدرهم و اجتماعه.

و فيه ان هذا الاحتمال خلاف ظاهر الروايتين:

أولا و لازمه كون الاستثناء في الرواية الاولى منقطعا.

ثانيا لانه مع كون مفروض الرواية تفرق الدم فصورة اجتماع الدم بقدر الدرهم يكون خارجا عن المتثنى منه و ان ابيت عن كون قوله «مجتمعا» حال و عدم كون هذا ظاهر الخبرين فلا اقل من كون الروايتين ذي احتمالين احتمال كون قوله «مجتمعا» حال و احتمال كونه خيرا فتصير الروايتان مجملتين لعدم كونهما ظاهرين في الخبرية أيضا و بعد اجمالهما.

فاما ان يقال بان سائر الاخبار يكون مطلقا من هذا الحيث لانه يدل على العفو عن اقل الدرهم و عدم العفو عن الدم الواقع في البدن او الثياب سواء كان في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 184

موضع واحد اذا بلغ قدر الدرهم او وقع في مواضع متعددة و كان المجموع بمقدار الدرهم و ان لم يبلغ كل واحد منها بقدر الدرهم لدلالة بعض

الروايات مثل رواية محمد بن مسلم على كون الميزان في عدم العفو هو بلاغ الدم مقدار الدرهم سواء كان المجموع بقدر الدرهم او كل واحد منه.

و أمّا ان يقال بانه لو فرض عدم اطلاق الروايات الباب من هذا الحيث و فرض كون الرواية الاولى و الثانية مجملين فيكون المرجع في الزائد على قدر المتيقّن من العفو هو عموم ما دل على عدم جواز الصلاة في النجس او وجوب وقوعها في الطاهر او اطلاقه لانه اذا كان الخاص مجملا بالاجمال المفهومى فالمرجع في الزائد على المتيقن من التخصيص هو العام فتكون النتيجة عدم العفو عن الدم الواقع في البدن او الثوب اذا كان مجموعه بقدر الدرهم و ان لم يبلغ كل واحد من المجموع بقدر الدرهم.

الجهة التاسعة: ليس الميزان في الدرهم وزنه

بل الميزان سعته فان كانت الدم اقل من سعة الدرهم فمغتفر في الصلاة و ان كان وزنه بقدر الدرهم و بالعكس لانّ الظاهر من التحديد هذا و قد ادعى عدم الخلاف في المسألة

الجهة العاشرة: فيما هو المراد من الدرهم

فهل هو الدرهم المعروف بالوافى او المعروف بالبغلى او المراد هو الدرهم المعروف الذي ضرب في زمان عبد الملك او غيرها.

اعلم ان الكلام يقع في موضعين:

الموضع الاول: في المراد من الدرهم.

الموضع الثاني: بعد الفراغ عن ذلك و تشخيص موضوع الدرهم يقع الكلام في تشخيص مقدار سعته فنقول:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 185

أمّا الكلام في موضع الاوّل فنقول ان كنّا نحن و اخبار الباب فليس فيها الا التحديد بالدرهم غير الرواية الثالثة ففيها التحديد بالحمصة و لا يمكن الاخذ بها لعدم عمل أحد بها و غير ما في الفقه المنسوب «1» الى الرضا عليه السّلام من التعبير فيه «ان اصاب ثوبك الدم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن درهم واف» و كون المراد منه الدرهم المذكور في كلمات بعض الفقهاء المعروف بالدرهم «الوافى» او غيره غير معلوم مضافا الى ضعف سند الفقه المنسوب الى الرضا عليه السّلام و لا يمكن الاعتماد به.

فيبقى في البين التعبير بالدرهم في اكثر الروايات المربوطة بالباب و لا يمكن الالتزام بشمول الدرهم الواقع في الروايات لكل درهم بدعوى اطلاق الدرهم.

اما أولا فلانه بعد كون المتعارف في زمان صدور الروايات و هو زمان الامام الصادق عليه السّلام درهم خاص و هو ما ضرب بأمر عبد الملك و كان رائجا.

فلا بد من حمل المطلق على المتعارف و لا يمكن اخذ الاطلاق لانه ان كان المتكلم و هو الامام رحمه اللّه أتكى في عدم ذكر

القرينة لعدم الاطلاق في كلامه بما هو المتعارف فما اخلّ بالحكمة فلا تجرى مقدمات الحكمة حتى يمكن اخذ الاطلاق كما بيّن في محلّه و أمّا ثانيا لا يمكن الاخذ بإطلاق الروايات لاختلاف افراد الدرهم من حيث السعة لان هذا مناف مع التحديد.

فلو كنا نحن و الجمود على ظاهر روايات الواردة فيها الدرهم ينبغى ان يقال بحمل الدرهم على الدرهم المتعارف في زمان صدور الروايات و لكن الناظر في كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم و نقل اجماعاتهم يعترف بانه ما ليس فيها هو حمل الدرهم على المتعارف في زمان صدور الروايات.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للامام الرضا عليه السّلام، ص 95.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 186

فباعتبار الفتاوى يجد المراجع ادّعاء الاجماع على كون المراد بالدرهم الدرهم المعروف بالوافى او البغلى و في بعض كلماتهم التصريح بان الوافى هو البغلى و ادعى عليه الاجماع مع اختلافهم في ان البغلى «بفتح الباء و فتح الغين و فتح اللام و تشديده» او هو «بفتح الباء و سكون الغين و فتح اللام و تخفيفه» و الاختلاف في ان «البغلى» منتسب الى محل قرب «الجامعين» أو الى شخص.

هذا كله فيما ينبغى ان يقال في الموضع الاول.

أمّا الكلام في الموضع الثاني و هو سعة الدرهم فليس في البين ما يدلّ على مقدار سعته و لو تحقّق موضوعه فرضا و بعبارة اخرى لو فرض كون الدرهم هو الوافى او البغلى باعتبار الاجماع عليه فلا طريق يفيد العلم او الظن المعتبر على مقدار سعته غير ما قلنا بالاجماع عن بعض بكون سعته بقدر اخمص الراحة و غير ما قيل عن ابن ادريس في السرائر من رؤيته الدرهم البغلى المنسوب الى مدينة

قديمة من «بابل» يقال لها «بغل» متصلة ببلد الجامعين و كانت سعته تقرب من سعة أخمص الراحة.

فعلى هذا ليس المدرك في كون سعته بقدر اخمص الراحة إلا دعوى الاجماع عن بعض و غير الكلام المنقول عن ابن ادريس.

و أمّا كلام ابن ادريس فلا يمكن الاعتماد و الاتكال عليه أمّا أولا فلانه ينقل ان بعض الحضرة وجده و هو اعتمد على نقله و كونه هو الدرهم البغلى المقصود في الاجماعات غير معلوم مع ما نقل من بعض من ان الدرهم البغلى منسوب الى شخص خاص لا الى محل خاص.

و ثانيا هو شاهد واحد.

فان اكتفى بنقل الاجماع عن بعض على كون سعة الدرهم بقدر أخمص الراحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 187

فهو و الا بعد كون الخاص و هو العفو عن اقل الدرهم من الدم مجملا مفهوما لعدم معلومية سعته فلا بد من الاخذ بقدر المتيقن و المرجع في غير مقدار المتيقن الى عموم ما دل على عدم جواز الصلاة في الدم و لهذا الاحوط الاقتصار على المتيقن كما قال المؤلف رحمه اللّه هذا تمام الكلام في اصل المسألة.

***

[مسئلة 1: اذا تفشّى من أحد طرفى الثوب الى الآخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا تفشّى من أحد طرفى الثوب الى الآخر فدم واحد و المناط في ملاحظ الدرهم أوسع الطرفين نعم لو كان الثوب طبقات فتفشّى من طبقة الى اخرى فالظاهر التعدد و ان كانتا من قبيل الظهارة و البطانة كما لو وصل الى الطرف الآخر دم آخر لا بالتفشى يحكم عليه بالتعدد و ان لم يكن طبقتين.

(1)

اقول: أمّا فيما كان تفشى الدم من طرف الى طرف آخر فكون الدم دما واحدا فهو لحكم العرف بذلك و هو المرجع فيما كانت السّراية من

طرف الى طرف آخر.

و أمّا كون الاعتبار في الاخذ بعفو الدم بأوسع الطرفين فلانه لو كان الأوسع بقدر الدرهم يصدق انّ الدم بقدر الدرهم فلا يكون معفوا عنه.

و أمّا اذا كان الثوب ذا طبقتين او ذا طبقات فتفشى الدم من طبقة الى طبقة اخرى فليس الدمان دما واحدا لحكم العرف بكونهما دمين لا دما واحدا فان لم يبلغ كل من الدمين الواقعين في طبقتين الدرهم فيعفى عنهما و ان كان مجموعها بقدر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 188

الدرهم فلا يعفى عنهما و ان كان كل واحد منهما لم يبلغ الدرهم.

و اما اذا وقع دم على طرف من الثوب و دم آخر على طرفه الآخر و ان وقع كل منهما في طبقة واحدة فيعدان دمين متعدّدين كما هو مما يقتضي به حكم العرف.

***

[مسئلة 2: الدم الاقل اذا وصل إليه رطوبة من الخارج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الدم الاقل اذا وصل إليه رطوبة من الخارج فصار المجموع بقدر الدرهم او ازيد لا اشكال في عدم العفو عنه و ان لم يبلغ الدرهم فان لم يتنجس بها شي ء من المحل بان لم تتعدّ عن محل الدم فالظاهر بقاء العفو و ان تعدّى عنه و لكن لم يكن المجموع بقدر الدرهم ففيه اشكال و الاحوط عدم العفو.

(1)

اقول: أمّا في صورة وصول الرطوبة الخارجية بالدم الاقل من الدرهم و صيرورة المجموع بقدر الدرهم أو أزيد فلا اشكال في عدم العفو لانه أمّا لا تكون الرطوبة المتنجسة معفوة عنها اصلا و ان لم تبلغ الدرهم فواضح عدم العفو و ان كانت معفوة عنها مثل الدم الاقل فالاشكال في ان العفو في اقل الدرهم لا قدر الدرهم او ازيد منه.

و أمّا صورة عدم بلوغ مجموع الدم و

الرطوبة الخارجيّة بقدر الدرهم فأما ان لا تتعدّى الرطوبة من غير الدم مثلا لا تتعدّى على الثوب او البدن.

فنقول تارة صارت الرطوبة يابسة و لا عين لها فلا اشكال في العفو ان كان نفس الدم اقل من الدرهم لانه ليس في البدن او الثوب الا الدم الاقل من الدرهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 189

و هو معفوّ عنه.

و تارة تكون الرطوبة باقية و يريد ان يصلى مع الرطوبة المتنجسة بالدم فلا تصح الصلاة معها و لا عفو لانه لو صلى الشخص فى هذا الحال صلّى في الرطوبة المتنجسة و لا تصح الصلاة في النجس.

أن قلت ان مانعيّة النجاسة للصلاة كما يقتضي دليلها يقتضي مانعيتها اذا كانت النجاسة ملتصقة بالبدن او اللباس و ليس هكذا فيما نحن فيه.

قلت ان المستفاد هو الصلاة في النجس و هذا يصدق في المقام و لهذا لو وقعت عين النجاسة في البدن او اللباس بواسطة شي ء يصدق الصلاة في النجس فالاقوى عدم العفو في الصلاة.

و أمّا فيما تتعدى الرطوبة الخارجية الواقعة في الدم الى الثوب او البدن فلا عفو و ان كان مجموع الدم و الرطوبة المتنجسة اقل من الدرهم لان ما يدل عليه الدليل هو العفو عن الدم الاقل من الدرهم الا العفو عن الرطوبة المتنجسة.

ان قلت ان نجاسة الرطوبة المتنجسة على الفرض يكون من الدم الاقل من الدرهم و هذا الدم معفو عنه فتكون الرطوبة المتنجسة المتفرعة عنه معفوّة بالاولوية.

قلت ان الاولوية ممنوعة و ليس ما قلت الا مجرد الاستحسان و لا يعتنى به.

***

[مسئلة 3: اذا علم كون الدم اقل من الدرهم و شك في انه من المستثنيات أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا علم كون الدم اقل من الدرهم و شك في انه من المستثنيات أم لا يبنى على

العفو و اما اذا شك في انه بقدر الدرهم او اقل فالاحوط عدم العفو عنه الا ان يكون مسبوقا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 190

بالاقلية و شك في زيادته.

(1)

اقول: أمّا منشأ افتاء المؤلف رحمه اللّه في الصورة الاولى و هي ما اذا علم الشخص بكون الدم أقلّ من الدرهم لكنه شك في ان هذا الدم من المستثنيات من العفو مثل كونه من دم نجس العين او لا بالعفو فى هذه الصورة احد الامور:

الأمر الاول: عموم الدليل الدال على العفو عن دم الاقل من الدرهم لانه لا يعلم خروج المشكوك عن هذا العموم فالعموم محكم في المشكوك.

و فيه ان هذا تمسك بالعام في الشّبهة المصداقية و قد بيّنا في الأصول عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.

الأمر الثّاني: استصحاب عدم كون المشكوك من المستثنيات اى عدم كونه من الدماء الغير المعفوة عنها مثل دم نجس العين باستصحاب العدم الازلى.

و فيه انّه لا مجال له أمّا لعدم الحالة السابقة له و أمّا لكونه مثبتا.

الأمر الثالث: انه بعد ما يكون مقتضى العام هو عدم جواز الصلاة في النجس و منه الدم و مقتضى الخاص العفو من اقل من الدرهم من الدم الا ما استثنى فنشك في المقام في كون المشكوك من افراد العام او من افراد الخاص فليس العام و لا الخاص حجة في المشكوك لان كلا من العام و الخاص ليس حجة في الشبهة المصداقية فلا بد في المورد من الرجوع الى الاصل العملى و هو في المقام ليس الا البراءة لأنه بعد عدم وجود الاصل اللفظى و وصول الامر الى الاصل العملى فالمرجح هو البراءة و بعبارة اخرى اصالة الحليّة و مقتضاها حليّة

الصلاة فيه.

و فيه ان ما يأتى بالنظر عدم وصول النوبة فيما نحن فيه بالاصل العملى لوجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 191

الاصل اللفظى الذي مقتضاه عدم العفو في المورد بيانه ان في المقام عاما يقتضي العفو عن الدم الاقل من الدرهم في الصلاة و خاصا يقتضي عدم العفو عن الدم الاقل من الدرهم في بعض الدماء مثل دم نجس العين و دم الحيض و غيرهما المذكور في محله و في المقام بعد الشك في ان الدم المشكوك فرد العام حتى يكون معفوا عنه في الصلاة او من المستثنيات حتى لا يكون معفوا عنه فلا يكون العام المذكور و الخاص حجة في مورد شكنا لكونه من الشبهات المصداقية لكل من العام و الخاص.

و لكن حيث يكون في المقام عام فوق العام و الخاص المذكورين فنقول ان هذا العام هو العام الذي لسانه عدم جواز الصلاة في النجس و بعد تعارض العام و الخاص المذكورين و عدم حجيتهما في المورد يكون المرجع هو العام الفوق، و هو عموم ما دل على عدم الصلاة في النجس و يشمل المورد لانه من افراده لان الدم نجس و هذا دم و ليس في البين ما يقتضي عفوه لما قلنا فنقول بمقتضى العموم الفوق بانه لا تجوز الصلاة فيه و لا تصل النوبة باصل من الاصول العملية.

و أمّا في الصورة الثانية فنقول بانه اذا شك في ان المشكوك يكون أقل من الدرهم او يكون بقدر الدرهم فقال المؤلف رحمه اللّه الاحوط فيه عدم العفو الا اذا كانت حالته السابقة أقليّته من الدرهم.

اقول هذه الصورة بحكم الصورة السابقة لان مورد الشك من الشبهات المصداقية و الحق العفو على

مختارنا لانه بعد تسلّم كون الدم من الدماء المعفوة عنها و انّما الشك فى هذه الصورة يكون في ان هذا الدم اقل من الدرهم حتى يشملها العفو او بقدر الدرهم حتى لا يشملها العفو فلا اشكال في انه على تقدير كونه اقلّ من الدرهم يكون معفوا عنه لعدم كونه من مستثنيات العفو مسلّما و بعد كون الشك في اقليّة من الدرهم او كونه بقدر الدرهم فبالنتيجة يكون الشك في ان المورد مصداق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 192

لعموم لا تجوز الصلاة في النجس او هو مصداق الخاص و الدال على العفو عن الدم الاقل من الدرهم فمع ان الحق كما قلنا عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا مجال للتمسك باحد من العام و الخاص فالمرجع في المقام الى الاصول العملية و الاصل العملى في المقام هو البراءة و ليس في البين عام فوق العام و الخاص المتقدمين حتى يرجع إليه في المقام كما قلنا في الصورة السابقة.

نعم لو كانت الحالة السابقة كون الدم بقدر الدرهم او ازيد فلا عفو بحكم الاستصحاب فتأمل فيما قلنا في المقام و الحمد للّه أولا و آخرا و الصلاة على رسول و آله.

***

[مسئلة 4: المتنجس بالدم ليس كالدم في العفو عنه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: المتنجس بالدم ليس كالدم في العفو عنه اذا كان اقل من الدرهم.

(1)

اقول: قدّمت في المسألة السابقة ان المعفو عنه بمقتضى الدليل الدم الاقل من الدرهم لا المتنجس به و ما قيل من ان المتنجس بالدم اولى بالعفو قد عرفت فساده لعدم اولوية في المقام.

***

[مسئلة 5: الدم الاقل اذا ازيل عينه]

قوله رحمه الله

مسئلة 5: الدم الاقل اذا ازيل عينه فالظاهر بقاء حكمه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 3، ص: 192

(2)

اقول: قد يستدل على بقاء الحكم في المورد بان المحل قد تنجس بالدم فاذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 193

كان نفس الدم معفوا عنه فالمحل اولى و فيه منع الاولوية و الدليل يكون في خصوص الدّم.

و قد يستدل على ذلك باستصحاب العفو الثابت له قبل زوال عين الدم عن المحل.

اقول: ان كان المراد بالاستصحاب التعليقى بان يقال هذا الموضع من البدن او الثوب كان بحيث يعفى عن نجاسة في الصلاة فهكذا في الحال ببركة الاستصحاب فهو أولا مبنى على جريان الاستصحاب التعليقى.

و ثانيا على كون الملازمة شرعية و عدم كون وجود الدم من مقوّمات موضوع المستصحب عند العرف و كل ذلك غير حاصل.

و ان كان المراد الاستصحاب التنجيزى و هو ان يدعى بقاء حكم العفو بعد ذهاب عين الدم ببركة الاستصحاب و فيقال بانه تجوز الصلاة في بدنه او ثوبه سابقا فيستصحب ذلك فهذا موقوف على عدم دخل بقاء الدم فى المحل و هو غير معلوم بل هو معلوم العدم فلا مجال على هذا للتمسك بالاستصحاب الحكمى.

***

[مسئلة 6: الدم الاقل اذا وقع عليه دم آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الدم الاقل اذا وقع عليه دم آخر اقل و لم يتعدّ عنه او تعدّى و كان المجموع اقل لم يزل حكم العفو عنه.

(1)

اقول: وجهة اطلاق الادلة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 194

[مسئلة 7: الدم الغليظ الذي سعته اقل عفو]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: الدم الغليظ الذي سعته اقل عفو و ان كان بحيث لو كان رقيقا كان بقدره او اكثر.

(1)

اقول: و ذلك لاطلاق الادلة و قد عرفت ان الميزان سعة الدرهم و لا فرق بين كون حجمه قليلا او كثيرا.

و التمسك بالرواية الثالثة من الروايات المربوطة بالباب المذكورة فيها التحديد بقدر الحمصة بحمل الرواية على مثل هذا الصورة لا وجه له.

أمّا أولا فلان الظاهر من التحديد بالحمصة أيضا السعة كما استظهرنا في الدرهم.

و ثانيا ان الرواية من هذا الحيث غير معمول بها عند الاصحاب.

***

[مسئلة 8: اذا وقعت نجاسة اخرى كقطرة من البول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا وقعت نجاسة اخرى كقطرة من البول على الدم الاقل بحيث لم تتعد عنه الى المحل الطاهر و لم يصل الى الثوب أيضا هل يبقى العفو أم لا اشكال فلا يترك الاحتياط.

(2)

اقول: أمّا لو تتعدي الى المحل الطاهر فلا اشكال في عدم العفو لان المحل صار متنجسا بالبول، و لا عفو عنه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 195

و أمّا اذا لم تتعد من الدم الى المحل الطاهر فتارة تكون رطوبة النجس مثلا رطوبة البول باقية و يريد ان يصلى فيه فلا عفو لان الصلاة مع رطوبة البول صلاة في النجس لان البول من النجاسات و لو لم يلصق ببدنه او ثوبه بلا واسطة.

و تارة لم يكن رطوبة البول مثلا باقية فقد يتوهم العفو لانه ليس في الخارج الا الدم الاقل كما قلنا في المسألة الاولى بالنسبة الى ما لاقي الدم الاقل من الدرهم رطوبة من الخارج و لم تتعد الى غير الدم و صارت يابسة لكن فرق بين الرطوبة الطاهرة المتنجسة بالدم فصارت يابسة و بين المحلّ الكلام في هذه المسألة لان ما

لاقي الدم الاقل كان من النجاسات و ان يبس مثلا لاقى مع البول فهل يمكن القول بالعفو حتى فى هذه الصورة خصوصا فيما يكون للنجس الملاقى للدم اثر زائد مثل البول فالقول بعدم العفو فى هذه الصورة لو لم يكن الاقوى فلا اقل من كونه احوط.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 196

[الثالث ما لا تتم فيه الصلاة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

«الثالث» مما يعفى عنه فى الصلاة ما لا تتم فيه الصلاة من الملابس كالقلنسوة و العرقجين و التكة و الجورب و النعل و الخاتم و الخلخال و نحوها بشرط ان لا يكون من الميتة و لا من اجزاء نجس العين كالكلب و اخويه و المناط عدم امكان الستر بلا علاج فان تعمّم او تحزم بمثل الدستمال مما لا يستر العورة بلا علاج لكن يمكن الستر به بشدّه بحبل او بجعله خرقا لا مانع من الصلاة فيه و اما مثل العمامة الملفوفة التى تستر العورة اذا قلّت فلا يكون معفوّا الّا اذا خيطت بعد اللف بحيث تصير مثل القلنسوة.

(1)

اقول: لا اشكال في اصل الحكم نصّا و فتوى انما الكلام في بعض فروع هذا الحكم فلا بدّ من

ذكر الروايات المربوطة بالباب

لفهم حكم التفريعات فنقول بعونه تعالى.

الرواية الاولى: ما رواها زرارة عن احدهما عليهما السّلام قال كلما كان لا تجوز فيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 197

الصلاة وحده فلا بأس بان يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب «1».

الرواية الثانية: ما رواها حمّاد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصلى في الخفّ الذي قد اصابه القذر فقال اذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس «2».

الرواية الثالثة: ما رواها زرارة قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ان قلنسوتى وقعت في بول فاخذتها فوضعتها على راسى ثم صلّيت فقال لا بأس. «3»

الرواية الرابعة: ما رواها ابراهيم بن ابى البلاد عمّن حدّثهم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة و

التكة و الجورب «4».

الرواية الخامسة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال كلّما كان على الانسان او معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يصلى فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما اشبه ذلك.

الرواية السادسة: ما روي في الفقه المنسوب الى الرضا عليه السّلام «5» أن اصاب قلنسوتك او عمامتك او التكّة او الجورب او الخفّ منّى او بول او دم او غائط فلا بأس بالصلاة فيه و ذلك ان الصلاة لا تتمّ فى شي ء من هذه. «6»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 5 من الباب 31 من الباب 31 من ابواب النجاسات.

(6) الفقه المنسوب للامام الرضا عليه السّلام، ص 95.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 198

هذا كله في الروايات المربوطة بالمقام ثم انه نقول بان

الكلام يقع في امور:
الأمر الاول: ان المراد مما لا تجوز فيه الصلاة

او ما لا تتم فيه الصلاة المذكور في روايات الباب هو انه لا يمكن ان يستر به ما يجب في الصلاة استتاره من العورة لا حيث آخر كالقلنسوة و امثالها.

الأمر الثاني: العفو انما يكون من حيث القذارة

الحاصلة من حيث النجاسة بمعنى ان ما لا تتم الصلاة فيه لو كان متقذّرا بالقذارة الحاصلة من النجاسة لا بأس به لا من حيث موانع آخر مثل كونه مما كونه لا يؤكل لحمه لما صرّح في بعض الروايات المتقدمة هذا و لكون المفتى به و المجمع عليه في العفو هذا.

الأمر الثالث: لا فرق فيما لا تتم فيه الصلاة بين ان يكون من جنس الثياب و الملبوس

و بين كونه من غيرهما مثل الخلخال و السكين لان المستفاد من بعض اخبار الباب هو العموم مثل الرواية الاولى و مجرد التمثيل في الروايات بخصوص ما يكون من جنس اللباس لا يقتضي التخصيص بعد كلية الحكم مثل قوله عليه السّلام في الرواية الاولى كلما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس به».

و يمكن ان يستدل على التعميم بقوله في الرواية الخامسة «كلما كان على الانسان او معه» بان يقال بان المراد من قوله «معه» في قبال قوله «على الانسان» هو ما لا يكون ملبوسا مثل السكين و الخلخال و غيرهما.

و فيه ان هذه الرواية مرسلة الا ان بقال بانجبار ضعفها بعمل الاصحاب رحمهم اللّه على وفقها.

الأمر الرابع: يشترط في العفو عن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة

كما ترى فى كلام المؤلف ان لا يكون ما لا تتم فيه الصلاة من اجزاء الميتة و نجس العين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 199

و قد استدل على ذلك أولا بان ظاهر اخبار الباب كون العفو من حيث التّلوث بالنجاسة فلا عفو فيما يكون ما لا تتم فيه الصلاة من اجزاء عين النجس و هذا وجه تام لان المراجع في اخبار الباب يرى ان النظر فيها الى العفو فيه من حيث النجاسة لا حيثيات اخرى.

و ثانيا انصراف اخبار الباب عما يكون ما لا تتم فيه الصلاة من الميتة او نجس العين على فرض اطلاق بحسب الظاهر لها.

اقول و لو فرض اطلاق للاخبار من هذا الحيث فلا يتم هذا الوجه لعدم وجه لدعوى الانصراف و مجرد ندرة الوجود لا يوجب الانصراف.

و ثالثا بعض الاخبار الدالة على عدم صحة الصلاة في الخف و نظائره اذا كان من الميتة.

مثل ما رواها الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه

عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق قال أشتر و صلّ فيها حتّى تعلم انّها ميتة بعينه «1».

و ما رواها على بن ابي حمزة قال ان رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن الرجل يتقلّد السيف و يصلّى فيه قال نعم فقال الرجل ان فيه الكيمخت قال و ما الكيمخت قال جلود دوابّ منه ما يكون ذكيّا و منه ما يكون ميتة فقال ما عملت انه ميتة فلا تصلّ فيه «2».

و ما رواها ابو نصر عن الرضا عليه السّلام قال سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدرى أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدرى أ يصلى فيه قال نعم أنا اشترى الخفّ من السوق و يصنع لى و أنا أصلي فيه و ليس

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 200

عليكم المسألة «1».

و ما رواها سماعة بن مهران انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت فقال لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة «2».

و ما رواها ابن ابى عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الميتة قال لا تصل في شي ء منه و لا شسع «3». بدعوى دلالة هذه الروايات على عدم جواز الصلاة في الخف و السيف ان كانا من الميتة و المذكور في هذه الروايات و ان كان خصوص الخف و السيف و لكن لا خصوصية لهما مسلّما فلا تجوز الصلاة في الميتة

و ان كان مما لا تتم فيه الصلاة و بعد كون مانعية الميتة من حيث نجاستها يكون دعوى عدم جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة في مطلق نجس العين دعوى مسموع و لكن في قبال تلك الروايات روايتين قيل بتعارضهما مع الروايات المتقدمة.

الاولى: ما رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال كلما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلّى فيه «4».

الثانية: ما رواها إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها اذا لم تكن من ارض المصلّين فقال أمّا النعل و الخفاف فلا بأس بهما «5».

وجه المعارضة دلالة هاتين الروايتين على جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 14 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(5) الرواية 3 من الباب 38 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 201

و ان كان مأخوذا من الميتة بالعموم في أولاهما و بالخصوص في ثانيتهما و دلالة الروايات المتقدمة على عدم جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة من الميتة.

و مقتضى الجمع بين الطائفتين حمل الطائفة الاولى على الكراهة بقرينة الجواز في الطائفة الثانية.

و دعوى بعض حمل الطائفة الثانية بصورة النجاسة العرضية لا الذاتية لان لسان الرواية الاولى من الطائفة الثانية يكون بعين لسان الطائفة الاولى

الدالة على جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة و يحتمل كون المراد من الرواية الثانية من الطائفة الثانية هو هذا أيضا و ان كان موضوع السؤال فيها لبس الجلود لانه من المحتمل كون النظر في السؤال و الجواب الى نجاسة المذكورات بالنجاسة العرضية باعتبار كونها في أرض غير الاسلام.

اقول أمّا الرواية الاولى من الطائفة الثانية اعنى رواية الحلبي فيكون لسانها عين لسان الاخبار الطائفة الاولى المتقدمة ذكرها بل ينبغى ان تعدّ من جملتها لان مفادها مفاد هذه الطائفة من حيث دلالتها على جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة فكما انها مطلق هكذا هذه الرواية و لسان كلها الجواز مطلقا.

و أمّا الرواية الثانية: من الطائفة الثانية فما يكون في بعض الكلمات من احتمال حملها على النجاسة العرضية فهو و ان كان محتملا لكن الظاهر منها الاحتمال الآخر و هو كون النجاسة النجاسة الذاتية و هو المجهود فى الاسئلة و الاجوبة في غير هذه الخبر هو أيضا.

و لكن ما يأتي بالنظر هو ان يجعل الكلام في موارد:

المورد الاوّل: في ان الحكم الواقعى في الصلاة في الميتة ما هو فنقول ان مقتضى رواية ابن عمير المتقدمة عدم جواز الصلاة حتى في شسع منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 202

المورد الثاني: بعد ما كان هذا حكمها الواقعى يقع الكلام فيما يعلم بكون ما لا تتم فيه الصلاة من الميتة.

فنقول في هذا المورد بعدم الجواز لدلالة الرواية الاولى و الثانية و الرابعة على عدم جواز الصلاة في الخفّ و السيف ان كان يعلم انهما من الميتة و لا معارض لها لان الرواية الثانية من الطائفة الثانية و هي رواية اسماعيل بن الفضل لا تعارض هذه

الثلاثة الدالة على عدم جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة اذا علم بكونه من الميتة لان مورد الخبر هو صورة الشك في كون الجلد من الميتة او من المذكّى و لا أمارة في البين مثل سوق المسلم و ارض المسلمين للتصريح فيه بكونه في ارض غير المصلّين ففي هذه الصورة حكم فيه بالجواز في خصوص الخف و النعل.

و أمّا مورد الرواية الاولى و الثانية و الرابعة هو صورة العلم بمعنى انه اذا علم كونه من الميتة فلا تجوز الصلاة في الخف او السيف.

و المورد الثالث: و هو مورد الشك في كون ما لا تتم فيه الصلاة من الميتة أم لا فنقول أمّا الرواية الثالثة من الطائفة الاولى اعنى رواية ابى نصر عن الرضا عليه السّلام تدل على الجواز مع الشك في كون الخف من الميتة او المذكى بقرينة نحوة سؤال السائل و كون المرتكز عنده عدم الجواز في الميتة و تقرير الامام عليه السّلام بان مجرّد الشك كاف في الجواز و يعارضها الرواية الثانية من الطائفة الثانية اعني رواية اسماعيل بناء على حمل رواية ابي نصر على صورة وجود الامارة على التذكية كما هو الظاهر من الرواية لان رواية اسماعيل تدل على الجواز حتى في صورة عدم وجود أمارة على التذكية.

و لا يخفى عليك انه و ان كان المنساق من رواية ابي نصر كون صحة الصلاة في الخف لاجل الامارة على التذكية و تشعر على عدم الصحة مع عدم وجود الامارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 203

لكن بعد التصريح في رواية اسماعيل بجواز الصلاة ان كان في ارض غير المصلّين لا يمكن الاخذ بالاشعار المستفاد من خبر ابي نصر.

بل يمكن

دعوى عدم تعارض بين الخبرين.

و ممّا بيّنا من ان مورد الكلام في مواضع ثلاثة يظهر لك انه لا تعارض بين الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة في الميتة بحسب حكمه الواقعى مثل رواية ابن ابي عمير و لا بين الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة في صورة العلم بكون الخفّ من الميتة و لا بين رواية اسماعيل المتعرضة لحكم صورة من صور الشك و هي صورة كون الخف في غير ارض المصلّين حتى يجمع بينها بحمل الطائفة الاولى على الكراهة بقرينة الثانية اعنى غير رواية اسماعيل لان لسان الاخبار مختلف.

اذا عرفت ذلك يقع الكلام في انه هل يمكن الاخذ برواية اسماعيل الدالة على جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة اذا كان ميتة.

قد يقال بتقديم هذه الرواية بان يقال ان اطلاق هذه الرواية يشمل كل مورد يكون منشأ شبهة السائل النجاسة العرضية و لم يكن منشأ شبهة النجاسة الذاتية فتقيّد الرواية بالنسبة الى النجاسة الذاتية بما دل على عدم جواز الصلاة في الخف اذا كان نجسا بالنجاسة الذاتية مثل كونه من الميتة.

اقول ان كان المقيد للخبر ما قدمنا ذكره من الروايات الدالة على العفو مما لا تتم فيه الصلاة فغاية ذلك عدم وجود ما يدل على العفو في غير ما كان ما لا تتم فيه الصلاة مقتذّرا بقذارة و ليس فيها ما يدل على عدم العفو ان كان ما تتم فيه الصلاة من الاعيان النجسة كالميتة فليس فيها ما يدل على تقييد رواية اسماعيل الدالة على العفو في الخف الذي لا تتم فيها الصلاة و ان كان من الميتة.

و ان كان النظر الى ما يدل على اعتبار سوق المسلم أو يد المسلم او ارض

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 204

المسلم في المشكوك كونه من الميتة او من المذكى فيدلّ بالمفهوم على محكومية المشكوك بالميتة اذا كان في ارض غير المصلين فيتعارض منطوق الرواية المذكورة اعنى رواية اسماعيل مع مفهوم هذه الروايات و لا يمكن الجمع بينهما بتقييد هذه الروايات بهذه الرواية في خصوص ما لا تتمّ فيه الصلاة لان مفاد هذه الروايات موضوعية الاسلام و الارض المسلم و يد المسلم و سوق المسلم و لا فرق في ذلك بين ما لا تتم و ما تتم فيه الصلاة و بعد عدم امكان الجمع و وصول النوبة بالتعارض في السند فلا بد من الاخذ بهذه الاخبار لان الشهرة سواء كانت فتوائية او روائية على طبق هذه الاخبار فلا بد من رد علم خبر اسماعيل الى المعصوم عليه السّلام.

فتكون النتيجة عدم العفو اذا كان ما لا تتم فيه الصلاة من الميتة و هذا الكلام حسن و قد خطر ذلك ببالى و لم أر تعرض غيرى له و لا فرق بين الميتة و سائر النجاسات فى هذا الحكم فالاقوى وفاقا للمتن عدم العفو فيما كان ما لا تتم من الميتة او غيرها من الاعيان النجسة.

الأمر الخامس: و لا عفو فيما يكون ما لا تتم فيه الصلاة من غير الماكول

لعدم اطلاق لاخبار الباب يشمل غير المأكول و كفى في عدم العفو اطلاق ما دل على عدم صحة الصلاة في غير المأكول.

الأمر السادس: المناط فيما لا تتم فيه الصلاة ان يكون بحيث لا يمكن ستر العورة به

لصغره فاذا كان صغر وضعه بحيث لا يمكن ان يستر به العورة فهو معفو عنه في الصلاة كالقلنسوة و نظائرها لظهور الادلة في ذلك.

الأمر السابع: المراد مما لا تتم الصلاة فيه

هو عدم امكان الصلاة فيه بوضعه الذي هو فيه بلا علاج من خرق او شدّه بحبل او غيرهما كالقلنسوة فاذا كان بوضعه الفعليّ بنظر العرف مما لا تتم فيه الصلاة بوحدتها فقد عفى عنه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 205

و لكن صار احد من هذه الموارد موردا للاشكال و هو العمامة في آنها هل تكون مما تتم فيه الصلاة.

فقد أفتى بعض بكونها مما لا تتم فيه الصلاة لانه لا تتم فيها الصلاة بوضعها الفعليّ مضافا الى التصريح فيما روى في فقه المنسوب الى الرضا عليه السّلام بكونها مما لا تتم فيه الصلاة.

و فيه ان التمسك بفقه الرضا لا يصح لضعف سنده و أمّا ما قيل من انها بوضعها الفعلى لا تتم فيها الصلاة فنقول أمّا أولا بانه كما قيل العمامة ثوب يقبل ان يصير عمامة مرّة و ازارا ثانية و غيرهما ثالثة.

و ثانيا ان قلنا بان المناط هو ملاحظة الوضع الفعلى لكن لا كل وضع و الّا فلا بدّ ان يقال بالعفو في الثياب العريض و الطويل الملفوف في البيت او دكان البزّاز.

نعم لو كان وضع العمامة كالقلنسوة كما فرض المؤلف رحمه اللّه يمكن ان يقال بالعفو فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 206

قوله رحمه اللّه

[الرابع المحمول المتنجس الذي لا تتمّ فيه الصلاة]
اشارة

«الرابع» مما يعفى عنه فى الصلاة المحمول المتنجس الذي لا تتمّ فيه الصلاة مثل السكين و الدرهم و الدينار و نحوها و اما اذا كان مما تتم فيه الصلاة كما اذا جعل ثوبه المتنجس في جيبه مثلا ففيه اشكال و الاحوط الاجتناب و كذا اذا كان من الاعيان النجسة كالميتة و الدم و شعر الكلب و الخنزير فان الاحوط اجتناب حملها في الصلاة.

(1)

اقول:

اعلم ان

الكلام يقع في موارد:
المورد الاوّل: في المحمول الذي لا تتمّ فيه الصلاة

فنقول بعونه تعالى ان قلنا بالعفو عن المحمول مطلقا فلا اشكال في العفو فى هذا المورد.

و ان قلنا بعدم العفو مطلقا.

فتارة نقول بان العفو عما لا تتم فيه الصلاة مطلق يشمل الصورة التي يكون ما لا تتم فيه الصلاة مع المصلى بصورة المحمول مثل ما اذا كان في جيبه فأيضا لا اشكال فيما لا تتم فيه الصلاة من المحمول.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 207

و تارة لم نقل بذلك فلا يعفى عما لا تتم من المحمول أمّا العفو عن مطلق المحمول فياتي في المورد الثاني إن شاء اللّه.

و أمّا العفو عن المحمول الذي لا تتم فيه الصلاة فنقول بان القائل به لا يحتاج الى اقامة دليل بل يكفيه مع الشك فى مانعيته اصالة البراءة لان الشك في المانعية مجرى البراءة و مع هذا يستدل عليه بامرين:

الأمر الاول: اطلاق الأدلّة لان المذكور في الروايات المتقدمة على ما عرفت دوران الحكم مدار كون الشي ء مما لا تتم فيه الصلاة سواء كان ملبوسا او محمولا و كذلك يستفاد ذلك من بعض المذكورات في بعض روايات الباب مثل القلنسوة و الخفّ و غير ذلك «1».

اقول أمّا بعض الاخبار المتقدم فيما لا تتم فيه الصلاة و فيه التعرض عن القلنسوة او الخف فالظاهر منه كونهما في محلهما مثلا يصلّى في الخفّ فالظّاهر منه كونه في رجله و يكون قذرا و وضعه في جيبه مثلا غير متعارف و في الرواية الثالثة من تلك الروايات تكون التصريح بكونه في محله.

نعم يمكن انه يقال ان لسان بعض هذه الروايات اعطاء القاعدة الكلية و الحكم الكلى مثل الرواية الاولى من هذه الروايات فهل يقال بان قوله عليه السّلام

«كلما لا تجوز فيه الصلاة وحده» يكون في مقام بيان ان مطلق ما لا تجوز الصلاة فيه باي نحو كان لا بأس به حال الصلاة او يقال بان المنصرف إليه من هذه الجملة أيضا هو عدم الباس بما لا تتم فيه الصلاة ان كان في محله باعتبار كون الغالب كونه في محله و ندرة كونه في غير محله و لكن لا وجه لدعوى الانصراف.

______________________________

(1) راجع الروايات المربوطة بالثالث مما يعفى عنه في الصلاة المتقدمة ذكرها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 208

الأمر الثاني: دلالة خصوص الرواية الخامسة «1» على ذلك بدعوى ان قوله عليه السّلام «كلما كان على الانسان او معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يصلّى فيه» على العفو و عدم الباس فيما يكون على الانسان يعنى يكون لباسا له او معه يعنى يكون محمولا.

اقول لكن الاشكال في ضعف سند هذه الرواية لكونها مرسلة الا ان يدّعى انجبار ضعف سندها بعمل الاصحاب او موافقة فتواهم لها.

و ما رواها على بن جعفر انه سال اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يكون به الثالول او الجرح هل يصلح له ان يقطع الثالول و هو في صلاته او ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه قال ان لم يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس و ان تخوف ان يسيل الدم فلا يفعله «2» تدل الرواية على جواز حمل النجس و هو ما يأخذ من الثالول لكونه الميتة او بحكمها.

لكن لا يعمل بها في موردها لانهم يشترطون عدم كون المحمول من الميتة و كذا ما لا تتم فيه الصلاة فعلى هذا لا تكون الرواية دليلا الا ان يقال بعدم

كون ما اخذ من الثالول من الميتة.

و أمّا الكلام في المورد الثاني

فنقول انه يقع الكلام في جواز الصلاة في المحمول المتنجس اذا كان مما تتمّ فيه الصلاة أم لا يجوز ذلك و بعبارة اخرى المحمول المتنجس الذي تجوز الصلاة فيه هل هو خصوص ما لا تتم فيه الصّلاة او يعمّ ما تتم فيه الصلاة أيضا و بعبارة ثالثة هل عدم مانعية المحمول المتنجس مختصة بما لا يمكن ان يصير ساترا او يعمّ عدم مانعيّته لصورة يمكن ان يصير ساترا في الصلاة أمّا المسألة من

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 63 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 209

حيث الفتوى فذات قولين لان بعض الفقهاء أفتوا بجواز الصلاة فيه و بعضهم بعدم الجواز.

اذا عرفت ذلك نقول ان القائل بالعفو لا يحتاج الى الدليل لانه يكفى له عدم وجود الدليل على عدم العفو لانه بعد عدم الدليل على عدم العفو يقال بان في هذا الحال نشك في مانعية المحمول المتنجس الذي تتم فيه الصلاة و مع الشك تجرى البراءة لان فى مورد الشك في مانعية شي ء لشي ء و عدمها يكون المرجع اصالة البراءة.

و أمّا القائل بعدم العفو يحتاج الى الدليل و دليله بعض الروايات الواردة في بعض الموارد.

منها اطلاق ما روى من عدم جواز الصلاة في النجس و دعوى شموله للمحمول مثل ما رواها خيران الخادم قال كتبت الى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا فانّ اصحابنا اختلفوا فيه فقال بعضهم صل فيه فان اللّه انما حرّم شربها و قال بعضهم لا تصلّ فيه فوقّع لا تصلّ

فيه فانه رجس الحديث «1».

و مثل ما رواه قاسم الصيقل قال كتبت الى الرضا عليه السّلام انّى أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابى فأصلى فيها فكتب إليّ اتّخذ ثوبا لصلاتك فكتبت الى ابي جعفر الثاني عليه السّلام كنت كتبت الى ابيك عليه السّلام بكذا و كذا فعصب عليّ ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشيّة الذكيّة فكتب إليّ كل أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّه فأن كان ما تعمل وحشّيا ذكيّا فلا بأس «2».

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 210

و مثل ما رواها موسى بن اكيل النميرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الحديد انه حلية اهل النار «الى ان قال» و جعل اللّه الحديد في الدنيا زينة الجن و الشياطين فحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة الا ان يكون قبال عدو فلا بأس به قال قلت فالرجل يكون فى السفر معه السكين في خفه لا يستغنى عنها «عنه» او في سراويله مشدودا و مفتاح يخشى ان وضعه ضاع او يكون في وسط المنطقة من حديد قال لا بأس بالسكين و المنطقة للمسافر في وقت ضرورة و كذلك المفتاح اذا خاف الضيعة و النسيان و لا بأس بالسيف و كل آلة السلاح في الحرب و في غير ذلك لا يجوز الصلاة في شي ء من الحديد فانه نجس ممسوخ «1» و نظائرها.

بدعوى ان اطلاق «شي ء» يشمل الملبوس و المحمول.

و ان قيل بان الظاهر من كلمة «في» هو الظرفية بحيث يكون الثوب ظرفا للمصلى و المحمول ليس كذلك.

يقال جوابا

بان المراجع في الاخبار يرى اطلاق كلمة «في» حتى في مورد لا يكون الشي ء ظرفا بكيفية اللباس للشخص و هذه الاخبار بنفسها دليل على المطلب بلسان اخر و شاهد على ان لفظ «في» لا ينافي الاطلاق نذكرها لك فنقول منها ما يدّعى كون مورده المحمول و انه ان كان المحمول نجسا لا يجوز حمله في الصلاة مثل ما رواها محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال صل في منديلك الذي تتمندل به و لا تصل في منديل يتمندل به غيرك «2».

و الاشكال بان الرواية تحمل على الكراهة غير وارد.

لانّ ما نحن بسدده هو ان المنديل من المحمول و ان كان نجسا لا يجوز حمله في

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 32 من ابواب اللباس المصلى من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب اللباس من جامع أحاديث الشيعة، ج 4، ص 343.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 211

الصلاة و ان كان في مورد الرواية يحمل النهى على الكراهة لعدم حرمة التمندل بمنديل الغير اذا لم يعلم نجاسته.

لكن الرواية ضعيفة السند لكونها مرفوعة.

و مثل ما رواها وهب بن وهب عن جعفر عن ابيه ان عليا عليه السّلام قال السيف بمنزلة الرداء تصلى فيه ما لم تر فيه دما و القوس بمنزلة الرداء «1».

و مثل ما رواها عبد اللّه بن جعفر قال كتبت إليه يعنى أبا محمد عليه السّلام يجوز للرجل ان يصلى و معه فارة المسك فكتب لا بأس به اذا كان ذكيّا «2».

و هذه الرواية تدل على عدم جواز الصلاة في المحمول اذا لم يكن ذكيا لكن لا يمكن الاستشهاد بها على كون لفظ «في» شاملا للملبوس

و المحمول لان المذكور في الرواية كلمة «مع» لا كلمة «في» لان فيها قال «و معه فارة المسك و مورد هذه الروايات الثلاثة المتقدمة ذكرها هو ما لا تتم فيه الصلاة من المحمول لان المنديل و السيف و فارة المسك لا تتم فيها الصلاة.

و مثل ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام في حديث قال و سألته عن الرجل يصلّى و معه دبّة من جلد حمار و عليه نعل من جلد حمار هل تجزيه صلاته او عليه اعادة قال لا يصلح له ان يصلى و هي معه الا ان يتخوف عليها ذهابا فلا بأس ان يصلى و هي معه «3».

و كالرواية التي رواها على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام في حديث قال و سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى عليه من العذرة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 39 من ابواب اللباس من كتاب جامع الاحاديث، ج 4، ص 369.

(2) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 60 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 212

فيصيب ثوبه و راسه يصلى فيه قبل ان يغسله قال نعم ينفضه و يصلى فلا بأس «1».

هذا كله بعض الروايات التي يمكن ان يتمسك به على عدم العفو عن المحمول المتنجس.

اقول أمّا الطائفة الاولى فالعمدة في وجه الاستدلال بها هو ان اطلاق الصلاة في الثوب او اللباس يشمل المحمول كما يشمل الملبوس و بعد دلالتها على عدم جواز الصلاة في الثوب النجس فاطلاقها يقتضي عدم جواز الصلاة فيه سواء كان ملبوسا او كان محمولا من باب انّ

مصحّح حمل كلمة «في» هو الملابسة و المصاحبة فكما ان اللباس مصاحب للمصلى كذلك المحمول بعد عدم كون لفظ «في» للظرفية الحقيقة لعدم كون اللباس ظرفا للانسان و المصلى حقيقة بل يكون الاطلاق توسعا فكما يصحّ الاطلاق توسعا في الملبوس يصح في المحمول و الشاهد اطلاق كلمة «في» فيما يكون من قبيل المحمول كما عرفت في الطائفة الثانية.

و يمكن ان يقال في الجواب عن ذلك بان الظاهر من كلمة «في» هو الظرفية و بعد عدم امكان حملها على الظرفية الحقيقية يحمل على الظرفية التوسعية و الميزان في اطلاق كلمة «في» هو اشتمال المصلى بتمام بدنه او بعضه على الثياب و لهذا الاشتمال يصح ان يقال صلّى فيه او صل فيه او لا تصل فيه و ما ترى من حمل كلمة «في» في السيف و المنديل الذي يتمندل به او الخاتم هو اشتمال بعض بدن المصلى بها.

و أمّا فيما لا يشتمل بدن المصلى لا كلّه و لا بعضه بل يكون مجرد حمله المصلى في صلاته فصدق كلمة «في» مشكل و بعد عدم صحة صدق حمل كلمة «في» فلا يكون اطلاق. في البين لان مورد الاطلاق و التقييد فيما يقبل الاطلاق و التقييد و بعد ما ترى ان مورد الروايات هو وقوع الصلاة في الثوب فقهرا يكون المراد كل مورد يصح

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 213

الصلاة فيه و هذا لا يصدق الا فيما كان المصلى مشتملا به من الملبوس و اشتمال تمام بدنه او بعضه و لهذا يقال لبس الخاتم او الحديد لاشتمال بعض البدن بهما و لا يقال حمل الخاتم او

الحديد.

و لكن مع هذا نقول بانه و لو فرض كون مصحّح الظرفية و اطلاق كلمة «في» هو اشتمال تمام البدن او بعضه بالشي ء بان هذا موجود في المحمول لان في كل ما و يحمل شي ء في موضع فهو شي ء وقع على هذا الموضع فمن وضع سكينه في جيبه فبمقدار هذا السكين يكون بدن الشخص مشتملا به و كذلك المنديل و خصوصا فيما اذا كان ثيابا مما تتم فيه الصلاة و محمولا و هو يشتمل قسمة من البدن و لهذا نقول لا يمكن لنا الإفتاء بعدم شمول الأخبار للمحمول.

نعم فيما لا تتم فيه الصلاة نقول بالعفو لاطلاق ما دل على العفو مما لا تتم فيه الصلاة فيقيد اطلاق الاخبار الشاملة للمحمول النجس بالاخبار الواردة فيما لا تتم فيه الصلاة كما يقيد اطلاق الاخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في الملبوس النجس بالاخبار الدالة على العفو فيما لا تتم فيه الصلاة.

هذا كله بالنسبة الى الطائفة الاولى من الروايات المتمسكة بها على عدم العفو من المحمول النجس في الصلاة و اما الطائفة الثانية فنقول أمّا الرواية الاولى فهى أولا ضعيفة السند لانها مرفوعة.

ثانيا دلالتها على كون منشأ عدم جواز الصلاة في منديل هو النجاسة غير معلوم لاحتمال كون منشأ عدم الجواز كون المنديل من الغير او امر آخر.

و أمّا الرواية الثانية من هذه الطائفة فنقول آنها ضعيفة السند لان وهب بن وهب كما ترى من علماء الرجال كان شخصه من الكذابين.

و أمّا الرواية الثالثة من هذه الطائفة فقد عرفت في مبحث نجاسة الميتة من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 214

النجاسات ان الرواية ذو احتمالات و باعتبار عدم ظهورها في احد من الاحتمالات مجملة لا

يمكن الاخذ بها و في قبالها رواية عن على بن جعفر جوّز حمل الفارة في الصلاة مطلقا ذكرناها هاهنا و قلنا يحتمل كون جواز حملها في الصلاة من باب عدم كونها نجسة و يحتمل كون الجواز من باب جواز حمل النجس في الصلاة فلا ظهور لها في احد الاحتمالين و على فرض القول بنجاسة الفارة من الميتة فهى تدل، على عدم جواز حمل الميتة في الصلاة و انّى هذا من عدم جواز حمل مطلق النجس في الصلاة فضلا عن المتنجّس.

و اما الرواية الرابعة من هذه الطائفة فالاستدلال بها مبنى على كون عدم صلاحية حمل الدبة المصنوعة من جلد الحمار في الصلاة من باب كون الجلد المذكور من الحمار الميّت و هذا غير معلوم اذ يمكن كون عدم صلاحية الجلد المذكور لان يكون معه في الصلاة كونه جلد الحمار بمعنى ان منشأ النهى مجرد كون الجلد من الحمار و الشاهد التعبير بلفظ «أ يصلح» المستعمل في الكراهة غالبا.

مضافا الى انه لو فرض كون عدم الصلاحية لاجل كونه من الحمار الميت تدل الرواية على عدم جواز حمل الميتة في الصلاة لا مطلق النجس و المتنجس الا بإلغاء الخصوصية و هو مشكل.

و أمّا الرواية الخامسة من هذه الطائفة فالمفروض فيها كون المحمول العذرة و هي عين النجس فنقول بناء على عدم العفو في المحمول من العذرة و بإلغاء الخصوصية في مطلق النجس ان قلنا بإلغاء الخصوصية و الا فالنتيجة عدم العفو في العذرة و أمّا مطلق المحمول فلا يستفاد منها.

هذا بناء على استفادة وجوب النفض عن الرواية و الا لو لم نقل بذلك و قلنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 215

كما احتمل بان قوله

عليه السّلام «نعم ينفضه و يصلى فلا بأس» جار مجرى العادة و انه بالطبع ينفض ثوبه عن العذرة فلا يكون قوله «ينفضه» على سبيل الوجوب و لكن هذا احتمال بعيد و الشاهد عليه سؤال السائل من انه يغسل او يصلى فيها فان كان بطبعه ينفض العذرة لا يسأل منه من ان يغسله او يصلى فيها.

فتلخص ان المستفاد من هذه الطائفة من الروايات ليس إلا عدم العفو من خصوص العذرة و كذلك الميتة بناء على كون المراد من الرواية الثانية هو عدم جواز حمل فارة المسك اذا كانت ميتة و نجسا و لكن هذا اوّل الكلام و بإلغاء الخصوصية يقال في مطلق الاعيان النّجسة و لا يبعد الغاء الخصوصيّة بالنسبة الى سائر النجاسات لعدم خصوصية للعذرة.

و أمّا التعدّى الى المحمول المتنجس فيمكن دعواه و الغاء الخصوصية بالنسبة إليه باعتبار ان المتنجس فرد من النجس اذ ليس في الآثار ذكر و تفسير عما تنجّس بسبب ملاقاته لاعيان النجسة بالمتنجس و هذا تعبير من الفقهاء رحمهم اللّه و باعتبار احتمال مطلق الطائفة الاولى الشاملة للملبوس و المحمول ربّما يأتى بالنظر كون الحكم في اطلاق المحمول هو عدم العفو في غير ما لا تتم فيه الصلاة الذي يأتى الكلام فيه و مع هذا بعد كون الاشكال في اطلاق الطائفة الاولى و عدم وجود رواية دالة على عدم العفو في الطائفة الثانية غير الرواية الخامسة و هي في خصوص العذرة مضافا الى بعض الاحتمالات فيها.

نقول بان الأحوط في مقام العمل عدم جواز الصلاة فيما تتم فيه الصلاة في المحمول و العذرة و الميتة أما في ساير اعيان النجسة فالاقوى عدم العفو سواء كان مما تتم فيه الصلاة أم لا.

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 216

و أمّا فيما لا تتم فيه الصلاة من غير اعيان النجسة فالاقوى العفو للاطلاق الاخبار الواردة فيما لا تتم فيه الصلاة فلو كان اطلاق للطائفة الاولى من الطائفتين المتمسكة بهما على عدم العفو في المحمول يشمل الملبوس و غير الملبوس نقيّد إطلاقها بالاخبار المطلقة الدالة على العفو فيما لا تتم فيه الصلاة سواء كان ملبوسا او محمولا كما نقيّد بها اطلاق الاخبار الدالة على عدم العفو عن الملبوس المتنجس.

و وجه عدم العفو في المحمول من اعيان النجسة حتى فيما لا تتم الصلاة فيها هو انّ الدليل الدّال على عدم العفو و هو بعض الاخبار من الطائفة الثانية مطلق يشمل ما تتم و ما لا تتم من المحمول و الاخبار الدالة على العفو فيما لا تتم فيه الصلاة لا تشمل الاعيان النجسة كما قدّمنا سابقا عند البحث عما لا تتم فيه الصلاة هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

***

[مسئلة 1: الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعدّ من المحمول بخلاف ما خيط به الثوب و القياطين و الزرور و السفائف فانّها تعد من اجزاء اللباس لا عفو عن نجاستها.

(1)

اقول اختلفوا في ان الخيط الذي خيط به الجرح اذا كان متنجسا هل يكون من المحمول أم لا أختار المؤلف رحمه اللّه كونه من المحمول و هذا مشكل لان ما يأتى بالنظر العرفى هو كون ذلك جزء من البدن و لا فرق في نظر العرف بين ما خيط به الثوب و بين ما خيط به الجلد من البدن المجروح فعلى هذا نقول بانه مع امكان تطهيره

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 217

يجب و ان قلنا

بالعفو عن المحمول و ان لم يتمكن من تطهيره تقع الصلاة فيه للاضطرار الّذي تبيح المحذورات و أمّا في غير الخيط المتنجس من المذكورات فيكون الحكم كما ذكره فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 218

قوله رحمه اللّه

[الخامس ثوب المربية للصبى]
اشارة

«الخامس» مما يعفى عنه فى الصلاة ثوب المربية للصبى امّا كانت او غيرها متبرعة او مستأجرة ذكرا كان الصبى او انثى و ان كان الاحوط الاقتصار على الذكر فنجاسته معفوة بشرط غسله فى كل يوم مرّة مخيرة بين ساعاته و ان كان الأولى غسله آخر النهار لتصلى الظهرين و العشاءين مع الطهارة او مع خفة النجاسة و ان لم يغسل كل يوم مرة فالصلوات الواقعة فيه مع النجاسة باطلة و يشترط انحصار ثوبها فى واحد او احتياجها الى لبس جميع ما عندها و ان كان متعددا و لا قرق فى العفو بين ان تكون متمكنة من تحصيل الثوب الطاهر بشراء او استيجار او استعارة أم لا و ان كان الاحوط الاقتصار على صورة عدم التمكن.

(1)

اقول لا اشكال في العفو لها في الجملة و مستند الحكم ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن يحيى المعازى عن محمد بن خالد عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 219

سيف بن عميرة عن ابى حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع قال تغسل القميص، في اليوم مرة «1».

و هذه الرواية و ان كانت ضعيفة السند بمحمد بن يحيى المعازى كما في جامع الرواية للاردبيلى عن خلاصة العلامة قدس سرهما و غيرهما و

بابى حفض لانه مشترك بين الثقة و غير الثقة.

لكن ضعفها منجبر بعمل الاصحاب رحمهم اللّه اذا عرفت ذلك نقول

يقع الكلام في فروع:
الفرع الاول: هل الحكم المذكور يختص بصورة يكون من يربّى الصبى هو المرأة

كما هو مورد الرواية المتقدمة او يشمل كل من يكون مربّيا و ان كان رجلا وجه الاختصاص هو الاقتصار في هذا الحكم المخالف للقاعدة بمورد المنصوص وجه التعدى و تعميم الحكم بالرجل هو وجود الملاك في الرجل أيضا و وجود المناط لان الملاك في هذا الحكم من العفو ازيد من مرة في كل يوم هو المشقة لمن يربّى في التطهير مكررا و في هذا لا فرق بين المربّى و بين المربّية.

أقول ان التعدّى عن مورد النص مشكل لعدم القطع بكون الملاك في نظر الشارع ما ذكر فمع عدم القطع بالملاك يشكل التعدى.

الفرع الثاني: هل الحكم مختص بالصبى

كما هو مورد تعبير المؤلف رحمه اللّه او يشمل الصبية لا يبعد عدم الفرق بينهما لا لعدم خصوصية للصبى حتى يقال من اين علمت عدم الخصوصية بل لان المذكور في النص هو المولود و المولود كما يشمل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 220

الصبى يشمل الصبية أيضا.

الفرع الثالث: هل يختص الحكم بما كان المربّي أمّا او يشمل غير الأمّ

أيضا قد يقال باختصاص الحكم بما تكون المربية امّا لان المتبادر من المولود كونه مع الأمّ.

و فيه عدم تبادر ذلك خصوصا مع كون المذكور في النص هو المرأة و المرأة تشمل الأمّ و غير الدم.

الفرع الرابع: اذا كانت المربية غير أمّ الصبى

لا فرق بين كونها متبرعة و بين كونها مستأجرة لاطلاق النص.

الفرع الخامس: الواجب على المربّية تطهير ثوبه في كل يوم مرّة

للتصريح بذلك في النص المذكور.

الفرع السادس: هل تكون المربية مختارة في تطهير ثوبها

في اي ساعة من ساعات النهار سواء كان في وقت الصلاة أو لا و سواء كان وقت اداء الصلاة أم لا و سواء وقع بعده الصلاة بلا فصل أم لا أو لا يعتبر ذلك احتمالات و اقوال في مقام.

الاحتمال الاول: ما قدمنا و هو التخيير في غسله في اي ساعة أرادت المربّية بلا اشتراط كون الغسل قبل وقت الصلاة او كونه قبل صلاة الظهر او وقوع الصلاة بعده.

الاحتمال الثاني: وجوب وقوع الغسل قبل وقت الصّلاة بدعوى ان أمر الغسل للوجوب و لا وجوب في غير وقت الصلاة و يراد بالوجوب الوجوب التكليفى.

الاحتمال الثالث: تأخير الظهرين لان يتمكن من الجمع بين الظهرين و العشاءين مع طهارة الثوب او مع خفة النجاسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 221

الاحتمال الرابع: الغسل و لزوم أ يقاع الصلاة بعده بلا مهلة لان الطهارة شرط حال الصلاة و الامر بالغسل لحصول الشرط فيجب ايقاع الصلاة بعد الغسل بلا مهلة كى تقع الصلاة مع الشرط.

اقول اذا عرفت الاحتمالات المحتملة في المقام فنقول أمّا احتمال كون الغسل».

واجبا بالوجوب التكليفي بمعنى انه واجب بنفسه تكليفا فهو مما لا يمكن الالتزام به لان غسل الثوب في غير المربّية لم يكن واجبا بالوجوب التكليفي فضلا عن المربية بل يكون واجبا وضعيا بمعنى كونه شرطا للصلاة فكيف يمكن الالتزام بوجوب تكليفي متعلق بالثوب للمربية بل الامر بها على غسل ثوبها كل يوم مرة يكون غيريا لتوقف الصلاة به فلسانه يكون لسان الشرطية. لكن لسانه يكون التخفيف في الشرطية بمعنى انه كان الشرط في الصلاة في غير المربية ازالة النجاسة عن الثوب و البدن لكل صلاة و تطهيرهما و أمّا

في المربية فالواجب عليها غسل ثوبها مرة واحدة لجميع الصلوات و ان وقع بعضها بلا طهارة ففى الحقيقة يكون غسل الثوب مرة شرطا لجميع صلوات هذا اليوم و ليلته للمربية و يعفى عنه ما صلى قبل هذا الغسل او بعده.

اذا عرفت ان المستفاد من الرواية المذكورة حفظ الشرط بهذا المقدار و العفو عن الزائد عليه و كون هذا الدليل تخصيصا للدليل الدال على شرطية الطهارة الخبثيّة للصلاة فمقتضى التخصيص هو عدم وجوب الغسل ازيد من مرة في كل يوم فما دام يكون متمكنا من حفظ الشرط بالغسل مرة وجب لعدم جواز رفع اليد عن الشرط الا بهذا المقدار.

ثم بعد ذلك نقول أمّا بالنسبة الى العشاءين فانه أن قلنا بان اليوم المذكور في الرواية اعمّ من اليوم و الليل فهما داخلان في العفو لو غسل مرة في كل يوم و لو لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 222

يغسل فالعشاءان الواقعان في هذا الثوب النجس باطل لفقد الشرط اعنى الطهارة و ان قلنا بان المراد من اليوم المذكور في الرواية هو اليوم المقابل لليل فمعنى الرواية اما كفاية الغسل الواحد لجميع الصلوات الواقعة في اليوم في حفظ الشرطية و عدم شرطية غسل الثوب و ازالة النجاسة بالنسبة الى الصلاة الواقعة في الليل للمربية فعلى هذا لو لم يغسل مرة في اليوم فالصلاة الواقعة في اليوم باطل و لكن العشاءين تقع صحيحة لانّ مقتضى الرواية عدم شرطية الطهارة فيهما للمربّية.

و أمّا ان يكون الغسل الواحد شرطا في كل من الصلوات الواقعة في كل من اليوم الليل للمربية لازالة النجاسة و ان يقع هذا الغسل في اليوم بمعنى دخل غسل واحد في اليوم، في العشاءين

مثل دخله في الصبح و الظهرين و ان كان محل إتيانه اليوم و لكن هو شرط لكل من الصلوات الواجبة في اليوم و الليل فالغسل و ان كان محله اليوم المقابل لليل و لكن هو شرط لكل من الصلوات الواقعة في اليوم و الليل و على هذا لو تركه بطل كل من الصلوات الواقعة في اليوم و الليل.

و حيث ان الظاهر من الرواية هذا الاحتمال فيستفاد ان الغسل الواحد شرط لكل من الصلوات لكنه بعد كون الظاهر من اليوم المذكور في الرواية هو اليوم المقابل لليل او ان المتقين منه ذلك نقول، بوجوب الغسل في اليوم.

ثم ان قلنا بان اليوم هو اليوم العرفى الذي يشتغل الناس بامورهم الدنيوية و هو أوّل طلوع الشمس فيجب وقوع الغسل فى هذا اليوم غاية الامر هل يجب بعد دخول وقت الظهرين او يجوز تقديمه عليه و إتيانه قبله كلام آخر فاذا غسلته في هذا اليوم مرة تصح صلواته الى اليوم التالى بمقتضى الرواية.

و امّا ان قلنا بان اليوم من أوّل طلوع الفجر فيجب الغسل فى هذا اليوم.

غاية الامر يأتى الكلام إن شاء اللّه في انه هل يكفى غسله في اي ساعة شاءت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 223

من هذا اليوم او يجب غسله عليها في ساعة معينة من اليوم.

و لا يبعد كون المراد من اوّل اليوم الذي يكون في مقابل الليل هو أوّل طلوع الفجر و آخره الغروب كما في «اقرب الموارد» فيدخل في اليوم صلاة الفجر.

اذا عرفت كون وجوب الغسل وجوبا وضعيا بمعنى اشتراط الصلاة به و بعبارة اخرى شرطيّته للصلاة و عرفت ان الظاهر كون الغسل شرطا لكل من الصلوات الخمسة و ان

كان ظرف وجوب الغسل هو اليوم المقابل لليل كما عرفت بيانه و عرفت ان اليوم مقابل الليل و مبدئه طلوع الفجر.

يقع الكلام في ان الشرط في الصلوات للمربية هو مجرد غسل الثوب و ان لم تتعقبه الصلاة بل و أن تأخرت المربية صلاتها حتى تنجّس الثوب بعد الغسل او يجب ايقاع الصلاة بعد الغسل بلا مهلة بل حفظ طهارة الثوب مهما امكن لها حتى تؤتى بالصلوات كلها او بعضها مع حفظ الشرط اعنى طهارة الثوب ظاهر كلام صاحب الجواهر رحمه اللّه و غيره الاوّل.

و قيل بان ذلك مما لا اشكال عندهم اى عند الاصحاب.

لكن و ان كان ذلك مقتضى اطلاق الرواية لكن الالتزام بذلك مشكل لبعد كون الغسل شرطا للصّلاة و ان وقعت هذه الصلاة مع النجاسة و على كل حال فعلى الاحتمال الاول فلا مانع من تأخير الصلاة عن الغسل.

و على الاحتمال الثاني تجب المبادرة الى اتيان الصلاة كى تقع الصلاة مع الشرط.

ثم أنه بعد كون وجوب الغسل وضعيا في كل يوم مرة فكما يجب على غير المربية إزالة النجاسة عن الثوب قبل كل من الصلوات كذلك يجب على المربية قبل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 224

الصلوات فلو كان ثوبها نجسا قبل صلاة الصبح يجب غسلها او يجب غسل ثوبها في وقت الظهرين في أىّ وقت من وقتهما او يجب تأخير غسل ثوبها الى آخر وقت الظهرين حتى يمكن من إتيان الظهرين و الشائين مع طهارة ثوبها او مع التخفيف في النجاسة او تكون مخيّرة في غسل ثوبه بين تمام ساعات اليوم.

اما بناء على كون الغسل بنفسه شرطا سواء وقعت الصلاة مع الثوب المغسولة أم لا فهو مخيّر، بين تطهيره

في كل ساعة من ساعات اليوم لاطلاق الرواية الا ان يدّعى ان الشرط يجب تحصيله بحيث يقع المشروط مع الشرط و حيث ان الغسل مرّة واحدة شرط لجمع الصلوات الخمسة فيجب الغسل قبلها و هذا يقتضي اتيان الغسل قبل صلاة الصبح ان كان ثوبها نجسا قبلها و الا قبل صلاة الظهر ان صار نجسا قبلها و لم يغسلها في هذا اليوم و الا فقبل العصر ان كان نجسا قبلها و لم تغسله قبلها في هذا اليوم و لا يبعد ذلك و لكن اطلاق وجوب الغسل يقتضي عدم التّعيين.

و أمّا بناء على كون الغسل مرة في كل يوم واجبا بالوجوب الوضعى كى يحفظ مع الغسل شرطية الطهارة للصلاة مهما امكن و بعبارة اخرى مقتضى الجمع بين شرطية ازالة النجاسات لكل صلاة و بين مقتضى هذه الرواية من وجوب غسل الثوب في كل يوم مرة واحدة هو التخفيف في الشرط بكفاية مرة واحدة للمربية فمهما يمكن لها حفظ الشرط يجب حفظه عليها فعلى هذا يجب ان يقال أولا بوجوب المبادرة بالغسل في زمان يتمكن معه من الصلاة مع الطهارة و حفظ الشرط لهذه الصلاة او من من التخفيف في النجاسة و ثانيا من تقديم الغسل على صلاة الصبح لتمكنه بالغسل عن حفظ الشرط يجب حفظه عليها فعلى هذا يجب ان يقال أولا بوجوب المبادرة بالغسل في زمان يتمكن معه من الصلاة مع الطهارة و حفظ الشرط لهذه الصلاة او من التخفيف في النجاسة و ثانيا من تقديم الغسل على صلاة الصبح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 225

لتمكنه بالغسل عن حفظ الشرط لهذه الصلاة.

ان قلت ان الرواية مطلقة لان مفادها ليس الا الغسل في

كل يوم مرة و لم يعين له زمانا من اليوم في الرواية.

قلت بعد ما قلنا من ان الجمع يقتضي حفظ الشرط مهما امكن فبه تقيد الرواية لكنها تقيد في خصوص وقت الصلاة يعنى عدم اطلاق لها يقتضي اتيان الغسل حتى في وقت لم يتمكن من الصلاة بعده مع الطهارة و أمّا بالنسبة الى الاوقات التي يمكن من الصلاة مع الطهارة بعد الغسل فالرواية باقية بإطلاقها و نتيجتها التخيير بين وقت يمكن من صلاة الفجر و بين وقت يتمكن من الظهرين و العشاءين.

نعم لو علم عدم بقاء طهارة الثوب الى زمان صلاة الظهرين لو غسلت في وقت صلاة الفجر فيدور الامر بين غسله في وقت صلاة الفجر و اتيانها صلاة مع الطهارة و بين تأخير الغسل الى وقت الظهرين فيصلى الظهرين و العشاءين مع طهارة الثوب.

يمكن ان يقال بان ذلك اولى بل احوط.

و هذا وجه اولوية تأخير الغسل الى آخر وقت الظهرين و على كل حال الاولى و الاحوط ذلك لان امرها يدور بين لزوم ذلك وجوبا عليها معيّنا و بين ان يكون احد افراد التخيير بناء على اطلاق الرواية من حيث الوقت اى من حيث وقت صلاة الفجر و الظهرين و ان لم تكن مخيرة في جميع ساعات اليوم هذا تمام الكلام في هذا الفرع.

الفرع السابع: لو لم تغسل المربية ثوبها كل يوم مرة

فصلت مع الثوب المتنجس ببول الصبى يجب قضاء صلواتها عليها لبطلان صلواتها التي اتت بها مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 226

الثوب النجس لان هذا مقتضى شرطية الغسل مرة في كل يوم لصلاتها فبانتفاء الشرط ينتفى المشروط فيجب القضاء.

الفرع الثامن: ان كون الحكم المذكور فيما كان الثوب منحصرا بثوب واحد

مما لا اشكال فيه لكونه مورد الرواية.

و أمّا اذا كانت لها اثواب متعددة فتنجست كلها ببول الصبى فهل الزائد من الثوب الواحد يكون معفوا عنه مطلقا أو لا يكون معفوا عنه مطلقا او التفصيل بين صورة عدم احتياجها الى لبسها فلا تكون معفوا عنها فى هذه الصورة و بين صورة احتياجها الى لبسها فيعفى لبس كلها مع النجاسة في الصلاة مثل الثوب الواحد مع الشرط المذكور.

الاقوى التفصيل أمّا في صورة عدم احتياجها الى لبسها فلان المستفاد من سياق الرواية كون جعل الحكم في مورد وجود المشقة و مع عدم حاجة بلبسها لا مشقة لها حتى يعفى عنها و أمّا مع الاحتياج بلبسها مثل ما اذا كان بردا شديدا ففيه وجهان.

وجه عدم الاغتفار اعنى عدم العفو الجمود على ظاهر الرواية للتصريح فيها بقوله «ليس لها إلا ثوب واحد».

وجه العفو و الاغتفار هو كون الميزان و ملاك الحكم هو المشقة و هو موجود في الازيد من الواحد و الاقوى ذلك.

الفرع التاسع: هل يكون فرق في العفو بين ان تكون متمكنة لتحصيل الثوب الطاهر

بشراء او إجارة او استعارة و بين عدم تمكنها من ذلك وجهان:

وجه عدم الفرق اطلاق الرواية المذكورة الواردة في الباب لان الظاهر منها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 227

كون قميص واحد لها و عدم وجود الازيد لها و في مورد إمكان تحصيل قميص آخر بشراء او غير الشراء يصدق ان لها قميصا واحدا و لو مع تمكنه من الشراء او غيره فلهذا تشتمل الرواية كلا الصورتين.

وجه الاختصاص بخصوص صورة كون قميصها واحدا و لا يتمكن من غيره بشراء او غيره هو كون ظاهر الرواية جعل الحكم في مورد المشقة من تطهير ثوبه و تحصيل ثوب طاهر فمن كان متمكنا من تحصيل ثوب طاهر

بشراء او غيره بدون كلفة و منة لا تشمله الرواية فلا وجه للشمول لهذه الصورة فالاقوى عدم العفو.

***

[مسئلة 1: الحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته محل اشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته محل اشكال و ان كان لا يخلو عن وجه.

(1)

اقول وجه الاشكال هو عدم العلم بالمشقة الموجودة في اللباس في البدن لقلّة الابتلاء بنجاسة البدن بالنسبة الى الثوب.

***

[مسئلة 2: في الحاق المربي بالمربية اشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: في الحاق المربي بالمربية اشكال و كذا من تواتر بوله.

(2)

اقول: أمّا الاشكال في الحاق المربّي بالمربّية فقد مضى الكلام فيه في الفرع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 228

الاول من الفروع الذي قدّمنا ذكرها في المسألة فراجع.

و أمّا الاشكال في الحاق من تواتر بوله بالمربية فلعدم دليل صالح يدلّ على الحاقة بها.

و أمّا ما ورد بالخصوص هو ما رواها عبد الرحيم قال كتبت «1» الى ابى الحسن عليه السّلام في الخصى يبول فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل بعد البلل قال يتوضأ و ينتضح في النهار مرة واحدة فلا يمكن التعويل عليها مع ما قيل من الاشكال في دلالة الرواية.

و أمّا التمسك في الحاق من تواتر بوله بالمربية بالحرج و المشقة.

فنقول ان المرفوع بقاعدة الحرج كل حكم يكون حرجيّا بمقدار يرتفع به الحرج و هذا غير كون حكمه في صورة الحرج بحكم المربية من وجوب غسل الثوب في كل يوم مرة فافهم.

***

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 229

[السادس كل نجاسة في البدن و الثوب، حال الاضطرار]

قوله رحمه اللّه

«السادس» مما يعفى عنه فى الصلاة يعفي من كل نجاسة في البدن و الثوب، حال الاضطرار.

(1)

اقول لما نرى في الآثار و الاخبار من العفو مع بدن المتنجس او الثوب المتنجس و اتيان الصلاة في صورة الاضطرار.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 231

فصل: فى المطهرات

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 233

قوله رحمه اللّه

فصل في المطهرات و هى أمور:

[احدها الماء]
اشارة

«احدها» الماء و هو عمدتها لان ساير المطهرات مخصوص باشياء خاصة بخلافه فانه مطهر لكل متنجّس حتى الماء المضاف بالاستهلاك بل يطهر بعض الاعيان النجسة كميّت الانسان فانّه يطهر بتمام غسله.

و يشترط في التطهير به امور بعضها شرط في كل من القليل و الكثير و بعضها مختصّ بالتطهير بالقليل.

أمّا الاوّل فمنها زوال العين و الأثر بمعنى الاجزاء الصغار منها لا بمعنى اللون و الطعم و نحوهما.

و منها عدم تغيّر الماء في أثناء الاستعمال.

و منها طهارة الماء و لو فى ظاهر الشرع و منها اطلاقه بمعنى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 234

عدم خروجه عن الاطلاق في اثناء الاستعمال.

و أمّا الثاني فالتعدد في بعض المتنجسات كالمتنجس بالبول و كالظروف.

و التعفير كما في المتنجس بولوغ الكلب و العصر في مثل الثياب و الفرش و نحوهما مما يقبله.

و الورود اي ورود الماء على المتنجس دون العكس على الاحوط.

(1)

اقول

يقع الكلام في هذا الفصل في طى أمور:
الامر الاوّل: لا اشكال في مطهريّة الماء في الجملة

كما لا اشكال في كون ذلك من الضروريات. نعم في تعميم مطهريّته قد يستدلّ بالاجماع كما قد يستدلّ له بقوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» بدعوى ان الظاهر من الطهور أمّا المطهريّة او ما يتطهّر به و لا يبعد ذلك كما قد عرفت الكلام فيه في أوّل مبحث «2» المياه.

فلا يرد عليه ما قيل من ان المراد بالطهور يحتمل ان يكون الطاهر او المبالغة في الطهارة.

وجه عدم ورود الا يراد ما قلنا من ان الظاهر منه ما يتطهّر به او المطهّر.

مضافا الى دلالة ما رواه داود بن فرقد الآتية ذكرها إن شاء اللّه في طي المبحث في هذا الامر اعنى الامر الاول على ان المراد من الطهور هو المطهّر و ما يتطهّر به.

______________________________

(1) سورة الفرقان،

الآية 47.

(2) راجع مبحث المياه في المجلد الاول من هذا الكتاب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 235

كما أنّه لا يرد على الاستدلال بالآية الشريفة ان الآية لا تدل الا على مطهريّة ماء المطر و طهارته لان اللّه تعالى قال وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» وجه عدم الورود ان ذلك كان باعتبار نزول كلّ ماء من السماء مضافا الى القطع بعدم الفرق في طهارة الماء و مطهّريّة بين ماء ينزل من السماء و بين ماء يخرج من الارض او عدم القول بالفصل بينهما.

و يستدل بقوله تعالى في قصّة بدر وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ «2» و دلالتها اوضح من الآية الاولى لانّها نصّ في كون الماء مطهّرا.

و الاشكال بان الآية في خصوص ماء المطر مندفع بما اجيب عن هذا الاشكال في الآية الاولى و الاشكال بانها وردت في خصوص واقعة البدر و اصحابه فلا وجه للتعدى الى غير موردها ففيه انه من المعلوم عدم الفرق بينهم و بين ساير المسلمين في الحكم.

و يستدل ببعض الروايات أيضا مثل ما رواها داود بن فرقد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كان بنو اسرائيل اذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا.

لحومهم بالمقاريض و قد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون «3» تدل الرواية على مطهرية الماء و كون المراد من كلمة «الطهور» ما يتطهّر به و بالملازمة تدلّ على طهارة الماء.

و كالرواية التي رواها السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الماء

______________________________

(1) سورة الفرقان، الآية 48.

(2) سورة الانفال، الآية 11.

(3)

الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 236

يطهر و لا يطهر «1» و روي هذه الرواية «2» مسندة عن اليسع عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن على عليه السّلام و هي مثلها و هي الرواية السابعة من الباب المذكور.

و هذه الرواية تدل على ان الماء يطهر و لا يطهر يعني يتطهر به و ليس شي ء يطهره و لو احتمل في قوله و لا يطهر» احتمالا آخرا فلا ينافي مع ما نحن بصدده في هذا المقام ان قلت ان المستفاد من الآيتين و الروايتين المتقدمين هو مطهرية الماء في الجملة و أمّا مطهريته لكل شي ء و في كل مورد فلا يستفاد منها.

اقول مضافا الى ان حذف المتعلق يفيد العموم نقول بأن الإجماع قائم على عمومية مطهرية الماء و فيه غنى و كفاية فلا يبقى اشكال في عمومية مطهرية الماء حتى لبدن الميت بغسله بالماء على ما يأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه.

و أمّا مطهريته للمضاف النجس فانه كما ترى قال المؤلف رحمه اللّه من انه يطهر باستهلاكه في الماء المطلق.

اقول و تعبيره بانه يطهر باستهلاكه في الماء مسامحة لانه مع استهلاك المضاف في الماء المطلق لم يبق شي ء منه حتى يطهّره الماء لانه مع استهلاك المضاف لا وجود له حتى يتصف بالطهارة او النجاسة.

اقول أمّا عدم مطهرية الماء للمضاف مع فرض كونه مضافا كما عليه الشهرة فلعدم دليل نقلى على عموميّة مطهرية الماء لكل مورد إلا دعوى الاجماع و حصول الاجماع في المورد غير معلوم بل يكون معلوم العدم للشهرة على خلافه فان فرض وجود دليل لفظى على التعميم لا يمكن

القول به في خصوص المورد للشهرة القائمة على عدم مطهريته له و على كل حال المضاف الواقع في الماء المطلق تارة يستهلك في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 237

الماء بحيث لا يبقى له وجود بنظر العرفي لاستهلاكه فيه فلا كلام في انه في هذا المورد ذهب موجوديته و صار جزء من الماء المطلق عرفا و تارة يبقى عينه و يذهب وصف و أضافته ففي هذه الصورة باتصاله او امتزاجه بالماء المطلق صار طاهرا بسبب الماء المطلق مع بقاء عينه و فى هذه الصورة لا يصدق استهلاكه و يصحّ ان يقال ان الماء مطهّر له حقيقة نعم يكون اطلاق مطهرية الماء المطلق للمضاف في صورة استهلاكه في الماء كما هو مفروض المؤلف رحمه اللّه في المتن يكون من باب المسامحة.

الأمر الثاني: يقع الكلام فيما يشترط في مطهرية كل من قليل الماء و كثيره.
الاول: زوال عين النجاسة و أثرها.

اما اعتبار زوال العين فهو مسلّم لدخله في الغسل عرفا و شرعا و ما دام العين باقية لا يرتفع اثر النجاسة لأن عين النجاسة كما تقتضى حدوث النجاسة تقتضى بقائها فكيف يمكن الغسل مع بقائها في المحل.

و أمّا اعتبار زوال الأثر.

فتارة يراد به الاجزاء الصغار من العين فلا اشكال في اعتباره لانها من العين و يعتبر زوالها مثل اجزاء الكبار من العين و تارة يراد به اللون او الريح من النجس فنقول لو زالت العين باجزائها و بقى اللون او الريح فقد حصل تطهير المحل و لا يعتبر زوال اللون او الريح في التطهير.

و ما قيل من انهما من قبيل العرض للجسم فمع بقائهما يكون الجسم اعنى عين النجاسة باقية

لتقوّم العرض بالجسم لاستحالة انفكاك العرض عن معروضه و هو الجسم.

ففيه ان موضوعات الاحكام ليست ما يكون موضوعا بالدقة العقلية بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 238

موضوعها ما هو موضوع عند العرف و بالنّظر العرفي كما هو مقتضي الاطلاق المقامى و العرف اذا قال ببقاء العين يقضي ببقاء الموضوع و بزوال العين يقضي بزواله و ان بقي لون عين النجس او ريحه.

مضافا الى ما قد يقال بدلالة بعض الروايات على عدم اعتبار زوال اللون و الريح في الغسل منها ما رواها ابن المغيرة عن ابى الحسن عليه السّلام قال قلت له ان للاستنجاء حدّ قال لا حتى ينقى ما، ثمّة قلت فانه ينقى ما، ثمّة و يبقى الريح قال الريح لا ينظر إليها «1» و الانصاف دلالة الرواية المذكورة على عدم اعتبار زوال الريح في الغسل.

و منها ما رواها على بن ابى حمزة عن العبد الصالح عليه السّلام قال سألته أم ولد لابيه «الى ان قال» قالت اصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب اثره فقال اصبغيه بمشق حتى يختلط و يذهب «2».

و منها ما رواها عيسى بن ابى منصور قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام امرأة أصاب ثوبها من دم الحيض فغسلته فيبقى اثر الدم في ثوبها قال قل لها تصبغيه بمشق حتى يختلط «3».

و منها ما رواها محمد بن احمد يحيى الاشعرى رفعه «في حديث» قال سألته امرأة بثوبى دم الحيض و غسلته و لم يذهب اثره فقال اصبغية بمشق «4».

و الاستدلال بهذه الروايات الآمرة فيها بالاختلاط بالمشق مبنى على كون

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 25 من

ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 25 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 25 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 239

الامر بالاختلاط «بعد عدم كونه مجديا في ذهاب الأثر الباقى من العين ببقاء لونه لأنه لو كان العين في الفرض باقيا لا اثر للاختلاط بالمشق و لا يمكن غسله» لا جل التنفر الحاصل من بقاء لون دم الحيض ففي الحقيقة تدل هذه الروايات على انه لا مانع من بقاء اللون الا انه تدفع التنفر من بقاء اثر الدم بالاختلاط بالمشق.

و لكن يحتمل ان يكون المشق رافعا لاثر الدم و بالنتيجة يرفع الاثر عن المحل بالمشق فالروايات على هذا تكون دليلا على اعتبار زوال اللّون في الغسل و الشاهد على ذلك قوله في رواية على بن ابى حمزة «اصبغية بمشق حتى يختلط و يذهب» اي يذهب الاثر.

و الانصاف ان الروايات ذوات احتمالين فلا يمكن التمسك بها على احد طرفي المسألة.

و منها ما رواها محمد بن على بن الحسين قال سئل الرضا عليه السّلام عن الرجل يطأ في الحمام و في رجله الشقاق فيطأ البول و النورة فيدخل الشقاق اثر اسود ممّا و طى من القذر و قد غسله كيف يصنع به و برجله التي وطى بها.

أ يجزيه الغسل أم يخلل اظفاره «باظفاره» و يستنجى فيجد الريح من أظفاره و لا يرى شيئا قال لا شي ء عليه من الريح و الشقاق بعد غسله «1» و دلالتها على المطلب و ان كان لا يشكل عليها لكن الرواية مرسلة فلا يمكن التعويل عليها لضعف سندها.

و على كل حال لا اشكال في عدم اعتبار زوال الاثر بمعنى زوال

اللون و الريح من النجس في حصول التطهير.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 25 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 240

الثاني: مما يعتبر في حصول التطهير عدم تغير الماء في اثناء

الاستعمال بالنجاسة فمع التغير في أثناء الاستعمال يصير الماء نجسا و لا يطهر المحل.

لما ادعي من الاجماع على كلا الحكمين اى نجاسة الماء بالتغير في الاثناء و عدم قابليته لان يطهر المحل به.

اما في خصوص نجاسة الماء المتغير حال الاستعمال يكفي ما دل على نجاسة الماء بحصول التغير فيه باحد من الصفات الثلاثة اعني اللون و الريح و الطّعم كما مر، في محله وجه ذلك ان الماء المستعمل في التطهير ليس امره اعظم من الماء الجاري و الكر و غيرهما فكما ينجس الماء الجاري و كل ماء معتصم بتغيره في احد اوصافه الثلاثة بالنجاسة كذلك الماء المستعمل في التطهير ينجس بحصول التغير فيه في احد الاوصاف الثلاثة.

و أمّا بالنسبة الى عدم مطهرية الماء في هذا الحال فقد يستشكل فيه بانه لا منافاة بين نجاسة الماء بالتغير و بين مطهريته للمحل لان اشتراط الماء بالطهارة قبل الاستعمال و أمّا صيرورته نجسا باستعماله في تطهير المحل لا يضر و لهذا نقول.

بطهارة الماء و لو نقل بنجاسة الغسالة.

و ليس جواب لهذا الاشكال الا الاجماع على عدم مطهّريته و نجاسة الماء المتخلف في المحل المستلزم لنجاسة المحل او دعوى انصراف ادلة مطهّرية الماء عن الماء المتغيّر في اثناء الاستعمال بارتكاز العرف لان الماء المتغيّر قذر بنفسه فكيف يقدر ان يرفع قذرا آخرا.

الثالث: طهارة الماء و لو في ظاهر الشرع

و الدليل عليه هو انصراف الادلة الدالة على طهارة الماء عن الماء النجس لان المرتكز في نظر العرف عدم قابلية النجس لان يطهر به شي ء آخر لان فاقد الشي ء لا يكون قابلا لا عطاء هذا الشي ء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 241

مضافا الى دعوى الاجماع عليه و المراد بطهارة الماء في ظاهر الشرع هو

مقابل ما يكون طاهرا بحسب الواقع فتارة يكون طاهرا واقعا و تارة يكون طاهرا ظاهرا مثل ما اذا غسل بدنه او ثيابه بالماء المستصحب الطهارة او بقاعدة الطهارة و أثر الطاهر بالطهارة الظاهرية هو انه في صورة كشف عدم طهارة الماء لا بدّ من غسل النجس فيمكن كشف الخلاف في الطهارة الظاهرية و أمّا في الطهارة الواقعية لا معنى فيها لكشف الخلاف فيه لكونها طاهرا واقعا.

الرابع: اطلاق الماء بمعنى عدم خروجه عن الاطلاق في اثناء استعماله

للتطهير و يدلّ على ذلك ما مر في المباحث المتعلقة بالمياه من عدم كون المضاف مطهّرا.

ان قلت ان المعتبر عدم اضافة الماء قبل الاستعمال و أمّا صيرورته مضافا بالاستعمال فلا يضر بمطهريته و لا دليل على اعتباره.

قلت ان المعتبر الغسل بالماء المطلق و بعبارة اخرى المعتبر هو الغسل بالماء و المضاف ليس بماء و مع خروجه عن المائية في اثناء الاستعمال بالإضافة قبل تحقق الغسل لا يصدق الغسل بالماء الطاهر المطلق شرعا.

و لو شك في تحقق الغسل و عدمه يستصحب نجاسة المحل.

هذا كله فيما يشترط في التطهير بكل من الماء القليل و الكثير.

و أمّا ما يعتبر في تطهير خصوص الماء القليل

فقال المؤلف رحمه اللّه الاول التعدد كما في بعض المتنجسات كالمتنجس بالبول و كالظروف الثاني التّعفير كالمتنجس بولوغ الكلب الثالث العصر في مثل الثياب و الفرش و نحوهما مما يقبله الرابع الورود اي ورود الماء على المتنجس دون العكس على الاحوط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 242

أقول اعلم ان المؤلف رحمه اللّه حيث تعرض للشرط الاول و الثاني و الثالث في طى بعض المسائل الآتية المتفرعة على الفصل فنحن أيضا نتعرض لها في طى مواضع يتعرض له المؤلف إن شاء اللّه.

و نتعرض للبحث عن الشرط الرابع و هو شرطية الورود هنا و في هذا المقام نقول. أمّا الكلام في شرطية الورود بمعنى انه هل يعتبر في تطهير الماء القليل ورود الماء على المتنجس أم لا فنقول بعونه تعالى.

اعلم ان المشهور قائلون باعتبار ذلك بل عن الجواهر عدم وجدانه من جزم على خلافه مطلقا و لكن المترائى من كلام بعض الفقهاء الاشكال فيه كالمحكي عن الشهيد و غيره رحمهم اللّه هذا حال المسألة بحسب الفتوى.

و أمّا ما يمكن ان يستدل

به على اشتراط الورود في التطهير بالماء القليل امور:

الأمر الاول: استصحاب النجاسة فيقال بانه اذا تنجس شي ء و وصل الماء به و لم يكن واردا على المتنجس فاذا شك في حصول الطهارة فاستصحاب النجاسة يقتضي بقاء النجاسة لان الاستصحاب مرجع فيما لم يكن دليل على الطهارة او النجاسة لان الاصل مرجع بعد عدم الدليل و الاصل في المورد هو الاستصحاب.

الأمر الثاني: العمومات او الاطلاقات الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة الشاملة للمورد.

الأمر الثالث: ان كل متنجس نجس و مع نجاسته لا يكون مطهرا و على الفرض يصير الماء اذا كان موردا نجسا بملاقاته للنجس الوارد عليه.

ان قلت ان هذا الاشكال يرد في صورة ورود الماء على المتنجس أيضا لانه مع فرض نجاسة الماء القليل بملاقاته للنجاسة فهو ينجس بملاقاته للمحل المتنجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 243

و ان كان واردا عليه فمع صيرورته نجسا لا يكون مطهرا.

قلت ان الماء الوارد على النجس خارج عن تحت العمومين لان صورة ورود الماء هي المتقين من الادالة الدالة على كون الماء مطهّرا و اتفاق الكل على ان صورة ورود الماء على المتنجس في مقام التطهير خارج عن تحت العمومين و يبقى صورة وقوع النجس على الماء القليل تحت عمومهما.

الأمر الرابع: دعوى انصراف الادلة الدالة على مطهريّة الماء الى صورة تكون متداولة و متعارفة من ورود الماء القليل على المتنجس بل يمكن دعوى كون السيرة على ذلك.

الأمر الخامس: بعض الروايات الدالة على صب الماء على النجس الظّاهر في ورود الماء على النجس لان هذا معنى الصب.

مثل ما رواها الحسين بن ابي العلاء (في حديث) قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام عن الصبي يبول

على الثوب قال تصبّ عليه الماء قليلا ثم تعصره «1».

و مثل ما رواها الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الصبي قال تصب عليه الماء فان كان قد اكل فاغسله بالماء غسلا و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء «2» و غير ذلك راجع الباب المذكور فيه الروايتين المذكورتين و غير هذا الباب.

و الصب على ما قيل هو المرتبة النازلة من الغسل و يدل على ورود الماء على النجس هذا كله فيما يستدل به على اعتبار الورود اعني ورود الماء على النجس في التطهير بالماء القليل.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 244

و في قبال ذلك قد يقال بعدم اعتبار هذا الشرط او الاشكال في اعتبار ورود الماء على النجس.

اما أولا فلاطلاق الادلة الدالة على مطهرية الماء القليل و لم يعتبر فيها كون الماء وادا على النجس.

و دعوى انصراف الادلة الى خصوص صورة الورود باعتبار كون الغالب في تطهير المتنجسات هذه الكيفية اعني بنحو ورود الماء عليه غير تمام لان الانصراف بدوي خصوصا مع كون المرتكز في نظر العرف عدم الفرق بين ما يكون الماء واردا او مورودا.

و فيه انه بعد كون المرتكز عند العرف ورود الماء خصوصا باعتبار قاهرية الماء على النجس اذا كان واردا عليه و كون ذلك هو المعهود عندهم فمع هذا كيف يمكن دعوى الاطلاق للادلة ان كان لها اطلاق.

مضافا الى ان كون ما دل على مطهرية الماء القليل في مقام البيان من هذا الحيث محل اشكال فلا يمكن الاخذ بالإطلاق منها لان الظاهر من

بعضها صورة الورود مثل ما وقع التعبير بالصب كما في الروايتين المتقدمتين ذكرهما و غيرهما فهذا البعض لو لم يكن دليلا على عدم الاطلاق، لا يكون غير ذلك دليلا على الاطلاق و بعضها لو لم يكن مورده صورة الورود فلا اقل من عدم اطلاق له.

و أمّا ثانيا لما ذكر عن الذكري من ان ما قلتم من ان النجس اذا كان واردا على الماء يلزم نجاسة الماء لما دل على انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة و ما دل على ان كل متنجس ينجس ملاقيه نقول بان هذا يلزم على تقدير ورود الماء على النجس اذا كان قليلا لان في كل من التقديرين اعني تقدير ورود النجس على الماء و تقدير عكسه يلزم ذلك لان في كل منهما تحقق ملاقات الماء القليل مع النجاسة و مجرد ورود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 245

الماء على النجس لا يخرج النجس عن النجاسة.

و فيه انه كما ذكرنا سابقا يكون القدر المسلّم من صورة مطهريّة الماء القليل حتى باعتراف الخصم هو صورة كون الماء واردا على النجس و السّر فيه مع قطع النظر عن التسلّم هو ان الماء اذا كان واردا على النجس فباعتبار وروده على النجس يكون قاهرا عليه فيلاقي النجس و يذهبه و لهذا يفرق العرف بين صورة ورود الماء و بين عكسها و يرى الفرق بين الصورتين.

و أمّا ثالثا فلدلالة بعض الروايات على عدم اعتبار ورود الماء على النجس في مطهريّة الماء القليل.

مثل ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه البول قال اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة «1» بدعوى دلالتها

على ان الماء يوضع في المركن ثم يجعل المتنجس من الثوب او غيره فيه فيكون الماء مورودا و النجس واردا عليه و مع هذا اكتفي به.

و فيه انه ليس عليه السّلام على ما هذه الرواية الا في مقام بيان الغسل من حيث اعتبار التعدد في بعض المياه و عدمه في بعض المياه و ليس في مقام بيان ان الماء يرد أولا في المركن او المتنجس يرد أولا فيه.

مضافا الى انه لا يستفاد من الرواية كون الماء واردا على المتنجس او العكس فلا يستفاد من الرواية عدم اعتبار ورود الماء على المتنجس في مطهرية الماء القليل كما لا يستفاد عكسه من الرواية.

و مثل ما رواها الحسن بن المحبوب قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجص يوقد

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 246

بالعذرة و عظام الموتى ثم يجصّ به المسجد أ يسجد عليه فكتب إليّ بخطّه ان الماء و النار قد طهراه «1» بدعوى انه مع فرض كون الجص نجسا و كون المتعارف القاء الماء أولا في ظرف ثم يلقي الجص في هذا الماء للتجصيص يكون النجس واردا على الماء و مع هذا قال عليه السّلام ان الماء و النار قد طهراه.

و فيه أولا ان فهم المراد من الرواية مشكل من حيث قوله عليه السّلام «ان الماء و النار قد طهراه» و كيف يكونان مطهرين للعذرة و عظام الموتى و غاية ما يمكن ان يقال في توجيه هذه الفقرة كما قال سيدنا الاستاذ الحجة قدّس سرّه هو ان يكون وضع طبخ الجص ان يجعل الوقود فوقه و في مفروض السؤال حيث كان

وقوده العذرة و عظام الموتى و يحتمل نجاسة الجص لاجلهما و كيف يمكن السجود عليه مع اختلاطه بالنجاسة و اختلاط الجص بهما فقال عليه السّلام ان الماء و النار قد طهراه» بمعنى ان حيث نجاستهما فقد صارا رمادا بالنار فاستحالا و الاستحاله من المطهرات و حيث اختلاط الجص بالرماد فبالماء ارتفع الاشكال لان الماء صار سببا لاختلاط الرماد بالجص بحيث يصدق عليه الجص فلا بأس بالسجود عليه.

و على هذا لا يكون الخبر المذكور دليلا على ان الماء كان مطهرا فلا يعتبر ورود الماء على المتنجس.

وجه عدم المجال هو ما قلنا من ان الماء لا يؤثر في تطهير الجصّ.

و لكن مع هذا لو لم نفهم ما هو المراد من الرواية و آنها تكون مجملة فلا يمكن الاخذ بها.

و ثانيا على تقدير عدم اشكال في الرواية فالاستدلال عليها مبنى على كون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 81 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 247

المتعارف في نظر السائل و مورد سؤاله ايقاع النجس في الماء لا عكسه حتى يقال ان الماء المطهر كان موردا لا واردا على المتنجس.

و لكن هذا غير معلوم اذ لعله كان المتعارف خلافه بايقاع الماء على الجص و كون الماء واردا عليه فلا تدل الرواية على عدم اعتبار ورود الماء على المتنجس.

و ثالثا على فرض كون الجص المذكور في الرواية واردا على الماء فكون الماء قليلا غير معلوم و ليس المتكلم في مقام بيان هذا الحيث حتى يدفع بإطلاق كلامه فتلخص ان الاقوى اعتبار ورود الماء على المتنجس في الماء القليل.

***

[مسئلة 1: المدار في التطهير زوال عين النجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: المدار في التطهير زوال عين النجاسة دون اوصافها فلو بقيت الريح او

اللون مع العلم بزوال العين كفي الا ان يستكشف من بقائهما بقاء الاجزاء الصغار او يشك في بقائها فلا يحكم حينئذ بالطهارة.

(1)

اقول قد مضى الكلام في أوّل شرط من الشرائط المعتبرة في تطهير الماء من هذا الفصل و انه ان كان المراد من الاثر اللون او الريح او الطعم فلا يجب ازالته مع فرض زوال العين و مع الشك في زوال الاجزاء الصغار من العين و عدمه عن المحل تستصحب نجاسة المحل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 248

[مسئلة 2: انما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: انما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال فلا يضرّ تنجسه بالوصول الى المحل النجس و اما الاطلاق فاعتباره انما هو قبل الاستعمال و حينه فلو صار بعد الوصول الى المحل مضافا لم يكف كما في الثوب المصبوغ فانه يشترط في طهارته بالماء القليل بقائه على الاطلاق الماء حتى حال العصر فما دام يخرج منه الماء الملوّن لا يطهر الا اذا كان اللون قليلا لم يصل الى حدّ الاضافة و اما اذا غسل في الكثير فيكفي فيه نفوذ الماء في جميع اجزائه بوصف الاطلاق و ان صار بالعصر مضافا بل الماء المعصور المضاف أيضا محكوم بالطهارة و اما اذا كان بحيث يوجب اضافة الماء بمجرّد وصوله إليه و لا ينفذ فيه الا مضافا فلا يطهر ما دام كذلك و الظاهر ان اشتراط عدم التغير أيضا كذلك فلو تغيّر بالاستعمال لم يكف ما دام يكون كذلك و لا يحسب غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد.

(1)

اقول: أمّا اشتراط طهارة الماء قبل الاستعمال فقد تقدّم وجه اعتباره في الفصل و هو الشرط الثالث من الشرائط المعتبرة في مطهريّة الماء القليل و الكثير

و اما تنجسه بالوصول الى المحل النجس فلا تضرّ هذه النجاسة الحاصلة بسبب استعماله في التطهير الناشية من ملاقاته مع المحل النجس و ان بنى على نجاسة الغسالة لان ما دل على طهارة الماء من الاجماع و ارتكاز العرفي على انّ النجس لا يصير مطهرا لان فاقد الشي ء لا يصير معطى الشي ء لا يجري فيما يتنجّس بالوصول الى المحل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 249

النجس في مقام التطهير.

و لو اعتبرنا عدم نجاسة الماء حتى بسبب وصوله الى المحل النجس في مقام تطهير هذا المحل النجس يلزم عدم مطهرية الماء القليل راسا و كيف يمكن الالتزام بعدم مطهرية الماء القليل و كيف يمكن ذلك مع كون موارد كثيرة بل اكثرها هو الغسل و التطهير بالماء القليل.

و أمّا اطلاق الماء فهو معتبر قبل الاستعمال و حال الاستعمال و حينه فلو صار الماء مضافا بعد الوصول الى المحل لم يكف كما يتفق في الشي ء المصبوغ في بعض الموارد فانه يشترط في مطهرية الماء القليل بقائه على الاطلاق حتى حال عصر المتنجس فيما يعتبر فيه العصر ما دام يخرج منه اللون الا اذا كان اللون قليلا بحيث لا يوجب اضافة الماء.

اما اعتبار اطلاق الماء قبل الاستعمال فقد مر الكلام فيه من ان المضاف لا يكون مطهرا.

و أمّا حين الاستعمال و بقاء اطلاقه الى نفوذ الماء بإطلاقه على جميع الاجزاء المتنجس فلان المعتبر غسل ما نفذ فيه الماء فاذا صار مضافا في هذا الحال فلم يتحقق الغسل بالماء المطلق لانه على الفرض صار مضافا و لو كان لما في المحل قبل حصول الغسل.

و أمّا اعتبار بقاء اطلاق الماء الى حال العصر فان قلنا بان العصر فيما

يحتاج إليه يتوقف حصول التطهير فيه الى العصر فهو دخيل في صدق حصول الغسل بمعنى ان الثوب المتنجس مثلا لا يتحقق غسله الا بالعصر فاعتبار بقاء الاطلاق الى ان يتحقق العصر يكون لاجل بقاء اطلاق الماء حتى يحصل الغسل بالماء المطلق و ان قلنا بعدم دخل العصر في مفهوم الغسل بل هو امر آخر دخيل فيما يقبل العصر من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 250

المتنجّسات فأيضا يجب بقاء اطلاق الماء الى حال العصر لانه مع اضافته بسبب المتنجس قبل العصر يصير الماء مضافا و ينفعل بملاقاته للمحل المتنجس.

أن قلت مع عدم دخل العصر في مفهوم الغسل فقد تحقق الغسل و اعتبار دخل العصر مخالف مع دل على كفاية الغسل في تحقق التطهير و الاجماع قائم على طهارة المحلّ باتصاله بالماء و مع العصر يفصل الماء فلا يضرّ صيرورة الماء مضافا بسبب الاستعمال.

قلت أمّا التمسك بإطلاق دليل كفاية الغسل فغير مفيد للمورد لان المفروض اضافة الماء و انفعاله بملاقات النجاسة و الاجماع القائم على طهارة المحل بالاتصال لا يشمل المورد الذي يكون المفروض فيه خروج الماء عن الاطلاق و صيرورته مضافا.

فتلخص ان ما يحتاج الى العصر من المتنجسات ما دام يخرج منه الماء الملوّن لا يطهر الا اذا كان اللون قليلا بحيث لا يبلغ الماء بحدّ الاضافة.

و أمّا اذا غسل الثوب و نظائره في الماء الكثير.

فتارة ينفذ الماء في جميع اجزائه بوصف الاطلاق و ان صار بالعصر بعد ذلك مضافا فيكفي في طهارته لانه على الفرض وصل الماء على جميع اجزائه بوصف الاطلاق و فى هذه الصورة يكون الماء المعصور المضاف محكوما بالطهارة أيضا لعدم تنجّسه بشي ء و ذلك بناء على عدم

اعتبار العصر في مثل الثوب و نظائره في الماء الكثير كما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

و تارة يوجب اضافة الماء بمجرد وصول الماء الى المحل النجس قبل ان ينفذ الماء بجميع اجزاء المحل بوصف الاطلاق بل لا ينفذ فيه الا مضافا فلا يطهر لما قلنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 251

من اعتبار بقاء اطلاق الماء الى ان يحصل الغسل و في مفروض الكلام لم يحصل الغسل لعدم بقاء الماء بوصف الاطلاق على جميع اجزائه حتى يحصل الغسل و كذلك الامر في اشتراط عدم تغيّر الماء بالاستعمال قبل تحقق الغسل لا يطهر المحل لعدم وصول الماء الغير المتغير بالمحل المعتبر في تحقق الغسل و لهذا لو كان المتنجس مما يعتبر فيه التعدد فلا بد من عدم تغير الماء الى تمام الغسلتين او الغسلات و بعبارة اخرى لا يحسب كل غسلة تغير فيه الماء غسلة فلا بد من عدم تغير الماء الى حصول الغسل بحيث يقع كل غسلة مع الماء الغير المتغير.

***

[مسئلة 3: يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير على الاقوى و كذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها و اما على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطا فلا.

(1)

اقول: قد مضى في الماء المستعمل طهارة غسالة الاستنجاء بالشرائط المتقدمة فمع طهارتها يجوز استعماله في التطهير اي يكفي في مقام التطهير كسائر المياه.

و كذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها فقد مرّ منا ان الاقوى نجاسة الغسالة المزيلة للعين و كذلك في الغسلة المزيلة حتى فيما يتعقبها الطهارة على الاحوط بل الاقوى و لو التزمنا بطهارته فيكتفي بها في رفع الخبث أيضا لاطلاق الادلة الدالة على مطهرية الماء و هما

فردان منه.

و لا وجه لعدم مطهريّتهما الا دعوى انصراف الادلّة عنهما و هو دعوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 252

لا دليل عليه.

***

[مسئلة 4: يجب في تطهر الثوب او البدن من بول غير الرضيع الغسل مرّتين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يجب في تطهر الثوب او البدن من بول غير الرضيع الغسل مرّتين و اما في بول الرضيع غير المتغذّي بالطعام يكفي صب الماء مرّة و ان كان المرّتان أحوط و اما المتنجس بسائر النجاسات على الولوغ فالاقوى كفاية الغسل مرّة بعد زوال العين فلا تكفي الغسلة المزيلة لها الا ان يصب الماء مستمرا بعد زوالها و الاحوط التعدد في سائر النجاسات أيضا بل كونهما غير الغسلة المزيلة.

(1)

اقول: اعلم ان البحث فيما تعرّض في المسألة يقع في جهات

الجهة الاولى: في اعتبار الغسل مرّتين في المتنجس ببول غير الرضيع بالماء القليل.

فنقول بعونه تعالى ان الكلام يكون في بول غير الرضيع و غير محل الاستنجاء لان الكلام في بول الرضيع يأتي بعد ذلك إن شاء اللّه و الحكم في محل الاستنجاء مذكور في محله. ثم بعد ذلك نقول ان المشهور بحسب الفتوى اعتبار الغسل مرّتين في البول بالماء القليل و المحكي عن الشهيد رحمه اللّه فى البيان كفاية المرّة و المنقول منه في الذكري نسبة عدم اعتبار مراعاة التعدد في غير الولوغ و على كل حال ما دل بظاهره على اعتبار التعدد روايات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 253

الرواية الاولى: ما رواها الحسين بن ابى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرّتين فأنّما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال أغسله مرّتين «1».

الثانية: ما رواها محمد عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن البول يصيب الثوب قال أغسله مرّتين «2».

الثالثة: ما رواها ابن ابى يعفور قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البول» يصيب الثوب قال أغسله مرّتين «3».

الرابعة: ما رواها ابو اسحاق النحوى عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام قال سألته عن البول يصيب الجسد قال صبّ عليه الماء مرّتين «4».

الخامسة: ما رواها محمد بن ادريس في «آخر السرائر» نقلا من كتاب «الجامع» لاحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطى قال سألته عن البول يصيب الجسد قال صبّ عليه الماء مرّتين فأنّما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال أغسله مرّتين «5».

السادسة: ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه البول قال أغسله في المركن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة «6» و هذه الروايات كما ترى تدل على وجوب غسل الثوب و الجسد من البول مرّتين في

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 7 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(6) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 254

الماء القليل لان موردها بقرينة التعبير بالصّب يكون الماء القليل و ان ابيت عن ذلك فلا اقل من ان المتيقن منها الماء القليل.

و في قبال ذلك ربما يتوهم انه يكفي في غسل المتنجس بالبول مرّة واحدة أو لا لبعض الاخبار الآمرة بالغسل في المتنجس بالبول و اطلاقه يقتضي الاكتفاء بالمرة.

مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه «1».

فاطلاقها يقتضي الاكتفاء بكل ما يصدق عليه الغسل فيكفي الغسل مرة لصدق

الغسل عليها و فيه انه على فرض كون اطلاق لمثل هذا الرواية من حيث العدد لا بدّ من تقييدها بالروايات المتقدمة على وجوب الغسل في المتنجس بالبول مرّتين كما هو مقتضي القاعدة في الجمع بين المطلق و المقيّد.

و ثانيا بعض، ما ورد في مورد الاستنجاء من الاكتفاء في غسل مخرج البول بمرّة واحدة.

و فيه ان ما ورد في الاستنجاء لا يمكن التعدي من مورده الى غير مورده لاحتمال خصوصية في المورد كما ترى من بعض احكامه الخاصة و يخصّص به الاخبار المتقدّمة لان هذه الاخبار تدل على الغسل مرّتين و ما ورد في الاستنجاء على المرة فنقول اطلاق هذه الاخبار يقيّد بما ورد في الاستنجاء.

مع انه يمكن ان يقال انّ، الاخبار المتقدمة لا يشمل مورد الاستنجاء و انصرافها عن هذا المورد لان المتبادر من الاخبار المتقدمة هو النجاسة الخارجية التي تصيب الثوب و البدن.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 255

و قد يقال بان المرّة الاولى تكون لازالة العين و المرّة الثانية تكون للتطهير، و يرجع قول من يقول بكفاية المرّة الي ذلك و يقال رجوع القول القائلين بالتفصيل بين الجاف و غيره باعتبار التعدد في غير الجاف لاجل كون الغسلة الاولى لمجرد ازالة العين من دون دخلها في تطهير الشي ء و لهذا لا يعتبر في الجاف التعدد لعدم وجود عين حتّى يزيلها بغسلة ثم يغسل المحل النجس مرة و على كل حال استدل على هذا القول بالرواية الاولى من الروايات المتقدمة و هي «1» ما رواها الحسين ابن ابو العلاء باعتبار زيادة في ذيلها ذكرها المحقق رحمه اللّه في المعتبر و الشهيد

رحمه اللّه في الذكري بعد قوله عليه السّلام «مرّتين» «مرة للازالة و مرة للنقاء» و ان كانت هذه الفقرة جزء الرواية كانت قابلة لان تصير منشأ هذا الحكم.

و لكن الاشكال في كونها جزء من الرواية لانه كما ترى ما نرى من هذه الفقرة ذكرا في كتب الاخبار كما ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه و حكى عن صاحب المعالم عدم وجدانه هذه الرواية في كتب الاخبار مع التصفح و التفحص و يحتمل كون هذه الفقرة من كلامهما و لا يبعد ذلك فلا تكون مدركا لهذا القول.

مضافا الى ان حمل قولهم عليهم السّلام من الامر بالغسل مرّتين في الروايات على ذلك بعيد لانه على هذا يكون الغسل الأول لأجل إزالة العين و دخلها عرفا في الغسل و هذا ليس تكليفا شرعيّا و الحال ان الظاهر من الامر كون الامر حكما شرعيا.

و أيضا يلزم ان يكون الغسل الاول وجوبه وجوبا تخييريا لا تعيينيّا لانه كما يمكن ازالة العين بالغسل كذلك يمكن ازالتها بشي ء آخر و الحال ان الظاهر من الأمر بالغسل مرّتين كونهما واجبين تعيينين.

ثم أعلم انه لو ألتزم احد بكفاية كون الغسلة الاولى لأزالة العين و الثانية

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 256

للنقاء لا بدّ ان يلتزم فيما لا يتوقف الغسل على ازالة العين بكفاية الغسل مرة واحدة مثل ما اذا وقع البول على محل لا يحتاج الغسل الى ازالة العين فيكفي الغسل مرة واحدة على هذا القول لان الاحتياج بالمرتين كان من حيث زوال العين و مع عدمه لا حاجة الا الى المرة و هذا الالتزام يوجب حمل الروايات الدالّة على وجوب

الغسل مرّتين على المورد النادر لان الغالب زوال عين البول من باب جفافه و حيث لا يمكن حمل المطلقات على مورد النادر لكونه حملا يأبى عنه العرف فلا بدّ من الالتزام بكون المرّتين معتبرين في الغسل بعد ازالة العين.

فتلخص ان الاقوى اعتبار الغسل مرّتين بعد زوال العين هذا كله بالنسبة الى كيفية غسل المتنجس بالبول في الماء القليل و قد عرفت اعتبار المرّتين.

الجهة الثانية: اعلم ان احكام الماء الغير القليل
اشارة

و ان تعرض لها المؤلف في المسألة «16» و لكن نحن نتعرض لها في هذا المقام لشدة مناسبتها لهذا المقام فنقول بعونه تعالى ان المشهور على ما ادعى عدم اعتبار التعدد في المتنجس بالبول في غير الماء القليل و الكلام يقع في طى فروع:

الفرع الاول: هل يعتبر التعدد في الماء الجاري أم لا

الحق عدم اعتباره لشهادة الرواية السادسة من الروايات المتقدمة ذكرها و هي رواية محمد بن مسلم على ذلك لان فيها قال ابو عبد اللّه عليه السّلام «اغسل في المركن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» «1» هذا حكم المتنجس بالبول في الماء الجاري.

الفرع الثاني: هل يعتبر التعدد في المتنجس بالبول في ماء المطر او لا

الحق عدم اعتباره لما مضى في ماء المطر من انه حين نزوله من السماء يكون بمنزلة الماء الجاري فحكمه حكمه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 257

الفرع الثالث: لا يعتبر التعدد في المتنجس بالبول اذا غسل في ماء البئر

لما مضى في محله من ان ماء البئر الماء الجاري فحكمه حكمه.

الفرع الرابع: هل المعتبر في المتنجس بالبول في مقام تطهيره التعدد في الماء الكثير الرّاكد

اعني الماء البالغ حد الكر أو لا.

اعلم ان المسألة ذات قولين قول باعتبار التعدد و قول بعدمه.

و يمكن ان يستدل على عدم اعتبار التعدد بامور نذكرها لك.

الاول: ان يقال بدلالة الرواية السادسة و هي ما رواها محمد بن مسلم على ذلك بدعوى دلالة قوله عليه السّلام فيها «اغسله في المركن مرّتين» مع قوله فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» مع كون الجملة الثانية مفهوم الجملة الاولى ان الغسل مرتان يجب في الماء القليل و لا يجب الغسل في غيره مرتين و انحصاره بذكر خصوص الجاري أمّا يكون من باب غالبيّة الماء الجاري و أمّا من باب عدم ابتلاء السائل بالماء الراكد الكثير.

و فيه انه لا مفهوم لقوله عليه السّلام «اغسله في المركن مرتين» لعدم كونه قضيّة شرطيّة حتى يقال بانتفاء سنخ الحكم بانتفائه و أمّا قوله فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» فتارة يقال بانه القضية الشرطية و لها المفهوم فمفهومها عدم كفاية المرة في غير الجاري فتدل على عدم الاكتفاء بالمرة في الماء الكر الراكد أيضا لكون مقتضي المنطوق انحصار كفاية المرة في الماء الجاري.

و تارة يقال بقرينة صدر الرواية ان المتيقن من الكلام هو بيان حكم الماء القليل و الجاري كما يشهد به ساير الروايات فالرواية غير متعرضة لحكم الماء الكر الراكد راسا و لا يبعد كون هذا الاحتمال اقوى و على كل حال لا يمكن الاستناد بهذه الرواية على عدم اعتبار التعدد في المتنجس بالبول في الماء الكثير الراكد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 258

الثاني: المرسلة «1» المروية عن الباقر عليه السّلام مشيرا الى غدير

ماء ان هذا لا يصيب شيئا الا و طهّره بدعوى ان مجرد اصابة المتنجس بالماء الغدير يصير سببا لطهارته و هذه الرواية عام يشمل جميع المتنجسات و النسبة بين هذه المرسلة و بين ما دل من الروايات على اعتبار التعدد و ان كانت عموما من وجه لانّ هذه المرسلة عام من جهة و هي شمولها لجميع المتنجسات و خاص من جهة و هي شمولها لخصوص الكرّ من الماء.

و الروايات المتقدمة ذكرها عام من جهة و هي شمولها لكل ماء و خاص من جهة و هي كونها واردة في خصوص البول و مورد اجتماعهما، هو غسل المتنجس بالبول في الماء الكثير و يكون مقتضي هذه المرسلة طهارة المتنجس بالبول بمجرد اصابته الماء بمقتضى عمومها و مقتضي الروايات المتقدمة اعتبار التعدد فتتعارضان و حيث انه كما مضي في التعادل و الترجيح بان النسبة بين الخبرين المتعارضين اذا كانت عموما من وجه و كان احد المتعارضين في مادة اجتماعهما و تعارضهما اظهر من الآخر فلا بد من الاخذ و به لا بدّ في المورد الاخذ بالمرسلة لانها اظهر في شمولها لمادة الاجتماع.

فتكون النتيجة هي الالتزام بعدم اعتبار التعدد في المتنجس بالبول في الماء الكثير الراكد.

و قيل اشكالا على التمسك بالمرسلة بانها ليست الا في مقام مطهّرية الماء الكثير و أمّا كيفيّة التّطهير به من المرّة او التعدد فليست في مقام بيانها فلا تدل على عدم اعتبار التعدد.

قلت ان هذا الاشكال غير وارد لان هذه المرسلة تدلّ على ان الغدير

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب 9 من ابواب الماء المطلق ح 8.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 259

لا يصيب شيئا الا طهّره فكيف يمكن ان يقال بانّها

لا تدل على كفاية مجرد اصابة المتنجس به في تطهيره فيصح الاستدلال بها على كفاية مجرد اصابة هذا الماء بالمتنجس بدون اعتبار العصر او التعدد.

لكن بعد ذلك كله تكون العمدة آنها مرسلة و لا ندري ان مستند المشهور على عدم اعتبار التعدد كان هذه المرسلة حتّى يجبر ضعف سندها بعمل المشهور بها نعم لو كان الكافي في جبر ضعف السند مجرد مطابقة فتوى المشهور مع مضمونها كان مجال للاستناد، بها لكن هذا غير معلوم.

الثالث: بعض الروايات الواردة في ماء الحمام المتقدم ذكره في محله و يستفاد من بعض هذه الروايات كون ماء الحمام بمنزلة الجارى و من بعضها ان عاصمية مائه يكون من باب كون المادة له و من ضم بعضها ببعض يستفاد منه ان وجه كونه عاصما و مطهّرا، و بمنزلة المجاري كون المادة لماء الحمام و مادة الحمام صارت سببا لذلك ليس الا من باب كون مادّته كثيرا بالغا، حدّ الكر و بعد كون الكرية و الكثرة سببا لعاصميته و كونه بمنزلة الجاري فالكر بمنزلة الجاري اعنى الماء الراكد البالغ حد الكر و بعد كونه بمنزلة الجاري فيترتب على الراكد الكثير جميع احكام الجاري و منها كفاية المرة في مقام تطهير المتنجس بالبول فيه.

ان قلت ان تنزيل ماء الحمام منزلة الجاري ليس الا انّ ماء الحمام منزلة الجاري من حيث كون المادة له أيضا لا كون ماء الكثير في جميع الاحكام مثل الجاري.

قلت كما قلنا يستفاد من ضم يعض الاخبار الوارد في ماء الحمام ببعضه الآخر ان ماء الحمام بمنزلة الجاري من باب كون المادة اعني الكثرة له و بعد عدم اختصاص التنزيل ببعض الموارد يستفاد ان التنزيل يكون في جميع الموارد فكما

ان المتنجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 260

بالبول يطهر في الماء الجاري بمرّة و لا يجب التعدد كذلك في الماء الكثير الراكد لانه بمنزلته و بعبارة اخرى ما هو العلة لبعض الاحكام للجاري هو وجود المادة و هذه العلة موجودة في الماء الكثير.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 3، ص: 260

فعلى هذا الاقوى بنظرى القاصر كفاية المرة الواحدة في تطهير المتنجس بالبول في الماء الكثير الراكد اعني البالغ حد الكرية و الحمد له أولا و آخرا».

الجهة الثانية: في بول الرضيع الغير المتغذّي بالطعام يكفي صب الماء مرة.
اشارة

اعلم ان القول بطهارة بول الصبى لم يحك الا عن ابن جنيد فان المحكي عن المختلف أن ابن جنيد قال ان بول البالغ و غير البالغ نجس الا ان يكون غير البالغ صبيّا ذكرا فان بوله لبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس.

و استدل بما رواه السكوني عن جعفر عليه السّلام عن ابيه عليه السّلام ان عليا عليه السّلام قال لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا «من» بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين. «1»

الجعفريات 12 باسناده عن على عليه السّلام أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بال عليه الحسن و الحسين عليهما السّلام قبل أن يطعما فكان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يغسل بولهما من ثوبه «2».

لكن لا يمكن التعويل عليهما على فرض صحة سندهما لكونهما ممّا اعرض عنه الاصحاب.

مضافا الى ان المستفاد منهما

عدم غسلها و هذا لا ينافي مع وجوب صب الماء

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) جامع الاحاديث، ج 2، ص 65، ح 13.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 261

على بوله كما نحن نقول بعدم وجوب الغسل بل يكفي صب الماء على المتنجس ببول الرضيع.

الا ان يقال بان عدم وجوب الغسل كناية عن عدم النجاسة كما نقول بان الامر بالغسل يدلّ بالتزام على النجاسة.

و على كل حال لا اشكال في نجاسة بول الرضيع انما الا اشكال و الكلام يكون في انه يكفي في تطهير المتنجس ببول الرضيع الغير المتغذّي صب الماء عليه مرّة او يجب الغسل المشهور بل ادعي عدم الخلاف فيه كفاية صب الماء عليه مرّة و يدل عليه من الاخبار.

ما رواها الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الصبي قال تصب عليه الماء فان كان قد اكل فاغسله بالماء غسلا و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء «1».

و في الفقه المنسوب الى الرضا عليه السّلام و ان كان بول الغلام الرضيع صب عليه الماء صبا و ان كان قد اكل فاغسله و الغلام و الجارية سواء «2» و أمّا كفاية صب الماء مرة فلانه يحصل الصب بالمرة و عليه الفتوى.

و في قبال ذلك الرواية التي رواها سماعة قال سألته عن بول الصبي يصيب الثوب فقال اغسله قلت فان لم اجد مكانه قال اغسل الثوب كله «3» و هذه المضرة بظاهرها تدل على اعتبار الغسل في المتنجس ببول الصبي.

و الغسل على ما قيل يقتضي ازالة الوسخ عن المغسول و فى الصب لا يقتضي

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب النجاسات

من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب النّجاسات من المستدرك. فقه المنسوب الى الرضا عليه السّلام، ص 95.

(3) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 262

ذلك عرفا بل يكفى مجرد غلبة الغاسل على المغسول و قاهريّته بالنسبة إليه و ان لم يتحقق به ازالة الوسخ عن المغسول و الرش مرتبة ضعيفة من الصب و هو يحصل بمجرد اخراج الماء و ايصاله بالمحل و ان لم يستوعب المحل و لا يكون غالبا و لا قاهرا على المغسول اذا عرفت اختلاف الصب مع الغسل.

و عرفت ان الطائفة الاولى من الروايات تدل على كفاية الصب و هي رواية الحلبي و فقه الرضا و الطائفة الثانية و هي مضمرة سماعة على اعتبار الغسل فيقع التعارض بين الطائفتين.

لكن نقول أولا كما قيل بان مضمرة سماعة تحمل على الأجزاء و بعبارة اخرى على المقدار الذي يجزى عن التكليف و رواية الحلبي يحمل على أقلّ ما يجزى به و هو الصب و ثانيا بعد نصوصية رواية الحلبي و فقه الرضا على كفاية الصب فلا بد من حمل مضمرة سماعة على الاستحباب و هذا جمع عرفى و به يرفع التعارض مضافا الى كون رواية سماعة مضمرة فتلخص كفاية صب الماء على المتنجس ببول الصبي بالنحو الذي كان مورد الكلام انما الكلام في بعض الفروع:

الفرع الاوّل: هل الحكم مختص بالصبي او يشمل الصبية

ظاهر الكلمات هو الاول و ظاهر الرواية المتمسكة بها على المطلب و هي رواية الحلبي الثاني بناء على كون ذيلها و هو قوله عليه السّلام «و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» راجعا الى كل من الحكمين المذكورين في صدر الرواية و هما قوله عليه

السّلام بعد سؤال السائل عن حكم بول الصبي «تصب عليه الماء» هذا حكم الأوّل و قوله «فان كان قد اكل فاغسله بالماء غسلا» و هذا حكم الثاني لانه على هذا تدل الرواية على ان الصب في الحكم الاوّل و الغسل في الحكم الثاني يكون لكل من الصبي و الصبية لقوله و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء و أمّا بناء على اختصاص الذيل و هو تسوية الجارية مع الغلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 263

مختصا بالحكم الثاني و هو وجوب الغسل فيما يأكل الصبي فلا تدل الرواية الا على كون الجارية مثل الغلام في صورة كان يأكل في وجوب الغسل و أمّا حكم الصب اي كفاية صب الماء في بول الصبي الذي لم يأكل فهو مختص بالصبي و لا يشمل الصبية و حيث انه من المتحمل كون الذيل في خصوص الحكم الثاني و هو وجوب الغسل فيمن يأكل، من الصبي فلا يمكن الاستناد بالذيل للحكم الاوّل و الالتزام بشمول حكم الصب في الصبي الذي لم يأكل للصبية بهذه الرواية مضافا الى تسلم كون حكم كفاية صب الماء في المتنجس ببول الصبي الغير المتغذّي بخصوص الصبي عند الاصحاب مشكل فاذا نقول باختصاص الحكم بالصبي.

و ما ورد في بعض الروايات من طرق العامة من اختصاص الحكم بالصبي فمع ضعف سنده و عدم معلومية كون استناد اصحابنا فى اختصاص الحكم بالغلام بهذه الاخبار حتى ينجبر ضعف سنده بعملهم لا يمكن جعلها دليلا على الاختصاص.

الفرع الثاني: كفاية صب الماء مرة يكون في المتنجس ببول الصبي الغير المتغذّي

بالطعام كما يدل عليه رواية الحلبي المتقدمة ذكرها و هو المتبادر من الرضيع المذكور في الفتاوي.

الفرع الثالث: الظاهر اعتبار صب الماء على المحل المتنجس ببول الرضيع

لان هذا مقتضي رواية الحلبي المتقدّمة مضافا الى ان ظاهر كلمات جلّ الاصحاب لو لم نقل كلهم هو هذا فلا يكفي الرش اى رش الماء لانه به لا يتحقق الصب.

الجهة الرابعة: هل يكفي في تطهير ساير المتنجسات غير المتنجس بالبول الغسل مرة واحدة او يجب التعدد.
اشارة

اعلم ان الكلام من حيث المتنجس يكون في غير الظروف فان الكلام في الظروف يأتي بعد ذلك إن شاء اللّه و في غير ولوغ الكلب و الخنزير فانه يأتي الكلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 264

فيه بعد ذلك إن شاء اللّه و من حيث النجاسات يكون الكلام في غير البول الذي تقدم الكلام فيه.

ثمّ بعد ذلك نقول بان الظاهر عدم اعتبار التعدد بل يكفي الغسل مرة بعد زوال العين فالكلام يقع في مقامين:

المقام الاوّل: في اعتبار التعدد و عدمه.

المقام الثاني: بعد فرض كفاية المرة هل يكتفي بالغسلة المزيلة للعين او يجب الغسل مرة بعد ازالة العين.

اما الكلام في المقام الاول فالمنسوب الى كثير من الفقهاء عدم اعتبار التعدد

و هو الاقوى لما نرى من تتبّع الاخبار الواردة في غسل النجاسات من الامر بالغسل و اطلاقها يقتضي الاكتفاء بالمرة الواحدة.

مثل ما ورد في المنى و فيها قال عليه السّلام «فان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي مكانه فاغسل الثوب كله». «1»

و مثل ما ورد في الدم قال زرارة «اصاب ثوبي دم رعاف او غيره او شي ء من منى «الى ان قلت» فاني قد علمت انه قد أصابه و لم أدر اين هو فأغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابها الخ». «2»

و في الغائط فان العمدة في النص على نجاستها هي الاخبار الواردة في الاستنجاء و هي كما ترى لا تدل على غسل الازيد من مرة بل يكفي النقاء.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 265

و مثل ما ورد فيمن لاقي ميت الانسان «ليس على من مسه الا غسل

اليد «1»» فيكفي في الميتة مجرد الغسل و الرواية و ان كانت في ميتة الانسان لكن لا فرق بينها و بين ساير افراد الميتة.

و مثل ما ورد في غير ولوغ الكلب في ساير ما يلاقيه أيضا أن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله». «2»

و في غير ولوغ الخنزير يدل بعض الروايات على كفاية الغسل و هو قوله «قال قلت ما على من قلب لحم الخنزير قال يغسل يده». «3»

و في خصوص ولوغ الخنزير و شربه يأتي الكلام إن شاء اللّه في بعض المسائل الآتية.

و مثل ما ورد في الكافر و فيها «في رجل صافح مجوسيا قال يغسل يده» «4» و فيها في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني قال من وراء الثوب فان صافحك بيده فاغسل يدك. «5»

و في الخمر ما ورد من كفاية الغسل و فيها قال عليه السّلام «اذا اصاب ثوبك خمر او نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله» و يكفي في المتنجس بالفقاع الغسل مرة لما في الرواية الّتي رواها هشام انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفقاع فقال لا تشربه فانّه خمر مجهول فاذا اصاب ثوبك فاغسله «6» و ما ورد في

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب غسل المس من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 5 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(6) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 266

العرق

الابل الجلالة و فيها و ان اصابك شي ء من عرقها فاغسله». «1»

و أمّا الاشكال بالاستدلال بهذه الروايات لكفاية الغسل مرة في المتنجس بالنجاسات بان هذه الروايات تكون دالة على كفاية اصل وجوب الغسل فيه و أمّا كيفية الغسل من التعدد او المرة او بعض جهات آخر فليست الروايات في مقام بيانها فلا وجه للاستدلال بهذه الروايات على كفاية الغسل مرة.

مدفوع أمّا أولا فلان الظاهر منها هو الامر بالغسل و بعد كونه في مقام بيان وجوب الغسل فان كان يرى في الغسل دخل شي ء غير ما يراه العرف من ايقاع الماء على المحل بعد ازالة العين كان عليه البيان و حيث اطلق الكلام فنكشف الاطلاق منه و أمّا ثانيا على فرض عدم كون الائمة عليهم السّلام في مقام بيان كيفية الغسل في هذه الروايات راسا لكن نقول بعد ما كان المتكلم في الروايات في مقام بيان وجوب الغسل و يرى ان العرف لا يفهم منه الّا ايقاع الماء عليه فلو كان بنظره يعتبر امر و دخل شي ء آخر فكان عليه البيان فنقول مقتضي الاطلاق المقامي عدم اعتبار شي ء آخر غير ما يراه العرف و نكشف من اطلاق كلامه ايكال الامر بنظر العرف.

و بعبارة اخرى في الوجه الاول يكون التمسك بالإطلاق اللفظي و في الثاني بالإطلاق المقامي و على كل حال لا يرد الاشكال.

و قد يستدل على كفاية المرة بالرواية المروية من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خلق الماء طهورا لا ينجسه شي ء» «2» بدعوى دلالتها على مطهريّة الماء لكل شي ء لان المراد من الطهور في الرواية هو مطهر فالرواية مطلق من حيث المطهر «بالكسر و من حيث المطهر «بالفتح» فهو مطهّر لكل

شي ء و يتطهر به كل شي ء بالإطلاق اللفظي

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل، ج 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 267

و من حيث كيفية التطهير مطلق بالإطلاق المقامي فتكون النتيجة كفاية الغسل مرة الا فيما ورد دليل خاص على اعتبار أزيد من مرة او على اعتبار خصوصية اخرى.

و فيه ان كون الرواية في مقام بيان كيفية التطهير غير معلوم ان لم نقل بكونه معلوم العدم.

بل استشكل في الرواية بان كونها في مقام بيان المطهّر «بالفتح» غير معلوم اعني من حيث كونها في مقام بيان مطهريته لكل متنجس غير معلوم بقرينة قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ذيل الرواية لا ينجّسه شي ء» لان المستفاد من هذه الفقرة كون الرواية في مقام بيان عاصميّة الماء.

و في قبال ما قلنا من كفاية المرة قد يقال باعتبار التعدد.

أولا لما ورد في بعض الروايات المتقدّمة الواردة في البول مثل قوله عليه السّلام في رواية الحسين بن ابى العلاء في البول «صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء» «1» و كذلك في رواية «2» البزنطي بدعوى انه بعد كون البول ماء و يكون خفيف الإزالة و قذارته ترتفع اسهل بالماء من ساير النجاسات و مع ذلك امر بالغسل مرّتين فيكون الغسل مرّتين في المتنجس بسائر النجاسات اولى من البول.

و الشاهد على ذلك ما ورد في المني و هي ما رواها محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ذكر المنى و شدده و جعله أشدّ من البول» «3» و فيه ان وجه التعليل في الروايتين بقوله

«فانما هو ماء يحتمل ان يكون لبيان كفاية الصب لانه قبل ذلك قال صب عليه الماء مرّتين» بل لا يبعد كون الظاهر من هذه الفقرة هذا لاحتمال لا ان

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 268

تكون علة لوجوب الصب مرتين و أمّا وجه اشدّية المنى من البول يمكن ان يكون ايجابه الغسل «بالضم» و لهذا يكون اشدّ من البول فانه لا يجب الغسل في البول مضافا الى انه لو كان اشدّ من حيث النجاسة و القذارة من البول فلا بد ان يقال في غسل المتنجس بالمنى الغسل ازيد من مرتين لان البول على هذا اخف من المنى و مع وجوب الغسل في البول الاخف مرتبة مرتين فيجب الغسل في الاشد و هو المنى ازيد من مرتين و هذا مما لا يلتزم به الخصم.

و ثانيا استصحاب النجاسة بعد الغسل مرة لانه يشك في ارتفاع النجاسة عن المحل بعد الغسل مرة أو لا فتستصحب النجاسة و مقتضاه الغسل مرّتان حتى لا يكون ناقض اليقين بالشك.

و فيه أولا ان المورد يكون من قبيل استصحاب القسم الثاني: من استصحاب الكلى و هو كون الشك في بقاء الكلى و عدمه من باب الشك في تردد الفردين بين مقطوع البقاء و بين الفرد المقطوع الزوال و حيث انه مضى في الاصول ان في القسم الثاني من استصحاب الكلى ان كان لنفس الكلى اثر شرعى يترتب عليه باستصحاب الكلى و أمّا ان كان اثر مترتب على بقاء الفرد فلا

يترتب عليه لعدم مجال لاستصحاب الفرد فبناء عليه نقول بان الاثر حيث لا يترتب على كلى النجاسة فلا مجال لاستصحاب كلى النجاسة و ترتيب الاثر بوجوب الغسل بل الاثر اعنى وجوب الغسل مترتب على كل فرد من افراد النجاسة فعلى هذا لا وجه لاستصحاب الفرد في المقام و القول بوجوب الغسل مرتين.

ان قلت ان كان الغسل مرتين مترتبا على كل النجاسة فيستصحب النجاسة و يترتب عليه الاثر و هو الغسل مرّتين.

قلت ما نرى من ظاهر الاخبار الواردة في النجاسات و الاحكام المترتبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 269

عليها تكون كلها مترتبة على الفرد لا على الكلى فالغسل مرّتان مثلا مرتب على خصوص البول و ما ورد من التعفير في ولوغ الكلب او الخنزير على القول به في الخنزير حكم ثابت لكل منهما بالخصوص لا على كلى النجاسة حتى يترتب عليه ببركة الاستصحاب فلا مجال بعد الغسل مرة من استصحاب النجاسة حتى يترتب عليه الغسل مرة اخرى.

و ثانيا بعد ما قلنا من أن الإطلاقات الواردة في الغسل يدلّ على الغسل مرّة في النجاسات ما عدى البول و ولوغ الكلب و الخنزير على القول به في الخنزير يدل على كفاية الغسل مرة في المتنجس بنجاسة غير البول و الولوغ.

و لو فرض عدم الاطلاق لهذه الاخبار فبعد ذكر الغسل و الامر به في الاخبار و عدم بيان موضوع الغسل من قبل الشارع نكشف ان الشارع كان أوكله الى العرف و العرف يكتفي بالغسل مرة بعد زوال عين النجاسة و على هذا لا تصل النوبة بالاستصحاب.

فالاقوى عدم اعتبار التعدد نعم الاحتياط بالتعدد مما لا ينبغى تركه.

هذا تمام الكلام في المقام الاولى.

و أمّا الكلام في المقام الثاني و هو انّ الغسل مرة الكافى في مقام التطهير

هل يعتبر ان يكون

بعد الغسل المزيل لعين النجاسة أو لا يجب ذلك بل يكفي الغسل مرة و ان كان ذلك هو الغسل المزيل للعين وجهان.

وجه الكفاية اطلاق أدلّة الغسل و قد تحقق الغسل و الإزالة.

وجه عدم الكفاية ظهور الأدلة او انصرافها بصورة تحقق الإزالة و أ يقاع الغسل بعد ازالة العين كما قلنا في وجه اعتبار إزالة عين النجاسة في حصول التطهير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 270

قبل الغسل لان يكون بعد إزالة العين فلا بد من وقوع الغسل بعد إزالة العين.

ثم انه لو اعتبرنا كون الغسل بعد ازالة العين و عدم الاكتفاء بالغسلة المزيلة للعين هل يكفي في تحقق الغسل بعد إزالة عين النجاسة استمرار صب الماء على المحل المتنجس أو لا يكفي ذلك بل لا بدّ من احداث الغسل بعد ازالة العين و بعبارة اخرى يعتبر بعد الغسلة المزيلة من غسل آخر مرة.

وجه الاكتفاء هو ان الميزان وقوع الغسل بعد ازالة العين فما يستمر على المحل من الماء المصبوب يحصّل ذلك و يصدق وقوع الغسل على المحل بعد ازالة العين و ان كان ذلك باستمرار الغسلة المزيلة على المحل بعد زوال العين.

وجه عدم الاكتفاء أنه يصدق على الماء الذي يستمر بعد زوال العين على المحل انه الغسلة المزيلة للعين.

و من ان الظاهر من الأدلّة هو احداث الغسل على المحل المتنجس فيقال على هذا بعدم الاكتفاء و هذا احوط.

***

[مسئلة 5: يجب في الاواني اذا تنجّست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرّات]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يجب في الاواني اذا تنجّست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرّات في الماء القليل و اذا تنجّست بالولوغ التعفير بالتراب مرّة و بالماء بعده مرّتين و الاولى ان يطرح فيها التراب من غير ماء و يمسح به ثم يجعل فيه شي ء

من الماء و يمسح به و ان كان الاقوى كفاية الاول فقط بل الثاني أيضا و لا بدّ من التراب فلا يكفي عنه الرماد و الاشنان و النورة و نحوها نعم يكفي الرمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 271

و لا فرق بين اقسام التراب و المراد من الولوغ شربه الماء او مائعا آخر بطرف لسانه و يقوى الحاق لطعه الاناء بشربه و اما وقوع لعاب فمه فالاقوى فيه عدم الالحاق و ان كان أحوط بل الأحوط اجراء الحكم المذكور في مطلق مباشرته و لو كان بغير اللسان من ساير الاعضاء حتى وقوع شعره او عرقه في الاناء.

(1)

اقول: الكلام في المسألة يقع في طىّ امور:

الأمر الاول: في كيفية تطهير الاواني في الماء القليل
اشارة

فنقول ان المراجع في الكلمات يري ان الاقوال في المسألة ثلاثة:

القول الاول: وجوب غسل الاناء ثلاث مرّات.

القول الثاني: وجوب الغسل مرة واحدة و هذا القول محكى عن جمع من فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم.

القول الثالث: وجوب غسله مرّتان:

و مستند القول الاول هو الرواية التي رواها عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرّة يغسل قال يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر «1».

و مستند القول الثاني هو إطلاقات أدلّة الغسل و المرسلة المحكية عن المبسوط

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 272

من انه روي الاكتفاء بالمرة في جميع النجاسات و حصول الغرض و هو

ازالة النجاسة بها.

و فيه أمّا الإطلاقات فنقول بعد فرض الإطلاق لا بدّ من تقييدها برواية عمار الساباطي المتقدمة ذكرها التي تكون نصا في وجوب الغسل ثلاث مرّات في الاناء لوجوب حمل المطلق على المقيد.

ان قلت ان رواية عمار ضعيف سندها لان عمار فطحي.

قلت الميزان في حجية الخبر هو الوثوق و على ما ترى يكون عمار موثّقا فلا اشكال في سند الرواية.

ان قلت ان هذه الرواية تحمل على الاستحباب.

قلت لا قرينة على ذلك و مع عدم القرينة تدل الجملة الخبرية الواردة في مقام الإفتاء على الوجوب.

و أمّا مرسلة المبسوط فهي باعتبار ارسالها ضعيفة السند و مجرد موافقة هذه المرسلة مع الشرائع و اكثر كتب العلامة رحمه اللّه و بعض من تأخر عنه لا يكفى في جبر ضعف سندها.

أمّا أولا فلان المعتبر في جبر ضعف السند كون مستند فتواهم الاتكاء بالمرسلة و أمّا ثانيا الشهرة الجابرة هي الشهرة القدماء و المحقق و العلامة قدس سرهما ليسا منهم على ما افاد سيدنا الاعظم آية اللّه العظمى البروجردي قدّس سرّه في بعض بياناته.

و أمّا ما قيل من حصول الغرض و هو زوال النجاسة بالغسل مرّة ففيه انه بعد التصريح في رواية عمار على اعتبار الغسل ثلاث مرّات نفهم عدم الاكتفاء في التطهير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 273

بالاقل من ذلك فلا بدّ من الغسل ثلاث مرّات كما في الرواية.

فرع هل يختص الغسل ثلاث مرّات في الإناء المتنجس بخصوص ما يغسل بالماء القليل

او يعمّ الحكم غيره كالجاري و الكرّ و غيرهما.

اعلم ان النسبة بين رواية عمار و بين ما دل على كفاية المرّة في المتنجس بالبول في الماء الجاري العموم و الخصوص من وجه لان رواية عمار عام يشمل جميع المتنجسات و خاص لكونه في خصوص الاناء و

رواية محمد بن مسلم الدالة على المرّة في الجاري خاص لانها في خصوص البول و عام لانها تشمل الاناء و غير الاناء لكن شمول رواية محمد بن مسلم لمورد الاجتماع و هو في الاناء المتنجس بالبول تكون اظهر فيؤخذ بها و تكون النتيجة عدم وجوب الغسل في الاناء ثلاث مرات في الماء الجاري في المتنجس بالبول و هكذا نقول في ماء المطر و الحمام و البئر و الكر لما قدمنا من كونها بمنزلة الجاري فلا يجب التعدد في الاناء المتنجس بالبول اذا غسل فيها و هل نقول بذلك في الاناء المتنجس بسائر النجاسات اذا غسل في غير الماء القليل من باب كون ساير النجاسات اولى بالحكم بعدم التعدد من البول.

او نقول بان رواية عمار مطلق و القدر المتيقن من تقييدها في المتنجس بالبول في الجاري و اخواته و أمّا في المتنجس بغير البول فيوخذ بإطلاقها و تكون النتيجة وجوب الغسل على هذا ثلاث مرات في الاناء المتنجس بغير البول حتى في الماء الجاري أو لا وجهان.

و حيث ان رواية عمار الدالّة على الغسل ثلاث مرات في الاناء باعتبار التعبير الواقع فيها من صب الماء في الاناء مناسب مع كون الماء قليلا يكون اطلاقها مجملا فلا يشمل غير القليل و ان كان الاحوط ثلاث مرات في غير الماء القليل أيضا في خصوص الاناء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 274

ثم لا بأس بذكر المستند للقول الثالث و هو وجوب الغسل مرّتان و هو استصحاب النجاسة قبل الغسل مرّتين و البراءة بالنسبة الى الزائد و أنّ الدليل دل على وجوب الغسل مرّتين في المتنجس بالبول و لا فرق بينه و بين ساير النجاسات.

و فيه انه

لو لم تكن رواية عمار المتقدمة ذكرها لقلنا بكفاية المرة في كل متنجس بنجاسة غير البول و الولوغ كما قلنا في المتنجس بسائر النجاسات و نقول في خصوص المتنجس بالبول بالغسل مرّتين في القليل و بيّنا الحكم في غير القليل و لا وجه للتعدي من البول الى غيره من النجاسات و نقول إن شاء اللّه في ولوغ الكلب و الخنزير ما حكمهما و على كلّ حال ما ورد من الغسل مرّتين يكون في خصوص البول و لا وجه للتعدي الى غيره.

و أمّا استصحاب النجاسة الذي جعل دليلا على وجوب الغسل مرّتين.

فنقول بانه أن وصلت النوبة بالاستصحاب و كان جاريا فكما يجري بعد الغسل مرّة و يقال بوجوب مرة اخرى كذلك يجري بعد الغسل مرّتين و تكون نتيجة جريانه الغسل ثلاث مرّات فلو تمّ جريان الاستصحاب يكون مقتضاه الغسل ثلاث مرّات.

لكن بعد فرض دلالة رواية عمار على وجوب الغسل ثلاث مرّات لا تصل النوبة بالاستصحاب لانه مع وجود الامارة لا تصل النوبة بالاصل.

الأمر الثاني: في المتنجس بولوغ الكلب و الكلام فيه يقع في جهات:
الجهة الاولى: في انه هل يكون حكم خاص لولوغ الكلب أو لا

اعلم انه لا اشكال في ذلك أى ثبوت حكم خاص له نصا و فتوى.

و انّما الكلام في بعض الخصوصيات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 275

فنقول ما يرى في كلمات فقهائنا رضوان اللّه عليهم وجود الخلاف في حكمه.

الاوّل: ما حكى عن ابن جنيد من انه قال يغسل المتنجس بولوغ الكلب سبع مرّات اولهنّ بالتراب.

الثاني: غسله ثلاث مرّات إحداها مع التراب مع الاختلاف في ان التعفير بالتراب يكون في أوّل الغسل او في الثاني او يكون الحكم التّخيير كما هو احد الاحتمالين في المحكي عن الانتصار و الخلاف لعدم تعرض في كلامهما و كونهما ساكتين من حيث كون الغسل مع التراب في

المرة الاولى او في الوسط او في الاخير و ان كان سكوتهما عن التكلّم من هذا الحيث لا يستفاد انهما قائلان بالتخيير او كان نظرهما الى ما هو المشهور من كون المرة الاولى التعفير بالتراب و على كل حال يكون الغسل في المرد الاولى بالتراب بمعنى ان المعتبر الغسل ثلاث مرّات مع كون اوله بالتراب هو المشهور.

الثالث: الغسل مرة بعد التعفير بالتراب و هو المحكي عن صاحب المدارك تبعا لشيخه المقدس الاردبيلي قدس سرهما هذا حال المسألة من حيث الفتوى و أمّا من حيث النص فما يمكن ان يستدل عليه ما رواها الفضل عن العباس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء فاغسله بالتراب أول مرّة ثم بالماء «1» و نقل هذه الرواية المحقق قدّس سرّه في المعتبر و زاد بعد قوله «بالماء» كلمة «المرتين» و على هذا تكون ذيل الرواية هكذا «و اغسله بالتراب أوّل مرة ثم الماء مرّتين» و نقل قبل المعتبر بعض آخر من الفقهاء هذه الزيادة في الرواية.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الاستاذ من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 276

و المراجع بالكتب الاخبار يرى عدم وجود هذه الزيادة لكن المحقق رواها مع هذه الزيادة و كذا بعض الآخر.

فمنشأ القول بالغسل ثلاث مرّات اوّلها التراب ثم بالماء مرّتان يمكن ان يكون هذه الرواية بنقل المعتبر مع قطع النظر عن الشهرة.

و يكون منشأ

الاكتفاء بالغسل مرة بعد التعفير بالتراب أيضا هذه الرواية بناء على عدم كون «مرتين» جزء هذه الرواية.

و يكون منشأ الفتوى بسبع مرّات هو بعض ما ورد في طريق العامة الدال على ذلك و خصوص الرواية التي رواها عمار عن الصادق عليه السّلام في الإناء الذي يشرب فيه النّبيذ قال تغسله سبع مرّات و كذلك الكلب «1» و فيه أمّا ما ورد من طريق العامة فلم يكن فيه مقتضي الحجية.

و أمّا ما ورد من طريقنا فحيث يكون مما أعرض عنه اصحابنا لا يمكن التعويل عليه مضافا الى ان رواية الفضل ان كانت مشتملة على الزيادة المحكية عن المحقق رحمه اللّه في المعتبر اعني كلمة «مرّتين» الدالة على كفاية المرّتين لا بدّ من حمل «سبع مرّات» في رواية عمار على الاستحباب بمقتضى الجمع العرفي.

اذا عرفت بطلان القول الاول يقع الكلام في انه هل الصحيح هو القول الثاني كما عليه الشهرة و يدلّ عليه رواية الفضل المتقدمة ذكرها بنقل المحقق عليه الرحمة او الحق هو القول الثالث. و المنشأ هو كون رواية الفضل هل كانت مع زيادة «مرتين» او لا فان عوّلنا على نقل المحقق لانه كيف يمكن القول بعدم صحة ما اخرجه المحقق مع عظم اطلاعه و وثاقته و عنايته بجميع الخصوصيات.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 277

و خصوصا مع كون بعض الاصول موجودا عنده لم يصل إلينا الا الكتب الاربعة المعروفة و خصوصا مع انه لو فرض الشّك في الزيادة و النقيصة في الرواية الاصل العقلائى يقتضي عدم الزيادة لان الزيادة محتاجة الى مئونة زائدة بخلاف النقيصة فالاصل مساعد مع ما نقله

المحقق رحمه اللّه.

و خصوصا مع كون الرواية موافقا لما هو المشهور قبل المحقق بكيفية نقلها المحقق هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه قول المشهور و في الرواية بنقل المحقق فان حصل الاطمينان بما أفتى به المشهور و خصوص رواية الفضل بنقل المحقق فيقال بالغسل مرتين بعد التعفير و الا يقال بكفاية وجوب الغسل مرة بالتراب و مرة بعده بالماء.

و لكن مع هذا الاحوط بل الاقوى التعفير ثم الغسل بالماء مرّتان كما هو المشهور و للرواية بنقل المحقق رحمه اللّه.

الجهة الثانية: فيما هو المراد من ولوغ الكلب

و هو على ما نقل عن الصحاح شرب الكلب من الاناء الذي فيه الماء او غيره بطرف لسانه و عن القاموس ادخال لسانه في الاناء و تحريكه و هذا هو المقدار المسلّم من مورد الحكم.

و أمّا لطعه الاناء بشربه فداخل في مورد الحكم أيضا لان المذكور في الرواية «فضل الكلب» و يصدق على ما بقى في الإناء انه فضل الكلب.

و أمّا مجرد وقوع لعاب الكلب في الماء بدون مباشرة لسانه و فمه فلا يصدق عليه انه ولوغ الكلب و فضل الكلب اذا المراد من الفضل هو الزيادة عما أكله او شربه الحيوان ألا أن يقال بوجود دليل آخر غير «الفضل» و هو غير معلوم.

و كذلك مباشرة الكلب الاناء بسائر اعضائه نعم الاحوط اسراء الحكم في كل الصور.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 278

و هل يكون هذا الحكم الثابت لولوغ الكلب مختصا بما اذا ولغ الكلب في خصوص الماء او يعمّ الحكم لصورة ولوغه لكل من المائعات كالمضاف و غيره كما عن الصحاح المتقدم كلامه في معنى الولوغ و منشأ الاشكال هو ان المذكور في الرواية و هو قوله عليه السّلام «لا

تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء» و الوضوء لا يمكن الا بالماء و هذا قرينة على كون الحكم مخصوصا بما كان الفضل الماء.

فهل نقول بذلك او نقول بانه لا فرق بين الماء و غيره من المائعات و الانصاف انه لو فرض عدم دلالة الرواية بمنطوقه اللفظى على ثبوت الحكم في ساير المائعات و لكن لا اشكال في دخولها للقطع بوجود الملاك.

الجهة الثالثة: اعلم أن المستفاد من الرواية وجوب الغسل بالتراب في ولوغ الكلب

فيقع الكلام في كيفية الغسل بالتراب ففيها احتمالات و على طبقها اقوال.

الاحتمال الاول: كون التعفير بالتراب بدون ادخال شي ء من الماء فيه.

الثاني: ادخال الماء فيه بنحو لا يخرج التراب عن ترابيّته بحيث مع ادخال الماء يصدق غسل التراب به.

الثالث: ان يمزج الماء بالتراب بحيث يقال غسل المحل بالتراب و الماء و يصدق الغسل بهما و يخرج الماء عن الاطلاق.

الرابع: ان يدخل الماء في التراب بمقدار لا يخرج الماء عن اطلاقه مثل الغسل بالسدد و الكافور في غسل الميت.

و منشأ الخلاف هو ان اللّازم في قوله عليه السّلام في الرواية المتمسكة بها في المسألة «اغسله بالتراب اوّل مرّة» بعد عدم امكان حفظ ظهور الغسل حفظ كون التعفير بالتراب معا فلا بد من ان يكون التراب بمقدار من الكثرة يصدق عليه وقوع الغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 279

بالتراب و كذا لا بدّ من كون الماء بمقدار من الكثرة حتى بصدق الغسل فلا يمكن حفظهما معا فلا بد أمّا رفع اليد عن ظهور الغسل و أمّا من رفع إليه عن ظهور التراب.

فأن قدّمنا ظهور الاول لا بدّ من ان يكون التراب قليلا و الماء كثيرا بحيث يصدق الغسل بالماء بل يلزم ان يكون التراب بمقدار من القلة حتى لا يخرج الماء عن

اطلاقه و عن كونه ماء و ان قدّمنا ظهور التراب فلا بدّ من ان يكون التعفير بالتراب الخالص او بالتراب مع ادخال قليل من الماء فيه بحيث لا يخرج التراب عن الترابية.

فيكون المورد من صغريات النزاع المعروف من انه اذا دار الامر بين حفظ ظهور الفعل و بين حفظ ظهور المتعلق يكون التقديم لاى من الظهورين قد يقال بانه بعد عدم وجود ضابط كلى للاخذ بظهور الفعل و تقديمه على ظهور المتعلق او عكس ذلك فيكون اللّازم ملاحظة كل مورد من موارد هذا التعارض فربما يكون الفعل أظهر من حيث دخله من المتعلق و ربّما يكون المتعلق اظهر من حيث دخله دخل على الفعل فيقال في مورد الكلام في المقام بعد دوران الامر بين حفظ ظهور الفعل و هو «اغسل» و بين حفظ ظهور المتعلق و هو «التراب» يكون المقدم حفظ ظهور الفعل اعنى الغسل لان الظاهر المتبادر من الغسل هو ازالة الوسخ الموجود في المحل بالماء و يكون حمل الغسل على مجرد مسح شي ء بالمحل او دلكه بدون ماء يكون مجازا و يكون حمل التراب على الممزوج و ان كان مجازا لكن الاول مجاز غير شايع و الثاني مجاز شايع كما يقال اغسل الرأس بالخطمى او بالسدر او بالحناء او الصابون فيراد في غسل كل منها مزج هذه الاشياء بالماء و غسل الرأس بالماء المخلوط بها.

و هذا النحو من الاطلاق و الاستعمال اطلاق و استعمال شايع و ان كان مجازيا و مع الدوران بين الاخذ بأحد من المجازين اعني بين الاخذ بالمجاز الشائع و بين الأخذ بالمجاز الغير الشائع يكون المناسب الأخذ بالمجاز الشائع فيجب الأخذ بظهور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3،

ص: 280

الغسل فيجب في الغسل بالتراب مزج التراب بالماء.

و قد يقال بان الأظهر في المقام حفظ ظهور التراب و رفع اليد عن ظهور الغسل في قوله في الرواية «اغسله» لان التصرف في قوله اغسله لا بدّ منه على كل حال سواء تصرف فيه او تصرف في قوله «بالتراب حيث انه لو اخذ بظهور «اغسل» تكون النتيجة الغسل بالماء و التراب فقد عرفت في الغسل انه عبارة عن ازالة الوسخ بالماء الا ان يقال بكفاية صرف الوجود من التراب في الماء بحيث لا يصير سببا لخروج الماء عن اطلاق، نظير الغسل بالسدر في غسل الميت او الكافور «و هو مما لا يلتزم به احد و لا يصدق الغسل بالماء و التراب بل المعتبر امتزاج الماء بالتراب من تعبير ادخال الماء في التراب و صيرورة التراب مخلوطا بالماء مضافا الى ان في الغسل بالماء بعد الغسل بالتراب لا يضر ادخال شي ء فيه من التراب او غيره لو لم يخرج الماء عن الاطلاق و من الواضح ان الغسل بالتراب غير الغسل بالماء فيعتبر فيه دخل مقدار من التراب في الماء بحيث يمتزج و يختلط بالماء بحيث يصدق الغسل بالتراب و أن قلت أنه يعتبر دخل مقدار من تراب و يقال به الغسل بالماء و التراب و هذا المقدار يخرج الماء عن الاطلاق فقد تصرفت في الفعل أعني قوله «اغسل» و تصرفت في المتعلق اعني التراب لان الظاهر من قوله اغسل» هو الغسل بالماء و ظاهر التراب كون الغسل بالتراب المحض فيدور الامر بين الاخذ بظهور الفعل و هو أغسل» و تكون النتيجة كون المراد من الغسل بالتراب مع الماء و بين التصرف في الفعل اعني أغسل و

المتعلق اعني التراب كليهما فتكون النتيجة أيضا الغسل بالتراب لا المسح بالتراب و في الثاني يعتبر وجود مقدار من الماء يوجب كون التراب ممزوجا و مخلوطا بالماء بحيث يقال انه غسل بالماء و بالتراب فاذا دار الامر بين التصرفين فالتصرف الاول اهون.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 281

و لعله هذا هو مراد المشهور من عدم اعتبار امتزاج التراب بالماء.

فتلخص انه من القريب الالتزام بكون الغسل بالتراب مع مزج شي ء من الماء فيه بمقدار يصدق جريان التراب كالمائعات لا ازيد من ذلك. هذا كله بناء على استظهار احد من الاحتمالات من الرواية.

و لو لم يمكن ذلك بل الرواية صارت مجملة من هذا الحيث فنقول بعد العلم بالتكليف و كون الشّك في المكلّف به لانه لا ندرى ما هو المكلف به و يدور امره بين المتباينين فلا بد لنا من الاحتياط ففي مقام الاحتياط هل يكفي ما في المتن في الآنية التي تنجّست بالولوغ من ان يطرح فيها التراب من غير ماء و يمسح به ثم يجعل فيها شي ء من الماء و يمسح به او لا يكفي ذلك.

اقول بعد كون المحتمل وجوب غسلها بالتراب بدون ادخال شي ء و وجوب الغسل بالتراب بحيث يصدق الغسل بكل من التراب، و الماء و لازمه خروج الماء عن الاطلاق.

و وجوب غسله بالماء مع شي ء من التراب مثل الامر بالغسل بالماء مع شي ء من السدر بحيث لا يخرج الماء عن الاطلاق كما هو مقتضى ظهور الغسل.

و على الفرض لا ندرى ان المولى أراد ايّا منهما فلا بد من الاحتياط بنحو يحرز معه حفظ الواقع و على النحو الذي قال المؤلف رحمه اللّه لا يحرز الامتثال الذي تحقق من امر

المولى لانه بالمسح بالتراب أو لا يحرز الاحتمال الاول و بجعل شي ء من الماء و المسح يحرز الاحتمال الثاني و يبقى احتمال الثالث و لهذا نقول من اراد غاية الاحتياط بعد اتيان ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من طرح التراب من غير ماء و المسح ثم ادخال شي ء من الماء فيه و المسح ثم إفراغ التراب الممتزج بالماء من الآنية و ادخال الماء فيه و ادخال شي ء من التراب بمقدار لا يخرج الماء عن الاطلاق و بهذا يحرز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 282

الواقع و الأحوط ان يفعل ذلك و ان كان لا يبعد كفاية ما قلنا من ادخال التراب و ادخال شي ء من الماء فيه يصير طبعا بمقدار يصدق الغسل بالتراب و المسح به.

الجهة الرابعة: الاقوى اعتبار خصوص التراب في مقام غسل ولوغ الكلب

فلا يكتفي بغير التراب كالرماد و الأشنان و غيرهما لان التصريح في النص بالتراب يقتضي ذلك.

و ما قيل من كفاية غير التراب حتى في حال الاختيار بدعوى ان الغرض قلع الخبث عن المحل فكما يحصل بالتراب يحصل بغيره حتى ان بعض الاشياء كالسدر و الاشنان يكون اولى من التراب في ازالة الخبث.

ففيه ان المنصوص هو التراب و التعدي منه الى غيره محتاج الى فهم الملاك بالعلم و وجود هذا الملاك و المناط في غيره غير معلوم.

الجهة الخامسة: هل يكتفي في مقام التعفير بالرمل كما يكتفي بالتراب او لا

يكتفي به.

اعلم أنّه قد يقال بأن الرمل يكون ترابا عرفا و ما ورد في قوله عدد الرمل و الحصي و التراب من جعل التراب و الرمل و الحصي كل منهم مستقلا لا يدل على كون الرمل و الحصي قسيمين للتراب لإمكان كون قوله التراب بعدهما من باب ذكر العام بعد الخاص و لا يبعد كفايته بناء على كونه من افراد التراب.

***

[مسئلة 6: يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرّات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرّات و كذا في موت الجرد، و هو الكبير من الفارة البرية و الأحوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 283

في الخنزير التّعفير قبل السبع أيضا و الاقوى عدم وجوبه.

(1)

اقول: أمّا وجوب غسل سبع مرّات في ولوغ الخنزير فلما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال سألته عن الرحل يصيب، ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به قال ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما اصاب من ثوبه الا ان يكون فيه اثر فيغسله قال و سألته عن خنزير يشرب، من اناء كيف يصنع قال يغسل سبع مرّات «1» و هذه الروايات تقيد اطلاق ما دل من الروايات على كفاية غسل النجاسات باقلّ من ذلك كما عرفت في محله.

و هل يجب التّعفير في ولوغ الخنزير كما نسب الى الشيخ رحمه اللّه في بعض كتبه و غيره بدعوى كون الخنزير هو الكلب لغة و انه مثل الكلب في جميع الاحكام و انه انجس من ساير النجاسات او لا يجب التعفير.

الاقوى الثاني لعدم تماميّة ما استدل به على وجوب التعفير فيه لعدم كون الخنزير لغة

هو الكلب و لو فرض اطلاقه عليه في مورد لا يدل على كونه الكلب لغة و عدم دليل على كونه مثل الكلب في جميع الاحكام بل هذا مصادرة و كونه انجس من ساير النجاسات لا يوجب كون جميع احكام كل النجاسات له فلا وجه لوجوب التعفير و ان كان الاحتياط حسن و أمّا الكلام في الجرذ و هو على ما قاله المؤلف رحمه اللّه الكبير من الفأرة البريّة و مدرك وجوب الغسل في المتنجس به سبع مرّات.

هو ما رواها عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الكوز و الاناء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 284

يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل قال يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه ثم يصبّ فيه ماء آخر فيه فيحرّك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر «الى ان قال» اغسل الاناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرّات «1» و هو و ان كان فطحيا لكن وثقه ارباب الرجال.

و الاشكال في الرواية ببعض الاستبعادات مثل استبعاد وجوب غسل سبع مرّات للجرذ مما لا يعتني به.

و هل الحكم مختص بما اذا مات الفأرة في الإناء او يعم الحكم لصورة مات فى خارج الماء ثم أوقعه في الماء لا يبعد الشمول بل يمكن دعوى كون ظاهر الرواية هذا.

***

[مسئلة 7: يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعا و الاقوى كونها كسائر الظروف في كفاية الثلاث.

(1)

اقول هذا مقتضى الجمع بين ما يدلّ على الغسل سبع مرّات

و هو الرواية التي رواها عمار عن الصادق عليه السّلام في الإناء يشرب فيه النبيذ فقال عليه السّلام يغسله سبع مرّات و كذلك الكلب «2» بدعوى دلالتها على غسل سبع مرّات في النبيذ و المراد به أمّا المسكر فاذا يشمل الخمر لانه مسكر أو انه بعد ما وجب في النبيذ نقول في الخمر أيضا لان الملاك في وجوب الغسل سبع مرّات في النبيذ سكره و الخمر مسكر فيعمّه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 285

هذا الحكم.

و بين ما يدل على وجوب مجرد الغسل او ثلاث مرّات و هي ما رواها عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الدّن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خلّ او ماء كامخ او زيتون قال اذا غسل فلا بأس و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمرا يصلح ان يكون فيه ماء قال اذا غسل فلا بأس و قال في قدح أو أناء يشرب فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرّات و سئل أ يجزيه ان يصب فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرّات «1».

فيحمل الرواية الاولى بعد فرض صحة سندها و دلالتها على الاستحباب بقرينة الرواية الثانية التي رواها عمار أيضا فتكون النتيجة وجوب غسل ثلاث مرّات و استحباب سبع مرّات و وجوب غسل ثلاث مرّات مبنى على حمل قوله عليه السّلام في الرواية الثانية في فقرتها الاولى و الثانية «اذا غسل» على انه لم يكن فيها الا في مقام بيان وجوب الغسل

و بعد ذلك عيّن مقدار الغسل و قال «ثلاث مرات» و يستفاد من الرواية الثانية وجوب الدّلك ثم غسله.

***

[مسئلة 8: التراب الذي يعفّر به يجب ان يكون طاهرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: التراب الذي يعفّر به يجب ان يكون طاهرا قبل الاستعمال.

(1)

اقول: قد يقال بعدم اعتبار طهارة التراب قبل الاستعمال لاطلاق الدليل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 286

و صدق التراب على التراب النجس.

و لكن الاقوى اعتباره و هذا لاقتضاء مناسبة الحكم و الموضوع و ذلك لان وضع التراب و دلكه بالمحل يكون لاجل ازالة النجاسة و رفع القذارة الحاصلة من ولوغ الكلب في الاناء و هذا يقتضي عدم وجود القذارة في المطهر و كونه طاهرا قبل الوصول بالمحل المتنجس كما عرفت اشتراط طهارة الماء قبل الوصول بالمتنجس و قبل الاستعمال كما يقال ان فاقد الشي ء لا يكون معطى الشي ء.

***

[مسئلة 9: اذا كان الاناء ضيّقا لا يمكن مسحه بالتّراب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا كان الاناء ضيّقا لا يمكن مسحه بالتّراب فالظاهر كفاية جعل التراب فيه و تحريكه الى ان يصل الى جميع اطرافه و أما إذا كان مما لا يمكن فيه ذلك فالظاهر بقائه على النجاسة ابدا الّا عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير.

(1)

اقول: فيما يكون رأس الاناء ضيّقا لا يمكن مسحه بالتراب فتارة يمكن وضع التراب فيه و ادارته في الاناء بحيث يحصل به الغسل بالتراب كما يحصل بمسح التراب في اطراف المحل المتنجس فلا يبعد كفايته لان مقتضى الدليل هو الغسل بالتراب و لا خصوصية لكون ذلك بمسح التراب باليد في اطراف الاناء بل حصل ذلك بإلقاء التراب فيه و ادارته في الاناء بتحريك الإناء بحيث تحقق بالإدارة ما تحقق بالمسح من ازالة وسخ الولوغ بهذا النحو.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 287

و تارة لا يتحقق بمجرد وضع التراب و

الماء في الاناء و ادارته ما يتحقق بالمسح باليد.

فهل نقول بان الإناء في هذه الصورة لا يطهر اصلا لعدم امكان وصول المطهّر به و هو التعفير بالتراب فهو باق على نجاسته و لا يطهر.

او نقول بكفاية غسله بالنحو المذكور و يطهر بهذه الكيفية الإناء المتلوث بالولوغ.

او نقول ببدلية الماء عن التراب في هذه الصورة اقوال.

الوجه الاوّل: واضح و هو ان المفروض نجاسة الإناء بالولوغ و مطهّره غسل الإناء بالتراب و الماء و مسح الإناء بالتراب غير ممكن على الفرض فيبقى نجاسة الماء.

الوجه الثاني: التمسك بقاعدة الميسور بدعوى ان ما قيل ميسور الحكم الاول مع ان الحكم الاول حرجى فهو مرفوع.

و فيه أمّا قاعدة الميسور فهي في الاحكام التكليفية و ان ميسورها لا يسقط بمعسورها و أمّا دليل نفي الحرج يقتضي أولا نفي التكليف بمعني جواز الارتكاب و لا يقتضي طهارة النجس و ثانيا لا بدّ من الاقتصار بما فيه الحرج خاصة لا مطلقا.

اما وجه القول الثالث التمسك بقاعدة الميسور و ان الماء اولى في ازالة الوسخ من المسح بالتراب ففيه ان قاعدة الميسور فقد عرفت في رد التمسك به على القول الثاني انها غير مربوطة بالمقام و أمّا كون الماء اولى من ساير الاشياء لازالة النجاسة ففيه أن هذا من قبيل الاجتهاد في مقابل النص لان الشارع جعل المسح بالتراب مطهرا.

فالاقوى بعد عدم امكان التعفير و الغسل بالتراب هو انّ الغسل بالماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 288

و ادارته في الاناء لا يكفي لغسله فلا يطهر الاناء و باق على نجاسته.

***

[مسئلة 10: لا يجرى حكم التعفير في غير الظروف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا يجرى حكم التعفير في غير الظروف ممّا تنجّس بالكلب و لو بماء ولوغه او بلطعه

نعم لا فرق بين اقسام الظروف في وجوب التعفير حتى في مثل الدّلو، لو شرب الكلب منه بل و القربة و المطهرة و ما اشبه ذلك.

(1)

اقول: الكلام تارة يقع في غير ما يكون له حيث الظرفية مثل ما وقع ولوغ الكلب او لطعه على نطع او على كف شخص فيه الماء ففيه وجهان من جهة ان مورد النص هو فضل الكلب فيشمل مثل الموردين أيضا و من جهة ان مورد الفتوى هو الاناء الذي فيه ولوغ الكلب و لا يشمل هذه الصورة و الاحوط الاوّل لو لم يكن الاقوى اذا صدق على ما بقي في النطع او الكف فضل الكلب.

و تارة تكون فيما ولغ فيه الكلب او لطعه حيث الظّرفية فلا يبعد شمول الحكم له حتى في الحوض الصغير الذي لم يبلغ حد الكريّة او القربة و امثالهما لصدق فضل الكلب على ما فيها بعد ولوغه او لطعه.

***

[مسئلة 11: لا يتكرّر التّعفير بتكرّر الولوغ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يتكرّر التّعفير بتكرّر الولوغ من كلب واحد او ازيد بل يكفى التعفير مرّة واحدة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 289

(1)

اقول: أمّا بناء على القول بتداخل الاسباب او المسببات او كليهما فلا اشكال في كفاية المرّة لانه أمّا تتداخل الاسباب المتعددة مع الاجتماع فلا يقتضي اجتماعها الا مسببا واحدا او تتداخل المسببات فيكفي مسبب واحد لكل من الاسباب او نقول بتداخل كل من الاسباب و المسببات فأيضا لا يقتضي تعدد الاسباب الا مسببا واحدا.

و أمّا بناء على القول بعدم تداخل الاسباب و المسببات فما نقول ظاهر الكلمات أطباقها على عدم وجوب التعفير أزيد من مرة بل ادعى ان ذلك متّفق عليه عند المسلمين إلا شاذ من العامة فالدليل على الاكتفاء،

أوّلا الاجماع. و ثانيا ان قوله عليه السّلام في رواية الفضل المتمسكة بها على حكم الولوغ انه «لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب اوّل مرة الى آخر» يدل على عدم جواز الوضوء بمطلق فضل الكلب و المراد من الكلب هو الخبس و المراد من فضله هو جنس الفضل فيدلّ على انه لا تتوضأ بجنس الفضل من جنس الكلب و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب اوّل مرة فاذا ولغ في الاناء جنس الكلب فلا يجب في جنس فضله الا الغسل بالتراب مرة ثم بالماء هذا غاية ما يمكن ان يقال في الوجه الثاني و العمدة الاجماع على عدم وجوب تعدّد التعفير اذا ولغ كلب مرّات في اناء او كلاب و لغوا في اناء.

***

[مسئلة 12: يجب تقديم التّعفير على الغسلتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: يجب تقديم التّعفير على الغسلتين فلو عكس لم يطهر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 290

(1)

اقول و هذا لدالة النّص الوارد في المسألة على الترتيب و قد ذكرناه في المسألة 5 فراجع.

***

[مسئلة 13: اذا غسل الاناء بالماء الكثير]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا غسل الاناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث بل يكفي مرّة واحدة حتى في اناء الولوغ نعم الاحوط عدم سقوط التّعفير فيه بل لا يخلو عن قوّة و الاحوط التثليث في الكثير.

(2)

اقول: الكلام في المسألة يقع في موارد:

المورد الاوّل: في انه هل يجب في غسل الاناء في الماء الكثير في غير المتنجس بولوغ الكلب و الخنزير و الجرذ، ثلاث مرّات

او يكفى الغسل مرة واحده.

منشأ القول بوجوب الغسل ثلاث مرّات اطلاق رواية عمّار المتقدمة ذكرها المروية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل قال يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه فقد طهر».

و منشأ القول بكفاية المرّة أولا بعض الروايات الوارد في التطهير من الامر بالغسل و اطلاقه يقتضي الاكتفاء بالمرة لحصول الغسل به.

و ثانيا انصراف رواية عمار عن الماء المعتصم مثل الجاري و الكر و المطر لان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 291

الماء المتعارف حين صدور الرواية هو الماء القليل و الغسل به و قلة المياه الآخر فالاطلاق منزّل عليه.

خصوصا مع ما في هذه الرواية كما ترى من التعبير بصب الماء في الأنا و هو لا يناسب الا مع الماء القليل.

و ثالثا مرسلة «1» مروية في المختلف قال ذكر بعض علماء الشيعة «مراده على ما قيل هو ابن ابي عقيل» انه كان بالمدينة رجل يدخل على ابي جعفر محمد بن على عليه السّلام و كان في طريقه ماء فيه العذرة و الجيف و كان يأمر الغلام ان يحمل كوزا من ماء يغسل به رجله اذا اصابه فابصره يوما ابو

جعفر عليه السّلام فقال عليه السّلام هذا لا يصيب شيئا الا طهّره».

اقول أمّا الوجه الاول و هو الاطلاقات الوادة في الغسل عن النجاسات فتقيد برواية عمّار الساباطي المتقدمة ذكرها أمّا الوجه الثاني و هو دعوى انصراف رواية عمار عن غير الماء القليل او دعوى ان اطلاقها منزل على المتعارف اعني الماء القليل فالانصراف بدوي ليس منشأ الاعتبار لان منشأه ليس الا ندرة الوجود و هذا لا يوجب عدم حجية الاطلاق في اطلاقه و عدم شموله لغير الماء القليل و حمل المطلق على المتعارف ممنوع لعدم معلومية تعارف خصوص القليل و الشاهد على ذلك ورود بعض الاخبار في حكم الجاري و الكثير و البئر و المطر و أمّا الوجه الثالث ففيه ان الرواية ضعيفة السند أولا و لا بدّ من تقييدها برواية عمّار المتقدمة ذكرها على فرض حجيّتها ثانيا.

نعم التعبير بالصّب في رواية عمار في قوله عليه السّلام في كيفية تطهير الاناء يصب فيه الماء مناسب مع كون الماء هو الماء القليل و لا يناسب مع الماء الكثير.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 1، ص 15 فى ضمن المسألة 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 292

مضافا الى ما بيّنا في طي المسألة 5 من ان نسبة رواية عمار المتقدمة الواردة في الاناء مع الرواية محمد بن مسلم الواردة في كيفية غسل المتنجس بالبول من انه «اغسله في المركن مرتين و ان كان ماء جار فمرة واحدة» الدالة على كفاية المرة في المتنجس بالبول في الجاري تكون عموما من وجه لان الاولى اعم من حيث شمولها للمتنجس بمطلق النجاسات و اخص من حيث شمولها لخصوص الاواني و رواية محمد بن مسلم اعم لشمولها لمطلق المتنجّسات اناء

كان المتنجّس او غير الاناء و اخص لاختصاصها بالبول فقط و تتعارضان في مورد اجتماعها و هو ما كان الاناء متنجسا بالبول لان مقتضي رواية عمار الغسل ثلث مرّات و مقتضي رواية محمد بن مسلم الغسل مرة و حيث يكون رواية محمد اظهر في مادة الاجتماع من رواية عمار فتكون النتيجة هو الاخذ بالاظهر و لازمه هو كفاية المرة في الاناء المتنجس بالبول في الجاري ثم بعد كون الكر بمنزلة الجاري لما استفدنا من اخبار الواردة في ماء الحمام و لهذا قلنا بعدم وجوب التعدد في الكر حتى في المتنجس بالبول فنقول انه بمنزلة الجاري فلا يعتبر التعدد في الاناء المتنجس بالبول في الكثير هذا بالنسبة الى الاناء المتنجس بالبول في الكثير و ان الاقوى عدم اعتبار التثليث فيه و في غير المتنجس بالبول يمكن القول أيضا بعدم اعتبار التثليث من باب ان المتنجس بالبول ان لم يجب فيه التعدد في الجاري و الكثير فيكون المتنجس بغير البول اولى لانه يعلم من اعتبار التعدد في المتنجس بالبول كون قذارته اشدّ من ساير النجاسات «غير ولوغ الكلب و الخنزير و موت الجرذ» فاذا لم يجب التعدد فيه لم يجب في المتنجس بغيره بطريق اولى و لكن يمكن ان يقال بأنا لا نفهم ذلك و مقتضي اطلاق رواية عمار المتقدمة وجوب الغسل ثلاث مرّات في الاناء حتى في الكثير خرج منه خصوص المتنجس بالبول و لكن يكفي في عدم وجوب التعدد في الكثير في الاناء عدم اطلاق لرواية عمار لما قلنا من ان التعبير بالصب يناسب مع كون الماء قليلا فعلى هذا الاقوى في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 293

الاناء المتنجس بغير الولوغ

و موت الجرذ الاكتفاء بغسلة واحدة في الكثير و ان كان الاحوط التثليث فافهم.

المورد الثاني: هل يجب التعدد في ولوغ الكلب في الكثير أم لا؟

قد يقال بعدم الوجوب لان رواية الفضل الواردة في ولوغ الكلب و ان كان مطلقا الا ان قوله عليه السّلام في رواية المروية عن المختلف «ان هذا لا يصيب شيئا الا طهّره» يكون عاما و مع الدوران بين العام و المطلق يؤخذ بالعام و فيه ان هذا بنحو الكلية ممنوع بل الميزان هو الاظهرية فكل منهما يكون اظهر من الآخر يؤخذ به مضافا الى كون الرواية مرسلة فالاقوى التعدد حتى في الكثير.

المورد الثالث: هل يجب التعفير في ولوغ الكلب اذا كان يغسل في الكثير أم لا؟

الاقوى الوجوب لاطلاق الدليل.

***

[مسئلة 14: في غسل الاناء بالماء القليل يكفي صب الماء فيه و ادارته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: في غسل الاناء بالماء القليل يكفي صب الماء فيه و ادارته الى اطرافه ثمّ صبه على الأرض ثلث مرات كما يكفي أن يملأه ماء ثمّ يفرغه ثلاث مرات.

(1)

اقول أمّا الاكتفاء بالنحو الاوّل فلظاهر رواية عمار المتقدمة التي هي مدرك المسألة لان فيها قال عليه السّلام «يغسل ثلث مرّات يصب فيه الماء فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 294

فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر». «1»

و يدل على كفاية النحو الثاني دعوى ان المتفاهم من التحريك الماء في الاناء المذكور في الرواية هو وصول الماء الى الاطراف الاناء فيستفاد من ذلك ان العبرة بوصول الماء بالاطراف سواء كان ذلك بتحريك الماء في الاناء او أملاك الاناء من الماء و افراغه عنه فيكتفي بكل منهما في مقام التطهير.

***

[مسئلة 15: اذا شك في متنجس انه من الظروف حتّى يعتبر غسله ثلاث مرات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا شك في متنجس انه من الظروف حتّى يعتبر غسله ثلاث مرات او غيره حتّى يكفي فيه المرة فالظاهر كفاية المرة.

(1)

اقول قد بيّنا في الاصول من ان الشك تارة يكون من جهة كون الشّبهة مفهومية مثل ما اذا قال المولى اكرم العلماء و قال في كلام آخر لا تكرم الفساق منهم و اشتبه الفاسق و تارة يكون لاجمال الخاص و تارة يكون لاجل دوران الامر بين الاقل و الاكثر مثلا في المثال يكون الفاسق خصوص المرتكب الكبيرة او هو و مرتكب الصغيرة و في كل من الصورتين لا اشكال في انه لا بدّ من الرجوع الى العام غاية الامر فيما كان الخاص مجملا و

كان التخصيص منفصلا لا يسرى اجماله بالعام و لا يعمل بالخاص راسا بسبب اجماله.

و فيما كان امر الخاص دائرا بين الاقل و الاكثر يرجع في الاقل المعلوم الى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 295

الخاص و في الاكثر المشكوك بالعام.

و تارة تكون الشبهة مصداقية مثلا في المثال المتقدم نشك في ان زيدا هل يكون فاسقا أولا بعد معلوميّة ما هو المراد من الفسق، ففي هذه الصورة لا اشكال عندنا في عدم جواز الرجوع لا بالخاص و لا بالعام فان كان هنا اصل منقح للموضوع فهو المرجع مثلا في المثال المتقدم اذا شك في فسق زيد اذا كانت حالته السابقة العدالة يستصحب عدالته و يحكم فيه بحكم العام.

اذا عرفت ذلك نقول ان كانت الشبهة في ان المشكوك هل يكون من الظروف او غيره من الشبهات المفهومية مثلا يكون منشأ شكه في انه هل يكون ظرفا أو لا من باب الشك في ان ما يكون موضوع الظرف و الآنية و هل يكون موضوعه بنحو يشمل هذا المشكوك أم لا فان كان موضوع الخاص و هو الآنية مجملا فلا يمكن التمسك بالخاص بل المرجع هو العام او المطلق الذي دل على كفاية المرة ان كان في البين عام او مطلقا و حيث يكون الخاص ثابتا بدليل منفصل لا يسرى اجماله بالعام فيحكم في المشكوك بحكم العام.

و هكذا اذا كان امر الخاص أمرا دائرا بين الاقل و الاكثر مع فرض كون الشبهة مفهومية فالخاص محكم في الاقل و العام محكم في الاكثر ففي ما نحن فيه ان كان منشأ الشك دوران الخاص و هو وجوب ثلاث

مرّات في الإناء دائرا بين الاقل و الاكثر مثلا نعلم شمول الإناء للقدر و أمّا غير القدر مشكوك ففي القدر يحكم بوجوب الغسل ثلاث مرّات و أمّا في غيره من الظروف الصغار نشك في كونه اناء فالخاص محكم في الاقل فيجب غسله ثلاث مرّات و في الاكثر و هو غير القدر يكون المحكم هو العام فلا يجب غسله إلا مرة واحدة.

و حيث قدّمنا، في بعض المباحث المتعرضة في الفصل ان مقتضي العموم او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 296

الاطلاق هو الغسل مرة واحدة و لسان الروايات و ان كان الامر بالغسل لكن لا يفيد الا الغسل مرة واحدة لان الامر بالطبيعة و تحصل الطبيعة بالمرة فيكفي في المتنجس بالنجاسات «غير ما استثني كولوغ الكلب او غيره مما ذكرنا» الغسل مرة واحدة و لعل نظر المؤلف رحمه اللّه لم تكن الصورة التي قدّمناها اعني الشبهة المفهومية.

و ان كانت الشبهة مصداقية و لعل نظر المؤلف رحمه اللّه في المسألة هذه الصورة فنقول بانه لا يكون العام حجة و لا الخاص في المورد كما بينا في الاصول، فان كان في صورة الشك في انه مصداق العام او الخاص اصلا منقحا لموضوع مثلا كانت الحالة السابقة المشكوك الأنائية او عكسها فيستصحب حالته السابقة و يترتب على الاستصحاب حكمه.

و ان لم يكن له حالة سابقة ففي محل الكلام يكون المحكم استصحاب النجاسة بعد غسله مرة واحدة لانه بعد العلم بنجاسة المشكوك ظرفيّته لو غسل مرة يشك في انه صار طاهرا أم لا فيستصحب نجاسة السابقة و مقتضي الاستصحاب غسله بعد ذلك مرّتين حتى يحصل العلم بطهارته و ليتأمّل في المسألة حتى يظهر لك صحة ما قال

المؤلف رحمه اللّه و عدمه.

***

[مسئلة 16: يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة على المتعارف ففي مثل البدن: و نحوها مما لا ينفذ فيه الماء يكفي صبّ الماء عليه و انفصال معظم الماء و في مثل الثياب و الفرش مما ينفذ فيه الماء لا بدّ من عصره او ما يقوم مقامه كما اذا داسه برجله او غمزه بكفه او نحو ذلك و لا يلزم انفصال تمام الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 297

و لا يلزم الفرك و الدلك الا اذا كان فيه عين النجس او المتنجس و في مثل الصابون و الطين مما ينفذ فيه الماء و لا يمكن عصره فيطهر ظاهره باجراء الماء عليه و لا يضرّه بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه و اما الغسل بالماء الكثير فلا يعتبر انفصال الغسالة و لا العصر و لا التعدد و غيره بل بمجرد غمسه بعد زوال العين يطهر و يكفي في طهارة اعماقه أن وصلت النجاسة إليها نفوذ الماء الطاهر فيه في الكثير و لا يلزم تجفيفه أوّلا نعم لو نفد فيه عين البول مثلا مع بقائه فيه يعتبر تجفيفه بمعني عدم بقاء مائيّته فيه بخلاف الماء النجس الموجود فيه فانه بالاتصال بالكثير يطهر لا حاجة فيه الى التجفيف.

(1)

اقول: في المسألة مواقع للبحث و التّكلم فيها:

الموقع الاوّل: هل يعتبر في تطهير المتنجّسات في الماء القليل انفصال الغسالة أم لا
اشارة

و على فرض، الاعتبار يقع الكلام في كيفية انفصال الغسالة فالكلام يقع في مقامين:

المقام الاوّل: في اعتبار انفصال الغسالة في مقام التطهير بالماء القليل

فنقول بعونه تعالى ان المراجع في كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم يرى انه يستدل على اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالماء القليل بوجوه:

الوجه الاوّل: هو ان الغسل لا يتحقق الا بانفصال الغسالة و بعبارة اخرى حقيقة الغسل عبارة عن اجراء الماء على المغسول و اخراج الماء عن المحل المغسول به و هذا هو الفارق بين الغسل و بين الصب لان الصب عبارة عن مجرد استيلاء الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 298

على المحل و ان لم ينفصل الماء عن المحل بخلاف الغسل فانه كما قلنا عبارة عن اجراء الماء على المحل و اخراجه عنه.

الوجه الثاني: ان تطهير المتنجس يتوقف على خروج الماء المغسول به عن المحل النجس لانه بعد فرض انفعال الماء المستعمل في الطهارة عن الخبث بسبب استعماله في تطهير النجس فلا يحصل طهارة المحل مع بقاء هذا الماء النجس فيه «و هذا الوجه مبنى على نجاسة الغسالة.

الوجه الثالث: انصراف ادلة التطهير بصورة انفصال الغسالة و أوردوها مورد التطهير و ازالة القذارة و لا يحصل ذلك عند العرف الا بانفصال الغسالة و مع كون ذلك مرتكزا عند العرف لا بدّ من تنزيل ما ورد في غسل النجاسات على هذا المرتكز عند العرف و بعبارة اخرى بعد ما امر المولى بالغسل و هو و ان كان مطلقا في حدّ ذاته و لكن بعد ما يكون المرتكز عند العرف عدم حصول الغسل الا بانفصال الغسالة و ان لم يكن دخيلا في ماهية الغسل لا بدّ من تنزيل المطلقات على ما هو مرتكز عند العرف.

و بعبارة ثالثة مقتضي

الاطلاق المقامي تنزيل المطلقات على المتفاهم عند العرف و ان تمّ ذلك يمكن ان يقال ان بعض ما ورد من الروايات المتعرض لصب الماء في بعض المتنجسات لا الغسل يحمل على الغسل المرتكز عند العرف فيراد منه الغسل المعتبر فيه اخراج الغسالة المتعارفة «و ذلك الوجه أيضا مبني على القول بنجاسة الغسالة لانه بعد كون المدرك في نظر العرف هو لزوم الاخراج القذارة الباقية في المحل فلا يتحقق الغسل مع بقاء القذارة الباقية في الماء المغسول به في المحل المتنجس و لهذا يكون المرتكز عند العرف اخراج هذا الماء الذي اتخذ القذارة عن المتنجس.

اقول يستفاد من هذه الوجوه ان اعتبار اخراج الغسالة في الغسل يكون امّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 299

من باب دخله في الغسل حقيقة و في ماهيّته.

و أمّا من باب انه يعتبر اخراج الغسالة عن المحل المتنجس صونا عن قذارة المحل و صيرورته نجسا من ناحية الغسالة الباقية في المحل و أمّا من باب ان مرتكز العرف دخل اخراج الغسالة في صدق الغسل بنظرهم و لا بدّ من حمل الاطلاقات على المتعارف.

الوجه الرابع: دعوى الاجماع على اعتبار اخراج الغسالة و هذا الاجماع يكون دليلا على فرض تحققه اذا كان الاجماع المصطلح اعني يكون منشأ اتفاقهم غير مستند الى احد من الوجوه الثلاثة و هذا غير معلوم لاحتمال كون مستندهم احد هذه الوجوه.

اذا عرفت ذلك نقول بانه يختلف حكم اخراج الغسالة باعتبار الوجوه المتقدمة.

فان كان منشأه الوجه الاوّل و هو دخل اخراج الغسالة في ماهية الغسل فلازمه اعتباره في كل من الماء القليل و الماء العاصم لان حقيقة الغسل متقومة بها و ان كان الوجه في اعتبار اخراج الغسالة

الوجه الثاني و هو كون منشأ اعتبار اخراج الغسالة هو انفعال الماء المستعمل في التطهير باستعماله فلا بد من اخراجه فعلى هذا لا بدّ من القول باعتبار اخراج الغسالة من باب نجاسة ما بقى من الماء في المحل زائدا على المقدار اللابد منه فهو مختص بالقليل لان في الماء العاصم لا ينجس الماء المستعمل في التطهير لعاصميّة الماء و عدم نجاسة بملاقاة النجاسة على ما مضى في الماء المستعمل.

و كذا على الوجه الثالث لان مقتضي اعتبار اخراج الغسالة كان حكم العرف و ليس حكمهم الا في دخل اخراج الغسالة في الغسل بالماء القليل «الا بنظر من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 300

يدعي عموم حكم العرف حتى في الماء العاصم و يأتي الكلام إن شاء اللّه في عدم تماميّته».

و أمّا على الوجه الرابع و هو دعوى الاجماع فعلى فرض تحققه و على فرض كونه اجماعا تعبديا يدور الحكم في اعتبار اخراج الغسالة من حيث ضيقه و اختصاصه بخصوص الماء القليل وسعته اعني شموله و للكثير اعني الماء العاصم يتوقف على ضيق معقد الاجماع وسعته و الظاهر عدم سعته.

و يمكن ان يكون لاعتبار اخراج الغسالة وجها آخرا و هو بعض الروايات على ما خطر ببالى القاصر و لم أر فيما تتبّعت من تمسك به و لو تمّ هذا الوجه يكون الوجه الخامس و هو الرواية المتقدمة ذكرها الّتي رواها عمار و فيها قال عليه السّلام في الكوز و الإناء «يغسل ثلاث مرّات يصب فيه الماء فيحرّك، فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه

و قد طهر» «1».

وجه الدلالة ان المستفاد من ظاهرها هو افراغ المستعمل في التطهير فهي تدل على اعتبار اخراج الغسالة.

ان قلت ان الامر بافراغ الماء يكون لحصول التعدد لا لاعتبار خروج الغسالة.

قلت أن صحّ هذا الادعاء في وجه افراغ الماء في المرّة الاولى و الثانية فلا يمكن ان يقال بذلك في المرة الثالثة.

ان قلت انه يمكن ان يكون الامر بالافراغ جاريا مجري العادة لان العادة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 301

تقتضي افراغ الغسالة.

قلت مع عدم تسلم كون الامر لجريان العادة به نقول لو سلّم ذلك يكون الامر بالافراغ أيضا دليل على وجوب انفصال الغسالة لان كون العادة على ذلك فهو يكون من باب كون المرتكز عند العرف هو بقاء القذارة مع بقاء الغسالة في المحل و هو عليه السّلام أمضى طريقتهم مضافا الى ان حمل امر الشارع على العادة بعيد في الغاية لان الشارع كلّما يصدر منه الامر و النهي بمقتضى شارعيّته يستفاد منه جعل الحكم و لا يحمل كلامه على انه يكون في مقام بيان عادة من عادات المكلفين لا في مقام جعل الحكم. فيمكن دعوى دلالة الرواية على اعتبار إخراج الغسالة بل المناسبة بين الحكم و الموضوع يقتضي ذلك.

الرواية الثانية: ما رواها الفضل ابو العباس قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان اصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسّه جافّا فأصبب عليه الماء «1» وجه الاستدلال هو الامر بالغسل اذا لاقي الكلب ثوبه مع الرطوبة و الامر بصبّ الماء اذا لاقاه جافّا فيستفاد من الرواية اعتبار ازالة الغسالة و انه يكفي في الصب مجرد امرار الماء عليه.

و

لا فرق في الاستدلال بين كون المراد من صب الماء مع جفاف الثوب ظاهر الصب و هو استيلاء الماء على المحل او كان المراد منه النّضح.

و على كل حال لا فرق من حيث الاستدلال.

و اعلم ان هذه الوجوه المستدلة بها علي اعتبار اخراج الغسالة على تقدير تماميّتها تكون وجها لاعتبار اخراج الغسالة في الماء القليل لعدم كفاية الوجه الاول

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 302

راسا و الوجه الثاني و الثالث لو تمّا يكونان ناظرين الى ان مرتكز العرف اخراج الغسالة في القليل في زمن صدور الروايات هذا كله في المقام الاول و هو اعتبار انفصال الغسالة و عدمه في الماء القليل.

و أمّا الكلام في المقام الثاني و هو الكلام فيما يتحقق به انفصال الغسالة
اشارة

فنقول بعونه تعالى أمّا فيما لا ينفذ فيه الماء كالبدن و نحوه فيكفي صب الماء على المحل و انفصال معظم الماء المغسول به عن المحل المتنجس و به بتحقق الغسل مسلّما و تنفصل الغسالة المتعارفة مضافا الى دلالة خصوص بعض الروايات عليه مثل رواية عمار الواردة في الكوز و الاناء الدالة على كفاية صب الماء فيه و تحريكه فيه و افراغه ثلاث مرّات.

و أمّا فيما ينفذ فيه الماء كالثياب و الفرش و نحوهما فلا اشكال في تحقق انفصال الغسالة بالعصر.

انّما الكلام في ان المعتبر هو انفصال الغسالة بخصوص العصر و بعبارة اخرى يكون للعصر موضوعية.

او ان المقدار اللازم هو اخراج الغسالة بأيّ كيفيّة كانت فيكفي لاخراجها مثلا الداس بالرجل او الغمز بالكف او بالرجل او نحوهما أيضا كما يحصل بالعصر.

اعلم ان الدليل الدال على اعتبار اخراج الغسالة أن كان هو الاجماع فهو تابع لمقعده و لا يبعد كون مقعده العصر.

كما

ان المدرك لو كان رواية الحسن بن ابي العلاء فظاهرها اعتبار العصر و أمّا ان كان الدليل احد من الوجوه الثلاثة او كان المدرك رواية عمار فلا يستفاد منها خصوصية للعصر بل يكتفي بكل شي ء يخرج به الغسالة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 303

و حيث ان عمدة ما يمكن ان يتمسك به لاعتبار اخراج الغسالة هو الوجه الثالث من الوجوه المتقدمة و من الروايات رواية عمار و المستفاد منهما هو عدم اختصاص ازالة الغسالة بخصوص العصر فنقول بانها تحصل بكل ما يزيل به الغسالة سواء كان بالعصر او اشباهه و ان كان الاحوط الاقتصار بالعصر من باب كون ظاهر كلام المشهور من غير المتأخرين ذلك هذا كله فيما ينفذ فيه الماء كالثياب و الفرش و نحوهما.

ثم ان المقدار المعتبر من اخراج الغسالة هو المقدار المتعارف الّذي يخرج بالعصر عن المحل لا جميع الماء المغسول به بحيث يحصل جفاف المحل لان هذا مقتضي نظر العرف و مقتضي منصرف الاطلاقات و يكون الازيد منه موجب للحرج و مخالف للنظر العرف.

فعلى هذا لو اخرج من الاشياء الصلبة المتنجسة أعظم الماء الذي غسل به المحل يكون كافيا في تحقق اخراج الغسالة.

كذلك في الثياب و نحوه اذا تنجّس و اجرى عليه الماء و خرج بالعصر و نحوه معظم الماء المغسول به عنه كفي في اخراج الغسالة ثمّ ان الفرك و الدلك غير معتبر في الغسل بنفسه بل يعتبر ذلك في تطهير المحل اذا كان في المحل عين النجس او المتنجس فيجب الفرك او الدلك مقدمة لانه مع بقاء عين النجس او المتنجس لا يمكن الغسل كما قدمنا سابقا من ان المعتبر في تطهير النجس ازالة العين لانه

مع بقاء العين لا يمكن غسل المحل.

هذا كله في كيفيّة تطهير ما ينفذ فيه الماء و يكون كالثياب و الفرش و نحوهما.

و أمّا الكلام في تطهير مثل الصابون و الطين
اشارة

مما ينفذ فيه الماء و لا يمكن اخراج الغسالة منه بعصر او ما يقوم مقام العصر فالكلام فيه يقع في موارد:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 304

المورد الاول: فيما تنجّس ظاهر الصابون او نظيره و لم تسرى النجاسة او الغسالة الى باطنه

ففي هذه الصورة لا اشكال في قابلية تطهير ما تنجّس من ظاهره و تكون كيفية تطهيره بكيفية تطهير ظاهر بدن الانسان مثلا و غيره مما يطهر باجراء الماء عليه و اخراج معظم الماء المغسول به عنه فيطهر بعد ذلك ان كان الواجب غسله مرة و الّا بازيد من مرة فيما سبق الكلام فيه في بعض النجاسات المعتبر فيه الأزيد من مرة اذا لم يكن مما يخرج الماء عن الاطلاق بملاقاته قبل ان يحصل به غسله نظير القند، و الكسر الذي يأتي بعد ذلك حكمه إن شاء الله. و ما قيل من عدم حصول التطهير في الماء القليل بهذا النحو لوجوب العصر في أمثاله و عدم امكان ذلك فيه بل قيل بعدم امكان تطهيره في الماء الكثير أيضا لاعتبار العصر في المتنجسات حتّى في الكثير تعبدا لا وجه له لان الواجب اعتبار اخراج الغسالة و هو يحصل بإجراء الماء على المحل النجس و اخراج معظم الماء المغسول به عنه.

و أمّا ما قيل من وجوب العصر تعبدا فنقول أولا بانه لا دليل عليه.

و ثانيا على فرض وجود دليل على وجوبه يكون في مورد يقبل العصر لا فيما لا يقبله.

كما ان ما قيل من ان الغسالة نجس فما بقي من الماء المغسول به نجس.

ففيه ان الغسالة هي الماء المنفصل عن المحل النجس بغسله و أمّا ما بقي من الماء في المحل فهو أمّا لا يكون نجسا او يكون معفوا عنه على فرض نجاسته و الّا لا بدّ ان

نلتزم بعدم مطهريّة الماء القليل من رأس لعدم امكان اخراج تمام الماء المغسول به.

المورد الثاني: ما اذا كان الظاهر من الجسم نجسا فقط لا باطنه

و لكن يكون المتنجس شيئا يصير الماء بمجرّد وروده عليه خارجا عن الاطلاق قبل ان يطهّره كالقند مثلا فانه بمجرد ملاقات الماء له يخرج الماء عن الاطلاق قبل ان يطهره

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 305

و لاجل ذلك يصير الماء فاقدا لشرط الاطلاق، و قد بيّنا بأن الشرط في الماء المستمل في التطهير بقائه على الاطلاق الى ان يطهر المحل ففي هذا المورد و ان لم يكن النجس الا ظاهر الجسم و ليس باطنه نجسا لكن لا يمكن تطهير الظاهر لخروج الماء المستعمل في التطهير عن الاطلاق قبل ان يطهر الظاهر لصيرورته مضافا و المضاف لا يكون مطهّرا.

المورد الثالث: ما يكون من قبيل المورد الثاني مثل القند و السكر و تنجس ظاهره و باطنه

فكما قلنا في المورد الثاني يخرج الماء المستعمل في التطهير عن الاطلاق فهو مثل المورد الثاني في الحكم لعدم قابليّته للتطهير لعدم بقاء شرط الاطلاق للماء.

المورد الرابع: اذا تنجس القند، او السّكر و امثالهما و نفذت النجاسة في ظاهره و باطنه

لكن لا يخرج الماء المستعمل لتطهيره بالاستعمال عن الاطلاق فورد عليه الماء بوصف الاطلاق فيطهر المحلّ كما قلنا في المورد الاول بعد انفصال معظم الماء المستعمل في تطهيره.

و هذا فيما يجري الماء على الباطن كما يجري على الظاهر و لا يكفي مجرد نفوذ الماء بالباطن فلو اجرى الماء على الظاهر بوصف الاطلاق يحكم بطهارة الظاهر و لكن الحكم بطهارة الباطن مشكل لعدم ورود الماء عليه بوصف الاطلاق فلا يحكم بطهارة الباطن حتى في صورة الشك بورود الماء عليه بوصف الاطلاق لاستصحاب النجاسة.

و أمّا الكلام فيما تنجس الباطن او نفذ فيه ماء الغسالة و لم يخرج الماء المستعمل في التّطهير عن الاطلاق فياتي حكمه إن شاء الله في بعض الصور الآتية.

المورد الخامس: اذا نفذت النجاسة او الغسالة النجسة الى الباطن

فلا وجه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 306

للاشكال في امكان تطهير الظاهر و ان بقيت نجاسة الباطن و لا وجه للتشكيك في طهارة الظاهر باجراء الماء عليه مرة او اكثر على اختلاف النجاسات من حيث كفاية الغسل مرة او ازيد على ما بينا في محله.

الا ان يدعي ان المعتبر انفصال مطلق الغسالة عن المحل و لا يكفي انفصال خصوص غسالة الظاهر من المحل.

و فيه ان هذا دعوى بلا دليل لان المقدار اللازم بنظر العرف انفصال الغسالة عن محل النجس اعني المورد الذي أجرى عليه الماء و انفصل عنه الماء أعني معظم الماء و ان وقع هذا الماء المنفصل و هو الغسالة الى موضع آخر و ينجس هذا الموضع بناء على نجاسة الغسالة فلا منافات بين طهارة الظاهر باجراء الماء عليه مع بقاء الباطن على النجاسة لانفصال الغسالة عن الظاهر و نفوذها في الباطن و كذلك اذا نفذت النجاسة بالباطن فيطهر الظاهر

لو أصيبه الماء المطلق و انفصل معظم الماء المغسول به من الظاهر و ان نفذت غسالة هذا الماء بالباطن.

المورد السادس: اذا نفذت النجاسة بباطن الجسم

فهل يمكن تطهير الباطن مع عدم امكان انفصال الغسالة بعصر او نحوه او لا.

و الكلام يقع تارة في امكان تطهيره بالماء القليل و تارة في امكان تطهيره بالماء المعتصم كالكد و الجاري.

و حيث ان بعض الوجوه إثباتا او نفيا مشترك بين تطهير بالماء القليل و الماء المعتصم يجعل مصب البحث بين الأعم من القليل و المعتصم فان كان وجه مختصا باحدهما نفيا او اثباتا نذكر لك إن شاء اللّه.

اعلم ان في المسألة اقول قول بعدم امكان تطهيره مطلقا و قول بامكانه مطلقا و قول بالتفصيل بين القليل و غيره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 307

فنقول قد يقال بعدم امكان تطهير الباطن مطلقا سواء كان المطهر الماء القليل او الماء المعتصم و وجه عدم الامكان.

أمّا ان المعتبر في تطهير المتنجس ايصال الماء الطاهر بالمحل و لا يمكن ذلك في الباطن لانه ما يصل الى الباطن هو نداوة الماء و لا يصدق عليه الماء.

و أمّا لان المعتبر في التطهير هو إيصال الماء المطلق بالمحل النجس و لا يمكن ذلك في محل الكلام لان الماء بنفوذه في الباطن يصير مضافا.

و أمّا من باب ان ما يصل الى الباطن و ان فرض عدّه ماء عرفا لكن حيث يكون بصورة النداوة تفصل اجزاء الجسم الواقع فيه النجاسة بين هذا الماء الوارد في الباطن و بين الماء الواقع في الخارج الوارد على المحلّ بعنوان التطهير فلا يكون الماء الداخل متصلا بالماء الخارج المطهّر و ان فرض بقاء اتصاله بالدقة العقلية لكن ليس بنحو يصدق الاتصال العرفي و مع عدم

الاتصال العرفي لا يصدق الغسل و لو التزمنا بكفاية مجرّد هذا المقدار من النداوة في الغسل و التطهير فلازمه الالتزام بتطهير سطح التحتاني بمجرد القاء الماء على السطح الفوقاني بنفوذ الماء من السطح العالي الى السطح السافل بمجرد نفوذ النداوة منه إليه و الحال انه لا يمكن الالتزام به فعلى هذا لا يمكن الالتزام بتطهير الباطن سواء كان الماء قليلا او معتصما.

مضافا الى اعتبار انفصال الغسالة و لا يمكن في الفرض انفصالها.

و لكن هذا الاشكال يرد بناء على كون المطهر هو الماء القليل.

اقول ما يأتي بالنظر هو عدم كفاية النّداوة النافذة بالباطن لتطهير الباطن و ان لم تخرج عن الاطلاق.

أمّا من باب ان الغسل بحسب موضوعه لا يصدق عليها اعني على مجرد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 308

ايصال النداوة.

و أمّا من باب ان المنصرف إليه من الغسل عند العرف هو غير هذا الفرض لانهم يرون في الغسل الغلبة و الاستيلاء في الماء المغسول به.

و لو شككنا في حصول التطهير و عدمه يستصحب النجاسة.

فالاقوى عدم حصول التطهير في هذه الصورة حتى في الماء العاصم نعم يمكن ان يقال بان في القليل يكون الحكم بالتطهير أشكل لاعتبار انفصال الغسالة فيه.

ثم بعد ذلك نتكلّم فيما يستدل به على امكان التطهير في هذه الصورة في الماء الكثير او الكثير و القليل فنقول بعونه تعالى ما يستدل بذلك امور:

الأمر الاوّل: ان الالتزام بعدم امكان تطهير الباطن عن المتنجسات عسر و حرج و قد ارتفعهما الشارع و لا حرج في الدين.

و فيه العسر و الحرج ان كان في مورد فلا يقتضي دليل نفيه إلّا جواز ارتكابه في صورة الحرج بقدر رفع العسر و الحرج و هذا لا

يقتضي طهارة الشي ء النجس فهو مع بقائه على نجاسته جاز ارتكابه في مورد الحرج و هذا لا يقتضي القول بطهارة النجس ففي مورد فرض العسر و الحرج يجوز ارتكاب النجس لا ان يصير النجس طاهرا.

الأمر الثاني: ان ما يبقي في الباطن من الماء يكون اقل مما يبقي في الحشايا من الالبسة و غيرها بعد العصر و الدق و التّغميز فمع كون ما بقي في الحشايا معفوا عنه فما يبقي في الباطن من الماء يكون معفوا عنه بطريق الاولى او اقلا يكون مثله.

و فيه ان هذا قياس ليس في مذهبنا مضافا على كونه قياسا مع الفارق لان في الحشايا خرج معظم الماء و غسالته فما بقي يكون معفوا عنه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 309

بخلاف الباطن الذي بقي فيه تمام الماء المغسول به.

الأمر الثالث: اطلاقات الواردة في الغسل الشاملة لكل من الماء القليل و الكثير و من حيث كل متنجس و لا بدّ من الاخذ بها.

و فيه انه قد عرفت فيما سبق منا في مقام اعتبار انفصال الغسالة انه يعتبر في الغسل في نظر العرف فما لم تنفصل لا يتحقق او من جهة نجاستها و لا بدّ من افراغ المحل عن النجاسة.

مضافا الى ما قلنا من ان الماء الباقي في الباطن على فرض بقائه على المائية ليس الّا، نداوة، فلا يكفي في مقام الغسل الاكتفاء به.

الأمر الرابع: بعض الروايات الرواية الاولى ما رواها السكوني عن جعفر عن ابيه ان عليا عليه السّلام سئل عن قدر طبخت و اذا في القدر فارة قال يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل «1» بدعوى ترك استفصال الامام عليه السّلام عن كون المتنجس ظاهر اللحم بالخصوص او

هو مع باطنه شاهد على قابلية تطهير كل من ظاهر اللحم و باطنه.

الرواية الثانية: ما رواها ذكريا ابن آدم قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر او نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال يهراق المرق او يطعمه اهل الذمة او الكلب و اللحم اغسله و كله قلت فانه قطر فيه الدم قال الدم تاكله النار إن شاء الله قلت فخمر او نبيذ قطر في عجين او دم قال فقال فسد قلت ابيعه من اليهودي و النصراني و ابيّن لهم قال نعم فانّهم يستحلّون شربه قلت و الفقاع هو بتلك المنزلة اذا قطر فى شي ء من ذلك فقال اكره أنا أن آكله اذا قطر في شي ء من

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 310

طعامي «1» وجه الاستدلال بها ما بينا من وجه الاستدلال بالرواية الاولى.

الرواية الثالثة: ما رواها الصدوق رحمه اللّه في عيون اخبار الرضا باسانيد تأتي في اسباغ الوضوء عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن على عليهم السّلام انه دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة فدفعها الى غلام له و قال يا غلام أذكرني هذه اللقمة اذا خرجت فأكلها الغلام فلما خرج الحسين بن على قال يا غلام اللقمة قال أكلتها يا مولاى قال أنت حرّ لوجه اللّه فقال رجل أعتقته قال نعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول من وجد لقمة ملقاة فمسح او غسل منها ثم اكلها لم تستقر في جوفه ألا أعتقه اللّه من النار و لم أكن لأستعبد رجلا أعتقه اللّه من

النار «2».

وجه الاستدلال قابلية اللقمة الملقاة للتطهير لانه قال «فمسح او غسل» و ترك الاستفصال عن كون النجس ظاهرها او باطنها او كليهما يدل على عمومية الحكم لقابلية التّطهير عن الطاهر و الباطن.

الرواية الرابعة: مرسلة الصدوق و هي هذه «محمد بن الحسن قال دخل ابو جعفر الباقر عليه السّلام الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها و غسلها فدفعها الى مملوك معه فقال تكون معك لأكلها اذا خرجت فلما خرج قال للمملوك اين اللقمة فقال أكلتها يا ابن رسول اللّه فقال عليه السّلام آنها ما استقرت في جوف أحد الا وجبت له الجنة فاذهب فانت حرّ فاني أكره أن استخدم رجلا من أهل الجنة «3» وجه الاستدلال ما ذكرنا وجها للرواية الثانية.

هذا كله فيما يستدل به على قابلية تطهير باطن الاجسام كالخبز، و غيره.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 39 من ابواب احكام التخلى من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 39 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 311

اقول أمّا الرواية الاولى و الثانية فضعيفة السند مضافا الى دعوى امكان عصر اللحم بعد الطبخ او بعد ايقاعه في الماء مدة.

و أمّا الرواية الثالثة و الرابعة فواردتان في قضية خاصة و نقل ما قال و فعل المعصوم عليه السّلام فى هذه القضية الشخصية و لا يمكن اخذ الاطلاق منهما مضافا الى كون الرابعة مرسلة.

اذا عرفت ما ذكرناه مما يمكن ان يستدل به على قابلية تطهير باطن ما ينفذ فيه النجاسة و ليس قابلا لان تخرج عنه الغسالة بعصر او نحوه سواء غسل بالماء القليل او الكثير لان ما استدل به

يشمل القليل و الكثير.

و عرفت ما في الوجوه المتمسكة من الاشكال.

نقول بان من يقول بالتفصيل في المسألة بين القليل و الكثير فلا يطهر الباطن في القليل و يطهر في الكثير.

يمكن ان يدّعي ان الملاك هو وصول الماء المطلق بالمحل و يمكن ذلك في الماء العاصم حتّى في الباطن.

و قد عرفت في ذكر أدلة عدم امكان تطهير الباطن انه على فرض كون ما وصل من الماء العاصم بالباطن أولا ليس هو ماء بل هو النداوة و ثانيا مجرد اتصال النداوة و الرطوبة من الماء العاصم بالباطن ليس كافيا في الاتصال المعتبر في الغسل.

و أمّا ما قيل في وجه امكان تطهير الباطن بالماء العاصم ببعض ما ورد في ماء المطر من تطهيره الطين المتنجس مع ان تطهيره ليس الا برسوب الماء عليه و نفوذ النداوة و هذا يحصل في العجين و نحوه مما تنفذ فى باطنه النجاسة و ليس قابلا للعصر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 312

ففيه انه ليس فيما ورد في ماء المطر ما يدلّ على محل الكلام فراجع.

فتلخص عدم امكان تطهير باطن ما تنجس و لا يمكن اخراج الغسالة عنه في الماء القليل و غيره على الاقوى.

الموقع الثاني: في الغسل بالماء الكثير فيقع الكلام في امور:

الأمر الاول: لا يعتبر فيه انفصال الغسالة و لا العصر لما قد عرفت من ان العمدة في وجه اعتبار انفصال الغسالة امور الاول كون الغسالة نجسا و من بقائها في المحل ينجس المحل على مختارنا من نجاسة الغسالة على الاحوط بل الاقوى.

الأمر الثاني: انصراف ادلة الغسل الى ما هو مرتكز العرف من لزوم انفصال الغسالة و لا يبعد كون هذا الارتكاز لانهم يرون مع بقاء الغسالة في المحل كون المحل مشغولا بالنجاسة و على كل

حال في الماء العاصم لا تكون الغسالة نجسة و لا يكون مرتكز العرف اعتبار انفصالها.

الأمر الثالث: رواية عمار الواردة في الكوز و الاناء و هي بقرينة التعبير فيها يصب الماء فيه لا تناسب الا مع كون الغسل بالماء القليل.

الأمر الثاني: لا يعتبر التعدد في الغسل بالماء العاصم حتى في البول بالماء الكثير و الجاري و نحوهما كما مضي منّا عند تعرض المؤلف رحمه اللّه له و كذلك في الاناء الا انه احوط لكن يجب التعفير و الغسل مرّتان بعده في ولوغ الكلب و سبع مرّات في ولوغ الخنزير و موت الجرذ حتى في الكثير كما بيّنا سابقا.

و أمّا قول المؤلف «و غيره» في قوله و أمّا الغسل بالماء الكثير فلا يعتبر انفصال الغسالة و لا العصر و لا التعدد و غيره» فان كان نظره الى انه لا يعتبر امرا آخرا حتى يشمل التعفير في ولوغ الكلب فقد عرفت اعتباره حتى في الماء العاصم و ان كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 313

نظره الى عدم اعتبار العصر فيه و كذا عدم اعتبار الورود في الكثير فهو حق لعدم اعتبار كون الماء واردا في مقام التطهير في الكثير و كل ماء عاصم لانه لو كان الماء مورودا لا ينجس بملاقاة النجاسة.

مضافا الى ان الوضع بحسب الطبع يقتضي ورود النجس في الماء الكثير و الجاري و قدّم عدم اعتبار العصر في الماء الكثير و لا ما يقوم مقامه من الداس بالرجل و غيره.

الأمر الثالث: يكفي في التطهير في الماء الكثير في غير ما استثنى في الامر الثاني مجرد غمس المتنجس بعد زوال عين النجس في الماء في تطهير ظاهر كل شي ء تنجس بنجاسة و

لا يمكن تطهير الباطن فيما لا يمكن انفصال الغسالة عنه و مع إمكان انفصال الغسالة بعصر او ما يقوم مقامه يطهر الباطن أيضا و أمّا على قول من يلتزم بامكان تطهير باطن ما لا يقيل العصر كالصابون و نحوه هل يكفي في طهارة أعماقه ان وصلت النجاسة بها نفوذ الماء الطاهر الكثير المطلق فيه او يلزم تجفيف الشي ء الذي وصلت النجاسة باعماقه ثم نفوذ الماء العاصم عليه مطلقا أو لا يجب مطلقا حتى فيما نفذ عين النجس فيه كالبول فيكون باقيا فيه او يجب فيما نفذ عين البول مثلا فيه مع بقائه فيه فقط و لا يجب فيما لا يكون عين النجس باقيا فيه.

منشأ اعتبار التجفيف مطلقا عدم صدق الاتحاد عرفا ما لم يجفّف الشي ء المتنجس و لو لم نقل باعتبار الامتزاج لعدم صدق اتحاد ما في الباطن مع الماء العاصم.

و وجه اعتبار التجفيف في خصوص ما كان العين اي عين النجس فيه باقيا لانه مع بقاء العين لا يطهر الباطن لبقاء عين النجس و مجرّد اتّصاله بالماء العاصم لا يخرجه عن كونه نجسا فعلى هذا لو التزام احد على امكان تطهير الباطن في مثل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 314

الصابون و نظائره يكون اعتبار التجفيف فيه لازما في صورة بقاء عين النجس بل الماء المتنجس بناء على اعتبار الامتزاج بالماء العاصم في طهارته و في صورة عدم بقاء عين النجس في الباطن يكون التجفيف أحوط لكن الاقوى كما عرفت عدم إمكان تطهير الباطن مثل الصابون في القليل و الكثير.

***

[مسئلة 17: لا يعتبر العصر و نحوه فيما تنجّس ببول الرضيع]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: لا يعتبر العصر و نحوه فيما تنجّس ببول الرضيع و ان كان مثل الثوب و الفرش و

نحو هما بل يكفي صب الماء عليه مرة على وجه يشمل جميع أجزائه و ان كان الاحوط مرتين لكن يشترط ان لا يكون متغذّيا معتادا بالغذاء و لا يضر تغذّيه اتّفاقا نادرا و ان يكون ذكرا لا أنثى على الاحوط و لا يشترط فيه ان يكون في الحولين بل هو كذلك ما دام يعدّ رضيعا غير متعذّ و أن بعدهما كما انه لو صار معتادا بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور بل هو كسائر الابوال و كذا يشترط في لحوق الحكم ان يكون اللبن من المسلمة فلو كان من الكافرة لم يلحقه و كذا لو كان من الخنزيرة.

(1)

اقول: الكلام يقع في طىّ امور:

الأمر الاول: هل يعتبر العصر في بول الرضيع فيما كان المتنجس به مثل الثوب و الفرش أم لا

منشأ توهم الاعتبار ما رواها الحسين بن ابي العلاء «في حديث»

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 315

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصبي يبول على الثوب قال تصبّ عليه الماء قليلا ثم تعصره «1».

و فيه كما قدّمنا في المسألة 4 من المسائل المتفرعة على هذا الفصل الذي نحن فيه ما دل على كفاية الصب في بول الصبي مرّة و اطلاقة يقتضي عدم الفرق بين الثوب و غيره و لا يمكن الالتزام بكون الرواية مقيدة له للاجماع المدعى على عدم اعتباره فلا بد من حمل الامر بالعصر على الاستحباب او فرض بقاء العين و العصر لازالة العين خصوصا مع عدم ايجاب العصر في صدر الرواية في بول غير الصبي و الحال انه اولى بالعصر و هذا صدر الرواية ذكره صاحب الوسائل في الباب الاول من ابواب النجاسات من كتابه «عن الحسين بن ابي العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البول يصيب الجسد قال

صبّ عليه الماء مرّتين فانّما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرّتين» «2».

الأمر الثاني: يكفي في بول الصبي صب الماء عليه مرّة

لدلالة رواية الحلبي المتقدمة ذكرها في طىّ المسألة الرابعة على ذلك حيث قال فيها «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الصبي قال: تصب عليه الماء فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» «3» و ما ورد من الأمر بالغسل مرّتين في البول و ان كان مطلقا لكن حيث يكون الامر بالغسل مرّتين يكون مورده ما يجب فيه الغسل و في الصبى لا يجب الا الصبّ كما في بعض الروايات المتعرضة لحكمه و لهذا نقول يكفي الصب و هو مجرد استيلاء الماء على الشي ء فلا يجب التعدد في بول الصبي و ان كان احوط.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 316

الأمر الثالث: يشترط في الصبي ان لا يكون متعذبا بالغذاء

لدلالة رواية الحلبي المتقدمة ذكرها على ذلك حيث قال عليه السّلام فيها «فان كان قد اكل فاغسله بالماء غسلا». «1»

الا ان يكون متعذيا نادرا بحيث لا يعد عرفا انه يأكل الغذاء و هو فرض نادر.

الأمر الرابع: يشترط ان يكون الصبي ذكرا لورود الدليل في خصوص الصبي

و ظاهره مقابل الصبية مضافا الى تسليم ذلك عند الاصحاب و قلنا في طى المسألة الرابعة ان ذيل رواية الحلبي و هو قوله «و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» يحتمل كونه راجعا الى الحكم الثاني و هو وجوب الغسل اذا كان قد أكل.

الأمر الخامس: لا يشترط في الحكم كون الصبي في الحولين

بل الميزان كما في رواية الحلبي المتقدمة ذكرها الأكل و عدمه و ان كان قد اكل ليس الحكم و ان كان بين الحولين و ان لم يأكل بعد يكون الحكم اعني كفاية الصبّ مرّة باقيا و ان كان بعد الحولين.

الأمر السادس: هل يشترط ان يكون لبن الصبي الذي لا يؤكل و يكفي في المتنجس ببوله الصبّ مرّة ان يكون من المسلمة

فاذا كان يأكل لبن الكافرة او الخنزيرة لا يكون هذا الحكم أو لا يشترط ذلك.

وجه عدم الشمول على ما قيل ما رواها السكونى عن جعفر عليه السّلام عن ابيه ان عليا عليه السّلام قال لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين «2» بدعوى ان العلة في نجاسة لبن الجارية خروجها من

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 317

المثانة و نجاستها فكل بول يكون لصبى يكون لبنه نجسا يكون الواجب فيه الغسل و لا يكفي الصب فبول من يشرب من الكافرة او من الخنزيرة يجب فيه الغسل لان بوله يكون من ذي لبن نجس.

و فيه أمّا أولا فالرواية ضعيفة السند لان بعض رواتها عاميا كما في الوسائل و أمّا ثانيا لا يعمل بها الاصحاب لاشتمالها على ما لا يلتزمون به و لا يعملون به و هو نجاسة لبن الجارية.

و أمّا ثالثا ذكر العلة التي لا نفهمها فلا بد من رد علمها الى اهله و مجرد كون الفقرة منها الدالة على عدم وجوب الغسل في الغلام قبل ان يطعمه مما يعمل بها الاصحاب

لا يوجب حجيتها لانه غير معلوم كون استنادهم بها أولا و على فرض كون استنادهم بها لا يوجب كونها حجة في فقرتها الاخرى ثانيا.

و أمّا دعوى انصراف ما دل على كفاية صب الماء في بول الصبي الذي لم يطعم عن الصبي الذي يرتضع من الكافرة او الخنزيرة ففيه ان الانصراف غير معلوم و لا يمكن الافتاء على طبقه بعدم كفاية الصب و انه يجب الغسل و لكن حيث يكون مع ذلك محتملا نقول بان الاحوط في الصبي المرتضع عن الكافرة او الخنزيرة هو وجوب الغسل مرّتان في القليل و مرة واحدة في الجاري و غيره من المياه العاصمة و أن كان الاحوط استحبابا التعدد في الكثير كما عرفت سابقا.

***

[مسئلة 18: اذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: اذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون و نحوه بني على عدمه كما انّه اذا شك بعد العلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 318

بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه بني على عدمه فيحكم ببقاء الطهارة في الاوّل و بقاء النجاسة في الثاني.

(1)

اقول: وجهه استصحاب طهارة الباطن في الاول و استصحاب نجاسته في الثاني.

***

[مسئلة 19: قد يقال بطهارة الدهن المتنجس اذا جعل في الكر الحار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: قد يقال بطهارة الدهن المتنجس اذا جعل في الكر الحار بحيث اختلط معه ثم اخذ من فوقه بعد برودته لكنه مشكل لعدم العلم بوصول الماء الى جميع اجزائه و ان كان غير بعيد اذا غلى الماء مقدارا من الزمان.

(2)

اقول: المحكي عن العلامة قدّس سرّه في التذكرة قابلية تطهير الدهن المتنجس بان يصب في كر من الماء الحار و تختلط و تمازج اجزائه مع الماء بحيث يعلم وصول الماء الى جميع اجزائه.

و استشكل على ذلك ببعض الاشكالات و العمدة الاشكال الذي ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه و هو انه لا يحصل العلم بوصول الماء الى جميع اجزائه مع بقاء مسمّاه بحيث يمكن الانتفاع به.

و اجيب عن ذلك بانه مع الامتزاج و الاختلاط بالماء الحار لا يبقي مسمّاه و هذا لا يضر بتطهيره و ان كان بعد برودة الماء تجتمع اجزائه المتفرقة في الماء فوق الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 319

فيؤخذ من الماء.

لكن الإنصاف عدم حصول العلم بوصول الماء الى جميع اجزائه حتى بعد الغليان و طول زمانه و لهذا يشكل الحكم بطهارته و مع قطع النظر عن هذا الاشكال فما استشكل على طهارته كلها ممكن الدفع مثل الاشكال بان دسومته مانع عن وصول

الماء بجميع اجزائه.

و فيه انه كما تقبل اليد الدسمة للتطهير حتّى في الماء القليل فكذلك في المورد و مثل الأشكال بأن اختلاف الدهن و الماء من حيث الثقالة و الخفة مانع عن وصول الماء بجميع اجزائه لان هذا الاختلاف يوجب انفصال كل منهما عن الآخر و فيه ان الميزان وصول الماء بالمتنجس و هذا الامر عرفي و الثقالة و الخفة لا يوجب عدم وصول احدهما بالآخر بنظر العرف و مثل الاشكال بان طهارة دهن المتنجس بهذه الكيفية مبنيّة على القول بامكان تجزية الجزء الذي لا يتجزى و الحال ان ذلك غير معقول كما ذكر في محله بيان الملازمة انه على القول بامكان تجزية الجزء الذي لا يتجزى يمكن وصول الماء الى هذا الجزء و أمّا بناء على القول بامتناعها لا يمكن القول بوصول الماء الى جميع اجزائه و فيه أولا ان مورد الخلاف في الجزء الذي لا يتجزى هو في انه هل يمكن تركب الجسم من الاجزاء الغير القابل للقسمة خارجا و وهما و عقلا او يكون محالا و من المعلوم عدم ابتناء المسألة على جوازه او استحالته لان الكلام في امكان وصول الماء بالدهن خارجا و ثانيا ان باب الطهارة و النجاسة و احكامهما غير مبنية على الدقة العقلية و الا يرد هذا الاشكال في ساير الموارد بل الميزان هو نظر العرف لا الدقة العقلية فينبغي الرجوع الى العرف في انه هل يصل الماء بجميع اجزاء الدهن أم لا و الانصاف ان العلم بوصول الماء بجميع اجزائه بنظر العرفي مشكل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 320

[مسئلة 20: اذا تنجس الأرز او الماش او نحوهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: اذا تنجس الأرز او الماش او نحوهما يجعل في وصلة و

يغمس في الكر و أن نفذ فيه الماء النجس يصبر حتى يعلم نفوذ الماء الطاهر الى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس بل لا يبعد تطهره بالقليل بان يجعل في ظرف و يصبّ عليه الماء ثم يراق غسالته و يطهر الظرف أيضا بالتبع فلا حاجة الى التثليث فيه و ان كان هو الاحوط نعم لو كان الظرف أيضا نجسا فلا بد من التثليث.

(1)

اقول: قد مرّ في المسألة 16 الاشكال في تطهير الباطن اذا تنجس في القليل و الكثير نعم لو تنجس الظاهر يمكن تطهير الأرز و الماش او نحوهما بالماء القليل و الكثير و أمّا الظرف فتارة لا يكون نجسا قبل ايقاع الارز و نحوه فيه و تنجس بملاقات المتنجس و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه عند البحث عن كون التّبعية من المطهرات مضافا الى أنه يمكن الاستدلال على طهارة الظّرف مع المظروف برواية محمد بن مسلم و هي هذه «محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيب البول قال اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة «1» المتقدمة ذكرها بدعوى دلالتها على عدم وجوب الغسل في المتنجس بالبول إلا غسل الثوب الواقع في المركن مرتين و لم يجب غسل الظرف بعد غسل الثوب فتدل الرواية على عدم وجوب غسل الظرف سوى غسل الثوب و لم يأمر بعد غسل الثوب بغسل المركن و لكن يمكن الاشكال في الاستدلال بانه لم تكن الا في مقام بيان تعدد الغسل في المتنجس بالبول في المركن مرّتين و في الماء الجاري مرّة و لهذا لا يستدل بها على عدم اعتبار العصر في الثوب المتنجس و حيث يكون شمول دليل

______________________________

(1) الرواية من الباب 2 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 321

التّبعية للمورد غير معلوم فالاحوط التثليث.

و أمّا فيما كان الظرف بنفسه نجسا فلا اشكال في اعتبار غسل الظرف ثلاث مرّات و لو لم نقل بعدم الوجوب في الصورة الاولى لان نجاسته ليست بالتّبعية حتى يطهر بالتبع.

***

[مسئلة 21: الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت و صبّ الماء عليه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت و صبّ الماء عليه ثم عصره و اخراج غسالته و كذا اللحم النجس و يكفي المرّة في غير البول و المرّتان فيه اذا لم يكن الطشت نجسا قبل صب الماء و الا فلا بد من الثلاث و الاحوط التثليث مطلقا.

(1)

اقول: أمّا في الثوب فلا اشكال في تطهيره، بما ذكره المؤلف رحمه اللّه ...

و أمّا في اللحم كذلك اذا تنجس ظاهره او كان المقصود تطهير خصوص ظاهره، بالنحو المتقدم في المسألة 16.

و أمّا باطنه اذا تنجس يشكل تطهيره كما مر في المسألة المذكورة و اما الظرف، فلو كان نجاسته بسبب نجاسة الثوب او اللحم فطهارته مبنيّ على شمول ادلة التبعية له و سيأتي إن شاء اللّه الكلام فيه.

و أمّا اذا كان نجسا مع قطع النظر عن نجاسة الثوب او اللحم فلا اشكال في اعتبار التثليث في طهارته.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 322

[مسئلة 22: اللحم المطبوخ بالماء النجس او المتنجس بعد الطبخ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: اللحم المطبوخ بالماء النجس او المتنجس بعد الطبخ، يمكن تطهيره في الكثير بل و القليل اذا صب عليه الماء و نفذ فيه الى المقدار الذي وصل إليه الماء النجس.

(1)

اقول: لا وجه لقابليته للتطهير لما قلنا من عدم امكان تطهير الباطن المتنجس و لا دليل الا روايتا السكوني و زكريا بن آدم المذكورتان في المسألة السادسة عشر و قد عرفت عدم امكان الاستناد بهما لضعف سندهما.

***

[مسئلة 23: الطين النجس اللاصق بالابريق يطهر بغمسه في الكر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: الطين النجس اللاصق بالابريق يطهر بغمسه في الكر و نفوذ الماء الى أعماقه و مع عدم النفوذ يطهر ظاهره فالقطرات التي تقطر منه بعد الاخراج من الماء طاهرة و كذا الطين اللاصق بالنعل بل يطهر ظاهره بالماء القليل أيضا، بل اذا وصل الى باطنه بان كان رخوا طهر باطنه أيضا به.

(2)

اقول: قد مضى في المسألة السادسة عشر عدم قابلية باطن امثال الطين للتطهير لو نجس باطنه، و لكن يطهر ظاهره بالماء، فعلى هذا لو طهر ظاهره و تقاطر منه بعض القطرات، يحكم بطهارته.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 323

[مسئلة 24: الطّحين و العجين النّجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: الطّحين و العجين النّجس، يمكن تطهيره بجعله خبزا ثم وضعه في الكر حتّى يصل الماء الى جميع اجزائه و كذا الحليب النجس يجعله جبنا و وضعه في الماء كذلك.

(1)

اقول: قد مرّ الاشكال في ذلك في المسألة السادسة عشر فراجع.

و ما في المستمسك «1» من كون الاشكال في الحليب هو عين الاشكال في الدهن المتنجس ليس في محلّه لان في الدهن المتنجس يكون المفروض غليان الماء حتى يستهلك الدهن فيه و في المقام لا يستهلك الحليب بل يجعل جبنا فالكلام يكون في الجبن المتنجس باطنه و ظاهره فهو من صغريات ما نفذ فيه النجاسة و لا يقبل العصر كالكوز و اللحم و الارز و امثالها و قد مرّ الاشكال في قابليّتها للتطهير.

***

[مسئلة 25: إذا تنجّس التنوّر، يطهر بصب الماء الى اطرافه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: إذا تنجّس التنوّر، يطهر بصب الماء الى اطرافه من فوق الى تحت و لا حاجة الى التثليث لعدم كونه من الظروف فيكفي فيه المرّة في غير البول و المرّتان فيه و الاولى ان يحفر، حفرة يجتمع الغسالة فيها و طمّها بعد ذلك بالطين الطاهر.

(2)

اقول: أمّا ما ذكره رحمه اللّه من تطهير التنور بصب الماء باطرافه فصحيح.

و أمّا ما ذكره من العلاج للاخراج الغسالة فلا ربط و لا دخل له في تطهير

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 51.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 3، ص: 324

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 324

اطراف التّنور بل هو مفيد لتطهير ظاهر اسفل التنور في كل مورد يقال فيه بنجاسة الغسالة.

***

[مسئلة 26: الارض الصلبة و الطرق المفروشة بالآجر و الحجر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: الارض الصلبة و الطرق المفروشة بالآجر و الحجر تطهر بالماء القليل اذا اجرى عليها لكن مجمع الغسالة يبقي نجسا و لو اريد تطهير بيت أو سكّة فان أمكن إخراج ماء الغسالة بان كان هناك طريق لخروجه فهو و الا يحفر، حفيرة ليجتمع فيها ثم يجعل فيها الطين الطاهر كما ذكر في التّنور، و ان كانت الارض رخوة بحيث لا يمكن اجراء الماء عليها فلا تطهر الا بإلقاء الكر او المطر او الشمس نعم اذا كانت رطبا يمكن تطهير ظاهرها بصب الماء عليها و رسوبه في الرمل فيبقى الباطن نجسا بماء الغسالة و ان كان لا يخلو عن اشكال من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: تطهير الارض الصلبة و المفروشة بالآجر و الحجر

باجراء الماء عليها سواء كان الماء قليلا او كثيرا لعموم مطهرية الماء لكل شي ء مضافا الى دلالة بعض الروايات عليه مثل ما رواها عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال سئل عن الموضع القذر يكون في البيت او غيره فلا تصيبه الشّمس و لكنه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 325

قد يبس الموضع القذر قال لا يصلى عليه و اعلم موضعه حتى تغسله الخ «1».

بدعوى دلالة قوله عليه السّلام «حتى تغسله» على قابلية الموضع القذر للتطهير بالماء القليل.

و فيه انه بعد كونه عليه السّلام في مقام بيان عدم جواز الصلاة حتى يغسله فلا يستفاد من كلامه تعميم المطهرية للماء حتى للماء القليل.

الا ان يقال ان الماء المبتلى به في مقام التطهير في زمن صدور الرواية غالبا هو الماء القليل فيكون النّظر به لقلة وجود الماء العاصم من الكر او الجاري او غيرهما.

الجهة الثانية: مجمع الغسالة يبقي نجسا

اذا كان ما غسل به الارض النجسة او السكة او البيت النجس ماء قليلا بناء على نجاسة ماء الغسالة فى هذه الصورة كما قلنا

الجهة الثالثة: لو اريد تطهير البيت او السكة بالماء القليل

فان امكن اخراج الغسالة بان يكون هناك طريق لخروجه فهو و الا تحفر حفرة لتجمع الغسالة فيها ثم يجعل فيها الطين الطاهر كي يصير ظاهر الحفرة طاهرا هذا كله اذا كانت الارض او السكة او البيت صلبة.

الجهة الرابعة: اذا كانت الارض رخوة بحيث لا يمكن اجراء الماء عليها

فلا اشكال في قابلية تطهيرها بالماء المعتصم مثل ماء المطر لان كلما يراه المطر فقد طهر على كيفية امضينا الكلام فيه في محله او غيره من المياه المعتصمة.

و أمّا تطهيرها بالماء القليل فمع عدم صدق أجراء الماء عليها فلا تطهر.

و هل تطهر بنفوذ الماء في اعماقها او لا قد يقال بعدم قابلية المحل في المورد

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 326

للتطهير بالماء القليل لان المعتبر فيه انفصال الغسالة و في المورد لا تنفصل الغسالة بل تنفذ في اعماق الارض المتنجسة و هذا لا يكفي لعدم صدق انفصال الغسالة.

و فيه انه كما عرفت في المورد السادس من الموارد التي تعرضنا عنها في طي المسألة 16 عدم اعتبار انفصال الغسالة بهذا المعني بل يحصل انفصال الغسالة باي وجه و لو بخروجها عن المحل المتنجس و نفوذه في محل آخر و لو كان نفوذه في باطن المتنجس.

***

[مسئلة 27: اذا صبغ ثوب بالدم]

قوله رحمه الله

مسئلة 27: اذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر نعم اذا صار بحيث لا يخرج منه طهر بالغمس في الكر او الغسل بالماء القليل بخلاف ما اذا صبغ بالنّيل النجس فانه اذا نفذ فيه الماء في الكثير بوصف الاطلاق يطهر و ان صار مضافا أو متلوّنا بعد العصر كما مرّ سابقا.

(1)

اقول: أمّا وجه عدم طهارة ما صبغ بالدم ما دام يخرج منه الماء الأحمر فيكون لاجل بقاء عين النجاسة فيه و قد مرّ انّ المعتبر في الغسل أولا زوال عين النجاسة عن المحل المتنجس و أمّا اذا صار بحيث لا يخرج منه الماء الاحمر فلزوال عين النجاسة عنه فيطهر بغمسه

في الكر او غسله بالماء القليل.

و أمّا فيما صبغ بالنيل النجس فحيث يعتبر في التطهير بالماء الكثير اطلاق الماء حين الاستعمال الى تحقق الغسل فاذا نفذ فيه الماء الكثير فيه بوصف الاطلاق و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 327

يصر الماء مضافا قبل ذلك يطهر و ان صار مضافا حال العصر او متلونا بناء على عدم اعتبار العصر في الماء الكثير.

و اما اذا صبغ الثوب بالنيل النجس و اريد تطهيره بالماء القليل فلا اشكال في انه يعتبر اطلاق الماء حين الشروع في الغسل الى ان ينفصل الماء عنه كما مرّ في كيفية التطهير بالماء القليل و الكثير لكن المعتبر بقاء اطلاق الماء في الكثير الى انتهاء حصول الغسل و لو لم تزل الغسالة و يعتبر في الماء القليل بقاء اطلاق الماء الى انفصال الغسالة اما بناء على دخل انفصال الغسالة بالعصر و نحوه فواضح لانه لا بد من كون الغسل بالماء المطلق فما لم تنفصل الغسالة لم يحصل الغسل فلو صار الماء مضافا قبل انفصالها لم يحصل الغسل.

و أمّا بناء على كون انفصال الغسالة شرطا مستقلا فأيضا يعتبر اطلاق الماء الى حال انفصال الغسالة لانه مع اضافة الماء قبل تحقق انفصال الغسالة بعصر او نحوه فهو ماء مضاف نجس ينجس الثوب فلا بد من بقاء اطلاق الماء الى حال انفصال الغسالة بعصر او غيره في التّطهير بالماء القليل.

***

[مسئلة 28: فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالى الغسلتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالى الغسلتين او الغسلات فلو غسل مرة في يوم و مرة اخرى في يوم آخر كفي نعم يعتبر في العصر الفورية بعد صب الماء على الشي ء المتنجس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3،

ص: 328

(1) اقول: منشأ عدم اعتبار التوالى بين الغسلتين او الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد هو اطلاق الدّليل من هذا الحيث راجع الروايات في الابواب المربوطة باعتبار التعدد في البول او في ولوغ الكلب بعد الغسل بالتراب او في الظرف او غيرها من الموارد المعتبرة فيها التعدد.

و أمّا العصر بعد الغسل فهل يجب القيام به فورا او يجوز تاخيره.

اما التأخير بمقدار يبس ماء الغسالة الواقع في المتنجس فيمكن دعوى مضرّية هذا المقدار من التأخير على كل حال سواء كان منشأ اعتبار العصر دخله في الغسل او الاخبار او الاجماع او لانفصال الغسالة او لاستصحاب النجاسة للشك في زوال النجاسة بدونه.

و أمّا التأخير بمقدار لم ييبس ما في الثوب و نظائره من الغسالة و يمكن اخراج المتعارف منها بالعصر حتى مع هذا التأخير فيختلف الحكم باختلاف المباني في باب العصر فان قلنا باعتبار دخل العصر في الغسل فكلما لا يعتبر التوالى في الغسل فكذلك في العصر.

و ان قلنا باعتباره من باب الرواية فهي مطلقة من هذا الحيث.

و ان كان وجه اعتباره الاجماع فحيث الاجماع دليل لبي فقدر المتقين منه هو اعتباره و أمّا فوريته فلا يستفاد منه و ان كان وجه اعتباره استصحاب النجاسة مع عدم الفورية فعلى كونه وجه الاعتبار، تجب الفورية و ان قلنا بدخله من باب كون المنصرف من الغسل هو المتعارف منه و هو مع العصر فى هذه الاشياء و ان لم يكن دخيلا موضوعا في الغسل فحيث يكون المتعارف العصر بعد الغسل فورا فمقتضاه الفورية بعد الغسل و ان قلنا باعتباره من باب اعتبار انفصال الغسالة فأيضا لا تجب الفورية مع كون التأخير بمقدار يمكن اخراج الغسالة بمقدار المتعارف و

حيث قلنا في المسألة 16 من كون اعتبار العصر يكون أمّا من باب دخله في الغسل او الخروج

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 329

الغسالة او لانصراف الادلة بصورة انفصال الغسالة و كونه المتعارف من الغسل او لبعض الروايات يكون مقتضاه عدم اعتبار الفورية الا على كون المنصرف من الغسل هو المتعارف منه و هو مع العصر و حيث يكون المتعارف العصر بعد الغسل فورا فيجب الفورية و نحن و ان لم نقل بكون الوجه في العصر هو هذا الوجه معينا لقابلية كون الوجه دخله في الغسل او لانفصال الغسالة او لبعض الاخبار و مقتضي كل تلك الوجوه المتقدمة هو عدم وجوب الفورية و لكن حيث يمكن المنصرف هو المتعارف من الغسل و هو مع العصر و المتعارف من العصر هو ايقاعه بعد الغسل فورا بالفورية العرفية.

و بعد ذلك كله نقول، حيث يكون مقتضي كل هذه الوجوه هو زوال الغسالة و عدم بقائها في المتنجس بالعصر او بنحوه، لا يبعد ان يقال بانه يجب الفورية مطلقا، لانه بدون الفورية و يبوسة المحل لا يمكن ازالة الغسالة فمقتضى ذلك هو الفورية، و هو الموافق للاحتياط أيضا ...

***

[مسئلة 29: الغسلة المزيلة للعين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقي بعدها شي ء تعدّ من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد فتحسب مرة بخلاف ما اذا بقي بعدها شي ء من اجزاء العين فانها لا تحسب و على هذا فان أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرّتان كفي غسله مرّة اخرى و ان أزالها بماء مضاف يجب بعده مرّتان أخريان.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 330

(1)

اقول: قد مرّ منا في المسألة 4 عدم عدّ الغسلة

المزيلة للعين من الغسلات بل لا بد من احداث الغسل مرة او ازيد بالمقدار اللّازم بعد هذه الغسلة فعلى هذا لا يبقي مورد لما قال المؤلف رحمه اللّه بعد ذلك من احتساب المرة اذا ازال العين بالماء المطلق و عدم احتسابها اذا زالت العين بالماء المضاف.

و أمّا فيما بقي بعد الغسل من العين في المحل شي ء فلا اشكال في عدم احتساب هذه المرّة من الغسل لا على مختارنا و لا على مختار المؤلف رحمه اللّه.

ثم اعلم ان ما قاله المؤلف رحمه اللّه من عدّ الغسلة المزيلة من الغسلات يكون عدولا عمّا قال في المسألة 4 لأنه قال فيها بعدم العدّ الا ان يصب الماء مستمرا بعد زوال العين.

***

[مسئلة 30: النّعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: النّعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء الكثير و لا حاجة فيها الى العصر لا من طرف جلدها و لا من طرف خيوطها و كذا البارية بل في الغسل بالماء القليل أيضا كذلك لان الجلد و الخيط ليسا ممّا يعصر و كذا الحزام من الجلد كان فيه خيط او لم يكن.

(2)

اقول: ما ذكره قدس سره يكون مبنيا على عدم وجود رخوة في الخيط يقبل مقدارا من الماء الذي يطّهر به و الا يجب انفصال الغسالة بعصر او غيره في التطهير بالماء القليل و أمّا في الكثير فلا لما قلنا من عدم وجوب انفصال الغسالة في الكثير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 331

و أمّا الجلد فلا يجب فيه لعدم نفوذ الماء المطهّر فيه اصلا حتى يعتبر العصر و نحوه.

***

[مسئلة 31: الذهب المذاب و نحوه من الفلزّات]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: الذهب المذاب و نحوه من الفلزّات اذا صب في الماء النجس او كان متنجسا فأذيب ينجس ظاهره و باطنه و لا يقبل التطهير الا ظاهره فاذا اذيب ثانيا بعد تطهير ظاهره تنجّس ظاهره ثانيا نعم لو احتمل عدم وصول النجاسة الى جميع اجزائه و ان ما ظهر منه بعد الذوبان الاجزاء الطاهرة يحكم بطهارته على كل حال بعد تطهير ظاهره و لا مانع من استعماله و ان كان مثل القدر من الصّفر.

(1)

اقول: يقع الكلام في المسألة في موارد:

المورد الاول: الذهب المذاب

او غيره من الفلزات اذا صبّ في الماء النجس ينجس كل جزء يلاقي الماء المتنجس من الظاهر و الباطن و بعد صيرورته بالذوب ظاهرا يحيطه الماء النجس و ربما لا ينجس جميع اجزائه لعدم انتشاره بنحو يحيط الماء جميع اجزائه و ما قال المؤلف رحمه اللّه من القول بنجاسة الذهب المذاب اذا صبّ في الماء النجس لعلّه كان من باب ان الغالب فيه ملاقات النجس لجميع اجزائه و لكنه كما عرفت لا ملازمة بين صب الماء و بين نجاسة جميع اجزائه بل يدور مدار كيفية الانتشار بسبب الذوب فربّما ينتشر بحيث يحيط الماء النجس على جميع اجزائه و ربما لا يحيط الا ببعض اجزائه فكل مقدار منه وصل الماء النجس به يتنجس بالملاقات.

و على كل حال لا ينجس منه الا المقدار الظاهر منه بعد الذوب الملاقي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 332

للماء النجس.

المورد الثاني: اذا كان الذهب و نحوه نجسا فاذيب

فتارة تكون في العين نجاسة مسرية فكلما لاقاه النجس من الاجزاء ينجسها اذا كانت الملاقاة مع الرطوبة.

و أمّا اذا لم تكن رطوبة في العين فمجرد ذوب الذهب و انتشاره لا يوجب أسراء النجاسة من المقدار المتنجس الى غيره من أجزاء الذهب أجزائه الباطنية الغير الملاقية لبعض اجزائه المتنجس مع الرطوبة لما قلنا في كيفية تنجس المتنجسات من عدم كفاية مجرد الميعان لسراية النجاسة في تنجس النجاسة منه الى ملاقيه بل يعتبر تأثر الشي ء عن النجس و هو يحصل بوجود الرطوبة المسرية في احدهما اقلا هذا ما عندي و ان كان كلام المؤلف رحمه اللّه غير ذلك.

المورد الثالث: بعد فرض نجاسة أجزاء الذهب اذا انجمد

ينجس ما هو ظاهره بعد الانجماد و يقبل هذا الظاهر للتطهير لا ما كان حال الذوبان لاجل الذوب من الظاهر و صار بالانجماد من الباطن لعدم امكان نفوذ الماء في باطنه الفعلي.

المورد الرابع: لو تطهر ظاهره ثم أذيب ثانيا

و الحال ان باطنه كان نجسا ينجس الظاهر أيضا بعد الانجماد لاختلاط اجزائه بالذوبان الا اذا احتمل عدم وصول النجاسة الى جميع اجزائه و ان ما صار من الظاهر هو الاجزاء التي لم تصل النجاسة بها، فالظاهر محكوم بالطهارة في كلتا الصورتين.

المورد الخامس: بعد تطهير ظاهر الذهب المنجمد بعد الذوبان

لا مانع من استعماله و أمّا حمله في الصلاة فلا يجوز بناء على عدم جواز الصلاة مع المحمول المتنجس و أمّا على القول بجوازه فلا اشكال في حمله في الصلاة و ان كان باطنه نجسا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 333

[مسئلة 32: الحلي الذي يصوغه الكافر اذا لم يعلم ملاقاته له]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: الحلي الذي يصوغه الكافر اذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته و مع العلم بها يجب غسله و يطهر ظاهره و ان بقي باطنه على النجاسة اذا كان متنجس قبل الإذابة.

(1)

اقول أمّا مع الشك في نجاسته فلاصالة الطهارة او استصحابها اذا كانت حالته السابقة الطهارة و أمّا مع العلم بنجاسة ظاهره و باطنه او نجاسة خصوص ظاهره فيطهر ظاهره بالغسل و أمّا باطنه فغير قابل للتطهير لعدم نفوذ الماء فيه.

***

[مسئلة 33: النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير بل و الغسل بالقليل اذا علم جريان الماء عليه بوصف الاطلاق و كذا قطعة الملح نعم لو صنع النبات من السكّر المتنجس او انجمد الملح بعد تنجسه مائعا لا يكون حينئذ قابلا للتطهير.

(2)

اقول: أمّا فيما تنجس ظاهر النبات و قطعة الملح التي تكون بصورة الحجر يمكن تطهيره بالماء القليل فضلا عن الكثير اذا علم جريان الماء عليه بوصف الاطلاق الى تمام الغسل و أمّا لو تنجس باطنها فلا كما مرّ في المسألة 16 لانه أمّا يستهلك النبات او الملح او يخرج الماء بالنفوذ عن الاطلاق مثل ما اذا كانا بصورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 334

الطين فانه لا يقبلان التطهير لاستهلاكها او لاضافة الماء.

و أمّا اذا كان السّكر نجسا و صنع منه النبات او كان الملح نجسا فانجمد بعد تنجسها قبل هذا الحال فحينئذ غير قابلين للتطهير لعدم نفوذ الماء المطلق بوصف الاطلاق فيهما و مع النفوذ يخرج الماء عن الاطلاق او يستهلكان فيه.

***

[مسئلة 34: الكوز الذي صنع من طين نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: الكوز الذي صنع من طين نجس او كان مصنوعا للكافر يطهر ظاهره بالقليل و باطنه أيضا اذا وضع في الكثير فنفذ الماء في اعماقه.

(1)

اقول قد مرّ في المسألة 16 عدم طهارة الباطن نعم يطهر ظاهره كما مرّ.

***

[مسئلة 35: اليد الدسمة اذا تنجست]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: اليد الدسمة اذا تنجست تطهر في الكثير و القليل اذا لم يكن لدسومتها جرم و الا فلا بد من ازالته أوّلا و كذا اللحم الدّسم و الالية فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء.

(2)

اقول: الميزان وصول الماء على المحل النجس فلو كان مانع لم يصل الماء إليه، فلا يطهر و لو لم يكن مانع يطهر و على الفرض لا تمنع الدسومة من الوصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 335

و المفروض في اللحم و الالية هو ما تنجّس ظاهرهما و أمّا مع نجاسة باطنها فلا كما مرّ.

***

[مسئلة 36: الظروف الكبار]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها كالحبّ المثبت في الارض و نحوه اذا تنجست يمكن تطهيرها بوجوه:

احدها: ان تملأ ماء ثم تفرغ ثلاث مرّات.

الثّاني: ان يجعل فيها الماء ثم يدار الى اطرافها باعانة اليد او غيرها ثم يخرج منها ماء الغسالة ثلاث مرّات.

الثالث: ان يدار الماء الى اطرافها مبتدأ بالاسفل الى الاعلى ثم يخرج الغسالة المجتمعة ثلاث مرّات.

الرابع: ان يدار كذلك لكن من اعلاها الى الاسفل ثم يخرج ثلاث مرّات و لا يشكل بان الابتداء من اعلاها يوجب اجتماع الغسالة في اسفلها قبل ان يغسل و مع اجتماعها لا يمكن ادارة الماء في اسفلها و ذلك لان المجموع يعدّ غسلا واحدا فالماء الذي ينزل من الاعلى يغسل كلما جرى عليه الى الاسفل و بعد الاجتماع يعدّ المجموع غسالة و لا يلزم تطهير آلة اخراج الغسالة كل مرّة و أن كان أحوط و يلزم المبادرة الى إخراجها عرفا، في كل غسلة لكن لا يضر الفصل بين الغسلات الثلاث و القطرات التي تقطر من الغسالة فيها لا

بأس بها و هذه الوجوه تجرى في الظروف الغير المثبتة أيضا و تزيد بامكان غمسها في الكر أيضا و مما ذكرنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 336

يظهر حال تطهير الحوض أيضا بالماء القليل.

(1)

اقول: قد عرفت في المسألة الخامسة ان المعتبر في تطهير الاناء اذا تنجّس بغير الولوغ الغسل ثلاث مرّات بالتفصيل المتقدم في تلك المسألة.

و المدرك لهذا الحكم ما رواها عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرّة يغسل قال يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثم يفرغ عنه ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصبّ فيه ثم ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ منه فقد طهر «1» فعلى هذا نقول اما الكلام في كيفية تطهير الظروف الكبار فنقول أمّا على الوجه الاول و هو ان يملأ الظرف من الماء ثم يفرغ عنه ثم يملؤه من الماء ثم يفرغ ثم يملؤه من الماء ثم يفرغ عنه فقد مرّ منّا الاكتفاء به كما مر من المؤلف رحمه اللّه أيضا الاكتفاء في المسألة 4 لما قلنا من ان الكيفية المذكورة في الرواية المذكورة «اعني رواية عمار» و ان كان المذكور في الرواية المذكورة اعتبار تحريك الماء في الظرف بعد الصب بحسب ظاهرها لكنه من المعلوم ان الامر بالتحريك لا يكون الا من باب العلم بوصول الماء بتمام اطراف الظرف لادخله مستقلا فالعبرة بوصول الماء الى جميع اطراف الظرف سواء كان بالتحريك او بأمر آخر.

و أمّا التطهير بالوجه الثاني و هو ان يجعل الماء في الظرف ثم يدار الماء بأطرافه بإعانة اليد او غيرها

ثم يخرج الماء من الظرف و يفعل ذلك ثلاث مرّات و هذا الوجه مورد الرواية المتقدمة و كفاية كون التحريك باعانة اليد او غيرها يكون من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 337

باب اطلاق الرواية من هذه الجهة فيكتفي بتحريك الماء باعانة اليد او غير اليد.

و أمّا التطهير بالوجه الثالث فاورد عليه بان التطهير بهذه الكيفية يوجب بقاء الغسالة في اسفل الظرف المغسول و تنجّس اسفله بالغسالة.

و اجيب عنه بان الرواية المتقدمة تدل على ان تطهير الظرف يحصل بافراغ المغسول عن الغسالة و افراغ الغسالة كما في هذا الوجه نحو من الافراغ.

و بعبارة اخرى تدل الرواية على ان إفراغ المغسول عن الغسالة في كل مرة معتبر و بعد التحريك و الا دارة تقع الغسالة في الظرف حتى في صورة افراغ الماء بنفسه لا بآلة فالاشكال على هذا مشترك الورود و بعد اعتبار ذلك في المحل.

نقول بانه يقع الكلام في انه هل يعتبر ان يكون الافراغ بنفسه بان ينكس الظرف حتى يخرج الماء الغسالة الباقي فيه او يكفي و لو بافراغ الغسالة بآلة و اذا بلغ الامر الى هنا نقول بان اطلاقها يقتضي الاكتفاء بالافراغ باي نحو شاء لعدم تقييد الافراغ بنحو خاص في الرواية.

و ما قيل من ان القدر المتيقن من العفو عن ماء الغسالة العفو عنه ما لم ينفصل عن المحل و أمّا اذا اصابتها النجاسة الخارجية و ان كانت منشأ هذه النجاسة الغسالة فلا دليل على العفو و على الفرض بعد كون الاخراج باعانة الآلة فالآلة تصير نجسة بملاقاتها للغسالة و بعد نجاستها ينجس المحل. و فيه ان هذا الاشكال

أوّلا، يكون مشترك الورود لانه في كل الوجوه الاربعة في كيفية تطهير الاوانى و الظروف المثبتة يكون افراغ الماء باعانة الآلة و لازم هذا الاشكال عدم جواز تطهير الظروف المثبتة الا ان يكون تحتها ثقب تخرج منها الغسالة او تطهيرها بالماء العاصم. و ثانيا، بعد فرض إطلاق الرواية من حيث الإناء و من حيث إفراغ ماء الغسالة عنه لا بدّ إمّا من تقييد الأفراغ بإفراغ المغسول عن الغسالة بنفسه لا بآلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 338

و أمّا من التصريف في طرف تنجس الآلة بماء الغسالة و انه كما يكون بقاء ماء الغسالة في الظرف الى ان يفرغه منها معفوا عنه كذلك ما يكون وسيلة الافراغ لا يوجب تنجسه بماء الغسالة او على تقدير نجاستها به تكون معفوا عنها.

اقول لا اشكال في دلالة رواية عمار المتقدمة على ان تطهير الاناء يحصل بجعل الماء فيه و التحريك الماء في الاناء ثم افراغه و لا اشكال في ان الفرد المتيقّن هو ما اذا كان التحريك و ادارة الماء فيه بتحريك الاناء لا بآلة من يد و غيرها. و لا اشكال في ان بعد ما يتحرك الاناء لان يصل الماء الى تمام جوانب الاناء و الظرف قد يتّفق يحيط الماء جانب اعلى الاناء قبل اسفله و قد يتّفق بالعكس و قد يتّفق بالترتيب بل قد يحيط الاعلى و الاسفل في زمان واحد و عرضا و اطلاق الرواية يشمل جميع الصور بمعني انه لا فرق بين وصول الماء بالتحريك أولا على الاعلى ثم على الاسفل او بالعكس او بالتساوي و مقتضي الاكتفاء بالتطهير بالكيفيات الثلاثة لاطلاق الرواية هو ان في ما احاط الماء المتحرك أو لا

اسفل الاناء ثم احاط بعده اعلى الاناء يصير الاسفل مجمع الغسالة و مع هذا لا يصير الاسفل نجسا بوقوع الغسالة فيه بل على ما ذكرنا قد يتّفق ان يغسل الاعلى او الاسفل بالغسالة الاخرى و مع هذا لا يضرّ ذلك كما في الرواية و السّر في ذلك كون كل ذلك غسلا واحدا و كفاية ذلك فكذلك في الوجه الثالث الذي يكون البناء على ادارة الماء على اطراف الاناء مبتدأ بالاسفل الى الاعلى ثم تخرج الغسالة فتكشف من ذلك اغتفار ذلك و عدم مضرّية وصول غسالة الاعلى الى الاسفل لان هذا النحو من الكيفيات التي يمكن غسل الاناء به بمقتضى الاطلاق و لو كان هذا مضرّا كان عليه البيان مع كون سؤال السائل من كيفية غسل الاناء فمن هنا نقول بانه يمكن الاكتفاء بالتطهير بالوجه الثالث و لا مجال للاشكال.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 339

و أمّا التطهير على الوجه الرابع و هو ان يدار الماء الى اطراف الاناء مبتدأ من الاعلى الى الاسفل ثم يخرج ماء الغسالة و يفعل ذلك ثلث مرّات فاستشكل عليه مضافا الى الاشكال الذي اورد على الوجه الثالث و قد عرفت جوابه بانه على هذا لا يتحقّق غسل اسفل الاناء لانه اذا ادار الماء من الاعلى الى الاسفل فيصير الاسفل مجمع الغسالة و مع اجتماع غسالة الاعلى فيه لا يجرى الماء على الاسفل حتى يصدق غسله فيبقي الاسفل على نجاسته و فيه انه مضافا الى ما قلنا في رد الاشكال الاخير في الوجه الثالث بان اطلاق الرواية يقتضي الاكتفاء باى نحو من ادارة الماء به بالتحريك سواء كان الماء يحيط الاعلى و الاسفل في عرض واحد او يحيط

أوّلا اعلى الإناء ثم اسفله او بالعكس و فيما يحيط الماء بالتحريك و الادارة أوّلا اعلى الإناء يجمع الماء في الاسفل و لكن مع هذا مقتضي اطلاق الرواية الاكتفاء في غسل الاسفل بهذا النحو و اغتفار ذلك. بان كل موضع منه اذا يغسل من فوقه الى تحته يجرى الماء أولا من فوق ثم الى الاسفل فيكون غسالة الفوق يجرى الى الاسفل و مع هذا لا اشكال في صدق غسل الاعلى و الاسفل بمجرد احاطة الماء الاعلى و الاسفل و ان اجتمع ماء الغسالة في الاسفل و يخرج بعلاج مثل القائه او اخراجه بآلة فحيث يكون هذا غسل شي ء واحد و غسالة واحدة فقد غسل الاعلى و الاسفل و جرى الماء عليهما و لا اشكال. فتلخّص بحمد اللّه ان التطهير يمكن بكل الوجوه الاربعة المذكورة.

اذا عرفت ذلك يقع الكلام في فروع

الاول بعد جواز افراغ الغسالة عن الظروف بالآلة هل يجب غسل الآلة بعد افراغ ماء الظرف في كل غسلة.

او يجب غسل الآلة بعد كل مرّة تدخل في الظرف و يخرج بها بعض ماء الغسالة.

و الفرق بين الاول و الثاني هو وجوب غسل الآلة بعد كل غسلة على الاول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 340

فتكون النتيجة بعد فرض وجوب غسل الظرف ثلاث مرّات غسل الآلة في كل غسلة من ثلاث مرّات لعدم وجوب غسلها الا في كل غسلة مرّة واحدة.

و أمّا على الاحتمال الثاني يجب الغسل في كل مرّة تدخل الآلة في الظرف لاخراج مقدار من الغسالة عن الظرف و ان اتفق ذلك مرّات في كل غسلة من الغسلات المعتبرة في غسل الظروف او لا يجب غسل الآلة اصلا لا بالنحو الاول و لا الثاني.

مقتضي اطلاق الرواية المتقدمة عدم اعتبار تطهير الآلة لانها مطلق من حيث كون اخراج الغسالة

من الظرف بقلبه و صب ماء الغسالة منه او يكون باعانة آلة و لم يبيّن في الرواية غسل آلة الاخراج مع كون السؤال عن كيفية الغسل فمن عدم بيان الامام عليه السّلام كيفية الغسل من كون اخراجها بنفسها او بالآلة و عدم الامر بغسل الآلة كشف عدم اعتبار غسل الآلة مطلقا.

و ممّا بيّنا يظهر لك ان ما قيل من عدم كون اطلاق للرواية من هذا الحيث فلا يمكن الاخذ بإطلاقه. غير تمام اذ بعد كون السؤال عن كيفية تطهير الاناء و بعبارة اخرى عن الظرف فاطلاق الرواية من حيث كون افراغ الظرف عن الغسالة بنفسه او مع الآلة يشمل كليهما و مع كون اطلاقها من حيث هذه الجهة فتدل الرواية بإطلاقها على الاكتفاء في مقام اخراج الغسالة بالآلة و يفهم المخاطب ذلك من اطلاق الكلام و ربما يؤخذ بهذا الفرد اى باستعانة الآلة فلو كان غسلها واجبا كان عليه البيان و الا لأخلّ بالعرض فمن عدم بيانه و عدم تقييده كشف عدم اعتباره.

و مع الاطلاق لا حاجة الى التمسك لعدم وجوب غسل آلة اخراج الغسالة بان المغسول لا ينجس بغسالة نفسه و على الفرض تكون نجاسة الآلة بملاقاتها لغسالة المغسول فلا ينجس الظرف المغسول بملاقاته مع آلة اخراج الغسالة لان المغسول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 341

لا ينجس بملاقات غسالته.

حتى استشكل بانه لو سلم عدم نجاسة المغسول بنجاسة غسالته حتى بعد انفصال الغسالة عنه لكن نجاسة آلة افراغ الغسالة غير نفس الغسالة و ان كانت نجاستها متخذة عن نجاسة الغسالة و لا دليل على اغتفار نجاستها كاغتفار نجاسة الغسالة فالعمدة ما قلنا من ان الوجه اطلاق الدليل.

و لكن مع ذلك الاحوط

استحبابا غسل الآلة في كل مرّة تخرج عن الظرف لا فراغ الغسالة بل الاحوط غسل الظروف المثبتة التي لا يمكن غسلها بنحو المتعارف من افراغ غسالتها عنها بقلبها او غسلها بالماء المعتصم.

الفرع الثاني: هل الواجب اخراج الغسالة عن الظرف فورا

من باب ان المتعين هذا النحو و مع التأخير يشك في ازالة النجاسة عن الظرف و بقائها و مقتضي الاستصحاب بقاء النجاسة مضافا الى ان المتعارف هو الفورية العرفية او يجوز التأخير و لا تلزم الفورية لاطلاق الرواية المتقدمة خصوصا مع قوله عليه السّلام في الرواية في كل المرّات «ثم يفرغ عنه» لظهور «ثم» في جواز التراخي.

لا يبعد جواز التأخير الا أن يدّعى ان المتعارف هو الفوريّة العرفيّة فلا بد من تنزيل المطلق على المتعارف و لكن ذلك غير معلوم لاحتمال كون المتعارف من باب احتمال دخله شرعا لا ان ذلك كان متعارفا عند العرف حتى يحمل عليه الاطلاق فالإفتاء بوجوب الفورية مشكل.

نعم هو الاحوط خصوصا لاستصحاب النجاسة.

الفرع الثالث: هل يكون المعتبر في تطهير الظرف الموالات بين الغسلات او لا

يعتبر ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 342

مقتضى الرواية المتقدمة باعتبار اطلاقها من هذا الحيث هو عدم الاعتبار خصوصا مع تعبير الامام عليه السّلام في كلامه بلفظ «ثم» حيث قال عليه السّلام «ثم يصب فيه ماء آخر».

الفرع الرابع: هل القطرات التي تقطر عن الغسالة حين افراغها في الظرف

توجب تنجّس الظرف بها او، لا توجب نجاسة الظرف بل تغتفر ذلك.

مقتضي اطلاق الرواية المتقدمة بناء على كونها في مقام البيان من هذا الحيث هو الاغتفار و لا يبعد ذلك لما قلنا من الاكتفاء بالآلة لا فراغ الغسالة من كونها في مقام البيان من هذا الحيث و منعنا الاشكال عن تطهير الظرف على الوجه الثاني و الثالث و الرابع مضافا الى انه بعد جواز افراغ ماء الغسالة بالآلة يمكن ان يقال ان تقاطر القطرات في الاثناء و حين اخراج الغسالة يكون مما لا بدّ منه غالبا بل لا ينفك تقاطر القطرات عن آلة الاخراج حال اخراج الغسالة فمع الالتزام بكفاية اخراج الغسالة بالآلة لا بدّ من الالتزام باغتفار ذلك فمعنى الاكتفاء بالآلة في الافراغ اغتفار ذلك صونا للغوية.

الفرع الخامس: هل الحياض تكون ملحقة بالظروف موضوعا و حكما

او تلحقها حكما أولا تلحق بها لا موضوعا و لا حكما يمكن ان يقال بان الحوض مثل الظرف لانه آنية الماء غاية الامر انه آنية ثابتة و هذا لا يوجب الفرق فبعد كونه مصداق الآنية فله حكم الآنية و ان ابيت عن ذلك و قلت ان الحوض لا يكون آنية موضوعا، فلا اقلّ كونه مثل الآنية حكما لوجود الملاك و هو كونه ظرفا كالآنية فعلى هذا يكون حكم الحياض حكم الظروف المثبتة على الارض و يؤيده الارتكاز العرفي كما ادعي.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 343

[مسئلة 37: في تطهير شعر المرأة و لحية الرجل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: في تطهير شعر المرأة و لحية الرجل لا حاجة الى العصر و ان غسلا بالقليل لانفصال معظم الماء بدون العصر.

(2)

اقول: بعد ما عرفت فيما سبق بان العصر يكون لاجل انفصال الغسالة لا لكونه واجبا تعبّديا نقول ان كان الشعر بحيث لا ينفصل عنه الغسالة بنفسه يجب العصر او ما بحكمه و الا لا يجب ذلك و لهذا ما قال المؤلف صحيح في غالب الشعور نعم ربما يكون بعضها كثيفا بحيث لا تنفصل الغسالة بعد الغسل ففي مثله يجب العصر في المغسول بالماء القليل.

***

[مسئلة 38: اذا غسل ثوبه المتنجس ثم رأي بعد ذلك فيه شيئا من الطين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: اذا غسل ثوبه المتنجس ثم رأي بعد ذلك فيه شيئا من الطين او من دقاق الاشنان الذي كان متنجسا لا يضرّ ذلك بتطهيره بل يحكم بطهارته أيضا لانغساله بغسل الثوب.

(1)

اقول: أمّا طهارة الثوب في غير الموضع الواقع فيه الطين و غيره فلا اشكال في طهارته و أمّا في خصوص الموضع يطهر اذا لم يكن ما وقع عليه من الطين و شبهه مانعا عن وصول الماء بهذا الموضع و أمّا الطين فيطهر ظاهره اذا وصل عليه الماء بوصف الاطلاق و أمّا لو تنجس باطنه فلم يطهر كما مر.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 344

[مسئلة 39: في حال أجراء الماء على المحل النجس من البدن او الثوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: في حال أجراء الماء على المحل النجس من البدن او الثوب اذا وصل ذلك الماء الى ما اتصل به من المحل الطاهر على ما هو المتعارف لا يلحقه حكم ملاقي الغسالة حتى يجب غسله ثانيا بل يطهر المحل النّجس بتلك الغسلة و كذا اذا كان جزء من الثوب نجسا فغسل مجموعه فلا يقال ان المقدار الطاهر تنجّس بهذه الغسلة فلا تكفيه بل الحال كذلك اذا ضم مع المتنجس شيئا آخرا طاهرا و صب الماء على المجموع فلو كان واحد من أصابعه نجسا فضم إليه البقية و أجرى الماء عليها بحيث وصل الماء الجاري على النجس منها الى البقية ثم انفصل تطهر بطهره و كذا اذا كان زنده نجسا فأجرى الماء عليه فجرى على كفه ثمّ انفصل فلا يحتاج الى غسل الكف لوصول ماء الغسالة إليها و هكذا نعم لو طفر الماء من المتنجس حين غسله على محل طاهر من يده او ثوبه يجب غسله بناء على نجاسة الغسالة و كذا لو

وصل بعد ما انفصل عن المحل الى طاهر منفصل و الفرق ان المتصل بالمحل النجس يعدّ معه مغسولا واحدا بخلاف المنفصل.

(1)

اقول: أمّا فيما وصل الماء المستعمل في غسل موضع النجس الى ما اتّصل، بالمحل فلما قاله المؤلف من ان المتصل بالمحل النجس يعدّ مع المحل النجس مغسولا واحدا بالارتكاز العرفى المنزّل على هذا الارتكاز العرفي إطلاقات الواردة في التطهير مضافا الى كون السيرة على ذلك و بناء المتشرعة على هذا و هذا شاهد على كون تلك السيرة متخذة من صاحب الشرع بل كما في بعض الكلمات يمكن التمسك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 345

على كفاية هذه الغسلة للمحل النجس و لكل موضع متصل به يصل به الماء حين غسل موضع النجس مثل الامثلة التي ذكرها المؤلف.

و عدم الموضع المتصل بحكم ملاقي الغسالة الواجب غسله على القول بنجاسة الغسالة بالإطلاق المقامي لانه بعد ما لا اشكال في انه اذا صار موضعا من الثوب او البدن نجسا و أريد غسله بالماء القليل فقهرا يصل الماء المستعمل في الغسل من موضع النجس الى اطرافه او الى اسفل هذا الموضع النجس و لا يأتي بنظر العرف لزوم غسل الموضع المتصل بالموضع المتنجس لاجل ملاقاته مع غسالة المتنجس فلو كان في نظر الشارع نجاسة الموضع المتصل بغسالة الموضع المتنجس كان عليه البيان في ادلة التطهير لكون المقام مقام بيانه فمع عدم البيان نقول بالإطلاق المقامي بعدم تنجس الموضع المتصل بالموضع المتنجس بغسالة موضع المتنجس حتى يلزم تطهيره مستقلا.

بل قد يدعي انه لو التزمنا بلزوم تطهير الموضع الملاقي لغسالة الموضع المتنجس المتصل به يكون التطهير ممتنعا لانه اذا أريد غسل الموضع المتصل بعد غسل الموضع المتنجس باعتبار

تنجسه بغسالة الموضع المتنجس فيلزم التطهير الى ما لا نهاية له لانه متى يصب الماء لتطهير الموضع المتنجس بغسالة الموضع المتنجس على الفرض فيصل الى الموضع الاول لكونه متصلا به فاذا اريد تطهيره ثالثا تصل غسالته الى الموضع الآخر و هكذا الى ما لا نهاية له.

و أمّا فيما لم يكن متصلا بالموضع المتنجس و اصابه غسالة الموضع المتنجس كما اذا قطر الماء من المتنجس الى الموضع الطاهر من بدنه او ثوبه بناء على نجاسة الغسالة يجب غسل هذا الموضع الملاقي للغسالة و الفرق بينه و بين الاول هو انفصال الثاني عن الموضع النجس و قد اصابته النجس و هي الغسالة على فرض نجاستها.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 346

[مسئلة 40: اذا أكل طعاما نجسا فما يبقي منه بين اسنانه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: اذا أكل طعاما نجسا فما يبقي منه بين اسنانه باق على نجاسته و يطهر بالمضمضة و أما اذا كان الطعام طاهرا فخرج دم من بين اسنانه فان لم يلاقه لا يتنجس و ان تبلل بالريق الملاقي للدم لان الريق لا يتنجس بذلك الدم و ان لاقاه ففي الحكم بنجاسته اشكال من حيث انه لاقي النجس في الباطن لكن الاحوط الاجتناب عنه لأنّ القدر المعلوم ان النجس في الباطن لا يتنجس ما يلاقيه مما كان في الباطن لا ما دخل إليه من الخارج فلو كان في انفه نقطة دم لا يحكم بتنجّس باطن انفه و لا يتنجس رطوبته بخلاف ما اذا دخل اصبعه فلاقته فان الاحوط غسله.

(1)

اقول: أمّا بقاء نجاسة الطعام النجس الباقي بين الاسنان فلعدم وجود ما يطهّره و لا يكون انتقاله من الظاهر الى الباطن مطهرا له مع بقائه على ما هو عليه و أمّا طهارته بالمضمضة فلعموم

ما دلّ على طهارة كل متنجس بالماء.

و أمّا عدم نجاسة الطعام الطاهر الملاقي مع الدم في الباطن و عدم تنجّس الريق بالدم و ان لاقاه و كذلك ما اذا دخل إصبعه فلاقى الدم فلان ملاقات النجاسة في الباطن لا يوجب تنجس الملاقي بالكسر سواء كان الملاقي من الباطن او من الخارج كما مرّ في المسألة الاولى من المسائل المتعلقة بنجاسة البول و الغائط و في المسألة الثالثة عشر من المسائل المتعلقة بنجاسة الدم، فراجع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 347

[مسئلة 41: آلات التطهير كاليد و الظرف الذي يغسل فيه تطهر بالتبع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: آلات التطهير كاليد و الظرف الذي يغسل فيه تطهر بالتبع فلا حاجة الى غسلها و في الظرف لا يجب غسله ثلاث مرات بخلاف ما اذا كان نجسا قبل الاستعمال في التطهير فانه يجب غسله ثلاث مرات كما مر.

(1)

اقول: أمّا عدم وجوب غسل آلات التطهير و انها تطهر بالتبع فللسّيرة القطعية على ذلك و لاطلاق المقامي و لخصوص الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه البول قال اغسله في المركن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة. «1»

وجه الاستدلال عدم تعرضه لغسل المركن بعد الغسل الاول و الثاني و هذا يدل على عدم وجوب غسل المركن و حيث لا خصوصية للمركن و لا للظرف مسلما فنقول بذلك في كل من آلات التطهير من اليد و غيرها.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 348

قوله رحمه اللّه

[الثاني من المطهرات الارض]
اشارة

«الثاني» من المطهرات الارض و هي تطهر باطن القدم و النعل بالمشي عليها او المسح بها بشرط زوال عين النجاسة أن كانت و الأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الارض النجسة دون ما حصل من الخارج و يكفي مسمى المشى او المسح و أن كان الأحوط المشى خمس عشرة خطوة و في كفاية مجرد المماسة من دون مسح او مشى اشكال و كذا في مس التراب عليها و لا فرق في الارض بين التراب و الرمل و الحجر الاصلى بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر بل الآجر و الجص و النورة نعم يشكل كفاية المطلّى بالقير و المفروش باللوح

من الخشب و ممّا لا يصدق عليه اسم الارض و لا اشكال في عدم كفاية المشى على الفرش و الحصير و البوارى و على الزرع و النّباتات الا ان يكون النبات قليلا بحيث لا يمنع عن صدق المشى على الارض و لا يعتبر أن تكون في القدم و النعل رطوبة و لا زوال العين بالمسح او المشى و ان كان احوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 349

و يشترط طهارة الارض و جفافها نعم الرطوبة الغير المسرية غير مضرّة و يلحق بباطن القدم و النعل حواشيهما بالمقدار المتعارف مما يلتزق بهما من الطين و التراب حال المشى و في الحاق ظاهر القدم او النعل بباطنهما اذا كان يمشى بهما للاعوجاج في رجله وجه قوى و أن كان لا يخلو عن اشكال كما أن إلحاق الركبتين و اليدين بالنسبة الى من يمشى عليهما أيضا مشكل و كذا نعل الدابة و كعب عصا الأعرج و خشب الأقطع و لا فرق في النّعل بين أقسامها من المصنوع من الجلد و القطن و الخشب و نحوها مما هو متعارف و في الجورب اشكال ألا إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل و يكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة و أن بقي اثرها من اللون و الرائحة بل و كذا الأجزاء الصغار التي لا تتميز كما في ماء الاستنجاء لكن الاحوط اعتبار زوالها كما ان الأحوط زوال الأجزاء الأرضية اللّاصقة بالنعل و القدم و أن كان لا يبعد طهارتها أيضا.

(1)

اقول: نذكر بعونه تعالى

الاخبار المربوطة بالمسألة

أولا ثم حكم التفريعات ثانيا فنقول:

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن مسلم قال كنت مع ابي جعفر عليه السّلام اذ مرّ على عذرة يابسة

فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك قد وطئت على عذرة فأصابت ثوبك فقال أ ليس هي يابسة فقلت بلى قال لا بأس أن الارض يطهّر بعضها بعضا «1» و الاشكال على الاستدلال بهذه الرواية في المسألة بانه بعد فرض

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 350

كون العذرة يابسة يكون عدم الباس من باب عدم كون النجاسة مسرية فالرواية غير مربوطة بمطهرية الارض غير وارد لان العذرة المفروضة و ان كانت يابسة لكن قوله عليه السّلام ان الارض يطهّر بعضها بعضا» يدل على كون الارض من المطهّرات.

الرواية الثانية: ما رواها المعلى بن خنيس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا فقال أ ليس ورائه شي ء جاف قلت بلى قال لا بأس ان الارض يطهّر بعضها بعضا «1».

الرواية الثالثة: ما رواها محمد الحلبي قال نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاقا قذر فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال أين نزلتم فقلت نزلنا في دار فلان فقال أن بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له ان بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا فقال لا بأس ان الارض يطهّر بعضها بعضا قلت فالسّرقين الرطب أطأ عليه فقال لا يضرّك مثله «2».

و قد وقع التعبير في هذه الروايات الثلاثة «و الرواية الرابعة الّتي يأتي ذكرها بعد ذلك» ان الارض يطهّر بعضها بعضا» و هو العلة لعدم البأس بملاقات النجس و أن الارض تطهّر المتنجس فيقع الكلام فيما هو المراد من العلّة فنقول انّ فيه في احتمالات:

الاحتمال الاول:

ان يكون المراد من البعض الذي يطهّره بعض الآخر و بعبارة اخرى يكون المراد من البعض الثاني الذي يكون تنجّسه بسبب الارض هو القدم او غيره و يكون إطلاق الأرض عليه من باب كون الارض سببا لنجاسته فاسناد الارض إليه باعتبار انّه متنجس بالارض بالاسناد المجازي من باب كون

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 351

سببه نجاسته الارض و على هذا تكون مطهرية الارض لخصوص ما تنجس بالارض.

الاحتمال الثاني: ان يكون المراد من البعض الثاني

في قوله «الارض يطهّر بعضها بعضا» هو الأجزاء من الارضية التي تلتصق بالرجل او بالنعل فتطهر الارض هذه الأجزاء بالمشي عليها او بالمسح بها و وجه طهارة القدم او غيره هو التعبية فالارض التي من المطهرات مطهرة للأجزاء اللّاصقة بالقدم و غيره بالأصالة و يطهر القدم و النعل و ما بحكمه بالتعبية فعلى هذا يكون المتعين من التعليل طهارة ما تنجس من أجزاء الارض بسبب الأرض.

الاحتمال الثالث: ان يكون البعض الثاني مبهما فيكون المراد ان الارض الطاهرة تطهر بعض الأشياء النجسة و من جملة هذا البعض مورد السؤال و أمّا لا يستفاد من العلة على هذا التعميم بالنسبة الى طهارة كل متنجس.

الاحتمال الرابع: ان يكون المراد من «بعض» الاول و الثاني المذكورين في الروايات هو بعض الارض بمعنى ان بعض الارض يطهر بعضها الآخر و اطلاق الارض على ما تنجس من القدم او غيره الذي علل طهارته و عدم البأس به بأن الأرض يطهّر بعضها بعضا يكون من باب علاقة المجاورة حيث انه مجاور مع الارض.

فعلى هذا يستفاد تعميم مطهرية الارض من العلة و

ان في مطهّرية الارض لا فرق بين كون النجاسة حادثة من الارض او غيرها.

هذا كله بالنسبة الى التعليل المذكور في الروايات و يظهر من بعض الكلمات ترجيح الاحتمال الرابع من الاحتمالات المتقدمة و لكن عندى تأمّل في ذلك و هذا المقدار يكفي في المقام و لعله نذكر في بعض الفروع ما ينفعك إن شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 352

الرواية الرابعة: ما رواها محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له ان طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه و ربّما مررت فيه و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلى من نداوته فقال أ ليس تمشى بعد ذلك في أرض يابسة قلت بلى قال فلا بأس ان الارض يطهر بعضها بعضا قلت فأطأ على الروث الرطب قال لا بأس فقال أنا و اللّه ربما وطئت عليه ثم اصلى و لا اغسله «1» و لا يبعد اتحاد هذه الرواية مع الرواية الثالثة لاتحاد الراوي و المروي عنه و اتحاد موضوع السؤال و الجواب باختلاف التعبير.

الرواية الخامسة: ما رواها حفص بن ابي عيسى قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اني وطئت على عذرة بخفّي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه فقال لا بأس» «2» بناء على كون المسح بالارض.

الرواية السادسة: ما رواها زرارة بن اعين قال قلت لابى جعفر عليه السّلام رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوئه و هل يجب عليه غسلها قال لا يغسلها الا ان يقذرها لكنه يمسحها حتى يذهب اثرها و يصلى «3».

اقول و ما يخطر بالبال عدم كون هذه الرواية دليلا للمسألة.

اما أولا فلعدم كفاية

المسح على الارض في المطهرية حال وجود القذر في الرجل و هي العذرة.

و ثانيا كون المسح بالارض مطهرا غير معلوم لانه لم يقل الا «و لكنه يمسحها» و لم يبين كون المسح على الارض و هذا شاهد آخر على ان المفروض عدم السراية

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 353

و المسح يكون لاجل رفع القذارة العرفية و لمجرد ملاقات الرجل مع العذرة و ان كان كل منهما يابسا.

الرواية السابعة: ما رواها الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال لا بأس اذا كان خمسة عشر ذراعا او نحو ذلك «1».

الرواية الثامنة: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار ان يمسح العجان و لا يغسله و يجوز ان يمسح رجليه و لا يغسلهما «2» و الاستدلال بهذه الرواية على المسألة يتوقف على كون المراد من مسح الرجلين مسحهما على الارض لازالة نجاستهما و طهارتهما بها و هذا غير معلوم لاحتمال كون الرواية في مقام بيان مسح الرجلين في الوضوء خلافا للعامة القائلين بغسل الرجلين في الوضوء و كان النظر الى بيان هذا الحكم بهذا النحو من البيان.

هذا كله فيما ورد في طرقنا مما يمكن ان يستدل بها على مطهريّة الارض.

و في طرق العامة روي روايتان المذكورتان في بعض كتبنا الفقهيّة «3» الاولى النبوي المنقول عنه صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم «اذا وطئ احدكم الاذي بخفيه فطهورها التراب».

و الثانية النّبوى الآخر «فى النعلين يصيبها الأذى فليمسحهما و ليصل فيهما».

هذا كله في الروايات المربوطة بالمقام و أمّا حسب الفتوى فمطهرية الارض في الجملة من المسلمات عندنا بل لا يرى مخالف الا ما حكي عن الشيخ رحمه اللّه في الخلاف مع ما ذكر من التأويل في كلامه و على كل حال لا اشكال فتوى في مطهريتها.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

(3) جامع الاحاديث، ج 2، ص 172، ح 10.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 354

كما لا اشكال بحسب الفتوى في كون المطهر هو الارض لا خصوص التراب منها و ان عبّر المحقق قدّس سرّه في الشرائع و حكي عن بعض التعبير بالتراب في المطهرية.

لكن مضافا الى امكان كون هذا من باب شيوع التعبير عن الارض بالتراب او التعبير بالتراب لاجل وروده في الخبرين المتقدمين.

نقول بانه لا اشكال من حيث الدليل بعدم اختصاص المطهرية بخصوص التراب من الارض بل يعم الحكم لمطلق الارض كما صرح بذلك بعض الروايات المتقدمة ذكرها هذا تمام الكلام في اصل الحكم في الجملة انما

الكلام في فروع المسألة.
الفرع الاول: هل مطهريّة الارض تختص بخصوص باطن القدم

او يعمّه و يعمّ باطن النعل و الخف بل كل ما يتنعّل به و ان كان غيرهما.

امّا من حيث الكلمات فعبائرهم في هذا المقام مختلفة ففي بعضها الاقتصار على القدم و النعل و في بعضها الخفّ بدل النعل و غير ذلك و أمّا من حيث الدليل.

أمّا في خصوص القدم فلا اشكال في شمول الحكم له لصراحة بعض الاخبار على ذلك كالرواية الثانية و الرابعة و السابعة و لشمول اطلاق

بعض الاخر من الأخبار له و أمّا الخف و النعل فيدل على الاول الرواية الخامسة بالخصوص بناء على كون هذه الرواية دليلا على المسألة.

و يدل على شمول الحكم لكل من الخف و النعل إطلاق بعض الاخبار المتقدمة و يدل عليهما بالخصوص النبويّان بناء على جبر ضعف سندهما بعمل الاصحاب و هو غير معلوم.

و يدل على شمول الحكم لكل ما يتنعّل به اطلاق بعض الاخبار المتقدمة و أن أبيت عن ذلك فلا اقل من الغاء الخصوصية عن النعل و الخف فيشمل الدليل الدال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 355

على النعل لكل ما يتنعّل به عند العرف. و هل فرق فيما يتنعّل به بين أقسامه أم لا الظاهر طهارة كل ما يتعارف التنعّل به من المصنوع من الجلود و القطن و الخشب و غيرها. و كذلك في الجورب أن تعارف لبسه مكان النعل لعدم الفرق في نظر العرف بين الخف و غيره مما يتنعّل به و يلغى خصوصية الخف.

و أمّا غير ذلك مما يمشى عليه مثل ظاهر القدم و ظاهر النعل اذا كان يمشى عليها و عصا الأعرج و خشبة الأقطع او الركبتين و اليدين بالنسبة الى من يمشى عليهما فلا دليل يشمله بمنطوقه لها نعم أن أمكن الغاء الخصوصية و ادعى أنه لا فرق فيما هو الملاك في مطهرية الارض بالنسبة الى القدم و الخف و النعل و بين هذه الامور كما لا يوجد ذلك نقول بمطهريّتها لها لكن الجزم بذلك مشكل، فالاحوط عدم الاكتفاء في تطهير هذه الأمور بالارض.

و أمّا في نعل الدابّة فإسراء الحكم إليه مشكل لاحتمال كون هذا الحكم مخصوصا بما يمشى معه الانسان و سريانه الى الحيوان مما

لا دليل له ثم أنه هل يلحق بباطن القدم و النعل حوالى منهما بالمقدار المتعارف مما يلتزق بهما من الطين و التراب حال المشى أم لا، الحق هو الالحاق.

الفرع الثاني: بعد كون الارض مطهّرا في الجملة و عدم اختصاص المطهر بخصوص التراب من الارض.

يقع الكلام في أن المطهر خصوص هذه الثلاثة اعني التراب و الرمل و الحجر الأصلي او يعمّ حتى الارض المفروشة بالحجر او الآجر او الجص او النورة بل يعمّ حتى المطلّى بالقير و المفروش باللوح من الخشب و أن لم يصدق عليه اسم الارض كما قال المؤلف رحمه اللّه بانه «مما لا يصدق عليه اسم الارض».

اقول أمّا الثلاثة الاولى اعني التراب و الرمل و الحجر الاصلى فلا ينبغى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 356

الاشكال في مطهّريتها لانها من الارض.

نعم ربّما يشكل في الارض المفروشة بالحجر من ان الظاهر او المنصرف إليه من الارض الواردة في الروايات هي ما تكون ارضا بحسب الوضع الاصلى و الحجر المفروش في الارض ليس كذلك.

لكن بعد التأمّل ترى انه يصدق عليه انه من الارض و أمّا الكلام في الارض المفروشة بالآجر او الجص او النورة فيشكل الالتزام بمطهّريتها بل الاقوى عدم مطهّريتها لعدم صدق الارض عليها.

كما أن الأوضح منها اشكالا الأرض المفروشة بالقير و الارض المفروشة باللوح من الخشب لعدم كونهما ارضا و كما قال المؤلف لا اشكال في عدم كفاية المشى على الفرش و الحصير و البوارى و على الزرع و النباتات الا ان يكون قليلا بحيث لا يمنع عن صدق المشى على الأرض و السر في عدم كفاية المشى عليها هو عدم كونها من الارض.

الفرع الثالث: هل يكون المعتبر في مطهّرية الارض وقوع المشى عليها

او يكفي المسح بها و ان لم يتحقق المشى عليها او لا يعتبر احدهما بل يكفي مجرد مماسة القدم او النعل مع الارض و ان لم يحصل مشى و لا مسح او لا يعتبر في مطهريتها لا مشى و لا مسح و لا مماسة بل يكفي اخذ التراب او

الرمل او الحجر الاصلى و وضع واحد منها على القدم او النعل مثلا و مسحه به حتى يذهب اثر النجاسة.

أمّا التطهير بالنحو الأخير فمما لا دليل عليه كما يظهر للمراجع في الاخبار المتقدمة ذكرها و أمّا التعليل في بعض الاخبار المتقدمة من قوله «انّ الارض يطهّر بعضها بعضا» ليس في مقام بيان كيفية مطهّريتها و ما ورد في مورد السؤال و الجواب في صدر هذه الاخبار المعللة و غيرها ليس الا مورد وقوع ما يتطهّر بالارض على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 357

الارض لا العكس.

و أمّا كفاية المشى في مقام التّطهير فهو يستفاد من الاخبار بل هو المتيقّن من موردها لصراحة بعض الاخبار في ذلك.

و أمّا المسح و ان لم يتحقق مشئ فيستفاد الاكتفاء به في المطهرية من الرواية الخامسة من الروايات المتقدمة ذكرها بناء على دلالتها على المسألة من باب حمل قوله فيها «و مسحته» على المسح على الأرض و أن كان للاشكال فيه مجال كما ذكرنا و مع قطع النظر عن ذلك نقول بان المذكور في الروايات هو الوطء على الارض و مع المسح يصدق الوطء على الارض و كان المسح مستلزما للوطء و لا عكس.

نعم لو اعتبارنا خمسة عشرة ذراعا فهي شرط آخر يعتبر في كل من المشي و المسح.

و ممّا عرفت من ان المذكور في الاخبار هو الوطء ربما يشكل الالتزام بكفاية مجرد المماسة على الارض لان المتبادر من الوطء هو ايقاع القدم او النعل على المحل بنحو اشدّ من المماسة.

الفرع الرابع: يشترط في مطهرية الارض زوال عين النجاسة عن المحل

و يدل عليه الرواية السادسة من الروايات المتقدمة بناء على كونها دليلا على المسألة.

و مع قطع النظر عن هذه الرواية نقول باعتبار هذا الشرط كما قلنا

في مطهرية الماء لانه مع بقاء العين في المحل لا معنى لطهارة المحل بالمطهّر.

الفرع الخامس: هل تكون مطهرية الارض مختصة بصورة حصلت النجاسة في المحل

مثل القدم و نحوه من الارض مثلا مشى الشّخص على الارض المتنجسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 358

بالبول او الغائط او غيرهما فيطهره الارض او تعمّ الصورة التي حصلت النجاسة من غير الارض مثلا وقعت النجاسة على القدم من غير الارض اى من الخارج اعلم ان القدر المتقين من مطهريتها.

هي الصورة الاولى لان المفروض في الروايات هذه الصورة او متيقّنها هذه الصورة.

و أمّا الصورة الثانية فتدل على شمول الحكم لها الرواية الاولى لعدم كون نجاسة العذرة المذكورة فيها مسبّبة عن الارض و كذلك الرواية السادسة بناء على كونها دليلا على المسألة.

و تدل على شمول الحكم لهذه الصورة و للصورة الاولى العلة المذكورة في بعض الروايات المتقدمة ذكرها بناء على الاحتمال الرابع من الاحتمالات المحتملة في العلة.

و لكن قد عرفت عدم كون هذا الاحتمال احتمالا ظاهرا في العلة و عدم كونه اظهر الاحتمالات في العلة فعلى هذا شمول حكم مطهرية الارض لهذه الصورة غير معلوم.

الفرع السادس: هل يكفي في مطهرية الارض بعد زوال عين النجاسة مسمى المشى او المسح بالارض،

او يعتبر المشى او المسح بالقدم او النعل خمسة عشرة خطوة كما في كلام المؤلّف رحمه اللّه او خمسة عشرة ذراعا كما في الرواية السابعة من الروايات المتقدمة.

اعلم ان المشهور عدم الاعتبار نعم حكى عن ابن جنيد اعتبار المشى خمسة عشر ذراعا اقول أمّا بحسب الروايات فجميع الروايات مطلق من هذا الحيث نعم قال عليه السّلام في الرواية السابعة منها «لا بأس اذا كان خمسة عشرة ذراعا او نحو ذلك».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 359

و ربما يتوهم دلالتها على اعتبار ذلك لان مفهوم قوله «لا بأس اذا كان خمس عشرة ذراعا «هو عدم حصول الطهارة مع عدم حصول خمسة عشرة ذراعا» و قد

يقال جوابا عن هذا الاستدلال بان بعد كون جميع الروايات المتقدمة مطلق من هذا الحيث فلا بد من حمل هذه الرواية على الاستحباب لان ساير روايات الباب مع كونها في مقام البيان يكون مطلقا فلا بد من حمل هذه الرواية على الاستحباب.

و فيه ان المبني كما بيّن في الاصول هو حمل المطلق على المقيّد و تكون النتيجة على هذا الاخذ بالمقيد و القول باعتبار هذا الشرط لانه مع وحدة الملاك في المطلق و المقيد لا بد من حمل المطلق على المقيد.

لكن مع ذلك يمكن ان يقال في المورد بل لا يبعد ذلك بأن الاعتبار بخمس عشرة ذراعا يكون لأجل حصول اليقين او الاطمينان بتحقق زوال عين النجاسة الا من باب اعتباره تعبّدا في المطهرية و الشاهد على ذلك قوله بعد ذكر خمس عشرة ذراعا» قوله «او نحو ذلك» لان نحو ذلك يشمل الأقل من خمس عشرة ذراعا أيضا فهذا شاهد على ان هذا الكلام ليس الا من باب حصول اليقين بزوال العين لا دخله بالخصوص فلا يجب ذلك الشرط.

و أمّا قول المؤلف رحمه اللّه «خمسة عشرة خطوة» فليس في الروايات ذكر من «خطوة» نعم يمكن كون تعبيره عن الذراع بالخطوة من باب كونها بقدره او قريب منه.

الفرع السابع: لا يعتبر في مطهرية الارض وجود الرطوبة في القدم او النعل

لاطلاق الروايات من هذا الحيث.

الفرع الثامن: لا يعتبر في مطهرية الارض حصول زوال عين النجاسة

بالمشي او المسح لاطلاق الاخبار من هذا الحيث و أمّا ما في الرواية السادسة من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 360

قوله عليه السّلام «و لكن يمسحها حتى يذهب اثرها» يكون في مقام بيان عدم اعتبار خصوص الغسل و كفاية المسح بالارض لا تعين تقديم زوال العين بوسيلة المسح.

مضافا الى عدم كون هذه الرواية دليلا على المسألة.

الفرع التاسع: يشترط فى طهارة الارض المطهرة للقدم او النعل طهارتها و جفافها

و ذلك لكون المغروس في الاذهان طهارة المطهّر و الماء و مع هذه المغروسيّة لا يبقي مجال للتمسك على عدم اشتراط الشرط بإطلاق الروايات المربوطة بهذه المسألة لو فرض اطلاق لها لان المتكلم بما رأى هذه المغروسية فاطلاق كلامه بملاحظة ذلك منزل على ما هو المغروس عند المخاطبين فالمطلق منزّل عليه.

مضافا الى ما قيل من دلالة الرواية السابعة على ذلك حيث قال فيها «في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ مكانا نطيفا قال لا بأس اذا كان خمس عشرة ذراعا او نحو ذلك» لدلالتها على ان المشى يقع على المكان النظيف اى الطاهر.

و فيه أولا ان ذلك وقع في سؤال السائل فلا يستفاد منه دخالة ذلك في التطهير و انه لا تحصل الطهارة بدون ذلك حتى يمتنع هذه الرواية عن الاخذ بإطلاق ما بقي من الروايات فيظهر لك ان ما يمنع الاخذ بإطلاق المتوهم للروايات من هذا الحيث هو ما قلنا من ان المغروسية عند العرف من اعتبار طهارة المطهر يمنع عن الإطلاق المتوهم من هذا الحيث.

و ثانيا كون المراد من النظيف هو الطاهر غير معلوم بل لعل المراد منه كما يشهد به صدر الرواية هو وجود القذارة في المحل الذي (ليس بنظيف) المذكور أولا و فلهذا ليس بنظيف و عدم القذارة

في فى المحل المذكور ثانيا فهو نظيف فباعتبار وجود القذارة عبّر بقول «غير نظيف» و باعتبار ذهاب عين القذر قال «نظيفا»

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 361

فنظافة الارض باعتبار عدم وجود القذر فيها و عدم كونها نظيفا باعتبار وجود القذارة فيها فلا ينافي عدم وجود القذر في المحل مع كون المحل متنجسا فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على اعتبار كون الارض طاهرا في مطهريتها.

فالوجه في اشتراط مطهرية الارض بكونها طاهرة هو ما قلنا من مغروسية ذلك عند العرف.

و أمّا الكلام في شرطية يبوسة الأرض و جفافها او عدم اعتبار ذلك.

فنقول وجه الاعتبار دلالة الرواية الثانية من الروايات المتقدمة ذكرها عليه لقوله عليه السّلام فيها «ا ليس ورائه شي ء جاف قلت بلى قال لا بأس» بعد ما سأل السائل «عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا».

و الرواية الرابعة و هو قوله عليه السّلام بعد قول السائل «ان طريقى الى المسجد في زقاق يبال فيه و ربما مررت فيه و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلى من نداوته فقال أ ليس تمشى بعد ذلك في أرض يابسة قلت بلى قال لا بأس ان الارض يطهر بعضها بعضا».

و استشكل عليه أولا بانه لا مفهوم لهما لأنّه ليس بهيئة احدى المفاهيم المعتبرة.

و فيه انه و ان لم يكن كذلك و لكن سؤال الامام عليه السّلام «أ ليس ورائه شي ء جاف» او «أ ليس تمشى بعد ذلك في ارض يابسة».

شاهد على كون المطهرية في هذه الصورة و الّا لا معني لهذا الاستفهام و هذا واضح.

و ثانيا ان المراد بالجفاف في الخبرين هو الجفاف عن النجاسة التي كانت مورد

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 362

السؤال يعنى عن نجاسة البول و الماء السائل عن الخنزير لا الجفاف مطلقا حتى عن غيرها.

و فيه انه لا يبعد كون الظاهر هو الجفاف و اليبوسة مطلقا و حمل الجفاف و اليبوسة على خصوص النجاسة الواقعة على الارض من البول او الماء الملقي من الخنزير يكون خلاف الظاهر فالاحوط بل الاقوى هو اعتبار الجفاف.

ثم ان المؤلف رحمه اللّه قال الرطوبة الغير المسرية غير مضرة.

اقول ان كان الوجه في اعتبار الجفاف هو عدم وجود الرطوبة في الارض تسرى الى باطن القدم او النعل فتنجست الارض بهما تكون الرطوبة الغير المسرية غير مضرة.

و لكن أن كان المطهر خصوص الارض اليابسة و يكون هذا حكم تعبّدى لا نعلم وجهه اصلا فتكون الرطوبة الغير المسرية مضرّة مثل الرطوبة المسرية لان الحكم مداره و حيث لا ندرى ان ما هو وجهه فنقول بان الاحوط بل الاقوى اعتباره مطلقا.

الفرع العاشر: بعد ما عرفت من الاشتراط في مطهرية الارض من زوال عين النجاسة

عما تطهره مثل القدم و النعل.

يقع الكلام في انه هل يعتبر مضافا الى زوال عين النجاسة زوال أثرها كاللون و الريح أو لا اقول الحق عدم اعتباره بل ينبغى القطع بعدم الاعتبار لعدم اعتبار ذلك في مطهرية الماء كما عرفت في محله فكيف يقال في مطهرية الارض التى يكون البناء على التسهيل و ربما يتمسك ببعض الروايات المتقدمة الدالة على عدم الباس اذا كان خمس عشرة ذهابه بدعوى عدم ذهاب اثر النجاسة فى هذا المقدار من المشى يعني لا يذهب اللون و الرائحة بهذا المقدار من المشى فيدل على عدم اعتبار هذا الشرط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 363

الفرع الحادي عشر: هل يعتبر في مطهرية الارض ازالة الاجزاء الصغار

من النجاسة الواقعة على القدم او النعل مثلا و يكون محل الكلام هو الأجزاء الصغار الغير المتميّزة الباقية على المحل من النجاسة او لا يعتبر ذلك.

قد يقال بعدم اعتباره أمّا بإطلاق الادلة من هذا الحيث.

و أمّا من باب كون البناء في مطهرية الارض على التسهيل.

و أمّا من باب كون ازالة الأجزاء الصغار من النجاسة حرجيّا.

و في كلها نظر أمّا الاطلاقات فلا وجه لان يتمسك بها مع فرض بقاء عين النجاسة و ان امكن ذلك فلازمه جواز التمسك بالإطلاق مع الاجزاء الكبار من النجاسة و لا يمكن الالتزام به.

و أمّا التسهيل فهو لا يقتضي القول بما لا دليل عليه.

و أمّا التمسك بلا حرج فهو على تقدير وجوده يرفع الحكم التكليفي و لا يرفع الحكم الوضعى و هو النجاسة.

مضافا الى انه يرفع الحكم في مورد الحرج لا مطلقا.

و اما التمسك بالرواية الثامنة من الروايات المتقدمة حيث قال فيها «جرت السّنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار ان يمسح العجان و لا يغسله و يجوز ان يمسح

رجليه و لا يغسلهما» «1» فكما لا يجب زوال الأجزاء الصغار من الغائط في تطهير مخرج الغائط بالاحجار كذلك لا يجب في مسح القدم المتنجس مثلا بالغائط في الارض و فيه أولا فتد عرفت ان الرواية ذو احتمالين و لهذا قلنا بعدم كونه دليلا في المسألة.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 364

و ثانيا لا تدل الرواية على مساواتهما في جميع الشرائط نعم لو كانت هذه الاجزاء الصغار مما لا تزال عادة الا بالماء يمكن ان يقال بعدم وجوب ازالتها لانّه مع فرض عدم ازالتها عادة الا بالماء لو كانت ازالتها واجبة في المقام يلزم لغويّة جعل الارض مطهّرا و لكن هذا الكلام أيضا قابل الدّفع لانّه يلزم من ذلك عدم كون الارض مطهّرا فيما كان في القدم و النّعل من هذه الاجزاء و تنحصر مطهّريتهما بما لا يكون فيهما من هذه الاجزاء او يطهّر القدم و النّعل و ان بقى موضع اشغال هذه الاجزاء من القدم و النّعل على نجاسته لعدم تحقّق المشى او المسح في هذا الموضع فالاحوط وجوب ازالتها.

الفرع الثانى عشر: هل يجب ازالة الاجزاء الصغار الارضيّة اللاصقة بالنعل او القدم او لا.

اقول أمّا الاجزاء الارضية اللّاصقة بالقدم او النعل سواء كانت مختلطة بالاجزاء الصغار من الاعيان النجسة او لم تكن مختلطة بالاجزاء الصغار من الاعيان النجسة فنقول بطهارتها بالارض بالالتزام لان طهارة القدم و النعل بالارض تقتضى طهارة هذا الاجزاء بالالتزام كما تقتضى طهارة المتنجس بغسله في الماء طهارة البلل المتخلف.

مضافا الى دلالة بعضى الروايات المتقدمة المصرّحة فيه «ان الارض يطهر بعضها بعضا» بناء على حمل الكلام على ان ما تنجس من الاجزاء الارضية يطهر ببعض الارض و يطهّر القدم و

النعل بالتبع.

و فيه أمّا طهارتها بالالتزام فنقول ان الملازمة تقتضي ذلك فيما كان الحكم بالملزوم غير منفك عن الحكم باللّازم كما في الحكم بطهارة المختلف و الحكم بطهارة المتنجس من البلل و في المقام يمكن التفكيك اذ لا مانع من طهارة القدم و النعل بالمس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 365

بالارض بالمشي او المسح و بقاء نجاسة الاجزاء الارضية اللّاصقة في بعض مواضع القدم فيبقى هذه الاجزاء على النجاسة و ما تحتها من القدم و النعل الّذي لم تقع بينه و بين الارض مماسة بالمشي او المسح.

و أمّا العلّة المذكورة في بعض من الروايات المتقدمة ذكرها و قد عرفت انها ذوات احتمالات و ليس هذا الاحتمال ظاهر الاحتمالات او اظهرها فعلى هذا نقول الاحوط وجوبا زوال الاجزاء الارضية اللّاصقة بالقدم او النعل.

***

[مسئلة 1: اذا سرت النجاسة الى داخل النعل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا سرت النجاسة الى داخل النعل لا تطهر بالمشي بل في طهارة باطن جلدها اذا انفذت فيه اشكال و ان قيل بطهارته بالتبع.

(1)

اقول: أمّا عدم طهارة داخل النعل بالمشي او بالمسح فلعدم شمول دليل مطهرية الارض للداخل الغير المماس مع الارض و لو شك في ذلك يكون المرجع استصحاب النجاسة.

و أمّا طهارة باطن جلد النعل اذا نفذت النجاسة فيها فقد يقال بطهارته بالتبع.

و فيه ان الطهارة التبعية محتاجة الى الدليل و لا دليل عليها في المقام لأن مقتضى الدليل مطهرية الارض لما يمسّها من القدم او النعل.

و ما قيل من ان النّبويّين المتقدّمين في طى الروايات المتقدمة بإطلاقهما يدلّان على طهارة الباطن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 366

ففيه انه لو كان لهما اطلاق من هذا الحيث اي من حيث الخف او النعل

فلازمه طهارة غير ما يلاصق الارض من الخف و النعل بما لاصق منهما على الارض بل الحق عدم كون النبويين في مقام بيان ذلك بل يكون في مقام مطهرية التراب في الجملة و لو فرض لهما اطلاق فهو بدوى فلا بد من صرف الاطلاق الى خصوص صورة مماسة الخف او النعل بالارض.

***

[مسئلة 2: في طهارة ما بين اصابع الرجل اشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: في طهارة ما بين اصابع الرجل اشكال و اما اخمص القدم فان وصل الى الارض يطهر و الا فلا، فاللّازم وصول تمام الاجزاء النجسة الى الارض فان كان تمام باطن القدم نجسا و مشى على بعضه لا يطهر الجميع بل خصوص ما وصل الى الارض.

(1)

اقول: أمّا الكلام في طهارة ما بين اصابع الرجل و عدمه فلا وجه للقول بطهارته الا دعوى طهارته بالتبع و لا دليل عليه كما عرفت. او دعوى دلالة الرواية السابعة من الروايات المتقدمة ذكرها على طهارته لقول السائل فيها «رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها» لان الرجل اذا ساخت في العذرة تصل العذرة بما بين اصابعه غالبا.

و فيه أولا لا تكون الرواية دليلا على المسألة.

و ثانيا ان كان ما ادعى تماما فيقال تشمل الرواية ظهر القدم أيضا لو تنجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 367

لأنّه اذا ساخت رجله في العذرة ربّما تصل العذرة الى ظهر القدم و بعدم التفصيل في الجواز نكشف كون الحكم في الطهارة شاملا للظاهر أيضا و هذا مما لم يقل به احد فهذا شاهد آخر على عدم كون الرواية في مقام مطهرية الارض.

و أمّا اخمص القدم فالمقدار الذي يمسّ الارض بالمشي او المسح فيطهر بالارض.

و أمّا المقدار منه الذي لا يمس الارض بالمشي او المسح فلا

يطهر.

و مما مر تعرف ان كل جزء من باطن القدم او النعل الذي يمسّ الارض بالمشي او المسح يطهر على الترتيب الذي ذكر في المباحث الماضية و الا فلا.

***

[مسئلة 3: الظاهر كفاية المسح على الحائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الظاهر كفاية المسح على الحائط و ان كان لا يخلو عن اشكال.

(1)

اقول: تقدم اعتبار مسح القدم بالارض لا مسح الارض بالقدم فيقال بعدم كفاية المسح على الحائط لان ذلك يكون مسح الارض بالقدم.

و فيه انه في الفرض يمسح القدم بالحائط و لكن يشكل ذلك بان الاخبار الدالة على مطهرية الارض و ان كانت دالة على كون المسح على الارض و يكون الحائط من الارض و لكن المذكور في الاخبار هو الوطء على الأرض و هذا ليس وطيا على الارض و لهذا لا يكفي.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 368

[مسئلة 4: إذا شك في طهارة الارض يبنى على طهارتها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا شك في طهارة الارض يبنى على طهارتها فتكون مطهّرة الا اذا كانت الحالة السابقة نجاستها و اذا شك في جفافها لا تكون مطهّرة الا مع سبق الجفاف فيستصحب.

(1)

اقول: أمّا فيما شك في طهارة الارض فيكون وجه الحكم بطهارتها استصحاب الطهارة فيما كانت حالة سابقة الارض الطهارة او اصالة الطهارة فيما لا يعلم حالتها السابقة و لا مجال لانّ يقال بجريان استصحاب نجاسة القدم او النعل لانه من المعلوم عدم جريان الاستصحاب في المسبب مع وجود الاستصحاب او الاصل في السبب و في المقام منشأ الشك في بقاء نجاسة القدم او النعل ليس الا طهارة الارض و عدمها و بعد جريان الاصل في السبب و هو الاستصحاب في صورة كون الارض مسبوقة بالطهارة او اصالة الطهارة فيما لا يعلم حالتها السابقة فببركة احد الاصلين يثبت طهارة الارض فلا يبقى مجال لاستصحاب نجاسة القدم او النعل.

و أمّا ان كان الشك في جفاف الارض و عدمه فان كانت حالتها السابقة الجفاف فيستصحب جفافها و تكون الارض مطهرة

للقدم او النعل.

و أمّا فيما لا يعلم حالتها السابقة من حيث الجفاف و عدمه فلا تكون الارض مطهرة بل يستصحب نجاسة القدم او النعل.

***

[مسئلة 5: اذا علم وجود عين النجس او المتنجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا علم وجود عين النجس او المتنجس لا بد من العلم بزوالها و اما اذا شك في وجودها فالظاهر كفاية المشى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 369

و ان لم بزوالها على فرض الوجود.

(1)

اقول: أمّا في الصورة الاولى فلما عرفت من انه يشترط في مطهريّة الارض زوال عين النجاسة او المتنجس عن القدم و نحوه مما تطهّره الارض.

و امّا فى الصورة الثانية و هي ما اذا شك في وجود عين النّجس او المتنجس من رأس فلا يحتاج الى تحصيل العلم بعدم وجودها و لا العلم بزوالها على فرض وجودها و يكفي في عدمها استصحاب عدمها السابقة.

***

[مسئلة 6: اذا كان في الظلمة لا يدرى ان ما تحت قدمه ارض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا كان في الظلمة لا يدرى ان ما تحت قدمه ارض، او شي ء آخر من فرش و نحوه لا يكفي المشى عليه فلا بد من العلم بكونه ارضا بل اذا شك في حدوث فرش و نحوه بعد العلم بعدمه يشكل الحكم بمطهريّته أيضا.

(2)

اقول: أمّا فيما يكون شاكّا في ان ما تحت قدمه ارض او غيره فلا يكفي مسح القدم عليه في حصول الطهارة لان موضوع الحكم هو الارض و لا بد من العلم بالموضوع حتى يعرضه الحكم و مع الشك يستصحب نجاسة القدم.

و امّا مع الشك فى حدوث المانع بين القدم و الارض فلا يدرى انه يمشى على الارض او لا فأيضا لا يحكم بطهارة القدم لانه لا بد من احراز الشرط و هو المشى على الارض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 370

و استصحاب عدم حدوث المانع من باب دعوى ان حالته السابقة هي العدم فيستصحب غير مفيد لان هذا لا يثبت وجود الشرط الا على

القول بحجية الاصول المثبتة و قد مضى في الاصول عدمها.

***

[مسئلة 7: اذا رقّع نعله بوصلة طاهرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا رقّع نعله بوصلة طاهرة فتنجست تطهر بالمشي و اما اذا رقعها بوصلة متنجسة ففي طهارته اشكال لما مرّ من الاقتصار على النجاسة الحاصلة من المشي على الارض.

(1)

اقول: امّا في الصّورة الاولى لاطلاق النّص او لترك الاستفصال و امّا في الثّانية فلانّ المتيقّن من النّص مطهريّة الارض لكلّ ما تكون نجاسته مسبّبة عن الارض او عن المشى على الارض، لا ما تنجّس من غير الوجهين.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 371

[الثالث من المطهرات الشمس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

«الثالث» من المطهرات الشمس و هي تطهّر الارض و غيرها من كل ما لا ينقل كالابنية و الحيطان و ما يتّصل بها من الأبواب و الاخشاب و الاوتاد و الاشجار و ما عليها من الاوراق، و الثمار و الخضراوات و النّباتات ما لم تقطع و ان بلغ أو ان قطعها بل و ان صارت يابسة ما دامت متصلة بالارض او الاشجار و كذا الظروف المثبتة في الارض او الحائط و كذا ما على الحائط و الابنية ممّا عليها من جص و قير و نحوهما من نجاسة البول بل ساير النجاسات و المتنجسات و لا تطهر من المنقولات الا الحصر و البوارى فانها تطهّرهما أيضا على الاقوى و الظاهر ان السفينة و الطرّادة من غير المنقول و في الگارى و نحوه اشكال و كذا في الچلابية و القفّة و يشترط في تطهيرها ان يكون في المذكورات رطوبة مسرية و أن تجففها بالاشراق عليها بلا حجاب عليها كالغيم و نحوه و لا على المذكورات فلو جفت بها من دون اشراقها و لو باشراقها على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 372

ما يجاورها او لم تجف

او كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر نعم الظاهر ان الغيم الرقيق و الريح اليسير على وجه يستند التجفيف الى الشمس و اشراقها لا يضر و في كفاية اشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الارض اشكال.

(1)

اقول: نذكر بعونه تعالى أوّلا: الاخبار المربوطة بمطهّرية الشمس و ما يستفاد منها.

الثاني: نذكر التفريعات التى تعرض لها المؤلف رحمه اللّه فنقول

أمّا الاخبار المربوطة بالمسألة فستة.

الرواية الاولى: ما رواها زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن البول يكون على السطح او في المكان الذي يصلى فيه فقال اذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر «1».

الرواية الثانية: ما رواها عثمان بن عبد الملك عن ابى بكر الحضرمي عن ابي جعفر عليه السّلام، قال يا أبا بكر ما اشرقت عليه الشمس فقد طهر «2» و هاتان الروايتان صريحتان في كون الشمس مطهرا و بالاسناد المذكور في الرواية الثانية رواية اخر عن ابي جعفر عليه السّلام كلما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر «3» فلا يبعد كونهما رواية واحدة.

الرواية الثالثة: ما رواها حريز عن زرارة و حديد بن حكيم الازدي جميعا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 29 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 29 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 373

قالا قلنا لابي عبد اللّه عليه السّلام السطح يصيبه البول او يبال عليه يصلى في ذلك المكان فقال ان كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس به الا ان يكون يتخذ مبالا «1» اقول لا دلالة للرواية على مطهريّة الشمس بل المستفاد منها انه مع اصابة الشمس و الريح عليه يصير

المكان جافا فلا يكون في المكان نجاسة مسرية كى تضر بصلاته لانه مع جفاف المحل لا ينجس بدنه او لباسه بالنجاسة حتى كانت مضرة بصلاته لعدم سراية النجاسة مع جفافها.

نعم لو كان المراد من جواز الصلاة فيه باعتبار موضع السجود تدل على جواز السجود و هو اعم من المطهرية اذ ربما كان مجرد العفو كما يأتي انه مختار بعض في الشمس لا المطهرية و ان كان هذا الاحتمال بعيد اذ لا يفهم العرف من ذلك الا كون الشمس مطهّرا كما لم يكشف من عدم جواز الصلاة الا النجاسة و من الجواز الطهارة و بهذا قلنا بنجاسة كل النجاسات و مطهرية المطهرات و الّا قلّ مورد كان التعبير عن النجس بالنجاسة او عن المطهّر بلفظ الطّهارة.

فعلى هذا نقول بعنوان نتيجة البحث ان الرواية ذو الاحتمالين.

الرواية الرابعة: ما رواها عمار الساباطى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال سئل عن الموضع القذر يكون في البيت او غيره فلا تصيبه الشمس و لكنّه قد يبس الموضع القذر قال لا يصلّى عليه و أعلم موضعه حتى تغسله و عن الشمس هل تطهر الارض قال اذا كان الموضع قذرا من البول او غير ذلك فاصابته الشمس ثمّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة و ان اصابة الشمس و يبس الموضع القذر و كان رطبا فلا يجوز الصلاة حتى ييبس و ان كانت رجلك رطبة او جبهتك رطبة او غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك الموضع حتى ييبس و ان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 29 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 374

كان غير الشمس اصابه

حتى ييبس فانه لا يجوز ذلك «1».

و هذه الرواية تدل على جواز الصلاة على الموضع القذر اذا يبسته الشمس و الكلام فيها هو الكلام في الرواية السابقة و انّه هل يستفاد منها كون الشمس مطهّرا او سببا للعفو «على الكلام فيه» او ليس جواز الصلاة مع الجفاف الا من باب عدم وجود نجاسة مسرية و حملها على الاول مبنى على كون السؤال و الجواب عن موضع السجود من الصلاة او تمام مواضع الصلاة حتى موضع السجدة المعتبر فيه الطهارة كما يؤيد ذلك قوله.

«فالصلاة على الموضع جائزة» لان السجود يقع على الموضع و الصلاة تقع في الموضع فيكون جفاف الشمس موجبا للعفو عن نجاسة الموضع بناء على قول من يقول بان الشمس توجب العفو او موجبا لطهارة الموضع بناء على المشهور.

و ربما يقال بان الخبر لا يدل الا على مجرد العفو عن السجود لانه عليه السّلام لم يقل في الجواب الا بجواز الصلاة على الموضع القذر اذا يبس بالشمس و هو اعم من الطهارة اذ ربما كان مجرد العفو عن الصلاة عليه.

و فيه ان الظاهر مع كون السؤال عن مطهرية الشمس هو ان جواز الصلاة يكون من باب مطهريّة الشمس و طهارة المحل بها و الا لو كان النظر الى مجرد العفو فقد اخل في جواب السائل و ما اجاب عنه و هذا خلاف الظاهر و على كل حال على فرض عدم استفاده مطهرية الشمس من الروايتين ففي ما صرّح فيه على مطهرية الشمس غنى و كفاية كما يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

و هنا اشكال من حيث الجملة الثالثة من الرواية و هي قوله «و ان كانت رجلك رطبة او جبهتك او غير ذلك

منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 375

ذلك الموضع حتى ييبس» بدعوى ان مفهومها يقتضي جواز الصلاة عليه بعد اليبوسة مع عدم يبوسته بالشمس و لازمها جواز السجود على الموضع القذر بعد يبوسته للاطلاق مع ان موضع السجود يعتبر طهارته حتى عن النجاسة الغير المسرية اقول.

أمّا أولا فعلى فرض ورود هذا الاشكال على هذه الجملة فلا يكون منافيا من الاخذ بالجملة السابقة عليها المربوطة بالمقام.

و ثانيا قوله بعد ذلك الجملة «و ان كان غير الشمس اصابه حتى ييبس فانه لا يجوز ذلك» بناء على كون الصادر هو «غير الشمس» يدل على انه لو جفّ بغير الشمس لا يجوز الصلاة عليه فبقرينة هذا الذيل نفهم ان المقصود من الجملة الثالثة هو عدم جواز الصلاة حتى ييبس الموضع بالشمس و ان كان الصادر عن الامام هو «عين الشمس» كما حكى عن بعض النسخ فيكون قوله «و ان كان عين الشمس اصابته حتى ييبس فانه لا يجوز ذلك» قرينة أيضا لفهم الجملة الثالثة فيكون المراد من الجملة الثالثة بقرينة ما في الذيل هو انه ان كانت رجلك او جبهتك او غير ذلك رطبة فلا تصل حتى ييبس و ان كان عين الشمس اصابته حتى ييبس بالشمس فانه لا يجوز مع عدم اليبوسة بالشمس فلا يرد الاشكال نعم احتمال كون الصادر «عين» بدل «غير» بعيد خصوصا مع كون الوارد هو «ان كان غير الشمس اصابه» و اتيان كان و اصابه مذكرا لم يصح لان الشمس مؤنث ثم انه على كل حال لا ظهور لهذه الفقرة في كون اصابة

الشمس موجبا للعفو لا للطهارة نعم محتمل ذلك في هذه الفقرة و لكن الظاهر من الفقرة الثانية حصول الطهارة باصابة الشمس مع تجفيفه بها فتأمل.

الرواية الخامسة: ما رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع قال سألته عن الارض و السطح يصيبه البول و ما أشبهه هل تطهر الشمس من غير ماء قال كيف يطهر من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 376

غير ماء «1» و استدل عليه لعدم كون الشمس مطهّرا لانه عليه السّلام قال في الرواية المذكورة بعد سؤال السائل عن مطهريّة الشمس بقوله «كيف يطهر من غير ماء.

و فيه ان المعلوم من الرواية كون مطهريّة الشمس مفروغا عنها عند السائل في الجملة و كان سؤاله من حيث آخر و هو انه هل يشترط في مطهريّتها وجود الماء و الرطوبة في الموضع النجس حتى تجفّفه الشمس أم لا يعتبر ذلك و الظاهر من جواب الامام عليه السّلام هو كون مطهريّة الشمس مشروطة بوجود الماء و الرطوبة في الموضع النجس فيجف بسبب اشراق الشمس عليه فيصير طاهرا فلا وجه لما استدل عليها بعدم مطهرية الشمس مطلقا.

الرواية السادسة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام في حديث قال سألته عن البوارى يصيبه البول هل تصحّ الصلاة عليها اذا من غير ان تغسل قال نعم لا بأس «2» و هذه الرواية وردت في خصوص البوارى.

و الاستدلال بها على مطهريّة الشمس للبوارى يتوقف على حمل الجفاف الوارد في الرواية على الجفاف بالشمس بمعنى آنها اذا جففت بغير الشمس مع فرض نجاستها لا يجوز السجود عليها فمن هنا نكشف ان المراد من قوله تصح الصلاة عليها» في الرواية خصوص الجفاف بالشمس و

فيه ان استفادة الحكم من الكلام يتوقف على ظهور الكلام فيه و مجرد كون المفروغ عنه في الخارج عدم جواز السجود بالنجس لا يوجب حمل الكلام على امر غير مركوز في الكلام بل الظاهر من الخبر في حد ذاته هو جواز الصلاة على البوارى اذا اصابتها البول اذا جفت و اطلاقه يقتضي الاكتفاء بمطلق الجفاف سواء كان بسبب الشمس او غيرها و عدم امكان الاخذ بهذا

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 29 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 29 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 377

الظهور لا يقتضي حمله على ما لا يساعده ظاهره نعم يمكن حمله على غير موضع السجود لانها اذا جفت تصح الصلاة عليها و جعلها مكان المصلى غير موضع سجوده فعلى هذا استفادة مطهريّة الشمس للبوارى من هذا الخبر غير ممكن.

و مثلها من حيث عدم الدلالة على المدعى روايتان رواهما على بن جعفر «1»، «2» و يدل على مطهرية الشمس، أيضا ما رواها في دعائم الاسلام و في الجعفريات و فقه الرضوى «3».

هذا كله في الاخبار المربوطة بالمسألة.

و أمّا من حيث الفتوى فالمشهور قائلون بمطهريّة الشمس من القدماء و المتأخرين في الجملة و في قبال المشهور المحكى عن المفيد رحمه اللّه و بعض آخر هو عدم مطهريّة الشمس، بل اذا اصاب المكان النجس من الارض الشمس و جففته لا تقضى الاصابة الا العفو عن التيمم و السجود عليه و استجود هذا القول المحقّق رحمه اللّه في المعتبر اذا عرفت ذلك نقول

الكلام يقع في فروع:
الفرع الاوّل: هل الشمس مطهر لما اصابته و جففته

او لا تفيد الّا العفو عن التيمم به و السجود عليه مع بقاء نجاسة موضع السجود الحق الاول كما

ذهب إليه المشهور و يدل عليه الخبر الاول، و الثّاني بالصراحة بل الخبر الرابع على ما بيّنا فلو كان بعض الروايات مجملا من هذا الحيث و لم يفد الا جواز الصلاة و هو القابل لان يكون منشأه طهارة الارض بالشمس و قابل لان يكون منشأه العفو عن التيمم و الصلاة عليه في مقام السجدة و ان كان باقيا على نجاسته و لكن لنا فيما بقي من

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 30 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

(3) راجع جامع احاديث الشيعة باب 37 من ابواب النجاسات، ج 2، ص 173، ح 4- 6- 7- 9.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 378

الروايات غنى و كفاية.

الفرع الثاني: هل المطهريّة مخصوصة بالارض فقط
اشارة

كما حكى عن بعض او تعم الارض و غيرها مما لا يمكن نقله كالابنية و الابواب المنصوبة بها و غيرها من الجص و الآجر و المسامير المركوزة فيها و النباتات القائمة على اصولها و الأشجار و الاثمار الموصولة بها، و حتى خصوص الحصر و البوارى من المنقولات. اعلم ان الكلام يقع في مواقع:

الموقع الأوّل: في خصوص الارض

و لا مجال على الاشكال في مطهرية الشمس للارض نصا و فتوى و هذا المورد هو المصرّح في بعض الاخبار المذكورة و قدر المتيقن في بعضها الآخر.

الموقع الثاني: غير الارض مما لا يمكن نقله

بوضعه الفعلى كالابنية و غيرها فنقول أمّا في خصوص الأبنية فلا مجال للاشكال في مطهرية الشمس لها لان مورد بعض الروايات المتقدمة يكون السطح و هو ليس الا في الأبنية.

مضافا الى شمول المكان الواردة في الرواية الاولى من الروايات المتقدمة للابنية و شمول عموم الرواية الثانية او اطلاقها لها.

و أمّا بالنسبة الى غير الارض و الابنية من غير المنقولات فقد يقال بشمول قول السائل في الرواية الاولى «عن البول يكون على السطح او في المكان الذي يصلى فيه» له بدعوى ان المكان عام فيشمل كل مكان و ان لم يكن ارضا او بيتا بل كل شجر او نيات.

و فيه ان المكان أمّا لا يشمل غير الارض و الابنية رأسا او منصرف الى خصوصهما فلا يشمل الباب الموضوع على البيت، نعم النبات اذا كان ثابتا على الارض فيصدق عليه المكان، فالعمدة شمول الحكم لكل ما لا ينقل هو كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 379

المنصرف إليه من اطلاق الرواية الثانية او متيقنها هو كل ما لا ينقل بناء على كون المنقول ما اشرفت عليه الشمس فقد طهر او عمومها بناء على كون المنقول «كلما اشرفت عليه الشمس فهو طاهر» بناء على كون الروايتين رواية واحدة كما احتملناه و الاشكال في سند الرواية او دلالتها يأتي إن شاء اللّه في المواقع الثالث.

الموقع الثالث: يقع الكلام في خصوص الحصر و البوارى

و انه هل تطهرهما الشمس كما عليه الشهرة او الاجماع او لا تطهرهما.

اقول أمّا بعض الروايات التي موردها الارض او السطح فلا مجال لتوهم شموله لهما، فما يمكن ان يستدل به على مطهريتها لهما امور.

الأمر الاوّل: التعبير في الرواية الاولى بالمكان و ان المكان عبارة عن كل مورد يتمكن فيه الانسان

و لا فرق في ذلك بين كونه ارضا او غير ارض فيشمل المنقول مثل غير المنقول لعدم تفصيل الامام عليه السّلام في مقام الجواب بين المنقول و غير المنقول نعم من المسلم عند فقهائنا رضوان اللّه عليهم عدم كون الشمس مطهرا للمنقولات الا الحصر و البوارى فيخرج غير الحصر و البوارى فتبقيان تحت عموم المكان.

و استشكل بأن المكان في الرواية لا يشمل غير الارض لان الظاهر من قول السائل عن البول يكون على السطح او في المكان الذي يصلى فيه»، هو كون المكان كالسّطح موضعا معدّا للبول و هذا لا يناسب الا مع خصوص الارض لا كل مكان لعدم كون المكان المفروش بالحصير او بالفرش معدّا للبول.

و فيه ان فرض السائل ليس الا عن السطح و المكان يقع فيهما البول لا كونهما معدّين للبول و هذا يناسب مع المكان المفروش، لانه ربما يبول فيه الطفل او عن غيره احيانا بل قوله أو في المكان الذي يصلى فيه ظاهر في عدم كون المكان معدا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 380

للبول لان المكان الذي يصلى فيه لا يبال فيه فالكلام في شمول عموم المكان للحصير و عدم شموله له هو الكلام في الرواية الثانية يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه في الامر الثاني فنقول.

الأمر الثاني: الاستدلال على مطهرية الشمس للحصر و البوارى بالرواية الثانية لان قوله عليه السّلام «ما اشرقت عليه الشمس فقد طهر» او «كلما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر».

يدل بإطلاقه او عموم للحصر و البوارى.

و قد يورد عليه بضعف سند الرواية و ردّ بان ضعفها منجبر بعمل الاصحاب.

اقول مضافا الى آنها موثوق بها و يكفي في حجّية الخبر الوثوق بصدوره.

و يرد

عليها أيضا بان القول بإطلاق الرواية او عمومها يوجب تخصيص الاكثر و هو مستهجن لخروج تمام المنقولات غير الحصر و البوارى عن تحت هذا العموم لما يدعى من عدم قائل بمطهريتها للمنقولات غير الحصر و البوارى فلا بد من حمل ما في قوله عليه السّلام «ما أشرقت عليه الشمس» او كلما في قوله عليه السّلام «كلما اشرقت عليه الشمس» على خصوص الارض و الاشياء الثابتة في الارض فرارا عن لزوم تخصيص الاكثر.

و قد يقال جوابا عنه، أمّا أولا، بان تخصيص الاكثر فرع كون المنقولات اكثر من غير المنقولات و ليس كذلك بل غير المنقول افراده اكثر فلا يلزم من تخصيص المنقول غير الحصر و البوارى تخصيص الاكثر.

و فيه انه ان كان افراد العام افراد المنقول و غير المنقول فلا اشكال في كون المنقول اكثر فيلزم المحذور.

و أمّا ثانيا فلان تخصيص الاكثر يلزم ان كان افراد المنقول كالفرش و الظرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 381

و اللباس و غيرها فردا للعام فيستشكل استثناء المنقول غير الحصر و البوارى لانه توجب تخصيص الاكثر. و أمّا ان كان العام له فردان احدهما غير المنقول و الآخر المنقول فلا يوجب عموم الرواية و شموله للمنقول و غير المنقول و استثناء غير الحصر و البوارى من المنقول تخصيص الاكثر، لأنّه على هذا بقى تحت العام احد فرديه و هو غير المنقول و بعض افرد من الآخر و هو الحصر و البوارى من المنقول و لهذا نقول، بان الرواية الثانية بإطلاقها او عمومها تشمل الحصر و البوارى فتكون الشمس مطهرة لهما، نعم هنا كلام و هو انه لا يبعد عدم كون اطلاق او عموم من رأس للرّواية

يشمل الغير المنقول، بل المتيقن او المنصرف إليه منها هو غير المنقول بدعوى ان المراد ما يكون من شانه ان تشرق عليه الشمس لثباته و تمكنه فلا تشمل المنقول من رأس و على هذا لا تشمل الرواية الحصر و البوارى أيضا.

و بما قلنا فى الجواب الثانى يمكن ان يقال بدلالة شمول عموم المكان في قوله «او في المكان الذي يصلى فيه» في الرواية الاولى للحصر و البوارى لان المكان اعم و لم يفصّل في الجواب بين الامكنة نعم يخرج منه ما لم يفت به من غير الحصر و البوارى من المنقول و لا يوجب تخصيص الاكثر، لكن كما قلنا في الرواية الثانية يمكن دعوى كون المتيقّن او المنصرف إليه هو خصوص غير المنقول، ثم انه ان قلنا بدفع الاشكال عن تخصيص الاكثر بما قلنا فهو و الا نقول بعد كون الاخذ بالعموم موجب لتخصيص الاكثر فاستعمال العام و إرادة بعض الافراد يكون مجازا فلا بد من الاخذ باقرب المجازات و هو خصوص غير المنقول فأيضا لا تشمل الرواية الثانية و كذا الاولى الحصر و البوارى.

الأمر الثالث: الرواية 3 من الباب 29 من ابواب النجاسات من الوسائل.

المتقدمة ذكرها و قد بيّنا عدم دلالتها على مطهرية الشمس للحصر و البوارى.

الأمر الرابع: الشهرة بل الاجماع المدّعاة على مطهريّتها لهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 382

و فيه انه مع احتمال كون المشهور او المجمعين مستدلّين عليه ببعض الروايات مثل اطلاق الرواية الاولى او الثانية او على الرواية السادسة فلا يمكن التعويل عليها هذا.

و بعد اللتيا و التي ما يمكن ان يكون وجها لمطهّريتها لهما أمّا الرواية الاولى و الثانية و أمّا الشهرة او كلها مع ما

بيّنا من الاشكال في الوجوه المتمسكة على مطهريتها لهما، فالاحوط ترك تطهيرهما بها.

الفرع الثالث: هل الشمس تطهر السفينة و الطّرادة

من غير المنقول بل و المكارى و الچلابية و القفّة أم لا، قال المؤلف رحمة اللّه عليه بمطهريتها للاوليّين فقط، و لم اعرف فرقا، فان قلنا بان المكان في الرواية الاولى او اطلاق الرواية الثانية او عمومها يشمل للسفينة و الطّرادة فكذلك للمكارى و اخواتها و ان لم نقل فلا فرق أيضا، و الاحوط عدم مطهريتها لهذه الامور لما قلنا من الاشكال في شمول مطهريتها للحصر و البوارى مع انه في الحصر و البوارى قامت الشهرة او الاجماع على مطهريتها لهما بخلاف السفينة و اخواتها.

الفرع الرابع: و يشترط في تطهيرها ان يكون فيما يطهرها رطوبة مسرية

تجفّ باشراق الشمس عليه لما عرفت من اعتبار ذلك الشرط في بعض اخبار الباب و به يقيّد الاخبار المطلقة.

الفرع الخامس: يشترط أن يكون اشراقها على الموضع النجس بلا حجاب على الشمس

كالغيم و نحوه و لا يكون حجاب على الموضع فلو جف بها من دون اشراقها و لو باشراقها على ما يجاوره لم يطهر الموضع و هذا أيضا لظهور الاخبار لان معنى تطهير الموضع بالشمس هو هذا، نعم لا يضر الغيم الرّقيق الغير المانع من استناد اشراق الشمس بالموضع بلا واسطة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 383

الفرع السادس: لا بد و ان يكون الجفاف بنفس اشراق الشمس

لا بمعونة الريح لان هذا معنى كون الجفاف بها نعم لو كان الريح قليلا بمقدار لا يضر باستناد الجفاف الى الشمس عرفا كما يكون هذا المقدار موجودا غالبا لا يكون مانعا عن مطهريّتها.

و أمّا ما ورد في الرواية الثالثة من قوله عليه السّلام «ان كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس»، المتوهم دلالته على كون الطهارة متوقفة على اصابة الشمس و الريح كليهما و هذا دليل على مدخلية الريح في المطهرية.

و فيه انه بعد كون المسلم عدم مطهرية الريح و عدم دليل عليه و كون ساير الاخبار نصّا، في مطهرية الشمس بدون دخل شي ء آخر و كون ظاهره دخل استناد التجفيف الى خصوص الشمس لا بد من حمل الرواية على ما قلنا من انه بعد ما لا يكون الهواء خاليا عن الريح غالبا و لكن ليس بحيث يخلّ باستناد التجفيف بالشمس، فقال ان كان تصيبه الشمس و الريح، و ان ابيت عن ذلك فلا بد من طرح الرواية من هذا الحيث لعدم كونها معمولا بها من هذه الجهة.

الفرع السابع: هل يكفي في مطهرية الشمس اشراقها على المرآة ثم من المرآة الى الارض

او لا.

وجه الاكتفاء وقوع التجفيف باشراق الشمس غاية الامر بواسطة المرآة.

وجه عدم الكفاية ظهور قوله عليه السّلام «اذا جفّفتها الشمس» و غير ذلك من التعبيرات الواردة في الروايات فى حصول التجفيف من الشمس بلا واسطة و لو سلمنا اطلاق الروايات فالمنصرف منها صورة عدم وجود الواسطة و لهذا لو لم نقل كون المعتبر عدم الواسطة فلا اقل من كونها احوط.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 384

[مسئلة 1: كما تطهر ظاهر الأرض كذلك تطهر باطنها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: كما تطهر ظاهر الأرض كذلك تطهر باطنها المتصل بالظاهر النجس باشراقها عليه و جفافه بذلك بخلاف ما اذا كان الباطن فقط نجسا او لم يكن متصلا بالظاهر بان يكون بينهما فصل بهواء او بمقدار طاهر او لم يجفّ او جف بغير الاشراق على الظاهر او كان فصل بين تجفيفها للباطن كان يكون احدهما في يوم و الآخر في يوم آخر فانه لا يطهر فى هذه الصورة.

(1)

اقول: للمسألة صورتان:

الاولى: ما اذا كان الباطن متصلا بالظاهر النجس و كان رطبا كالظاهر و اشرق عليه الشمس و تجفّه مع الظاهر فيطهر الباطن كالظاهر لانها شي ء واحد أشرق عليه الشمس و جفّقته نعم اذا كان عمق الباطن السّارى إليه النجاسة من الظاهر كثيرا يشكل الحكم بمطهّريتها له باشراقها لظاهره لخروجه عن مورد الاخبار اذ السّطح او المكان او موضع الارض المتنجس بالبول و غيره لا يسرى النجس بحسب النوع الا الى مقدار من الباطن فاذا كان الباطن عميقا يشكل الحكم بمطهريتها له بتبع الظاهر فليتأمل.

الثانية: ما اذا فقد احد الشرائط المذكورة في الصورة الاولى بان لم يكن الباطن متصلا بالظاهر بل كان منفصلا عنه بسبب الهواء أو بمقدار طاهر أو غيرهما لعدم صدق اشراق الشمس عليه

بلا واسطه، او كان الباطن نجسا فقط لا الظاهر، لعدم اشراق الشمس عليه بلا واسطة، او لم يجف الباطن باشراق الشمس لعدم كون الجفاف باشراقها او جف بالشمس لكن لا مع جفاف الظاهر بل جف الظاهر في اليوم و الباطن في الغد لانه بعد انفصال الجفاف ففيما يجفّ الباطن بالشمس يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 385

الظاهر واسطة فلم تشرق الشمس عليه بلا واسطة و ان كان جفافه بسببها.

***

[مسئلة 2: اذا كانت الارض او نحوها جافة و اريد تطهيرها بالشمس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا كانت الارض او نحوها جافة و اريد تطهيرها بالشمس يصبّ عليها الماء الطاهر او النجس او غيرها مما يورث الرطوبة فيها حتى تجفّفها.

(1)

اقول: لأنّه بعد اعتبار حصول التجفيف باشراق الشمس عليها كما عرفت من بعض الاخبار في حصول التطهير بالشمس فاما يكون رطوبة في الارض فهو و الا فيصب الماء على الموضع حتى تشرق عليه الشمس و يجفّفه كى تحصل الطهارة.

***

[مسئلة 3: الحق بعض العلماء البيدر الكبير بغير المنقول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الحق بعض العلماء البيدر الكبير بغير المنقول و هو مشكل.

(2)

اقول: ان اريد الحاقة به موضوعا فواضح الفساد و ان اراد الحاقة به حكما فهو مبنىّ على شمول اطلاق ما اشرقت عليه الشمس في الرواية الثانية او المكان في الرواية الاولى له، بناء على اطلاق او عموم لهما و قد عرفت الاشكال فيه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 386

[مسئلة 4: الحصى و التراب و الطين و الاحجار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الحصى و التراب و الطين و الاحجار و نحوها ما دامت واقعة على الارض هي في حكمها و ان اخذت لحقت بالمنقولات و ان اعيدت عاد حكمها و كذا المسمار الثابت في الأرض او البناء ما دام ثابتا يلحقه الحكم و اذا قلع يلحقه حكم المنقول و اذا ثبت ثانيا يعود حكم الاوّل و هكذا فيما يشبه ذلك.

(1)

اقول للمسألة صور:

الاولى: ما اذا كان الحصى و التراب و اشباههما واقعة على الارض و تنجّست و اشرقت عليهما الشمس و جففا بها فلا اشكال في حصول التطهير لانها تابعان للارض و هي مطهرة لها.

الثانية: ما اذا اخذت هذه الاشياء عن الارض و صارت منفصلة عنها و تنجّست حال الانفصال و اشرقت عليها الشمس في هذا الحال و جفت بها فلا تطهر الا ان تلزم بمطهرية الشمس للمنقولات، و قد عرفت الكلام فيه و المشهور على انها لا تطهر من المنقول الا الحصر و البوارى و تقدم الكلام فيه.

الثالثة: ما اذا صارت هذه الامور منفصلة من الارض ثم عادت و وقعت على الارض و تنجست حال وقوعها على الارض و اشرقت عليها الشمس و جفت بها فهل تطهرها فى هذه الصورة أم لا.

وجه الاول: انها فى هذا الحال من

الارض و هي على الفرض تطهر الارض.

وجه الثاني: ان الظاهر او المنصرف إليه من الاخبار مطهريّتها لغير هذه الصورة و لا يبعد كون الحقّ هو مطهريّتها لها لوجود الملاك و هو كونها من الارض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 387

و معدودة منها.

الرابعة: ما اذا كانت نجاستها حال اخذها عن الارض و عدم كونها واقعة عليها ثم تقع على الارض و كانت رطبة فاشرقت عليها الشمس و تجفّفها قد يتأمل في مطهريّتها لها في هذه الصورة لان الظاهر من الرواية الاولى و بعضها الاخرى كون النجاسة واقعة على الارض او على المكان او على السطح فاشرفت عليها الشمس و تجفّفها لا ما صار نجسا قبل ان يصير جزء الارض او في حكمها كاجزاء البيت من الحجر و الآجر و كالباب و غيرها ثم بعد صيرورتها جزء الارض اشرقت عليه الشمس و تجففها، نعم بناء على استظهار الاطلاق و العموم من قوله ما اشرقت عليه الشمس او كلما اشرقت عليه الشمس يمكن ان يقال بمطهريتها لهذه الامور فى هذه الصورة، و لكن الاقوى مطهريتها لها في الفرض لانه بعد مطهريتها للارض و ما هو جزء لها و هي في الحال جزء لها فتطهرها.

***

[مسئلة 5: يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة ان كان لها عين كالدم و العذرة.

(1)

اقول: وجه اعتبار زوال العين ما قلنا من ان المطهر يكون لاجل ازالة اثر النجاسة كما قلنا في اشتراطها في مطهريّة الماء فمع بقاء العين كيف يمكن ازالة النجاسة.

ان قلت انه مع الجفاف بالشمس يطهر الموضع و ان كانت العين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 388

واقعة عليه.

قلت مع بقاء

العين و كونها فوق الموضع المتنجس فما اشرقت الشمس على الموضع بلا واسطة مضافا الى دعوى انصراف اخبار الباب الى صورة زوال العين و مضافا الى نقل الاجماع على اعتباره.

***

[مسئلة 6: اذا شك في رطوبة الارض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا شك في رطوبة الارض حين الاشراق او في زوال العين بعد العلم بوجودها او في حصول الجفاف او في كونه بالشمس او بغيرها او بمعونة الغير لا يحكم بالطهارة و اذا شك في حدوث المانع عن الاشراق، من ستر و نحوه يبنى على عدمه على اشكال تقدم نظيره في مطهرية الارض.

(1)

اقول: أمّا فيما يكون الشك في رطوبة الارض حين اشراق الشمس او في زوال العين بعد علمه بوجودها او في حصول الجفاف بالشمس او في كون الجفاف بالشمس او بغير الشمس او كون الجفاف بنفس الشمس او بها و معونة غيرها لا يحكم بالطهارة للشك في الطهارة مع العلم سابقا بالنجاسة فيستصحب نجاسة الارض و أمّا فيما شك في حدوث المانع عن الاشراق من اتفاق وجود ستر او نحوه فلا يحكم بالتطهير و يستصحب النجاسة السابقة.

ان قلت، ان اصل عدم وجود المانع يقتضي عدم المانع.

قلت انّ هذا الاصل لا يثبت كون اشراق الشمس على المحل النجس بلا ستر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 389

الا على القول بالاصول المثبتة و لا بد في التطهير اثبات كون اشراق الشمس عليه بلا ستر في المطهرية.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 3، ص: 389

***

[مسئلة 7: الحصير يطهر باشراق الشمس على احد طرفيه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: الحصير يطهر باشراق الشمس على احد طرفيه طرفه الآخر و أمّا اذا كانت الارض التي تحته نجسة فلا تطهر بتبعيته و ان جفّت بعد كونها رطبة و كذا اذا كان تحته حصير آخر الا اذا خيط به على وجه يعدّان، معا شيئا

واحدا و اما الجدار المتنجس اذا أشرفت الشمس على احد جانبيه فلا يبعد طهارة جانبه الآخر اذا جف به و ان كان لا يخلو عن الاشكال و اما اذا اشرقت على جانبه الآخر أيضا فلا اشكال.

(1)

اقول: قد عرفت الاشكال في مطهرية الشمس للحصر و البوارى و على فرض كونها مطهرا لهما يقع الكلام في انه اذا تنجس طرفا حصير فاشرقت الشمس على احد طرفيه و جفّ كل من طرفيه فهل يطهر خصوص الطرف الذي أشرقت عليه الشمس بلا واسطة او يطهر بها حتى الطرف الذي لم يشرق عليه الشمس بلا واسطة بل اشرقت عليه مع الواسطة، عندى في ذلك التفصيل لانّه تارة يتنجّس احد طرفيه و يرسب في باطنه حتى تصل رطوبة النجس الى جانبه الآخر فلا يبعد القول بمطهريتها لظاهره المماس مع النجاسة و لباطنه و لطرفه الآخر الذي تصل النجاسة به لانه على هذا شي ء واحد و تنجّس فاشرقت الشمس عليه و جففته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 390

فيصير طاهرا كما قلنا في الارض اذا تنجست ظاهرها و باطنها بالنجاسة.

و تارة تنجس طرف من الحصير مستقلا و طرفه الآخر مستقلا بدون ان يكون نجاسة طرف الآخر من باب نفوذ النجاسة من طرف الآخر إليه فلا يطهر طرفه الآخر باشراق الشمس على طرفه المقابل و ان جففت بالشمس لانه لم يشرق عليه الشمس الا بالواسطة و قد عرفت كون الظاهر او المنصرف إليه من الاخبار الباب مطهريّتها اذا اشرقت على المحل بلا واسطة.

و أمّا الارض التي وقعت تحت الحصير اذا كانت نجسة فلا تطهر باشراق الشمس على الحصير و ان جفت بالشمس لانها شي ء آخر و قد جففت بالشمس مع

واسطة الحصير.

و مثلها اذا كان حصير تحت هذا الحصير فاذا اشرقت الشمس على الحصير الفوقانى لم يطهر الحصير التحتانى و ان كان له رطوبة و جففت بالشمس، لما عرفت من عدم اشراق الشمس على التّحتانى بلا واسطة الا فيما يعدّ ان شيئا واحدا مثل ما اذا خيط التحتاني بالفوقاني بحيث يعدّ ان حصيرا واحدا.

و أمّا الجدار المتنجس فهو عندى مثل الحصير فان اشرقت الشمس على كلى جانبيه فلا اشكال في طهارتهما مع اجتماع ساير الشرائط.

و أمّا لو لم تشرق الا على احد جانبيه فان تنجّس احد طرفيه و سرت النجاسة منه الى الباطن و من الباطن الى طرفه الآخر و اشرقت الشمس عليه و تجفّ الطرف الواقع عليه النجاسة و باطنه و طرفه الآخر فيطهر الا اذا كان قطر الجدار كثيرا فيمكن القول بعدم تطهير طرفه الآخر بل و بعض باطنه بدعوى خروج هذه الصورة من مورد الاخبار.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 391

و أمّا اذا تنجس احد طرفيه لا باطنه و تنجّس طرفه الآخر أيضا فلا يطهر طرف الآخر باشراق الشمس على مقابله و ان جفّ طرف الآخر أيضا بالشمس لان الباطن واسطة بين الطرفين فلا يكون اشراق الشمس على طرفه الآخر بلا واسطة فلا يطهر.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 392

[الرابع من المطهرات الاستحالة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

«الرابع» من المطهرات الاستحالة و هي تبدل حقيقة الشي ء و صورته النوعية الى صورة اخرى فانها تطهّر النّجس، بل و المتنجس كالعذرة تصير ترابا و الخشبة المتنجسة اذا صارت رمادا و البول و الماء المتنجس بخارا و الكلب، ملحا و هكذا كالنطفة تصير حيوانا و الطعام النجس جزء من الحيوان و اما تبدل الاوصاف

و تفرق الاجزاء فلا اعتبار بهما كالحنطة اذا صادت طحينا او عجينا او خبزا و الحليب اذا صار جبنا و في صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحما تأمل و كذا في صيرورة الطين خزفا او آجرا و مع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة.

(1)

اقول: أمّا البحث عن موضوع الاستحالة و أنها هل تكون موضوعها و بعبارة اخرى معناها ما قاله المؤلف رحمه اللّه او غيرها فلا ثمرة له لعدم ورود كلمة الاستحالة في آية و لا رواية و لا معقد اجماع حتى تحتاج الى فهم معناها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 393

كما انه لا اشكال في مطهرية الاستحالة في الجملة. فما ينبغى ان يقع التكلم فيه

هو ما يمكن ان يكون دليلا عليها
اشارة

فنقول إن شاء اللّه ان ما يستدل به عليها امور:

الأمر الاوّل: و هو العمدة في المقام ان يقال بان الاحكام الثابتة في الشرع ثابتة لموضوعات خاصة

و متعلقة بهذه الموضوعات فتكون بقائها و ارتفاعها ببقاء موضوعاتها و ارتفاعها و بعبارة اخرى مثل الاحكام مثل العرض بالنسبة الى الجوهر فكما ان بقاء العرض و ارتفاعه ببقاء الجوهر و ارتفاعه بارتفاع فكذلك الحكم الشرعي يكون ثابتا لموضوعه فيكون بقائه ببقاء موضوعه و ارتفاعه بارتفاع موضوعه فاذا ثبت حكم لموضوع فما دام يكون الموضوع باقيا يكون الحكم ثابتا و اذا ذهب الموضوع يذهب الحكم و بعد ذهاب الموضوع اسراء الحكم منه الى الموضوع آخر محتاج الى الدليل و مع فقد الدليل لا وجه لاسراء حكم موضوع الى موضوع آخر فاذا كان حكم الماء الطهارة فحكمها باق ما دام يكون الماء باقيا فاذا لم يكن الماء يكن حكم الطهارة باقيا و اذا كان حكم الكلب النجاسة فما دام الكلب باقيا تكون الحكم بالنجاسة باقيا و اذا لم يكن الكلب باقيا و هو موضوع حكم النجاسة لم يكن الحكم بالنجاسة باقيا.

الأمر الثاني: الاخبار

و هي روايات الرواية الاولى ما رواها عبد اللّه بن زبير عن جده قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البئر يقع فيها الفارة او غيرها من الدواب فتموت فتعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز قال اذا اصابته النار فلا بأس بأكله «1» بدعوى ان دلالتها على استحالته خبزا بسبب النار.

و فيه انه بعد ما عرفت في محله من عدم تنجّس ماء البئر بملاقاة النجاسة يكون عدم الباس في اكل الخبز لعدم نجاسة ماء البئر فلا ينجس ماء البئر بموت الفارة فيه

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 394

فلا بأس باكل الخبز الداخل في عجينه ماء البئر.

و أمّا قوله

عليه السّلام «اذا اصابته النار فلا بأس» فيحتمل ان يكون وجهه رفع القذارة العرفية الحاصلة من وقوع الفارة في الماء و موته فيه فصار النار كالنزح المقدّر في ماء البئر على ما مضى الكلام فيه في محله.

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن ابى عمير عمّن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في عجين عجن و خبز ثم علم ان الماء كانت فيه ميتة قال لا بأس اكلت النار ما فيه «1» بدعوى دلالتها على مطهرية الاستحالة له لدلالتها على طهارة العجين المستحال بالخبز بسبب النار.

و فيه أولا: ما يقال من ان الرواية مما اعرض عنها الاصحاب.

و ثانيا: يحتمل كون الماء الواقع فيه الميتة ماء عاصما مثل ماء البئر فتكون الرواية مثل الرواية السابقة في عدم كون عدم الباس لاجل عدم النجاسة لا للاستحالة و صيرورة العجين خبزا.

و ثالثا: وردت روايتان من شخص هذا الراوي اعنى ابن ابى عمير الدالة على نجاسة العجين الذي صار خبزا بالاستحالة.

الرواية الاولى: ما رواها ابن ابى عمير عن بعض اصحابنا و ما احسبه الا عن حفص البخترى قال قيل لابى عبد اللّه عليه السّلام العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع قال يباع بمن يستحل آكل الميتة «2».

الرواية الثانية: ما رواها ابن ابى عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الرواية 18 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الاسئار من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 395

قال يدفن و يباع «1» لان وجوب البيع ممن يستحله او التخيير بين بيعه به و بين الدفن يدل على عدم طهارته بصيرورته خبزا بالنار و

مع هذه المعارضة لا يمكن الاخذ بالرواية الدالة على عدم الباس بالعجين اذا صار خبزا.

اقول اعلم ان مجرد وجود المعارض لا يكفي لدفع الاشكال بل لا بد من الجمع بين هذه الروايات الثلاثة ان امكن الجمع و ان لم يمكن الجمع فتصل النّوبة باعمال قاعدة التعارض أمّا بترجيح رواية الاولى على الأخيرتين و ان لم يكن ترجيح تصل النّوبة بالتعارض فلا بد من القول بالتّخيير او التساقط على الكلام فيه و في مقام الترجيح لو وصلت النّوبة به يمكن ان يقال بكون الترجيح مع ما يدل على البأس لكونه موافقا للمشهور لكن اقول في مقام الجمع الدلالى في المقام بان ما يخطر ببالى عاجلا هو ان بقال بان الرواية الاولى من روايات ابن ابى عمير مطلق باعتبار كون الماء المذكور فيها مطلقا و إطلاق الماء يشمل الماء الطاهر و الماء المتنجس و على هذا وجود الميتة فيه لا يوجب نجاسة الماء اذ لو كان الماء عاصما لا ينجس بمجرد ملاقاة الميتة معه.

و الروايتان المتعارضتان للرواية الاولى موردهما كون الماء نجسا لقوله فيهما «يعجن من الماء النجس» فيحمل الرواية الاولى المطلقة بظاهرها على صورة عدم كون الماء نجسا بقرينة الروايتين الدالتين على البأس اذا كان الماء نجسا و بذلك يجمع بين المتعارضين و يرفع التعارض بينهما بما قلنا و لا ينافي هذا الجمع ما في الرواية الاولى من قوله «اكلت النار ما فيه» لانه من المحتمل كون النظر في هذا الكلام الى رفع القذارة العرفية بذلك.

فتكون نتيجة الجمع هو عدم البأس بالعجين اذا كان الماء عاصما لا ينجس

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الاسئار من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص:

396

بملاقات النجاسة و الباس اذا كان الماء نجسا.

الرواية الثالثة: ما رواها الحسن بن المحبوب قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجص يوقد بالعذرة و عظام الموتى ثم يجصص به المسجد أ يسجد عليه فكتب إليّ بخطّه ان الماء و النار قد طهّراه» «1».

اقول و في هذه الرواية احتمالان:

الاحتمال الاول: ان يكون نظر السائل في سؤاله عن الجص الذي يوقد بالعذرة و عظام الموتى الى ان الجص بعد وقوده بهما و خلطه بهما يصير نجسا لخلطه بالنجس و صيرورته مع العذرة و عظام الموتى رمادا فيصير الجص نجسا فجواب الإمام عليه السّلام «ان الماء و النار قد طهراه» بان النار قد طهرته باستحالته رمادا و أمّا الماء فمطهّريته باعتبار رفع القذارة الحاصلة من باب توهم نجاسة الجص و على هذا الاحتمال تكون الرواية دليلا على مطهرية الاستحالة لدلالتها على صيرورة العذرة و عظام الموتى طاهرا بسبب استحالتهما رمادا بسبب النار.

الاحتمال الثاني: ان يكون نظر السائل عن نجاسة الجص و عدمها من باب فهم حكم نفس الجص المتنجس بسبب العذرة و عظام الموتى لا من اختلاط رمادهما معه فاجاب عليه السّلام ان الماء و النار قد طهّراه أمّا الماء فبإيصاله بالجص المتنجّس تطهره و على هذا تدلّ الرواية على عدم لزوم انفصال الغسالة في مطهرية الماء القليل و امّا النّار فذكرها كان باب دخلها في تجفيف المتنجّس حتى ينفذ فيه الماء بسهولة و على هذا لا تدلّ الرواية على مطهرية الاستحالة و مع مجي ء الاحتمالين في الرواية و عدم ترجيح الاحتمال الاول على الثاني فيصير الرواية مجملة لا يمكن الاستدلال بها على مطهرية الاستحالة كما هو مقتضى الاحتمال الاول و لا على عدم

______________________________

(1) الرواية

1 من الباب 81 من ابواب النّجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 397

اعتبار انفصال الغسالة في الماء القليل كما هو مقتضى الاحتمال الثاني.

الرواية الرابعة: ما رواها زكريا بن آدم، قال، سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر او نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال يهراق المرق او يطعمه اهل الذمة او الكلب و اللحم اغسله و كله قلت فانه قطر فيه الدم قال، الدم تاكله النار إن شاء اللّه قلت فخمر او نبيذ قطر في عجين او دم قال فقال فسد قلت ابيعه من اليهودي و النصراني و أبيّن لهم قال نعم فانهم يستحلّون شربه قلت و الفقاع هو بتلك المنزلة اذا قطر في شي ء من ذلك فقال اكره ان اكله اذا قطر في شي ء من طعامي «1» بدعوى دلالة قوله «الدم تاكله النار» على مطهرية النار و طهارة الدم بالاستحالة الى الماء المرق بسبب النّار و فيه أمّا أوّلا، فكون الرواية ما اعرض عنها الاصحاب كما قيل، و ثانيا يلزم منها الفرق بين نجاسة الدم و ساير النجاسات من حيث ان الخمر و النبيذ يفسد المرق و الدم لا يفسده و ثالثا، مخالفة مفاد الفقرة الثانية مع الفقرة الثالثة منها لان مفاد الثانية عدم النجاسة اذا كان الدم في المرق و مفاد الثالثة النجاسة اذا كان الدم في العجين و هذا التفصيل في الدم لا يمكن الالتزام به.

الرواية الخامسة: ما رواها على بن جعفر في كتابه عن اخيه عليه السّلام و فيها قال «و سئل عليه السّلام عن بيت قد كان الجصّ يطبخ فيه بالعذرة أ تصلح الصلاة فيه قال لا بأس

و عن الجصّ يطبخ بالعذرة أ يصلح ان يجصص به المسجد، قال لا بأس» «2» بدعوى دلالتها على ان الجصّ مع اختلاطه بالعذرة يجوز تجصيص المسجد به من باب الاستحالة بالنار.

و فيه ان الوقود بالعذرة غير مستلزم لوقوع العذرة في الجصّ و تنجسه بها

______________________________

(1) الرواية الرواية 8 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية الرواية 3 من الباب 65 من احكام المساجد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 398

دليل السؤال كان من باب ان مجرد ايقاده بالعذرة حصول القذارة العرفية به هل يمنع عن تجصيص المسجد به أم لا، فاجاب عليه السّلام لا بأس، هذا جملة من الاخبار المتمسكة بها على المسألة و قد عرفت الاشكال في دلالتها.

الأمر الثالث: الاجماع،

اعلم انّ الاجماع على كون المطهر الاستحالة بحيث يكون هذا معقد الاجماع فهو غير معلوم بل يكون معلوم العدم و انما الاجماع المدّعى في بعض الصّغريات ففي كلّ مورد قام الاجماع نلتزم بمطهرية الاستحالة.

هذا حال المسألة باعتبار الدليل ثم بعد ذلك نعطف عنان الكلام الى

صغرياتها في طى فروع
اشارة

إن شاء اللّه.

الفرع الاوّل: اذا صارت العذرة ترابا

فالمعروف هو طهارة التراب و هو الحق لما قلنا من انّ هذا بعد استحالته ترابا لم يكن عذرة عند العرف فلا يمكن اسراء حكم العذرة إليه و ان حكى عن الشيخ رحمه اللّه في المبسوط عدم طهارته و بعد عدم كونه عذرة و غير محكوم بها فهو محكوم بما يكون التراب محكوما به و هو الطهارة و ان اشكل في ثبوت حكم التراب له من باب دعوى انصراف دليل طهارة التراب عنه و نشك في حكمه فاصالة الطهارة يكفي للحكم بالطهارة لكن الفرق كما اشرنا سابقا هو انه ان قلنا بكونه محكوما بحكم التراب تكون طهارته واقعية و ان قلنا بطهارته لاصل الطهارة تكون ظاهرية و أمّا الاخبار فقد عرفت الاشكال في دلالتها و لا مجال لاستصحاب النجاسة لتبدل الموضوع.

الفرع الثاني: اذا صارت الخشبة المتنجسة رمادا

يحكم عليه بالطهارة لما قلنا في الوجه الاول لعدم كون الرماد، خشبة و النجاسة كانت موضوعها الخشبة و نقل الاجماع على طهارته و بعد عدم كون الخشبة صادقة عليه عند العرف فهو طاهر لكون هذا الرماد مصداق الرماد و هو طاهر و أمّا من باب اصالة الطهارة و لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 399

مجال لاستصحاب النجاسة لتبدل الموضوع.

الفرع الثالث: اذا صار البول او الماء المتنجس بخارا

فهل يكون البخار طاهرا أم لا، الكلام ينبغى ان يقع في موردين:

المورد الاوّل: في البخار المتصاعد عن البول او الماء المتنجس حال كونه بخارا قبل ان يقع بصورة الماء.

المورد الثاني: فيما يصير ماء بعد صيرورته بخارا.

فنقول، لا اشكال في ان البخار بعض الاجزاء المائية يتصاعد بسبب الحرارة و الخفّة الحاصلة فيه الى الهواء و صار جزء له فهو في هذا الحال بخارا ثم بعد صيرورته جزء الهواء يحصل له بمرور الزمان ثقالة حيث يصير باردا فينزل بصورة الماء الى الارض و يميل في المركز و اذا كان الامر كذلك فالماء الّذي صار بخارا بالدقة العقلية لا تتبدل حقيقته بل هو باق على حقيقته المائية الّا انّه دخل في الهواء فان كان نظر العرف مثل الدقّة العقليّة بحيث يرونه ماء لا شيئا آخرا فلا يكون من صغريات الاستحالة لعدم تبدّل حقيقته بحقيقة اخرى و ان كان يمكن دعوى عدم تنجس الشي ء بهذا البخار في هذه الصورة لعدم صدق الملاقات و ان كان هو بنظر العرف شيئا آخرا و لا يعدونه ماء فيمكن ان يقال بطاهرته و لا يبعد كون نظرهم الى ان البخار ليس ماء فيكون طاهرا كما عرفت وجهه في الوجه الاول فبهذا يظهر لك ان الحق في المورد الاول هو طهارة

البخار و من هذا يظهر لك الحال في المورد الثاني اعني فيما يصير الماء المتبدل بخارا ثانيا ماء فانه ماء و الماء محكوم بالطهارة.

و ان قلت هذا الماء هو البول النجس او الماء المتنجس الذي صار بخارا فهو نجس و لو شككنا في نجاسته و طهارته يستصحب نجاسته و لا مجال للاشكال في بقاء الموضوع لان الموضوع باق و هو الماء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 400

اقول ان قلنا بعدم الاستحالة في صيرورة الماء و البول بخارا بل هو باق على المائية بنظر العرف فاذا صار هذا البخار ماء ثانيا فلا اشكال في نجاسته كما انه على هذا نجس حال كونه بخارا أيضا.

و أمّا لو قلنا بان البخار ليس ماء بنظر العرف بل يعدونه شيئا آخرا و يكون من صغريات الاستحالة تقع الاشكال فيما يصير هذا البخار ماء ثانيا من حيث صدق الماء عليه و ليس هو الا الماء الذي صار بخارا او البول الذي صار بخارا فيكون نجسا و من حيث انه على الفرض صار ببخاريته شيئا آخر فكيف يمكن ان يقال باعادته مجددا ماء و لهذا لا يكون نجسا.

و نقول بناء عليه ان الاحوط الاجتناب عن الماء الحاصل من البخار الذي كان من البول او الماء المتنجس.

و مثل البخار الدخان المتصاعد من النجس او المتنجس من حيث انه بالدّقة العقلية ليس الا الاجزاء النارية المخففة المنضمة مع الهواء و لعل الالتزام بنجاسة السقف المتصاعد إليه دخان الدهن المتنجس من هذا الحيث، حيث انه ليس الا الاجزاء الدهنية المتصاعدة بسبب الاحراق و يمكن ان يكون وجه نجاسته هو انه بعد الاجتماع في السقف يعود دهنا فيكون نظير البخار الذي يصير ماء

و لكن حكى الاجماع على طهارته فان تمّ الاجماع و الا فالاحوط الاجتناب عما يصير النجس او المتنجس ثانيا بعد ما صار دخانا، و أمّا في حال الدخانية فلا يبعد طهارته لكونه بنظر العرف غير النجس او المتنجس ففي الدهن المتنجس لا يعدّ العرف دخانه دهنا و ان كان دهنا بالدقة العقلية.

الفرع الرابع: اذا صار الكلب ملحا

فلا اشكال في طهارته لما قلنا في الوجه الاول في وجه مطهرية الاستحالة فلو لم يكن اجماع في البين لقلنا بطهارته و ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 401

خالف فيه بعض الفقهاء.

الفرع الخامس: اذا صارت النطفة حيوانا

فأيضا لا اشكال في طهارته لما قلنا في الوجه الاول من وجوه مطهرية الاستحالة.

الفرع السادس: اذا صار الطعام النجس جزء للحيوان

كما عرفت في الفرع الرابع و الخامس و ادعى الاتفاق عليه.

الفرع السابع: اذا صارت الحنطة المتنجسة طحينا او عجينا او خبزا

فهل تطهر أم لا.

اعلم ان الوجه في طهارتها ان كان دعوى استحالتها طحينا او عجينا او خبزا.

ففيه ان صيرورتها هذه الأشياء ليس من الاستحالة بمعني تبدل الموضوع حتى يقال بالطهارة للوجه الاول من الوجوه الثلاثة المستدلة بها على مطهرية الاستحالة بل ليس هذا التغيير الا من قبيل تغيير الاوصاف فالطحين و العجين و الخبز ليست الا الحنطة بحسب الحقيقة و الموضوع غاية الامر تغير بعض اوصافها بالطحن و اخويه و باعتبار تغيير بعض اوصافه سمى بهذه الاسماء فكلها شي ء واحد و حقيقة واحدة مسمّى باسماء مختلفة باعتبار الاختلاف في اوصافه.

و ان كان الوجه بعض الروايات كالرواية الاولى و الثانية من الروايات المتقدمة، فقد عرفت الاشكالات الواردة فيها و انه لا يمكن الاستدلال بهما على المسألة.

الفرع الثامن: اذا صار الحليب المتنجس جبنا

هل يطهر بصيرورته جبنا أم لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 402

اعلم انه بعد عدم اجماع على طهارته به و عدم نص دال عليها بل ادعى الاتفاق على عدم طهارته و عدم كون الجبن في نظر العرف شيئا آخر غير الحليب غاية الامر حصل تغيير في بعض اوصافه و الا فهو ليس غير حقيقة الحليب في نظرهم فلا يبقى وجه لصيرورة مجرد تغيير الوصف مطهّرا له و مثله اذا صار لبنا حامضا المعبر عنه لغة «بماست» فهو مثل الجبن.

الفرع التاسع: اذا صار الخشب المتنجس فحما

فهل يطهر أم لا قد يقال بان المستفاد من الرواية 1 و 2 و 3 و 4 كون النار بنفسها من المطهّرات في مقابل الاستحالة و يؤيد ذلك أفراد بعض الفقهاء النار بالذكر و جعلها بنفسها مطهرا فيقال ان النار مطهّر بصيرورته الخشب على الفرض فحما و فيه انّه قد عرفت الاشكال في دلالة الروايات على كون النّار مطهّرا و افراد بعض الفقهاء النار بالذكر لعلّه كان من باب ان الاستحالة تتحقّق في بعض الموارد به او كان من باب ما في هذه الاخبار و قد عرفت الاشكال فيها و قد يقال بصيرورة الخشب فحما طاهرا من باب الوجه الاول و هو انه بسببه يتبدل الموضوع لكون موضوع الفحم غير موضوع الخشب و مغايرا معه.

اقول ان ثبت ذلك و ان العرف يرى الفحم غير الخشب و لا يقول ببقائه بتبدّله فحما فيطهر بالاستحالة لما بيّنا في الوجه الاول من الوجوه الثلاثة المتمسّكة بها على مطهرية الاستحالة و الا فلا و كما قال المؤلف رحمه اللّه يشكل الحكم بطهارته لعدم اطمينان النفس بهذا الحكم العرفي و كون النظر عرفا على ان الفحم شيئا آخر

غير الخشب و ليس كالدقيق الذي صار عجينا او خبزا فافهم.

الفرع العاشر: اذا صار الطين المتنجس خزفا او آجرا

هل يطهر او باق على نجاسته قد يقال بطهارته بصيرورته خزفا او آجرا من باب الاجماع و الاتكال بنقل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 403

الاجماع مع نقل المخالف لا يصح و دعوى كون الخزف و الآجر موضوعا آخرا غير الطين بنظر العرف و مع ذهاب الموضوع و استحالته لا يبقى حكم النجاسة غير مسموع لعدم كون الامر كذلك بل هما هو الطين غاية الامر تغير بعض عوارضه و صفاتة و هذا لا يوجب ارتفاع الحكم حتى يرتفع الموضوع.

بقى في المقام شينى تعرّض له المؤلف رحمه اللّه و هو انه قال و مع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة و الظاهر كون نظره الى صورة كون الشّبهة المصداقية مثل ما إذا شك في صيرورة كلب ملحا او عذرة ترابا أم لا بعد معلومية صيرورة الكلب باستحالته ملحا طاهرا او العذرة بعد صيرورتها ترابا طاهرا فلا اشكال في انّه لا يحكم بالطهارة بل يستصحب بقاء الكلب و العذرة و ترتّب عليهما حكمهما و هي النجاسة و ليس نظره الى صورة كون، الشّبهة في المفهوم كما توهم في المستمسك و اورد عليه. «1»

***

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 96.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 404

الفهرس

فصل فى اشتراط ازالة النجاسة عن البدن و اللباس فى الصلاة 5

فى مواقع الّتي يقع الكلام فى الفصل المذكور 8

فيما تجب ازالة النّجاسة عن اللّباس فى الجملة 10

تجب طهارة ما تتمّ فيه الصّلاة 11

لا فرق فى الحكم بوجوب الازالة بين كون اللّباس ساترا او غير ساتر 12

كما يجب ازالة النّجاسة عن الثوب و البدن فى صحّة الصّلاة فكذا يجب ازالتها فى الاحتياط

و قضاء الاجزاء المنسيّة كالتّشهد و السّجدة و نحوها 12

يشترط فى صحّة الصّلاة ازالة النّجاسة عن موضع السّجود دون المواضع الآخر 14

فى روايات الّتي استدلّ بها على طهارة مسجد الجبهة 14

يكفي طهارة مقدار الواجب فى السّجود لاتمام ما يمسّ الجبهة حين السّجود 15

فيما يدلّ على انّ المعبر هو طهارة موضع الجبهة بمقدار الواجب في السّجود 16

تجب ازالة النّجاسة عن المساجد بنحو الفور العرفي و يحرم تنجيسها 19

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 405

فى دعوى دلالة الآية على عدم جواز دخول المشركين فى المسجد الحرام لأجل نجاستهم 20

فى قوله تعالى و طهّر بيتى للطائفين الآية انّ المراد هو التّطهير من النّجاسة 22

في الاستدلال ببعض اخبار النّبوى على وجوب تجنّب المساجد عن النّجاسات 22

فى بعض الاخبار الدّالة على جواز اتّخاذ الكنيف مسجدا بعد تنظيفه 23

فى الاجماع على عدم جواز ادخال النّجاسة فى المساجد 24

اذا لم تكن النّجاسة مسرية و لم تكن موجبا للهتك فهل يجوز ادخالها فى المسجد أم لا؟ 26

ازالة النجاسة عن المسجد واجب فوريّ 27

وجوب ازالة النجاسة عن المساجد كفائي 28

فيما اذا راى نجاسة فى المسجد و قد دخل وقت الصّلاة 28

فيما اذا لم يتمكّن من الازالة مطلقا 29

فيما اذا صلّى ثمّ تبيّن له كون المسجد نجسا 30

اذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا، بما يوجب تلويثه 32

النّجاسات، بعضها فى النّجاسة و التنجيس أشدّ و أغلظ من الآخر 22

فيما لو توقف تطهير المسجد على حفر ارضه جاز بل وجب 34

فيما توجه الازالة تخريب المسجد ازيد من مقدار المتعارف 35

بعد فرض جواز تخريب المسجد للازالة هل يجب على المخرّب تعميره و هل هو ضامن أم لا؟ 36

اذا تنجّس حصير المسجد وجب تطهيره او قطع موضع النّجس منه 37

فيما اذا توقّف تطهير المسجد على تحزيبه اجمع 38

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 406

لا يجوز تنجيس المسجد الّذي صار خرابا و لا يصلّى فيه أحد 39

فيما اذا توقّف تطهير المسجد على تنجيس بعض المواضع الطّاهرة 40

اذا توقّف التّطهير على بذل المال وجب 40

اذا تغيّر عنوان المسجد ففي جواز تنجيسه و عدم وجوب تطهيره اشكال 42

فيما اذا رأى الجنب نجاسة فى المسجد 43

فيما اذا لم يتمكّن الجنب من الازالة بدون المكث فى المسجد 44

فى جواز تنجيس مساجد اليهود و النّصارى اشكال 46

فيما اذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد او سقفه او جدرانه جزء من المسجد 47

فيما اذا علم بنجاسة احد المسجدين او احد المكانين من المسجد 48

لا فرق بين كون المسجد عامّا او خاصّا 48

اذا لم يتمكّن من الازالة هل يجب اعلام الغير أم لا؟ 49

المشاهد المشرّفة كالمساجد في حرمة التنجيس 50

في وجوب الازالة عن ورق المصحف الشّريف و خطّه بل عن جلده و غلافه مع الهتك 51

في حرمة مسّ خطّه او ورقه بالعضو المتنجّس و ان كان متطهّرا من الحد 52

في حرمة كتابة القرآن بالمركب المتنجّس 54

في عدم جواز اعطائه بيد الكافر 54

في حرمة وضع القرآن على العين النّجسة 55

في وجوب الازالة عن تربة الحسينية بل عن تربة الرّسول و سائر الائمّة عليهم السّلام 55

اذا وقع ورق القرآن او غيره من

المحترمات في بيت الخلاء او بالوعة وجب اخراجه و لو بأجرة 56

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 407

تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه 57

وجوب تطهير المصحف كفائى و لا يختص بمن نجّسه 58

اذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير اذنه اشكال 60

في وجوب ازالة النّجاسة عن المأكول و عن ظروف الاكل و الشّرب 61

الاحوط ترك الانتفاع بالاعيان النّجسة 62

في جواز الانتفاع بالاعيان النّجسة حتّى الميتة 63

في غير ما يشترط فيه الطّهارة 64

في الجمع بين رواية يعقوب ابن شعيب و رواية محمّد ابن مضارب 65

في عدم امكان الجمع بين الرّوايتين بما تقدّم 65

في عدم جواز بيع المنى 66

في بيان ما يستفاد من الآية و هي قوله تعالى حرّمت عليكم الميتة و الدّم 68

في بيان ما يستفاد من رواية تحف العقول 68

في دعوى الشّهرة بل الاجماع على حرمة الانتفاع بنجس العين 70

في بعض الرّوايات الّتي يستدلّ بها على جواز الانتفاع بالميتة في غير ما يشترط فيه الطّهارة 71

في توجيه الرّوايات الدّالة على عدم جواز الانتفاع بالميتة 72

في حرمة الأكل و الشّرب للشّي ء النّجس 73

في حرمة التّسبيب لأكل الغير النّجس أو شربه 74

في دعوى دلالة بعض الرّوايات على حرمة تقرير الجاهل على عمله 76

في بعض الرّوايات الدّالة على لزوم اعلام الجاهل بالنجاسة 78

في عدم جواز سقى المسكرات للاطفال 80

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 408

في بعض الرّوايات الدّالة على عدم جواز سقى المسكرات للاطفال 80

في وجوب ردع الصّبيان عن سقى المسكرات 81

اذا كان موضع من بيته او فرشه

نجسا فورد عليه ضيف ففي وجوب اعلامه اشكال 83

اذا استعار ظرفا او فرشا او غيرهما من جاره فتنجّس عنده فهل يجب عليه الاعلام عند الرّد أم لا؟ 84

فصل فى الصّلاة فى النّجس 87

فيما اذا صلّى في النّجس عالما عامدا بالحكم و الموضوع 88

فيما اذا صلّى في النّجس جهلا و كان جهله، الجهل بالموضوع 88

في مفاد بعض الرّوايات الّتي تدلّ على عدم وجوب الاعادة على من علم بالنّجاسة بعد الصّلاة 89

في بعض الرّوايات الّتي تدلّ بظاهرها على وجوب اعادة الصّلاة اذا صلّى في النّجس و علم به بعد الصّلاة 91

في الجمع العرفي بين الطّائفتين من الرّوايات 92

في تفصيل الّذي حكى عن بعض المتأخّرين 92

في أنّ الشّهرة سواء كانت فتوائية او روائية فانّها مع الرّوايات الّتي تدلّ على عدم وجوب الاعادة 93

في ما اذا رأى الشّخص في بدنه او ثوبه نجاسة حال الصلاة 95

في بعض الرّوايات الواردة فيمن رعف و هو في الصلاة 96

في ما اذا رأى الشّخص في بدنه او ثوبه نجاسة حال الصّلاة و شك انّها حدثت في هذا الآن أو حدثت قبل ذلك 99

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 409

فيما اذا رأى الشّخص في حال الصّلاة نجاسة في بدنه او ثوبه و علم بانّ ما مضى من صلاته وقع في النّجس 100

في ما يستفاد من التّعليل في رواية زرارة 101

في الاخبار الدّالة على عدم فساد الصّلاة في المسألة المفروضة 103

في وجوب التّطهير في اثناء الصّلاة اذا لم يكن منافيا 104

في دعوى رواية محمد ابن مسلم على التّفصيل، ففي صورة تفسد الصّلاة و في صورة

تصحّ الصّلاة 105

في الرّوايات الدّالة على العفو من الدّم الذي لم يبلغ حدّ الدّرهم في الصلاة 106

في دلالة بعض الرّوايات على فساد الصّلاة لو علم بالنّجاسة في الأثناء مع علمه بكونها سابقة 110

في وجه اتمام الصّلاة في ضيق الوقت باحد النّحوين امّا بتطهير الثّوب او طرحه و امّا بالصّلاة فيه 110

اذا علم بالنّجاسة فنسيها و صلّى فيها 111

اذا نسى النّجاسة و لم يتذكّر بها الا بعد الصّلاة ففيها اقوال 111

في الرّوايات الواردة في من اصاب ثوبه او بدنه شيئا من البول او الدّم فنسيه و صلّى فيه 111

في التفصيل في المسألة بين صورة التّذكر بالنّجاسة بعد الصّلاة في الوقت و بينها في خارج الوقت 114

في عدم مساعدة العرف مع هذا الجمع التّبرعى 116

يشكل الجمع بهذا النّحو المذكور لإباء بعض الرّوايات عن ذلك 117

ناسى الحكم تكليفا او وضعا يجب عليه الاعادة و القضاء 118

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 410

في حكم ما اذا غسل ثوبه النّجس و علم بطهارته ثمّ صلّى فيه و بعد ذلك تبيّن له بقاء نجاستة 120

في حكم ما اذا وقعت قطرة بول او دم مثلا و شكّ انّها وقعت على ثويه او على الارض فصلّى فيه ثمّ تبين انّها وقعت على ثوبه 123

فيما اذا شكّ في نجاسة الثّوب فصلّى فيه ثم تبيّن بعد الصّلاة نجاسته 123

فيما اذا رأى الشّخص في بدنه او ثوبه دما و قطع بانّه من الدّماء الطّاهرة فصلّى فيه ثمّ انكشف الخلاف 124

فيما اذا علم بنجاسة شي ء فنسى و لاقاه بالرطوبة و صلّى ثم تذكّر انّه كان نجسا 126

في حكم

ما اذا انحصر ثوبه في النّجس و لم يمكن نزعه لبرد و نحوه 127

اذا انحصر ثوبه في النّجس و امكن نزعه فهل تجب عليه الصّلاة فيه او يصلّى عاريا او يكون مخيّرا 128

في بعض الرّوايات الدّالة بظاهرها على وجوب الصّلاة في الثوب النّجس 129

فيما يمكن أن يستدلّ به على وجوب الصّلاة عاريا 130

في ما قيل بالتّخيير بين الصّلاة في الثّوب النّجس و بين الصّلاة عاريا 131

في اجراء قواعد التّزاحم 132

في فروع اخرى تتعلّق في الصّلاة مع النّجاسة 133

في ما اذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة احدهما يكرّر الصّلاة 134

في الاستدلال برواية صفوان على تكرار الصّلاة في المسألة المفروضة 135

في دوران الامر بين حفظ شرطيه الستر و حفظ شرطيّة الطهارة عن الخبث و مانعيّتها 136

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 411

في ما اذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر 138

في ما اذا كان اطراف الشّبهة ثلاثة 138

في ما اذا كان كلّ من بدنه و ثوبه نجسا و لم يكن له من الماء الّا ما يكفي احدهما 140

في ما قيل بتعيّن تطهير البدن في مفروض المسألة 141

في ما اذا تنجّس موضعان من بدنه او لباسه و لم يمكن له ازالتهما 143

في موارد الاهميّة كما اذا كان احدهما اكثر أو أشدّ أو متعدد العنوان مثلا 144

في ما اذا امكن من ازالة عين النّجاسة عن اللّباس او البدن دون أثرها 145

في ما اذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلّا لرفع الحدث او لرفع الخبث من الثوب او البدن 146

في ما اذا صلّى مع النّجاسة اضطرارا

لا يجب عليه الاعادة 147

في ما اذا حصل التّمكن من التطهير في أثناء الصّلاة 148

في ما اذا اضطرّ الى السّجود على محل النجس 150

فصل فيما يعفي عنه في الصّلاة 153

الاوّل يعفي عن دم القروح و الجروح في الثوب و البدن ما لم تبرأ 155

في روايات الواردة في من به الجرح او القرح 156

هل يعتبر السّيلان في الجرح او القرح أم لا؟ 158

هل يجب فيما يعفى عنه منعه من التنجّس أم لا؟ 160

كما يعفي عن دم الجرح كذا يعفي عن القيح المتنجّس 160

في ما اذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها 162

في العفو عن دم البواسير خارجة كانت او داخلة 162

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 412

في عدم العفو عن دم الرّعاف 164

يستحبّ لصاحب القروح و الجروح ان يغسل ثوبه من دمها كلّ يوم مرّة 164

اذا شكّ في دم انّه من الجروح او القروح أم لا؟ 166

اذا كانت القروح و الجروح المتعدّدة، متقاربة 167

الثانى مما يعفى عنه في الصلاة الدّم الاقلّ من الدّرهم 169

في الروايات الواردة في الدّم الاقلّ من الدّرهم في الصلاة 169

في انّ المعفوّ عنه هو خصوص ما كان اقلّ من الدّرهم 171

في الاحتمالات الّتي نقل عن الاصحاب في الرّوايات المذكورة 171

في عدم الفرق بين كون الدّم في ثوب المصلّى او فيه بدنه 173

في عدم الفرق أيضا بين كون الدّم في بدن المصلّى او ثوبه من نفسه او من غيره 174

في ان العفو المطلق؟ فيشمل الدّماء الثلاثة او لا يشملها؟ 175

في انّ القليل من دم الحيث و كثيره

سواء 176

ادّعى الاجماع على عدم العفو في دم الاستحاضة و النّفاس أيضا 177

في انّ العفو في اقلّ من الدّرهم يشمل دم نجس العين أم لا؟ 177

في ما قاله العلّامة الهمداني رحمه اللّه من الفرق بين المطلق و العامّ 179

في انّ العفو في الاقلّ من الدّرهم يشمل دم مطلق غير المأكول اللّحم او يختص بالانسان 180

في ما اذا كان الدّم متفرّقا في البدن او اللّباس و كان المجموع اقلّ من الدّرهم 182

أنّ الميزان في الدّرهم هنا سعته 184

الكلام في المراد من الدّرهم 185

في ادّعاء الاجماع بانّ المراد بالدّرهم هو الوافي او البغلي 186

اذا تفشّى الدّم من احد طرفي الثّوب إلى طرف آخر 187

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 413

الدّم الأقلّ اذا وصل إليه رطوبة من الخارج 188

اذا علم كون الدّم اقلّ من الدّرهم و شك في انّه من المستثنيات أم لا؟ 189

في عدم وصول النّوبة الى الاصل العملي فيما نحن فيه، لوجود الاصل اللّفظي 190

في انّ المتنجّس بالدّم ليس كالدّم في العفو عنه 192

الدّم الأقلّ اذا ازيل فالظاهر بقاء حكمه 192

الدّم الاقل اذا وقع عليه دم آخر أقلّ و لم يتعدّ عنه 193

الدّم الغليظ الّذي سعته أقلّ عفو 194

اذا وقعت نجاسة اخرى كقطرة من البول على الدّم الأقلّ 194

الثالث في ما يعفى عنه فى الصلاة ما لا تتمّ فيه الصّلاة من الملابس كالقلنسوة و العرقجين و الجورب و النّعل و الخاتم 196

في الرّوايات الّتي وردت في العفو في ما لا تتمّ فيه الصّلاة 196

في عدم الفرق فيما لا تتم فيه الصّلاة بين ان

يكون من جنس الثّياب و الملبوس و بين كونه من غيرهما 198

يشترط في العفو عن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة ان لا يكون هو، من اجزاء الميتة او نجس العين 199

في الروايات الدّالة على عدم جواز الصّلاة في اجزاء الميتة و ان كان ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة 200

في انّ الحكم الواقعى في الصّلاة في الميتة ما هو؟ 202

في ما اذا شك في كون ما لا تتمّ فيه الصّلاة من الميتة أم لا؟ 202

التّحقيق في الروايات الواردة في المقام و بيان الجمع بينها 203

عدم العفو فيما يكون ما لا تتمّ فيه الصّلاة من غير المأكول 204

المناط في ما لا تتمّ فيه الصّلاة هو عدم امكان ستر العورة به لصغره 204

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 414

في بيان المراد ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة 204

الرابع مما يعفى عنه فى الصّلاة في المحمول المتنجّس الّذي لا تتمّ فيه الصّلاة مثل السكين و الدّرهم و الدّينار 206

في ما اذا كان المحمول من الاعيان النّجسة 207

في المحمول المتنجّس اذا كان ممّا تتمّ فيه الصلاة 208

في ما تمسّك به القائل بعدم العفو اذا كان المحمول المتنجّس ممّا تتمّ فيه الصّلاة 209

في الاشكال على ادلّة القائل بعدم العفو 210

في ما تمسّك به لعدم جواز الصّلاة فى المحمول اذا لم يكن ذكيّا 212

التّحقيق و بيان المراد من كلمة «في» الّتي ورد في روايات الباب 212

التّحقيق في رواية الثّانية و الثّالثة من هذا الباب 213

المستفاد من هذه الطّائفة من الرّوايات هو عدم العفو من خصوص العذرة 215

في الخيط المتنجّس الذي خيط

به الجرح 216

في ثوبت المربّية للصبيّ 218

هل يختصّ الحكم بما كان المربى امّا او يشمل غير الامّ؟ 219

اذا كانت المربّية غير أمّ للصبىّ 220

في انّ الواجب على المربّية تطهير ثوبه في كلّ يوم مرّة 220

هل تكون المربّية مختارة في تطهير ثوبها في أيّ ساعة من ساعات النّهار 220

القول بلزوم ايقاع الصّلاة بعد الغسل بلا مهلة 221

في انّ اليوم المذكور في الرّواية اعمّ من اليوم و اللّيل 222

هل يكون وجوب غسل الثّوب للمربّية شرطا بنفسه أم لا؟ 224

لو لم تغسل المربّية ثوبها كلّ يوم مرّة 225

انّ الحكم المذكور فيما اذا كان الثّوب منحصرا بثوب واحد 226

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 415

الحاق بدن المربّية بالثّوب في العفر عن نجاسته محلّ اشكال 227

في الحاق المربّي بالمربّية اشكال 227

في العفو من كلّ نجاسة في البدن و الثوب حال الاضطرار 229

فصل في المطهّرات 231

أحدها الماء و هو عمدتها لانّ ساير المطهّرات مخصوص بأشياء خاصّة 233

لا اشكال في مطهّرية الماء في الجملة و انّه من ضروريّات الدّين 234

في الاستدلال بالآيات الشّريفة على طهارة الماء و مطهّريته 235

في الاستدلال ببعض الرّوايات على مطهّرية الماء 235

في مطهّرية الماء للمضاف النّجس 237

هل يعتبر في التّطهير عن النّجاسة زوال أثرها كاللّون و الرّيح أم لا؟ 237

في الرّوايات الواردة بعدم اعتبار زوال الرّيح و اللّون في الغسل من النّجاسة 238

يعتبر في حصول التّطهير عدم تغيّر الماء في اثناء الاستعمال بالنّجاسة 240

من شرائط التّطهير، طهارة الماء و لو في ظاهر الشّرع 240

و من شرائطه أيضا اطلاق الماء 241

في

ما يعتبر في تطهير خصوص ماء القليل 242

هل يعتبر في تطهير ماء القليل ورود الماء على المتنجّس أم لا؟ 242

في ما قبل بعدم اعتبار ورود ماء القليل على النّجس 242

في بعض الرّوايات الدّالة على عدم اعتبار ورود الماء على النّجس 243

المدار في التّطهير زوال عين النّجاسة دون اوصافها 247

انّما يشترط في التّطهير طهارة الماء قبل الاستعمال 248

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 416

في كيفيّة اشتراط طهارة الماء و اطلاقه في التّطهير به 249

في ما اذا صار الماء مضافا بمجرّد وصوله الى المتنجّس و لم ينفذ فيه الا مضافا 250

في انّ ما يحتاج الى العصر من المتنجّسات ما دام يخرج منه الماء الملوّن لا يطهر 250

في حكم التّطهير بماء الغسالة الطّاهرة 251

يجب في التّطهير بالماء القليل من بول غير الرّضيع الغسل مرّتين 252

في الرّوايات الواردة في تطهير المتنجّس بالبول 253

في ما توهّم انّه يكفي في الغسل المتنجّس بالبول مرة واحدة 254

في اعتبار التّعدد في التطهير من البول و عدمه 255

هل يعتبر التّعدد في المتنجّس بالبول في ماء المطر أو لا؟ 256

لا يعتبر التّعدد في المتنجّس بالبول اذا غسل في ماء البئر 257

هل المعتبر في المتنجّس بالبول في مقام تطهيره بالماء الكثير الرّاكد التّعدد أم لا؟ 257

في انّ الماء الرّاكد البالغ حدّ الكرّ بمنزلة الجارى 257

يكفي صبّ الماء مرّة في بول الصّبى الغير المتغذى بالطّعام 257

قيل بانّ عدم وجوب الغسل فيه كناية عن عدم النّجاسة 258

هل يكفي في تطهير ساير المتنجّسات غير المتنجّس بالبول الغسل مرّة واحدة او يجب التّعدد 258

في الاشكال بالاستدلال

بالرّوايات لكفاية الغسل مرّة في المتنجّس بسائر النّجاسات 258

فى بعض الروايات الواردة فى ماء الحمام 259

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 417

فى بول الرضيع الغير المتغذى 260

فى الفروع المذكور فى المسألة 262

الكلام فى المقامين فى الباب 264

فى الروايات المستدلة بها فى الباب 265

فى الاشكال بالاستدلال بالروايات 267

في استصحاب النّجاسة بعد الغسل مرّة 268

في اطلاقات الواردة في الغسل 269

في وجوب الغسل ثلاث مرّات بالماء القليل في الأوانى اذا تنجّست بغير الولوغ 270

في كيفية تطهير الاوانى فى الماء القليل 271

في انّ المراد من الولوغ شربه الماء او مائعا آخر بطرف لسانه 272

هل يختصّ الغسل ثلاث مرّات بخصوص ما يغسل بالماء القليل او يعم الجارى و غيره 273

في الغسل مرّة بعد التّعفير بالتّراب 275

في ما هو المراد من ولوغ الكلب 277

انّ المستفاد من الرّواية وجوب الغسل بالتّراب في ولوغ الكلب 278

في دوران الامر بين حفظ ظهور الفعل و بين حفظ ظهور المتعلّق 279

في وجوب غسل الإناء بالماء مع شي ء من التّراب 281

يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرّات 282

هل يجب التّعفير في ولوغ الخنزير 283

يستحبّ في ظروف الخمر الغسل سبعا 284

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 418

التّراب الذي يعفّر يجب ان يكون طاهرا 285

في ما اذا كان الإناء ضيّقا لا يمكن مسحه بالتّراب 286

لا يجرى حكم التّعفير في غير الظّروف ممّا تنجّس بالكلب و لو بماء ولوغه 288

لا يتكرّر التّعفير بتكرّر الولوغ من كلب واحد و ازيد 288

يجب تقديم التّعفير على الغسلتين 289

اذا غسل الإناء

بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث 290

في مستند القول بوجوب الغسل ثلاث مرّات 291

انّ التعبير بالصبّ في بعض الروايات مناسب مع كون الماء هو الماء القليل 292

هل يجب التّعدد في ولوغ الكلب في الكثير أم لا؟ 293

في غسل الإناء بالماء القليل 293

اذا شكّ في متنجّس انّه من الظّروف او غيره؟ 294

في ما اذا كان أمر الخاصّ دائرا بين الأقلّ و الاكثر 295

يعتبر في التّطهير بالقليل انفصال ماء الغسالة 296

القول بأنّ الغسل لا يتحقّق الّا بانفصال الغسالة 297

في انّ مقتضى الاطلاق المقامي تنزيل المطلقات على المتفاهم عند العرف 298

في دعوى الاجماع على اعتبار اخراج الغسالة 299

في بعض الرّوايات المستفادة منها، اعتبار انفصال الغسالة 300

الكلام في ما يتحقّق به انفصال الغسالة 302

انّ المقدار المعتبر من اخراج الغسالة هو المقدار المتعارف من الماء الباقي في المحلّ النّجس بالتّطهير 303

في ما قيل من وجوب العصر تعبّدا 305

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 419

اذا تنجّس القند او السّكر و امثالهما 305

اذا نفذت النّجاسة بباطن جسم الشّي ء 306

في ما يبقى في الباطن من الماء 308

في ما اذا تنجّس مثل اللّحم 309

في ما يستدل به على قابليّة تطهير باطن الاجسام 310

في الغسل بالماء الكثير وقوع الكلام في امور: 312

في الغسل بالماء الكثير و عدم اعتبار انفصال الغسالة و العصر فيه 312

بعد زوال النّجاسة عن المتنجّس بمجرّد غمسه في الماء الكثير يطهر في عدم اعتبار العصر و نحوه في ما تنجّس ببول الرّضيع 314

يشترط في لحوق الحكم ان يكون اللّبن من المسلمة 314

يشترط في الصبيّ ان

لا يكون متغذّيا بالغذاء 316

في ما اذا شكّ في نفوذ ماء النّجس في الباطن، مثل الصّابون و نحوه 317

لا يطهر الدّهن المتنجّس بوضعه في الكرّ الحارّ بحيث يختلط معه 318

كيفية تطهير الحبوب بوضعه في الكرّ الحارّ بحيث يختلط معه كيفية تطهير الحبوب كالأرز و الماش و نحوهما 320

كيفيّة تطهير الحبوب كالأرز و الماش و نحوهما 320

كيفيّة تطهير الثوب النّجس في المركن يعنى الطّشت 321

في اللّحم المطبوخ بالماء النجس او المتنجّس 322

في الطين النّجس اللّاصق بالابريق 322

في الطّحين و العجين النّجس 323

في حكم ما اذا تنجّس التنّور 323

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 420

في كيفية تطهير الارض الصّلبة و الطّرق المفروشة بالآجر و الحجر 324

مجمع الغسالة يبقى نجسا اذا كان الماء قليلا 325

لو أريد تطهير البيت لو السّكّة بالماء القليل 325

في حكم ما اذا صبغ الثّوب بالدّم او النّيل النّجس 326

فيما يعتبر فيه التّعدد لا يلزم توالى الغسلتين او الغسلات 327

هل يشترط ان يكون العصر بعد الغسل فورا أو يجوز تأخيره 328

في الغسلة المزيلة للعين 329

النّعل المتنجّسة تطهر بغمسها في الماء الكثير 330

في الذّهب المذاب و نحوه من الفلزات 331

في ما اذا كان الذّهب و نحوه نجسا فأذيب 332

في حكم الحلّى الّذي يصوغه الكافر اذا لم يعلم ملاقاته له مع الرّطوبة 333

النّبات المتنجّس يطهر بالغمس في الكثير 333

في الكوز الّذي صنع من طين نجس او كان مصنوعا للكافر 334

في حكم اليد الدّسمة اذا تنجّست 334

في كيفية تطهير الظّروف الكبار 335

الوجوه المذكورة في تطهير الظّروف الكبار المثبتة تجرى في

الظّروف الغير المثبتة أيضا 336

كيفيّة تطهير الحوز بالماء القليل 337

في كيفيّة تطهير افراغ ماء الغسالة عن الظّروف الكبيرة 338

في افراغ الغسالة عن الظّروف الكبيرة بالآلة 339

مقتضى اطلاق رواية عمّار عدم اعتبار تطهير الآلة في كل مرّة 340

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 421

هل يشترط اخراج الغسالة عن الظّرف فورا 341

في القطرات الّتي تقطر عن الغسالة حين إفراغها في الظّرف 342

في حكم الحياض بانّها ملحقة بالظّروف موضوعا و حكما او لا؟ 342

في تطهير شعر المرأة و لحية الرّجل 343

اذا غسل ثوبه المتنجّس ثمّ رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطّين او من دقاق الاشنان 343

اذا تعدّت الغسالة من المحلّ النّجس الى المحلّ الطّاهر 344

حكم الطّعام النّجس المتخلّف بين الأسنان و الطّعام الطّاهر الملاقي للدّم داخل الفم 346

آلات التّطهير كاليد و الظّرف تطهر بالتّبع 347

الثّاني من المطهّرات: الارض و هي تطهر باطن القدم و النّعل بالمشي عليها او المسح بها مع زوال عين النجاسة 348

في الرّوايات الواردة في مطهّرية الارض 349

في بيان، انّ الارض يطهر بعضها، بعضا 350

عدم الفرق بين كون النّجاسة في القدم او النّعل حادثة من الارض او من غيرها 351

في مطهّرية الارض بحسب فتاوى الاصحاب 352

هل مطهريّة الارض تختص بخصوص باطن القدم او يعمّه و يعمّ غيره 354

في انّ المطهّر خصوص التّراب و الرّمل و الحجر او يعمّ غيرها أيضا 355

ما هو المعتبر في مطهريّة الارض هو وقوع المشى عليها 356

يشترط في مطهّرية الارض زوال عين النّجاسة عن المحلّ 357

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 422

في

كفاية مسمّى المشى او المسح على الارض 358

لا يعتبر في مطهرية الارض وجود الرّطوبة في القدم او النّعل 359

الكلام في شرطيّة يبوسة الارض و جفافها 360

في انّ رطوبة الغير المسرية غير مضرّة 361

هل يعتبر زوال اثر النّجاسة كالرّيح أم لا؟ 362

في عدم صحّة التّمسك بقاعدة لا حرج لرفع الحكم الوضعى و هو النّجاسة 363

هل يجب ازالة الاجزاء الصّغار العارضيّة 364

اذا سرت النّجاسة الى داخل النّجاسة لا تطهّر بالمشي 365

في طهارة ما بين اصابع الرّجل بالمشي اشكال 366

الكلام في كفاية المسح على الحائط 367

اذا شكّ في طهارة الارض بينى على طهارتها 368

اذا علم وجود عين النّجس او المتنجّس لا بدّ من العلم بزوالها 368

في ما اذا كان شاكّا بانّ ما تحت قدمه ارض او غيره 369

في طهارة النّعل المرقوع برقعة طاهرة اذا تنجّست بالمشي دون المرقوع برقعة نجسة 370

الثّالث من المطهرات: الشّمس و هي تطهّر الارض و جميع ما لا ينقل من كلّ نجاسة 371

في ذكر الاخبار المربوطة بمطهّرية الشّمس 372

الكلام في ما يحتمل من قوله عليه السلام ان كان تصيبه الشّمس او الرّيح 373

في ذكر الاخبار المربوطة بمطهّرية الشّمس 375

في ذكر فتاوى الاصحاب لمطهريّة الشّمس 376

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 423

انّ مطهّرية الشّمس مخصوصة بالارض او تعمّها و غيرها من غير المنقول 378

الكلام في خصوص الحصر و البوارى 379

في الاستدلال بالرّواية لتطهير الحصر و البوارى بالشّمس و الايراد عليها 380

الكلام في شمول اطلاق بعض الرّوايات الواردة للحصر و البوارى 381

هل الشّمس تطهّر السّفينة و الطّرادة من غير المنقول

382

في اشتراط ان يكون اشراق الشّمس على الموضع النّجس بلا حجاب 382

لا بدّ من ان يكون الجفاف بنفس الاشراق 382

هل يكفي في مطهريّة الشّمس اشراقها على المرآة ثمّ منها الى الارض 383

الكلام في طهارة باطن الارض بالشّمس 384

اذا كانت الارض جافّة و اريد تطهيرها بالشّمس 385

في الحاق بعض العلماء البيدر بغير المنقول 385

الحصى و التّراب و الطّين و الاحجار و المسمار و نحوها تطهّر بالشّمس ما دامت في الارض 386

يشترط في مطهريّة الشّمس زوال عين النّجاسة 387

اذا شكّ في رطوبة الارض حين الاشراق او بعده او في زوال عين النّجاسة 388

الكلام في طهارة الجانب الّذي لم تشرق عليه الشّمس تبعا للجانب الّذي أشرقت عليه من الحصر و البوارى و الجدران و نحوها 389

الكلام في الارض الّتي وقعت تحت الحصير اذا كانت نجسة 390

الرّابع من المطهرات: الاستحالة، تحقيق مفهوم الاستحالة و انواعها 392

في الاستدلال على مطهريّة الاستحالة 393

الكلام في بعض الاخبار الواردة في الباب 393

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 3، ص: 424

لا يطهّر العجين النّجس بصيرورته خبزا 394

في بيان رفع التّعارض بين الرّوايتين في ما اذا صارت الخشبة النّجسة رمادا 395

في ما اذا صار البول او الماء المتنجّس بخارا 399

في ما يصير ماء بعد صيرورته بخارا 399

في ما اذا صار الكلب ملحا 400

في ما اذا صارت النّطفة حيوانا 401

اذا صار الطّعام النّجس جزءا، للحيوان 401

اذا صارت الحنطة المتنجّسة طحينا او عجينا او خبزا 401

في ما اذا صار الحليب المتنجّس جبنا 401

اذا صار الخشب المتنجّس خزفا او آجرا 402

الكلام في

الطّهارة مع الشّك في الاستحالة 402

الفهرس 405

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء الرابع

[الحمد و الثناء]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشكرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 7

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة فصل المطهرات]

[الخامس من المطهّرات: الانقلاب]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الخامس من المطهّرات:

الانقلاب كالخمر ينقلب خلًّا فإنه يطهر سواء كان بنفسه أو بعلاج كإلقاء شي ء من الخلّ أو الملح فيه سواء استهلك أو بقى على حاله. و يشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه، فلو وقع فيه حال كونه خمرا نجاسة من البول أو غيره أو لاقى نجسا لم يطهر بالانقلاب.

(1)

أقول: لا اشكال في الجملة في كون الانقلاب من المطهرات، كما إنه لا ينبغي الإشكال في عدم كون مطهرية الانقلاب من باب الاستحالة. و بعبارة أخرى ليس مطهرية الانقلاب من باب كونه من صغريات الاستحالة و لا من باب إن الاستحالة تبدل حقيقة شي ء بشي ء آخر حتى يستشكل و يقال بأن حقيقة الخمر غير حقيقة الخلّ. بل من باب إنه إن كان وجه مطهريّته هو الاستحالة لا يمكن الالتزام بطهارة الخلّ المنقلب عن الخمرية، لأن الظرف الواقع فيه الخمر صار نجسا بسبب ملاقاته مع الخمر و هو لا يطهر بالاستحالة. لأنّ ما يصير طاهرا بالاستحالة على فرض كونها مطهرا في المورد ليس إلّا الخمر باستحالته خلًّا لا الظرف الذي تنجس بالخمر. و بعد بقاء نجاسة ظرف الخمر تصير نجاسة الظرف موجبة لنجاسة ما صار خلًّا بسبب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 4، ص: 8

الاستحالة، فلا يمكن ان يكون وجه طهارة الخل المنقلب عن الخمر هو الاستحالة و عدم طهارة ظرف الخمر المستحيل خلًّا بسبب الاستحالة. كما إنّ الكلب إذا صار مستحيلا بالملح فنجاسة الكلب من حيث الكلبية ترفع بصيرورته ترابا ملحا لا نجاسته من حيث آخر. و لهذا لو كان في الملحيّة أعني موضع الملح نجاسة أخرى فينجس الكلب المستحيل بنجاستها مع السراية.

مضافا إلى أنّ الإشكال في كون حقيقة الخلّ غير حقيقة الخمر باق في المقام، فبعد ذلك فلا يبقى إلّا أن نقول بأن

الوجه في مطهرية الانقلاب هو بعض الأخبار.

فلا بد قبل الشروع في بيان حكم المسألة من ذكر أخبار الباب و مقدار دلالتها. فنقول بعونه تعالى إن ما يمكن أن يتمسّك به روايات:

الرواية الأولى: ما رواها ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج و ابن بكير جميعا عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلًّا، قال لا بأس «1».

الرّواية الثانية: ما رواها عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يأخذ الخمر فيجعل خلًّا قال لا بأس «2».

الرّواية الثالثة: ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال في الرّجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به «3».

الرّواية الرّابعة: ما رواها جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يكون على الرّجل الدّراهم فيعطيني بها خمرا فقال خذها ثم افسدها قال عليّ و اجعلها خلا «4».

______________________________

(1) 1 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) 3 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(3) 5 من الباب 31

من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(4) 6 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 9

الرّواية الخامسة: ما رواها في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن الخمر أوّله يكون خمرا ثم يصير خلًّا، قال إذا ذهب سكره فلا بأس «1».

الرّواية السادسة: ما رواها أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر يصنع فيها الشي ء حتّى تحمض، قال إذا كان الّذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس «2».

بناء على تكميل حملها على صورة انقلابه خلًّا، و إلّا لو كان المراد حموضة الخمر و استهلاك العلاج فيه بدون انقلابه خلا كان معنى عدم البأس عدم البأس بالخمر. فالرواية غير معمول بها و لهذا حكي عن الشيخ رحمه اللّه ان هذه الرواية شاذة نادره.

الرّواية السابعة: ما رواها أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر يجعل خلا، قال لا بأس إذا لم يجعل فيها ما «3» (يغلبها)، فإن كان الصادر عنه عليه السّلام يغلبها بالغين، يكون معناه طهارته إذا لم يجعل فيها ما يغلب عليها فيكون المراد عدم الطهارة فيما غلب العلاج على الخمر، إمّا لأنه يوجب استهلاك الخمر في العلاج لا الانقلاب و إمّا من باب عدم الطهارة مع كون العلاج غالبا على الخمر و إن حصل الانقلاب، فعلى هذا لا يدل الخبر على عدم الطهار. إذا كان صيرورته خلا بالعلاج و إما إن كان الصادر يقلبها بالقاف، يدل الخبر على طهارته إذا لم يكن سبب الانقلاب جعل شي ء من العلاج فيه. فعلى هذا يدل الخبر على عدم الطهارة في صورة كون

حلية الخمر بالعلاج، فالرّواية ذو احتمالين، باعتبار اختلاف النسخة.

الرّواية الثامنة: ما رواها عبد العزيز بن المهتدي قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام

______________________________

(1) 9 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(3) الرّواية 4 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 10

جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخلّ و شي ء يغيره حتى يصير خلا قال لا بأس به «1».

الرّواية التاسعة: ما رواها محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا عن جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح و غيره لتحول خلًّا، قال لا بأس بمعالجتها، قلت فانّي عالجتها و طيّنت رأسها، ثم كشفت عنها فنظرت إليها قبل الوقت فوجدتها خمرا، أ يحل لي امساكها، قال لا بأس بذلك. إنما ارادتك أن يتحول الخمر خلًّا و ليس إرادتك الفساد «2».

الرّواية العاشرة: ما رواها محمد بن مسلم و أبي بصير و علي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الخمر يجعل فيها الخل، فقال لا إلّا ما جاء من قبل نفسه «3».

هذا كله في الأخبار الواردة في المسألة، ثم بعد ذلك نقول بأنّ

الكلام يقع في جهات:
الجهة الأولى:

يستفاد من الروايات الواردة في الباب، طهارة الخمر إذا صار خلًّا بنفسه. و هذا هو القدر المتيقن من الأخبار.

الجهة الثانية:

هل يطهر الخمر بصيرورته خلًّا بعلاج مثل اختلاطه بالخل أو الملح أو غيرهما أو لا يطهر؟

اعلم ان المصرّح به في بعض أخبار الباب المتقدم ذكره قابلية تطهير الخمر بالعلاج مثل الرواية 8 و 9 من الروايات المتقدمة و بعض ما تقدم من الاخبار و ان كان مطلقا من هذا الحيث لكن اطلاقه كاف لشمول الحكم لما صار الخمر خلا بالعلاج.

______________________________

(1) 8 من الباب 21 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(3) 10 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 11

بل ربما يتوهم ان مورد الروايات المطلقة هو صورة العلاج لأنه لا معنى لجعل الخمر خلًّا إلّا بالعلاج.

لكن يمكن ان يكون النظر في هذه المطلقات، وضع الخمر في مكان خاص و محلّ بارد أو حارّ حتّى ينقلب خلًّا و هذا غير العلاج بإلقاء شي ء فيه كالملح أو الخل أو نحوهما.

و على كل حال إطلاق بعض الاخبار و نصوصية بعضها الآخر يقتضي طهارة الخمر إذا صار خلًّا و لو كان ذلك بعلاج.

و في قبال ذلك بعض الاخبار المذكورة ما يمكن أن يقال بدلالته على عدم طهارة الخمر بانقلابه خلًّا إذا كان بعلاج ينقلب الخمر خلًّا مثل الرواية السابعة من الرّوايات المتقدمة بناء على الاحتمال الثاني و هو كون الصادر عن المعصوم عليه السّلام يقلبها (بالقاف) لا (يغليها) فيكون على الاحتمال مفاد الرواية عدم البأس به إذا لم يقلبها يعني إذا لم يجعل فيه ما يصير سببا لانقلابه خمرا.

الرّواية العاشرة من

الروايات المتقدمة ذكرها يدل على عدم طهارة الخمر بانقلابه خلا إذا كان ذلك بالعلاج. و فيه أنه على ما قيل أنّ هذه الطائفة من الاخبار تكون معرض عنها عند الاصحاب فليست بحجة. و لا تصلح للمعارضة مع الطائفة الاخرى من الاخبار الدالة على طهارة الخمر بانقلابه خلا، و ان كان ذلك بالعلاج و على فرض حجيتها فغاية ما تدلّ عليه هو النهي عن شرب خمر صار خلًّا بالعلاج و بعد دلالة بعض الروايات و نصوصيتها على الحلية و الطهارة إذا صار الخمر خلا بالعلاج و عدم البأس به في هذه الصورة، يحمل النهي في الطائفة الدالة على النهي على الكراهة بمقتضى الجمع العرفي فتكون النتيجة عدم البأس في صيرورة انقلاب الخمر خلا بالعلاج على كراهه.

الجهة الثالثة:

هل المعتبر في الصورة التي ينقلب الخمر خلًّا بالعلاج هو استهلاك العلاج فيه أو لا يعتبر ذلك؟ بل يكفي في طهارته، و انقلابه خلا حتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 12

الصورة التي يكون العلاج باقيا فيه.

مثلا إذا اوقع الملح في الخمر للعلاج حتى ينقلب خلا تارة يستهلك الملح فيه بحيث لم يبق الملح فيه بعد صيرورته و انقلابه خلا حتى ذرة منه.

و تارة يبقى الملح بتمامه أو بعضه فيه بعد انقلابه خلًّا فهل يطهر بانقلاب الخمر خلا بالعلاج خلا في خصوص الصورة الأولى أو يطهر مطلقا حتى في الصورة الثانية؟

قد يقال باختصاص الحكم بالصورة الأولى لأن المنصرف إليه من الدليل هو بعض الاخبار المتقدمة في هذه الصورة.

أو أن يقال بأن هذا أي القول باختصاص الحكم بالصورة الأولى يكون طريق الجمع بين الطائفة الدالة على عدم طهارة الخمر بانقلابه خلًّا إذا كان بالعلاج و بين الطائفة الدالة

على طهارته بانقلابه خلا. و لو كان بالعلاج. لأنه يحمل ما دل على طهارته بالعلاج، على صورة عدم بقاء العلاج و استهلاكه في الخمر. و يحمل ما دل على عدم طهارته إذا انقلب خلا بالعلاج على صورة بقاء العلاج في الخمر و عدم استهلاكه فيه.

أو من باب إن ما يعالج به الخمر بانقلابه خلا إذا وقع في الخمر يصير نجسا فإذا انقلب خلا و بقى العلاج في الخمر و كان باقيا بعد انقلابه خلا يتنجس به الخل فلهذا لا يطهر الخمر بانقلابه خلا في صورة بقاء العلاج.

أقول: أما دعوى انصراف ما تمسك به على طهارة الخمر بالعلاج بصورة استهلاك العلاج فيه إذا صار خلا فمما لا يصغى إليه خصوصا مع كون الغالب في صورة ادخال ما يعالج به هو بقاء بعض اجزاء العلاج بعد انقلاب الخمر خلا خصوصا فيما إذا كان العلاج من الاجسام و اما كون ذلك طريق الجمع بين ما يدل على الطهارة بالعلاج و بين ما يدل على عدم الطهارة بالعلاج فغير تمام. لان الجمع بهذا النحو يكون جمعا تبرعيا، لا يساعده العرف. و قد بيّنا طريق الجمع العرفي بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 13

الطائفتين بحمل ما دل على النّهي على الكراهة، و بنصّ ما دلّ على الجواز و هذا على فرض وجود مقتضى الحجية فيما يدل على النهي عن العلاج و قد تقدم عدم وجود مقتضي الحجية في هذه الطائفة و أما ما يقال بأنه مع بقاء بعض أجزاء ما يعالج به فهو ينجّس الخل لصيرورته نجسا بادخاله فيه، في حال خمريته.

ففيه ان بعد دلالة الاخبار المتقدمة المصرح فيها بطهارة الخمر المنقلب خلا، و لو كان

بسبب العلاج، و كون المتعارف غالبا أو في موارد كثيرة و لو لم تصل بحد الغالب بقاء العلاج بتمامه أو ببعضه حال انقلاب الخمر خلا. فالدليل على طهارته بالانقلاب يدلّ على عدم تنجس الخل بهذه الاجزاء الباقية و إلّا يلزم لغوية الحكم بمطهرية الانقلاب في صورة العلاج.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أمران:

الامر الأوّل: ان وجه طهارة ما بقي من العلاج في صورة انقلاب الخمر خلا بالعلاج هو التبعية لما قلنا، من أنه لا معنى للحكم بطهارة الخمر المنقلب خلًّا بالعلاج، و بين الحكم بنجاسة ما بقي من العلاج فيه بعد انقلابه خلا لأنه لو لم يطهر ما بقي من العلاج، و بقي نجسا ينجس به الخل فلا معنى للحكم بطهارة الخل المنقلب عن الخمرية بالعلاج لأنه مع كون الغالب بقاء العلاج فلو لم نقل بطهارة ما بقي من العلاج لا بد من حمل بعض المطلقات الدالة على طهارة الخل المنقلب من الخمرية بالعلاج على المورد النادر، و هو الصورة التي لا يبقى من العلاج شي ء و جزء فيه بعد انقلابه خلا و هذا الحمل غير صحيح.

الأمر الثاني: بعد كون الميزان في طهارة ما بقي من العلاج، هو ما قلنا فلا بد من الاقتصار في طهارته بما هو المتعارف من بقاء العلاج غالبا لا أكثر من ذلك لما عرفت فلو بقي من العلاج مقدارا أزيد مما هو المتعارف لا يحكم بطهارته لعدم دليل على طهارة أزيد من المتعارف.

الجهة الرابعة:

هل يشترط في طهارة الخمر بانقلابه خلا عدم وصول نجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 14

خارجية فيه؟ فلو وقع فيه نجاسة خارجية حال كونه خمرا كالبول، أو غيره من النجاسات، لا يطهر أو لا

يعتبر ذلك.

اعلم إن النجاسة الخارجية الواقعة في الخمر تارة تكون باقية فيه حتى حال انقلابه خلا. مثل ما إذا أوقع فيه عين من الأعيان النجسة و بقيت فيه إلى أن انقلب خلا فلا اشكال في تنجّس الخل المنقلب من الخمرية بملاقاته لعين النجس مثل ما إذا وقعت عين النجس في مائع غير الخل.

و تارة لا تكون النجاسة باقية في الخمر بعد انقلابه خلا مثل ما إذا استهلك فيه حال خمريته أو وقعت فيه حال خمريته ثم اخرجت منه قبل انقلابه خلا أو انقلب بالخل قبل نش الخمر.

و ما يمكن ان يكون وجها لاشتراط الشرط في طهارة الخمر بالانقلاب بيان، مضى في المسألة التاسعة، عن المسائل المنعقدة في فصل كيفية تنجس المتنجسات فراجع و نقول بنحو الاختصار إن النجاسة الواقعة في الخمر إن كانت من سنخ نجاسة الخمر مثلا إذا وقع خمر آخر في هذا الخمر فالخمر الوارد في الخمر الأولى يصير أيضا طاهرا بانقلابه خلا و لا أشكال فيه.

و إن كان من غير سنخه فتارة يقع في الخمر نجاسة، ليس لها حكما زائدا على الحكم الثابت للخمر، مثلا. إذا كان الحكم الملاقي للخمر غسله مرة واحدة لا يجب في الملاقي لهذه النجاسة إلّا الغسل مرة، مثلا كوقوع الدم في الخمر.

و تارة يوجب حكما زائدا مثلا يجب فيهما الغسل مرتان.

فعلى كلا الفرضين أما أن يقال بعدم تداخل الاسباب من باب كونه موافقا للقاعدة و كون كل سبب مقتضيا لمسبب غير ما يقتضيه السبب الآخر، و لازمه اقتضاء كل نجس لغسل مستقل. و لم نقل بتداخل المسببات مقتضى القاعدة بمقتضى كلّ من النّجسين غسلا لاقتضاء كل علة لمعلول مستقل.

نعم فيما يكون للنجس الثّاني اثرا زائدا، مثل ما

إذا كان الأوّل مؤثرا للغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 15

مرة و الباقي لمرتين، لا يجب إلّا الغسل مرتين و هذا ليس من باب التداخل بل من باب حصول امتثال الامر الأوّل الغير المقتضي إلّا لطبيعة الغسل بهذا و قد بينا تفصيلا في المسألة التاسعة في فصل كيفية تنجيس المتنجس.

و لكن بعد تسالم الاصحاب فيما كان إذا النجسان من سنخ واحد كما إذا أصاب ثوب الشخص الدم مرتين بالتدريج فاصابه دم مرة، ثم أصابه دم آخر أو يكونا متحدين في الأثر و إن لم يكونا من سنخ واحد لا يوجبان إلّا أثرا واحدا فإذا تنجّس الثوب بالدم ثم بالعذرة فلا يجب بعد ازالة العين إلّا الغسل مرة واحدة، و لا يجب الغسل مرتين مرة للدم و مرة للعذرة.

و لكن وجه ذهابهم إلى ما ذكرنا غير معلوم. فهل كان اختيارهم عدم تعدد الاثر في هذا المورد؟ او يكون من جهة اختيارهم القول بتداخل الاسباب في المسألة بمعنى تداخل كل من السببين فإذا جمع السببان لا يقتضيان إلّا مسبّبا واحدا فلا يوجبان إلّا مسبّبا واحدا.

أو كان مختارهم في المسألة من باب القول بتداخل المسببات. بمعنى إنه و ان كان مقتضى سببية كل سبب لمسبب واحد، و لكن يتداخل المسببات بمعنى الاكتفاء بمسبب واحد في مقام جمع السببين فإذا نقول في المقام بأن مقتضى القاعدة عدم تداخل الاسباب فلا يمكن أن يقال بأن وجه تسالمهم هو القول بتداخل الاسباب.

فلهذا نقول بأن النجس ينجس ثانيا. فالخمر مع نجاسته ينجس ثانيا، بنجاسة أخرى مثل البول، أو العذرة، أو غيرهما. فلو وقع في الخمر حال خمريته نجاسة أخرى بعد انقلاب الخمر خلا و إن كان قابلا لأن

يصير طاهرا من حيث نجاسة الخمرية و لكن من حيث نجاسته بنجاسة أخرى يكون نجسا و لا يطهر بانقلابه خلًّا من حيث النجاسة الاخرى فتكون النتيجة نجاسة الخمر و ان انقلب خلا من حيث تنجّسه بالنجاسة الاخرى و لا دليل على مطهرية الخمر بالانقلاب من حيث غير النجاسة الخمرية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 16

و لكن يمكن ان يقال بعدم اشتراط عدم تنجس الخمر بنجاسة خارجية و عدم مضريتها بطهارته في انقلابه خلا لان مقتضى ترك استفصال الإمام عليه السّلام في الجواب، مع كون السؤال مطلقا يشمل صورة وقوع نجاسة اخرى في الخمر حال خمريته دليل على اطلاق الحكم، فالأقوى عدم اعتبار هذا الشرط، نعم فيما وقع في الخمر نجاسة و تصب عليها حال انقلابه خلا لا يطهر الخمر بالانقلاب لتنجس الخل بعين النجاسة الباقية و بناء على هذا يطهر الظرف الواقع فيه الخمر و ان وقع فيه نجاسة اخرى بالتّبع لانه بعد شمول الدليل لصورة طهارة الخمر بانقلابه خلا فيما وقع فيه نجس و لم يبق حال حليّته يطهر الظرف بالتبع و إلّا يلزم لغوية الحكم بالطهارة، فما عن بعض المحشين في تقييد الطهارة بما أخرج الخمر الواقع فيه النجاسة عن ظرفه المتنجس حال خمريته، لا وجه له. لأنه كما قلنا يطهر الظرف بالتبع مضافا إلى ان تغيير الظرف لا يفيد في طهارته لان التغيير إما يكون حال خمريته، فإذا وقع في ظرف آخر فحاله كحال الظرف الأوّل، و ان كان تغيير الظرف حال خليته، فمع قوله بتنجّس الخل فلا يفيد أيضا.

***

[مسئلة 1: العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا لم يطهر و كذا إذا صار خمرا ثم

انقلب خلا.

(1)

أقول: اما فيما صار العنب أو التمر المتنجس خلا بدون صيرورته خمرا قبل أن ينقلب خلا لعدم الدّليل على طهارته بانقلابه خلا في هذا الفرض لأن المفروض في هذا المورد هو الخمر المتنجس. و لا دليل على طهارة الخمر بانقلابه خلا في هذا الفرض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 17

و أما فيما صارا خمرا ثم انقلبا خلا فوجه كلامه ما قالة سابقا باشتراط مطهرية الانقلاب و عدم نجاسته بالنجاسة الخارجية. لأن النّص الدال على طهارة الخمر بانقلابه خلا لا يشمل إلّا حيث النجاسة الخمرية و قد عرفت ما قلنا من شمول النّص حتى للمورد على الاقوى. و لهذا نقول بالطهارة فيما تنجّسا و صارا خمرا ثم انقلبا خلا.

***

[مسئلة 2: إذا صب في الخمر ما يزيل سكره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر و بقي على حرمته.

(1)

أقول: لكون نجاسة الخمر و حرمته من احكام الخمر بما هو خمر لا من باب سكره كما يدل على ذلك النّص و الفتوى.

و لعل منشأ بيان ذلك دفع توهم كون الحكم بالنجاسة حال سكره مستفاد من بعض الروايات نذكر هنا الروايات حتى تظهر حقيقة الحال.

الرّواية الأولى: هي الرّواية الثانية المتقدم المتقدم ذكرها فيما استدل به على مطهرية الانقلاب بدعوى إن فيها بعد سؤال السائل عن جعل الخمر خلا؟ قال الإمام عليه السّلام: (إذا تحوّل عن اسم الخمر لا بأس فلا بأس «1» يدل على تحوله عن السكر لأن المراد من تحوله عن اسم الخمر، هو تحوله عن السكر و بعبارة أخرى عدم بقاء سكره.

و فيه ان الظاهر من هذه الجملة هو عدم صدق اسم الخمر عليه فإذا اطلق عليه الخمر فهو نجس. و إذا اطلق عليه الخل

فهو طاهر بمعنى انه مع صدق الخمر عليه لم يتحقق الانقلاب و هذا غير مربوط بكون صدق الخمر و عدمه دائرا مدار السكر و

______________________________

(1) و تمام الرّواية الرّواية 3 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 18

عدمه.

الرّواية الثانية: هي ما في الرّواية الخامسة المتقدم ذكرها في طي الرّوايات المستدل بها على مطهرية الانقلاب و فيها قال: (سألته عن الخمر يكون أوّله خمرا ثمّ يصير خلا؟ قال: إذا ذهب سكره فلا بأس «1». بدعوى دلالتها على كون النجاسة و الطهارة دائرة مدار بقاء السّكر و عدمه.

و فيه أن مفروض كلام السائل هو صورة صيرورة الخمر خلا و في هذا الفرض يعني صيرورة الخمر خلًّا قال عليه السّلام: إذا ذهب سكره فلا بأس. و هذا يشهد بأن ذهاب السكر معتبر في المطهرية فنقول يحتمل في هذه الفقرة احتمالان.

الاحتمال الأوّل: انه أن يكون المراد إن ذهاب السكر دليل على انقلاب الخمر و صيرورته خلًّا لأنه إذا انقلب خلا لا يكون مسكرا.

الاحتمال الثّاني: ان يكون المراد من هذه الفقرة ان المعتبر في طهارة الخمر مضافا إلى انقلابه خلا أن يذهب سكره ففي الحقيقة يكون المعتبر في طهارة الخمر أمرين: صيرورته خلا و ذهاب سكره.

و لكن لا يمكن الأخذ بالاحتمال الثّاني. لأن لازمه هو عدم كون الخلية بنفسها موجبة للطهارة و الحال إن ظاهر الاخبار و الفتوى كون نفس الخلية مطهرة له.

و أيضا يلزم كون رفع سكر الخمر موجبا لطهارته، و مقتضى ذلك كون الخمر نجسا في حال السكر و على هذا الاحتمال تكون الرواية غير معمول بها، و تكون معارضة مع ما دل على كون الخمر طاهرا بانقلابه

خلًّا مضافا إلى كون ظاهر الرّواية المذكورة هو الاحتمال الأوّل.

الرّواية الثّالثة: ما رواها علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الجارود عن

______________________________

(1) و تمام الرّواية الرّواية 9 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 19

أبي جعفر عليه السّلام في قوله: إنما الخمر و الميسر (الآية) «1» أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر (الخ) «2» بدعوى إن الخمر هو المسكر، فيكون حكم النجاسة دائرا مدار السكر، لأن الخمر هو المسكر على ما يستفاد من الرّواية.

و فيه مضافا إلى ضعف سند الرّواية بأبي الجارود، تدل على ان كل مسكر من الشّراب بعد تخميره فهو خمر. و هذا إما تنزيل كل مسكر منزلة الخمر بعد سكره في الحكم و إما كونه حقيقة خمرا موضوعا، و لا تدل على ان نجاسة الخمر لأجل الاسكار، فتأمل.

و مع قطع النظر عن كل ذلك لا أشكال في كون المتسالم عند الاصحاب، هو عدم كون نجاسة الخمر دائرا مدار الاسكار، فلا يمكن العمل بهذه الرّوايات على فرض دلالتها.

***

[مسئلة 3: بخار البول أو الماء المتنجس طاهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: بخار البول أو الماء المتنجس طاهر فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمام إلّا مع العلم بنجاسة السقف.

(1)

اقول: قد مرّ الكلام في حكم البخار المتصاعد من النّجس أو المتنجس، في طي مسئلة الاستحالة، من إن البخار المتصاعد من النّجس أو المتنجس إذا اجتمع و صار ماء فالاحوط الاجتناب عنه إذا علم إنه هو البخار المتصاعد عن النّجس أو المتنجس فعلى هذا نقول بإن الاحوط الاجتناب.

*** «2»

______________________________

(1) المائدة، 90 و 91.

(2) ...

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 20

[مسئلة 4: اذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ و استهلكت فيه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ و استهلكت فيه لم يطهر و تنجّس الخل إلّا إذا علم انقلابه خلا بمجرد الوقوع فيه.

(1)

اقول: اعلم إن الكلام إن كان في خصوص مفروض المسألة التي عنونها المؤلّف رحمه اللّه من وقوع قطرة خمر في حبّ خلّ، فلا اشكال في عدم طهارته، و نجاسة الخل بها، حتى فيما علم انقلابها خلا بمجرّد الوقوع فيه، لأنه لو اغمضنا عن بعض الاشكالات فلا اقل من قصور النّصوص الواردة في الانقلاب لهذا المورد، و إن كان الكلام فيما هو معنون في كلمات بعض الفقهاء رحمه اللّه و يكون مفروض المسألة من جزئياته.

فنقول بعونه تعالى للمسألة صورتان:

الصّورة الأولى: إذا ما وقعت قطرة خمر أو قطرات منه في حب خلّ، و استهلكت فيه

و علم بانقلابها خلا من جهة صيرورة الخمر المتقاطرة منه هذه القطرة خلا، أو من طريق آخر و فيها قولان: وجه الطهارة وجوه:

الوجه الأوّل: إطلاق النّصوص المتقدمة الدالة على طهارة الخمر بانقلابه خلا بعلاج، أو اطلاق يشمل ما كان العلاج أكثر من الخمر، مثل مفروض كلامنا و يشمل ما كان بوقوع العلاج في الخمر أو بوقوع الخمر في العلاج مثل ما نحن فيه لاطلاقها من هذا الحيث أيضا.

الوجه الثّاني: هو ان المستفاد من النّصوص إن الملاك في الطهارة انقلاب الخمر خلا بنفسه كان أو بعلاج و هذا الملاك و المناط موجود في الفرض.

الوجه الثّالث: الرّواية الثامنة من الرّوايات المذكورة في مكاتبة عبد العزيز بن المهتدي قال: كتبت إلى الرّضا عليه السّلام، جعلت فداك يصير خمرا فيصب عليه الخل و شي ء يغيّره، حتى يصير خلا، قال: لا بأس به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 21

بدعوى إن العصير بصبّ الخل في الخمر يدل على كونه كثيرا و كذلك قوله (و

شي ء يغيّره) يكون ظاهرا في كثرته لأنه لو لم يكن كثيرا لا يغيّر الخمر عن الخمرية فيستفاد من الرّواية اغتفار كون العلاج كثيرا مثل مفروض الكلام.

أقول: قبل الورود في جواب ما توهم دلالته على طهارة الخمر في هذا الفرض و عدم تنجّس الخل بسببه لا بد من التّنبيه على امر: و هو انه لا يعقل تصوير العلم بانقلاب الخمر خلا في هذه الصورة إلّا تقديرا، لأنه مع كون المفروض استهلاك القطرة الملقاة من الخمر في الخل، و مضى استهلاكه فيه صيرورته عرفا جزء له بحيث تتبدّل صفاته بصفات الخل مثل الماء المضاف المستهلك في الماء المطلق، أو الدم المستهلك في الماء. و مع فرض الاستهلاك لم يبق خمر حتى يقال انه انقلب خلا، فمعنى فرض انقلابه خلا ليس إن الخمر الموجود فعلا انقلب خلا، لعدم وجود له مع الاستهلاك، بل معناه إنه لو فرض ان هذه القطرة من الخمر كانت موجودة انقلبت إلى الآن خلا، لأن ما اخذ منه هذه القطرة انقلب خلا أو حصل العلم بذلك من طريق آخر.

إذا عرفت عدم تعقل هذه الصورة إلّا بما بيّناه لك و بعد كون نظر الشيخ رحمه اللّه في قوله في (يه) (إذا وقع شي ء من الخمر في الخل لم يجز استعماله إلّا بعد ان يصير ذلك الخمر خلا) إلى صورة استهلاك الخمر في الخل؛ بل لعل كلامه راجع إلى الصورة الثانية التي نتعرض له إن شاء اللّه.

نقول: بأن الأقوى عدم طهارة هذه القطرة من الخمر المستهلكة في الخل. بل تنجّس الخل بها، أما أوّلا: لما تلونا عليك من انه مع استهلاك القطرة المصبوبة في الخل فيه لا وجود له حتى يقال إن خمرا انقلب خلا فهذه

الصورة خارجة عن مفروض النّصوص المتقدمة، و أما ثانيا: لما يظهر من بعض الرّوايات المتقدمة الواردة في المسألة على اشتراط عدم كون ما يعالج به اكثر من الخمر، كالرّواية السادسة منها و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر يصنع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 22

فيها الشي ء حتى تحمض، قال: إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس به) «1» بناء على كون المراد من صيرورة الخمر حامضا صيرورته خلا بالانقلاب، فتدل الرّواية على أنه لا بأس إذا كان ما صنع فيه العلاج و هو الخمر غالبا على ما يصنع به العلاج، و أما على الاحتمال الآخر في الرّواية، و هو ان يكون المراد استهلاك العلاج في الخمر و صيرورته حامضا بدون الانقلاب فالرّواية غير مربوطة بما نحن فيه اصلا و غير معمول بها لدلالتها على عدم البأس بالخمر الحامض بالعلاج و لو لم ينقلب خلا.

و كالرّواية السابعة منها و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر تجعل خلا؟ قال: لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها) «2» بناء على كون (يغلبها) في الرّواية (بالغين) لا إلا أن يكون (يقلبها) (بالقاف) فمع اختلاف النسخة تكون هذه الكلمة ذي احتمالين و على هذا لا يمكن الاستدلال بهذه الرّواية فالعمدة هي الوجه الأوّل.

و اما ما يتمسك به على طهارة قطرة الخمرة المصبوبة في الخل و عدم تنجّس الخل بها.

فإن كان النظر إلى دعوى اطلاق الادلة من هذا الحيث:

فيقال: بانه لو تمت دلالة الرّوايتين المتقدمتين فيقيد بهما اطلاق الأدلة على فرض اطلاق لها، و مع

قطع النظر عن ذلك نقول: بانه انا لا نرى بين الاخبار المذكورة المستدلة بها لمطهرية الانقلاب خبرا يكون له اطلاق من هذا الحديث.

اعني من حيث شموله لمورد يكون العلاج اكثر من الخمر، و لما يكون الخمر مصبوبا في الخل لأنه غير الرّواية الرابعة و الثامنة منها اما يكون مورده عدم العلاج أو كون العلاج أقل أو عدم الجواز مطلقا في صورة العلاج، و قد حملنا هذه الطائفة الأخيرة

______________________________

(1) 2 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل./

(2) 4 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 23

على الكراهة. و هاتان الروايتان و إن كانتا تدل على صورة العلاج لكن موردهما الخمر فيعالج و ينقلب خلًّا و المنصرف إليه، بل الظاهر منهما أيضا صورة يكون الخمر أكثر من العلاج، خصوصا مع امكان دعوى عدم كون العلاج أكثر و على هذا لو كان اطلاق لا بد من تنزيله على المتعارف.

مضافا إلى انّه مع الاغماض عن ذلك كله نقول بان مورد الرّوايات على فرض اطلاقها هو الصورة التي انقلب الخمر خلا يعني يكون خمر موجودا ثم ينقلب خلا و في مفروض المسألة كما قلنا مع فرض استهلاك قطرة الخمر لا يكون خمرا موجودا حتى ينقلب خلا.

و أما الوجه الثّاني: و هو التمسك بالملاك و شموله للمورد.

فجوابه: يظهر مما مر من ان غاية ما يستفاد من الاخبار هو ان الملاك صيرورة الخمر خلا سواء كان بالعلاج أو بغيره و سواء كان بصب العلاج في الخمر، أو بعكسه و سواء كان الخمر أكثر من العلاج، أو بعكسه.

و لكنه لا بد من وجود خمر حتى ينقلب خلًّا خارجا فلا بد

من كون وجود الخمر مفروغا عنه، و في مفروض المسألة لم يبق خمر حتى ينقلب خلا.

و اما الوجه الثّالث: و هو التمسك بمكاتبة عبد العزيز بن المهتدي.

ففيه ان التعبير بصب الخل على الخمر لا يدل على كونه اكثر من الخمر و كذا شي ء غيره لا يدل على كون هذا الشي ء اكثر منه فتلخص ممّا مر عدم طهارة قطرة خمر او قطرات خمر في الخل بل ينجس الخل بها فافهم.

الصورة الثّانية: الصورة التي وقعت قطرة خمر أو أزيد منها في حبّ من الخل و انقلب خلا قبل استهلاكها فيه لها موردان:
المورد الاول: إذا وقعت فيه و انقلبت خلا قبل استهلاكها فيه

فهل تطهر هذه القطرة المنقلبة خلا أو لا تطهر بل ينجس الخل بملاقاتها؟

لا يبعد كون نظر الشيخ رحمه اللّه في (يه) من إنه إذا وقع شي ء من الخمر في الخل لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 24

يجز استعماله إلّا بعد ان يصير ذلك الخمر خلا (الخ) إلى هذه الصورة (و ان كان المحتمل كون نظره الشريف إلى جواز استعماله في هذه الصورة إلى انه لا يعتبر ورود العلاج على الخمر في مقام طهارته بالانقلاب).

و على كل حال ما يمكن ان يكون وجها لطهارة قطرة الخمر المصبوبة و عدم تنجّس الخل بها.

ما رواه في الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السّلام (ان صب في الخل خمر لم يحلّ اكله حتى يذهب عليه ايام و صيّر خلا).

و فيه: إنه قد بيّنا مكررا ضعف سند الفقه المنسوب إليه عليه السّلام و لا تكون منجبرة ضعف سندها فيما نحن فيه. و لا يصحّ دعوى إن النّصوص المذكورة الدالة على طهارة الخمر بانقلابه خلا بإطلاقها أو بالمناط المنكشف من النّصوص المذكورة يشمل المورد.

و قد يقال: في الجواب عنه، بانه أوّلا: تدل الرواية 6 و 7 من النّصوص المذكورة على اشتراط غلبة الخمر على العلاج فلا يطهر فيما يكون

بالعكس، و ثانيا:

قصور الادلة عن الشمول للمورد لعدم اطلاق لها حتّى يشمل المورد، أو لأن موردها ما يبقي الخمر المنقلب خلا بعد الانقلاب، و في مفروض الكلام استهلك في الخل بعد الانقلاب و بعد عدم الشمول لا وجه بالطهارة الخل بالتبع، لان التّبعية كانت من باب الاطلاق المقامي، و إنه لا معنى لطهارة الخمر و نجاسة الخل الواقع فيه بالإطلاق المقامي، حتّى نقول بطهارة الخل بالتبع، و فيه عدم شمول النّصوص للمورد لا دليل على طهارة الخمر المنقلب، حتى يقال بطهارة الخل بالتبع. و اما المناط فالقطعي منه غير معلوم و الظّني منه لا يفيد لعدم حجّيته.

أقول: اما الرّوايتان فقد عرفت انهما ذو احتمالين فلا يمكن الاستناد إليهما.

و على فرض دلالتهما على مسئلة طهارة الخمر بالانقلاب تفيدان فيما إذا كان الخل الواقع فيه الخمر اكثر من الخمر و اما لو كان متساويان بحسب المقدار او كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 25

الخل الواقع فيه الخمر انقص من الخمر بحسب المقدار و لو بمقدار قليل فلا يمكن التمسك بهما على الطهارة و اما ما يقال من قصور النّصوص عن شمولها لمفروض المورد فلا يبعد ذلك خصوصا مع كون المنصرف ورود العلاج على الخمر مضافا إلى عدم تعارف القاء كثير من الخل في الخمر و بالأخص فيما إذا كان الخمر قطرة أو قطرات و الخل يكون كثيرا مثل مقدار حبّ و أما المناط القطعي فغير معلوم.

مضافا إلى أن المشهور عدم طهارة الخمر بالانقلاب في هذه الصورة.

المورد الثاني: من الصورة الثانية

و هي الصورة التي وقع قطرة أو قطرات من الخمر في الخل و هو يعلم إنّها بمجرد ايقاعها في الخل انقلبت خلًّا و هذه الصورة هي الصورة

التي استثناها المؤلّف رحمه اللّه بقوله (إلّا إذا علم بانقلابه خلًّا بمجرد الإيقاع فيه).

فنقول: بعد ما قلنا في الصورة الأوّلى من الصورتين بعدم طهارة الخمر بالانقلاب، فكذلك في هذه الصورة خصوصا إذا فيما كان الخمر المصبوب قطرة أو قطرات لقصور الادلة الواردة في طهارة الخمر بانقلابه خلًّا عن شمولها لهذا الفرض مسلما، و لما يأتي من بطلان الوجهين المحتملين في توجيه كلام المؤلف رحمه اللّه، هذا بالنسبة إلى حكم المسألة.

و اما وجه استثنائه، فقد يقال بأن الوجه فيه هو انه حين ملاقاته للخل حسب الفرض انقلب خلا، فهو صار طاهرا بالانقلاب و لا ينجس الخل لعدم نجاسته في هذا الحال.

ان قلت ان القطرة التي قطرت كانت قطرة الخمر على هذا الفرض فهي نجسه، ينجس ملاقيها.

قلت ان نجاستها قبل الملاقات لا يكفي للتنجيس، بل لا بد من نجاسته حال الملاقات مع الملاقي، و هي على الفرض صارت طاهرة حال ملاقاتها للخلّ الملاقي لانقلابها خلا في هذا الحال.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 26

و استشكل عليه، بأن المعتبر في سراية النجاسة من النجس إلى ملاقيه هو نجاسته قبل الملاقات، فإذا كان شي ء نجسا قبل الملاقات، يكفي في تنجس الملاقي به، كما ان المعتبر في المطهر كالماء طهارته قبل ملاقاته لمحل المتنجس، فلا يضرّ تنجسه بالملاقات، و لهذا ترى إن الماء المستعمل في الطهارة ينجس بملاقاته لمحلّ المتنجس مع كونه مطهرا للمحل، و هذا ليس إلّا من باب كفاية طهارته قبل الاستعمال فعلى هذا يقال بانه و ان صار الخمر خلا بمجرد ملاقاته مع الخل، لكن ينجس الخل به لكفاية نجاسته قبل الملاقات في سرايته في تنجيس الخلّ ففي حال الملاقات ينجس الخمر الخل و

ينقلب عن الخمرية. فالملاقات علة تامة لأمرين في عرض واحد، تنجيس الخل و انقلاب الخمر خلا.

إن قلت انه لو كان للنجاسة امد، و هو الملاقات، بحيث يكون الخمر نجسا إلى زمان الملاقات و زمان الملاقات لا يكون نجسا، فلا يكون نجسا حتى يتنجس به الخل.

قلت لو كان سبب الانقلاب امرا آخرا غير ملاقات الخمر مع الخل بحيث يكون في ظرف الملاقات هذا السبب موجودا يصحّ ما قلت. لأنه على هذا ليس حال الملاقات حتى يقال لاقى النجس مع الخل و لكن في المقام يكون على الفرض سبب الانقلاب هو الملاقات، و هو نجس إلى ان يحصل الملاقات مثل بقاء طهارة الماء إلى زمان استعماله في التطهير فكما لا يضر بمطهريته نجاسته بسبب ملاقات المحل النّجس كذلك لا يضر في نجاسته و سراية نجاسته إلى الخل انقلابه خلا بالملاقات.

أقول: و هذا الجواب يفيد فيما يكون الملاقات للخل علة لانقلاب الخمر خلا. و إما اذا كانت العلة للانقلاب امرا آخرا مثلا كانت العلة مضيّ زمان يصير بعد مضي هذا الزمان خلا و هذا الزمان يحصل في آن. و هذا الآن هو آن ملاقاته مع الخل و وروده فيه و في هذه الصورة لا بد من ان يلتزم المستشكل بعدم تنجيس الخمر الملقى في الخل. و كلام المؤلف رحمه اللّه مطلق من هذا الحيث بمعنى انه لم يقيّد الطهارة بخصوص صورة العلم بانقلابه حال الملاقات حتى يكون الانقلاب مستندا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 27

بملاقاته للخلّ.

ثم انه ان كان مختار المؤلف رحمه اللّه هو كفاية نجاسة النجس قبل ملاقاته مع الشي ء، في سراية النجاسة كما يقول في طهارة المطهرات يكفي طهارة الماء قبل الاستعمال

في التطهير، و لهذا لا يضر نجاسته بالاستعمال.

فلا يمكن حمل كلامه هنا إلى ما قيل في وجه الاستثناء. و لو فرض كون نظره إلى ذلك فلم يتم كلامه. لأن ما يساعده العرف في صدق ملاقات النجس هو نجاسة النجس قبل الملاقات، فإذا كان شي ء نجسا قبل ملاقاته مع شي ء يحكمون بالسراية لأن هذا هو المعيار في السراية في نظرهم و لا دليل على اعتبار بقاء النجاسة في آن الملاقات.

و قد يقال في وجه نظر المؤلف رحمه اللّه في الاستثناء إلى ان هذه القطرة من الخمر المصبوب في الخل بعد فرض انقلابها خلا بمجرد الوقوع قبل استهلاكها فيه يطهر بالانقلاب خلا و يطهر الخل المصبوب فيه بالتّبع. و استشكل عليه بان مورد التطهير بالتبع للخمر هو بعد انقلاب الخمر خلا. لا ما إذا استهلك في الخل مثل مفروض الكلام و فيه أولا إنه لو فرض شمول اطلاق الادلة لما يصيب الخمر في الخل كما يشمل صورة اصابة الخل الخمر للعلاج فاستهلاكه. بعد الانقلاب لا يضر بطهارته لأنه حال انقلابه خمرا انقلب خلًّا.

و ثانيا على فرض عدم شمول الأدلة لمورد يستهلك الخمر بمجرد الملاقات في الخل فهو يتم في خصوص هذه الصورة و إما فيما انقلب خلا ثم بعد مضيّ زمان استهلك فيه فلا يجري هذا الإيراد و كلام المؤلف رحمه اللّه مطلق من هذا الحيث لأنه قال إلّا إذا علم انقلابها خلا بمجرد الوقوع فيه، و هذا أعم من ان يستهلك بمجرد الملاقات و ان يبقى خمرا زمانا، ثم يستهلك فيما يبقى من الخل.

و ثالثا لو كان نظره إلى ما قلت لا يلزم تقييد طهارة الخمر المصبوب و عدم نجاسة الخل الواقع فيه الخمر بما إذا

انقلب حال وروده في الخلّ. بل يطهر و لو كان الانقلاب بعد الوقوع بزمان، ثم انه بعد عدم وروده في الخلّ، بل يطهر و لو كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 28

الانقلاب بعد الوقوع بزمان، ثم إنه بعد عدم ورود ما اورد على هذا التوجيه، نقول ان كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى هذا الوجه لا يتم لما قلنا من عدم اطلاق الرّوايات حتّى يشمل المورد فلا يمكن الالتزام بطهارة الخمر و عدم نجاسة الخل.

***

[مسئلة 5: الانقلاب غير الاستحالة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الانقلاب غير الاستحالة إذ لا يتبدل فيه الحقيقة النّوعية بخلافها و لذا لا يطهر المتنجّسات به و تطهر بها.

(1)

أقول: قد تقدّم في باب الاستحالة معناها، و حكمها، اعني مطهريتها و وجه ذلك ان فيها يتبدل الموضوع بموضوع آخر عند العرف. و لهذا لا يطلق على المستحيل عنه انه المستحال.

و إما في الانقلاب فهل المنقلب (بالفتح) موضوع آخر غير الموضوع المنقلب عنه أو هو هو غير انه تبدّل وصف بوصف آخر مثلا في الخمر المنقلب خلا هل تبدل موضوع بموضوع آخر أولا؟ بل تبدل وصف الخمرية بالخلية و إلّا هو هو و لم يتبدل موضوعه.

أقول: لا اشكال في ان الحكم بالطهارة في مورد الانقلاب ليس من باب كون الانقلاب فردا من افراد الاستحالة. و الشاهد على ذلك كون الانقلاب مخصوصا ببعض احكام لا يكون في الاستحالة و هو انه في الاستحالة إذا صار الشي ء قبل الاستحالة متنجسا فاستحال لا يقال بطهارته حتى من حيث ما يكون نجسا.

مثلا: إذا وقع كلب في مملحة رطبة و صارت هذه المملحة بسبب ملاقاتها مع الكلب نجسه فاستحال هذا الكلب ملحا في هذه المملحة المتنجسة، فلا يطهر بالاستحالة.

لأن الاستحالة تطهر الكلب من حيث النجاسة الكلبية لا من حيث لأن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 29

حيث النجاسة المتنجس بها الكلب من جهة ملاقاته مع الرطوبة المتنجسة، و ان كان منشأ نجاسة هذه الرطوبة هو ملاقاتها لهذا الكلب.

و لكن في الانقلاب لا يضر ذلك، فظرف الخمر يتنجس داخله بملاقاته للخمر فإذا انقلب الخمر خلا يطهر الخمر بالانقلاب و لا يضر نجاسة الداخل من الظرف بنجاسته الحاصلة سابقا، على الانقلاب بطهارة الخمر الحاصل بالانقلاب، بل يطهر داخل الظرف بالتبع أيضا.

و كذلك الاستحالة مخصوصة ببعض الاحكام ليس في الانقلاب، و هو ان المتنجسات تطهر بالاستحالة و لا تطهر بالانقلاب. و هذا شاهد على كون الانقلاب عنوان غير عنوان الاستحالة و ان فرض كونه منطبقا مع الاستحالة، بدعوى كون الخل غير الخمر حقيقة في نظر العرف، لكن لا اشكال في ان طهارته من باب الانقلاب لا من باب الاستحالة، لما قلنا من الفرق في الحكم، و ان كان لدعوى عدم كون الانقلاب موضوعا من صغريات الاستحالة مجال، لكن بعد اختلافهما في الحكم لا ثمرة في البحث في كون الانقلاب هو الاستحالة أم لا.

***

[مسئلة 6: إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمرا و بعد ذلك انقلب الخمر خلا لا يبعد طهارته لان النجاسة العرضية صارت ذاتية بصيرورته خمرا لأنها هي النجاسة الخمرية بخلاف ما إذا تنجّس العصير بسائر النّجاسات فإن الانقلاب إلى الخمر لا يزيلها و لا يصيّرها ذاتية فأثرها باق بعد الانقلاب أيضا.

(1)

أقول: قد يقال في وجه الحكم بالطهارة في الفرض الأوّل المذكور في المسألة هو عدم جواز اجتماع المثلين و في المقام اجتماع النجاسة العرضية مع النجاسة الذاتية

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 30

يوجب اجتماع المثلين، لأن تنجس العصير بالخمر يوجب النجاسة العرضية، و صيرورة العصير خمرا يوجب النجاسة الذاتية فلا يمكن مع النجاسة الذاتية بقاء النجاسة العرضية فلا يمكن جمعهما، لأنه مع كون نجاستهما من سنخ واحد يلزم في اجتماعهما اجتماع المثلين و هو محال.

و قد يقال بان النجاسة لا تقبل التكرار فإذا كانت النجاسة من سنخ واحد مثلا لو تلوث المحل بفرد من الدم ثم تلوّث بفرد آخر من الدم فبعد صيرورة المحل متنجّسا بالفرد الأوّل فليس قابلا لتنجسه بالفرد الثّاني لأنهما من سنخ واحد لعدم قابلية النجاسة للتكرار، و لو لم نقل فرضا ببطلان اجتماع المثلين و لا بعدم الاجتماع مع كونهما من سنخ واحد لكن النجاسة غير قابل للتكرار إذا كانت من سنخ واحد.

و فيه: انه ان كان الوجه فيما فصّل المؤلف رحمه اللّه و اختار الطهارة في الفرض الأوّل لزوم اجتماع المثلين. فنقول: مع قطع النظر عن المناقشة في وجهه من استلزامه اجتماع المثلين بانّه لا يلزم اجتماع المثلين لكون موضوع الطهارة العرضية الجسم، و موضوع الطهارة الذاتية هو الخمر بما هو نوع من الانواع.

و انه يلزم اجتماع المثلين فيما تكونا نجاستين مستقلّتين، و إما إذا كانت النجاسة الثانية مؤكدة للأولى و لاشتداد ملك يوجب اجتماع المثلين.

كما إن ما قيل في الوجه الثّاني من عدم قابلية النجاسة للتكرار لا يلزم إذا كانت الثانية مؤكدة للأولى، بانه ليست الطهارة في مفروض الكلام دائرة مدار ما قاله المؤلف رحمه اللّه من ان النجاسة العرضية صارت ذاتية، و لهذا تتعب النفس في توجيه ذلك و بيان زوال النجاسة العرضية مع الذاتية بل يكون الحكم بالطهارة و عدمه مبنيا

على شمول اطلاق النّصوص الواردة في الانقلاب للمورد و عدمه حتى فيما التزمنا بزوال النجاسة العرضية مع طروّ النجاسة الذاتية.

أما فيما بقيت النجاسة العرضية فنشك في ان الانقلاب بالخل يطهر الخمر الذي تنجس حال عصيريته أم لا. فإن كان اطلاق النّصوص يشمل ما تنجّس الخمر، او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 31

العصير بالخمر قبل انقلابه خلا نقول بالطهارة و إلّا فلا.

كما انّه لو التزمنا بزوال النجاسة العرضية، فبعد صيرورة العصير خمرا نشك في طهارته بالانقلاب مع تنجّسه حال عصيريته بالنجاسة العرضية. يعني الخمر فإن قلنا بشمول الاطلاقات نقول بطهارته بانقلابه خلا و إلّا فلا، فالحكم بالطهارة في الصورة الأوّلى و هي الصورة التي تنجس العصير بالخمر، ثم انقلب خمرا، ثم انقلب خلا، مبنيّ على شمول اطلاق النّصوص لهذه الصورة و ليس مبنيّا على القول بزوال النجاسة العرضية بطروّ النجاسة الذاتية له و عدم القول به.

و على مختارنا في مسئلة مطهرية الانقلاب من شمول الادلة لما إذا تنجس الخمر بنجاسة غير الخمرية، يظهر لك طهارة الخمر بانقلابه خلا في هذه الصورة و ان التزمنا ببقاء النجاسة العرضية، مع طروّ النجاسة الذاتية عليها لأن اطلاق بعض النصوص الواردة يشمل حتى صورة تنجس الخمر بنجاسة غير الخمر قبل انقلابه خلا و ان كان بترك استفصال الإمام عليه السّلام بين صورة عدم تنجس الخمر بنجاسة أخرى و بين نجاسته بنجاسة اخرى في طهارة الخمر بانقلابه خلا.

و مما قلنا يظهر لك حكم الصورة الثانية من المسألة: و هي ما إذا تنجس العصير بنجاسة غير النجاسة الخمرية، فانقلب خمرا، ثم انقلب الخمر خلا، لأنه يطهر بانقلابه خلا لشمول اطلاق بعض نصوص الوارد في الانقلاب لها أيضا.

***

[مسئلة 7: تفرق الاجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة]

قوله

رحمه اللّه

مسئلة 7: تفرق الاجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة و لذا لو وقع مقدار من الدم في الكر و استهلك فيه يحكم بطهارته لكن لو خرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدة لمثل ذلك عاد إلى النجاسة بخلاف الاستحالة فانه إذا صار البول بخارا ثم ماء لا يحكم بنجاسته لانه صار حقيقة اخرى نعم لو فرض صدق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 32

البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماء و من ذلك يظهر حال عرق بعض الاعيان النجسة أو المحرّمة مثل عرق لحم الخنزير أو عرق العذرة أو نحوهما فإنه إذا صدق عليه الاسم السابق و كان فيه آثار ذلك الشي ء و خواصه يحكم بنجاسته أو حرمته و ان لم يصدق عليه ذلك الاسم بل عدّ حقيقة اخرى ذات اثر و خاصية اخرى يكون طاهرا و حلالا و اما نجاسة عرق الخمر فمن جهة انه مسكر مائع و كل مسكر نجس.

(1)

أقول: اما ما قال من ان الاستهلاك غير الاستحالة فصحيح. لأن استهلاك شي ء في شي ء آخر عبارة عن صيرورة وجود شي ء مقهورا بشي ء آخر يوجب عدم ظهوره و عدم قابليّته لأن يصير مورد الاشارة الحسيّة و عدم ترتّب آثاره عليه عند العرف و عدة كالعدم بنظر العرف و ان لم يكن منعدما بحسب الواقع، بل هو موجود مستهلك.

و هذا بخلاف الاستحالة فإنّها كما بيّنا صيرورة موضوع، موضوعا آخر، فيكون المستحيل غير المستحيل عنه حقيقة و بحسب الواقع ففي الاستحالة في الحقيقة انعدام شي ء و وجود شي ء آخر محله. بخلاف الاستهلاك فإن فيه لا ينعدم شي ء بل استهلك شي ء في شي ء آخر.

إذا عرفت هذا يقع الكلام فيما قاله المؤلف رحمه اللّه (و

لذا لو وقع مقدار من الدم في الكر و استهلك فيه يحكم بطهارته لكن لو خرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدّة لذلك عاد إلى النجاسة).

أقول: اما ما قاله من الحكم بطهارة الدم المستهلك في الكر ففيه: إن الدم المستهلك ليس له موضوع بنظر العرف حتى يحكم بطهارته او نجاسته، لأنه مع فرض الاستهلاك ليس له موضوع و بحكم المعدوم في نظرهم، بل لو امكن الحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 33

عليه يحكمون بنجاسته.

نعم أثر وقوع الدم في الماء هو إن الماء الواقع فيه الدّم لو كان ماء غير عاصم ينجس به الماء، و ان استهلك فيه و لأجل صيرورة الماء الغير العاصم نجسا بملاقاته للدم قال المؤلف رحمه اللّه (لو وقع مقدار من الدم في الكر) لأنه لو وقع في الماء غير الكر يحكم بنجاسته بنظره الشريف لنجاسة الماء الغير العاصم بملاقاة النجاسة. و اما نحن نقول بأن الدم الواقع في الماء و كان عاصما إذا استهلك الدم فيه لا تحكم لا بطهارة الدم و لا بنجاسته. و اما إذا وقع في الماء القليل ينجس الماء و ان استهلك فيه.

اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه (بخلاف الاستحالة فإنّه إذا صار البول بخارا ثم ماء لا يحكم بنجاسته لأنه صار حقيقة أخرى نعم. لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته).

أقول: انه لو التزمنا في البخار المتصاعد من البول بالاستحالة، فمقتضاه تبدل البول بحقيقة اخرى، فإذا صار بعد ذلك بولا بحيث يصدق عليه البول فلا يمكن ان يقال بانه البول السابق المستحيل بخارا لأنه صار شيئا آخرا. ففي الحقيقة انعدم شي ء و وجد شي ء آخر فكيف يكون هذا البول هو البول

المتقدم فلا بد من الالتزام بان هذا بول وجد من البخار، لا انه البول السابق أو الالتزام بعدم الاستحالة من رأس لأن البخار ليس إلّا الاجزاء المتصاعدة من البول، أو الالتزام بعدم نجاسة هذا الماء و عدم كونه بولا.

و حيث امضينا بان البخار المتصاعد من البول لم يكن ممن صغريات الاستحالة و لذا يحكم بنجاسته حال بخاريته، و بعد صيرورته ماء، لو صدق عليه البول أو المتنجس، قلنا بأن الاحوط الاجتناب عنه نقول بأن الاحوط في المقام الاجتناب عنه. و إما عرق بعض الاعيان النجسة أو المحرمة مثل عرق لحم الخنزير أو العذرة و نحوهما فقال المؤلف رحمه اللّه (ان صدق عليه الاسم السابق و كان فيه آثار ذلك الشي ء و خصوصياته يحكم بنجاسته أو حرمته و ان لم يصدق عليه ذلك الاسم بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 34

عدّ حقيقة أخرى ذات اثر و خاصية أخرى عليه يكون طاهرا و حلالا).

أقول: لم يختر رحمه اللّه نجاسة عرق بعض النجاسات، و عدمها، بل احال إلى العرف. و هو صحيح لأنه: إذا لم يستحيل شي ء نجس بشي ء آخر عند العرف فهو نجس. و لا يلزم بعد حكم العرف ازيد من ذلك مثل بقاء صفاته أو آثاره نعم قد يتوقف حكم العرف على مثل هذه الأمور، وجودا، و عدما حتى يحكم بحصول الاستحالة و عدمه، فالميزان نظر العرف فيما لم يبين الشارع موضوع حكمه، فمن عدم بيانه نكشف كون الموضوع عنده ما هو الموضوع عند العرف.

و أما عرق الخمر فهو نجس و محرّم شربه، و ليس حرمة شربه و نجاسته من باب كونه عرق النجس حتى يقال: بأن نجاسته أو طهارته مبنيا على

نجاسة عرق النّجس و عدمه، بل هو نجس و محرم شربه و لو لم نقل بنجاسة عرق الاعيان النجسة و حرمته.

بل يكون وجه نجاسته و حرمة شربه انه مسكر مائع، و كل مسكر مائع بالاصالة نجس و يحرم شربه فافهم.

***

[مسئلة 8: إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة.

(1)

أقول: الظاهر ان يكون مفروض الكلام في المسألة هو الشبهة المصداقية بعد تبين مفهوم الانقلاب، فيشك في حصول الانقلاب و عدمه، و في هذا الفرض يحكم بنجاسة المشكوك ببركة الاستصحاب.

هذا تمام الكلام في المسائل المتعلقة بمطهرية الانقلاب على الترتيب المذكور في العروة الوثقى و الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسوله و آله الطاهرين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 35

[السادس من المطهرات: ذهاب الثلثين في العصير العنبي]
اشارة

قوله رحمه اللّه

السادس من المطهرات:

ذهاب الثلثين في العصير العنبي على القول بنجاسته بالغليان لكن قد عرفت ان المختار عدم نجاسته و ان كان الاحوط الاجتناب عنه فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة و اما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الاشكال لمن اراد الاحتياط و لا فرق بين ان يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة على القول بها بين المذكورات كما ان في الحرمة بالغليان التي لا اشكال فيها و الحلية بعد الذهاب كذلك أي لا فرق بين المذكورات و تقدير الثلث و الثلثين أما بالوزن أو بالكيل أو بالمساحة و يثبت بالعلم أو بالبينة و لا يحكم بالظّن و في خبر العدل الواحد اشكال إلّا أن يكون في يده و يخبر بطهارته و حلّيته و حينئذ يقبل قوله و ان لم يكن عادلا إذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلثين.

(1)

أقول: مضي في المسألة الأولى من المسائل المتفرعة على نجاسة الخمر أن الأقوى كما عن المؤلف رحمه اللّه هو عدم نجاسة العصير بالغليان سواء كان الغليان، بالنار أو بالشمس أو بالهواء، فعلى هذا تظهر فائدة ذهاب الثلثين بالنسبة إلى الحرمة.

و أما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 36

بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الاشكال لمن أراد الاحتياط.

فما ينبغي ان يقع الكلام فيه امور:
الأمر الأوّل: يقع الكلام في أن العصير الغالي

بناء على القول بنجاسته يطهر بذهاب الثلثين أو تزيل حرمته بذهاب الثلثين فقط بناء على حرمته بالغليان، أم لا.

أعلم إن ذهاب الثلثين يكون سببا لارتفاع الحرمة الثابتة بالغليان في الجملة، كما انّه مطهّرا بناء على نجاسة العصير بالغليان، لدلالة بعض الرّوايات الواردة في المسألة و قد ذكرناها في المسألة الأولى من المسائل المتفرعة على نجاسة الخمر سابقا فراجع.

الأمر الثاني: كما مر منا في المسألة المشار إليها يكون ذهاب الثلثين مطهرا،

أو رافعا للنجاسة، على القول بها لخصوص ذهاب الحرمة إذا كان الغليان بالنار و أما، إذا كان بغير النار فلا يطهر بناء على صيرورته نجسا بسبب الغليان و لا يحلّ إلّا بانقلابه خلا خلافا لمختار المؤلف رحمه اللّه، لأن المتعين من كون ذهاب الثلثين مطهرا أو سببا للحلية ليس إلّا صورة غليانه بالنار بمقتضى الاخبار.

الأمر الثالث: أعلم إن ذهاب الثلثين يكون سببا لطهارة العصير

على القول بنجاسته بالغليان و سببا لحليّته، إذا كان ذهاب الثلثين لغليانه بخصوص النار خلافا لما اختاره المؤلف. لأن المتعيّن من مورد النّصوص ليس إلّا هذه الصورة فإن كان ذهاب الثلثين بغير النار و إن كان غليانه بالنار فلا يطهر و لا يحل، إلّا بما قلنا من صيرورته خلا لما قدمنا سابقا في طي المسائل المتفرعة على نجاسة الخمر أن العصير في هذه الصورة ان صار خمرا فمطهّره و محلله الانقلاب بالخلّ، و إن لم يصر خلا كما لا يبعد ذلك فنقول، بطهارته على القول بالنجاسة و نقول بحليته بعد انقلابه خلا لشمول أدلة حلية الخلّ له.

الأمر الرّابع: هل يكون التقدير في الثلث و الثلثين بخصوص الوزن

أو بخصوص الكيل، أو بخصوص المساحة، أو بكل منها على سبيل التخيير. أعلم إن في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 37

المقام كلاما في انّ التقدير بالكيل، يرجع إلى التقدير بالمساحة لأن الظرف الذي يكون آلة للكيل له مساحة مقدرة يقدّر بها المظروف. مثلا إذا كان ظرف طوله ثلاث أشبار و عمقه ثلاثة أشبار و عرضه ثلاثة و كان ظرفا و وعاء لكيل خاص مثلا ثلاث منّا فلو وقع فيه العصير و غلى، و ذهب ثلثاه بالنار، و بقي ثلثه يصير حلالا كذلك. لو قدر بالمساحة و هي على الفرض كانت ثلاثة أشبار فأيضا بالغليان و ذهاب ثلثيه بالنار يبقى شبرا فيكون التقدير بالمساحة بعين التقدير بالكيل، و هكذا في كل مورد فالتقدير بالمساحة مساو مع التقدير بالكيل فظهر ان التقدير بالكيل و الوزن متحدان و أما الوزن فلا يتّفق معهما اذ في المثال بقي مما في الظرف يكون ثلثه بحسب الكيل و ذهب ثلثاه أي الكيلان و ذهب و لكن بحسب الوزن لا يبقى

ثلثه. بل ما بقي في الظرف يكون أكثر من الثلث لأن ما نقص منه بالغليان بالنار هو بعض الأجزاء المائية من العصير الذي يكون له الخفّة، و ما بقي منه هو بعض أجزائه الثقيلة فقهرا ما ذهب منه بالغليان كان بحسب الوزن أخف مما بقي منه فيكون ما بقي منه في المثال المذكور أكثر من الثلث بحسب الكيل فما بقي في المثال يكون أزيد من الثلث بحسب الوزن مع فرض كونه بقدر الثلث بحسب الكيل و المساحة.

ثم بعد هذا يقع الكلام في أن العبرة في تقدير الثلث و الثلثين في المسألة المذكورة هل يكون في مقام التقدير بخصوص الوزن، أو بخصوص الكيل و المساحة بناء على كونهما متحدا، كما عرفت أو يكون التقدير بكل من الوزن. أو الكيل و المساحة مخيرا بينهما.

فنقول بعونه تعالى إن ما يمكن ان يستدل به على كون العبرة في مقام التقدير بالوزن روايات:

الرّواية الأوّلى: ما رواها عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا ماء، ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا و بقي عشرة أرطال أ يصلح شرب تلك العشرة أم لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 38

فقال: ما طبخ على الثلث فهو حلال «1».

تدل الرّواية على ان العصير إذ اذهب ثلثاه يحل ثلثه الباقي في صورة ذهاب ثلثيه بالوزن.

فأن قلت إن فرض كلام السائل و ان كان التثليث بحسب الوزن من باب ان الرطل وزن من الأوزان لكن جواب الإمام عليه السّلام ليس إلّا عن الحلية إذا طبخ على الثلث و اما كون الثلثين بالوزن أو بغيره فسألت عنه.

قلت الظاهر كون نظره

الشّريف كفاية حصول التثليث بالوزن كما هو نظر السائل في سؤاله و أما كون الاعتبار في التثليث بخصوص الوزن فلا يستفاد من الرواية لأن غاية ما دلّت عليه، هو ان التثليث بالوزن تثليث، و اما كون خصوصه تثليثا لا غير فلا تدل عليه، و هل يمكن ان يقال باستفادة الاطلاق من الرواية و ان مطلق التثليث كاف في الحلية، سواء كان بالوزن أو بالكيل أو و المساحة، و أجاب عليه السّلام جوابا مطلقا يكون مورد السؤال أحد أفراده أم لا.

الرّواية الثانية: ما رواها ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا زاد الطّلاء «2» على الثلث أوقية، فهو حرام «3» تدل على ان ما زاد الطّلاء على الثلث بحسب الأوقية فهو يكون حراما.

الرّواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق و نصف ثم يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه «4».

أقول إذا حمل الدّانق على السّدس من الشّي ء، ففي الرّواية احتمالان:

______________________________

(1) 1 من الباب 8 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) الطّلاء كالكساء ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه و يبقى ثلثه.

(3) 9 من الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(4) 7 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 39

الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من قوله ثلاثة دوانيق و نصف، ثلاثة دوانيق و ثلاثة نصف و بعبارة أخرى يكون أربع دوانيق و نصف من ستة دوانيق فعلى هذا بعد ذهاب هذا المقدار، يكون الباقي أقل من ثلث الكل بنصف دانق لأن ثلث

ستة دوانيق يكون دانقين، لا دانق و نصف. فعلى هذا لا يكون مفاد هذه الرّواية التحديد الحقيقي بل يكون الفرض في الرّواية انه مع ذهاب هذا المقدار و بقاء هذا المقدار فقد تحقق ما هو موضع الحلية أو الطهارة على القول بالنجاسة) مسلما و انه بذلك وقع التثليث يقينا، و ان كان الباقي أقل من الثلث فالتحديد على هذا تقريبي و هذا الاحتمال خلاف ظاهر الرّواية لأن الظاهر من الرّواية كون ما بقي ثلث ما ذهب منه حقيقة لا انقص منه فهذا الاحتمال خلاف الظاهر من الرّواية.

الاحتمال الثاني: ان يكون المراد من ثلاثة دوانيق و نصف، هو ظاهره من ثلاثة دوانيق و نصف دانق. و على هذا يكون ما بقي أزيد من الثلث فكيف قال المعصوم عليه السّلام (ذهب ثلثاه و بقي ثلثه) إلّا أن يقال بما حكى عن صاحب الوافي بان قوله عليه السّلام بعد ذلك (ثم يترك حتى يبرد) بان نظره كان إلى أن البرودة تذهب ما بقي من الثلثين اللازم ان يذهبا، فلم يبق بعد البرودة إلّا ثلثه فقط. فعلى هذا لا يستفاد من الرّواية كون العبرة في ذهاب الثلثين و بقاء الثّلث بخصوص الوزن بل يكفي تحقق التثليث التقريبي في التثليث، لأنه بسبب البرودة يحصل التثليث التقريبي.

مضافا إلى ان غاية الأمر دلالة الرّواية على ان ما بقي بعد ذهاب ثلاثة دوانيق و نصف، و تركه حتى يبرد ليس إلّا الثلث و أما كون العبرة بخصوص الوزن فلا يستفاد من الرّواية. إذا عرفت ذلك نقول بان غاية ما يستفاد من الرّواية الأولى و الثالثة هو الاكتفاء في مقام التثليث بالوزن و هذا المقدار مما لا اشكال فيه و لو لم يكن نصا

حاكما عليه، لانّه بعد ما يكون المسلم من ان العبرة في التّثليث اما بالوزن و أما بالكيل و المساحة، و بعد ما يرى ان كل مورد حصل التّثليث بالوزن حصل التّثليث بالكيل و المساحة لما قلنا لك من انه ربما حصل التّثليث بالكيل و المساحة مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 40

عدم حصوله بالوزن بعد، فعلى هذا كلما حصل التثليث بالوزن فقد حصل التّثليث بالكيل و المساحة فلا مجال للاشكال في حصول التّثليث بالوزن.

انما الإشكال و الكلام في ان العبرة في تقدير التّثليث بالوزن متعينا، و لا يستفاد التعيين من الرّواية الأولى و الثالثة.

و اما الرّواية الثانية: و هي رواية ابن أبي يعفور و هي و إن دلت على ان ما يزيد على الثلث بحسب الاوقية حرام لكن الرواية ضعيفة باعتبار ان روى عن محمد بن عبد الحميد و هو غير معلوم. هذا كله بالنسبة إلى بعض الاخبار المستدلة على كون العبرة في التثليث بالوزن.

و اما ما يمكن الاستدلال به على كون العبرة في التّثليث بالكيل و المساحة روايات:

الرواية الاولى: ما رواها عمار بن موسى الساباطي قال: وصف لي أبو عبد اللّه عليه السّلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال لي عليه السّلام تأخذ ربعا من زبيب و تنقّيه ثم تصبّ عليه اثني عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان أيّام الصيف و خشيت ان ينشّ جعلته في تنور سخن قليلا حتى لا ينشّ ثم تنزع الماء منه كله إذا اصبحت ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثمّ تغليه «1»، حتى يذهب حلاوته ثم تنزع مائة الآخر فتصبه على الماء الأوّل ثم تكيله كله فتنظر كم

الماء ثم تكيل ثلاثة فتطرحه في الاناء الذي تريد ان تغليه، و تقدره، و تجعل قدره قصبة أو عددا فتحدّها على قدر منتهى الماء ثم تغلى الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغلية بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من عسل فتغليه حتى تذهب رغوة العسل و تذهب غشاوة العسل في المطبوخ، ثم تضربه بعود ضربا شديدا حتى يختلط، و ان شئت ان تطيّبه بشي ء من زعفران، أو شي ء من زنجبيل

______________________________

(1) في بعض النسخ ثقلبه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 41

فافعل، ثم اشربه، فان احببت ان يطول مكثه عندك فروقه «1».

الرّواية الثانية: ما رواها عمار أيضا «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و هي و ان لم تكن من حيث المتن موافقه مع الرّواية الأولى لكن مع ذلك لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة لكون الاختلاف الحاصل من راويهما و هو عمار لأنه مرمى بعدم الضبط و على كل حال يستفاد من الرّواية الثانية كون التحويل على الكيل و المساحة في تقدير الثلث.

و قد عرفت عند التّكلم في عدم حرمة العصير الزبيبي، ان الرّوايتين تكونان في مقام بيان الوظيفة في كيفية تحفظ العصير من ان يصير خمرا بالبقاء، لا انّه بالغليان يصير حراما، حتّى يحتاج في تحليله إلى التثليث فلا تكونان دليلا على اعتبار الكيل و المساحة في مقام تثليثه، و لا اقل من كون الروايتين قابلة الحمل بما قلنا، فلا يمكن الاستشهاد بهما.

الرّواية الثالثة: و هي ما رواها اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3» و هذه الرواية لا تدل على الاكتفاء في مقام تثليث

العصير بالعود، لما قلنا في عدم حرمة العصير الزبيبي، من ان لسانها مثل روايتي عمار بحسب الظاهر تكون في مقام بيان علاج عدم صيرورة العصير حراما، و بعبارة أخرى تكون في مقام بيان دفع الحرمة، لا رفع الحرمة فلا يستفاد من هذه الرّوايات الثلاثة صيرورة العصير الزبيبي حراما حتى يحلّ بالتثليث. حتى يقال يكفي في تثليثه الكيل و المساحة، و لا أقل من كون الرّوايات قابلة الحمل على ما قلنا فلا يمكن الاستشهاد بها، مضافا إلى ان هذه الرواية باعتبار ان محمد بن الحسين روى عمن اخبره عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي و من اخبر عنه محمد بن الحسين مجهول فتكون ضعيفة

______________________________

(1) 2 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) 3 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(3) 4 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 42

السند.

هذا كله فيما يمكن ان يستدل بها على كفاية التثليث بالكيل و المساحة، و قد عرفت مما مر انه لا اشكال في الاكتفاء في مقام التثليث بالوزن بحسب النّص، كما انه لا اشكال في كفاية التثليث بالوزن في رفع الحرمة، لكونه المتيقن لانه إذا قدر بالوزن و بقي الثلث بحسب الوزن و ذهب ثلثاه بحسب المساحة و الكيل مسلما لما قلنا من ان التقدير بالوزن اخصّ من التقدير بالكيل و الوزن.

انما الاشكال في انه هل يصح الاكتفاء بالكيل و المساحة كما يصح الاكتفاء بالوزن أم لا.

أقول: ان قلنا بان اطلاق قوله عليه السّلام في الرّواية الأولى من الرّوايات الثلاثة المتمسكة بها على الاعتبار بالوزن بان (ما طبخ على الثلث فهو حلال) يشمل التثليث بالكيل

و المساحة أيضا، كما هو المحتمل فيكتفي بها كما يكتفي بالوزن، و ان لم نقل بذلك فنقول، بأن غاية ما تدل عليه الرّواية الاولى من الروايات الثلاثة (بعد عدم امكان التعويل بالثانية منهما لضعف سندها) هو جواز الاكتفاء في التثليث بالوزن و اما تعينه فلا يستفاد منها، و الرّواية الثالثة على فرض الاغماض عما استشكلنا على دلالتها، فلا يكون مفادها ازيد من كفاية الاخذ بالوزن في مقام التثليث و اما تعينه فلا يستفاد منها.

ثم بعد ذلك نقول، لو جعل الشارع شيئا أو عنوانا موضوعا لحكم و لم يعين موضوع حكمه بقيوده و شرائطه، فلا بدّ من الرجوع في تشخيص موضوعه إلى العرف بمقتضى الاطلاق المقامي، لأنه بعد كونه في مقام البيان و لم يبيّن ما هو موضوع حكمه، و يرى ما هو عند العرف موضوع بنظرهم العرفي فلو كان نظره غير ما هو عند العرف موضوع كان عليه البيان و إلّا لأخلّ بفرضه و هو قبيح تعالى شأنه عنه، فنحكم بمقتضى الإطلاق المقامي ان الموضوع عنده ما هو موضوع عند العرف ففي ما نحن فيه بعد ما جعل التثليث حدا للحلية و انه إذا ذهب ثلثاه و بقي الثلث فهو حلال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 43

و لم يعيّن ان الميزان في التثليث على الوزن أو على الكيل و المساحة، أو على كل منهما، فما يأتي بنظر العرف هو الموضوع و الميزان و لا اشكال في انه يكتفي بالتثليث بالكيل و المساحة بنظر العرف، فبالاطلاق المقامي نحكم بكفاية ذلك عند الشارع أيضا.

فأن قلت، إن الشّارع بمقتضى الرّوايات الثلاثة عيّن ما هو الضابط و الميزان في مقام التثليث و هو الوزن فلا

معنى بعد ذلك من الرجوع إلى العرف في تشخيص الضّابط. قلت، كما بيّنا اما الرواية الثانية منها ضعيفة السند فلا يعوّل عليها، و اما الأولى و الثالثة، فغاية ما يدل مفادهما، هو ان الامام عليه السّلام قرّر الاخذ بالوزن و اما كون الوزن فقط هو الضابط و انّه موضوع حكمه لا غيره فلا تدلان عليه، فنشك فيما هو الميزان و لم يعيّن الشّارع، فلا بدّ من الرّجوع إلى العرف، خصوصا مع ما نرى من كون العمل خارجا عند المتشرعة على الكيل و المساحة و صعوبة التثليث بالوزن، فعلى هذا نقول لا يبعد الاكتفاء بالكيل و المساحة كما يكتفي بالوزن و ان كان التثليث بالوزن احوط.

الامر الخامس: و يثبت ذهاب الثلثين بامور:

الأوّل: العلم لانه بنفسه طريق إلى الواقع

الثّاني: البينة لما قلنا من حجيّتها في طريق ثبوت نجاسة الماء، و طريق ثبوت مطلق النجاسات، و ثبوت الطهارة بها. و لا يثبت بمطلق الظّن لعدم حجّية مطلق الظّنّ. و لا يثبت بقول عدل واحد إلّا إذا حصل منه الاطمينان.

الثّالث: قول ذي اليد في الجملة فإنه يؤخذ بقوله إذا اخبر بطهارته و حلّيته. و تفصيل ذلك ان المستفاد من بعض الاخبار هو عدم حجية قوله مطلقا بل قوله حجة مع بعض الشرائط.

كالرّواية التي رواها عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرّجل يهدي إليّ البختج من غير اصحابنا، فقال: إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه و ان كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 44

ممن لا يتسحل فاشربه «1». يستفاد منها انه مع كونه مستحلا له يكون متهما في اخباره.

و كالرّواية التي رواها معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل من

أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و أنا اعرف انه يشربه على النّصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النّصف؟ فقال لا تشربه، قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النّصف يخبرنا: ان عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال نعم «2» يستفاد منها عدم كونه متهما في اخباره.

و الرّواية التي رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث انه سئل عن الرّجل يأتي بالشراب، فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال: إن كان مسلما ورعا مؤمنا فلا بأس ان يشرب «3».

و اعلم ان انحصار قبول القول إذا كان مسلما عارفا مؤمنا، ليس إلّا من باب عدم كونه متهما و لو ضمّ هذا الخبر و مع سائر الاخبار يستفاد كون الميزان عدم الاتهام في القول، خصوصا إذا كان متن الحديث ما حكى عن الوافي (أو ورعا مأمونا) لأنه يستفاد من الخبر اعتبار بقول المخبر اذا كان ورعا مأمونا في نقله و هذا عبارة أخرى عن عدم كونه متهما.

و الرّواية التي رواها علي بن جعفر (قال سألته عن الرّجل يصلي إلى القبلة لا يوثق، به اتى بشراب يزعم انه على الثلث فيحل شربه؟ قال: لا يصدق إلّا أن يكون مسلما عارفا) «4».

و لا يستفاد من هذه الرّواية إلّا كون الإسلام و المعرفة سببا لعدم كونه متهما.

______________________________

(1) 1 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(3) 6 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(4) 7 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من

ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 45

و الحاصل انه لا يمكن اعتبار ازيد من عدم الاتهام في قبول قول ذي اليد، و ما في المتن من قوله من تقييد اعتبار قول ذي اليد بعدم كونه ممّن يستحل شربه قبل ذهاب الثلثين، إن كان نظره إلى كونه متهما في اخباره من باب كونه مستحلا فتمام و ان كان نظره إلى انه لا يقبل قول المستحل و ان كان لا يشرب إلّا على الثلث و لا يكون متّهما في اخباره فهو غير تمام.

و مما بينا: يظهر لك ان بعض ما يدل بإطلاقه على قبول قول ذي اليد مطلقا و ان كان متهما كالرّواية التي رواها معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البختج؟ فقال إذا كان حلوا يخضب الاناء و قال صاحبه: قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه فاشربه «1». لا بد من تقييدها بقرينة الاخبار المتقدمة بما لا يكون متهما.

كما ان الرّواية التي رواها ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا شرب الرّجل النّبيذ المخمور، فلا تجوز شهادته في شي ء من الاشربة، و ان كان يصف ما تصفون «2».

فهي مربوطة بباب الشهادة، و لا يستفاد منها إلّا كونه متهما في اخباره باعتبار كونه شاربا للنّبيذ المخمور.

و قد تلخّص مما مر انه يقبل قوله ذي اليد إذا لم يكن متهما في اخباره و هذا مقتضي ضمّ الاخبار المذكورة بعضها ببعض.

***

[مسئلة 1: بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه أو

______________________________

(1) 3 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) 5 من الباب

7 من أبواب الاطعمة و الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 46

بذهاب ثلثيه بناء على ما ذكرنا من عدم الفرق بين ان يكون بالنار أو بالهواء و على هذا فالآلات المستعملة في طبخه تطهر بالجفاف و ان لم يذهب الثلثان مما في القدر و لا يحتاج إلى اجراء حكم التبعية لكن لا يخلوا عن اشكال من حيث ان المحل إذا تنجّس به أوّلا لا ينفعه جفاف تلك القطرة أو ذهاب ثلثيها و القدر المتيقن من الطّهر بالتبعية المحل المعد للطّبخ مثل القدر و الآلات لا كل محل كالثوب و البدن و نحوهما.

(1)

أقول: هذا الحكم على تقدير تمامية وجهه مبني على القول بكفاية ذهاب الثلثين حتى بغير النّار في مطهريته و اما من يقول: بعدم نجاسته إذا غلى أو يقول بعد نجاسته بالغليان بانه لا ترتفع النجاسة بذهاب الثّلثين إلّا إذا كان الذهاب بخصوص النار و أما ما غلى بغير النّار أو ذهب ثلثاه بغير النار فلا يكون مطهّره على تقدير نجاسته إلّا التخليل فلا يبتلي بهذا الفرع.

إذا عرفت ذلك نقول: فيتفرع على قول من يلتزم بكفاية ذهاب الثلثين في تطهير العصير المغليّ و ان كان ذهب ثلثيه بغير النار مثل المؤلف.

فرع و هو انه إذا قطرت قطرة من العصير بعد الغليان قبل ذهاب ثلثيه على الثوب أو البدن هل يطهر الثوب أو البدن بجفاف هذه القطرة، أو بذهاب ثلثيه مع كون الجفاف أو ذهاب ثلثيه بغير النار أم لا؟ و كذلك تطهر بعض الآلات المستعملة في طبخه بالجفاف و ان لم يذهب ثلثا ما في القدر من العصير أم لا، وجه الطهارة ان كان من باب ان الحكم بطهارة

ظرف العصير و الآلات المستعملة في طبخه لزوم لغوية طهارة العصير بذهاب ثلثيه، مع الالتزام ببقاء نجاسة القدر و ما هو مثله، لأنه لو لم يطهر القدر يوجب نجاسة العصير بملاقاته له فيقال ان هذا الملاك جار في البدن أو الثوب الواقع فيه قطرة من العصير و كذا في الآلات المستعملة في طبخه مع جفافها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 47

قبل تثليث ما في القدر من العصير.

فأن قلت المتيقّن من التلازم في الطهارة من باب اللغوية هو القدر و الآلات الواقعة فيه، بعد ذهاب ثلثي العصير مما في القدر و اما القطرة الخارجية عن القدر الواقعة في موضع من الثوب أو البدن فلا تلازم بين طهارة العصير و هذا الموضع.

قلت ان القطرة المغليّة من العصير قبل ذهاب ثلثيه لا اشكال في كونها عصير مغلى. و بعد ذهاب ثلثي هذه القطرة من العصير و جفافها و لو بالهواء تطهر على الفرض فنقول لا يمكن التفكيك بين طهارة هذه القطرة و بين محلّها فكما تطهر منشأ القطرة تطهر موضعها. نعم من يقول بعدم كون هذا القطرة من العصير مشمول حكم العصير من حيث النجاسة و الحرمة قبل ذهاب ثلثيه و مشمول لحكم الحلية و الطهارة بعد ذهاب ثلثيه له ان يمنع عن طهارة الموضع الواقع فيه الفطرة لكن لا وجه لهذه الدعوى.

مضافا إلى انه لو كان هذه القطرة خارجة عن موضوع العصير المحكوم باحكام فيقال: لا دليل على نجاسة هذه القطرة، و لا حرمته على هذا فيكون موضعها طاهرا أيضا.

ان قلت إنه مع بقاء ثلث القطرة من العصير في المحل و ذهاب ثلثيه نحن نسلّم ما قلت، و لكن في صورة جفاف القطرة

بالهواء و عدم بقاء شي ء منها فلا وجه لطهارة المحل الواقع فيه القطرة من العصير.

قلت: أوّلا: إن الحكم بطهارة ما بقي من الثلث من القطرة بعد ذهاب ثلثيها ليس متفرّعا على وجوده بل هذا الحكم ثابت له، و ان لم يكن موجودا فعلا مثل سائر الاحكام الثابتة للموضوعات، فالحكم بطهارة ما بقي لا ينفك من الحكم بالموضع للملازمة و إلّا تلزم لغوية الحكم بالطهارة للثلث الباقي من القطرة.

و ثانيا: بعد كون ذهاب ثلثي القطرة ثم جفا فها تدريجا إذا ذهب ثلثاها بالهواء مثلا و بقي ثلثها و لم يجفف بعد يحكم بطهارة ما بقي و مع الحكم بطهارته لا بد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 48

من الحكم بطهارة الموضع و الا يلزم لغوية الحكم بطهارة الثلث الباقي من القطرة من العصير المغلي و كذلك الحال في الآلات المستعملة في طبخ العصير التي يجفّ عصير الواقع عليها قبل ان يذهب ثلثا ما في القدر لما قلنا.

و إما ان كان وجه طهارة القدر و الآلات المستعملة في طبخ العصير هو الاطلاق المقامي، بان الشارع حكم بطهارة العصير بعد ذهاب ثلثيه، و سكت عن طهارة القدر و الآلات المستعملة، و عدم طهارته و لم يفهم العرف و لم يأت بنظرهم نجاسة القدر و الآلات بعد طهارة نفس العصير بذهاب ثلثيه كما ترى و عدم بنائهم على تطهير القدر و الآلات و عدم سؤال السائلين عن حكم القدر و الآلات شاهد على انهم لا يرون نجاستها فإن كان نظر الشارع على نجاسة القدر و الآلات كان عليه البيان. فمن عدم بيانه نكشف طهارة القدر و الآلات بتبع العصير بعد ذهاب ثلثيه، فهل يمكن ان يقال

بذلك في الموضع الذي وقع عليه قطرة من العصير المغليّ، أو بطهارة الآلات الجافّة بغير النّار قبل ذهاب ثلثي العصير الواقع في القدر أو لا يمكن ان يقال بذلك؟

أقول: يمكن على هذا المبنى الاشكال في الحكم بطهارة المحل الواقع عليه قطرة من العصير، أو الآلة المستعملة في طبخه مع صيرورته جافّا بالهواء أو بالشمس لعدم تسلم كون نظر العرف و السائلين إلى هذه الصورة، حتى يقال ان العرف و منهم السائلون لم يفهموا إلّا طهارة محل القطرة أو الآلة المستعملة الخارجة قبل ذهاب ثلثي العصير التي جفّت قبل ذهاب ثلثي العصير الواقع في القدر، و ان كان المحتمل عدم الفرق لكن مع هذا يكون الحكم بطهارة المحل أو الآلة محل اشكال.

و ان كان الوجه في طهارة القدر و الآلات بالتبع هو الاجماع. يمكن دعوى ان المتيقن منه هو القدر الآلات المستعملة في الطبخ الواقعة فيه إلى ان يذهب ثلثاه. لا غير ذلك فلا يمكن القول بطهارة محل القطرة و لا الآلة في الفرض الذي فرض المؤلف رحمه اللّه في المسألة المبحوثة عنها و على كل حال بعد عدم القول بنجاسة العصير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 49

بالغليان يسهل الخطب و لا حاجة في اتعاب النفس في تنقيح الفرع المذكور في المسألة.

***

[مسئلة 2: إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر و استهلك لا ينجس و لا يحرم بالغليان، اما إذا وقعت تلك الحبة في القدر من المرق أو غيره فغلى يصير حراما و نجسا على القول بالنجاسة.

(1)

أقول: لا اشكال في انه إذا كان عصيرا موجودا و غلى يحرم مسلما. و ينجس أيضا على القول بنجاسة العصير

بالغليان، و اما لو كان عصيرا و استهلك في شي ء بحيث لا يكون بنظر العرف عصير موجود، ثم بعد ذلك غلى ذلك الشي ء المستهلك فيه العصير لا يحرم ما غلى و لا ينجس، و ان قلنا: بحرمة العصير و نجاسته بالغليان لأن الحكم تابع لموضوعه و مع عدم عين و لا اثر من الموضوع و هو العصير لا معنى لعروض حكم الحرمة أو النجاسة عليه.

فعلى هذا نقول: في الفرع الأوّل، لو كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر و استهلك في الحصرم لا ينجس و لا يحرم بالغليان لعدم وجود عصير حتى يصير غليانه موجبا للحرمة أو النجاسة، و لو فرض بقاء العصير إلى ان تغلى الحصرم فغلى العصير و الحصرم يحرم و ينجس على القول بنجاسة العصير بالغليان، لأنه العصير الغالي و ان كان في الحصرم.

أما في الفرع الثّاني و هو ما لو وقعت تلك الحبّة في القدر من المرق أو في غيره فغلى مع المرق، قبل ان يستهلك في المرق يحرم و ينجس بناء على حرمة العصير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 50

و نجاسته بالغليان لأنه عصير غلى في المرق أو في غيره، كما انه لو فرض استهلاكه في المرق قبل الغليان، ثم غلى المرق لا يحرم و لا ينجس لعدم وجود عصير يقال انه غلى، فالاختلاف في الفرعين ليس إلّا من باب فرض الاستهلاك قبل الغليان في الأوّل و عدم الاستهلاك في الثّاني و كان الممكن فرض الاستهلاك و عدم الاستهلاك في الفرع الأوّل و كذا في الفرع الثاني.

***

[مسئلة 3: إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه يشكل طهارته

و ان ذهب ثلثا المجموع نعم لو كان ذلك قبل ذهاب ثلثيه و ان كان ذهابه قريبا فلا بأس به و الفرق ان في الصورة الأولى ورد العصير النّجس على ما صار طاهرا فيكون منجّسا له بخلاف الثانية فانه لم يصر بعد طاهرا فورد نجس على مثله هذا و لو صبّ العصير الذي لم يغل على الذي غلى فالظّاهر عدم الاشكال فيه و لعل السر فيه ان النّجاسة العرضية صارت ذاتية و ان كان الفرق بينه و بين الصورة الأوّلى لا يخلو عن اشكال و محتاج إلى التأمّل.

(1)

أقول: في المسألة ثلاث مسائل:

المسألة الاولى: إذا صبّ العصير فغلى قبل ذهاب ثلثيه

فالذي ذهب ثلثاه فبناء على نجاسة العصير بالغليان لا يطهر، و ان ذهب ثلثا المجموع من العصير الغالي و غير الغالي لأن العصير الذي ذهب ثلثاه صار نجسا بسبب ملاقاته مع العصير الغالي الذي لم يذهب ثلثاه و بعد نجاسته لا يكون مطهرا له و ذهاب الثلثين يطهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 51

النجاسة الذاتية، و لا يطهر النجاسة العرضية، و على الفرض العصير الذي ذهب ثلثاه و اختلط مع الذي غلى قبل ذهاب ثلثيه صار نجسا بالنجاسة العرضية، فلا يكون ذهاب الثلثين مطهّرا له. و إن كان ذهاب ثلثي المجموع منهما. فاذا بقي على النجاسة لا يفيد ذهاب الثلثين، لا له و لا للعصير الغالي المختلط، به حتى بعد ذهاب ثلثي المجموع. لأنه بعد ذهاب ثلثيه ينجس أيضا بالنجاسة العرضية الحاصلة من العصير الذي لم يذهب ثلثاه و اختلط معه قبل لم يذهب ثلثيه فالسّر في عدم الطهارة هو صيرورة العصير الذي ذهب ثلثاه نجسا بالنجاسة العرضية و القدر المتيقن من مطهرية ذهاب الثّلثين هو النّجاسة الذاتية الحاصلة

بالغليان.

المسألة الثانية: ما إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في العصير الغالي الآخر قبل ذهاب ثلثيه

و ان كان ذهاب ثلثيه قريبا فلا بأس بهما بعد ذهاب ثلثيهما.

فما قال المؤلف رحمه اللّه بأنّه ورد نجس على مثله فيصير الوارد و المورود شيئا واحدا محكوما بالنجاسة قبل ذهاب ثلثيه و بالطهارة بعد ذهاب ثلثيه.

المسألة الثالثة ما إذا صبّ العصير الغير الغالي في العصير الذي غلا و لم يذهب ثلثاه.

قد يقال بعدم البأس بهما بعد ذهاب ثلثي المجموع من الوارد و المورود بان الوارد الغير الغالي بعد صبّه في العصير الغالي الذي لم يذهب ثلثاه يصير نجسا بالنجاسة العرضية و بعد اختلاطه بالمورود و غليانه يصير نجسا بالنجاسة الذاتية فتزول عن الوارد النجاسة العرضية ثم بعد ذهاب ثلثي المجموع ترتفع النجاسة الذاتية أيضا لكون ذهاب الثلثين مطهرا لنجاسة الذاتية.

و لكن كما قلنا سابقا في بعض المسائل المتفرعة على كيفية تنجيس المنجسات و في المسألة الثالثة من الانقلاب لا نفهم زوال النجاسة العرضية بطرو النجاسة الذاتية بل توجب طروّ الثانية الاشديّة فلا يلزم اجتماع المثلين فعلى هذا مع عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 52

ارتفاع النجاسة العرضية الثابتة قبل الغليان، بسبب طروّ النجاسة الذاتية الحادثة بالغليان يكون ذهاب الثلثين موجبا لارتفاع النجاسة الذاتية و اما النجاسة العرضية فباقية و لأجلها يكون العصير نجسا و ان ذهب ثلثاه و لهذا يكون الاحوط ان لم يكن اقوى نجاسة العصير في الصورة الثالثة كالصورة الأولى.

***

[مسئلة 4: إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلا بعد ذلك.

(1)

أقول: وجه ذلك اما دعوى أن الأدلة الدالة على نجاسة العصير بالغليان يختص بما إذا كان الغليان قبل ان يذهب ثلثاه، و لا يشمل ما إذا كان الغليان بعد ذهاب ثلثيه. لبعض الاخبار، فيقيّد بهذا بعض الاخبار الّذي يدلّ بإطلاقه على ان بعد ذهاب ثلثيه لم يكن نجسا و حراما، و إن كان ذهاب ثلثيه بغير الغليان. كالرّواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في قصة معارضة ابليس مع نوح على نبيّنا و آله و عليه السلام و قال فيها (فقال:

أبو جعفر: فإذا اخذت عصيرا فطبخته حتى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل و اشرب) «1» بدعوى دلالتها على أن الميزان ذهاب الثلثين، و إن لم يكن بالغليان فمجرد ذهاب ثلثيه، كاف لجواز الأكل و الشّرب، و لو غلا بعد ذلك لأن اطلاق الخبر يقتضي ذلك.

و الرّواية التي رواها سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال (ما أحرقت النار «2» فهو نصيبه و ما بقي فهو لك يا نوح حلال) «3».

______________________________

(1) 4 من الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) النار غير موجودة في الوسائل.

(3) 5 من الباب 1 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 53

و الرّواية التي رواها وهب بن منبه قال لما خرج نوح على نبيّنا و آله و عليه و السّلام من السفينة إلى ان قال فيها (فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس و هو حظه و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح عليه السّلام و هو حظه و ذلك الحلال الطيب ليشرب منه) «4».

و الرّواية الّتي رواها أبو بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام (و سئل عن الطلاء فقال إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس فيه خير «5».

و فيه إنا لم نجد في الاخبار ما يدل على اختصاص نجاسته بالغليان بما إذا لم يذهب ثلثاه قبل الغليان حتى يقال بانه مع وجود الاخبار المقيدة نجاسته بالغليان بصورة عدم ذهاب ثلثيه قبل الغليان تقيّد بعض ما دلّ على نجاسته بالغليان مطلقا بل ليس في البين إلّا ما يدل على نجاسته بالغليان مطلقا سواء

ذهب ثلثاه قبل الغليان أم لا.

و الاخبار المذكورة لم تفد كون اختصاص نجاسته و حرمته بالغليان بما إذا لم يذهب ثلثاه قبل الغليان بل الرّوايات الواردة في قصة نوح متعرضة لبيان كون الثلثين للشيطان و ثلث واحد لنوح على نبيّنا و آله و عليه السلام. و مع ذلك صرّح فيها بكون ما طبخ و ذهب ثلثاه فيحلّ ثلثه الباقي و ليست متعرضة لكيفية الطبخ و انه في أي زمان يصير حراما حتى يستدل بإطلاقها على ان التثليث موجب لرفع النجاسة و الحرمة و ان كان ذهاب ثلثيه بغير الغليان لما قلنا من عدم كونها متعرضة لهذا الحيث.

و أما بالنسبة إلى رواية أبي بصير أيضا نقول لا يستفاد منها كون الميزان في

______________________________

(4) 11 من الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(5) 6 من الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 54

الحلية و الطهارة التثليث على أي نحو اتفق و لو فرض له اطلاق و قيل انها تدلّ على كفاية حصور التثليث بالطبخ بالنار و لو لم يغل بعد.

فنقول أولا: لا بد من تقييدها بقرينة ما يدل على انه إذا غلا، يحرم و إذا ذهب ثلثاه بالغليان يرتفع التحريم.

و ثانيا تقول: على فرض الإطلاق لهذه الرّواية، و ساير الرّوايات المتقدمة الواردة في قصّة نوح على نبيّنا و آله و عليه السّلام، لا يمكن الأخذ به. لأن لازم اطلاقها هو نجاسة العصير و حرمته حتى قبل الغليان. لأنّ هذه الاخبار تدل على انه إذا ذهب ثلثاه يصير طاهرا و حلالا، سواء كان ذهاب الثّلثين بالغليان بالنار، أو بغيره. فتدل هذه الاخبار على ان العصير قبل ذهاب ثلثيه

نجس و حرام. لانه قال فيها (إذا اخذت عصيرا فطبخته حتى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل و اشرب) أو (ما احرقت النار فهو نصيبه و ما بقي فهو لك يا نوح حلال) أو ما كان فوق الثلث من طبخها، فلإبليس هو حظه، و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح) أو (اذا طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال).

فلازم ما ادعى كون العصير نجسا و حراما، قبل ذهاب ثلثيه حتى، فيما لم يغل بعد، و هذا ما لا يمكن الالتزام به فتلخص عدم امكان الاخذ بإطلاق هذه الاخبار، ان كان لها اطلاق، مع ما قلناه من ان الاطلاق ممنوع. و اما إذا كان منشأ دعوى عدم نجاسة العصير إذا غلا فيما ذهب ثلثاه من غير غليان: هو ان ذهاب ثلثيه المأخوذ موضوعا للمطهرية، و الحلية يكون مأخوذا بنحو صرف الوجود، فمجرّد الوجود كاف في ترتّب حكم الطهارة و الحلية، سواء كان بالغليان أو بغيره.

ففيه: إن الذهاب و لو أخذ على نحو صرف الوجود إما صرف الوجود بعد الغليان كما ينادى به لسان بعض خبار الباب، لا صرف الوجود و لو حصل قبل الغليان، فتلخص مما مرّ انه إذا ذهب ثلثي العصير بغير الغليان ينجس الثلث الباقي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 55

بعد ما غلا بناء على القول بنجاسته بالغليان و يحرم حتى يذهب ثلثاه بعد ذلك خلافا للمؤلف رحمه اللّه و بعد الرجوع إلى ما قلنا راجع المستمسك حتى يظهر لك فساد ما قال في وجه مختار المؤلف.

***

[مسئلة 5: العصير التّمري أو الزبيبي لا يحرم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: العصير التّمري أو الزبيبي لا يحرم و لا ينجس بالغليان على الاقوى بل مناط الحرمة

و النجاسة فيهما هو الاسكار.

(1)

أقول: قد بيّنا في ذيل المسألة الأولى من المسائل الّتي ذكره المؤلف في طي البحث عن التّاسع من النّجاسات و هو الخمر ان الاقوى ما افاده المؤلف رحمه اللّه من عدم النّجاسة العصير التمري و الزبيبي و عدم حرمتهما بالغليان بل المناط في الحرمة و النجاسة فيهما هو الاسكار فراجع.

***

[مسئلة 6: اذا شك في الغليان يبني على عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا شك في الغليان يبني على عدمه كما انه لو شك في ذهاب الثلثين يبني على عدمه.

(2)

أقول: منشأ ذلك استصحاب عدم الغليان في الأوّل و استصحاب عدم ذهاب الثلثين في الثّاني و يترتب على استصحاب عدم الغليان طهارته و حليّته و على استصحاب عدم ذهاب ثلثيه نجاسته و حرمته و القول بعدم النّجاسة في الأوّل و القول بالنّجاسة في الثّاني مبني على القول بنجاسته بالغليان و طهارته بذهاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 56

الثلثين و إلّا لا حاجة بالاستصحاب في الأوّل و الثّاني من حيث النّجاسة و عدمه.

***

[مسئلة 7: إذا شكّ في أنّه حصرم أو عنب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا شكّ في أنّه حصرم أو عنب يبنى على انه حصرم.

(1)

أقول: الاستصحاب حصرميّته، و يترتّب عليه عدم نجاسته أو حرمته بالغليان.

***

[مسئلة 8: لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ مع ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلا أو بعد ذلك قبل أن يصير خلا و ان كان بعد غليانه أو قبله و علم بحصوله بعد ذلك.

(2)

أقول: لا وجه لعدم البأس إلّا كون الدّليل الدّال على طهارت الخمر بانقلابه خلا دليل على عدم البأس بما يجعل في الحب مع العنب أو التّمر أو الزبيب و قد عرفت في مبحث الانقلاب انّما يجعل في الحب المجعول فيه العنب لأجل الغلاء لان يصير خلا كالملح و غيره لا اشكال في طهارته بانقلاب الخمر خلا لا للدّليل. فهذه الصورة مفروض كلام المؤلّف.

إن قلت انّ القدر المتيقّن من الدّليل خصوص ما ذكر في الدّليل و اما غيره فلا.

قلت لا خصوصية للمذكور من العلاج بل يقال بطهارة مطلق العلاج بإلقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 57

الخصوصية و اما ما يجعل فيه لا للعلاج فإن كان جعل هذا المجعول متعارفا و يكون الغالب وضع هذا الشي ء فيه بحيث انه لو حكم بطهارة الخمر بانقلابه خلا و يحكم بنجاسة هذا الشي ء بعد الانقلاب و تنجّس الخلّ به قهرا لو التزمنا بنجاسة المجعول يكون الحكم بطهارة الخمر بانقلابه خلا لغوا امّا من باب عدم مورد لا يكون فيه ما يجعل فيه بحسب المتعارف أو يكون موردا نادرا يمكن القول بالتزام طهارة هذا المجعول من باب لغوية حكم مطهرية الانقلاب مع الحكم بنجاسة المجعول و اما

لو لم يكن متعارفا فالحكم بطهارته مشكل بل بلا دليل و حيث ان المغتفر هو مقدار الاشياء المتعارفة في زمان الصدور الرواية لا المتعارف في زماننا فكلّ ما يستكشف تعارفه و لو بالسّيرة القطعيّة فلا بأس به و اما في غير المعلوم منه فالحكم بالجواز مشكل فالاحوط عدم الجواز فعلى هذا نقول جعل الباذنجان و امثاله ان كان للعلاج لان يصير الخمر خلا فلا بأس بما بقي منه فيه بعد انقلابه خلا و ما يكون فيه لا على سبيل العلاج فتارة يكون من الأشياء الّتي لا ينفكّ غالبا وجودها فيه كمقدار من التراب أو الورق فأيضا لا اشكال فيه و اما في غيره فمشكل.

***

[مسئلة 9: إذا زالت حموضة الخلّ العنبي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا زالت حموضة الخلّ العنبي و صار مثل الماء لا بأس به إلّا إذا غلا فإنه لا بد حينئذ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلا ثانيا.

(1)

أقول: اما فيما زالت حموضته و صار كالماء فلا بأس به، لعدم موجود ما يوجب البأس.

و أما فيما غلا فإن كان يصدق عليه الخل، غاية الأمر الخلّ الفاسد لذهاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 58

حموضته فلا ينجس، و لا يحرم بالغليان. لأن الخل لا ينجس و لا يحرم بالغليان.

و اما فيما ذهب حموضته و غلا و يصدق عليه ماء العنب فهو محكوم بما يحكم به ماء العنب، من نجاسته على قول من يقول بنجاسته بالغليان، و حرمته فقط، على المختار و ذهاب ثلثيه مطهّر له على فرض نجاسته بالغليان و رافعا لحرمته.

و اما صيرورته طاهرا بانقلابه خلا فهو مبنى على مطهرية العصير العنبي بانقلابه خلا، و قد حكى عن الجواهر دعوى الاجماع عليه.

***

[مسئلة 10: السيلان و هو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: السيلان و هو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر لا مانع من جعله في الامراق و لا يلزم ذهاب ثلثيه كنفس التمر.

(1)

أقول: بناء على عدم نجاسة العصير التمري، و عدم حرمته بالغليان لا بأس بجعله في الامراق، و لا يلزم ذهاب ثلثيه و قد عرفت في باب النجاسات ان الاقوى: عدم نجاسته، و حرمته بالغليان، و ان كان الأحوط استحبابا الاجتناب من حيث النجاسة و الحرمة فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 59

[السابع من المطهّرات: الانتقال]
اشارة

قوله رحمه اللّه

السابع من المطهّرات:

الانتقال كانتقال دم الانسان أو غيره مما له نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبقّ و القمّل و كانتقال البول إلى النّبات و الشجرة و نحوهما و لا بد من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه و إلّا لم يطهر كدم العلق بعد مصّه من الانسان.

(1)

أقول: و يعبّر عنه كما في مصباح الفقيه بحلول النجس في محل آخر، حكم الشّارع بطهارته عند اضافته إلى ذلك المحل. و عن الجواهر التعبير بنحو آخر. و لا فائدة في تطويل الكلام في معناه لأنه لم يرد في القرآن و السنة آية و خبرة في باب الانتقال حتى نتكلّم في المراد منه.

ثمّ بعد ذلك نقول: بان الانتقال تارة يكون بحيث يصير الجزء المنتقل عنه جزءا للمنتقل إليه على وجه الاستحالة، مثل ما إذا صار البول جزءا للنبات، من باب ان النبات أخذ بسبب عروقه و اصوله. هذا البول، و تغذى منه و استحال البول إلى شي ء آخر، لا مجرد رسوب البول فيه، بل استحال بشي ء آخر فهو من صغريات الاستحالة، و يكون البول المستحيل بشي ء آخر من اجزاء الشجر و

النبات طاهر، من باب استحالته بشي ء آخر، و يكون حكمه حكم الاستحالة. و لا يبعد كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 60

اطلاق الانتقال على هذا القسم من باب المسامحة. لأن ظاهر معنى الانتقال بقاء وجود الشي ء و لكن حلّ في محلّ آخر، و على كل حال لا أشكال في مطهرية الانتقال بهذا النحو، فما قاله المؤلف رحمه اللّه من انتقال البول إلى النبات ان كان بهذا النحو فهو طاهر لاستحالته بشي ء آخر، و إن كان مجرد رسوب البول باعتبار الخلل و الفرج الّتي يكون في النبات إلى النبات فيظهر حكمه مما سنذكره من الاقسام إن شاء اللّه.

و تارة ليس حلول الشي ء في محل إلى محل آخر و انتقاله منه إليه بنحو صار مستحيلا في المحل الثاني، إلى شي ء آخر و إنّ هذا الجزء المنتقل إليه باق بوجوده الموجود في المنتقل عنه، و لهذا القسم يفرض اقساما نتعرض لها و لحكمها إن شاء اللّه تعالى.

القسم الأوّل: ما يسند الجزء إلى المنتقل عنه مثلا، مصّ البق مقدارا من دم الانسان و وقع في جوف البقّ، و هو باق على دميّته و يكون بحيث يسند هذا الدم للإنسان، فيقول العرف انه دم إنسان و إن كان واقعا في جوف البق و له اضافة بالبق بهذا الاعتبار، لان مجرد الاضافة لا يخرجه عما هو عليه من كونه دم إنسان، فلا يبقى الإشكال في ان هذا الدم محكوم بالنجاسة. لأن ما يدل على نجاسة دم الانسان يشمل الورد، و لا حاجة إلى استصحاب دم الانسان ثم الحكم بنجاسته ببركة الاستصحاب، لأن ما يدل على نجاسته دم الحيوان الذي له نفس سائلة يشمله، فالنجاسة في هذا القسم

من باب وجود الدليل، لا الاصل.

القسم الثّاني: ما يسند بالنّظر العرفي إلى المنتقل إليه: ففي هذه الصورة يعدّ عند العرف دم البق، و إن كان مأخوذا من الإنسان و له اضافة إلى الانسان. إلّا ان بطول بقائه في جوف البقّ أو لجهة اخرى يعدّ عند العرف دم البق فهو محكوم بالطهارة، لا لاصالة الطهارة حتى يقال يستصحب كونه دم الانسان فيحكم بنجاسته من باب ان الاستصحاب مقدّم على اصالة الطهارة. بل من باب إنه بنظر العرف يكون دم البقّ و هو لعموم ما دل على طهارة دم البقّ، أو الاطلاق، و مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 61

وجود الاصل اللفظي، لا تصل النوبة بالاصل العملي، كما بيّن في محله. لأن ما يدلّ عليه الدّليل طهارة دم ما لا نفس له، أو طهارة دم البق، و بعد عدم تعيين ما هو دم ما لا نفس له، أو ما هو دم البقّ من ناحية الشارع، يكون المرجع في تعيينه هو العرف لأنه مع عدم تعيينه في لسان الشّارع يكون مقتضى الإطلاق المقامي كون المرجع هو العرف فأفهم.

القسم الثالث: ما لا يمكن للعرف الحكم بكون الدم المشكوك مثلا جزء من المنقول عنه، أو كونه جزء من المنقول إليه، مثل بعض الموارد التي لا يتمكن العرف من تشخيص الموضوع و المصداق، ففي هذا المورد و هذا القسم مثلا في الدم الخارج من الانسان و وقوعه في البق تكون الاضافة بالمنقول عنه من اضافته بالمنقول إليه كما في المثال من باب حلوله فيه لكن العرف لا يسند الدم إلى أحدهما بمعنى عدم حكمه بانه جزء أيّ منهما.

ففي هذه الصورة أيضا يحكم بنجاسته. لانه بعد الشّك لا

يستصحب في كونه من الانسان، أو يستصحب استناده إلى الانسان فيقال كان سابقا دم إنسان فيستصحب و يحكم ببركة الاستصحاب بكونه دم إنسان فيترتب عليه أثره الشّرعي و هو النّجاسة و مما بيّنا يظهر لك ما في كلام بعض المحشّين من الخلط فراجع.

***

[مسئلة 1: إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله أو خرج منه الدم لم يحكم بنجاسته إلّا إذا علم انه هو الذي مصّه من جسده بحيث اسند إليه لا إلى البق فحينئذ يكون كدم العلق.

(1)

أقول: المفروض في المسألة ان كان صورة الشّك في كون الدم الخارج من البق دم إنسان أو دم البق بحيث لا يعلم ان هذا الدم هو الدّم الذي مصّه البق من الإنسان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 62

أو من البق، فمقتضى القاعدة كون الدم محكوما بالطهارة. لأن الدم مشكوك بين الدم الطاهر و النّجس، فتكون الشبهة هي الشبهة المصداقية فلا يمكن التمسّك على نجاسته بالعموم، أو الاطلاق الدال على نجاسة دم الإنسان، و لا بالعموم أو الاطلاق الدال على طهارة دم البق، لعدم جواز التمسك بالعموم أو الاطلاق في الشبهات المصداقية.

و بعد عدم وجود الاصل اللفظي الممكن التمسك به لا بد من الرجوع بالاصل العملي و في المقام لا بد من القول بطهارة الدم المشكوك لاصالة الطهارة.

لانه بعد عدم وجود الدّليل اللفظي في المقام من العموم أو الإطلاق، و عدم وجود اصل حاكم على اصالة الطهارة كالاستصحاب مثلا فالمرجع هو اصالة الطهارة.

نعم إذا علم انه الدّم المصبوب من الانسان فهو خارج عن الفرض كما قال المؤلف رحمه اللّه (إلّا إذا علم انه هو الدّم المصبوب من الإنسان) و خارج عن الفرض.

و اما

إذا كان الشّخص عالما بإن الدم الخارج يكون دم نفس البق فيحكم في هذا الفرض بطهارة الدم، أما من باب الدّليل اللفظي من عموم، أو اطلاق لو قلنا بوجوده.

و أما من باب انه بعد عدم وجود دليل لفظى على النّجاسة، أو الطهارة و بعبارة أخرى كون المورد من الشبهة المصداقية لعدم شمول عموم أو إطلاق دال على نجاسة المورد، أو على طهارته فالمحكم هو طهارة الدم لأصالة الطهارة لأنه يشك في كونه طاهرا أو نجسا، و لم يكن مصداق دم الإنسان مسلّما لعلمه بكونه دم البق.

و تارة يعلم بكون الدم الخارج بقتل البق انه كان دم الانسان سابقا و قد مصّه و لكن مرة يشك في انه هل يكون باقيا على جزئيته للإنسان، أو صار جزءا للبق؟

لأنه إن كان جزء البق كان طاهرا، و ان كان باق على جزئيته للإنسان يكون نجسا، ففي هذه الصّورة يحكم بنجاسته، لأن جزئيته للإنسان و ان كانت مشكوكه لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 63

يستصحب اضافته و جزئيته للإنسان، فيقال ان هذا الدم كان سابقا من الانسان فيستصحب و بعد إثبات جزئيته للإنسان يحكم بنجاسته، لان دم الانسان نجس، و اخرى يعلم بكونه دم الانسان و ان كان في جوف البق فأيضا يحكم بنجاسته، غاية الأمر ببركة عموم ما دل على نجاسة دم الانسان أو اطلاقه و لا حاجة في هذه الصورة إلى الاستصحاب، فإن كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى هذا الفرض الذي له صور، صورة علمه بكون الدم من البق و صورة علمه بكون الدم من الإنسان، و صورة شكه.

فما قال من إنه لم يحكم بنجاسته، إلّا إذا علم أنه هو الذي مصّه

غير تام، لأنه كما عرفت كما يحكم بنجاسته فيما علم إنه من الانسان يحكم بنجاسته فيما يشك في كونه من الانسان، أو من البق أيضا، و لا يحكم بالطهارة إلّا في صورة العلم بكون الدم دم البق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 64

[الثامن من المطهّرات: الاسلام]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن من المطهّرات:

الاسلام و هو مطهّر لبدن الكافر، و رطوباته المتصلة به من بصاقه و عرقه و نخامته و الوسخ الكائن على بدنه و أما النجاسة الخارجية التي زالت عينها ففي طهارة محلّها اشكال و ان كان هو الاقوى نعم ثيابه الّتي لاقاه حال الكفر مع الرطوبة لا يطهر على الاحوط بل هو الاقوى فيما لم يكن على بدنه فعلا.

(1)

أقول:

الكلام في المقام يقع في جهات:
الجهة الأولى: لا اشكال في الجملة في ان الإسلام مطهّر لبدن الكافر

و قد ادعى عليه الاجماع بل الضرورة فلا حاجة إلى اطناب الكلام في هذه الجهة لكونه من المسلمات عند المسلمين ان بدن الكافر يطهر بالإسلام.

الجهة الثانية: معنى صيرورة الكافر طاهر بالإسلام طهارة بدنه

بجميع اجزائه حتّى ما لا تحله الحياة لأنه منه أيضا.

الجهة الثالثة: يقع الكلام في ما يتّصل ببدن،

الكافر الّذي اسلم مثل البصاق و عرقه و نخامته و الوسخ الكائن على بدنه فإن وجد دليل على طهارتها بالإسلام نقول بطهارته و إلّا مع الشك في طهارتها أو نجاستها يحكم بنجاستها بمقتضى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 65

استصحاب نجاستها السابقة.

و ما يمكن أن يكون وجها لطهارتها بالإسلام مثل طهارة نفس بدن الكافر بالإسلام أمور:

الأمر الأوّل: إن مثل البصاق و العرق و النخامة و الوسخ الكامن في البدن يعدّ من الشخص مثل البدن و مضاف إليه فإذا دلّ الدليل على طهارة بدن الكافر يشمل هذه الاشياء لكونها منه و مضافا إليه.

و يشكل عليه بإن الإضافة ان كانت مؤثرة تؤثر فيما يضاف الشي ء إليه مثلا إذا قيل بدن المسلم طاهر، فما يضاف إلى بدن المسلم حال اسلامه يقال إنه طاهر و ما يضاف إليه حال كفره يكون نجسا و بعد كون ظهور هذه الاشياء في بدن من اسلم حال كفره فهو مضاف إلى الكافر فلا يكون طاهرا.

الأمر الثّاني: ما يدلّ على ان الاسلام يجبّ ما قبله و مقتضي جبّ الاسلام ما قبله هو اغتفار نجاسة هذه الاشياء.

و استشكل عليه بأنّ مقتضي هذا الحديث أعني حديث الجبّ هو ان كل سبب كان مقتضيا لمسبب

حال الكفر يجبّه الاسلام، و نجاسة هذه الامور ليس للكفر حتى يجبّها الاسلام بل يكون من باب بقاء النجاسة.

الأمر الثالث: دعوى السيرة على طهارة هذه الامور من الكافر بالاسلام لانه من يسلم في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بعده لا يكون البناء على تطهير بدنه من هذه الاشياء بعد اسلامه و ربما يشكل بعدم

وجود هذه السيرة.

أقول: أما الدليل الثالث ففي الجملة لا اشكال فيه، و يمكن دعوى القطع في بعض الامور مثل الرطوبة المتصلة ببدنه بصيرورته مسلما عين و الأثر في الآثار من وجوب تطهير بدنه من هذه الاوساخ.

ان قلت، ان بعض الرّوايات المنقولة تدل على خلاف ذلك، مثل ما في تفسير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 66

علي بن إبراهيم القمي في حكاية اسلام اسيد بن خضير من الانصار عند مصعب بن عمير رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، قال اسيد بعد استماعه شيئا من القرآن من مصعب كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر، قال تغتسل و تلبس ثوبين طاهرين و تشهد الشهادتين و تصلّي ركعتين فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر ثم خرج و عصر ثوبه) و في اسلام سعد بن معاذ فبعث (يعني سعد بن معاذ) إلى منزله و أتى بثوبين طاهرين و اغتسل و شهد الشهادتين) لدلالتها على اعتبار تطهير البدن و اللباس، حينما اسلم).

قلت: مضافا إلى ان ما حكى عن تفسير علي بن إبراهيم ليس حكاية قول المعصوم عليه السّلام بل هو حكاية عن غير المعصوم اعني رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو مصعب و كون كلامه عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بامره غير معلوم.

نقول: أوّلا بأن امره بتطهير البدن و اللباس إن كان قبل إسلامهما فلا تدل الحكاية على كون الأمر بتطهيرهما قبل إسلامهما و الشهادة بالشهادتين، فلا يدل على دخوله في الإسلام لان رطوبته قبل الاسلام تكون نجسة و الأمر بايقاع بدنه في الكر، يكون مع لباسه لا يكون على هذا لدفع

النجاسة خصوصا مع ايقاعه مع لباسه في الكر لانه مع خروجه عن الكر يصير لباسهما نجسا لملاقاته مع رطوبة بدن الكافر حال كفره لعدم الوقوع و تحقّق الإسلام و إظهار الشهادتين.

و ثانيا الظاهر من الحكايتين كون ذلك من التشريفات للإسلام لا على سبيل الوجوب و لا لتشريع القذارة الشرعية، بل يكون لحصول النظافة الظاهرية و الشاهد على ذلك عدم دخل ذلك في قبول الإسلام اعني التّطهير أو الغسل في قبول الاسلام و كذلك الصلاة ركعتان فلا يمكن الاستشهاد بالحكايتين على نجاسة الرطوبة المتصلة بالبدن و على نجاسة اللباس الذي يكون لا بسه حينما أسلم الكافر.

فعلى هذا نقول بانه لا يبعد دعوى السيرة في مثل مفروض الكلام مثل عرقه و النخامة و البصاق و الوسخ الكائن على بدنه حين اسلامه على الطّهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 67

ثم إنه يمكن أن يقال، بان الاشكال على الوجه الأوّل إن كان ما قيل من ان الإضافة مؤثرة إذا كان منشأه اضافية إلى المسلم و نشؤه حال الاسلام، و الحال إن مفروض الكلام يكون فيما كانت هذه الامور حين كفره، قابل الدفع بإن هذه الامور بعد إسلامه مضاف بالمسلم فيقال ببصاقه و نخامته فمع كون الاسلام مطهّر لبدنه فهو مطهّر لجميع ما يضاف إليه كشعره و ظفره و ساير اجزاء بدنه، فعلى هذا يمكن الاستدلال على طهارة المذكورات بالوجه الأوّل. لكن الإشكال يكون في إنه ما الدّليل على ان كلّ ما يضاف إليه يكون طاهرا باسلام نفسه، نعم يمكن ان يقال في خصوص المذكورات بان معنى كون الشّخص طاهرا هو طهارته بجميع اجزائه و ما فيه من رطوبة و على كلّ حال في الوجه الثالث غنى

و كفاية.

الجهة الرابعة: هل تطهر محلّ النجاسة الخارجية التي زالت عينها بإسلام الكافر أم لا،

مثلا خرج عن الشخص حال كفره دم من بدنه ثم زالت عينها فأسلم فهل يجب تطهير موضع النّجس بعد اسلامه أو لا يجب لتطهيره بالاسلام. أعلم ان هذا النزاع يجري على القول بتنجّس النجس و المتنجس بنجاسة اخرى مطلقا أو في خصوص ما إذا كان للنجاسة الثانية الطارئة على النجاسة الأولى أثر زائد على الأوّلى و قد مرّ الكلام في كيفية تنجيس المتنجس. و قد يقال بأنه على فرض القول بتنجس النجس أو المتنجس بنجاسة أخرى إذا كان للثانية أثر زائد بدعوى إن السيرة قائمة على عدم وجوب تطهير البدن في مفروض الكلام إذا اسلم الكافر لأنه مع ابتلاء الكافر في الغالب أو الأغلب بنجاسة بدنه بما ذكر في الفرض.

و مع ذلك لا نرى عين و لا أثر، من الأمر بتطهيره فهذا شاهد على عدم وجوبه.

و أوضح من ذلك إن الكافر مبتلى بنجاسة محل بوله و غايته و يمكن دعوى عدم وجود من لا يبتلي بنجاسة بدنه في خصوص هذين الموضعين. فإن كان واجبا تطهير بدنه في هذين الموضعين مع ابتلائه بهما كان على الشّارع بيانه و هذا غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 68

السيرة، بل هذا هو تمسّك بالإطلاق المقامي فعلى هذا يكون الاقوى عدم وجوب تطهير من يسلم في مفروض الكلام، و إن كان الأحوط استحبابا تطهير موضع النجس بالنجاسة الخارجية بعد اسلامه.

لكن يأتي في ذيل الجهة الخامسة الإشكال في السّيرة و لهذا الاحوط تطهير بدنه من النجاسة الخارجيّة.

الجهة الخامسة: في انه هل يطهر بإسلامه ثيابه التي لاقت حال الكفر مع الرطوبة أم لا،

سواء كان الثياب مما يكون لا بس لها حال اسلامه أو لا.

ربّما يقال بانّ ما ورد في قصّة اسلام اسيد بن خضير من انه القى بنفسه في البئر مع لباسه

ثم خرج، و أسلم بانه يطهر ثيابه الذي في بدنه حال إسلامه بإسلامه انه ما حكى من أنه تطهر ثوبه بعد اسلامه مع انه صار نجسا لملاقاته مع الرطوبة مع بدنه النجس بالكفر لانه أسلم بعد ذلك لكن يمكن دفعه بانه ربما لم يحك تمام القصة، فلا يستفاد منها ذلك.

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنه لو حصل القطع أو الاطمينان بوجود السيرة على عدم وجوب تطهير الثّوب المتنجس بكفره بعد إسلامه خصوصا ما كان لابسا له حال إسلامه و إلّا فلا و لا يبعد وجود السيرة على طهارة اللباس الذي كان لابسه حال إسلامه لعدم وجود عين و لا أثر في الاخبار و الآثار على الامر بتطهيره مع صيرورته غالبا متنجسا بنجاسة الكفر، حتى إنّه يمكن أن يقال بذلك حتى في غير اللباس الذي يكون لابسه في غير حال اسلامه تمسّكا بالسيرة.

لكن العمدة كما اشرنا إليه سابقا هو إن مجرّد عدم وجود التعرّض في الاخبار و الآثار و قصة اسلام الاشخاص بالامر بتطهير ثيابهم و بدنهم المتلوث بالنجاسة زمان الكفر التي بقى أثرها و زالت عينها بل يكفي في تحقق السيرة على طهارة بدنه المتنجس حال كفره أم لا يكفي.

فعلى هذا نقول: بان الأحوط في مفروض الكلام هو التطهير بعد إسلامه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 69

و اما الرطوبة المتّصلة فيحكم بطهارتها بإسلامه لأن معنى طهارة بدنه بالاسلام هو طهارة هذه الرطوبة المتّصلة ببدن الشخص مضافا إلى وجود السيرة في هذا المورد.

***

[مسئلة 1: لا فرق في الكافر بين الاصلي و المرتد الملي]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا فرق في الكافر بين الاصلي و المرتد الملي بل الفطري أيضا على الاقوى من قبول توبته باطن او ظاهرا أيضا، فتقبل عباداته و يطهر بدنه، نعم

يجب قتله إن أمكن و تبين زوجته و تعتد عدة الوفاة و تنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته و لا تسقط هذه الاحكام بالتوبة لكن يملك ما يكتسبه بعد التوبة، و يصح الرجوع إلى زوجته بعقد جديد حتى قبل خروج العدة على الأقوى.

(1)

أقول: و قبل الورود في البحث من جهات المسألة نقول بأن الكافر يطلق و يراد منه من يكون كافرا أصلا بمعنى عدم كون كفره مسبوقا بالإسلام و يقال له الكافر الأصلي.

و قد يطلق الكافر على المرتد و هو من يكون كفره مسبوقا بالإسلام و

هو على قسمين ملّي و فطري.
القسم الأوّل: و هو الملّي

فهو من كان كافرا أصليّا ثم اسلم ثم ارتد بعد إسلامه.

القسم الثاني: و هو المرتد الفطري

فهو كلّ شخص انعقدت نطفته حال إسلام أبويه أو حال اسلام أبيه أو أمّه ثمّ ارتدّ او من ولد و كان حال حياته محكوما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 70

بالاسلام ثمّ ارتدّ بعد ذلك او من صار بالغا و هو مسلم ثمّ ارتدّ بعد ذلك (على خلاف بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم في المرتدّ الفطري من ان المراد من المرتد الفطري) هل هو الأوّل اعني من انعقدت نطفته حال اسلام أبويه أو اسلام واحد منهما أو الثّاني أو الثّالث؟ و ليس المقام للبحث عن هذه الجهة).

إذا عرفت ذلك نقول بانه بعد ما عرفت كون الاسلام مطهّرا لبدن الكافر يقع الكلام في انه مطهر لبدن الكافر الاصلي فقط أو يعمّ الحكم المرتد الملي أيضا أو يعم المرتد الفطري أيضا.

لا اشكال في ان الكافر الاصلي يطهر بدنه بالإسلام و هو المتيقن من الاقسام الثلاثة.

انما الكلام في قسميه الآخر فنقول هل يطهر بدن المرتد الملّي بالإسلام أم لا.

قد يقال بعدم طهارته تمسكا بإطلاق بعض الرّوايات الدالة على عدم قبول توبة المرتد و المرتد يشمل الملي أيضا مثل ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد فقال من رغب عن الاسلام و كفر بما نزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد اسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسم ما ترك على ورثته «1».

بدعوى ان المرتد في الحديث يشمل الملي و الفطري و فيه أوّلا قد يقال بأن قوله عليه السّلام في هذه الرّواية (من رغب عن الإسلام هو

خصوص المرتد الفطري و لكن لا وجه للاختصاص مع اطلاق قوله عليه السّلام فالاختصاص به ممنوع.

و ثانيا بعد دلالة ما رواه علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال سألته عن مسلم تنصّر قال يقتل و لا يستتاب قلت نصراني اسلم ثم ارتد قال يستتاب فإن رجع و إلّا قتل «2».

تدل الرّواية على قبول توبة الملّي من المرتد فلا بد من تقييد رواية محمد بن

______________________________

(1) 2 من الباب الأوّل من ابواب حد التوبة من ل.

(2) 5 من الباب 1 من أبواب حد التوبة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 71

مسلم بالمرتد الفطري فعلى هذا مجال للاشكال في كون الاسلام مطهّرا للمرتد الملي.

و أما المرتد الفطري فالكلام فيه يقع في جهات.
الجهة الأوّلى: في قبول توبته و عدمه

و المحكي عن الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم أقوال:

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 71

الأوّل: عدم قبول توبته لا ظاهرا و لا باطنا و ينسب هذا القول إلى المشهور.

الثّاني: القول بقبول توبته مطلقا ظاهرا و باطنا القول. الثالث القول بقبول توبته باطنا و عدم قبولها ظاهرا و حكي عن بعض تفصيلات آخر.

ما يستدل به على عدم قبول توبته مطلقا بعض الرّوايات مثل رواية محمد بن مسلم المتقدم ذكرها قبل ذلك في باب بحث طهارة المرتد الملي بالإسلام فراجع إليها.

و مثل رواية أخرى رواها علي بن جعفر المتقدم ذكرها عند البحث عن طهارة المرتد الملي بالإسلام فراجع.

و مثل ما رواها عمار الساباطي قال أسمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول كل مسلم بين المسلمين ارتد عن الإسلام و جحد محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم

نبوته و كذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه و امرأته بائنة عنه يوم ارتد و يقسم ماله على ورثته و تعتدّ امرأته عدة المتوفى عنها زوجها و على الامام ان يقتله و لا يستتيبه «1» و غير ذلك من الاخبار بدعوى دلالة هذه الطائفة من الاخبار على عدم قبول توبته و إسلامه.

و قيل في رد التّمسك بهذه الاخبار أمور نذكرها:

الأوّل: ان نفي التوبة بقرينة الاخبار المذكورة من قتله و كون امرأته بائنة و تقسيم امواله بين ورثته و اعتداد زوجته عدة الوفاة شاهد على كون عدم القبول بالنسبة إلى خصوص هذه الاحكام الاربعة فتكون الاحكام المذكورة كالقرينة المتصلة للكلام تمنع عن الاطلاق في عدم قبول توبته.

الثّاني: إن المطلق إن كان له أفراد إذا اطلق المطلق فلا ينصرف إلّا إلى هذه

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب حد المرتد من ل، ج 18.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 72

الافراد و يمنع عن الانصراف بغيرها، و في المقام بعد كون هذه الاحكام الأربعة المذكورة هي الافراد التي ينصرف إليها الاطلاق فلا اطلاق للكلام.

الثّالث: بانّ لام الجر في قوله في رواية محمد بن مسلم بعد قوله (فلا توبة له المتقدمة ذكرها) يقتضي نفي التّوبة عما يكون له و يكون بنفعه و أما كل ما يكون على ضرره أو لا يكون له نفع فيه و لا ضرر فلا تشمله الرّواية فلا تشمل ما يكون ضرر عليه كوجوب العبادات، أو ما لا نفع له و لا ضرر فيه كطهارته و استشكل على كل هذه الايرادات بأنه اما كون الاحكام الاربعة المذكورة في الرّوايات قرينة على عدم قبول توبته بالنسبة إلى هذه الاحكام الأربعة.

ففيه

ان الاحكام الأربعة تكون مذكورة بنحو العطف، و عدم قبول التوبة من جملة المذكورات فعدم قبول التوبة حكم في قبال باقي الاحكام المذكورة في الرّوايات فلا دلالة لها في على كون غير عدم قبول التوبة من الاحكام المذكورة مختصة بمن لم يقبل توبته.

و أما الانصراف بخصوص الاربعة المذكورة من باب كونها اظهر افراد المطلق.

ففيه أوّلا: انه لا تكون الاحكام الاربعة اظهر الافراد و ثانيا لا توجب هذه الاظهرية للانصراف.

و اما قوله عليه السّلام: في رواية محمد بن مسلم (فلا توبة له) تكون معنى لام الجرّ عدم كونه منتفعا بالتّوبة ان نفس التّوبة لا تكون له و مع عدم كون التوبة فلا اسلام له.

و ان منعت الملازمة بين عدم قبول توبته و بين عدم اسلامه، و معناه عدم قبول توبته و بقاء آثار الارتداد من العقوبة و مع هذا يقبل اسلامه و الآثار المرتّبة على إسلامه فنقول بناء على هذا يمكن ان يقال بأن عدم قبول توبته لا ينافي مع قبول اسلامه فإذا اسلم يصير طاهرا ببركة الاسلام. لكنّ التفكيك مشكل لان معنى التوبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 73

على التحقيق هو الندم على ما سبق و العزم على الترك فيما بعد، فمعناه في المقام هو الندم على الكفر و العزم على اختيار الاسلام، فكيف يمكن الالتزام بعدم قبول توبته و مع ذلك يقبل اسلامه، مضافا إلى ان في سائر الرّوايات لم يكن لفظ (له) حتى يقال بما استشكل على رواية محمد بن مسلم فلا وجه لاختصاص عدم قبول التوبة بخصوص ماله بنفعه.

و لو سلمنا ذلك و ان التوبة لا تقبل في خصوص ما ينفع الكافر المرتد، فما قلت من ان الطهارة

لا بنفعه و لا بضرره محل منع، بل الطهارة أيضا بنفعه، لا ترد هذه الإشكالات بهذه الرّوايات.

إذا عرفت ذلك، نقول بعونه تعالى بعد تسالم الاصحاب على كون المرتد الفطري مأمورا باتيان الواجبات كالصلاة المشروطة صحتها بالإسلام و بالطهارة فلا بد من الالتزام بإسلامه و طهارته حتى تصحّ منه الصلاة و سائر العبادات المشروطة بالإسلام و بالطهارة فلا بد من الالتزام بقبول توبته و يوجّه إطلاق عدم قبول توبته المستفاد من الاخبار المذكورة أما بدعوى عدم اطلاقها أو بنحو آخر مضافا إلى انه لا يمكن الالتزام بعدم قبول توبته بحسب ما نعلم من سعة رحمة اللّه و مذاق الشرع مع الاهتمام التام بهداية الناس و عدم بقائهم في الضلال.

إن قلت، ان ما قلت من كونه مكلفا بالفروع لا ينافي مع عدم قبول توبته و عقابه على ترك الفروع لانه باختياره اختار الكفر و جعل اتيان العبادات بنفسه على نفسه ممتنعا و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فهو حيث كان قادرا على اتيان الفروع بعدم اختياره الكفر و بقائه على الاسلام إذا اختار الكفر و باختياره، جعل المقدور بنفسه ممتنعا على نفسه فيصح التّكليف به و العقوبة على تركه لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

قلت- بأن الكلام تارة يكون في صحة التّكليف بغير المقدور حال عدم القدرة، فما يكون مختار العدلية عدم صحة التّكليف بغير المقدور حال عدم كونه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 74

مقدورا، و إن كان منشأ عجزه و عدم قدرته نفس المكلّف و لهذا طعنوا بأبي هشام القائل بصحة ذلك، فعلى هذا لا يصح التكليف بغير المقدور، فمع توجه التّكليف به نكشف قبول توبته من حيث قبول اسلامه و طهارته

و إن لم تقبل من حيث الاحكام الأربعة المذكورة في الرّوايات المتقدمة.

و تارة يقع الكلام في العقاب على ما صار غير مقدور بسوء اختيار العبد، ففي هذا المقام تقول بان العقاب صحيح عقلا لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فتحصل من ذلك كله، قبول اسلام المرتد الفطري و طهارته.

الجهة الثانية: يجب قتل المرتد الفطري ان امكن

و تبين زوجته و تعتد عدة الوفاة و تنقل امواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته و هذا كله لدلالة الرّواية المتقدمة و غيرها على ذلك.

الجهة الثالثة: هل يملك ما اكتسبه بعد التّوبة أم لا.

الظاهر انه يملكه لانه لا مانع من ذلك و المقدار الذي يدلّ عليه الدّليل على انتقاله إلى ورثته هو امواله الموجودة حال الارتداد.

الجهة الرابعة: هل يصحّ له الرّجوع بعد اسلامه الى زوجته بعقد جديد أم لا.

الحق جواز ذلك له حتى قبل خروج عدّتها لانه بعد قبول توبته و اسلامه لا مانع من ذلك.

و ما دل على انه يجب ان تبين زوجته يكون مع وجود سببه و هو ردّته و كفره فهو يدل على انقطاع الزوجية بسبب الكفر لا الحرمة الابدية، لأن قوله عليه السّلام و امرأته بائنة لا يستفاد منه إلّا تحقق البينونة بسبب كفر الزوج لا إنه يحرم عليه ابدا حتى مع ارتفاع موجب البينونة لما يقتضي مناسبة الحكم و الموضوع كما قلنا فيما يكتسبه بعد التوبة، و ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه من ان قوله عليه السّلام (بانت امرأته) مطلق و معنى اطلاقه حرمتها الابديّة عليه، و فيه ان ذلك فرع وجود الاطلاق الزماني لهذا الكلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 75

و هو مع ما قلنا من مناسبة الحكم و الموضوع ممنوع، و اما صحة عقد زوجته و لو في حال العدة التي بانت عنه لكفره فلأن عقدها إذا كان جائزا يجوز و لو في العدة، و الأمر بالاعتداد على زوجته كما في الرّواية إذا ارتد يكون بالنسبة إلى غير زوجها لا بالنّسبة إلى من كان زوجها.

***

[مسئلة 2: يكفي في الحكم بإسلام الكافر اظهار الشهادتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يكفي في الحكم بإسلام الكافر اظهار الشهادتين و ان لم يعلم موافقة قلبه للسانه لا مع العلم بالمخالفة.

(1)

أقول: ما افاده بالنسبة إلى الحكم بالإسلام في الدنيا صحيح و إلّا ففي العقبى فما يوجب دخول الجنة و الخلود فيها هو الاقرار باللسان و التصديق بالقلب و العمل بما في الدّين من الواجبات و المحرّمات.

و اما في الدّنيا فهل يكفي في الحكم بالإسلام مجرد اظهار الشهادتين و ان علم مخالفة قلبه مع لسانه كما

يظهر من بعض، أو يكفي الاظهار باللسان و لا يجب العلم بكون قلبه موافقا مع لسانه و إن كان العلم بالمخالفة مضرا، فعلى هذا إذا اعترف احد بالإسلام باللسان و لا يعلم بموافقة قلبه مع لسانه يكفي في اسلامه كما هو مختار المؤلف رحمه اللّه، او يعتبر مع الاقرار باللسان العلم بكون قلبه موافق مع لسانه، اما الاحتمال الثّالث فهو ممّا يقطع بخلافه لانه يلزم عدم امكان الحكم بإسلام اكثر من يقرّ بالشهادتين بلسانه، بل يوجب ان يقبل اسلام الاشخاص من يعلم باطن النّاس فقط و هو واضح الفساد، فيدور الامر بين الاحتمال الأوّل و الثّاني.

قد يقال: بالاحتمال الأوّل، لقوله تعالى (قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ) و بعض الاخبار الدالة على ان الإسلام مجرد الاقرار مثل الرّواية 1 من الباب 1 من ابواب تفسير الايمان و الإسلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 76

و ما يتعلق بها في الوافي و غيرها، راجع الباب المستفاد منها كفاية الاقرار و التصديق باللّسان في الاسلام، و لما يكون من المسلمات من ترتيب آثار الإسلام من الطهارة و حقن الدماء و المناكح و المواريث مع المنافقين، و هذا واضح حتى من فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم مع عدم كونهم مصدقين في قلوبهم كما اخبر اللّه بكذب ما يدّعون بلسانهم في قوله تعالى (إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ)، و ما قيل من ان هذه المعاملة مع المنافقين كانت من خصوصيات صدر الاسلام لا مطلقا، مضافا إلى عدم وجه الاختصاص بالصّدر الأوّل، يكفي اطلاق بعض ما قلنا من الاخبار الدالة على كفاية الاقرار بالشهادتين

باللسان في الاسلام فإذا لا يبعد كون الاقرار باللسان كافيا في ترتب حكم الاسلام، و إن كان المعلوم مخالفة القلب مع اللسان. و لكن مع ذلك كله نقول ما يستفاد من الآية الشريفة و الرّوايات، هو كون مرتبة الإيمان اعلى من الاسلام و اخص منه لانه مستقر في القلب و في الاعمال، و هذا مما لا اشكال فيه، انما الاشكال في ان مفاد الآية أو الرّوايات هو ان الاسلام المقابل للإيمان هو مجرد الاقرار باللّسان، و ان علم بمخالفة اللسان مع القلب، أو هو اقرار باللسان و ان لم يدر ما في قلبه في مقابل الإيمان المعلوم استقراره في القلب، و يحتمل كون المراد من الآية أو الرّوايات هو الثاني و مع هذا الاحتمال لا يمكن الاستدلال على الآية و امثال هذه الرّوايات على كون الاسلام مجرد الاقرار باللسان حتى مع العلم بعدم موافقة القلب مع اللسان.

و اما ترتيب آثار الاسلام مع المنافقين المعلوم عدم كونهم مصدقين في قلوبهم كما يفصح به قوله تعالى في الآية الشريفة (إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ)، فإن امكن القول باختصاص هذا الحكم أي ترتيب الاثر بالإسلام في اللسان مع المنافقين في ترتيب آثار الاسلام فهو، و إلّا فلا بد من الالتزام بكفاية الاقرار باللسان في ترتيب آثار الاسلام، و يحتمل الاختصاص، إما من باب ان المصلحة في الصدر الأوّل هو ترتيب آثار الاسلام مع هذه المنافقين المعلوم عدم كونهم مؤمنين بقلوبهم، و اما من باب ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 77

الميزان في مضرية مخالف القلب مع الاقرار باللسان هو معلومية ذلك عند الناس بطرقهم المتصارفة، لا؛ ما يعلم النبي أو الوصي بعلم النبوة و الامامة، فإذا

كان احد منافقا عند النبي أو الولي صلوات اللّه و سلامه عليهما و على آلهما، لا يكفي في عدم ترتيب احكام الإسلام عليه حتى بالنسبة إلى نفس النبي و الولي و الوجه الأخير و إن كان يشكل القول به لكن يحتمل الوجه الأوّل، و هو كون المصلحة في الصدر الأوّل على ترتيب آثار الإسلام على المنافقين المعلوم عدم مطابقة قلوبهم مع ما يقرون من الشهادتين على لسانهم، فعلى هذا نقول بان الاقرار باللسان كاف في صورة عدم معلومية مخالفة اللسان مع القلب و اما مع العلم بالمخالفة، فلا يترتب احكام الإسلام.

***

[مسئلة 3: الاقوى قبول إسلام الصبي المميز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الاقوى قبول إسلام الصبي المميز إذا كان عن بصيرة.

(1)

أقول: لعدم وجه للاختصاص بمن يكون بالغا، و حديث رفع القلم لا يقتضي إلّا رفع التّكليف عنه لا عدم قبول خيراته و حسناته.

***

[مسئلة 4: لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل بل يجوز له الممانعة منه و إن وجب قتله على غيره.

(2)

اقول: بعد ما يجب قتل المرتد الفطري حتى بعد التوبة و قبول إسلامه، يقع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 78

الكلام في انه هل يجب عليه تعريض نفسه للقتل أم لا؟

الاقوى عدم الوجوب، لان وجوب وقوع الحد عليه و هو القتل تكليف راجع إلى ساير المكلّفين لا إليه، و إلّا يكون الواجب عليه قتل نفسه بدون تعريض نفسه بالغير لأن يقتله أو يكون مخيرا بين ان يقتل نفسه أو يعرض نفسه على الغير، بل يستفاد من بعض الاخبار حسن استتار الشخص ما يوجب الحد عليه، فكيف يمكن القول بوجوب تعريض نفسه للحد، راجع الباب 16 من ابواب مقدمات الحدود و احكامها العامة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 79

[التاسع من المطهّرات: التّبعية]
اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع من المطهّرات:

التّبعية و هي في موارد: أحدها:

تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه كما مر

الثاني: تبعيّة ولد الكافر له في الإسلام أبا كان أو جدّا أو اما أو جدة

الثالث: تبعية الأسير للمسلم الذي أسره إذا كان غير بالغ و لم يكن معه أبوه أو جده

الرابع: تبعيّة ظرف الخمر له بانقلابه خلا الخامس آلات تغسيل الميت من السّدة و الثوب الذي يغسله فيه و يد الغاسل دون ثيابه بل الاولى و الأحوط الاقتصار على يد الغاسل.

السادس: تبعية أطراف البئر و الدّلو و العدة و ثياب النازح على القول بنجاسة البئر لكن المختار عدم تنجسه بما عدا التّغير و معه أيضا يشكل جريان حكم التبعية.

السابع: تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير على القول بنجاسته، فإنها تطهر

تبعا له بعد ذهاب الثلثين.

الثامن: يد الغاسل و آلات الغسل في تطهير النجاسات،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 80

و بقية الغسالة الباقية في المحل بعد انفصالها.

التاسع: تبعيّة ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل كالخيار و الباذنجان و نحوهما كالخشب و العود فإنهما تنجس تبعا له عند غليانه على القول بها و تطهر تبعا له بعد صيرورته خلا.

(1)

أقول: اعلم ان الكلام يقع في مواضع:

الموضع الأوّل: قد مر عند التكلّم عن مطهرية الاسلام حكم الرطوبة

المتصلة ببدن الكافر إذا أسلم و بصاقه و نخامته و عرقه و الوسخ الكامن على بدنه إذا أسلم الكافر فراجع.

الموضع الثاني: في تبعية ولد الكافر لأبيه الكافر في الاسلام،

فإذا أسلم فالولد تابع له سواء كان من أسلم أبا أو جدا أو إما أو جداته أما تبعيته للأب يدل عليها ما رواها حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل من أهل الحرب إذا اسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال: إسلامه اسلام لنفسه و لولده الصغار و هم احرار و ولده و متاعه و رقيقه له الخ «1».

و أما تبعيته للجدّ فلأنه أب له.

و أما تبعيته في الإسلام لامه و لجدته إذا اسلمتا أو أسلمت، أحدهما فلما يكون من المسلمات عندهم من كون الولد تابعا لأشرف الأبوين

الموضع الثّالث: تبعية الأسير للمسلم الذي أسّره

فيما يكون الاسير غير البالغ و لم يكن معه أبوه أو جده.

يستدل على طهارته بالتبع بوجوه:

الوجه الأوّل: قاعدة الطهارة، لانا نشك في طهارته و مقتضي القاعدة طهارته.

______________________________

(1) من الباب 43 منت ابواب جهاد العدوّ من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 81

ان قلت ان قاعدة الطهارة محكومة في قبال استصحاب نجاسته قبل الاسر بتبع ابيه الكافر.

قلت ان مع عدم بقاء الموضوع لا يجري الاستصحاب، و قد أرتفع الموضوع لانّه كان سابقا تبعا للأب فلهذا كان نجسا و يكون في الحال تبعا للمسلم الذي اسره و هو موضع آخر.

أقول: الأقوى جريان الاستصحاب لأنّه مع الاسر لا يخرج عن كونه تابعا لأبيه عرفا، فلم يتبدل الموضوع و مع بقاء الموضوع يجري استصحاب النجاسة، و مع جريان الاستصحاب لا تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة فلا يتمّ هذا الوجه.

الوجه الثاني: التمسّك بدليل لا حرج بدعوى ان بقائه على النّجاسة حرج و هو مرتفع لانه مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1».

و فيه انه لم يكن حرج في بقائه

على النّجاسة مثل سائر الكفار.

الوجه الثّالث: النبوي المشهور (كلّ مولود يولد على الفطرة) «2» بدعوى إن كل مولود بفطرته مسلم، إلّا إذا كان تابعا لأبويه الكافرين و مع انقطاع التبعية فهو محكوم بالإسلام و الطهارة.

و فيه: إن الظاهر من الحديث هو ان كلّ مولود بحسب فطرته لو لا ان أبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه إذا بلغ يصير موحدا، و إلّا إن كان المراد انه موحد مسلم حال صغره كان اللازم الحكم بطهارته و لو لم يكن مسبيّا لمسلم عند انفراده عن أبويه.

الوجه الرّابع: وجود السيرة على معاملة الطهارة مع الصبيّ المسبيّ.

و فيه إن السيرة ممنوع.

الوجه الخامس: دعوى كون طهارته ظاهر كلمات الاصحاب رضوان اللّه

______________________________

(1) سورۀ 22، آيۀ 77.

(2) اصول كافى، ج 2، ص 13.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 82

عليهم و فيه إن تحقق الاجماع غير معلوم.

فإذا نقول: كما قال سيدنا الاعظم قدّس سرّه في حاشيته على العروة الوثقى الحكم بطهارته بالتبع مشكل.

الموضع الرّابع: تبعية ظرف الخمر بانقلابه خلا في الطهارة.

و الوجه فيه هو إن الحكم بطهارة الخمر المنقلب خلا، مع الالتزام ببقاء نجاسة ظرفه على النّجاسة، يلزم لغوية طهارة الخمر المنقلب خلا. لأنه ينجس دائما بملاقاته مع ظرفه النّجس فلا معنى للحكم بطهارة الخمر المنقلب خلا فلهذا صونا عن لغوية الحكم بطهارة الخمر بانقلابه خلا لا بد من القول بطهارة ظرفه الواقع فيه الخمر بالتبع.

الموضع الخامس: تبعية آلات تغسيل الميت من السدة

و الثوب الذي يغسله فيه و يد الغاسل و ما يكون وجه ذلك، هو انه بعد ما نرى من طهارة الميت بغسله من وراء ثيابه و عدم الامر بغسل بدن الميت بعد ذلك بملاقاته للثياب المتنجسة ببدن الميت و عدم الامر بغسل الثّياب و كذا اليد و السدة نكشف إن المنشأ في ذلك اما عدم نجاسة الثوب و اليد و السدة بملاقاته لبدن الميت حال نجاسته من رأس فيكون معناه عدم كون الميت المتنجّس منجّسا لهذه الاشياء، و إما بأنه و إن كان الثوب أو الخرقة الواقعة على عورة الميت و يد الغاسل و السدة ينجس بملاقاته لبدن الميت حال نجاسته و لكن لا تكون هذه الاشياء منجسا لبدن الميت و إما بأنّ هذه الاشياء و إن كانت متنجسة بملاقات بدن الميّت و لكن تطهر مع تطهير بدن الميت بدون حاجة إلى العصر في الثياب و الخرقة الواقعة على عورة الميت.

لازم الاحتمال الأوّل هو عدم نجاسة هذه الاشياء بملاقاتها للنجس و هو بدن الميت قبل الغسل، و عدم وجوب غسل هذه الاشياء و التصرّف في قاعدة كل نجس ينجّس.

و لازم الاحتمال الثّاني: هو نجاسة هذه الاشياء بملاقاتها لبدن الميت و لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 83

ينجس بدن الميت ثانيا بها فأيضا يكون لازمه التخصيص

في قاعدة كلّ نجس ينجس، المستفادة من الأدلة لانه على هذا لا ينجس هذه الاشياء بدن الميّت الذي طهر بالغسل ثانيا لكن الفرق بين هذا الاحتمال و بين الأوّل هو عدم وجوب غسل هذه الاشياء لأنها لم تنجس رأسا بملاقاتها لبدن الميّت.

و على الاحتمال الثاني: يجب تطهير هذه الاشياء مستقلا لأنها صارت نجسة بملاقات بدن الميت و إن كان لا ينجس بدن الميت ثانيا بها.

و لازم الاحتمال الثّالث: نجاسة هذه الأشياء بملاقات بدن الميت النّجس قبل تمام غسله لكن حيث يطهر مع تطهير الميت، فلا ينجس الميت بها ثانيا غاية الأمر لا بد من الالتزام بعدم وجود العصر في الثوب الذي غسل الميت من ورائه و الخرقة الواقعة على عورة الميت في خصوص المورد.

أما الاحتمال الأوّل: يبعّده عدم وجوه لتخصيص كلّ نجس ينجس المستفادة من النّصوص مع امكان حفظ هذه القاعدة و الالتزام بطهارة هذه الاشياء كما نقول.

و اما الاحمال الثّاني: يبعّده ان لازمه وجوب غسل هذه الاشياء بعد تمامية غسل الميت مستقلّا و الحال انه لا عين و لا أثر له في الآثار و الأخبار و مقتضي الاطلاق المقامي عدم وجوب غسل هذه الاشياء.

فيبقى الاحتمال الثّالث: و هو غسل هذه الاشياء بالتّبع لغسل الميت فإنه بعد ما لا نرى عينا و لا اثرا من نجاسة بدن الميت بهذه الاشياء، بعد تمام الغسل، و لا نرى اثرا من الأمر بغسل هذه الأشياء مستقلا بعد غسل الميت، نكشف إن هذه الاشياء طهرت بالتّبع و لا يمكن الأخذ بالاحتمال الأوّل و الثّاني لأنه مع امكان حفظ عموم كلّ نجس ينجس و حفظ الإطلاق المقامي لا وجه لرفع اليد عنهما.

و على الاحتمال الثّالث: يحفظ كل ذلك.

أما بالنسبة إلى

يد الغاسل و السدة فلا اشكال في البين لانه يحفظ العموم و الاطلاق المقامي، غاية الامر بالنسبة إلى ثوب الميت الواقع غسله من ورائه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 84

و بالنسبة إلى الخرقة الواقعة على عورته حال الغسل يقتضي التصرف فيهما يدل على وجوب العصر في الثياب و التصرّف فيما دلّ على وجوب العصر اهون من التّصرف فيما دل على انّ كلّ نجس ينجس و لهذا يقال بطهارة هذه الاشياء بالتّبع و مما مرّ منّا في المقام يظهر لك وجه الاحتياط في الثوب الواقع من ورائه غسل الميّت لأن طهارته مستلزم للتصرّف في دليل وجوب العصر فيما يحتاج في تطهيره إلى العصر.

و اما من باب انه يمكن الغسل بدون الثياب و معه لا يمكن دعوى الإطلاق المقامي لأنه إن كان الغسل من وراء الثياب هو المتعارف و مع ذلك لا عين له و لا أثر من وجوب غسله يمكن الحكم بطهارته بالإطلاق المقامي. و هذا غير معلوم و لعل إلى هذا ينظر الكلام المحكي من المحقق رحمه اللّه حيث قال (و ان تجرد عن ثوبه وقت غسله كان أفضل) لكن لا يجري هذا الأشكال في الخرقة الواقعة على عورة الميت حين غسله لأنه المتعارف، فبالاطلاق المقامي نقول بطهارته بالتّبع بل يمكن دعوى كون الغسل من وراء الثوب متعارفا فلا مانع من التمسك بالإطلاق المقامي على عدم وجوب تطهيره بعد الغسل و عدم نجاسة بدن الميت بعد الغسل به.

الموضع السادس: تبعية أطراف البئر و الدلو و العدة و ثياب النّازح

على القول بنجاسة البئر. و الكلام يقع تارة بناء على القول بنجاسة البئر بملاقاته مع النجاسة و تارة على القول بعدمها.

أما الأوّل فنقول: بعونه تعالى إن عمدة الوجه هو الاطلاق المقامي بدعوى إنه

بعد ما نرى من ملاقات بعض الاشياء كاطراف البئر و الدلو و العدة و ثياب النّازح مع ماء البئر النجس على الفرض من دون حكم الشّارع بطهارة ماء البئر بعد نزح المقدّرات و عدم الامر بتطهير هذه الاشياء مع غفلة العامة عن لزوم تطهيرها دليل على عدم وجوب تطهيرها و صيرورتها طاهرة بتبع طهارة ماء البئر بعد النزح و إذا كان الدّليل الاطلاق المقامي فيما يمكن جريانه يقال بطهارته بالتّبع و إلّا فلا.

فعلى هذا نقول لا أشكال في القول بطهارة الدلو الذي ينزح به البئر، و الحبل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 85

المشدود به الدلو، و اطراف البئر طاهر بالتبع، لأنها لا ينفك في الطهارة عن ماء البئر إنما الكلام في ثياب النازح و انه هل يطهر بالتبع أم لا؟ و منشأ الاشكال هو تعارف ملاقاته مع ماء البئر حين ينزح حتى يقال بطهارته بتبع طهارة ماء البئر أم لا.

و منشأ الاشكال كما قلنا هو تعارف ملاقات الثياب مع الماء المنزوح غالبا و عدمه فعلى فرض التعارف يطهر بالتبع و مع عدمه لا يطهر بالتبع.

و الحق ان مطلق ثياب الناضح لا يبتلي بملاقات الماء الذي ينضح من البئر غالبا كما ان الحقّ ان قسما من ثيابه مثل اطراف لباسه إذا كان ثيابه طويلا أو من اطراف ازاره يبتلي بملاقات الماء فإذا نقول بان الحق هو التفصيل بين الصورتين فإن كان لأوّل فلا يحكم بالتبعية و إن كان كالثاني يحكم بطهارتها بالتبع.

و أمّا بناء على عدم القول بنجاسة ماء البئر بملاقاته للنجاسة، إلّا إذا صارت الملاقاة موجبة للتغير في احدى أوصافه الثلاثة.

فهل يكون حكم التبعية جاريا في هذه الصورة أيضا أم لا؟

و

بعبارة اوضح انه لو بنينا على ان ماء البئر إذا تغير بنجاسة احد أوصافه الثّلاثة المعيّنة، و قلنا بأنه يمكن تطهير ماء البئر بنزح مقدار من مائه حتى يذهب تغيره بنزح الماء منه و قلنا بطهارة ماء البئر بعد ذلك هل يصير الدلو و غيره مما قلنا في الصورة الأولى عني صورة القول بنجاسة ماء البئر بملاقاة النّجاسة في هذه الصورة بالتبع بمعنى انه بعد طهارة ماء البئر بزوال تغيّره بالنزح هل يطهر الدلو و غيره مما ذكرنا بالتبع أم لا يطهر؟ قد يقال بالعدم كما حكى عن الشيخ الانصاري قدس سره الشّريف. و ربما يكون وجه دعوى إن المطهر في هذه الصورة ليس النزح بل التطهير يحصل بزوال التغيير فليس النزح إلّا مقدمة للتطهير و ليس هو مطهر حتى يقال إن طهارة الماء بالنزح بالالتزام يدل على طهارة هذه الاشياء بالتّبع.

و فيه: انه بعد كون النّزح في صورة تغيير ماء البئر بالنجاسة في احد اوصافه الثلاثة طريقا لطهارة ماء البئر كما يظهر من رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع الواردة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 86

في المورد حيث قال عليه السّلام فيها (فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه) فنقول ان قلنا بطهارة الدلو و أخواته بالتبع في الصورة الأولى و هي صورة البناء على نجاسة ماء البئر بملاقاة النّجاسة بطهارة ماء البئر و بتبعه نقول بطهارة الدّلو و اخواته بتبع طهارة ماء البئر إذا صار نجسا في أوصافه الثلاثة بالنجاسة بعد طهارة ماء البئر بزوال نجاسته في أوصاف الثلاثة بوسيلة النزح.

فلا فرق بين الصورتين من حيث التبعية في طهارة الدلو و اخواته بتبع طهارة ماء البئر. نعم عندي اشكال

في كون موردنا مورد التمسّك بالإطلاق المقامي لأن مورد التمسك بالإطلاق المقامي يكون فيما كان المتكلّم في مقام بيان تمام مراده و يرى غفلة المخاطب لا بد له إذا كان شي ء دخيلا في مراده شرطا أو شطرا ان يبينه، مثل ما يقال في وجه عدم اعتبار قصد الوجه و التميز فانه يقال بعد ما نعلم بأن الشارع في الأمر بالصلاة يكون في مقام بيان تمام مراده و نرى عدم وجود عين و اثر في الأدلة تدل على اعتبار قصد الوجه و التميز و غفلة النّاس عن اعتباره نكشف عدم اعتبارهما بمقتضى الإطلاق المقامي.

لكن في ما نحن فيه بعد ما يعلم المكلف بأن كل نجس ينجّس، و يعلم عموم الحكم أيضا و لم يكن غافلا عن ذلك و لا يلزم على الشارع بيان هذا العموم في كلّ مورد حتّى ينكشف من عدم بيانه طهارة المشكوك بالتبعية بالتمسك بالإطلاق المقامي فالقول بطهارة هذه الاشياء بالإطلاق المقامي مشكل فتأمّل.

الموضع السّابع: تبعية الآلات المعمولة لطبخ العصير على القول بنجاسته

فإنّها تطهر تبعا له بعد ذهاب الثلثين و قد عرفت في طي المسألة الأوّلى من المسائل المتعلقة بمطهرية ذهاب الثلثين و إنه يقتصر في الطهارة بالتبع على المقدار الواقع فيه العصير و الآلات المعدّة لطبخه الملاقية له.

الموضع الثّامن: يد الغاسل و آلات الغسل في تطهير المتنجّس

و بقية الغسالة الباقية في المحل بعد انفصال المقدار المتعارف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 87

أما يد الغاسل فإن غسل مع ما يغسل فلا اشكال و التبعية في طهارته ليس إلّا طهارته مع المغسول، و إما لو لم يغسل مع المغسول مثل ما إذا دلك الثوب بيده ثم اعطى لخادمه ليغسله أو تلوث حين الدّلك بعض مواضع يده بحسب المتعارف في رفع دنس الاشياء باليد، ثم حين غسل المغسول ما وصل الماء باليد فهل يمكن ان يقال بطهارة اليد في الفرضين و نظائرهما تبعا أو لا؟

الحقّ عدم طهارة اليد في هذه الصورتين و نظائرهما مما لا تغسل اليد مع المغسول فما عن المستمسك من الطهارة في مثل الفرض غير تام لعدم وجود الاطلاق المقامي في الفرض و لا وجه آخر. فوجه طهارة يد الغاسل هو تطهيره مع ما يغسل بمعونة يده.

و أما آلات الغسل فما يكون آلة له و يغسل مع الشي ء الذي يغسل فلا اشكال في طهارته لأنه غسل أيضا. و ما في رواية محمد بن مسلم من الأمر بالغسل في المركن مرتان، و في الماء الجارية مرة واحدة، لا يدل على ان المركن مع عدم غسله يطهر بالتبع، لانه بعد ما يجعل الماء القليل فيه لأن يطهر الثوب الواقع في المركن فيطهر الثوب و المركن معا في المرة الأولى، و كذا في المرة الثانية. و لا بد من انفصال الغسالة لأنه لا يطهر

الثوب في الماء الأوّل الذي غسل به في المرة الأولى لنجاسة الماء فلا بد من انفصال الغسالة و ايراد الماء ثانيا للمرة الثانية، الّا أن يقال بعدم نجاسة الغسالة فأيضا لا اشكال.

فعلى هذا في اليد و آلات التطهير يكون وجه طهارتهما وقوع المطهر عليهما مثل المغسول، فليست التبعية فيهما كالتبعية في الموضع الأوّل مثلا من انّ الطهارة الوالد يوجب طهارة الولد بدون وقوع مطهر على الولد مستقلا.

و أما طهارة بقية الغسالة الواقعة في المحلّ بعد انفصال الغسالة، فقد عرفت سابقا من أنّ هذا هو المرتكز عند العرف في كيفية الغسل و لا يعتبر الشارع امرا زائدا، مضافا إلى إنه لو التزمنا بوجوب خروج تمام الغسالة يوجب ذلك عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 88

مطهرية الماء القليل لعدم امكان اخراج الغسالة فمع كون الماء القليل مطهرا مسلما، و مع كون المفروض بقاء مقدار من الغسالة بعد خروج معظمها، نفهم عدم مضرية ما بقى منها عند الشارع.

الموضع التاسع: تبعيّة ما يجعل من العنب او التمر للتخليل كالخيار

و الباذنجان و نحوهما كالخشب و العود فإنها تنجس تبعا له عند غليانه على القول بها و تطهر تبعا له بعد صيرورته خلا، إن كان ذلك متعارفا و قد مضى الكلام فيه في المسألة 8 من المسائل المتعلقة بمطهرية ذهاب الثلثين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 89

[العاشر من المطهرات: زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان]
اشارة

قوله رحمه اللّه

العاشر من المطهرات:

زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الانسان بأي وجه كان، سواء كان بمزيل أو من قبل نفسه، فمنقار الدجاجة إذا تلوث بالعذرة يطهر بزوال عينها و جفاف رطوبته، و كذا ظهر الدابة المجروح إذا زال دمه بأي وجه، و كذا ولد الحيوانات الملوّث بالدم عند التّولد إلى غير ذلك.

و كذا زوال عين النّجاسة أو المتنجس عن بواطن الانسان كفمه و أنفه و أذنه، فإذا أكل طعاما نجسا يطهر فمه بمجرد بلعه، هذا إذا قلنا إن البواطن تتنجّس بملاقات النجاسة و كذا جسد الحيوان.

و لكن يمكن أن يقال بعدم تنجسهما اصلا، و إنما النجس هو العين الموجودة في الباطن أو على جسد الحيوان، و على هذا فلا وجه لعدّه من المطهرات و هذا الوجه قريب جدا، و مما يترتّب، على الوجهين إنه لو كان في فمه شي ء من الدم فريقه نجس ما دام الدم موجودا على الوجه الأوّل، فإذا لاقى شيئا نجّسه بخلافه على الوجه الثّاني فإنّ الرّيق طاهر و النّجس هو الدم فقط، فإن ادخل اصبعه مثلا في فمه و لم يلاق الدم لم ينجس و ان لاقى الدم ينجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 90

إذا قلنا بأن ملاقات النجس في الباطن أيضا موجبة للتنجس و إلّا فلا ينجس اصلا إلّا إذا اخرجه و هو

ملوث بالدم.

(1)

أقول: الكلام يقع في موضعين:

الموضع الأوّل: في كون زوال عين النجاسة أو المتنجس من جسد الحيوان
اشارة

غير الإنسان مطهرا بأي وجه كان سواء كان بمزيل أو من قبل نفسه.

نقول بعونه تعالى بانه

في المسألة احتمالات:
الاحتمال الأوّل: أن لا يكون ذهاب عين النجاسة و زوالها عن بدن الحيوان مطهرا

إلّا إذا علم بوقوع المطهر عليه، مثل ما تنجس فم الدابة بالدم و زالت عين الدم و يعلم بورود الماء عليه و مع الشّك في وقوع المطهر لا يحكم بطهارة جسدها فكيف بما يعلم عدم ورود المطهر عليه و هذا هو مقتضى القاعدة الأولية في تنجّس الشي ء بالنجس، فإن لازمه العلم بطهارته أو ما يقوم مقام العلم فمع العلم بعدم ورود المطهر يعلم ببقاء النجاسة، و مع الشك في ورود المطهر عليه يحكم ببقاء النجاسة أيضا لاستصحاب النجاسة.

الاحتمال الثّاني: أن يكون زوال العين مطهر لجسد الحيوان

في خصوص ما يشك في بقاء النجاسة و عدمه من باب الشّك في ورود المطهر عليه و عدمه، و هذا موافق مع قول من يقول بمطهرية زوال عين النجاسة في الحيوان، مع غيبة الحيوان من باب احتمال ورود المطهر عليه مع الغيبة و على هذا لا بد من رفع اليد عن استصحاب النجاسة. لأن مقتضى القاعدة مع الشك في الطهارة بعد العلم بالنجاسة هو الحكم ببقاء النجاسة للاستصحاب. و مع الالتزام بطهارته مع الشّك في وقوع المطهر عليه بعد زوال عين النجاسة يرفع اليد عن الاستصحاب إن كان دليل على مطهرية زوال العين في هذه الصورة.

الاحتمال الثالث: كون زوال العين مطهرة لجسده

حتى مع العلم بعدم وقوع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 91

مطهّر عليه و هذا هو القول المشهور و هو أقوى الاقوال.

و العمدة في وجه ذلك هو السيرة القطعيّة عليه لان المسلمين خلفا عن سلف نرى بمباشرتهم للحيوانات التي يعلم كون جسدها متلوثا بنجاسة من النجاسات الحادثة لها في انفسها مثل دم الولادة و الجروح العارضة لها، و المبني الخارج عنها بالسّفاد و موضع خروج بولها و غايتها في الحيوانات النجسة بولها و غايتها و من النّجاسات الخارجية كأكلها الميتة و العذرة و غيرهما من النّجاسات مع كثرة ابتلاء الناس ببعضها كالهرة و الفارة و الدجاجة مع العلم بعدم تطهيرها بمطهر و مع ذلك بعد زوال العين يعاملون مع أبدانها معاملة الطهارة و لم يكن البناء على تطهير أبدانها أو تطهير ما يلاقي ابدانها من الاطعمة و الاشربة و هذه السيرة القطعية المستمرة من زماننا إلى زمان المعصومين عليهم السّلام دليل قطعي على ما يقال من كون زوال العين مطهّرا لجسد الحيوان غير الإنسان.

و مع هذه

السيرة لا حاجة إلى التمسك في ذلك بما ورد في بعض الرّوايات نعم نذكر بعضها تبركا و دليلا على كون السيرة سيرة مستندة بما يرى من صاحب الشرع فنقول.

(منها ما رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في كتاب علي عليه السّلام ان الهرّ سبع و لا بأس بسؤره و إني لاستحيى من اللّه أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه) «1».

(منها ما رواها عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عما تشرب منه الحمامة فقال كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و أشرب و عن ماء شرب منه باز و صقر و عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلّا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشربه) «2».

(قال في الوسائل و رواهما الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن يعقوب و زاد في

______________________________

(1) الرّواية 2 من الباب 2 من أبواب الاسئار من ل.

(2) الرّواية 2 من الباب مع من ابواب الاسئار من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 92

الاخير و سئل عن ماء شربت منه الدّجاجة قال: إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب و إن لم يعلم إن في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب).

(و منها ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليه السّلام في حديث قال:

سألته عن الغطاية، و الحية، و الوزغ، يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصّلاة؟ قال:

لا بأس به و سألته عن فأرة وقعت في حب دهن و أخرجت قبل ان تموت أ يبيعه من مسلم؟

قال: نعم و يدهن منه) «1».

وجه الاستدلال بها هو ان الامام عليه السّلام حكم بطهارة أسئار الهرة، و الفأرة، و كل شي ء من الطير، مع عدم انفكاك فمها و منقارها و ما بقي من اعضائها من النجاسة غالبا، فهذا دليل على ما يقال من كون زوال عين النجاسة عن جسد الحيوان مطهر له.

فأن قلت، إن الرّوايات ليست إلّا في مقام بيان حكم سئور هذه الحيوانات في حد ذاتها، مع قطع النظر عن نجاستها العرضية في قبال نجاسة سئور الكلب و الخنزير و لا اشكال في ذلك لان سئورها بحسب ذاتهم طاهرا و اما عدم نجاسة سئورها إذا عرض لها النجاسة العرضية مثل ما تلوّث فم الهرة بالدم أو بالميتة و زالت عين النجاسة فهذه الرّوايات لا تدل على طهارة السؤر في هذه الصورة.

قلت، ان الأمر و إن كان في حد ذاته و بحسب الظاهر كما قلت و لكن في المقام يكون بعض القرائن على كون الحكم بالطهارة الذاتية و العرضية و بعبارة اخرى لم يكن المعصوم عليه السّلام في مقام بيان الحكم الحيثي، و الذاتي، فقط بل يكون في مقام بيان الحكم الفعلي، و بعد كونه في مقام بيان الحكم الفعلي فلا بد من كون النظر إلى الطوارئ و العوارض لا لبيان خصوص حكم سئور هذه الحيوانات ذاتا.

أوّلا: كما يرى المتكلّم الحكيم من كون غالبها مبتلية بملاقات النجاسة لأنها

______________________________

(1) الرّواية 1 من الباب التاسع من أبواب الاسئار من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 93

يرتزقون من بعض النجاسات من الميتة، و العذرة، و غيرهما، بل دائما مبتلية بالنجاسة لأنها حين خروجها من امهاتها ينجس بدنها و لا تطهر ابدانها بمطهر أبدا

من ولوغها في الماء الجاري و الكثير و لم يغسّلها بالماء القليل، فهنّ باقون على نجاستها فمع هذا الابتلاء الغالبي بل الدائمي كيف يمكن ان يقول عليه السّلام بطهارة سؤرها إلّا مع طهارة بدنها حتى في صورة تنجّسها بالنجاسة العرضية.

ثانيا: لوجود بعض القرائن في نفس الروايات مثل قوله عليه السّلام في الرواية الأولى (و إني لاستحيي من اللّه ان أدع طعاما لأن الهر اكل منه) و لانه لم يفرّق بين الهر و سئوره مع ان الغالب في الهرّ ابتلائه بالنجاسة العرضية و هذا واضح.

و ما يستفاد من الرواية الثانية من كون النظر إلى طهارة سئور هذه الاشياء ذاتية و عرضية إلّا أن يكون فيها عين النجاسة، لأن قوله عليه السّلام (إلّا ان ترى في منقاره دما) دليل على كونه فعلا محكوما بالطهارة إلّا مع رؤية الدم في منقاره و خصوصا ما نقل الشيخ رحمه اللّه في ذيل الرواية (إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب و إن لم يعلم إن في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب) لانه مبين حال العلم و الجهل بوجود القذر و هذا شاهد على ان النجاسة في صورة وجود القذر كيف ما كان و الطهارة في صورة عدم وجود القذر كيف ما كان، و إن كان في مقام بيان خصوص حكم الأولى الذاتي لا معنى للتعرض لصورة العلم و الجهل لوجود القذر.

و ما يستفاد من الرواية الثالثة من القاء الخصوصية في الجواب من جواز البيع و التدهين مع ان السؤال مطلق صورتان:

صورة يكون الفأرة متلوثة بالنجاسة العرضية، و صورة لم تكن متلوثة بالنجاسة، فالاطلاق في الجواب يقتضي الطهارة في كلتا الصورتين، بل مع عدم انفكاك الفارة

غالبا، بل دائما عن النجاسة و لا اقل من نجاسة موضع بولها و بعرها كان اللازم الحكم بالنجاسة ان لم يكن زوال العين مطهرا فعلى هذا لا ينبغي الاشكال في اصل الحكم كما ذهب عليه المشهور.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 94

و بعد ما عرفت من عدم نجاسة جسد الحيوان الملاقي للنجس بعد زوال عين النجاسة منجسا يقع الكلام في إن منشأ ذلك عدم تنجس بدن الحيوان غير الانسان عند ما يكون رأس الحيوان نجسا فلا يصير جسدا الحيوان نجسا بملاقات النجاسة لرأس الحيوان، أو يكون منشأ ذلك عدم سراية النجاسة من جسد الحيوان المتنجس بملاقات عين النجاسة إلى ما يلاقيه فيكون بدن الحيوان نجسا، لكن لا ينجس ما يلاقيه.

فعلى الاول يلزم التّخصص في دليل كل نجس ينجس و على الثاني يلزم التخصيص في دليل كل متنجس ينجس مثل عين النجس، أو يكون منشأ ذلك كون زوال العين مطهرا بوزان سائر المطهرات فلا يلزم التّصرف في احد من الدليلين، بالتّخصص او التخصيص، فيكون لازم هذا الاحتمال نجاسة جسد الحيوان بملاقات النجاسة و لكن بزوال عين النجاسة يصير طاهرا.

و قد عرفت ان العمدة في المسألة هو السيرة، و السيرة تكون على معاملة الطهارة مع جسد الحيوان بعد زوال عين النجاسة، فعلى هذا لا وجه للاحتمال الثاني، كما انه بعد ما نرى من ان السيرة لا تقتضي إلّا طهارة جسد الحيوان بعد زوال عين النجاسة، و نرى السيرة على عدم نجاسة ما يلاقيه بعد زوال العين، و لا تنافي بين هذه السيرة و ما دل على كون النجس و المتنجس منجسا، لا وجه للتصرف في دليلهما، فتكون النتيجة هو الاحتمال الثالث.

الموضع الثاني: في حكم زوال عين النجاسة عن بواطن الانسان

و الكلام فيه،

يكون في ان باطن الانسان لا ينجس بملاقات النجاسة من رأس، أو أنه ينجس الباطن كالظاهر بملاقات النجس، غاية الامر يكون زوال عين النجس مطهرا له.

أعلم إن الكلام تارة يقع في نجاسة الباطن بملاقات النجاسة التي في الباطن مثلا، يقع الكلام في نجاسة باطن الفم بالدم الخارج من بين الاسنان. كما عرفت في المسألة الأولى من المسائل المتعلقة بنجاسة البول و الغائط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 95

و تارة يقع الكلام في نجاسة الباطن بالنّجاسة الخارجيّة مثلا و يقع الكلام في ان الدم الخارج من اليد مثلا إذا لاقى باطن الفم، ينجس الفم و يطهر بزوال الدم أو لا ينجسه أصلا.

قد يقال بعدم دليل على نجاسة الباطن اصلا، حتى من الاعيان النجسة التي لا اشكال في نجاستها إذا كانت في الخارج، بدعوى ان الأدلة الدالة على نجاسة هذه الاشياء من البول و الغائط و اخواتهما هو مورد الملاقات في الخارج مثلا لاقى الدم الثوب أو الجسد لاقى البول، و هكذا و لا عموم لها نشمل ملاقات الاعيان النجسة للباطن، فلا دليل على نجاسة الباطن بها.

و قد يقال، الاقوى نجاسة الباطن بملاقاته مع الظاهر النجس لانه مع امكان دعوى عدم الفرق بين الظاهر و الباطن فلا ينجس فكما ينجس الظاهر بها كذلك ينجس الباطن.

يدل عليه خصوصا عموم ما رواها عمار بن موسى الساباطي انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يجد في إنائه فارة و قد توضأ من ذلك الاناء مرارا، أو اغتسل منه او غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلّخة، فقال: إن كان رآها في الاناء قبل ان يغتسل او يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما

رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كل ما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و إن كان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمسّ من الماء شيئا و ليس عليه شي ء لانه لا يعلم متى سقطت فيه، ثمّ قال لعلّه ان يكون انّما سقطت فيه، تلك الساعة التي رآها) «1».

فان قوله عليه السّلام (يغسل ثيابه و يغسل كلما اصابه ذلك) يدل لعمومه على إن كلما اصابه صار نجسا، سواء كان من الظاهر أو من الباطن فيدل الخبر على صيرورته نجسا بنجاسة الخارج، فعلى هذا الحق هو طهارة الباطن بزوال عين النجس لا عدم نجاسته من رأس.

______________________________

(1) الرّواية 1 من الباب 4 من أبواب الماء المطلق من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 96

إلّا أن يدعى انصراف عموم الرواية من الباطن، بل قوله عليه السّلام: (و يغسل كلما اصابه ذلك) ظاهر بل الحق في إن مورد العموم هو ما يجب غسله بعد صيرورته نجسا و الباطن على فرض قابليته لان ينجس ليس طهارته بالغسل بل يكون مجرد زوال العين فمورد العموم كلما يكون طهارته بالغسل فيشمل خصوص الظاهر و لا يشمل الباطن من رأس، فلا وجه للاستدلال برواية عمار على قابليته الباطن للنجاسة، كما ادعى ذلك في كتفرد بعض الاعاظم المعاصرين و لو شككنا في التنقيع نجاسة الباطن بملاقات النجاسة عن الخارج و عدمه فالوجه اصالة الطهارة، فتلخص القول بعدم نجاسة الباطن قويّ، فتأمل.

و يمكن أن يقال بعدم تنجس الباطن من الانسان بملاقات النجاسة لأن عمدة ما يدلّ على نجاسة النجاسات بل كله، هو الأوامر الواردة بغسل ما يلاقيها و موردها هو الملاقات الخارجية

فلا يشمل الباطن من رأس إلّا أن يدعي الغاء خصوصية كون الملاقات في الخارج أو يدّعي تنقيح المناط يشمل الملاقات في الباطن و قد بينا بأنه لا يمكن القطع بعدم وجود خصوصية للخارج و بعدم وجود مناط قطعي يمكن معه اسراء حكم ملاقات الظاهر بالباطن، فكما انه لا اشكال في عدم تنجيس الباطن مع كونه ملاقيا لعين النجس بخلاف الظاهر، كذلك يمكن عدم صيرورة الباطن نجسا من رأس، بل كما قلنا إذا كان كل من الملاقي و الملاقى من الباطن كما إذا لاقى الباطن الدم في الباطن يمكن ان يقال بعدم تنجّسه من باب عدم كون الدم ما دام في الباطن نجسا فتأمل.

و لو قلنا من بعد عدم صيرورة الباطن نجسا بملاقات النجاسة حتى إذا كانت النجاسة من الخارج، نقول في خصوص الانسان و لم نقل في جسد الحيوان غير الانسان و ذلك لأنه في جسد الحيوان العمدة في الدّليل هى السيرة و كذلك الاخبار لا تدلان على عدم نجاسة الجسد من رأس. فيبقى عموم ما دل على تنجيس النجس و المتنجس سليما، فما في المتن من كون الاقرب امكان القول بعدم تنجس ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 97

جسد الحيوان، و باطن الانسان، و جعل كل منهما مثل الآخر في هذا الحيث، ليس في محله، بل يكون الفرق بينهما كما عرفت بيانه.

بقي الكلام في الثمرة بين القول بعدم نجاسة باطن الإنسان و بين القول بنجاسته ثم طهارته بزوال عين النجاسة، فانه كما افاد المؤلف رحمه اللّه على القول بتنجيس النجس في الباطن، بأنه لو كان في فمه شي ء من الدم، فريقه طاهر حتى مع كون الدم باقيا، لأن الباطن لا

ينجس بالنجس على القول الأوّل، فلو ادخل اصبعه في فمه و لم يلاق الدم لا ينجس، و أما على القول الثّاني يكون الريق نجسا.

ما دام يكون الدم باقيا في الفم، فلو ادخل اصبعه و لاقى الريق ينجس و ان لم يلاق الدم. و هذه الثمرة كما قلنا يكون بناء على القول بأن النجس و المتنجس ينجّسان في الباطن كالظاهر، و اما مع عدم تنجيسهما كما هو الحق فلا، كما مر الكلام فيه، و لهذا قلنا لو ادخل شيشة الاحتقان و علم بملاقاتها في الباطن مع العذرة و اخرجها لكن لا يخرج معها شي ء من العذرة لا تنجس شيشة الاحتقان. لعدم دليل على تنجيس النجس في الباطن، بل عدم دليل على نجاسته مهما يكون في الباطن.

***

[مسأله 1: إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر]

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النّجاسة بعد زوال العين على الوجه الأوّل من الوجهين و يبنى على طهارته على الوجه الثاني لأن الشّك عليه يرجع إلى الشك في اصل التنجس.

(1)

أقول: لانه على الوجه الأوّل: و هو تنجس الباطن بالنجس، و كون زوال العين مطهرا يعلم بنجاسة الموضع المشكوك كونه من الباطن أو الظاهر و يشك بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 98

زوال عين النجاسة في بقاء النجاسة و عدمه. لأن هذا الموضع إن كان من الباطن صار طاهرا بزوال عين النجاسة و إن كان من الظاهر تكون النجاسة باقية، و مع الشك في البقاء بعد العلم بالحدوث تستصحب نجاسته.

و أما على الوجه الثّاني و هو عدم تنجس الباطن من رأس، يكون الشك في حدوث النجاسة و عدمه، لأنه إن كان الموضع من الظاهر حدثت النجاسة،

و إن كان من الباطن فلا، و بعد كون الشك في اصل حدوث النجاسة يكون مقتضى اصالة الطهارة طهارة الموضع و كما قلنا لا يبعد كون الحق هو القول، الثّاني و ما في التنقيح (تقرير بحث العلامة الخوئى) من أنه بعد عموم رواية عمار الساباطي (و هي ما ذكرناها في الفصل و المتمسّك بها على صيرورة الباطن نجسا بملاقات النجاسة من الظاهر و قد أجبنا عنها) على نجاسة كلما يلاقي النجاسة، لأن مورد الرّواية و إن كانت الميتة لكن لا خصوصية لها فتدل على نجاسة كلما يلاقي النجس.

نقول خرج من العموم الباطن و بعد كون منشأ الشك في مورد المسألة في انه من الباطن حتى لا ينجس، أو من الظاهر حتى ينجس، فيكون الشك في المخصص الشك بين الاقل و الاكثر، و في هذه الصورة يكون العموم محكما فلا بد من القول بنجاسة المشكوك كونه من الظاهر أو الباطن.

و فيه إنه كما قلنا في اصل الفعل ليس لرواية عمار عموم يشمل كل من الظاهر و الباطن، بل بقرينة قوله عليه السّلام (و يغسل كلما اصابه) لا بد من كون موضوع العموم (كلما يجب غسله بعد نجاسته) و الباطن ليس كذلك، فلا عموم للرواية يشمل الباطن، حتّى يقال بعد شمول العموم للباطن فكلما يكون المتيقّن كونه باطنا خرج عن العموم و كلّما يكون مشكوكا بالشبهة المفهوميّة يرجع بالعموم، فالرّواية على ما قلنا تدل على تنجس الظاهر بملاقات النجاسة، فإذا شك في كون شي ء من الظاهر أو من الباطن، سواء كان الشك من جهة الشبهة المفهومية (او المصداقية، لا معنى للرجوع إلى العموم، فلا عموم في البين يشمل كل من الظاهر و الباطن حتّى يقال إنّ

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 99

التّخصيص بالباطن يدور امره بين الأقل و الأكثر بل من رأس لا عموم يشمل بالباطن حتّى نحتاج إلى دليل المخصص، و مع الشك في نجاسة المشكوك كونه ظاهرا أو باطنا، بملاقاته للنجاسة يكون المرجع أصالة الطّهارة.

***

[مسئلة 2: مطبق الشفتين من الباطن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: مطبق الشفتين من الباطن و كذا مطبق الجفنين، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منها بعد التطبيق.

(1)

أقول: ينبغي، قبل التكلم فيما يمكن التمسك به على كونهما من الباطن، و التكلم في انهما هل يكونا من الباطن عرفا، أم لا، بحيث لو استفدنا من رواية وجوب تطهير الظاهر عن النجاسة لا الباطن و لم يعيّن ما هو الظاهر و الباطن في لسان الدّليل و يكون المرجع قهرا في هذه الصورة العرف، فيؤخذ بما هو ظاهر عند العرف فنقول بغسله، و ما هو باطن بنظره حتى نقول بعدم وجوب غسله.

فنقول: بأنه لا يبعد كون مطبق الشفتين و الجفنين من الباطن بنظر العرف و لا يعدّونهما من الظاهر. لانّ الظّاهر ما هو ظاهر بطبعه بمعنى أنّ له البروز بحسب طبعه، لا كل ما يرى يكون ظاهرا، و إلّا لو كان هذا كان اللازم كون الفم و باطن الأنف و الأذن من الظاهر.

و لا يخفى إن الشارع على ما يأتي بالنظر لم يتصرف في ما هو الظاهر أو الباطن بنظر العرف بان تضيّق دائرتهما أو توسّع دائرتهما، فإن كان في كلامه هذان اللّفظان ينزلان على مفهومهما العرفي، و هذه النّكتة تفيد لنا في ما يأتي من بعض الاخبار المتمسكة بها على المسألة إن شاء اللّه، هذا بالنسبة إلى مفهومهما في نظر العرف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 100

و

اما ما يتمسك به على عدم كونهما من الظاهر أو يمكن ان يتمسّك به فهو الطائفتان من الرّوايات:

الأولى: بعض الاخبار الواردة في الغسل و الوضوء (ما رواها أبو يحيى الواسطي عن بعض اصحابه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الجنب يتمضمض و يستنشق؟ قال: لا إنما يجنب الظاهر) «1».

و مثل (ما رواها أبو يحيى الواسطي عمن حدثه قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، الجنب يتمضمض؟ فقال لا إنما يجنب الظاهر و لا يجنب الباطن و الضم من الباطن) «2».

و مثل (ما رواها محمد بن علي بن الحسين (الصدوق رحمه اللّه) قال و روي في حديث آخر ان الصادق عليه السّلام قال في غسل الجنابة ان شئت ان تتمضمض و تستنشق فافعل، و ليس بواجب لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن) «3».

و هذه الرّوايات كلها مرسلة فتكون ضعيفة السند فلا تطمئن النفس بصدورها إلّا ان يقال بانجبار ضعفها بعمل الاصحاب لموافقة الفتوى معها، و اعلم انه من المحتمل قويا كون هذه الرّوايات رواية واحدة، و مع قطع النظر عن هذا الاشكال يستفاد منها كون الواجب في الغسل غسل خصوص الظاهر و حيث لم يبيّن ما هو الظاهر كان المرجع في التشخيص العرف، و إذا كان المرجع العرف فلا فائدة في التمسّك بهذه الاخبار، لانه مع قطع النظر عنها إن ثبت عند العرف كون مطبق الشفتين و الجفنين من الظاهر نقول به لعدم وجود دليل يدل على كونهما من الظاهر، كي لا يمكن الاخذ بنظر العرف، فلا فائدة في التمسك بهذه الاخبار، مضافا إلى ورودها في الغسل لا في الطاهرة الخبثيّة التي محل الكلام فعلا.

______________________________

(1) رواية 6 من الباب 24 من ابواب

الجنابة من ل.

(2) رواية 7 من الباب 24 من أبواب الجنابة من ل.

(3) رواية 8 من الباب 24 من أبواب الجنابة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 101

مثل ما ورد في الغسل بماء المطر و بالارتماس في الماء دفعة واحدة. مثل (ما رواها الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله) «1».

و مثل (ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: الرجل يجنب فيرتمس في الماء ارتماسة واحدة أو يخرج يجزيه ذلك من غسله؟ قال نعم) «2».

و (ما رواها محمد بن أبي حمزه عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أ يجزيه ذلك من الغسل؟ قال: نعم) «3».

وجه الاستدلال دلالة امثال هذه الاخبار على كفاية الارتماس في الماء مرة واحدة أو الغسل تحت المطر، و الحال إنه لا يغسل بالارتماس أو في المطر مطبق الشفتين و الجفنين و أمثالهما إلّا بعناية خاصة، فمع عدم غسلها بمجرد الارتماس في الماء أو وقوع المطر و اكتفائه بالارتماس نكشف عدم وجوب غسلهما في مقام الغسل بالإطلاق المقامي، إذ لو كان واجبا مع عدم غسلهما بالارتماس كان عليه البيان فإذا تم ذلك في الغسل، و قلنا كما قالوا بعدم وجوب غسلهما في الغسل نقول بذلك في الغسل عن الخبيث أيضا، مثل الحدث خصوصا لو ضم بهذه الطائفة، الطائفة الأولى الدالة على وجوب غسل الظاهر في الغسل فعدم وجوب غسلهما يكون من باب عدم كونهما من الظاهر، فإذا لا يكونان من الظاهر، فلا يجب غسلهما في مقام الطهارة

الخبثيّة أيضا. لأن الواجب منهما غسل الظاهر و الباطن لا ينجس و لو تنجس يطهر بزوال عين النجاسة بدون حاجة إلى ورود مطهر آخر عليه.

و مثل ما ورد في باب الوضوء من كفاية صب الماء على الوجه و بالصب لا يغسل مطبق الشفتين و الجفنين و لعلّ النظر إلى بعض ما ورد في باب الوضوء من نقل

______________________________

(1) رواية 12 من الباب 26 من أبواب الجنابة من ل.

(2) رواية 13 من الباب 26 من أبواب الجنابة من ل.

(3) رواية 14 من الباب 26 من أبواب الجنابة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 102

فعل المعصوم عليه السّلام من صب الماء على الوجه.

مثل الرّواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

و لا يخفى عليك ان امثال هذه الرّواية الحاكية عن فعل المعصوم عليه السّلام و بعبارة أخرى الوضوءات البيانية، لا يستفاد منها هذه الجهة لأنها في مقام نقل الفعل و لا اطلاق في الفعل.

و ما وجدت رواية في أبواب الوضوء يكون فيها الأمر بصب الماء على الوجه في الوضوء، حتى يقال إنه بالصّب لا يصل الماء على مطبق الشفتين إلّا بعناية زائدة و حيث لم يأمر بغسله نقول بعدم وجوب غسله بالإطلاق المقامي، ثم انه على فرض وجود هذا الأمر في الوضوء لا يفيد لنا في محل الكلام، إلّا بإلغاء خصوصية الوضوء أو بتنقيح المناط و كيف يمكن لنا القطع بعدم الخصوصية أو المناط.

فعلى هذا لا يمكن الاستدلال على كون مطبق الشفتين و الجفنين من الظاهر بما ورد في باب الوضوء أو الغسل، إلّا بما قلنا في ما ورد في الغسل من الامر بغسل الظّاهر دون الباطن و ما ورد من

الاكتفاء فى الغسل بالارتماس في الماء مرة أو الغسل تحت المطر، و معهما لا يصل الماء بمطبق الشفتين إلّا بعناية زائدة، و المولى مع التفاته بذلك لم يأمر بغسله، نكشف بالإطلاق المقامي عدم وجوب غسله، و من عدم وجوب غسله بهذا الدليل و عرض هذا الدليل مع ما يدل على وجوب غسل الظاهر نفهم عدم كون مطبق الشفتين من الظاهر، و إذا لم يكن من الظاهر لا يجب غسله في مقام الطهارة الخبثية أيضا، لأن الواجب غسل الظاهر فيها دون الباطن، لأن الباطن كما عرفت إمّا لا ينجس بملاقات النّجس و إمّا يطهر بزوال عين النجاسة عنه على فرض تنجسه بملاقات النجس.

الطائفة الثانية: بعض الاخبار الواردة في التّطهير عن النّجاسة الخبثيّة مثل ما ورد في دم الرعاف، مثل (ما رواها عمار الساباطي، قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يسيل من انفه الدم، هل عليه ان يغسل باطنه يعني جوف الانف؟ فقال: إنما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 103

عليه أن يغسل ما ظهر منه) «1».

و مثل ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: قال ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، انّما عليك ان تغسل ما ظهر «2».

و مثل ما ورد في تطهير موضع الاستنجاء و هي ما رواها (إبراهيم بن أبي محمود قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: في الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل فيه الأنملة) «3».

و مثل (ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: انما عليه ان يغسل ما ظهر منها يعني المقعدة و ليس عليه ان يغسل باطنها) «4».

و ما يستفاد من هذه الاخبار

غير الثانية، هو وجوب ظاهر الانف و ظاهر المقعد و التمسّك بهذه الثّلاثة لما نحن فيه، موقوف على دعوى عدم خصوصية للانف و المقعد، كما لا يبعد ذلك، ثم بعد ذلك يقال بان مطبق الشفتين و الجفنين إن كانا من الباطن فهما بحكم باطن الانف لأنه لا خصوصية للأنف و المقعد.

نعم في الرّواية الثانية يحتمل كون النظر إلى الغسل في الطهارة الحدثية، و يحتمل كون النظر إلى الغسل في الطهارة الخبثيّة، و يحتمل كون النظر إلى كل منهما، و الكلام مطلق يشمل كل من الموردين، لكن حيث تكون المضمضة و الاستنشاق مطلوب قبل الغسل و الوضوء، لا قبل الطهارة من الخبث و الصدر أيضا شاهد على كون النظر إلى خصوص الطهارة الحدثية، و إنه لو قلنا بانه يستفاد من الرّوايات وجوب غسل الظاهر، يقع الكلام فيما هو الظاهر فلو لم يبيّن الشّارع ما هو مراد من الظاهر الذي يجب غسله و الباطن الذي لا يجب غسله، يكون الايكال في مفهوم

______________________________

(1) رواية 5 من الباب 24 من أبواب النجاسات من ل.

(2) رواية 7 من أبواب النجاسات من الباب 24 من ل.

(3) رواية 1 من الباب 29 ابواب الخلوة من ل.

(4) رواية 2 من الباب 29 ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 104

الظاهر إلى العرف، كما قلنا في أوّل البحث، و لا يبعد كونهما من الباطن بنظر العرف، فيتمّ ما افاده في المتن في هذه المسألة.

و لو أبيت عن ذلك و قلنا بعدم دلالة الرّوايات على ما نحن فيه، الّا ان غاية ما يستفاد كون الواجب غسل خصوص الظاهر و لم يبيّن الشّارع مراده من الظاهر، و استشكلنا في حكم

العرف يكون مطبق الشفتين و الجفنين من الباطن، بأنه لم يحكم بذلك، فلا اشكال في ان العرف لا يحكم بكونهما من الظاهر لو لم يحكم بكونهما من الباطن، و بالنتيجة شككنا في انهما من الباطن أو الظاهر فيكون من صغريات المسألة الأولى.

فإن قلنا بأن الباطن لا ينجس بملاقات النجس أصلا، كما لا يبعد ذلك لا يجب غسله، و ان لم ندر بكونهما من الباطن أو الظاهر، و حيث قلنا بذلك، نقول بعدم وجوب غسلهما بعد زوال عين النجاسة عنهما.

و قد يستدلّ على عدم كون مطبق الشّفتين و الجفنين من الظاهر ما رواها عبد الحميد بن أبي الديلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل يشرب الخمر فيبصق فاصاب ثوبه من بصاقه. قال: ليس بشي ء) «1».

و ما رواها الحسين بن موسى الحنّاط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثم من فيه فيصيب ثوبه قال: لا بأس) «2».

وجه الاستدلال، هو انه بعد وصول الخمر عادة الى مطبق الشفتين، فلو لم يكن مطبقها من البواطن يتنجس بشرب الخمر، فيصير البصاق نجسا بملاقاته، فلا بدّ من غسل الثوب، فمن عدم الامر بالغسل نكشف كونه من الباطن.

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 39 ابواب الخلوة من ل.

(2) رواية 3 من الباب 39 ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 105

[الحادي عشر من المطهّرات: استبراء الحيوان الجلّال]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الحادي عشر من المطهّرات:

استبراء الحيوان الجلّال فانه مطهر لبوله و روثه، و المراد بالجلّال مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة. بتغذّى العذرة و هي غائط الانسان، و المراد من الاستبراء منعه عن ذلك و اغتذائه بالعلف الطاهر حتى يزول عنه اسم الجلل.

و الأحوط مع زوال الاسم مضيّ

المدّة المنصوصة في كل حيوان بهذا التفصيل: في الابل إلى أربعين يوما، و في البقرة إلى ثلثين، و في الغنم إلى عشرة ايام، و في البطة إلى خمسة أو سبعة، و في الدجاجة إلى ثلاثة ايام، و في غيرها يكفي زوال الاسم

(1)

أقول: في المسألة جهات من الكلام:

الجهة الأولى: في كون استبراء الحيوان الجلّال مطهرا لبوله و روثه،

فنقول بعونه تعالى يدل على ذلك روايات نذكرها حتى تعرف الحال في هذه الجهة و يفيدك في بعض الجهات اللاحقة إن شاء اللّه.

الأولى: (ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام، قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة ايام و البطة الجلالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 106

بخمسة أيام و الشاة الجلالة عشر أيّام و البقرة الجلالة عشرين يوما و الناقة الجلالة اربعين يوما) «1».

الثّانية: (ما رواها مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال قال أمير المؤمنين الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى اربعين يوما و البقرة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى ثلثين يوما و الشاة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام و البطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربّى خمسة أيام و الدجاجة ثلاثة أيام) «2».

رواها الشيخ عن الكليني إلّا انّه قال في استبراء البقرة عشرين يوما في التهذيب و اربعين يوما في الاستبصار (ل).

الثالثة: (ما رواها بسّام الصير في عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الابل الجلالة قال لا يؤكل لحمها و لا تركب اربعين يوما) «3».

الرابعة: (ما رواها يعقوب بن يزيد رفعه، قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام و الابل الجلّالة

اذا اردت نحرها تحبس البعير اربعين يوما و البقرة ثلثين يوما و الشاة عشرة أيام) «4».

الخامسة: (ما رواها يونس عن الرضا عليه السّلام في السمك الجلّال انه سأل عنه قال ينتظر به يوما و ليلة) «5» قال السياري (هو أحد الاشخاص في طريق الرواية) ان هذا لا يكون إلّا بالبصرة و قال في الدجاجة تحبس ثلاثة ايام و في البطة سبعة أيام و الشاة أربعة عشر يوما و البقرة ثلثين يوما و الإبل أربعين يوما ثم تذبح.

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(2) رواية 1 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(3) رواية 3 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(4) رواية 4 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(5) رواية 5 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 107

السادسة: (ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن القسم بن محمد الجوهري ان في رواية ان البقرة تربط عشرين يوما و الشاة تربط عشرة أيام و البطة تربط ثلاثة ايام) «1».

و في هذه الرّوايات و ان لم يكن تعرض فيها لطهارة بول الجلّال و روثه بعد الاستبراء عن الجلل، لكن بعد ما عرفت في نجاسة البول و الغائط من كون نجاسة بول الجلّال و روثه من باب كونه جلّالا، و صدق هذا العنوان عليه، فإذا استبرء يخرج عن كونه جلالا، فلا يكون بوله و روثه نجسا.

ان قلت انه بعد ما ثبتت نجاسة بوله و روثه بالدليل، فبعد رفع الجلل، نشك في بقاء النجاسة فيستصحب نجاسته.

قلت انه بعد ما دل عموم طهارة بول ما

يؤكل لحمه و روثه لكل مأكول، فيشمل هذا العموم كل فرد حتى الجلّال، و يكون الاطلاق الاحوالى المستتبع للعموم مقتضيا، لإطلاق حكم الطهارة في جميع احوال هذا الفرد، و بعد ورود الدليل على نجاسة بول هذا الفرد و روثه حال الجلل بالمقدار المعلوم التقييد في حال الجلل، و ما بقي من الاحوال داخل تحت العموم و مستتبع له، ففي مورد الشك، أي بعد الجلل بالإطلاق الاحوالى نحكم بطهارة بوله و روثه و لا تصل النّوبة بالاستصحاب.

الجهة الثانية: في انه هل يكون الجلّال مطلق ما يؤكل لحمه

من الحيوانات المعتادة بتغذّى العذرة و هي غاية الانسان (على ما سيأتي الكلام في هذا البحث) أو يختصّ بحيوان معيّن.

اقول: لا اشكال في عدم اختصاصه بالحيوان الخاص بل يعمّ كل ما يؤكل لحمه من الحيوانات، بل ربّما يقال بأنه كل حيوان يتغذى من العذرة فهو جلّال، و ان لم يؤكل لحمه، لكن استفادة ذلك من الادلة غير ممكن، لان ما عرفت من الرّوايات

______________________________

(1) رواية 6 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 108

يكون موردها المأكول من الحيوان و غير هذه الرّوايات كذلك.

مثل ما رواها (هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا تأكل لحوم الجلّالات و ان اصابك من عرقها فاغسله) «1» تدل قوله عليه السّلام لا تأكل لحوم الجلّالات على كون المورد ما يؤكل لحمه فلا تشمل غير المأكول.

و مثلها في عدم الدلالة على تعميم حكم الجلّال لغير المأكول، (مرسلة موسى بن اكيل عن بعض اصحابه عن أبي جعفر عليه السّلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت، قال فقال يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم

تكن جلّالة، و الجلّالة التي يكون ذلك غذائها) «2» بدعوى كون الألف و اللّام في قوله (و الجلالة التي يكون ذلك غذائها) للجنس لا للعهد و فيه ان هذا غير معلوم.

فقد تحصل ان الجلّال يشمل كل حيوان يؤكل لحمه يتغذى بالعذرة، لأن باقي الروايات إن كان متعرضا لبعض الأفراد الخاصة من الحيوان المأكول الجلّال، لكن هذه الرّواية تدل على حرمة أكل لحم كل جلّال، و الجلّال هو الحيوان الذي يتغذّى من العذرة، و شموله لغير المأكول المتغذى من العذرة مشكل، و لو فرض شمول لفظ الجلّال لمطلق الحيوان المتغذى بالعذرة، و ان لم يكن مأكولا، لان هذا الحكم الذي محلّ كلامنا لا يشمل له، لعدم الدليل.

الجهة الثالثة: هل الجلّال خصوص الحيوان المتغذى من عذرة الانسان،

فلو تغتذى من نجاسات اخر، لا يكون جلّالا، و يعمّ المتغذى من كل نجس و ان لم يكن عذرة الانسان.

و اعلم ان ما في بعض روايات الباب، هو عنوان الجلّال، و الجلّال على ما في القاموس، الجلّالة البقرة التي تتبّع النجاسات، و مثله قال في الاقرب الموارد، لكن يمكن التمسك ببعض الآخر من الرّوايات مثل مرسلة موسى بن اكيل، المتقدمة

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 26 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(2) رواية 2 من الباب 23 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 109

ذكرها، قال (و كذلك اذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة، و الجلالة التي يكون ذلك غذائها) أي العذرة تكون غذائها و العذرة على ما في اللغة هو الغائط و هو خصوص عذرة الانسان، فلو كان للفظ الجلّال بحسب معناه اطلاق يشمل المتغذى بمطلق النجاسة، و لكن بعد التصريح في مرسلة موسى بن اكيل يكون الجلّال ما يكون

غذائه العذرة، لا بد من التصرف في بعض الاخبار الواردة فيها لفظ الجلّال، بان المراد خصوص ما يتغذى بالعذرة.

و هذه الرواية و إن كانت مرسلة، لكن حيث يكون موسى بن اكيل النميري على ما في جامع الرواة من اصحاب الصادق عليه السّلام و من الثقات فبحسب القاعدة لا يروي إلّا عن ثقة، أو كما يقول صاحب الجواهر رحمه اللّه، تكون الرواية معتضدة بالعمل فعلى هذا ينجبر ضعف سندها بالعمل و لهذا يمكن القول بارتفاع الاشكال من حيث ارسال الرّواية ...

و مثل ما رواها (محمد بن علي بن الحسين باسناده عن زكريا بن آدم عن أبي الحسن عليه السّلام انه سأل عن دجاج الماء فقال إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس و نهى عليه السّلام عن ركوب الجلالة و شرب البانها و قال ان اصابك شي ء من عرقها فاغسله) «1».

و هذه الرّواية صريحة في ان المتغذى بغير العذرة لا بأس به، و العذرة إما تكون لغة خصوص غاية الانسان أو المنصرف إليه غاية الانسان، و لو شككنا في ان الجلّال اسم لخصوص الحيوان المتغذى من عذرة الانسان، أو يعمّ المتغذى من كل نجس، فحيث يكون عموم طهارة بول مأكول اللّحم و فضلته تقتضي لطهارة البول و روث الجلال أيضا، و ما ورد من نجاسة بول الجلال و روثه يكون دوران امره بين الاقل و الاكثر، فالمرجع في الزائد على الاقل و هو العام.

______________________________

(1) رواية 5 من الباب 26 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 110

و ان ابيت عن ذلك و قلت بان الخاص مجمل، فإن لم يسر اجماله بالعام، فالعام يكون متّبعا في المورد، و ان ابيت

عن ذلك و قلت بان الخاص يكون مجملا و اجماله يسري إلى العالم، فتكون النتيجة عدم وجود دليل لفظيّ يدل على حكم المورد، تصل النّوبة إلى الاصل و الاصل في المقام يقتضي الطهارة، لأنه قبل تغذيه بنجاسة اخرى غير غائط الانسان كان طاهرا يستصحب الطهارة.

و ان ابيت، عن ذلك و قلت بان الموضوع تبدل فنقول مع فساد هذا الادعاء بانه تصل النوبة باصالة الطهارة فأيضا يحكم بطهارته.

الجهة الرابعة: في مدة استبراء الجلال.

اعلم انه تارة يقع الكلام في الحيوان الجلال الذي لم يرد في الاخبار حدّ و مدة لاستبرائه، فلا ينبغي الاشكال في انه بعد زوال عنوان الجلل عنه عرفا ترتفع الاحكام الثابتة له بعنوان الجلل، لأن الاحكام ثبتت على موضوع الجلل، و مع ارتفاع هذا العنوان ترتفع الاحكام لما اشرنا في الجهة الأولى من كون بقاء الاحكام و ارتفاعها دائرا مدار بقاء الجلل، و ارتفاعه بنظر العرف فلأنه بعد ما لم يبين الشّارع موضوع حكمه يرجع إلى العرف للاطلاق المقامي.

و تارة يقع الكلام فيما ورد في الاخبار لاستبرائه مدة معيّنة ففيه احتمالات، بل اقوال على طبق كل احتمال فنقول، هل يكفي في استبراء الجلّال منعه عن التغذي بالعذرة و تعليفه بغيرها حتى يذهب عنه اسم الجلل عرفا، أو لا بد من حبسه و منعه مدة معيّنة مقدرة في بعض الرّوايات، فإذا تمت هذه المدّة يحكم بزوال احكام الجلل و إن كان يصدق عليه الجلّال عرفا، أو يكون الميزان اكثر الأمرين من المدة و رفع اسم الجلل، فان رفع اسم الجلل عنه و لم تمض المدة المعيّنة لاستبرائه يحكم ببقاء حكم الجلل، و كذلك ان زالت المدة المعينة و يصدق مع ذلك عليه اسم الجلّال، يحكم ببقاء حكم الجلل.

أقول: وجه

كفاية ذهاب اسم الجلل عرفا، هو ان الحكم ثابتا على موضوع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 111

الجلال، فما لم يذهب هذا العنوان يحكم بابقاء الحكم، و وجه اعتبار مضىّ المدة المعيّنة في الاخبار، هو ان الظاهر من الرّوايات المقدرة للاستبراء مدة معينة هو اعتبار مضىّ المدة، فقد ذكرنا الاخبار المتعرضة للمدة في الجهة الأولى مثل قوله عليه السّلام في الرّواية الأولى (الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة أيام و البطة الجلالة بخمسة أيام و الشاة الجلالة عشرة أيام و البقرة الجلالة عشرين يوما و الناقة الجلالة أربعين يوما)، فلو كنا نحن و هذا الظاهر، كان لازم الالتزام باعتبار المدة الخاصة في الاستبراء عن الجلل.

و وجه القول الثالث اما من باب ان موضوع حكم النجاسة و غيرها هو الجلل، فلا بد من ارتفاع هذا العنوان، و ما في الاخبار من تعيين المدة في بعض الحيوانات ليس إلّا من باب ان يذهب الجلل في هذه المدة و لو ذهبت المدة المقدرة و لم يذهب الجلل، لا يمكن الحكم بارتفاع حكم الجلل، كما انه مع ذهاب عنوان الجلل عرفا قبل مضىّ المدة المقدرة لا يمكن الالتزام بارتفاع حكم الجلل، لأن معنى اعتبار المدة دخلها في ذهاب الجلل، أو من باب كون النّصوص المقدر للمدة ضعيفة السند فمقتضى الاحتياط هو كون الميزان اكثر الأمرين.

إذا عرفت ذلك، نقول: اما القول بكون الحكم دائرا مدار صدق الجلال و عدمه عرفا، و عدم الأخذ بالرّوايات المقدرة المدة الخاصة لذهاب حكم الجلل استضعافا للرّوايات فغير سديد، لأن حال هذه الرّوايات حال غيرها من الاخذ بها إذا كان الوثوق بصدورها، مضافا إلى انه مع فرض الضعف في سند

بعضها، يكفي في انجبار ضعفها عمل المشهور بها، و لا اشكال في كون فتوى المشهور القائلون بالمدة المقدرة على طبق هذه الرّوايات، و بعد ورود النّص على تعيين مدّة لا وجه للارجاع إلى العرف، لأن الشارع بيّن غاية الحكم الثابت على الموضوع و انه يربط الحيوان الجلال مثلا الإبل اربعون يوما.

و اما القول باعتبار اكثر الامرين، فإن كان من باب ان تقدير مدة في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 112

الرّوايات يكون من باب إن الجلل يرتفع في هذه المدة، لا ان يكون تقدير المدة حكما تعبديا.

ففيه: إن لازم ذلك كون تعيين مدة معيّنة من باب كون الجلل مرتفعا به غالبا، و إلّا لأخذنا أكثر الامرين فيما ذهبت المدة المقدرة و لم يذهب الجلل عرفا، فإذا كان كذلك، فلازمه الاكتفاء بالاقل من المدة المضروبة، إذا ارتفع الجلل ينظر العرف أو يعلم بزواله قبل مضيّ أكثر الامرين، و إن كان من باب رفع اليد عن الرّوايات مدعيا ضعفها، و إنه لا بد من الاحتياط، ففيه اما ضعف السند فقد عرفت ما فيه عند الفرض للاشكال على القول الاول، ثم لو فرض ضعف سند الرّوايات فليس الامر منتهيا إلى الاحتياط، لأنه بمجرد خروج الحيوان عن مصداق كونه جلالة بنظر العرف، يرتفع الاحكام الثابتة بعنوان الجلل، كما مر.

فالاقوى بناء على حجيّة الاخبار المقدرة لمدة الاستبراء كما عرفت، هو الاحتمال الثاني، و هو اعتبار مضىّ المدة المقدرة في الحيوانات المجعولة لاستبرائها مدة في النّصوص لدلالة الاخبار عليه.

ان قلت بان الشارع ان جعل مدة للاستبراء في بعض الحيوانات فليس إلّا من باب زوال الجلل، و لا يكون الحكم تعبدا صرفا بحيث لو زال الجلل قبل المدة يجب

الاستبراء بعد ذلك إلى انقضاء المدة المقدرة أو لو انقضى ما قدر من المدة و لم يذهب جلل الحيوان، يرتفع حكم الجلل، بل لا بد من الصبر إلى ان يرتفع الجلل، و هذا معنى الاخذ بنظر العرف في ذهاب الجلل، فلا يمكن ان ندور مدار المدة المقدرة في النصوص.

قلت، اما ما قلت من بعد كون الحكم بتقدير المدة في استبراء الحيوانات المذكورة في النّصوص كالابل و البقر و غيرهما، حكما تعبديا صرفا، بحيث لا يكون الملحوظ ذهاب الجلل من الحيوان رأسا فنحن موافق لك لكن هذا لا يوجب عدم كون الميزان هو المدة المقدرة في النّصوص و كون الميزان نظر العرف أو اكثر الأمرين،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 113

لأن الشارع و إن كان نظره في ارتفاع الاحكام الثابتة بالجلل إلى ذهاب الجلل، لكن لاحظ ان الجلل يذهب في المدة المقدرة للاستبراء و جعل ذهاب الجلل مدار مضيّ المدة، فبعد مضيّ المدة و لو حكم العرف ببقاء الجلل، تكشف من تحديد الشارع خطأ نظر العرف، فكون نظر الشارع في تحديد الاستبراء إلى ذهاب الجلل يوجب كون ذهاب الجلل واقعا ميزانا لذهاب احكام الجلل، لا نظر العرف في ذهاب الجلل، فالاقوى كون الاعتبار في الحيوانات المقدرة لاستبرائها مدة في النّصوص هو الاقتصار بما في النّصوص، لما قلنا فتأمّل في ما بينا لك لأنّها نكتة تفطّنت لها.

إذا عرفت ذلك، يقع الكلام في اختلاف المدة المقدرة في بعض الحيوانات، فنقول، اما المدة المقدرة للابل و هي اربعون يوما، فلا اشكال فيه، لعدم اختلاف في مدة استبراء الابل في الاخبار و لا فرق في الابل بين ذكره و انثاه، و اطلاق الاخبار، و كذلك في الدجاجة

لعدم اختلاف ما في ما بأيدينا من الاخبار من كون مدة استبرائها ثلاثة أيام.

و اما البطة، ففي الرّواية الأولى المتقدمة ذكرها، و كذا في الثانية جعل مدة الاستبراء خمسة أيام، و لكن في الرواية الخامسة من الرّوايات المذكورة جعل مدة الاستبراء فيها سبعة أيام، و في الرّواية السادسة جعل مدة الاستبراء لها ثلاثة ايام.

أقول: اما ما في الرّواية الخامسة و هي رواية يونس مضافا إلى كون السياري الواقع في طريق الخبر على ما في جامع الرواة نقلا عن النجاشي و خلاصة العلامة كونه ضعيفا فاسد المذهب مجفو الرّواية كثير المراسيل، فلا نعلم كون الذيل من كلام الإمام عليه السّلام أو من كلام السياري الراوي عن احمد بن الفضل عن يونس و يحتمل ان عدم نقل الشيخ هذا الذيل كان من باب كون ذلك كلام الرّاوي، و على كل حال ما في الوسائل روى الشيخ الخبر إلى قوله (بالبصرة)، و اما ما في الرّواية السادسة فلم يذكر الصدوق رحمه اللّه ان قاسم بن محمد الجوهري ممن يروي فتكون مرسلة، و كذلك مرسلة الصدوق الاخرى من جعل المدة ستة أيام، فعلى هذا مدة الاستبراء فيها هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 114

الخمسة.

و اما الشاة فقد عرفت ان المقدر فيها في الرّواية الأولى و الثانية و الرابعة و السادسة هو عشرة أيام.

لكن في الرّواية الخامسة المتقدمة ذكرها جعل المدة أربعة عشر يوما فقد عرفت ضعفها فالأقوى تقدير المدّة بعشرة أيّام.

و أما البقرة، ففي الرّواية الأولى و الخامسة جعل المدّة عشرين يوما لكن في الرّواية الثّانية و الرابعة و الخامسة جعل المدّة ثلاثين يوما.

فنقول، اما الرواية الثانية أعني رواية مسمع، فمع اختلاف في نفس الرّواية

بحسب اختلاف النقل في نسخة الكافي و التهذيب و الاستبصار لأن في نسخة الكافي نقل ثلاثين و في التهذيب عشرين و في الاستبصار أربعين يوما و مع هذا الاختلاف لا يمكن التعويل عليها.

و اما الرّواية الرابعة فضعيفة لكونها مرفوعة لان فيها عن يعقوب بن يزيد رفعه (قال قال أبو عبد اللّه).

و أما الرّواية الخامسة، فقد عرفت كون المحتمل في الذيل، ان يكون من كلام الرّاوي، فلم نجد رواية حجة في قبال الرّواية الأولى التي و إن ان كانت ضعيفة السند منجبرة على ما قيل بالشهرة الفتوائي، هذا تمام الكلام في هذه الجهة بمقدار يناسب المقام و الحمد للّه أولا و آخر و الصلاة و السلام على رسوله و آله اجمعين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 115

[الثاني عشر من المطهرات: حجر الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر من المطهرات:

حجر الاستنجاء

(1)

أقول: سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 116

[الثالث عشر من المطهرات: خروج الدم من الذبيحة]

قوله رحمه اللّه

الثالث عشر من المطهرات:

خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف فإنه مطهر لما بقى منه في الجوف.

(1)

أقول: مضى الكلام فيه في ذيل البحث عن نجاسة الدم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 117

[الرابع عشر من المطهّرات: نزح المقادير المنصوصة]

قوله رحمه اللّه

الرابع عشر من المطهّرات:

نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها و وجوب نزحها.

(1)

أقول: لان ظاهر الامر بنزح المقدّرات نجاسة البئر على القول بنجاسته، يقتضي كون نزح المقادير مطهّرا لماء البئر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 118

[الخامس عشر من المطهّرات: تيمّم الميّت بدلا عن الاغسال]

قوله رحمه اللّه

الخامس عشر من المطهّرات:

تيمّم الميّت بدلا عن الاغسال عند فقد الماء، فإنه مطهر لبدنه على الاقوى.

(1)

أقول: أما النزاع في أن غسل الميت يرفع الخبث، أي النجاسة الخبثيّة العارضة له بالموت أم لا، فلا مورد له لدلالة بعض النّصوص على ذلك.

مثل (ما رواها إبراهيم بن ميمون، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت قال إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسل، فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني إذا برد الميت) «1».

فلا ينبغي البحث في هذه الجهة، كما ان البحث عن وجوب تيمّم الميّت إذا تعذّر غسله، لا مجال له لو جوب التيمم لدلالة بعض الاخبار عليه.

مثل (ما رواها زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام، قال ان قوما اتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقالوا يا رسول اللّه مات صاحب لنا و هو مجدور فإن غسلناه انسلخ، فقال تيمموه) «2».

و لا يعارضها رواية عبد الرحمن ابن أبي نجران، و هي على ما في نقل التهذيب

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من ل.

(2) رواية 3 من الباب 17 من ابواب غسل الميت من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 119

و كذا بنقل جامع احاديث الشيعة (عبد الرحمن ابن أبي نجران عن رجل

حدثه، قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام و فيها قال بعد قوله كيف يصنعون (قال يغتسل الجنب و يدفن الميّت و يتمّم الذي عليه وضوء) «1». فادعى انه لا يجب تيمّم الميّت.

و فيه إما أوّلا، فان الرواية مرسلة، و ثانيا كما نذكر متن الخبر بنقل الفقيه قال بعد قوله و يدفن الميّت (يتيمّم) و نقل الفقيه بكون الرّواية مسندة، و هذا هو نقل الفقيه.

و (ما رواها عبد الرحمن بن أبي نجران انه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر احدهم جنب و الثاني ميّت و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة، و معهم من الماء قدر ما يكفي احدهم من يأخذ الماء، و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب و يدفن الميت بتيمّم و يتيمّم الذي هو على غير وضوء لان غسل الجنابة فريضة و غسل الميت سنة و التيمّم للآخر جائز) «2».

فلا تصلح الرواية للمعارضة مع رواية زيد الدالة على وجوب تيمّم الميت إذا تعذر غسله.

إنما الكلام في انه بعد ما كانت الوظيفة تيمّم الميّت، هل يوجب التيمّم طهارة بدن الميّت بحيث لا يجب مسّه الغسل بعد التيمم و لا ينجس بملاقات بدنه ما يلاقيه، أو لا؟

يأتي الكلام في حيث وجوب غسل مسّ الميّت بعد التيمّم و عدمه إن شاء اللّه في محله ...

و اما كون ملاقات بدنه موجبا للنجاسة و عدمها.

فنقول: بأن الالتزام بطهارة بدنه بعد التيمّم بحيث لا يوجب تنجيس ما يلاقيه مشكل.

______________________________

(1) رواية 1، من الباب 18، من ابواب التيمم من ل.

(2) رواية 1 من الباب 18، من ابواب التيمم من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 120

لانه لو فرض

كون وجوب غسل الميت لاجل طرو الحدث على الميت بموته مثل صيرورته جنبا كما في الاخبار (مع ما في فهم هذا القبيل من الاخبار من الاشكال و عدم معلوميّة صيرورته محدثا بل احتمال كون الغسل تعبدا صرفا من الشارع، أو لاجل رفع بعض القذارات الواقعة على الميت).

و فرض كون الغسل رافعا للحدث و كذلك للخبث، أو عدم كون مسّه بعد الغسل موجبا للغسل. و عدم موجبيّة ملاقاته بعد الغسل للتنجيس، كما ان هذا المقدار يستفاد من بعض الاخبار الواردة في الباب، لكن كون التيمّم مثل الغسل في انه بعد التيمّم لا يجب الغسل بمسّه، و لا يوجب ملاقاته التنجس غير معلوم.

و مجرّد الامر بالتيمّم في هذا الحال لا يقتضي طرد هذين الاثرين له فعلى هذا لو فرض كون التيمم رافعا للحدث لا مبيحا لا يكفي لأزالة النجاسة الخبثيّة العارضة للميت بموته.

أما أوّلا لأن الميّت محدثا حتى يكون غسله رافعا لحدثه محل اشكال، كما اشرنا إليه.

و أما ثانيا على فرض وجود حدث و كون الغسل رافعا له لا دليل على كون التيمّم رافعا للخبث.

ان قلت، كما ان غسل الميّت رافع له، كذلك التيمّم، لانه أحد الطهورين.

قلت، ما قلنا بكون غسل الميت رافعا للخبث، كان من باب الدّليل الخاصّ، و ليس هذا الدّليل موجود في التيمم، و مجرد الامر بالتيمم في حال العجز عن الغسل لا يوجب كون التيمم رافعا للخبث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 121

[السادس عشر من المطهّرات: الاستبراء بالخرطات]

قوله رحمه اللّه

السادس عشر من المطهّرات:

الاستبراء بالخرطات بعد البول و بالبول بعد خروج المني فانه مطهر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة لكن لا يخفى، ان عد هذا من المطهرات من باب المسامحة و إلا ففى الحقيقة

مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا.

(1)

أقول: الاستبراء بالخرطات بعد البول و الاستبراء بالبول بعد خروج المني، يوجب كون الخارج من المجرى بعد الاستبراء بالخرطات محكوما بالطّهارة، كما انّ قبل الاستبراء محكوم بالنجاسة، و كذلك بعد خروج المني، الاستبراء بالبول يوجب كون الخارج المشكوك كونه منيّا أو غير البول من المياه الّتي تخرج من المجرى محكوما بالطّهارة (و امّا فيما كان الخارج مشكوكا بين كونه منيّا أو بولا فهو نجس و من حيث وجوب الوضوء أو الغسل، فله حكم آخر مذكور في محلّه)

وجه ذلك مقتضى ما ورد من الاخبار

الرواية الأولى: ما رواها حريز عن محمد ابن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر اصل ذكره إلى طرفه ثلث عصرات و ينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنّه من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 122

الجبائل «1».

الرواية الثانية: ما رواها عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يبول ثم يستنجي ثمّ يجد بعد ذلك بللا قال إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «2».

الرواية الثالثة: ما رواها حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سأل حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «3».

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم قال (قال أبو جعفر عليه السّلام من اغتسل و هو جنب قبل ان يبول ثم يجد بللا فقد انتقض غسله و إن كان بال ثم غسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله

و لكن عليه الوضوء لان البول لم يدع شيئا) «4».

و يظهر لك إنّ منطوق الرواية الاولى و الثانية و الثالثة يدل على عدم كون ما يخرج بعد الاستبراء بالخرطات في البول محكوما بالبولية فيكون دالا على ان ما خرج في هذه الصورة محكوما بالطهارة.

كما ان مفهومها يدل على نجاسة ما يخرج من المجرى إن كان قبل الاستبراء بالخرطات.

و تدل الرواية الرابعة على إنه بعد خروج المني إذا بال ثم غسل ثم خرج من المجرى ماء مشكوك بين المني و البول يكون بولا و ان لم يبل قبل الغسل ثم خرج بعد الغسل ماء مشكوك بين البول و المني ينقض الغسل.

و مع هذه الروايات لا بد من تقييد ما رواها ابن أبي يعفور (قال سألت أبا

______________________________

(1) من الباب النجاسات 11 من أبواب الخلوة من ل.

(2) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(3) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(4) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 123

عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال ثم توضأ ثم قام إلى الصلاة ثم وجد بللا قال: لا يتوضأ إنما ذلك من الحبائل) «1». لانها بإطلاقها تدل على عدم كون البلل المشتبه محكوما بالبولية و النجاسة، و إن لم يستبرأ، و بعد دلالة الاخبار المتقدمة على اختصاص الحكم بعدم البولية و النجاسة بخصوص صورة استبراء بعد البول و قبل الوضوء لا بد من تقييد اطلاق هذه الرواية.

و كذلك ما رواها سماعة (قال قلت: لابي الحسن موسى عليه السّلام إنّي أبول ثم تمسح بالاحجار فيجي ء مني البلل فيفسد سراويلي قال: ليس به بأس) «2». للزوم تقييدها بالروايات المتقدمة المقيدة

بكون عدم البأس بعد الاستبراء.

و اما ما رواها محمد بن عيسى (قال كتب إليه رجل هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب نعم.) «3» فيحمل على الاستحباب لدلالة الروايات المتقدمة على عدم وجوبه.

ثم انه بعد ما عرفت من ان اثر الاستبراء هو كون البلل المشتبه محكوما بالطهارة يظهر لك ان ما قاله المؤلف رحمه اللّه من انّ عدّ هذا الاستبراء من المطهرات يكون من باب المسامحة صحيح بل الاستبراء مانع من الحكم بنجاسة البلل المشتبه بين البول و غيره من المياه غير المني في الاستبراء بالخرطات بعد البول.

و إما في الاستبراء بالبول بعد خروج المني فهو موجب للحكم بكون الخارج المشتبه هو البول، فليس مطهرا.

______________________________

(1) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(2) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(3) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 124

[السابع عشر من المطهّرات: زوال التغير في الجاري و البئر]

قوله رحمه اللّه

السابع عشر من المطهّرات:

زوال التغير في الجاري و البئر بل مطلق النابع بأي وجه كان و في عدّ هذا منها مطهرا أيضا مسامحة و إلّا ففي الحقيقة المطهّر هو الماء الموجود في المادة.

(1)

أقول: وجه جعل زوال التّغير مطهرا مسامحة هو ما عرفت في الماء الجاري و البئر من ان المطهر في كل منهما هو المادة. لا نفس زوال التغيير، فهما بعد زوال التّغيير يطهران بالمادة النّابعة بتفصيل عرفت في محله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 125

[الثامن عشر من المطهرات: غيبة المسلم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن عشر من المطهرات:

غيبة المسلم فإنّها مطهّرة لبدنه أو لباسه أو فرشه أو ظرفه أو غير ذلك مما في يده بشروط خمسة.

الأوّل: ان يكون عالما بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني.

الثّاني: علمه بكون ذلك الشي ء نجسا أو متنجسا اجتهادا أو تقليدا.

الثّالث: استعمال المذكورات فيما يشترط فيه الطهارة على وجه يكون أمارة نوعية على طهارتها من باب حمل فعل المسلم على الصحة.

الرابع: علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض.

الخامس: ان يكون تطهيره لذلك الشي ء محتملا و إلا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته بل لو علم من حاله انه لا يبالي بالنجاسة و أن الطاهر و النجس عنده سيّان يشكل الحكم بطهارته و إن كان تطهيره اياه محتملا و في اشتراط كونه بالغا أو يكفي و إن كان صبيا مميّزا وجهان، و الاحوط ذلك، نعم لو رأينا ان وليه مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه يجري عليه بعد غيبته آثار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 126

الطهارة، لا يبعد البناء عليها، و الظاهر الحاق الظلمة و العمى بالغيبة مع تحقق الشّروط المذكورة، ثم لا يخفى ان مطهرية الغيبة في الظاهر و الواقع على

حاله، و كذا المطهر السابق و هو الاستبراء بخلاف ساير الأمور المذكورة فعد الغيبة من المطهرات من باب المسامحة و إلّا فهي في الحقيقة من طرق اثبات التطهير.

(1)

أقول: قبل الورود في البحث عن حكم المسألة نقول كما قال المؤلف رحمه اللّه. المراد من كون غيبة المسلم من المطهرات هو ما قلنا في المراد من كون الاستبراء من المطهرات، بمعنى كون يد المسلم و ما في يده مثل لباسه و غير ذلك محكوما ظاهرا بالطهارة، لا إن يكون معنى ذلك كون المتنجس طاهرا بل هو باق على ما هو عليه واقعا من الحكم و إن كان ظاهرا محكوما بالطهارة.

و اما الكلام في نفس المسألة فلا اشكال في الجملة في كون غيبة المسلم من المطهرات للسيرة القطعية على ذلك في الجملة و أدعي عليه الاجماع.

إنّما الكلام فيما يشترط فيه و هو تابع لما يستفاد مما اخذ دليلا على المسألة و وجه هذا الحكم.

فنقول: إن

ما يمكن ان يستدل به عليه امور:

الأول: الاجماع، و هو على ما عرفت ليس بحيث يمكن الاستدلال به على مطهرية غيبة المسلم حتى مع فقد الشرائط، بل يصح الاستدلال به على مطهرية غيبة المسلم في الجملة.

الثاني: كون الاجتناب عما في يد المسلم مع سبق نجاسته حرجيا موجبا للهرج و المرج.

و فيه، إن الحرج إن كان منشأ للحكم بالطهارة فلا يوجب إلّا جواز الارتكاب في صورة الحرج، لا طهارة الشي ء مضافا إلى لزوم الاقتصار بمورد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 127

الحرج، و أمّا ما قيل من ان لزوم الحرج و الهرج و المرج في زمان المعصوم عليه السّلام لو كان البناء على الاجتناب، صار موجبا لنفي الحكم رأسا تسهيلا على العباد.

ففيه، ان ذلك، و إن

كان يحتمل ثبوتا و لا حاجة لكونه في زمان المعصوم عليه السّلام بل يمكن في غيره من العصور، ذلك أيضا لمصلحة أهم و هي التسهيل و لكن الكلام في اثبات ذلك و لا يثبت ذلك لا من الاجماع و لا السيرة.

الثالث: ظاهر حال المسلم على تنزيهه من النجاسة، فمع هذا الظاهر يحكم بالطهارة.

و فيه أنه ما الدليل على حجّية هذا الظاهر.

الرابع: السيرة القطعية على عدم الاجتناب عن بدن المسلم و ما تحت يده مع المعاملة معه معاملة الطهارة و هذه السيرة مستقرة من زماننا إلى زمان صاحب الشرع على ما نرى في الآثار و الأخبار.

أقول: لا اشكال في وجود هذه السيرة في الجملة، فاذا كانت العمدة في الدليل هي السيرة، نذكر ما ذكر من الشروط في هذا الحكم و نرى من ان وجود السيرة يكون مع تحقق جميع هذه الشروط أو بعضها، أو لا يعتبر فيها أحد من هذه الشروط فنقول بعونه تبارك و تعالى.

(قال المؤلف رحمه اللّه

الشرط الأول: أن يكون عالما بملاقات المذكورات

للنجس الفلاني)

(الشرط الثاني: علمه بكون ذلك الشي ء نجسا أو متنجسا

اجتهادا أو تقليدا.)

أقول: لا يخفى عليك أن اعتبار كون الشخص عالما بنجاسة بدنه أو لباسه أو غير هما مما هو تحت يده يستغنى عن الشرطين لكفاية اعتبار العلم بالنجاسة عنهما.

و على كل حال لا ينبغي الاشكال في اعتبار الشرطين، لكون المتيقن من السيرة هذا المورد، و كذلك إن كان دليل المسألة هو الاجماع أو نفي الحرج أو ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 128

حال المسلم.

(و أما الشرط الثالث: و هو اعتبار استعمال المذكورات فيما يشترط فيه الطهارة

على وجه يكون أمارة نوعية على طهارتها من باب حمل فعل المسلم على الصحة.)

(و الرابع: علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض.)

اعلم انه لو قال: يشترط استعمال بدنه أو ما يكون تحت يده فيما يعلم باشتراط الطهارة فيه، كان مغنيا عن الشرطين.

و على كل حال يكون وجه اعتبار الشرطين هو أنه مع ذلك الشرطين تحصل الامارة النوعية على طهارة ما بيده، و الا لم يستعمله فيما يعلم باشتراط الطهارة في استعماله، و بهذه الامارة يحمل فعل المسلم على الصحة.

أقول: و وجه الاعتبار، مضافا إلى ما ذكرنا، هو السيرة، لان السيرة هي عمدة دليل المسألة و السيرة قائمة على هذا الحكم مع حصول الشرطين.

و أما الشرط الخامس: و هو كون تطهيره لذلك الشي ء محتملا

فمع العلم بعدم تطهيره لا مجال للحكم بالطهارة و اما فيما يظن أو يشك في تطهيره ايّاه، و بعبارة أخرى مجرد احتمال تطهيره اياه يحكم بطهارته، لوجود السيرة في هذه الصورة مسلّما هذا بالنسبة إلى هذه الشروط.

و مع الشك في وجود السيرة فمع فقد الشرائط المذكورة فالمورد محكوم بالنجاسة.

ثم بعد ذلك يقع الكلام في بعض الفروع الآخر:
الفرع الأول: هل يكون المراد من المسلم الذي تكون غيبته من المطهرات هو خصوص المسلم البالغ

أو هو يشمل غير البالغ إذا كان مميّزا أو يعمّ غير البالغ و أن لم يكن مميّزا؟

اعلم إن شمول السيرة التي كانت عمدة الدليل في المسألة لغير البالغ المميز غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 129

بعيد، و اما شموله لغير المميّز مشكل لعدم تميزه و عدم تحقق الشرائط كلها أو بعضها فيه.

و لو رأينا ان وليه مع علمه بنجاسة يد الصغير الذي هو وليه أو غير يده مما يكون تحت يد الصغير يعامل معه معاملة الطهارة بعد غيبة صغيره فهل يصح بذلك القول بطهارته أو لا؟

أقول إن كان الوجه في اعتبار عمل الولي هو ان ظاهر عمله هو الاخبار عن طهارة ما في يد صغيره، ففيه انه لا دليل على حجية هذا الظهور.

و إن كان من باب ان الصغير الغير المميّز يكون في الحقيقة كأثاثه و لباسه و فرشه و سائر ما بيده للولي الذي يحكم بعد غيبته بطهارته مع اجتماع الشرائط.

و فيه ان تحقق السيرة في المورد غير معلوم و مع الشك بعد العلم بنجاسته قبل غيبته يستصحب النجاسة.

الفرع الثاني: و هل يلحق بالغيبة الظلمة و العمى أم لا؟

يمكن أن يدعي عدم الفرق ملاكا بين غيبة المسلم و بين الظلمة و العمى، لان منشأ السيرة مع تحقق الشرائط المذكورة، هو قيام الظهور على طهارة ما يكون تحت يد المسلم و هو موجود في الظلمة و العمى، لكن ثبوت السيرة فيهما غير معلوم، لعدم ثبوت عمل المتشرعة على ترتيب آثار الطهارة في الظلمة و العمى، و لو من باب ندرة اتفاقهما، و مجرد السيرة في صورة الغيبة لا يثمر لغير مورد الغيبة، لعدم القطع بالملاك، حتى يقال إن المستفاد من السيرة حكم الشارع بالطهارة في صورة الغيبة، و هذا الملاك

موجود في الظلمة و العمى.

نعم لو كانت السيرة على ما يعمّ الغيبة و الظلمة و العمى، مثل أن تكون السيرة على ترتيب آثار الطهارة على ما في يد شخص المسلم مع علم هذا المسلم بكونه نجسا، و يرى استعمال هذا الشي ء فيما يعلم كون جواز استعماله مشروطا بالطهارة و يحتمل تطهيره اياه يعمّ الحكم لصورة الظلمة و العمى، و لا يبعد ذلك، فلأجل هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 130

يمكن دعوى الشمول للظلمة و العمى.

الفرع الثالث: لا فرق في هذا الحكم في بدن المسلم و لباسه و ظرفه

و كل ما يكون تحت يده، لان السيرة تكون في كلها.

***

[مسئلة 1: ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف و لا مسح النجاسة عن الجسم الصقيل كالشيشة و لا إزالة الدم بالبصاق، و لا غليان الدم في المرق، و لا خبز العجين النجس، و لا مزج الدهن النجس بالكر الحار، و لا دبغ جلد الميتة، و إن قال بكل قائل.

(1)

أقول: أما عدم مطهرية مسح النجاسة عن الجسم الصيقلي كالشيشة، فاعلم ان القائل بذلك على ما حكى عن المفاتيح هو الفيض رحمه اللّه و هو المحكي عن السيد رحمه اللّه أيضا، و يحتمل كون نظرهما إلى عدم تنجس الاجسام الصيقلية، و يحتمل ان يكون نظرهما زوال النجاسة عنها بعد زوال عين النجاسة.

فإن كان النظر إلى الأوّل، فهو مخالف لما يكون مسلما بل ضروريا من كون ملاقات النجس مع الشي ء مع الرطوبة المسرية يوجب التنجيس، كما يظهر ذلك من مراجعة الأخبار في قبال عدم النجاسة فيما لم تكن في احد المتلاقيين رطوبة مسرية، و لا فرق في ذلك بين كون الجسم الملاقى للنجس صقيلا أو غير صقيل.

و إن كان النظر إلى الثاني، فهذا مخالف مع الروايات الكثيرة الدالة على انحصار المطهر بالماء و غير الماء من المطهرات في الموارد المذكورة، فبعد كون المطهر ماء، فلا يمكن كون المسح في الاجسام الصقيلة مطهرا، فارجع الى الروايات الواردة في إن المتنجس بالنجاسات كالبول و غيره لا يطهر إلّا بالماء، أو بسائر ما جعل في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 131

النصوص مطهرا و ليس في ما بأيدينا ما يدل على مطهرية المسح في الاجسام الصقلية.

و مع الشك في كونه مطهرا يستصحب نجاسة الشي ء الصقيلي

حتى بعد زوال عين النجاسة.

و اما كون ازالة الدم بالبصاق مطهرا، فأيضا لا دليل عليه و ان حكى عن السيد رحمه اللّه، اختياره تمسكا بما رواها (غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال: لا بأس ان يغسل الدم بالبصاق) «1» و فيه ان الرواية مما أعرضت عنه الاصحاب فكلّما اشتدت صحته، اشتدت ضعفا مع اعراضهم عنها.

و اما طهارة المرق المغلي فيه الدم بغليانه بالنار، فقد عرفت في المسألة الحادي عشر من المسائل المتعلقة بنجاسة الدم فراجع.

و اما طهارة العجين النجس بالخبز، فقد مرّ الاشكال فيه في المسألة 24 من المسائل المتعلقة بمطهرية الماء و في الاستحالة فراجع.

و أما الكلام في طهارة الدهن النجس بالكر الحار، فقد مضى الاشكال فيه في المسألة 19 من المسائل الراجعة بمطهرية الماء، و المؤلف رحمه اللّه نفى البعد عن طهارته في تلك المسألة و أما في المقام فنفي طهارته صريحا.

و أما الكلام في طهارة جلد الميتة بالدبغ. ففي المسألة 8 من المسائل المتعلقة بنجاسة الميتة، مضى الكلام فيها و عرفت عدم كون الدبغ مطهرا له.

***

[مسئلة 2: يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية و لو فيما يشترط فيه الطهارة و ان لم يدبغ على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 132

الاقوى نعم يستحب ان لا يستعمل مطلقا إلّا بعد الدبغ.

(1)

أقول: منشأ جواز استعمال جلد غير المأكول من الحيوان و لو فيما يشترط فيه الطهارة قبل الدبغ مضافا إلى كفاية عدم الدليل على المنع، لأنه مع الشك في الجواز و عدمه يحكم بالجواز

لما يدل عليه بعض الروايات مثل الرواية التي رواها سماعة قال (سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال أما لحوم السباع و السباع من الطير و الدواب فانا نكرهه و اما جلودها فركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه) «1»

و هذه الرواية مضمرة لكن روى في الوسائل في الباب الخامس من ابواب لباس المصلي و هي الرواية الرابعة من الباب المذكور عن الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جلود السباع قال اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه.) «2»

و ما رواها سماعة (قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال: إذا رميت و سميّت فانتفع بجلده و اما الميتة فلا) «3» و هذه الرواية أيضا مضمرة.

و على كل حال، إن كانت الرواية الاولى مسندة، فهي موثوقة بها و إن كان كل من الروايتين مضمرة، فمع هذا يرى في بعض العبائر التعبير عنها بموثقه. فان تمّت حجيتهما فتدلان على المسألة، و ان لم تتم فيكفي لنا أصالة الحلية.

و في قبال ذلك قد يستدلّ بروايتين على عدم جواز الاستعمال إلّا بعد الدّبغ:

الرواية الأولى: ما رواها أبو مخلّد السّراج (قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب الأطعمة المحرمة من ل.

(2) و كذا في الباب 5 من أبواب لباس المصلي و في 3 من الباب عن الشيخ فأستاذه عن سماعة.

(3) الرواية 2 من باب 49 من أبواب النجاسات من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 133

دخل عليه معتب فقال بالباب رجلان، فقال: أدخلهما، فدخلا

و قال أحد هما: انّى رجل سرّاج ابيع جلود النّمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم قال: ليس به بأس) «1».

بدعوى دلالة مفهومها على عدم جواز بيعه إذا لم يكن جلده مدبوغا، و البيع من الاستعمالات.

و فيه مع قطع النظر عن الاشكال بضعف سند الرواية، من باب عدم وجه لتوثيقه في الرّجال إلّا رواية ابن أبي عمير عنه، و رواية جمع كتابه، و هذا غير كاف في وثاقته.

لكن يمكن ردّ ذلك بأنّه لا يبعد حصول الاطمئنان بنقله بهذا المقدار.

نقول بانّه لا مفهوم للقضيّة لعدم حجيّة مثل هذا المفهوم، مضافا إلى امكان كون السؤال عن دبغه من باب كون المتعارف دبغه بعد التذكية و رفع قذارته، ففي الحقيقة يكون الدّبغ علامة التذكية، فالسؤال يكون عن التذكية باثره، و علامته و هو الدبغ.

مضافا إلى ورود الرواية في خصوص النمر. و لكن يمكن التعدّي عنه بعدم القول بالفصل.

و بعد اللّتيّا و الّتي فهذه الرواية لا تقاوم مع الرّوايتين المتقدّمتين، بعد ما قيل من كونهما موثّقتين، خصوصا إذا كانت الاولى منهما مسندة لا مضمرة، حتّى لا يمكن ان نلتزم باعتبار الدّبغ في جواز الاستعمالات في كلّ ما لا يؤكل لحمه.

الرّواية الثانية: ما روى في بعض الكتب عن الرّضا عليه السّلام: «دباغة الجلد طهارته».

و فيه أوّلا: ما وجدنا هذه الرواية في ما بأيدينا من الكتب المعتبرة، فالرواية ضعيفة السند.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 38 من أبواب ما يكتسب به من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 134

و ثانيا: إن كان يؤخذ بظاهرها كان اللّازم الالتزام بمقتضى اطلاقها على أنّ الطهارة تحصل بالدّباغ في كلّ الحيوانات، و عدم كفاية التذكية. و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

و أيضا يكون

لازمه القول بطهارة جلد الميتة بالدّبغ. و هذا أيضا مما لا يمكن الالتزام به. فظاهر الخبر ممّا يكون خلاف مقتضى الأخبار و الآثار، فلا بدّ من ردّ علمه لأهله.

و اعلم أنّ الاستعمال الجائز يكون مورده غير حال الصّلاة لعدم جواز الصّلاة في غير المأكول إلّا ما استثنى و تفصيله في محلّه في احكام الصّلاة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 134

و أمّا ما قاله المؤلف رحمه اللّه من استحباب كون الاستعمال بعد دبغ جلد غير المأكول، فما نرى له وجها وجيها؛ لأنّه إن تمّت حجّيّة الروايتين المتمسّكين بهما على اعتبار الدبغ و تمّت دلالتهما، فلا يجوز الاستعمال قبل الدّبغ، لا ان يكون المستحب الاستعمال بعد الدّبغ.

و ان لم تتم حجّيّتهما أو دلالتهما فمقتضى الروايتين المرويّتين عن سماعة هو عدم الاشتراط بالدّبغ.

و ان استشكلنا في حجّيّتهما فمقتضى الأصل جواز الاستعمال فما نرى وجها للاستحباب. إلّا أن يقال بانّ مقتضى التسامح في أدلّة السنن استحبابه.

و الخبران المتمسّكان بهما على اشتراط الدّبغ في الاستعمال كافيان في ذلك.

و لكن هذا مبنيّ على القول باستفادة استحباب الفعل من أخبار من بلغ.

فافهم.

***

[مسئلة 3: ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 135

من أسواقهم محكوم بالتذكية، و إن كانوا ممّن يقول بطهارة جلد الميتة بالدّبغ.

(1)

أقول: قد مرّ في المسألة السادسة من المسائل الراجعة بنجاسة الميتة ما ظهر لك وجه كون المأخوذ من أيدي المسلمين أو من اسواقهم محكوما بالتذكية، و إن كانوا ممّن يقول بطهارة جلد الميتة بالدّبغ. فراجع.

***

[مسئلة 4: ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات الّتي لا يؤكل لحمها قابل للتّذكية، فجلده و لحمه طاهر بعد التّذكية.

(2)

أقول: اعلم أنّ المؤلّف رحمه اللّه لم يتعرّض للإنسان و قابليّته للتذكية و عدمها. فإنّ الإنسان من بين الحيوانات ممتاز من هذا الحيث لعدم وقوع التذكية عليه من رأس حتّى من يقتل و يذبح؛ بل تكون ميتة الإنسان نجسة مطلقا غاية الأمر خصوص ميتة المسلم تطهر بالغسل. و لعلّ منشأ عدم استثناء المؤلّف رحمه اللّه لميتة الإنسان يكون من باب كون الكلام في الحيوان في مقابل الإنسان.

و أمّا الكلب و الخنزير فنجسان حيّا و ميّتا. و ليسا قابلا للتذكية للإجماع، بل للضرورة. و كونهما نجسا فكيف يطهر جلد هما و لحمهما بالتذكية؟ و الدليل على نجاستهما كما يشمل حال حياتهما يشمل حال مماتهما.

و أمّا الكلام في غير هما من الحيوانات الّتي لا يؤكل لحمها من حيث قابليّتها للتذكية و عدمها ففيها احتمالات بل أقوال:

الاحتمال الأوّل: أنّ السّباع ممّا لا يؤكل لحمه غير المسوخ قابل للتذكية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 136

كالأسد و النّمر و غير هما. و أمّا المسوخ منه و الحشرات فلا.

الاحتمال الثاني: قبول التذكية في السّباع و المسوخ.

و أمّا الحشرات فلا.

الاحتمال الثالث: قابليّة كلّ منها للتذكية من السباع و المسوخ و الحشرات.

إذا عرفت ذلك نقول:

أما فيما ليس له نفس سائلة من الحيوانات، فهو طاهر سواء وقع عليه التذكية أم لا؛ فإن كان له جلد أو لحم فهو طاهر، لعدم شمول الدّليل الدالّ على قابلية تذكية الحيوانات، ليشمل بإطلاق أو عموم لما لا نفس له. مضافا إلى أنّه لو فرض قابليّته للتذكية لا ثمرة في تذكيته.

و امّا ما يكون له نفس سائلة فنذكر لك ما يمكن ان يستدلّ به حتّى يظهر لك حقيقة الحال و ما ينبغي أن يقال. فنقول بعونه تعالى:

الأولى: موثقة سماعة المتقدمة ذكرها و هي الاولى من رواياته و قد رواها الشيخ مرسلة و عن الكافي و الفقيه مسندة في الوسائل مع اختلاف في متنها لا يضرّ بالمقصد. و نحن نذكر مسندها:

و هي ما رواها عن الكلينيّ عن عدّة من اصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جلود السّباع.

فقال: اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه «1»).

الثانية: ما رواها سماعة، (قال: سألته عن جلود السّباع ينتفع بها؟ قال: إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و امّا الميتة فلا «2»).

الثالثة: ما رواها ابن بكير، (قال: سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الثّعالب و الفنك و السّنجاب و غيره من الوبر؟ فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم انّ الصّلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره

______________________________

(1) 4 من الباب 5- من أبواب لباس المصلّى من «ل».

(2) 2 من الباب 49 من أبواب النّجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 4، ص: 137

و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ أكله. ثمّ قال: يا زرارة! هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فاحفظ ذلك يا زرارة! فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ، و قد ذكاه الذّبح. و إن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله، فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسد ذكاه الذّبح أم لم يذكّه) «1» بدعوى دلالة قوله عليه السّلام: «ذكاه الذّبح أو لم يذكّه» في ذيل الخبر على قابليّة كلّما لا يؤكل لحمه للتذكية.

الرّابعة: ما رواها عليّ بن يقطين، (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود؟ قال: لا بأس بذلك) «2».

الخامسة: ما رواها الرّيّان بن الصّلت (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن لبس فراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود و ما أشبهها و المناطق و الكيمخت و المحشوّ بالقزّ و الخفاف من اصناف الجلود؟ فقال: لا بأس بهذا كلّه إلّا بالثّعالب) «3».

السادسة: ما رواها أبو مخلّد السّرّاج (و قد نقلناها في طيّ المسألة الثانية) قال: (كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه معتب فقال: بالباب رجلان. فقال:

أدخلهما. فدخلا، و قال أحد هما: انّي رجل سرّاج أبيع جلود النّمر. فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم. قال: ليس به بأس) «4». تدلّ على قابليّة النّمر للتذكية بناء على كون الذّبح كناية عن ذلك. و

إلّا لو اخذ بظاهرها من كون الحلّيّة موقوفا على الدّبغ لا يمكن الأخذ بها، لمخالفتها مع ما في سائر الرّوايات من كون العبرة بالتّذكية.

هذا كلّه الروايات الّتي يمكن التمسّك بها في هذه المسألة.

______________________________

(1) 1 من الباب 2 من أبواب لباس المصلّي من «ل».

(2) 1 من الباب 5 من أبواب لباس المصلّى من «ل».

(3) 2 من أبواب لباس المصلّي من «ل».

(4) 1 من الباب 34 من أبواب ما يكتسب به من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 138

و اعلم: أنّ الرّواية الأولى و هي موثّقة سماعة، لا تدلّ على وقوع التّذكية على السّباع؛ لأنّ ركوب جلد السّباع و هذا الانتفاع اعمّ من قبولها التذكية؛ إذ يمكن كون الرواية دالّة على جواز الركوب و إن كان الجد من الميّت.

بعبارة أخرى ما تدلّ عليها الرّواية هو جواز الركوب على جلد السّباع، و هذا يحتمل كونه من باب كونه مذكّى، و يحتمل كونه جائزا و إن كان من الميتة من السباع؛ فلا يدلّ جواز هذا الانتفاع على قابليّتها للتّذكية و كون هذا الانتفاع بعد التّذكية إلّا بعد ضمّ عدم جواز مطلق الانتفاعات باجزاء الميتة و قد عرفت عند البحث عن نجاسة الميتة جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة.

و امّا الرّواية الثانية: فهي تدلّ على جواز الانتفاع بجلد السّباع بعد التذكية؛ لأنّ فيها قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده» لكن هي مضمرة. نعم يمكن ان يقال بأنّ وثاقته و موقعيّته يقتضي كون مضمرها هو الإمام عليه السّلام. مضافا إلى انجبار ضعفها على فرض ضعفها بعمل الاصحاب.

إن قلت: انّه بعد ما اخترت في المسألة 19 من المسائل المتعلّقة بنجاسة الميتة، جواز الانتفاع بالميتة فيما لا

يشترط فيه الطهارة، فلا يمكن الأخذ بمفهوم هذا الخبر؛ أي عدم جواز الانتفاع بالميتة. فلا يكشف من جواز الانتفاع إذا رميت و سمّيت كون السّباع قابلا للتذكية؛ لأنّ قابليّة الانتفاع تكون حتّى للميتة.

قلت: و إن كان الانتفاع جائزا حتّى للميتة، لكن المستفاد من الرواية كون كلّ من السّباع قابلا لأنّ يقع عليه التذكية و إن لم نقل بمفهوم لقوله عليه السّلام: «إذا رميت و سمّيت».

و أمّا الرّواية الثالثة: فقوله عليه السّلام في ذيل الخبر: «و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكّه» يدلّ على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول، وقع عليه التذكية أم لا.

و لكن الكلام في أنّه يدلّ هذا على أن غير المأكول يقبل و التذكية و لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 139

الصّلاة لا تجوز فيه، سواء وقع عليه التذكية أم لا، حتّى ميّتا بدلالته على تذكية جميع غير المأكول، أو غاية ما يدلّ عليه ليس إلّا انّه لا فرق في عدم جواز الصّلاة بين ما ذكاه الذبح أو لم يذكّه؛ لكن عدم تذكيته هل يكون من باب خصوص عدم وقوع التذكية عليه، أو يعمّ صورة عدم قابليّته للتذكية؛ لأنّ الحيوان الّذي لم يذكّ يمكن أن يكون من باب عدم قابليّته لذلك، و بعد امكان كون عدم التذكية من باب عدم قابليّته، فلا تدلّ الرواية على قابليّة تذكية كلّ حيوان لا يؤكل لحمه.

أو يقال بأن قوله عليه السّلام: «ذكاه الذبح أو لم يذكّه» يفيد عدم أثر في التذكية، بمعنى انّه إن كان ممّا لا يؤكل لحمه لا تجوز الصلاة فيه، وقع

عليه الذبح أم لا؛ لعدم اثر في وقوع الذبح عليه، لأنّه لا يذكّى بالذبح فلا فائدة فيه، فعلى هذا تدلّ هذه الجملة على عدم قابليّة غير المأكول للذبح رأسا، فالرواية على هذا دليل على عدم قابليّة ما لا يؤكل لحمه للتذكية إلّا ما يدلّ عليه دليل.

و لكن هذا الاحتمال خلاف ظاهر الرواية، لأنّ ظاهر الرواية الفرق بين المأكول و غيره في جواز الصلاة فيه و عدمه. و على هذا الاحتمال منشأ عدم جواز الصلاة في غير المأكول هو كونه ميتة؛ لأنّه بعد عدم قابليّته للتذكية يكون ميتة، لا كونه مما لا يؤكل لحمه.

و امّا الرّواية الرابعة و الخامسة: فيستفاد منهما جواز لبس جلود السباع.

و يستفاد من الرواية السادسة جواز بيع جلد النمر إذا دبغ.

أقول: تارة نقول بعدم جواز الانتفاع حتّى في غير البيع، و حتّى فيما لا يشترط فيه الطهارة، فلا بدّ من تقييد الرواية الرابعة و الخامسة، و كذا الرواية الاولى؛ بما إذا لم تكن السّباع ميتة، و على هذا يكون مورد الاخبار المجوّزة للانتفاع بجلود السباع ما إذا كانت مذكّى.

فيستفاد من جواز الانتفاع بمطلق جلود السباع قابليّة كلّ السّباع للتذكية، و إلّا لم يبق لهذه الاخبار المجوّزة بالعموم أو الاطلاق على جواز الانتفاع بجلود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 140

السباع مورد. فمقتضى الجمع بين ما يدلّ على حرمة الانتفاع بالميتة و بين هذه الأخبار، هو حمل هذه الأخبار على صورة التذكية. و الشاهد الرواية الثانية و هي موثّقة سماعة الدالّة على أنّه إذا رمى و سمّى يجوز الانتفاع بجلده، و امّا الميتة فلا.

و تارة نقول بجواز الانتفاع بالميتة في غير البيع و فيما لا يشترط فيه الطهارة؛ فالرواية الأولى

و الرابعة و الخامسة تدلّ بعمومها أو اطلاقها على جواز الانتفاع بجلود السباع. و هذا لا يدلّ على قابليّة السباع للتذكية، لأنّه يمكن أن تكون ميتة، و مع ذلك يجوز الانتفاع بجلده.

فمن جواز لبس جلدها لا يستكشف قابليّتها للتذكية.

نعم يبقى في البين الرواية الثانية الدّالّة على جواز الانتفاع إذا كانت مذكّى.

و الالتزام بجواز الانتفاع بالميتة مع ما في ذيل هذه الرواية من قوله عليه السّلام: «أمّا الميتة فلا» من باب الجمع بين هذه الرواية و بين ما دلّ على جواز الانتفاع بالميتة في خصوص غير البيع و غير ما يشترط فيه الطهارة. فنقيّد ذيل هذه الرواية بقرينة ما دلّ على جواز الانتفاع في خصوص الانتفاعات الغير المشروطة بالطهارة و غير الانتفاع بالبيع. فتكون النتيجة عدم الانتفاع بالميتة ببيعها و فيما يشترط فيه الطهارة.

و امّا صدر الرواية فتدلّ على قابليّة السباع للتذكية جميعها.

و هذه الرواية و إن كانت مضمرة، لكن يعبّرون عنها بالموثّقة في عبائرهم، و ان كانت ضعيفة باعتبار اضمارها يجبر ضعفها بعمل الاصحاب،؛ لانّ المشهور قابليّة السباع للتذكية مضافا إلى دعوى الاجماع على قابليّة السباع للتذكية، و بعد التذكية يطهر جلدها و لحمها.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا على القول بجواز الانتفاع بالميتة في غير البيع و في غير ما يشترط فيه الطهارة بأن قابليّة السباع غير المسوخ للتذكية ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و امّا المسوخ فما يكون منه سبعا كالذئب يقبل و التذكية؛ لأنّ موثّقة سماعة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 141

تدلّ على تذكية مطلق السباع، إلّا أن يقال إنّ المتيقّن من جبران الضعف هو في خصوص السباع. و امّا في غيرها فغير معلوم خصوصا مع ما في الجواهر من

انّ عدم قابليّة المسوخ للتذكية فتوى المشهور.

و كذلك في الحشرات منها لعدم دليل على هذا على قابليّتها للتذكية لعدم دليل على المسألة إلّا رواية سماعة أعني الرواية الثانية منه، و هي لا تشمل الحشرات.

و حيث أنّا لم نجد دليلا حجّة على عدم جواز الانتفاع بالميتة حتّى فيما لا يشترط بالطهارة (و إن فرض ان نحتاط و نقول احتياطا بعدم جواز الانتفاع) لا بدّ لنا من الالتزام بقابليّة التذكية في خصوص السباع من غير المأكول.

و أمّا على القول بعدم جواز الانتفاع بالميتة حتّى فيما لا يشترط بالطهارة. فكما عرفت تكون الرواية الأوّلى و الرابعة و الخامسة دليلا على قابليّة غير المأكول ممّا له جلد للتذكية؛ لان مقتضى الجمع بين ما يدلّ على حرمة الانتفاع بالميتة و هذه الروايات خصوصا بقرينة الرواية الثانية من الروايات المتقدمة هو كون المذكّى من غير المأكول جائز الانتفاع.

نقول هذه الروايات على وقوع التذكية على كلّ غير مأكول يكون له الجلد لأنّ فيها التصريح بعدم البأس بجميع الجلود فافهم.

***

[مسئلة 5: يستحبّ غسل الملاقى في جملة من الموارد مع عدم تنجّسه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يستحبّ غسل الملاقى في جملة من الموارد مع عدم تنجّسه كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس و البغل و الحمار، و ملاقات الفأرة الحيّة مع الرطوبة مع ظهور أثرها؛ و المصافحة مع النّاصبي بلا رطوبة.

و يستحب النّضح أي الرش بالماء في موارد: كملاقاة الكلب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 142

و الخنزير و الكافر بلا رطوبة، و عرق الجنب من الحلال، و ملاقاة ما شكّ في ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار، و ملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها، و ما شكّ في ملاقاته للبول أو الدّم أو المني، و ملاقاة الصفرة الخارجة

من دبر صاحب البواسير، و معبد اليهود و النصارى و المجوس إذا أراد أن يصلّي فيه.

و يستحبّ المسح بالتراب أو بالحائط في موارد: كمصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة، و مسّ الكلب و الخنزير بلا رطوبة، و مسّ الثّعلب و الأرنب.

(1)

أقول: الكلام في المسألة يقع في طي مسائل:

المسألة الأولى: فيما يستحبّ غسل الملاقى و هو في موارد:
المورد الأوّل: لملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس و البغل و الحمار.

منشأ الاستحباب هو الجمع بين بعض الاخبار الآمرة فيها بالغسل؛ كرواية محمد بن مسلم (قال: و سألته عليه السّلام عن أبوال الدوابّ و البغال و الحمير. فقال عليه السّلام: اغسله، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه. فان شككت فانضحه) «1».

و ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (و الظاهر كون الصحيح هو «سألت» لا «سألته») عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الفرس و الحمار و البغل. فأمّا الشّاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله) «2».

و غير ذلك. راجع الباب المذكور.

______________________________

(1) 6 من الباب 9 من ابواب النجاسات من «ل».

(2) 10 من الباب 9 من ابواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 143

و بين ما يدلّ على عدم البأس ببول الدواب كرواية أبي الأغر النّحاس (قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّى اعالج الدواب فربّما أخرجت باللّيل و قد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي، فأصبح فأرى أثره فيه؟ قال:

ليس عليك شي ء) «1».

و كرواية معلّى بن خنيس و عبد اللّه بن أبي يعفور (قال: كنّا في جنازة و قدّامنا حمار، قال: فجاءت الرّيح ببوله حتّى صكّت وجوهنا و ثيابنا فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرناه، فقال: ليس عليكم بأس)

«2».

بيان ذلك: أمّا بالنّسبة إلى الدواب فتدلّ رواية النّحاس على عدم البأس ببولها، و بالنسبة إلى بول خصوص الحمار تدلّ رواية معلّى بن خنيس و عبد اللّه بن أبي يعفور على عدم البأس.

فمقتضى الجمع العرفي حمل رواية محمّد بن مسلم و عبد الرحمن و اضرابهما بقرينة رواية النّحاس و المعلّى بن خنيس و عبد اللّه بن أبي يعفور على الاستحباب.

و أمّا بالنسبة إلى البغل و الفرس و إن لم يرد نصّ تعرّض لعدم البأس ببولها، لكن بعد ما يكون الأمر بغسل بولها في رواية محمد بن مسلم و غيرها و غسل الدواب أو الحمار بأمر واحد، مثلا كما ترى في رواية محمد بن مسلم «اغسله» بعد سؤال السائل عن أبوال الدواب و البغال و الحمير، و كذا في رواية عبد الرحمن «قال:

يغسل بول الفرس و الحمار و البغل»، و كذا في ساير الروايات بأمر واحد و هيئة واحدة و هو «أغسل» أو «يغسل»، فإذا رأينا بمقتضى رواية النّحاس و معلّى المتقدمتين ذكرهما عدم البأس ببول الدواب و الحمار فلا بدّ من حمل «اغسل» في رواية محمّد بن مسلم و اضرابها على مطلق الرّجحان، جمعا بينهما و بين ما دلّ على عدم البأس. فلا يستفاد من الأمر بالغسل إلّا مجرّد الرّجحان؛ و هذا معنى

______________________________

(1) 2 من الباب 9 من ابواب النجاسات من «ل».

(2) 15 من الباب 9 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 144

الاستحباب.

المورد الثاني: ملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة مع ظهور أثرها.

وجه الاستحباب الجمع بين ما يدلّ بظاهره على وجوب الغسل كرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب. أ

يصلّى فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها، و ما لم تره انضحه بالماء) «1».

و بين ما يدلّ على طهارة سؤر الفأرة و عدم تنجّس ما يلد فيها حيّا كرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام في حديث قال: سألته عن الغطابة و الحيّة و الوزغ يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضّأ منه للصّلاة؟ (قال: لا بأس به. و سألته عن فأرة وقعت في حبّ دهن و اخرجت قبل ان تموت أ يبيعه من مسلم؟ قال: نعم و يدهن منه) «2».

و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن أبا جعفر عليهما السّلام كان يقول: (لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء ان يشرب منه و يتوضّأ منه) «3»

لأنّ المستفاد من الخبر من عدم البأس بملاقاة الفأرة حيّا مع شي ء و عدم سببيّته للتّنجيس فيحمل الأمر بالغسل في الرواية المتقدّمة على الاستحباب.

المورد الثالث: المصافحة مع النّاصبي بلا رطوبة

لما رواها خالد القلانسي (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألقى الذّمي فيصافحني، قال: أمسحها بالتراب أو بالحائط. قلت: فالناصب، قال: اغسلها) «4».

بدعوى انّ الفرق بين مصافحة الذميّ و الناصبي يكون شاهدا على صورة

______________________________

(1) 2 من الباب 33 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 1 من الباب 9 من أبواب الأسئار من «ل».

(3) 2 من الباب 9 من ابواب الأسئار من «ل».

(4) 3 من الباب 13 من أبواب النجاسات من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 145

عدم الرطوبة، و إلّا كان الغسل في مصافحة الذميّ واجبا أيضا.

أقول: اعلم انّه لا يرى في الكلمات وجه لحمل الأمر في الرواية على الاستحباب، إلّا ان يقال: عدم القول و الفتوى بالوجوب

يوجب حمل الأمر على الاستحباب.

و يمكن ان يقال بأنّ الأمر بالمسح بالتراب في مصافحة الذّميّ، و بالغسل في مصافحة الناصبي إن كان في صورة وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين كما ان مقتضى الارتكاز العرفى هو كون الملاقات مؤثّرا في صورة الرطوبة. فلا يستفاد من الرواية إلّا وجوب غسل اليد من باب ملاقاته مع النجس و هو الناصبي. و لا تكون الرواية دليلا على الوجوب أو استحباب غسل اليد في صورة عدم الرطوبة و إن كانت الرواية موردا للاشكال من جهة أخرى و هي الأمر بالمسح بالتراب أو الحائط بمصافحة الذميّ، بناء على القول بنجاسته؛ و تكون الرواية على هذا الاحتمال من جملة ما يستدلّ به على عدم نجاسة الذمّي.

و يمكن أن يقال بكونها من هذا الحيث ممّا أعرض عنه الاصحاب، مثل سائر ما يستدلّ به على طهارة الكتابي. و تقدّم الكلام فيه عند البحث عن نجاسة الكافر.

و إن كان الحكم بالمسح في مصافحة الذمّي، و بالغسل في مصافحة الناصبي في صورة عدم وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين، فحيث انّ كون الملاقات في صورة عدم الرطوبة المسريّة غير موجب للنجاسة و السراية عند العرف، كما قلنا في اعتبار وجود الرطوبة المسريّة في أحد المتلاقيين في التنجيس و التنجّس، مضافا إلى رواية «كلّ يابس ذكيّ» يدّعى كونها معمولا بها عند الأصحاب؛ لا يمكن الأخذ بظاهر الرواية و الالتزام بوجوب الغسل مع عدم السراية مع عدم وجود فتوى الاصحاب على طبقها؛ بل عدم وجود قائل بوجوبه؛ لأنّا لم نجد بعد من يقول بوجوب الغسل في مصافحة الناصبي مع عدم الرطوبة. فلهذا يحمل الأمر على الاستحباب.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه الاستحباب. و لكن مع هذا حيث

كانت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 146

الرواية ذات احتمالين كما عرفت، فالقول بالاستحباب المصطلح مشكل، نعم لا مانع من غسله باحتمال كونه مطلوبا للّه رجاء.

المسألة الثانية: في استحباب النضح أي الرش في موارد:
المورد الأوّل: في ملاقاة الكلب أو الخنزير أو الكافر بلا رطوبة.

و يدلّ عليه جملة من الأخبار كرواية حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: «إذا مسّ ثوبك كلب، فإن كان جافّا (يابسا) فانضحه و إن كان رطبا فأغسله») «1».

و في الكلب بعض روايات آخر مذكور في هذا الباب.

و كرواية موسى بن القاسم، عن عليّ بن محمّد عليهما السّلام (قال: سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جافّ، هل تصلح الصّلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم، و ينضحه بالماء ثمّ يصلّى فيه (الحديث)) «2».

و في الخنزير رواية أخرى مذكورة في الباب الثالث من أبواب النجاسات من «الوسائل».

و كرواية عبيد اللّه بن عليّ الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في ثوب المجوس: فقال: يرشّ بالماء) «3».

أقول: أمّا في ملاقاة الكلب و الخنزير بلا رطوبة فقد وقع الأمر بالنضح في الروايتين الأوّليتين، الكلب في الأولى و الخنزير في الثانية، و يدلّ على ذلك بعض روايات آخر، و ظاهر الأمر في الأوّل، و الجملة الخبريّة في الثانية هو الوجوب.

لكن يقال: بعد عدم قائل بالوجوب يوهن ظهور الأمر في الوجوب، و يحمل الأمر على الاستحباب.

و اعلم أن الأمر بالنضح في ملاقات الكلب و الخنزير ليس إلّا في ملاقاتهما

______________________________

(1) 3 من الباب 26 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 6 من الباب 26 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) 3 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 147

للثوب مع عدم الرطوبة. و كلام المؤلّف رحمه اللّه

اعمّ من الثوب و غيره، و التعدي مشكل لعدم الدليل. و لا نعلم بعدم خصوصيّة للثوب في هذا الحيث. و هو الحكم المخالف للارتكاز العرفي فالتّعدي بغير الثوب مشكل.

و أمّا في الكافر: فليس ما يدلّ على كون المستحب النضح في صورة ملاقاته بلا رطوبة إلّا الرواية الثالثة المتقدّمة و هي رواية الحلبي. و قد ترى أنّها في خصوص ثوب المجوس، و لا بأس بالتعدي إلى غير المجوس من الكفّار؛ لأنّ وجه الأمر بالنضح ليس إلّا كفره. و امّا التعدي بغير ثوب المجوس، فالقول باستحباب الرّش مشكل.

و على كلّ حال الأمر بالنضح في رواية الحلبي يدلّ بظاهره في حدّ ذاته على الوجوب، لكن بعد عدم وجود قائل بالوجوب يحمل على الاستحباب؛ لأنّ عدم العمل يوهن لظهوره في الوجوب.

المورد الثاني: ما أصابه عرق الجنب عن الحلال،

و ما ينقل وجها له هو ما رواها عليّ بن أبي حمزه (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن رجل اجنب في ثوبه فيعرق فيه؟ فقال: ما أرى به بأسا، و قال: انّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره، قال: فقطب أبو عبد اللّه عليه السّلام في وجه الرّجل فقال: إن أبيتم فشي ء من ماء فانضحه به) «1».

و ما رواها أبو بصير، (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القميص يعرق فيه الرّجل و هو جنب حتى يبتلّ القميص؟ فقال: لا بأس؛ و ان احبّ ان يرشّه بالماء فليفعل) «2».

بناء على اختصاص الروايتين بالجنب من الحلال جمعا بينهما و بين ما يدلّ على نجاسة عرق الجنب عن الحرام، أو شمول إطلاقهما للحلال، و هل يستفاد منهما

______________________________

(1) 4 من الباب 27 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 8 من الباب 27 من أبواب

النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 148

الاستحباب للأمر فيهما أو لا يستفاد ذلك. بل يكون نظر الإمام عدم البأس بالرّش لدفع القذارة الحاصلة في نظر السائل، فاستفادة الاستحباب مشكل؛ فتأمّل. نعم لو استفدنا من الروايتين الأمر بالنضح نحمل الأمر على الاستحباب جمعا بينها و بين ما يدلّ على عدم ترتّب شي ء عليه كرواية أبو سلمة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يعرق في ثوبه، أو يغتسل فيعانق امرأته و يضاجعها و هي حائض أو جنب فيصيب جسده من عرقها، قال: هذا كلّه ليس بشي ء) «1».

المورد الثالث: ملاقاة ما شكّ في ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار،

تدلّ عليه رواية محمّد بن مسلم المذكورة في المورد الأوّل من المسألة الاولى من هذه المسائل، و وجه حمل الأمر على الاستحباب هو ما قلنا في المورد الأوّل من المسألة الاولى من هذه المسائل.

أو عدم وجود قائل بالوجوب فنحمل الأمر على الاستحباب.

المورد الرابع: ملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة و عدم ظهور أثرها،

يدلّ عليه رواية عليّ بن جعفر المذكورة في المورد الثاني من المسألة الأولى بعد حمل الأمر فيها على الاستحباب بقرينة ما يدلّ على عدم البأس بسؤر الفأرة.

المورد الخامس: ما شك في ملاقاته للبول و الدّم و المني.

أمّا فيما يشكّ في ملاقاته للبول، فيستدلّ عليه بما روى عبد الرحمن بن الحجّاج (قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل يبول باللّيل فيحسب أنّ البول أصابه، فلا يستيقن؛ فهل يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال و لا يتنشّف؟ قال: يغسل ما استبان أنّه قد اصابه، و ينضح ما يشكّ فيه من جسده و ثيابه و يتنشّف قبل أن يتوضّأ) «2».

و أمّا فيما يشكّ في الملاقاة مع الدم و المني، فيستدلّ برواية رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان

______________________________

(1) 1 من الباب 27 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 2 من الباب 37 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 149

قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى. و إن كان لم يعلم به فليس عليه اعادة، و إن كان يرى أنّه أصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء) «1».

و اعلم: انّ الرواية هكذا بنقل الوسائل، و كما نقل في جامع أحاديث الشيعة عن الكافي و التهذيب و الاستبصار يكون متنها كما ذكر في «الوسائل»، لكن لم يكن فيها كلمة «أو دم» في الجملة الثانية بنقل الكافي، و لكن بنقل التهذيب و الاستبصار يكون فيها كلمة «أو دم» في الجملة الثانية.

فلهذا نقول بعد وجود كلمة «دم» في الجملة

الأولى بنقل كلّ من الكتب الثلاثة و «الوسائل» تدلّ الرواية على كون السؤال من كلّ من الجنابة و الدم.

فإن كان الصادر عن المعصوم عليه السّلام في الجواب ما رواها التهذيب و الاستبصار فأجاب عليه السّلام عن كلّ من الجنابة و الدم يستفاد النضح في كلّ منهما إذا نظر و لم ير شيئا.

و إن كان الصادر ما رواها في الكافي فاقتصر عليه السّلام في مقام الجواب بجواب الجنابة. و هذا خلاف الظّاهر.

فإمّا ان يقال: كون المناسب الجواب عن كلّ من الجنابة و الدّم، يشهد على تماميّة نقل التهذيب و الاستبصار. أو بأنّ الاقتصار في الجواب على ذكر الجنابة يمكن أن يكون من باب الاختصار، و إلّا حكم الدّم حكم الجنابة و لم يبيّن الدم في الجواب؛ لأنّه يستفاد من ذكر الجنابة. فلهذا تدلّ الرواية على النضح في اصابة الجنابة و الدم للثوب فيما يرى أنّه أصابه فنظر و لم ير شيئا.

و يدلّ في خصوص المني، رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الّذي أصابه، فإن ظنّ أنّه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و إن استيقن انّه قد أصابه مني و لم ير مكانه فليغسل

______________________________

(1) 3 من الباب 40 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 150

ثوبه كلّه فانّه احسن) «1».

وجه حمل الأخبار على الاستحباب هو ما قلنا من إنّه بعد عدم القول بالوجوب من جلّ الفقهاء أو كلّهم، يوجب وهن الأخذ بظهور الأمر في الوجوب، بل يحمل على الاستحباب و مطلق الرجحان.

المورد السادس: ما إذا لاقى الشي ء مع الصّفرة الخارجة

من دبر صاحب البواسير؛ و وجهه رواية رواها صفوان (قال: سأل رجل

أبا الحسن عليه السّلام و أنا حاضر، فقال:

انّ بي جرحا في مقعدي فأتوضّأ ثمّ استنجى ثمّ أجد بعد ذلك النوى و الصّفرة تخرج من المقعدة، أ أعيد الوضوء؟ قال: قد أنقيت؟ قال: نعم قال (لا) و لكن رشّه بالماء، و لا تعد الوضوء) «2».

فيحمل الأمر بالرّش على الاستحباب كما قلنا في المورد السابق و بعض موارد الآخر.

و اعلم أنّ مورد الرواية كما يظهر من نصّ الشرّاح هو من كان جرحا في مقعده لا البواسير كما عنون المؤلف رحمه اللّه كاستحباب الرّش يكون فيمن يكون الجرح في مقعده ثمّ يجد النوى و الصّفرة تخرج عن مقعده.

المورد السابع: استحباب رشّ الماء في معبد اليهود و النصارى و المجوس

إذا أراد أن يصلّي فيه، و وجهه رواية رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن الصّلاة في البيع و الكنائس، و بيوت المجوس؟ فقال: رشّ و صلّ) «3».

و الرواية (1) من الباب (14) من أبواب مكان المصلّى من «الوسائل».

و الرواية (2) من الباب (14) من أبواب مكان المصلّى من «الوسائل» في خصوص

______________________________

(1) 4 من الباب 16 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 3 من الباب 16 من أبواب نواقض الوضوء من «ل».

(3) 2 من الباب 13 من أبواب مكان المصلّى من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 151

بيوت المجوس و قد تعرّضنا للمسألة في طيّ المسألة الرابعة من المسائل الّتي مرّ من المؤلّف رحمه اللّه لها في طيّ عدد النجاسات فراجع.

أمّا الاستحباب، فلما عرفت وجهه في المورد السابق.

و أعلم انّ عنوان المؤلّف رحمه اللّه معبد اليهود و النصارى و المجوس، و لكن كان مورد الرّواية بيوت المجوس.

ثمّ أنّه قال بعض الاعاظم قدّس سرّه فى المستمسك في وجه حمل الأمر بالرشّ في

هذه الموارد المذكورة على الاستحباب هو الإجماع، أو القرينة القطعيّة على عدم الوجوب.

أقول: امّا الإجماع فيدور مدار تحصيله؛ و أمّا القرينة القطعيّة فإن كانت ما قلنا من انّ الفقهاء رضوان اللّه عليهم مع رؤيتهم هذه الأخبار و نقلها في كتب بعضهم لم يفتوا بالوجوب، و لذلك يوهن ظهور الأمر في الوجوب. فهذه الموارد و ان كان النّظر من القرينة إلى غير ذلك، فلا نجد قرينة اخرى قطعيّة دالّة على كون الأمر في الموارد أمرا استحبابيّا.

المسألة الثالثة: في الموارد الّتي قال المؤلّف رحمه اللّه بأنّه يستحبّ فيها المسح بالتراب، أو الحائط.
المورد الأوّل: في مصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة

يدلّ عليه الرواية المذكورة في المورد الثالث من موارد الغسل؛ و فيها قال عليه السّلام في مصافحة الذّمّي بلا رطوبة: «امسحها بالتراب، أو بالحائط».

و الكلام في دلالة الرواية و استفادة الاستحباب مضى في المورد المذكور. نعم، حكى عن بعض القدماء الفتوى بوجوب المسح، و عن بعضهم الاستحباب؛ و لكن بعد ما عرفت في المورد المذكور كون رواية القلانسي ذي احتمالين، لا يمكن الأخذ بأحدهما؛ و الرّواية مجملة. نعم، لا بأس بالمسح رجاء. فافهم.

المورد الثاني: في استحباب المسح بالتراب،

أو الحائط في مسّ الكلب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 152

و الخنزير بلا رطوبة.

المورد الثالث: في مسّ الثعلب و الارنب.

و اعلم انّه لا يكون فيما بأيدينا من النصوص ما يدلّ على استحباب المسح في الموردين الأخيرين. نعم أفتى به بعض الفقهاء؛ فيقال باستحباب المسح فيهما من باب التسامح في ادلّة السّنن. و انّه يكفي فيه حتّى فتوى فقيه؛ و لكن بناء على الإشكال في اثبات الاستحباب، باخبار من بلغ لا بأس بالمسح رجاء. فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 153

فصل: في ما إذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 155

قوله رحمه اللّه

فصل إذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره؛ و طريق الثبوت امور:

الأول: العلم الوجداني.

الثاني: شهادة العدلين بالتطهير، أو بسبب الطهارة و إن لم يكن مطهّرا عند هما، أو عند أحد هما؛ كما إذا أخبرا بنزول المطر على الماء النّجس بمقدار لا يكفي عندهما في التطهير، مع كونه كافيا عنده؛ أو اخبرا بغسل الشي ء بما يعتقدان أنّه مضاف و هو عالم بأنّه ماء مطلق و هكذا.

الثالث: إخبار ذي اليد، و ان لم يكن عادلا.

الرابع: غيبة المسلم على التفصيل الّذي سبق.

الخامس: إخبار الوكيل في التطهير بطهارته.

السادس: غسل مسلم له بعنوان التطهير، و إن لم يعلم أنّه غسله على الوجه الشرعي أم لا، حملا لفعله على الصحّة.

السابع: اخبار العدل الواحد عند بعضهم؛ لكنّه مشكل.

(1)

أقول: إذا علم بنجاسة شي ء يحكم ببقائها، ما لم يثبت تطهيره؛ للاستصحاب

و طريق ثبوت التطهير امور:
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 156

الأوّل: العلم الوجداني؛

و قد مضى في طريق ثبوت النجاسة الكلام في حجيّة العلم و انّه حجّة ذاتا، و انّه طريق إلى الواقع.

الثاني: شهادة العدلين؛

و قد مضى الكلام في حجيّته في تلك المباحث. و لا فرق بين اخبارهما بالطهارة، أو بسبب الطهارة، و إن لم يكن عند كلّ من الشاهدين أو عند أحد هما سببا للتطهير، و لكن يكون كافيا عن من يستمع الشهادة؛ مثل المثالين المذكورين في كلام المؤلّف رحمه اللّه.

الثالث: إخبار ذي اليد،

إذا لم يكن متّهما؛ لما عرفت في تلك المباحث.

الرابع: غيبة المسلم

على التفصيل الّذي سبق في كيفيّة مطهّرية غيبة المسلم.

الخامس: إخبار الوكيل في التطهير بطهارته.
اشارة

اعلم: انّ طريقيّة إخبار الوكيل في الطهارة بعنوان الوكيل لم يرد فيما بأيدينا من الأخبار.

و ما رواها هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الأمور، و أشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر فقال: اشهدوا انّي قد عزلت فلانا عن الوكالة، فقال: إن كان الوكيل أمضى الأمر الّذي وكّل فيه قبل العزل فإنّ الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل، كره الموكّل أم رضى. قلت: فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل، أو يبلغه أنّه عزل عن الوكالة، فالأمر على ما أمضاه. قال: نعم. قلت له: فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتّى أمضاه، لم يكن ذلك بشي ء؟ قال: نعم، انّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، و الوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه، أو يشافه بالعزل عن الوكالة) «1»؛

أقول: و إن قال عليه السّلام فيها: «انّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماض

______________________________

(1) من الباب 2 من أبواب الوكالة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 157

أبدا و الوكالة ثابتة» (الخ) لكن النظر فيها يكون إلى انّ الموكّل ملتزم بأخذ ما أنفذه الوكيل و لو كان على ضرره. و ليست الرواية في مقام حجيّة قوله بالنسبة إلى ما يكون بنفع الموكّل أو لم يكن بضرره و لا بنفعه. و بعبارة أخرى الموكّل مأخوذ بما أخذ الوكيل و إن كان مكروها له. و هذا غير مربوط بما وكّل في غسل شي ء و يخبر بطهارته بنفع الموكّل.

إذا

عرفت ذلك نقول:

ما يمكن أن يكون وجها لحجّيّة قول الوكيل أمران:
الامر الأوّل: دعوى شمول دليل اعتبار قول ذي اليد له،

بأن يقال بعد كون العمدة في اعتبار قول ذي اليد هو استقرار سيرة العقلاء على الأخذ بقول كلّ من يخبر عمّا يكون تحت استيلائه و يده و قدرته و اختياره بالخصوصيّات التي تحت يده.

و هذه الطريقة من العقلاء ليست منشأة إلّا كون أمر ذلك الشّي ء بيده و تحت نفوذه و استيلائه، و إن لم يكن ذلك الاستيلاء من باب كونه ملكه. و لهذا يقبل قوله و إن كان مأذونا في التّصرّف في ذلك الشّي ء، بل و إن لم يكن مأذونا و كان غاصبا. و إذا كان الأمر كذلك، يجرى هذه الطريقة بالنسبة إلى الوكيل أيضا. فقوله حجّة فيما يقع تحت وكالته و تصرّفه بعنوان الوكالة. فإنّ الملاك واحد و هو أنّ كلّ من يكون أمر شي ء راجعا إليه سواء كان مالكا له أو مأذونا من قبله، أو وكيلا يؤخذ بقوله و عمله؛ لأنّ كلّ ذي عمل مؤتمن على عمله بنظر العقلاء، و عليه سيرتهم و لذا يؤخذ بقول الخدمة و الجواري في غسل ما في تحت يدهم.

و امره راجع إليهم؛ و هذه السيرة حجّة لعدم ردع الشارع عن هذه الطريقة، مضافا إلى تأييد هذه السيرة باعتبار الشارع قول العصّار و الخرّار و الحجّام. و ليس اعتبار قولهم إلّا من باب كون الأشياء تحت نظرهم، و هم مؤتمنون في عملهم.

الأمر الثاني: ان يقال بأنّ ما نرى من اعتبار الشارع في موارد مختلفة

قول من يكون أمر شي ء يوكل إليه في باب التطهير، و هو ذي الأمر في هذا الشي ء سواء كان ملكا له أو لا، نكشف من اعتبار الشّارع حجيّة قول كلّ من يكون إيكال أمر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 158

إليه و تحت نظره و استيلائه. و فيها صورة صيرورة الشخص وكيلا و

هي الاخبار الواردة في الخرّار و العصّار و الحجّام، و لم يذكر في الجواهر هذه الأخبار. و ربما يكون النظر إلى روايات نذكرها:

منها ما رواها عبد اللّه على عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قل سألته عن الحجامة أ فيها وضوء؟ قال: لا و لا يغسل مكانها لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه و لم يكن صبيّا صغيرا) «1».

وجه الاستدلال: حجيّة قول الحجّام في اخباره بمجرّد كون امر الحجامة بيده، و هذا ليس إلّا من باب أنّ كلّ ذي عمل مؤتمن في عمله و لا خصوصيّة للحجامة.

أقول: أنّ الرواية و ان كانت مضطربة المتن لكن يستفاد منها عدم وجوب الغسل من باب كون الحجام مؤتمن و لا خصوصيّة للحجام، فإذا كان أمر شي ء بيده غير الحجام فهو مؤتمن في قوله.

و منها ما رواها معاوية بن عمار (قال سألته أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم اخباث و هم يشربون الخمر و نساؤهم على تلك الحال ألبسها و لا اغسلها و اصلي فيها، قال نعم، قال معاوية فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له ازرارا و رداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة) «2».

وجه الاستدلال، ان الامام عليه السّلام لبسها قبل أن يغسلها و هذا ليس الا من باب كونه تحت استيلائه.

و فيه. أن ذلك يكون لاصالة الطهارة لأنه لا يدري تنجس أم لا، لأنه لا يدري لاقاه المجوسي مع الرطوبة أم لا فهو محكوم بالطهارة.

و منها ما رواها عمر بن اذينة عن فضيل و زرارة و محمد بن مسلم (انهم سألوا

______________________________

(1) الرواية 1 من

الباب 56 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 1 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 159

أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الاسواق و لا يدري ما صنع القصّابون، فقال: كل ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه) «1».

و هذه الرواية لا تدلّ على حجية قول ذي اليد بما هو ذي اليد و في تحت نظره، بل من باب كونه في سوق المسلمين، فلم تكن مربوطة بما نحن فيه.

السادس: غسل مسلم له بعنوان التطهير،

و إن لم يعلم أنّه غسله على الوجه الشرعي أم لا، وجهه على ما قاله المؤلّف رحمه اللّه حمل فعل المسلم على الصّحّة.

و استشكل بعض المحشّين، و قال: لا يكون غسل المسلم من طرق ثبوت الطهارة إلّا فيما يحصل الاطمينان.

و لعلّ وجه الاشكال هو انّ ما يدلّ عليه أدلّة أصالة الصّحّة ليس إلّا ان ما فعله المسلم، و كان فعله ذا وجهين، وجه صحّة و وجه فساد، يحمل فعله على الصّحّة.

فمن يرى أن مسلما يشرب من آنية كانت نجسه سابقا مع علمه بالنجاسة، يحمل فعله على الصّحّة لا على الفساد فلا يقل انّه شرب النجس بل يحمل فعله على أنّه يشربه مبنيّا على طهارته.

و امّا انّ هذا الإناء محكوم بالطهارة بحيث يجوز للآخر استعماله فيما يشترط بالطهارة، فلا يستفاد من أصالة الصحّة، إلّا أن يقال بأنّها من الإمارات و يثبت بها لوازمها أيضا.

السابع: اخبار العدل الواحد،

و قد بيّنا لك سابقا في المسألة 6 من المسائل المتفرّعة بماء البئر و في طريق ثبوت النجاسة انّه لا يثبت بقوله النجاسة إلّا إذا حصل الاطمينان من قوله فكذلك في المقام.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من أبواب الذبائح من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 160

[مسألة 1: إذا تعارض البيّنتان أو إخبار صاحبي اليد]

قوله رحمه اللّه

مسألة 1: إذا تعارض البيّنتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير و عدمه، تساقطا و يحكم ببقاء النجاسة. و إذا تعارض البيّنة مع أحد الطرق المتقدّمة ما عدا العلم الوجداني تقدّم البيّنة.

(1)

أقول: أمّا الكلام فيما تعارض البيّنتان، فنقول كما بيّنا سابقا في المسألة السابعة من المسائل المتفرّعة على ماء البئر، تارة يكون مستند شهادتهما واحدة، و تارة يكون مستند شهادة أحد هما العلم و الآخر الأصل؛ ففي- الصّورة الاولى تساقطا، لأنّه بعد فرض كونهما طريقا فمع التعارض تساقطا عن الحجّيّة و الطريقيّة؛ و أمّا في الصّورة الثانية تقدّمت البيّنة الّتي مستندها العلم على البيّنة الّتي مستندها الأصل؛ لأنّ التعارض في الحقيقة يكون بين مستند هما و هو العلم و الأصل و لا اشكال في انّه مع العلم لا مجال لإجراء الأصل؛ لأنّ البيّنة المستندة إلى العلم يخبر عن الواقع بخلاف الثاني.

و امّا إذا تعارضا صاحبي اليد في اخبارهما، مثلا يكون اناء تحت يد رجلين و كان سابقا نجسا، فيخبر أحد هما بتطهيره فعلا و يخبر الآخر بنجاسته فعلا، فله صورتان كما عرفت في تعارض البيّنتين، و قد بيّنا في المسألة 11 من المسائل المتفرّعة على طريق ثبوت النجاسة.

و امّا إذا تعارض بعض الطريق المثبتة للطهارة مع بعض الآخر، فنقول: أمّا لو تعارض البيّنة مع العلم، مثلا يعلم فعلا بالنجاسة و الحال أنّ

البيّنة أو ذي اليد أو الوكيل أو المسلم الّذي غسله أو العدل الواحد يخبر بالطهارة، فلا اشكال في انّه يؤخذ بالعلم؛ لأنّه معه لا مجال لواحد منها، و كذا لو تعارض ساير الطرق مع العلم.

و أمّا لو تعارض بعضها مع بعض الآخر غير العلم مثلا، فإن تعارضت البيّنة مع اليد، فتارة يكون مستند هما واحدا، مثل ما يكون مستند كلّ منهما العلم، فلا اشكال في تقديم البيّنة، لما عرفت في الأصول في وجه تقديم البيّنة على اليد، من باب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 161

أنّه لو لم تكن البيّنة حجّة في مورد اليد الدّالّة على خلافها يلزم تخصيص الأكثر في دليل البيّنة؛ لأنّ اكثر موارد البيّنة تكون يده على خلافها، فلهذا تقدّم البيّنة على اليد، و كذلك فيما يكون مستند البيّنة العلم، و مستند اليد الأصل، تقدّم البيّنة على اليد.

و أمّا إذا كان مستند اليد العلم، و مستند البيّنة الأصل، فهل تقدّم البيّنة أو يقدّم اليد من باب كون مستندة العلم، فنقول: مع ذلك بتقديم البيّنة لما قلنا في وجه تقديمها في صورة كون مستند هما العلم.

أمّا لو تعارضت البيّنة مع سائر الطرق، امّا العدل الواحد فلا يقاوم العدل الواحد مع البيّنة، إلّا إذا حصل الاطمئنان منه، و حينئذ يكون كالعلم.

و أمّا إخبار الوكيل، و كذا غيبة المسلم؛ لأنّ دليل حجّية اخبار الوكيل ان كانت سيرة العقلاء، فليست سيرتهم متعارضة مع البيّنة. و كذا غيبة المسلم. و العمدة في كونها طريقا للتطهير هي السيرة المتشرّعة، و ليست السيرة مع وجود البيّنة.

***

[مسئلة 2: إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير أحد هما]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير أحد هما الغير المعيّن أو المعيّن، و اشتبه

عنده أو طهّر هو أحدهما ثمّ اشتبه عليه، حكم عليهما بالنجاسة عملا بالاستصحاب بل يحكم بنجاسة ملاقي كلّ منهما، لكن إذا كانا ثوبين و كرّر الصّلاة فيهما صحّت.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا علم بنجاسة شيئين، فقامت البيّنة على تطهير أحدهما الغير المعيّن.

فهل يحكم بنجاستهما عملا بالاستصحاب أو لا يحكم بنجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 162

كلّ منهما لعدم جريان الاستصحاب، بل نقول بنجاسة أحد هما، فلا يحكم إلّا بنجاسة أحد هما الغير المعيّن و إن كان يجب الاجتناب عن كلّ منهما من باب المقدّمة العلميّة.

قد يقال بجريان استصحاب النجاسة في كلّ واحد منهما؛ لأنّ المقتضى لإجرائه و هو اليقين السابق و الشّك اللّاحق موجود، و المانع مفقود؛ لأنّه ما يتوهّم كونه مانعا هو العلم الإجمالي بطهارة أحد هما. و على الفرض لا يوجب اجراء الاستصحاب مخالفة عمليّة قطعيّة للعلم الإجمالي؛ لأنّ مقتضى العلم الإجمالي هو نجاسة أحدهما و أثره الاجتناب عن الأطراف فإجراء الاستصحاب لا يوجب المخالفة العلميّة القطعيّة للعلم الإجمالي.

و لكن الظاهر من الشيخ الأنصاري رحمه اللّه (هو عدم جريان الاستصحاب في المورد في الاطراف، و وجهه كما يظهر من كلامه مع ما ذكر في بيان مراده هو أنّ العمدة في حجيّة الاستصحاب بناء على المختار من كونه حجّة من باب الأخبار كخبر زرارة و فيه قال عليه السّلام: «لا تنقض اليقين بالشكّ و لكن تنقضه بيقين آخر» فلو كان اليقين في الصّدر و الذّيل هو الأعمّ من اليقين التفصيليّ و الإجمالي يوجب حصول التناقض بين الصدور و الذّيل في مثل ما نحن فيه، مثلا إذا علم بنجاسة شيئين أو بوجوبهما ثمّ علم اجمالا بطهارة أحد هما الغير المعيّن، أو علم اجمالا بحلّيّة أحد هما في المثال الثاني، فإن كان اليقين

في صدر الرواية و هو قوله: «لا تنقض اليقين بالشّكّ» اعمّ من التفصيلي و الاجمالي يكون معناه النهي عن نقض اليقين التفصيلي و الاجمالي بالشك.

و ان كان اليقين في الذيل مثل الصدر، معناه وجوب نقض الشّكّ باليقين سواء كان هذا اليقين تفصيليّا أو اجماليّا.

ففي المسألة اقتضاء الصدر عدم نقض اليقين و الحكم ببقاء النجاسة أو الوجوب، و ان كان هذا اليقين يقينا اجماليّا لزوال اليقين التفصيلي بالعلم الاجمالي بطهارة أحد هما الغير المعيّن، أو حلّيّة أحد هما الغير المعيّن. و اقتضاء الذيل نقض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 163

الشّكّ باليقين و عدم الحكم بالبقاء؛ لأنّه يعلم اجمالا بطهارة أحد هما، أو حلّيّة أحد هما الغير المعيّن، فيقع التناقض بين الصدر و الذيل. و بعد وقوع التنقاض لا بدّ إمّا من حمل اليقين في خصوص الصدر على اليقين التفصيلي، و حمل اليقين في خصوص الذيل على الأعمّ من التفصيليّ و الاجمالي، و تكون النتيجة جواز النقض إذا لم يكن حين الشكّ اليقين التفصيلي باقيا، و معناه عدم جواز الاستصحاب في مثل المورد؛ لأنّه على هذا يكون نقض اليقين باليقين، لا بالشّكّ.

و إمّا من حمل اليقين في الذيل على خصوص التفصيليّ، و حمل الصدر على الأعمّ من التفصيليّ و الاجماليّ؛ و تكون النتيجة اجراء الاستصحاب في المورد في كلّ من الشيئين، فيجري استصحاب النجاسة في كلّ من الشيئين، أو استصحاب الوجوب في كلّ منهما في المثال الثاني؛ لأنّ عدم ترتيب آثار اليقين السابق يكون نقض اليقين بالشّكّ، لا باليقين؛ لعدم اليقين التفصيلي على خلاف الحالة السابقة؛ لأنّ المراد باليقين في الذيل على هذا الفرض هو خصوص التفصيلي من اليقين.

إذا عرفت وقوع التناقض بين

الصدر و الذيل و لأبديّة التصرّف في أحد هما، يكون المتعيّن التصرّف في الصدر، لكون الذيل أظهر في العموم (لكون اليقين في الذيل نكرة، و بعد عدم كون يقين خاصّ مذكورا في القضيّة لا بدّ من حمله على العموم، بخلاف الصدر؛ فإنّه يمكن أن يكون اليقين هو اليقين الخاصّ و هو التفصيليّ).

فتكون الثمرة عدم جريان الاستصحاب في المورد؛ لأنّ الصدر هو اليقين التفصيليّ. و قد ذهب بالعلم الاجمالي بطهارة أحد هما الغير المعين في المثال الأوّل أو حلّيّته في المثال الثاني.

و لا يكون عدم الأخذ باليقين السابق من نقض اليقين بالشكّ. بل هو من نقض اليقين باليقين للعلم الاجمالي بالنقض في أحد الطرفين. و اليقين في الذيل على الفرض هو اليقين الأعمّ من التفصيليّ و الإجمالي.

ثمّ أنّه بعد كون بعض الروايات الواردة في الاستصحاب مذيّلة بذيل و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 164

قوله عليه السّلام: «و لكن تنقضه بيقين آخر»، أو قريب من هذه العبارة، يقال: بأنّه يحمل سائر الروايات الّتي لم يكن فيها هذا الذيل بما قلنا أي خصوص اليقين التفصيليّ بقرينة السياق، ففيما يكون العلم الاجماليّ بنقض الحالة السابقة لا مجال للاستصحاب لعدم شمول «لا تنقض اليقين بالشكّ» له.

ثمّ أنّه أورد على كلام الشيخ رحمه اللّه تارة بأنّ الذيل و هو وجوب النقض باليقين ليس حكما شرعيّا بل هو حكم عقليّ؛ لأنّ اليقين حجّة عقلا لا يناله يد الجعل، به لا اثباتا و لا نفيا. و بعد كونه حكم العقل و لم يكن حكم الشرع فلا يقع تناقض بين الصدر و الذيل، و حكم العقل بنقض اليقين باليقين لا يقتضي إلّا عدم امكان الحكم ببقاء ما علم اجمالا

طهارته، لا عدم جواز الحكم ببقاء كلّ من الطرفين، و استصحاب نجاستهما.

نعم، لو كان للعلم الاجمالي أثر عمليّ لزوميّ يوجب اجراء الاستصحاب في الأطراف مخالفة هذا الأمر اللّزوميّ، فلا مجال للاستصحاب في الاطراف.

و ثارة بأنّه على فرض الالتزام في رواية زرارة بالتصرّف في الصدر أو الذيل لرفع التناقض، و لهذا نلتزم بالتصرّف في الصدر، نقول: إنّ بعض الروايات الواردة في الاستصحاب الّذي لم يكن له هذا الذيل، لا مانع من الأخذ بعمومه. و انّه لا ينقض اليقين سواء كان تفصيليّا أو اجماليّا بالشكّ؛ فتكون النتيجة اجراء الاستصحاب في كلّ من الشيئين فيما نحن فيه.

و بعبارة أخرى: اجمال رواية زرارة من حيث انّ الصدر له العموم أو ذيلها لا يوجب الاجمال في سائر الروايات.

و فيه: انّه ما قيل من عدم لزوم التناقض بين صدر الرواية و ذيلها لعدم كون الذيل حكما شرعيّا، بل هو حكم العقل، لا يوجب رفع التناقض؛ لأنّ حكم العقل على هذا يكون بنقض اليقين باليقين. و بعبارة أخرى: الأخذ باليقين، و مقتضى ذلك ترتيب أثر اليقين السابق ما لم يتيقّن بالخلاف، و مع اليقين بالخلاف يعمل به، فحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 165

الشارع بالبقاء و التعبّد به مع اليقين بالخلاف حكم على خلاف اليقين. و الحال انّه لا يمكن الجعل على خلاف اليقين، كما لا يمكن الجعل على وفقه، كما عرفت في مبحث القطع في الاصول؛ فلا يمكن الجمع بين عموم الصدر و عموم الذيل، فلا بدّ من التصرّف إمّا في الصدر أو في الذيل كما قاله الشيخ الانصاري رحمه اللّه. و بعد لأبديّة التصرّف يتصرّف في الصدر كما عرفت. مضافا إلى أنّه مع اليقين بالنقض في

أحد الطرفين و معناه العلم بطهارة أحد هما كيف يمكن التعبّد بنجاستهما من ناحية الشارع؟!

و أمّا ما قيل من ان التعارض بين الصدر و الذيل، و لو فرض اجمال رواية زرارة يكفي لنا باقي الاخبار.

ففيه: انّه على ما عرفت لا يوجب التعارض اجمال الرواية، بل نجمع بين الصدر و الذيل بالتصرّف في الصدر كما هو الدأب بالجمع بين النصّ و الظاهر، و الظاهر و الأظهر فلا يوجب اجمال في رواية زرارة و بعد عدم اجمال فيها، لا بدّ من حمل ساير الروايات على ما حمل عليه رواية زرارة لكون سياقهما واحدا.

مضافا إلى انّه لو فرض اجمال رواية زرارة أو لم يكن لها الذيل، و كان كلّ الروايات الواردة مقتصرة على الصدر، فنقول: انّ مفاد الصدر هو عدم وجوب نقض اليقين بالشكّ، فإذا علم بنقض اليقين السابق في أحد هما، ففي كلّ منهما يحتمل أن لا يكون النقض من نقض اليقين. بالشكّ؛ بل يكون باليقين فيكون المورد من موارد الشبهات المصداقيّة لهذا العام. أي لا تنقض اليقين بالشكّ، فلا مجال للتمسّك بالعموم في المورد؛ فلا يشمل العموم واحدا من الطرفين. فتكون النتيجة عدم اجراء الاستصحاب في هذين الشيئين فافهم.

فلا يجري استصحاب النجاسة في الشيئين إذا علم بطهارة أحد هما الغير المعيّن، أو قامت البيّنة على طهارة أحدهما الغير المعيّن. و على هذا لا يكون ملاقى أحدهما نجسا. نعم، إذا لاقى شي ء مع كلّ منهما مع الرطوبة المسريّة يوجب تنجّس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 166

هذا الشي ء.

الصورة الثانية: إذا قامت البيّنة على نجاسة أحدهما المعيّن ثمّ اشتبه عنده،

أو طهّر أحد هما المعيّن ثمّ اشتبه عليه، لا اشكال في عدم مجال للحكم بنجاسة كلّ منهما تمسّكا بالاستصحاب، لأنّه بعد ما يكون المعلوم طهارة أحد

هما فهو لا يعلم بأنّ هذا المعيّن هو النجس أو ذاك المعيّن يكون نجسا حتى يتصوّر الشكّ في بقائه على النجاسة حتّى يستصحب نجاسته، و ما يعلم بنجاسته هو أحد هما الغير المعيّن و هو بوصف كونه غير المعيّن يعلم ببقائه على النجاسة، و لا يكون شاكّا في بقائه على النجاسة حتّى يستصحب، فأحد هما الغير المعيّن معلوم النجاسة و لا شكّ فيه، و أحد هما المعيّن لا يدري أنّه هو النجس حتّى يستصحب نجاسته، فلا مجال لاستصحاب نجاستهما، فلا يحكم بنجاسة كلّ منهما بالاستصحاب، فما قاله المؤلف رحمه اللّه لا يتمّ عندنا.

نعم، إن كانا ثوبين و كرّر الصّلاة فيهما صحّت صلاته؛ لأنّه قلنا: الحقّ الاكتفاء بالموافقة الاجماليّة حتّى مع التمكّن عن الموافقة التفصيليّة.

***

[مسأله 3: إذا شكّ بعد التطهير و علمه بالطهارة في أنّه هل أزال العين أم لا؟]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 3: إذا شكّ بعد التطهير و علمه بالطهارة في أنّه هل أزال العين أم لا؟ أو أنّه طهّره على الوجه الشرعي أم لا؟

يبنى على الطهارة، إلّا أن يرى فيه عين النجاسة. و لو رأى فيه نجاسة و شكّ في أنّها هي السابقة أو أخرى طارئه بنى على أنّها طارئه.

(1)

أقول: للمسألة صور:

الصورة الأولى: إذا شكّ بعد التطهير و علمه بالطهارة،

في أنّه هل زال العين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 167

أم لا؟ فهل يقال يبنى على الطهارة مطلقا، أو على النجاسة مطلقا، أو الطهارة إذا كان يحتمل توجّهه بوجود العين و يحتمل ازالتها حين التطهير، و النجاسة إذا لم يكن متوجّها بوجود العين أو لو كان متوجّها يعلم بكونه غافلا عنه حين التطهير.

أقول: إن قلنا بأنّ اصالة الصحّة، و بعبارة أخرى قاعدة الفراغ تجري فيما يكون المكلّف محتملا ذكره حال الفعل باعتبار ما في بعض الأخبار من قوله: «لأنّه حين العمل اذكر»، لا بدّ أن يقال بالاحتمال الثالث، و هو التفصيل بين ما يحتمل توجّهه و ازالتها، و بين ما لا يحتمل ذلك، و إلّا لا بدّ من الالتزام بالاحتمال الأوّل لأصالة الصحّة، و لا وجه للاحتمال الثاني و لا يبعد كون الوجه الوجيه هو الاحتمال الثالث.

الصورة الثانية: إذا شكّ في أنّه طهّره على الوجه الشرعي أم لا،

فلا اشكال في البناء على الطهارة؛ لأنّه بعد كون البناء على التطهير الشرعي، فيحكم بذلك بمقتضى اصالة الصحّة.

الصورة الثالثة: ما إذا رأى نجاسة فيما طهّره و لا يدري انها السابقة، أو نجاسة طارئه،

يبنى على كونها طارئه؛ لأنّ هذا الشكّ لا يوجب رفع اليد عن اصالة الصحّة في فعله، و هو على الفرض طهّر النجاسة السابقة.

***

[مسئلة 4: إذا علم بنجاسة شي ء و شكّ في أنّ لها عينا أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا علم بنجاسة شي ء و شكّ في أنّ لها عينا أم لا، له أن يبنى على عدم العين، فلا يلزم الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على تقدير وجودها، و إن كان أحوط.

(1)

أقول: وجوب الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على فرض وجودها إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 168

من باب ارتفاع أثر يترتّب على نفس العين، لأنّ وجود العين مانع عن طهر المحلّ، فيمكن البناء على عدمها باستصحاب عدمها؛ و إن كان من باب ارتفاع أثر يترتّب عليه للمحل المحتمل وجود العين فيه، لأنّه ان كانت العين في المحلّ، لا يصل الماء بالمحلّ، فاستصحاب عدم العين لا يثبت وصول الماء بالمحلّ و طهارته، فإذا الاقوى الغسل بمقدار يعلم بزوال العين إن كانت فرضا موجودا.

***

[مسئلة 5: الوسواسيّ يرجع في التطهير إلى المتعارف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الوسواسيّ يرجع في التطهير إلى المتعارف، و لا يلزم أن يحصل له العلم بزوال النجاسة.

(1)

أقول: بعد ما عرفت في فصل طريق ثبوت النجاسة عدم اعتبار علم الوسواسي في النجاسة، و بعد ما نعلم بعدم سقوط التكليف عنه، لا بدّ من ارجاعه في التطهير إلى المتعارف، فإن كان المتعارف زوال النجاسة يكتفي به، و ان لم يعلم هو بزوالها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 169

فصل: في حكم الأواني

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 171

قوله رحمه اللّه

فصل في حكم الأواني مسئلة: لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين، أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة، من الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل، بل الاحوط عدم استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا، و كذا غير الظروف من جلد هما، بل و كذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال، فإنّ الاحوط ترك جميع الانتفاعات منهما.

و أمّا ميتة ما لا نفس له كالسمك و نحوه، فحرمة استعمال جلده غير معلوم، و إن كان أحوط؛ و كذا لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة مطلقا،

و الوضوء و الغسل منها مع العلم باطل مع الانحصار، بل مطلقا. نعم، لو صبّ الماء منها في ظرف مباح فتوضّأ أو اغتسل، صحّ، و إن كان عاصيا من جهة تصرّفه في المغصوب.

(1)

أقول: يقع الكلام في المسألة في جهات:

الجهة الأوّلى: في عدم جواز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين

أو الميتة، فيما يشترط فيه الطّهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 172

و الكلام فيها إن كان في نفس جواز استعمالها مع قطع النظر عن نجاسة ما يقع فيها لتنجّسه بها، فمن هذا الحيث هو من صغريات ما نتعرّض له في الجهة الثانية.

و إن كان من باب تنجّس ما يقع فيها من الماء أو غيره، فلا يجوز استعماله في الأكل و الشّرب بالحرمة التكليفيّة، و في الوضوء و الغسل بالحرمة الوضعيّة فيما لم يكن على وجه التشريع، و الحرمة التكليفيّة أيضا إذا كان على وجه التشريع، فهو و إن كان الاستعمال حراما، لكن يكون مرجع عدم جواز الاستعمال إلى عدم جواز هذه الأمور من الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل.

الجهة الثانية: هل يجوز مطلق الاستعمال

و لو كان في غير ما يشترط فيه الطهارة أم لا؟

أعلم: انّه قد أمضينا في المسألة 31 من المسائل المتعلّقة بنجاسة الميتة، و في احكام النجاسات إنّ المحرّم هو بيع الميتة و الاعيان النجسة.

و امّا الانتفاع بها و استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة جائز.

الجهة الثالثة: يجوز استعمال غير الظرف من جلد الميتة

ممّا تكون له نفس سائلة و نجس العين، لما عرفت في المسألة 31 من المسائل المتفرّعة على نجاسة الميتة، و في احكام النجاسات.

الجهة الرّابعة: يجوز مطلق الانتفاعات بنجس العين

و ميتة ما كانت له نفس سائلة، الغير المشروطة بالطهارة؛ لما عرفت في بحث الميتة، و في أحكام النجاسات.

الجهة الخامسة: هل يجوز استعمال ميتة ما لا نفس له

كالسّمك و نحوه أم لا؟

أقول: أمّا الاستعمال و الانتفاع بغير البيع فجائز؛ لعدم دليل على المنع، خصوصا بعد ما نجوّز استعمال جلد ميتة ما له نفس سائلة. و الانتفاع به في غير البيع،

فلا دليل على الحرمة فيها حتّى يدّعى اطلاقه أو عمومه لميتة ما لا نفس له.

و امّا الانتفاع بها ببيعها، قد يتوهّم عدم جواز بيع ميتة ما لا نفس له بدعوى شمول عموم النهي عن بيع الميتة، أو اطلاقه لميتة ما لا نفس له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 173

اقول: اعلم أنّ الكلام في الجواز و عدمه لا بدّ أن يكون فيما فرض وجود منفعة محلّلة معتدّ بها عند العرف، لأجزاء ميتة ما لا نفس له. و إلّا فمع عدم وجود منفعة محلّلة معتدّ بها لا اشكال في عدم جواز بيعها. و فيما فرض وجود منفعة محلّلة لها، لا بأس ببيعها؛ لعدم دليل على المنع. نعم، ربما يدّعي شمول عموم بعض ما دلّ على النّهي عن بيع الميتة أو اطلاقه لها، و هذا غير معلوم ان لم يكن معلوم العدم.

الجهة السادسة: في جواز استعمال ظروف المغصوبة و عدمه.
اشارة

اعلم. أنّ الكلام تارة يقع في حرمته التكليفيّة، و تارة في حرمته الوضعيّة.

أمّا الكلام في الحرمة التكليفيّة،

فنقول: بعد عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه و هذا من الاحكام المسلّمة الاسلاميّة، فلا اشكال في حرمة التصرّف في الشي ء المغصوب إناء كان، أو غير الاناء. و يستفاد ذلك من بعض الاخبار، فهنا تعرّض المؤلّف رحمه اللّه للإناء المغصوب، فنقول: لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة و التصرّف فيها بغير اذن صاحبها. نعم يستثنى صورة و هي ما إذا كان بعنوان التخليص مع شرائط:

الشرط الأوّل: ان يكون الماء الواقع في الإناء ملكا له؛ لأنّه لو لم يكن الماء ملكه. لا وجه لتصرّفه في ملك الغير؛ مثلا إذا كان الماء من المباحات الأوليّة لا يجوز التصرّف في الاناء بعنوان افراغ الماء و تخليصه؛ لأنّه مع كون التصرّف في الماء المباح مستلزما للتصرّف في ملك الغير، لا يجوز أخذ الماء المباح.

الثاني: ان لا يكون ايقاع الماء في الإناء بإقدام نفس المالك؛ لأنّه على هذا أفرط ما له بنفسه، فلا يجوز التصرّف في ملك الغير لإنقاذ ماله.

الثالث: ان يكون افراغه الماء عن الاناء بقصد التخليص، و امّا إذا لم يكن بقصد ذلك لا يجوز؛ لانّ تخليص ما له و هو الماء جائز. و لأخذه يجوز التصرّف في ملك الغير. و التخليص من العناوين القصديّة.

فإذا قصد صار مصداق التخليص، لعدم جواز التصرّف فى الاناء المغصوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 174

إلّا إذا كان بعنوان التخليص الجائز.

و أمّا الكلام في الحرمة الوضعية

بمعنى بطلان الوضوء أو الغسل من الاناء المغصوب فنقول بعونه تعالى:

أمّا فيما لا يكون التصرّف في الاناء بافراغ الماء عنه، حراما بالحرمة التكليفيّة، و هو صورة كون الأخذ بعنوان التخليص، فلا ينبغي الاشكال في صحّة الوضوء و الغسل من الماء و عدم الحرمة الوضعيّة؛ لأنّ البطلان فرع

حرمة التصرّف؛ و بعد عدم حرمة التصرّف لا وجه لبطلان الوضوء و الغسل.

إنّما الكلام فيما يكون التصرّف حراما بالحرمة التكليفيّة، فنقول: إنّ

للمسألة فروعا:
الفرع الأوّل: ما إذا كان الوضوء أو الغسل من الاناء المغصوب و لها صور،
اشارة

لأنّ الاغتراف تارة يكون باغتراف الماء مرّة واحدة بأن يغترف ماء الاناء قبل الوضوء، و يضعه في محلّ آخر، ثمّ يتوضّأ منه. و تارة يكون باغترافه عن الاناء تدريجا، مثلا يأخذ من ماء الإناء غرفة لوجهه، و غرفة أخرى ليده اليمنى، و غرفة ثالثة لغسل يده اليسرى في الوضوء؛ و في كلّ منهما تارة يكون ماء آخر موجودا عنده غير ما في الاناء المغصوب، و تارة لا يكون له ماء آخر، بل الماء منحصر بما في الاناء المغصوب، فللمسألة صور، نعطف عنان الكلام أوّلا إلى ما يكون الاغتراف تدريجيا و يكون له ماء آخر و نجعلها الصورة الأولى؛ لأنّها العمدة، فنقول:

الصورة الاولى: قد يتوّهم (كما فى المستمسك) عدم حرمة هذا التصرّف،

لعدم كونه استعمالا للإناء؛ لانّ حقيقة الاستعمال إعمال الشّي ء فيما يصلح له، و الإناء حيث يكون صلاحيّته لأن يصير وعاء لشي ء فاستعماله ليس إلّا وضع شي ء فيه، فإن وضع الماء في الاناء، فهو استعمال للإناء. و أمّا افراغ الماء و اغترافه من الاناء و غسل الوجه به، ليس تصرّفا و استعمالا للإناء، و انّما هو استعمال للماء، و فيه.

أوّلا: انّ الاستعمال ليس عبارة عن استعمال الشي ء في خصوص ما يصلح له،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 175

بل يدور مدار صدق العرفي و عدمه، فلو استعمل في غير ما يصلح له و صدق الاستعمال عرفا يكفى في كونه مصداق الاستعمال.

ثانيا: الميزان في الحرمة، صدق التصرّف، و لو لم يصدق الاستعمال؛ و لا اشكال في كون هذا تصرّفا.

فعلى هذا نقول بأنّه في صورة عدم انحصار الماء بما في الاناء مع فرض فعليّة التكليف بالوضوء و الغسل لوجود ماء آخر، إن كان منشأ بطلان الوضوء أو الغسل بالاغتراف التدريجي، هو أنّ هذا الوضوء و

الغسل يكون تصرّفا في المغصوب، و بعد كونه تصرّفا في المغصوب يكون منهيّا عنه، فيكون من صغريات باب اجتماع الامر و النهي، فيبطل وضوئه أو غسله مع الالتزام بالامتناع و تغليب جانب النهي؛ و كذا بناء على القول بجواز الاجتماع، لعدم كون الوضوء و الغسل في الفرض مقرّبا.

فنقول: كون الوضوء أو الغسل مع الاغتراف من الاناء المغصوب تصرّفا في الاناء، غير معلوم؛ بل معلوم العدم؛ فليس الوضوء بالحمل الشائع مصداقا للغصب حتّى يكون من صغريات الاجتماع.

و إن كان منشأ القول ببطلان الوضوء أو الغسل هو كون الاغتراف من الاناء المغصوب مقدّمة للوضوء أو الغسل، و هي محرّمة. و مع كون المقدّمة محرّمة يبطل ذو المقدّمة؛ لأنّه مع التمكّن من امتثال التكليف بالمقدّمة الغير المحرّمة يخصّص الباقي به بغير الفرد الّذي تكون مقدّمة محرمة بحكم العقل. ففي العام مع عدم الانحصار و وجود ماء آخر في غير الاناء المغصوب، لا يصحّ الامتثال بالوضوء أو الغسل الّذي يؤخذ مائه من الاناء المغصوب.

ففيه: إنّ كون المقدّمة محرّمة لا يوجب إلّا عدم الأمر بذي المقدّمة، و حيث يكون ملاك الأمر محفوظا، لو اغترف من الاناء المغصوب و توضّأ أو اغتسل، صحّ، و لا وجه لبطلانهما.

الصورة الثانية: ما إذا كان الاغتراف دفعيّا

و كان له ماء آخر مثل ما إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 176

افرغ الماء من الاناء المغصوب دفعة في محل آخر ثم توضّأ أو اغتسل منه فبعد ما قلنا في الصورة الأولى من صحّة الوضوء و الغسل و ان كان التصرف في الاناء بافراغ الماء منه محرّما ففي هذه الصورة كذلك، لعدم وجه لبطلان الوضوء إلّا للوجهين المذكورين في تلك الصورة، و قد عرفت عدم تماميّتهما بل الامر في

هذه الصورة أهون لأنّه لا يتصرّف في المغصوب في اثناء الوضوء أو الغسل لا فراغ الماء قبل الوضوء دفعة من الاناء المغصوب.

الصورة الثالثة: كون الأخذ بالاغتراف تدريجيا عن الاناء المغصوب

مع انحصار الماء الّذي يصح الوضوء أو الغسل به بهذا الماء الواقع في الإناء المغصوب ففي هذا الصّورة بعد عدم كون الوضوء أو الغسل تصرّفا في الإناء المغصوب لكون الأخذ منه بنحو الاغتراف، لا وجه لبطلان الوضوء أو لغسل بهذا الماء، إلّا أن مقدّمة الوضوء و هي الاغتراف للماء، من المغصوب تكون محرّمة، و بعد انحصار المقدّمة بالحرام كما هو مفروض الكلام لم يكن هو واجد الماء، لان الممنوع شرعا كالممنوع عقلا فليس في المقام الوضوء أو الغسل مطلوبا راسا، فلم يكن لهما في الفرض ملاك المطلوبيّة، و بعد عدم وجود الامر لكون مقدّمته محرّمة و عدم وجود ملاك للامر لعدم كون ملاك للوضوء و الغسل في ظرف عدم وجدان الماء فلو اغترف الماء و توضّأ أو اغتسل لم يصحّ كل منهما، نعم لو قيل بوجود الملاك حتّى في هذا الحال يصحّ الوضوء و الغسل.

و لكن كما يدّعى تسالم الاصحاب على عدم صحّة الوضوء و الغسل في الفرض، لم يكن ملاك للأمر بالوضوء أو الغسل في هذه الصّورة، لأنّ التكليف بهما مشروط بالقدرة، و على الفرض بعد حرمة المقدّمة يكون غير مقدور شرعا و الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، فلا أمر و لا ملاك في البين.

نعم، لو كان ملاك الأمر موجودا يمكن القول بصحّتها، امّا بالملاك، و امّا بالتّرتّب، بناء على القول بصحّة الترتّب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 177

و في قبال ذلك قد يقال: (كما في المستمسك) بالصحّة في هذه الصّورة، لو اغترف الماء من الإناء المغصوب، و توضّأ أو

اغتسل لوجود ملاك الأمر فيهما، بدعوى انّ الاحكام الأوّليّة الّتي يجعل لها البدل اضطرارا مثل الصّلاة عن قيام لمن يقدر من القيام، و لو اضطرّ يتبدّل إلى الجلوس. و هكذا لو كان واجد للماء يكون الواجب الوضوء أو الغسل؛ و لو لم يكن واجد الماء اضطرارا يتبدّل تكليفه بالتيمّم.

و في مثل الموردين لم يكن رفع التكليف الثابت بالعنوان الأوّلي من باب عدم وجود المقتضى، بل يكون لأجل وجود المانع، و هو الاضطرار.

فعلى هذا لو اغترف من الاناء المغصوب الماء و توضّأ منه و لو كان فعله حراما يستحقّ به العقاب، و لكن يصحّ وضوئه و غسله من هذا الماء، لوجود ملاك الأمر في المورد.

و فيه انّه في كلّ مورد يكون ملاك الأمر موجودا، و بعبارة اخرى يكون من قبيل التزاحم، نقول بصحّة الفعل و ان كان تعبديّا. و في كلّ مورد لا يكون الملاك موجودا، و بعبارة أخرى يكون من قبيل التعارض إذا رجّحنا أحد طرفي التعارض، لا يمكن الامتثال بطرف الآخر، لعدم وجود الملاك. هذا المطلب تمام بحسب الكبرى.

و إنّما الاشكال في الصغرى، و كون موردنا من قبيل التزاحم، وجود الملاك حتّى في صورة كون المقدّمة المنحصرة محرّمة أم لا.

و لا يخفى أنّ مجرّد كون جعل التيمّم حكما اضطراريّا أو كون الجلوس لمن لا يتمكّن من القيام حكما اضطراريّا لا يوجب وجود ملاك التكليف الاختياري حتّى في مور الاضطرار؛ لأنّه ثبوتا، كما يمكن ملاك الحكم الاختياري موجودا حتّى في حال الاضطرار.

و بعبارة أخرى: المقتضى يكون موجودا، و لم يكن رفع اليد عن الحكم الاختياري إلّا وجود المانع و هو الاضطرار،

كذلك يمكن أن يكون الاضطرار سببا لعدم وجود الملاك في مورده ثبوتا، فلا

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 178

يكون ملاك الحكم الاختياري ثبوتا في مورده، و بعد إمكان ذلك لا بدّ من كشف وجود الملاك اثباتا، و ليس لنا طريق إلى وجود الملاك في موردنا إلّا الأمر، و الأمر بالوضوء على الفرض مشروط بالقدرة، فمن أيّ طريق نكشف وجود الملاك حتّى في ظرف عدم القدرة على الماء شرعا.

فعلى هذا نقول: كما هو المتسالم عند الاصحاب على ما يحكى بانّه في صورة انحصار الماء في الاناء المغصوب، لا يصحّ الوضوء أو الغسل، لو أخذ من هذا الاناء الماء بنحو الاغتراف لعدم امر بالوضوء و الغسل على الفرض مع كون المقدّمة المنحصرة محرّمة، و عدم كشف وجود ملاك الأمر.

الصّورة الرابعة: ما إذا كان أخذ الماء بعنوان الاغتراف عن الإناء دفعة، لا تدريجيا،

و كان الماء منحصرا بما في الاناء المغصوب؛

فنقول: بناء. على عدم وجود الأمر بالوضوء و الغسل لعدم كونه مقدورا؛ لانّ بعد كون الاغتراف من الاناء المغصوب حراما، يكون الاغتراف ممنوعا، و الممنوع شرعا كالممنوع عقلا؛ و كما عرفت لم يكن ملاك الأمر أيضا لعدم كشف ملاك المحبوبيّة للوضوء و الغسل في هذا الفرض؛ فلو اغترف، و لو دفعة، و توضّأ و اغتسل، فوضوؤه و غسله باطل؛ لعدم أمر به و لا ملاك للأمر. و اما لو قلنا بوجود ملاك المحبوبية للوضوء و الغسل في هذه الصورة فوضوؤه و غسله صحيح. هذا كلّه فيما كان أخذ الماء من الاناء المغصوب بنحو الاغتراف.

الفرع الثاني: ما إذا كان الوضوء او الغسل من الاناء بنحو الارتماس،
اشارة

بأن يرتمس وجهه و يداه بقصد غسل الوضوء في الاناء المغصوب. و قد تصوّر بعض له صورتين:

الأوّلى: ان يكون الارتماس في الاناء موجبا لايجاد تموّج الماء على السطح الداخل من الإناء.

و قيل ببطلان الوضوء في هذه الصورة؛ لأنّ الوضوء تصرّف في الإناء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 179

الثانية: ان لا يوجب الارتماس تموّج الماء في السطح الداخل من الإناء.

فاستشكل في بطلان الوضوء في هذه الصورة.

أقول: فيه

إمّا أوّلا: بانّ الغرض من التفصيل، إن كان إلى انّه في صورة تموّج الماء يتصرّف في الإناء باعتبار ايجاد رمسه في الماء تموّجا يصل الماء إلى بعض اطراف الاناء، و هو تصرف و في غيره فلا.

ففيه انّه لا يمكن رمس شي ء فى ماء إلّا أن يوجب هذا الرمس وصول الماء بنقطة من الظرف و الاناء لم يكن و اصلا قبل الرمس؛ لأنّ رمس الوجه أو اليدين و غيرهما في الماء، يوجب اشغال مقدار من الظرف الواقع فيه الماء، فقهرا يصل الماء بنقطة أرفع من النقطة الّتي كان فيها، كما أنّ التموّج ليس اثره إلّا هذا؛ فلا ينفكّ الارتماس من التصرّف في الاناء، فلا يتصوّر صورة لم يكن بهذا المعنى تصرّف في الاناء.

و أمّا ثانيا: فلو فرض صورة لا يكون الارتماس موجبا لتموّج في الماء، و لكن يكون مجرّد الرمس في الماء الواقع في الاناء تصرّفا في الاناء أيضا عرفا، مثلا لو كانت الأرض مغصوبة و وضع عليها فراش، فمن يضع رجله على الفراش كما يعدّ عند العرف تصرّفا في الفراش، كذلك يعدّ تصرّفا في الأرض الواقعة عليها الفراش عرفا.

فالأقوى بطلان الوضوء و الغسل في الاناء المغصوب إذا كان بنحو الارتماس؛ لأنّه تصرّف في المغصوب، فبالحمل الشائع يكون الوضوء بالارتماس فيه، غصبا.

و التصرّف فيما لا يكون الماء منحصرا بما في الاناء، و فيما يكون منحصرا به، يبطل الوضوء؛ لعدم امر و لا ملاك للوضوء في هذه الصورة. كما عرفت في بعض الصور من الفرع الأوّل؛ لعدم كونه

واجد الماء.

الفرع الثالث: ما إذا كان الوضوء أو الغسل بصبّ الماء من الاناء المغصوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 180

على محلّ الوضوء أو الغسل. و بعبارة أخرى يكون اخذ الماء من الاناء بنحو الصبّ بموضع الوضوء أو الغسل. فهل يكون ذلك مثل الاغتراف؟ فكما قلنا بعدم كون الوضوء أو الغسل مع الاغتراف تدريجا من الاناء المغصوب موجبا لبطلان الوضوء و الغسل إذا لم يكن الماء منحصرا بما في الاناء و موجبا للبطلان إذا كان منحصرا. أو يكون الوضوء بصبّ الماء من الاناء المغصوب على مواضع الوضوء تصرّفا في المغصوب عرفا، فيكون الوضوء باطلا لعدم كونه على هذا مقرّبا. لا يبعد كونه كالاغتراف لعدم اتحاد الوضوء مع التصرّف في الاناء، بل الوضوء هو الغسل و المسح، ليس الغسل تصرّفا في المغصوب، بل معه خروج الماء من الاناء المغصوب و وقوعه على موضع الوضوء و هو الغسل الوضوئي، فيكون الصبّ من الاناء مثل الاغتراف مقدّمة للوضوء، فحكم المورد حكم استعمال الاناء باغتراف الماء منه و ان كان الاحوط الترك بهذا النحو.

***

[مسألة 1: أواني المشركين و ساير الكفّار محكومة بالطهارة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسألة 1: أواني المشركين و ساير الكفّار محكومة بالطهارة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة المسريّة بشرط ان لا تكون من الجلود، و إلّا فمحكومة بالنجاسة، إلّا إذا علم تذكية حيوانها أو علم سبق يد المسلم عليها. و كذا غير الجلود و غير الظروف، ممّا في ايديهم ممّا يحتاج إلى التذكية كاللّحم و الشحم و الألية، فانّها محكومة بالنجاسة إلّا مع العلم بالتذكية، أو سبق يد المسلم عليه، و امّا ما لا يحتاج إلى التذكية فمحكوم بالطهارة، إلّا مع العلم بالنجاسة، و لا يكفي الظنّ بملاقاتهم لها مع الرطوبة.

و المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من شحمه أو من أليته،

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 181

محكوم بعدم كونه منه فيحكم عليه بالطهارة و ان اخذ من الكافر.

(1)

أقول: يقع الكلام في مواضع:

الموضع الأوّل: في أواني المشركين و غيرهم من الكفّار.
اشارة

و الكلام فيها في موردين:

المورد الأوّل: في أوانيهم المتّخذة من غير الجلود،

فنقول: تارة يعلم بنجاستها، فلا اشكال في كونها محكومة بالنجاسة، و تارة يعلم بطهارتها، فلا اشكال في كونهما محكومة بالطهارة، و مثل العلم بالنجاسة كونها مستصحب النجاسة فيستصحب نجاستها و امّا صورة مستصحب الطهارة، فداخل في القسم الثالث.

إنّما الكلام فيما تكون مشكوكة الطهارة و النجاسة، سواء كانت حالتها السابقة الطهارة أو تكون حالتها السابقة غير معلومة.

فنقول: مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في المورد، هو الطهارة سواء كانت حالتها السابقة معلومة، هي الطهارة أو لم تكن حالتها السابقة معلومة. لأنّ فيما لا يعلم حالتها السابقة، مقتضى اصالة الطهارة طهارتها؛ و فيما كانت حالتها السابقة الطهارة و لو كان مقتضى استصحاب الطهارة، طهارتها؛ لكن حيث يكون نفس الشكّ كافيا في الحكم بالطهارة، لا حاجة إلى الاستصحاب. هذا بحسب القاعدة.

و امّا بحسب الأخبار و الدليل، فنقول تدلّ جملة من الأخبار على كونها في صورة الشكّ في نجاستها، محكومة بالطهارة؛ منها: ما رواها معاوية بن عمّار، «قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابريّة، يعملها المجوس؛ و هم أخباث، و هم يشربون الخمر، و نسائهم على تلك الحال؛ ألبسها و أغسلها و اصلّي فيها؟ قال: نعم.

قال معاوية: فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له ازرارا و رداء من السابري، ثمّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 182

بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النّهار، فكأنّه عرف ما اريد، فخرج بها إلى الجمعة» «1».

و منها ما رواها المعلّى بن خنيس، «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس بالصّلاة في الثياب التي يعملها المجوس و النصارى و اليهود» «2».

و منها ما رواها أبو عليّ

البزّاز عن أبيه، «قال: سألت جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب، اصلّي فيه قبل ان يغسل؟ قال: لا بأس؛ و إن يغسل أحبّ إليّ» «3».

و منها ما رواها «أبو جميلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سأله عن ثوب المجوس البسه و اصلّي فيه؟ قال: نعم. قلت: يشربون الخمر! قال: نعم، نحن نشتري الثياب السابريّة، فنلبسها و لا نغسلها» «4».

و غير ذلك لا حاجة إلى ذكرها.

و هذه الأخبار تدلّ على محكوميّة ما كانت تحت يدهم من الثياب، بالطهارة، مع عدم معلوميّة حالته السابقة.

و هنا رواية تدلّ على كون الثياب محكوما بالطهارة باعتبار كون الحالة السابقة، فيه الطهارة، و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان، (قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر: إنّي اعير الذمّي ثوبي، و انا اعلم أنّه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير، فيردّ عليّ، فاغسله قبل ان اصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ فيه، و لا تغسل من أجل ذلك، فانّك أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن انّه نجّسه، فلا بأس ان تصلّي فيه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 73 من ابواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 5 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 7 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 183

حتى تستيقن انّه نجّسه» «1».

و هذه الرواية و إن كانت دالّة على كون وجه طهارة الثوب كون حالته السابقة، الطهارة، لكن لا يستفاد منها عدم محكوميّته بالطهارة فيما لم يعلم حالته السابقة، فلا تعارض

الروايات السابقة مع اصالة الطهارة.

و بعد دلالة هذه الاخبار على كون الثياب الواقع تحت يد الكفار محكوما بالطهارة. نقول في أوانيهم أيضا، لعدم الفرق بين الثوب و الآنية، خصوصا مع كون منشأ الاشكال و الشّبهة نجاستهم و كونهم مبتلين بملاقات النجاسات من الخمر و غيره.

و في قبال ذلك بعض الروايات يكون بظاهره معارضا مع الاخبار المذكورة.

و هذا البعض «إمّا وارد في الثياب» كالرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان «قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعير ثوبه لمن يعلم انّه يأكل الجرى و يشرب الخمر، فيرده أ يصلّى فيه قبل أن يغسله، قال؟ لا يصلّي فيه حتّى يغسله» «2».

فنقول فيها بأنّها مع معارضتها مع رواية اخرى من عبد اللّه بن سنان ذكرناها لك فهما إمّا رواية واحدة، و اختلاف النقل حصل من الناقلين؛ و امّا روايتان متعارضتان، غاية الأمر عدم امكان الأخذ بروايتي عبد اللّه بن سنان، و لكن يكفي لنا سائر الروايات الدالّة على عدم نجاسة الثياب الواقع تحت يد الكفّار، بل لو فرض انّه لم يكن لعبد اللّه بن سنان إلّا هذه الرواية، فهي ليست إلّا ظاهرة في وجوب الغسل. و بعد نصوصيّة الأخبار الأخرى على محكوميّة الثياب الّذي تحت ايديهم بالطهارة و عدم وجوب غسله مع الشكّ في طهارته و نجاسته، لا بدّ من حمل الظاهر على النصّ، فتكون النتيجة كونه طاهرا و استحباب غسله لا وجوبه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 74 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 74 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 184

و إمّا «وارد في خصوص آنيتهم» كالرواية الّتي رواها محمّد بن مسلم، «قال:

سألت

أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذّمّة و المجوس؟ فقال: لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الّذي يطبخون، و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» «1».

و الرواية الّتي رواها إسماعيل بن جابر «قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تأكل ذبائحهم، و لا تأكل في آنيتهم. يعني أهل الكتاب» «2».

إذا عرفت ذلك نقول: انّ الروايتين إن كانتا دالّتين على حرمة الأكل و الشرب من آنية الكفّار، حتّى فيما لا يعلم نجاستها، فلا يمكن التعويل عليهما؛ لأنّهما من هذا الحيث تكونا ممّا أعرض عنه الاصحاب، لعدم نقل وجود مخالف في الحكم بالطهارة، إلّا ما حكي عن خلاف الشيخ رحمه اللّه مع توجيه كلامه، بأنّ نظره ليس إلى نجاستها الظاهريّة في صورة الشكّ. و لكن لو حملنا على صورة العلم بنجاسة آنيتهم، كما لا يبعد من ظاهر الروايتين، لا تعارض بينهما و بين الأخبار الدالّة على طهارة ما تحت ايديهم، إذا كان مشكوك النجاسة، فإذا الأقوى طهارة أواني المشركين، إذا لم تكن متّخذة من الجلود، و كانت مشكوكة الطهارة و النجاسة.

المورد الثاني: ما إذا كانت أوانيهم متّخذة من الجلود،

فلا إشكال في كونها محكومة بالنجاسة؛ لأصالة عدم التذكية، إلّا إذا علم تذكية حيوانها، أو علم سبق يد المسلم عليها؛ لكونها إمارة على التذكية بشرط معاملته معه معاملة المذكّى، كما بيّنّا في المسألة الثالثة من المسائل المتعلّقة بنجاسة الميتة.

الموضع الثاني: في ما بأيدي المشركين و الكفّار غير الآنية،

و هو تارة ممّا لا يحتاج إلى التذكية، فحكمه حكم المورد الاول من المسألة الاولى، و تارة مما يحتاج الى التزكية، كاللحم و الشحم و الإلية، فحكمه حكم المورد الثاني من المسألة الأولى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 72 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 72 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 185

من كونه محكوما بالنجاسة، إلّا إذا اعلم تذكية حيوانها، أو علم سبق يد المسلم عليه و معاملة هذا المسلم معه معاملة المذكّى.

الموضع الثالث: في المشكوك كونه طاهرا أو نجسا

إذا كان تحت يد الكفّار من الأواني و غيرها، فيما لا يكون متّخذا من الجلود الّذي قلنا بكونه محكوما بالطهارة. هل يعتبر الظنّ بملاقات الكافر معه مع الرطوبة فيحكم بنجاسة مظنون الملاقاة أولا؟

أقول: لا دليل على اعتبار هذا الظنّ، فلا يحكم بنجاسته حتّى مع حصول الظنّ بملاقاة الكافر معه مع الرطوبة.

الموضع الرابع: المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من شحمه،

أو من أليته و إن أخذ من الكافر، يحكم بطهارته لأصالة الطهارة مع عدم وجود الحالة السابقة على خلاف ذلك.

إنّما الكلام في أنّه هل يحكم بعدم كون المشكوك من الجلود أو من شحم الحيوان أو من أليته، مضافا إلى الحكم بطهارته أم لا؟ و بعبارة أخرى هل يكون أصل ينفي كون الموضوع المشكوك من غير جلد الحيوان و شحمه و أليته كما هو ظاهر كلام المؤلّف رحمه اللّه أو لا؟

أقول: ليس اصل في البين يحكم ببركته بعدم كون المشكوك من غير جلد الحيوان أو شحمه أو أليته موضوعا. نعم كما عرفت يحكم بطهارته، و لو لم يكن موضوعه معلوما. فافهم.

***

[مسئلة 2: يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها، و إن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف الغير المطلّى بالقير أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 186

نحوه؛ و لا يضرّ نجاسة باطنها بعد تطهير ظاهرها، داخلا و خارجا، بل داخلا فقط. نعم، يكره استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلّا إذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضا.

(1)

أقول: و استدل عليه ببعض الروايات، منها: «ما رواها عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الدّن يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس و عن الابريق و غيره يكون فيه خمر أو يصلح ان يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل، فلا بأس. و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال: تغسله ثلاث مرات. و سئل أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال:

لا يجزيه، حتّى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرّات» «1».

«و منها ما

رواها حفص الأعور، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الدّن يكون فيه الخمر، ثمّ يجفّف، فيجعل فيه الخلّ؟ قال: نعم» «2».

بناء على حملها على صورة غسل الدّن قبل أن يجعل فيه الخلّ، بقرينة ما يدلّ على جواز الاستعمال بعد غسل الإناء؛ و إلّا لا يمكن العمل بظاهرها من جواز الاستعمال حتّى قبل الغسل، لعدم عامل به في هذه الصورة.

«و منها ما رواها حفص الأعور (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إنّي آخذ الرّكوة فيقال: انّه إذا جعل فيها الخمر و غسلت ثمّ جعل فيها البختج كان أطيب له، فنأخذ الزّكاة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثمّ نصبّه فنجعل فيها البختج، قال: لا بأس به» «3».

تدلّ هذه الروايات على جواز استعمال أواني الخمر بعد غسلها و يظهر من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 51 من أبواب الأشربة المحرّمة من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 30 من أبواب الأشربة المحرّمة من «ل».

(3) الرواية 3 من الباب 30 من أبواب الأشربة المحرّمة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 187

إطلاقها عدم الفرق في جواز الاستعمال بين ما تكون الآنية و الظرف صلبة، مثل ما إذا كان من نحاس أو رصاص أو زجاج، و بين ما يكون جنسها رخوا لا تمنع عن نفوذ الماء في باطنها مثل ما إذا كانت من الخشب أو القرع أو الخزف، و هذا هو المشهور؛ بل في صلبها يدّعى الاجماع على جواز استعمالها بعد غسلها.

و في قبال ذلك، حكي عن نهاية الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر، عدم جواز استعمالها إذا كانت الآنية أو الظروف مأخوذة من الأشياء الرخوة.

و ما يمكن أن يستدلّ به وجهان:

الوجه الأول: بعض الروايات:

الأولى: الرواية الّتي رواها محمّد

بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «قال: سألته عن نبيذ قد سكن غليانه إلى أن قال: و سألته عن الظروف؟ فقال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الدبا و المزفّت، و زدتم انتم الحنتم يعني الفخار «1» و المزفّت يعني الزفت الّذي يكون في الزقّ فيصبّ في الخوابي ليكون أجود للخمر. قال: و سألته عن الجرار «2» الخضر و الرصاص؟ فقال: لا بأس بها» «3».

الثانية: الرواية الّتي رواها أبو الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال:

نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من الدبا و المزفّت و الحنتم و النقير. قلت: و ما ذلك؟ قال الدبا القرع، و المزفّت الدنان، و الحنتم جرار خضر، و النقير خشب كان أهل الجاهليّة ينقرونها حتّى يصير لها أجواف ينبذون فيها» «4».

و فيه أمّا أوّلا: بين الروايتين التعارض؛ لأنّ مقتضى الثانية كون الحنتم ممّا نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الحال أنّ مقتضى الادلّة كونه ممّا زيد على ما نهى

______________________________

(1) الفخار: الطين اللّازب الأخضر الحر (اقرب الموارد). و قيل: انّه بالفارسيّة «كاشى».

(2) الجرار: جمع الجرّة، إناء خزف له بطن كبير و عروتان و فم واسع (اقرب الموارد).

(3) الرواية 1 من الباب 52 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 2 من الباب 52 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 188

الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و ثانيا: مقتضاهما عدم جواز استعمال ما يكون صلبا و لا ينفذ فيه الخمر و غيره و هو المزفّت، فلا يمكن العمل بهما لكونهما من هذا الحيث متعارضتين مع الروايات

المتقدّمة؛ لأنّه بعد كون المذكور في الروايتين النهي عن الظرف الصلب و هو المزفّت، و غير الصلب و هو ما يتّخذ من الخزف أو الخشب. فلو أخذ بهما لا يبقى مورد للروايات الثلاثة الدالّة على الجواز، و لا يمكن الجمع العرفي بين الطائفتين، و يقع التعارض بينهما؛ و بعد التعارض لا بدّ من تقديم الطائفة الأولى، لكونها أشهر فتوى، بل ربما تكون أشهر رواية.

و لو فرض أنّ المرجّح هو الشهرة الروائية، و لم يكن ترجيح بحسب الرواية بينهما، فامّا نقول بتساقطهما لعدم مرجّح آخر للطائفة الثانية على الأولى، فتكون النتيجة أيضا الجواز؛ لاصالة الحلّيّة. و إن قلنا بالتخيير بعد التعارض و عدم المرجّح، فأيضا يمكن الأخذ بأخبار المجوّزة، فالحكم بالجواز ممّا لا اشكال فيه.

نعم لو اغمضنا عن الاشكالين فطرح الروايتين المتمسّكة بهما على المنع، باعراض الاصحاب مع عمل الشيخ رحمه اللّه و جمع آخر مشكل. و إذا وصل الأمر بطرح الروايتين يمكن توجيههما بنحو تنافيا مع الاخبار المجوّزة. مثل ان يقال: لعلّ وجه النهي يكون من باب أنّ وقوع الخمر في هذه الأواني يوجب ان ما ينبذ فيها يصير خمرا، و لهذا نهى عنه.

الوجه الثاني: انّ للخمر حدّة و نفوذ، فيسرع نفوذه في الباطن

و لهذا لا يجوز استعمال أوانيه.

و فيه أنّ الكلام في المقام ليس إلّا من حيث وقوع الخمر في الإناء، لا من جهات أخرى. و بعبارة أخرى: ما يعتبر في تطهير الأواني و أيّ ظرف يقبل التطهير ظاهره أو باطنه، أو لا يطهر إلّا ظاهره و يبقى باطنه على النجاسة، و لو نفذت النجاسة بباطنه فهو كلام آخر، و قد مضى الكلام فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 189

انّما الكلام في انّ الظرف بعد قابليّة ظاهره و باطنه، أو

خصوص ظاهره للتطهير، هل يكون صيرورته ظرفا للخمر موجبا لعدم قابليّة تطهيره و استعماله أم لا؟ فعلى هذا الاشكال بانّ الخمر ينفذ في الباطن لا يكون الإشكال بما نحن في مقامه في المقام؛ لأنّه لو نفذ فرضا في الباطن، فتارة نقول بقابليّة تطهير الباطن فيطهر الباطن و الظاهر. و تارة لم نقل بذلك فيطهر ظاهره و ظاهر داخله بلا اشكال. فلا مورد لهذا الاشكال.

و على هذا كما قال المؤلّف رحمه اللّه لا يضرّ نجاسة باطن الأواني الّتي فيها كان الخمر للاستعمال بعد تطهير ظاهرها داخلا و خارجا، أي تطهير ظاهر خارجها و تطهير ظاهر داخلها، بل لا يجوز استعمال باطنها إذا تنجّست باطنها، و نلتزم بعدم امكان تطهير الباطن.

و أمّا وجه اختيار المؤلّف رحمه اللّه بنزاهة استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلّا اذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضا، ليس إلّا فتوى عن البعض، و هذا لا يمكن أن يصير وجها (و ان قيل بكفاية فتوى بعض الفقهاء لاستحباب شي ء (و هو محلّ الاشكال)؛ لانّ هذا البعض افتوا على عدم الجواز حتّى مع التطهير، فإن كان مكروها يكره حتى مع تطهير الباطن.

و يمكن القول بكراهة استعمال ظروف الخمر حتّى مع تطهير الباطن على ما قلنا من التوجيه في الرّوايتين. و لكنّ الكلام في تماميّة التوجيه. هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

***

[مسألة 3: يحرم استعمال أواني الذهب و الفضّة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسألة 3: يحرم استعمال أواني الذهب و الفضّة في الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات و غيرها من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 190

ساير الاستعمالات حتّى وضعها على الرفوف للتزيين، بل يحرم تزيين المساجد و المشاهد المشرّفة بها، بل يحرم اقتنائها من غير استعمال،

و يحرم بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة أيضا حرام؛ لأنّها عوض المحرّم و إذا حرّم اللّه شيئا حرّم ثمنه.

(1)

أقول: يقع الكلام في هذه المسألة في موارد:

المورد الأوّل: في حرمة استعمال اواني الذّهب و الفضّة في الأكل و الشرب

فنقول بعونه تعالى يدلّ على حرمته روايات، بعضها ما يكون واردا في خصوص استعمالها في الأكل و الشرب، و هي روايات:

الرواية الأولى: ما رواها «داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية الذّهب و الفضّة» «1».

الرواية الثانية: ما رواها «سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «2».

و قوله: «لا ينبغي» أن حمل على الكراهة، فالرواية بهذا المعنى تكون ممّا اعرضت عنها الأصحاب. و ان حمل على التحريم بقرينة ما في الروايات فيعمل بها.

الرواية الثالثة: ما رواها «محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية الذهب و الفضّة» «3».

الرواية الرابعة: ما رواها «الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد عن

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 190

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 5 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 7 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 191

آبائه عليهم السّلام في حديث المناهي، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «1».

الرواية الخامسة: ما رواها «عبد اللّه بن جعفر في قرب

الأسناد عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم نهاهم عن سبع، منها: الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «2».

الرواية السادسة: ما رواها «حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية من فضّة، و لا في آنية مفضّضة» «3».

الرواية السابعة: ما رواها «بريد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انّه كره الشرب في الفضّة، و في القدح المفضّض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض و المشطة كذلك» «4».

و بعضها واردة في النهي عن آنية الذهب و الفضّة بنحو الاطلاق، لا في خصوص الأكل و الشرب:

الرواية الأولى: ما رواها «محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن آنية الذهب و الفضّة، فكر هما. فقلت: قد روى بعض أصحابنا انّه كان لأبي الحسن عليه السّلام مرآة ملبّسة فضّة، فقال: لا، و الحمد للّه إنّما كانت لها حلقة من فضّة و هي عندي. ثم قال: انّ العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضّة من نحو ما يعمله للصبيان تكون فضّة نحوا من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن عليه السّلام فكسر» «5».

و قوله: «فكر هما» ليس المراد الكراهة المصطلحة، و ليس ظاهرا فيها، فلا ينافي مع ما دلّ على التحريم.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 11 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 1 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 2 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(5) الرواية 1 من الباب 66 من

أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 192

الرواية الثانية: ما رواها «محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه نهى عن آنية الذهب و الفضّة» «1».

الرواية الثالثة: ما رواها «موسى بن بكر، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: آنية الذهب و الفضّة متاع الّذين لا يوقنون» «2».

الرواية الرابعة: ما رواها «أحمد بن محمد البرقي في المحاسن، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره آنية الذهب و الفضّة و الآنية المفضّضة» «3».

اذا عرفت ما بيّنا لك من الروايات، يظهر لك حرمة استعمال أواني الذهب و الفضّة في الأكل و الشرب، للاخبار المصرّحة بالنّهي عن الأكل و الشرب فيها؛ و لانّ أحد الافراد المتيقّنة من استعمالها هو الأكل و الشرب، فالاخبار المطلقة المستفادة منها النهي عن آنية الذهب و الفضّة تشمل استعمالها في الاكل و الشرب و حرمته. هذا.

مضافا إلى اطباق الفتوى عليه بيننا؛ بل بين المخالفين، و لم يحك الخلاف إلّا ما حكى من موضع من «الخلاف» أنّه يكره استعمال الذهب و الفضّة، و هو مع تصريحه في موضع آخر بالتحريم، يمكن توجيه كلامه من تعبيره بالكراهة. و عن «داود» من العامّة فانّه حرّم الشرب فقط، و على كلّ حال لا إشكال في الحكم.

المورد الثاني: في حرمة استعمالها في الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات.

أقول: المشهور عدم الجواز، بل حكى عليه الاجماع، بل لم يحك التصريح بالخلاف و عدم الحرمة عن أحد. نعم، حكى عن المفيد رحمه اللّه و بعض آخر الاقتصار في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 65 من أبواب النجاسات من

«ل».

(3) الرواية 10 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 193

التحريم على الأكل و الشرب، و عدم تعرّض لغير الأكل و الشرب.

و على كلّ حال يدلّ على الحرمة. النهي الوارد في بعض النصوص و قد ذكرنا في المورد الأوّل ما يستفاد منه النهي عن آنيتهما بدون ذكر المتعلّق، أمّا بلفظ النهي مثل رواية محمد بن مسلم، و امّا بلفظ «كره» و هو أيضا إن لم يكن ظاهرا في التحريم لم يكن ظاهرا في الكراهة المصطلحة؛ لأنّ معنى «كره» يكون بالفارسيّة (ناخوش داشتن) و بإطلاقه يفيد النهي و الحرمة.

و أمّا بقوله عليه السّلام: «آنية الذهب و الفضّة متاع الّذين لا يوقنون» كما في رواية موسى بن بكر، و هي تفيد المبغوضيّة المؤكّدة اعني التحريم، فيستفاد من مجموع هذه الروايات التحريم عن آنيتهما، و بعد عدم ذكر متعلّق التحريم يدلّ على تحريم جميع الاستعمالات و من الاستعمالات الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات بها. و امّا الكلام في بطلان الوضوء و الغسل بها فيأتي ان شاء اللّه في المسألة 13.

المورد الثالث: يحرم جميع الاستعمالات كالطبخ و غيره،

فهو حرام لما قدّمنا في المورد الثاني.

المورد الرابع: يقع الكلام في تزيين المساجد بهما، أو وضعهما على الرفوف.

اعلم أنّه بعد ما لا اشكال في كون المحرم الأكل و الشرب من آنية الذهب و الفضّة كما عرفت للتصريح بذلك في بعض النصوص، يقع الكلام في غير الأكل و الشرب، مثل استعمالهما في الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات، أو استعمالهما في الطبخ و غيره. و في هذين الموردين كما عرفت أيضا نقول بعدم الجواز للإجماع المدّعى و إن لم تدلّ عليه الأخبار فرضا.

مضافا إلى ان المستفاد من الأخبار المطلقة، إمّا عدم جواز الاستعمال، و يكون الغسل و الوضوء و تطهير النجاسات و استعمالهما في الطبخ و غيره استعمالا، فهو محرّم.

و إمّا مطلق الاقتناء فيشمل أيضا هذه الموارد، فلا اشكال فيما يكون استعمالا بنظر العرف. أنّما الاشكال فيما لا يكون استعمالا بنظر العرف، مثل وضعهما على الرفوف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 194

بناء على عدم كون وضعهما على الرفوف استعمالا، أو تزيين المساجد بهما بناء على عدم كون ذلك استعمالا.

أقول: امّا الاخبار الواردة في خصوص النهي عن الأكل و الشرب فيهما، فلا اشكال في دلالتهما على عدم جواز الأكل و الشرب منهما: لكن يقع الكلام في انّ النهي عن الأكل و الشرب منهما، يكون لأجل خصوصيّة في الأكل و الشرب منهما، أو يكون من باب عدم جواز استعمالهما، أو يكون من باب عدم جواز اقتنائهما و مبغوضيّة وجود هما كلّ محتمل.

و العمدة في مبنى الحرمة و الجواز فيما نحن فيه هو الاخبار المطلقة، و فيها احتمالات:

الأوّل: أن يكون النهي عن آنية الذهب و الفضّة على اختلاف الفاظ النهي هو النهي عن خصوص الأكل و الشرب منهما، مثل الاخبار المصرّحة بالنهي عن الأكل و

الشرب منهما، بقرينة هذه الاخبار الناهية عن الأكل و الشرب فيهما، يحمل الاخبار المطلقة على الاخبار المقيدة جمعا أو من باب انّ المصداق الظاهر من المصاديق المتعلقة بآنية الذهب و الفضّة هو الأكل و الشرب. فيحمل النهي عن الآنية بخصوص الأكل و الشرب منهما، و يكون نصّ بعض الاخبار الواردة الناهية عن الأكل و الشرب منهما شاهدا على ذلك فلا يبقى للاخبار المطلقة ظهور في الاطلاق، فتكون النتيجة هي حرمة خصوص الأكل و الشرب.

و فيه انّه لا وجه لحمل الاخبار المطلقة على المقيّدة، لا من باب حمل المطلق على المقيّد، لأنّ ميزان حمل المطلق على المقيّد كشف وحدة المطلوب، فإذا كان المطلق و المقيّد موافقين في الاثبات و النفي، لا يحمل المطلق على المقيّد إلّا بعد كشف كون المطلوب فيهما واحدا، مثل «أعتق رقبة»، و «أعتق رقبة مؤمنة» فبعد ما نعلم وحدة المطلوب، و انّ المطلوب ليس إلّا عتق الرقبة الواحدة، و لا ندري انّها مطلق الرّقبة أو خصوص المؤمنة يحمل المطلق على المقيّد. و امّا فيما لا يكشف وحدة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 195

المطلوب بل يمكن مطلوبية المطلق كمطلوبيّة المقيّد: فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد، و فيما نحن فيه يكون كذلك كذلك؛ لأنّه لا مانع من كون المطلق مطلوبا كما يكون المقيّد مطلوبا آخرا، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد.

و لا من باب ما ادّعي من كون المصداق الظاهر من استعمال الآنية استعمالها في الأكل و الشرب.

امّا أوّلا: فلانّ حذف المتعلّق يفيد العموم، و ليس وجه لحمل النهي على خصوص استعمال الآنية في الأكل و الشرب، و كما يحتمل كون المراد من النهي عن الآنية هو النهي عن

الأكل و الشرب عنهما كذلك يحتمل كون النهي في بعض الاخبار عن خصوص الأكل و الشرب من باب ذكر بعض المصاديق، و كون المنشأ عن نهيهما فيها هو كون المبغوض مطلق استعمالاتها، أو حرمة الانتفاع بها؟ أو حرمة اقتنائها.

و إمّا ثانيا: فلانّ بنصّ الاخبار المطلقة مثل الرواية الثالثة منها يدلّ على عدم جواز استعمالها أو الانتفاع بها حتّى في غير الأكل و الشرب، فانّ قول ابي الحسن عليه السّلام في هذه الرواية «آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون» يدلّ على ان التمتّع و الانتفاع بها مبغوض مطلقا لا في خصوص الأكل و الشرب.

الاحتمال الثاني: ان يكون المراد عن النهي عنها. عدم جواز استعمالها؛ فكلّ فعل يكون استعمالا لها بنظر العرف يكون مورد النهي، بدعوى انّ الظاهر من النهي عن الشي ء، النهي عن استعماله.

الاحتمال الثالث: كون المراد. النهي عن الانتفاع بها، و ان لم يعدّ استعمالا لها بدعوى كون الظاهر عن النهي عنها نهيا عن الانتفاع بها.

الاحتمال الرابع: كون النهي عنها. النهي عن وجودها حدوثا و بقاء؛ لانّ هذا هو الظاهر من النهي عن الشي ء. فبعد كون المبغوض وجودها حدوثا و بقاء و اقتناءها، نهي عن الآنية، و لا معنى للنهي عن الآنية إلّا النهي عن وجودها.

و أعلم أنّه على الاحتمال الأوّل، لا يحرم إلّا الأكل و الشرب منها. و قد عرفت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 196

ضعف هذا الاحتمال.

و على الاحتمال الثاني، يكون النهي عنه النهي عن استعمالها. ففي كلّ مورد يكون استعمالا يكون منهيّا عنه.

و على هذا الاحتمال ربما يستشكل في حرمة تزيين المساجد بها، أو وضعها على الرفوف، و نظائر هما من باب الاشكال في كون ذلك

استعمالا بنظر العرف.

و قد يقال بانّ هذا الانتفاع استعمال أيضا.

و على الاحتمال الثالث يحرم حتّى تزيين المساجد بها و وضعها على الرفوف؛ لأنّ ذلك انتفاع بها. و لكن لو لم يكن الانتفاع بها في مورد، فلا يحرم مثل نفس اقتنائها.

و على الاحتمال الرابع يحرم حتّى اقتنائها. و لو لم يكن موجبا لاستعمالها، بل و لا يوجب الانتفاع بها؛ لأنّ وجودها حدوثا و بقاء مبغوض و منهيّ عنه.

إذا عرفت ذلك نقول بعد ما بيّنا من عدم وجه لحمل الروايات المطلقة على المقيّدة، و دوران الأمر بين الاحتمالات الثلاثة الباقية، نقول: لا يبعد كون أظهر الاحتمالات في حدّ ذاتها هو الاحتمال الثالث؛ لأنّ الظاهر من النهي عن الشي ء هو النهي عن وجود الشي ء إلّا إذا كان في البين قرينة على كون المراد بعض خصوصيّاته، مثلا إذا نهى عن التصوير، فلا يأتي بالنظر إلّا النهي عن ايجاده.

مضافا إلى انّه لو قلنا في ملاك الحكم فما يناسب النهي عن آنية الذهب و الفضّة هو النهي عن ايجاد هما؛ لأنّ جعل الذهب و الفضّة آنية للانتفاع بها أو اقتنائها مخالف لحكمة إيجاد الذهب و الفضّة و خلقهما (فتأمّل)

بل يمكن ان يقال بأنّ قوله عليه السّلام في الرواية الثالثة من الروايات المطلقة بانّ «آنية و الفضّة متاع الّذين لا يوقنون» يدلّ على ذلك لأنّ المتاع ما يتمتّع به من انواع التّمتعات، فالشارع لا يرضى بالتمتّع بها و ان قلنا بانّ المتاع خصوص ما ينتفع به فأيضا يمكن ان يقال بحرمة مطلق التقلبات فيها حتّى باقتنائها؛ لأنّ الاقتناء نحو من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 197

الانتفاع بنظر العرف، بل ربما لا يكون لبعض الاشياء عندهم منفعة إلّا اقتنائها،

كما ترى من وجود الاشياء التجمّلي عند بعض المترفين، و ليس منفعتها إلّا اقتنائها و تعرّف كون وجود اشياء جميلة عندهم. (فتأمّل). هذا.

ثم لو أبينا عن ذلك و لم نقل بكون الاحتمال الثالث أظهر الاحتمالات. فلا وجه لاختيار الاحتمال الأوّل من بين الاحتمالات الثلاثة، أي كون المراد عن النهي عن الآنية، النهي عن استعمالها حتّى لا يشمل النهي عن الانتفاع بها حتّى فيما لم يكن عند العرف استعمالا لها.

أمّا أوّلا: فلأنّ المحتمل كما يكون النهي عن استعمالها يكون المحتمل كون النهي عن الانتفاع بها.

و أمّا ثانيا: قوله في الرواية الثالثة «متاع الّذين لا يوقنون» المتاع كما في اللّغة هو ما ينتفع به، و على هذا لو قلنا بكون المراد النهي عن الانتفاع بها فكما بيّنا يمكن شمول الانتفاع حتّى للاقتناء. بل لو قلنا بانّ المراد خصوص الاستعمال يمكن ان يقال بانّ الاستعمال يشمل كلّ مورد يكون انتفاعا بها، مثل تزيين المساجد أو وضعها على الرفوف للتزيين.

و ما قيل من انّ حقيقة استعمال شي ء هو اعماله في ما يعدّ له و قد وضعت الآنية لاستعمالها في التظرّف بها لا غيرها.

و فيه إمّا أوّلا لو كان وضع الآنية للتظرّف بها فلم يكن الأكل و الشرب منها استعمالا لها، فلا بدّ من الالتزام بانّه في خصوص الأكل و الشرب منها يكون إعمال تعبّد آخر من ناحية الشارع، غير الملاك الّذي باعتباره نهى في الروايات المطلقة.

و الحال انّ النفس تطمئن بانّ ملاك النهي في الاخبار الخاصّة الناهية عن الأكل و الشرب منها و في الأخبار الخاصّة الناهية عن الأكل و الشرب منها و في الاخبار المطلقة واحد مسلّما. فنكشف انّ استعمال الآنية امرا أعمّا من استعماله في خصوص التظرّف

بها. فكما يشمل الاستعمال للأكل و الشرب كذلك يشمل صورة التزيين بها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 198

و أمّا ثانيا: اصل هذا المطلب أي كون حقيقة الاستعمال اعمال الشي ء في خصوص ما يعدّ له بحيث لو استعمل في غير ما يعدّ له لم يكن الاستعمال محلّ منع. فلو كانت آنية أو ظرفا معدّة لشي ء مخصوص، وضع فيها شي ء آخر، لا يعدّ استعمالها بنظر العرف أو يعدّ استعمال لها لا اشكال في عدّه استعمالا لها. فعلى هذا لا يبعد كون التزيين بها في المساجد أو غير المساجد، و وضعها على الرفوف حراما؛ لكونه استعمالا لآنية.

نعم دعوى كون الاقتناء استعمالا، مشكل.

فتلخّص ممّا مرّ انّه لا يجوز الغسل و الوضوء و تطهير النجاسات و سائر الاستعمالات في آنية الذهب و الفضّة؛ لأنّ المراد من الروايات المطلقة سواء كان مطلق النهي عن الوجود، أو مطلق الانتفاع، أو مطلق الاستعمالات، يشمل ذلك.

فيحرم.

نعم فيما لا يكون استعمالا و لا انتفاعا، بل كان مجرّد الاقتناء، نقول بعدم الجواز على الأحوط.

هذا غاية ما يمكن أن يقال بالنسبة إلى ما هو موضوع التحريم في آنية الذهب و الفضّة.

المورد الخامس: يقع الكلام في جواز بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها و عدمه.

أقول: بأنّه ان قلنا بعدم جواز اقتنائها و مبغوضيّة وجودها، فلا اشكال في عدم جواز بيعها و شرائها و صياغتها و حرمة أجرتها، لعدم وجود منفعة محلّلة لها.

و ان قلنا بجواز الانتفاع بها، و ان المحرّم استعمالها فقط، لا مطلق الانتفاع بها أو أنّ المحرّم استعمالها و الانتفاع بها، لا مجرّد اقتنائها، فيجوز بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الاجرة عليها، لوجود منفعة محلّلة معتدّة بها لها.

و حيث انّ الاقوى فعلا بالنظر هو عدم جواز مطلق الانتفاعات، بل عدم

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 199

جواز ايجادها و اقتنائها على الأحوط لو لم يكن أقوى، فلا يجوز بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها على الأحوط.

و أمّا قول المؤلّف رحمه اللّه في ذيل المسألة بعد قوله: «و يحرم بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها» (بل نفس الأجرة أيضا حرام) يكون تكرارا بحسب الظاهر؛ لأنّه يستفاد من قوله: «و اخذ الأجرة عليها» حرمة أخذ الأجرة على صياغتها، فيكون قوله: «بل نفس الأجرة أيضا حرام» يكون تكرارا، إلّا أن يوجّه كلامه بانّ نظره في قوله: «و اخذ الاجرة عليها» يكون إلى حرمة اجارة نفسه لصياغتها. و من قوله: «بل نفس الاجرة أيضا حرام» يريد أنّ الاجرة حرام، أعني مال الاجارة، فتكون العبارتان عين ما يتعرّض له بعدا في المسألة الحادي عشر، من المسائل المتعلّقة بالمسألة. و هذا توجيه لكلامه، و ان كان خلاف ظاهر عبارته.

فتأمّل.

***

[مسئلة 4: الصفر او غيره الملبّس بأحدهما يحرم استعماله]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الصفر او غيره الملبّس بأحدهما يحرم استعماله، إذا كان على وجه لو انفصل كان اناء مستقلّا. و أمّا إذا لم يكن كذلك فلا يحرم،

كما إذا كان الذهب و الفضّة قطعات منفصلات لبّس بهما الاناء من الصفر داخلا و خارجا.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الأولى: ما إذا كان الصفر او غيره ملبسا بالذهب او الفضة،

أو غيره على وجه لو انفصل كان اناء مستقلا، فيحرم استعماله؛ لأنّه آنية الذهب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 200

و الفضّة، فيدلّ على حرمتها ما دلّ على حرمته آنيتهما.

الصورة الثانية: ما إذا لم يكن كذلك.

بل كان الذهب أو الفضّة الملبّس بالصفر أو غيره قطعات منفصلات، فهل يحرم استعمالهما أم لا؟ مقتضى القاعدة عدم الحرمة؛ لعدم كون المفروض من صغريات إناء الذهب و الفضّة. نعم، حيث تكون الصورة الّتي كان الاناء ملبّسا بالفضّة و لم تكن الفضّة الملبّسة حال انفصالها من الصفر أو غيره اناء مستقلّا من اقسام المفضّض، و نتعرّض لحكمه في طي المسألة الآتية ان شاء اللّه يظهر لك حكم هذه الصورة، إذا كان الصفر أو غيره ملبّسا بالفضّة.

و امّا إذا كان ملبّسا بالذهب، و لم يكن الذهب الملبّس حال انفصاله عن الصفر أو غير اناء مستقلّا، فلا يحرم استعماله لعدم دليل على التحريم.

***

[مسئلة 5: لا بأس بالمفضّض و المطلّى و المموّه بأحدهما]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا بأس بالمفضّض و المطلّى و المموّه بأحدهما، نعم يكره استعمال المفضّض، بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضّة، بل الأحوط ذلك في المطلّى أيضا.

(1)

أقول: الكلام في موارد:

الأوّل: هل يحرم استعمال الإناء المفضّض؟

و المراد به الملبّس بالفضّة، و المراد من المفضّض في هذه المسألة هو الصورة التي لا تكون الفضّة الملبسة بغيره إناء مستقلّا لو انفصلت عن الغير؛ و إلّا لو كانت اناء مستقلا، لا اشكال في حرمتها، لكونها آنية الفضّة و لم تكن من مصاديق المفضّض.

إذا عرفت محلّ البحث، هل يحرم استعمال المفضّض أم لا؟

منشأ احتمال التحريم روايات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 201

الرواية الأولى: ما رواها «الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية من فضّة و لا في آنية مفضّضة» «1».

الرواية الثانية: ما رواها «بريد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره الشّرب في الفضّة و في القدح المفضّض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض و المشطة كذلك» «2».

بناء على كون المراد من الكراهة ما لا ينافي الحرمة.

الرواية الثالثة: ما رواها «عمرو بن أبي المقدام قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام قد أتى بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة، فرأيته ينزعها باسنانه» «3».

بدعوى دلالتها على مبغوضيّة تلبّس القدح بالفضّة، و كون القدح الملبس بعضه الفضّة ممنوع الاستعمال، و لهذا كان عليه السّلام ينزعها بأسنانه.

الرواية الرابعة: ما رواها «عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره آنية الذهب و الفضّة و الآنية المفضّضة» «4».

بناء على عدم كون المراد من الكراهة، الكراهة المصطلحة.

و في قبال تلك الأخبار، يدلّ بعض الاخبار على جواز الاستعمال:

الأولى: ما رواها

«معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضّة؟ قال: لا بأس، إلّا أن تكره الفضّة فتنزعها» «5».

الثانية: ما رواها «عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يشرب الرجل في القدح المفضّض، و اعزل فمك عن موضع الفضّة» «6».

و مقتضى الجمع بين الطائفتين هو حرمة استعمال المفضّض إذا كان بحيث لو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 6 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 10 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(5) الرواية 4 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(6) الرواية 5 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 202

انفصل عمّا يتّصل به يكون اناء مستقلا، فيحرم استعماله؛ و أمّا إذا لم يكن كذلك بل كان الذهب أو الفضّة قطعات، فلا يكون محرّم الاستعمال، للتصريح في الرواية الاولى اعني رواية معاوية بن وهب من الطائفة الثانية المتمسّكة بها على الجواز، فيما كان في القدح ضبّة من فضّة. و بها تقيّد الروايات الدالّة على تحريم المفضّض بنحو الاطلاق، كما انّه تقيّد بها الرواية الثانية من الروايتين المتمسّكة بهما على الجواز، اعني رواية عبد اللّه بن سنان الدّالّة على جواز استعمال المفضّض مطلقا على فرض اطلاق لها، مع انّه لا اطلاق لها؛ لأنّ قوله: «و اعزل فمك عن موضع الفضّة» يدلّ على كون الفضّة فيها قطعات يكون بعض الاناء خاليا منها يمكن وضع الفم عليه.

هذا كلّه على تقدير تماميّة دلالة

الروايات المتمسّكة بها على التحريم المفضّض مطلقا، حتى فيما كانت الفضّة فيها قطعات، و لا تكون اناء مستقلّا في صورة الانفصال؛ و إلّا لو كان المراد من المفضّض خصوص ما يكون الاناء بتمامه ملبّسا بها، فلا تشمل مورد بعض الاخبار المجوّزة من رأس؛ لأنّ موردين الخبرين الدالّين على الجواز هو ما يكون فيه ضبّة من فضّة. كما في الأولى منهما، و يكون له موضع يمكن وضع الفم في الاناء عليه، و لا يكون هذا الموضع فضّة، كما في الخبر الثاني منهما، فالمستفاد من الخبرين الجواز في صورة عدم كون الفضّة أو الذهب الملبّس بالاناء اناء مستقلا في صورة الانفصال.

و لكن يظهر من اقرب الموارد كون المفضّض شاملا حتى للمرصّع بالفضّة.

فتلخّص حرمة استعمال المفضّض، إذا كان بحيث تكون الفضّة الملبّسة بالاناء حال انفصالها اناء مستقلا؛ و امّا إذا لم تكن الفضّة الملبّسة حال انفصالها اناء مستقلّا، بل تكون قطعات ملبّسات بفلزّ من الفلزّات و لم يلبّس كلّها بها، بل يخلوا عنها بعض المواضع، فلا يحرم الاستعمال.

و يبقى عندي صورة اخرى، و هي ما كان شيئا من الفلزات ملبّسات بتمامها بها، و لكن مع ذلك لا تكون الفضّة الملبّسة به حال الانفصال اناء مستقلّا، فهي من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 203

المفضّض و يحرم بمقتضى الأخبار المطلقة الدالّة على تحريم المفضّض لكون موردها الاناء المفضّض، و المفروض كون الاناء مفضّضا؛ لأنّ المراد من المفضّض الملبّس بالفضّة و هو كذلك. و لا يشملها الخبرين المجوّزين للمفضّض؛ لأنّ موردهما كما ترى صورة تكون فيه قطعات من فضّة، مثلا ضبّة من فضّة و يمكن وضع الفم على غير موضع الواقع فيه الفضّة.

فتلخّص أن ما يأتي بالنظر

عاجلا ان المتصوّر صور:

الصورة الأولى: ما تكون الفضّة الملبّسة بالشي ء بتمامه أو ببعضه حين الانفصال اناء مستقلّا فلا اشكال في الحرمة؛ لأنّها اناء من الفضّة لا المفضّض.

الصورة الثانية: ما إذا لم يكن كذلك، بل يكون الملبّس بها بعض الإناء بحيث لم تكن الفضّة الملبّسة حال الانفصال اناء مستقلّا. و هذه الصورة لا يحرم استعمالها للخبرين المتقدمين الدالّين على جوازه. و قلنا بهما يقيد اطلاق ما دلّ على النهي عن المفضّض.

الصورة الثالثة: ما إذا كان اناء من الصفر أو غيره و بتمامه ملبّسا بالفضّة، و لكن لا تكون الفضّة الملبّسة به حين الانفصال اناء مستقلّا، مثل ما إذا وضعت قطعات من فضّة على اناء من الصفر و تلبّس كلّه بها. و لكن ليست هذه القطعات من الفضّة حين الانفصال اناء مستقلّا، فهو اناء مفضّض و يحرم استعماله؛ للنهي عن الاناء المفضّض و ما دلّ على جواز استعمال المفضّض و هو خبر معاوية بن وهب و عبد اللّه بن سنان لا يشمل هذا المورد؛ لأنّ موردهما لا يكون تمام الاناء مفضّضا بالفضّة؛ فلا بدّ ان يقال في المسألة 4 في فرض كون الصفر أو غيره ملبّسا بالفضّة، و لو لم تكن الفضّة الملبّسة أناء مستقلّا بعدم جواز الاستعمال إذا كان تمام اناء الصفر ملبّسا بالفضّة، و بالجواز إذا كان بعضها ملبّسا بها و لم تكن الفضّة الملبّسة حال الانفصال اناء مستقلّا.

و يقال في المسألة 5 بأنّه في المفضّض يجوز الاستعمال إذا كان بعض الاناء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 204

مفضّضا بالفضّة. و لم تكن الفضّة الواقعة عليها اناء مستقلا حال الانفصال. و إمّا إذا كان بتمامه ملبّسا بالفضّة فيحرم الاستعمال، سواء كانت الفضة

الملبّسة به حين الانفصال إناء مستقلّا، أو لم يكن كذلك لما قلنا. فتأمّل.

و ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه هو الكراهة في كلّ من الصورة الثانية و الثالثة بحمل النهي في بعض الاخبار عن المفضّض على الكراهة، بقرينة الخبرين المجوّزين. و قد عرفت مما مرّ عدم شمول الخبرين إلّا الصورة الثانية.

المورد الثاني: في كلّ مورد من الإناء المفضّض كان الاستعمال غير محرم،

نقول بكراهة الاستعمال لا لحمل النهي الوارد في المفضّض على الكراهة؛ لأنّه بعد حمل المطلقات الناهية على المقيّد بقرينة الخبرين يستفاد كون متعلّق النهي غير المقيّد الذي جوّز استعماله من المفضّض. بل لخصوص الرواية الثالثة من الروايات المتمسّكة بها على عدم جواز استعمال المفضّض مطلقا اعني رواية عمرو بن أبي المقدام، فقوله: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام قد أتى بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة فرأيته ينزعها بأسنانه» يستفاد منها كراهة استعمال القدح الّذي فيه ضبّة من فضة بعد الجمع مع الرواية الدالّة على جواز استعمال القدح الّذي فيه ضبّة من فضّة و هي رواية معاوية بن وهب حيث انّ موردها كون القدح فيه ضبّة من فضّة، و جوّز الشرب منه و قال: «الّا ان يكره الفضّة فينزعها».

المورد الثالث: يقع الكلام في أنّ القسم من المفضّض الّذي يجوز استعماله و الشرب منه هل يحرم الشرب،

و وضع الفم على الموضع الّذي ملبّس بالفضّة أم لا؟

قال المؤلّف رحمه اللّه بالتحريم؛ و وجهه ما في الرواية الثانية من الروايتين الدّالتين على جواز، و هي رواية عبد اللّه بن سنان؛ لأنّه قال فيها «و أعز فمك عن موضع الفضّة».

أقول: بناء على كون الدليل هذه الفقرة كان المناسب ان يقول المؤلّف يجب عزل الفم عن موضع الفضّة، لا أنّه يحرم الشرب منه مع وضع الفم على موضع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 205

الفضّة، لانّ وجوب عزل الفم عن موضع الفضّة لا يوجب حرمة الشرب من هذا الموضع، إلّا بناء على كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضدّه، و لم نقل به.

المورد الرابع: في حكم الاناء المطلّى و المموّه بالذهب أو الفضّة.

اعلم أن المراد منهما كما يظهر من اللّغة هو ما يكون طليه بأحدهما و بالفارسيّة «آب داده» بأحدهما. فالفرق بين المفضض و المطلّى هو انّ الفضّة فيه جسم مستقل يمكن انفصاله من الجسم الآخر، بخلاف المطلّى و المموّه. على هذا لا يكون المطلّى بأحدهما بحيث يكون حال الانفصال آنية مستقلّة، فإذا كان كذلك فلا دليل على تحريمه؛ لأنّه ليس اناء الذهب و الفضّة. و لم يكن مفضّضا كما عرفت. بل هو شي ء آخر لا دليل على تحريم استعماله. و لو شككنا في حرمة استعماله فالأصل يقتضي جواز الاستعمال؛ لأنّ مشكوك الحرمة محكوم بعدم الحرمة بحكم اصالة الطهارة.

و بعد عدم كون المطلّى و المموّه من المفضّض، فلا دليل على تحريم شرب الماء من الاناء من الموضع المطلّى بأحدهما، أو وجوب عزل الفم عن موضع الفضّة، لعدم شمول رواية عبد اللّه بن سنان للمطلي فافهم.

و يمكن كون وجه الاحتياط الّذي قال به المؤلّف رحمه اللّه في المطلّى «و ان الاحوط حرمة

الشرب من موضع الفضّة فيه أيضا» هو احتمال كون المطلّى قسما من المفضّض.

و هذا وجه الاحتياط.

***

[مسئلة 6: لا يحرم استعمال الممتزج من احدهما مع غيرهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا يحرم استعمال الممتزج من احدهما مع غيرهما إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما.

(1)

أقول: لانّ موضوع حكم التحريم آنية الذهب و الفضّة، و المدار صدق اسم الآنية الذهب و الفضة عليه، و مع عدم صدق الاسم على الممتزج من أحدهما مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 206

غيرهما وجه للتحريم.

***

[مسئلة 7: يحرم ما كان ممتزجا منهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يحرم ما كان ممتزجا منهما و إن لم يصدق عليه اسم احدهما، بل و كذا ما كان مركّبا منهما بأنّ كان قطعة منه من ذهب و قطعة منه من فضّة.

(1)

أقول: تارة يقع الكلام في الدليل اللّفظي، فلا إشكال في انّ ظواهر الادلّة كما رأيت حمل الحرمة على آنية الذهب أو الفضّة. و المفروض عدم صدق الذهب و الفضّة عليه.

و تارة يقال بأنّا بعد ما رأينا انّ الشارع نهى عن آنية الذهب، و كذلك نهى عن آنية الفضّة، نفهم أن آنية الموضوعة منهما مبغوضة عنده، فإذا صنع منهما آنية سواء كانت ممتزجة منهما أو مركبّة منهما نعلم بالحرمة مثل ما كانت من أحدهما، فلا ينبغي الاشكال في الحرمة و العجب ممّن استشكل فيه.

***

[مسئلة 8: لا بأس بغير الأواني إذا كان من احدهما كاللّوح من الذهب أو الفضّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا بأس بغير الأواني إذا كان من احدهما كاللّوح من الذهب أو الفضّة، و الحلى كالخلخال و ان كان مجوّفا، بل و غلاف السيف و السّكين و إمامة الشطب، بل و مثل القنديل و كذا نقش الكتب و السقوف و الجدران بهما.

(2)

أقول: بعد كون التحريم ثابتا لآنية الذهب و الفضّة، و عدم وجود دليل على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 207

حرمة غير الآنية. يكون مقتضى القاعدة جواز الاستعمال.

مضافا إلى دلالة بعض الروايات على الجواز: مثل ما رواها «منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض؟ فقال: نعم إذا كان في جلد أو فضّة أو قصبة حديد» «1».

و ما رواها صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ذي الفقار، سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم؟ فقال: نزل

به جبرئيل عليه السّلام من السماء و كان حلقته فضّة» «2».

و ما رواها يحيى بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذات الفضول لها حلقتان من ورق في مقدّمها، و حلقتان من ورق في مؤخّرها. و قال: لبسها علي عليه السّلام يوم الجمل» «3».

و غير ذلك يستفاد منها عدم البأس بهذه الاشياء، نعم في قبال ذلك بعض الروايات يتوهّم دلالته على المنع، كرواية رواها الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السرير فيه الذهب أ يصلح امساكه في البيت؟ فقال ان كان ذهبا، فلا و إن كان ماء الذهب فلا بأس» «4».

و ما رواها عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن المرأة هل يصلح امساكها إذا كان لها حلقة فضّة؟ قال: نعم إنّما كرة استعمال ما يشرب به. قال: و سألته عن السّرج و اللّجام فيه الفضّة أ يركب به؟ قال: ان كان مموّها لا يقدر على نزعه منه، فلا بأس. و إلّا فلا يركب به» «5».

اعلم انّ قوله: «و سألته» رواية مستقلّة ذكرها صاحب الوسائل بعد الأولى، و لو فرض كونها رواية واحدة، يكون الصدر شاهدا على كون الذيل محمولا على

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 4 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 1 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(5) الرواية 5 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 208

الكراهة كما انّ الأمر هكذا و لو كانتا روايتين.

و ما رواها محمّد: بن اسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام- عن آنية الذّهب و الفضّة فكرههما، فقلت: قد روى بعض أصحابنا أنّه كان لأبي الحسن عليه السّلام مرآة ملبّسة فضّة، فقال: لا و الحمد للّه إنّما كانت لها حلقة من فضّة و هي عندي، ثم قال: إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس من فضّة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضّة نحوا من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن عليه السّلام فكسر) «1».

بدعوى دلالة هذه الاخبار الثلاثة على تحريم ما يعمل من الذهب أو الفضّة حتّى غير الآنية منهما.

أقول: امّا أوّلا، فلانّ الروايات المتمسّكة بها على عدم جواز الاستعمال ليس لأوّلها و آخرها ظهور في الحرمة؛ لأنّ مقتضى الاولى إنّه لا يصلح ان كان ذهبا.

و لفظ لا يصلح يناسب الكراهة كما ترى في غالب موارد استعماله. و الثالثة لا تدلّ إلّا على كسر القضيب الملبّس بالفضّة. و ليس ذلك إلّا نقل فعل عن المعصوم قابلا لانّ يكون ذلك من باب حرمة استعماله، و قابلا لان يكون من باب كون استعماله مكروها. فلا ظهور لها في حرمة الاستعمال.

و ثانيا: نقول تارة يتوهّم انّ لخصوص المذكورات في الروايات المتقدّمة جوازا و منعا خصوصيّة، مثلا لحلقة السيف أو جلد التعويذ أو السّرج و اللجام الّذي فيه الفضّة أو القضيب الملبّس بالفضّة. فلا يكون دليل على المنع إلّا في خصوص السرج و اللّجام الّذي فيه الفضّة، لعدم ظهور غير هذه الرواية المتعرّضة لها ظهور في النهي كما قلت. و لكن نفس الاحتمال بعيد لعدم خصوصيّة لهذه الامور. و لهذا لو لم يجز لم يجز

حتّى غير المذكورات في الروايات الناهية، و لو جاز حتّى في غير المذكورات في الروايات المجوّزة.

و تارة يقال بعدم خصوصيّة للمذكورات، كما هو الحقّ. فبعد جواز بعض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 209

الامور الواردة في الاخبار الدالّة على جواز استعمالهما في غير الآنية، فيحمل النهي في الاخبار المانعة على تقدير ظهورها في حدّ ذاتها في الحرمة على الكراهة، بقرينة الاخبار المجوّزة.

و ثالثا: انّ قوله عليه السّلام في رواية عليّ بن جعفر عليهما السّلام بعد تجويز إمساك المرآة إذا كانت لها حلقة فضّة «انّما يكره استعمال ما يشرب به» نفهم انّ الحرمة مخصوصة بالآنية منهما لا غيرها. هذا كلّه بالنّسبة إلى حكم المسألة بنحو الكلّى، و انّه لا يحرم استعمال غير الآنية منهما.

و امّا الكلام في كون ما ذكر مصداقا لغير الآنية في كلام المؤلف رحمه اللّه مثل غلاف السيف و السكّين و أمامة الشطب، فيظهر حكمه في المسألة الآتية كونه من الآنية أم لا. ان شاء اللّه ..

***

[مسئلة 9: الظاهر ان المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكاس و الكوز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: الظاهر ان المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكاس و الكوز و الصيني و القدر و السماور و الفنجان و ما يطبخ فيه القهوة و امثال ذلك مثل كوز القليان بلو المصفاة و المشقاب و النعلبكى دون مطلق ما يكون ظرفا، فشمولها لمثل رأس القليان و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة و ظرف الغالية و الكحل و العنبر و المعجون و الترياك و نحو ذلك غير معلوم و ان كانت ظرفا اذا الموجود فى الاخبار لفظ الآنية و كونها مرادفا للظرف

غير معلوم، بل معلوم العدم و ان كان الاحوط فى جملة من المذكورات الاجتناب، نعم لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ، إذا كان من الفضّة بل الذهب أيضا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 210

و بالجملة فالمناط صدق الآنية و مع الشك فيه محكوم بالبراءة.

(1)

أقول: اعلم انه بعد ما كان موضوع التحرى هو الآنية فالحكم يدور مدار هذا الموضوع، فكل ما يكون مصداق الاناء يكون محرّما، و ما لا يكون مصداقه لا يكون محرّما واقعا، و إذا شك في مورد في انه مصداق له أو لا يحكم بحلية استعماله لأصالة الحلية:

إنما الاشكال في تنقيح ما هو المراد من الآنية و حيث ان المستفاد من كلام بعض أهل اللغة من كون الآنية مرادفة مع الظرف، أو كونها مرادفة مع الوعاء، أو مطلق آلة يعمل معها عمل و لو لم تكن ظرفا و لا وعاء حتى المنشار كما حكى عن بعض أهل اللغة، لا يمكن التعويل عليه، لدعوى التسليم في كلماتهم بان الآنية أضيق دائرة من الظرف و الوعاء، فيكون بعض الأشياء مصداقا للظرف أو يطلق عليه الظرف أو يطلق عليه الوعاء، و لكن ليس آنية، و خصوصا مع اختلاف اللغويين في موضوعها، فما يمكن أن يقال، هو ان الآنية ظرف و وعاء خاص، و لهذا ترى انه يدعي كون بعض الاشياء آنية مسلّما و بعضها لم تكن آنية و بعضها كان مصداقيته لها محل اشكال، و لهذا حكموا بتحريم استعماله على سبيل الاحتياط.

إذا عرفت ذلك، نقول، بانه لا اشكال بعد ما عرفت من عدم امكان الاعتماد في موضوع الآنية بقول أهل اللغة، و ما نرى من انه يقال في بعض الكلمات بان الآنية فعلا

تكون غير مستعمل عند العرف، إلّا نادرا، فلا يمكن تشخيص موضوعها من محاوراتهم.

فنقول، انه لا اشكال في صدق الآنية على الكأس و الكوز و القدر، و ما يتعارف استعماله في الأكل و الشرب منه مسلما كالفنجان بل و السماور و المشقاب و النعلبكي و المصفاة و ما يطبخ فيه القهوة. و حيث ان المتيقن من موضوعها هو الظرف الخاص لا مطلق الظرف و الوعاء، فيكون شمولها لمثل كوز الغليان، ظرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 211

الغالية و الكحل و العنبر و المعجون و الترياك و امثالها مورد الاشكال، و الاحوط الاجتناب عنها، و يكون شمولها لمثل رأس الغليان و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة مشكلا.

ان قلت، ان الرواية السابعة من الروايات المتقدّمة المذكورة في الفضة الذي كون مورد البحث و هي ما رواها بريد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كره الشرب في الفضة و في القدح المفضّض و كذلك ان يدهن في مدهن مفضّض و المشطة كذلك) تدل بالاولوية على حرمة مدهن المتخذ من الفضّة أو الذّهب و كذلك المشطة المتّخذة منهما.

قلت أوّلا: كون الرواية دالة على الحرمة محل الاشكال في موردها بل لا بد من حملها على مطلق المرجوحية حتى لا ينافي مع الكراهة المصطلحة في المفضّضة مطلقا، أو لا أقل في بعض أقسامها على ما عرفت تفصيله، و لا تنافي مع الكراهة المصطلحة في المشطة، فانها آلة للمشط، ليست بظرف اصلا على ما في اللغة، و لا يمكن القول بحرمة استعمالها إلّا إذا قلنا بحرمة استعمال الذهب و الفضة، و ان لم يكونا آنية.

و ثانيا: على فرض حرمة المفضض من

الدهن أو من المشطة، فكيف نعلم أولوية حرمة المدهن الذهب أو المشطة منه، أو من الفضة بهذه الرواية، لاحتمال وجود خصوصية في المفضض، و لذا استشكلنا في المذهب، فتلخص عدم ربط للرواية بما نحن فيه، كما ان التمسك بجواز مثل ظرف الغالية و اخواتها اللاحقة في كلام المؤلف رحمه اللّه به، أو بجواز رأس القليان و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة و امثالها المتخذة من الذهب أو الفضة بالرواية الثانية من الروايات المتمسكة بها على الجواز في المسألة السابقة و هي ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سألته عن التعويذ يعلق على الحائض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قبضة حديد)، بدعوى انه بعد دلالة الرواية على جواز كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 212

ظرف التعويذ من الفضة، و هذا ليس إلّا من باب عدم كونه آنية، فكذا نظائره من المذكورات، كراس القليان و اخواته و ظرف الغالية و اخواتها، و ليس في محله، لان غاية ما يستفاد من الرواية جواز كون ظرف التعويذ من الفضة كما قال المؤلف رحمه اللّه بجوازه و نحن نقول به.

و لكن لا يستفاد من الرواية كون جواز ذلك، من باب عدم كون ظرف التعويذ آنية موضوعا، حتى يكون خروج ظرف التعويذ من الخروج الموضوعىّ عن حرمة آنية الذهب و الفضة.

أو يكون ذلك من باب كون ظرف التعويذ خارجا حكما عن حكم حرمة آنيتهما، فيكون خروجه خروجا حكميا، و كما بينّا في الاصول لم يكن الدليل متكفلا لهذا الحيث، و لم يكن بناء العقلاء على جعل الاستثناء خروجا موضوعيا أو

حكميا فيما يشك في كون الخروج موضوعيا أو حكميا، بعد معلومية خروجه حكما مسلما.

ان قلت لو فرض كون خروج ظرف التعويذ حكميا، و لكن يمكن التعدي عنه بنظائره بإلغاء الخصوصية لعدم خصوصية له، قلت لا أدري ما هو الملاك في تجويزه حتى نقول بالعلم بوجود هذا المناط و الملاك في غيره، فلو قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيد العالم، هل يمكن التعدي منه إلى غيره من العلماء بإلغاء الخصوصية، لا يمكن ذلك.

ثم ان ظرف التعويذ المتخذ من الفضة يجوز استعماله في جعله موضعا للتعويذ، و اما استعمالاته و انتفاعاته الاخر، فلا دليل على جوازه، بناء على كونه مصداق الآنية من الفضة.

كما أن ظرف التعويذ المتخذ من الذهب، بناء على كونه مصداق الآنية، يشكل استعماله حتى في جعله موضع التعويذ، لعدم دليل عليه، إلّا ان يدعى عدم الفرق بين المتخذ من الذهب و الفضة، فبعد دلالة رواية منصور بن حازم المتقدمة ذكرها على جوازه إذا كان متخذا من الفضة، فكذلك في الذهب منه، و لكن عدم الفرق غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 213

معلوم، فإذا نقول بان الاحوط عدم جواز استعمال ظرف التعويذ من الذهب و الانتفاع به في غير جعله موضع التعويذ.

***

[مسئلة 10: لا فرق في حرمة الاكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة بين مباشرتهما]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا فرق في حرمة الاكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة بين مباشرتهما لفمه أو اخذ اللقمة منها و وضعها في القم، بل و كذا إذا وضع ظرف الطعام في الصيني من احدهما، و كذا إذا وضع الفنجان في النعلبكي من أحدهما، و كذا لو فرغ ما فى الاناء من احدهما لا لاجل نفس التفريغ، فإن الظاهر حرمة الاكل و الشرب، لان

هذا يعدّ أيضا استعمالا لهما فيهما، بل لا يبعد حرمة شرب الچاي في مورد يكون السماور من احدهما، و ان كان جميع الادوات ما عداه عن غيرهما، و الحاصل ان فى المذكورات كما ان الاستعمال حرام، كذلك الاكل و الشرب أيضا حرام، نعم المأكول و المشروب لا يصير حراما، فلو كان في نهار رمضان لا يصدق انه افطر على حرام و ان صدق أن فعل الافطار حرام، و كذلك الكلام في الاكل و الشرب من الظرف الغصبي.

(1)

أقول: اعلم انه كما عرفت في المسألة الثالثة ما يدل عليه روايات الباب، متعلق النهي في آنية الذهب و الفضة عنوانان:

العنوان الأول: الاكل و الشرب في آنية الذهب و الفضة،

لان متعلق النهي في بعض الاخبار عنوان الاكل و الشرب منهما، و لا يخفي عليك ان المنهى عنه خصوص الاكل و الشرب لا غيرهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 214

العنوان الثاني: و هو المستفاد من بعض الاخبار، هو كون متعلق النهي نفس الآنية،

فعنوان المحرم نفس آنية الذهب و الفضة، فنحن في القول بالتحريم ندور مدار العنوانين.

و قد عرفت إن المحتمل في العنوان الثاني و هو النهي عن الآنية، النهي عن استعمالها، أو النهي عن الانتفاع بها و إن لم يكن استعمالا لها، أو النهي عن ايجادها، و لهذا يحرم على هذا حتى اقتنائها، بعد ما قلنا بان احتمال كون النظر في النهي عنها، النهي عن خصوص الاكل و الشرب، كما هو مفاد العنوان الاول المستفاد من بعض الاخبار، لا وجه له، و الامر يدور بين الاحتمال الأول و الثاني و الثالث، و لو لم نقل بالاحتمال الثالث، فنقول بالاحتمال الثاني، و مقتضاه حرمة مطلق الانتفاعات بها، فعلى هذا نقول في المقام، كلما يكون استعمالا أو انتفاعا بالآنية تكون محرما و لو لم يكن اكلا منها و لا شربا.

اذا عرفت ذلك، نقول: فى المسألة بانه لا اشكال في حرمة الاكل و الشرب من آنية الذهب و الفضّة، اذا باشرهما بفمه، لأنه اكل او شرب و استعملها و انتفع بها، كما انه لا اشكال في حرمة اخذ اللقمة منها لكون الاكل و الشرب باخذ اللقمة اكلا و شربا من الآنية كما ان ذلك يعدّ استعمالا لها و انتفاعا بها، و هو محرم.

و كذلك وضع اللقمة في الفم بعد الاخذ يكون محرما، لأن الأكل و الشرب تارة بوضع الفم على محل المأكول و المشروب و الأكل و الشرب منه، و تارة بأخذ اللقمة منه و وضعه في

الفم يعد الأكل و الشرب من آنيتهما.

نعم لا يعدّ وضع اللقمة في الفم بنفسه استعمالا و لا انتفاعا بآنية الذهب و الفضة، و كذلك يحرم وضع الطعام في الصيني من آنية الذهب أو الفضة، لان ذلك استعمالها و الانتفاع بها، فان وضع فيه و اكل منه بالفم أو يأخذ اللقمة منه لا يكون مصداق الاكل من آنية الذهب و الفضة.

و كذا وضع الفنجان في النعلبكي من احدهما، لكون ذلك مصداقا للاستعمال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 215

و الانتفاع المحرم، و هل الشرب من الفنجان الموضوع في النعلبكي منهما يكون الشرب من آنيتهما باعتبار كون ظرف الفنجان من احدهما فهو غير معلوم؟

و لو افرغ ما في الاناء من احدهما في ظرف آخر و اكله، فلا اشكال في كون الافراغ بقصد الأكل من الظرف الآخر استعمالا و انتفاعا و هو محرم، و هل يكون الأكل من الظرف الآخر الذي أفرغ فيه الاناء من احدهما، يعد الأكل أو الشرب من آنيتهما أم لا، الحق عدم كون ذلك أكلا أو شربا من آنيتهما.

و لو كان المقصود من الافراغ من انيتهما في ظرف آخر، نفس الافراغ لا لمقصد آخر من الاكل و الشرب أو غيرهما، فهل يكون التفريغ بقصد نفس التفريغ محرما أيضا، مثل التفريغ بداع و غرض آخر أو لا، يكون محرما، قد يقال بعدم الحرمة، لا ان المحرم استعمال الآنية و الانتفاع بها، و حيث ان حقيقة الاستعمال اعمال الشي ء في الغايات المقصودة منه، و الاستعانة به للوصول إلى هذه الغايات، فلا يكون الافراغ بداعي نفس الافراغ استعمالا و انتفاعا بها، و يأتي الكلام فيه في المسألة 12 إن شاء اللّه.

و لو كان السماور

من أحدهما، فلا اشكال في ان صب الماء منه يكون استعمال له، و لهذا يكون محرما، و هل يكون شرب الچاي في هذا المورد اعني مورد كون السماور من احدهما، و ان كان جميع ادوات الچاي من غيرهما شربا من آنية الذهب أو الفضة باعتبار كون السماور من احدهما، أو لا يعد شربا من آنيتهما؟ ظاهر المتن كما ترى نفي البعد عن كونه شربا منهما.

و يمكن أن يقال في وجه ذلك بان الشرب من السماور ليس إلّا بهذه الكيفية، لان المتعارف صب الماء منه في الفنجان ثم الشرب منه، لا الشرب من السماور بالفم، فعلى هذا يعدّ ذلك الشرب من السماور و ان كان بمعونة الفنجان.

و فيه ان كون الشرب منه غير متعارف، إلّا بهذا النحو لا يوجب كون الشرب من الفنجان المتخذ من غير الذهب و الفضّة شربا من احدهما، من باب كون الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 216

الواقع في الفنجان مصبوبا من السماور، لكون الظاهر من الأكل و الشرب من آنيتهما الأكل و الشرب منهما، و هذا ليس الشرب من السماور، بخلاف ما اخذ اللقمة من آنية الذهب أو الفضّة و أكلها فانه الاكل منها بنظر العرف.

فتلخّص انه يعد في كل من الصور المذكورة استعمال الآنية و الانتفاع بها، و لكن لا يعد في كل الصور الأكل و الشرب منهما الذي قدمناه بالتفصيل.

ثم انه بعد ما عرفت حرمة الأكل و الشرب من آنيتهما يقع الكلام في انه هل يحرم المأكول أو المشروب أولا؟ مثلا إذا القى ماء في آنية الذهب فشربها، فلا اشكال في حرمة الشرب، انما الكلام في حرمة المشروب، أي الماء الواقع فيهما، قد يقال بحرمة

المشروب و المأكول اما من باب النبوى الذي قال (في الذي يشرب في آنية الفضّة انما يجرجر في بطنه نارا) و هذا لا يصح إلّا بكون المشروب حراما، لان ما يدخل البطن هو المشروب لا نفس الشرب.

و فيه، اما أوّلا: فالنبوى ضعيف السند، و ثانيا كما قيل بعد كون الظاهر من النبوى كون الشراب سببا لذلك، فكما يمكن كون مبغوضية المأكول و المشروب سببا لان يجرجر في بطنه نارا، كذلك مبغوضية نفس الشرب يمكن ان يكون سببا لذلك، و اما ما قيل في الجواب بأنه مع القول بتجسّم الاعمال، لا يحتاج إلى تكلّف و يكون نفس الشرب لا من باب المشروب سببا لانّ يجرجر في البطن نارا، مثل قوله تعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً، فهو لا يوجب كون نفس الشرب سببا لتجسم ذلك في بطنه، بل يمكن ان يكون مبغوضية المأكول سببا، فكما إن الرواية على تقدير صحة سندها، لا تدل على كون التجرجر لاجل المشروب، لا تدل على كونه لاجل نفس الشرب، بل كلهما محتمل، نعم بعد كون كلهما محتمل، لا يمكن التمسك بها لحرمة المشروب كما توهم.

و اما من باب ان النهي عن الاكل و الشرب في آنية الذهب و الفضّة، ليس إلّا النهي عن المشروب، لانه إذا أريد النهي عن المأكول و المشروب، ينهى عن أكله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 217

و شربه، مثلا إذا كان الخمر مبغوضا للحرمة، فيقول لا تشرب الخمر، بل إذا اضاف المولى الحرمة إلى ذوات الاشياء، يكون المراد النهي عن اكلها أو شربها، فإذا قال (حرمت عليكم الميتة و الدم) فليس النهي عنهما إلّا النهي عن أكل

الميتة و شرب الدم، فعلى هذا لا وجه للاشكال بان المنهي عن الاكل و الشرب لا يتعدّى إلى المأكول و المشروب، لانه مع ما عرفت يكون المنهي في الحقيقة المأكول و المشروب و لا معنى للنهي عنهما إلّا النهي عن أكله و شربه، فلأجل ذلك يقال بحرمة المأكول و المشروب.

و فيه، ان النهي إذا ورد على ذوات الأشياء من الجامدات أو المائعات كما قلت، يحمل على النهي عن أكلها و شربها إذا كان الفعل الظاهر منهما هو الأكل أو الشرب، مثل قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ) (الخ)، و لكن إذا نهى عن الأكل و الشرب لا وجه لحملهما على المأكول و المشروب بل ظاهره هو النهي عن نفس الأكل و الشرب، من باب انهما فعل من الافعال، و قد حرّم هذا الفعل، لا من حيث مأكوله و مشروبه، خصوصا مع ما نرى من عدم وجود منفعة أو حزازة في المأكول و المشروب يوجب النهي عنهما، بل المستفاد من بعض اخبار الباب مثل قوله عليه السّلام في بعضها آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون هو مبغوضية، نفس استعمالها و الأكل أو الشرب منها، فلا وجه لحرمة المأكول و المشروب.

و لهذا نقول، لو كان في نهار رمضان و أفطر من آنية الذهب و الفضّة، و لو ان فعل الافطار حرام، و لكن لم نقل بكونه افطارا بالحرام، حتى يجب عليه كفارة الجمع.

نعم لو قلنا بكون المأكول و المشروب حراما، فإذا افطر في نهار رمضان من آنية الذهب و الفضة بالأكل و الشرب منهما، يكون افطاره بالحرام، سواء كان افطاره بالأكل و الشرب منهما بفمه أو بأخذ اللقمة و وضعها في فمه، لان في

كل منهما أكل أو شرب المحرّم.

هذا كله بالنسبة إلى الافطار من آنيتهما في شهر الصيام، و قد عرفت الفرق بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 218

كون المأكول و المشروب حراما و عدمه في كون الافطار بالحرام و عدمه.

و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه في ذيل المسألة بعد عدم كون الاكل او الشرب من آنيتهما في نهار رمضان افطارا بالحرام من باب عدم كون المأكول و المشروب حراما، بانه (و كذلك الكلام فى الاكل و الشرب من الظرف الغصبى) يعنى لم يكن الافطار من الظرف المغصوب في نهار رمضان افطارا بالحرام، و وجهه هو عدم كون الافطار بما في ظرف المغصوب من المأكول او المشروب حراما، حتى يكون الافطار بالحرام، بل المحرم هو نفس التصرف في المغصوب و هو غير المأكول و المشروب.

اقول: بأنه لو قلنا كما هو الحق من عدم كون المأكول و المشروب محرما، يكون ما نحن فيه مثل الافطار في الظرف المغصوب، و لا يجب كفارة الجمع في كليهما، لعدم كون الافطار بالحرم.

و اما لو قلنا بكون المأكول و المشروب حراما في آنية الذهب و الفضة، نقول أيضا بعدم كون الافطار فى الظرف المغصوب في نهار شهر رمضان افطارا بالحرام، لانه بعد كون المأكول و المشروب حراما، يكون ما افطر به افطارا بالمحرم فيكون مصداق الافطار بالحرام و يجب كفارة الجمع فيه.

و اما الافطار في الظرف المغصوب فما هو المحرم هو التصرف في الظرف، و اما المظروف فلا يكون محرما، فلا يكون الافطار بما في الظرف المغصوب من المأكول او المشروب افطارا بالحرام، فلا يوجب كفارة الجمع. فافهم.

***

[مسئلة 11: ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصبّ الچاي من القوري من الذهب أو الفضّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر

شخص خادمه فصبّ الچاي من القوري من الذهب أو الفضّة في الفنجان الفرفوري و أعطاه شخصا آخر فشرب فكما أنّ الخادم و الآمر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 219

عاصيان كذلك الشارب لا يبعد أن يكون عاصيا و يعدّ هذا منه استعمالا لهما.

(1)

أقول: اما الخادم عاص لاستعماله و انتفاعه بالآنية منهما، و هو محرّم كما عرفت.

و أمّا الآمر عاص لأمره بالمعصية.

و أمّا الشارب فقال المؤلف رحمه اللّه لا يبعد كونه عاصيا أيضا لأن الشرب من الشارب يعد استعمالا فيها.

و فيه أنّ شربه من الفنجان لا يعد استعمال للقورى من الذهب أو الفضة، و لا شربا منه، و لا يحرم، فلم يكن الشارب في الفرض عاصيا في شربه.

***

[مسئلة 12: إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرغه في ظرف آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرغه في ظرف آخر بقصد التخلص عن الحرام لا بأس به و لا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا.

(2)

أقول: أعلم أنه تارة يقال بأنه لو كان في الآنية من أحدهما مأكول أو مشروب يجب افراغهما منها، لأن ابقائهما فيها نحو استعمال لها، و لا أقل من يكون ابقائهما فيها انتفاعا بها، فلا مجال للشك في عدم كون الافراغ حراما بقصد الافراغ، بل يجب ذلك مقدمة، و ان اوقع ما فيها في ظرف مباح آخر و اكله أو شربه، بل لو شربه أو أكله بفمه بقصد الافراغ، لأنّ ذلك ليس استعمالا و لا انتفاعا بها، ينبغي أن يقال بعدم حرمة هذا التصرف فيها إذا لم يكن ايقاع المأكول و المشروب فيها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 220

بسوء اختياره بل ان كان بسوء اختياره فأيضا يجب الافراغ بناء على هذا، و

ان فرض كونه معاقبا بايقاع ما فيها بسوء اختياره، كالمتوسط في الارض المغصوبة.

و تارة لم نقل بذلك فنقول: ما يستفاد من الأدلّة حرمة استعمال آنيتها و الانتفاع بها و الافراغ بقصد التخلص عن الحرام لا يكون استعمالا لان حقيقة الاستعمال اعمال الشي ء للاستعانة به في الجهة المقصودة، و في مقام الافراغ بقصد التخلص لا يكون الداعي الاستعانة بالآنية في الجهة المعدة لها من جعلها ظرفا أو لأن يأكل و يشرب منها، أ لا ترى من كون الداعي التخلص منها، لا الاستعانة بها.

و على هذا النحو من التصرّف لا يعد استعمالا و انتفاعا بها فانّ تمّ احد الوجهين يتم ما قاله المؤلف رحمه اللّه من كون الافراغ بقصد التخلص غير محرم.

و أمّا الأكل و الشرب بعد الافراغ سواء صار الافراغ حراما أو لا يكون حراما لان هذا الشرب و الأكل ليس الشرب و الأكل من آنيتهما و لا استعملا فيهما و انتفاعا بهما.

***

[مسئلة 13: إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في أحدى الآنيتين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في أحدى الآنيتين فإن امكن تفريغه في ظرف آخر وجب و إلّا سقط وجوب الوضوء أو الغسل و وجب التيمّم و ان توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء اخذ الماء منهما بيده أو صبّ على محل الوضوء بهما أو ارتمس فيهما و ان كان له ماء آخر أو امكن التفريغ في ظرف آخر و مع ذلك توضأ أو اغتسل منهما فالاقوى أيضا البطلان لانه و ان لم يكن مأمورا بالتيمّم إلّا أنّ الوضوء أو الغسل حينئذ يعدّ استعمالا لهما عرفا فيكون منهيّا عنه بل الامر كذلك لو جعلهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 221

محلّا لغسالة الوضوء لما ذكر من أنّ

توضّؤه حينئذ يحسب في العرف استعمالا لهما نعم لو لم يقصد جعلهما مصبا للغسالة لكن استلزم توضّؤه ذلك امكن ان يقال انّه لا يعد الوضوء استعمالا لهما بل لا يبعد ان يقال انّ هذا الصّب أيضا لا يعدّ استعمالا فضلا عن كون الوضوء كذلك.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الأوّلى: ما إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في احدى الآنيتين، و امكن تفريغه في ظرف آخر،

فهل يجب التفريغ للوضوء أو الغسل أو لا يجب ذلك؟ وجه الوجوب إما لكون تفريغ الاناء من الماء واجب، لكون ابقاء الماء فيها زيادة التصرف، فيجب مقدمة إفراغ الماء منها، خصوصا إذا كان ايقاع الماء فيها بسوء اختياره، و اما من باب ان افراغ الماء عنها واجب من باب كونه مقدمة للوضوء، أو الغسل لان وجوبهما مطلق بالنسبة إلى وجود الماء، فيجب تحصيل الماء بأي نحو كان، و من جملة افراغه عن آنية الذهب و الفضّة فمع امكان التفريغ عنها و صبه في ظرف آخر يجب ذلك.

أقول: يمكن القول بوجوب الافراغ حتى لو لم يكن بقصد افراغ الماء في ظرف آخر للوضوء و الغسل، لان وقوع الماء و بقائه في الاناء من الذّهب أو الفضة انتفاعا بهذا الاناء، و استعمالا له و ان أبيت عن كون الابقاء استعمالا لها أو لوجه آخر (قدم في المسألة السابقة و قلنا بان الافراغ إذا كان بقصد التخلص لا يكون حراما) لا اشكال في صدق الانتفاع به و هو محرم كما عرفت فيجب الافراغ مقدمة لترك الانتفاع.

و اما لو لم يتم هذا الوجه فمجرد كون وجوب الوضوء مطلقا من حيث الماء و كان مقتضى اطلاقه تحصيل الماء من أي طريق يمكن له، لا يقتضي إلّا وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 222

تحصيل هذا الماء مقدمة للوضوء، و لكن

في قبال ذلك يحرم التصرف في آنية الذهب و الفضة و اطلاق دليل الحرمة يشمل حتى صورة التصرف، لاجل تحصيل الماء للوضوء و الغسل، فيتزاحم الوجوب مع الحرمة، و مع التزاحم، ان كان ملاك الوضوء و الغسل أقوى، نأخذ به و كون النتيجة جواز الافراغ بل وجوبه و إلّا فإن كان ملاك الحرمة أقوى، لا بد من التنزل إلى التيمم و عدم وجوب الوضوء أو الغسل، نعم لو اغترف و فعل حراما يصح الوضوء و الغسل بهذا الماء، و مع تساوى الملاكين يكون التخيير، بل ربما يقال بناء على هذا بان الاقوى الاخذ بجانب الحرمة لأن التزاحم إذا وقع بين ما لا بدل له و ما يكون له البدل، قدم ما لا بدل له، و في المقام الوضوء و الغسل لهما البدل و هو التيمم بخلاف استعمال اناء الذهب و الفضة و الانتفاع بهما، فالعمدة في وجه وجوب الافراغ للوضوء و الغسل هو الوجه الاول.

الثانية: ما إذا يكون الماء في الآنية من احدهما و لا يمكن الافراغ منها

و كان الماء منحصرا بما في آنيتهما فنقول كما قلنا في الوضوء و الغسل من الآنية المغصوبة، بانه لا يجب الوضوء و الغسل، و وجب التيمم لما قلنا من عدم كونه واجد الماء، و ان توضأ أو اغتسل من الماء الواقع فيها بطل وضوئه و غسله، سواء كان الوضوء أو الغسل منها بأخذ الماء بيده و صبّه بيده على مواضع الوضوء، و بعبارة أخرى يكون بالاغتراف، أو كان يصب الماء من آنية الذهب أو الفضّة على محل الوضوء أو الغسل، أو كان بنحو الارتماس في الآنية لما قلنا فى الوضوء من الآنية المغصوبة، لعدم امر بالوضوء و الغسل مع كون المقدمة المنحصرة محرمة، و لا وجود ملاك الامر في هذا

الفرض أي فرض في الانحصار، فلهذا لا يجب الوضوء و الغسل، و سقط وجوبهما و لو توضأ أو اغتسل من هذه الآنية بطل وضوئه و غسله، و قد يقال بصحة الوضوء في الفرض، و إن كان الاغتراف حراما من جهة الترتب كما في (التنقيح) و نحن لم نقل بصحة الترتب. كما انه قد يدعى بوجود الملاك في هذا الفرض (كما اشرنا إليه سابقا) و قلنا بعدم وجود الملاك مع عدم وجود الامر في المورد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 223

الثالثة: ما إذا كان الماء في الآنية من احدهما أو لا يمكن الافراغ منها
اشارة

و لكن لم يكن الماء منحصرا بما في الآنية من احدهما، فنقول بعونه تعالى ان لها فروض.

الأوّل: أن يكون باغتراف الماء من الآنية شيئا فشيئا

ثم الوضوء أو الغسل بما اغترف من هذه الآنية، فكما قلنا في الاناء المغصوب يصح الوضوء و الغسل و إن كان عاصيا بالتصرف في الاناء منهما، بناء على كون التصرف بالافراغ استعمالا و انتفاعا، و إلّا لم يكن عاصيا أيضا. فان وقوع الماء في الآنية منهما و إن كان يوجب عدم سراية الوجوب المقدم إليه لكون المقدمة حراما و لكن حيث يكون الامر بالوضوء و الغسل باقيا لوجود ماء آخر لعدم انحصار الماء بما في الآنية منهما، فلو افرغ الماء منهما و توضأ أو اغتسل صح وضوئه و غسله، لعدم كون الوضوء أو الغسل تصرفا في الآنية، و لا يقاس المورد بصورة اخذ الماء من الآنية و وضعه في الفنجان أو ظرف آخر و شربه، لان في هذا المورد كما قلنا سابقا يكون هذا الشرب من الآنية، لان هذا من التعارف من الشرب بخلاف ما نحن فيه، لانه لا يعد الوضوء من الظرف الآخر تصرّفا في الآنية منهما بمجرد صب الماء منهما في الظرف الذي توضأ منه.

الثاني: أن يكون الوضوء بالارتماس في الآنية،

فلا اشكال في بطلان الوضوء و الغسل لان ذلك تصرف و استعمال الآنية المحرمة، فيكون من صغريات اجتماع الامر و النهي، و لا تصح العبادة لعدم كونها مقربا حتى على ما قاله سيدنا الاعظم قدّس سرّه حتى على القول بجواز اجتماع الامر و النهي أو الاجماع على ما في كلماتهم على فساد العبادة فافهم.

الثالث: أن يكون بصب الماء من الإناء على مواضع الوضوء و الغسل،

و هل يكون الوضوء و الغسل باطلا في هذا الفرض لكون الوضوء أو الغسل بالحمل الشائع استعملا للآنية من أحدهما أو لا يكون كذلك؟ لان اصباب الماء من الآنية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 224

استعمالا لها لكن الغسل المتعلق بالوضوء و الغسل امر آخر، لانه بعد الصب يتوضأ او يغتسل كما قلنا في الآنية المغصوبة و لا يبعد ذلك و ان كان القول بالبطلان في هذا الفرض أحوط.

الرابع: إذا صارت الآنية من احدهما مصبّا للوضوء و الغسالة،

بمعنى صيرورة الآنية محلا لغسالة الوضوء أو الغسل، فهل يبطلان من باب كون هذا الوضوء و الغسل تصرفا في الآنية و استعمالا لها، أو لا يبطلان من باب عدم صدق التصرف و الاستعمال لها.

الاقوى بطلانهما، لانه بوضوئه و غسله يستعمل الآنية بصب الماء فيها لأنه كما يكون اخذ الماء منهما استعمالها، كذلك وضعه فيها بل كما قيل يكون ذلك أولى، لان الآنية معدّة للظرفية، فوضع الماء فيها هو استعمالا ظاهرا فيحرم، فإذا كان حراما يبطلان لكون المورد مصداق اجتماع الامر و النهي و تفسد العبادة على ما مر في باب اجتماع الامر و النهي.

ثم انه لا فرق بين كون الآنية محل غسالة الوضوء أو الغسل بقصده ذلك بان يقصد ذلك أو لم يقصد ذلك، و لكن يكون متوجها بانّ غسالة وضوئه أو غسله يقع فيها، لان هذا ليس من الامور القصدية التي يكون للقصد و عدمه دخل في ثبوت الحكم و عدمه ففي كلتا الصورتين يبطل الوضوء و الغسل.

نعم لو كان غافلا عن ذلك أو ناسيا له (في خصوص ما لم يكن هو سببا لصيرورتها مصبا للغسالة و الا يمكن دعوى عدم كون غفلته و نسيانه غدرا) يصح الوضوء و الغسل من باب

عدم تنجّز تكليف التحريمي فافهم كما سيأتي في المسألة 15 إن شاء اللّه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 225

[مسئلة 14: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منهما و الردي ء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منهما و الردي ء و المعدني و المصنوعى و المغشوش و الخالص إذا لم يكن الغشّ إلى حدّ يخرجهما عن صدق الاسم و إن لم يصدق الخلوص و ما ذكره بعض العلماء من انه يعتبر الخلوص و انّ المغشوش ليس محرّما و ان لم يناف صدق الاسم كما في الحرير المحرّم على الرجال حيث يتوقف حرمته على كونه خالصا لا وجه له و الفرق بين الحرير و المقام انّ الحرمة هناك معلّقة في الاخبار على الحرير المحض بخلاف المقام فإنّها معلّقة على صدق الاسم.

(1)

أقول: لان المذكور في الادلة آنية الذهب و الفضة، ففي كل مورد يصدق اسم آنية الذهب و الفضة عليهما يكون الحكم، سواء كان جيدا أو ردئ و سواء كان خالصا أو مغشوشا إذا صدق على المغشوش اسم احدهما و ثبوت الحكم للمعدنى من الذهب أو الفضة واضح.

و ربما يخطر بالبال عدم ثبوت الحكم المأخوذ من المصنوعي، و هو ما يدعي امكان صنعته بعلم الاكسير و الكيمياء لندرة وجوده أو لعدم وجوده فالاخبار منصرفة عنه، و لكن يمكن ان يقال بان الموضوع آنية الذهب و الفضة فلو كان ما يطلق عليه الذهب يشمله الحكم و إن كان مصنوعيا، و كما ذكر المؤلف رحمه اللّه التحريم ثابت للمغشوش كما قلت مع فرض صدق الاسم، و لا وجه لعدم الشمول قياسا بالحرير، لان المذكور في الحرير في الادلة هو الحرير المحض، و لهذا لا يشمل غير المحض بخلاف المقام فافهم.

***

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 226

[مسئلة 15: إذا توضأ أو اغتسل من اناء الذهب أو الفضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: إذا توضأ أو اغتسل من اناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صحّ.

(1)

أقول: وجه الصحة عدم تنجز التكليف بالحرمة مع الجهل بالحكم ان كان عن قصور لانه مع الجهل بالحكم عن تقصير لا يكون الجاهل معذورا، و كذا لا يتنجز الحكم مع الجهل بالموضوع، و بعد عدم تنجز التكليف التحريمي يصح الوضوء و الغسل، و قد مضى الكلام في ذلك في باب اجتماع الامر و النهي و هذا من صغرياته.

***

[مسئلة 16: الأواني من غير الجنسين لا مانع منها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: الأواني من غير الجنسين لا مانع منها و ان كانت أعلى و أغلى حتى إذا كانت من الجواهر الغالية كالياقوت و الفيروزج.

(2)

أقول: لعدم الدليل على تحريمها، و مع الشك في الحرمة تجري اصالة البراءة، و ما قيل في وجه التحريم من كون ذلك اضاعة المال أو الاسراف ففيه أنه مع وجود دواعى العقلائية لا يكون كذلك.

***

[مسئلة 17: الذهب المعروف بالفرنكى لا بأس بما صنع منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: الذهب المعروف بالفرنكى لا بأس بما صنع منه لانه في الحقيقة ليس ذهبا و كذا الفضة المسماة بالورشو فانها ليست فضة بل هي صفر البيض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 227

(1)

أقول: لعدم كونهما من الذهب و الفضة فلا يشمل حكمهما لهما و عدم وجود دليل آخر يدل على حرمتهما، و مع الشك يقتضي الاصل الحلية.

***

[مسئلة 18: إذا اضطر الى استعمال أواني الذهب أو الفضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: إذا اضطر الى استعمال أواني الذهب أو الفضة في الاكل و الشرب و غيرهما جاز و كذا في غيرهما من الاستعمالات نعم لا يجوز التوضؤ و الاغتسال منهما بل ينتقل إلى التيمم.

(2)

أقول: وجهه هو ما يستفاد من بعض النصوص بانه يبيح المحظورات مع الاضطرار، مثل ما روى عن الصادق عليه السّلام (ليس من شي ء يضطر إليه ابن آدم إلّا و قد احله اللّه عليه) لا فرق في مورد الاضطرار و جواز الارتكاب بين الاكل و الشرب من آنيتهما و غيرهما من الاستعمالات، و كذا غير آنيتهما من سائر المحرمات، نعم لا يجوز التوضؤ و الاغتسال منهما لعدم الاضطرار بهما، فمع كون الماء فيهما يسقط وجوب الوضوء و الغسل، بتفصيل مرّ في المسألة الثالثة عشر و ينتقل التكليف بالتيمم.

***

[مسئلة 19: إذا دار الامر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا دار الامر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبى قدمهما.

(3)

أقول: و ذلك لما يستفاد من مطاوي ما ورد من صاحب الشرع من أهمية ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 228

فيه حق الناس على ما فيه حق اللّه فقط، و لهذا يكون لدى الضرورة و الدوران الاخذ بما فيه حق اللّه فقط، فمع الضرورة بارتكاب احدهما يقدم استعمال الآنية منهما على الآنية المغصوبة.

***

[مسئلة 20: يحرم اجارة نفسه لصوغ الاواني من أحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يحرم اجارة نفسه لصوغ الاواني من أحدهما و اجرته أيضا حرام كما مرّ.

(1)

أقول: تقدم الكلام فيه و ان ذلك مبنى على حرمة استعمالها و حرمة الانتفاع بها و حرمة اقتنائها، و لكن حيث اخترنا حرمة استعمالها و حرمة انتفائها و كون الاحوط ترك اقتنائها، فنقول الاحوط ترك اجارة نفسه لصوغ الاواني من أحدهما، و ان جوزّنا الاقتناء فلها منفعة محلّلة و بجوز اجارة نفسه لها.

***

[مسئلة 21: يجب على صاحبهما كسرهما و أما غيره]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: يجب على صاحبهما كسرهما و أما غيره فإن علم ان صاحبهما يقلّد من حرم اقتناءهما أيضا و انهما من الافراد المعلومة في الحرمة يجب عليه نهيه و ان توقف على الكسر يجوز له كسرهما و لا يضمن قيمة صياغتهما نعم لو تلف الاصل ضمن و ان احتمل ان يكون صاحبهما ممّن يقلّد جواز الاقتناء أو كانتا ممّا هو محل الخلاف في كونه آنية أم لا، لا يجوز له التعرض له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 229

(1)

أقول: امّا وجوب الكسر على صاحبهما فعلى الاحوط لما قلنا من ان الاحوط ترك اقتنائهما

اما غيره فله صور:

الصورة الأولى: ان يعلم ان فتوى مقلّد صاحب الآنية منهما عدم جواز اقتنائها،

و يعلم ان كسرها لا يوجب تلف مادتها، و بعد الكسر لم ينته الامر إلى تلف مادتها اتفاقا، ففي هذه الصورة يجب عليه نهي صاحبها عن استعمالها و الامر بكسرها عن باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، فان لم ينته يجوز له بل يجب كسرها عليه من باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لا ضمان عليه من باب هدم هيئتها الاقتضاء الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ذلك.

الصورة الثانية: الصورة بحالها مع صيرورة كسر الهيئة موجبا لتلف المادة

كلا أو بعضا، فعلى الناهي عن المنكر الكاسر لها ضمان ما تلف لصدق الاتلاف، و عدم اقتضاء دليل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لجواز اتلاف المادة.

الصورة الثالثة: ما إذا يعلم بكون الاقتناء محرّما عند صاحب الآنية

و يعلم بان كسرها يوجب اتلاف المادة بعضها أو كلها، فهل يجب كسرها لايجاب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ذلك، بعد عدم انتهاء صاحبها بان يكسرها أو لا يجوز ذلك؟ لان ذلك ضرر على صاحبها و يمكن ان يقال بالجواز.

الصورة الرابعة: ما إذا يعلم جواز اقتنائها عند من يقلده صاحب الآنية

فلا يجوز على الغير كسرها لأن من شرائط الامر بالمعروف و النهي عن المنكر كون الفعل منكرا عند من يرتكبه.

الصورة الخامسة: ما إذا لم يعلم بان مختار من يقلّده صاحب الآنية على جواز اقتنائها

أو على عدم الجواز فأيضا لا يجوز، لوجوب حمل فعل المسلم على الصحة، فلا يجوز كسر آنيته. و مثل الصورتين ما إذا كان الخلاف في كون الظرف الكذائي مصداقا للآنية و عدمه، و يعلم بان مقلد صاحبها اختار عدم كون هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 230

الظرف مصداق الآنية أو يشك في أن مختاره كونه منها أو لا ففي كلتا الصورتين لا يجوز للغير كسرهما لما قلنا في الصورة الرابعة و الخامسة.

و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه من انه بمجرد كون الخلاف في كونه آنية أم لا لا يجوز على الغير التعرض له ليس بتمام، لانه يمكن كونه محل الخلاف، و لكن يعلم كون مختار من يقلده صاحب الظرف كونه آنية، فيجوز بل يجب كسرها مثل الصورة الاولى التي بيناها، و كذلك في الصورة الثانية، مع ضمان ما تلف من مادته و كونه في الصورة الثالثة ذو احتمالين كما عرفت فافهم هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

***

[مسئلة 22: إذا شكّ في آنية انّها من احدهما أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا شكّ في آنية انّها من احدهما أم لا أو شك في كون شي ء مما يصدق عليه الآنية أم لا لا مانع من استعمالها.

(1)

أقول: اعلم ان الشك تارة يكون في الموضوع، مثل ما يشك ان الظرف الكذائي من الاواني أم لا، مع علمه بما هو موضوع الآنية مفهوما.

و بعبارة اخرى يكون الشك في المصداق، بعد تبين المفهوم يجري البراءة و تارة يكون منشأ الشك، الشك في المفهوم، مثل ما إذا يكون شاكا فيما هو مفهوم الآنية فليس للمقلد أن يجري البراءة يجب عليه الرجوع الى المجتهد نعم المجتهد، إذا شك في مفهوم الآنية، يجري البراءة في المشكوك لما يحكم

بحرمة المتيقن من آنيتهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 231

فصل: في أحكام التخلّي

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 233

قوله رحمه اللّه

فصل في احكام التخلّي

[مسئلة 1: يجب في حال التخلي بل في سائر الاحوال ستر العورة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب في حال التخلي بل في سائر الاحوال ستر العورة عن الناظر المحترم سواء كان من المحارم أم لا رجلا كان أو امرأة حتى عن المجنون و الطفل المميّز كما أنه يحرم على الناظر أيضا النظر إلى عورة الغير و لو كان مجنونا أو طفلا مميزا و العورة في الرجل القبل و البيضتان و الدبر و في المرأة القبل و الدبر و اللازم ستر لون البشرة دون الحجم و ان كان الاحوط ستره أيضا و أما الشج و هو ما يتراءى في عند كون الساتر رقيقا فستره لازم و في الحقيقة يرجع إلى ستر اللون.

(1)

أقول: الكلام في جهات:

الجهة الاولى

في وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم
اشارة

و حرمة النظر إلى عورة الغير فروع، نذكر الاخبار المربوطة بالباب، ثم ما ينبغي ان يقال و نقول قبل التعرض للاخبار بان الحكم في الجملة مما ادعى عليه الاجماع، بل دعوى كونه من ضروريات الدين و اما الاخبار:

الاولى: ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن شعيب بن واقد عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 234

الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث المناهي (قال: إذا اغتسل احدكم في فضاء من الارض فليحاذر على عورته. و قال: لا يدخلنّ احدكم الحمام إلا بمئزر و نهى ان ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم و قال: من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون الف ملك. و نهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة و قال: من نظر إلى عورة اخيه المسلم أو عورة، غير أهله، متعمّدا، أدخله اللّه مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن

عورات الناس و لم يخرج من الدنيا حتى يفضحه اللّه إلّا أن يتوب) «1».

الثانية: مرسلة الصدوق قال (و سأل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عز و جلّ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ) «2» فقال: كلما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا، إلّا في هذا الموضع فانه للحفظ من ان ينظر إليه) «3».

الثالثة: ما رواها علي بن الحسين المرتضى في رسالته المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني بسنده الآتي (عن علي عليه السّلام في قوله (عزّ و جلّ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ) معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه، ثم قال (قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) «4» أي ممن يلحقن النظر كما جاء في حفظ الفرج فالنظر سبب ايقاع الفعل من الزنا و غيره) «5».

الرابعة: ما رواها (محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن حماد عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا ينظر الرجل إلى عورة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

(2) الآية النور 24، 30

(3) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب احكام الخلدة من «ل».

(4) الآية النور 24: 31

(5) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب احكام الخلدة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 235

أخيه) «1».

الخامسة: ما رواها في ثواب الاعمال عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمّد بن علي الانصاري عن عبد

اللّه بن محمد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من دخل الحمّام فغض طرفه عن النظر إلى عورة أخيه آمنه اللّه من الحميم يوم القيامة) «2».

السادسة: ما رواها حمزة بن أحمد (عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال سألته أو سأله غيري عن الحمام؟ فقال: ادخله بمئزر و غض بصرك الحديث) «3».

السابعة: ما رواها الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم انّه قال (يا علي إيّاك و دخول الحمام بغير مئزر ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه). «4»

و هنا بعض الاخبار يدل على المسألة نذكرها إن شاء اللّه عند التعرض لبعض فروع المسألة، و أيضا في أبواب الحمام من الوسائل اخبار اخرى تدل على وجوب التستر لا حاجة إلى ذكرها.

ثم اعلم ان ما ورد من تفسير العورة باذاعة الستر و ذكر زلات المؤمن، كما فى الرواية التي رواها حذيفة بن منصور (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام شي ء يقوله الناس: عورة المؤمن على المؤمن حرام، فقال: ليس حيث يذهبون، إنما عنى عورة المؤمن أن يزل زلة او يتكلم بشي ء يعاب عليه فيحفظ عليه ليعيره به يوما ما) «5»

و ما رواها (عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن عورة المؤمن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

(3) الرواية 2 من الباب 3 من أبواب آدم الحمام من «ل».

(4) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب آداب الحمال من «ل».

(5) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب آداب

الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 236

على المؤمن حرام؟ فقال: نعم قلت أعنى سفليه، فقال: ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره) «1».

و ما رواها زيد الشحام (عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، فى عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال: ليس أن ينكشف فيرى منه شيئا انّما هو ان يزرى عليه او يعيبه) «2».

لا ينافى مع كون المراد من العورة معناها المعهود، لان هذه الروايات وردت في تفسير رواية خاصة، و هى عورة المؤمن على المؤمن حرام، مضافا الى التصريح في بعضها بان المراد من العورة معناها المعهود، و صراحة بعض الآخر من الاخبار في ذلك، مثل ما رواها (حنان بن سدير عن ابيه، قال دخلت انا و ابى و جدى و عمى حماما بالمدينة، فاذا رجل فى البيت المسلخ فقال لنا فمن القوم (الى ان قال) ما يمنعكم من الازر؟ فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال فبعث ابى الى عمى كرباسة فشقها بأربعة، ثم اخذ كل واحد منا واحدا، ثم دخلنا فيها (الى ان قال): سألنا عن الرجل؟ فاذا هو على بن الحسين عليه السّلام). «3»

فعلى هذا يمكن ان يكون المراد من العورة في خصوص رواية عورة المؤمن على المؤمن حرام معنى يشمل كل من العورة المعهودة و ذكر زلات المؤمن، و على كل حال هذه الروايات الثلاثة لا تدل على جواز النظر الى العورة المعهودة و الاخبار المتقدمة تدل على وجوب سترها و عدم جواز النظر أيضا، فافهم.

إذا عرفت ذلك يظهر لك ان مقتضى الاخبار الواردة في الباب امران:

الأمر الأول: وجوب ستر العورة عن الغير.

الأمر الثاني: حرمة

النظر إلى عورة الغير و لا وجه للقول بكراهة ترك ستر العورة و كراهة النظر إلى عورة الغير إلّا ما يتوهم من التعبير بالكراهة في ما رواها

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(3) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب آداب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 237

(ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يتجرد الرجل عند صب الماء ترى عورته أو يصب عليه الماء؟ أو يرى عورة الناس؟ قال كان ابى يكره ذلك من كل احد) «1».

و الحال ان كون المراد من قوله (كره) الكراهة المصطلحة غير معلوم، ان لم يكن معلوم العدم فافهم، مضافا إلى انه لو فرض كان المراد الكراهة المصطلحة لا بد من رد علمها إلى أهلها و عدم المكان القول بها لكونها مما لم يعمل بها الاصحاب.

ثم بعد ذلك

يقع الكلام في فروع:
الفرع الأول: يجب الستر عن الناظر المحترم

و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه في المسألة الثالثة

الفرع الثاني: لا فرق بين الناظر الواجب الستر عنه بين المحارم و غيرها،

فكما يجب عن غيرهم يجب الستر عنهم، و كذلك كما يحرم النظر إلى عورة الغير على غير المحارم، يحرم على المحارم عدا ما يستثنى سيأتى الكلام إن شاء اللّه فى المسألة الثالثة، و العمدة في وجه ذلك تسالم الاصحاب على ذلك.

و يدل عليه الرواية الاولى و الرواية السابعة و يمكن ان يقال ان ضعف سندهما ينجبر لمطابقته مضمونهما مع فتوى الاصحاب.

الفرع الثالث: لا فرق في الحكمين بين كون الناظر أو المنظور إليه رجلا أو امرأة

لاطلاق الاخبار.

الفرع الرابع: لا فرق في الحكمين بين كون الناظر و المنظور إليه كبيرا و بين كونه طفلا مميّزا،

لاطلاق الاخبار، و اما غير المميز، فياتي الكلام فيه ان شاء اللّه في المسألة الثالثة.

الفرع الخامس: هل يجب التستر عن المجنون مطلقا،

أو لا يجب مطلقا، أو يقال بالتفصيل، بين ما إذا كان مميزا لهذه الامور فيجب التستر و بين ما لا يكون مميّز

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب آداب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 238

فلا يجب التستر.

و الحق عدم وجوب التستر عنه اذا لم يكن له ادراك، و شعور يتميز الامور، مثل الصبى الغير المميّز، لان منصرف الادلة هو التستر عن يكون له ادراك و شعور و لهذا لا يجب ستر العورة عن البهائم.

و اما الحكم في جواز النظر و عدمه، فنقول اما اذا كان له التميز، فلا يجوز النظر الى عورته، كما قلنا بوجوب التستر عنه، و إما اذا لم يكن له تمييز فما يأتى بالنظر أيضا عدم جواز النظر الى عورة هذا القسم من المجنون، لان عدم تميز المجنون لا يوجب جواز النظر و اطلاق ادلة يشمله، كما ان الامر في الصبي الغير المميز بالنسبة الى عدم جواز النظر الى عورته مثله، الا ان يدعى انصراف الادلة او عدم اطلاق لها يشمل المجنون و الصبي الذي لم يكن لهما تميز.

الفرع السادس: العورة في الرجل القبل و البيضتان و الدبر

و في المرأة القبل و الدبر، و ادعى عليه الشهرة بل الاجماع.

يدل عليه ما رواها أبو يحيى الواسطي عن بعض أصحابه (عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام قال: العورة عورتان القبل و الدبر و الدبر مستورة بالاليتين فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة) «1».

و مرسلة الكليني ذكرها صاحب الوسائل في ذيل الرواية 3 بترتيبه قال الكليني رحمه اللّه و قال (يعني أبي الحسن عليه السّلام) في رواية اخرى (فأما الدبر فقد سترته الأليتان و أما القبل فاستره بيدك) «2» و ضعفها منجبر بمطابقتهما

مع فتوى المشهور، مضافا إلى كون هذا المقدار هو المقدار المتيقن من العورة، إنّما الكلام في وجوب ازيد من ذلك و عدمه.

فنقول، قد يقال بكون العورة ما بين السرة و الركبة بدعوى دلالة بعض

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 4 من ابواب آداب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 239

الاخبار عليه، منها ما رواها بشير النبال (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الحمام فقال: تريد الحمام؟ قلت نعم فأمر بإسخان الماء ثم دخل فاتزر بإزار فغطّى ركبتيه و سرته إلى أن قال ثم هكذا فافعل) «1».

و منها ما رواها (عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان بن جعفر عن أبيه عليه السّلام أنّه قال إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرن إلى عورتها و العورة ما بين السرة و الركبة) «2».

و فيه انه بعد كون الروايتين الدالتين على كون العورة القبل و الدبر، و في الرجال باضافة البيضتين نص في ذلك، فلا بد من حمل الرواية التي رواها بشير النبال و رواية علوان بن جعفر على الاستحباب، يحمل ظاهرهما على النص الا ان يقال بان النسبة بين الطائفتين هى الاطلاق و التقييد، فهما مثبتان، و قد مضى فى محله بان حمل المطلق و المقيد المثبتان، يحمل المطلق على المقيد مع كشف وحدة الملاك، و اما مع عدم كشف الملاك فيجب الاخذ بكل منهما. مضافا إلى الشهرة و الاجماع المدعاة على كون العورة الواجبة سترها حتى بالنسبة إلى المحارم غير ما استثنى هو القبل و الدبر و البيضتان.

كما انه لا وجه للقول

بكون الفخذ من العورة بدعوى دلالة الرواية التي ما رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال إذا تعرّى (الرّجل) احدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا ليس للرجل ان يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم) «3».

لانه بعد دلالة الرواية التي رواها إسماعيل بن محمد بن حكيم (قال: الميثمي لا اعلمه إلّا قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام أو من رآه متجردا و على عورته ثوب فقال ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(2) الرواية 8 من الباب 42 من ابواب نكاح العبيد و الاماء من «ل».

(3) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب احكام الملابس و لو في غير الصلاة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 240

الفخذ ليست من العورة) «1»، و مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال: قال الصادق عليه السّلام: السيد الفخذ ليس من العورة) «2» على عدم كون الفخذ من العورة مضافا إلى الروايتين المتقدمتين الدالتين على ان العورة القبل و الدبر، و لم يذكر الفخذ، فلا بد من حمل النهي في الرواية المروية في الخصال على الكراهة أي كراهة اظهار الفخذ و عدم ستره فافهم. و قد تعرض لحكم الفخذ المؤلف رحمه اللّه في المسألة الخامسة.

الفرع السابع: هل يكفي في الستر ستر لون البشرة فقط،

أو لا يكفي ذلك، بل يجب مضافا إلى ستر لون البشرة ستر حجم العورة أيضا، لان معنى ستر شي ء من البدن ستر البشرة، و لدلالتها الرواية التي رواها أبا عبد اللّه الرافقي (في حديث أنه دخل حماما بالمدينة فاخبره صاحب الحمام أن أبا جعفر عليه السّلام كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها ثم يلف ازاره على

اطراف احليله و يدعوني فاطلع سائر بدنه فقلت له يوما من الايام إن الذي تكره ان اراه قد رأيته فقال كلّا ان النورة سترة) «3».

ما رواها (محمد بن عمر عن بعض من حدثه ان أبا جعفر عليه السّلام يقول: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلّا بمئزر قال فدخل ذات يوم الحمام فتنوّر فلما اطبقت النورة على بدنه القى المئزر فقال له مولى له بأبي انت و امي إنك لتوصينا بالمئزر و لزومه و قد القيته عن نفسك فقال أ ما علمت ان النورة قد اطبقت العورة) «4» على الاكتفاء في مقام الستر بالنورة و من الواضح ان النورة لا تستر إلّا لون البشرة لا حجمها، و لكن لا الأشكال في كون ستر حجمها مستحبا، لدلالة بعض الروايات على كون فعل المعصوم و لو في بعض الموارد على القاء الازار فوق النورة فافهم.

الفرع الثامن: يجب ستر العورة بحيث لا يرى شبحها أيضا،

و المراد بالشبح

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الحمام من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 4 من ابواب الحمام من «ل».

(3) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب الحمام من «ل».

(4) الرواية 2 من الباب 18 من ابواب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 241

كما قاله المؤلف رحمه اللّه هو ما يرى عند كون الساتر رقيقا لان ذلك في الحقيقة يرجع إلى ستر لون البشرة.

***

[مسئلة 2: لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر على الاقوى.

(1)

أقول: مقتضى اطلاق الاخبار المتقدمة حرمة النظر إلى عورة الكافر أيضا، نعم هنا بعض الاخبار يدل على عدم بأس بالنظر إلى عورة الكافر، و كون النظر إلى عورة غير المسلم كالنظر إلى عورة الحمار، منها ما رواها ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار) «1».

و منها مرسلة الصدوق (قال روى عن الصادق عليه السّلام انما اكره النظر إلى عورة المسلم فاما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار) «2»، و لعلها ليست الا الرواية الاولى رواها الصدوق رحمه اللّه بنحو الارسال، و لو لا الشهرة المدعاة على حرمة النظر إلى عورة الكافر كان ما رواه ابن أبي عمير حجة على الجواز، و يرفع النظر عن اطلاق الاخبار لاجله، لكن مع عدم عمل المشهور به يوهن اعتباره ان ثبت ذلك، و لهذا نقول الاحوط ترك النظر إلى عورة الكافر.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الحمام من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب الحمام من

«ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 242

[مسئلة 3: المراد من الناظر المحترم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: المراد من الناظر المحترم من عدا الطفل الغير المميّز و الزوج و الزوجة و المملوكة بالنسبة إلى المالك و المحلّلة بالنسبة إلى المحلّل له، فيجوز نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر، و هكذا في المملوكة و مالكها و المحلّلة و المحلّل له، و لا يجوز نظر المالكة إلى مملوكها أو مملوكتها و بالعكس.

(1)

أقول: بعد فرض اطلاق الادلة الدالة على وجوب الستر عن الناظر و حرمة النظر إلى عورة الغير،

يقع الكلام فيمن لا يجب الستر عنه و من يجوز النظر إلى عورته:
الأوّل: الصبي الغير مميّز،

اما عدم حرمة نظره إلى عورة الغير فلعدم كونه مكلّفا، و أما عدم وجوب ستر العورة عنه لان منصرف الادلة ليس إلّا هذا من باب ان المستفاد من الامر التستر ليس إلّا التستر عمن له ادراك و شعور، و لهذا لا يلزم التستر عن البهائم كما في المجنون يكون كذلك إذا لم يكن له ادراك و شعور يستطيع تميز هذه الامور فلا يجب التستر عن الصبي الغير المميّز.

الثاني: الزوج و الزوجة،

فلا يجب على كل منهما ستر العورة عن الآخر كما لا يحرم على كل منهما النظر على عورة الآخر، و هذا مما لا إشكال فيه، لاقتضاء اختلاط كل منهما بالملاعبة و الوطء لعدم ستر كل منهما عن الآخر، و النظر على عورة الآخر مضافا إلى دلالة بعض الروايات على جواز نظر الزّوج على فرج زوجته مثل ما رواها إسحاق بن عمار (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل ينظر إلى امرأته و هي عريانة قال: لا بأس بذلك و هل اللذة إلّا ذلك) «1» و اطلاقها يقتضي جواز النظر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 59 من ابواب مقدمات النكاح من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 243

الى تمام بدنها و منها عورتها، و بعض روايات اخرى دالة على جواز النظر على فرج الزوجة حال الجماع و ان كان ذلك مكروها.

الثالث: المالك و المملوكة:

فلا يجب على كل منهما ستر العورة، عن الآخر، و كذا في جواز نظر كل منهما الى عورة الآخر (إلّا في الموارد المستثناة تذكر إن شاء اللّه في المسألة الرابعة) لان ذلك في اسباب حلية النكاح اعنى الوطي، و مع جواز الوطي يجوز النظر كل منهما الى عورة الآخر و لا يجب ستر العورة على كل واحد منهما عن الآخر، اما من باب ان الوطي ملازم غالبا مع عدم التستر و النظر على العورة، و اما من باب انه بعد جواز الوطي و اللمس يجوز النظر على العورة و لا يجب سترها بطريق الاولى.

هذا بالنسبة الى مالك الامة مع مملوكها و اما المالكة مع مملوكها فنقول بعدم جوازه فيما يأتي إن شاء اللّه، كما انه لا يجوز نظر المولى على عبده

و يجب ستر عورته عنه و بالعكس، لاطلاق الاخبار و عدم دليل على الجواز.

الرابع: يجوز النظر إلى عورة المحللة

و لا يجب ستر العورة عنها و بالعكس لما قلنا في المملوكة.

ثم انه لا يجوز النظر للمالكة الى مملوكها و يجب الستر عنه و بالعكس، فلو كان للمراة عبدا و أمة، فلا يجوز نظر المولاة عليهما و يجب ستر العورة عنهما و بالعكس لاق لاط الادلة المتقدمة الدالة على وجوب الستر و حرمة النظر و عدم دليل على التخصيص.

***

[مسئلة 4: لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 244

إذا كانت مزوّجة أو محلّلة أو في العدة، و كذا إذا كانت مشتركة بين مالكين لا يجوز لواحد منهما النظر إلى عورتها و بالعكس.

(1)

أقول: لاطلاق ما دلّ على وجوب ستر العورة و حرمة النظر على عورة الغير، كما لا يجوز الوطء في الصورة الثالثة حتى يكشف من جواز الوطي عدم وجوب ستر العورة و جواز نظر كل منهما الى عورة الآخر.

***

[مسئلة 5: لا يجب ستر الفخذين و لا الاليتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا يجب ستر الفخذين و لا الاليتين و لا الشعر النابت اطراف العورة نعم يستحب ستر ما بين السرة إلى الركبة بل إلى نصف الساق.

(2)

أقول: وجه عدم وجوب ستر الفخذين و الاليتين و الشعر النابت اطراف العورة مضى في الفرع السادس من الفروع التي تعرضنا لها في المسألة الاولى، و كذلك استحباب ستر ما بين السرة و الركبة، و اما استحباب الستر إلى نصف الساق الذي قال به المؤلف رحمه اللّه فلم أر له وجها إلّا دعوى دلالة بعض الاخبار الناهية عن دخول الحمام بغير مئزر، و قد ذكرنا بعضها في المسألة الاولى بضم دعوى كون المتعارف من المئزر شدّة من السرة إلى نصف الساق، فيقال بعد كون مفاد هذه الاخبار مع هذا التعارف الامر بالستر إلى نصف الساق، و بعد دلالة بعض الاخبار على عدم كون العورة إلّا القبل و الدبر في المرأة و هما مع البيضتين في الرجل، يحمل ما دلّ على ستر نصف الساق على الاستحباب، لكن الاشكال في كون المتعارف في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 245

المئزر هكذا، أو لاختيار الحلبي رحمه اللّه

هذا القول، و هذا أيضا لا يصير وجها للاستحباب، نعم لا مانع من ستره رجاء.

***

[مسئلة 6: لا فرق بين افراد الساتر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا فرق بين افراد الساتر، فيجوز بكلّ ما يستر و لو بيده او يد زوجته أو مملوكته.

(1)

أقول: هذا لاطلاق الاخبار من هذا الحيث و عدم بيان خصوصية للساتر و مع الشك في اعتبار خصوصيته و عدمه، يحكم بعدمه بمقتضى البراءة.

***

[مسئلة 7: لا يجب الستر في الظلمة المانعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لا يجب الستر في الظلمة المانعة عن الرؤية أو مع عدم حضور شخص أو كون الحاضر أعمى أو العلم بعدم نظره.

(2)

أقول: كل ذلك لكون وجوب الستر عن الناظر بحيث لو كان ناظرا كانت عورته مستورا، فمع الظلمة المانعة، أو عدم حضور ناظر أو كون الحاضر اعمى أو العلم بعدم نظره لا يجب الستر.

***

[مسئلة 8: لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 246

الشيشة بل و لا المرآة أو الماء الصافي.

(1)

أقول: لان مقتضى الجمود على ظاهر الادلة و ان كان عدم جواز النظر بلا واسطة بحيث يقع النظر بلا واسطة إلى العورة، لكن نعلم بان ما هو الملاك في حرمة النظر بلا واسطة موجود في الموارد المذكورة، بل يمكن أن يقال بأن المتفاهم من الادلة حرمة النظر على عورة الغير، و لم يذكر فيها كون النظر بلا واسطة أو مع الواسطة، و كما ان النظر بلا واسطة يعد عند العرف نظرا الى العورة كذلك مع الواسطة، فعلى هذا يستفاد حرمة النظر من وراء الشيشة و المرآة و الماء الصافي من نفس الأدلة فتامل.

***

[مسئلة 9: لا يجوز الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: لا يجوز الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير بل يجب عليه التعدى عنه أو غضّ النظر و اما مع الشك أو الظّن في وقوع نظره فلا بأس و لكن الاحوط أيضا عدم الوقوف أو غضّ النظر.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

الأولى: ما إذا يعلم بانه مع الوقوف في المكان الخاص يقع نظره الى عورة الغير و في الفرض، تارة يعلم بوقوع نظره بلا اختيار الى عورة الغير، ففي هذه الصورة يجب التعدي عن هذا المكان أو غض النظر، لكون وقوفه على هذا علة للوقوع في الحرام، فيحرم الوقوف بلا غض النظر، و تارة يعلم بوقوع نظره على عورة الغير مع الاختيار، فلا يكون الوقوف حراما لعدم كونه علّة تامة للحرام، بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 247

يحرم عليه النظر مع كون عدم النظر مع الوقوف تحت اختياره،

و لهذا لو كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى الفرض الاول كما لا يبعد، فتم ما قال من وجوب التعدي أو غض البصر، و ان كان نظره إلى كلا الفرضين فلا يصح كلامه بالنسبة إلى الفرض الثاني.

الثانية: ما إذا شك أو ظن بان وقوفه في المكان الخاص يوجب وقوع نظره على عورة الغير، فنقول انه لا يجب التعدي عن هذا المكان أو غض النظر يشك أو يظن بوقوع النظر، لان موضع حرمة النظر او وجوب الغض فيما يكون عورة، و مجرد الشك فيها أو الظن الغير المعتبر لا يوجب الغض، لان وجوب الغض موقوف على تحقق موضوعه و هو وجود العورة، نعم كما قال المؤلف رحمه اللّه الاحتياط حتى في صورة الشك او الظنّ الغير المعتبر حسن.

***

[مسئلة 10: لو شك في وجود الناظر أو كونه محترما]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لو شك في وجود الناظر أو كونه محترما فالاحوط الستر.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الاولى: ما إذا شك في وجود الناظر و عدمه،

فنقول بانه مع الشك، تارة تكون معرضية وجود الناظر مثل الحمام مثلا، ففي الحمام تكون معرضية وجود الناظر أو في الشارع و امثالهما، ففي هذا الفرض يكون الاحوط بل الاقوى وجوب الستر.

و يدل عليه الرواية الأولى من الروايات المتمسكة على وجوب الستر لان فيها قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم (إذا اغتسل احدكم في فضاء من الارض فليحاذر على عورته) و ليس وجوب المحاذرة و الامر بها لا لكون فضاء الارض معرضا لوقوع النظر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 248

فاوجب صلّى اللّه عليه و آله و سلم الستر، و كذلك يمكن الاستشهاد بقوله تعالى (وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) لان مقتضى حفظ الفرج المفسّر بالعورة كما عرفت في بعض الروايات هو وجوب الستر فيما يكون معرضا لنظر الناظرين.

و تارة لا تكون معرضية وجود الناظر مثل ما قفل باب بيته فلم تكن معرضية، فلا يجب الستر، و ان شك في وجود الناظر و عدمه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 248

الثانية: ما إذا علم بوجود الناظر و لكن يشك في انه الناظر المحترم أو غير المحترم،

مثل يعلم ان شخصا موجود في البيت و ينظر إليه لكن لا يدري أنه بالغ أو صبي غير مميّز، فهل يجب الستر أم لا، و الاقوى فيها عدم وجود الستر لكون الشبهة مصداقية حيث يشك في انّ الناظر من افراد العام أو الخاص و مع ذلك الاحتياط مستحسن.

***

[مسئلة 11: لو رأى عورة مكشوفة و شك في انها عورة حيوان أو انسان]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لو رأى عورة مكشوفة و شك في انها عورة حيوان أو انسان فالظاهر عدم وجوب الغض عليه، و ان علم انها من انسان و شك في أنها من صبي غير مميز، أو من بالغ، أو مميّز، فالاحوط ترك النظر، و ان شك في انها من زوجته أو مملوكته أو اجنبية، فلا يجوز النظر و يجب الغضّ عنها، لان جواز النظر معلّق على عنوان خاص و هو الزوجية أو المملوكية فلا بد من اثباته، و لو رأى عضوا من بدن انسان لا يدري انه عورته أو غيرها من اعضائه جاز النظر و ان كان الاحوط الترك.

(1)

أقول: في المسألة صور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 249

الصورة الأولى: ما إذا كان وجود العورة معلوما لكن الشك يكون في انها من الحيوان

حتى لا يجب الغض عنه، أو من الانسان حتى يجب الغض عنه، فلا يجب الغض عليه لكون الشبهة مصداقية و لا يجوز التمسك بعموم وجوب الغض عن عورة الانسان فيها فنشك في وجوب الغض و عدمه، فنقول بعدمه بمقتضى البراءة.

الصورة الثانية: ما إذا علم بكون العورة من الانسان، لكن يشك في انها ممن لا يجب الغض عن عورته،

مثل الصبي الغير المميّز، أو تكون ممن يجب الغض عنها، كالبالغ أو الصبي المميز، فنقول بان الاقوى فيها عدم وجوب الغض لكون الشبهة مصداقيته كالصورة الاولى، و لا ادري لم فرقّ المؤلف رحمه اللّه بين الصورتين فقال في الاولى بعدم وجوب الغض، و في الثانية بان الاحوط ترك النظر و ان كان وجه الاحتياط جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، فلا بد من ان يقول بالاحتياط في الاولى أيضا فتأمل.

الصورة الثالثة: ما إذا علم بكون العورة من الانسان، لكن شك في انها من زوجته أو مملوكة

أو من أجنبية، فقد يقال كما قال المؤلف رحمه اللّه بوجوب الغض، و ذكر في وجهه بكون جواز النظر معلق على عنوان خاص و هو الزوجية أو المملوكية، فلا بد من اثبات ذلك فما لم يثبت يكون المصداق محكوما بحكم العام و هو وجوب الغض.

أقول: أن كان نظره إلى ان الحكم الواقعي الثابت للزوجة أو المملوكة و هو جواز النظر متفرع على العلم بكون المرأة زوجة أو مملوكة، فهو واضح الفساد، إذ ليس هذا الحكم مقيدا بالعلم مثل حكم وجوب الغض عن غيرهما فكما ان العام غير مقيد بالعلم كذلك الخاص، و ان كان نظره إلى ان الحكم الواقعي الثابت للزوجة و المملوكة الغير المقيد بالعلم و الجهل في حد ذاته، يجب امتثاله فيما علم بوجود موضوعه.

و بعبارة أخرى الآثار الموجودة للزوجية أو المملوكية لا يترتب عند المكلف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 250

الا بعد فعلية التكليف و تنجزه و هو لا يكون الا مع العلم بوجود الموضوع، فهو صحيح، لكن هذا لا يوجب الا عدم كون المصداق المشكوك محكوما بكونها من الزوجية أو المملوكية، كما لا يحكم بكونها من غيرهما، لكن هذا لا يوجب كون المصداق المشتبه محكوما بحكم العام،

لانه كما انه يشك في كونها من زوجته أو مملوكته كذلك يشك في انها من الاجنبية أم لا، فلا يحكم بكون المصداق محكوما بحكم العام، كما لا يحكم بكونه مصداق الخاص.

و هكذا لو كان نظره إلى ان جواز النظر مترتب على امر وجودي و هو الزوجية أو المملوكية، فكما قلنا يوجب ذلك عدم امكان الحكم بكون المشكوك من الزوجة أو المملوكة، لعدم تحقق هذا الامر الوجودي لكن لا يوجب مجرد ذلك كون المشكوك محكوما بحكم العام، لكونه محكوما بحكم العام مشكوك أيضا لعدم تحقق كونها من غير الزوجة أو المملوكة، فتصل النوبة إلى الاصل العملي، فان كان في البين اصل ينقح الموضوع المشتبه و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه فهو و الّا يحكم بجواز النظر من باب البراءة لا من باب دليل المخصص كى يقال ان الحكم لا يثبت موضوعه.

و قد يقال في المورد المشكوك بعدم جواز النظر، بانه لو ثبت عدم كون المصداق المشكوك من الزوجة أو المملوكة فهي محكومة بحكم العام، و هو عدم جواز النظر، و استصحاب عدم الزوجية أو عدم المملوكية يقتضي ذلك، فببركة الاستصحاب نحكم بعدم كونها زوجته أو مملوكته و بعد عدمهما محكوم المصداق المشتبه بحكم العام.

اقول اجراء الاستصحاب يتصور على نحوين:

الاول: ان يستصحب عدم زوجيته صاحب العورة أو عدم مملوكيته، فيقال الاصل بعدم كون صاحب العورة زوجة أو مملوكة، و بعد عدم كون صاحبها زوجة و مملوكة يقال فالعورة لا تكون من إحداهما.

و فيه ان استصحاب عدم كون صاحب العورة زوجة أو مملوكة، لا يثبت عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 251

كون العورة من الزوجة أو المملوكة الا على القول بالاصول المثبتة، لان

كون العورة منهما أو عدمها من الآثار العقلية لا من الآثار الشرعية حتى يثبت بالاستصحاب الثاني: ان يستصحب عدم كون نفس العورة من الزوجة أو المملوكة، و هذا ليس له حالة سابقة، لانه متى يكون زمان كانت الزوجية أو المملوكية و لم تكن العورة عورتها حتى يستصحب، الا بناء على صحة اجراء استصحاب العدم الازلي و كون عدمها بعدم موضوعها و في زمان لم تكن زوجية أو مملوكية، و قد عرفت في الاصول الاشكال في اجرائه ثم كونه مثبتا على تقدير اجرائه.

أو يقال بوجوب الغض من باب قاعدة المقتضى و المانع، و انه متى لا يثبت المانع يؤثر المقتضى أثره.

و فيه ان القاعدة غير حجّة، فعلى هذا الاقوى عدم وجوب الغض و ان كان الاحوط الغض عنها.

الصورة الرابعة: انه يرى عضوا من بدن الانسان و لكن يشك في انه هل عورتها

حتى يجب الغض أو غير عورتها حتى لا يجب الغض، و هذا يتصوّر فيما لا يكون الغض عن غير عورته واجبا، مثل ما يكون مماثلا أو من محارمه فهل يجب الغض أم لا، مقتضى القاعدة عدم وجوب الغض لكون الشبهة مصداقية، نعم الاحتياط حسن.

تنبيه: اعلم انه كلما يكون التخصيص في عموم وجوب الستر

و وجوب الغضّ لبيّا مثل تخصيص الحكمين بالنسبة إلى الصبي الغير المميّز أو المجنون الغير المميّز فمن يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إذا كان لبّيا، لا بد ان يقول في الشبهات المصداقية من الحكمين فيما كان التخصيص لبّيا بوجوب الستر و وجوب الغض، و لكن حيث انا كما لم نجوّز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية فيما كان التخصيص لفظيا، كذلك قلنا بعدم الجواز فيما كان لبيا، لعدم تمامية الوجه الذي حكى عن الشيخ الانصاري رحمه اللّه، و لا ما قاله المحقق الخراساني رحمه اللّه، و لا ما قاله سيدنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 252

الاعظم آية اللّه البروجردي قدّس سرّه. قلنا في الفروع التي تكون الشبهة في المصداق بعدم جواز التمسك بالعام و ان كان المخصص لبّيا و ان المرجع هو الاصل العملى و حيث لا يكون استصحاب ينقح الموضوع يكون المرجع أصالة البراءة.

***

[مسئلة 12: لا يجوز للرجل و الانثى النظر إلى دبر الخنثى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا يجوز للرجل و الانثى النظر إلى دبر الخنثى، و اما قبلها فيمكن ان يقال بتجويزه لكل منهما للشك في كونه عورة، لكن الاحوط الترك بل الاقوى وجوبه لانه عورة على كل حال.

(1)

أقول: أما عدم جواز نظرهما إلى دبر الخنثى، فلأنّه عورة، فيحرم النظر إليه، و أما النظر إلى قبلها فتارة يقال بان كلا من قضيبها و بضعها، و بعبارة اخرى كل من آلتيها الواقعتين في محل قبلها عورة، فلا اشكال في حرمة النظر الى كل منهما لكل من مماثلها و غير مماثلها لانه مع كونهما عورة لا يجوز النظر إليهما و فيه كما قال في المستمسك: لا دليل على ذلك و ان قال المؤلف رحمه اللّه: بان الاقوى وجوب الستر عن

قبلها لانه عورة على كل حال، نعم يمكن ان يقال بوجوب الغض و عدم جواز النظر إلى قبلها من باب حصول العلم التفصيلي بحرمة النظر في بعض الصور، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه، فهو ان تم في مورده لم يكن عدم جواز النظر من باب كون كل من الآليتين عوره بل يكون لاجل العلم التفصيلي المتولد من العلم الاجمالي لعلمه الاجمالي بكون قبلها أما عورة أو موضعا من بدنها، يجب الستر عنه، و تارة يقال بعدم كون كل من قضيبها و بضعها و بعبارة أخرى قبلها عورة كما قاله المؤلف رحمه اللّه يمكن ان يقال و فيه انه لا يمكن الالتزام بذلك لعدم الاشكال في أنّ قبلها عورة في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 253

الجملة، و ان لم نعلم ان العورة آلتها الرجولية أو الانوثية.

و تارة يقال بان واحدا من قضيبها و بضعها عورة مسلما، لكن لا نعلم انّ العورة ايهما، فنقول ان الكلام تارة يكون في النظر إلى كليهما فلا اشكال في عدم جواز النظر للمماثل أو المحارم أو غير المماثل و غير المحارم، لانه يعلم تفصيلا بانه لو نظر يقع نظره إلى عورتها لان العورة مرددة بينهما، و تارة يقع الكلام في حرمة النظر إلى واحد منهما فقد يقع الكلام في النظر إليها فيما يكون الناظر من محارمها، سواء كان النظر إلى ما يماثل مع عورة الناظر مثل ما كان الناظر الأب، فيقع الكلام في جواز نظر الأب و عدم جوازه إلى قضيبها، و سواء كان الكلام في حرمة النظر إلى غير ما يماثل عورتها مع كون الناظر من المحارم، مثل ما إذا كان الكلام في جواز

نظر الأب و عدمه إلى بضع ولده الخنثى، فالحق حرمة نظر المحرم بلا فرق بين نظره إلى ما يماثل عورته أو ما لا يماثله، لانه بعد العلم الاجمالي بكون احدهما عورة يقتضي تنجز العلم الاجمالي حرمة النظر إلى كل من طرفي العلم الاجمالي، كما نقول في اطراف العلم الاجمالي.

و تارة يكون الناظر من غير المحارم مثل ما يريد رجلا اجنبيا ان ينظر إلى بضعها، فهل يحرم النظر؟ أو لا يحرم النظر، الحق عدم جواز نظره إلى خصوص ما يماثل عورته و جواز النظر إلى ما لا يماثل عورته، فان كان رجلا يجوز له النظر إلى بضعها و لا يجوز له النظر إلى قضيبها، و ان كان الناظر امرأة يجوز النظر له إلى قضيبها و لا يجوز لها النظر إلى بضعها و السر في ذلك انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي و الشك البدوى، فالعلم الاجمالي بحرمة النظر بواحد من القضيب و البضع ينحل بالعلم التفصيلي بحرمة نظر كل من الرجل و المرأة الأجنبية على ما يماثل عورة الرجل أو المرأة و بالشك البدوى بالنسبة إلى النظر على غير ما يماثل عورتهما، لانه بعد العلم التفصيلي بحرمة النظر على ما يماثل عورة الناظر يكون الشك بالنسبة إلى النظر على ما لا يماثل عورة الناظر بدويا كما بيّنا في العلم الاجمالي بانه مع انحلاله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 254

بالعلم التفصيلي في احد طرفيه يكون الشك بالنسبة إلى طرفه الآخر بدويا و يجري الاصل فيه.

فتلخص مما مرّ بانه في غير المحارم لا يجوز النظر، على خصوص ما يماثل عورته مع آلة الخنثى، و جواز النظر على غير ما يماثل عورة الناظر، و اما في

المحارم لا يجوز النظر على كل من مماثل عورة الناظر و عدم المماثل من عورته للعلم الاجمالي.

***

[مسئلة 13: لو اضطر إلى النظر إلى عورة الغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لو اضطر إلى النظر إلى عورة الغير كما في مقام المعالجة فالاحوط ان يكون في المرآة المقابلة لها ان اندفع الاضطرار بذلك و إلّا فلا بأس.

(1)

أقول: في صورة الاضطرار تارة يكون الاضطرار بحيث يحتاج إلى النظر إلى نفس العورة بلا واسطة فيجوز النظر، لان الاضطرار يبيح المحظورات، و تارة يرتفع بالنظر إليها مع الواسطة مثل ما يرتفع بالنظر إليها بواسطة المرآة، فيجوز هذا المقدار، لانه مع اهمية ترك النظر فكل مقدار يمكن حفظه يجب حفظه و النظر إلى العورة بوسيلة المرآة و ان كان نظر إليها لكن ليس مثل النظر إلى نفس العورة، فمع امكان دفع الاضطرار بالمرتبة الادنى لا وجه للارتكاب المرتبة الاعلى.

***

[مسئلة 14: يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة و استدبارها]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم بدنه، و ان امال عورته إلى غيرهما و الاحوط ترك الاستقبال و الاستدبار بعورته فقط، و ان لم يكن مقاديم بدنه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 255

إليهما و لا فرق في الحرمة بين الابنية و الصحارى، و القول بعدم الحرمة في الاول ضعيف، و القبلة المنسوخة كبيت المقدس لا يلحقها الحكم، و الاقوى عدم حرمتهما في حال الاستبراء و الاستنجاء و ان كان الترك احوط، و لو اضطر إلى احد الامرين تخيّر، و ان كان الاحوط الاستدبار و لو دار امره بين احدهما و ترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر، و لو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، و لو ترددت بين جهتين متقابلتين اختار الاخريين، و لو تردد بين المتصلين فكالترديد بين الاربع التكليف ساقط فيتخيّر بين الجهات.

(1)

اقول: يحرم في حال التخلي استقبال القبلة و استدبارها كما هو المشهور

بل عليه الاجماع، كما حكى عن غير واحد من الفقهاء رحمه اللّه

و يدل عليه روايات نذكرها

إن شاء اللّه حتى يظهر لك حكم أصل المسألة و بعض الفروع المتفرعة عليه فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم رفعه (قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبو الحسن موسى عليه السّلام قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم فقال اجتنب افنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت) «1».

الثانية: ما رواها محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّه عن محمد بن يحيى بإسناده رفعه قال سأل أبو الحسن عليه السّلام ما حدّ الغائط (قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 256

و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «1».

الثالثة: ما رواها الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (قال في حديث المناهي إذا دخلتهم الغائط فتجنبوا القبلة قال و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن استقبال القبلة ببول أو غائط) «2».

الرابعة: ما رواها عيسى بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه السّلام قال قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرقوا أو غربوا) «3».

الخامسة: ما رواها ابن أبي عمير عن عبد الحميد

بن أبي العلاء و غيره رفعه (قال سئل الحسن بن علي عليه السّلام ما حد الغائط قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «4».

ثم ان ظاهر الاخبار النهي عن الاستقبال و استدبار القبلة و مقتضاه حرمتهما، نعم حكى عن ابن جنيد من القدماء و بعض من المتأخرين، القول بكراهتهما، و ما يمكن وجهه:

أما كون الاخبار ضعيفة السند، فلا يمكن القول بحرمتهما بمقتضاها، نعم يقال بالكراهة من باب التسامح في ادلة السنن و المكروهات.

و أما اشتمال بعض الاخبار على ما لا يكون حراما، مثل الرواية الثانية المشتملة على النهي عن استقبال الريح و استدبارها حال التخلي، و بعد كون النهي فيه محمولا على الكراهة، لعدم الالتزام بحرمة استقبال الريح و استدبارها، لا بد من حمل النهي عن استقبال القبلة و استدبارها محمولا على الكراهة بقرينة السياق.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

(3) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

(4) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 257

و اما من باب دلالة الرواية التى رواها محمد بن إسماعيل، (قال: دخلت على ابن الحسن الرضا عليه السّلام، و في منزله كنيف مستقبلة القبلة و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها اجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له) «1»، على ان الحكم يكون حكما تأديبيّا و هو يناسب مع الكراهة، لا الحرمة.

و فيه، اما ضعف سند الروايات، فبعضها و ان

كان مرفوعا، و لكن بعضها يكون مسندا، و مع ضعف السند فرضا ينجبر الضعف بعمل المشهور، على طبقها و لم ينقل الخلاف إلّا عن قليل.

و اما اشتمال بعض الاخبار على بعض المكروهات، نقول:

امّا أولا: فمع عدم كون النهي بهيئة واحدة، فلم يقل لا تستقبل القبلة و لا الريح، بل قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، ثم قال و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها، لا يوهن ظهور النهي في التحريم.

و ثانيا: بعد كون استقبال الريح مكروها، لا يوجب إلّا حمل النهي في هذه الرواية على مطلق المرجوحيّة، و هذا لا يوجب وهن في ساير الاخبار و ظهوره في الحرمة.

و اما ما قيل من كون الحكم تأديبيّا و هو يناسب الكراهة و الاستشهاد به بما رواه محمد بن إسماعيل، ففيه، أولا: كون الحكم تأديبيّا غير معلوم، بل معلوم العدم، لأنه ترك الاستقبال إن كان أدبا فترك الاستدبار لم يكن أدبا.

و ثانيا: ان ما في رواية محمد بن إسماعيل من كون الحكم لا جلال القبلة لو قلنا بدلالته على كون الحكم من باب رعاية الأدب، و هذا مناسب مع الكراهة غير تمام، إذا لا قرينة على كون الحكم الذي ملاكه ان حكمته الأدب ان يكون مكروها بحيث يوجب صرف ظهور النهي في الحرمة.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 258

و ما قيل من ان الوعد بالثواب فقط في الرواية على تركه يشهد على كون ترك الاستقبال و الاستدبار مكروها لا حراما، لأنه لو كان حراما كان المناسب التوعيد بالعذاب، لا وجه له، لعدم كون ذلك قرينة يوجب لاجلها صرف النظر عن ظهور النهي

في التحريم.

و مع قطع النظر، عن كل ذلك، لو لم يكن لخصوص هذه الرواية فرضا ظهور في التحريم، حسبنا سائر الروايات، و العمدة الشهرة، بل الاجماع كما عرفت، فلا اشكال في حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال الخلوة.

إذا عرفت حال أصل المسألة،

يقع الكلام في فروع:
الفرع الأوّل: هل الاستقبال و الاستدبار المحرم حال الخلوة، هو الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن

و العورة كليهما، أو العبرة ترك استقبال مقاديم البدن و استدباره للقبلة، و ان كانت عورته نحو القبلة، مثل ما جلس حال الخلوة و مقاديم بدنه منحرفا عن القبلة، لكن حرّف عورته نحو القبلة، أو العبرة ترك استقبال القبلة و استدبارها بعورته، و ان كان مقاديم بدنه مستقبل القبلة أو مستدبرها.

المشهور، الأوّل، و قال بعض بكفاية ترك استقبال القبلة و استدبارها بالعورة فقط، و ان كان مقاديم بدنه مستقبلها أو مستدبرها.

و منشأ الخلاف هو ما يتراءى من اختلاف لسان الاخبار، فمن بعضها يستفاد كون العبرة باستقبال مقاديم البدن أو استدباره عن القبلة، مثل الرواية الثانية، فان قوله عليه السّلام لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، يكون ظاهره مثل ساير الموارد التي أمر باستقبال القبلة، هو الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن، و مثلها الرواية الرابعة و الخامسة.

و من بعضها يستفاد كون العبرة باستقبال نفس العورة و استدبارها، مثل الرواية الأولى و الثالثة، فان قوله عليه السّلام، فلا تستقبل القبلة بغائط و لا بول، يكون معناه النهي عن وقوع مخرجهما مقابلا أو مستدبرا للقبلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 259

و لكن الأقوى كما ذهب إليه المشهور، كون العبرة في ترك استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن و العورة كليهما، لان ما تخيل من كون العبرة باحدهما، ليس إلّا من باب ما يرى من كون مقتضى بعض الاخبار حرمة استقبال العورة و استدبارها

للقبلة و عدم حرمة استقبال مقاديم البدن و استدبارها للقبلة.

أقول بان النسبة بين الطائفتين من الاخبار و ان كان العموم من وجه، و كون مقتضى اطلاق بعضها هو حرمة استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن في الامتثال، سواء كانت عورته مستقبل القبلة أو مستدبرها أم لا، و مقتضى بعضها حرمة الاستقبال و استدبارها بنفس العورة، و اطلاقه يقتضي كفاية ذلك في مقام الامتثال، بلا فرق بين كون مقاديم البدن مستقبلها أو مستدبرها، لكن لم يكن مفاد كل من الطائفتين نفي الآخر، إذ لم يكن مفاد كل منهما اثبات الحرمة فقط، و ليس مقتضى ما دل على كون العبرة بمقاديم البدن، هو عدم حرمة استقبال العورة أو استدبارها، و الحال ان مقتضى الطائفة الاخرى حرمة ذلك.

و كذلك فيما لا تكون العورة مستقبلها و لا مستدبرها، و لكن مقاديم البدن مستقبلها أو مستدبرها، ليس مقتضى ما دلّ على ان العبرة باستقبال العورة عدم حرمة تخلّي في هذا الحال و ان كان مقاديم البدن مستقبلها أو مستدبرها.

إذا عرفت ذلك نقول، لم يكن على هذا بين الطائفتين تعارض، بل مقتضى حرمة كل من الامرين بمقتضى الطائفتين من الاخبار هو حرمة استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن و بالعورة، مضافا إلى ان مفاد الاخبار ليس إلّا امرا واحدا و هو ترك الاستقبال و استدبار القبلة بكل من مقاديم البدن و العورة، لا نا نقول:

امّا أوّلا: بعد كون الغالب بل الاغلب هو تحصيل استدبار القبلة و استقبالها بمقاديم البدن و بالعورة أيضا حال التخلّي، لانه قل مورد يوجد ان احدا يستقبل القبلة أو يستدبرها بمقاديم بدنه و يحرّف عورته إلى غير القبلة و بالعكس، بل هو مجرد الفرض أو الاندر من

النادر، بل المتعارف في مقام قضاء الحاجة الجلوس بنحو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 260

لو انحرف عن القبلة بمقاديم بدنه، ينحرف بعورته أيضا، و لو استقبل فرضا إلى القبلة أو استدبر بمقاديم بدنه، يستقبل أو يستدبر بعورته أيضا، و بعد هذا التعارف فالروايات منزّلة على المتعارف و لا يشمل غير المتعارف من رأس حتى يقع مورد الكلام، فالنهي عن الاستقبال أو الاستدبار بمقاديم البدن أو بالعورة، لا يفيد إلّا امرا واحدا.

و امّا ثانيا: بعد كون العورة عبارة عن القبل و الدّبر، ففي القبل بالنسبة إلى الرجل ان كان يفرض امكان الانحراف بآلته و لاجل ذلك يمكن التفكيك خارجا بين الاستقبال و الاستدبار عن القبلة، و بين استدبارها أو استقبالها بعورته، لكن لا يمكن التفكيك بينهما بالنسبة إلى دبر كل من الرجل و المرأة، و بالنسبة إلى قبل المرأة و دبرها، لانه حتى يستقبل القبلة بمقاديم البدن يحصل استقبال الدبر في الرجل و المرأة، و في المرأة تحصيل استقبال القبل أيضا، و كذلك في الاستدبار بمقاديم البدن فبعد عدم امكان التفكيك في الدبر، على كل حال فإذا قال لا تستقبل القبلة بغائط أو لا بول، لا معنى لذلك الاستقبال بمقاديم البدن أيضا.

فلهذا نقول الاقوى حرمة الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن و بالعورتين، و ان قال المؤلف رحمه اللّه بأنّ الاحوط ترك استقبال القبلة و استدبارها بالعورة مع تحقق ترك الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن.

الفرع الثاني: لا فرق في الحرمة بين الابنية و الصحاري،

لاطلاق الأدلة، بل التصريح في بعضها في الأبنية، مثل الرواية الثالثة و الرابعة من الروايات المتقدمة، و حكى عن بعض كابن الجنيد و المفيد و سلار عدم حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال التخلّي في الابنية، و لعلّ

منشأه الرواية التي رواها محمد بن إسماعيل المتقدمة ذكرها، (قال دخلت على بن الحسن الرضا عليه السّلام و في منزله كنيف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 261

مستقبل القبلة (الخ) «1»)، بدعوى ان جعل الكنيف مستقبل القبلة دليل على عدم الحرمة في الأبنية.

و فيه، انه لا يستفاد كون بناء الكنيف مستقبل القبلة بامر الإمام عليه السّلام أوّلا، و كون بناء الكنيف مستقبل القبلة محرم، غير معلوم، و انما المحرم استقبال القبلة و استدبارها حال التخلّي و ثانيا فلا يستفاد من الرواية جواز استقبالها حال الخلوة في الابنية، فإذا الاقوى عدم الفرق في الحكم بين الابنية و الصحاري.

الفرع الثالث: هل يحرم استقبال القبلة المنسوخة،

أي بيت المقدس و استدبارها حال التخلّي، أم لا؟

الحق عدم الحرمة، لعدم دليل على التحريم، و الروايات الواردة في المسألة تدلّ على حرمته بالنسبة إلى الكعبة المشرّفة، لأنها القبلة عند صدور الروايات.

الفرع الرابع: هل التحريم مخصوص بحال التخلي فقط،

فلا يحرم حال الاستبراء و الاستنجاء، أو يحرم في حالهما أيضا.

ما يمكن ان يكون وجها لحرمة حالهما أمور:

الأمر الأوّل: ما في الرواية 4 من الروايات المتقدمة، (إذا دخلتم المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها (الخ)) بدعوى دلالتها على ان الانسان ما دام يكون في المخرج، أي بيت الخلاء، يحرم عليه استقبال القبلة و استدبارها، و من جملته حال الاستبراء و الاستنجاء.

و فيه، انه لو كان يؤخذ بهذا الاطلاق كان اللازم الالتزام بحرمته حتى في غير حال التخلّي و الاستبراء و الاستنجاء إذا كان في بيت الخلاء، و الحال انه لا يلتزم به احد و إذا لم يمكن القول بذلك، نفهم انها تبيّن ما بيّن في ساير الاخبار و هو حرمته حال التخلي، إذا لم تبيّن هذه الاخبار إلّا حكما واحدا.

الأمر الثاني: ما في رواية محمد بن إسماعيل المتقدم ذكرها، من كون التحريم

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 262

من باب اجلال الكعبة، و حكما تأديبيّا، و هذا الملاك و المناط يقتضي التحريم حتى حال الاستبراء و الاستنجاء.

و فيه، انه كما بينّا سابقا لم نفهم كون مجرد ذلك ملاك الحكم، حتى نسري إلى غير مورده، بل يمكن دعوى عدم كون ذلك ملاكا، لأن الاستدبار لا يناسب الاجلال.

الأمر الثالث: ما في رواية التي رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قلت له الرجل يريد اين يستنجى كيف يقعد،

قال كما يقعد للغائط، قال و انما عليه ان يغسل ما ظهر منه و ليس عليه ان يغسل باطنه) «1»، بدعوى دلالتها على انه يجب القعود حال الاستنجاء، كما يقعد حال التغوط، فكما يحرم عليه ان يقعد حال التخلي مستقبل القبلة أو مستدبرها، كذلك حال الاستنجاء، و هذه الرواية على فرض دلالتها لا تدلّ إلّا على حرمته حال الاستنجاء، و أما حال الاستبراء فلا تدل عليه.

و فيه، ان ظاهر الرواية كونها في مقام بيان كيفية الجلوس من وضع ثقالة البدن على كلتا الرجلين، أو على رجل اليسرى، أو الجلوس بنحو يمكن تطهير باطن المخرج بادخال الانملة على داخل العورة، كما ينسب إلى العامة من تطهير الباطن بالانملة، و لذا صار مورد السؤال في بعض الروايات، و لا ريب في ان هذا يوجب زيادة التفريح حال القعود، فيسأل السائل عن هذه الجهة، كما يشهد بذلك ذيل الرواية، فالرواية غير مربوطة بالمقام.

نعم كما قال المؤلف رحمه اللّه الاقوى عدم حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال الاستبراء و الاستنجاء و لكنه احوط.

ثم ان عدم تحريم استقبالها و استدبارها حال الاستبراء يكون فيما يشك في اخراج البول عن المخرج حال الاستبراء أو الظن الغير المعتبر، و لكن إذا علم أو

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 37 من أبواب احكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 263

اطمأن كما هو الغالب من خروج قطرة أو قطرات من البول حين الاستبراء، فيحرم استقبالها و استدبارها حتى في هذا الحال، لانه في الحقيقة يكون حال التخلّي و اخراج البول، فافهم.

الفرع الخامس: إذا دار الامر لاجل الاضطرار بين ارتكاب أحد الامرين

من استقبال القبلة أو استدبارها حال التخلي، فهل يكون مخيرا بين ارتكاب أيّ منهما شاء، أو يكون الواجب

ارتكاب الاستدبار فيستدبر القبلة حاله.

قد يقال بتقديم الاستدبار من باب كون ملاك الحكم هو التأدب و اجلال الكعبة المشرّفة و استقبالها أو استدبارها مخالف لذلك و لهذا نهى عنه.

و نحن و ان قلنا بعدم كون الملاك هذا، و لكن يكفي في الاخذ بالاستدبار احتمال ذلك، لأنّ و ان احتملنا كون الاستقبال أو الاستدبار بها حال الخلوة توهين بها، فحيث يكون وهن الاستدبار اقل من وهن الاستقبال، يحكم العقل بالاخذ بمحتمل الاهمية و تركها و هو الاستقبال، ففي مقام الاضطرار بارتكاب أحد الامرين يرتكب الاستدبار.

الفرع السادس: لو اضطر بين واحد من الاستقبال و الاستدبار

و بين ترك الستر مع وجود الناظر المحترم، فالاقوى وجوب الستر لما يرى، من أهميّة حفظ الستر لدى المتشرعة الكاشف من اهميته عند الشارع، مثل دوران الامر بين الستر و الركوع و السجود فقد رفع اليد عن الركوع و السجود الاختياري لحفظ الستر، و اكتفى بالايماء بهما، و كذا فيما دار الامر بين الستر و الساتر النجس فجوّز الصلاة مع الساتر النجس لحفظ الستر.

الفرع السابع: لو اشتبهت القبلة،
اشارة

فتارة يمكن للمكلّف تحصيل العلم أو ما يقوم مقامه بها، فيجب ذلك، لكون التكليف بالنسبة إلى الشرط مطلقا فيجب تحصيل الشرط، فما حكى من صاحب المدارك من عدم حرمة استقبال القبلة أو استدبارها في هذا الحال، غير تمام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 264

و تارة لا يتمكّن من تحصيل العلم و لا مما يقوم مقامه، فنقول، ان للمسألة صور:

الصورة الأولى: ان تشتبه القبلة بين اربع جهات،

فهل يتخيّر في التخلّي في أي جهة شاء من الجهات الأربع، و لو كان ظانا بكون القبلة في واحدة منها، أو يتعيّن الأخذ بالظن مع وجوده، و التخيير إذا لم يظنّ باحدى الجهات.

الاقوى الثاني، و قد ذكر وجوها لتعيّن الاخذ بالظن مع تحقّقه و مع عدمه التخيير نذكرها و نذكر الوجه الوجيه منها ان شاء اللّه:

الوجه الأوّل: الحاق حكم دوران وجود القبلة في اربع جهات و عدم معلومية جهتها بباب الصلاة، فكما انه إذا اشتبهت القبلة بين اربع جهات، يجب الاخذ بجهة المظنونة منها، فكذلك في حال التخلّي يحرم استقبال الجهة المظنونة و استدبارها من بين الجهات الأربع.

و فيه، ان هذا قياس و ليس من مذهبنا.

الوجه الثاني: انا نكشف من النهي عن استقبال القبلة و استدبارها قيام الظن مقام العلم.

و فيه، ان الاخبار ليست إلّا في مقام بيان حكم واقعي عارض على موضوع واقعي، و لم تكن متعرّضة لطريق الحكم من العلم أو الظنّ.

الوجه الثالث: استصحاب بقاء التكليف، فيحكم العقل بالاكتفاء في مقام الامتثال بالظن حتى لا يلزم التكليف بما لا يطاق، لانه مع فرض بقاء التكليف في هذا الحال، ان كان الواجب تحصيل العلم فعلى الفرض غير مقدور فيجب الاكتفاء بالظن بحكم العقل.

و فيه، كما قيل انه ان كان النظر إلى التكليف

التحريمي الواقعي الثابت لاستقبال القبلة و استدبارها حال الخلوة على المكلّف، فهو معلوم لا حاجة إلى استصحابه، غاية الامر بعد عدم التمكّن من امتثال هذا التكليف لاشتباه القبلة بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 265

اربع جهات، يكون الكلام في ان التكليف ساقط لعجز المكلّف عن امتثاله، أو لا بد من الاكتفاء بالامتثال الظنّي، و العقل مع عدم تمكّن المكلّف من الامتثال العلمي يحكم بعدم وجوب تحصيله، لا يلزم الاخذ بالظن في مقام الامتثال.

أقول: و ما يأتي بالنظر كون حاصل هذا الوجه و كذا ما قاله الشيخ الانصاري رحمه اللّه هو دعوى حجيّة الظن المطلق، و لزوم الأخذ به مع عدم التمكّن من العلم، و العلمي بدعوى الانسداد في خصوص المورد و كون الظنّ لازم الاتّباع في المورد من باب دليل الانسداد، لانه مع فرض بقاء التكليف بترك الاستقبال و استدبار القبلة حتى مع اشتباهها بين اربع جهات، لعدم رفع الشارع يده عن حكمه لاجل الاشتباه، و مع فرض عدم تمكّن المكلّف من الأخذ بعلم و لا علمي لعدم وجود ظن خاص، مثل عدم تحقّق العلم بجهة القبلة، فلا بد من أن يقال: اما بانّ العقل يحكم بكون اللازم الاخذ بالظن بناء على الحكومة، أو بأن العقل يكشف اكتفاء الشارع بالظن، و على كل حال تكون النتيجة العمل بالظن، و لا يبعد تمامية هذا الوجه، و لهذا لا بد من الأخذ بالجهة المظنونة و ترك استقبال الجهة المظنونة كونها جهة القبلة و ترك استدبارها.

الوجه الرابع: و هو ما رواها زرارة قال، قال أبو جعفر عليه السّلام (يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة) «1»، تدل على اجزاء التحرّي، و الأخذ

بطرف الراجح، أعني الظن إذا لم يعلم وجه القبلة.

و استشكل بالرواية بأنّها منصرفة إلى مورد يجب استقبال القبلة، فلا تشمل المورد الذي حرّم فيه استقبال القبلة.

و فيه، انه لا وجه للانصراف، و لعلّ سبب توهّم الانصراف ذكرها في باب القبلة من الصلاة، و على كل حال بعد عدم تسلّم الانصراف لا مانع من الاخذ

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب القبلة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 266

بإطلاق الرواية.

فتلخّص انه مع امكان تحصيل الظنّ و حصوله، يكتفي به فيحرم استقبال الجهة المظنونة و استدبارها حال التخلّي، و لزوم التخلّي إلى غير الجهة المظنونة، و اما مع عدم الظن بجهة تكون الوظيفة، التخيير.

الصورة الثانية: ان تشتبه القبلة بين جهتين متقابلتين،

فالتكليف اختيار غير هاتين الجهتين، اعني الجهتين الأخيرتين، لان مقتضى العلم الاجمالي بكون القبلة في الجهتين المتقابلتين يحرم التخلّي مستقبلا و مستدبرا الى كل منهما.

الصورة الثالثة: لو اشتبهت القبلة بين الجهتين المتصلتين،

فيكون مثل الترديد بين اربع جهات، فمع الظن بكونها في جهة لا يستدبر و لا يستقبل هذه الجهة، و مع عدم الظن يكون مخيرا.

ثم اعلم، ان ما قلنا من الأخذ بالظن مع حصوله و التخيير مع عدم الظن بكون القبلة بعض الجهات، يكون فيما يضطر الشخص بالتخلّي فعلا، و اما لو امكن له الصبر و الانتظار فيجب عليه الصبر خصوصا مع رجاء حصول العلم، أو العلمي له بجهة القبلة بعد ذلك، لان التكليف التحريمي باستقبال القبلة و استدبارها فعلى منجّز، إلّا إذا بلغ بحدّ لا يتمكن من امتثال التكليف فهو مخيّر، و مع امكان الصبر لا يسقط التكليف، و لا وجه للاخذ بطرف المظنون، لان القدر المتيقّن من مورد الاكتفاء به صورة الاضطرار.

***

[مسئلة 15: الاحوط ترك اقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الاحوط ترك اقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا و لا يجب منع الصبي و المجنون إذا استقبلا و استدبرا عند التخلّي و يجب ردع البالغ العاقل العالم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 267

بالحكم و الموضوع من باب النهي عن المنكر، كما انه يجب ارشاده ان كان من جهة جهله بالحكم، و لا يجب ردعه ان كان من جهة الجهل بالموضوع، و لو سأل عن القبلة، فالظاهر عدم وجوب البيان، نعم لا يجوز ايقاعه في خلاف الواقع.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الأولى: هل يحرم اقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبل القبلة أو مستدبرها أو لا؟

وجه التحريم كون ذلك استقبال القبلة أو استدبارها ببدن الغير، فيشمله اطلاق الادلة، لان النهي عن استقبال القبلة و استدبارها حال التخلّي سواء كان ببدنه أو ببدن الغير.

و فيه، ان ظاهر النواهي استقبال القبلة و استدبارها ببدنه، لانه إذا قال لا تستقبل القبلة، يكون المراد ان المكلّف المخاطب لا يستقبل القبلة و هو يتحقق بترك استقبال نفسه و استدبارها عنها، فالاقوى عدم التحريم، و ان كان الاحتياط حسن.

المسألة الثانية: هل يجب على المكلّف منع غير المكلّف

كالمجنون و الصبي الغير المميّز عن استقبالها أو استدبارها حال الخلوة؟

الحق العدم، لعدم دليل عليه، و مع الشك في وجوب الردع يكون المرجع البراءة.

المسألة الثالثة: يجب ردع البالغ العاقل العالم بالحكم و الموضوع ان استقبل أو استدبر القبلة حال الخلوة،

لوجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هذا من صغرياته.

المسألة الرابعة: يجب ارشاد الجاهل بالحكم،

و يكفي دليلا عليه آية النفر، مضافا إلى حكم العقل به، و اما الجاهل بالموضوع، فلا دليل على وجوب تنبيهه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 268

المسألة الخامسة: لو سئل شخص عن القبلة،

هل يجب على المسئول عنه البيان أو لا يجب ذلك؟ الاقوى عليه البيان، لوجوب ارشاد الجاهل.

المسألة السادسة: هل يجوز إيقاع السائل في خلاف الواقع أم لا؟

الاقوى عدم جواز ايقاع السائل في خلاف الواقع.

***

[مسئلة 16: يتحقّق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل إلى احد الطرفين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: يتحقّق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل إلى احد الطرفين و لا يجب التشريق و التغريب و ان كان احوط.

(1)

أقول: لان الروايات الواردة في المسألة لا تدل إلّا على حرمة استقبال القبلة و استدبارها، و هذا يحصل بمجرد الميل إلى أحد الطرفين.

نعم في الرواية 4 من الروايات المتقدمة و هي رواية عيسى بن عبد اللّه الهاشمي قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم (و إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرقوا أو غربوا)، و يتوهم دلالتها على وجوب التشريق و التغريب.

و فيه، انه بعد عدم نقل قائل بوجوب التشريق و التغريب، و قابلية حمل هذه الفقرة من الرواية على الامر بالميل إلى جهة المشرق و المغرب، لا خصوص نقطة المشرق و المغرب لحصول ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل، أو حمل الامر بالتشريق و التغريب على الاستحباب، و يقال لاجل هذا الامر الاستحبابي بان التشريق و التغريب أحوط استحبابا.

و الحاصل، انه اما لا بد من طرح الخبر في هذه الفقرة أو حملها على الوجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 269

لعدم حكاية قائل به، أو توجيها باحد النحوين.

***

[مسئلة 17: الاحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: الاحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال و الاستدبار بقدر الامكان، و ان كان الاقوى عدم الوجوب.

(1)

أقول: وجه ذلك اما عدم اطلاق للروايات يشمل المورد، لان موارد الاخبار جلها أو كلها هو حال التخلّي أعني في حال يذهب الانسان للتخلية، فلا يشمل من يدر بوله أو يخرج غائطه دائما، أو كون الاخبار على فرض اطلاق لها منصرفا عن هذا المورد، و لكن مع ذلك الاحتياط حسن، لو لم

يصل إلى حد العسر و الحرج كما في بعض موارد المسألة.

***

[مسئلة 18: عند اشتباه القبلة بين الاربع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: عند اشتباه القبلة بين الاربع لا يجوز ان يدور ببوله إلى جميع الاطراف، نعم إذا اختار في مرة احدها لا يجب عليه الاستمرار عليه بعدها، بل له ان يختار في كل مرة جهة أخرى إلى تمام الاربع و ان كان الاحوط ترك ما يوجب القطع باحد الامرين و لو تدريجا خصوصا إذا كان قاصدا ذلك من الأوّل، بل لا يترك في هذه الصورة.

(2)

أقول: أما عدم جواز ادارة البول إلى جميع الاطراف فللعلم بمخالفة القطعية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 270

للتكليف التحريمي بالاستقبال و الاستدبار، لان احد الاطراف وجه القبلة فبادارة البول إلى جميع الاطراف ارتكب المحرم، فلا يجوز ادارة البول.

و اما إذا اختار مرة احد الاطراف للتخلّي، هل يجب الاستمرار على هذا الطرف بعد ذلك؟ فلا يجوز التخلّي في المرات البعدية إلى سائر الاطراف أو يجوز ذلك؟ و بعبارة أخرى هل التخيير بين الجهات الاربع فيما اشتبهت القبلة تخيير البدوي أو استمراري؟

قد يقال بكون التخيير استمراريا فيجوز في الدفعات البعدية التخلّي إلى ساير الجهات غير الجهة التي تخلّى إليها في الدفعة الأولى، لان الأمر دائر بين احتمال الموافقة القطعية و احتمال المخالفة القطعية و بين الموافقة القطعية و المخالفة القطعية، و لا يكون الاول بنظر العقل أولى من الثاني. و اما الدوران، فلانه لو اختار التخلّي في المرات البعدية الطرف الذي اختاره أوّلا، بمعنى انه يتوجّه في التخلّي مطلقا طرفا واحدا من الاطراف الاربعة، فهو ان لم يعلم بالمخالفة القطعية للنهي المتعلق باستقبال القبلة و استدبارها، لكن لا يعلم بالموافقة القطعية، لان المحتمل كون هذا الطرف

القبلة، كما ان المحتمل عدم كونه طرف القبلة، فمع هذا الشك، لا يعلم بالموافقة القطعية كما لا يعلم بالمخالفة القطعية.

و لو اختار في كل مرة من المرات البعدية غير الطرف السابق، و بعبارة أخرى تخلّى كل مرة عن أحد من الاطراف الأربعة فبعد اربع مرات و ان كان يعلم بالمخالفة القطعية للتكليف، لكن يعلم بالموافقة القطعية لانه بعد التخلّي إلى الجهات الاربع فهو و ان تخلّى مرّة إلى القبلة و مرة مستدبرا لها فخالف التكليف المتوجه إليه بترك استقبال القبلة، و بترك استدبار القبلة لوقوع مرة من المرّات الاربع حال التخلّي مواجها للقبلة أو مستدبرا لها مرة، لكن يعلم بالموافقة القطعية أيضا، لأنه بعد اربع مرّات يعلم بوقوع تخليه على غير جهة القبلة مرّتين، فهو امتثل التكليف مرّتين قطعا، و إذا دار الامر بين الموافقة و المخالفة الاحتمالية للعلم بالتكليف، و بين الموافقة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 271

و المخالفة القطعية للعلم، لا يكون الاول أولى من الثاني بنظر العقل، فيكون التخيير تخييرا استمراريا و ثمرته جواز التخلّي في المرات البعدية إلى غير الجهة التي تخلّى إليها في المرة الأولى.

و لكن ما يأتي بالنظر عاجلا، هو عدم جواز التخلّي في المرّات البعدية إلى غير الجهة التي تخلّى إليها في المرة الأولى، لانه في المرة الأوّلى لا يجوز التخلّي إلى اربع جهات، و وجهه ليس إلّا أن العقل مع تنجز العلم الاجمالي يحكم بموافقة القطعيّة و حرمة مخالفة القطعية، و إذا لا يتمكن من موافقتها القطعية يحكم لا أقل بحرمة مخالفة القطعية، و ثمرته عدم جواز التخلّي في دفعة واحدة إلى الجهات الاربع، كما في فرض ادارة البول قلنا بعدم جوازها، فكذلك

بعد العلم الاجمالي بكون القبلة في احدى الجهات الاربع، فلو اراد التخلي اربع مرات في كل مرة إلى جهة من الجهات الاربع، فالعلم الاجمالي يحصل له بحرمة استقباله الى جهة من الجهات و حرمة استدباره إلى جهة من الجهات الاربع، فكما ان العقل يحكم بوجوب الموافقة القطعية و حرمة المخالفة القطعية إن كان متمكنا من كل منهما، فكذلك يحكم بعد ما يرى عدم قدرة المكلّف من الموافقة القطعية لاضطراره بالتخلّي يحكم بحرمة المخالفة القطعية لتمكّنه عن عدم المخالفة القطعية، فلا دوران كما توهم بين الموافقة الاحتمالية و المخالفة الاحتمالية و بين المخالفة القطعية و الموافقة القطعية، حتى يقال لا يحكم العقل بتقديم الاولى على الثانية، بل بعد العلم الاجمالي بحرمة استقبال احد الاطراف، و حرمة استدبار احد الأطراف من الجهات الاربع في التخلّي إلى اربع جهات، و فرض اضطراره إلى التخلّي يحكم العقل بحرمة المخالفة القطعية،

و اثرها عدم جواز التوجه في المرات الاربعة و ما بعدها مع اشتباه القبلة إلى طرف واحد.

نعم كما يجوز له في اربع مرات التوجه إلى طرف واحد حال التخلي، يجوز له التخلي إلى طرف آخر أيضا بشرط كون هذا الطرف، الطرف المقابل للطرف الأوّل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 272

و ان كان الطرف الغير المقابل له يعلم بالمخالفة القطعية، مثلا إذا توجّه الأوّل نحو نقطة المشرق يجوز التوجه في الثانية إلى نقطة المغرب، فلا يعلم بالمخالفة القطعية،

لكن إذا توجّه في المرة الثانية بنقطة الجنوب، أو الشمال يعلم بمخالفته القطعية، لانه بعد ذلك اما استدبر القبلة حال التخلّي أو استقبلها و القبلة أما في المشرق أو في المغرب، فبالتوجه إلى المشرق اما استقبلها أو استدبرها، و اما نقطة

الشمال أو الجنوب فالتوجّه بالجنوب أو بالشمال أما استقبلها أو استدبرها، فيقطع بعد التوجه بالمشرق و الجنوب إنه استقبل القبلة أو استدبرها، لان التوجه إلى طرفين من اربع اطراف بالنحو الذي قلنا، لا يوجب المخالفة القطعية كما لا يوجب المخالفة الاحتمالية، بل حال التوجه بالطرفين من الاربع حال التوجه إلى طرف واحد إذا كان بالطرف المقابل للطرف الأول على ما عرفت هذا.

فتلخّص ان الاحوط بل الاقوى هو كون التخيير بدويا لا استمراريا، فلا يجوز التوجه بأربع جهات حال التخلي في مرات أربعة.

ثم انه قال بعض اعاظم معاصرينا في شرحه على العروة، بانه فيما يبول مرة واحدة يكون الموضوع مثل المرات المتعددة باعتبار تعدّد قطرات البول، فان لم نجوز التخلّي إلى اربع جهات مع اشتباه القبلة لحصول العلم بالمخالفة القطعية فكذلك في المرة الواحدة، و ان جوّزنا ذلك في المرات العديدة، كما اختار المؤلف رحمه اللّه فكذلك في المرة الواحدة، لان البول في المرة الواحدة يكون متعددا باعتبار تعدّد قطراته، فكما ان المرات المتعددة وقائع متعددة باعتبار تعددها كذلك المرة الواحدة وقائع متعددة باعتبار تعدد قطراته، فان جوزنا المخالفة القطعية في الصورة الاولى، فلا بد ان نجوز في الصورة الثانية.

فلو بال إلى الاطراف بان يدور ببوله لا وجه لعدم الجواز، لو قلنا بالجواز، فيما بال مرات اربع إلى الجهات الاربع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 273

و فيه: ان صيرورة المرات المتعددة وقائع متعددة يكون لاجل تعدّد وجودها، فكل وجود يصير مورد التكليف الشرعي أو العقلي بخلاف القطرات في المرة الواحدة، فليس لكل من القطرات وجودا منحازا عن الاخرى حتى يكون كل منهما مورد التكليف مستقلا، فمع علمه بكون القبلة في طرف من الاطراف

الاربعة لا يجوز ان يبول مستقبلا لها أو مستدبرها، و يقتضي هذا العلم بحكم العقل عدم جواز التخلي في كل من الاطراف الاربعة لوجوب موافقة هذا العلم و حرمة مخالفته غاية الامر في المورد لاجل الاضطرار بالتخلّي يسقط بحكم العقل وجوب موافقته القطعية، لكن يحرم مخالفته القطعية، و لأجل هذا يحرم عليه البول بنحو يوجب المخالفة القطعية مثل ان يدور ببوله إلى جميع الاطراف، لانه لو بال دورا يعلم بالمخالفة القطعية و لا يعلم بالموافقة القطعية، لانه بعد كون الواقعة واحدة، و على الفرض توجه بادارة بوله نحو القبلة و استدبرها أيضا، فقد خالف الواقع و ارتكب الحرام في البين مسلما و لم يوافق الواقع.

و هذا بخلاف الصورة الثانية و كون المفروض وقائع متعددة فانه يفرض الموافقة القطعيّة كما يفرض المخالفة القطعية كما مر بيانه، فالفرق بين الصورتين معلوم، و نحن و إن قلنا في الصورة الثانية و هي ما يتخلّى أربع مرات إلى الاطراف الاربعة، لكن لأجل ما بينّا من فرض العلم الاجمالي و ان كانت وقائع متعددة، فظهر لك فساد ما توهّمه.

ثم انه لا فرق من عدم جواز التوجه حال التخلّي إلى سائر الجهات إذا كان بحيث يوجب القطع بالمخالفة القطعية بتفصيل مر هنا بيانه، بين ما إذا كان قاصدا من الأول الأمر قبل ان يتخلّى إلى احدى الجهات الأربع للتخلّي بنحو يحصل له العلم بالمخالفة القطعية، و بين ما يبدو له ذلك بعد ان تخلى في المرة الاولى إلى جهة منها، كما قلنا من ان المحذور و هو المخالفة القطعية و هو غير جائز بحكم العقل سيان بين صورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 274

القصد و عدمه، فما

قاله المؤلف رحمه اللّه من ذكر الخصوصية لما إذا قصد من أول الامر التخلّي إلى اربع جهات بالنسبة إلى ما لم يقصد ذلك، لا وجه له.

***

[مسئلة 19: إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء، فالاحتياط بترك الاستقبال أو الاستدبار في حاله اشدّ.

(1)

أقول: و قد بينا سابقا بانه و ان لم يكن الاستقبال و استدبار القبلة حال الاستبراء محرّما في حدّ ذاته، لكن إذا علم بوجود شي ء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء، يحرم استقبالها و استدبارها حال الاستبراء، لانّه على هذا يكون حال التخلّي و لأنّه باستعانة الاستبراء يتخلّى البول و يحرم استقبالها و استدبارها حال التخلّي كما عرفت، فالاقوى الحرمة في هذه الصورة.

***

[مسئلة 20: يحرم التخلّي في ملك الغير من غير اذنه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يحرم التخلّي في ملك الغير من غير اذنه حتى الوقف الخاص، بل في الطريق الغير النافذ بدون اذن اربابه، و كذا يحرم على قبور المؤمنين إذا كان هتكا لهم.

(2)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الأولى: لا يجوز التخلي في ملك الغير بغير إذنه،

لانه نوع من التصرف، و لا يجوز التصرف في ملك الغير بغير اذنه، و مثله الوقف الخاص، سواء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 275

نقول بصيرورة رقبة الوقف ملكا للموقوف عليهم أم لا، لعدم جواز التصرف فيه بغير ما وقف به إذا كان ذلك مخالف الوقف.

المسألة الثانية: الطريق قسمان: نافذ و غير نافذ،

و في كل منهما تارة يكون ملكا لشخص أو أشخاص، مثل ما إذا اشترى شخصا ملكا و بنى فيه دارا و جعل قسمة من هذا الملك طريقا لداره من ملكه، فلا اشكال في عدم جواز التصرف في هذا الطريق بغير إذن صاحبه، إلّا ما كانت السيرة قائمة على جوازه و كاشفة على رضاه، كالاستطراق إلى داره، و أما التخلّي فغير جائز، و تارة لا يكون ملكا لأحد مثل ما إذا كانت ارض مباحا و بنى فيها ابنية و جعل لها طرقا أو طريقا فصار تحت يدهم بالحيازة، فان كانوا قاصدين للتمليك حين حيازة الطريق، فيصير ملكهم، و لا يجوز التصرف حتى بالتخلّي من دون اذنهم، و ان كانوا قاصدين الاستطراق فقط بدون قصد التمليك، فيجوز التصرف فيه من ناحية غير المحيزين تصرفا لا ينافي مع حقهم، و اما غير ذلك فجائز، فبناء عليه يجوز التخلّي إلّا إذا كان مناف لاستطراقهم أو كان إيذاء لهم، و حيث انه في صورة الحيازة كون المحيز قاصدا لتمليك الطريق غير معلوم فيجوز التصرفات الغير المانعة للاستطراق، و لو شككنا فيستصحب اباحته السابقة على استطراقهم.

المسألة الثالثة: يحرم التخلّي على قبور المؤمنين

إذا كان هتكا لهم لعدم جواز هتك المؤمن حيّا و ميتا، هذا إذا لم يكن ملكا لشخص، و اما إذا كان ملكا فلا يجوز التخلّي فيه، و ان لم يكن هتكا، و كذا لو كان وقفا و كان التخلّي مناف لوضع الوقف، فلا يجوز أيضا و ان لم يكن هتكا للمؤمنين، و كذا لا يجوز التخلّي في كل مورد يكون إيذاء للغير.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 276

[مسئلة 21: المراد بمقاديم البدن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: المراد بمقاديم البدن الصدر و البطن و الركبتان.

(1)

أقول: اما الاستقبال بالصدر و البطن فلا اشكال فيه، لانه كما عرفت سابقا يحرم الاستقبال و استدبار القبلة بمقاديم البدن و بالعورة و الصدر و البطن من مقاديم البدن مسلّما.

و اما الركبتان، فتارة يقال بانه مع توجه الصّدر و البطن إلى القبلة لا يتوجّه الركبتان نحوها، و كذا لو استدبر أو استقبلها ببطنه و صدره يقع الركبتان مواجها أو مستدبرا للقبلة.

و فيه، انه ليس كذلك لان الركبتان حال التخلّي لا ينحرفان بحيث مع عدم مواجهة الصدر و البطن و القبلة يقع الركبتان مواجها أو مستدبرا لها، مثلا إذا تخلّى بنقطة المشرق، و فرض كون القبلة في نقطة الجنوب، أو الشمال فلا يقع الركبتان إلى نقطة الجنوب أو الشمال، حتى يقال متى يحصل استقبال الصدر و البدن للقبلة أو استدبارها يقع استدبار القبلة أو استقبالها بالركبتين فيمكن الجمع بين ترك استقبال القبلة و استدبارها مع ترك استقبالها و استدبارها بالركبتين أيضا. ثم بعد ذلك يقع الكلام في انه هل يحرم استقبال القبلة أو استدبارها بالركبتين حال التخلّي أم لا، عمدة ما يقال في الباب بعد عدم تعرض اخبار الباب لهذه الجهة، هو دعوى ان

العرف لا يفهم عن النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها حال التخلّي، إلّا النهي عن استقبالها أو استدبارها بالصدر و البطن، و عندي في ذلك تأمل، و لهذا نقول الاحوط ترك استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي بالركبتين أيضا، فتأمّل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 277

[مسئلة 22: لا يجوز التخلّي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: لا يجوز التخلّي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بالطلاب أو بخصوص الساكنين منهم فيها أو من هذه الجهة أعمّ من الطلاب و غيرهم، و يكفي إذن المتولى إذا لم يعلم كونه على خلاف الواقع و الظاهر كفاية جريان العادة أيضا بذلك، و كذا الحال في غير التخلّي من التصرفات الأخر.

(1)

أقول: اما إذا علم كيفية وقفها من حيث التعميم و الاختصاص، فيجوز فيما كان غير مخصوص بالطلاب أو بالساكنين من المدرسة لغيرهما، و لا يجوز فيما كان مختصا لطائفة خاصة التخلّي لغير هذه الطائفة.

و اما إذا لم يعلم كيفية وقفها فلا يجوز التخلّي لغير من يعلم كونه من الموقوف عليه بناء على ان الاصل الأولى في الاموال عدم جواز التصرف إلّا ما ثبت بالدليل جوازه، نعم فيما اجاز المتولى يصح التخلّي فيما لا يعلم كون إذنه على خلاف مقتضى الوقف حملا لفعله أي اذنه على الصحيح. و كذا لو كانت العادة جارية على التخلّي فيها و السيرة على ذلك ممّن يكون له المبالات و الاعتناء بهذه الامور لا من غير المعتنين بالجهات الدينية، و لكن يأتي ان شاء اللّه في المسألة 8 من المسائل المتعلقة بشرائط الوضوء عدم تمامية الوجوه المتمسّكة بها على عدم الجواز، فلا يبعد الجواز فيما لا يعلم كيفية الوقف، إلّا إذا كان مزاحما لحق

الموقوف عليهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 279

فصل: في الاستنجاء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 281

قوله رحمه اللّه

فصل في الاستنجاء يجب غسل مخرج البول بالماء مرتين، و الافضل ثلاث بما يسمّى غسلا، و لا يجزئ غير الماء و لا فرق بين الذكر و الانثى و الخنثى، كما لا فرق بين المخرج الطبيعي و غيره معتادا أو غير معتاد، و في مخرج الغائط مخير بين الماء و المسح بالاحجار أو الخرق، ان لم تتعد عن المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء، و إلّا تعيّن الماء، و إذا تعدى على وجه الانفصال كما إذا وقع نقطة من الغائط على فخذه من غير اتصال بالمخرج، يتخيّر في المخرج بين الأمرين و يتعيّن الماء فيما وقع على الفخذ، فالغسل افضل من المسح بالاحجار و الجمع بينهما اكمل، و لا يعتبر في الغسل التعدّد بل الحد النقاء بالاقل، و إن حصل بغسلة، و في المسح لا بد من ثلاث و ان حصل النقاء بالاقل، و إن لم يحصل بالثلاث فالى النقاء، فالواجب في المسح اكثر الامرين من النقاء و العدد، و يجزي ذو الجهات الثلاث من الحجر و بثلاثة اجزاء من الخرقة الواحدة و ان كان الاحوط ثلاث منفصلات، و يكفي كل قالع و لو من الاصابع، و يعتبر فيه الطهارة، و لا يشترط البكارة، فلا يجزي النجس، و يجزي المتنجس بعد غسله، و لو مسح بالنجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 282

أو المتنجس لم يطهر بعد ذلك إلّا بالماء، إلّا إذا لم يكن لاقى البشرة بل لاقى عين النجاسة، و يجب في الغسل بالماء ازالة العين و الاثر بمعنى الاجزاء

الصغار التي لا ترى لا بمعنى اللون و الرائحة، و في المسح يكفي ازالة العين و لا يضر بقاء الاثر بالمعنى الأوّل أيضا.

(1)

أقول: في الفصل مسائل متعلقة بالاستنجاء، و الاستنجاء عبارة عن تطهير مخرج البول و الغائط في عرف الفقهاء، فنقول:

المسألة الاولى: يجب غسل مخرج البول بالماء مرتين،

و الكلام في هذه المسألة يقع مرة، في ان الوجوب الذي قلنا الوجوب الغيري كالنفسي لوجوبه مقدمة لما يشترط فيه طهارة البدن كالصلاة.

و أخرى في وجوب غسل مخرج البول بالماء مرتين، و يدل عليه اطلاقه بعض الاخبار الدالة على وجوب غسل الجسد الملاقى للبول مرتان، و ان قيد اطلاق بالنسبة إلى غير الماء القليل، أو دعوى عدم اطلاق له يشمل غير الماء القليل، و قد مضى عند البحث عن كيفية تطهير المتنجس بالبول و بالخصوص في غسل مخرج البول ما رواها نشيط بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته كم يجزى من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل) «1»، بناء على حمل مثليه على الغسل مرتين بدعوى ان تحقق مثلا ما على الحشفة من البلل متوقف على كون كل واحد من المثلين بقدر ما على الحشفة من البلل، و هذا لا يحصل إلّا بتخلّل الفصل بينهما، فهو عبارة اخرى عن الغسلين، و إلّا لو لم يتحقّق فصل بينهما و القى على الحشفة ماء، و لو ضعف ما على الحشفة من البلل، لا يصدق المثلان، بل يقال انه ضعف ما على الحشفة من البلل، و هذا شاهد على ان المثلين يحتاج إلى التعدّد في الغسل،

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 283

فالتعبير بالمثلين

كالتعبير بالغسل مرتان، فعلى هذا يستفاد من الرواية الغسل مرتين كما هو المطلوب، و لو لم تقبل ما بينّا في المراد من الرواية، فالمطلقات الواردة في وجوب غسل الجسد من البول مرتان يكفي لنا.

و قد اورد على التمسّك بالرواية تارة بضعف السند، و هو مرفوع بجبر ضعفه بمطابقة مضمونها لفتوى المشهور على طبقها، بل استنادهم بها، كما في بعض عبائرهم، فلا وجه للاشكال بضعف السند.

و تارة بعد دلالة بعض الروايات على كفاية المرة، لا بد من حمل الرواية على الاستحباب، أما الرواية فهي ما رواها نشيط (الراوي للرواية السابقة) عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال يجزي من البول ان تغسله بمثله) «1» و انها تدل على كفاية المرة. و ما رواها الكليني رحمه اللّه (هي مرسلة الكليني) قال الكليني (روى انه يجزي ان يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة و غيره) «2»، لانها تدلّ على كفاية غسل الحشفة مرّة واحدة.

و فيه، ان الروايتين مع ضعف سندهما في حد ذاتهما لكونهما مرسلتين لم يعلم بهما الاصحاب، بل اعرضوا عنهما لما قلنا انّ المشهور افتوا على وجوب الغسل المرتين.

و يظهر من المحقق الهمداني رحمه اللّه الاشكال بالرواية الواردة فيها (مثلى ما على الحشفة) بأنه ان كان المراد من المثلين تعدّد الغسل و يكون المراد الغسل في كل مرة مثل ما على الحشفة من البلل، فلا يتحقق به الغسل لعدم قاهرية الماء المساوي لما على الحشفة من البول عليه و عدم بقائه على الاطلاق، و اما ان كان المراد من المثلين غلبته عليه في مرة واحدة، و لهذا لا بد من حمل مثليه على ضعفيه و تكون النتيجة

______________________________

(1) الرواية 7

من الباب 26 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 284

كفاية الغسل مرة واحدة.

كما ان الالتزام بوجوب ثلاث مرات لا وجه له، إلّا ما رواها حريز عن زرارة، (قال كان يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق) «1» بدعوى ان زرارة يخبر عن فعل المعصوم عليه السّلام و انه يستنجي من البول ثلاث مرات.

و فيه مضافا إلى احتمال كون حريز ينقل فعل زرارة و كان فاعل قال حريز، او كان فاعل قال زرارة و هو يقول كان أي كان المعصوم عليه السّلام يستنجى من البول ثلاث مرّات، لا يدل فعله عليه السّلام إلّا على مجرد مطلوبيته ثلاث مرات، و هو اعم من الوجوب و الاستحباب خصوصا مع وجود الاخبار المطلقة، أو خصوص رواية نشيط على كفاية المرتين، فافهم.

نعم، الافضل ثلاث مرات لوجود هذه الرواية، لانه اما يخبر عن فعل المعصوم عليه السّلام فيستفاد منه مطلوبيته، أو يخبر عن فعل زرارة و زرارة لا يفعل قاعدة فعلا إلّا كان مستنده قول الباقر أو الصادق عليهما السّلام، فيستفاد الافضلية.

و ثالثة: يقع الكلام في عدم اجزاء غير الماء في تطهير مخرج البول لدلالة بعض الروايات:

الأولى: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة احجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و اما البول فانه لا بد من غسله) «2».

الثانية: ما رواها بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام، انه (قال يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي

من البول إلّا الماء) «3». و في قبالهما روايات، قد يقال بدلالتها على اجزاء غير الماء في تطهير مخرج البول:

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 9 من أبواب احكام الخلوة من ل. پ

(3) الرواية 6 من الباب 9 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 285

الأولى: ما رواها عبد اللّه بن بكير، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام (الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط؟ قال: كل شي ء يابس ذكى) «1».

الثانية: ما رواها سماعة (قال قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام إني أبول ثم أتمسح بالاحجار فيجي ء منّي البلل ما يفسد سراويلي؟ قال: فليس به بأس) «2».

الثالثة: ما رواها حنّان بن سدير، (قال سمعت رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إني ربّما بلت فلا اقدر على الماء و يشتدّ ذلك عليّ؟ فقال إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل: هذا من ذاك) «3».

و هذه الروايات مع قابلية بعضها لبعض التوجيهات كما قيل، لا يمكن الاخذ بها على فرض تمامية دلالتها لسقوطها عن الحجيّة لكونها معرضا عنها عند الاصحاب، فلا اشكال فيما قلنا من انه لا بد في تطهير مخرج البول من الاقتصار بالماء فقط.

الرابعة: يقع الكلام في انه هل يكون فرق بين الذكر و الانثى و الخنثى في وجوب تطهير المخرج بخصوص الماء مرتان، أو لا فرق بينهم؟ الاقوى عدم الفرق لشمول اطلاق الاخبار لكل من الثلاثة، و لو كان بعض الروايات سائله الرجل أو ورد في مورد الرجل، فلا اشكال في عدم الخصوصية له قطعا.

الخامسة: في انه

هل يكون فرق في الحكم بين المخرج الطبيعي و غير الطبيعي، أو فرق في المخرج الغير الطبيعي بين المعتاد، أو غير المعتاد مثل ما يكون عارضيا أم لا؟ الاقوى عدم الفرق لشمول اطلاق الاخبار لكلها.

المسألة الثانية: يجب تطهير مخرج البول بالماء متعيّنا

بخلاف ما نقول في تطهير مخرج الغائط، إذا لم يتعدّ فيكون المكلف مخيّرا بين تطهيره بالماء و بين المسح

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 31 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء من ل.

(3) الرواية 7 من الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 286

بالاحجار و الخرق.

اما كفاية المسح بالاحجار و الخرق، فلما ذكرنا من الروايتين رواية زرارة و بريد بن معاوية لدلالتهما على اجزاء الاستنجاء من مخرج الغائط بالمسح بالاحجار.

و يدل على ذلك أيضا ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، (قال: سألته عن التمسح بالاحجار؟ فقال: كان الحسين بن علي عليهما السّلام يمسح بثلاثة احجار) «1»، بناء على كون النظر إلى التمسح في مقام الاستنجاء كما هو الظاهر.

و ما رواها عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام: (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، إذا استنجى احدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء) «2»، هذا يدلّ من حيث اجزاء المسح بالاحجار في تطهير مخرج الغائط.

و الرواية 3 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من و الرواية 4 من الباب المذكور، نتعرض لهما في المسألة السابعة من مسائل هذا الفصل ان شاء اللّه.

و أما بالنسبة إلى اجزاء المسح بالخرق:

ما رواها حريز عن زرارة، (قال كان يستنجى من البول ثلاث مرات

و من الغائط بالمدر و الخرق) «3»، اما بناء على كون فاعل (قال) المعصوم عليه السّلام، فهو ينقل فعل المعصوم، و اما بناء على كون حريز ناقل فعل زرارة و كان فاعل (قال) حريز، فيقال ان زرارة لا يكون فعله إلا مستندا إلى رأي المعصوم عليه السّلام، ففعله يدل على اجزاء الخرق.

و ما رواها زرارة (قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام، يقول: كان الحسين بن علي عليهما السّلام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 35 من أبواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 287

يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغسل) «1».

و أما التخيير بين المسح بالاحجار و غيره مما يجوز و بين الغسل بالماء، فيدل عليه أوّلا: التعبير في بعض الروايات من اجزاء المسح لا تعيّنه، و ثانيا: بعض الروايات:

الأولى: ما رواها هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، يا معشر الانصار ان اللّه قد احسن عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟

قالوا نستنجى بالماء) «2».

الثانية: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير) «3».

الثالثة: ما رواها أبو خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال كان الناس يستنجون بثلاثة احجار لانهم كانوا يأكلون البسر فكانوا يبعرون بعرا فأكل رجل من الانصار الدبا فلان بطنه فاستنجى بالماء، فبعث إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: فجاء الرجل و هو خائف يظن أن يكون قد نزل فيه شي ء

يسوؤه في استنجائه بالماء فقال له هل عملت في يومك هذا شيئا؟ فقال له نعم يا رسول اللّه، اني و اللّه ما حملني على الاستنجاء بالماء إلّا اني اكلت طعاما فلان بطني فلم تغن عني الحجارة شيئا فاستنجيت بالماء فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: هنيئا لك، فان اللّه عزّ و جلّ قد انزل فيك آية فابشر (ان اللّه يحبّ التوابين و يحبّ المتطهرين) «4» فكنت انت اوّل من صنع هذا و أول التوابين و أول المتطهرين) «5».

أقول: يمكن الاشكال في دلالة الرواية على التخيير بين الماء و الاحجار في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 34 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(4) البقرة 2 آية 222

(5) الرواية 5 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 288

صورة عدم التعدي، لان مورد الخبر صورة التعدي.

الرابعة: ما رواها الحسين بن مصعب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال جرت في البراء بن معرور الانصاري ثلاث من السنن أما أوّلهن فان الناس كانوا يستنجون بالاحجار فاكل البراء بن معرور الدبا فلان بطنه فاستنجى بالماء فانزل اللّه فيه (ان اللّه يحبّ التوابين و يحبّ المتطهرين) «1» فجرت السنة في الاستنجاء بالماء فلما حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة فامر أن يحوّل وجهه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أوصى بالثلث من ماله فنزل الكتاب بالقبلة و جرت السنة بالثلث) «2».

الخامسة: ما رواها جميل بن درّاج عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام (في قول اللّه عزّ و جلّ (ان اللّه يحبّ التوابين و يحب المتطهرين) قال كان الناس يستنجون بالكرسف و الاحجار ثم احدث الوضوء و هو خلق كريم، فامر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و صنعه فانزل اللّه في كتابه ان اللّه يحبّ التوابين و يحبّ المتطهرين) «3».

أقول: و ربّما يأتي بالنظر ان مفاد هذه الاخبار الثلاثة أي الثالثة و الرابعة و الخامسة تعيّن الاستنجاء في مخرج الغائط بالماء فقط.

أما في صورة التعدي كما هو ظاهر الرواية الثالثة و الرابعة أو مطلقا كما هو ظاهر الرابعة، فيستفاد منهما تعيّن الماء في الاستنجاء من الغائط.

و فيه، انه بعد دلالة الروايات المتقدمة الدالة على اجزاء المسح بالاحجار يحمل ما يدل على تعيّن الماء على استحباب ذلك فيما لم يتعد الغائط، كما نقول بان الماء افضل، و بالنسبة إلى صورة التعدي نقول بتعيّن الماء، و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.

السادسة: ما رواها إبراهيم بن أبي محمود (قال سمعت الرضا عليه السّلام يقول في الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل فيه الانملة) «4».

______________________________

(1) البقرة 2 آية 222

(2) الرواية 6 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 289

السابعة: ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (إنما عليه أن يغسل ما ظهر منها يعني المقعدة و ليس عليه أن يغسل باطنها) «1» هذا كله في الروايات الدالة على كفاية الاستنجاء بالماء في مخرج

الغائط و بعد ضمها مع ما يدل على كفاية الاستنجاء بالاحجار و الخرق، تكون النتيجة التخيير بينهما، هذا كله فيما لم يتعدّ الغائط.

المسألة الثالثة: إذا تعدى الغائط،

قالوا بانه لا يجزي في تطهير المخرج إلّا الماء، و هذا في الجملة مما لا اشكال فيه، انما الكلام في ضابط التعدي و فيه احتمالات بل اقوال:

الأوّل: ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من كون ضابط التعدي خروجه و التلوث به بحيث لا يصدق على ازالته عنوان الاستنجاء.

الثّاني: مجرد تعديه عن موضع النجو أي موضع خروج الغائط و الحدث.

الثّالث: التعدي عن الشرج أي حلقة الدبر.

الرّابع: التعدي عن حواشي الدبر.

و على طبق كل من الاحتمالات، ذهب بعض الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

و اعلم انه يدعى الاجماع على انه مع التعدّي لا يجزي إلّا الماء، و هذا الاجماع في الجملة ثابت، و لكن اختلفت كلمات مدعي الاجماع في ضابط التعدّي، فلهذا لا يمكن الاخذ بخصوص احد الاحتمالات الاربعة بالاجماع، و ليس في طرقنا رواية يستفاد منها ضابطة للتعدي، نعم يمكن استفادة كون المطهّر في صورة التعدي خصوص الماء من بعض الروايات التي ذكرناها عند البحث عن كون الحكم مع عدم التعدي التخيير في تطهير مخرج الغائط بالماء و الاحجار، في مقام اجزاء الماء في قبال اجزاء الاحجار كالرواية 5 من الروايات المتقدمة ذكرها و هي ما رواها أبو خديجة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 29 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 290

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، لكن لا يستفاد منها ما هو الميزان في التعدي عن المخرج.

و قد ورد من طرق العامة روايتان:

الأوّلى: عن أمير المؤمنين عليه السّلام: انكم كنتم تبعرون بعرا و اليوم تثلطون ثلطا

فاتبعوا الماء الاحجار.

الثانية: أيضا عنه عليه السّلام (يكفي احدكم ثلاثة احجار إذا لم يتجاوز محل العادة)، و قيل بانجباره بعمل الاصحاب.

أقول: اما الكلام في سند هما فضعيفان في حد ذاتهما، و اما ما قيل من انجبار هما بعمل الاصحاب فغير تمام، لانه بعد كون الرواية الاولى غير متعرضة لضابط التعدي، و الثانية و ان قال فيها إذا لم يتجاوز محل العادة، لكن هذا لا ينطبق إلّا مع احد الاقوال الاربعة، أما مع الاحتمال الثاني أو الثالث فتكون النتيجة مطابقة مضمونهما مع احد الاقوال الاربعة، لا مع قول الاصحاب و لا المشهور منهم حتى يجبر ضعفها بعملهم. إذا عرفت ذلك نقول، اما التعدي بنحو لا يصدق معه الاستنجاء، و هو الاحتمال الأوّل، فلا ينبغي الاشكال في انه لا يكتفي في هذا المورد إلّا بالماء و لا يكتفي بالاحجار و الخرق.

و يكفي دليلا عليه نفس الروايات الدالة على الاجتزاء بالاحجار، لانها تدل على اجزاء الاحجار في الاستنجاء، و الاستنجاء تطهير موضع النجو، و مع التعدي بهذا النحو لا يصدق الاستنجاء، فلا يشمله الاخبار الدالة على مطهرية مسح الاحجار في الاستنجاء.

مضافا إلى ان هذا المورد هو القدر المتيقّن من الاجماع و الاتفاق على عدم كفاية المسح بالاحجار، و انه لا يجزي إلّا الماء.

ثم انه بعد ذلك يقع الكلام في سائر الاقوال و الاحتمالات، فنقول بعونه تعالى:

امّا الاحتمال الثاني، و هو كون العبرة في التعدي بمجرد التعدي عن موضع النجو أي موضع خروج الغائط، لا يمكن الاخذ به، لان المتعارف هو التعدي عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 291

هذا الموضع، بل لو لم يتعد عن موضع خروج الغائط، فربما لا يتلوّث الظاهر بالغائط راسا، فلو

كان الواجب في هذه الصورة التطهير بالماء فقط، فلم يبق مورد الاكتفاء بالمسح بالاحجار.

و ما ورد في بعض الروايات من ان الواجب غسل ما ظهر على الشرج أي حلقة الدبر و عدم وجوب تطهير الباطن، شاهد على ان المتعارف تلوث ازيد من المخرج حين خروج الغائط، و لهذا الاحتمال و ان كان قائل به بين الاصحاب، لكن ليس معقد الاجماع خصوص مورد هذا الاحتمال.

و اما الاحتمال الثالث، و هو التعدي عن الشرج أي حلقة الدبر: و الاحتمال الرابع و هو التعدي عن حواشي الدبر، و ان لم يكن لنا دليل على كون العبرة في التعدي باحد هما، و لا اجماع ثابت على احد هما، لكن يمكن ان يقال بان التعدي عن حواشي الدبر، و هو الاحتمال الرابع، حيث يكون خارجا عن المتعارف، يصدق في صورته التعدي و خارج عن مورد الاستنجاء بالمسح بالاحجار، لعدم صدق الاستنجاء مع فرض التعدي عن حواشي الدبر، فيكون الاحتمال الرابع مثل الاحتمال الاول، فإذا تعدى عن حواشي الدبر لا يكتفي في التطهير إلّا بالماء، لخروجه عن صدق الاستنجاء كما بينّا فى الاحتمال الاوّل فلا يشمله الاخبار الدّالة على كفاية المسح بالاحجار و الخرق في مقام الاستنجاء عن مخرج الغائط فتأمّل.

المسألة الرابعة: ما قلنا من التخيير في تطهير مخرج الغائط بين الغسل بالماء

و بين المسح بالاحجار في صورة عدم التّعدي، نقول بانّه مع التّخيير يكون الغسل بالماء افضل، لما رأيت من ظهور بعض الاخبار في تعيّن الماء فى التّطهير، و بعد دلالة بعض الاخبار على اجتزاء المسح، قلنا بجوازه، و يحمل الأمر بالغسل بالماء و تعيّنه على الاستحباب.

كما انّ المسح بالاحجار و الغسل بالماء بالجمع بينهما يكون اكمل، للاخذ بكلا طرفى التّخيير و لمرسلة الكليني رحمه اللّه المتقدّمة ذكرها و قد قال

فيها (جرت السّنة فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 292

الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع الماء) و الرّواية الواردة في طرق العامّة المتقدّمة ذكرها و قال فيها (فاتّبعوا الماء الاحجار) فافهم.

المسألة الخامسة: إذ تعدّى الغائط عن المخرج على نحو الانفصال

مثل ما وقع منه نقطة على فخذه، فلا اشكال في انه لا يكتفي في تطهير المحل المنفصل بالمسح بالاحجار، بل لا بد في تطهيره بالماء لعدم شمول ما يدل على كفاية المسح بالاحجار لما كان الغائط في غير المخرج، و اما في المخرج فان لم يتعدّ يكتفي بالمسح بالاحجار كما يكتفي بالماء، و إذا تعدى عن المخرج عل وجه الاتصال لا يكتفي إلّا بالماء كما عرفت.

المسألة السادسة: فيما يغسل مخرج الغائط بالماء يكتفي بالغسل بمقدار يحصل النّقاء،

و لو يغسله لا يجب ازيد من ذلك، و يدل عليه ما رواها ابن المغيرة عن ابي الحسن عليه السّلام، (قال قلت له للاستنجاء حدّ قال لا، ينقي ما ثمّة قلت ينقي ما ثمّة و يبقى الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها) «1». و ما رواها يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين) «2».

المسألة السابعة: هل المجزي في تطهير مخرج الغائط بالاحجار أو مثلها،

هو مجرد ما يحصل به النقاء و ان كان بمسح حجر واحد مرة واحدة، أو يجب المسح بثلاثة احجار، و ان حصل النقاء باقل من ثلاثة، و على فرض وجوب الثلاثة، هل يكون وجوبها شرطيا بمعنى عدم حصول الطهارة إلّا بها، أو يكون وجوبها نفسيا بمعنى ان المقدار المعتبر في الطهارة هو ما يحصل به النقاء و ذهاب الغائط، و لكن يجب ازيد منه إلى ان تكمل ثلاثة احجار بالوجوب النفسي و الاحتمالات ثلاثة.

و اعلم ان محل الكلام هو ما يحصل النقاء باقل من ثلاثة، و اما لو لم يحصل النقاء إلّا بالثلاثة، فلا اشكال في وجوب المسح بها لتطابق الاخبار عليه، كما انه لو لم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 5 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 293

يحصل النقاء بالثلاثة يجب ازيد من الثلاثة، و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه في المسألة الآتية.

إذا عرفت ذلك، نقول وجه كفاية مجرد النقاء، اطلاق بعض الاخبار من هذا الحيث و وجه عدم الاكتفاء إلّا بالثلاث و كون وجوبه

شرطيا، التصريح في بعض الاخبار باعتبار الثلاثة و تقييد الطائفة المطلقة بهذه الطائفة و ظاهرها شرطيتها.

وجه كون الزائد على ما يحصل به النقاء من الثلاثة واجبا نفسيا كون ذلك وجه جمع بين ما دلّ على حصول الطهارة بمجرد النقاء على الوجوب الشرطي، فيحمل ما يدل على اعتبار الثلاثة على الوجوب النفسي.

أقول: اما احتمال كون الزائد على ما يحصل به النقاء من ثلاثة احجار واجبا نفسيا لا يعتني به، أوّلا لعدم موافقته مع ما في بعض الروايات من كون ثلاثة احجار ما يجزي به في مقام التطهير، و ثانيا ليس هذا الجمع جمعا عرفيا، بل هو جمع تبرعي لا يمكن الاخذ به.

و بعد ردّ هذا الاحتمال لم يبق الّا الاحتمالان نذكر اخبار الباب قبلا و ان ذكرناها في بعض المسائل السابقة و نذكر مقدار دلالتها، ثم ما ينبغي ان يقال في المقام ان شاء اللّه.

فنقول، اما ما يتمسك به على كفاية مجرد النقاء و لو بمسح مرة اخبار يدعى اطلاقها من هذا الحيث:

الأولى: ما رواها ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السّلام، (قال: قلت له للاستنجاء حدّ؟ قال لا ينقي ما ثمة قلت ينقي ما ثمة و يبقي الريح قال الريح؟ لا ينظر إليها) «1»، و هي تدل على كفاية حصول النقاء في تطهير مخرج الغائط، لان الاستنجاء عبارة عن تطهير مخرج البول و الغائط و خصوصا بقاء الريح يناسب كون السؤال عن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 294

مخرج الغائط.

الثانية: ما رواها يونس بن يعقوب، (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من

الغائط أو بال؟ قال يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين) «1»، و لا يبعد كون مورد السؤال و الجواب فيها هو خصوص الغسل بالماء، لان السؤال يكون عن الوضوء الذي افترضه اللّه و قوله يغسل ذكره، فمع ذلك دعوى اطلاق قوله عليه السّلام (و يذهب الغائط) من حيث وقوع الذهاب بالماء أو بالمسح بالاحجار، يكون دعوى بلا دليل فيكون مفادها كفاية النقاء بالماء و أما شموله للمسح غير معلوم، ان لم يكن معلوم العدم، فلا تشمل المسح حتى نقول بانه مطلق من حيث الحجر الواحد أو أزيد.

الثالثة: ما رواها حريز عن زرارة (قال كان يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق) «2». يحتمل كون فاعل قال زرارة و هو يقول (قال يستنجي) أي المعصوم عليه السّلام، فتكون الرواية مضمرة، و يحتمل كون فاعل قال حريز يعني هو يقول كان زرارة يستنجي من البول إلى آخر الرواية، فعلى هذا حريز ينقل فعل زرارة.

فيقال، على الاحتمال الأوّل ان زرارة مع جلالة قدره لا ينقل إلّا فعل المعصوم، و على الاحتمال الثاني ينقل حريز فعل زرارة، و زرارة لا يفعل إلّا بما أخذ عن المعصوم عليه السّلام، فتكون بعد هذه المقدمة الرواية دليلا على ان الاستنجاء من البول يكون ثلاث مرات، و لا بد من حمله على الاستحباب لعدم وجوب ثلاث مرات كما عرفت، و في المخرج الغائط يستنجى بالمدر و الخرق، و يقال بعد عدم ذكره مرة أو ثلاث مرات و اطلاقها من هذا الحيث، نقول بكفاية مجرد النقاء مطلقا، و ان حصل بمسح مرة بالحجر و امثاله.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية

6 من الباب 26 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 295

و لكن مع ذلك حيث يكون راوي الفعل في مقام بيان اجزاء المسح بالمدر و الخرق في تطهير مخرج الغائط في قبال مخرج البول، الّذي لا يطهر إلّا بالماء، و لا يكون في مقام بيان ما يجزي في المسح بالمدر و الخرق في تطهير المخرج من العدد يكون اخذ الاطلاق مشكلا إلّا أن يقال بعد ذكر ثلاث مرات في البول، نفهم كونه في مقام بيان هذا الحيث أيضا، و حيث لم يبيّن العدد في المدر و الخرق، نفهم كون الحكم مطلقا من هذا الحيث، هذا كله على تقدير حجية هذا الخبر و حصول الاطمينان بكون النقل عن فعل المعصوم على الاحتمال الاول، أو كون عمل زرارة حجة على الاحتمال الثاني في الخبر.

الرابعة: ما رواها زرارة (قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول كان الحسين بن علي عليهما السّلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغتسل) «1». و يمكن منع اطلاقها لما نحن بسدده، لانه عليه السّلام في مقام بيان اجزاء المسح و عدم لزوم الغسل بالخصوص، و اما المقدار المجزي في المسح هو المرة أو المرات، فليس في مقامه، ثم انّه قد ظهر لك ان الرواية الاولى تدل على كفاية مجرد النّقاء و لو حصل بمرة، و ما بقي من الروايات يمكن الخدشة فى دلالتها و يكفي للحكم الرواية الأولى.

و في قبال هذه الاخبار ما يتمسك به على اشتراط ثلاثة حجار أو مثلها في التطهير، روايات في طرق العامة، لا حاجة إلى ذكرها لضعف سندها، و مجرد مطابقة عمل المشهور معها لا يوجب جبر ضعف سندها، لانهم

يستندون في فتواهم إلى ما ورد في طرقنا، فنذكر ما ورد في طرقنا ان شاء اللّه.

الأولى: ما رواها عبد اللّه بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال سألته عن التمسح بالاحجار، فقال كان الحسين بن علي عليهما السّلام يتمسح بثلاثة احجار) «2»، و الرواية ذات احتمالين، احتمال كون السؤال عن نفس مشروعية المسح بالاحجار،

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 296

لا عن عددها، فذكر جوابا فعل الحسين عليه السّلام من مسحه بالاحجار، فلا يستفاد من فعله وجوب الثلاثة، لان فعله اعم من الواجب و المستحب، و تمسك ابي جعفر عليه السّلام بفعله ليس إلّا في نفس مسحه بالاحجار، و احتمال كون السؤال عن عدد المسح مع مفروغية مشروعيتها عند السائل و المسئول عنه، فاجاب عليه السّلام بفعل صادر عن الحسين عليه السّلام و هو المسح بالثلاثة، فتدل على هذا على وجوب الثلاثة، لكن الاحتمال الاول لو لم يكن اظهر لا يكون الاحتمال الثاني اظهر منه، فلا يمكن الاستدلال بها.

الثانية: ما رواها بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام (انه قال يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي من البول إلّا الماء) «1»، بناء على ان اقل الجمع ثلاثة، فالاحجار أقلها ثلاثة.

و فيه، ان ظاهر الجمع المعرّف هو الجنس فلا يفيد لما نحن بسدده.

الثالثة: ما رواها حريز بن عبد اللّه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال جرت السنة في اثر الغائط بثلاثة احجار ان يمسح العجان و لا يغسله و يجوز ان يمسح رجليه و

لا يغسلهما) «2».

الرابعة: و هي ما رواها أحمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع الماء) «3».

و يحمل اتباع الماء بعد المسح على الاستحباب بقرينة ما دل على اجزاء مجرد المسح بالاحجار، تدل الرواية على وجوب الثلاثة فلا اشكال من حيث دلالتها كالثالثة، غاية الامر ضعيفة السند لكونها مرفوعة.

الخامسة: و هي ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال لا صلاة إلّا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة احجار. بذلك جرت السنة من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 297

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و اما البول فانه لا بد من غسله) «1»، تدل على كون المعتبر ثلاثة احجار، فلو اشكل في الرواية الاولى و الثانية و الرابعة، فلا اشكال في الثالثة و الخامسة، و دلالتها على اعتبار ثلاثة احجار.

فقد ظهر لك وجود بعض الروايات الدال بإطلاقه على كفاية مجرد النقاء بالمسح، و ان كان بحجر واحد و مرة واحدة، و وجود بعض الروايات على وجوب ثلاثة احجار بالخصوص، و مقتضى ذلك هل هو تقييد الطائفة الاولى بالثانية، و كون النتيجة وجوب الثلاث و ان حصل النقاء باقلّ منها، أو حمل الطائفة الثانية على مورد الغالب، بمعنى ان ذكر الثلاثة ليس إلّا من جهة كون الغالب عدم تحقق النقاء باقل منه، فلا تعارض بينها و بين الطائفة

الاولى، لان الاولى تدل على لزوم النقاء، و الثانية تدل على ذلك، غاية الامر دخل الثلاثة ليس إلّا من باب عدم حصول النقاء غالبا إلّا بها خصوصا مع عدم الاكتفاء بالثلاث لو لم يحصل النقاء بها، بل يجب المسح حتى يحصل النقاء، و لو بعشر مرات، و هذا شاهد على عدم خصوصيّة للثلاثة.

و فيه، اما حمل اعتبار الثلاثة على الغالب فلا وجه له بعد ظهور الاخبار في دخلها، و انها ما يجزي به و بها جرت السنة، و اما عدم الاكتفاء بها لو لم يحصل النقاء بها، فلا يوهن اعتبارها.

أمّا أوّلا: فلأن هذه الاخبار تكون في مقام بيان عدم اجزاء الاقل من ثلاث، و ليست في مقام بيان عدم وجوب الاكثر. ان قلت، ظاهر قوله (يجزي من الغائط المسح بثلاثة احجار) هو اجزاء هذا المقدار و عدم وجوب الزيادة.

قلت مضافا إلى ما نقول في قولنا ثانيا من عدم كون هذه الاخبار متعرضة لصورة عدم حصول النقاء بثلاثه احجار، بان بعض الاخبار ليس بلفظ الاجزاء بل قال مثلا جرت السنة و جري السنة يكون مع حصول النقاء بالمسح بالثلاثة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 298

و ثانيا، في مورد عدم حصول النقاء بالثلاثة يجب الازدياد حتى يحصل النقاء و ليس هذا إلّا من باب بقاء عين النجس، و لا معنى لحصول الطهارة مع بقائها، فقهرا يكون هذا الفرض خارجا عن مورد الاخبار الدالة على اعتبار الثلاث لأن موردها بمناسبة الحكم و الموضوع ما يحصل النقاء بالثلاثة، فلا يكون هذا موجبا للوهن في هذه الاخبار.

فإذا تمّت دلالة هذه الاخبار على الخصوصية أي اعتبار خصوصية

الثلاثة يقيّد بها الطائفة الدالة على كفاية مجرد النقاء، و لو كان لها اطلاق كما هو ظاهر بعضها، فتكون النتيجة اعتبار المسح بثلاثة احجار في التطهير، و ان حصل النقاء باقل منها، الّا ان يقال بانّ هذا المورد ليس من الموارد الّتي يجمع بين المطلق و المقيّد و حمل المطلق على المقيّد لانّ لسان ما يدلّ على الاطلاق و ما يدلّ على التقييد غير قابل لهذا الجمع، لانّ مفاد كلّ منهما معارض مع الآخر فانّ مقتضى ما دلّ على الاطلاق هو اجزاء مجرّد النّقاء، و مقتضى الرّواية الرّابعة و الخامسة وجوب الثلاثة، لانّ فيها بعد الامر بالمسح بثلاثة احجار قال بذلك جرت السنّة و بعد عدم امكان الجمع العرفى و كون الطائفتين، متعارضتين لا بدّ اعمال قواعد التّعارض.

المسألة الثامنة: ما قلنا من اجزاء ثلاثة احجار

يكون فيما يحصل نقاء مخرج الغائط بها أو باقل منها، و اما لو لم يحصل النقاء حتى بثلاثه احجار فيجب المسح إلى ان يحصل النقاء، و هذا معنى كون الواجب في المسح اكثر الامرين من النقاء و العدد، لما بينّا في طي المسألة السابعة من انه مع بقاء عين النجاسة لا معنى لحصول الطهارة و ان مسح بثلاثة أحجار، لانّ النّقاء واجب غاية الأمر اذا حصل باقلّ من الثلاثة يجب الازدياد الى الثلاثة للدّليل، و اذا لم يحصل بالثّلاثة يجب المسح الى ان يحصل النّقاء.

المسألة التّاسعة: هل يجزى ذو الجهات الثلاث

من الحجر و بثلاثة اجزاء من الخرقة الواحدة فيما يجزى ثلاثة احجار، أو لا يجزى الّا ثلاثة احجار منفصلات؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 299

الظّاهر هو الثّاني لانّ ما دلّ على ثلاثة احجار يدلّ على اجزاء ثلاثة احجار، فلا يجزى حجر واحد ذو جهات ثلاث، و ما قيل من الواجب ثلاث مسحات كما لو قيل اضربه عشرة اسواط يكون المراد به عشرة ضربات و لو بسوط واحد.

ففيه انّ المورد لا يقاس بهذا المثال، لانّ فى المورد قال جرت احجار السنة فى الاستنجاء بثلاثة احجار، و هذا غير قولك اضربه عشرة أسواط، لان دخول الباء يوجب كون المسح بثلاثة احجار، كما انه لو قال اضربه بعشرة اسواط، لا يكتفي عشرة ضربات بسوط واحد، كما ان ما قيل من ان الغرض ازالة النجاسة فلا فرق بين ازالتها باحجار ثلاث أو بحجر واحد ذي جهات ثلاث غير تمام، إذا المعتبر ازالة النجاسة الشرعية و زوالها بحجر واحد غير معلوم، و كذا ما قيل من ان الحجر الواحد لو انفصل بثلاث يجزي فكذلك مع الاتصال.

و فيه، ان ذلك قياس ليس من

مذهبنا، فالاقوى اعتبار التعدد، ثم ان المحكى عن صاحب المدارك رحمه اللّه اختيار الاكتفاء بالحجر الواحد إذا كان عظيما، و كذا الخرقة الطويلة الواحدة، و عندي في جوازه تأمل، لعدم صيرورة الحجر عظيما أو الخرقة طويلة موجبا لتعدده، و الظاهر من الدليل اعتبار التعدد.

المسألة العاشرة: هل يجب الاقتصار في الماسح في مقام تطهير المخرج بالمسح بخصوص الحجر،

أو به و بالكرسف و الخرق و المدر، أو يتعدى بكل قالع حتى باصابع نفسه إلّا ما ورد النهي عنه بالخصوص. اما الحجر فقد صرّح فيه في بعض الاخبار بجواز المسح به بالخصوص، و كذلك بالكرسف و المدر و الخرق، للتصريح بها في بعض الروايات المتقدمة ذكرها، و كذلك العود بل العظم و البعر على كراهية فيهما، لدلالة الرواية و هي ما رواها ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود؟ فقال: العظم و الروث فطعام الجن و ذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 300

مما اشترطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فقال لا يصلح بشي ء من ذلك) «1»، لدلالة الرواية على الجواز في العود على الكراهة في العظم و البعر و الروث، لان قوله لا يصلح يفيد الكراهة، نعم يأتي الكلام في العظم و الروث في المسألة 1 ان شاء اللّه، و حيث يدعى الاجماع على عدم الجواز بهما، لا يمكن الالتزام بالجواز، و اما في العود فلا مجال للاشكال في جواز المسح به.

و اما الجواز بمطلق القالع، فيستدل عليه بامور:

الأوّل: الغاء الخصوصية بانا نعلم بعدم خصوصيّة في الحجر و المدر و الخرق و عدم كون جواز المسح بها، إلّا كونها قالعا، فيكتفي بكل قالع مثل الخزف بل و أصابع نفسه إلّا

فيما ورد نص على عدم الاكتفاء به بالخصوص بنحو التحريم أو الكراهة أو ما يكون استعماله في مسح المخرج موجبا للهتك كالمسح بالمحترمات.

الثاني: ان الغرض من المسح هو حصول النقاء كما قال في رواية المغيرة حتى ينقى ما ثمة فيجوز المسح بكل ما يحصل به النقاء.

الثّالث: دعوى الاجماع على كفاية كل قالع، إلّا ما استثنى كما حكى عن ف و الغنية.

أقول: الحق جواز الاكتفاء بكل قالع سوى ما يستثنى من المحترمات، أو ما يكره، و يأتي إن شاء اللّه الكلام فيه للوجه الاول و هو علام خصوصيّة مسلما للحجر و الخرق و الكرسف و المدر، نعم في خصوص اصابع نفسه، ربما يدعى انصراف الادلة عنها، و لكن لا وجه له و ان كان الاحوط استحبابا ترك المسح بها، نعم لو كان المستند الاجماع يمكن دعوى عدم شموله لها و لكن المستند ليس منحصرا به.

المسألة الحادي عشر: يشترط في الجسم الذي يستنجى به بعض امور:

الأوّل: أن يكون طاهرا، اما للاجماع المدعى على اشتراط طهارته، و اما لما

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 301

يقال من ان النجس لا يكون مطهرا لما هو المرتكز من ان فاقد الشي ء لا يعطيه.

الثاني: هل يشترط في القالع ان يكون بكرا أو لا، مقتضى اطلاق الاخبار عدم اعتباره، لكن في الرواية المتقدمة و هي ما رواها احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع الماء) «1»، اعتبار كون الاحجار بكرا بحسب ظاهرها.

و فيه، ان الرواية ضعيفة السند أوّلا و حيث اعتبر التطهير بالماء بعد ثلاثة احجار مع عدم وجوب التطهير بالماء

بعد المسح بالحجارة مسلما لما دل على اجزاء مجرد المسح بثلاثه احجار، فيحمل اتباع الماء على الاستحباب، يحمل اعتبار البكارة على الاستحباب ثانيا، و لو اشكل في الجواب الثاني بعدم موجبية كون اتباع الماء مستحبا للالتزام باستحباب بكارة الاحجار فيكفي لنا الجواب الاول من ضعف سند الرواية.

المسألة الثانية عشر: بعد ما عرفت من اشتراط كون القالع و الماسح طاهرا،

عرفت انه لا يكتفى بالماسح النّجس، و عرفت عدم اشتراط البكارة، يظهر لك الاكتفاء بالمتنجّس بعد تطهيره، فلو كان حجرا نجسا، أو صار بسبب استعماله في تطهير المخرج نجسا إذا تطهر يجوز المسح به ثانيا.

المسألة الثالثة عشر: لو مسح المخرج بالنجس أو المتنجس

لم يطهر بعد ذلك إلّا بالماء، لان مسح المخرج بالاحجار و شبهها يكفي في الاستنجاء و تطهير المخرج المتلوث بنجاسة الغائط فقط، و اما كونها مطهرة للنجاسة الاخرى فلا دليل عليه، لان معنى كفاية المسح في الاستنجاء هو الاكتفاء بها لرفع النجاسة الاخرى ليست استنجاء حتى يكتفي بالمسح، ثم بعد ذلك نقول بان القالع تارة يكون متنجّسا بغير الغائط مما اثره ازيد من الغائط، مثل تنجسه بالبول، بناء على الالتزام بالتعدد في المتنجس بالبول، فإذا مسح به المخرج تنجس المخرج بالبول، و ليس المسح بعد

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 302

ذلك و لو بقالع طاهر مطهر للمخرج، لان المسح بالاحجار مطهر للمحل المتلوث بالغائط فقط، لا للمتنجس بالبول.

و كذلك إذا تنجس القالع بالغائط الواقع على المخرج، مثل ما إذا وضع الحجر على الغائط الواقع في المخرج ثم يريد تطهير المخرج بهذا الحجر، فحيث ان تنجس المخرج بهذا الحجر يوجب اثرا زائدا على الاثر الثابت للمخرج بالغائط، لان مقدار الدليل الدال على كفاية المسح في تطهير المخرج، هو طهارته بالنسبة إلى خصوص النجاسة الحاصلة من خروج الغائط و تلوث المخرج به، و اما تنجس المخرج بما تنجس بالغائط و هو الحجارة، فلا يطهر بالمسح، بل لا بد من تطهيره من الماء، فالنجاسة الثانية موجبة للاثر الزائد و هو الاقتصار بالماء، بخلاف النجاسة الاوليّة التي يطهر بالماء

و بالمسح بالاحجار، فإذا كان تنجس المخرج ثانيا من الخارج موجبا للاثر زائد، فلا يكفي المسح بالاحجار، بل لا بد من الاقتصار في تطهيره بالماء.

هذا كله فيما لاقى الشي ء المتنجس مع نفس المخرج أي البشرة و اما لو لاقى الغائط الواقع على المحلّ لا البشرة فلاقى النجس النجس الآخر، فهل يكون مثل الفرض الاول من عدم الاكتفاء في تطهير المخرج بالماء، أ و ليس مثل الفرض الاول، و يكتفي مع ذلك بالمسح بالاحجار؟

اختار المؤلف رحمه اللّه الثاني، و لكن بناء على ان عين النجس تنجّس بملاقاتها مع المتنجس اثرا زائدا مثل ما اذا لاقى الغائط البول ثم يسري إلى موضع يجب فيه التعدد، ففي المقام بعد ملاقات الغائط الواقع على المخرج المتنجس الذي يكون له اثرا زائدا و هو وجوب الاقتصار في تطهيره بالماء فينجس المخرج بهذه النجاسة، فلا يكتفي في تطهيره إلّا بالماء، إلّا إذا لم تكن الملاقات موجبا لسراية النجاسة إلى المخرج مثل ان يكون الغائط جامدا بحيث لا تسرى النجاسة منه إلى المخرج هذا.

المسألة الرابعة عشر: قال المؤلف رحمه اللّه و يجب في الغسل بالماء ازالة العين و الأثر،

بمعنى الاجزاء الصغار التي لا ترى، لا بمعنى اللون و الرائحة و في المسح يكفي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 303

ازالة العين و لا يضر بقاء الاثر بالمعنى الأوّل أيضا.

اقول، بانه تارة يقع الكلام في الفرق الذي قيل بين تطهير مخرج الغائط بالماء، و بين تطهيره بالمسح بالاحجار بوجوب ازالة الاثر مضافا إلى وجوب ازالة العين في الأوّل و كفاية ازالة مجرد العين في الثاني كما عن المحقق رحمه اللّه من الشرائع و غيره، حتى حكى عن الشيخ الانصاري رحمه اللّه دعوى الاتفاق على وجوب ازالة الاثر في مقام الغسل و عدم وجوبه في

مقام المسح بالاحجار، و عن صاحب الجواهر رحمه اللّه دعوى الشهرة عليه و حكى ذهاب جمع من القدماء من الفقهاء و بعض المتأخرين إلى ما نقول به.

و ما يمكن ان يكون وجها لهذا الفرق ليس إلّا ما عرفت من دعوى الشهرة بل الاتفاق و إلّا فاستفادة اعتبار ازالة الاثر في التطهير بالغسل و عدمه في التطهير بالمسح لا يستفاد من الروايات، و ما ذكر من دلالة بعض الروايات عليه ليس بتمام فالعمدة هذا.

نعم مضافا إلى دعوى الشهرة أو الاجماع، يمكن كون وجه الفرق بين تطهير المخرج بالماء و بين تطهيره بالاحجار من وجوب ازالة الاثر في الاول و عدمه في الثاني، ما نبيّن ان شاء اللّه في معنى من معاني المحتملة في الاثر و لعلّه هو مختارنا.

و تارة يقع الكلام فيما هو المراد من الاثر، و فيه احتمالات:

الأوّل: ان يكون المراد منه هو اللون و هو المحكي عن العلامة رحمه اللّه في المنتهى، و استدل عليه بان اللون عرض لا بد من تقومه في الجوهر، فمع بقاء اللون نكشف وجود الجوهر لعدم امكان وجود العرض بلا محلّ و هو الجوهر، أو انتقاله إلى محل آخر و هو محال، فمع بقاء لون الغائط نكشف وجود الغائط فلا بد من ازالة الاثر.

و فيه، كما اورد عليه أوّلا: بالاجماع على عدم وجوب ازالة لون النجس، أو بان الميزان نظر العرف، و العرف لا يرى بقاء العين و ان بقى لونه.

و ثانيا: ان كان هذا تماما، فواجب ذلك في المسح بالاحجار، لانه لاشكال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 304

المسح بالاحجار من حصول نقاء المحل عن عين النجس، و على ما قلت تكون العين باقية

لبقاء لونها.

الثاني: كون المراد من الاثر هو الرائحة.

و فيه ما قلنا في اللون من عدم وجوب ازالتها في تطهير النجاسات أوّلا و عدم الفرق بين تطهير المخرج بالماء و بين تطهيره بالمسح في هذا ثانيا.

الثالث: كون المراد بالاثر، هو النجاسة الحكمية الباقية بعد ازالة العين.

و فيه، انه مع التصريح في بعض الروايات المتقدمة ذكرها من حصول الطهارة بحصول النقاء و ذهاب الغائط لا تبقى نجاسة حكمية حتى تكون هي المراد من الاثر.

الرابع: كون المراد هو الاجزاء الصغار التي لا ترى و لا تزول بحسب المتعارف إلّا بالغسل و وصول الماء به و لا تزول بغير الماء من المسح بالاحجار و غيرها، و هذا المعنى من الاثر يمكن دعوى اعتبار ازالته في مقام الغسل بالماء و عدم اعتبار ازالته في التطهير بالمسح.

لأن الادلة و ان كانت ساكتة عن اعتبار الاثر في الأول، و عدمه في الثاني، لكن بعد ما يعتبر ازالة العين كما بينا فلا فرق بين الصغار منها و كبارها و على الفرض يذهب بالماء بحسب متعارف الغسل بالماء فيجب في المقام غسل المخرج بالماء.

و اما في مقام التطهير بالاحجار، فحيث ان المفروض كون الاثر بهذا المعنى مما لا يذهب عادة و بحسب المتعارف بالمسح بالاحجار و شبهها، فمع ورود الدليل على الاكتفاء في مقام تطهير مخرج الغائط بالمسح، و مع فرض عدم ازالة هذه الاجزاء الصغار بالمسح، نكشف بالالتزام من عدم وجوب ازالة الاثر بهذا المعنى في مقام التطهير بالمسح بالاحجار، و هذا هو سر الفرق بين اعتبار ازالة الاثر في تطهير المخرج بالماء و عدم اعتباره في تطهيره بالمسح، و أيضا هذا هو المراد من الاثر.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص:

305

[مسئلة 1: لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات و لا بالعظم و الروث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات و لا بالعظم و الروث، و لو استنجى بها عصى، لكن يطهر المحل على الاقوى.

(1)

أقول: اما عدم جواز الاستنجاء بالمحترمات، فلكونه موجبا للوهن بها، و ما يكون تكريمه و تعظيمه من شعائر اللّه تعالى كالقرآن الكريم، و كتب الادعية، و الاخبار، و التربة الحسينية و نظائرها، لا يجوز الاهانة لها.

و اما الاستنجاء بالعظم و الروث، فما يمكن ان يكون وجها له ما رواها ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود، فقال العظم و الروث فطعام الجن و ذلك ممّا اشترطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فقال لا يصلح بشي ء من ذلك) «1».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه و لا يبعد كونها الرواية السابقة «2».

و ما رواها الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث المناهي (قال: و نهى ان يستنجى الرجل بالروث و الرمة) «3».

و لو حمل الخبر الثالث على التحريم في حد ذاته لان فيها قال و (نهى) لكن بعد كون المذكور في الرواية الاولى كلمة (لا يصلح) و هو يناسب الكراهة، و كذلك في الرواية الثانية من قوله فيها (و لذلك لا ينبغي ان يستنجي بهما) أي بالعظم و الروث، فيوهن ظاهر لفظ (نهى) في التحريم و يحمل على الكراهة، فلا يستفاد التحريم من الاخبار في حد ذاتها، إلّا ان يقال بان عدم امكان حمل النهي في الرواية الأولى و الثانية على التحريم، لا يوجب رفع اليد عن ظهور الرواية الثالثة في التحريم، و

لو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 35 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 5 من الباب 35 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 306

اشكل في سندها فضعفها منجبر بعمل الاصحاب، لموافقة فتواهم معها.

و بدعوى الاجماع على حرمة الاستنجاء بهما، و ان الاخبار لو كانت ضعيفة من حيث السند أو الدلالة، لكن عمل الاصحاب على وفقها، نقول بعدم جواز الاستنجاء بهما.

ثم بعد ذلك يقع الكلام في انه بعد حرمة الاستنجاء بالمحترمات مسلّما، و على فرض القول بحرمة الاستنجاء بالعظم و الرّوث، فلو عصى و استنجى بها هل يحصل بها تطهير المخرج مطلقا، أو لا يحصل مطلقا، أو نقول بحصول الطهارة فيما استنجى ببعض المحترمات و عدم حصولها فيما استنجى بالعظم أو الروث؟ وجه حصول التطهير مطلقا اطلاق اخبار الاستنجاء من هذا الحيث و النهي عن الاستنجاء بالمحترمات أو بالعظم و الروث لا يقتضي إلّا الحرمة التكليفية، و اما الحرمة الوضعية بمعنى عدم حصول الطهارة بها فلا دليل عليها.

وجه عدم حصول الطهارة مطلقا:

أوّلا: ان ما يدل على الاستنجاء لا يدل إلّا على الإذن في الاستنجاء فلا يشمل النهي عنه.

ثانيا: مع الاستنجاء بها نشك في حصول الطهارة و عدمها فيستصحب النجاسة المتيقنة.

وجه التفصيل هو انه بعد كون النهي في الاخبار الثلاثة المتقدمة عن الاستنجاء بالعظم و الروث للتحريم، فظاهره الحرمة الوضعية. و هذا لظهور الامر بشي ء في شي ء من دخله فيه شطرا أو شرطا، و لظهور النهي عن شي ء في شي ء في دخل عدمه فيه، و بعبارة اخرى يستفاد من النهي المانعية، مثل قوله مثلا: لا تصل في

غير المأكول، فكذلك مع النهي عن الاستنجاء بالعظم و الروث، معناه مانعية الاستنجاء بهما لحصول الطهارة.

و هذا بخلاف الاستنجاء بالمحترمات، لانه ليس ظاهره إلّا النهي التكليفي،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 307

مثل النهي عن الاستنجاء بالماء المغصوب، نعم لو كان العمل تعبديا يبطل، لعدم كون العمل مع النهي مقربا، كما افاد سيدنا الأعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه في مبحث اجتماع الأمر و النهي أو الاجماع كما هو ظاهر غيره.

أقول: لا اشكال في اطلاق الاخبار الواردة في الاستنجاء بعد الغاء الخصوصية، كما بينّا سابقا يقتضي جواز الاستنجاء بكل قالع و حصول الطهارة به، (نعم كان كلام في خصوص اصابع نفسه)، فلو ورد دليل خاص على عدم حصول الطهارة فيما كان القالع من المحترمات أو العظم أو الروث، نقول به، و إلّا فمقتضى الغاء خصوصية الحجرية و الخرق و شبههما مما يكون منصوصا حصول الطهارة بها.

فنقول، اما في المحترمات فليس النهي، إلّا النهي التكليفي، لان النهي يكون عن الهتك و الوهن بها تكليفا، فلو استنجى بها يحصل بها الطهارة، و ان كان عاصيا بفعله لمخالفة الحرمة التكليفية.

و أما في العظم و الروث، فان كانت دلالة الاخبار الثلاثة المتقدمة على النّهي التحريمي تماما، كان اللازم ان يقال بعدم حصول الطهارة لو استنجى بها، لظهور النهي في النهي الوضعي كما بيّنا وجهه في وجه القول بالتفصيل، و لا يبعد دلالة الرواية الثالثة المتقدمة على التحريم، فيحمل النهي على النهي الوضعي كما هو مختار صاحب الجواهر رحمه اللّه.

و اما ما ذكره وجها لعدم حصول الطهارة مطلقا، اما ما قيل من ان دليل الدال على الاستنجاء لا يدل إلّا على الجواز و الاذن فلا يشمل النهي عنه.

ففيه،

انه مع فرض الاذن و الجواز مطلقا و حصول الطهارة مطلقا فيشمل حتى مورد النهي و ان كان عاصيا في الاخذ بهذا الاذن، و لكن لا ينافي في النهي حصول الطهارة إلّا فيما يستفاد من النهي المانعية و هو في مورد خصوص العظم و الروث.

و اما ما قيل من استصحاب النجاسة يقتضي بقاء النجاسة فيما مسح بالمحترمات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 308

ففيه، انه مع وجود الدليل على كفاية استعمال كل قالع لا تصل النوبة بالاصل.

***

[مسئلة 2: في الاستنجاء بالمسحات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة في المحل يشكل الحكم بالطهارة فليس حالها حال الاجزاء الصغار.

(1)

أقول: و من المحتملات في معنى الاثر المبحوث عنه في المسألة الرابعة عشر من الفصل، هو كون المراد منه الرطوبة، فكان الواجب زوال الاثر مع العين فيما يكون تطهير المخرج بالماء، و اما في التطهير بالمسحات فلا يضرّ بقاء الرطوبة.

أقول: اعلم ان الرطوبة المتخلفة من العين بعد زوال العين يكون الواجب ازالتها لانها من العين، فمع بقائها يشكل الحكم بالطهارة، بل لا يصح الحكم بالطهارة.

و لهذا لا يمكن أن يقال بان المراد من الاثر هو الرطوبة، لانّ هذا المعنى من الاثر يجب زواله في مقام التطهير بالمسحات، كما يجب في التطهير بالماء، و قد ادعى عليه الاجماع.

***

[مسئلة 3: في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن لا يكون في ما يمسح به رطوبة مسرية فلا يجزي مثل الطين و الوصلة المرطوبة، نعم لا تضرّ النداوة التي لا تسرى.

(2)

أقول: ان كان الوجه ما حكى عن التذكرة من ان الرطب لا ينشف المحل، أي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 309

لا يرتفع ما في المحل، ففيه ان الرطوبة الواقعة في القالع لا يمنع عن ذلك.

و ان كان الوجه انه مع وجود الرطوبة في القالع ينجس القالع، فينجس المحل بنجاسة غير النجس الواقع على المخرج يعني الغائط، فلا يكون المسح بالاحجار و شبهها مطهر المخرج كما عرفت في المسألة الثالثة عشر من الفصل، فهو في محله لانه مع الرطوبة المسرية و نجاسته بالغائط الواقع في المخرج ينجس المحل بنجاسة خارجية، و لا يطهره بعد ذلك إلّا الماء، و قد عرفت وجهه في المسألة المذكورة.

و ما قيل

من عدم مضرية تنجسه بمسحه بالمحل كما لا يضرّ بتنجس الماء المطهر بوقوعه على المحل النجس، قياس مع الفارق، لانه كما قلنا لا يمكن تصوير كون الماء مطهرا للموضع النجس مع فرض تنجسه بملاقاته للموضع النجس، إلّا بان نلتزم بدلالة الالتزام على اغتفار هذا و عدم مضريته.

و أما في المقام فيمكن كون الماسح مطهرا مع عدم حصول محظور تنجس المحل به و هو عدم كونه مع الرطوبة.

***

[مسئلة 4: إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى كالدم أو وصل إلى المحل إلى المحل نجاسة من خارج يتعيّن الماء، و لو شك في ذلك يبنى على العدم فيتخيّر.

(1)

أقول: الكلام في الجهتين:

الجهة الأولى: ما خرج مع الغائط نجاسة أخرى

أو وصل إلى المحل نجاسة من الخارج، فلا يكتفي بالمسحات، بل يتعيّن غسل المخرج بالماء لان المتيقّن من الاكتفاء بالمسحات في تطهير مخرج الغائط هو مطهريتها للنجاسة من الغائط الخارج عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 310

المخرج لا غيره.

الجهة الثانية: إذا شك في خروج نجاسة أخرى من المخرج

مع الغائط أو شك في نجاسة المخرج من خارج، يبنى على العدم، و ما قيل من استصحاب النجاسة في المورد المتيقّن سابقا بنجاسة المحل قبل المسح، ففيه ان هذا الاستصحاب لا يجري إلّا على القول بحجّية استصحاب القسم الثالث من الكلي، و قد بيّنا في الاصول عدم حجيّته.

***

[مسئلة 5: إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك في انه استنجى أم لا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك في انه استنجى أم لا بنى على عدمه على الاحوط و ان كان من عادته، بل و كذا لو دخل في الصلاة ثم شك، نعم لو شك في ذلك بعد تمام الصلاة صحت و لكن عليه الاستنجاء للصلاة الآتية، لكن لا يبعد جريان قاعدة التجاوز في صورة الاعتياد.

(1)

أقول: يقع الكلام في مسائل:

المسألة الأولى: ما إذا خرج من بيت الخلاء

ثم شك في انه استنجى أم لا، فتارة يكون معتادا بالاستنجاء قبل خروجه من بيت الخلاء، و تارة لم يكن معتادا، فهل نقول بالبناء على العدم مطلقا لاستصحاب بقاء النجاسة المتيقنة سابقا، أو نقول بالبناء على الاستنجاء لقاعدة التجاوز، أو نقول بالتفصيل بين صورة الاعتياد و عدمه، فنقول بالبناء على الاستنجاء في صورة عدم الاعتياد، لان مورد قاعدة التجاوز، التجاوز عن محل المعتاد و عدمه في صورة عدم الاعتياد لعدم شمول قاعدة التجاوز، صورة التجاوز عن محل الغير المعتاد. الحق الأوّل لاستصحاب النجاسة، و كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 311

قاعدة التجاوز مخصوصة بالصلاة.

المسألة الثانية: لو دخل في الصلاة و قبل تمامها شك في انه استنجى أم لا،

يبنى على العدم كالصورة السابقة، و لا يكفي اجراء قاعدة التجاوز بصحة الاجزاء السابقة للاجزاء اللاحقة.

المسألة الثالثة: لو شك بعد الفراغ من الصلاة في أنه استنجى أم لا

فبالنسبة إلى الصلاة الماضية يحكم بصحّتها القاعدة الفراغ و يجب الاستنجاء للصلوات الآتية كما قلنا في المسألة الأولى.

***

[مسئلة 6: لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء، و ان شك في خروج مثل المذي بنى على عدمه، لكن الاحوط الدلك في هذه الصورة.

(1)

أقول: اما عدم وجوب الدلك باليد في مخرج البول، فلعدم عين و وسخ للبول يحتاج إلى الدلك، و انما هو ماء فيطهر المخرج بوصول الماء إليه.

و اما فيما شك في خروج مثل المذي، فهل يجب الدلك أم لا، وجه وجوب الدلك احتمال وجود الحائل المانع من التطهير باحتمال خروج المذي من المخرج، كما في المستمسك.

و فيه، انه مع الشك في اصل الخروج، يكون الشك في وجود الحائل سببا عن الشك في خروج المذي، و مع الشك في خروج المذي، يبنى على العدم بالاستصحاب، و ما قال في وجه عدم وجوب الدلك من السيرة.

ففيه: ان تحقق السيرة على عدم الدلك فيما شك في خروج المذي غير معلوم.

ثم بعد ذلك نقول: بان الاقوى عدم وجوب الدلك كما قلنا في جواب وجه اعتباره

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 312

الدلك.

ان قلت على الفرض هو يشك في ان الخارج يكون البول أو البول مع المذي، فبعد صب الماء عليه يشك في زوال النجاسة و عدمه، لانه لو كان الخارج البول فقط، يكفي صب الماء في زوال النجاسة، و ان كان المذي معه يجب الدلك ثم صب الماء، فيشك في زوال النجاسة و عدمه فيستصحب النجاسة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛

ج 4، ص: 312

و فيه انه ليس المقام من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلى حتى يكون استصحاب الكلى جاريا، بل المورد من قبيل القسم الثالث منه، لانه مع علمه بخروج البول يشك في خروج المذي مقارنا له فلا يقين بوجوده سابقا كي يستصحب، فالفرد الذي يعلم بوجوده و وجود الكلى في ضمنه يعلم بزواله بصب الماء و هو البول، و الفرد الآخر يكون مشكوك الحدوث.

***

[مسئلة 7: إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرات، كفى مع فرض زوال العين بها.

(1)

أقول: وجه كفاية صدق المسح عليه، كما تقول فيما مررت اصبعك بالجدار مسح الاصبع بالجدار مع كون القدارة في الاصبع.

وجه عدم الكفاية اعتبار مرور الماسح على الممسوح، و في المثال يكون الاصبع ماسحا لا ممسوحا، لانه يمرّ على الجدار، و الظاهر من الاخبار هو مسح المخرج بالاحجار و شبهها، فلا يكتفي بمسح المخرج بالجدار او الأرض على الاقوى.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 313

[مسئلة 8: يجوز الاستنجاء بما يشك في كونه عظما أو روثا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يجوز الاستنجاء بما يشك في كونه عظما أو روثا أو من المحترمات، و يطهر المحل، و إما إذا شك في كون مائع ماء مطلقا أو مضافا لم يكف في الطهارة بل لا بد من العلم بكونه ماء.

(1)

أقول: لو قلنا بعدم جواز الاستنجاء بالمحترمات و بالعظم و الروث و عدم حصول الطهارة فيما استنجى بهما، كما اختاره المؤلف رحمه اللّه، فيصح ما قال من جواز الاستنجاء و طهر المحل، اما طهر المحل فلحصول التطهير بها، و اما الجواز فلكون الشبهة مصداقية، فمع شكه في ان المشكوك منها أو لا يحكم بجواز الاستنجاء تكليفا، لكون الشبهة موضوعية و تجري اصالة الحلية.

و اما لو قلنا بعدم الجواز و عدم حصول الطهر مطلقا، أو عدم حصول الطهر فيما استنجى بالعظم و الروث، فيجوز الاستنجاء تكليفا لكون الشبهة مصداقية، و تكون مجرى البراءة لعدم وجود أصل حاكم عليه. و اما من حيث حصول الطهر، ففي كل مورد قلنا بعدم حصول الطهر به و هو الاستنجاء بالعظم و الروث، إذا كان عالما بهما.

كذلك فيما يكون شاكا في كون المشكوك منهما أولا، و يكون حاله

حال المشكوك في كون المائع ماء مطلقا أو مضافا، فكما لا يحصل التطهير به، كذلك في المقام للشك في كون المشكوك مطهرا أم لا، و يكون مورد استصحاب النجاسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 315

فصل: في الاستبراء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 317

قوله رحمه اللّه

فصل في الاستبراء قوله رحمه اللّه

و الاولى في كيفياته ان يصبر حتى ينقطع دريرة البول ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهره، ثم يضع اصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط و يمسح إلى اصل الذكر ثلاث مرات، ثم يضع سبابته فوق الذكر و ابهامه تحته و يمسح بقوة إلى رأسه ثلاث مرات، ثم يعصر رأسه ثلث مرات، و يكفي سائر الكيفيات مع مراعات ثلاث مرات، و فائدته الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيتها، و يلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى بان احتمل ان الخارج نزل من الاعلى و لا يكفي الظن بعدم البقاء، و مع الاستبراء لا يضرّ احتماله، و ليس على المرأة استبراء، نعم الأولى تصبر قليلا و تتنحنح و تعصر فرجها و على أي حال الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة و عدم الناقضية ما لم تعلم كونها بولا.

(1)

أقول: و قبل الشروع في المسائل المذكورة في الفصل، ينبغي

ذكر الاخبار المربوطة بالمقام،

حتى نستفيد منها ما هو الحكم الشرعي في المسائل، فنقول بعونه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 318

تعالى:

الرواية الأولى: ما رواها عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يبول ثم يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا، قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «1»، و هي كما ترى تدل على عدم الباس بمجرد الخرط بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما، و اطلاقها في حد

ذاتها يقتضي عدم الباس بما يخرج بعد ذلك و ان لم يخرط الذكر بعد ذلك.

الرواية الثانية: ما رواها حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «2»، تدل على انه ينتره و يستخرج بقية بوله من الذكر ثلاثا، و اما كيفية الاستخراج فغير متعرضة له كما انه لا يستفاد منها إلّا كون الاستخراج ثلث مرات فقط، فلا يستفاد منها الخرط ثلث مرات من المقعد إلى اصل الذكر، ثم الخرط أو العصر من اصل الذكر إلى رأسه ثلاث مرات.

الرواية الثالثة: ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل بال و لم يكن معه ماء؟ قال: يعصر اصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل) «3»، و هي بظاهرها تدل على العصر ثلاث مرات من اصل الذكر إلى طرفه و نتر طرفه و هو كما في اقرب الموارد اجتذاب البول و استخراجه من الذكر. (و هذه الروايات مذكورة في الوسائل و قد ذكر في الكتب الفقهية بعض آخر من الروايات لم يذكر في ل، و لهذا استخرجناه من جامع احاديث الشيعة فنقول).

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من أبواب نواقص الوضوء من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 13 من أبواب نواقص الوضوء من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 11 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 319

الرواية الرابعة: ما رواها في الجعفريات باسناده عن علي عليه السّلام (قال: قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و

سلم: كان إذا بال ينتر ذكره ثلاث مرات) «1»، و لا يستفاد منها إلّا نتر الذكر ثلاث مرات.

الرواية الخامسة: ما رواها في الجعفريات باسناده عن علي عليه السّلام (قال قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، من بال فليضع اصبعه الوسطى في اصل العجان ثم يسلتها ثلاثا) «2»، رواها السيد فضل اللّه الراوندي في نوادره باسناده عن موسى بن جعفر عليهما السّلام مثلها و فيها (ثم ليسلّها ثلاثا)، و يستفاد من الرواية سواء كان ما صدر هو (يسلتها) أو (ليسلها) انه يضع اصبعه الوسطى في اصل العجان ثم يخرج البول من الذكر بيده ثلاث، و لا يذكر في الرواية انه يجرّ اصبعه إلى أي موضع من بدنه هل يجره إلى تحت الانثيين أو إلى طرف الذكر أو إلى غيرهما؟ و لا يستفاد منها إلّا كون المطلوب هو الخرط ثلاث مرات، و هنا بعض الروايات ذكرها في (ج) و لا يستفاد منها شيئا زائدا مما في الروايات المذكورة.

إذا عرفت ذلك نقول ان الكلام يقع في جهات:
الجهة الأولى: في كيفية الاستبراء.

(قال المؤلف رحمه اللّه و الأولى في كيفياته، ان يصبر حتى تنقطع دريرة البول ثم يبدأ بالمخرج الغائط فيطهره (الخ)).

أقول: اما الصبر إلى ان تنقطع دريرة البول فهو مما لا بد منه لعدم اثر الاستبراء مع درّ البول، فالتعبير بالاولوية بالنسبة إلى ذلك مسامحة وقعت منه رحمه اللّه، أو تحمل الاولوية في كلامه بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع، فحيث ان الاستبراء بالكيفية التي ذكرها أولى عنده قال (و الاولى) لا بالنسبة إلى خصوص الصبر إلى انقطاع دريرة البول.

و اما أولوية الابتداء بالمخرج الغائط و تطهيره ثم الاستبراء، فقد يقال بانّ

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 15 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية

5 من الباب 15 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 320

وجه أولوية تقديم تطهير المخرج الغائط عدم تلوث الاصبغ حين الاستبراء بنجاسة الواقعة على المقعد، و ما قيل من ان في تقديم الاستنجاء للمخرج الغائط يكون خوف نجاسة اليد بملاقاتها لرأس الاحليل، ففيه، ان هذا محتمل، و لكن مع تقديم الاستنجاء للمخرج البول يكون تلوث اليد بنجاسة المقعد مسلما، خصوصا مع ما قاله المؤلف رحمه اللّه من وضع الاصبع على مخرج الغائط حين الشروع في الاستبراء.

و يمكن ان يقال كما يأتي إن شاء اللّه في مستحبات التخلي، باستحباب تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول بان الاستبراء من البول من جملة آداب الاستنجاء من البول، فيستحب تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول بمقدماته (فتأمل)، و على كل حال لا وجه لأولوية تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستبراء غير ما ذكرنا.

و اما الكلام في كيفية الاستبراء، فكما ترى قال المؤلف رحمه اللّه بأن الأولى ان يضع اصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط و يمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثم يضع سبابته فوق الذكر و ابهامه تحته و يمسح بقوة إلى رأس ثلاث مرات، ثم يعصر رأسه ثلاث مرات.

أقول: نعطف عنان الكلام فعلا إلى كفاية هذه الكيفية أوّلا، ثم أولويته على سائر الكيفيات ثانيا ان شاء اللّه.

أما الكلام في الاكتفاء في الاستبراء بهذه الكيفية، فنقول: ان هذا تقتضي الجمع بين الاخبار، لان مقتضى الرواية الاولى و هي رواية عبد الملك من انه (إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات غمز ما بينهما) يتحقق اثر الاستبراء و هو طهارة الماء المشكوك

الخارج من المجرى، و كذا الرواية الخامسة و هي ما روي في الجعفريات و في نوادر الراوندي باختلاف يسير من وضع اصبع الوسطى في اصل العجان ثم يسلتها ثلاثا بنقل الجعفريات، او يسلّها ثلاثا بنقل الراوندي، و بين الرواية الثالثة و هي ما رواها محمد بن مسلم من انه (يعصر أصل ذكره إلى طرفه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 321

ثلث عصرات و ينتر طرفه) لان مقتضى الجمع بين الاولى و الخامسة و بين الثالثة هو تحقق الاستبراء بالخرط بين المقعد و الانثيين ثلاث مرات، و من اصل الذكر الى طرفه ثلاث مرات، و اما عصر رأسه ثلاث مرات، فكما ترى لا يوجد في هذه الروايات الثلاثة ما يدل على عصر رأس الذكر ثلاث مرات.

نعم يمكن ان يقال بعد دلالة الرواية الثالثة على نتر طرف الذكر بعد عصره من اصله إلى طرفه أي رأسه، و دلالة الرواية الثانية و الرابعة على انه ينتر ذكره ثلاث مرات بدون ذكر محل نتره، بان الرواية الثانية و الرابعة تدلان على نتر الذكر ثلاث مرات بدون ذكر موضع النتر، و الرواية الثالثة تدل على موضع النتر، و هو طرف الذكر يعني رأس الذكر، و ان النتر يكون بعد عصر اصل الذكر إلى طرفه، فيقتضي الجمع بين الثانية و الرابعة و بين الثالثة هو كون النتر ثلاث مرات.

و النتر، كما في أقرب الموارد. عبارة: عن اجتذاب البول و استخراج بقيته من الذكر، و هو يحصل بالعصر، لان به يستخرج بقية البول، فيتم قول المؤلف رحمه اللّه من عصر رأس الذكر ثلاث مرات بهذا البيان و تفصيل المطلب يظهر لك في طي امور:

الأول: وضع الاصبع الوسطى منصوص لدلالة

الرواية الخامسة عليه.

الثاني: كون الاصبع من اليد اليسرى يكون وجهه استحباب الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى، و يأتي الكلام في ذلك في مستحبات التخلي ان شاء اللّه.

الثالث: وضع الاصبع على مخرج الغائط بمعنى كون الشروع بالمسح من هذا الموضع، يدل عليه الرواية الخامسة (في قوله فليضع اصبعه الوسطى في اصل العجان ثم يسلتها ثلاثا)، سواء كان (العجان) هو الاست، لكون الاست أحد معانيه على ما في أقرب الموارد، فلا بد من وضع الاصبع أو لا على مخرج الغائط، لانه الاست ثم مسحه الى الانثيين، أو كان المراد من العجان هو ما بين السبيلين من الرجل و المرأة، لانه أحد معانية كما في اقرب الموارد، لانه بعد اعتبار مسح ما بين السبيلين لخروج بقية البول الواقعة في المخرج، فلا بد من الشروع من طرف مخرج الغائط إلى الذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 322

حتى يخرج ما في المخرج من رأس الذكر بالمسح، لا عكس ذلك، كما ان الرواية الأولى التي قال فيها (فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات) يحمل على ما قلنا من كون الشروع من طرف مخرج الغائط، لما قلنا من ان الفرض اخراج بقية البول، و هو يحصل بهذا النحو لا بالعكس، كما انه يستفاد مما بينا كون انتهاء هذا المسح إلى اصل الذكر، كما في الرواية الاولى من كون الانتهاء الى الانثيين و هو موضع اصل الذكر.

الرابع: كون هذا المسح ثلاث مرات، يدل عليه الرواية الأولى و الخامسة.

الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه (ثم يضع سبابته فوق الذكر و ابهامه تحته)، ليس فيما بايدينا من الروايات ما يدل على ذلك، بل القدر المذكور في خصوص الرواية الثالثة، هو

عصر اصل الذكر إلى طرفه ثلاث مرات، و اطلاقها يقتضي جواز المسح بأي من اصابعه شاء، نعم الوضع الطبيعي و نحو اسهل يقتضي عكس ما قاله المؤلف رحمه اللّه بجعل الابهام فوق الذكر و سبابته الوسطى أو البنصر أو الخنصر تحت الذكر، و لهذا قال سيدنا الأعظم آية اللّه العظمى البروجردي قدّس سرّه في حاشيته في هذا الموضع (هذا من سبق القلم و الصحيح عكس هذا)، و على كل حال لا يكون فيما بايدينا ما يدل على كون المسح من اصل الذكر إلى طرفه بخصوص بعض الاصابع، نعم الوضع الطبيعي مقتض لوضع الابهام فوق الذكر واحدا آخر من اصابعه تحت الذكر و المسح بهما إلى رأس الذكر.

السادس: المسح بقوة من اصل الذكر إلى رأسه، يدل عليه الرواية الأولى، لان الخرط الاجتذاب بالكف و الغمز هو العصر، كما في اقرب الموارد، و الرواية الثالثة، لان فيها قال يعصر أصل ذكره إلى طرفه و المسح بالقوة يلازم العصر.

السابع: كون ذلك ثلاث مرات، لدلالة الرواية الثالثة عليه.

الثّامن: عصر رأس الذكر ثلاث مرات، و قد ذكرت في وجهه بان هذا مقتضى الجمع بين ما يدل على النتر ثلاث مرات بدون ذكر موضع النتر، و هي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 323

الرواية الثانية و الرابعة، و بين ما يدل على كون النتر في رأس الذكر، كما يدل عليه الرواية الثالثة، و بعد كون النتر عبارة عن اجتذاب البول و استخراج بقية البول عن الذكر عند الاستنجاء و هو يحصل بالعصر، فلهذا قال المؤلف رحمه اللّه ثم يعصر رأسه ثلاث مرات.

نعم يمكن ان يقال بانه يحصل الاجتذاب و الاستخراج بغير العصر مثل حركة الذكر ثلاث مرات، و

لهذا الاولى العصر ثلاث مرات و حركة رأس الذكر ثلاث مرات، هذا تمام الكلام في هذه الكيفية.

الجهة الثانية: هل يكفي في تحقق الاستبراء الكيفيات المذكورة في الكتب الفقهية أم لا،

نذكر بعض الكيفيات و كفاية الاكتفاء به و عدمها.

منها، الاكتفاء بكلما يخرج معه بقايا البول الواقعة في المخرج حتى يحصل القطع بعدم وجود شي ء من البول في المخرج، أقول هذا نظير ما يقوله المؤلف رحمه اللّه بل هو مصداق آخر منه، يقول المؤلف رحمه اللّه بعد ذلك من انه و يلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المخرج، و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.

منها، الاكتفاء في مقام الاستبراء بالمسح بين مخرج الغائط إلى الانثيين ثلث مرات، ثم خرط القضيب ثلث مرات، و ما اعتبر في هذه الكيفية عصر رأس الذكر بعد ذلك ثلاث مرات، و قد يقال بارجاع هذه الكيفية إلى الكيفية الأولى التي ذكرها المؤلف رحمه اللّه لان بهذه الكيفية يحصل عصر رأس الذكر ثلاث مرات، لان العصر من اصل الذكر إلى رأسه ثلاث مرات يلازم عصر رأس الذكر في كل مرة فقد عصر رأس الذكر ثلاث مرات.

أقول: و لعل إلى هذا ينظر المؤلف رحمه اللّه في قوله (و يكفى سائر الكيفيات مع مراعات ثلاث مرات) بدعوى ان العصر بهذه الكيفية يلازم العصر بالكيفية الأولى، غاية الامر في الكيفية الأولى يقع عصر رأس الذكر ثلاث مرات بعد عصر الذكر، و في هذه الكيفية يقع عصر رأسه في كل مرة مع عصر الذكر من اصله إلى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 324

رأسه، و إلّا لا معنى معقول لقول المؤلف رحمه اللّه من انه (يكفي سائر الكيفيات مع مراعات ثلاث مرات) لأنه أورد في الاستبراء بالكيفية الأولى

بجميع خصوصياته فهو الكيفية الأولى نفسها و لا يحصل في الكيفيات الأخرى، فلا يتم كلامه إلّا بهذا التوجيه. و على كل حال نقول، الاقوى عدم الاكتفاء بهذه الكيفية، لان ظاهر رواية محمد بن مسلم اعني الرواية الثالثة كون نتر رأس الذكر بمعنى عصره أو حركته ثلاث مرات على ما قلنا هو بعد عصر الذكر من اصله إلى رأسه ثلاث مرات.

منها، الاكتفاء بالمسح ما بين المقعدة و الانثيين ثلث مرات، لدلالة الرواية، الأولى و الخامسة عليه.

و فيه انهما لا ينفيان مسحات اخرى و مقتضى الرواية الثالثة مسح الذكر و نتر رأسه و الجمع يقتضي الجمع بين الكيفيتين المذكورتين في الروايات الثلاثة.

منها، الاكتفاء بالعصر من اصل الذكر إلى رأسه ثلث مرات، لدلالة الرواية الثالثة.

و فيه ان الجمع يقتضي العصر ما بين المقعدة و اصل الذكر ثلاث مرات و من اصل الذكر إلى رأسه ثلاث مرات و نتر رأس الذكر ثلاث مرات كما عرفت.

فتلخص مما مر، ان الاستبراء الذي يحكم بعده بطهارة البلل المشكوك الخارج من مجرى البول، متيقنه هو الكيفية الأولى بالنحو الذي بيناه.

الجهة الثالثة: فائدة الاستبراء

الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيتها لما عرفت من دلالة بعض الاخبار المتقدمة، على ذلك لا يقال انه لو لا الاخبار كان مقتضى القاعدة الحكم بطهارة البلل المشتبهة و عدم ناقضيته للوضوء أو الغسل، قلت مقتضى القاعدة الحكم بالطهارة في صورة خروج البلل المشكوك لاصالة الطهارة و عدم ناقضيته بمقتضى الاستصحاب في حد ذاته، و لكن بعد ورود الروايات المتقدمة ذكرها و دلالة بعضها بالمنطوق على انه لو استبرء يحكم بطهارة البلل المشكوك، و بالمفهوم على عدم الحكم بالطهارة في صورة عدم الاستبراء لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص:

325

يمكن الذهاب على طبق القاعدة فيما لم يستبرأ، نعم يكون الحكم بالطهارة و عدم الناقضية بعد الاستبراء على طبق القاعدة.

و بهذه الاخبار الدالة على التفصيل بين صورة عدم الاستبراء من الحكم بالنجاسة و الناقضية، و بين صورة استبرائه من الحكم بالطهارة و عدم الناقضية، يقيّد بعض ما يدل بإطلاقه على طهارة البلل المشتبه و عدم ناقضيته و ان لم يستبرأ راجع الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من ل، كما ان ما رواها محمد بن عيسى (قال كتب إليه رجل هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء فكتب نعم) «1»، يحمل بقرينة الاخبار الدالة على طهارة المشكوك و عدم كونه محكوما بالبوليّة بعد الاستبراء على الاستحباب، مضافا إلى ضعف سندها لكونها مضمرة.

الجهة الرابعة: و هل يلحق بالاستبراء في الفائدة المذكورة طول المدة

على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى، بات احتمل ان الخارج نزل من الاعلى كما قال المؤلف رحمه اللّه أو لا يلحق به.

وجه اللحوق القطع بعدم بقاء شي ء في المجرى لكونه بعد القطع بذلك يقطع بان الخارج نزل من الاعلى لا انّه يحتمل ذلك كما قال المؤلف رحمه اللّه فيخرج بسبب ذلك القطع عن مورد الاخبار المتقدمة الواردة في الاستبراء، لان موردها ما إذا يشك في بقاء شي ء من البول في المجرى، فلو استبرء يحكم بطهارة الخارج و عدم ناقضيته، و لو لم يستبرأ يحكم بنجاسة الخارج المشتبه و ناقضيته، و اما البلل الخارج الذي يقطع بعدم كونه في المجرى، بل خرج من الاعلى، فغير داخل في مورد هذه الاخبار، و بعد عدم كونه مصداقا لهذه الاخبار، فيشك في انه بول حتى يكون نجسا و ناقضا، او ماء طاهرا غير البول حتى يكون طاهرا و غير ناقض، فبأصالة الطهارة

يحكم بطهارته و ببركة استصحاب الطهارة لو كانت حالته السابقة الوضوء أو الغسل، يحكم ببقاء

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 326

طهارته و عدم ناقضيته.

أقول: و لكن تمامية هذا الوجه متفرع على كون منشأ أماريّة الاستبراء و كونه علة للحكم بعدم نجاسة البلل المشتبه و عدم ناقضيته هو القطع بحصول نقاء المجرى به، فان كان هذا يمكن ان يقال بانه، كلما يحصل به القطع بنقاء المجرى عن البول فهو في حكم الاستبراء، و قد يقال بانّ هذا غير معلوم، بل القدر المسلم هو كون اثر الاستبراء الحكم بطهارة البلل المشتبه و عدم ناقضيته، و اما كون علّيته لذلك من باب العلم بتحقق نقاء المجرى به فهو غير معلوم، و لهذا لو كان قاطعا ببقاء شي ء في المجرى بعد الاستبراء يكون له هذا الاثر، كما انه مع القطع بعدم شي ء من البول في المجرى لو خرج بللا مشتبها بين البول و غيره، يحكم بكونه بولا، هذا غاية ما يمكن ان يقال وجها لعدم الحاق طول المدّة بالاستبراء، و ان قطع بعدم بقاء بقية البول في المجرى.

و ما يأتي بالنظر عاجلا، هو انه ليس في جعل الاستبراء سببا للحكم بطهارة البلل المشتبه و عدم ناقضيته من قبل الشارع تعبدا صرفا، بحيث يكون هذا العمل له هذا الاثر تعبدا بدون كونه أمارة على نقاء المجرى من البول، بل نفس وضع الحكم من اعتبار المسحات و العصرات الثلاث، يشهد على كون الاستبراء أمارة على حصول النقاء، و لو لم تكن هذه الامارة دائم المطابقة مع الواقع (سئل ساير الامارات المجعولة عقلا أو شرعا.) عبارة لا

معنى لها يراجع المؤلف.

و بعد كون اعتباره لاجل أماريته على نقاء المخرج، فكلما يحصل منه القطع بالنقاء يكون مثله في الاثر، فإذا قطع بعدم بقاء شي ء من البول في المجرى، مثل ما إذا استبرء بعد البول فالبلل المشتبه الخارج محكوما بالطهارة، لانه مشكوك بين البول و غيره من المياه الطاهرة، و ليس مثل ما لم يستبرأ بحسب الحكم و ان كان مثله بحسب الموضوع حتى يشمله مفهوم ما دل على طهارة البلل بعد الاستبراء، لانه مع القطع بنقاء المجرى عن البول بحكم الاستبراء من حيث الامارية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 327

الجهة الخامسة: و لا يكفي الظن بعدم بقاء شي ء من البول في المجرى

لكون البلل المشتبه محكوما بالطهارة و عدم الناقضية لعدم حجية هذا الظن.

الجهة السادسة: مع الاستبراء لا يضر احتمال بقاء شي ء من البول في المجرى،

لان اطلاق الدليل على الدال على كون البلل المشتبه بعد الاستبراء محكوما بالطهارة يشمل صورة الظن ببقاء شي ء من البول في المجرى أيضا.

الجهة السابعة: ليس على المرأة استبراء،

لان المذكور في بعض اخبار الاستبراء هو السؤال عن الرجل و في بعضها يكون الضمير مذكرا، فظاهر الاخبار اختصاص الحكم بالرجال.

و لا يمكن في المورد القول بإلغاء خصوصية الرجولية، لان المذكور في كيفية الاستبراء على ما في الاخبار ما لا يتمشى إلّا في الرجال، من المسح إلى اصل الذكر و من اصل الذكر إلى رأسه، و عصر رأس الذكر ثلاث مرات، و هذا شاهد آخر على اختصاص الحكم بالرجال.

و هل الأولى و المستحب للمرأة صبرها بعد البول قليلا و تنححها و عصر فرجها عرضا أم لا، لم أجد دليلا على استحباب هذه الامور، و إن كان لها أو بعضها قائل، نعم لا مانع من اتيانها رجاء.

و على كل حال، البلل المشتبه الخارج من المرأة بعد البول محكوم بالطهارة، لاصالة الطهارة.

***

[مسئلة 1: من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي.

(1)

أقول: لانه بناء على كون الاستبراء، أمارة على عدم بقاء شي ء في المجرى،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 328

ففي كلما بقي من الذكر، إذا عمل ما يعمل في الاستبراء، يكفي في تحقق ما هو الامارة، لعدم بقاء شي ء في المجرى، نعم لو كان الحكم بالاستبراء حكما تعبديا، يمكن الجمود على ان موضوعه صورة تمامية ذكره، و لكن عرفت ضعف هذا المبنى.

***

[مسئلة 2: من ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: من ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة و الناقضية، و ان كان تركه مع الاضطرار و عدم التمكن منه.

(1)

أقول: لاطلاق دليل الاستبراء و الاضطرار لا يقتضي إلّا نفي الحكم التكليفي، ففي المورد مع الاضطرار يرفع الاستحباب.

و اما الاثر الوضعي و هو محكومية البلل المشتبهة الخارج قبل الاستبراء و ناقضيته لا يرتفع بالاضطرار.

***

[مسئلة 3: لا يلزم المباشرة في الاستبراء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يلزم المباشرة في الاستبراء فيكفي في ترتب الفائدة ان باشره غيره كزوجته أو مملوكته.

(2)

أقول: لان الفرض من الاستبراء هو نقاء المجرى و هو يحصل و لو بفعل الغير.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 329

[مسئلة 4: إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر في كونها بولا أو غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر في كونها بولا أو غيره، فالظاهر لحوق الحكم أيضا من الطهارة ان كان بعد استبرائه و النجاسة ان كان قبله و ان كان نفسه غافلا بان كان نائما مثلا، فلا يلزم ان يكون من خرجت منه هو الشاك و كذا إذا خرجت من الطفل و شك وليّه في كونها بولا فمع عدم استبرائه يحكم عليها بالنجاسة.

(1)

اقول: لان المستفاد من الادلة كون البلل المشتبه بعد الاستبراء محكوما بالطهارة و قبله محكوم بالنجاسة فلا فرق في هذا الحكم بين نفس الشخص و غيره و لا بين كون المستبرأ بالغا أو صبيا في كون الحكم الطهارة بعد الاستبراء و النجاسة قبله لنفس الشخص و لغيره.

***

[مسئلة 5: إذا شك في الاستبراء يبنى على عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا شك في الاستبراء يبنى على عدمه و لو مضت مدة بل و لو كان من عادته، نعم لو علم انه استبرء و شك بعد ذلك في انه كان على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحة.

(2)

أقول: اما البناء على العدم في صورة الشك في اصل الاستبراء فلاستصحاب عدمه، و عدم كونه المورد مورد قاعدة التجاوز أو الفراغ.

و اما في صورة العلم بالاستبراء و الشك بعد ذلك في صحته فلقاعدة الفراغ و اصالة الصحة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 330

[مسئلة 6: إذا شك من لم يستبرأ في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا شك من لم يستبرأ في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه و لو كان ظانا بالخروج كما إذا رأى في ثوبه رطوبة و شك في انها خرجت منه او وقعت عليه من الخارج.

(1)

أقول: لاستصحاب عدمه و لو كان ظانا بالخروج لحجية الاستصحاب، حتى مع الظن الغير الحجة بالخلاف و لكن مع الظن المعتبر يعمل به و يطرح الاستصحاب.

***

[مسئلة 7: إذا علم ان الخارج منه مذي]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا علم ان الخارج منه مذي لكن شك في انه هل خرج معه بول أم لا، لا يحكم عليه بالنجاسة إلّا أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة بان يكون الشك في ان هذا الموجود بتمامه مذي أو مركب منه و من البول.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

الأولى: ما يعلم بخروج المذي و لكن شاك في انه هل خرج معه بول أم لا؟

فلا يحكم بنجاسة الخارج و ان كان قبل الاستبراء كما هو مفروض الكلام المؤلف رحمه اللّه لان ما يقطع بخروجه طاهرا و ما يكون نجسا شاك في خروجه و يستصحب عدمه.

الثانية: ما إذا كان الشك في ان الخارج هل هو بتمامه مذي

حتى يكون طاهرا، أو مركب من المذي و البول حتى يكون نجسا فيحكم بنجاسته و ناقضيته قبل الاستبراء؟ كما هو مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه لانه يكون على الفرض البلل الخارج مشتبه بين البول و غيره، فهو قبل الاستبراء محكوم بالنجاسة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 331

[مسئلة 8: إذا بال و لم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا بال و لم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المني يحكم عليها بانّها بول فلا يجب عليه الغسل بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فانه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء و الغسل عملا بالعلم الاجمالي، هذا إذا كان ذلك بعد ان توضأ، و اما إذا خرجت منه قبل ان يتوضأ فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء، لان الحدث الاصغر معلوم و وجود موجب الغسل غير معلوم فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء و عدم وجوب الغسل.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الأولى: ما إذا بال و لم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة

من البول و المني، فتارة كان خروج الرطوبة المشتبهة بينهما بعد الوضوء، و تارة يكون قبل الوضوء.

إما إذا كان بعد الوضوء فقال المؤلف رحمه اللّه بأنه يحكم عليها بانها بول، و وجهه دلالة مفهوم الاخبار المتقدمة الواردة في الاستبراء بان البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء محكوم بانها بول، و في المورد على الفرض البلل المشتبه خرج قبل الاستبراء من البول.

و لكن الحق خروج ما نحن فيه عن الاخبار لان المستفاد من الرواية الثالثة من الاخبار المتقدمة أعني رواية محمد بن مسلم هو (كون البلل الخارج قبل الاستبراء بول و البلل الخارج بعد الاستبراء من الحبائل)، و كذا مفاد بعضها الآخر من عدم المبالات بما يخرج بعد الاستبراء من البلل، فمورد الاخبار نفيا و اثباتا هو ما يمكن جعل البلل الخارج بعد الاستبراء من الحبائل و الحكم عليه بالطهارة و عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 332

الناقضية.

و في مفروض المسألة لو استبرء عن البول ثم خرج البلل المشتبه بين البول و المني لا يمكن الحكم عليه بالطهارة و عدم الناقضية، كما يأتي في الصورة الثانية، فالاقوى كون

الوظيفة في هذا الفرض من الصورة الأولى الحكم بنجاسة البلل الخارج، و الجمع بين الوضوء و الغسل للعلم الاجمالي.

و اما إذا خرج البلل المشتبه بينهما قبل الاستبراء و قبل الوضوء فهل يجب عليه الجمع بين الغسل و الوضوء كالفرض الأول، أو يجب الوضوء خاصة؟

الاقوى وجوب الوضوء فقط كما قال المؤلف رحمه اللّه، لان الحدث الاصغر معلوم و وجوب موجب الغسل غير معلوم، و مقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء و عدم وجوب الغسل.

و بعبارة أخرى، و لو انه يعلم اجمالا بانه يجب عليه الوضوء أو الغسل، لكن ينحل علمه الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب الوضوء و الشك البدوي بوجوب الغسل، لانه بعد كون الخروج قبل الوضوء فكان الواجب عليه الوضوء، فيستصحب وجوبه بعد خروج البلل و بعد استصحاب وجوب الوضوء يكون اصالة البراءة عن الوجوب في طرف الغسل بلا معارض فيكون الشك بالنسبة إلى وجوب الغسل بدويا.

الصورة الثانية: ما إذا كان خروج البلل المشتبه بين البول و المني بعد الاستبراء،

فتارة يكون خروجه بعد الوضوء، فيعلم اجمالا بوجوب الوضوء أو الغسل عليه، لكون الخارج على الفرض أما بولا أو منيا، و مقتضى هذا العلم الاجمالي الجمع بين الوضوء و الغسل، و لا يفيد الاستبراء، كما قلنا في الصورة الاولى من خروج المسألة عن مورد الاخبار.

و تارة يكون قبل الوضوء، فكما قلنا في القسم الثاني من الصورة الأولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 333

حيث انه بعد خروج البلل المشتبه بينهما، يستصحب وجوب الوضوء لوجوبه عليه قبل خروجه، فيكون الاصل بالنسبة إلى وجوب الغسل بلا معارض، فينحل العلم الاجمالي.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 335

فصل: في مستحبات التخلّي و مكروهاته

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 337

قوله رحمه اللّه

فصل في مستحبات التخلي و مكروهاته

[ان يطلب خلوة أو يبعد]

اما الاول فان يطلب خلوة أو يبعد حتى لا يرى شخصه.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال لقمان لابنه إذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم إلى ان قال و إذا اردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض) «1».

و ما رواها في مجمع البيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال ما أوتي لقمان الحكمة لحسبي و لا مال و لا بسط في جسم و لا جمال و لكنه كان رجلا قويا في امر اللّه، متورعا في اللّه سكيتا ساكنا و ذكر جملة من اوصافه و مدائحه إلى ان قال: و لم يره احد من الناس على بول و لا غائط قط و لا اغتسال لشدة تستّره و تحفظه في امره إلى ان قال فبذلك أوتي الحكمة و منح القضية).

قال صاحب الوسائل رحمه اللّه و روى الشهيد رحمه اللّه في شرح النّفلية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (إنه لم ير على بول و لا غائط)، قال: و قال عليه السّلام: من اتى الغائط فليستتر، و علي بن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 338

عيسى الاربلي في كشف الغمة عن جنيد بن عبد اللّه في حديث قال: نزلنا النهروان فبرزت عن الصّفوف و ركزت محى و وضعت ترسى إليه و استترت من الشّمس فاني جالس إذ ورد عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا اخا الازد معك طهور؟ قلت نعم فناولته الأدوات فمضى حتى

لم اره و اقبل و قد تطهر فجلس في ظل الترس. «1»

***

[ان يطلب مكانا مرتفعا للبول]

قوله رحمه اللّه

و ان يطلب مكانا مرتفعا للبول أو موضعا رخوا.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من فقه الرجل ارتياد مكان مرتفع له او مكان كثير التّراب) «2».

و ما رواها عبد اللّه بن مسكان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اشد الناس توقيا عن البول كان إذا اراد البول يعهد إلى مكان مرتفع من الارض أو إلى مكان من الامكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول) «3».

و ما رواها سعيد بن جناح عن بعض اصحابنا عن سليمان الجعفري (قال بت مع الرضا عليه السّلام في سفح من جبل فلما كان آخر الليل نام فتنحى و صار على موضع مرتفع فبال و توضأ و قال من فقه الرجل ان يرتاد لموضع بوله و بسط سراويله و قام عليه و صلى صلاة الليل) «4».

***

______________________________

(1) الوسائل الرواية 5 الباب 4 من احكام الخلوة.

(2) الرواية 1 من الباب 32 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 32 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 339

[ان يقدّم رجله اليسرى عند الدخول في بيت الخلاء]

قوله رحمه اللّه

و ان يقدّم رجله اليسرى عند الدخول في بيت الخلاء و رجله اليمنى عند الخروج.

(1)

أقول: لم أجد فيما بأيدينا من الاخبار ما يدل على استحبابه، و لكن ذكروه في الكتب الفقهية علمائنا رضوان اللّه عليهم، و علّل بعضهم بان ذلك الفرق بين بيت الخلاء و بين المسجد و حيث يستحب

عند دخول المسجد تقديم رجل اليمنى و عند الخروج تقديم رجل اليسرى، فيستحب عكسه في بيت الخلاء، و هذا لا يصح ان يصير وجها للاستحباب نعم من يقول بكفاية استحباب شي ء لقول الفقهاء من باب ادلة التسامح، فيمكن له القول بالاستحباب و نحن نقول لا بأس به رجاء.

***

[و ان يستر رأسه]

قوله رحمه اللّه

و ان يستر رأسه و ان يتنقّع و يحزى عن ستر الرأس.

(2)

أقول: اما الاستحباب التقنّع، فيدل عليه ما رواها الصدوق رحمه اللّه مرسلا و في المجالس و الاخبار باسناده الآتي عن أبي ذر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في وصيته (قال: يا أبا ذر استحيى من اللّه فاني و الذي نفسي بيده لا ظلّ حين أذهب إلى الغائط متقنّعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي، يا أبا ذر، أ تحب ان تدخل الجنة فقلت: نعم فداك أبي و أمّي قال: فاقصر الامل و اجعل الموت نصب عينك و استحي من اللّه حق الحياء) «1».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 340

و ما رواها علي بن اسباط أو رجل عنه عمن رواها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه تمام الحديث) «1».

و أما استحباب تغطية الرأس، فقد حكى عن المفيد رحمه اللّه في المقنعة انه قال ان تغطية الرأس ان كان مكشوفا عند التخلي سنة من سنن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و حكى عن المعتبر و الذكرى دعوى الاتفاق على استحبابه.

و قد روى في جامع احاديث الشيعة بعض ما

يمكن ان يستدل به على استحبابه. و هي ما رواها في الدعائم (قال رووا- أي الأئمة عليهم السّلام- ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان إذا دخل الخلاء تقنّع و غطّى رأسه و لم يره أحد) «2».

بناء على كون قوله (و غطّى رأسه) امرا مستقلّا، و امّا لو كان تفسير قوله (تقنّع) فلا يستفاد منه كون فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم على تغطية الرّأس، الّا ان يقال بانّه و لو كانت جملة (و غطّى رأسه) تفسيرا لقوله (و تقنّع) لكن يستفاد منه كون المطلوب تغطية الرّأس أيضا.

و ما رواها في الجعفريّات باسناده عن عليّ عليه السّلام: انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان اذا اراد ان يتنخّع و بين يديه النّاس غطّى رأسه ثمّ دفنه و اذا اراد أن يبزق فعل مثل ذلك و كان اذا اراد الكنيف غطّى رأسه «3».

يستفاد منها انّ فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان على تغطية الرّأس.

فعلى هذا نقول: امّا أوّلا، تدلّ رواية الجعفريّات على استحباب تغطية الرأس، و رواية دعائم الاسلام على الاحتمال الّذي بيّناه سابقا.

و ان قيل ان سند الروايتين ضعيف، يمكن ان يقال بعدم ضعفهما لاعتبار

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 7 من أبواب احكام التخلي.

(3) الرواية 4 من باب 7 من ابواب احكام التّخلي.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 341

الكتابين و لو فرض ضعفهما في حد ذاته، يجبر ضعفهما بمطابقتهما مع فتوى الاصحاب، لان هذا ممّا افتى به الاصحاب بل ادعى عليه اتفاقهم كما

حكى عن المعتبر و الذكرى.

و ثانيا: يمكن كون التقنّع الوارد في رواية أبي ذر و علي بن اسباط، هو عبارة اخرى عن تستر الرأس بناء على كون (و غطّى رأسه) في رواية الدعائم تفسير التقنّع، و كذلك ما في رواية أبي ذر من ان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم يتقنّع بثوبه، او ما في رواية علي بن اسباط من ان الصادق عليه السّلام يقنع رأسه، يدل على استحباب تغطية الرأس أيضا لانه بعد استحباب القناع و هو خص يظهر استحباب تغطية الرأس و هو اعم قهرا، الا ان يقال بانه لو دل الدليل على استحباب الاخص بوصف الاخصيّة، لا يستفاد منه استحباب الاعمّ، و لهذا يكون التقنّع مستحبا، و اما ستر الرأس أو ستر بعضه، فلا يستفاد منه لامكان عدم الاستحباب إلّا بخصوص التقنّع بحيث يشمل الرأس و الرقبة كليهما، و اما اجزاء التقنّع عن تغطية الرأس كما قال المؤلف رحمه اللّه فمعلوم، لان بالتقنّع يستر الرأس أيضا.

***

[ان يسمّي عند كشف العورة]

قوله رحمه اللّه

و ان يسمّي عند كشف العورة.

(1)

أقول: لدلالة رواية علي بن اسباط المتقدمة ذكرها عليه، و لدلالة الرواية 1 من الباب 5 من ابواب احكام الخلوة من ل، و الرواية 6 من الباب المذكورة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 342

[ان يتّكي في حال الجلوس على رجله اليسرى]

قوله رحمه اللّه

و ان يتّكي في حال الجلوس على رجله اليسرى و يفرج رجله اليمنى.

(1)

أقول: لم نجد نصا يدل على ذلك، إلّا ما حكى عن العلامة رحمه اللّه في النهاية، انه روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، علّم اصحابه الاتكاء على اليسار، و عن الذكرى اسناد استحباب الاتكاء في حال الجلوس على رجله اليسرى، إلى رواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فلا بأس بفعله رجاء، و اما الاستحباب فلا يثبت بذلك.

***

[ان يستبرأ]

قوله رحمه اللّه

و ان يستبرأ بالكيفية التي مرّت.

(2)

أقول: وجهه ما دل من الروايات على المسحات و العصرات المسمّاة بالاستبراء اصطلاحا، و في هذه الروايات و ان بيّن وضع الاستبراء و كيفيّته لحصول الفائدة المترتّبة عليه، و لكن لا ينافي ذلك مع استحبابه لما في بعضها من الامر بهذا العمل، أو نقل فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فيستفاد الاستحباب منها.

***

[ان يتنحنح قبل الاستبراء]

قوله رحمه اللّه

و ان يتنحنح قبل الاستبراء.

(3)

أقول: لم نجد نصا على ذلك، نعم المحكى من جمع من فقهائنا رضوان اللّه عليهم استحبابه مع اختلاف هذا الجمع في وقته، انه قبل الاستبراء أو حال الاستبراء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 343

و بعده او مطلق من حيث الوقت، و بعد ذلك نقول لا دليل على استحبابه، نعم لا بأس بفعله رجاء.

***

[ان يقرأ الادعية المأثورة]

قوله رحمه اللّه

و ان يقرأ الادعية المأثورة بان يقول عند الدخول، اللهم اني اعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.

(1)

أقول: تدل عليه روايات «1» و فيها و ان كان الاختلاف في تقديم بعض الجملات على بعضها الاخر، أو تغيير في بعض كلمات الدعاء لكن حيث ان كل المذكورات تكون مرويّا عنه يمكن الاقتصار به في مقام الدعاء، مضافا إلى ان ما رواها أبو أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث انه سئل و هو عنده ما السنة في دخول الخلاء قال تذكر اللّه و تتعوذ من الشيطان الرجيم (الخ)) «2»، تدل على كفاية مطلق الدعاء المشتمل على ذكر اللّه و التعوذ من الشيطان الرجيم.

*** قوله رحمه اللّه

أو يقول الحمد للّه الحافظ المؤدى.

(2)

أقول: يدل عليه بالخصوص مرسلة الصدوق رحمه اللّه المذكورة في ذيل الرواية 4

______________________________

(1) الرواية 1 و 2 و 4 و 6 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 8 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 344

و هي و ان كانت مرسلة، لكن يكفي في استحباب هذا الذكر انه ذكر «1». و الرواية 8 على ما عرفت تدل على استحباب ذكر اللّه

عند دخول بيت الخلاء.

*** قوله رحمه اللّه

و الاولى الجمع بينهما.

(1)

أقول: لان كل منهما يكون مأثورا على ما عرفت.

*** قوله رحمه اللّه

و عند خروج الغائط الحمد للّه الذي اطعمنيه طيبا في عافية و اخرجه خبيثا في عافية.

(2)

أقول: ما يمكن ان يقال دليلا عليه ما في مرسلة الصدوق رحمه اللّه و هي هذه محمد بن علي بن الحسين (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا أراد دخول المتوضأ قال: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم اللهم امط عني الاذى و أعذني من الشيطان الرجيم و إذا استوى جالسا للوضوء اللهم اذهب عني القذى و الأذى و اجعلني من المتطهرين و اذا انزحر قال: اللهم كما اطعمتنيه طيبا في عافية فاخرجه مني خبيثا في عافية) «2».

و هي كما ترى بحسب المتن غير ما نقله المؤلف رحمه اللّه مضافا إلى ارسال الحديث،

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 345

نعم لا بأس بإتيانه بقصد مطلق الدعاء، و إتيانه بقصد الخصوصية رجاء.

*** قوله رحمه اللّه

و عند النظر إلى الغائط، اللهم ارزقني الحلال و جنبني عن الحرام.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال كان علي عليه السّلام يقول ما من عبد إلّا و له ملك موكل يلوي عنقه حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من اين اخذته و إلى ما صار فينبغي للعبد عند ذلك ان يقول اللهم ارزقني الحلال و جنبني الحرام)

«1»، و هي كما ترى مرسلة مضافا إلى ان المروي فيها (و جنبني الحرام) لا (و جنبني عن الحرام) كما ذكر المؤلف رحمه اللّه و على كل حال لا بأس بقراءته بعنوان مطلق الدعاء، و بقصد الخصوصية رجاء.

*** قوله رحمه اللّه

و عند رؤية الماء الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا.

(2)

أقول: ما يمكن ان يكون دليله من النصوص على ما قيل، و هي ما رواها عبد اللّه بن كثير الهاشمي مولى محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال بينا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم جالس سائب مع محمد ابن الحنفية إذ قال له يا محمد أتني باناء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 346

من ماء أتوضأ للصلاة فاتاه محمد بالماء فاكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حصّن فرجي و اعفه و استر عورتي و حرمني على النار (الخ)) «1».

و كما ترى لا يستفاد من هذه الرواية استحباب الدعاء عند رؤية الماء، بل يستفاد استحبابه بعد اكفاء الماء على اليد، مضافا إلى اختلاف متن الدعاء مع ما في كلام المؤلف رحمه اللّه لانه قال في الرواية (بسم اللّه و باللّه) قبل قوله (الحمد للّه)، فلا يستفاد من الخبر استحباب هذا الدعاء عند رؤية الماء، نعم لا بأس باتيانه بعنوان مطلق الدعاء، و مستحب بهذا العنوان، كما انه يجوز اتيانه بقصد الخصوصية رجاء.

*** قوله رحمه اللّه

و عند الاستنجاء اللهم حصّن فرجي و

اعفه و استر عورتي و حرمني على النار و وفقني لما يقرّبني منك يا ذا الجلال و الاكرام.

(1)

أقول: لم أجد بايدينا من الاخبار ما يدل على ورود استحباب هذا الدعاء عند الاستنجاء، نعم ما رواها عبد اللّه بن كثير الهاشمي المتقدم ذكره فيما يقول عند رؤية الماء فيه ان عليا عليه السّلام إذا استنجى قال هذا الدعاء لا في حال الاستنجاء، نعم لا بأس به رجاء أو بقصد مطلق الدعاء.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 347

قوله رحمه اللّه

و عند الفراغ من الاستنجاء الحمد للّه الذي عافاني من البلاء و أماط عني الاذى.

(2)

أقول: يدل عليه ما رواها أبو بصير عن احدهما عليهما السلام (قال إذا دخلت الغائط فقل اعوذ باللّه من الرجس، الخبيث المخبث الشيطان الرجيم و إذا فرغت فقل الحمد للّه الذي عافاني من البلاء و أماط عني الأذى) «1».

بناء على كون المراد من قوله (و إذا فرغت) هو الفراغ من الاستنجاء و هو غير معلوم، فعلى هذا يؤتى بعنوان الخصوصيّة رجاء أو بعنوان مطلق الدعاء فيستحب بهذا العنوان.

نعم يستحب بعد الفراغ من الاستنجاء، اللهم حصّن فرجي (الخ) المذكور في رواية عبد اللّه بن كثير الهاشمي لان فيها قال ثم استنجى فقال اللهم (الخ).

*** قوله رحمه اللّه

عند القيام عن محل الاستنجاء يمسح يده اليمنى على بطنه و يقول الحمد للّه الذي أماط عني الاذى، و هنئني طعامي و شرابي و عافاني من البلوى.

(1)

أقول: لم اجد رواية تدل على استحباب ما قاله المؤلف رحمه اللّه عند القيام عن محل الاستنجاء، نعم في مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2» (قال و كان عليه

السّلام إذا دخل الخلاء يقول الحمد للّه الحافظ على المؤدى فإذا خرج مسح بطنه و قال الحمد للّه الذي أخرج عني

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) في ذيل الرواية 4 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 348

اذاه و ابقى فيّ قوته فيا لها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها) «1»، و هي كما ترى ليست قابلة ان تكون مدركا لما قاله المؤلف رحمه اللّه:

أما أولا: فلان الوارد في الرواية كون فعله عليه السّلام حين خروجه و الظاهر كون المراد خروجه عن بيت الخلاء لا عند القيام عن محل الاستنجاء.

و ثانيا: الوارد فيها انه مسح بطنه و اما كون المسح بيد اليمنى فليس فيها.

و ثالثا: اختلاف ما في المرسلة مع ما نقله المؤلف رحمه اللّه، فعلى هذا نقول أيضا لا بأس بفعل ما قاله المؤلف رحمه اللّه رجاء من المسح، و اما الدعاء فلا بأس به بعنوان مطلق الدعاء أو إتيانه بقصد الخصوصية رجاء، مضافا إلى ان مرسلة الصدوق رحمه اللّه لإرسالها ضعيفة السند، فلا يثبت به استحباب ما فيها.

*** قوله رحمه اللّه

و عند الخروج أو بعده الحمد للّه الذي عرّفني لذته و أبقى في جسدي قوته و اخرج عني أذاه يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها.

(1)

أقول: و ما يكون دليلا عليه ما رواها عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن علي عليه السّلام (انه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد للّه الذي رزقني لذته و ابقى قوته في جسدي

و اخرج عني اذاه يا لها نعمة ثلاثا) «2»، و هي كما ترى تدل على استحباب هذا الدعاء بعد الخروج، لا عند الخروج أو بعده كما قال المؤلف رحمه اللّه، مضافا إلى ان قول الراوي (ثلاثا) في آخر نقل فعله عليه السّلام ان كان راجعا

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 5 من ابواب الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 349

إلى قوله (يا لها نعمة) يعني قال عليه السّلام هذه الجملة ثلاثا يصح ما نقل المؤلف رحمه اللّه، و اما ان كان مراده انه عليه السّلام قال هذه الكلمات و بعبارة اخرى هذا الدعاء من أوله إلى آخره ثلاث مرات فلا يصح ما قاله المؤلف رحمه اللّه، و كذلك مطابق الرواية ليس بعد قوله (يا لها نعمة) جملة (لا يقدر القادرون قدرها) التي تكون في كلام المؤلف رحمه اللّه فمن أراد ان يعمل بهذا الدعاء يقرأ كما في الرواية، أو يقرأ ما قاله المؤلف رحمه اللّه بعنوان مطلق الدعاء و الخصوصية رجاء.

***

[ان يقدم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول]

قوله رحمه اللّه

و يستحب ان يقدم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول.

(1)

أقول: و يدل عليه ما رواها عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن الرجل إذا أراد ان يستنجي بالماء بيده بالمقعدة أو بالاحليل؟ قال: بالمقعدة ثم بالاحليل) «1».

و ظهور الجملة الخبرية في مقام الانشاء و ان كان في حد ذاته في الوجوب لكن لا قائل فيما اعلم بالوجوب و لهذا يحمل على الاستحباب.

***

[ان يجعل المسحات ان استنجى بها وترا]

قوله رحمه اللّه

و ان يجعل المسحات ان استنجى بها وترا فلو لم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 350

ينق بالثلاثة و اتى برابعة يستحب ان يأتي بخامس فيكون وترا و ان حصل النقاء بالرابع.

(1)

أقول: لدلالته ما رواها عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إذا استنجى احدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء) «1»، حكى عن المعتبر ان الرواية من المشاهير.

***

[ان يكون الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى]

قوله رحمه اللّه

و ان يكون الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى.

(2)

أقول: اما استحباب كون الاستنجاء باليد اليسرى، ان كان وجهه مرسلة يونس عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إن يستنجى الرجل بيمينه) «2».

و ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الاستنجاء باليمين في من الجفاء) «3»، فلا يتم الاستدلال بهما، لان المستفاد منهما كون الاستنجاء باليمنى مكروها، و اما استحباب الاستنجاء باليسرى فلا يستفاد منهما، و ان كان ما روى (من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستحب ان يجعل اليمنى لما علا من الامور و اليسرى لما دنا).

و ما روت عائشة انها قالت: (كانت يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اليمنى لطعامه و شرابه و يده اليسرى للاستنجاء) فضعيفة السند.

إلّا أن يقال انه بعد فتوى بعض الاصحاب على استحبابه يكون الخبران

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من

أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 351

مطابقا مع فتواهم، و هذا كاف في جبر ضعف سندهما.

و فيه، اما أوّلا لا يكفي فتوى بعض الاصحاب في الانجبار، و ثانيا كون مجرّد مطابقة الفتوى مع خبر الضعيف جابرا غير معلوم، نعم لا بأس به رجاء.

و اما استحباب الاستبراء باليد اليسرى، اقول لم اجد على استحباب الاستبراء باليسرى دليلا، نعم يدل على كراهة الاستبراء باليمنى مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال: و قال: أبو جعفر عليه السّلام إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه) «1»، و هذه الرّواية ضعيفة السند لكونها مرسلة، نعم مع قطع النظر عن ضعفها تدل على النهي عن مسّ الذكر إذا بال، و هي أما ناظرة إلى خصوص حال الاستبراء أو مطلق يشمل حال الاستبراء، و تدل عليه الخبران المذكوران، و قد قلنا انهما ضعيفة السند فنقول لا بأس بالاستبراء باليسرى رجاء.

***

[ان يعتبر و يتفكر في ان ما سعى و اجتهد في تحصيله و تحسينه كيف صار أذيّة عليه]

قوله رحمه اللّه

و يستحب ان يعتبر و يتفكر في ان ما سعى و اجتهد في تحصيله و تحسينه كيف صار إذيّة عليه و يلاحظ قدرة اللّه في رفع هذه الاذية عنه و اراحته منها.

(1)

اقول: يمكن ان يستشهد عليه بالخصوص ببعض الروايات المنقولة في الباب 18 من أبواب احكام الخلوة من ل. مثل الرواية الاولى، و بالعموم لحسن التفكر و الاعتبار بكل شي ء و وسيلة و هذا الحال من وسائل التفكر و الاعتبار.

***

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 353

فصل: في مكروهات التخلّي

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 355

قوله رحمه اللّه

و اما المكروهات فهي، استقبال الشمس و القمر بالبول و الغائط و ترتفع بستر فرجه و لو بيده او دخوله في بناء أو وراء حائط، و استقبال الريح بالبول بل بالغائط أيضا، و الجلوس في الشوارع، أو المشارع، أو منزل القافلة، أو دروب المساجد، أو الدور، أو تحت الأشجار المثمرة و لو في غير اوان الثمر، و البول قائما، و في الحمام، و على الارض الصلبة، و في ثقوب الحشرات، و في الماء خصوصا الراكد و خصوصا في الليل، و التطميح بالبول، أي البول في الهواء، و الاكل و الشرب حال التّخلي بل في بيت الخلاء مطلقا، و الاستنجاء باليمين، و باليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّه، و طول المكث في بيت الخلاء، و التخلّي على قبور المؤمنين إذا لم يكن هتكا و إلّا كان حراما، و استصحاب الدرهم البيض بل مطلقا إذا كان عليه اسم اللّه أو محترم آخر إلّا أن يكون مستورا، و الكلام في غير الضرورة إلّا

بذكر اللّه أو آية الكرسي أو حكاية الأذان او تسميت العاطس.

(1)

أقول: المكروهات على ما عدّه المؤلف رحمه اللّه امور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 356

الأوّل: استقبال الشمس و القمر بالبول و الغائط،

ما يمكن ان يكون وجها لكراهته روايات:

الرواية الأولى: ما رواها السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ان يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول) «1»، و هي كما ترى تدل على النهي عن استقبال الشمس و القمر بالفرج لا بالبول و الغائط كما قاله المؤلف رحمه اللّه، إلّا أن يقال إن من يبول بحسب المتعارف، فكما يكون فرجه متوجها إلى جهة فيبول الى تلك الجهة و ان امكن انحراف الآلة بحيث يحصل استقبال الفرج بدون استقبال البول للشمس و القمر و بالعكس فبحسب المتعارف حيث يكون استقبال الفرج مساوقا لاستقبال البول، عبّر المؤلف رحمه اللّه بدل ذكر (كراهة استقبال الشمس و القمر للفرج كراهة استقبال الشمس و القمر للبول)، و على كل حال المستفاد من الخبر النهي عن استقبال الشمس و القمر بالفرج و هو يبول.

الرواية الثانية: ما رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا يبولن احدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به) «2»، يستفاد من الرواية النهي عن البول و فرجه ظاهر مقابل القمر.

الرواية الثالثة: و هي مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال: و في خبر آخر لا تستقبل الهلال و لا تستدبره يعني في التخلي) «3»، و هذه الرواية ضعيفة السند لارسالها و يستفاد منها النهي عن استقبال الهلال و استدباره، و بناء

على كون (يعني في التخلي) جزء الخبر لا من كلام الصدوق يستفاد منها كون مورد النهي حال التخلي.

الرواية الرابعة: و هي رواية أخرى من الصدوق رحمه اللّه باسناده في حديث

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 3 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 357

المناهي (قال: و نهى ان يبول الرجل و فرجه باد للشمس أو القمر) «1»، تدل على النهي عن ابراز الفرج للشمس و القمر و هو يبول.

الرواية الخامسة: و هي مرسلة الكليني رحمه اللّه (قال: و روى أيضا لا تستقبل الشمس و لا القمر) «2»، يستفاد منها مع قطع النظر عن ضعف الاسناد لارسالها التي، عن استقبال الشمس و القمر مطلقا، لعدم ذكر مورد خاص فيها بل النهي مطلق إلّا أن يحمل على حال التخلي، أو حال البول.

و الاشكال العمدة في استفادة الكراهة من هذه الاخبار، هو ان ظاهرها النهي، و النهي يقتضي الحرمة، و الروايات من هذا الحيث مما اعرض عنه الاصحاب لعدم قول بالحرمة، إلّا ما حكى عن الصدوق رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه و ما قيل من عدم ظهور كلام الصدوق رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه في الحرمة، لان الصدوق رحمه اللّه قال في الهداية (و لا يجوز ان يجلس للبول و الغائط مستقبل القبلة و لا مستدبرها و لا مستقبل الهلال و لا مستدبره) و عدم الجواز اعم من الحرمة.

ففيه، ان ظاهر كلامه من عدم الجواز هو الحرمة لانه بعد ما قال لا يجوز بالنسبة إلى امور منها

استقبال الهلال، قال (و يكره الكلام و السواك) و هذا شاهد على ان نظره الشريف من عدم الجواز هو الحرمة، و اما المفيد رحمه اللّه فلم يحضر عندي كتابه المقنعة حتى ارى ما فيه.

و بعد كونها معرض عنها الاصحاب فلا يمكن جعلها وجه القول بالكراهة حتى على القول بان المستفاد من اخبار من بلغ و التسامح في ادلة السنن و المكروهات هو استحباب الفعل، لانه ان كانت الاخبار حجة فمقتضاها حرمة الاستقبال، و ان كان ضعيفة و غير حجة، فأيضا مفادها الحرمة، فكيف يصحّ ان تكون مدركا للاستحباب، نعم لو كانت الاخبار مفادها الكراهة، و لكن سندها ضعيف، يمكن على

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 5 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 358

القول باستفادة كراهة الفعل منها و من اخبار من بلغ.

نعم يمكن ان يقال بكراهة الاستقبال من باب ما يدعى من فتوى الاصحاب بالكراهة و عدم وجدان الخلاف في الكراهة، إلّا ما حكى عن الصدوق رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه، هذا بالنسبة إلى كراهته.

و اما الاشكال الآخر، و هو ان مفاد الاخبار هو النهى عن الاستقبال بالفرج لا بالبول و الغائط، فيمكن دفعه بما اشرنا في ذيل الرواية الاولى من ان المتعارف هو ملازمة استقبالة بالبول و الغائط لشي ء مع استقبال الفرج لان الانفكاك بينهما غير متعارف، فإذا نهى عن الاستقبال للفرج فقد نهى بالملازمة عن الاستقبال بالبول للشمس و القمر.

و لو لم نقل ذلك فلا يتم ما قاله المؤلف رحمه اللّه من كراهة استقبال الشمس و القمر بالبول و الغائط لعدم دليل عليه

في الاخبار، إلّا ان يكون مورد فتوى الاصحاب ما عنونه المؤلف رحمه اللّه، فيقال بكراهية من باب فتواهم، و هذا محتاج إلى مزيد تتبّع، و لم اقدر عليه فعلا.

او يقال بانه مع فهم الاصحاب من النهي في الاخبار الكراهة يوهن ظهور النهي فيها في الحرمة فيحمل على الكراهة.

ثم ان المذكور في الاخبار كما ترى هو النهي عن الاستقبال. بالفرج حال البول، فهل نقول بالكراهة عن الاستقبال حال الغائط كما قاله المؤلف رحمه اللّه، اما لعدم الفرق بينهما قطعا، و اما من باب كون وجه النهي الاحترام، فلا فرق بين البول و الغائط، بل مقتضى الاحترام حال الغائط اشد، أو من باب انّ الرواية الثالثة و فيها (قال لا تستقبل الهلال و لا تستدبره) يعني التخلي و الخامسة و فيها (قال لا تستقبل الشمس و لا القمر) مطلق يشمل حال البول و الغائط كليهما، أو من باب ان الفرج اعم يشمل مخرج الغائط أيضا، و في الرواية الأولى المنهي عنه هو الاستقبال الفرج، أو نقول بعدم وجه لكراهة استقبالهما حال الغائط، لان عدم الفرق غير معلوم، و كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 359

وجه كراهة استقبالهما هو الاحترام أيضا غير معلوم، و الروايتان مرسلتان فسندهما ضعيف ليستا بحجة مضافا إلى ان كون موردهما حال التخلي غير معلوم، لا ان الخامسة لم يذكر مورد النهي و حملها على كراهة الاستقبال مطلقا و في كل حال لم يفت به احد، و الثالثة يحتمل كون (يعني في التخلي) من كلام الصدوق رحمه اللّه و مقتضى فهمه لا يكون جزء الرواية، و اما التمسك بالرواية الأولى، لان المذكور فيها لفظ الفرج و هو يشمل مخرج الغائط

أيضا، ففيه انه لو كان لفظ الفرج اعم في حد ذاته، لكن في المقام حيث قال (نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول) يكون مورد النهي حال البول، اقول لكن تطمئن النفس بعدم فرق بين حال البول و الغائط، و لهذا لو قلنا بالكراهة في الاول نقول في الثاني أيضا.

ثم ان المنهى عنه هو استقبال عين الشمس و القمر، بحيث لو كان بين الفرج و بين الشمس و القمر حائلا يمنع عن مقابلة عينهما ترتفع الكراهة مثلا يستر فرجه بيده أو يدخل في بناء أو وراء حائط، أو أعم من ذلك و ليس حال استقبال الشمس و القمر حال البول و الغائط حال استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي.

أقول، ظاهر الاخبار هو الأوّل لأن ظاهر النهي عن استقبال الشي ء استقباله بعينه، و لا تقل لم قلتم في النهي عن استقبال القبلة حال الخلوة بعدم جواز الاستقبال حتى مع الحائل و حتى مع كونه في داخل البناء، لأنه من الواضح انه بعد عدم كون الناس متوجها لعين القبلة إلّا من كان في موضع لم يكن بينه و بين الكعبة حائل، و من الواضح عدم اختصاص النهي بخصوص مواجهة عينها، فافهم، كون المنهي استقبال الكعبة و لو مع الواسطة و بعبارة أخرى المنهى عنه جهتها و لو بفواصل و سواتر و حجب.

فالقول في استقبال القبلة و أعمية الحرمة كان من باب القرينة و ليس في المقام قرينة يوجب انصراف اللفظ عن ظاهره، مضافا إلى ان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الرواية الثانية (لا يبولنّ أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل

به) يدل على ان المنهى عنه هو استقباله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 360

بلا واسطة لان لفظ (باد) يقتضي ذلك.

الثاني: استقبال الريح بالبول بل بالغائط أيضا.

أقول، ما استدل عليها روايات:

الرواية الأولى: مرفوعة محمد بن يحيى و هي ما رواها محمد بن يحيى باسناده رفعه (قال: سئل أبو الحسن عليه السّلام ما حد الغائط قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «1».

الرواية الثانية: ما رواها عبد الحميد بن أبي العلاء و غيره رفعه (قال سئل الحسن بن علي عليه السّلام: ما حد الغائط قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «2».

الرواية الثالثة: ما حكى عن الخصال عن علي عليه السّلام قال (و لا يستقبل ببوله الريح).

الرواية الرابعة: ما حكى عن العلل عن محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (و لا تستقبل الريح لعلتين احداهما ان الريح ترد البول فيصيب الثوب و لم يعلم ذلك أو لم يجد ماء فيغسله، و العلة الثانية ان مع الريح ملكا فلا تستقبل بالعورة).

أقول: لم يحضرني الخصال و العلل حتى اراجعهما.

هذا ما يتمسك به على الكراهة و قد ترى ان ظاهر الاخبار المذكورة هو الحرمة، لان ظاهر النهي الحرمة، لكن الروايات من هذا الحيث مورد اعراض الاصحاب لعدم افتاهم بالتحريم، إلّا ما حكى عن الفقيه و المقنع من القول بوجوب ترك استقباله، و بعد سقوط الاخبار عن الحجيّة فلا دليل على كراهة استقبال الريح و استدباره كما لا دليل على حرمته.

نعم لو كان خبر ضعيف موجودا دالّا على الكراهة يمكن القول بكراهته بناء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 5 من

الباب 2 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 361

على استفادة استحباب الفعل أو كراهته بخبر ضعيف ببركة أخبار من بلغ و التسامح في ادلة السنن، و ليس هنا خبر يدل على ذلك، نعم يمكن القول بالكراهة من باب دعوى كون الاتفاق على كراهته، فيكون وجه الكراهة الاتفاق و الاجماع، و مع الشك في الاجماع يقال يترك الاستقبال رجاء أو يقال أن فهم الفقهاء الكراهة من الاخبار يوجبه حسب و من الظهور في الحرمة فيحمل ظاهر النّهي على الكراهة.

ثم أنه هل يختص الحكم بالبول؟ أو يكون الاستقبال مكروها بالغائط أيضا كالبول، الاقوى التعميم لان الروايتين الأوليتين مطلقتان و اختصاص النهي في الثالثة بالبول لا يوجب انحصار الكراهة حال البول فقط لعدم مفهوم لها، و كذلك ذكر علة الحكم في خصوص البول في الرواية الرابعة لا يوجب انحصار الكراهة بالبول.

ثم ان المذكور في المتن كراهة الاستقبال بالريح، و لكن على القول بالكراهة من باب الاخبار، فالاقوى شمول الحكم للاستدبار للتّصريح بالنهي عن الاستدبار في الرواية الاولى و الثانية من الروايات المتقدمة.

الثالث: الجلوس في الشوارع،

و الشوارع جمع مشارع و هو الطريق الاعظم.

أقول: و الحكم يعم لكل طريق نافذ و ان لم يكن بشارع كما ينادى به بعض مما نذكر من الروايات.

و الدليل على الحكم، ما رواها عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال رجل لعلي بن الحسين عليه السّلام اين يتوضأ الغرباء قال تتّقى شطوط الانهار و الطرق النافذة و تحت الاشجار المثمرة و مواضع اللعن فقيل له و اين مواضع اللعن قال أبواب الدور) «1»، و هي كما ترى تدل على الاتقاء من الطرق النافذة سواء كان شارعا

أولا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 362

و ما رواها الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام في حديث المناهي (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق الحديث) «1».

و ما رواها في الوسائل و في الخصال بالاسناد الآتي عن علي عليه السّلام في حديث الاربع مائة (قال لا تبل على المحجة و لا تتغوط عليها) «2»، المحجة (اقرب الموارد) جادة الطريق أي معظمه و وسطه و مقتضى النهي عن بعض الاخبار المتقدمة و ان كان الحرمة، لكن لا يمكن القول بالحرمة لعدم وجود قول به فيما رأينا، و لهذا يوهن ظهور النواهي في الحرمة خصوصا مع قابلية قوله (تتقى) في الرواية الأولى للحمل على الكراهة.

الرابع: الجلوس للتخلي في المشارع

و هو جمع المشرعة و هي مورد الماء و يدل عليه من الاخبار:

الرواية الأولى من الروايات المتمسكة بها الكراهة التخلي في الشوارع.

و ما رواها علي بن ابراهيم رفعه (قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبو الحسن موسى عليه السّلام قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام اين يضع الغريب ببلدكم فقال اجتنب افنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزّال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت) «3».

و ما رواها السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يتغوط على شفير بئر ماء

يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها) «4».

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 12 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 1 من الباب 2 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 3 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 363

و ما رواها الحصين بن مخارق عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام (أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نهى ان يتغوط الرجل على شفير بئر يستعذب منها أو على شفير نهر يستعذب منه أو تحت شجرة فيها ثمرها) «1».

و ما رواها أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام (ان أبا حنيفة قال له و هو صبي يا غلام اين يضع الغريب في بلدتكم؟ هذه قال يتوارى خلف الجدار، و يتوقى اعين الجار، و شطوط الانهار و مساقط الثمار و لا تستقبل القبلة و لا يستدبرها فحينئذ يضع حيث شاء) «2».

و ما رواها حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام في وصيته النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام (قال و كره البول على شط نهر جار و كره ان يحدث انسان تحت شجرة أو نخلة قد اثمرت و كره ان يحدث الرجل و هو قائم) «3».

و ما رواها عبد اللّه بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله و سلم ان اللّه كره لكم ايتها الامة اربعا و عشرين خصلة و نهاكم عنها إلى ان قال و كره البول على شط نهر جار و كره ان يحدث الرجل تحت شجرة مثمرة قد اينعت يعني اثمرت) «4».

و ظاهر بعض هذه الاخبار هو النهي عن التخلي في المشارع و هو يقتضي الحرمة لكن لم يفتوا بالحرمة، فليس وجه القول بالكراهة إلّا التعبير بالكراهة في بعض الاخبار، و هو أعم من الحرمة و انه مع عدم فهم الاصحاب من النواهي الحرمة يوهن ظهورها في التحريم فيحمل النهي فيها على الكراهة.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 7 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 9 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 11 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 364

الخامس: التخلي في منزل القافلة،

يدل عليها بعض الاخبار المتقدمة ذكرها في كراهة التخلي في المشارع.

و ما رواها إبراهيم بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ثلاث ملعون من فعلهنّ: المتغوط في ظل النزال، و المانع الماء المنتاب، و ساء الطريق المسلوك) «1». و وجه الحمل على الكراهة ما قلنا في وجه حمل النهي عن التخلي في المشارع و الشوارع و غيرهما.

السادس: التخلي في دروب المساجد،

و يدل عليه الرواية الأولى من الروايات التي ذكرنا وجها للكراهة التخلي في المشارع لان فيها قال (اجتنب افنية المساجد)، و لكن افنية المساجد اعم من دروب المساجد، نعم يشمل الدروب لأنها من فناء المسجد أيضا. و يمكن الاستدلال على الكراهة في دروب المساجد بالرواية الاخيرة التي ذكرنا في الخامس من المكروهات، و هو عد المتغوط في ظل النزال من جملة الملعونين و دروب المساجد مما تنزل فيها النزال، و يحمل الامر بالاجتناب عن التخلي في افنية المساجد على الاستحباب لما قلنا من ان فهم الاصحاب يوجب وهن ظهور النهي في الوجوب، ثم ان لازم حمل قوله في الرواية (اجتنب افنية المساجد) بناء على حمله على الاستحباب كون ترك التخلي في أفنية المساجد مستحبا، لا كون فعل التخلي مكروها نعم لو تمسكنا بقوله في رواية إبراهيم بن أبي زياد من الملعونين من تغوط في ظل النزال، و ان اطلاق النزال يشتمل دروب المساجد و يحمل الخبر على الكراهة يكون هذا الخبر وجها لكراهة التخلي في دروب المساجد أيضا، و لا ينافي تعبير المعصوم عليه السّلام بالملعون مع الحمل على الكراهة لانه ربما يعبر هذا التعبير في فعل بعض المكروهات أو ترك بعض المستحبات.

السابع: التخلي في دروب (ابواب) الدور،

و يدل على الحكم الرواية التي

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 365

ذكرناها في كراهة التخلي في الشوارع، لانه قال فيها (و مواضع اللعن فقيل له و اين مواضع اللعن قال أبواب الدور) بعد حمل النهي على الكراهة، لما قدمنا من حمل (تتقى) في الرواية على مجرد مطلوبية الاتقاء، غاية الامر بعد كون الامر بالاتقاء يكون لازمه كون ترك

التخلي في أبواب الدور مستحبا، لا كون فعله مكروها، إلّا أن يقال ان كون أبواب الدور مواضع اللعن، فلم يكن اللعن إلّا على الفعل، فهذا دليل على مرجوحية الفعل و هو معنى الكراهة.

الثامن: التخلي تحت الاشجار المثمرة

و لو غير أوان الثمر، يدل على كراهة التخلي تحته في المجمل بعض الاخبار التي ذكرناها عند التعرض لكراهة التخلي في الشوارع و المشارع، و يدل على الكراهة حتى في غير أوان الثمر، اطلاق بعض الاخبار، و لا تقيد بما في رواية الحصين بن المخارق المذكورة في كراهة التخلي في المشارع بتوهم ان فيها قال (أو تحت شجرة فيها ثمرها) لانه على فرض كون النهي فيها مخصوصا بحال كون الثمر فيها، لكن لا مفهوم لها ينفي غير هذا الحال، فيؤخذ بإطلاق باقي الاخبار، و لا ينافي القول بالكراهة حتى في غير أوانى الثمر، القول بكون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ لما عرفت من ان المبادئ مختلف من حيث الفعلية و الشأنية و الملكة و الشجرة المثمرة ما من شأنها الاثمار أو لها ملكة الاثمار، فافهم.

و وجه حمل النهي على الكراهة عرفت فيما سبق.

التاسع: البول قائما،

وجه الكراهة ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائما أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا في بيت وحده و بات على غمر فاصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه و اسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان و هو على بعض هذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 366

الحالات، الحديث) «1».

و ما رواها حكم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت: له أ يبول الرجل و هو قائم؟ قال: نعم و لكن يتخوف عليه ان يلتبس به الشيطان اي يحبله، الحديث) «2».

و مرسلة الصدوق محمد بن علي بن الحسين (قال قال عليه السّلام

البول قائما من غير علة من الجفاء).

و ما رواها حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام (قدمنا ذكرها عند التعرض للكراهة التخلي في المشارع) و فيها قال (و كره ان يحدث الرجل و هو قائم) «3».

لكن مقتضى هذه بإطلاقها كراهة التغوط قائما، لان الحدث اعم يشمل البول و الغائط، و على كل حال يستفاد من هذه الاخبار الكراهة، لان بعض التعبيرات في الرواية الاولى و خصوصا بيان جوازه في الرواية الثانية، لكن فيه خوف تلبيس الشيطان، و كذلك التعبير بالجفاء في الرواية الثالثة و كره في الرواية الرابعة يلائم مع الكراهة المصطلحة بعد القرائن المذكورة، و لهذا نقول بكراهة البول قائما كما قاله المؤلف رحمه اللّه، بل كراهة الغائط قائما لما قلنا.

و يستثنى من الحكم حال الاطلاء فلا كراهة في البول قائما لدلالة الرواية 2 من الباب 33 من أبواب احكام الخلوة من ل. على ذلك.

العاشر: التخلي في الحمّام،

يدل على كراهته ما حكى عن المستدرك عن جامع الاخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (انه عدّ من الخصال الموجبة للفقر البول في الحمام)، و يستفاد منها الكراهة، و لكن لو كانت ضعيفة السند، و لم نقل باستحباب الفعل أو كراهته بالخبر الضعيف ببركة اخبار من بلغ، لا يمكن القول بكراهته بل يترك رجاء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 7 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 9 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4،

ص: 367

و باحتمال مطلوبية تركه.

الحادي عشر: البول على الارض الصلبة،

يدل على كراهته ما يدل على استحباب اختيار الأرض الرخوة، مثل ما رواها عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اشد الناس توقيا عن البول كان إذا اراد البول يعمد الى مكان مرتفع من الارض أو إلى مكان من الامكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية ان ينضح عليه البول) «1».

و هذه الرواية ذكرناها عند البحث عن استحباب طلب مكان مرتفع أو موضع رخو للبول، و إن ذلك من المستحبّات، فهل الرواية تدل على استحباب اختيار ارض رخوة أو على كراهة البول على الارض الصلبة؟

يمكن أن يقال باستحباب موضع رخو لانه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يطلب ذلك المكان، و كذلك على كراهة البول على الارض الصلبة، لأن كراهيته صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أن ينضح عليه، يقتضي كراهة البول على الارض الصلبة؟

فلا بأس بالقول بكراهيتها كما قال المؤلف رحمه اللّه.

الثاني عشر: البول في ثقوب الحشرات،

لم أجد رواية في طرقنا دالّة عليه، نعم روى عن الطرق العامة، نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من البول في حجر الحشرات، فلا بأس بتركه رجاء.

الثالث عشر: البول في الماء

خصوصا في راكده و خصوصا في الليل، يدل على كراهته ما رواها أبو الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال لا بأس بان يبول الرجل في الماء الجاري و كره أن يبول في الماء الراكد) «2».

و ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، نقلنا الرواية في كراهة البول

______________________________

(1) الرواية 33 من الباب 22 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 5 من الماء المطلق من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 368

قائما و فيها قال (أو بال في ماء قائما) «1».

و ما رواها حكم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: قلت له يبول الرجل في الماء قائما؟ قال: نعم و لكن يتخوف من الشيطان) «2».

و ما رواها الحسين عن بعض أصحابه عن مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة و قال: إن للماء أهلا) «3».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال و قد روى إن البول في الماء الراكد يورث النسيان) «4».

و ما رواها الحسين بن يد عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث المناهي (قال و نهى أن يبول احد في الماء الراكد فانه منه ذهاب العقل) «5».

و ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال لا تشرب

و انت قائم و لا تطف بقبر و لا تبل في ماء نقيع- فإن من فعل ذلك فاصابه شي ء فلا يلومنّ إلّا نفسه و من فعل شيئا من ذلك لم يكد يفارقه إلّا ما شاء اللّه) «6».

و هذه الاخبار كما ترى يدل بحسب ظاهرها و بعض الخصوصيات المشتملة على كراهة البول في الماء، و اطلاق بعضها يشمل الحكم لمطلق المياه و بالخصوص للماء الراكد، و الماء الجاري.

و أما ما قاله المؤلف رحمه اللّه من كون البول في الراكد اشد، فلعله كان من باب بعض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 3 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 4 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(5) الرواية 5 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(6) الرواية 6 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 369

التحذيرات في الراكد لم يذكر في الجارى، و ما في الرواية الأولى من عدم البأس في الجاري و الكراهة في الراكد و هذا يدل على اشديّة كراهته منه و اما شدة كراهته في الليل و خصوصيته كما قال المؤلف رحمه اللّه فلم أرى له وجها وجيها.

الرابع عشر: التطميح بالبول في الهواء،

يدل على كراهته ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يطمح الرجل ببوله من السطح و من الشي ء المرتفع في الهواء) «1».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2».

و الرواية التي مضمونها تقريبا كالأولى «3».

و ما رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في

حديث الأربعمائة و فيها قال (و إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله) «4».

و المذكور في الروايات هو الطمح و قد فسّر المؤلف رحمه اللّه الطمح بانه البول في الهواء و المراد ان يرتفع ببوله في الهواء و هذا هو مراد المؤلف رحمه اللّه.

الخامس عشر: الأكل و الشرب حال التخلي

بل في بيت الخلاء مطلقا، أما على كراهة الأكل فللخبرين المنقولين عن أبي جعفر عليه السّلام مرسلا و عن الحسين بن علي عليهما السّلام مسندا من إنهما وجدا خبزا في بيت الخلاء و غسلاه و امرا بخادمهما بحفظه حتى يخرجا و يأكلا، نذكر الخبرين إن شاء اللّه عند التعرض للمسألة الثالثة الملحقة بمكروهات الخلوة.

و يستفاد منهما ترك المعصومين عليهما السّلام اكل اللقمة في بيت الخلاء، و يستفاد من تركهما مرجوحية الاكل في بيت الخلاء.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 8 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 6 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 370

هذا بالنسبة إلى الاكل في بيت الخلاء، ثم انه يستفاد من الخبرين كراهة الأكل في بيت الخلاء مطلقا سواء كان حال التخلي أم لا، فلا وجه لانحصار المؤلف رحمه اللّه الكراهة بحال التخلي، هذا بالنسبة إلى الاكل.

و أما الشرب، فلا دليل عليه إلّا أن يقال بكون المناط موجود في الشرب، أعني كلما يفرض كونه مناط كراهة الأكل، هو موجود في الشرب، و هو مشكل، نعم لو ترك رجاء يثاب إن شاء اللّه.

السادس عشر: الاستنجاء باليمين و باليسار

إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّه، اقول اما كراهة الاستنجاء باليمن، يدل عليها ما رواها يونس عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يستنجى الرجل بيمينه) «1».

و ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الاستنجاء باليمين من الجفاء) «2»

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه

(قال قال عليه السّلام: الاستنجاء باليمين من الجفاء قال و قد روى انه لا بأس إذا كانت اليسار معتلة) «3».

و مرسلة أخرى من الصدوق رحمه اللّه (قال: و قال أبو جعفر عليه السّلام: إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه) «4».

و لا يبعد كون مرسلتي الصدوق رحمه اللّه هو ما ذكر مسندا و هو ما رواه بالارسال لا ان تكونا روايتان مستقلتان.

و ما رواها في الخصال ينتهي سندها بالسكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (قال: البول قائما من غير علّة من الجفاء و الاستنجاء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 6 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 371

باليمين من الجفاء) «1»، فلا اشكال في كراهة الاستنجاء باليمين. و اما كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان عليه خاتم ففيه اسم اللّه، فما يمكن ان يكون مدركها من الروايات:

ما رواها أبو أيوب (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ادخل الخلاء في يدي خاتم فيه اسم من اسماء اللّه تعالى قال: و لا تجامع فيه) «2»، قال الكليني رحمه اللّه و روى أيضا (انه إذا اراد ان استنجى من الخلاء فليحوله من اليد التي يستنجى بها) و قد ترى ان الرواية مع قطع النظر عما ارسله الكليني رحمه اللّه يدل على النهي من ادخال خاتم فيه اسم اللّه في بيت الخلاء و كذلك المرسلة تدل على

الامر بتحويل الخاتم من يد تستنجى بها إلى غيرها و كلاهما غير مربوط بكراهة الاستنجاء باليسار إذا كان فيه خاتم فيه اسم اللّه.

و ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من نقش على خاتمه اسم اللّه فليحوله عن اليد التي يستنجى بها في المتوضى) «3».

و هي مثل المرسلة يدل على الامر بتحويل الخاتم عن اليد التي يستنجى بها لا كراهة الاستنجاء بها.

و ما رواها معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى فقال: ما احب ذلك قال: فيكون اسم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: لا بأس) «4»، و مفروض الرواية صورة عدم تلوث الخاتم بالنجاسة و إلّا فلا يجوز في خاتم فيه اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سألته عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر اللّه أو الشي ء من القرآن أ يصلح

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 6 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 372

ذلك؟ قال: لا) «1»، و هاتان الروايتان كسائر ما تقدم عليهما تدلان على عدم ادخال الخاتم في بيت الخلاء لا كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى.

نعم

يستفاد الحكم و لو بنحو الاطلاق من بعض الروايات:

الأولى: ما رواها الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثاني عليه السّلام (قال: قلت له إنا روينا في الحديث ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستنجي و خاتمه في اصبعه و كذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه السّلام و كان نقش خاتم رسول اللّه محمد رسول اللّه قال: صدقوا قلت فينبغي لنا ان نفعل؟ قال: أولئك كانوا يتختمون في اليمين و انكم انتم تتختمون في اليسرى الحديث) «2».

و يستفاد من هذه الرواية انه لا ينبغي الاستنجاء بيد فيها خاتم فيه اسم اللّه سواء كانت يد اليمنى أو اليسرى، فتدل بإطلاقها على انه لا ينبغي الاستنجاء باليسار إذا كان فيه خاتم فيه اسم اللّه تعالى.

الثانية: ما رواها عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه قال: لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه تعالى و لا يستنجى و عليه خاتم فيه اسم اللّه و لا يجامع و هو عليه و لا يدخل المخرج و هو عليه) «3»، تدل على المدعي كالسابقة بعد حمل النهي على الكراهة.

الثالثة: ما رواها الحسين بن خالد الصيرفي (قال: قلت لابي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام: الرجل يستنجى و خاتمه في اصبعه و نقشه لا إله إلّا اللّه؟ فقال: اكره ذلك له قلت جعلت فداك أو ليس كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و كل واحد من آبائك يفعل ذلك و خاتمه في اصبعه؟ قال: بلى و لكن اولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى فاتقوا اللّه

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية

3 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 5 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 373

و انظروا لانفسكم الحديث) «1».

فهذه الروايات دليل بإطلاقها على كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان فيها خاتم فيه اسم اللّه تعالى.

و الرواية الثانية و ان كانت ظاهرها النهي، لكن يحمل على الكراهة بقرينة الرواية الأولى، المستفاد منها انه لا ينبغي ذلك، و لفظ لا ينبغي يساعد الكراهة، و الرواية الثالثة لو لم تكن ظاهرة في الكراهة المصطلحة، لم تكن ظاهرة في الحرمة، مضافا إلى دلالة الرواية التي رواها وهب بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام جواز الاستنجاء بيد فيها خاتم فيه اسم اللّه، فبعد الجمع بينهما و بين هذه الثلاثة تكون النتيجة الكراهة (قال كان نقش خاتم أبي العزة للّه جميعا و كان في يساره يستنجى بها و كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السّلام الملك للّه و كان في يده اليسرى يستنجى بها) «2».

لكن هذه الرواية ضعيفة السند بوهب بن وهب ابو البختري القرشي المدني بل قيل: في حقه أنه من أكذب البرية فلا يوثق بما رواه.

فتلخص مما مر كراهة الاستنجاء باليمين و كذا باليسار إذا ان فيه خاتم فيه اسم اللّه تعالى، ثم ان الكراهة تكون ف صورة لا يتنجس بالاستنجاء خاتم فيه اسم اللّه تعالى و الا لو تنجس فهو حرام، بل ربما يصل بحد الكفر، فافهم.

السابع عشر: طول المكث في بيت الخلاء،

يدل على كراهته ما رواها محمد بن مسلم (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال لقمان لابنه: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور فكتب هذا على باب الحشّ) «3».

و ما رواها موسى بن القاسم

البجلّي عمن ذكره عن محمد بن مسلم (قال:

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 8 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 374

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: طول الجلوس على الخلاء يورث البواسير) «1».

و ما رواها اسماعيل بن أبي زياد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن علي عليهم السّلام (قال: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور) «2».

و ما رواها الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عند ذكر حكم لقمان (قال: و قيل دخل مولاه على المخرج فاطال الجلوس فناداه لقمان ان طول الجلوس على الحاجة يضجع الكبد و يورث منه الباسور و يصعد الحرارة إلى الرأس فاجلس هونا فكتبت حكمته على باب الحش) «3».

و لا يبعد كون مورد الكراهة ما لا حاجة له إلى المكث لدلالة الرواية التي رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال: لا تعجلوا الرجل عند طعامه حتى يفرغ، و لا عند غائطه حتى يأتي على حاجته) «4».

الثامن عشر: التخلي على قبور المؤمنين إذا لم يكن هتكا

و إلّا كان حراما، اما كراهته فيما لم يكن هتكا للرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: من تخلّى على قبر، أو بال قائما، أو بال في ماء قائما أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا في بيت وحده، و بات على غمر، فاصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه، و اسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان و هو على بعض هذه الحالات. «الحديث») «5».

و ما رواها عبد

الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام (قال: ثلاثة يتخوف منها الجنون: التغوط بين القبور، و المشي في خف واحد، و الرجل ينام وحده) «6».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 374

(2) الرواية 4 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 5 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 3 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(5) الرواية 1 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(6) الرواية 2 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 375

أقول: الرواية الأولى تدل على كراهة التخلي على القبر، و الثانية على كراهة التغوط بين القبور، فلهذا نقول، يكره التخلي على القبور بمقتضى الأولى و التخلي اعم من البول و الغائط، فالثانية و ان كان ظاهرها خصوص التغوط بين القبور، لكن يمكن بعدم الفرق مناطا بين التغوط و بين البول، و لهذا يقال يكره البول و الغائط بين القبور أيضا.

ثم أن الروايتين مطلقتان من حيث صاحب القبر، فاطلاقهما يشمل كل قبر و ان لم يكن صاحب القبر مؤمنا، و لكن المؤلف رحمه اللّه انحصر الكراهة بقبر المؤمنين، و لعل ذلك لانصراف القبر في الخبرين بخصوص قبر المؤمن، و هذا مشكل، و على كل حال لا اشكال في الكراهة في التخلي على قبور المؤمنين.

هذا كله فيما لم يكن التخلي موجبا لهتك المؤمن، فيقال: بالكراهة و أما إذا كان موجبا

لهتك المؤمن،

فيحرم التخلي على قبره، لان المؤمن محترم حيا و ميتا، لا يجوز هتكه.

التاسع عشر: استصحاب الدراهم البيض،

بل مطلقا إذا كان عليه اسم اللّه، أو محترم آخر، إلّا أن يكون مستورا.

أقول: لم نجد فيما بايدينا من الاخبار على رواية تدل على كراهة استصحاب الدراهم البيض في خصوص ما إذا كان عليه اسم اللّه.

نعم ما رواها غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام (انه كراه أن يدخل الخلاء و معه درهم ابيض، إلّا أن يكون مصرورا) «1».

كما ترى تدل على كراهة الدراهم البيض فيما يدخل بيت الخلاء و اطلاقها يشمل ما إذا لم يكن عليه اسم اللّه أو غيره من المحترمات، و على كل حال تدل الرواية على كراهة الدخول في الخلاء و معه درهم بيض، و اطلاقها يشمل ما إذا كان عليه اسم اللّه أو محترم آخر أو ما لم يكن عليه محترم منقوش.

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 376

و اما غير الأبيض من الدرهم أو غير الدرهم، فلا دليل على كراهته، إلّا أن يقال بعدم الفرق بين الدرهم البيض و غير البيض، و هو مشكل، نعم لو ترك استصحاب غير البيض رجاء يثاب عليه إن شاء اللّه.

العشرون: الكلام في غير الضرورة إلّا بذكر اللّه،

أو آية الكرسي، أو حكاية الاذان أو تسميت العاطس.

أقول: اما كراهة الكلام في الجملة يدل عليها ما رواها صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: (أنه قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو بكلمة حتى يفرغ) «1».

و ما رواها أبو بصير (قال: قال: لي أبو عبد اللّه عليه السّلام لا تتكلّم على الخلاء فان من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة) «2».

و اما اختصاص المؤلف رحمه

اللّه الكراهة بغير حال الضرورة، فإن كان من باب إنّ الضرورات تبيح المحضورات فليس ممنوع و محظور حتى ترتفع، و ان كان المراد من الضرورة صورة العسر و الحرج فأيضا بعد كون الحكم الكراهة فليس من قبل الشارع الزام حتى يرتفع بدليل لا حرج.

نعم يمكن ان يقال بأنا نستفيد من مذاق الشرع رفع طلب الفعل أو المنع من الترك حتى مع تجويز الترك في الاول، و تجويز الفعل في الثاني المعبّر بالمستحب و المكروه في صورة الضرورة بحيث يوجب هذا الفهم لعدم امكان اخذ الاطلاق من الروايتين، لان من يدع واجبه و حرامه للعسر و الضرورة يدع عن مستحبه و مكروهه قطعا، و مع فهم مذاق المتكلّم لا يمكن أخذ الاطلاق بل ينصرف كلامه إلى غير مورد الضرورة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 6 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 377

فصل: في المستثنيات

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 379

فصل فى المستثنيات و أما المستثنيات:

الأوّل: التكلّم بذكر اللّه

فانه لا يكره لما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بذكر اللّه و انت تبول، فان ذكر اللّه حسن على كل حال، فلا تسام من ذكر اللّه) «1».

و ذكر صاحب الوسائل رحمه اللّه في الباب، روايات تدل على أن ذكر اللّه حسن في كل حال «2»، و يمكن أن يستدل بها على جواز الكلام بذكر اللّه في الخلاء، لان النسبة بين هذه الاخبار و الخبرين الدالين على كراهة الكلام تكون عموما من وجه و مادة اجتماعهما ذكر اللّه في الخلاء، فمقتضى عموم الاخبار جوازه و حسنه، و مقتضى اطلاق الخبر الثاني من الخبرين كراهة الكلام حتى بذكر اللّه، و اما رواية الأولى من الروايتين فلا اطلاق لهما يشمل الكلام بذكر اللّه، لان فيها قال: (نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو بكلمة حتى يفرغ)، فموردها التكلم مع الناس لا بذكر اللّه، فلم يبق إلّا الرواية الثانية من الروايتين، و بعد كون الكلام بذكر اللّه مادة الاجتماع فلا اشكال في كون شمول الاخبار الدالة على ان ذكر اللّه حسن في كل حال، اظهر لمادة الاجتماع فيؤخذ بها و تكون النتيجة عدم كراهة ذكره تعالى حتى في بيت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 و 3 و 4 و 5 من الباب 7 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 380

الخلاء.

الثاني: عدم كراهة قراءة آية الكرسي،

يدل عليها ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده و ينتهي السند بمحمد بن عذافر عن عمر بن يزيد (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن، قال لم يرخص في الكنيف في أكثر آية الكرسي و يحمد اللّه و آية) «1».

و رواه الصدوق رحمه اللّه باسناده عن عمر بن يزيد إلّا أنه قال: (أو آية الحمد للّه رب العالمين)، تدل على عدم ترخيص قراءة القرآن في الكنيف إلّا آية الكرسي و حمد اللّه و آية بناء على نقل الشيخ رحمه اللّه و آية الحمد للّه رب العالمين بنقل الصدوق رحمه اللّه.

و ظاهرها من باب عدم ترخيص غير آية الكرسي، و حمد اللّه، و آية الحمد للّه رب العالمين و ان كان عدم جواز غيرها من القرآن، لكن بعد دلالة الرواية التي رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته أتقرأ النفساء و الحائض و الجنب و الرجل يتغوط القرآن فقال يقرءون ما شاءوا) «2».

نقول بالكراهة لان النهي في رواية عمر بن يزيد يحمل على الكراهة بقرينة جواز المستفاد من رواية الحلبي.

الثالث: حكاية الاذان،

يدل على عدم كراهتها ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: له يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر اللّه على كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي بالاذان و انت على الخلاء فاذكر اللّه عزّ و جلّ، و قل كما يقول المؤذن) «3».

و ما رواها أبو بصير (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إن سمعت الاذان و انت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن، و لا تدع ذكر اللّه عزّ و جلّ في تلك الحال، لان ذكر

______________________________

(1) الرواية من الباب من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 8 من الباب من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 1 من الباب 8 من أبواب

احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 381

اللّه حسن على كل حال ثم ذكر حديث موسى على نبينا و آله و عليه السلام كما سبق) «1».

و ما رواها سليمان المقبل المدني (قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام لأي علّة يستحب الانسان إذا سمع الاذان، ان يقول كما يقول المؤذن، و ان كان على البول و الغائط فقال: لان ذلك يزيد في الرزق) «2».

الرابع: تسميت العاطس

يمكن ان يقال بجوازه بلا كراهة بل استحبابه من باب مطلق الذكر و إلّا لم يرد خبر فيما بأيدينا يدل عليه بالخصوص.

نعم ما رواها مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام (قال: كان أبي يقول:

إذا عطس أحدكم و هو على خلاء فليحمد اللّه في نفسه) «3»، يدل على الامر بالتحميد لمن يعطس في الخلاء و ليست مربوطة بجواز التّسميت للعاطس آخر.

***

[مسئلة 1: يكره حبس البول أو الغائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يكره حبس البول أو الغائط و قد يكون حراما إذا كان مضرا و قد يكون واجبا كما إذا كان متوضأ و لم يسع الوقت للتوضي بعدهما و الصلاة و قد يكون مستحبا كما إذا توقف مستحب أهم عليه.

(1)

أقول، اما كراهة حبس البول، فيدل عليها ما في الرسالة الذهبية للرضا عليه السّلام (و من اراد ان لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول و لو على ظهر دابة) «4».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 9 من الباب 7 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 382

و ما رواها في فقه الرضا عليه السّلام روى (إذا جعت فكل، و إذا عطشت فاشرب، و إذا هاج بك البول فبل، و لا تجامع إلّا من حاجة و إذا نعست فنم فان ذلك مصححة للبدن) «1» و فقه الرضا حجيّته محل إشكال، و اما الرسالة الذهبية فلم يحضرني فعلا حجّيتها و عدم حجيتها، فان تم اعتبارها و صارت الرواية حجة تدل على كراهة حبس البول، و

اما كراهة حبس الغائط فلم نجد دليلا عليه إلّا أن يقال بكراهته بتنقيح المناط لوجود ما هو المناط في البول فيه و هذا غير معلوم.

و اعلم ان الكلام في كراهة جسمهما يكون فيما لم يكن الحبس موجبا للضرر، و إلّا لو كان حبسهما موجبا للضرر على صاحبه، فيحرم الحبس، كما انه فيما لا يكون حبسهما مضرا قد يجب الحبس مثل ما إذا كان متوضئا و لو لم يحبسهما لم يسع الوقت للتوضي و الصلاة بعدهما فيجب الحبس، لكن في صورة عدم الضرر و الا لو كان الحبس مضرا يجوز بل يجب البول و الغائط و رفع الحصر و لو لم يتمكن بعدهما للوضوء و يتنزل الامر بالتيمم كما انه قد يستحب الحبس فيما لا يكون مضرا إذا توقف حفظ مستحب أهم على حبسهما فقد ظهر مما بيّنا ان اطلاق كلام المؤلف رحمه اللّه فيما يكون الحبس واجبا أو مستحبا ليس بتام بل موردهما عدم الضرر في حبسهما.

***

[مسئلة 2: يستحب البول حين إرادة الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يستحب البول حين إرادة الصلاة و عند النوم و قبل الجماع و بعد خروج المني و قبل الركوب على الدابة إذا كان النزول و الركوب صعبا عليه و قبل ركوب السفينة إذا كان الخروج صعبا.

(1)

أقول: لم أجد مدركا لاستحباب البول حين إرادة الصلاة، و قبل الجماع، و قبل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 383

الركوب على الدابة و السفينة.

و أما عند إرادة النوم، فيدل عليه ما رواها الاصبغ بن نباته (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: للحسن إلا اعلمك اربع خصال تستغنى بها على الطب قال: بلى قال:

لا تجلس على الطعام إلّا و أنت جائع، و لا تقم عن الطعام إلّا و أنت تشتهيه و جوّد المضغ و إذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب) «1».

و اما بعد خروج المني فلما ورد من فائدة الاستبراء بالبول بعد خروجه، راجع الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء من ل و الباب 35 من أبواب الجنابة من ل.

***

[مسئلة 3: إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء يستحب اخذها و اخراجها و غسلها ثم اكلها.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: دخل أبو جعفر الباقر عليه السّلام، الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فاخذها و غسلها و دفعها إلى مملوك معه، فقال تكون معك لآكلها إذا خرجت فلما خرج عليه السّلام قال للمملوك اين اللقمة؟ فقال:

أكلتها يا بن رسول اللّه فقال عليه السّلام، انها ما استقرت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنة.

فاذهب فانت حرّ فانّي اكره ان استخدم رجلا من أهل الجنة) «2».

و ما رواها في عيون الاخبار باسانيد يأتي في اسباغ الوضوء عن الرضا عن

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 20 من أبواب آداب المائدة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 29 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 384

آبائه عن الحسين بن علي عليهم السّلام (انه دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة فدفعها إلى غلام له و قال يا غلام اذكرني بهذه اللقمة إذا خرجت فاكلها الغلام، فلما خرج الحسين بن علي عليهما السّلام قال يا غلام اللقمة؟ قال اكلتها يا مولاي، قال انت حرّ لوجه اللّه، فقال رجل أعتقته؟ قال: نعم سمعت رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول: من وجد لقمة ملقاة فمسح أو غسل منها ثم أكلها لم تستقر في جوفه إلّا أعتقه اللّه من النار و لم اكن لاستعبد رجلا اعتقه اللّه من النار) «1».

هذا تمام الكلام في احكام الخلوة و الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على نبينا محمد و آله و سلم تسليما كثيرا.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 39 من ل، ج 1، ص 254؛ العيون اخبار الرضا، ص 208.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 385

الفهرس

الخامس من المطهّرات:

الانقلاب 7

فى الرّوايات الواردة في طهارة الخمر اذا صار خلًّا 9

فى صيرورة الخمر خلًّا بالعلاج 11

فى وجه طهارة انقلاب الخمر خلًّا بالعلاج 13

فى اشتراط طهارة الخمر بانقلابه خلًّا عدم وصول نجاسة خارجية فيه 14

فى ما يكون للنّجس الثاني اثرا زائدا 15

العنب او التّمر المتنجّس اذا صار خلًّا لم يطهر 16

فى عدم طهارة الخمر اذا زال سكره 17

فى طهارة بخار البول و الماء المتنجّس 19

فى وقوع قطرة خمر فى حبّ الخل 20

فى ما تمسّك به على طهارة قطرة الخمر المصبوبة فى الخلّ 22

فى الجواب عن ما تمسّك به على طهارة قطر الخمر المصبوبة فى الخلّ 23

فى ما وقع قطرات من الخمر فى الخلّ 25

فى سراية النّجاسة اذا لاقى النّجس مع شي ء آخر 27

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 386

فى انّ الانقلاب غير الاستحالة 28

فى ما اذا تنجّس العصير بالخمر 29

في انّ تفرّق الاجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة 31

فى الماء الواقع فيه الدّم 33

اذا شكّ فى الانقلاب بقى على النّجاسة 34

السّادس من المطهّرات:

ذهاب الثلثين فى العصير العنبى 35

هل يكون التقدير فى الثلث او الثلثين بخصوص الوزن او بخصوص الكيل 37

فى قوله عليه السلام ثلاثة دوانيق، احتمالان 39

فى رواية ابن ابى يعفور و رواية عمّار السّاباطى 40

فى الرّوايات الّتي استدلّ بها على كون العبرة فى التّثليث يكون بالكيل 41

فى انّ ذهاب الثلثين يكون بأمور 43

فى ما اشترط فى قبول قول ذى اليد 45

فى عدم الفرق فى ذهاب الثلثين بين ان يكون بالنّار او بالهواء 46

فى تطهير الآلات المستعملة فى طبخ العصير بالجفاف 47

فى ما اذا كان فى الحصرم حبّة او حبّتان من العنب فعصر و استهلك 49

اذا صبّ العصير الغالى قبل ذهاب ثلثيه فى الّذي ذهب ثلثاه 50

فى ما اذا صبّ العصير الغالى قبل ذهاب ثلثيه فى العصير الغالى الآخر الّذي لم يذهب ثلثاه 51

فى ما اذا ذهب ثلثا عصير من غير غليان 52

فى وجه عدم نجاسة العصير من غير غليان 53

فى العصير التّمري او الزّبيبى 55

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 387

فى ما اذا شك فى الغليان يبنى على عدمه 55

فى ما اذا شكّ فى انّه حصرم او عنب يبنى على انّه حصرم 56

فى عدم البأس بجعل الباذنجان او الخيار او نحو ذلك فى الحبّ 56

فى ما يجعل فى الحبّ الزبيب ليصير خلًّا لا للعلاج 57

فى ما اذ زالت حموضة الخلّ العنبى 57

فى السّيلان و هو عصير التّمر 58

السّابع من المطهّرات:

الانتقال 59

فى انتقال دم ماله نفس كالانسان الى جوف ما لا نفس له كالبقّ 60

فى ما ذا وقع البقّ

على جسد الشّخص فقتله 61

فى انّ الدّليل يدلّ على طهارة دم ما لا نفس له 62

الثّامن من المطهّرات:

الاسلام 64

فى ما يتّصل ببدن الكافر الّذي اسلم 65

فى ما يمكن ان يكون وجها لطهارة ما يتّصل ببدن الكافر الّذي اسلم 66

هل تطهر محلّ النّجاسة الخارجيّة، الّتي زالت عينها، باسلام الكافر أم لا؟ 67

هل يطهر باسلام الكافر ثيابه الّذي لاقاه حال الكفر؟ 68

فى عدم الفرق فى الكافر الأصليّ و المرتدّ 69

فى المرتدّ الفطرىّ و الملّى 70

يقع الكلام فى المرتدّ الفطريّ فى جهات 71

فى انّ المرتدّ الفطرى مأمور باتيان الواجبات 73

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 388

فى قبول اسلام المرتدّ الفطرى و طهارته و وجوب قتله مع الامكان 74

فى كفاية الحكم باسلام الكافر اظهار الشّهادتين منه 75

فى ترتيب آثار الاسلام مع المنافقين 76

فى قبول اسلام الصّبي المميّز 77

فى عدم الوجوب على المرتدّ الفطرى تعريض نفسه للقتل بعد التوبة 77

التّاسع من المطهّرات:

التبعية 79

فى تبعيّة والد الكافر له فى الاسلام 80

فى وجوه الّتي استدلّ بها على تبعيّة الاسير الغير البالغ للمسلم 81

فى تبعيّة آلات تغسيل الميّت من السدّة و غيرها حيث تطهر مع تطهير الميّت 83

فى تبعيّة اطراف للبئر و الدّلو و امثالها للبئر فى التّطهير 84

فى القول فى ثياب النّاضح 85

فى تبعيّة الآلات المعمولة لطبخ العصير على القول بنجاسته 86

فى تبعيّة يد الغاسل و آلات الغسل فى تطهير المتنجّس 86

فى تبعيّة ما يجعل فى العنب او التّمر للتخليل 87

العاشر من المطهّرات:

فى زوال عين النّجاسة من جسد الحيوان 89

فى احتمالات المحتملة فى

المسألة 90

فى دعوى السّيرة على مطهّرية زوال عين النّجاسة من جسد الحيوان 91

فى بعض الرّوايات الّتي تكون مؤيّدة للسّيرة 92

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 389

فى تأييد السّيرة بما ورد فى بعض الرّوايات 93

فى حكم زوال عين النّجاسة عن بواطن الانسان 94

فى دعوى نجاسة الباطن بملاقاته مع ظاهر النّجس 95

فى الثّمرة بين القول بعدم نجاسة باطن الانسان و القول بنجاسته 97

فى ما إذا شكّ فى كون شي ء من الباطن او الظّاهر 97

فى انّ مطبق الشفتين من الباطن 99

فى ما يتمسّك على عدم كون مطبق الشّفتين من الظّاهر 101

فى بعض الاخبار الواردة فى التّطهير عن النّجاسة الخبثيّة 102

الحادى عشر من المطهّرات:

استبراء الحيوان الجلّال 105

فى روايات الواردة فى استبراء الحيوان الجلّال 106

فى انّه هل الجلّال هو مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذّى العذرة او مختصّ بحيوان معيّن 107

فى انّ الجلّال هل هو خصوص الحيوان المتغذّى من عذرة الانسان او مطلق النّجاسة 108

فى مدّة الاستبراء 110

فى وجه كفاية ذهاب اسم الجلل 111

فى وجه اعتبار مضيّ المدّة المعيّنة فى الاخبار 113

الثاني عشر من المطهّرات:

حجر الاستنجاء 115

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 390

الثالث عشر من المطهّرات:

خروج الدّم من الذبيحة بمقدار المتعارف 116

الرّابع عشر من المطهّرات:

نزح مقادير المنصوصة لوقوع النّجاسات المخصوصة فى البئر 117

الخامس عشر من المطهّرات:

تيمّم الميت بدلا من الاغسال عند فقد الماء 118

فى الاخبار الّتي ورد فى وجوب تيمّم الميت عند تعذّر غسله 119

السّادس عشر من المطهّرات:

الاستبراء بالخرطات بعد البول 121

فى الاخبار الّتي ورد فى الاستبراء بالخرطات

122

السّابع عشر من المطهّرات:

زوال التّغير فى الجارى و البئر بل مطلق النّابع 124

الثامن عشر من المطهّرات:

غيبة المسلم مطهّرة لبدنه او لباسه او فرشه او غير ذلك 125

فى ما يستدلّ به على كون غيبة المسلم مطهّرة لبدنه، و لباسه 126

فى انّ ظاهر حال المسلم هو تنزيهه من النّجاسة 127

فى اعتبار شروط الّتي تكون غيبة المسلم مطهّرة لبدنه و لباسه 128

المراد من المسلم الّذي تكون غيبته من المطهّرات هو خصوص المسلم البالغ او هو يشمل غير البالغ أيضا 128

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 391

فى الحاق الظّلمة و العمى بالغيبة 129

فى انّه ليس من المطهّرات، الغسل بالماء المضاف 130

فى انّه ليس من المطهّرات، ازالة الدّم بالبصاق 131

فى جواز استعمال جلد الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه بعد التّذكية 132

فى ما يستدلّ به على جواز استعمال جلد غير المأكول بعد التّذكية 133

فى ما يؤخذ من الجلود من ايدى المسلمين او من اسواقهم 134

ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات الغير المأكول قابل للتّذكية 135

فى انّ السّباع و المسوخ و الحشرات قابل للتزكية أم لا؟ 136

فى الاخبار الّتي ورد في جلد السّباع 137

الكلام فى دلالة هذه الاخبار الّتي ورد فى جلد السّباع 138

فى ما قيل فى المسوخ من السّباع 140

فى عدم قابليّة المسوخ و الحشرات للتّذكية 141

فى استحباب غسل الملاقى فى جملة من الموارد مع عدم تنجّسه 141

فى استحباب الرّش بالماء فى موارد 142

فى استحباب المسح بالحائط او بالتراب فى موارد 142

فى الاخبار الواردة فى طهارة ابوال البهائم 143

فى ملاقات الفارة الحيّة مع الرّطوبة

144

فى الفرق بين مصافحة الذّمى و النّاصبى و اثرها 145

يستحبّ النّضح اذا لاقى لباسه او بدنه الكلب او الخنزير بلا رطوبة 146

فى ما اذا اصابه العرق الجنب من الحلال 147

فى ما شكّ فى ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار 148

فى ما شكّ فى ملاقاته للبول و الدّم و المنيّ 149

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 392

فى ما لاقى الشّي ء مع الصفرة الخارجة من دبر صاحب البواسير 150

فى استحباب الرّش الماء فى معبد اليهود و النصارى و المجوس اذا اراد الصّلاة فيه 150

فى مصافحة الكافر بلا رطوبة 151

فى مسّ الثعلب و الارنب 152

فصل:

فى ما اذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره 155

فى طرق ثبوت تطهير المتنجّس 156

فى ما يمكن هو وجها لحجيّة قول الوكيل 157

فى وجه حجّية قول الحجّام 158

فى غسل المسلم المتنجّس، بعنوان التّطهير 159

فى تعارض البيّنتين فى التطهير و عدمه 160

فى ما اذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير احدهما الغير المعيّن 161

فى ما اذا طهّر احد المتنجّسين ثمّ اشتبه عليه 162

فى البحث عن خبر زرارة الوارد فى الاستصحاب 163

فى الايراد على كلام الشّيخ (ره) 164

فى ما قيل من التعارض بين صدر الخبر و بين الذّيل 165

فى ما اذا شكّ بعد التّطهير و علمه بالطّهارة فى زوال عين النّجاسة و عدمه 166

فى ما اذا علم بنجاسة شي ء و شكّ فى انّ لها عينا أم لا؟ 167

الوسواسى يرجع فى التطهير الى المتعارف 168

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 393

فصل:

فى حكم

الاوانى 171

فى عدم جواز استعمال الظّروف المعمولة من جلد نجس العين 172

فى جواز استعمال ظروف المغصوبة و عدمه 173

فى ما اذا كان الوضوء او الغسل من الاناء المغصوب و يتصوّر لها صور 174

انّ الميزان فى الحرمة هو صدق التّصرف فى المغصوب 175

فى اخذ الماء بالاغتراف تدريجا عن الإناء المغصوب 176

فى ما اذا كان اخذ الماء بعنوان الاغتراف دفعة لا تدريجا 178

فى ما اذا كان الوضوء او الغسل من الإناء المغصوب بنحو الارتماس 179

فى اوانى المشركين و ساير الكفّار 180

فى أوانى المشركين المتّخذة من غير الجلود 181

فى روايات الواردة فى ثياب الّتي تكون تحت ايدى الكفّار 182

فى روايات الّتي تكون بظاهرها معارضة لذلك الرّوايات 183

فى اوانى الكفّار المتخذة من الجلود 184

فى ما بأيدى الكفّار و المشركين من غير الآنية 185

فى جواز استعمال اوانى الخمر بعد غسلها 186

فى بعض الاخبار الواردة على عدم جواز استعمال الآنية الخمر المأخوذة من الأشياء الرّخوة 187

فى قابليّة الظّرف للتّطهير ظاهره و باطنه 189

فى حرمة استعمال اوانى الذّهب و الفضّة فى الأكل و الشّرب 190

فى الرّوايات الواردة فى النّهى عن استعمال أوانى الذّهب و الفضّة 191

فى حرمة استعمال اوانى الذّهب و الفضّة فى الغسل و الوضوء و تطهير النّجاسات 192

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 394

فى تحريم جميع استعمالات اوانى الذّهب و الفضّة 193

فى تحريم تزيين المساجد بالذّهب و الفضّة و كذا وضع آنيتهما على الرّفوف 193

فى الاحتمالات الواردة فى الاخبار المطلقة النّاهية عن آنية الذّهب و الفضّة 194

فى ما قيل بانّ حقيقة استعمال الشّي ء هو

إعماله فى ما يعدّله 197

الكلام فى جواز بيع آنية الذّهب و الفضّة و شرائها و صياغتها و اخذ الاجرة عليها و عدمه 198

فى تحريم الصّفر او غيره الملبّس بالذّهب او الفضّة 199

لا بأس بالمفضض و المطلّى و المموّه بالذّهب او الفضّة 200

فى الرّوايات الواردة فى إناء المفضّض و المطلّى و المموّه 201

فى انّ المتصوّر من المفضّض و المطلّى هى على صور 203

فى حكم الإناء المطلّى و المفضّض و المموّه بالذّهب او الفضّة 205

فى عدم تحريم استعمال من الذّهب او الفضّة مع غيرهما 205

فى تحريم الممتزج من الذّهب و الفضّة و ان لم يصدق عليه اسم احدهما 206

فى عدم تحريم غير الاوانى اذا كان من الذّهب او الفضّة كاللّوح و الخلخال مثلا 206

فى الاخبار الواردة فى جواز ان يكون غير الاوانى من الذّهب او الفضّة 207

فى انّ المراد من الاوانى ما يكون من قبيل الكاس و الكوز و الصينى و الفنجان و القدر و امثالها 209

صدق اسم الآنية لمثل كوز القليان و ظرف الغالية و الكحل و امثالها مورد للاشكال 211

فى الايراد و الجواب عن ما قاله المؤلّف من جواز كون ظرف التّعويذ فضّة 212

لا فرق فى حرمة الاكل و الشّرب من آنية الذّهب و الفضّة باىّ نحو كان 213

فى انّ المستفاد من بعض الاخبار كون عنوان المحرّم هو نفس آنية الذّهب و الفضّة 214

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 395

فى انّ حرمة آنية الذّهب و الفضّة تدور مدار الاستعمال 215

فى تفسير النّهى الوارد على ذوات الأشياء من الجامدات و المائعات 217

فى افراغ ماء فى

آنية الذّهب و الفضّة بقصد التّخلص 219

فى ما اذا انحصر ماء الوضوء او الغسل فى آنية الذّهب و الفضّة 220

فى القول بوجوب الافراغ اذا انحصر ماء الوضوء او الغسل فى آنية الذّهب او الفضّة 221

فى ما اذا كان ماء الوضوء او الغسل فى احدى الآنيتين و لا يمكن الافراغ و كان الماء منحصرا 222

فى ما اذا كان الماء فى آنية الذّهب او الفضة و لا يمكن الافراغ و لكن لم يكن الماء منحصرا 223

فى ما اذا صارت الآنية الذّهب و الفضّة مصبّا لغسالة الوضوء او الغسل 224

فى عدم الفرق فى الذّهب و الفضّة بين الجيّد و الرّدى 225

فى ما اذا توضّئ او اغتسل من اناء الذّهب او الفضّة مع الجهل بالحكم او الموضوع 226

فى عدم المنع اذا كانت الآنية من غير الذّهب او الفضّة و ان كانت اعلى و اغلى 226

فى عدم البأس بما صنع من الذّهب المعروف بالفرنكى و كذا القضّة المسمّاة بالورشو 226

فى جواز استعمال اوانى الذّهب او الفضّة فى الاكل و الشّرب فى حال الاضطرار 227

فى دوران الامر فى حال الاضطرار بين استعمال آنية الذّهب او الفضة او استعمال المغصوب قدمهما 227

فى حرمة اجارة نفسه لصوغ الاوانى من الذّهب او الفضّة 228

فى وجوب كسر آنية الذّهب و الفضّة على صاحبهما 228

فى وجوب كسر الآنية الذّهب و الفضّة على غير صاحبه، يتصوّر له صور 229

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 396

فى ما اذا شكّ فى آنية انّها من الذّهب و الفضّة أم لا؟ 230

فصل:

فى احكام التّخلى 233

فى الاخبار الواردة على وجوب ستر العورة

عن الناظر المحترم فى حال التخلي 234

فى وجوب ستر العورة عن الغير 236

فى حرمة النّظر الى عورة الغير 237

فى عورة الرّجل و عورة المرأة 238

فى ما يقال بانّ حدّ العورة ما بين السّرة و الرّكبة 239

هل يكفى فى السّتر، ستر لون البشرة فقط أم لا؟ 240

فى عدم الفرق فى حرمة النّظر بين عورة المسلم و الكافر 241

المراد من النّاظر المحترم من عدا الطّفل الغير المميّز و الزّوج و الزّوجة 242

فى عدم وجوب ستر العورة على كلّ من المالك و المملوكة عن الآخر 243

فى عدم جواز نظر المالك الى عورة مملوكته اذا كانت مزوّجة او محلّلة او فى العدة 244

فى عدم وجوب ستر الفخذين و لا الأليتين 244

فى عدم الفرق بين افراد السّاتر 245

فى عدم وجوب السّتر فى الظّلمة المانعة من الرؤية 245

فى عدم جواز النّظر الى عورة الغير من وراء الشيشة 246

فى عدم جواز الوقوف فى مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير 246

فى ما اذا شكّ فى وجود النّاظر المحترم و عدمه 247

فى ما اذا رأى عورة و شكّ انّها عورة حيوان او انسان 248

فى ما اذا شكّ ايّها عورة من يجب الغضّ عنها او لا يجب الغضّ عنها 249

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 397

فى ما اذا رأى عضوا من بدن الانسان و شكّ انّه عورة او غيرها 251

فى عدم جواز النّظر للرّجل و الانثى الى دبر الخنثى 252

لو اضطرّ الى النّظر الى عورة الغير كما فى مقام المعالجة 254

فى تحريم استقبال القبلة فى حال التّخلى 254

فى عدم

الفرق فى الحرمة بين الابنية و الصّحارى 255

فى الاخبار الواردة فى حرمة استقبال القبلة فى حال التخلّى 256

فى اشتمال بعض الاخبار على بعض المكروهات 257

فى الاستقبال و الاستدبار المحرم حال الخلوة 258

المشهور هو ترك استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن و العورة كليهما 259

هل يحرم استقبال القبلة المنسوخة اى بيت المقدّس و استدبارها حال التخلّى أم لا؟ 261

هل التّحريم مخصوص بحال التخلّى فقط او تعمّ حال الاستبراء و الاستنجاء 261

فى ما اذا دار الامر بين ارتكاب الاستقبال او الاستدبار، لاجل الاضطرار 263

فى ما اذا اضطرّ بين واحد من الاستقبال و الاستدبار و بين ترك السّتر مع وجود النّاظر المحترم 263

فى ما اشتبه القبلة بين اربع جهات 264

لو اشتبه القبلة بين جهتين متقابلتين 266

فى ترك اقعاد الطّفل للتّخلى مستقبلا و مستدبرا 267

يتحقّق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرّد الميل الى احدا الطّرفين 268

فى من تواتر بوله او غائطه مراعات ترك الاستقبال و الاستدبار 269

عند اشتباه القبلة بين الاربع لا يجوز ان يدور ببوله الى جميع الاطراف 269

فى ما اذا اختار احد الاطراف للتخلّي 270

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 398

فى ما اذا اشتبهت القبلة هل التّخير بين الجهات الاربع، تخيير بدويّ او استمرارىّ 271

فى انّ التّخيير هنا بدوىّ لا استمرارىّ 272

فى ما اذا علم ببقاء شي ء من البول فى المجرى يخرج بالاستبراء فالاحتياط بترك الاستقبال او الاستدبار فى حاله اشدّ 274

فى تحريم التخلي فى ملك الغير بدون اذنه 274

فى تحريم التخلي على قبور المؤمنين 275

انّ المراد بمقاديم البدن، الصّدر و البطن و الرّكبتان

276

فى عدم جواز التّخلى فى مثل المدارس الّتي لا يعلم كيفيّة وقفها 277

فصل:

فى الاستنجاء 281

فى وجوب غسل مخرج البول بالماء مرّتين 282

فى ما قاله المحقّق الهمدانى (ره) 283

فى عدم اجزاء غير الماء فى تطهير مخرج البول 284

فى بعض الاخبار الّتي قد يقال بدلالتها على اجزاء غير الماء فى تطهير مخرج البول 285

فى تخيير المكلّف فى تطهير مخرج الغائط بين تطهيره بالماء و بين المسح بالاحجار و الخرق 286

فى روايات الواردة فى كفاية المسح بالاحجار فى تطهير مخرج الغائط 287

فى تعيّن الماء فى الاستنجاء من الغائط فى صورة التّعدى 288

فى صور المتصوّرة اذا تعدّى الغائط عن المخرج 289

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 399

يقع الكلام فى الاقوال و الاحتمالات 290

فى انّ الغسل بالماء فى تطهير مخرج الغائط افضل 291

فى ما اذا تعدّى الغائط عن المخرج على نحو الانفصال 292

هل يجزى فى تطهير مخرج الغائط بالاحجار هو مجرّد ما يحصل به النّقاء 292

فى ما تمسّك به على كفاية مجرّد النّقاء 293

فى بعض الاخبار الدّالة على كفاية مجرّد النّقاء 294

فى بعض الاخبار ما تدلّ على اشتراط ثلاثة احجار فى الاستنجاء 295

فى حمل اعتبار ثلاثة أحجار فى الاستنجاء على المورد الغالب 297

هل يجزى ذو الجهات الثلاث من الحجر 298

هل يجب الاقتصار فى تطهير المخرج بالمسح بخصوص الحجر و الخرق او يتعدّى بكلّ قالع 299

فى ما يستدل به على جواز المسح فى تطهير المخرج بمطلق القالع 300

فى انّه هل يشترط من القالع ان يكون بكرا 301

لو مسح المخرج بالنّجس او المتنجّس لم يطهر بعد

ذلك الّا بالماء 302

يجب فى الغسل بالماء ازالة العين و الاثر 303

فى عدم جواز الاستنجاء بالمحترمات 305

فى دعوى الاجماع على حرمة الاستنجاء بالرّوث و الرّمة 306

فى جواز الاستنجاء بكلّ قالع و حصول الطّهارة به 307

فى الاستنجاء بالمسحات اذا بقيت الرّطوبة 308

فى اشتراط عدم كون الرّطوبة المسرية فى القالع 308

فى ما اذا خرج مع الغائط نجاسة اخرى كالدّم 309

فيما اذا خرج من بيت الخلاء ثمّ شك فى انّه استنجى أم لا؟ بنى على العدم 310

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 400

فى عدم وجوب الدّلك باليد فى مخرج البول عند الاستنجاء 311

فى ما اذا مسح مخرج الغائط بالارض ثلاث مراّت 312

فى جواز الاستنجاء عند الشكّ بما كونه عظما أو روثا 313

فصل:

فى الاستبراء 317

فى الاخبار الواردة فى كيفيّة الاستبراء 318

يقع الكلام فى جهات: الجهة الاولى فى كيفيّة الاستبراء 319

فى ما قاله المؤلّف فى كيفيّة الاستبراء 320

فى كيفيّة الاستبراء التى هو مقتضى الجمع بين الاخبار الواردة فيه 321

هل يكفى فى تحقّق الاستبراء احدا الكيفيات المذكورة فى الكتب الفقهيّة أم لا؟ 323

فائدة الاستبراء و اثره هو الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيّتها بعده 324

كلّما حصل القطع بنقاء المجرى فهل هو فى حكم الاستبراء أم لا؟ 326

فى عدم كفاية الظّن بعدم بقاء شي ء من البول فى المجرى 327

من قطع ذكره يصنع ما ذكر فى ما بقى 327

يحكم على الرطوبة المشبهة بالنّجاسة و النّاقضيّة مع ترك الاستبراء 328

فى عدم لزوم المباشرة فى الاستبراء 328

فى ما اذا خرجت رطوبة من شخص و شكّ شخص آخر

فى كونها بولا او غيره 329

اذا شكّ فى الاستبراء يبنى على عدمه 329

اذا شكّ من لم يستبرأ فى خروج الرّطوبة عدمه 330

اذا علم انّ الخارج منه مذى لكن شكّ فى انّه خرج معه بول أم لا؟ 330

فى ما اذا بال و لم يستبرأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المنيّ 331

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 401

فى ما اذا كان خروج البلل المشتبه بين البول و المنيّ بعد الاستبراء 332

فصل:

فى مستحبّات التّخلّي و مكروهاته 337

فى استحباب الطّلب المكان المرتفع للبول او موضعا رخوا 338

فى استحباب تقديم رجل اليسرى عند الدّخول فى بيت الخلاء 339

فى استحباب ستر الرّأس 339

فى استحباب التّسمية عند كشف العورة فى بيت الخلاء 341

فى استحباب الاتّكاء فى حال الجلوس على رجله اليسرى 342

فى استحباب الاستبراء بالكيفية التى مرّت 342

فى استحباب التنحنح قبل الاستبراء 342

فى استحباب قراءة الادعية عند دخول بيت الخلاء 343

فى استحباب التّحميد بالمأثور عند رؤية الماء 345

فى استحباب الدّعاء بالمأثور عند الاستنجاء 346

فى استحباب الدّعاء بالمأثور عند الفراغ عن الاستنجاء 347

فى استحباب مسح يده اليمنى على بطنه عند القيام عن محلّ الاستنجاء و الدّعاء بالمأثور 347

فى استحباب الدّعاء بالمأثور عند الخروج عن بيت الخلاء او بعده 348

فى استحباب تقديم استنجاء الغائط على استنجاء البول 349

فى استحباب الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى 350

فى استحباب ان يعتبر و يتفكّر فى انّ ما سعى و اجتهد فى تحصيله كيف صار اذيّة عليه و رفع هذه عنه 351

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 402

فصل:

فى مكروهات التخلي 352

فى الرّوايات الواردة فى مكروهات حال الاستنجاء 353

فى كراهة استقبال الشّمس و القمر حال الاستنجاء 355

فى كراهة استقبال الرّيح بالبول و الغائط 357

فى كراهة الجلوس للتخلّى فى الشّوارع 358

فى كراهة الجلوس للتخلّي فى المشارع و هى مورد الماء 359

فى كراهة الجلوس للتّخلى فى منزل القافلة 360

فى كراهة الجلوس للتّخلى فى دروب المساجد 361

فى كراهة الجلوس للتخلّي فى دروب الدّور 361

فى كراهة الجلوس للتخلّي تحت الاشجار المثمرة 362

فى كراهة البول قائما 362

فى كراهة التخلي فى الحمام 363

فى كراهة البول على الارض الصّلبة 363

فى كراهة البول فى ثقوب الحشرات 364

فى كراهة البول فى الماء خصوصا فى راكده 364

فى كراهة التطميح بالبول فى الهواء 364

فى كراهة الأكل و الشّرب حال التّخلى 366

فى كراهة الاستنجاء باليمين و باليسار اذا كان عليه خاتم فيه اسم الجلالة 367

فى كراهة طول المكث فى بيت الخلاء 370

فى كراهة التخلي على قبور المؤمنين اذا لم يكن هتكا و الّا كان حراما 371

فى كراهة الكلام فى بيت الخلاء فى غير الضّرورة 373

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 403

فصل:

فى المستثنيات 374

فى عدم كراهة قراءة آية الكرسى فى بيت الخلاء 375

فى كراهة حبس البول او الغائط 376

فى استحباب البول حين إرادة الصّلاة و عند النّوم و عند الجماع 377

اذا وجد لقمة خبز فى بيت الخلاء يستحبّ اخذها 378

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء الخامس

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 4

[الحمد و الثناء]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشكرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 5

فصل: في موجبات الوضوء و نواقضه

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 7

قوله رحمه اللّه

فصل فى موجبات الوضوء و نواقضه و هي أمور: الأول و الثاني البول و الغائط من الموضع الاصلى و لو غير معتاد، أو من غيره مع انسداده أو بدونه بشرط الاعتياد، أو الخروج على حسب المتعارف، ففي غير الأصلي مع عدم الاعتياد و عدم كون الخروج على حسب المتعارف إشكال و الأحوط النقض مطلقا خصوصا إذا كان دون المعدة.

و لا فرق فيهما بين القليل و الكثير حتى مثل القطرة و مثل تلوث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة، نعم الرطوبات الآخر غير البول و الغائط الخارجة من المخرجين ليست ناقضة، و كذا الدود أو نوى التمر و نحوهما إذا لم يكن متلطّخا بالعذرة.

(1)

أقول: و يطلق على نواقض الوضوء موجبات الوضوء، إما لوجوب الوضوء عند حدوث هذه الاشياء، و إمّا لثبوت الوضوء عندها كما أنه يطلق على الموجبات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 8

نواقض الوضوء لنقض الوضوء بها.

و نواقض الوضوء امور:

الأول و الثاني: البول و الغائط،

اشارة

و لا اشكال فى ناقضيتهما في الجملة نصا و فتوى و أمّا تفصيلها و بيان حكم بعض تفريعات المسألة موقوف على ذكر ما هو مدرك لنا قضيتهما من القرآن و الحديث و ما يستفاد منهما، فنقول بعونه تعالى:

أمّا من الكتاب الكريم:

قال اللّه تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «1» تدل هذه الآية على كون الغائط من النواقض.

و أمّا الروايات:

الرواية الأولى: ما رواها عمر بن اذينة عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

لا يوجب الوضوء الا من الغائط او بول او ضرطة تسمع صوتها او فسوة تجد ريحها) «2».

الرواية الثانية: ما رواها زكريا بن آدم قال: (سألت الرضا عليه السّلام عن الناصور أ ينقض الوضوء؟ قال: انما ينقض الوضوء ثلث البول و الغائط و الريح) «3».

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 9

الرواية الثالثة: ما رواها الفضل قال: سئل المأمون الرضا عليه السّلام عن محض الاسلام، فكتب إليه في كتاب طويل: و لا ينقض الوضوء الا غائط او بول او ريح او نوم او جنابة) «1».

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن سنان في جواب العلل عن الرضا عليه السّلام (قال: و علة التخفيف في البول و الغائط لأنّه اكثر و ادوم من الجنابة، فرضى فيه بالوضوء لكثرته و مشقّته و مجيئه بغير إرادة منهم و لا شهوة، و الجنابة لا تكون إلّا

بالاستلذاذ منهم و الاكراه لانفسهم) «2».

الرواية الخامسة: ما رواها حريز عن زرارة (قال: قلت لابي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الاسفلين من الذكر و الدبر من الغائط او البول او منى او ريح و النوم حتى يذهب العقل، و كل النوم يكره إلّا ان تكون تسمع الصوت) «3».

الرواية السادسة: ما رواها عمر بن اذينة و حريز عن زرارة عن احدهما عليهما السّلام (قال: لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك او النوم) «4».

الرواية السابعة: ما رواها اديم بن الحر، انّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام (يقول: ليس تنقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الاسفلين) «5».

الرواية الثامنة: ما رواها سالم أبي الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ليس

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 10

ينقض الوضوء الّا ما خرج من طرفيك الاسفلين اللذين انعم اللّه عليك بهما) «1».

الرواية التاسعة: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرعاف و الحجامة و كل دم سائل، فقال: ليس في هذا وضوء، انما الوضوء من طرفيك اللذين انعم اللّه بهما عليك) «2».

الرواية العاشرة: ما رواها عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (سئل عن الرجل يكون في صلاته

فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال: (إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوئه، و إن خرج متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة) «3».

ثمّ التفصيل في المسألة يقع فى طى امور:
الأمر الأول: لا اشكال في ثبوت الناقضية لهما

فيما يخرجان عن الموضع الاصلى و لو لم يحصل الاعتياد مثل ما يخرجان مرة ثم ينسد الموضع الطبيعى فتوى و نصا بل هذا هو المتيقن من موارد النص.

الأمر الثاني: ما إذا كان خروجهما من غير الموضع الاصلى

سواء انسد الموضع الاصلى او لم ينسد، فهل ينقض الوضوء بهما أم لا، او يفصّل بين كون الخروج من غير الموضع الاصلى معتادا فيكونان ناقضين، و بين عدم الاعتياد، فلا يكونان ناقضين، او تفصيل آخر بين كون المخرج الغير المعتاد تحت المعدة فيكونان ناقضين،

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 5 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 11

و بين كونه فوق المعدة فلا يكونان ناقضين، أو تفصيل آخر بين انسداد الموضع الاصلى فيكون البول و الغائط الخارجين من الموضع الغير الطبيعى ناقضا و بين عدم انسداد الموضع الاصلى فلا يكونان ناقضين.

وجه عدم ناقضيتهما مطلقا:

أوّلا: ما توهم من أن إطلاق الأخبار ينصرف الى صورة خروجهما من السبيلين.

و ثانيا: تقييد بعض الأخبار المذكورة بكونهما خارجين عن السبيلين، فلو كان لبعض الأخبار اطلاق لا بدّ من تقييده به.

و وجه التفصيل بين الاعتياد و عدم الاعتياد، انصراف الأخبار عن غير الموضع المعتاد.

و وجه التفصيل بين وقوع المخرج الغير الطبيعي تحت المعدة و بين وقوعه فوق المعدة أيضا، انصراف الأخبار عن الصورة الثانية.

كما ان الوجه في التفصيل بين انسداد المخرج الطبيعى و بين عدم انسداده، انصراف النصوص عن الصورة الثانية.

أقول: العمدة التكلم حول القول الأول و الثاني، و هو كونهما ناقضين مطلقا او عدم ناقضيتهما إذا خرج من الموضع الغير الاصلى، و إذا فهمنا

الحق بين القولين يظهر لنا عدم تمامية التفاصيل الثلاثة.

فنقول بعونه تعالى:

أمّا الآية الشريفة، فيستفاد منها كون الغائط موجبا للتيمّم إذا لم يكن الشخص واجد الماء، و اطلاقها يشمل جميع الصور.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 12

كما ان الرواية 1 و 2 و 3 و 4 من الروايات المذكورة مطلقة من حيث خروجهما عن الموضع الطبيعى او غيره.

نعم قد يستشكل بهذه المطلقات بانصرافها الى صورة الخروج عن الموضع الاصلى لندرة وجود غيره، بحيث لو القى المتكلم كلامه و اطلق، و الحال ان نظره كان الى خصوص الموضع الاصلى لا يعدّ عند العرف مخالفا للحكمة و ناقضا للغرض، فمع هذا لا يمكن اخذ الاطلاق لعدم تمامية مقدماته.

و فيه، أنه قد بيّن مكرّرا أنّ ندرة الوجود لا يوجب الانصراف الى غير النادر، و كثيرا ما يوجد في المطلقات افراد نادرة و إن كان البناء على الانصراف فيلزم القول بعدم ناقضيتهما إذا كان المخرج الاصلى للشخص غير المتعارف، و كذا من سد مخرجه الاصلى و انفتح له المخرج العارضى المعتاد، و لا من له المخرجان بحسب خلقته، و الحال انهم يفتون بناقضيتهما فى هذه الصور.

و الالتزام بكون كل ذلك للاجماع مشكل، لعدم تحقق اجماع عليها، فلا وجه لانصراف المطلقات إلى صورة خروجهما عن السبيلين المتعارفين.

و قد يستشكل بأن هذه الأخبار المدعاة اطلاقها و إن كانت مطلقة لكن لا بدّ من تقييدها بما ينحصر الناقض من البول و الغائط بما يخرجان من السبيلين الاسفلين، و هي الرواية 5 و 6 و 7 و 8 و 9 من الروايات المذكورة، فيقيد بها الأخبار المطلقة، و تكون النتيجة ناقضية خصوص البول و الغائط الخارجين من السبيلين الاسفلين.

و فيه، أمّا

أولا: لا يمكن الاخذ بهذه المقيدات بهذا المعنى، لان لازمه انحصار الناقض بما يخرج من السبيلين فقط، فلا يكونان ناقضين حتى إذا خرجا من المخرج الغير الاصلى، مع كونه منحصرا به و كونه معتادا له، و كان فاقدا للمخرج الاصلى،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 13

و كذا إذا انسد مخرجه الاصلى و انفتح له غيره، و الحال ان ناقضيتهما في الموردين ليس محل اشكال حتى فى ما لم يكن معتادا كما حكى عن بعض، و كذا في بعض الصغريات الاخرى.

و دعوى خروج هذه الموارد بالاجماع فاسد، لعدم وجود اجماع تعبدى لاحتمال اتكاء المجمعين بالنص.

مضافا الى أنه يلزم تخصيص الاكثر لهذه المقيدات او التخصيص المستهجن، و هذا كله شاهد على عدم كون المراد من هذه الأخبار التقييد بخصوص ما يخرج من السبيلين من البول و الغائط.

و أمّا ثانيا: ان ما يحتمل فى هذه الروايات الخمسة امران:

أحدهما، ما نقلنا من كون المراد منها انحصار الناقض بخصوص الخارج عن السبيلين من البول و الغائط.

و ثانيهما، كون المراد من الحصر الواقع في هذه الأخبار فى الخارج عن السبيلين في مقابل العامة، القائلين بكون الرعاف و الحجامة و غيرها مما ذكروا ناقضا، لا كون المراد انحصار الناقض بالبول و الغائط الخارج عن السبيل الاصلى، و إذا كان المحتمل هذين الاحتمالين:

فنقول، بانه ليس الاحتمال الأول أظهر الاحتمالين مسلما، بل الروايات ذوات احتمالين، و بعد كونها كذلك لا يمكن تقييد المطلقات بها بل لا بدّ من الأخذ بإطلاقها.

بل يمكن دعوى كون الاحتمال الثاني أظهر، لأنّ الرواية التاسعة ظاهرة في كون الحصر في قبال غير النواقض المنصوصة عن اهل البيت عليهم السّلام من الرعاف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 5، ص: 14

و الحجامة و كل دم سائل، ففيها (قال سألته عن الرعاف و الحجامة و كل دم سائل فقال ليس فى هذا وضوء انما الوضوء من طرفيك الذين انعم اللّه بهما عليك) فالحصر يكون في قبال العامة القائلين بكون الرعاف و بعض الأمور الاخر ناقضا، لا كون حصر ناقضية البول و الغائط بما يخرج عن خصوص السبيل الاصلى.

و شاهد آخر على عدم كون النظر بحصر الناقض بما يخرج من السبيلين الاصليين هو انه لو كان في مقام حصر الناقض بالخارج منهما، فلازمه كون كل خارج منهما ناقضا لاطلاق بعض هذه الروايات، بل ليس الا في مقام نفى غير البول و الغائط و الريح و النوم، لا في مقام بيان جميع خصوصيات المربوطة بهذه النواقض فتأمّل.

فتلخص من ذلك كله انه إذا انفتح له مخرج آخر فما يخرج منه من البول او الغائط ناقض، و لو لم ينسد الطبيعى، و حتى مع عدم الاعتياد و حتى لا فرق بين موضع خروج الغير الطبيعى.

نعم لو كان فوق المعدة ربما يستشكل في ناقضيته، لعدم صدق البول و الغائط على الخارج و إلّا فمع الصدق لا فرق بين كون المخرج الغير الاصلى تحت المعدة او فوق المعدة.

فالأولى أن يقال بأنه لا فرق بين كون محل المخرج تحت المعدة أو فوق المعدة، نعم لا يكونان ناقضين إذا لم يصدق على الخارج اسم البول او الغائط، هذا ما يأتى بنظرى القاصر في المقام، و اللّه اعلم.

الأمر الثالث: لا فرق فيهما بين القليل و الكثير،

لاطلاق الأخبار، بل للتصريح فى الرواية العاشرة من الروايات عليه، لأنّ فى موردها إذا كان حب القرع متلطخا بالعذرة تكون قليلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 15

الأمر الرابع: الرطوبات غير البول و الغائط الخارجة عن المخرجين ليست ناقضة

لدلالة بعض الأخبار المتقدمة على حصر الناقض من السبيلين بالبول و الغائط او هما مع الريح او هذه الامور مع الجنابة، فأفهم.

الأمر الخامس: لا ينقض الوضوء بخروج الدود او نوى التمر و نحوهما

إذا لم يكن متلطّخا بالعذرة لدلالة الرواية العاشرة من الروايات المذكورة عليه.

و الرواية الواردة فى عدم ناقضية حب القرع. «1»

و الرواية في القرع و ديدان الصغار. «2»

و الرواية المذكورة فى ما تسقط منه الدواب و هو فى الصلاة و عدم ناقضيته. «3»

*** قوله رحمه اللّه

الثالث: الريح الخارج من مخرج الغائط إذا كان من المعدة صاحب صوتا او لا، دون ما خرج من القبل او لم يكن من المعدة كنفخ الشيطان او إذا دخل من الخارج ثم خرج.

(1)

[الثالث: الريح الخارج من مخرج الغائط]

اشارة

أقول: أمّا كونه ناقضا في الجملة، فلا اشكال فيه نصا و فتوى، اما الفتوى فلدعوى الاجماع بل عدم الخلاف فيه.

و أمّا النص فلدلالة الرواية 1 و 2 و 4 و 5 من الروايات المتقدمة ذكرها في ناقضية البول و الغائط عليه و بعض الروايات التي نتعرض لها إن شاء اللّه عند التعرض لبعض الفروع المربوطة بالمسألة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 16

إذا عرفت ذلك نقول ان هنا فروعا:

الفرع الأول: كون خروج الريح من مخرج الغائط،

لأنّ الضرطة و الفسوة المذكورتان في الرواية الاولى من الروايات المتقدمة عبارة عن الريح الخارج من مخرج الغائط فمع الصوت ضرطة و بلا صوت فسوة.

الفرع الثاني: هل العبرة بناقضيته كون خروجه من خصوص الدبر

اعنى المخرج الاصلى من الغائط، او يعمّ ما إذا خرج من المخرج الغائط و إن لم يكن دبرا، مثل من سدّ مخرجه الاصلى و يخرج غائطه من مخرج آخر؟ لا يبعد الثاني لاطلاق بعض الأخبار و تفسير اهل اللغة الضرطة بريح مع الصوت يخرج من الدبر، و الفسوة بريح بلا صوت يخرج من الدبر، يكون من باب غلبة خروجهما من الدبر، و إلّا لو خرجا من مخرج الغائط و ان لم يكن دبرا فهو ضرطة او فسوة.

و لعل تعبير المؤلّف رحمه اللّه بقوله (الريح الخارج من مخرج الغائط) من باب اختياره هذا.

الفرع الثالث: كونه خارجا من المعدة

فلو لم يخرج منها لا يصدق عليه الاسم فاعتبار هذا الشرط لصدق الاسم معه و عدم صدقه مع عدمه، فما يخرج من القبل لا يكون ناقضا.

أقول: قد يقال بناقضية ما يخرج من قبل المرأة او ما يخرج من قبل كل من الرجل و المرأة.

و فيه، انه مع كون الناقض الضرطة و الفسوة و هما يخرجان من مخرج الغائط، فلا وجه لما يخرج من القبل من الريح، من الرجل و المرأة.

و ما قيل من ان لقبلها منفذا الى الجوف مضافا الى عدم صحته، يكون الناقض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 17

خصوص ما يخرج من مخرج الغائط لا غيره.

و كذا لا بأس بما لا يكون من المعدة كنفخ الشيطان لعدم صدق الاسم، و لدلالة الرواية التي نذكرها إن شاء اللّه في الأمر الرابع «1».

و كذا لا بأس بريح دخل من الخارج ثم خرج، و إن خرج من الدبر لعدم صدق الاسم عليه.

الفرع الرابع: بعد ما يكون المراد من الضرطة هو الريح مع الصوت

و الفسوة الريح مع عدم الصوت، هل يكون المعتبر في الناقض سماع الصوت او وجدان الريح أم لا؟

قد يتوهم اعتبار أحد الأمرين لدلالة بعض الأخبار عليه:

منها ما رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا يوجب الوضوء الا من الغائط او بول او ضرطة تسمع صوتها او فسوة تجد ريحها) «2».

منها ما رواها معاوية بن عمّار (قال: قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام ان الشيطان ينفخ في دبر الانسان حتى يخيل إليه قد خرج منه ريح، فلا ينقض الوضوء الا ريح يسمعها او يجد ريحها) «3».

منها ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (أنه قال للصادق عليه السّلام: اجد الريح في بطنى حتى اظن انها قد خرجت، فقال:

ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت او

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 18

تجد الريح ثم قال: ان ابليس يجلس بين أليتي الرجل فيحدث ليشككه). «1»

و لكن الاقوى عدم اعتبار ذلك، و ما في الأخبار المذكورة من عدم وجوب الوضوء الا بعد سماع الصوت او وجدان الريح ليس إلّا من باب كون ذلك طريقا الى تحقق الريح كما يظهر ذلك من رواية معاوية بن عمّار و عبد الرحمن، حيث يكون موردهما الشك في خروج الريح، فقال لا ينقض الوضوء الا ريح يسمعها او يجد ريحها في الاولى، و ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت او تجد الريح في الثانية.

و أمّا من يعلم بخروج الريح و لو لم يسمع صوته و لم يجد ريحه فلم يكن مورد الأخبار.

و بعد عدم وجود دليل يقيد ناقضية خروج الريح بسماع الصوت او وجدان الريح، نقول بناقضيته مطلقا و لو لم يتحقق احد الشرطين لما عرفت من دلالة بعض الأخبار المذكورة في ناقضية البول و الغائط على ناقضية الريح مطلقا.

بل الرواية التى رواها فى قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سالته عن رجل يتكى فى المسجد فلا يدرى نام أم لا هل عليه وضوء؟ قال اذا شك فليس عليه وضوء. قال: و سألته عن رجل يكون فى الصلاة فيعلم ان ريحا قد خرجت، فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها،

قال: يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتد بشي ء مما صلى اذا علم ذلك يقينا) «2»، تدلّ بالخصوص على ناقضيته و لو لم تسمع صوته و لا يجد ريحه.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 19

قوله رحمه اللّه

الرابع: النوم مطلقا و إن كان في حال المشى إذا غلب على القلب و السمع و البصر فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل الى الحد المذكور.

(1)

[الرابع: النوم مطلقا]

اشارة

أقول: و لا اشكال في ناقضيته نصا و فتوى.

و قد ذكرنا بعض الروايات الدالة على ناقضيته في البحث عن ناقضية البول و الغائط و هي الرواية 3 و 5 و 6 من الروايات المذكورة، و روايات اخرى نذكر كلها او بعضها عند التعرض لبعض الفروع المتعلقة بالمسألة إن شاء اللّه انّ هنا فروعا:

الفرع الأول: النوم ناقض للوضوء مطلقا، سواء كان حال القيام او الجلوس

او المشى أو في حال القعود لا فرق بين ما انفرج و ما لم ينفرج و سواء تعمد النوم أم لم يتعمد، كل ذلك لاطلاق الأخبار، و خصوص الرواية التى رواها عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: من نام و هو راكع او ساجد او ماش على اى الحالات فعليه الوضوء) «1».

و الرواية التى رواها سماعة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام و هو ساجد؟ قال: ينصرف و يتوضأ). «2»

و ما قيل (نسب الى الصدوق قدّس سرّه) من التفصيل في النوم قاعدا بين الانفراج و عدمه بالناقضية في الصورة الاولى و عدمها في الثانية، يمكن كون المستند الرواية التى رواها أبو بكر الحضرمى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل ينام الرجل و هو

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 20

جالس؟ فقال: كان أبي يقول: إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء و إذا نام مضطجعا فعليه الوضوء) «1».

و مرسلة الصدوق (محمد بن علي بن الحسين) (قال: سئل موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يرقد و هو قاعد، هل عليه الوضوء؟

فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج). «2»

و لا يمكن التعويل عليهما لعدم عمل الاصحاب بهما مضافا الى ان الثانية مرسلة ضعيفة السند.

و كذلك لا وجه للقول بعدم ناقضيته إذا لم يتعمد النوم تمسكا بالرواية التى رواها عمران بن حمران (أنه سمع عبدا صالحا عليه السّلام يقول: من نام و هو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه) «3» لعدم كونها معمولا بها عند الاصحاب.

و كذلك لا وجه للقول بعدم ناقضيته فيما كان يوم الجمعة في المسجد، للرواية التى رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل هل ينقض وضوئه إذا نام و هو جالس؟ قال: ان كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه، و ذلك انه في حال ضرورة) «4»، لعدم عامل بها، او تحمل على صورة لا يتمكن من الوضوء فقال:

لا وضوء عليه، و لا ينافى كون التيمم واجبا عليه و لكن هذا حمل ابعد من البعيد.

أقول: و حيث انه قد عرفت ان مورد توهم عدم الناقضية حال الجلوس ما لم ينفرج و ما لم يتعمد النوم و فى المسجد يوم الجمعة، كان المناسب ان يقول المؤلف رحمه اللّه

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 14 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 16 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 21

(الرابع النوم مطلقا و إن كان حال الجلوس ما لم ينفرج او فيما لم يتعمد النوم او يوم الجمعة فى المسجد) لا

حال المشى، لأنّ حال المشى لا يكون مورد توهم عدم الناقضية.

الفرع الثاني: النوم الناقض عبارة عن النوم الغالب على القلب

و السمع و البصر فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل الى حد المذكور كذا اختار المؤلّف رحمه اللّه.

أقول: نذكر بعض الروايات الواردة فى هذه الجهة حتى يظهر لك ما هو الحق في المقام فنقول:

الاولى: ما رواها زرارة (قال: قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة قد ينام العين و لا ينام القلب و الاذن و إذا نامت العين و الاذن، و القلب وجب الوضوء قلت: فإن حرّك الى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجي ء من ذلك امر بيّن و إلّا فإنه على يقين من وضوئه، و لا تنقض اليقين ابدا بالشك و انّما تنقضه بيقين آخر) «1»

يستفاد من الرواية عدم ناقضية الخفقة و الخفقتين و انها ليست بالنوم الناقض، و كذلك يستفاد منها عدم ناقضية النوم الغالب على العين بل النوم الناقض هو ما غلب على القلب و السمع، و يستفاد منها الملازمة بين غلبة النوم على القلب و السمع، فاذا غلب على احدهما غلب على الآخر.

الثانية: ما رواها سعد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: اذنان و عينان، تنام العينان و لا تنام الاذنان و ذلك لا ينقض الوضوء، فاذا نامت العينان و الاذنان انتقض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 22

الوضوء) «1».

هذه الرواية تدل على ان الناقض ما غلب على السمع لانّه اذا غلب النوم على السمع غلب على القلب أيضا.

الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن المغيرة

و محمد بن عبد اللّه (قالا: سألنا الرضا عليه السّلام عن الرجل ينام على دابته؟ فقال: إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء) «2».

الرابعة: ما رواها زرارة (قال: قلت لابى جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الاسفلين من الذكر و الدبر من الغائط او البول او منى او ريح، و النوم حتى يذهب العقل، و كل النوم يكره إلّا ان تكون تسمع الصوت) «3».

و يستفاد من الخبرين الاخيرين كون العبرة في الناقض بالنوم الغالب على العقل، و يكون التعبير بالعقل عبارة اخرى عن التعبير بالقلب و معه يغلب النوم على السمع فيكفى تحقق الغلبة على احدهما، و الشاهد قوله فى الرواية الرابعة من ان (كل النوم يكره الا ان تكون تسمع الصوت)، فيستفاد منها أنه إذا غلب النوم على نحو يسمع الصوت يعنى لا ينام السمع لا يكره النوم.

الخامسة: ما رواها ابن بكير (قال: قال لابي عبد اللّه عليه السّلام (قوله تعالى: إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ) ما يعنى بذلك؟ قال: إذا قمتم من النوم. قلت: ينقض النوم الوضوء؟ قال:

نعم، إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت) «4».

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 7 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 23

و المستفاد من مجموع الأخبار كون الناقض نوما يوجب ذهاب العقل و تعطيل الحواس و من بلغ بحد نام قلبه ينام سمعه، و لكن مجرد نوم

البصر لا يوجب نوم القلب و تعطيل الحواس، و لهذا قال إذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء، فنوم العين يحصل قبل نوم القلب و السمع اذ ربما تنام العين و لا ينامان، فالعمدة نوم القلب و ذهاب العقل، و نوم السمع أمارة عليه اذ يكون بينهما الملازمة، فلا دخل في نوم العين و لعل قول المؤلّف رحمه اللّه بقوله (إذا غلب على القلب و السمع و البصر) كان اقتضاء ما في الرواية الاولى.

و على كل حال يستفاد من الروايات المتعرضة لناقضية النوم كون النوم بما هو نوم من النواقض، سواء كان موجبا لحدوث الحدث أم لا.

لكن قد يتوهم عدم كون النوم بنفسه ناقضا، بل من باب حدوث الحدث بسبب النوم، لما يتراءى من الرواية التى رواها أبو الصباح الكنانى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يخفق و هو في الصلاة؟ فقال: ان كان لا يحفظ حدثا منه إن كان فعليه الوضوء و اعادة الصلاة، و إن كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا اعادة) «1».

و الرواية التى رواها في العلل و عيون الأخبار بالسند الآتى عن الفضل عن الرضا عليه السّلام (قال: انما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة و من النوم دون ساير الاشياء، لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة، الى ان قال: و أمّا النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي ء منه و استرخى فكان اغلب الاشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة) «2».

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 24

أقول، أوّلا: فحيث ان ظاهر الروايات غير هاتين الروايتين كون النوم بنفسه ناقضا لا ان يكون أمارة على الناقض، و عليه اطباق ظاهر الفتوى بين فقهائنا رضوان اللّه عليهم من ذكر النوم ناقضا، نعم بعض علماء العامة يقولون بكون النوم أمارة على الناقض و ليس بنفسه ناقضا، فليست الروايتان معمولا بهما عند الاصحاب بل يحتمل قويا صدورهما تقية فليس مقتضى الحجية فيهما موجودا.

و ثانيا: ان الرواية الثانية اعنى ما رواها فى العلل، فليست الا فى مقام بيان حكمة الحكم، لا ان تكون علّة بحيث يدور الحكم وجودا و عدما مدارها كما ينادى بذلك لسان الرواية، لان لسانها معرضية النوم لذلك لا حدوث الحدث بالنوم.

و ثالثا: المستفاد من صدر الرواية الاولى و هو قوله (ان كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء (الخ) هو ان الشخص إذا كان بحيث لا يتوجه بحدوث الحدث لو حدث منه يعنى يكون النوم غالبا عليه بحيث لا يلتفت حدوث الحدث فعليه الوضوء، فالصدر غير مناف مع الروايات الدالة على كون النوم بنفسه ناقضا.

و أمّا ذيلها و هو قوله (و إن كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء)، فقد يقال أن المراد منه هو انه مع اليقين بعدم حدوث الحدث ليس عليه الوضوء و اطلاقه يقتضي عدم الوضوء و إن نام بحيث يغلب على قلبه و سمعه، و لهذا تكون الرواية دالة على كون الناقضية في صورة حدوث الحدث فالنوم أمارة على الناقض، و ان تم هذا الاحتمال و كون مفاد الرواية هذا و فرض اطلاقها، نقول لا بد من تقييدها بالاخبار الدالة على انه مع طرو النوم الغالب على

السمع و القلب ينتقض و لو لم يتيقن بالحدث.

ان قلت: ان النسبة بين الطائفتين تكون عموما من وجه. قلت: مع كون النسبة عموما من وجه لكن الاخبار الدالة على ناقضية النوم فى مورد الاجتماع و هو ما يستسقن بعدم الحدث و قد تحقق النوم، اظهر من هذه الرواية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 25

هذا على هذا الاحتمال و لكن يحتمل ان يكون المراد من الذيل هو أنه إذا كان بحيث من إدراك الحواس يستيقن عدم حدوث الحدث و هذا من توجهه و عدم اخذ النوم حواسه و عدم نوم قلبه فلا يجب عليه الوضوء، فلا يكون مفاد الرواية الّا مفاد ساير الروايات من كون الناقض النوم بنفسه، لكن خصوص النوم الذي يغلب على القلب و السمع، و هذا الاحتمال اوفق مع قوله عليه السّلام في صدر الحديث (ان كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء) لصراحة هذه الفقرة في كون المراد الفرض يعنى إذا فرض كونه بحيث لا يحفظ حدثا فعليه الوضوء، فافهم.

فتلخص من ذلك كلّه كون النوم بنفسه ناقضا.

***

[الخامس: كل ما ازال العقل]

قوله رحمه اللّه

الخامس: كل ما ازال العقل، مثل الاغماء و السكر و الجنون دون مثل البهت.

(1)

أقول: و العمدة فيه اطباق الفتوى عليه لدعوى الاجماع كما عن بعض، و كونه من دين الامامية كما عن بعض، و دعوى اجماع المسلمين كما عن بعض، فلا يضر توقف صاحب الوسائل رحمه اللّه كما يظهر من كلامه في ذيل الرواية الآتية، بل اختيار عدم ناقضيته.

و هل يدل على الحكم؛ ما رواها معمر بن خلاد (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع و الوضوء يشتد عليه، و هو

قاعد مستند بالوسائد، فربما اغفى و هو قاعد على تلك الحال، قال: يتوضأ قلت له: ان الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 26

يشتد عليه لحال علته. فقال: إذا خفى عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء. و قال:

يؤخر الظهر و يصليها مع العصر يجمع بينهما و كذلك المغرب و العشاء). «1»

ثم قال صاحب الوسائل (أقول: استدل به الشيخ على الحكم المذكور و ليس بصريح، لكن الشيخ نقل الاجماع على ان زوال العقل مطلقا ينقض الطهارة مع موافقته للاحتياط و احاديث حصر النواقض تدل على عدم النقض).

وجه الاستدلال على وجوب الوضوء عند تحقق الاغماء.

إمّا من باب ان المراد من الاغفاء هو الاغماء، و إمّا من باب ان المراد منه و إن كان النوم الخفيف، لكن ما يقتضيه المرض الشديد هو حصول الاغماء، فيحمل قوله (فربما اغفى و هو قاعد) على الاغماء.

و فيه، كما قيل انّ المراد من الاغفاء على ما فى اللغة هو النوم، و حمله في المورد على الاغماء- بدعوى ان المريض الذي لم يقدر على الاضطجاع لا يحصل له النوم غالبا- لا وجه له، لاحتمال كون السؤال من أنه مع كونه جالسا هل يجب في نومه الوضوء أم لا، كما كان في نظره من فتوى بعض العامة من عدم ناقضية النوم إذا كان جالسا غير المنفرج، فلا دلالة لهذه الفقرة على كون الاغماء من النواقض فضلا عن كل ما ازال العقل و لو لم يكن الاغماء.

و كذلك لا وجه للتمسك بقوله فيها (اذا خفى عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء) بدعوى ان اطلاقه يقتضي وجوب الوضوء إذا خفى عليه الصوت و إن كان بسبب ما يزيل العقل، لأنّ الضمير في كلمة

(عليه) في قوله (إذا خفى عليه) راجع الى رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع و اغفى، لا كلّ رجل و لو لم يغفى و لم ينم، فيكون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 27

المراد إذا خفى على الرجل الّذي ربما اغفى اى نام انه خفى عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء، فتكون مفادها مفاد الروايات الدالة على كون الناقض النوم الغالب على السمع، فأفهم.

و كذلك لا وجه للاستدلال على ناقضية كلّ ما ازال العقل بالرواية 3 و 4 من الروايات المذكورة في المسألة السابقة الدالّتان على ناقضية النوم إذا ذهب النوم بالعقل، بدعوى ان المستفاد منهما علية ذهاب العقل لناقضية النوم، فكلما توجد العلة ينقض الوضوء لعدم استفادة العلية منهما، بل المستفاد منهما كون النوم البالغ بهذه المرتبة ناقضا.

و كذلك لا تدل عليه رواية العلل التى ذكرناها في البحث عن كون النوم ناقضا بنفسه، او كونه أمارة على الناقض، و استدل عليها بكون النوم أمارة على الناقض، و قد عرفت ضعفه لما قلنا من عدم كون المذكور فيها علة، فلا يمكن الاستدلال بها على ناقضية ما ازال العقل، بدعوى كون ما ازال العقل أمارة على الناقض، لأنّ المستفاد من هذه الرواية أنّ من زال عقله يفتح كل شي ء منه و استرخى فكان اغلب الاشياء فيما يخرج منه الريح، لما عرفت من عدم كون المذكور فى الرواية علة بل هو حكمة.

و أمّا المروي في كتاب دعائم الاسلام عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام (ان الوضوء لا يجب الا من حدث، و إن المرء اذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من

الصلاة ما لم يحدث او ينم او يجامع او يغم عليه او يكن منه ما يجب منه اعادة الوضوء) «1».

فهذه الرواية على فرض حجيتها، إمّا لما يقال من كون الكتاب المذكور معتمدا عليه، و إمّا لانجبار ضعفها بمطابقة مضمونها مع فتوى الاصحاب من ناقضية

______________________________

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 101.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 28

الاغماء، و إذا تم الاستدلال بها على ناقضية الاغماء نقول في غير الاغماء من الجنون و كلّ ما ازال العقل بالاولوية، بناء على ما قيل، فإن الاغماء يوجب تغطية العقل و الجنون يوجب زوال العقل.

و أمّا في السكر، فإن قلنا بأنه يزيل العقل فبالاولوية نقول بناقضيته، و إن قلنا بأنه يوجب تغطية العقل لا زواله، نقول بناقضيته بتنقيح المناط، فتامل.

و بعد ما عرفت من كون الاغماء موجبا لتغطية العقل كان المناسب ان يقول المؤلّف رحمه اللّه (الخامس كلّ ما ازال العقل كالجنون او كلّ ما أغطى العقل كالاغماء).

و أمّا البهت فكما في اقرب الموارد عبارة عن التحير فلا دليل على كونه ناقضا لعدم دليل من الاجماع و النص عليه.

***

[السادس: الاستحاضة]

قوله رحمه اللّه

السادس: الاستحاضة القليلة بل الكثيرة و المتوسطة و إن اوجبتا الغسل أيضا و أمّا الجنابة فهى تنقض الوضوء لكن توجب الغسل فقط.

(1)

أقول: يأتى الكلام في ناقضيتها في محله إن شاء اللّه، ثم أنه بعد ذكره رحمه اللّه ما يوجب الغسل من جملة النواقض كان المناسب ذكر ساير ما يوجب الغسل من الاحداث الكبار.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 29

[مسئلة 1: إذا شك في طرو احد النواقض بنى على العدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا شك في طرو احد النواقض بنى على العدم و كذا إذا شك في أن الخارج بول او مذى مثلا إلّا ان يكون قبل الاستبراء، فيحكم بأنه بول، فإن كان متوضأ انتقض وضوئه كما مرّ.

(1)

أقول: أمّا فيما شك في طرو احد النواقض فللاستصحاب، اى استصحاب الطهارة.

و أمّا فيما شك في الخارج انه ناقض او لا، و بعبارة اخرى فيما كان الشك في ناقضية الموجود فأيضا يستصحب الطهارة و لا فرق في اجراء الاستصحاب و كونه مورده بين الشك في وجود الناقض و بين الشك في ناقضية الموجود.

نعم لو كان الخارج قبل الاستبراء من البول يحكم بكونه بولا و ناقضا للنص، و قد عرفت في احكام الخلوة هذه الجهة عند التعرض لهذه المسألة.

***

[مسئلة 2: إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء و كذا لو شك فى خروج شي ء من الغائط معه.

(2)

أقول: أمّا فيما لم يكن معه شي ء من الغائط، فلعدم حدوث الناقض.

و أمّا فيما شك في خروج شي ء من الغائط، فلاستصحاب الطهارة و كونه من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 30

صغريات الصورة الاولى من المسألة الاولى.

***

[مسئلة 3: القيح الخارج من مخرج البول و الغائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: القيح الخارج من مخرج البول و الغائط ليس بناقض و كذا الدم الخارج منهما إلّا إذا علم ان بوله او غائطه صار دما و كذا المذي و الوذى و الودى، و الأول هو ما يخرج بعد الملاعبة، و الثاني ما يخرج بعد خروج المنى، و الثالث ما يخرج بعد خروج البول.

(1)

أقول: قد عرفت دلالة الروايات على حصر الناقض من السبيلين بالبول و الغائط و الريح، فلا يكون القيح الخارج من المخرجين ناقضا و كذا الدم الخارج منهما.

نعم لو علم ان بوله او غائطه صار دما يكون ناقضا يشرط صدق اسم احدهما عليه.

و كذا لا ينقض الوضوء بخروج المذي و الوذى و الودى مضافا الى دلالة بعض الروايات على عدم ناقضيتها «1».

فما فى بعض الروايات من الامر بالوضوء فى بعضها، يأتى الكلام فيها فى المسألة 4 إن شاء اللّه.

و أمّا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من كون المذى ما يخرج بعد الملاعبة، فهو موافق مع تفسيره فى اللغة على ما حكى، و في الاخبار ما يدل على كون خروجه عند الشهوة

______________________________

(1) راجع الباب 14 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 31

و خروجه عند الملاعبة، و بلا

شهوة، (راجع الباب المذكور).

و أمّا الوذى فهو فى مجمع البحرين ما يخرج عقيب الانزال، و فى بعض الأخبار هو ما يخرج من الادواء و هو جمع الداء و اما الودى فهو ما يخرج بعد البول كما حكى عن بعض اهل اللغة، و هكذا فى مرسلة ابن رباط و هى الرواية 6 من الباب المذكور.

***

[مسئلة 4: ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب امور]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي، و الودى، و الكذب، و الظلم، و الاكثار من الشعر الباطل، و القى، و الرعاف، و التقبيل بشهوة، و مسّ الكلب، و مسّ الفرج و لو فرج نفسه، و مسّ باطن الدبر،

و الاحليل و نسيان الاستنجاء قبل الوضوء،

و الضحك في الصلاة،

و التخليل إذا أدمى.

لكن الاستحباب فى هذه الموارد غير معلوم و الاولى ان يتوضأ برجاء المطلوبية.

و لو تبيّن بعد هذا الوضوء كونه محدثا باحد النواقض المعلومة كفى، و لا يجب عليه ثانيا، كما أنه لو توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم تبيّن كونه محدثا كفى و لا يجب ثانيا.

(1)

أقول:

أمّا استحبابه عقيب المذى و الودى

فلحمل ما دلّ من الأخبار على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 32

الأمر بالوضوء بخروجهما على الاستحباب بقرينة ما يدل من الأخبار على عدم الوضوء «1».

نعم فى الرواية 10 من الباب المذكور، قال- بعد سؤاله عن نقض الوضوء بالمذى- قال ان كان من شهوة نقض. و هى من حيث التعبير بالنقض لا تقبل الحمل على الاستحباب، كما نذكر فى ما بعد إن شاء اللّه، و لكن بعد الامر فى بعض الروايات و عدم ناقضيتهما فى بعض الروايات، نقول باستحباب الوضوء منهما، و لا بدّ من طرح هذه الرواية لعدم عامل بظاهرها.

و اما الوذى،

فلا نرى دليلا على استحباب الوضوء عنده و لهذا لم يذكره المؤلف رحمه اللّه.

و أمّا استحبابه بالكذب و الظلم و الاكثار من الشعر الباطل،

يتمسك باستحبابه فيها بالرواية الّتي رواها سماعة (قال: سألته عن نشيد الشعر، هل ينقض الوضوء او ظلم الرجل صاحبه او الكذب؟ قال: نعم، إلّا ان يكون شعرا يصدق فيه او يكون يسيرا من الشعر الابيات الثلاثة و الأربعة، فأما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء) «2».

و في خصوص انشاد الشعر، تدل الرواية على عدم النقض، و هى ما رواها معاوية بن ميسرة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن انشاد الشعر هل ينقض الوضوء؟

قال لا) «3».

و منشأ القول بالاستحباب فيها هو حمل النقض على الاستحباب بعد الأخبار

______________________________

(1) راجع الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 8 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 33

الحاصرة الناقض بما عرفت و الاجماع على عدم كون هذه الثلاثة ناقضا.

و لكن ان كان متن الرواية الأمر بالوضوء فيها، يمكن ان يقول احد بحمل الأمر على الاستحباب بقرينة الأخبار الحاصرة و الاجماع، و لكن مفاد الرواية كونها ناقضا و النقض غير قابل للحمل على استحباب النقض، فلا دليل على استحباب الوضوء، نعم لا بأس بالوضوء رجاء و باحتمال المطلوبية.

و أمّا القي ء و الرعاف،

يتمسك على استحباب الوضوء بالرواية الّتي رواها سماعة (قال: سألته عما ينقض الوضوء؟ قال: الحدث تسمع صوته او تجد ريحه و القرقرة في البطن الاشياء تصبر عليه و الضحك في الصلاة و القي ء) «1».

و فى قبالها ما يدل على عدم ناقضيتهما (راجع الباب المذكور) و لا يمكن الجمع بين ما يدل على النقض و ما يدل على عدم النقض بحمل الأول على الاستحباب، لأنّ لفظ

النقض كما قلنا غير قابل للحمل على استحباب النقض، فلا دليل على استحباب الوضوء في القي ء.

و كذا في الرعاف، لأنّ الرواية التي رواها أبو عبيدة الحذاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الرعاف و القي ء و التخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء، و إن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء) «2» لما قلت من ان النقض غير قابل للحمل على الاستحباب مضافا الى التفصيل بين صورة الاستكراه و عدمه، فمن هذا الحيث تعارض الرواية في القي ء مع الرواية الاولى، نعم لا بأس بالوضوء رجاء و باحتمال المطلوبية.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 6 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 6 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 34

و أمّا عند التقبيل بشهوة،

فالرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة او مسّ فرجها اعاد الوضوء) «1» تحمل على الاستحباب بقرينة ما يدل على عدم الوضوء في القبلة (راجع الباب المذكور).

و لكن حيث ان ما ورد في عدم ناقضيته يدل على ناقضية التقبيل و اطلاقه يقتضي عدم كونه ناقصا سواء كان مع الشهوة او بلا شهوة.

و الرواية المذكورة تدل على اعادة الوضوء في خصوص ما كان من شهوة، فمقتضى القاعدة في حد ذاته هو حمل المطلق على المقيد و تكون النتيجة عدم الناقضية فيما لم يكن التقبيل بشهوة و الناقضية فيما كان مع الشهوة لا الحمل على الاستحباب في صورة الشهوة.

نعم بعد عدم قائل بوجوب الوضوء عنده، لا يمكن العمل بالرواية و لا وجه للحمل على الاستحباب و لكن لا بأس بالوضوء رجاء.

و أمّا مس الكلب،

فاستحباب الوضوء به مقتضى الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من مسّ كلبا فليتوضأ) «2» الآمرة بالوضوء، بعد حمل الامر فيها على الاستحباب لعدم قائل بوجوب الوضوء.

و فيه، انه لو لم تكن الرواية معمولا بها و مع اعراضهم عنها، فلم تكن بحجة، فلا يمكن صيرورتها دليلا على الاستحباب، فلا دليل على استحباب الوضوء بمس الكلب.

و أمّا مسّ الفرج،

يتمسك على استحباب الوضوء عنده بالرواية المذكورة في

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 11 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 35

التقبيل، لأنّ فيها قال (او مس فرجها) اى فرج المرأة (اعاد الوضوء) بحمل قوله (اعاد الوضوء) على استحباب الاعادة.

و فيه، انه بعد كون ظاهرها وجوب الاعادة و الرواية من هذا الحيث اعرض عنها الاصحاب، فلا دليل في البين يدلّ على الاستحباب، و لا وجه لحمل الرواية على الاستحباب لعدم عامل بالوجوب، لأنّ الرواية ظاهرة في الوجوب، و ليست بحجة لعدم العمل بها، حتى على القول باستحباب الفعل باخبار من بلغ لا يمكن القول باستحبابه لعدم وجود خبر ضعيف دال على الاستحباب.

نعم فى بعض الروايات المذكور فى هذا الباب اعنى (الباب 6 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل) ما يدل على عدم الوضوء فى مسّ الفرج كالرواية 2 و غيرها، فيقال بعد دلالة الرواية المذكورة على اعادة الوضوء فى مسّ فرج المرأة، و هذه الروايات تدل على عدم وجوب الوضوء فى مس الفرج، فيحمل قوله (اعاد) على الاستحباب، لكن هذه الروايات مطلقة، لشمولها لمسّ الرجل فرج نفسه بناء على شمول الفرج لعورة المرء و لمسّ المرأة

فرج نفسها، فمقتضى القاعدة تقييدها بالرواية الدالة على اعادة الوضوء، فتكون النتيجة عدم الوضوء فى مسّ الفرج، الا ان يمسّ الرجل فرج المرأة، لا حمل قوله (اعاد) على الاستحباب. فتأمل.

و أمّا مسّ باطن الدبر و الاحليل،

فللرواية الّتي رواها عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سال عن الرجل يتوضأ ثم يمسّ باطن دبره. قال: نقض وضوئه، و إن مس باطن احليله فعليه ان يعيد الوضوء، و إن كان في الصلاة قطع الصلاة و يتوضأ و يعيد الصلاة، و إن فتح احليله اعاد الوضوء و أعاد الصلاة) «1».

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 36

لكن بعد كون ظاهرها وجوب الوضوء و الرواية من هذا الحيث غير معمول بها، فكما قلنا لا مدرك للاستحباب.

و أمّا نسيان الاستنجاء

يتمسك باستحباب الوضوء عنده بالرواية الّتي رواها أبو بصير قال: (قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام ان اهرقت الماء و نسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و غسل ذكرك) «1».

و بالرواية الّتي رواها سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام (في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره، قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء) «2» جمعا بينهما و بين ما يدل على عدم وجوب اعادة الوضوء فيمن نسى الاستنجاء المذكور فى هذا الباب، فراجع، فيحمل ما دل على الامر باعادة الوضوء فيمن نسى غسل ذكره على الاستحباب لما دل من الروايات على عدم اعادة الوضوء لمن نسى غسل ذكره.

و أمّا الضحك في الصلاة،

يتمسك بالرواية الّتي رواها سماعة (قال: سألته عما ينقض الوضوء؟ قال: الحدث تسمع صوته او تجد ريحه و القرقرة في البطن الا شيئا تصبر عليه و الضحك في الصلاة و القي ء) «3».

و أمّا التخليل،

يتمسك به بالرواية الّتي رواها أبو عبيدة الحذاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الرعاف و القي ء و التخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا تنفض الوضوء و إن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء) «4».

و لا يمكن جعل الخبرين دليلين على استحباب الوضوء بالضحك في الصلاة

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 18 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 11 من الباب 6 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 12 من الباب 6 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 37

و التخليل، لأنّ ظاهرهما نقض الوضوء بهما و لا يعمل بهما، فالخبران غير معمول بهما و بعد عدم حجيتهما في ما هو ظاهر هما من النقض و وجوب الوضوء فلا يمكن جعلهما وجها على الاستحباب، لما قلنا في طى كلماتنا، فافهم.

ثم ان ما قاله المؤلّف رحمه اللّه (من ان استحباب الوضوء فى هذه الموارد غير معلوم،

و الاولى ان يتوضأ برجاء المطلوبية) مضافا الى ما عرفت من عدم دليل على الاستحباب إلّا في مورد الوذى و الودى و نسيان غسل مخرج البول لما بينا من ان مقتضى الجمع العرفى هو استحبابه فى هذه الموارد الثلاثة، من احتمال صدور هذه الأخبار الآمرة بظاهرها بالوضوء في هذه الموارد تقية، لوجود الفتوى بين العامة على ناقضيتها، و مع هذا الاحتمال المعتنى به عند العقلاء لا يكون مقتضى الحجية في هذه الأخبار موجودا، لأنّه مع هذا الاحتمال من باب خارجية المطلب لا يكون الاصل في جهة الصدور موجودا فلا مجال للاخذ بهذه الأخبار، و بعد عدم وجود مقتضى الحجية لا مجال للجمع العرفى، لأنّ الجمع او الترجيح فرع وجود الحجة في كلا الخبرين المتعارضين، إلّا

ان يقال بأن الجمع و الترجيح يأتى حتى بين الحجة و لا حجة.

أقول: و هذا الاحتمال و إن كان جاريا، لكن كونه بحيث يوجب الوهن في الاصل العقلائى في جهة الصدور غير معلوم.

نعم كما قاله المؤلّف رحمه اللّه الاولى ان يتوضأ في الموارد برجاء المطلوبية.

ثم أنه لو توضأ رجاء في احد هذه الموارد، و تبين بعد ذلك كونه محدثا
اشارة

باحد النواقض المعلومة، فهل يكتفى بهذا الوضوء الصادر رجاء او لا يكتفى به، بل لا بدّ من وضوء آخر.

أقول: يفرض للمسألة صورتان:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 38

الصورة الاولى: ما ينوى اتيان الفعل برجاء المطلوبية،

لكن لا بنحو التقييد، و معنى التقييد كون نيته اتيان الوضوء رجاء مطلوبيته عند خروج المذى مثلا، بحيث لو لم يكن هذا مطلوبا و مستحبا واقعا لما كان آتيا به.

ففي هذه الصورة لو تبين كونه محدثا باحد النواقض المعلومة، يكتفى بهذا الوضوء، لأنّ ما يعتبر في النية محقق في الفرض.

الصورة الثانية: ما كان اتيان الوضوء بقصد الرجاء بعنوان التقييد،

ففي هذه الصورة لا يكتفى بهذا الوضوء لو انكشف كونه محدثا باحد النواقض المعلومة، لأنّ ما ينويه لم يكن بشي ء و ما يكون مقربا لم ينوه، و هكذا الحكم فيما توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم تبين كونه محدثا، بل الحكم فيه اوضح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 39

فصل: في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 41

قوله رحمه اللّه

فصل فى غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة فان الوضوء، امّا شرط فى صحة فعل كالصلاة و الطواف، و امّا شرط فى كماله كقراءة القرآن، و امّا شرط فى جوازه كمسّ كتابة القرآن، او رافع لكراهته كالاكل، او شرط فى تحقق امر كالوضوء للكون على الطهارة، او ليس له غاية كالوضوء الواجب بالنذر، و الوضوء المستحب نفسا ان قلنا به كما لا يبعد.

اما الغايات للوضوء الواجب، فيجب للصلاة الواجبة اداء او قضاء عن النفس او عن الغير، او لاجزائها المنسية، بل و سجدتى السهو على الاحوط، و يجب أيضا للطواف الواجب، و هو ما كان جزء للحج او العمرة، و ان كانا مندوبين، فالطواف المستحب ما لم يكن جزء من احدهما لا يجب الوضوء له، نعم هو شرط في صحة صلاته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 42

و يجب أيضا بالنذر و العهد و اليمين، و يجب أيضا لمسّ كتابة القرآن وجب بالنذر او لوقوعه فى موضع يجب اخراجه منه، او لتطهيره اذا صار متنجسا و توقف الاخراج او التطهير على مسّ كتابته، و لم يكن التأخير بمقدار الوضوء موجبا لهتك حرمته، و الا وجب المبادرة من دون الوضوء.

و يلحق به اسماء اللّه و صفاته الخاصة، دون اسماء الأنبياء و

الائمة عليهم السلام، و ان كان احوط، و وجوب الوضوء فى المذكورات ما عدا النذر و اخويه، انما هو على تقدير كونه محدثا، و الّا فلا يجب، و اما فى النذر و اخويه فتابع للنذر، فان نذر كونه على الطهارة لا يجب الا اذا كان محدثا، و ان نذر الوضوء التجديدي وجب و ان كان على وضوء.

(1)

أقول، الكلام فى الفصل يقع فى طى امور:

الأمر الاول: فى غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة،

فان الوضوء إما شرط فى صحة فعل كالصلاة، و شرطيته فى صحتها مما ادعي عليه الاجماع بل الضرورة، و تدل عليه روايات نذكر بعضها تيمّنا:

منها: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة الا بطهور) «1».

و منها: ما رواها زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الفرض فى الصلاة فقال:

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 43

الوقت و الطهور و القبلة و التوجه و الركوع و السجود و الدعاء) «1».

و منها: ما رواها القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم) «2».

و كالطواف، و عليه حكى الاجماع كما قيل فى خمسة عشر موضعا، و يدل عليه بعض النصوص:

منها: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء ا يعتد بذلك الطواف قال لا) «3».

منها: ما رواها على بن جعفر عن اخيه أبي الحسن عليهم السّلام (قال سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب، فذكر و هو فى الطواف. قال: يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف، و

سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء. قال: يقطع طوافه و لا يعتد به) «4».

و إما يكون الوضوء شرطا فى كماله كقراءة القرآن، و يدل عليه بعض الروايات:

منها: ما رواها محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: سألته اقرأ المصحف ثم يأخذنى البول، فاقوم فابول و أستنجي و اغسل يدى و اعود الى المصحف، فأقرأ فيه. قال: لا حتى تتوضأ للصلاة) «5».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

(5) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب قراءة القرآن و لو فى غير الصلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 44

و منها: ما رواها محمد بن على بن الحسين فى الخصال باسناده عن على عليه السّلام فى حديث الأربعمائة (قال: لا يقرأ العبد القرآن اذا كان على غير طهور حتى يتطهر) «1».

و يحمل النهى في الخبرين على الكراهة بقرينة الرواية الدالة على استحباب قراءته بلا طهارة.

و هي الرواية الّتي رواها احمد بن فهد في عدة الداعى قال: (قال: عليه السّلام لقارى القرآن بكل حرف يقرئه في الصلاة قائما مائة حسنة، و قاعدا خمسون، و متطهرا في غير صلاة خمس و عشرون حسنة، و غير متطهر عشر حسنات، اما انى لا اقول:

(المر) بل بالالف عشر و باللام عشر و بالميم عشر و بالراء عشر) «2»، لأنّ مفاد هذه الرواية استحباب قراءته و لو غير متطهر، لبيان الحسنة لما يقرأ على غير طهارة، فيحمل بقرينتها الروايتان

على الكراهة بلا وضوء و معنى كراهيته اقلية ثوابه، كما يظهر من رواية ابن فهد رحمه اللّه لأنّ الثواب مع الطهارة خمس و عشرون حسنة فى قراءته و مع غير الطهارة عشر حسنات.

أقول: و قد روى في جامع احاديث الشيعة روايتان: و هى ما رواها حريز عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (كان اسماعيل ابن أبي عبد اللّه عنده فقال: يا بنيّ اقرأ المصحف. و قال: انى لست على وضوء. فقال: لا تمسّ الكتاب و مس الورق و اقراه) «3».

و الرواية التى رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن قرء في

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب قرآن القرآن و لو فى غير الصلاة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

(3) جامع احاديث الشيعة باب 1 من ابواب الوضوء- حديث 13. و أيضا الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 45

المصحف و هو على غير وضوء؟ قال: لا بأس و لا يمس الكتاب (الكتابة) «1».

و هاتان الروايتان تدلّان على جواز قراءة المصحف من غير وضوء.

فلو اشكل فى ما رواه ابن فهد رحمه اللّه لارساله و اضماره، يكفى الروايتان لأن تكونا شاهدى حمل النهى في الروايتين الظاهرتين في التحريم بلا وضوء على الكراهة.

و بعد حملهما على الكراهة، فيقال ان معنى كراهته اقلية الثواب، فيبقى الجواز و الاستحباب للروايات الدالة بإطلاقها على محبوبية قراءة القرآن حتى بلا وضوء، مضافا الى ان الرواية الاولى من الروايتين المذكورتين في جامع احاديث الشيعة تدلّ على استحباب قراءته بلا وضوء للامر فيها بقراءته بلا وضوء و

عدم مس الكتاب اى الكتابة، فأفهم.

و إمّا يكون الوضوء شرطا في جوازه كمس كتابة القرآن لعدم جدا مسّ كتابة القرآن بلا طهارة، و تدل عليه الروايتان المتقدمتان رواية حريز و رواية أبي بصير.

و الرواية التى رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام (قال:

المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطّه و لا تعلقه، ان اللّه تعالى يقول (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «2».

و يمكن الاستدلال بقوله تعالى (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) بناء على ارجاع الضمير في قوله (لا يمسّه) الى القرآن لأنّه تعالى يقول (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة باب 1 من ابواب الوضوء حديث 14، و أيضا الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 46

لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)، و بناء على كون المسّ هو المس بظاهر البدن لا المسّ بمعنى القرب و بناء على كون المراد من قوله (المطهرون) المطهرون من الاحداث الظاهرية.

و هل يمكن الاستدلال بالآية بعد تمسك المعصوم عليه السّلام به كما في رواية ابراهيم بن عبد الحميد المتقدمة او لا؟ يأتى فى باب الجنابة عدم تمامية الاستدلال عليها بضم الرواية، كما انه يأتى إن شاء اللّه قرينة احتمال كون المراد من الآية ما يفيد للاستدلال به على ما نحن فيه

و على كل حال بعد عدم جواز مسّ كتابته بلا طهارة، يكون شرط جواز مسّه الوضوء.

و إمّا يكون الوضوء رافعا لكراهته كالاكل.

اقول، أمّا في خصوص حال الجنابة:

فللرواية التى رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام عن ابيه (قال: إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ) «1».

و ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن امير المؤمنين علي بن ابى طالب عليهم السّلام في حديث المناهى (قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الاكل على الجنابة و قال: انه يورث الفقر) «2».

و يحمل الروايتان على الكراهة بقرينة ما يترتب عليه من التوعيد بالفقر في الرواية الثانية.

مضافا الى دلالة الرواية التى رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه في حديث

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 20 من ابواب الجناية من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 47

(قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يأكل الجنب قبل ان يتوضأ؟ قال: انا لنكسل و لكن ليغسل يده، فالوضوء افضل) «1» على جواز الاكل قبل الوضوء، فيحمل النهى على الكراهة.

و أمّا بالنسبة الى غير حال الجنابة، فما نرى من الأخبار ليس الا بعض الروايات الدالة على استحباب غسل اليد قبل الطعام و بعده، و بعض الروايات الدالة على استحباب الوضوء قبل الطعام «2».

و لكن على المحكى ان اصحابنا رضوان اللّه عليهم لم يفهموا من هذه الأخبار الآمرة بالوضوء قبل الطعام، الوضوء المعهود و لذا لم يذكروا هذا المورد من جملة الوضوءات المستحبة و تدل رواية من الروايات المذكورة في الباب المذكور على كون المراد بالوضوء في هذه الأخبار غسل اليدين قبل الطعام و بعده.

و هي ما رواها محمد بن الحسن في المجالس و الأخبار عن جماعة عن أبي الفضل عن جعفر بن محمد العلوى الموسوى و عن احمد

بن زياد جميعا عن عبد اللّه بن احمد بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام قال عليهم السلام (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سره ان يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه، و من توضأ قبل الطعام و بعده عاش في سعة من رزقه، و عوفى من البلاء في جسده)، و زاد الموسوى في حديثه قال هشام: (قال لي الصادق عليه السّلام: الوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام و بعده).

و من كل ذلك يظهر لك انه ليس في البين ما يدل على كون الوضوء رافعا

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) راجع الباب 41 من ابواب آداب المائدة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 48

لكراهة الاكل، فلا يتم كلام المؤلّف رحمه اللّه بإطلاقه و يصح في خصوص اكل الجنب فإنه يرفع بالوضوء كراهة الاكل لما مرّ.

و إمّا يكون الوضوء شرطا في تحقق امره، كالوضوء للكون على الطهارة، لأنّ الكون على الطهارة مما يترتب على الوضوء فيما يكون الشخص محدثا بالحدث الاصغر، فيكون الوضوء موجبا لتحقق هذا الأمر، اى الكون على الطهارة.

أو ليس له غاية، كالوضوء الواجب بالنذر و الوضوء المستحب نفسا ان قلنا به كما لا يبعد هذا ما قاله المؤلف رحمه اللّه.

أقول: أمّا عدّه رحمه اللّه هذا القسم مما ليس له غاية فليس بتمام، لأنّ المراد بالغاية ما يترتب على الوضوء، و في هذا القسم بناء على مشروعيته، يترتب عليه ما يترتب على غيره من الاقسام من جواز الصلاة و غير ذلك.

نعم يمكن ان يقال بأنه لا يريد الشخص

غاية في هذا القسم، بل يأتى به بعنوان الأمر المتعلق به وجوبا او استحبابا.

ثم انه عدّ مما ليس له غاية- اعنى لا يريد باتيانه غير امره- الوضوء الواجب بالنذر، و الوضوء المستحب نفسا.

أمّا الوضوء الواجب بالنذر، فيدور مدار رجحانه و لا اشكال فيما يكون متعلق النذر الكون على الطهارة.

و أمّا إذا نذر نفس الغسلات و المسحات بدون قصد حصول الطهارة بها، ففي تعلق النذر به اشكال لعدم كونه راجحا و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

و أمّا الوضوء المستحب نفسا، فان كان الغرض الوضوء الذي يقصد به الكون على الطهارة، فلا اشكال في استحبابه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 49

و يدل عليه من القرآن الكريم:

قوله تعالى: إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1».

و قوله تعالى: فِيهِ رِجٰالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «2».

و من الأخبار:

مثل الرواية التى رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (الوضوء على الطهور عشر حسنات فتطهروا) «3»، ففيها الأمر بالتطهر و هو دليل على المطلوب.

و الرواية التى رواها محمد بن محمد بن النعمان المفيد باسناده عن انس في حديث قال: (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا انس، اكثر من الطهور يزيد اللّه في عمرك، و إن استطعت ان تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل، فإنك تكون إذا متّ على طهارة شهيدا). «4»

و الرواية التى رواها الحسن بن محمد الديلمى في الارشاد قال: (قال:

النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول اللّه تعالى: من احدث و لم يتوضأ فقد جفانى، و من احدث و توضأ و لم يصل ركعتين فقد جفانى، و من احدث و توضأ و صلى ركعتين و

دعانى و لم اجبه فيما سألنى من امر دينه و دنياه فقد جفوته، و لست بربّ جاف، قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من احدث و لم يتوضأ فقد جفانى و ذكر الحديث نحوه). «5»

و إن كان الغرض من استحباب الوضوء نفسا استحباب نفس الغسلات

______________________________

(1) س 2، آية 222.

(2) س 9، آية 108.

(3) الرواية 10 من الباب 8 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 118 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 50

و المسحات و لو لم يقصد بها احد الغايات، فلم اجد دليلا على استحبابه، و لا يمكن التمسك على استحبابه بما تمسكنا على استحباب الوضوء بقصد الكون على الطهارة.

أمّا الآيتان فلانهما تدلان على أنه تعالى (يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) او (المطهّرين) و لا تدلان على انه يحب نفس الغسلات و المسحات بدون قصد حصول الطهارة.

أمّا الرواية الاولى، فلان فيها قال: (فتطهروا) فالامر فيها بالتطهر، فلا يمكن الاستدلال بصدرها من قوله (الوضوء على الطهور عشر حسنات) بدعوى ان الوضوء نفس الغسلات و المسحات و فيه الحسنات، لأنّ الأمر في الذيل يدل على كون الغرض من الوضوء حصول الطهارة.

و اما الرواية الثانية، فلان التعبير فيها بالامر باكثار الطهارة لا الوضوء، فلا تدل على استحباب الوضوء نفسا.

و اما الرواية الثالثة، ففيها و إن ترتب الجفاء على ترك الوضوء، لكن قوله (و لم يصل ركعتين فقد جفانى) يدل على ان الوضوء هو الوضوء الذي يبيح الصلاة و يرفع الحدث، فتدل الرواية على ان ترك الوضوء لاجل رفع الحدث يكون من الجفاء لا لنفس

الوضوء.

و كذلك لا يدل على استحبابه نفسا ما روى من ان (الوضوء على الوضوء نور على نور) «1» فإنها تدل على ان الوضوء الثاني نور على نور و الوضوء الأول ما حصل به الطهارة، فالثانى يحصل به مرتبة ارفع من الطهارة الحاصلة من الاولى.

مضافا الى ان مفروغية استحباب الكون على الطهارة ربما يوجب انصراف كلما وقع الترغيب فيه بالوضوء الى هذا القسم من الوضوء.

______________________________

(1) الرّواية 8 من الباب 8، من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 51

مع ان الرواية التى رواها في عيون الأخبار و في العلل بالاسناد الآتى عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (قال: انّما امر بالوضوء و بدء به لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدى الجبار عند مناجاته اياه، مطيعا له فيما امره، نقيّا من الادناس و النجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل و طرد النعاس و تزكية الفؤاد للقيام بين يدى الجبار، قال: و انما جوّزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنّه ليس فيها ركوع و لا سجود، و انما يجب الوضوء في الصلاة التى فيها ركوع و سجود) «1»، يؤيد مفادها بل يدل على ان حكمته صيرورة العبد طاهرا، و هو يحصل بقصده الكون على الطهارة، فتامل.

و مع قطع النظر عن ذلك كله بعد عدم دليل مثبت لمشروعية هذا القسم من الوضوء، يكفى في عدم جوازه الشك في مشروعيته.

الأمر الثاني: أمّا الغايات للوضوء الواجب.

فيجب للصلاة الواجبة اداء و قضاء عن النفس او عن الغير، و لاجزائها المنسية بل و سجدتى السهو على الاحوط. هكذا قال المؤلف رحمه اللّه.

أقول: أمّا في الصلاة الواجبة اداء، فلا اشكال فيه فتوى و نصا، و قد مضى بعض

الكلام فيه و بعض ما يدل عليه في الأمر الأول.

و أمّا في قضاء الصلاة، سواء كان عن النفس او عن الغير، فيدل على اشتراطها به بعض الروايات التي ذكرناه في الأمر الأول، مثل قوله: (لا صلاة الا بطهور)، مضافا الى كون القضاء مثل الاداء و لا فرق بينهما إلّا كون القضاء في

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 52

خارج الوقت.

و أمّا الاجزاء المنسية، فلانها اجزاء للصلاة و إن كان محل اتيانها بعد الصلاة.

و قد يقال بعدم اعتبار الطهارة في الاجزاء من رأس بل المسلّم اعتبارها فى اصل الصلاة.

و فيه، انه لو كان الحدث قاطعا و لم تكن الطهارة شرطا كان لهذا الكلام مجال، و لكن الطهارة شرط كما عرفت من كون اعتبارها من الضروريات و لدلالة النصوص على شرطيتها.

و أمّا اعتبار الوضوء في سجدتى السهو و عدم اعتباره:

منشأ اعتباره إمّا انهما من متممات الصلاة و مكملاتها و لهذا يعتبر فيهما الفورية، و إمّا ان المنصرف إليه من ادلتهما و إن كانت مطلقة من هذا الحيث، هو ما كان مع الطهارة.

و فيه ان الحق كونهما واجبتين مستقلتين و إن كان سبب وجوبهما ما وقع او فات في الصلاة (قد بينّا التفصيل في بعض تقريراتنا عن بحث فقيد الاسلام آية اللّه العظمى البروجردي استادنا الاعظم قدس سره).

و كون وجوبهما فوريا لا يقتضي وجوب ما وجب في الصلاة فيهما.

و أمّا الانصراف فلا وجه له، فمع الشك يكون المرجع البراءة، لأنّ الشك في شرطيتها فيهما لا اصالة الاشتغال، و لكن مع ذلك نقول في مقام العمل بالاحتياط كما قاله المؤلّف رحمه اللّه.

و يجب أيضا للطواف الواجب،

و هو ما كان جزءا للحج او العمرة، و إن كانا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 53

مندوبين، فالطواف المستحب ما لم يكن جزءا من احدهما لا يجب الوضوء له، نعم هو شرط في صحة صلاته.

أقول: أمّا فيما كان الطواف جزءا للحج او العمرة و إن كانا مندوبين، فلما عرفت من الاجماع، و من دلالة بعض الروايات عليه ذكرناه في الأمر الأول.

و أمّا عدم اشتراط الطواف المستحب به ما لم يكن جزءا من احدهما و اعتباره في صلاة الطواف فلدلالة الرواية التى رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه قال: لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ و يصلى، فإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف) «1»، و غير ذلك مما يدل على عدم اعتبار الوضوء في الطواف المستحب.

نعم يعتبر الوضوء في صلاة الطواف و إن كان نفس الطواف مستحبا (راجع الباب المذكور).

و يجب أيضا بالنذر و العهد و اليمين.

أقول: و قد عرفت في صدر الفصل ان المؤلف رحمه اللّه عد من جملة ما ليس له غاية الوضوء الواجب بالنذر، و هنا يقول انه من جملة الغايات، و توجيهه كما قلنا هو ان المراد عدم إرادة غايات اخر فيه، بل يقصد به الأمر المتعلق به وجوبا، و إلّا فيترتب على هذا الوضوء ما يترتب على ساير الوضوءات.

و قد عرفت ان النذر يتعلق بالوضوء المحصّل للطهارة مثلا ينذر الوضوء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص:

54

للكون على الطهارة.

و اما نذر نفس الغسلات و المسحات بدون قصد الغاية عليها، فكما عرفت ليس بمستحب فلم يكن فيه رجحان فلم يتعلق به النذر.

و يجب أيضا لمسّ كتابة القرآن، و قد عرفت ما يدل على حرمة مسّه بلا طهارة فيعتبر في جواز مسّه الوضوء.

و مثّل المؤلّف رحمه اللّه لوجوب مسّه امثلة:

الأول: فيما وجب بالنذر: و لوجوبه بالنذر كلام في أنه هل يمكن ان يكون المنذور مسّ كتابة القرآن من باب انه هل يكون مسّه في حدّ ذاته راجحا حتى يتعلق به النذر أم لا؟ و لم اجد بعد دليلا على رجحان مسّه.

الثاني: فيما وقع في موضع يجب اخراجه منه.

الثالث: مسّه لتطهره إذا صار متنجسا و يتوقف اخراجه في المثال الثاني و تطهيره في المثال الثالث على مسّ كتابته، بشرط عدم كون تأخير الاخراج في المثال الثاني و تأخير التطهير في المثال الثالث بمقدار الوضوء موجبا لهتك القرآن، و لا اشكال في وجوب المس في المثالين.

نعم لو امكن التيمم او التطهير بدون مسّ كتابته، او كان التأخير او التطهير بقدر الوضوء هتكا، لكتاب الكريم لا يجب الوضوء لمسّه، بل في صورة كون التأخير او التطهير بقدر الوضوء هتكا، يجب على المكلف المبادرة باخراجه و تطهيره.

نعم لو امكن التيمم و لم يكن التأخير بقدر التيمم هتكا، قالوا بوجوب التيمم ثم اخراجه، و تطهيره، و يأتى الكلام فيه ان شاء اللّه في التيمم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 55

[الامر الثالث الحاق اسماء اللّه و صفاته الخاصة بالقرآن]

ثم ان المؤلّف رحمه اللّه قال:

(و يلحق به (اى بالقرآن) اسماء اللّه و صفاته الخاصة دون اسماء الأنبياء و الائمة عليهم السلام و إن كان احوط).

(1)

أقول: اما الحاق اسماء اللّه و صفاته الخاصة فهو

كما قاله رحمه اللّه لأنّ المناط في حرمة مسّه بلا وضوء ليس الّا شرافته و انتسابه باللّه تعالى فلو لم يكن الحكم في اسماء اللّه و صفاته الخاصة اولى فلا أقل يكون مثل القرآن الكريم.

و ليس المنشأ للوضوء مهانة الحدث (كما قال في المستمسك) حتى يقال: ان العرف لا يفهم و لا ينتقل من الأمر بعدم جواز مسّ الكتاب الى عدم جواز مسّ اسماء اللّه تعالى و صفاته الخاصة و يفهم العرف وجود هذه الشرافة في اسمائه تعالى و صفاته الخاصة.

و أمّا اسماء الأنبياء و الائمة عليهم السّلام فما يأتى بالنظر و ليس ببعيد، هو عدم جواز مسّ اسمائهم إذا كانت الاسماء مقصودة في المكتوب بلا وضوء، لوجود الملاك فالاحوط بل الاقوى هو الالحاق، فاذا توقف اخراجها من موضع او تطهيرها على مسّها يجب الوضوء بنحو، قلنا في الكتاب الكريم من مورده و شرطه.

ثم ان وجوب الوضوء في المذكورات ما عدا النذر و اخويه، انما هو على تقدير كون الشخص محدثا، و الّا فلا يجب لأنّه مع فرض كونه متطهرا لا موجب لوجوب الوضوء، لأنّ الغرض حصول الطهارة من الوضوء و هو على الفرض متطهر.

و أمّا في النذر و العهد و اليمين، فتابع للنذر فان نذر الكون على الطهارة لا يجب في فرض كونه متطهرا و عدم كونه محدثا.

و إن نذر الوضوء التجديدى يجب الوضوء و ان كان على وضوء فافهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 56

[مسئلة 1: اذا نذر ان يتوضأ لكل صلاة وضوءا رافعا للحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا نذر ان يتوضأ لكل صلاة وضوءا رافعا للحدث و كان متوضأ يجب عليه نقضه ثم الوضوء، لكن في صحة مثل هذا النذر على اطلاقه تأمّل.

(1)

أقول: قد ينذر على التقدير، بمعنى

انه ينذر بأنه لو صار محدثا و على تقدير حدوث الحدث يتوضأ وضوءا رافعا للحدث، ينعقد هذا النذر لكون متعلقه راجحا.

و لكن ليس هذا مفروض كلام المؤلّف رحمه اللّه لأنّ مفروض كلامه هو النذر بالوضوء لكل صلاة وضوءا رافعا للحدث، و معنى ذلك نقض الوضوء إذا كان متوضئا لأن يعمل بنذره.

و قد ينذر الوضوء الرافع للحدث بحيث يوجد موضوعه و هو الحدث، فلو لم يكن محدثا ينقض وضوئه، لأن يتمكن من الوفاء بالنذر، و هذا القسم مراد المؤلّف رحمه اللّه، و هذا مما لا يجب العمل به لعدم رجحان متعلقه لعدم رجحان نقض الطهارة الحاصلة حتى يتعلق به النذر.

و مثاله نذر التوبة، فإن نذر التوبة على تقدير حدوث الذنب منه اتفاقا، فهذا النذر ينعقد و يجب العمل به و يكون من القسم الأول.

و إن نذر التوبة بنحو يكون مقتضيا لفعل الذنب، فلا ينعقد هذا النذر و يكون كالقسم الثاني.

ثم أنه قيل في توجيه كلام المؤلّف رحمه اللّه (لكن في صحة مثل هذا النذر على اطلاقه تأمل)، بأن نظره عدم انعقاد النذر في بعض الصور و انعقاد النذر في بعضها ففرض صورة يمكن تصحيح النذر هو ما كان نقض الطهارة راجحا مثل ما كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 57

حبس الحدث موجبا للضرر المعتد به، فلو نذر الوضوء الرافع للحدث في هذا الفرض ينعقد النذر، لكون متعلق النذر راجحا.

و لكن فيه كما قال الموجّه بأنه مع ذلك لا تكون الطهارة في الفرض الطهارة مرجوحا حتى ينعقد النذر.

أقول: لا يخفى عليك ان متعلق النذر هو الوضوء الرافع للحدث المستلزم لنقض الطهارة، و إذا كان نقض الطهارة راجحا يصح النذر، و فى الفرض باعتبار

الضرر يكون نقضها راجحا، و ليس اللازم مرجوحية الطهارة حتى يقال بانها ليست مرجوحة.

فيمكن ان يقال بصحة النذر اذا نذر الوضوء في خصوص المورد، فتأمل.

***

[مسئلة 2: وجوب الوضوء لسبب النذر اقسام:]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: وجوب الوضوء لسبب النذر اقسام:

احدها: ان ينذر ان يأتى بعمل يشترط في صحته الوضوء كالصلاة.

الثاني: ان ينذر ان يتوضأ إذا اتى بالعمل الفلانى غير المشروط بالوضوء، مثل ان ينذر ان لا يقرأ القرآن الا مع الوضوء، فحينئذ لا يجب عليه القراءة، لكن لو اراد ان يقرأ يجب عليه ان يتوضأ.

الثالث: ان ينذر ان يأتى بالعمل الكذائى مع الوضوء، كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 58

ينذر ان يقرأ القرآن مع الوضوء فحينئذ يجب الوضوء و القراءة.

الرابع: ان ينذر الكون على الطهارة.

الخامس: ان ينذر ان يتوضأ من غير نظر الى الكون على الطهارة.

و جميع هذه الاقسام صحيح لكن ربما يستشكل في الخامس، من حيث ان صحته موقوف على ثبوت الاستحباب النفسى للوضوء و هو محل اشكال لكن الاقوى ذلك.

(1)

أقول:

أمّا القسم الأول:

فلا اشكال في انعقاده، لاشتماله على ما يعتبر في النذر و يجب العمل به فيجب عليه الصلاة و يجب الوضوء لها مقدمة لعدم صحة الصلاة الا به.

أمّا القسم الثاني:

ان كان المنذور ما هو ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه من انه ينذر عدم قراءة القرآن الا مع الوضوء، فهو في الحقيقة لم ينذر فعل شي ء من قراءة القرآن او الوضوء، بل نذر عدم قراءة القرآن بلا وضوء، فهذا النذر لا ينعقد لكون ترك قراءة القرآن بلا وضوء مرجوحا، اذ القراءة حتى بلا وضوء يكون راجحا، و ترك القراءة حتى بلا وضوء مرجوحا.

و إن كان المنذور هو انه اذا اراد قراءة القرآن يقرئه مع الوضوء كما يساعد عليه صدر كلامه رحمه اللّه من أنه (ينذر ان يتوضأ إذا اتى بالعمل الفلانى) ينعقد نذره لأنّه على هذا نذر فعلا راجحا و هو الوضوء حين قراءته القرآن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 59

أمّا القسم الثالث: و هو أن ينذر أن يأتى بالعمل الكذائى مع الوضوء،

كان ينذر قراءة القرآن مع الوضوء، ينعقد النذر و عليه قراءة القرآن مع الوضوء.

فيكون الفرق بين هذا القسم، و بين الصورة الثانية من القسم الثانى، ان في هذا القسم يجب عليه قراءة القرآن مع الوضوء بتحقق النذر، و ليس معلقا على ارادته القراءة، بخلاف الصورة الثانية من القسم الثاني فإنه يجب عليه الوضوء إذا اراد قراءة القرآن.

أمّا القسم الرابع: و هو ان ينذر الكون على الطهارة،

فينعقد النذر بلا اشكال لكون متعلقه راجحا.

أمّا القسم الخامس: و هو ان ينذر ان يتوضأ من غير نظر الى الكون على الطهارة،

فإن كان النظر الى الوضوء الذي هو مستحب في نفسه مقيدا بعدم قصد غاية حتى الكون على الطهارة، و بعبارة اخرى نظره في نذره الى نفس الغسلات و المسحات، فقد قدمنا عدم دليل على استحبابه، فلا ينعقد نذره لعدم كون متعلقه راجحا.

و إن كان نظره في النذر الى الوضوء المستحب، و لم يكن مقيدا بعدم قصد الكون على الطهارة، فينعقد هذا النذر، لكن هذا هو القسم الرابع و ليس مراد المؤلف رحمه اللّه هذه الصورة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 60

[مسئلة 3: حرمة مسّ كتابة القرآن بسائر اجزاء البدن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا فرق في حرمة مسّ كتابة القرآن على المحدث بين ان يكون باليد او بسائر اجزاء البدن و لو بالباطن كمسّها باللسان او بالاسنان، و الاحوط ترك المسّ بالشعر أيضا و إن كان لا يبعد حرمته.

(1)

أقول: وجه الترديد لشمول الحرمة لغير اليد او لغير الظاهر او لغير ما تحله الحياة او الشعر، ليس إلّا الانصراف و ليس منشأ الانصراف المتوهم إلّا غلبة كون المسّ باليد او بالظاهر او بما تحله الحياة، و لكن الاقوى شمول النهى لكلها لأنّ المنهى عنه هو المسّ و يصدق المسّ بكلّها، نعم في الشعر و خصوصا الطوال منه، ربما يستشكل فيه الشمول و لكن مع ذلك كما قاله المؤلّف رحمه اللّه (الاحوط ترك المسّ بالشعر أيضا و إن كان لا يبعد حرمته).

*** قوله رحمه اللّه

[مسئلة 4: لا فرق بين المسّ ابتداء او استدامة]

مسئلة 4: لا فرق بين المسّ ابتداء او استدامة فلو كان يده على الخط فاحدث يجب عليه رفعها فورا و كذا لو مسّ غفلة ثم التفت انه محدث.

(2)

أقول: لصدق المسّ على الابقاء و لوجود المناط قطعا لعدم الفرق بين احداثه و ابقائه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 61

[مسئلة 5: المسّ الماحى للخط أيضا حرام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: المسّ الماحى للخط أيضا حرام فلا يجوز له ان يمحوه باللسان او باليد الرطبة.

(1)

أقول: لاطلاق الدليل و قد مسّه على الفرض و إن كان يمحوه لأنّه بالمسّ تحقق المحو.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 61

***

[مسئلة 6: لا فرق بين انواع الخطوط و الطبع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا فرق بين انواع الخطوط حتى المهجور منها كالكوفى و كذا لا فرق بين انحاء الكتابة من الكتب بالقلم او الطبع او القص بالكاغذ او الحفر او العكس.

(2)

أقول؛ اما عدم الفرق بين انواع الخطوط لاطلاق الدليل.

و كذلك لا فرق بين انواع الكتابة للاطلاق.

نعم قد يستشكل في خصوص الحفر، و وجه الاشكال عدم تحقق مسّ الكتابة لعدم امكان مسّ محل المحفور.

و فيه، أولا، ربما يمكن المسّ مثل ما كان يكتب في محل وسيع بنحو الحفر.

و ثانيا يصدق المس على سطح المحفور لأنّه بتمامه الكتابة، فافهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 62

[مسئلة 7: لا فرق في بين الآية و الكلمة و الحرف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لا فرق في القرآن بين الآية و الكلمة بل و الحرف و إن كان يكتب و لا يقرأ كالالف في (قالوا) و (آمنوا) بل الحرف الذي يقرأ و لا يكتب إذا كتب كما في الواو الثانى من (داود) إذا كتب بواوين و كالالف في (رحمن و لقمن) إذا كتب (رحمان و لقمان).

(1)

أقول: كل ذلك لانها تعدّ من القرآن و لا يجوز مسّ القرآن بلا طهارة حتى فيما يقرأ و لا يكتب إذا كتب بنحو ما يقرأ من باب جرى رسم الخط عليه، مثل ان يكتب في بعض الخطوط المرسومة لفظ (رحمن) بلا الف، (رحمان) مع الألف، نعم لو لم يكن موافقا مع رسم الخط بل كتب غلطا فشمول اطلاق الادلة له محل اشكال من باب عدم كون هذا الحرف جزء القرآن.

***

[مسئلة 8: لا فرق بين ما كان في القرآن او في كتاب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا فرق بين ما كان في القرآن او في كتاب بل لو وجدت كلمة من القرآن في كاغذ بل او نصف الكلمة كما إذا قصّ من ورق القرآن او الكتاب يحرم مسّها أيضا.

(2)

أقول: لاطلاق الدليل و صدق مسّ القرآن حتى فيما كان بعض الكلمة منه المنفصل من القرآن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 63

و دعوى ان المحرم مس القرآن إذا كان في المصحف دعوى يضحك به الثكلى، فافهم.

***

[مسئلة 9: في الكلمات المشتركة بين القرآن و غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: في الكلمات المشتركة بين القرآن و غيره المناط قصد الكاتب.

(1)

أقول: الحق في المقام هو التفصيل.

امّا فيما لا يصدق القرآن على الكلمة او الجملة بدون قصد الكاتب، يجعله قصد الكاتب من القرآن، مثل لفظ (لا) و (موسى) و (السموات) و (الارض) و غيرها.

و أمّا فيما لا يتوقف صدق القرآن على القصد، مثل ما إذا كتب تمام سورة من سور القرآن، مثلا سورة (الحمد) بلا قصد القرآنية بل كان غافلا عند الكتابة، او آية (بسم اللّه الرحمن الرحيم) بحيث كل من يراه يقول (سورة الحمد) من القرآن او (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، من القرآن، فيحرم مسّه لأنّه مع صدق القرآن عليها يشملها ادلة حرمة مسّ القرآن.

***

[مسئلة 10: لا فرق فيما كتب عليه القرآن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ و اللوح و الارض و الجدار و الثوب، بل و بدن الانسان، فاذا كتب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 64

على يده لا يجوز مسّه عند الوضوء بل يجب محوه أوّلا ثم الوضوء.

(1)

أقول: كل ذلك لاطلاق الادلة الدالة على حرمة مسّ كتابة كتاب الكريم.

ثم كما قال لا يجوز مسّه عند الوضوء، بل يجب محوه مقدّمة ثم الوضوء، بل يجب محوه عند إرادة الحدث لأنّه لو احدث مع بقائه في يده فقد مسّ الكتاب ببدنه و هو حرام، كما يأتى في المسألة 14 ما هو مربوط بالمقام.

***

[مسئلة 11: إذا كتب على الكاغذ بلا مداد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا كتب على الكاغذ بلا مداد، فالظاهر عدم المنع من مسّه لأنّه ليس خطّا، نعم لو كتب بما يظهر اثره بعد ذلك، فالظاهر حرمته كماء البصل فإنه لا اثر له إلّا إذا احمى على النار.

(2)

أقول: أمّا فيما كتب على الكاغذ بلا مداد، فالظاهر عدم الحرمة لأنّه ليس خطّا كما قال المؤلف رحمه اللّه.

و أمّا فيما يظهر اثره بعد ذلك باعمال عمل او بدون ذلك، فيحرم المسّ لأنّ الممسوس قرآن و لو لم يرى بالحسّ فعلا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 65

[مسئلة 12: لا يحرم المسّ من وراء الشيشة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا يحرم المسّ من وراء الشيشة و إن كان الخط مرئيا و كذا إذا وضع عليه كاغذ رقيق يرى الخط تحته و كذا المنطبع في المرأة.

نعم لو نفذ المداد فى الكاغد حتى ظهر الخط من الطرف الآخر، لا يجوز مسّه خصوصا إذا كتب بالعكس فظهر من الطرف الآخر طردا.

(1)

أقول: أمّا فيما لا يمكن مسّه بلا واسطة فلعدم صدق مسّ القرآن حتى يكون محرّما.

و أمّا فيما يمكن مسّه و لو مس مقلوب الآية او الكلمة من القرآن فيحرم لصدق مسّ القرآن عليه.

***

[مسئلة 13: فى مسّ المسافة الخالية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: فى مسّ المسافة الخالية التي يحيط بها الحرف كالحاء او العين مثلا اشكال، احوطه الترك.

(2)

أقول: لا وجه له لعدم صدق مسّ القرآن عليه و ان كان الترك احوط.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 66

[مسئلة 14: في جواز كتابة المحدث آية من القرآن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: في جواز كتابة المحدث آية من القرآن باصبعه على الارض او غيرها اشكال و لا يبعد عدم الحرمة فإن الخط يوجد بعد المس.

و أمّا الكتب على بدن المحدث و إن كان الكاتب على وضوء فالظاهر حرمته خصوصا إذا كان بما يبقى اثره.

(1)

أقول: اما كتابة المحدث آية من القرآن باصبعه فمحرّم، لتحقق المسّ بكتبه و إن كان الخط بعد المسّ لعدم انفكاك كتب بعض الكلمة مع مس بعضه الآخر، لأنّه يمس بعض الكلمة حين اشتغاله بعضها الآخر.

و أمّا الكتب على بدن المحدث فمع بقاء اثره يحرم على الكاتب لكون فعله مقدمة لتحقق الحرام من الشخص الّذي يكتب على بدنه و هو محدث.

و ما يتوهم من ان المس يتوقف على الاثنينية بين الماس و الممسوس، و فى المقام ليس هكذا اذ بعد الكتب على بدن المحدث يكون الماس و الممسوس متحدا فلم يكن المس عليه حراما و بعد عدم حرمة المسّ عليه لم يكن فعل الكاتب بحرام لعدم حرمة ذى المقدمة حتى يحرم بسببه المقدمة، ليس بتمام.

اما أولا، فلانه لو كان الأمر هكذا فلم قلت فى المسألة الرابعة المتقدمة بشمول الاطلاق للمس استدامة، فإنه في المسّ استدامة لم تكن الاثنينية موجودة بين الماس و الممسوس و لم تقل فيه بالحرمة بتنقيح المناط بل بالإطلاق، فلم لا تقول في المقام.

و أمّا ثانيا، فلو منع شمول الاطلاق فيحرم فى ما كتب من القرآن ببدن

المحدث بتنقيح المناط لعدم الفرق بينه و بين ما كان الماس و الممسوس متعددا قطعا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 67

نعم فيما لم يبق اثر فى كتبه لا حرمة لعدم وجود قرآن يكون مسه حراما.

***

[مسئلة 15: لا يجب منع الاطفال و المجانين من المسّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: لا يجب منع الاطفال و المجانين من المسّ إلّا إذا كان مما يعدّ هتكا.

نعم الاحوط عدم التسبب لمسّهم و لو توضأ الصبى المميز فلا اشكال فى مسّه بناء على الاقوى من صحة وضوئه و ساير عباداته.

(1)

أقول: أمّا منع الاطفال و المجانين فغير واجب، لعدم كونهم مكلفين حتى يجب منعهم، إلّا إذا كان بحيث نعلم مبغوضية وجوده مع قطع النظر عن فاعله، فيجب المنع فى هذه الصورة على كل احد كان وليّهم او غيره و هو في صورة كون مس القرآن هتكا.

و أمّا التسبب فإن كان المراد ما هو ظاهره من كون الشخص بحيث يستند المسّ إليه مثل ان يأخذ يد الصبى او المجنون و يضعه على كتابة القرآن، فقد يقال:

فلا يبعد حرمته لكون ايجاد المسّ من الصبى بفعله.

و فيه، ان كان النظر الى شمول اطلاق ادلة حرمة المس له، فهو غير معلوم، لعدم شمول الادلة للمورد لعدم شمول ادلة حرمة المس لما يكون بيد الغير.

نعم يمكن ان يقال بحرمته بتنقيح المناط، و لهذا لو اخذ يد مكلف آخر و وضع على كتابة القرآن بحيث لا يكون الفعل مستندا الى صاحب اليد بل يكون مستند

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 68

إليه، يمكن القول بكونه حراما.

و إن كان النظر الى وجوب صرف مناولتهم لكتاب الكريم المترتب عليه المس كثيرا فلا دليل عليه، خصوصا فى الاطفال لامكان دعوى السيرة على خلاف ذلك،

لان السيرة على اعطائهم و مناولتهم كتاب الكريم للتعلم مع المعرضية لمسهم.

نعم بالنسبة الى المجانين ربما يكون مناولتهم و اعطائهم الكتاب الكريم معرضا للهتك به و لهذا لا يجوز.

و أمّا الصبى المميز لو توضأ لا اشكال فى جواز مسه بناء على مشروعية عباداته و صحة وضوئه.

***

[مسئلة 16: لا يحرم على المحدث مسّ غير الخط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: لا يحرم على المحدث مسّ غير الخط من ورق القرآن حتى بين السطور و الجلد و الغلاف نعم يكره ذلك كما يكره تعليقه و حمله.

(1)

أقول: أمّا عدم حرمة مس غير الخط منه من ورق القرآن حتى بين السطور و الجلد و الغلاف، فلعدم الدليل على حرمة مسّه، و لو شككنا في حرمته فمقتضى اصالة البراءة عدم الحرمة.

و أمّا كراهة مس هذه الاشياء، فما وجدنا دليلا على كراهته، نعم يمكن ان يستدل على كراهة تعليقه بالرواية التي رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 69

أبي الحسن عليه السّلام (قال المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا و لا تمس خطه و لا تعلقه ان الله تعالى يقول لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «1» بناء على حمل النهى في قوله لا تعلقه على الكراهة.

أقول: لو لم نقل بحرمة تعليق القرآن عملا بظاهر النهى لعدم القول به، فلا يمكن ان نقول بكراهته، بل يقال ان الرواية من هذا الحيث غير معمول بها، فلم نجد دليلا على كراهته.

***

[مسئلة 17: ترجمة القرآن ليست منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: ترجمة القرآن ليست منه باى لغة كانت، فلا بأس بمسّها على المحدث. نعم لا فرق في اسم الله تعالى بين اللغات.

(1)

أقول: اما عدم حرمة مس ترجمته، فلكون القرآن اسما لهذه الالفاظ المخصوصة النازلة من اللّه الكريم الى نبيه العظيم، فلا يعم كل ما هو حاك عن معانى هذه الالفاظ.

و أمّا حرمة مسّ اسم اللّه تعالى بأىّ لغة كان فهو لكونه في كل لغة اسم اللّه و يحرم مسّه على المحدث بأى لغة كان.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 70

[مسئلة 18: لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن و إن كان يابسا لأنّه هتك و أمّا المتنجس فالظاهر عدم الباس به مع عدم الرطوبة فيجوز للمتوضى ان يمسّ القرآن باليد المتنجسة و إن كان الاولى تركه.

(1)

أقول: الميزان فى الحرمة كون الوضع هتكا و ربما يكون الأمر كذلك من جهة النجس فإن وضع النجس عليه يعدّ هتكا عند العرف.

كما ان في المتنجس ربما يعدّ هتكا و إن لم يكن مسريا و لم يكن فيه رطوبة، نعم غالبا لا يعدّ هتكا كما أنه ربما يكون وضع القذر العرفى و لو لم يكن بنجس و لا متنجس هتكا.

***

[مسئلة 19: إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث اكله و أمّا للمتطهر فلا بأس خصوصا إذا كان بنية الشفاء او التبرك.

(2)

أقول: أمّا عدم جواز اكل لقمة الخبز المكتوب فيها آية القرآن للمحدث، فمورده ما يتحقق بأكله مس جزء من ظاهر بدنه او باطنه قبل تفرق اجزائها و هيئتها معه، لما قلنا من عدم فرق بين مسه بظاهر بدنه او بباطنه.

و أمّا فيما لا يوجب اكلها مس كتابة القرآن لجزء من بدنه، فلا يحرم اكله للمحدث و أمّا للمتطهر فلا بأس خصوصا للشفاء او التبرك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 71

فصل: في الوضوءات المستحبّة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 73

قوله رحمه اللّه

فصل في الوضوءات المستحبة

[مسئلة 1: الأقوى كون الوضوء مستحبّا في نفسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الأقوى كما اشير إليه سابقا كون الوضوء مستحبّا في نفسه، و إن لم يقصد غاية من الغايات حتى الكون على الطّهارة و إن كان الأحوط قصد احداها.

(1)

أقول: قد عرفت في الفصل السابق عدم دليل على استحباب الوضوء في نفسه بدون قصد غاية من غاياته الواجبة او المستحبة.

***

[مسئلة 2: الوضوء المستحب أقسام:]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الوضوء المستحب أقسام:

أحدها: ما يستحب في حال الحدث الأصغر فيفيد الطهارة منه.

الثاني: ما يستحب في حال الطهارة منه كالوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 74

التجديدى.

الثالث: ما هو مستحب في حال الحدث الاكبر و هو لا يفيد طهارة، و انما هو لرفع الكراهة او لحدث و كمال في الفعل الذي يأتى به كوضوء الجنب للنوم و وضوء الحائض للذكر في مصلّاها.

أمّا القسم الأول: فلامور:

الأول: الصلوات المندوبة و هو شرط فى صحتها أيضا.

الثاني: الطواف المندوب و هو ما لا يكون جزء من حج او عمرة و لو مندوبين، و ليس شرطا في صحته نعم هو شرط في صحة صلاته.

الثالث: التهيّؤ للصلاة في أول وقتها او اوّل زمان امكانها إذا لم يمكن اتيانها في اوّل الوقت، و يعتبر ان يكون قريبا من الوقت او زمان الامكان بحيث يصدق عليه التهيؤ.

الرابع: دخول المساجد.

الخامس: دخول المشاهد المشرّفة.

السادس: مناسك الحجّ مما عدا الصلاة و الطواف.

السابع: صلاة الاموات.

الثامن: زيارة اهل القبور.

التاسع: قراءة القرآن او كتبه او لمس حواشيه او حمله.

العاشر: الدعاء و طلب الحاجة من اللّه تعالى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 75

الحادي عشر: زيارة الائمة عليهم السّلام و لو من بعيد.

الثاني عشر: سجدة الشكر او التلاوة.

الثالث عشر: الاذان و الاقامة، و الاظهر شرطيته في الإقامة.

الرابع عشر: دخول الزوج على الزوجة

ليلة الزفاف بالنسبة الى كل منهما.

الخامس عشر: ورود المسافر على اهله فيستحب قبله.

السادس عشر: النوم.

السابع عشر: مقاربة الحامل.

الثامن عشر: جلوس القاضى في مجلس القضاء.

التاسع عشر: الكون على الطهارة.

العشرين: مسّ كتابة القرآن في صورة عدم وجوبه، و هو شرط في جوازه كما مر، و قد عرفت ان الاقوى استحبابه نفسيا أيضا.

و أمّا القسم الثاني: فهو الوضوء للتجديد، و الظاهر جوازه ثالثا و رابعا فصاعدا أيضا.

و أمّا الغسل فلا يستحب فيه التجديد بل و لا الوضوء بعد غسل الجنابة و إن طالت المدة.

و أمّا القسم الثالث: فلامور:

الأول: لذكر الحائض فى مصلاها مقدار الصلاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 76

الثاني: لنوم الجنب و اكله و شربه و جماعه و تغسيله الميت.

الثالث: لجماع من مسّ الميت و لم يغتسل بعد.

الرابع: لتكفين الميّت او دفنه بالنسبة الى من غسّله و لم يغتسل غسل المسّ.

(1)

أقول: ذكر المؤلّف رحمه اللّه للوضوء المستحب اقساما ثلاثة:

القسم الأول. ما يستحب في حال الحدث الاصغر، فيفيد الطهارة منه.
اشارة

و ذكر لهذا القسم موارد:

المورد الأول: الصلوات المندوبة

و الوضوء شرط في صحتها لأنّه لا صلاة الا بطهور فاطلاق ادلة اعتبار الطهارة في الصلاة يشمل الصلوات المستحبة.

و من اشتراطها به يستفاد استحباب الوضوء لها، لأنّه بعد استحباب الصلوات المندوبة لانها قربان كل تقى و اشتراطها بالطهارة يستحب الوضوء لأنّ مقدمة المستحب مستحب.

المورد الثاني: الطواف المندوب

و هو ما لا يكون جزءا من حجّ او عمرة و لو مندوبين و ليس شرطا في صحته، نعم انما هو شرط صحة صلاته، اما استحبابه للطواف المندوب فيستدل عليه ببعض الأخبار:

مثل الرواية التى رواها علي بن الفضل الواسطى عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: إذا طاف الرجل بالبيت و هو على غير وضوء فلا يعتدّ بذلك الطواف، و هو كمن لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 77

يطف) «1»، بدعوى ان اطلاق الطواف يشمل المندوب كالواجب.

و فيه، انه يظهر للمراجع في اخبار الباب ان بعض الروايات الدال على اعتبار الوضوء و إن كان مطلقا يشمل الواجب من الطواف و مندوبه، و بعضها من حيث عدم اعتبار الوضوء فيه و ان كان مطلقا يشمل الواجب و المستحب من الطواف.

لكن بقرينة الرواية التى رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه قال:

لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ و يصلى، فإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضّأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف) «2»، يحمل ما دل على اشتراط الطواف بالطهارة على الطواف الواجب.

مضافا الى امكان منع الاطلاق من رأس، و أن الظاهر من الطائفة الدالة على اعتبار الوضوء في الطواف، هو الطواف الواجب.

ثم إنه لا يبعد القول باستحباب الوضوء

للطواف المستحب بهذه الرواية، لأنّ نفى البأس من الطواف النافلة بغير وضوء يكون دفعا لتوهم الوجوب و المنع عنه بغير وضوء، فمن هنا يستفاد رجحان الوضوء فيه، فيمكن القول بالاستحباب برواية عبيد بن زرارة، نعم ليس شرطا فيه كما يستفاد من هذه الرواية.

و أمّا التمسك لاستحبابه بقوله عليه السّلام (الطواف بالبيت صلاة).

ففيه، ان كون الطواف بمنزلة الصلاة في جميع الاحكام غير معلوم.

مضافا الى أنه لو التزمنا بالتنزيل و كونه بمنزلة الصلاة في اعتبار الطهارة

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 38 من أبواب الطواف من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 38 من أبواب الطواف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 78

حتى فى مستحبه مثل الصلاة، يلزم كون الطهارة شرطا حتى في الطواف المستحب، و هذا مما لا يمكن الالتزام به لدلالة بعض الأخبار مثل ما قدّمنا من رواية زرارة على عدم اشتراط الطواف المستحب بالوضوء، فلو كان لسان رواية المعروفة (الطواف بالبيت صلاة) التنزيل حتى في اعتبار الطهارة في الطواف المستحب، نرفع اليد عن اطلاق التنزيل بقرينة رواية عبيد بن زرارة.

نعم ما يمكن ان يذكر وجها لاستحباب الوضوء في الطواف المندوب، ما يدعى من الاجماع بل الضرورة على استحبابه، و من اراد الاحتياط بحيث يحفظ معه الواقع يأتى به رجاء و باحتمال المطلوبية، لأنّه لو كان مستحبا واقعا اتى به، و إن لم يكن مستحبا فاتيانه بعنوان الرجاء لا يوجب التشريع.

و أمّا اشتراط صلاة الطواف حتى الطواف المستحب بالوضوء فلما دل على اشتراطه في كل صلاة بنحو الاطلاق و لبعض الأخبار في خصوص صلاة الطواف كالرواية المتقدمة.

المورد الثالث: التهيؤ للصلاة في أول وقتها

او اوّل زمان امكانها إذا لم يمكن اتيانها في أول الوقت.

قد ذكروا وجوها لاستحبابه فى

هذا المورد:

الأول: المرسل الّذي رواها الشهيد رحمه اللّه في الذكرى على ما حكى عنه قال:

(روى ما وقّر الصلاة من اخّر الطهارة حتى يدخل الوقت).

الثاني: بعض الأخبار الدال على استحباب ايقاع الصلاة في اوّل الوقت، و بعد استحباب ذلك يستحب الوضوء لأن يتهيّأ للصلاة في أول الوقت.

الثالث: الأمر بالمسارعة الى الخير و الاستباق به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 79

و أورد على الأول، بكونها ضعيفة السند لارسالها.

و على الثاني، بأنا لا نرى للوضوء المقدّم على الوقت غير الكون على الطهارة عنوانا آخر مشروعا.

و على الثالث، بأن الآية الشريفة يأمر بالمسارعة الى الخير، فلا بد من تحقق كونه خيرا حتى يكون المطلوب المسارعة نحوه، و هذا في المقام اوّل الكلام، لأنّ كون الوضوء للتهيؤ خيرا قبل الوقت فرع مشروعيته و هذا غير معلوم.

أقول: أمّا المرسل فحيث ان مرسله هو الشهيد رحمه اللّه و كما سمعنا غير مرة من استادنا الاعظم آية اللّه العظمى البروجردي (اعلى اللّه تعالى مقامه الشريف) ما وصل بيد مثل الشهيد رحمه اللّه من المتأخرين من الكتب، ليس مما لم يصل إلينا حتى يمكن الاتكاء به مع عدم وجوده في كتب الحديث فالمرسل ضعيفة السند.

و لا مجال لأن يقال يجبر ضعفه بالعمل، لعدم عبرة بعمل من تأخر عن الشهيد رحمه اللّه بل العمل الجابر هو عمل القدماء عليهم السّلام.

و أمّا ما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت.

فاعلم ان الروايات الدالة عليه كثيرة حتى ظاهر بعضها وجوب المبادرة في اوّل الوقت و عدم جواز التأخير من اوّل الوقت الا لعذر (و إن كان يحمل الأمر بقرينة ما عداه على استحباب المبادرة او كراهة التأخير او كليهما) فاذا كان المطلوب و لو

استحبابا اتيان الصلاة في أول الوقت و هي مشروطة بالوضوء، فقهرا يكون المطلوب الوضوء قبل الوقت للتهيّؤ لها، فلا مانع من الالتزام باستحباب الوضوء بهذا العنوان، هذا كله بالنسبة الى استحبابه قبل الوقت.

و امّا استحبابه قبل اوّل زمان امكان اتيان الصلاة إذا لم يمكن اتيانها في أول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 80

الوقت.

فنقول، لا يبعد استحبابه بنحو ما قلنا فى استحبابه قبل الوقت للتهيؤ، بناء على استحباب المبادرة الى الصلاة في الوقت، فيقال و إن كان الوقت موسّعا للصلاة لكن المبادرة الى الصلاة من اوّل الوقت مطلوب، فإن تركها في أول الوقت ففي ما بعده مطلوب استحبابا، و هكذا فاذا كان كذلك فقهرا يكون الوضوء و المبادرة إليه مستحب، لأنّ مقدمة المندوب مندوب، و بناء على هذا لا اختصاص لاستحبابه للتهيّؤ لاداء الصلاة فى أول زمان امكانها إذا لم يمكن اتيانها فى أول الوقت بل كلما تكون المبادرة الى الصلاة مستحبا تكون المبادرة الى الوضوء مستحبا.

و أمّا اعتبار كون استحبابه للتهيّؤ قريبا من الوقت او قريبا من زمان امكان الصلاة، فلا يبعد ذلك لدخل عنوان التهيّؤ ذلك، فلا معنى للوضوء تهيّئا اوّل طلوع الشمس لصلاة الظهر.

المورد الرابع: دخول المساجد.

يستدل على استحبابه بالرواية التى رواها مرازم بن حكيم عن الصادق جعفر بن محمد عليهم السّلام (انه قال عليكم باتيان المساجد فانها بيوت اللّه في الأرض من أتاها متطهرا طهره اللّه من ذنوبه و كتب من زوّاره) «1».

و بالرواية التى رواها كليب الصيداوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: مكتوب في التورية ان بيوتى في الارض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارنى في بيتى، ألا إن على المزور كرامة الزائر) «2» و

غير ذلك.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 10 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 81

المورد الخامس: استحبابه لدخول المشاهد المشرّفة.

و لم اجد نصّا يدل عليه لكن يستدل عليه تارة بما يستفاد من بعض النصوص من انها بيوت اللّه.

و تارة بما روى من كون سرّ فضل المسجد وجود قبر نبى او وصى فيها.

و تارة بتنقيح المناط بل الاولوية.

أمّا كونها بيوت اللّه او كون سرّ صيرورة موضع مسجدا وجود قبر نبى او وصى على فرض تماميته لا يوجب كون المشاهد المشرفة مثل المساجد في هذا الحكم، اى استحباب الوضوء للدخول فيها.

و كذلك الاولوية غير معلوم.

نعم لا يبعد كون الملاك في استحباب الوضوء احترام المساجد، فالمشاهد المشرّفة مثلها.

المورد السادس: مناسك الحج مما عدى الصلاة و الطواف.

يدل عليه الرواية التى رواها معاوية بن عمار قال: (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

لا بأس ان يقضى المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل) «1».

المورد السابع: استحبابه لصلاة الاموات.

يدل عليه الرواية التى رواها الحميد بن سعد (قال: قلت لابى الحسن عليه السّلام:

الجنازة خرج بها و لست على وضوء، فإن ذهبت أتوضأ فاتتنى الصلاة أ تجزينى ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 82

اصلى عليها و انا على غير وضوء؟ فقال: تكون على طهر احبّ إليّ) «1».

المورد الثامن: زيارة اهل القبور.

لم أر نصا يدل على استحبابه لزيارة اهل القبور، الا ما حكى من تصريح الشهيد الثانى رحمه اللّه في شرح النفلية، و هذا لا يكفى للالتزام باستحبابه، نعم لا بأس به رجاء، هذا بالنسبة الى زيارة قبور المؤمنين بنحو المطلق.

و أمّا فى زيارة المعصومين عليهم الصلاة و السلام، فهو مستحب كما يظهر من بعض الزيارات الماثورة كون الغسل مستحبا.

و يكفى في استحباب الوضوء لزيارتهم عليهم السّلام ما قلنا من استحباب الوضوء للدخول في بقاعهم المتبركة و لا وجه لاحترام بقاعهم الا باعتبارهم صلوات اللّه عليهم.

المورد التاسع: استحبابه لقراءة القرآن او كتبه او لمس حواشيه او حمله.

أمّا استحبابه لقراءته فيدل عليه الرواية التى رواها محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: سألته اقرأ المصحف ثم يأخذنى البول، فاقوم فابول و أستنجي و اغسل يدى و اعود الى المصحف فاقرأ فيه؟ قال: لا حتى تتوضأ للصلاة) «2».

و الرواية التى رواها محمد بن علي بن الحسين فى الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال: لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب قراءة القرآن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 83

يتطهر) «1» و ظاهرهما و إن كان النهى عن قراءته بلا طهارة و هو يفيد التحريم.

لكن يحمل النهى على الكراهة لما فى رواية حريز و أبي بصير المذكورين في كتاب جامع احاديث الشيعة، و الرواية ابن فهد المذكورة في الباب المذكور من (ل) نقلنا فى الفصل السابق عند التعرض لما يكون الوضوء شرطا فى كماله كقراءة القرآن، (فراجع).

لكن حيث يكون المستفاد من رواية حريز و أبي بصير الجواز

بلا وضوء و يكون مقتضى الجمع بينهما و بين ما ظاهره التحريم بلا وضوء، هو الجواز مع الكراهة.

و كذا يستفاد من مرسل ابن فهد كون القراءة بلا وضوء اقل ثوابا من قراءته مع الوضوء، و هذا معنى الكراهة، لان الكراهة فى العبادة اقلية الثواب، فتكون النتيجة كراهية القراءة بلا وضوء، و اما استحباب قراءته مع الوضوء، فلا دليل عليه، الّا ان يقال بان المستفاد كون الوضوء رافعا للكراهة، فيكون الوضوء مستحبا لرفع الكراهة.

و أمّا استحباب الوضوء لكتب القرآن، فيستدل عليه بالرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (انه سال عن الرجل أ يحلّ له ان يكتب القرآن في الالواح و الصحيفة و هو على غير وضوء؟ قال: لا) «2» و ظاهرها تحريم الكتب بغير وضوء إلّا ان يحمل النهى على الكراهة لعدم قائل بحرمته.

و لو حمل النهي فيها على الكراهة فالرواية تدل على كراهة كتبه بغير وضوء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب مسّ قراءة القرآن من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 84

و كذا على استحباب الوضوء لكتبه بعنوان كونه رافع الكراهة.

مضافا الى انه من المحتمل كون مورد النهى صورة استلزام الكتابة مسّ القرآن فيكون محرّما بلا وضوء، كما هو ظاهر النهى، فلم اجد دليلا يمكن الاتكاء به دالا على استحباب الوضوء لكتبه فيما لا يوجب الكتب مس كلماته الشريفة، نعم لا بأس لوضوء له رجاء و باحتمال مطلوبيته.

و أمّا استحبابه لمس حواشيه او حمله فيستدل بالرواية التى رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: المصحف لا تمسه على

غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطّه و لا تعلقه، ان اللّه تعالى يقول: (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). «1»

أقول: أمّا في الوسائل طبع امير بهادر، ذكر (و لا تمسّ خطّه) اى كلماته، لكن في جامع احاديث الشيعة روى الحديث فذكر (و لا تمسّ خيطه).

فإن كان الصادر (خطه) فتدل على عدم جواز مس خطّ القرآن بلا طهارة.

و إن كان الصادر (خيطه) تدل على عدم جواز مس خيط يخاط به القرآن، فيقال ان الخيط من حواشى القرآن فلا يجوز مس مطلق حواشيه بلا وضوء، و لكن بعد اختلاف النسخ، فلا ندرى ما هو الصادر عن المعصوم عليه السّلام فلا يمكن الاستدلال على استحباب الوضوء لمس حواشى القرآن بهذه الرواية.

و أمّا استحبابه لحمله، يتمسك له بقوله عليه السّلام في الرواية المذكورة (و لا تعلّقه) لأنّ التعليق يوجب الحمل.

و فيه، أوّلا ان تم الاستدلال بهذا الوجه لا بدّ من القول بتحريم الحمل بدون الوضوء.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 85

إلّا ان يقال بكراهته لعدم القول بالحرمة، فعلى هذا يوجب ذلك كراهة الحمل بدون الوضوء لا استحباب الوضوء لحمله.

و ثانيا، حمل الشي ء غير تعليقه و تكون النسبة بينهما عموم من وجه، فلا تدل الرواية على النهى عن مطلق الحمل حتى فيما لا يكون بنحو التعليق، فاذا لا دليل على استحباب الوضوء لكتب القرآن و لمس حواشيه و لحمله، نعم لا بأس به رجاء.

و بعد عدم الدليل على استحبابه لها لا يوجب الوضوء الطهارة لو اتى بقصد احدها.

المورد العاشر: استحبابه للدعاء و طلب الحاجة من اللّه تعالى.

و قيل يمكن استيناس استحبابه من الرواية التي رواها معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فاذا اراد ذلك قدم شيئا فتصدق به و شم شيئا من طيب و راح الى المسجد و دعا فى حاجته بما شاء اللّه) «1» بدعوى أن التصدق و شم الرائحة و الذهاب الى المسجد إذا كان مستحبا عند الدعاء و طلب الحاجة، فالوضوء و الطهارة بطريق الاولى

و فيه، أن ذلك كما قيل استيناس و ليس بدليل فلم اجد ما يدلّ على استحبابه عند الدعاء و طلب الحاجة منه تعالى.

المورد الحادى عشر: استحبابه لزيارة الائمة عليهم السّلام و لو من البعيد.

يتمسّك على استحبابه بما في النصوص الكثيرة من استحباب الطهارة لزيارتهم.

المورد الثاني عشر: استحبابه لسجدة الشكر و التلاوة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الدعاء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 86

أمّا استحبابه لسجدة الشكر، يدل عليه ما رواها عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من سجد سجدة الشكر لنعمة و هو متوضئ كتب اللّه له بها عشر صلوات و محا عنه عشر خطايا عظام) «1».

أمّا استحبابه لسجدة التلاوة.

يستدلّ عليه بالرواية التى رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قال:

إذا قرء شي ء من العزائم الاربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّى، و ساير القرآن انت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد). «2»

و فيه، انه لا يستفاد منها استحباب الوضوء لا للقاري و لا للمستمع، بل يدل على المبادرة باتيان السجدة للمستمع و إن كان على غير وضوء.

و الرواية التى رواها الحلبى (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء؟ قال: يسجد إذا كان من العزائم) «3» تدل على وجوب الاتيان بالسجدة و لم يندب الوضوء قبلها.

بل يمكن أن يقال بأن المقصود إن كان استحباب الوضوء قبل اتيان السجدة لمن قرء آية السجدة او استحبابه في السجدة لمن سمع الآية. فنقول: مضافا الى عدم وجود دليل على الاستحباب قد يقال: بعدم مطلوبيته لأنّ الاشتغال بالوضوء ينافى وجوب السجدة فورا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب سجدة اللّه الشكر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب قراءة القرآن و لو فى غير الصلاة من

الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب قراءة القرآن و لو فى غير الصلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 87

و إن كان المقصود استحباب الوضوء لمن يريد أن يقرأ آية السجدة، فقد عرفت عدم الدليل على استحباب الوضوء، إلّا أن يقال: بأنه بعد كون الوضوء رافعا للكراهة يكون مستحبا لاجل هذا العنوان كما عرفت.

المورد الثالث عشر: استحبابه للاذان و الاقامة.

أمّا استحبابه للاقامة بل شرطيته لها فتدل عليه الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه قال: تؤذّن و انت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا و أينما توجّهت، و لكن إذا اقمت فعلى وضوء متهيئا للصلاة). «1»

و الرواية التي رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس أن يؤذّن الرجل من غير وضوء، و لا يقيم الا و هو على وضوء) «2» و غيرهما، ففي الاقامة الطهارة شرط كما افاد المؤلّف رحمه اللّه.

و أمّا في الأذن، فمقتضى الخبرين و بعض الاخر من الأخبار عدم الباس بإتيانه بلا وضوء.

و قد يستدل على استحبابه للاذان بالنبوى (حق و سنة أن لا يؤذن احد الا و هو طاهر). «3»

و بما روى عن دعائم الاسلام (لا بأس أن يؤذن الرجل على غير طهر و يكون على طهر افضل، و لا يقيم الا على طهر) «4» و يجبر ضعف سندهما بمطابقتهما مع فتوى الأصحاب لأنّه عليه فتوى الاصحاب كما عن السرائر.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2) الرّواية 2 من الباب 9 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3) كنز العمّال، ج 4، ص 267.

(4) الرّواية 2 من الباب 8 من ابواب الاذان و الاقامة

من مستدرك الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 88

المورد الرابع عشر: استحبابه لدخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بالنسبة الى كل منهما.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها أبو بصير (قال: سمعت رجلا و هو يقول لابي جعفر عليه السّلام: انّى رجل قد اسننت و قد تزوجت امرأة بكرا صغيرا و لم أدخل بها و انا اخاف إذا دخلت عليّ فراتنى أن تكرهنى لخضابى و كبرى. فقال: أبو جعفر عليه السّلام إذا دخلت فمرها قبل أن تصل أليك أن تكون متوضئة، ثم انت لا تصل إليها حتى توضأ وصل ركعتين، ثم تحمد اللّه و صل على محمد و آل محمد، ثم ادع اللّه و مر من معها أن يؤمنوا على دعائك، و قل: اللهم ارزقنى الفها و ودّها و رضاها و ارضنى بها و اجمع بيننا باحسن اجتماع و انس و ايتلاف إنك تحبّ الحلال و تكره الحرام) «1».

و قد اورد على الاستدلال بها لاستحباب الوضوء لمطلق دخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بأنها وردت في مورد خاص، فلا بدّ على الاقتصار بالمورد، فلا وجه للتعدى.

و قيل جوابا، بأنه لا خصوصية للمورد بل الغرض حصول الايتلاف و الوداد بينهما، فلا فرق بين كون الزوج مسنّا أو لا، و كذلك لا فرق في الزوجة بين كونها صغيرة او كبيرة، و لا يبعد ذلك.

كما أن الاشكال بأن استحباب الوضوء لعله يكون للصلاة ركعتين، لا لمطلوبيته للدّخول على الزوجة قابل الدفع، لأنّه بالنسبة الى الزوجة ما أمر بالصلاة ركعتين، و الظاهر كون الوضوء مطلوبا بنفسه و لا من باب كونه مطلوبا من باب أن الدعاء في هذا الحال يقع مع الطهارة، بل الظاهر كون كل هذه الاعمال مطلوبا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 55 من ابواب مقدمات النكاح و

آدابه من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 89

لحصول الودّ و الالفة و هذا يكفى في استحبابه، فتامل.

المورد الخامس عشر: استحبابه لورود المسافر على اهله

فيستحبّ قبله.

و يستدل على ذلك بالرواية التى رواها مرسلا فى المقنع عن الصادق عليه السّلام (من قدم من سفر فدخل على أهله و هو على غير وضوء و راى ما يكره، فلا يلو منّ الا نفسه).

و هذه الرواية كما ترى تدل على كراهة القدوم بلا وضوء، إلّا أن يقال بأن الوضوء يرفع به الكراهة فيستحب لاجل هذا العنوان و لكن العمدة ضعف سند المرسلة فلا بأس به رجاء.

المورد السادس عشر: استحبابه للنوم.

يدل عليه الرواية التي رواها محمد بن كردوس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من تطهر ثم أوى الى فراشه بات و فراشه كمسجده) «1» و غير ذلك.

المورد السابع عشر: استحبابه لمقاربة الحامل.

يدل عليه الرواية التي رواها محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبي سعيد الخدرى في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلى عليه السّلام (قال: يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلّا و انت على وضوء، فانه إن قضى بينكما ولد يكون اعمى القلب بخيل اليد) «2».

المورد الثامن عشر: استحبابه في جلوس القاضى لمجلس القضاء.

و لم اجد نصّا عليه إلّا ما حكى عن بعض الفقهاء فلا بأس به رجاء.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 90

المورد التاسع عشر: استحبابه للكون على الطهارة.

و قد مرّ في الفصل السابق استحباب الوضوء للكون على الطهارة.

المورد العشرون: استحبابه لمسّ كتابة القرآن

في صورة عدم وجوبه و هو شرط في جوازه كما مرّ بناء على استحباب مسّه حتى يكون الوضوء له مستحبا.

و يمكن أن يستدل على استحباب مسّه رجحان التبرك بمسّه بيده و وجهه و تقبيله، فتأمل.

و أمّا ما قال المؤلف رحمه اللّه بعد ذكر هذه الموارد بأنه قد عرفت استحباب الوضوء نفسيا، فنقول قد عرفت عدم وجود دليل على استحبابه نفسا (راجع الفصل السابق).

أمّا القسم الثانى: من اقسام الوضوءات المستحبة، فهو الوضوء للتجديد.
اشارة

و الكلام فيه في جهات:

الجهة الاولى: في استحباب الوضوء التجديدي.

يدل عليه الرواية التي رواها المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من جدّد وضوئه لغير حدث جدّد اللّه توبته من غير استغفار) «1».

و الرواية التي رواها ابو على الاشعرى عن بعض اصحابنا عن اسماعيل بن مهران عن صباح الحذاء سماعة (قال: كنت عند أبي الحسن عليه السّلام فصلّى الظهر و العصر بين يدي، و جلست عنده حتى حضرت المغرب، فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة، ثم قال لى: توضّأ. فقلت: جعلت فداك انا على وضوء. فقال: و إن كنت على وضوء، إن

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 8 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 91

من توضأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه فى يومه إلّا الكبائر، و من توضأ للصبح كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلّا الكبائر) «1» و غير ذلك فلا اشكال في الجملة في استحبابه.

الجهة الثانية: هل يكون استحبابه مرة واحدة

مثلا إذا توضأ يستحب تجديده مرة واحدة او يستحب و لو كان الف مرة و ازيد.

الاقوى استحبابه مطلقا و لو كان الف مرة لاطلاق الرواية الاولى.

الجهة الثالثة: لا يستحب الغسل التجديدى

لعدم دليل على مشروعيته.

و قد يقال بدلالة الرواية التي رواها سعدان عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الطهر على الطهر عشر حسنات) «2» على استحبابه، لأنّ الغسل طهر فيستحب الغسل على الغسل و هو الغسل التجديدى.

لكن فيه:

أمّا أولا: كون الرواية ضعيفة السند لعدم معلومية بعض الاصحاب الذي روى عنه سعدان.

و أمّا ثانيا: بعد كون ظاهر الاصحاب اختصاص المشروعية بالوضوء بعد الوضوء بقصد التجديد، يمكن كون المنشأ عدم اعتبار الرواية او اجمال الطهر و كان المتيقن هو الوضوء، و أمّا شموله للغسل فغير معلوم، و الاصل عدم مشروعيته بعد عدم دليل على مشروعيته.

الجهة الرابعة: كما لا يستحب تجديد الغسل بعد الغسل،

كذلك لا يستحب

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 92

الوضوء بعد غسل الجنابة و إن طالت المدة.

و دعوى شمول اطلاق رواية المفضل المتقدمة له و كذلك اطلاق رواية سعدان فاسد، لانه لا اطلاق لرواية المفضل بل الظاهر منه الوضوء على الوضوء، لا الوضوء على الغسل.

و أمّا رواية سعدان فقد عرفت الاشكال فيه بارسالها و اجمالها.

و أمّا الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال امير المؤمنين عليه السّلام: الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا) «1»، فإن قلنا باجمال الطهور و إن المتيقن كما هو ظاهر الاصحاب هو الوضوء و تشريع الوضوء التجديدى بعد الوضوء فقط فلا تدل على استحباب الوضوء بعد الغسل.

و إن قلنا بعدم اجماله، فتارة يقال بأنه لا بدّ من تخصيص الطهور او تقييده فيها بخصوص الوضوء، لان الوضوء بعد غسل الجنابة بدعة.

و تارة يقال بأن نفي تشريع

الوضوء يكون لحدث الجنابة و إن حدث الجنابة ارتفع بالغسل و لا وضوء له.

و أمّا للتجديد فغير منفى، فلا يدل الدليل على نفى مشروعية الوضوء حتى للتجديد.

فإن قلنا بالاول، نقول بعدم مشروعية الوضوء بعد الغسل.

و إن قلنا بالثانى، فيقال باستحبابه.

و يحتمل قويا كون النظر فى بعض ما ورد من عدم الوضوء بعد غسل الجنابة

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 8 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 93

الى عدم الوضوء لحدث الجنابة، لا نفى مشروعيته حتى بقصد تجديد الطهارة، لكن مع ذلك لعدم القول به و احتمال اجمال الرواية الاحوط وجوبا ترك الوضوء التجديدى بعد الغسل.

أمّا القسم الثالث: من اقسام الوضوءات المستحبة فلامور:
الأمر الأول: لذكر الحائض في مصلاها مقدار الصلاة
اشارة

كما هو المشهور.

يدل عليه الرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: و كنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يقضين الصلاة إذا حضن و لكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة و يتوضين ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن اللّه عزّ و جل) «1».

و الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها الصلاة، و عليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر اللّه عزّ و جل و تسبّحه و تهلّله و تحمده كمقدار صلاتها، ثم تفرغ لحاجتها) «2».

و الرواية التي رواها زيد الشحام (قال، سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ينبغى للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثم تستقبل القبلة و تذكر اللّه مقدار ما كانت تصلّى) «3».

و الرواية التي رواها محمد بن مسلم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة

و تذكر اللّه؟ قال: أمّا الطهر فلا و لكنّها تتوضأ وقت الصلاة ثم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 40 من أبواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 94

تستقبل القبلة و تذكر اللّه تعالى) «1».

و الرواية التي رواها معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: تتوضأ المرأة الحائض إذا ارادت أن تأكل، و إذا كان وقت الصلاة توضات و استقبلت القبلة و هلّلت و كبّرت و تلت القرآن و ذكرت اللّه عزّ و جلّ) «2».

ثم إنه بعد مطلوبية الوضوء و ذكر اللّه في اوقات الصلاة للحائض يقع الكلام فى موردين:

المورد الأول: هل تكون مطلوبيته بنحو الاستحباب

كما عليه المشهور، او بنحو الوجوب كما حكى عن الصدوقين رحمه اللّه.

أقول: الظاهر من بعض الروايات المتقدمة و إن كان الوجوب بمقتضى قوله (عليها) كما في الرواية الثانية او قوله (توضأ) او (توضأت) كما في الرابعة و الخامسة، إلّا أنه بعد كون المتوهم ممنوعية الحائض عن العبادة، لا يبعد كون الأمر فى مقام دفع توهم الحظر فاذا لا يستفاد منه الوجوب.

كما أن قوله عليه السّلام في الرواية الثالثة (ينبغى للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة) يوهن ظهور الروايات الثلاثة في الوجوب، و الرواية الاولى حيث تكون فى مقام بيان فعل نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا يستفاد منها الا رجحان فعلهن، و أمّا وجوب ذلك فلا، مضافا الى اعتضاد الاستحباب بفتوى المشهور فهو أيضا مؤيّده.

المورد الثاني: هل المستحب ذكر اللّه للحائض مع الوضوء بقدر زمان صلاته، فلو كان ازيد او انقص منه

لا تدل الأخبار المتقدمة على استحباب الوضوء،

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 95

او يكون الوضوء مستحبا مطلقا لذكرها اللّه تعالى؟

و على تقدير الاختصاص بمقدار الصلاة، هل الميزان مقدار صلاتها قبل أن تحيض، او مقدار صلاتها في حال الحيض لو لم تكن حائضا، مثلا لو كانت قبل الحيض حاضرا و تكون في زمان حيضه مسافرا فالعبرة بزمان قبل الحيض فكان زمان صلاتها اطول لوجوب اربع ركعات عليها، او العبرة زمان حيضها لو لم تكن حائضا فهي حيث تكون في الفرض مسافرا كان الواجب عليها لو لم تحض ركعتين و زمان اتيانها اقصر من زمان صلاتها قبل أن تحيض.

أمّا فى الجهة الاولى، اعنى فى اعتبار استحباب الوضوء لذكر اللّه تعالى في خصوص مقدار الصلاة

و عدم اعتباره.

فنقول بعونه تعالى: ظاهر الرواية الاولى و الرابعة و الخامسة عدم تحديده بمقدار الصلاة، و ظاهر الثانية و الثالثة استحبابه بمقدار الصلاة.

فإن كشفنا وحدة الملاك بين المطلق و المقيّد، نقول بحمل المطلق على المقيّد و تكون النتيجة استحباب الوضوء للذكر بمقدار الصلاة.

و إن لم نكشف وحدة الملاك كما لا يبعد وجود الملاك لكل منهما، فالوضوء و الذكر مطلقا في اوقات الصلاة للحائض مطلوب، و الوضوء و الذكر في خصوص مقدار صلاتها مطلوب آخر، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد، و تكون النتيجة استحباب الوضوء للذكر في اوقات الصلاة لها سواء كان بمقدار الصلاة او انقص او ازيد.

و على تقدير اعتبار كونه بمقدار الصلاة، يقع الكلام في الجهة الثانية، و هى ان العبرة بمقدار الصلاة قبل حيضها او حال حيضها، و تظهر الثمرة فيما مر من اختلاف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 96

حالها قبل الحيض و حال الحيض من حيث السفر و الحضر.

و لا يبعد كون العبرة بزمان حيضها، لأنّه من المحتمل قويا كون حكمة جعل هذا الحكم الاستحبابى لها انها حيث كانت محرومة عن اتيان الصلاة تشتغل بالذكر بمقدارها، فكل مقدار من الزمان كانت مشتغلة بالصلاة لو لم تكن حائضا شرّع لها اشتغالها بذكر اللّه تعالى، فافهم.

الأمر الثاني: استحباب الوضوء لنوم الجنب و اكله و شربه و جماعه و تغسيله الميت.
أمّا استحبابه لنوم الجنب:

يستدل عليه بالرواية التي رواها عبيد اللّه بن على الحلبى (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل أ ينبغى له أن ينام و هو جنب؟ فقال: يكره ذلك حتى يتوضأ) «1» و يستفاد منها كراهة النوم بلا وضوء بل استحباب الوضوء للنوم لانه مطلوب ترفع به الكراهة.

و الرواية التي رواها سماعة (قال: سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم؟ قال:

ان

احبّ أن يتوضأ فليفعل و الغسل احبّ إليّ، و افضل من ذلك، و إن هو نام و لم يتوضأ و لم يغتسل فليس عليه شي ء إن شاء اللّه). «2».

و يستفاد منها استحباب الوضوء.

و أمّا استحبابه لاكل الجنب و شربه:

يدل عليه الرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من أبواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 97

أبيه عليه السّلام (قال: إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ) «1»، يستفاد منها النهى عن الاكل و الشرب ما لم يتوضأ فيكون مفادها كراهة الاكل و الشرب بلا وضوء لا استحباب الوضوء.

و الرواية التي رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه فى حديث قال: (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال: انا لنكسل و لكن ليغسل يده فالوضوء افضل) «2» تدل على استحباب الوضوء و إن كان منشأ استحبابه كراهة الأكل بلا وضوء.

فهذه الرواية و إن كانت فى خصوص استحباب الوضوء للاكل، لكن بعد كون المستفاد منها كون استحباب الوضوء لرفع الكراهة فتشعر بكون ملاك استحباب الوضوء رفع الكراهة، فيقال بأن الوضوء في الرواية الأولى مستحب لرفع كراهة الاكل و كذا الشرب، بقرينة هذه الرواية فتأمل.

و أمّا استحبابه للجماع على من يكون جنبا:

أمّا الدليل على استحباب الوضوء لمن كان يريد الجماع و قد كانت جنابته بالجماع:

فالرواية التي رواها عبد اللّه بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل على ما نقله عنه على بن عيسى في كشف الغمة عن الحسن بن على الوشاء قال: (قال فلان بن محرز: بلغنا أن أبا عبد اللّه عليه السّلام كان إذا اراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فاحبّ أن تسأل أبي الحسن الثاني عليه السّلام. قال الوشاء: فدخلت عليه فابتدأني من غير

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 20

من أبواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 98

أن اسأله فقال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا جامع و اراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة، و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة) «1».

و الرواية التي رواها عثمان بن عيسى عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا اتى الرجل جاريته ثم اراد أن يأتى الاخرى توضأ). «2»

و أمّا من كان جنبا بالاحتلام و يريد الجماع، فإن قلنا بأن الروايتين المتقدمتين و إن كانتا واردتين في استحباب الوضوء لمن يريد الجماع و قد كانت جنابته بالجماع، لكن العرف يلقى هذه الخصوصية و يرى أن الملاك في استحباب الوضوء للجماع كونه جنبا، فيقال باستحبابه في هذا المورد أيضا و إلّا فلا دليل على استحبابه في هذا المورد.

و أمّا ما يقال باستحبابه فيه للمرسلتين المذكورتين في الذكرى و المدارك، فلا يمكن التعويل عليهما، نعم لا بأس باتيانه رجاء.

و أمّا استحبابه لتغسيل الجنب الميت:

يستدل عليه بالرواية التي رواها شهاب بن عبد ربه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب أ يغسل الميت، او من غسل ميّتا له أن يأتى اهله ثم يغتسل؟ قال: هما سواء و لا بأس بذلك اذا كان جنبا غسل يديه و يتوضأ و غسل الميت و هو جنب، و إن غسل ميّتا ثم اتى اهله، توضأ ثم اتى اهله و يجزيه غسل واحد لهما). «3»

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 154 من ابواب مقدمات النكاح من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 35 من أبواب غسل الميت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 99

و هذه الرواية كما ترى واردة فيمن غسل ميّتا أنه يستحب له الوضوء قبل ان يأتى اهله، و كذا من كان جنبا و يريد غسل الميت يستحب له الوضوء قبل أن يغسل الميت.

الأمر الثالث: استحبابه لجماع من مسّ الميت و لم يغتسل بعد.

لم ار دليلا يدل عليه من النصوص إلّا أن يقال بدلالة رواية شهاب بن عبد ربّه المتقدمة عليه بأنه من غسّل الميت و يريد الجماع قبل أن يغتسل يستحب له الوضوء من باب مسّه الميت، فكل من مسّ ميّتا و يريد الجماع يستحب له الوضوء.

و لكن كون الملاك في استحباب الوضوء مسّ الميّت غير معلوم، بل يمكن كون استحبابه بعد غسله الميّت لا مطلق المسّ، فعلى هذا لا دليل على استحبابه، نعم لا بأس بالوضوء في المورد رجاء.

الأمر الرابع: استحبابه لتكفين الميّت أو دفنه

بالنسبة إلى من غسّله و لم يغتسل غسل الميت.

يستدل على استحبابه لتكفين الميت، بالرواية التي رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام (قال: قلت له: الذي يغمض الميت- الى أن قال:

فالذى يغسله يغتسل. فقال: نعم. قلت: فيغسله ثم يلبسه اكفانه قبل أن يغتسل؟ قال:

يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه اكفانه، ثم يغتسل الحديث) «1»، و نظيرها الرواية 2 و 3 من الباب المذكور و هي كما ترى لا تدلّ على استحباب الوضوء.

و قيل و لعلّ اشعار هذه الأخبار مع نص الاصحاب باستحبابه كاف في ثبوت استحبابه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 100

أقول: و لكن مع ذلك القول باستحبابه مشكل و لا بأس به رجاء.

و أمّا استحبابه لدفنه لمن غسّل الميت:

يستدل عليه بالرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: توضأ إذا دخلت الميت القبر) «1» و هي مع كونها مطلقا غير مختص بمن غسّل الميت تعارض مع الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما

السّلام في حديث (قال: قلت له: من ادخل الميت القبر عليه وضوء؟ قال لا إلّا أن يتوضأ من تراب القبر إن شاء) «2»، إلّا أن يحمل الخبر الثاني على نفى وجوب الوضوء فلا ينافي استحبابه، فعلى هذا يستحب لمن غسّل الميت إذا أراد دفنه الوضوء، كما يستحب لمن اراد دفنه و إن كان لم يغسله الوضوء.

***

[مسئلة 3: لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التى توضأ لاجلها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التى توضأ لاجلها بل يباح به جميع الغايات المشروطة به، بخلاف الثاني و الثالث فانهما إن وقعا على نحو ما قصدا لم يؤثر إلّا فيما قصدا لاجله، نعم لو انكشف الخطاء بأن كان محدثا بالحدث الاصغر فلم يكن وضوؤه تجديديا و لا مجامعا للاكبر رجعا الى الأول، و قوى القول بالصحة و إباحة جميع الغايات به إذا كان قاصدا لامتثال الأمر الواقعى المتوجه إليه فى ذلك الحال

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من أبواب الدفن من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 53 من ابواب الدفن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 101

بالوضوء، و إن اعتقد أنه الأمر بالتجديدى منه مثلا فيكون من باب الخطاء في التطبيق و تكون تلك الغاية مقصودة له على نحو الداعى لا التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعى على خلاف ما اعتقده لم يتوضأ أمّا لو كان على نحو التقييد كذلك ففي صحته حينئذ اشكال.

(1)

أقول: أمّا القسم الأول من الاقسام الثلاثة من الوضوء المستحب، فكما قال المؤلف رحمه اللّه و عليه الشهرة بل عليه الاجماع على ما حكى، لا يختص بالغاية التي توضأ لاجلها بل يباح به جميع الغايات المشروطة بالوضوء.

و الوجه في ذلك هو أن الوضوء في كل مورد

قلنا به من القسم الأول يرفع الحدث و يفيد الطهارة كما ينادى بذلك ظاهر النصوص المتقدمة الواردة في الموارد المتقدمة، مثل قوله عليه السّلام في الصلاة (لا صلاة الا بطهور)، فكل ما عبّر في الروايات من الطهور و ساير اشتقاقات الطهارة او الوضوء ينادى بكون الوضوء رافعا للحدث و موجبا للطهارة لأنّ دخل الوضوء في هذه الموارد و بنحو الوجوب او الاستحباب يكون لرفع الحدث و حدوث الطهارة فاذا كان الوضوء مفيدا للطهارة و رافعا للحدث فقهرا لا يختص بالغاية التي توضأ لاجلها بل يباح جميع الغايات، لأنّ الغايات الاخر موقوفة على الطهارة و على الفرض مع هذا الوضوء صار واجدا للطهارة.

و أمّا القسم الثاني، و هو الوضوء التجديدى، و القسم الثالث، و هو الوضوء في حال الحدث الاكبر فهما إن وقعا على ما قصدا لم يؤثر الا فيما قصدا لاجله.

أمّا الوضوء التجديدى فحيث قصد به التجديد و وقع على ما قصد لا يتصور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 102

له غاية اخرى غير التجديد فلم يؤثر في غيرها من الغايات.

و اما الوضوء في حال الحدث الاكبر من الجنابة و الحيض، فلا اشكال في عدم تأثيره في اتيان ما يعتبر فيه الطهارة، سواء كان اعتبار الطهارة بنحو الصحة كاعتبارها في الصلاة، او في كماله كقراءة القرآن مثلا إذا المفروض كما ينادى به بعض رواياته لا يحصل بهذا القسم من الوضوء طهارة و هذا المقدار مما لا اشكال فيه، انما الاشكال في صورة اخرى.

و هي أنه لو قصد بالوضوء احد القسمين، مثلا قصد بوضوئه التجديد و الحال إنّه كان واقعا محدثا بالحدث الأصغر او فى حال الحدث الأكبر قصد الوضوء لاحد المذكورات من

القسم الثالث مثلا قصد الحائض بوضوئها ذكرها في مصلاها، و الحال إنّها كانت محدثة بالحدث الأصغر فلم يكن الوضوء في الأوّل تجديديا و لا فى الثاني مجامعا للحدث الاكبر.

فهل يقع هذا الوضوء مؤثرا في رفع الحدث الأصغر و يرفع به الحدث الأصغر و يحصل به الطهارة مطلقا، أو لا يقع مطلقا، أو التفصيل بين صورة كون المتوضي قاصدا للامتثال الأمر الواقعي المتعلق به و المتوجه إليه في ذلك الحال بالوضوء و إن اعتقد أن هذا الأمر هو الأمر بالوضوء التجديدى او الأمر المتوجه به حال الحدث الأكبر، فيكون من باب الخطاء في التطبيق فيقال بأن الوضوء في هذه الصورة يرفع الحدث الأصغر و يحصل به الطهارة.

و بين صورة كون قصد الوضوء التجديدى او الوضوء للذكر حال تخيله الحدث الأكبر يعنى الحيض بنحو التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعى على خلاف توهمه و اعتقاده لم يتوضأ، فيقال بعدم رافعية هذا الوضوء للحدث الأصغر و عدم كونه محصلا للطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 103

أمّا القول برافعيته للحدث الأصغر و موجبيته لحصول الطهارة مطلقا، فلا يمكن القول به كما نقول فى وجه عدم رافعيته مطلقا أو في الصورة الثانية من الصورتين إن شاء اللّه، و كذلك القول بعدم رافعيته مطلقا، لما يأتي في وجه صحّة القول بالتفصيل.

و الأقوى التفصيل بين ما قصد الأمر الواقعى و تخيل كونه الأمر التجديدى او الأمر المجامع مع الحدث الأكبر، فانكشف كونه محدثا بالحدث الاصغر فكان قصده الأمر الخاص من باب الخطاء في التطبيق، و بين ما يكون على وجه التقييد فيصح الوضوء في الاول و يرفع الحدث و يحصل به الطهارة بخلاف الثاني.

و الفرق كون المكلف في الفرض

الأول قاصد الاتيان الأمر الواقعى كيفما كان، و إن قصد الأمر الخاص أيضا، لكن كان هذا من باب تخيله أن الأمر الواقعى هو هذا الأمر الخاص، و هذا لا يضر بقصده الأمر الواقعى فيكون نظير من قصد الاقتداء برجل خاص و زعم انه ابن فلان، ثم انكشف عدم كونه ابن فلان، فكشف الخلاف فيكون الامام ابن فلان لا يضر بقصده الاقتداء بهذا الرجل الخاص المطابق مع منويّه

و ما قيل من عدم الصحة من باب أن ما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد ففيه، أن هذا الكلام يصح لو كان الوضوء باعتبار اختلاف غاياته مختلفا بحسب النوع، فكان الوضوء التجديدى غير الوضوء الرافع للحدث، و لكن الأمر ليس كذلك بل الوضوء حقيقة واحدة و كلها افراد هذه الحقيقة، ففي المقام ما قصد وقع في الخارج لأنّه المقصود بحسب نيته و إن لم يقع الفرد الخاص الذي تخيل كونه هو المامور به، ففي الحقيقة قصد الموصوف و تخيل أن له صفة خاصة فانكشف عدم كونه متصفا بهذه الصفة، فعدم كونه متصفا بالصفة الكذائية لا ينقلب الموصوف عما هو عليه على هذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 104

و هذا بخلاف الفرض الثاني، لأنّه بعد كونه قاصدا للفرد الخاص مقيدا به بحيث لو لم يكن هو المطلوب لم يكن قاصدا اتيانه، فهو و إن قصد الأمر الواقعى لكن ليس هو بنفسه مقصوده، بل مقيدا بكونه متعلقا بالفرد الخاص، ففي الحقيقة في هذا الفرض يكون قاصدا لامتثال الأمر الذي يعتقد كونه متعلقا به و هو الوضوء التجديدى مثلا لا غير، فالأقوى فيه البطلان.

***

[مسئلة 4: لا يجب في الوضوء قصد موجبه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجب في الوضوء قصد موجبه بأن

يقصد الوضوء لاجل خروج البول او لاجل النوم، بل لو قصد احد الموجبات و تبيّن انّ الواقع غيره صحّ، إلّا أن يكون على وجه التقييد.

(1)

أقول: أمّا عدم وجوب قصد موجب الوضوء، فلان دخل شي ء وجودا و عدما في مقام الامتثال و اطاعة الأمر، إمّا يكون اعتباره عقلا من باب كون الحاكم في باب الاطاعة و العصيان هو العقل.

و إمّا يكون اعتباره شرعا من باب تصرف منه في كيفية الاطاعة و إن لم يحكم به العقل فيكون حكمه تخطئة لحكم العقل، ففي المقام نقول:

أمّا اعتباره عقلا، فلا وجه له لعدم حكم العقل به و عدم دخله في امتثال الأمر بنظره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 105

و أمّا شرعا، فيمكن أن يقال: يكفى في عدم اعتباره انّ الاطلاقات الواردة في باب الوضوء خالية عن هذا التقييد، فمقتضى الاطلاقات عدم اعتباره، او ان مقتضى الإطلاق المقامى عدم اعتباره لأنّه بعد عدم حكم العقل باعتباره و كونه مغفولا عنه عند العرف، فإن كان معتبرا عند الشارع كان عليه البيان و الّا لا خلّ بغرضه.

و أمّا لو قصد احد الموجبات و تبين أن الواقع غيره، فتارة يقال بعدم اعتبار قصد الموجب رأسا كما اخترنا.

و تارة يقال: باعتبار قصده، و فى كل من الصورتين، تارة يكون قصد الموجب الخاص من باب الخطاء في التطبيق فهو يكون قاصدا للوضوء لما هو موجبه واقعا لكنه تخيل كون الموجب هو النوم مثلا فاتفق خطائه لكون الموجب واقعا البول، فلا يكون قصد الموجب الخاص على وجه التقييد.

و تارة يكون على وجه التقييد بمعنى انه يقصد الامتثال الأمر المتعلق بالوضوء للموجب الخاص لا غير فيكون في الحقيقية قاصدا لهذا الموجب الخاص لا غيره

من الموجبات.

إذا عرفت ذلك نقول، أمّا إذا كان قصد الموجب غير معتبر و كان قصد الخاص من باب الخطاء في التطبيق، فلا اشكال في صحة الوضوء لما قلنا في المسألة الثالثة من كون المكلف في هذه الصورة قاصد الامتثال الأمر الواقعى و وقع ما قصد و لا يضر قصد الخصوصية بعد عدم كونه على وجه التقييد، و مثله إذا قلنا باعتبار قصد الموجب لكن قصد الخاص لا يكون على وجه التقييد بل كان من باب الخطاء في التطبيق لما قلنا في الفرض الأول.

و اما اذا كان على وجه التقييد بمعنى انه يقصد الوضوء لموجب خاص لا غير،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 106

فلا يصح وضوئه سواء قلنا بعدم اعتبار قصد الموجب او قلنا باعتباره لما قلنا في المسألة السابقة.

***

[مسئلة 5: يكفى الوضوء الواحد للاحداث المتعددة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يكفى الوضوء الواحد للاحداث المتعددة إذا قصد رفع طبيعة الحدث، بل لو قصد رفع احدها صحّ و ارتفع الجميع إلّا إذا قصد رفع البعض دون البعض فإنه يبطل لأنّه يرجع الى قصد عدم الرفع.

(1)

أقول: لأنّ المستفاد من بعض الأخبار كون موجبات الحدث ناقضا للطهارة، و النقض ليس قابلا للتكرر، فاذا طرأ احدها و صار محدثا فقد نقض به الطهارة، فلو طرأ بعده ناقض آخر فلا يؤثر في النقض لعدم كونه قابلا للتكرر، و لاجل هذا يكفى وضوء واحد للاحداث المتعددة، بل بعد كون الحدث غير قابل للتكرر فالمناسب التعبير بالحدث لا الاحداث، لأنّه كلما تكرر الناقض لا يتكرر الحدث إلّا أن يكون التعبير بالاحداث باعتبار قابلية كل منها لحدوث الحدث.

مضافا الى دعوى الاجماع بل الضرورة على كفاية وضوء واحد للاحداث المتعددة و لعل نظر المجمعين الى هذا.

فبناء على ما

قلنا في وجهه، لا فرق بين القول بتداخل الاسباب و عدمه، لان مورد عدم التداخل ما يكون المسبب بحيث يكون قابلا للتكرر، و اما ما لا يقبل التكرار فلا اشكال في عدم سببية كل سبب لمسبب مستقل غير السبب الأول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 107

كالقتل، و مثله الحدث لأنّه بعد كون اسبابه موجبا لنقض الطهارة فبالسبب الأول حصل النقض فلا معنى لسببية السبب الثاني له.

هذا كله فيما قصد بوضوء واحد رفع طبيعة الحدث فمما لا اشكال فيه.

و أمّا إذا قصد الوضوء لحدث واحد، مثلا طرأ له النوم و البول و الريح و قصد الوضوء لرفع حدث النوم هل يصح و يرتفع الجميع أم لا.

أقول: للمسألة فروض:

الفرض الأول: ما إذا طرأ موجب مع موجب آخر في عرض واحد، مثل طرو البول و الريح فى عرض واحد.

الفرض الثاني: طروهما طولا، مثل ما إذا نام ثم بال.

و في كل من الفرضين إما يقصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث، و إمّا رفع خصوص احدهما من النوم او البول.

و في فرض قصد رفع احدهما، إمّا يقصد احدهما بنحو التقييد بمعنى قصده الوضوء الذي بفعله يرفع احد الحدثين دون الآخر. و إمّا يقصد احدهما لا بنحو التقييد بل بنحو الخطاء في التطبيق.

أمّا إذا طرأ الحدثين عرضا و قصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث فكما عرفت يصح الوضوء و يرتفع الجميع.

و كذا إذا كان الحدثان طوليا و لكن قصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث فهو كسابقه لما عرفت من كفاية وضوء واحد لاسباب متعددة إذا قصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 108

و أمّا اذا طرأ الحدثان عرضيا، و قصد بوضوئه رفع احدهما.

فإن كان

ذلك من باب تخيله كون السبب هو الّذي يقصد رفعه، فهو في الحقيقة يقصد رفع الحدث الحاصل له، لكن قصده رفع السبب الخاص من باب الخطاء في التطبيق، و أن الطارئ له هو السبب الخاص لاجل الغفلة عن كون السبب مجموع الحدثين لوقوعهما عرضا، فيكون اسناد النقض بالمجموع، فمن اجل الغفلة قصد بوضوئه احد السببين، فلا اشكال في الصحة و إن قيل باعتبار قصد الموجب لما قلنا في المسألة الثالثة من الصحة في هذه الصورة.

و مثل هذا الفرض ما إذا طرأ الحدثان طوليا و قصد الحدث الصادر متأخرا، فإنه إن كان هذا القصد من باب الخطاء فى التطبيق و زعم انه هو الأول، او زعم عدم طرو حدث إلّا هذا و توضأ ثم توجه بكون المقصود هو الثاني فيصح الوضوء أيضا لما قلنا في الفرض السابق.

و أمّا إذا طرأ عرضيا و قصد الوضوء لرفع احدهما دون الآخر، بحيث يكون عدم الآخر جزء القصد فيقصد الوضوء الرافع للنوم بالخصوص و عدم كونه رافعا للبول مع فرض طروهما عرضيا، و كون استناد النقض بكل منها فلا يصح الوضوء، لأنّ الوضوء بهذا النحو غير مشروع، فهو حيث قصد الغير المشروع لم يقع لعدم كون هذا الوضوء بهذا النحو مقربا.

و مثله إذا طرأ طوليا و قصد بوضوئه الحدث المتأخر، مثلا نام ثم بال فقصد بوضوئه رفع حدث الحاصل من البول بالخصوص و عدم رفع حدث الحاصل من النول، فلا يصح هذا الوضوء لعدم كونه مقرّبا لعدم مشروعية الوضوء بهذا النحو، لجهتين:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 109

الاولى: لعدم كون الحدث المتأخر حدثا حتى يقصد رفعه لما قلنا من أن الحدث امر واحد غير قابل للتكرر، و

قد وقع بالحدث الطارئ أولا و هو النوم فليس البول بعد النوم ناقضا حتى يقصد بوضوئه رفعه فلا يكون الوضوء له مشروعا.

الثانية: أن الوضوء الذي يقصد به احد الرافعين دون الآخر غير مشروع، فهذا الوضوء غير مشروع.

و أمّا إذا قصد في صورة طرو الحدثين طوليا الحدث المتقدم فقط، فيصح و يرفع الحدث حتى لو قيد رفع الأول دون الثاني لما قلنا من أن الحدث غير قابل للتكرر فاذا طرأ النوم نقض الوضوء و صار محدثا ثم اذا بال بعد ذلك لا معنى لناقضيته و لا لكونه سببا للحدث، فاذا قصد بوضوئه رفع الحدث الأول يكفى.

***

[مسئلة 6: إذا كان للوضوء غايات متعددة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا كان للوضوء غايات متعددة فقصد الجميع حصل امتثال الجميع و اثيب عليها كلها، و إن قصد البعض حصل الامتثال بالنسبة إليه و يثاب عليه، لكن يصح بالنسبة الى الجميع و يكون اداء بالنسبة الى ما لم يقصد، و كذا إذا كان للوضوء المستحب غايات عديدة، و إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة أيضا يجوز قصد الكل و يثاب عليها و قصد البعض دون البعض و لو كان ما قصده هو الغاية المندوبة. و يصح معه اتيان جميع الغايات و لا يضرّ في ذلك كون الوضوء عملا واحدا لا يتصف بالوجوب و الاستحباب معا و مع وجود الغاية الواجبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 110

لا يكون إلّا واجبا لأنّه على فرض صحته لا ينافى جواز قصد الأمر الندبى و إن كان متّصفا بالوجوب فالوجوب الوصفى لا ينافى الندب الغائى لكن التحقيق صحة اتصافه فعلا بالوجوب و الاستحباب من جهتين.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الاولى: إذا كان للوضوء غايات متعددة فقصد الجميع

حصل امتثال الجميع و اثيب عليها كلها لان هذه الغايات لا تقتضى إلّا الوضوء و الطهارة، فلو قصد بوضوئه جميع الغايات فقد حصلت الطهارة و يثاب على كلها لانها كانت مقصودة للفاعل فيستحق الثواب عليها.

الثانية: إذا قصد بوضوئه بعض غاياته

حصل الامتثال بالنسبة إليه و يثاب عليه لكن يصح بالنسبة الى الجميع و يكون اداء بالنسبة الى ما لم يقصد.

أمّا حصول الامتثال بالنسبة الى خصوص ما قصده لأنّه قصد امر هذا البعض فيتحقق الامتثال بالنسبة إليه.

و كذلك الثواب لأنّ الثواب متفرع على الاطاعة، و الاطاعة امر قصدى و هو على الفرض لم يقصد إلّا البعض فيحصل الامتثال بالنسبة إليه و يستحق الثواب عليه.

و أمّا صحته بالنسبة الى الجميع و اداء بالنسبة الى ما لم يقصد، لتحقق ما هو اقتضاء الغاية من الوضوء و الطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 111

الثالثة: ما إذا كان للوضوء المستحبّ غايات عديدة

، فيحصل الامتثال بالنسبة الى الكل و يثاب عليها إذا قصد الجميع.

و إذا قصد البعض منها يحصل الامتثال بالنسبة إليه و يثاب عليه و لكن يصح بالنسبة الى جميع هذه الغايات المستحبة و يكون اداء بالنسبة إليه، لما قلنا في المسألة الاولى و الثانية.

الرابعة: إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة

يجوز قصد الكل و يثاب عليها لما قلنا في المسألة الاولى و الغايات المستحبة و إن لم تكن متعلقة بالامر الندبى فعلا مع فرض الأمر الوجوبى الفعلى المتعلق بالغايات الواجبة في عرض الواجبات، لكن يكفى ملاك الأمر فيها لأن يقصدها مع الغايات الواجبة و يثاب على كلها و يحصل الامتثال بها.

الخامسة: إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة و قصد البعض دون البعض،
اشارة

فإن كان البعض الذي قصده هو الغاية الواجبة فأيضا لا اشكال في حصول الامتثال لخصوص ما قصده و استحقاق الثواب عليه لما قلنا فى المسألة الثانية.

و أمّا لو اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة، فهل يجوز أن يقصد بوضوئه بعض الغايات المندوبة و يصحّ معه اتيان جميع الغايات أم لا.

منشأ الإشكال احد الأمرين او كلاهما:

الامر الأول: بعد اتصاف الوضوء مع فرض الغاية الواجبة بالوجوب فعلا

لا يمكن اتصافه بالندب الفعلى لتضاد الوجوب و الندب و قد تحقق عدم جواز اجتماع الحكمين في محل واحد و لهذا قيل بعدم جواز اجتماع الأمر و النهى، و مثل الأمر و النهى الوجوب و الندب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 112

و إن قلت: الحق جواز اجتماع الامر و النهى مع تعدد الجهة كما اختاره كثير من الأصوليين.

قلت: إذا نقول فى جوابه ما نقول فى الامر الثانى.

الامر الثاني: و هو انه من يقول بجواز اجتماع الأمر و النهى يقول به مع تعدد الجهة

بحيث يكون الشي ء بجهة متعلق الأمر و بجهة متعلق النهى، كالصلاة في الدار المغصوبة فهو لاجل كونها صلاة واجب و لاجل كونه غصبا حرام.

و أمّا مع اتحاد الجهة فلا يجوز اجتماع الأمر و النهى حتى عند من يجوّزه مع تعدد الجهة، و المورد هكذا لأنّ الوضوء و إن كان واجبا لكونه مقدمة للصلاة الواجبة و هو احد غاياته الواجبة، و كذا يستحب لكونه مقدمة لقراءة القرآن المستحبة و هى احد غاياته المستحبة، لكن ما يكون حقيقة و بالحمل الشائع مركب الأمر هو نفس الوضوء لا جهة مقدميته و يكون حيث مقدميته حيثية تعليلية لا تقييديه فليس في البين جهتان يكون الوضوء بجهة مركب الأمر و بجهة مركب النهى فلا يجوز اجتماع الحكمين في مثل المورد.

فإن من يقول بجواز اجتماع الأمر و النهى مع تعدد الجهة يرد عليه الاشكال الثانى و من لا يقول به يرد الاشكال الأول و الثاني كليهما.

أقول: في جواب الاشكال بأنه و لو كان الوضوء المتصف بالوجوب الفعلى غير قابل لاتصافه بالاستحباب الفعلى بناء على عدم جواز اجتماع الحكمين في الواحد و إن كانت الجهة متعددا او بناء على كون الجهة متحدا و لهذا لا يجوز الاجتماع حتى على القول بجواز الاجتماع،

لكن نقول بأنه بعد كون ملاك المحبوبية موجودا في الغاية المندوبة فلو اتى بالوضوء بداعى هذا الملاك الموجود في الغاية المندوبة يصح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 113

الوضوء و يثاب عليه و إن لم يعدّ امتثالا لامره باعتبار عدم امر متعلق بهذا الملاك فعلا.

و الظاهر أن هذا هو مراد السيد رحمه اللّه من أن الوجوب الوصفى لا ينافى الندب الغائى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 115

فصل: في بعض مستحبات الوضوء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 117

قوله رحمه اللّه

فصل في بعض مستحبات الوضوء

[الأول: أن يكون بمدّ]

اشارة

الأول: أن يكون بمدّ و هو ربع الصاع و هو ستّمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و حمّصة و نصف.

(1)

أقول: اعلم أن الكلام في مقامين:

المقام الأول: في استحباب كون ماء الوضوء مدّا.

يدل عليه الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كان رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع و المدّ رطل و نصف و الصاع ستة ارطال) «1».

(قال الشيخ يعنى ارطال المدينة فيكون تسعة ارطال بالعراقى).

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 118

و الرواية التى رواها ابو بصير و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (أنهما سمعاه يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يغتسل بصاع من ماء و يتوضأ بمدّ من ماء) «1».

و الرواية التي رواها سليمان بن حفض المروزى قال: (قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام: الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمدّ من ماء و صاع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وزن مأتين و ثمانين درهما و الدرهم وزن ستة دوانيق و الدانق وزن ستة حبات و الحبة وزن حبتى الشعير من اوسط الحب لا من صغائره و لا من كبائره). «2».

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 118

و الرواية التي رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء فقال:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم يتوضأ بمدّ من ماء و يغتسل بصاع) «3».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الوضوء مدّ و الغسل صاع، و سيأتى اقوام بعدى يستقلّون ذلك، فاولئك على خلاف سنّتي، و الثابت على سنّتى معى فى حظيرة القدس). «4».

و المستفاد من الروايات استحباب كون الوضوء بمدّ.

أمّا ما يكون منها نقل فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فالفعل حيث يكون اعم من الاستحباب و الوجوب فلا يثبت منه إلا رجحان الفعل، فلا يدلّ على الوجوب، و رواية الحفص قائلة للحمل على الاستحباب خصوصا مع تسلم الاستحباب عند الأصحاب كما صرح بعض الفقهاء رحمهم اللّه الاجماع عليه، مضافا الى دلالة بعض الأخبار على كفاية اليسير و ما يكون كالتدهين فإن ذلك انقص من المد (راجع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 6 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 119

الباب 52 من ابواب الوضوء من الوسائل).

و أمّا مرسلة الصدوق فلإرسالها ضعيفة من حيث السند.

المقام الثاني: في ما هو المراد من المد،

و المد على ما يستفاد من الرواية الاولى رطل و نصف و بعد ضمّ قول الشيخ رحمه اللّه بأنّ الرطل الوارد في الرواية بارطال المدينة يكون تسعة ارطال بالعراقى.

و لعلّ وجه قول الشيخ رحمه اللّه و كل من يقول بكون المراد من الرطل المدنى كون المتعارف في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم او زمن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام

هو الرطل المدنى في المدينة، و حدّد كما في المتن بربع الصاع و هو ستّمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال، فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و حمّصة و نصف، هذا كله بمقتضى هذه الرواية.

و قد يتوهم كون المراد من المدّ خمس الصاع، لاربع الصاع بدعوى دلالة الرواية التى رواها سماعة (قال: سألته عن الذي يجزى من الماء للغسل؟ فقال:

اغتسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بصاع و توضأ بمدّ، و كان الصاع على عهده خمسة امداد و كان المد قدر رطل و ثلث اواق) «1».

و فيه، أنه بعد التحديد في الرواية الاولى رواها زرارة بأن المدّ ربع الصاع و دعوى الإجماع على هذا القول فلا يمكن التعويل على رواية سماعة لكونها غير معمول بها.

***

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 120

[الثاني: الاستياك]

قوله رحمه اللّه

الثاني: الاستياك بأى شي ء كان و لو بالاصبع و الافضل عود الاراك.

(1)

أقول: أمّا استحباب السواك قبل الوضوء:

يدل عليه الرواية التي رواها معاوية بن عمّار (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام أن قال: يا على اوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّى، ثم قال: اللهم اعنه، و عدّ جملة من الخصال الى أن قال: و عليك بالسواك عند كل وضوء) «1».

و الرواية التي رواها المعلى بن خنيس (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السواك بعد الوضوء؟ فقال: الاستياك قبل أن يتوضأ. قلت: أ رأيت أن نسى حتى يتوضأ؟

قال: يستاك ثم يتمضمض ثلث مرات)

«2» و غير ذلك.

و أمّا كفاية الاستياك و لو بالاصبع:

يدل عليه الرواية التي رواها على باسناده (قال: ادنى السواك أن تدلكه باصبعك). «3»

و الرواية التي رواها السكونى عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (قال: التسوك بالابهام و المسبحة عند الوضوء سواك) «4»، مضافا الى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من أبواب السواك من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب السواك من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 9 من أبواب السواك من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب السواك من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 121

اطلاق ما يدل على استحباب السواك، فإن المستفاد من اطلاقه استحبابه بكل ما يحصل به السواك.

و أمّا افضلية كونه بعود الاراك، فلم اجد له مدركا، إلّا ما حكى عن مكارم الاخلاق و فى الرسالة الذهبية، و يستفاد منهما استحباب كون السواك بالاراك.

***

[الثالث: وضع الاناء الذي يغترف منه على اليمين]

قوله رحمه اللّه

الثالث: وضع الاناء الذي يغترف منه على اليمين.

(1)

أقول: لم اجد نصا على ذلك، إلّا أن المحكى كونه ظاهر كلام الاصحاب رضوان اللّه عليهم جميعا.

و قد يستدل عليه بأن وضع الاناء على اليمين يكون امكن للاستعمال.

و لعل وجه تقييد المؤلّف رحمه اللّه الاستحباب بخصوص الاناء الّذي يغترف منه، يكون من باب امكنية استعمال ظرف يمكن منه الاغتراف، من باب كونه واسع الرأس، و أمّا إن كان ضيّق الرأس فوضعه على اليسار امكن للاستعمال.

و لكن كون منشأ حكمهم بالاستحباب الامكنية غير معلوم.

و الانحصار بخصوص ما يغترف منه، لعله كان من باب مورد كلام المتعرضين من الفقهاء خصوص هذا المورد.

و أمّا ما قيل من أن المستفاد من بعض الروايات

و هى الرواية التي رواها زرارة هو وضع الاناء بين اليدين لأنّ فيها قال: (فدعا بقعب فيه شي ء من ماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 122

فوضعه بين يديه) «1».

ففيه، انها لا تنافى كون المستحب وضع الاناء على اليمين.

أمّا أولا لعدم لزوم التزام المعصوم عليه السّلام دائما على العمل بكل ما يستحب.

و ثانيا وضع الاناء بين اليدين لا ينافى كونه على يمينه، لأنّه لو وضع على اليمين يصدق كونه بين يديه و هذه العبارة كناية عن وضعه حيال وجهه.

و قد يتمسك على استحباب وضع الاناء على اليمين بما روى عن طريق العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (أن كان يحبّ التيامن في طهوره و شغله و شأنه كله) و ينجبر ضعف سندها بعمل المشهور على طبقها او مطابقتها مع فتوى المشهور بل روى عن طرق الخاصة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (كان يحبّ التيامن في كل شي ء) «2» و لم اقف عليها بعد، فبعد ذلك كله يطمئن الانسان بوجود وجه لاستحبابه.

و مع هذا، الاحوط الاتيان به رجاء.

***

[الرابع: غسل اليدين قبل الاغتراف]

قوله رحمه اللّه

الرابع: غسل اليدين قبل الاغتراف مرة في حدث النوم و البول و مرتين في الغائط.

(1)

أقول: يدل على استحباب غسل اليدين مرة في حدث النوم و البول و مرتين

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) مصباح الهدى ج 3 ص 194.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 123

في حدث الغائط الرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى (قال: سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الاناء؟ قال: واحدة من حدث البول و

اثنتان من حدث الغائط و ثلث من الجنابة) «1»، هذه الرواية تدل على الغسل مرة في حدث البول و مرتين في الغائط.

و الرواية التي رواها حريز عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يغسل الرجل يده من النوم مرة و من الغائط و البول مرتين و من الجنابة ثلثا) «2» و قد يستشكل في الرواية بمعارضتها مع الرواية الاولى لدلالتها على الغسل مرتين في البول، و الحال أن الاولى تدل على الغسل مرة.

و يدفع كما قالوا بأنه من المحتمل كون مورد هذه الرواية صورة جمع البول مع الغائط كما هو الغالب من انه متى يخرج الغائط يخرج البول بخلاف عكسه لخروج البول كثيرا بلا غائط، فالرواية لا تنافى مع ما يدل على كفاية الغسل مرة لخروج البول، لأنّ ما يدل على كفاية الغسل مرة صورة خروج البول منفردا و تدل هذه الرواية على الغسل مرتين في صورة اجتماع خروج البول مع خروج الغائط.

و الرواية التي رواها عبد الكريم بن عتبة الهاشمى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبول و لم يمسّ يده اليمنى شي ء، أ يدخلها في وضوئه قبل ان يغسلها؟ قال:

لا حتى يغسلها. قلت: فإنه استيقظ من نومه و لم يبل، أ يدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: لا، لأنّه لا يدرى حيث باتت يده، فليغسلها) «3» و فيها و إن كان الأمر بالغسل لكن حيث يحصل الغسل بالمرة تكون الرواية دالة على كفاية الغسل مرة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 27 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 27 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 27 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 124

واحدة في حدث البول و النوم فتحصل مطلوبية الغسل مرة واحدة في حدث البول و النوم و مرتين في الغائط.

ثم إن الظاهر من الأمر الوجوب فيستفاد من الأخبار وجوب ذلك لا استحبابه لكن، كما هو المحكى عن المشهور استحباب هذا الفعل، لما فى الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن الرجل يبول و لا يمسّ يده اليمنى شيئا، أ يغمسها في الماء؟ قال: نعم و إن كان جنبا) «1» بناء على كون المراد الغمس فى الماء للوضوء و الّا فغير مربوطة بالباب.

و لما فى الرواية الثانية «2» و فيها مع حكاية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وضوئه، لم يغسل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده قبل الوضوء، و غير ذلك (راجع الباب المذكور) خصوصا الرواية 8 من الباب المذكور ففيها مع التصريح بأن أبا جعفر عليه السّلام بال قبل وضوئه مع ذلك لم يغسل يده قبل الوضوء.

إن قلت: انها فى خصوص البول، فلا تدل على استحباب الغسل مرة فى النوم و مرتين فى الغائط.

قلت: المعلوم عدم الفرق بين حدث البول و بين النوم و الغائط من هذا الحيث، فبعد كونه مستحبا فيه كذلك مستحب فيهما، او يقال بعد كون الامر بالغسل فى البول مستحب بقرينة هذه الرواية يوهن ظهور الامر فى النوم و الغائط فى دلالته على الوجوب، فيحمل على الاستحباب.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 28 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 125

[الخامس: المضمضة و الاستنشاق]

قوله رحمه اللّه

الخامس: المضمضة و الاستنشاق كل

منهما ثلاث مرات بثلث اكف و يكفى الواحدة أيضا لكل من الثلاث.

(1)

أقول: نذكر بعض الأخبار المربوطة بالمسألة ثم نتكلم إن شاء اللّه فيما يستفاد منها، فنقول بعونه تعالى:

الاولى: الرواية التي رواها الحسن بن محمد الطوسى في مجالسه ينتهى سندها بأبى إسحاق الهمدانى عن امير المؤمنين عليه السّلام (في عهده الى محمد بن أبي بكر لما ولّاه مصر الى أن قال: و انظر الى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات و استنشق ثلثا و اغسل وجهك، ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك و رجليك فإنّى رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصنع ذلك، و اعلم أن الوضوء نصف الايمان) «1».

الثانية: الرواية التي رواها محمد بن محمد بن النعمان المفيد في الارشاد عن محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل (أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلثا و تستنشق ثلثا و تغسل وجهك ثلثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلثا و لا تخالف ذلك الى غيره. فلمّا وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب بما رسم له أبو الحسن عليه السّلام فيه مما جميع الصحابة على خلافه، ثم قال: مولاى اعلم بما قال و أنا امتثل امره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر ابي الحسن عليه السّلام و سعى بعلى بن

يقطين الى الرشيد و قيل انه رافضى،

______________________________

(1) الرواية 19 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 126

فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة. و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام ابتداء من الآن يا على بن يقطين و توضأ كما امرك اللّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة، و اخرى اسباغا و اغسل يدك من المرفقين كذلك، و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنّا نخاف منه عليك و السلام) «1».

و استشكل «2» علي الاستدلال بالرواية لاستحباب المضمضة و الاستنشاق، بأن الرواية صدرت تقية فليست في مقام بيان الحكم الواقعى و الشاهد على ذلك عدم ذكر استحبابهما بعد رفع التقية.

إن قلت: ان ما ذكره المعصوم عليه السّلام بعد رفع التقية خصوص الواجبات من الوضوء و حيث انهما من المستحبات لم يذكرهما في ذيل الرواية فى كتابه ثانيا الى علي بن يقطين.

قلت مع ذكره اسباغ الوضوء في كتابه ثانيا مع كون الاسباغ مستحبا فهو في مقام ذكر كل من واجب الوضوء و مستحبه و مع ذلك لم يذكرهما فالرواية على خلاف ما استدل به عليه ادلّ.

أقول: أمّا ما قيل من كون صدور الرواية تقية يوجب عدم الاخذ بها مطلقا.

ففيه: أن الممنوع الاخذ بها في خصوص المقدار الّذي صدر تقية، و هو كما ترى في ذيل الرواية في كتابه عليه السّلام ثانيا هو كيفية غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و القدمين لا غير ذلك، فالرواية في غيرها و هو المضمضة و

الاستنشاق باقية على

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) قاله صاحب المستمسك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 127

حجيتها.

و أمّا عدم ذكرهما في ذيل الرواية فلا يوجب عدم استحبابهما ثلثا.

أمّا أولا، فلانه لو كان ترك ذكرهما موجبا لعدم مطلوبيتهما، فلازمه عدم استحبابهما رأسا، و الحال أن استحبابهما في الجملة لا اشكال فيه نصّا و فتوى.

و ثانيا، لم يذكر في الرواية بعض الاخر من المستحبات من الوضوء مثل السواك و غيره، فإن كان عدم الذكر موجبا لعدم الاستحباب يلزم عدم استحباب شي ء من مستحباته غير الاسباغ، و هو مما لا يمكن الالتزام به، فالرواية تدل على استحباب المضمضة و الاستنشاق ثلث مرات.

الثالثة: الرواية التي رواها عبد اللّه بن كثير الهاشمى مولى محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: بينا امير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم جالسا مع محمد بن الحنفية اذ قال له: يا محمد ائتنى باناء من ماء أتوضأ للصلاة) الى أن قال (ثم تمضمض فقال) الى ان قال: (ثم استنشق فقال الخ) «1» (لم انقل تمام الخبر)، و من فعله عليه السّلام يستفاد استحبابهما.

الرابعة: الرواية التي رواها مالك بن اعين (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن توضأ و نسى المضمضة و الاستنشاق، ثم ذكر بعد ما دخل في صلاته؟ قال:

لا بأس). «2»

الخامسة: الرواية التي رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عنهما.

فقال: هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد) «3» بناء على كون مرجع الضمير في قوله

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية

4 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 128

(عنهما) هو المضمضة و الاستنشاق، و هنا اخبار اخر يستفاد من ضم بعض الأخبار ببعض كونهما مستحبين قبل الوضوء.

فعلى هذا نقول:

أمّا استحبابهما فى الجملة قبل الوضوء مما لا اشكال فيه.

كما لا اشكال في استحبابهما ثلث مرات لدلالة الرواية الاولى و الثانية عليه.

و أمّا استحباب كون ذلك بثلث اكف بمعنى أن يؤخذ لكل منهما ثلث اكف فيمضمض بعد كل كف و يستنشق بعد كل كف من الماء، فلم اجد دليلا عليه و لا ظهور للرواية الاولى و الثانية في اعتبار ذلك بل اطلاقهما يقتضي عدم الاعتبار.

فعلى هذا نقول، يكفى أن يتمضمض ثلث مرات بكف واحد و كذلك في الاستنشاق.

***

[السادس: التسمية عند وضع اليد في الماء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

السادس: التسمية عند وضع اليد في الماء او صبه على اليد و اقلّها بسم اللّه و الافضل بسم اللّه الرحمن الرحيم و افضل منهما بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلني من المتطهرين.

(1)

أقول: اما استحباب التسمية في الجملة، يستفاد من الروايات نذكر بعضها عند التعرض لفروع المسألة إن شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 129

أما الفروع:

الفرع الاول: كون أقل التسمية بسم اللّه:

يدلّ عليه الرواية التي رواها العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكانما اغتسل) «1» فمن قال بسم اللّه فقد ذكر اسم اللّه، فتدل على كفاية بسم اللّه.

و الرواية 4 و 5 و 6 و 9 و 11 و 12 و 13 من الباب المذكور.

الفرع الثاني: في افضلية بسم اللّه الرحمن الرحيم:

ما يمكن أن يستدل عليه الرواية التى رواها محمد بن قيس (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يحدث الناس بمكة في حديث: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال للثقفى قبل أن يسأله: أما انك جئت أن تسألنى عن وضوئك و صلاتك مالك فيهما، فاعلم انك إذا ضربت يدك في الماء و قلت: بسم اللّه الرحمن الرحيم، تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك الخ). «2».

و ما روى عن تفسير الامام الحسن العسكرى عليه السّلام و فيه قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و إن قال فى اوّل وضوئه «بسم اللّه الرحمن الرحيم» طهرت اعضائه كلها من الذنوب الخ) «3».

و هما كما ترى لا تدلان الا على مطلوبية ذكر «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و أمّا كون هذا افضل من (بسم اللّه) فلا تدلان عليه.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 26 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 21 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 130

إلّا أن يقال بأن الأخبار الدالة على استحباب ذكر اسم اللّه مطلقة يشمل لسانها كل ما يكون مشتملا على اسم اللّه و إن كان (بسم اللّه) فقط و هاتين الروايتين تدلان على

استحباب خصوص «بسم اللّه الرحمن الرحيم» فمن باب خصوصيته لهذه التسمية يكون هذه الالفاظ افضل لتخصيصها بالذكر في الروايتين، مثل الأمر بالدعاء بنحو الاطلاق و الأمر بدعاء خاص في نص، خصوصا مع كون بسم اللّه الرحمن الرحيم مشتملا على صفتين لله و هو الرحمن و الرحيم، فهذا يوجب كونه افضل من (بسم اللّه) فقط، و بما قلنا يمكن أن يقال بافضلية كيفية اخرى نذكرها في الفرع الثالث إن شاء اللّه.

الفرع الثالث: و الافضل من قول (بسم اللّه الرحمن الرحيم)

(بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلنى من المتطهرين).

من باب اشتمال هذا القول على اسم اللّه و الدعاء كليهما، و قد ذكر هذا القول في الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «1»، و الرواية التى رواها فى الخصال باسناده عن على عليه السّلام «2»، و قد نقل بعض كيفيات اخر في المقام مثل ما فى الرواية التي رواها عن فعل امير المؤمنين عليه السّلام ففيها قال لمحمد بن حنفية: (يا محمد ايتنى باناء من ماء أتوضأ للصلاة فاتاه محمد بالماء فاكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى، ثم قال:

بسم اللّه و باللّه الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا). «3»

و لكن يمكن أن يقال باختلاف موردهما، فإن مورد هذا القول على ما في الرواية إذا اكفى الماء بيده قال هذا القول.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 26 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 131

و أما مورد قول (بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلنى من المتطهرين) على ما

يظهر من الروايتين المشتملتين على هذا القول هو ما إذا وضع يده في الماء قال (اللهم اجعلنى الخ) او إذا مس الماء قال (اللهم اجعلنى الخ).

و أمّا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من استحباب التسمية عند وضع اليد في الماء او صبه على اليد، فكما يظهر من الروايات الدالة على استحباب ذكر اسم اللّه، هو استحبابه في الوضوء و لم يذكر فيها محل لذكر التسمية.

و لكن في الروايتين المتعرضتين لذكر بسم اللّه الرحمن الرحيم قال في رواية محمد بن قيس (إذا ضربت يدك في الماء و قلت بسم اللّه الرحمن الرحيم الخ) و في تفسير الامام قال (و إن قال في اوّل وضوئه بسم اللّه الرحمن الرحيم)، يستفاد كون موضع التسمية حين يضرب يده في الماء و أوّل الوضوء حين يضرب يده في الماء لأن يأخذ الماء و يغسل وجهه.

و في الروايتين المتعرضين لقول (بسم اللّه و باللّه الخ) قال في إحداهما:

(إذا وضعت يدك في الماء فقل بسم اللّه و باللّه الخ) و في إحداهما (يقول قبل أن يمسّ الماء: بسم اللّه و باللّه الخ) فتدلان على استحباب هذا القول عند مس الماء، لأنّ المراد من قوله في اولهما (إذا وضعت يدك في الماء) يكون المراد حين إرادة وضع اليد و يحتمل استحبابه في كلتا الحالتين، حالة إرادة وضع اليد في الماء و حالة وضع اليد في الماء.

فتلخص انه لا تنافى بين الروايات، لأنّ الأخبار الواردة في استحباب مطلق التسمية و إن لم تتعرض لمحل التسمية، لكن لمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كونها اوّل الشروع في الوضوء لأنّ الابتداء بها مطلوب، و اوّل الوضوء و ابتداء الشروع فيه هو اوّل ما يضع يده في الماء

لأن يغترف، او إذا يصب الماء على اليد لأن يشرع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 132

في الوضوء و يغسل الوجه، و على كل حال يكفى في استحباب التسمية عند الشروع ما يدل على مطلوبيتها عند الشروع في الأمور.

***

[السابع: الاغتراف باليمنى]

قوله رحمه اللّه

السابع: الاغتراف باليمنى و لو لليمنى بأن يصّبه في اليسرى ثم يغسل اليمنى.

(1)

أقول، تعرض المؤلف رحمه اللّه فى هذه المسألة لبيان كون اغتراف الماء باليمنى مستحب مطلقا، حتّى اذا اراد غسل اليمنى يستحب ان يغترف الماء بيده اليمنى ثم يصبه فى يده اليسرى ثم يغسل يده اليمنى.

و ما يمكن كونه دليلا لهذا الحكم، الرواية التي رواها عمر بن اذينة (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لما اسرى بى الى السماء، اوحى اللّه إليّ: يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك و طهرها و صل لربك، فدنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من صاد، و هو ماء يسيل من ساق العرش الايمن، فتلقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الماء بيده اليمنى فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين، ثم اوحى اللّه إليه ان اغسل وجهك فإنك تنظر الى عظمتى، ثم اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى فإنك تلقى بيديك كلامى، ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك فإنّى أبارك عليك و أوطئك موطئا لم يطأه احد غيرك). «1»

و لكن في دلالتها تأمل، اذ كون اوّل الاغتراف باليمنى مما يستفاد من الرواية

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 133

و لكن كون الاغتراف بعد غسل الوجه لغسل اليمنى أيضا باليمنى فهو غير معلوم.

الّا ان يقال بأن قوله (فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين) يدل على كون الوضوء هكذا، و الوضوء عبارة عن الغسلتين و المسحتين، فيشمل غسل اليمنى أيضا.

و الرواية التي رواها ابن اذينة عن بكير و زرارة بن اعين (انهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فدعا بطست او بتور فيه ماء فغسل كفيه، ثم غمس كفه اليمنى في التور فغسل وجهه بها و استعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه، ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء، فغسل يده اليمنى من المرفق الى الاصابع لا يرد الماء الى المرفقين، ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فافرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكف لا يرد الماء الى المرفق كما صنع باليمنى، ثم مسح رأسه و قدميه الى الكعبين بفضل كفيه و لم يجدّد ماء) «1»، هذه الرواية تدل على المطلوب.

و هذه الرواية يروى الشيخ رحمه اللّه عن المفيد عن احمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن ابن اذينة عن بكير و زرارة.

لكن يروى الكلينى عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن اذينة عن زرارة و بكير، و فيها قال: (فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على وجهه فغسل بها وجهه، ثم غمس كفه اليسرى فغرف بها غرفة فافرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق الى الكف لا يردها الى

المرفق، ثم غمس كفه اليمنى فافرغ بها على ذراعه اليسرى الخ). «2»

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 134

و مع هذه الرواية يشكل الحكم باستحباب الاغتراف باليمنى حتى لنفس غسل اليمنى.

أمّا أولا: لانهما رواية واحدة و بعيد أن يسأل زرارة و بكير عن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أبي جعفر عليهما الصلاة و السلام مرة فاجاب بنحو ما ذكر في الرواية المروية عن الشيخ رحمه اللّه، و مرة اخرى فاجاب بنحو آخر مطابقا لنقل الكلينى، خصوصا مع كون الراوى و المروى عنه واحدا لأنّ المروى عنه هو ابو جعفر عليه السّلام و الراوى زرارة و بكير.

و أما ثانيا: لو فرض كونهما روايتين فحيث يكون كل منهما نقل فعل النبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نقل فعله لا يمكن أن يكون نحوين، و إن كان فعله نحوين كان اللازم أن يقول في كل من الروايتين بأن فعله صلّى اللّه عليه و آله كان مختلفا، فتارة كان باغتراف يده اليمنى حتى لغسل يده اليمنى، و تارة باغتراف يده اليسرى لغسل اليمنى.

و لا يمكن أن يقال بالاخذ باحدهما من باب اصالة عدم الزيادة، او اصالة عدم النقيصة لأنّه ليس فى البين إلّا كلمه واحدة نقل في احد الخبرين (اليمنى) و في الآخر (اليسرى)، فاذا يشكل التمسك لاستحباب الاغتراف باليمنى حتى لغسل اليمنى بهذه الرواية، نعم يمكن الجمع و توجيهه يأتى إن شاء اللّه.

و الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال؟ يأخذ احدكم

الراحة من الدهن فيملأ بها جسده الماء اوسع ألا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

قلت: بلى. قال: فادخل يده في الاناء فلم يغسل يده، فاخذ كفا من ماء فصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله، ثم اخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره، ثم غسل به ذراعه الايمن، ثم اخذ كفا آخر فغسل به ذراعه الايسر، ثم مسح رأسه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 135

و رجليه بما بقى في يديه) «1» و هذه الرواية تدل على كون فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الاغتراف باليمنى حتى لغسل اليمنى.

إذا عرفت ذلك كله، نقول أن الأخبار الواردة في ذكر وضوء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، امّا ينتهى سنده بزرارة و بكير او باحدهما، و امّا ينتهى سنده بمحمد بن مسلم، و امّا ينتهى سنده بعمر بن اذينة.

أمّا ما ينتهى سنده بزرارة و بكير روايتان، و هما الرواية 3 و 15 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

اوليهما، تدل على أن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان الاغتراف لغسل يد اليمنى بيد اليسرى.

و ثانيهما تدل على كون الاغتراف لغسل الوجه وليد اليمنى و اليسرى بيد اليمني.

و أمّا ما ينتهى سنده بزرارة و هي الرواية 2 من الباب المذكور، و ما ينتهى سنده ببكير و هى الرواية 4 من الباب المذكور، تدلان على كون الاغتراف لغسل يد اليمنى بيد اليسرى، فليس في روايتهما الا رواية واحدة دالة على كون الاغتراف مطلقا حتى لغسل يد اليمنى بيد اليمنى، فمع كون كل هذه الروايات في مقام بيان

فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كلها مروية عن أبي جعفر عليه السّلام إمّا أن يقال بكون كلها رواية واحدة، لبعد سماع زرارة و بكير قضية واحدة مرات عن أبي جعفر عليه السّلام و هذا الاحتمال قوى بالنظر، فإن كان كذلك فلا ندرى أن الصادر من المعصوم اى رواية من الروايات هل الصادر ما يدل على كون الاغتراف لغسل اليمنى بيد اليمنى، او ما يدل على كون

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 136

الاغتراف لغسل اليمنى باليسرى، و بعد عدم معلومية ذلك لا تدل ما ينتهى سنده بزرارة و بكير على استحباب كون الاغتراف لغسل يد اليمنى باليمنى.

و إمّا قلنا بكونها روايات متعدّدة، فينتهى الامر الى ما نقول فى وجه معارضة رواية محمد بن مسلم مع هذه الروايات إن شاء اللّه.

و أمّا ما ينتهى سنده بمحمد بن مسلم دال على كون الاغتراف مطلقا حتى لغسل يده اليمنى بيد اليمنى، فنقول بعد كون الروايات في مقام ذكر فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقع التعارض، فإن امكن الجمع بين الطائفتين نقول به.

و الجمع بينهما:

إمّا بأن يقال ان هذه الأخبار تحكى عن وقائع متعددة، لا واقعة واحدة، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مرة يغترف بيده اليمنى في تمام الغسلات فحكى هذا الفعل، و مرة كان يغترف لغسل يدى اليمنى باليسرى فحكى هذا الفعل أيضا، فتكون النتيجة جواز كل منهما و لا ينافى ذلك استحباب الاغتراف باليمنى مطلقا كما هو المشهور، بل ترك مرة او مرات هذا الفعل المستحب كان لمصلحة اخرى فيرتفع التنافى

من البين.

و إمّا بأن يقال أن مقتضى طائفة الاغتراف لغسل اليمنى باليمنى و مقتضى طائفة اعتراف الماء لغسل اليمنى باليسرى هو التخيير بينهما، لكن مقتضى هذا الجمع عدم استحباب كون الاغتراف باليمنى لغسل اليمنى و هذا خلاف ما عليه المشهور من استحبابه.

لكن هذا الاحتمال بعيد، لأن الوضع الطبيعى يقتضي كون اغتراف الماء لغسل اليمنى بيد اليسرى فرفع يده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن هذا الوضع و اغترافه بيده اليمنى حتى لغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 137

يده اليمنى، كما فى رواية محمد بن مسلم شاهد على رجحان هذا العمل، و هذا معنى الاستحباب.

و لو ابيت عن الجمع بأحد الوجهين يمكن أن يقال بأنه بعد سقوط روايات زرارة و بكير عن الحجية في هذه الجهة لعدم معلومية ما هو الصادر من المعصوم عليه السّلام من بينهما تبقى رواية محمد بن مسلم بلا معارض، و تدل على استحباب الاعتراف باليمنى مطلقا حتى لغسل اليمنى، كما أن رواية عمر بن اذينة بناء على كون قوله عليه السّلام فيها (فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين) ناظرا الى ان الوضوء مطلقا باليمين لأنّ الوضوء عبارة عن غسلتين و مسحتين و من الغسلتين غسل اليد اليمنى، فتلخص من ذلك كله استحباب اغتراف الماء باليمنى مطلقا كما قاله المؤلّف رحمه اللّه و عليه الشهرة.

***

[الثامن: قراءة الادعية الماثورة]

قوله رحمه اللّه

الثامن: قراءة الادعية الماثورة عند كل من المضمضة و الاستنشاق و غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين.

(1)

أقول: راجع الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

[التاسع: غسل كل من الوجه و اليدين مرتين]

اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع: غسل كل من الوجه و اليدين مرتين.

(2)

أقول:

الاقوال في المسألة ثلاثة:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 138

الأول: استحباب غسل كل من الوجه و اليدين مرتين، بأن يغسل كل منهما بعد غسل الأول مرة ثانية و هذا هو المشهور بل حكى نقل الاجماع عليه من بعض، او نفي الخلاف بين المسلمين.

الثاني: جواز الغسلة الثانية لا استحبابها.

الثالث: القول بعدم جواز الغسل الثاني و كونه بدعة و هو المحكى عن صاحب الحدائق رحمه اللّه.

و ما يمكن أن يستدل به على القول الأول روايات:

الاولى: الرواية التي رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يوجر عليه و حكى لنا وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فغسل وجهه مرة واحدة و ذراعيه مرة واحدة، و مسح رأسه بفضل وضوئه و رجليه). «1»

الثانية: الرواية التي رواها أبو جعفر الاحول عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: فرض اللّه الوضوء واحدة واحدة، و وضع رسول اللّه للناس اثنتين اثنتين). «2».

الثالثة: الرواية التي رواها عمر و بن أبي المقدام (قال: حدثنى من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: انى لاعجب ممن يرغب ان يتوضأ اثنتين اثنتين و قد توضأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اثنتين اثنتين). «3».

الرابعة: الرواية التي رواها معاوية بن وهب (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 16 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 139

الوضوء؟ فقال: مثنى مثنى). «1».

الخامسة: الرواية التي رواها صفوان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الوضوء مثنى مثنى). «2».

السادسة:

الرواية التي رواها فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام الّا انه قال: (أن الوضوء مرة فريضة و اثنتان اسباغ). «3».

السابعة: الرواية التي رواها محمد بن الفضل (أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء (الى أن قال فى ذيلها) (اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا الخ). «4».

الثامنة: الرواية التي رواها داود الرقى (قال: دخلت على أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت له جعلت فداك: كم عدّه الطهارة؟ فقال: ما أوجبه اللّه فواحدة، فواحدة و اضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واحدة لضعف الناس) «5». الى أن قال في ذيلها أيضا ما يدل على هذا.

و أمّا ما يمكن أن يستدل به على القول الثاني

و هو جواز الغسلة الثانية لا استحبابها روايات:

الأول: الرواية التي رواها زرارة قال (قال أبو جعفر عليه السّلام: إن اللّه وتر يحبّ الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلث غرفات واحدة للوجه و اثنتان للذراعين،

______________________________

(1) الرواية 28 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 29 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 23 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 140

و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقى من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قد اليسرى) «1».

و اعلم أن المستفاد منها كونه اقل ما يجزى، فلا ينافى استحباب الغسلة الثانية.

الثانية: الرواية الّتي رواها محمد بن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال الوضوء واحدة فرض و

اثنتان لا يوجر و الثالثة بدعة). «2».

الثالثة: الرواية الّتي رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر و ينتهى السند بابن يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الوضوء قال: اعلم ان الفضل في واحدة و من زاد على اثنتين لم يوجر). «3».

و ما يمكن أن يستدل به على القول الثالث

اى عدم جواز الغسل الثاني و كونه بدعة روايات:

الاولى: الرواية الّتي رواها ميسر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: الوضوء واحد و وصف الكعب في ظهر القدم). «4».

الثانية: الرواية الّتي رواها يونس بن عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء للصلاة؟ فقال: مرة مرة هو). «5».

الثالثة: الرواية الّتي رواها عبد الكريم يعنى ابن عمرو (قال: سألت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 31 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 27 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 6 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 141

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء؟ فقال: ما كان وضوء على عليه السّلام الّا مرة مرة). «1»

الرابعة: الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان (قال: كنت قاعدا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدعا بماء فملأ به فعم به وجهه، ثم ملأ كفه فعم به يده اليمنى، ثم ملأ كفه فعم به يده اليسرى، ثم مسح على رأسه و رجليه و قال: هذا وضوء من لم يحدث حدثا يعنى به التعدّى في الوضوء). «2».

و المراد بعدم احداث الحدث في الوضوء هو عدم التعدى في الوضوء كما في ذيل الرواية بناء على كون الذيل من

كلام الامام عليه السّلام و إن لم يكن الذيل جزء الرواية يدل عليه الرواية 25 من هذا الباب.

الخامسة: الرواية الّتي رواها محمد بن علي بن الحسين مرسلا قال: (قال الصادق عليه السّلام: ما كان وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الا مرة مرة. فقال: و توضأ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة الا به). «3».

السادسة: الرواية الّتي رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (انه كتب الى المأمون محض الاسلام شهادة ان لا إله إلّا اللّه، (الى أن قال) ثم الوضوء كما امر اللّه في كتابه غسل الوجه و اليدين الى المرفقين و مسح الرأس و الرجلين مرة واحدة) «4».

إذا عرفت حال الأخبار الواردة في المسألة، نقول في مقام

العلاج بين الطوائف الثلاثة من الاخبار:

أمّا الطائفة الاولى مع الثانية، فلا يمكن الجمع بينهما، لأنّ مقتضى الاولى هو

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 10 و 11 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 22 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 142

كون الافضل وقوع الوضوء مثنى مثنى و كون الفضل في ذلك، و الحال أن مقتضى الثانية كون الفضل في المرة و عدم الامر في الغسل الثانى.

و بعد عدم امكان الجمع بينهما لا بدّ من الاخذ بالطائفة الاولى، لأنّ أوّل المرجحات و هو الشهرة معها سواء كانت الشهرة الروائى هو المرجح او الفتوائى.

فإن كان المرجح الشهرة الروائى، فالطائفة الأولى رواها المشهور فهى إمّا مشهور او اشهر.

و

إن كان المرجح الشهرة الفتوائى، كان الترجيح أيضا معها، لأنّ المشهور شهرة عظيمة أفتوا على طبقها و لم ينقل القول بالطائفة الثانية إلّا ما قيل من كونه ظاهر عبارة الكلينى رحمه اللّه في الكافي، و المترائى من عبارة الصدوق رحمه اللّه في الفقيه و المحكى عن البزنطي، و قال به جمع من المتأخرين.

و إن كان المرجح مخالفة العامة، فكما قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف القول بالطائفة الاولى افتى به الشافعى و افتى مالك على طبق الطائفة الثانية، فلا ترجيح لإحداهما على الاخرى و لكن لا تصل النوبة بهذا المرجح بل حيث تكون الشهرة على طبق الطائفة الاولى يؤخذ بها و يطرح الثانية.

و أمّا الكلام في معارضة الطائفة الاولى مع الطائفة الثالثة من الأخبار، فنقول بعونه تعالى، أن بعض الأخبار من الطائفة الثالثة يحمل على أن مرة مرة فرض الوضوء و لا ينافى ذلك استحباب مرة اخرى بعنوان سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الاسباغ استحبابا و هو الرواية الاولى و الثانية و السادسة، بل الرابعة قابلة الحمل على هذا و قوله فيها (هذا وضوء من لم يحدث حدثا) يكون في قبال العامة القائلين بثلث مرات، و اما الخامسة فهى ضعيفة السند لانها مرسله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 143

و على هذا لا يبقى خبر معارض من الطائفة الثالثة مع الطائفة الاولى الا الرواية الثالثة و الرابعة لو ابيت عن حملها على ما قلنا، لأنّ فى الثالثة قال (ما كان وضوء على عليه السّلام الّا مرة مرة) و ظاهرها التزامه عليه السّلام بالمرة، و هذا ينافى استحباب الغسل مرتين، فلا يمكن جمعها مع الطائفة الاولى الدالة على مشروعية

الثاني و رجحانه و استحبابه، فيقع التعارض بينهما، فلا بدّ في مقام التعارض الأخذ بما فيه المرجح و الترجيح مع الطائفة الاولى لأنّ أوّل المرجحات الشهرة و هي سواء كانت الشهرة الروائى أو الفتوائى تكون علي طبق الطائفة الاولى.

بل نقول بأن مقتضى الحجية غير موجود في الطائفة الثالثة من رأس و لا تصل النوبة بالتعارض، لأنّ هذه الطائفة مما اعرضت عنها الاصحاب فالاقوى هو استحباب الغسل مرتين.

***

[العاشر: أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى]

قوله رحمه اللّه

العاشر: أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى و في الثانية بباطنهما و المرأة بالعكس.

(1)

أقول: فى المسألة قولان.

الأول: ما اختاره المؤلّف رحمه اللّه من استحباب كون ابتداء الغسل في المرة الاولى للرجل بظاهر ذراعيه و في الثانية بباطنهما و للمرأة بالعكس.

الثاني: أن يبدأ الرجل في كل من الغسلتين بظاهر ذراعيه و المرأة في كل من الغسلتين تبدأ بباطن ذراعيها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 144

و أمّا النص فليس في البين الّا الرواية التى رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: فرض اللّه على النساء في الوضوء للصلاة أن يبدئن بباطن اذرعهن و في الرجال بظاهر الذراع) «1».

و أمّا مرسلة الصدوق رحمه اللّه المذكورة في هذا الباب فهي ظاهرا ليست الا هذه الرواية رواها مرسلا.

فهل المستفاد من الرواية ما لا يساعد كل من القولين بدعوى كون مفادها استحباب ابتداء الغسل في المرة الاولى للنساء بباطن الذراع و للرجال بالعكس، فلا تعرض لها للغسل الثاني الذي يأتى به استحبابا لقوله (ما فرض اللّه على النساء في الوضوء) و ليس الفرض إلّا الغسل الأول.

او يقال بأن مفادها يساعد مع القول الثاني، لأنّ مفادها كون مفروض اللّه فى الوضوء للنساء

الابتداء بباطن الذراع و للرجال بظاهره، فكل غسل يقع في الوضوء وجوبا أو استحبابا فرض فيه هذه الكيفية، و الفرض هنا يكون بنحو الاستحباب لعدم قول بوجوب هذه الكيفية، و لا يبعد ذلك، فعلى هذا لا يوجد للقول الأول مدرك، بل ربما ينافي الرواية.

فما يأتى بالنظر عاجلا هو العمل بهذه الكيفية في الغسل الأول و الثاني، و هو مقتضى القول الثاني، لكن في الغسل الثاني يشكل الحكم باستحبابه بالكيفية الواقعة في الغسل الأول من باب ما ادعى من الإجماع على أن يكون الابتداء في الغسل الثاني بعكس الابتداء فى الغسل الأول، و إن حكى عن الذكرى أن الاصحاب يقولون بالقول الثاني و هو كون الابتداء فى كل من الغسلتين للرجل بظاهر الذراع

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 145

و للمرأة بباطنه، إلّا أن يقال بعدم تحقق اجماع كاشف عن وجود النص و قول المعصوم عليه السّلام فنحن و ما نستفاد من الرواية، فإذا نقول بعد احتمال كون الرواية متعرضة لمفروض الغسل فلا تعرض لها للغسل الثاني، و بعد عدم تعرض النص للغسل الثاني نشك في استحباب هذا العمل بكل من النحوين في الغسل الثاني، و لا وجه لنا للقول باستحبابه.

و يمكن القول بالإتيان به باحدى الكيفيتين رجاء لاحتمال مشروعية كل منهما مع الاحتمالين الموجودين في البين فأفهم.

***

[الحادى عشر: أن يصب الماء على اعلى كل عضو]

قوله رحمه اللّه

الحادى عشر: أن يصب الماء على اعلى كل عضو، و أمّا الغسل من الاعلى فواجب.

(1)

أقول: يستدل عليه بالرواية التى رواها زرارة قال: (قال: ابو جعفر عليه السّلام الا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقلنا: بلى. فدعا

بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه، ثم غمس فيه كفه اليمنى، ثم قال: هكذا إذا كانت الكف طاهرة، ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته، ثم قال «بسم اللّه» و سد له على اطراف لحيته، ثم امر يده على وجهه و ظاهر جبهته مرة واحدة، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى، فامر كفّه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه، ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 146

فامر كفّه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه الخ) «1».

يستفاد منها كون صبّ الماء من الاعلى، هذا بالنسبة الى استحباب كون صب الماء من الاعلى لأنّه من فعله يستفاد صلّى اللّه عليه و آله الاستحباب.

و أمّا كون الغسل من الاعلى فياتى إن شاء اللّه في محله.

***

[الثاني عشر: أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء]

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر: أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصب الماء عليه لا بغمسه فيه.

(1)

أقول: يستدل عليه بما ورد في الوضوءات البيانية من كون وضوئه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بصب الماء على محال الوضوء لا بالغمس.

و لكن ما يأتى بالنظر عدم كون مجرد وضوئه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصب دليلا على استحباب الصب لان الغالب من الماء في زمنهم و محل سكناه هو الماء القليل لا يمكن الغمس في الماء باليد و الوجه، و هذا لا يوجب الاستحباب، و الّا ينبغى ان يقال بكون غسل النجاسات بالماء القليل افضل لانهم عليهم السّلام غالبا يكون المطهر عندهم الماء القليل، نعم لا بأس به رجاء.

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15

من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 147

[الثالث عشر: أن يكون ذلك من امرار اليد على تلك المواضع]

قوله رحمه اللّه

الثالث عشر: أن يكون ذلك من امرار اليد على تلك المواضع و إن تحقق الغسل بدونه.

(1)

أقول: يدل عليه الرواية التى ذكرناها سابقا، «1» لأنّ فيها قال إنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم امرّ يده على وجهه و ظاهر جبهته و كذلك في اليدين ربما حكى عن قرب الاسناد، و لكن يشكل الاستدلال بهما على حكم المذكور لاحتمال كون امرار اليد لوصول الماء الى محال الوضوء و تحقق الغسل، اما كون امرار اليد مستحبا حتى مع تحقق الغسل، فلا تدلان عليه، لهذا يؤتى به رجاء.

***

[الرابع عشر: أن يكون حاضر القلب في جميع افعاله]

قوله رحمه اللّه

الرابع عشر: أن يكون حاضر القلب في جميع افعاله.

(2)

أقول: كما يحكى ذلك عن المعصومين عليهم السّلام راجع الباب 15 من أبواب الوضوء من جامع احاديث الشيعة مضافا الى مطلوبية ذلك في العبادات مطلقا بحكم العقل و النقل.

***

[الخامس عشر: أن يقرأ القدر حال الوضوء]

قوله رحمه اللّه

الخامس عشر: أن يقرأ القدر حال الوضوء.

(3)

أقول: لما روى في الفقه الرضوى (ايما مؤمن قرء في وضوئه انا انزلناه في ليلة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 148

القدر، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه) و لكن مع ضعف سنده يؤتى رجاء او يؤتى استحبابا بقصد مطلق قراءة القرآن.

***

[السادس عشر: أن يقرأ آية الكرسى بعده]

قوله رحمه اللّه

السادس عشر: أن يقرأ آية الكرسى بعده.

(1)

أقول: لما حكى عن كتاب الاختيار عن الباقر عليه السّلام (من قرء على اثر وضوئه آية الكرسى مرة اعطاه اللّه ثواب اربعين عاما و رفع له اربعين درجة و زوجه اللّه اربعين حوراء) لا بأس باتيانها رجاء «1».

***

[السابع عشر: أن يفتح عينيه حال غسل الوجه]

قوله رحمه اللّه

السابع عشر: أن يفتح عينيه حال غسل الوجه.

(2)

أقول: يستدل عليه بالرواية التى رواها محمد بن علي بن الحسين مرسلا قال:

(قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنم) «2» و رواه أيضا في المقنع مرسلا، و في ثواب الاعمال و في العلل عن محمد بن الحسن عن الصفار عن العباس بن معروف عن حماد و أبي همام عن محمد بن سعيد بن غزوان

______________________________

(1) الرّواية 8 من الباب 24 من ابواب الوضوء من مستدرك الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب الوضوء من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 149

عن السكونى عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر مثله) فبهذا الطريق تكون الرواية مسندة و مع ضعف السند لا بأس به رجاء لعدم اثبات الاستحباب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 151

فصل: في مكروهات الوضوء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 153

قوله رحمه اللّه

فصل في مكروهات الوضوء

[الأوّل: الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة]

الأوّل: الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة كأن يصبّ الماء في يده، و أمّا في نفس الغسل فلا يجوز.

(1)

أقول: يستدل عليه بروايات:

الأولى: الرواية الّتي رواها الحسن بن علي الوشاء (قال: دخلت علي الرضا عليه السّلام و بين يديه ابريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة، فدنوت منه لاصبّ عليه، فأبى ذلك و قال عليه السّلام: مه يا حسن، فقلت له. لم تنهانى أن أصبّ على يديك تكره أن اوجر؟ قال: توجر أنت و اوزر أنا، فقلت، و كيف ذلك؟ فقال: أ ما سمعت اللّه عزّ و جل يقول: فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه احدا) و ها أنا إذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة فاكره أن يشركنى فيها احد) «1».

الثانية: و هى مرسلة الصدوق (قال: كان امير المؤمنين عليه السّلام إذا توضأ لم يدع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 154

احدا يصبّ عليه الماء. فقيل له: يا امير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون عليك الماء؟

فقال: لا احب أن اشرك في صلاتي احدا و قال اللّه تبارك و تعالى: فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) «1»، و في العلل رواها مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن امير المؤمنين عليه السّلام على ما في الوسائل و نحوها و قال و رواه الشيخ رحمه اللّه الخ.

الثالثة: الرواية الّتي رواها السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن علي عليه السّلام قال:

(قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خصلتان لا احبّ أن يشاركنى فيها احد، وضوئى فإنه من صلاتي، و صدقتى فإنها من يدى الى يد السائل فأنها تقع في يد الرحمن) «2».

الرابعة: الرواية الّتي رواها المفيد رحمه اللّه في الارشاد (قال: دخل الرضا عليه السّلام يوما و المأمون يتوضأ للصلاة و الغلام يصب على يده الماء، فقال: لا تشرك يا امير المؤمنين بعبادة ربك احدا، فصرف المأمون الغلام و تولى تمام وضوئه بنفسه) «3».

و المستفاد من مجموع الروايات هو كراهية الاستعانة كما هو المعروف بين الاصحاب، لأنّ قوله عليه السّلام فى الرواية الاولى (توجر انت و اوزر انا شاهد على مرجوحيته، لأنّه إن كانت الاستعانة حراما لم يكن للمعين أجر، بل كان عليه الاثم لاعانته على المحرم.

كما أن قوله عليه السّلام في الثانية (لا احب أن اشرك في صلاتي) شاهد على الكراهة، و كما أن قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (لا احب) في الثالثة شاهد على الكراهة، مضافا الى عدم حرمة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 155

الاستعانة في الصدقة.

كما أن في الرابعة تم المأمون الوضوء بلا اعانة، فإن كان مفاد كلامه عليه السّلام هو التحريم كان المناسب انه عليه السّلام يأمره بان يعيد وضوئه، لا ان يتمه و لا يعيد ما اوقع منه بالاستعانة.

و بعد ظهور الأخبار في الكراهة فلا نحتاج فى حملها على الكراهة بما ورد في الرواية الّتي رواها أبو عبيدة الحذاء (قال:

وضأت أبا جعفر عليه السّلام بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى، ثم صببت عليه كفا فغسل به وجهه (و كفا غسل به ذراعه الايمن) و كفا غسل به ذراعه الايسر، ثم مسح بفضلة الندى رأسه و رجليه). «1».

بدعوى دلالة هذه الرواية على جواز الاستعانة بفعل الغير، لأنّه وضع الماء في يد أبي جعفر عليه السّلام على ما في هذه الرواية، لما قلنا أولا من وجود الشاهد على الكراهة في نفس الروايات، نعم تكون هذه الرواية ذوا احتمالين:

الأول: ما قيل من كون ابو عبيدة يصب الماء على كف أبي جعفر عليه السّلام و هو يصبه على مواضع وضوئه و يغسلها، فعلى هذا الاحتمال تدل على جواز الاستعانة فى هذه المقدمة القريبة.

الثاني: و هو كونه يصب الماء على مواضع وضوئه عليه السّلام، و هو عليه السّلام يغسلها بعد الصب، فعلى هذا تدل على جواز الاستعانة بنفس صب الماء على مواضع الوضوء للغسل.

و يأتي الكلام إن شاء اللّه ما هو الحق فى هذه الصورة، فى الشرط التاسع من شرائط الوضوء.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 156

و على كل حال مقتضى هذه الرواية جواز الاستعانة بالمقدمات، و مقتضى الاخبار السابقة على تقدير تمامية دلالتها عدم الجواز، فلا بدّ من حمل الاخبار المذكورة بقرينة هذه الرواية على الكراهة، لان هذا مقتضى الجمع العرفى فحمل النهى بقرينة ما دل على الخلاف على الكراهة، لكن هذا ان كان الوارد فى الرواية (ثم صببت عليه كفا) و اما ان كان (ثم اخذ كفا) يعنى اخذ الامام عليه السّلام كفا من الماء، فلا تدل هذه الرواية اعنى رواية أبي عبيدة

الحذاء على جواز صب الغير ماء الوضوء حتى يدل على جواز تولية الغير لصب الماء، فلا يتم ما قلنا من الجمع فيها و تمّت الاخبار الثلاثة المتقدمة.

و على كل حال لا اشكال فى كراهة الاستعانة على بعض المقدمات القريبة من الوضوء، و المراد بالاستعانة ليس خصوص ما طلب المتوضى الاعانة، كما هو مفاد الاستعانة، بل تشمل موردا يكون المعين فى مقام الاعانة و لو لم يكن بطلب المعان و المتوضى، كما هو صريح بعضها و اطلاق بعضها الآخر.

و اما الكلام في الاستعانة في نفس الغسل من الوضوء فيأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

***

[الثاني: التمندل]

قوله رحمه اللّه

الثاني: التمندل بل مطلق مسح البلل.

(1)

أقول: يستدل على ذلك بالمروى عن الصادق عليه السّلام مسندا كما في ثواب الأعمال للصدوق رحمه اللّه و عن الكلينى رحمه اللّه و عن البرقى في المحاسن، و مرسلا كما عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 157

الصدوق رحمه اللّه أيضا أنه عليه السّلام قال: (من توضأ و تمندل كتبت له حسنة، و من توضأ و لم يتمندل حتى يجفّ وضوئه كتب اللّه له ثلثون حسنة). «1»

وجه الاستدلال انه بعد كون معنى الكراهة في العبادات اقلية ثوابها، تدل الرواية على الكراهة، لانها تدل على كون الوضوء الذي تمندل بعده له حسنة، و الحال أن الوضوء الذي لا يتمندل بعده له ثلثون حسنة، فالأول أقل ثوابا من الثاني و هذا معنى الكراهة، و هذا هو المشهور بين الاصحاب على ما نسب إليهم.

لكن هنا كلام في دلالة الرواية على كراهة التمندل، لاحتمال كون المراد من الرواية هو استحباب ابقاء ماء الوضوء بحاله حتى يجفّ بنفسه، لا كراهة عدم ابقائه و رفعه بالمنديل، فمع هذا

الاحتمال لا وجه لحملها على كراهة التمندل، لأنّ هذا الاحتمال لو لم يكن اقوى، فلا أقل من تساويه مع ما احتمل من حملها على كراهة التمندل، فالرواية ذو احتمالين.

و أمّا اختيار المشهور فإن كان من باب فهمهم من الرواية كراهة التمندل، ففهمهم ليس بحجة.

و إن كان من باب وقوفهم على ما لم نقف عليه من النص- و لا يبعد ذلك، لأنّ الأخبار التى تدل على جواز التمندل فيها الاشعار بل الدلالة على الكراهة خصوصا لو حملت هذه الأخبار المجوزة على التقية و انها صدرت على طبق نظرهم العمياء تقية، و هذه الأخبار ذكرها صاحب الوسائل رحمهم اللّه فى الباب المذكور، و يظهر من بعضها جواز التمندل و من بعضها التزام بعض المعصومين عليهم السّلام على التمندل بعد الوضوء، و يظهر للمتأمل في هذه الأخبار انه يلوح منها ريح التقية- فاذا نقول: لا يبعد كراهة

______________________________

(1) الرّواية 5 من الباب 45 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 158

التمندل كما نسب الى المشهور.

و هل يكون مثل التمندل في الكراهة مطلق مسح البلل و لو بغير المنديل، مثل مسحه باليد أو لا؟ لا يبعد ذلك، لأنّ المستفاد من الخبر كون كراهة التمندل لاجل مرجوحية امحاء ماء الوضوء حتى يجف بنفسه لا باعمال عمل، فمطلق اعمال العمل لتجفيف ماء الوضوء مكروه على هذا.

***

[الثالث: الوضوء في مكان الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

الثالث: الوضوء في مكان الاستنجاء.

(1)

أقول: يستدل عليه بما حكى عن جامع الأخبار مرسلا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (انه قال: عشرون خصلة تورث الفقر: اوله القيام من الفراش للبول عريانا- الى أن قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و غسل الاعضاء

فى موضع الاستنجاء). «1»

و لا يخفى الاشكال في سندها، و كذا دلالتها لأنّ المراد من (غسل الاعضاء) غسل الاعضاء للوضوء او غسلها لرفع القذارة الشرعية او العرفية، و لاجل ذلك نقول بأنه لو ترك يترك رجاء.

و بعد الإغماض عن الاشكالين و قبول دلالتها على كراهته، فما يدل على جواز ذلك نقلا من فعل امير المؤمنين عليه السّلام عن الصادق عليه السّلام على ما في الرواية الّتي رواها عبد الرحمن بن كثير هاشمى مولا محمد بن على «2»، و كذا من فعل الباقر عليه السّلام في الرواية

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 29 نوادر ما يتعلّق بابواب الخلاء من مستدرك الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 159

التى رواها عبيد بن الحذاء «1»، لا ينافي الكراهة، اذ يجوز ارتكاب المكروه مضافا الى احتمال كون فعله لمصلحة اهم او دفع مفسدة اهم.

***

[الرابع: الوضوء من الآنية المفضضة او المذهبة]

قوله رحمه اللّه

الرابع: الوضوء من الآنية المفضضة او المذهبة او المنقوشة بالصور.

(1)

أقول: يستدلّ عليه بالرواية التي رواها إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (عن الطست يكون فيه التماثيل او الكوز او التور يكون فيه التماثيل او فضة لا يتوضأ منه و لا فيه، الحديث) «2»، بعد حمل النهى فيها على الكراهة لعدم حكاية قول بالحرمة و هذا يوهن ظهور النهى في التحريم.

ثم أن المذهبة لم تكن مذكورة في الرواية، و قيل في وجه كراهة الوضوء منها أو فيها بكونها مثل المفضضة في مورد تحريم استعمالها، او ادعاء الاولوية أو تنقيح المناط، و مع ذلك يترك رجاء.

***

[الخامس: الوضوء بالمياه المكروهة]

قوله رحمه اللّه

الخامس: الوضوء بالمياه المكروهة، كالمشمس، و ماء الغسالة من الحدث الاكبر، و الماء الآجن، و ماء البئر قبل نزح

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 55 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 160

المقدرات، و الماء القليل الذي ماتت فيه الحية او العقرب او الوزغ و سؤر الحائض و الفار و الفرس و البغل و الحمار و الحيوان الجلّال و آكل الميتة بل كل حيوان لا يؤكل لحمه.

(1)

أقول: أمّا الكراهة بماء المشمس، يستدل عليه بالرواية التي رواها اسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الماء الّذي تسخنه الشمس لا تتوضئوا به و لا تغسلوا به و لا تعجنوا به فأنه يورث البرص) «1»، و الشاهد على كون النهى فيها النهي التنزيهى هو ما ذكر فيها من المفسدة من كونه موجبا للبرص و هذا يناسب الكراهة.

مضافا الى

الرواية التى رواها محمد بن سنان، يدلّ مفادها على جواز الوضوء منه، و مقتضى الجمع حمل النهى في رواية اسماعيل على الكراهة الّا ان يستشكل بضعف سند الرواية الدالة على الجواز لعدم معلومية (بعض اصحابنا) يروى عنه محمد بن سنان، مضافا الى الاشكال في نفس محمد بن سنان.

و أمّا كراهة الوضوء بماء الغسالة من الحدث الاكبر، فقد عرفت مما مر عند البحث عنه.

و أمّا كراهة الوضوء بالماء الآجن، يدل عليه الرواية الّتي رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الماء الآجن يتوضأ منه إلّا أن تجد ماء غيره فتنزه منه) «2».

و المراد بالماء الآجن الماء المتغير فيكون مورد الكراهة الماء المتغير

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 6 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 161

بغير النجاسة مع بقائه على المائية و إلّا لو كان متغيرا بالنجاسة او تغير بحيث لا يصدق عليه الماء فلا يجوز التوضى منه.

و أمّا كراهة ماء البئر قبل نزح المقدرات، لأنّ مفاد بعض الأخبار المتقدمة في ماء البئر النهى عنه و عن استعماله قبل نزح المقدرات لو وقع شي ء من المذكورات في الأخبار في البئر، و بعد حمل النهى فيها على الكراهة فيكون الوضوء قبل نزح المقدرات مكروها.

و أمّا كراهة الوضوء بالماء القليل الذي ماتت فيه الحية او العقرب او الوزغ و سؤر الحائض و الفار و الفرس و البغل و الحمار و الحيوان الجلّال و آكل الميتة بل كل حيوان لا يؤكل لحمه، فلم اجد بعد دليلا على كراهة الوضوء في هذه الموارد، و ما ورد من النهى

عن اسئار بعضها او كلها لا يكون دليلا على مرجوحية الوضوء منها، نعم لا بأس بترك الوضوء بالماء القليل في الموارد المذكورة رجاء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 163

فصل: في افعال الوضوء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 165

قوله رحمه اللّه

فصل في افعال الوضوء

[الأول: غسل الوجه، وحده]

اشارة

الأول: غسل الوجه، وحده من قصاص الشعر الى الذقن طولا و ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى عرضا. و الانزع و الاغم و من خرج وجهه او يده عن المتعارف يرجع كل منهم الى المتعارف، فيلاحظ ان اليد المتعارفة فى الوجه المتعارف الى اى موضع تصل و إن الوجه المتعارف اين قصاصه فيغسل ذلك المقدار.

و يجب اجراء الماء فلا يكفى المسح به. و حدّه أن يجرى من جزء الى جزء آخر و لو باعانة اليد. و يجزى استيلاء الماء عليه و إن لم يجر إذا صدق الغسل.

و يجب الابتداء بالاعلى، و الغسل من الاعلى الى الاسفل عرفا و لا يجوز النكس. و لا يجب غسل ما تحت الشعر بل يجب غسل ظاهره سواء شعر اللحية و الشارب و الحاجب بشرط صدق احاطة الشعر على المحل و الّا لزم غسل البشرة الظاهرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 166

في خلاله.

(1)

أقول:

في المسألة مسائل:
المسألة الاولى: الأول من افعال الوضوء غسل الوجه،

و هذا مما لا شبهة فيه.

و يدلّ عليه الكتاب الكريم «1» و النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام نذكر بعضها إن شاء اللّه و به اطباق الفتوى من الخاصة و العامة.

المسألة الثانية: في حد الوجه الذي يجب غسله،

و هو كما قال المؤلّف رحمه اللّه: من قصاص الشعر الى الذقن طولا و ما اشتمل عليه الابهام و الوسطى عرضا.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها الصدوق باسناده عن زرارة بن اعين (أنه قال لابى جعفر الباقر عليه السّلام: اخبرنى عن حدّ الوجه الذي ينبغى ان يوضأ الذي قال اللّه عزّ و جل. فقال: الوجه الذي قال اللّه و امر اللّه عزّ و جل بغسله- الذي لا ينبغى لاحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه إن زاد عليه لم يوجر و إن نقص منه أثم- ما دارت عليه الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس الى الذقن و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه؟ فقال: لا) «2».

و رواها الكلينى رحمه اللّه باسناده عن زرارة (قال: قلت له: اخبرنى، و ذكر مثلها إلّا أنه قال (و ما دارت عليه السبابة و الوسطى و الابهام). «3».

______________________________

(1) سورة المائدة- آية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 17 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 167

و رواها الشيخ رحمه اللّه بإسناده عن محمد بن يعقوب مثلها.

و المستفاد من الرواية لو خلينا و الذهن العرفى، هو ما يكون المشهور او الجمع عليه و المسلّم عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم، لأنّ الظاهر منها تحديد الوجه الذي يجب غسله في الوضوء.

فلا

مجال للبحث في أن الشارع تصرف في موضوع له الوجه أم لا، لأنّه حدّد ما هو مراده من الوجه في الوضوء سواء كان ذلك بتصرف في موضوع له الوجه او تصرف فيه من حيث حكمه لا فى موضوعه.

مع أن الظاهر عدم جعل حقيقة شرعية للوجه، بل الوجه باق على ما هو موضوع له، لأنّ قوله في السؤال (أخبرنى عن حد الوجه الذي ينبغى أن يوضأ) هو أن الوجه من حيث تعلق هذا الحكم به ما هو حدّه.

فبعد سؤاله عن حد الوجه الوضوئي، حدّ الباقر عليه السّلام له حدّا طولا و حدّا عرضا، فكما هو ظاهر الرواية (ما دارت عليه الوسطى و الابهام من قصاص شعر الرأس الى الذقن) و المراد من قوله (دارت) اى احاطت عليه الوسطى و الابهام و يقال بالدائرة الدائرة لاحاطتها يعنى ما احاطت عليه الوسطى و الابهام.

و المراد من الابهام و الوسطى معلوم، لأنّ الابهام هو الاصبع الذي له مفصلان و ما يليه السبابة و الوسطى ما تلى السبابة و من (قصاص الشعر) منتهى إليه مذبت الشعر و من (الذقن) مجتمع اللحيين من اسفلهما.

فيكون الحاصل أن حدّ الوجه في الوضوء عرضا و طولا، ما احاطت به الوسطى و الابهام من قصاص الشعر من الرأس الى الذقن، فللوضوء حد عرضا و هو ما دارت عليه الوسطى و الابهام (و ما في نقل الكليني رحمه اللّه ما دارت عليه السبابة الوسطى و الابهام) لا ينافي مع نقل الصدوق رحمه اللّه، لانه بعد كون احد طرفى الحد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 168

الوسطى فقهرا يكون الابهام داخلا في الحد لكون الوسطى اطول من السبابة.

فالحد العرضى يشمل ما يحيط و يدور

عليه به الوسطى و الابهام و بعد قوله عليه السّلام في الحديث المتقدم (من قصاص شعر الرأس الى الذقن) يكون الحد الطولى اعلاه قصاص شعر الرأس و اسفله الذقن، و هذا المقدار يستفاد من الرواية و من قوله (و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه) يستفاد أنه لا بدّ من غسل ما يشمل عرض الاصبعين من ابتداء قصاص شعر الرأس الى الذقن.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أن كل ما يحيطه هذا الطول و العرض، فهو داخل في حد الوجه الواجب غسله في الوضوء، و ما يكون خارجا لا يجب غسله الا من باب المقدمة العلمية.

ثم إن الاشكال بأن الاخذ بما قال الاصحاب من حد الوجه عرضا و طولا كما عرفت لا يناسب مع ما في الرواية من قوله (ما دارت عليه الوسطى و الابهام) او (و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا) اذ لا استدارة في البين و لا يكون وضع الوجه و التحديد عرضا او طولا بنحو الدائرة.

ففيه: أن معنى (دارت) اى احاطت، و الدائرة يقال لها الدائرة لاحاطتها، و لا حاجة الى التكلف في أن الجبهة او الوجه او بعضه يكون بشكل الدائرة تقريبا و لو لم يكن دائرة حقيقة، و الانصاف أن هاتين الفقرتين إذا عرض على العرف يفهمون منه ما قلنا و لا يشكون فيه و هذا معنى كون اللفظ ظاهرا فى المعنى.

كما أن الاشكال بأن لازم كون الحدّ ما قلتم خروج ما يكون داخلا في الحد كالنزعتين و الصدقين مع كونهما خارجين بنظركم، خصوصا صرح في الرواية المتقدمة خروج الثانى، لا وجه له، لأنّ النزعتين (و هو ثنية النزعة بالتحريك و هو البياض المكتنف بطرفى الناصية في مقابل من

يكون اغم و هو الّذي يكون الشعر على جبهته)، خارجتان عن الوجه، و توهم دخولهما في الحد حصل من كون القصاص

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 169

مطلق منتهى منبت الشعر من الرأس، و الحال أنه ليس المنتهى لوجود الشعر بحيالهما فوق الناصية، فيكون قصاص شعر الرأس منتهى منبته و منتهى منبته فوق الناصية، كما أن الصدغين خارجان عن حد الوجه بنصّ الرواية.

فنقول فى توضيحه: بأن الصدغ باحد معنييه خارج عن حد عرض الوجه المحدود فى الرواية، و هذا المعنى ما حكى من بعض اهل اللغة انه عبارة عما بين العين و الاذن، و بهذا المعنى يقع بعضه جزء حد الوجه، و لكن بعد التصريح في الرواية بخروجه نقول بخروجه في المقدار الخارج مما دارت عليه الوسطى و الابهام لاستثناء هذا المقدار عن الحد.

و عن بعض آخر خصوص الشعر المتدلى على ما يلى الاذن، و هذا معنى آخر للصدغ و على هذا خارج عن الحد راسا لعدم شمول الوسطى و الابهام، له و على كل حال بعد دلالة النص على خروجه لا اشكال فيه.

المسألة الثالثة: قد ظهر لك حكم الانزع

و انه خارج عن الحد المذكور في الرواية.

نعم من لم يكن في مقدم رأسه شعر او كان و لكن ليس شعر له فوق ناصيته، يرجع الى المتعارف بنحو نقول في المسألة الرابعة إن شاء اللّه.

المسألة الرابعة: الاغم و هو من يكون الشعر على جبهته يرجع الى المتعارف.

و اعلم انه، تارة يراد من الرجوع الى المتعارف، المتعارف من مطلق الوجوه و من مطلق الاصابع، بمعنى انه يلاحظ متعارف للوجه من بين وجوه جميع الناس و متعارف للأصابع من بين اصابع جميع الناس بدون ملاحظة صغر الافراد و كبرهم،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 170

فبهذا المعنى لا وجه للرجوع الى المتعارف، لأنّ الأمر بالوضوء و غسل الوجه فيه توجه على كل احد و قد حدّد لكل احد كون الغسل من قصاص الشعر الى الذقن طولا و مما دارت عليه الابهام و الوسطى عرضا، فكل مكلف يكون مأمورا بغسل وجهه بهذا الحدّ و باصابع نفسه و من قصاص شعره الى ذقن نفسه لا من ذقن شخص آخر، و قصاص شعر شخص آخر و اصابع شخص آخر، حتى يقال انهم مختلفون من حيث كبر وجوههم و صغرها و طول اصابعهم و قصرها فيرجع الى المتعارف من الناس.

و تارة يراد من المتعارف، المتعارف في كل شخص بالنسبة الى نفسه بين وجهه و اصبعيه سواء كان كل من وجهه و اصبعيه على النحو المتعارف فى اوساط الناس او لا، و كذا بالنسبة الى قصاص شعره فإن كان متناسبا بحسب نفسه يؤخذ به، و إن كان على خلاف متعارف نفسه يرجع الى المتعارف.

ثم بعد ما عرفت المراد من المتعارف، يقع الكلام في وجه الرجوع الى المتعارف، لأنّه ربما يقال بعد كون الامر بعموم الناس من غسل وجوههم بالكيفية المعهودة، فمقتضاه

أن يغسل كل احد وجهه من قصاص شعره الى ذقنه، بقدر ما دارت عليه الوسطى و ابهامه، فكل مكلف مكلف بغسل هذا، فان كان اصبعه مثلا طويلا و وجهه قصيرا، لا بدّ من غسل كل مقدار يحيطه ابهامه و وسطاه او بالعكس، فربما يختلف باختلاف وجوه الاشخاص و من حيث اختلاف اصابع الاشخاص طولا و قصرا، فلا بدّ من وجه فى الرجوع الى المتعارف.

و في مقام الوجه، قد يقال بان المطلق حيث يكون منزّلا على المتعارف، فنقول من لزوم الأخذ بالمتعارف من الوجه و الاصبع، و سرّ حمل المطلق على المتعارف هو إنّه إن كان المتكلم او كل فى كلامه الى المتعارف، و لهذا لا يذكر القيد، فلا بدّ من حمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 171

مطلقه على المتعارف و الّا اخلّ بغرضه.

و فيه، انه بعد كون الامر فى المقام هو العموم، لان قوله تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الخ) عام لا مطلق، حتى يمكن ان يقال بلزوم حمل المطلق على المتعارف.

فما يمكن ان يقال وجها للزوم الرجوع الى المتعارف هو انه بعد ما نعلم بان الوجه الواجب غسله فى الوضوء امر واحد بالنسبة الى جميع المكلفين، و لا يختلف باختلاف الاشخاص من حيث طول وجوههم و اصابعهم و قصرها، بحيث يكون الواجب على من يكون وجهه و اصبعه بنحو المتعارف هو غسل تمام الوجه، و بالنسبة الى من يكون وجهه قصير و اصبعه طويل غسل الوجه مع مقدار زائد، و بالنسبة الى من يكون وجهه كبيرا و اصبعه قصيرا غسل بعض الوجه، بل الواجب على كل منهم امر واحد، فعلى هذا لا بدّ من الالتزام بان الخارج عن

المتعارف يرجع الى المتعارف بالمعنى الّذي قلنا.

فقد ظهر لك المراد من المتعارف، و ما هو وجهه، و مما مر يظهر لك حال الانزع و الاغم، فانهما لا بدّ من الرجوع الى المتعارف بالنحو الّذي قلنا و للوجه الّذي قلنا.

المسألة الخامسة: يجب اجراء الماء و لا يكفى المسح به

و حدّه كما قال المؤلّف رحمه اللّه أن يجرى من جزء الى جزء آخر، و ادعى بعض كونه المعروف بين الفقهاء رحمه اللّه او كونه ظاهر الاصحاب او الاتفاق عليه كما عن بعض.

و استدل عليه بالآية الشريفة الآمرة فيها بالغسل و ببعض الروايات الدالة على الغسل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 172

مثل الرواية التى رواها داود بن فرقد (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن أبي كان يقول: إن للوضوء حدّا من تعدّاه لم يوجر و كان أبي يقول: انما يتلدد فقال له رجل: و ما حدّه؟ قال: تغسل وجهك و يدك و تمسح رأسك و رجليك) «1».

و الرواية التى رواها زرارة ففيها قال: (فغسل بها وجهه الخ) «2».

و الرواية التى رواها عمر بن اذينة و فيها قال: (ثم اوحى اللّه إليه أن اغسل وجهك الخ) «3» الى غير ذلك لا حاجة الى ذكرها بعد فهم كون المعتبر في الغسل لغة و عرفا الجريان.

و ببعض الأخبار الدالة بلسانها على اعتبار الجريان في غسل الوجه و اليدين:

مثل الرواية الّتي رواها اسحاق بن عمّار عن جعفر عن ابيه (أن عليا عليه السّلام كان يقول: الغسل من الجنابة و الوضوء يجزى منه ما اجزى من الدهن الذي يبل الجسد) «4».

بناء على كون قوله (ما اجرى) بالراء المهملة، و الا لو كان بالزاء المعجمة فيدل على كفاية مثل التدهين فنكلم فيما هو المراد من بعض

الروايات الدالة على كفاية مثل الدهن إن شاء اللّه.

و الرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: ا رايت ما كان تحت الشعر؟ قال: كل ما احاط به الشعر فليس للعباد ان يغسلوه و لا يبحثوا عنه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 52 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 173

و لكن يجرى عليه الماء) «1».

و ببعض الأخبار الواردة في غسل الجنابة الدالة على اعتبار جريان الماء في مواضع الغسل بعد ضم كون الوضوء من هذا الحيث مثل الغسل، كما يدل على كونهما مثلين الرواية المتقدمة اى رواية إسحاق.

و في قبال هذه الأخبار، بعض الأخبار يدل على كفاية مقدار من الماء في مقام الوضوء يكون مثل التدهين.

الأولى: الرواية الّتي رواها حريز عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: انما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه و إن المؤمن لا ينجسه شي ء، انما يكفيه مثل الدهن) «2».

الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (في الوضوء قال: إذا مسّ جلدك الماء فحسبك) «3».

الثالثة: رواية إسحاق بن عمّار المتقدمة بناء على كون الصادر (ما اجزى) بالزاء المعجمة.

الرابعة: الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده و الماء أوسع إلّا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قلت: بلى.

قال: فادخل يده في الاناء فلم يغسل يده، فاخذ كفّا من ماء فصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله، ثم اخذ كفا آخر بيمينه فصبه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 46 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 52 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 52 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 174

على يساره ثم غسل به ذراعه الايمن، ثم اخذ كفا آخر فغسل به ذراعه الايسر، ثم مسح راسه و رجليه بما بقى فى يده) «1».

أعلم أن هنا كلاما فى دلالة الأخبار على ما يستدلّ بها و كلاما في الجمع بينها.

أمّا الكلام في دلالتها، فنقول: اما ما يدل على اعتبار غسل الوجه و اليدين في الوضوء من باب نقل فعلهم عليهم السّلام، او الأمر في بعضها، فوجه كون مفادها اجراء الماء و عدم كفاية المسح هو أن المعتبر فى الغسل بحسب وضعه اللغوى و بنظر العرف الجريان.

فاقول: اما بحسب وضعه اللغوى، فما يرى من بعض اهل اللغة عدم ذكر اعتبار الجريان في الغسل كالقاموس، و يظهر من بعضهم اعتبار الجريان كاقرب الموارد، فبناء عليه دخله فيه بحسب الوضع اللغوى غير معلوم و إن لم يكن معلوم العدم.

و أمّا بحسب النظر العرفى، فقد يقال باعتبار الجريان في الغسل، و لعل هذا هو الفرق بين الغسل و المسح، و هذا هو المراد من بعض النصوص المفصل بين الوجه و اليدين و بين الرأس و الرجلين بالغسل في الاولين و المسح في الأخيرين، و لهذا يقال أن نفس التفصيل بين الوجه و اليدين و بين الرأس و الرجلين يدل على اعتبار امر زائد

على المسح في الوجه و اليدين و هو الغسل، و لا بدّ فيه من الجريان و لو باقله كى يتحقق الفرق بين الغسل و المسح.

و يمكن منعه بان دخل الجريان فى الغسل غير معلوم عرفا، بل المعتبر فى الغسل استيلاء الماء و غلبته على المحل، و هذا هو الفرق بين الغسل و بين المسح، لعدم

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 175

اعتبار ذلك فيه، بل يكفى فى تحقق المسح امرار الماسح ذى البلل على المحل، كما انه يمكن ان يقال ان بعض ما يكون ظاهره اجراء الماء من الاخبار يكون محمولا على الغالب، من ان الغالب جريان الماء فى الغسل، فيكون ذكر الجريان فى هذه الاخبار من باب الغالب المتعارف.

هذا بالنسبة الى بعض الاخبار المصرحة فيها بالغسل.

و أمّا بعض الأخبار المصرحة فيها بالجريان، مثل بعض ما دل على الجريان في الغسل بعد ضم كون الوضوء مثله، او بعض ما ورد في خصوص الوضوء و فيه التصريح باجراء الماء على المحل، فبعد الاغماض فنقول: اما التمسك ببعض الاخبار الواردة فى غسل الجنابة فمورد اشكال من جهتين:

الأولى: من ان دعوى عدم الفصل بين الغسل و الوضوء، فبهذا الحيث دعوى بلا دليل، لعدم نص دال عليه و لا اجماع انعقد عليه.

الثانية: ان لزوم الجريان فى غسل الجنابة أيضا محل اشكال، و يأتى الكلام فى محله إن شاء اللّه، لأنّه و إن كان فى بعض اخباره التعبير باجراء الماء، لكن المستفاد من رواية التى رواها زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة. فقال: تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل

فرجك و مرافقك، ثم تمضمض و استنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك، ليس قبله و لا بعده وضوء و كل شي ء امسسته الماء فقد انقيته، و لو ان رجلا جنبا ارتمس فى الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده) «1»، هو كفاية مسّ الماء الجسد فى مقام الغسل.

و اما رواية اسحاق بن عمار، فان كان الصادر عن المعصوم عليه السّلام (ما اجزى من

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 176

الدهن) بالزاء المعجمة، فالمستفاد منها هو المقدار الّذي يبل الجسد لا ازيد من ذلك، فهى دليل على عدم اعتبار الجريان.

و ان كان الصادر عن المعصوم عليه السّلام (ما اجرى) بالراء المهملة، فأيضا المستفاد منها اعتبار الجريان الّذي يحصل بالتدهين، فتبقى رواية واحدة و هى رواية زرارة، و يمكن ان يقال فيها انه ربما يكون ذكر الجريان من باب كون الغالب المتعارف فى مقام الغسل حصول الجريان بطبعه، لا من باب دخله فى الغسل، و خصوصا يمكن ان يقال فى خصوص الرواية بان النظر كان الى عدم لزوم تخليل الشعر، بل يكفى اجراء الماء على ظاهر الشعر.

و أمّا الأخبار الدالة على كفاية مجرد التدهين او مس الماء الجلد، فظاهرها اجزاء ذلك و لا يحتاج الى اكثر منه.

إذا عرفت ذلك، يقع الكلام فى انه هل يكون التعارض بين الاخبار او لا، و على فرض التعارض هل يمكن الجمع بينهما أم لا.

فنقول بعونه تعالى: اما بناء على عدم اعتبار الجريان فى الغسل و عدم كون ما ظاهره اعتبار الجريان فى الاخبار دخل الجريان فى الغسل، بل ذكره كان من

باب حصول الجريان به غالبا، فلا تعارض بين الاخبار، بل نتيجة كلها استيلاء الماء و ان كان بنحو التدهين.

و اما ان قلنا باعتبار الجريان فى الغسل لغة او عرفا و دخل الجريان فى الغسل كما هو ظاهر بعض الاخبار و عدم كون ذكره لمجرد غلبة حصوله بالغسل، فيكون المستفاد من الطائفتين الاولتين من الاخبار اعتبار اجراء الماء، و من الطائفة الثالثة كفاية كون وصول الماء بالوجه و اليدين كالتدهين، فيقال بعد عدم صدق اجراء الماء بمس الماء المحل بنحو التدهين، و الحال أن ظاهر هذه الطائفة الاكتفاء به، فيقع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 177

التعارض بين الطائفة الاولى و الثانية الدالتان على اعتبار الجريان، و بين الطائفة الثالثة الدالة على كفاية مسّ الماء المحل بمثل التدهين، فبعد وقوع التعارض بينهما ما نقول فى المقام، فهل يكون طريق للجمع بينهما او لا؟

أقول: ما يأتى بالنظر أنه يمكن التوفيق بين الطائفتين بحفظ ظاهر الطائفة الاولى و الثانية من اعتبار اجراء على المحل كما هو المشهور، و حمل الطائفة الثالثة على أنه بما فيها من كفاية مثل التدهين او مجرد مسّ الماء المحل يصدق الجريان، كما هو نظر المشهور من الاكتفاء باجراء الماء على المحل و لو باعانة اليد مثل الدهن فيكون التشبيه بالدهن او الاكتفاء و اجزاء المسّ في مقام القلة اعنى يكفى مجرد الجريان و إن كان في القلة مثل التدهين.

و لا تقل: ان كفاية مسّ الجلد كما في رواية زرارة ينافى الجريان لأنّه ليس فيه جريان.

لانا نقول: إن كان الجمود على ظاهرها يكون لازمها كفاية المسح في الوجه و اليدين لصدق المس حتى بالمسح، و الحال انه لا يكتفى به مسلّما

فما ينبغى أن يقال في هذه الرواية بحيث يمكن الاخذ بها هو الاكتفاء بمس الماء و أمّا كون المسّ بأى نحو فهو مستفاد مما يدل على كونه مثل التدهين، و هو اقل ما يجزى في الغسل.

فتلخص أن مفاد هذه الطائفة لا ينافى مع الطائفة الاولى و الثانية من الأخبار و شاهد هذا الجمع رواية محمد بن مسلم المتقدمة، و هى الرواية الرابعة من الروايات المتمسكة بها على كفاية مجرد التدهين، لانه بعد التنظير فيها بالتدهين اخذ كفا من الماء و صبه على وجهه، و الحال انه يجرى الماء بالماء الواقع فى الكف، و هذا المقدار من الجريان موجود فى التدهين لتنظيره به.

و يؤيد هذا الجمع بل يدل عليه رواية إسحاق بن عمّار المتقدمة بناء على كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 178

(ما اجرى) بالراء المهملة، فإن المراد منها على هذا هو اجراء ما يجرى من الدهن الّذي يبل الجسد يعنى إذا كان جريانه بمثل جريان الدهن الّذي يبل الجسد يكفى و يجزى من غسل الجنابة و الوضوء، ففي الحقيقة تكون هذه الرواية على هذا النقل شارحا للطوائف الثلاثة من الأخبار.

نعم لو كان الصادر (ما اجزى) بالزاء المعجمة، تكون الرواية مفادها مثل باقى روايات الطائفة الثالثة، و على كل حال بهذا يمكن الجمع بين الطوائف الثلاثة من الاخبار.

و أمّا الجمع بحمل الطائفة الاولى و الثانية على حال الاختيار و الثالثة على حال الاضطرار، لا شاهد له كما ان الجمع بانه بعد الاكتفاء بمثل الدهن، كما في الطائفة الثالثة، نفهم ان الشارع اكتفى عن الغسل بما ليس بالغسل غير صحيح، لأنّ معنى هذا طرح الطائفة الاولى و الثانية، لأنّ مفادهما اعتبار الغسل و

انت تقول بعدم اعتباره، مضافا الى ان القرآن الكريم نص فى اعتبار الغسل.

كما أن الجمع بالتخيير بينهما لا وجه له، لأنّه مع التصريح في الطائفة الثالثة بالاجراء بمثل التدهين، فالقول بالتخيير بينه و بين الغسل و اجراء الماء يكون من قبيل التخيير بين الاقل و الاكثر.

و الحاصل اعتبار اجراء الماء في غسل الوجه و اليدين و إن كان بمعونة اليد و بمثل التدهين، فافهم.

المسألة السادسة: هل يجزى استيلاء الماء على المحل

و إن لم يجر إذا صدق الغسل كما في ارتماس الوجه و اليدين في مقام غسل الوضوئي في الماء او لا يجزى؟

يظهر حكم المسألة مما بينا فى المسألة الخامسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 179

فإن قلنا بعدم اعتبار الجريان فلا اشكال فى كفاية استيلاء الماء على المحل، و إن قلنا باعتبار الجريان، فكما عرفت فى المسألة الخامسة يحصل الجريان و لو كان بنحو التدهين، فان حصل الاستيلاء بهذا المقدار من الجريان فهو، و الّا فلا يكفى.

ثم ان ما ذكره المؤلف رحمه اللّه فى المقام حيث قال: (و يجب اجراء الماء فلا يكفى المسح به، و حدّه ان يجرى من جزء الى جزء آخر و لو باعانة اليد، و يجزى استيلاء الماء عليه و ان لم يجر اذا صدق الغسل) لا يصح بظاهره، لانه ان كان الواجب اجراء الماء و حدّه كما قال (ان يجرى الماء من جزء الى جزء آخر و لو باعانة اليد) فلا معنى لقوله بكفاية استيلاء الماء (اذا صدق الغسل) لانه ان كان المعتبر فى الغسل اجراء الماء من جزء الى جزء آخر، إمّا من باب اعتباره فى مفهومه لغة او عرفا، و امّا من باب ما ورد فى بعض الروايات من اعتبار اجراء الماء،

فقوله بكفاية الاستيلاء فى صورة صدق الغسل باستيلاء الماء على المحل و لو لم يجر الماء، و بعبارة اخرى ترديده فى كفاية الاستيلاء من باب الترديد فى صدق الغسل عليه، لا وجه له، لانه بعد اعتباره الجريان كما يظهر من صدر كلامه رحمه اللّه، فإن كان يتحقق الجريان بالاستيلاء لا بدّ أن يقول بكفايته، و إن لم يتحقق الجريان بالاستيلاء لا بدّ أن يقول بعدم كفايته.

و الحاصل أنّ الترديد فى كفاية الاستيلاء إن كان من باب صدق الغسل عليه و لو لم يعتبر فى الغسل الجريان، فهذا مخالف مع صدر كلامه رحمه اللّه، و إن كان من باب أن الغسل و إن كان معتبرا فيه الجريان، إما من باب دخله فى مفهومه لغة او عرفا، و إما من باب كونه شرطا فيه لبعض الاخبار، فلا بد ان يقول بعدم كفاية الاستيلاء جزما، لعدم حصول ما يعتبر فى الغسل كما صرح فى صدر كلامه رحمه اللّه، و العجب من عدم تفطن احد من المحشين المحترم بالاشكال.

المسألة السابعة: هل يجب الابتداء بالاعلى
اشارة

و الغسل من الاعلى الى الاسفل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 180

عرفا، او لا يجب ذلك بل يجوز النكس؟ المنسوب الى الاكثر الأول بل حكى دعوى الاجماع عليه.

يستدل على الحكم المذكور بروايات:

الأولى: ما رواها زرارة قال (قال أبو جعفر عليه السّلام: ألا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فقلنا: بلى. فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى، ثم قال: هكذا إذا كانت الكف طاهرة، ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته، ثم قال بسم اللّه و سد له على اطراف لحيته، ثم امر يده على وجهه و ظاهر جبهته مرة واحدة، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمر كفه الماء على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه الخ) «1».

وجه التمسك إنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وضع الماء ابتداء على جبهته و هي اعلى الوجه و كذا على مرفقه اليمنى و اليسرى و هو اعلى موضع يجب غسله من اليدين.

أقول: و هنا كلام في أن الظاهر من الرواية هو كون صب الماء على جبهته فلا يدل على كون الغسل من الجبهة او أن ظاهرها هو وضع اليد على الجبهة للغسل و لا يبعد كون الظاهر هو الثاني.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 180

الثانية: ما رواها زرارة قال: (حكى

لنا أبو جعفر عليه السّلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فدعا بقدح من ماء فأخذ كفّا من ماء فاسد له على وجهه من اعلى الوجه، ثم مسح وجهه من الجانبين جميعا ثم اعاد يده اليسرى في الاناء فاسد لها على يده اليمنى ثم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 181

مسح جوانبها ثم اعاد اليمنى في الاناء فصبّها على اليسرى ثم صنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح بما بقى في يده رأسه و رجليه و لم يعدهما في الاناء) «1».

و عن المنتهى و الذكرى انه قال عليه السّلام بعد ما توضأ: (إن هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به) و هذه الرواية كما ترى تدل على كون عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في غسل وجهه بالابتداء من اعلى الوجه، و أمّا اليد فلا تعرض في الرواية لها من حيث الابتداء بأعلاها.

الثالثة: ما رواها في قرب الاسناد عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي جرير الرقاشى «2» قال: (قلت لابى الحسن موسى عليه السّلام: كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال:

لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما و لكن اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحا، و كذلك فامسح الماء على ذراعيك و رأسك و قدميك) «3».

الرابعة: ما حكى عن تفسير العياشى (انه غرف غرفة فصبّها على جبهته).

هذا كله في الروايات المربوطة بالمسألة.

ثم إن الكلام تارة يقع في سند هذه الروايات، فنقول يكفى في اعتبارها عمل الاصحاب على طبقها مضافا الى حجية بعضها بنفسها، للاطمينان بصدوره.

و تارة يقع الكلام في دلالتها

فما يمكن أن يورد عليها، أمّا بالنسبة إلى بعضها المذكور فيه فعل المعصوم عليه السّلام و يستشكل:

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الظاهر على ما حصل لى بعد التتبع بمقدار الوسع و الوسيلة، أنّ أبا جرير اما يكون ذكريا بن ادريس او ذكريا بن عبد الصمد و كلاهما معتمد عليهما، لكن لم اجد فى الرجال ذكريا بن (الرقاشى) المذكور فى الوسائل فى قوله (أبي جرير الرقاشى). (المؤلف).

(3) الرواية 22 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 182

أولا: بأن المذكور فيه فعل المعصوم- مثلا فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و مجرد فعله لا يدل إلّا على مجرد جواز هذا الفعل، و لا يدل على الاستحباب فضلا عن الوجوب، لأنّه بعد كون الفعل مما له فردان او الافراد و لا يكون في بعضها ترجيح على الآخر فمن يريد فعله يختار قهرا احد الافراد من هذا الفعل، مثلا فيما نحن فيه و هو غسل الوجه، يمكن تحققه تارة بنحو يكون الابتداء من اعلى الوجه، و تارة بنحو لا يكون من الاعلى، فمجرد اتيانه بأحد النحوين- مثلا من الاعلى- لا يدل على كون هذا الفرد افضل من الفرد الآخر فضلا عن كونه متعينا، نعم يدل اختيار هذا الفرد على جوازه، بل لا يدلّ على عدم كراهة هذا الفرد، بل يمكن كونه مكروها و مع هذا اتى به المعصوم عليه السّلام لمصلحة مثل أن يعلم الناس عدم حرمته.

أقول: إن كان الاشكال هذا فقط، يمكن دفعه بان التزام المعصوم عليه السّلام بعمل، مثل التزامه بالوضوء و غسل الوجه من الاعلى كما يظهر من

نحو حكاية عمله كونه ملتزما به، لأنّ معنى قوله عليه السّلام (الا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) هو كون وضوئه بهذا النحو كما فرض التزامه باحد الفردين من الفعل و هو الابتداء بالاعلى، يكشف رجحان هذا النحو و هذا الفرد.

فالاشكال بأن الفعل لا يدل إلّا على مجرد جواز الابتداء بالاعلى، لا على استحبابه فضلا عن وجوبه في غير محله.

و ثانيا: بأن فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و التزامه بالابتداء بالاعلى في مقام غسل الوجه و إن كان يدل على رجحان هذا النحو، لكن لا يدل على وجوبه لأنّ الفعل ليس له لسان، و غاية ما يدل عليه مجرد رجحان الفعل الذي يجمع مع الاستحباب أيضا، و أمّا الرجحان مع المنع من الترك الذي هو معنى الوجوب فلا يدل عليه، فلا يمكن الاستدلال بهذا النحو من الروايات على وجوب الابتداء بالاعلى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 183

و أمّا بعضها الذي فيه الامر بالابتداء بالاعلى، فما يستدل به ليس إلّا الرواية المروية عن قرب الاسناد، فيقال في مقام الاشكال بالاستدلال بها بأن قوله عليه السّلام فيها: (و لكن اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحا) ذو احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يكون قوله (مسحا) حال عن فاعل (اغسله) و هو المكلف، فيكون المعنى انه اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء في حال تمسح الماء يعنى يكون الغسل من اعلى الوجه في حال انت تمسح الماء على وجهك في مقام الغسل، و بعبارة ثالثة اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء ماسحا له، فعلى هذا تدل الرواية على وجوب كون الغسل من اعلى الوجه.

الاحتمال الثاني:

كون (مسحا) مفعولا مطلقا لقوله (اغسله) و حيث لا بدّ أن يكون المفعول المطلق من جنس فعله فلا بدّ أن يراد من الغسل المسح، فيكون المراد اغسله اى امسحه من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحا، فعلى هذا يكون المراد من هذه الفقرة مطلوبية كون ابتداء المسح في مقام الغسل من اعلى الوجه، و أمّا وجوب كون نفس الغسل من الاعلى فلا تدل عليه.

و حيث أن مسح الوجه بمعنى امرار اليد على الوجه بعد الغسل مستحب مسلما فلا يمكن القول بوجوب كون الابتداء بالمسح واجبا.

و بعد كون الرواية ذو احتمالين و لا ترجيح للاحتمال الأول على الثاني فلا يمكن الاستدلال على وجوب كون الابتداء بالاعلى في غسل الوجه بهذه الرواية.

أقول: يمكن أن يقال فيما نقل فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأنه و إن كان المذكور فعله و الفعل في حد ذاته لا يدل إلّا على رجحانه، لكن ما يرى من خلال الرواية من وجود عناية بذكر هذه الخصوصية اى الابتداء بالاعلى و هذا يدل على كون فعله من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 184

باب كونه واجبا، خصوصا لو كان ما ذكر في المنتهى و الذكرى (أن هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة الا به) في ذيل الرواية الثانية، لأنّ معنى عدم قبول الصلاة الا به كون الكيفيّة المذكورة في الوضوء معتبرة فيه.

و ما قيل من أن مسح جانبى الوجه لا يكون واجبا، و مع هذا يكون مذكورا في الرواية فلا يمكن القول بكون ما ذكر فى الرواية بتمامه واجبا فيه: أن (مسح) الجانبين لا من باب خصوصية له، بل هو لاعتبار تحقق الغسل و هو معتبر قطعا

فما يتحقق به الغسل واجب أيضا، لكن الاشكال في صدور هذه الفقرة فإنها مرسلة.

و أمّا الرواية المروية عن قرب الاسناد، فهى و إن كانت ذو احتمالين إلّا أن الانصاف كون الظاهر فيها هو الاحتمال الأول، لأنّ الاحتمال الثاني يوجب التصرف في ظاهر معنى (اغسله) لأنّ حمل الغسل على المسح خلاف الظاهر، فعلى هذا نقول:

لا يبعد القول بوجوب الابتداء من الاعلى خصوصا مع كونه مشهورا.

المسألة الثامنة: فيما هو المراد من الابتداء بالاعلى و فيه احتمالات:
الأول: أن يكون المراد من الابتداء بالاعلى مجرد كون الشروع من الاعلى،

فإذا شرع من الاعلى يكفى و لا يلزم الترتيب في باقى الوجه.

و الإنصاف أن هذا خلاف ظاهر الأخبار، لأنّ معنى كون الغسل من الاعلى الى الأسفل كون الشروع من الاعلى فالاعلى الى الذقن كما هو صريح الرواية الثالثة اعنى رواية قرب الاسناد.

الثاني: أن يكون المراد من الابتداء من الاعلى فالاعلى،

الابتداء بالاعلى حتى بالنسبة الى ما لا يكون مسامتا للاعلى، مثلا إذا يغسل نقطة من جانب الايمن من الوجه يبدأ بالاعلى حتى بالنسبة الى جانبه الايسر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 185

و هذا الاحتمال كما ترى مخالف لما يرى من الوضوءات البيانية مثل رواية زرارة المتقدمة بل هو حرج كما قيل.

الثالث: أن يكون المراد الابتداء من الاعلى قبل اسفله المسامت له

حقيقة، بمعنى انه مثلا لا يغسل اسفل الجبهة قبل اعليها حقيقة.

الرابع: أن يكون المراد الابتداء بالاعلى الى الاسفل عرفا لا بالدقة العقلية،

و هذا الوجه اقرب الوجوه لأنّ غاية ما يستفاد من الروايات هو الابتداء بالاعلى و بعد عدم تعيين موضوعه و ما هو المراد من الابتداء بالاعلى يرجع في ذلك الى العرف.

المسألة التاسعة: و لا يجب غسل ما تحت الشعر بل يجب غسل ظاهره.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام (قال:

سألته عن الرجل يتوضأ لحيته؟ قال: لا) «1».

و الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال قلت له: ا رايت ما احاط به الشعر؟ فقال: كل ما احاط به من الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى عليه الماء) «2».

و المستفاد من الاولى عدم وجوب غسل باطن الشعر، لكنها واردة في خصوص اللحية.

و أمّا الثانية فيعمّ غير اللحية و لهذا كما قال المؤلف رحمه اللّه: (سواء شعر اللحية و الشارب و الحاجب بشرط) صدق احاطة الشعر على المحل يشمل الحكم لغير

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 46 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) و الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 186

اللحية من الشارب و الحاجب بشرط صدق احاطه الشعر المحل، و الا لزم غسل البشرة الظاهرة فى خلاله.

و اعلم انّ مورد الرواية الثانية إما خصوص الوضوء او يعمّه، و يأتى إن شاء اللّه تمام الرواية فى المسألة السادسة من الجهات فى غسل اليد و أن موردها الوجه فى الوضوء، مضافا الى نسبة هذا الحكم الى اصحابنا و حكاية الاجماع عليه.

ثم ان المراد مما احاط به الشعر هل هو خصوص منابت الشعر الكثيف الساتر للبشرة بسبب كثافته، او يعمّ ما يستر البشرة و لو باسترساله على البشرة؟

أمّا أولا، فلانه ان كان المراد خصوص منبت الشعر

فلا يمكن غسل بشرته، لأنّ هذا المحل محفوف بالشعر، فالنظر ليس الى خصوص منبت الشعر.

و ثانيا، الظاهر مما احاط به الشعر هو ما احيط من البشرة بسبب الشعر، بحيث يحتاج ايصال الماء الى البشرة الى التخليل، فعلى هذا نقول ان الاحتمالات ثلاثة:

الاول: خصوص منبت الشعر، و هو كما قلنا ليس المراد قطعا، لانه مع كونه منبت الشعر ليست للبشرة الا هو.

الثانى: ما تستره الشعر باسترساله على المحل المستور به، مثل ما يكون موضع بلا شعر اصلا لكن ستر الشعر النابت فى الموضع الآخر هذا الموضع باسترساله.

الثالث: ما يستره الشعر من البشرة لكثافته فلم يظهر المحل الواقع بين منابت الشعر لاجل كثافة الشعر، و يمكن ظهوره بالتبطين.

الحق كون المراد هو الاحتمال الثالث، لان ظاهر الخبر هو وجوب غسل الشعر المحيط بالبشرة و عدم وجوب الطلب فى البحث عن البشرة المحاط به المستلزم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 187

تغسيله الى التخليل و التبطين.

و توهم كفاية غسل الشعر عن البشرة المحاط به و ان كان من باب استرسال الشعر، او من باب وجود الشعر الخفيف الّذي يغسل بمجرد صب الماء على البشرة و مسحها، نشأ من توهم ان المراد من انه غير هو ما يواجه به و هو يشمل حتى الشعر المحيط بالبشرة لانه يواجه به بعد التوهم بان المراد من الوجه هو العضو الخاص الّذي ينبت عليه الشعر لا مطلق ما يواجه به النظر. فافهم.

***

[هنا مسائل]
[مسئلة 1: يجب ادخال شي ء من اطراف الحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب ادخال شي ء من اطراف الحد من باب المقدمة و كذا جزء من باطن الانف و نحوه.

و ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن فلا يجب غسله.

(1)

أقول: أمّا وجوب ادخال شي ء من

اطراف الحد و كذا جزء من باطن الانف و نحوه، يكون من باب حكم العقل لأنّه بعد اشتغال اليقينى بالمحدود من الوجه على ما في النصوص يجب بحكم العقل البراءة اليقينية و هى لا تحصل الا بادخال شي ء من اطراف الحد أو جزء من باطن الانف و نحوه، فيجب غسل هذا المقدار بحكم العقل و هذا معنى كون ذلك واجبا من باب المقدمة العلمية.

و ليس نظر المؤلف رحمه اللّه من قوله بوجوب إدخال شي ء من اطراف الحد من باب المقدمة، المقدمة الوجودية كما توهمه فى المستمسك من باب انه لا يمكن الغسل إلى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 188

الحد الحقيقى اختيارا الا بضم جزء مما يخرج عن الحد.

ثم أورد عليه بانه ليس ما هو خارج عن الحد، مقدمة وجودية لداخل الحد، بل هما متلازمان، و وجوب احد المتلازمين لا تقتضى وجوب الآخر.

وجه عدم كون نظره الى ما توهمه ان المؤلف رحمه اللّه لم يقل الا ان هذا الوجوب يكون من باب المقدمية، و بعد ما نعلم انه لا وجه للقول بوجوبه من باب المقدمة الوجودية، فمراده هو المقدمة العلمية التى يقال بها فى امثال هذه الموارد.

و أمّا الكلام في أنّ ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق هل هو من الظاهر حتى يجب غسله او من الباطن حتى لا يجب غسله في الوضوء.

فنقول بعونه تعالى: انه مضى بعض الكلام فيه و الأخبار المربوطة به فى المسألة الثانية من المسائل المتعلقة بالعاشر من المطهرات.

و نقول في المقام: لا يبعد كون ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن، لأنّ الظاهر المقابل للباطن هو ما يكون ظاهرا بطبعه، و بعبارة اخرى يكون

بارزا بحسب طبعه، فليس كلّ ما يرى و كان قابلا لان يرى من الظاهر و الا يلزم كون باطن الفم و الانف من الظاهر.

و بعد عدم كونه من الظاهر يقال بعدم وجوب غسله لدلالة بعض الأخبار على وجوب غسل خصوص الظاهر في الوضوء كالرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، انما عليك ان تغسل ما ظهر) «1».

و موردها اما خصوص الوضوء لاستحبابهما قبل الوضوء او يعمّ الوضوء

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 189

و الغسل.

و الرواية التى رواها حكم بن حكيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المضمضة و الاستنشاق. قال: ليس هما من الوضوء هما من الجوف) «1» و غير ذلك.

***

[مسئلة 2: الشعر الخارج عن الحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الشعر الخارج عن الحد كمسترسل اللحية في الطول و ما هو خارج عما بين الابهام و الوسطى في العرض- لا يجب غسله.

(1)

أقول: لعدم كونه داخل الحدّ، و على الفرض لا يجب الّا غسل ظاهر ما بين القصاص الى الذقن طولا و ما بين الابهام و الوسطى عرضا، و ما هو خارج عن الحدين لا يجب غسله إلّا بمقدار المقدمة العلمية.

***

[مسئلة 3: إن كانت للمرأة لحية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إن كانت للمرأة لحية فهى كالرجل.

(2)

أقول: لدلالة اطلاق رواية زرارة المتقدمة في المسألة التاسعة و هو قوله عليه السّلام (أ رأيت ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 190

عليه الماء).

***

[مسئلة 4: لا يجب غسل باطن العين و الانف و الفم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجب غسل باطن العين و الانف و الفم إلّا شي ء منها من باب المقدمة.

(1)

أقول: لما تقدم في المسألة الاولى.

***

[مسئلة 5: فيما احاط به الشعر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: فيما احاط به الشعر لا يجزى غسل المحاط عن المحيط.

(2)

أقول: لما تقدم من دلالة رواية زرارة المتقدمة في أن ما احاط به الشعر ليس للعباد أن يطلبوه و فيها قال عليه السّلام: (و لكن يجرى عليه الماء) فاوجب اجراء الماء على المحيط و هو الشعر فلا يكفى غسل ما تحت الشعر عن غسل الشعر.

***

[مسئلة 6: الشعور الرقاق]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الشعور الرقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 191

(1)

أقول: لانها من اجل رقتها يعدّ من البشرة و لا اشكال في وجوب غسل البشرة.

***

[مسئلة 7: إذا شك في أن الشعر محيط أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا شك في أن الشعر محيط أم لا، يجب الاحتياط بغسله مع البشرة.

(2)

أقول: مقتضى الجمع بين رواية زرارة المتقدمة في اوّل الفصل، و بين رواية المذكورة في المسألة التاسعة من المسائل المربوطة بالفصل من قوله عليه السّلام في الاولى:

(الوجه الذي قال اللّه و امر اللّه عزّ و جل بغسله الذي لا ينبغى لاحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يوجر و إن نقص منه أثم، ما دارت عليه الوسطى و الابهام من قصاص الشعر الرأس الى الذقن و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه الخ) و من قوله عليه السّلام في الثانية: (ا رايت ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى عليه الماء) بعد ما قلنا من عدم تصرف من الشارع فى الوجه موضوعا، بل الوجه الذي يكون موضوع هذا الحكم هو هذا المقدار، فيكون مقتضى الأمر بغسل ظاهر ما احاط به الشعر من الوجه كون الوجه الذي يجب غسله في الوضوء ما احاط به الشعر من الوجه فتكون نتيجة النصين انه فيما يكون في الوجه شعر محيط به يجب غسل ظاهر الشعر و فيما لا يكون شعر محيط بالبشرة يجب غسل البشرة.

فاذا شككنا في أن الشعر محيط أم لا، فحيث أن الشبهة تكون في المصداق لعدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 192

الشك في مفهوم الاحاطة كما

هو ظاهر فرض المؤلّف رحمه اللّه يجب الاحتياط بغسل الشعر و البشرة، لأنّه يعلم اجمالا بوجوب غسل احدهما، فمقتضى العلم الاجمالى الاحتياط بالجمع بين غسلهما.

و اما اذا كانت الشبهة مفهومية من باب الشك فيما هو المراد مما احاط به الشعر مفهوما كما قلنا فى طى المسألة التاسعة التى تعرضنا فى اصل الفصل، فكانت الشبهة مفهومية، فان كان الشك من باب اجمال المخصص فاجماله يسرى الى العام و تكون النتيجة بعين ما قلنا فى الشبهة المصداقية من الاحتياط، و ان كان من باب دورانه بين الاقل و الاكثر، فالمحكم فى مورد الشك هو العام، فيقال بوجوب غسل البشرة، و اما غسل الشعر فيجب غسله ان كان مثل الشعور الرقاق المعدودة من البشرة من باب كونه البشرة لا من باب انه محيط بالبشرة.

***

[مسئلة 8: إذا بقى مما في الحد ما لم يغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا بقى مما في الحد ما لم يغسل و لو مقدار رأس ابرة لا يصح الوضوء فيجب أن يلاحظ آماقه و اطراف عينه لا يكون عليها شي ء من القيح او الكحل المانع و كذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شي ء من الوسخ و أن لا يكون على حاجب المرأة و سمة او خطاط له جرم مانع.

(1)

أقول: اما عدم صحة الوضوء لو بقي في الحد ما لم يغسل و إن كان قليلا كمقدار رأس الابرة فلكون الواجب غسل تمام ما فى الحد و على الفرض لم يغسل بعضه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 193

فلا يصح وضوئه نظير ما امر باتيان مركب ذى الاجزاء فلم يأت المكلف بجزء منه فلا يصح بل يجب اتيانه.

و أمّا وجوب الملاحظة لأن لا يكون مانعا من القيح و غيره على البشرة و

موضع الغسل فيما يكون عالما بوجود المانع فلوجوب رفع المانع مقدمة لوصول الماء على محل الغسل.

و أمّا في صورة الشك فى مانعية الموجود او فى اصل وجود المانع، فيأتى الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة الآتية.

***

[مسئلة 9: إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله او وصول الماء الى البشرة و لو شك في اصل وجوده يجب الفحص او المبالغة حتى يحصل الاطمينان بعدمه او زواله او وصول الماء الى البشرة على فرض وجوده.

(1)

أقول: اما فيما يكون الشك في مانعية الموجود مثل ما تيقن وجود الوسخ على بعض الوجه لكن يشك في ان هذا الوسخ هل يكون مانعا من وصول الماء الى البشرة أم لا؟ فمقتضى القاعدة وجوب تحصيل اليقين بزواله، لأنّ الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية، مضافا الى استصحاب الحدث السابق، لأنّه يشك في أنه مع وجود محتمل المانعية هل زال الحدث أم لا فيستصحب بقائه، و لا يفيد استصحاب عدم الحاجب او استصحاب عدم حاجبية الموجود او استصحاب عدم محجوبية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 194

البشرة المقتضية لغسلها على فرض جريانه لكونها مثبتا.

و يمكن التمسك على ذلك بالرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام قال: (سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدرى يجرى الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت او اغتسلت؟ قال: تحركه حتى يدخل الماء تحته او تنزعه. و عن الخاتم الضيق لا يدرى هل يجرى الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف تصنع؟ قال. إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ). «1».

و قد يستشكل في

الرواية بأن ذيلها معارض مع صدرها، لان صدرها يدل على وجوب تحريك السوار و الدملج او نزعها في صورة شكه في جريان الماء تحتهما.

و ذيلها يدل على وجوب نزع الخاتم في خصوص ما إذا علم بعدم دخول الماء تحته فيعارض الصدر مع الذيل، لأنّ منطوق الصدر وجوب النزع او التحريك فيما يشك دخول الماء تحتهما، و الحال أن مفهوم الذيل عدم وجوب النزع في صورة الشك في وصول الماء تحته لأنّ مفهوم قوله: (إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه) عدم وجوب الاخراج فيما يشك و لم يعلم بدخول الماء تحته، و الحال أن منطوق الصدر وجوب التحريك او النزع في هذه الصورة.

و حيث لا يمكن الجمع بين الصدر و الذيل تصير الرواية مجملا.

و ما قيل من الجمع بينهما بأن الحكم في صورة الشك حيث يكون في الصدر بالمنطوق و في الذيل بالمفهوم يؤخذ بالمنطوق لكون المنطوق أظهر.

ففيه، أنه ليس الأمر مطلقا كذلك، يعنى ليس لنا قاعدة كلية على ترجيح المنطوق المعارض مع المفهوم على المفهوم.

كما أن ما قيل من لزوم الأخذ بالصدر لكون الصدر نص فى وجوب النزع او

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 195

التحريك في صورة الشك في اصابة الماء تحتهما، و الذيل ظاهر فى عدم وجوب النزع فى صورة الشك فى وصول الماء تحته، فيقدّم النص على الظاهر، لأنّ مفهومه يعم الشاك في الوصول و العالم بعدم الوصول كليهما.

اجيب عنه بأن الذيل بعد كون السؤال عن صورة الشك في عدم الوصول لا يكون قابلا للتقييد بغير صورة الشك للزوم اخراج صورة الشك.

و ما يأتى بالنظر عدم تعارض بين

الصدر و الذيل رأسا، لان مورد الصدر و هو السوار و الدملج يقبل لأن يصل الماء تحتهما بالتحريك، و لهذا قال في السؤال عن المرأة إذا توضات او اغتسلت و لا تدرى يجرى الماء تحته أم لا: (تحركه حتى يدخل الماء تحته او تنزعه)

و أمّا في الذيل و هو السؤال عن الخاتم الضيق، قال: (إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه) لعدم قابليته لوصول الماء تحته بالتحريك، فمورد الصدر ما إذا يعلم بوصول الماء بالتحريك او النزع فيتخير بينهما و مورد الذيل ما لا يعلم بالوصول الا بنزعه، و لهذا امر بالنزع فيكون مورد الذيل غير مورد الصدر فلا تعارض بين الصدر و الذيل، فتدل الرواية على انه في صورة الشك في مانعية الموجود يجب تحصيل اليقين بزواله.

و أمّا إذا كان الشك في اصل وجود الحاجب، فهل يجب الفحص او المبالغة حتى يحصل الاطمينان بزواله، او وصول الماء الى البشرة على فرض وجود الحاجب او لا يجب ذلك؟

وجه وجوب الفحص هو ما قلنا من ان الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية، و هي لا تحصل إلّا بالفحص ليحصل الاطمينان بزوال الحاجب او وصول الماء الى البشرة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 196

و وجه عدم وجوب ذلك دعوى الاجماع و السيرة على عدم الفحص.

و الرواية الّتي رواها أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه بلغه ان نساء كانت إحداهن تدعو بالمصباح في جوف الليل تنظر الى الطهر، فكان يعيب ذلك و يقول: متى كان النساء يصنعن هذا) «1».

أقول: أمّا الاجماع فحصوله غير معلوم.

و أمّا السيرة فهل يكون النظر من دعوى السيرة الى سيرة المتشرعة او سيرة العقلاء؟

ظاهر كلام العلامة الهمدانى رحمه اللّه فى

طهارته سيرة العقلاء، بدعوى ان العقلاء لا يعتنون باحتمال وجود المانع فى امورهم، و لكن الاشكال يكون فى ان هذه السيرة من باب حصول الاطمينان لهم، او يكون هذا سيرتهم حتى مع الشك فى وجود المانع، بل حتى مع الظن بوجود الحاجب و المانع، و قيام سيرتهم في غير صورة الاطمينان بعدم المانع غير معلوم، و مع وجود الاطمينان لا حاجة بالسيرة بعد القول بحجية الاطمينان كاليقين.

كما أنه فى صورة الظن بعدم الحاجب مع عدم بلوغه حدّ الاطمينان تحقق السيرة القطعية المستمرة من زماننا الى زمن المعصومين عليهم السّلام بحيث يورث القطع بكشف السيرة عن رأيهم عليهم السّلام غير معلوم.

و أمّا الرواية فهي في الحيض كما صرح في رواية اخرى في الباب المذكور بالنهى عن النظر الى انفسهن في المحيض بالليل، و هى ما رواها ثعلبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه كان ينهى النساء ان ينظرن الى انفسهن فى المحيض بالليل و يقول:

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من أبواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 197

انها قد تكون الصفرة و الكدرة) «1».

فليست الرواية على هذا مربوطة بالمقام و هو عدم وجوب الفحص.

و لو فرض كون النظر فيها الى عدم وجوب الفحص فى الحيض من حصول الطهر منه أم لا، فهو حكم مخصوص بمورده و لا وجه للتعدى الى غيره.

إلّا أن يقال: إن حكمه عليه السّلام و إن كان في الحيض، لكن يكون حكما على القاعدة لعدم البناء على الفحص، و لكن هذا غير معلوم لعدم كون البناء على عدم، بل ربما يكون البناء على الفحص مثل موارد الاستبراء، فعلى هذا نقول: إن الاقوى وجوب الفحص في صورة

الظن بوجود الحاجب، و كذا في صورة الشك في وجود الحاجب بل فى صورة الظن بعدم وجوده بالظن الغير المعتبر.

***

[مسئلة 10: الثقبة في الانف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الثقبة في الانف موضع الحلقة او الخزامة لا يجب غسل باطنها، بل يكفى ظاهرها سواء كانت الحلقة فيها أو لا.

(1)

أقول لما مر فى المسألة الاولى من عدم وجوب غسل الباطن و الثقبة من الباطن.

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 198

[الثاني: غسل اليدين]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثاني: غسل اليدين من المرفقين الى اطراف الاصابع مقدّما لليمنى على اليسرى.

و يجب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل عرفا فلا يجزى النكس.

و المرفق مركب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد، و يجب غسله بتمامه، و شي ء آخر من العضد من باب المقدمة.

و كل ما هو في الحد يجب غسله و إن كان لحما زائدا او اصبعا زائدة.

و يجب غسل الشعر مع البشرة.

و من قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد و إن كان اولى.

و كذا إن قطع تمام المرفق، و إن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقى، و إن قطعت من المرفق بمعنى اخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان من العضد جزءا من المرفق.

(1)

أقول: لا اشكال في كون غسل اليدين من فروض الوضوء في الجملة نصا، لدلالة القرآن الكريم و ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الائمة عليهم السّلام قولا و فعلا عليه، و فتوى لكونه مما اتفق عليه الفريقان، و ما ينبغى أن نعطف عنان الكلام إليه بعض الخصوصيات الواقعة مورد الكلام، فنقول بعونه تعالى أن الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في كون الواجب من غسل اليدين بين المرفق و اطراف الاصابع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 199

بلا اشكال و خلاف بيننا، كما ادعى عليه الاجماع، و كونه المشهور عند العامة و نسب الخلاف الى بعضهم كزفر.

و يدل عليه من الكتاب الكريم قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ.

لكون المراد من كلمة (الى) (مع)، إمّا من باب كون (مع) احد معانيها، و إما من باب كون الغاية داخلة في المغيّا فتكون كلمة (الى) بمنزلة كلمة (مع)، و لبعض الأخبار الوارد

في الوضوءات البيانية نذكره في طى التعرض لبعض الفروع إن شاء اللّه.

الجهة الثانية: يجب تقديم يد اليمنى في الغسل على يد اليسرى،

و ادعى عليه الاجماع.

و يدلّ عليه الرواية الّتي رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال: يغسل اليمين و يعيد اليسار) «1».

و الرواية الّتي رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال:

سألته عن رجل توضأ و غسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟ قال: يعيد الوضوء من حيث اخطا، يغسل يمينه ثم يساره ثم يمسح رأسه و رجليه). «2»

الجهة الثالثة: يجب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل عرفا،

فلا يجزى النكس و هو المشهور، بل لم ينقل الخلاف الا عن السيد رحمه اللّه في أحد قوليه، فحكم باستحباب الابتداء من المرفق و عن ابن ادريس فحكم بكراهة النكس.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 200

و يدلّ على وجوب ذلك الرواية الّتي رواها محمد بن محمد بن النعمان المفيد في الإرشاد عن محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل: (انّ علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، و الذي امرك به في ذلك أن تمضمض ثلثا و تستنشق ثلثا و تغسل وجهك ثلثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلثا، و لا تخالف ذلك الى غيره. فلمّا وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له أبو الحسن عليه السّلام فيه مما جميع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاى اعلم بما

قال و أنا امتثل امره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر أبي الحسن عليه السّلام، و سعى بعلى بن يقطين الى الرشيد و قيل: إنه رافضى، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلمّا نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام:

ابتدأ من الآن يا علي بن يقطين و توضأ كما امرك اللّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك، و امسح بمقدّم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام) «1».

فهي كما ترى تدل على أن الواجب هو الابتداء بالمرفق في غسل اليدين لقوله عليه السّلام (و اغسل يديك من المرفقين) و ظاهر الأمر يقتضي الوجوب.

و الرواية الّتي رواها الهيثم بن عروة التميمى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ، فقلت: هكذا و مسحت من

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 201

ظهر كفّى الى المرفق. فقال: ليس هكذا تنزيلها، انما هي فاغسلوا وجوهكم و أيديكم (من) الى المرافق، ثم امر يده من مرفقه الى اصابعه) «1».

تدلّ الرواية على وجوب الابتداء بالمرفق، لكن يشكل الاستدلال بها باعتبار دلالتها على أن النازل من اللّه في قرآنه الكريم (من المرافق)، لا (الى المرافق)، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به لتسلم كون النازل من اللّه في القرآن (الى) لا (من)، لكن بعد كون

المنزل هو (الى المرافق) و بعد كون المستفاد من الرواية كون الواجب الابتداء من المرفق، فلا بدّ من حمل التنزيل في الرواية على التفسير او التأويل و حمل (الى) على معنى (من)، إمّا من باب كون (الى) بمعنى من، أو من باب كون الغاية داخلة في المغيّا.

فعلى الاحتمال الأول يستفاد من الآية الابتداء بالمرفق. و على الاحتمال الثاني لا يستفاد من نفس الآية وجوب الابتداء بالمرفق، بل يستفاد كون المرفق داخلا في اليد الذي يجب غسله.

و لكن بعد بيان الإمام عليه السّلام كما رأيت في الرواية من حمل (الى) على (من) و ابتدائه بالمرفق عملا يدل على وجوب الابتداء بالمرفق.

و الرواية الّتي رواها على بن عيسى بن أبي الفتح الاربلى في كشف الغمة قال:

(ذكر علي بن ابراهيم بن هاشم، و هو من اجل رواة اصحابنا، في كتابه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و ذكر حديثا في ابتداء النبوة يقول فيه، فنزل عليه جبرئيل و انزل عليه ماء من السماء فقال له: يا محمد قم توضأ للصلاة، فعلمه جبرئيل الوضوء على الوجه و اليدين من المرفق و مسح الرأس و الرجلين الى الكعبين) «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 24 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 202

فهي و إن كانت تدل على كون تعليمه في الوضوء في غسل اليدين من المرفق، لكنها على ما ترى من نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه الرواية تكون مرسلة، إلّا أن يكون في كتاب علي بن ابراهيم سند الرواية.

و الرواية الّتي رواها عن صفوان قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن قول

اللّه عزّ و جل: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» فقال عليه السّلام: قد سئل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن ذلك، فقال:

سيكفيك او كفتك سورة المائدة يعنى المسح على الرأس و الرجلين، قلت: فإنه قال:

(اغسلوا ايديكم الى المرافق) فكيف الغسل قال هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى يفضه في اليسرى ثم يفضه على المرفق ثم يمسح على الكف، قلت له: مرة واحدة؟

فقال كان ذلك يفعل مرتين، قلت: يردّ الشعر؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل و الا فلا) «1».

يستدلّ بها للمسألة بقوله المعصوم عليه السّلام (إذا كان عنده آخر فعل و الا فلا) في جواب سؤال السائل عن ردّ الشعر لأنّ معنى رد الشعر الغسل منكوسا من الكف الى المرفق فنهى عنه إذا لم يكن مورد التقية.

و أما قوله عليه السّلام: (هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى، ثم يفضّه على المرفق ثم يمسح على الكف) فلا يدل على وجوب الابتداء في الغسل من المرفق لاحتمال كونه في مقام بيان استحباب كون الابتداء في صبّ الماء من المرفق لا وجوب كون الابتداء بالغسل منه.

و هذه الرواية تدل على وجوب الابتداء بالمرفق و عدم جواز النكس لدلالتها

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من أبواب الوضوء من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 203

على عدم جواز رد الشعر و كذلك الرواية الثانية و الثالثة.

و أمّا بعض الروايات الواردة في الوضوءات البيانية، فهو و إن كان يدلّ على أن فعل المعصوم و عمله عليه السّلام كان بالابتداء من المرفق، لكن لا يدل على وجوب ذلك، لأنّ فعله عليه السّلام يمكن كونه من

باب استحباب ذلك كما حكى القول به عن السيد المرتضى رحمه اللّه في أحد قوليه.

و على كل حال لا اشكال في وجوب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل و عدم جواز النكس.

الجهة الرابعة: فيما هو المراد من المرفق،

و هو على ما قاله المؤلّف رحمه اللّه مركّب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد.

أقول: ما حكى من اللغوييّن و إن كان تفسير بعضهم له مخالفا مع بعض الآخر منهم، مثلا عن القاموس و مجمع البحرين و محكى الصحاح أن المرفق (موصل الذراع في العضد). و عن بعضهم انه موصل الذراع، أو انه مجمع عظمى الذراع و العضد، او رأس العظمين، او المقدار المتداخل من كل منهما، لكن لا يبعد ارجاع الكل الى ما ذكره المؤلّف رحمه اللّه من انه مركّب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد، لأنّه بعد كون مقدار بين كل من عظمى الذراع و العضد متصلا بالآخر و داخلا احدهما في الآخر، فسواء يكون المرفق موصل الذراع من العضد او في العضد او بالعضد، او مجمع عظمى الذراع و العضد، او المقدار المتداخل من كل منهما، أو رأس العظمين، يكون شي ء من الذراع و شي ء من العضد هو المرفق، لأنّ هذا المقدار منهما هو محل اتصال كل منهما بالآخر، و مجمعهما و راس كل من العظمين.

ثم اعلم أن تفسير المرفق بانه شي ء من الذراع و شي ء من العضد لا يخلو من اجمال، لاجمال الشي ء الذي من الذراع و العضد، و لاجل اجماله يمكن ارجاع تفاسير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 204

اهل اللغة به، فهل نقول إنه بمجرد غسل شي ء من العضد المتواصل بالذراع و إن كان اوّل طرفه المتداخل مع الذراع

غسل المرفق. أو نقول لا بدّ من غسل مجموع المقدار المتواصل من كل منهما بالآخر.

لما يمكن ان يقال: بأنّ ظاهر من فسر المرفق بموصل الذراع في العضد او بالعضد او مفصل الذراع و العضد او مجمعهما او المقدار المتداخل من كل منهما، يكون الظاهر من كلامه كون تمام مقدار المتصل من كل من العظمين بالآخر مرفقا، فيرجع كل التعاريف بامر واحد و هو يساعد مع ما قال المؤلف رحمه اللّه من أنّه (شي ء من العضد و الذراع) و المراد بالشي ء هو المقدار المتداخل و مجموعهما و موصل كل منهما بالآخر في قبال الجزء المنفصل من كل منهما عن الآخر و هو القول المنسوب الى المشهور أيضا، فافهم.

الجهة الخامسة: و يجب غسل المرفق بتمامه و شي ء من العضد،

الأول نفسيا و الثاني من باب المقدمة.

أما وجه وجوب غسل المرفق بتمامه وجوبا نفسيا خلافا لبعض من يحكى عنه بكون وجوب غسل المرفق مقدميا.

يقال من أنه ثبت عن الائمة عليهم السّلام كون لفظ (الى) في آية (فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الى المرافق) بمعنى (مع).

و بعض الروايات الناقلة عن وضوءات الائمة عليهم السّلام من أنهم غسلوا المرفق كما غسلوا ما بقى من الذراع الى رءوس الاصابع.

و بعض الآخر الدال على وجوب غسل المرفق، و من الواضح كون وجوبه نفسيا لا مقدميا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 205

و أمّا وجوب غسل شي ء من العضد مضافا الى غسل تمام المرفق فهو يكون من باب المقدمة العلمية كى يحصل العلم بامتثال الأمر المتعلق بغسل اليد من المرفق الى رءوس الاصابع.

الجهة السادسة: و كل ما في الحد يجب غسله و إن كان لحما زائدا

او اصبعا زائدة، و يدل على وجوب غسل جميع ما فى الحدّ مضافا الى دعوى الاجماع على وجوبه بعض الروايات:

منها الرواية التى رواها زرارة و بكير انهما سالا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و فيها بعد بيان وضوئه) قال: إن اللّه تعالى يقول: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ فليس له أن يدع شيئا من وجهه الا غسله، و امر بغسل اليدين الى المرفقين، فليس له ان يدع من يديه الى المرفقين شيئا الا غسّله الخ) «1».

و منها الرواية التى رواها اسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم السّلام في حديث (قال: و المحكم من القرآن مما تاويله في تنزيله مثل قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى

الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و هذا من المحكم الذي تأويله في تنزيله لا يحتاج تاويله الى اكثر من التنزيل. ثم قال: و أمّا حدود الوضوء فغسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و ما يتعلق بها، و يتصل سنّة واجبة على من عرفها و قدر على فعلها). «2».

وجه الاستدلال دلالة الاولى من الروايتين على انه لا بدّ من أن لا يدع شيئا

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل

(2) الرواية 23 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 206

من يديه الى لمرفقين الّا غسّله، فكلّ ما يكون داخلا في الحدّ هو من الشي ء الذي لا بدّ من غسله.

و دلالة الثانية على وجوب غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و ما يتعلق بها و يتصل بها، فاللحم الزائد و الاصبع الزائدة من المتعلقات باليد فلا بدّ من غسلها.

و الحاصل أن اطلاق الروايتين يشمل وجوب غسل كل ما في الحد من المرفق إذا عدّ من متعلقاتها عرفا، و إن ابيت عن دلالة الروايتين على غسل الزائد من اللحم و غيره تصل النوبة بالاصل العملى، فنقول:

لو شككنا في وجوب غسله و عدمه فهل المورد مورد اصالة الاشتغال او استصحاب الحدث او يكون مورد البراءة.

الحق كون المورد مورد الاشتغال في ما يشك في بقاء التكليف المتعلق بالوضوء و استصحاب الحدث فيما يكون الاثر مترتبا عليه في خصوص الجزء الزائد في ما يعدّ الزائد من اليد عرفا، لأنّ رافع الحدث هو الوضوء المعتبر فيه غسل تمام اليد من المرفق و هو على الفرض لم يغسله بتمامه.

و أمّا فيما

لا يعدّ الزائد جزءا من اليد عرفا، فلا وجه للاشتغال و لا لاستصحاب الحدث، بل يقتضي البراءة عن غسل الزائد تحقق رافع الحدث و إن لم يغسل هذا المشكوك.

و ليس المورد من قبيل الشك في المحصّل، حتى يكون مورد الاشتغال، لأنّ الواجب هو الغسلتان و المسحتان، و انما يشك في دخل شي ء فيه زائدا على ما يعلم، فيرتفع باصالة البراءة، لأنّه من قبيل الاقل و الاكثر الارتباطى و الحق فيه البراءة،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 207

فمما مر ظهر لك أن كل ما يعد عرفا من اليد و متعلقاتها يجب غسله و لو كان اطول من رءوس الاصابع.

و توهم أن ايجاب الغسل في الأخبار الى رءوس الاصابع يدل على أن الازيد منها غير واجب الغسل فاسد، لأنّ الأخبار ليست في مقام التحديد من هذا الحيث، و لو شككنا فكما قلنا: إذا كان يعد الزائد عرفا من اليد و متعلقاتها يجب غسله لقاعدة الاشتغال، إن ابيت عن دلالة بعض ما ذكرنا من النصوص و الا فالدليل هو النصّ اعنى الاصل اللفظى و معه لا تصل النوبة بالاصل العملى، و يأتى الكلام فى اليد الزائدة إن شاء اللّه فى طى المسألة 14.

الجهة السادسة: و يجب غسل الشعر مع البشرة.

اما وجوب غسل الشعر مضافا الى دعوى الاجماع عليه عن بعض كون الشعر من جملة اجزاء اليد و توابعها، فيجب غسله لما مر في الجهة الرابعة و الخامسة.

و اما وجوب غسل البشرة مع الشعر بمعنى وجوب غسل كل منهما، فلكونها من اليد فيجب غسلها.

و لا وجه لعدم وجوب غسلها إلّا ما توهم من دلالة الرواية التى رواها زرارة (قال: قلت له: ا رايت ما كان تحت الشعر؟ قال: كلّ ما احاط به

الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء) «1».

هذه الرواية بنقل الكلينى رحمه اللّه على ما فى الوسائل و رواه الصدوق رحمه اللّه و هي الرواية 3 من الباب المذكور و تقطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه و ذكر بعضها في هذا الباب و بعضها في الباب 17 من أبواب الوضوء، و تمام الرواية هكذا بنقل جامع احاديث

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 46 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 208

الشيعة في الباب 19 من أبواب الوضوء منه (قال زرارة بن اعين لأبي جعفر الباقر عليه السّلام: اخبرنى عن حد الوجه الذي ينبغى (له) ان يوضأ، الّذي قال اللّه عزّ و جل فقال: الوجه الّذي امر اللّه عز و جل بغسله، الّذي لا ينبغى لاحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يوجر و إن نقص منه اثم، ما دارت عليه (السبابة) و الوسطى و الإبهام من قصاص (شعر) الرأس الى الذقن، و ما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه. قلت: الصدغ (ليس) من الوجه؟ قال: لا قال زرارة، قلت له: ا رايت ما احاط به الشعر؟ فقال: كلّ ما احاط اللّه به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء).

روي هذه الرواية الكلينى رحمه اللّه في الكافى و الشيخ رحمه اللّه فى التهذيب و الصدوق رحمه اللّه في الفقيه.

و الراوى فى كل من الروايتين زرارة يروى عنه حماد الرواية الاولى بلا واسطة، و الثانية بتوسيط حريز، و كما ترى فى

الفقرة المشتركة بين الروايتين اعنى من قوله (قلت له الخ) يكون متن الروايتين متحدا تقريبا باختلاف يسير.

فمع هذا يحصل الاطمينان بكون الروايتين رواية واحدة، غاية الأمر حصل التقطيع إمّا من نفس زرارة أو بعض الروايات منه، فلا يمكن لنا الوثوق بصدور رواية غير الرواية الثانية و كون الرواية الاولى بعضها.

فإذا لا مجال للاستدلال على عدم وجوب غسل البشرة بالرواية الاولى، و يتمسك بعمومها و انه كلّ ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه، لأنّه ليست هذه رواية مستقلة، بل تمام الرواية الرواية الثانية و ينبغى ان يتكلم في اطرافها، و أنها هل تدل على عدم وجوب غسل البشرة من اليد إذا احاط به الشعر بدعوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 209

عموم (كلّ ما احاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه) فكما لا يجب غسل البشرة المحاط بالشعر في الوجه كذلك في اليدين من الوضوء، او لا وجه للتمسك بها.

أقول: كل من يتأمل في السؤال و الجواب و هو (قال زرارة قلت له: ا رايت ما احاط به الشعر؟ فقال: كل ما احاط به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه الخ) مع كون السؤال و الجواب قبل ذلك عن حد الوجه و ما يجب غسله فيه، لا يشك في أن السؤال عن خصوص ما احاط به الشعر في الوجه، فقوله كلّ ما احاط به الشعر يكون ناظرا الى خصوص الوجه، يعنى كلّ ما يكون في الوجه محاطا بالشعر لا يجب غسل البشرة المحاطة بالشعر، فالكلام عام بالنسبة الى اجزاء الوجه و لا يعمّ غير الوجه فلا يقبل حمل (كلّ ما) مع ملاحظة الصدر، اعنى ملاحظة السؤال، على عمومه حتى

بالنسبة الى غير الوجه.

و أمّا الرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، انما عليك أن تغسل ما ظهر) «1» فليس المراد منها ما ظهر من الشعر و انه لا يجب غسل البشرة المحيط بها الشعر، بل المراد من الظاهر الظاهر في قبال الباطن مثل باطن الانف و الفم كما صرّح في الصدر من كون السؤال عن المضمضة و الاستنشاق.

فتلخص مما مر وجوب غسل الشعر و البشرة من اليد من المرفق الى اطراف الاصابع.

الجهة السابعة: و من قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد

و إن كان اولى.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 210

وجه عدم الوجوب انعدام الحكم بانعدام موضوعه، لأنّ المفروض كون موضوع الوجوب من المرفق و هو مقطوع و فوقه لم يكن موضوعا للوجوب فلا يجب غسله و حكى عليه الاجماع و ادعى عدم الخلاف فيه.

و ما في بعض الروايات مثل الرواية التى رواها رفاعة قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاقطع فقال: يغسل ما قطع منه) «1».

و الرواية التى رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل؟ قال: يغسلهما) «2».

و الرواية التى رواها رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (سألته عن الاقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه) «3».

و الرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال:

سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقى من عضده) «4».

محمول على ما كان القطع من دون المرفق بحيث يكون شي ء من موضع الوضوء

من اليد باقيا.

إما من باب كون مناسبة الحكم و الموضوع مقتضيا لذلك، لأنّه لا معنى لجعل شي ء آخر واجبا عوض شي ء آخر، فمع قطع مقدار الواجب بتمامه لا معنى لايجاب شي ء آخر و هو ما بقى من العضد، فمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي حمل الأخبار على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 49 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 211

ما بقى من الموضع الواجب غسله من اليد فامر بغسل الباقى، لان طبع الحكم يقتضي اتيان ما بقى من الوضوء، لأنّ ما بقى كان معروض الحكم من اوّل الأمر فاذا لم يتمكن من المقدار المقطوع لا وجه لسقوط حكم ما بقى من الموضوع فيكون حكما على وفق القاعدة.

و إمّا من باب انه مع الاجماع و دعوى عدم الخلاف على عدم وجوب غسل ما بقى من العضد فوق المرفق الا ما حكى عن المفيد رحمه اللّه لا يمكن التعويل على هذه الأخبار في هذا المورد، ففي الحقيقة هذه الأخبار على فرض دلالتها على وجوب غسل ما بقى من العضد غير معمول بها.

و إمّا من باب انه لو بنينا على الاخذ بهذه الأخبار كان لازمه الحكم بوجوب غسل الكتف على من قطع يده من الكتف، لأنّ الروايات غير الاخيرة تدل على وجوب الغسل على الاقطع، و الاقطع من قطع يده فيشمل من قطعت يده من الكتف. و هكذا بمقتضى الرواية الثانية و الثالثة يجب غسل ما بقى من رجل من يكون مقطوع

الرجل، و هذا مما يخالف مذهبنا من وجوب المسح على الرجلين لا الغسل، لكن يمكن ان يقال بأن الامر غسل الرجل كان من باب التقية. و إمّا من باب عدم كون مورد الأخبار بظاهرها صورة قطع اليد من فوق المرفق بل موردها ما بقى شي ء من الموضع الواجب غسله من اليد في الوضوء مثل ما قطع من تحت المرفق او قطعت اليد مع بعض المرفق، بدعوى أن ظاهر الرواية الاخيرة و هي رواية على بن جعفر هو القطع من دون المرفق، لأنّ مورد السؤال من قطعت يده من المرفق و ظاهره كون المرفق كله او بعضه باق لأنّ هذا ظاهر الابتداء، و كذلك غيرها من الروايات لقرب ظهور الاقطع فيمن قطعت يده من دون المرفق.

أقول: و اعلم أن كل هذه الوجوه قابل للاشكال، إلّا انه بعد الاجماع المدعى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 212

لا بأس بتوجيه او الاشكال في الروايات باحد الوجوه المتقدمة، فتأمل.

و أمّا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من أنه لا يجب غسل العضد في فرض المسألة و إن كان اولى، وجه اولوية غسل العضد إمّا احتمال دلالة كل من الروايات الاربعة المتقدمة على غسله، و إما خصوص الرواية الاخيرة و هي رواية علي بن جعفر علي ذلك، فمجرد احتمال كون المراد منها من قطعت يده من فوق المرفق يكفى في اولوية غسله على عدم غسله.

الجهة الثامنة: و من قطعت يده من تمام المرفق

فلا يجب عليه غسل ما بقى من عضده لما عرفت فى الجهة السابعة، و ما يمكن كونه وجها لوجوب غسله أيضا ما عرفت في الجهة السابعة مع جوابه.

الجهة التاسعة: و إن قطعت يد الشخص دون المرفق يجب عليه غسل ما بقى.

و ما يمكن أن يكون وجها له مع ما حكى من الاجماع عليه او نسبة الوجوب الى اهل العلم، هو أن المتيقن من الروايات المتقدمة في الجهة السابعة هذا المورد، لأنّ مورد الروايات إمّا يكون مطلق من قطعت يده حتى من فوق المرفق، فيشمل المورد الذي قطعت دون المرفق يقينا.

و إمّا يكون خصوص المورد الذي قطعت مما دون المرفق لما قلنا في الجهة السابعة في وجه عدم كون مورد الروايات صورة قطع اليد من فوق المرفق.

و نقول هنا تتميما لبيان المطلب: إن مورد الرواية الاولى و الثانية و الثالثة هو الاقطع، و المراد من الاقطع في الروايات بظاهرها ليس من قطعت يده من الكتف، لأنّ ظاهرها وجوب غسل الباقى من اليد و من قطعت يده من الكتف لم تبق له يد حتى يغسله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 213

فموردها إما مطلق من قطعت بعض يده و إن كان من فوق المرفق، او خصوص من قطعت يده من دون المرفق، و الأول لا يمكن الالتزام به لما قلنا من بعض الاشكالات في الجهة السابعة، إمّا لكون مورد الروايات غير من قطعت يده من المرفق ظاهرا، و إمّا من جهة عدم امكان الاخذ بها على تقدير دلالتها على من قطعت يده من فوق المرفق للاجماع على خلافه.

فيكون مورد هذه الأخبار الثلاثة خصوص صورة القطع من دون المرفق كما افتوا به.

و أمّا الاشكال في الروايات بأن ظاهرها وجوب غسل خصوص موضع القطع.

ففيه أن ظاهرها ليس هذا خصوصا

الثانية منها لأنّ قوله عليه السّلام: (يغسلهما) هو غسل اليد و الرجل لا خصوص موضع القطع.

و أمّا الرواية الرابعة اعنى رواية على بن جعفر، فالمراد منها صورة قطع اليد من دون المرفق بناء على حملها على كون المرفق في قوله: سألته عن رجل قطعت يده من المرفق خارجا عما قطع من اليد و هذا غير بعيد عن ظاهر الرواية.

و يمكن أن يتمسك بوجوب غسل الباقى من اليد في فرض قطع اليد من دون المرفق بقوله: اذا امرتكم بشي ء فاتوا منه ما استطعتم بقاعدة الميسور و ما لا يدرك كله لا يترك كله على الكلام فيها و في مقدار دلالتها و موردها.

و يمكن التمسك بالاستصحاب، فيقال فيما كان القطع بعد دخول الوقت: بأنه قبل قطع ما قطع من يده كان الواجب غسل ما بقى الى المرفق فيستصحب وجوبه.

ان قلت: إن الموضوع قد تبدل، و الشرط في اجراء الاستصحاب بقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 214

الموضوع.

قد يقال جوابا عن هذا الاشكال: بان الموضوع باق، لأنّ غسل هذا المقدار الباقى من اليد دون المرفق كان واجبا قبل قطع ما قطع من اليد بانبساط الوجوب عليه بدون تقديم عروض الوجوب له بعروضه بما قطع من اليد فيستصحب الوجوب.

هذا اذا كان التكليف المتعلق باليد انبساطيا على كل جزء من اليد، و لكن هذا غير معلوم بل يكون معلوم العدم فعلى هذا لا وجه للاستصحاب.

و اما فيما قطعت يده من دون المرفق قبل دخول الوقت فاذا دخل الوقت يستصحب الوجوب، لكن الاستصحاب في هذه الصورة يكون استصحابا تعليقيا، فيقال لو كان يده بتمامها باقية كان هذا المقدار الباقى واجبا فكذلك في هذا الحال.

ففي كلتا الحالتين اى حالة

قطع يده من دون المرفق بعد الوقت و قبل الوقت يجرى الاستصحاب، غاية الامر فيما كان القطع بعد الوقت فعليا و قبل الوقت تعليقيا.

لكن هذا الاستصحاب يجرى على فرض كون التكليف انبساطيا، و اما أن كان تكليفا واحدا بمجموع اليد فلا مجال للاستصحاب لعدم بقاء الموضوع و هو تمام اليد كما قلنا في الفرض الأول.

اقول: اما اذا لم يكن التكليف انبساطيا، فكما اعترف المجيب عن الاشكال لا مجال لاستصحاب، و اما اذا كان انبساطيا فكما بينا فى الاصول، لا مجال أيضا للاستصحاب وجوب باقى الاجزاء، فراجع.

فعلى هذا لا مجال لاستصحاب وجوب الباقى، و اما قاعدة الميسور فمضافا الى بعض ما اورد عليها، و قد بينا فى الاصول لا يمكن التمسك بها لضعف سندها و جبرها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 215

بعمل الاصحاب غير معلوم، فراجع ما كتبنا فى الاصول فى هذه المسألة.

الجهة العاشرة: و إن قطعت اليد من المرفق

بمعنى اخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان من العضد جزء المرفق.

لعين ما قلنا في الجهة التاسعة لأنّه على الفرض قد بقى بعض مواضع الوضوء و هو الجزء الذي من العضد يكون داخلا في المرفق.

***

[مسئلة 11: إن كانت له يد زائدة دون المرفق]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضا كاللحم الزائد.

و إن كانت فوقه فأن علم زيادتها لا يجب غسلها و يكفى غسل الاصلية، و إن لم يعلم الزائدة من الاصلية وجب غسلهما و يجب مسح الرأس و الرجل بهما من باب الاحتياط.

و إن كانتا اصليتين يجب غسلهما أيضا و يكفى المسح بإحداهما.

(1)

أقول: تارة يقع الكلام في يد زائدة دون المرفق فالحق وجوب غسلها، لما عرفت من بعض الأخبار الدال على ذلك في الجهة السادسة من الجهات التى تعرضنا في وجوب غسل اليدين، و هي روايتا زرارة و بكير و رواية اسماعيل بن جابر فإنّ مفاد الاولى انه يجب أن لا يدع شيئا مما بين الحدين و مفاد الثانية وجوب غسل اليد مع متعلقاتها، مضافا الى قاعدة الاشتغال و استصحاب الحدث ان كان الاثر مترتبا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 216

عليه و صورة صدق اليد عليه عرفا.

و تارة يقع الكلام فيما كانت فوق المرفق و له صورتان:

الصورة الاولى: ما كانت اليد الاصلية مرددة بين اليدين

فلا يعلم صاحب اليدين بأن ايّا منهما اصلية و أيا منهما زائدة، مثل ما كانتا متحدة في جميع الجهات ففي هذه الصورة يجب غسل كل منهما، لانه إمّا الواجب غسل كل من الاصلية و الزائدة (كما هو احد القولين في الصورة الثانية التي نتعرض لها و هي ما تكون الاصلية معلومة و الزائدة معلومة) فيجب غسلهما.

و إمّا أن الواجب غسل اليد الاصلية فقط، فأيضا يجب غسل كل منهما في الفرض لتردد الاصلية بين اليدين، فمقتضى العلم الاجمالى هو وجوب غسل كل منهما.

كما انه في هذه الصورة يجب مسح الرأس و الرجل اليمنى بكل منهما أيضا إن كانت اليد الزائدة

في يده اليمنى و مسح رجل اليسرى بهما إن كانت اليد الزائدة في يده اليسرى، و مسح كل منهما بكل منهما إن كانت يد الزائدة في كل من اليمنى و اليسرى.

هذا إذا قلنا بعدم وجوب غسل اليد الزائدة و اما لو قلنا بوجوب غسله من باب صدق اليد عليها فيكفى المسح بواحدة من اليد الاصلية و الزائدة، لان المسح لا بد و ان يكون باليد و كل منهما يد، فكما يكتفى بالاصلية يكتفى المسح بالزائدة، و ان كان الاحوط استحبابا المسح باليد الاصلية.

الصورة الثانية: ما إذا علم تفصيلا باليد الزائدة و الاصلية

فيدرى أن ايهما الاصلية و ايهما الزائدة، فهل يجب غسل كل منهما كما حكى عن بعض، او لا يجب الّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 217

غسل اليد الأصلية كما حكى عن جمع و اختاره المؤلّف رحمه اللّه.

وجه عدم الوجوب كون الوارد في بعض الأخبار ذكر اليد تثنية و هذا يقتضي كون الواجب غسل اليدين لا الايادى الثلاثة، و بعد كون الواجب غسل احد من هذين اليدين الواقعتين في يده اليمنى او اليسرى، فلا اشكال في أن الواجب من بينهما الاصلية لا الزائدة و لانصراف الاطلاق عن اليد الزائدة.

و وجه وجوب غسل كل من الاصلية و الزائدة صدق اسم اليد على كل منهما، و قد قال اللّه تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ).

و أمّا ما قيل من عدم وجوب غسل الزائدة لما ورد في بعض الأخبار اليدان تثنية لان المراد من اليدين يد اليمنى و اليسرى، فمعنا الامر بغسل اليدين غسل كل من اليد اليمنى و اليد اليسرى، و عدم كفاية غسل احدهما، و هذا لا ينافى مع كونه فى كل من اليمنى و اليسرى ذا يد اصلية

و زائدة او ذا اليدين الاصليتين.

مضافا الى ما قيل من كون ذكر اليدين جريا على المتعارف لكون المتعارف ذا اليدين و هذا لا يصلح لتقييد الحكم بخصوص الاصلى منهما و عدم وجوب غيرهما مع كون اليد صادقا عليه.

و أمّا ما قيل من انصراف اليد عن الزائدة بمعنى انه لو كان اطلاق في البين من باب التعبير باليد لا وجه لأخذ الاطلاق منه و دعوى كون اليد صادقا على الزائدة لانصراف الاطلاق عنها.

ففيه أن مجرد ندرة الوجود لا يوجب الانصراف كما ذكر في محله، و إلّا لو كان ندرة الوجود موجبا للانصراف فنقول إن الآية الشريفة و الأخبار الواردة في الوضوء الدالة على غسل اليد منصرف عمن يكون في واحدة من يديه او فيهما يدان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 218

اصليتان او اصلية و زائدة، فلا يجب عليه غسل اليد التي تكون فيها يدان و هذا مما لا يمكن الالتزام به، فالاقوى وجوب غسل كل منهما.

و هل يجب المسح بكل منهما او يكفى المسح بواحدة منهما؟

الحق الاكتفاء بكل واحدة منهما لأنّ كلتيهما يد و الواجب كون المسح باليد، و إن كان الاحوط استحبابا المسح باليد الاصلية لاحتمال كون اليد واقعا خصوصها كما احتمل بعض و قال به.

و تارة تكون كلتا اليدين اصليتين فيجب غسل كل منهما كما قلنا في الفرض السابق، بل في الفرض لا يرد ما اورد في الفرض السابق من انصراف اليد الى غير الاصلية.

بل يمكن أن يقال في الفرض بأنه بعد العلم بوجوب غسل اليد لو فرض كون الواجب واقعا غسل احدهما، لكن حيث تكون كل منهما اصلية لا يعلم الواجب عن غير الواجب فيجب غسل كل منهما من

باب العلم الاجمالى بوجوب غسل إحداهما، فلو لم نقل في الفرض السابق بوجوب غسل كل من الاصلية و الزائدة لا بدّ أن نقول هنا بوجوب غسلهما.

مع انك عرفت أن الحق وجوب غسل كل منهما حتى في الفرض السابق، ففى الفرض بطريق الاولى.

و أمّا المسح فيكفى بكل منهما بناء على ما قلنا من وجوب غسل كل منهما لكونهما يدا و اليد يجب غسلها و في المسح يجب كون المسح باليد.

و أمّا لو قلنا بوجوب غسلهما من باب العلم الاجمالى بوجوب غسل إحداهما فلا بدّ من المسح بكل منهما حتى يعلم بوقوع المسح باليد، لأنّه على هذا لا يدرى أن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 219

اليد الواجب غسلها و الواجب المسح بها اى منهما فافهم.

***

[مسئلة 12: الوسخ تحت الاظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: الوسخ تحت الاظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا تجب ازالته، إلّا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر فإن الاحوط ازالته.

و إن كان زائدا على المتعارف وجبت ازالته كما انه لو قصّ اظفاره فصار ما تحتها ظاهر اوجب غسله بعد ازالة الوسخ عنه.

(1)

أقول: اعلم انّ الظاهر فى مقابل الباطن يجب غسله حتى عرفت أن البشرة المستورة تحت الشعر في اليدين يجب غسلها و لا يكتفى بغسل الشعر عن غسلها (و إن كان غسل الشعر عن البشرة المحيط بها كاف في خصوص الوجه للدليل الخاص).

فبناء عليه نقول: بأنه لو عدّ البشرة الواقعة تحت الاظفار من الظاهر يجب غسلها و ايصال الماء إليها.

فإن كان الوسخ قليلا بحيث يصل الماء بوصف الاطلاق إلى البشرة الواقعة تحت الوسخ لا يجب على المتوضى ازالته.

و إن كان مانعا من وصول الماء إليها او مانعا من وصول الماء بوصف

الاطلاق إلى البشرة تجب ازالة الوسخ.

فعلى فرض عدّها من الظاهر، لا وجه لان يقال: بعدم وجوب غسلها، إما بانه مع عموم البلوى بوقوع الوسخ تحت الاظفار، فلو كان غسل البشرة الواقعة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 220

تحت الوسخ واجبا كان اللازم بيانه، فمن عدم بيانه نكشف عدم وجوبه بالإطلاق المقامى، و إما بان استحباب اطالة المرأة اظفار يديها شاهد على عدم وجوب غسل البشرة الواقعة تحت الاظفار.

ففيه، لانّ ما قيل من الاطلاق المقامى فمردود، فانه يكفى فى مقام بيان وجوب غسل تمام ما فى الحد من الظاهر ما ورد فى بعض الروايات، مثل قوله عليه السّلام فى رواية زرارة و بكير المتقدمة فى الجهة السادسة من الجهات المتقدمة فى غسل اليد (فليس له ان يدع شيئا من يديه الى المرفقين شيئا الا غسّله).

و أما استحباب اطالة المرأة اظفارها فلا يستفاد منه كون باطن الاظفار من الظاهر، و مع هذا لا يجب غسله، لانه لو كان ما تحتها من الظاهر يمكن غسله مع اطالة الظفر.

و لو عدّ البشرة الواقعة تحت الظفر من الباطن مثل الفم و الانف و الاذن، لا يجب غسلها رأسا فلا تجب ازالة الوسخ عن البشرة في هذه الصورة سواء كان زائدا على المتعارف او أقل منه.

إذا عرفت ذلك فما ينبغى أن نتكلم في اطرافه هو أن البشرة التي احاط به الظفر هل يعدّ من الباطن حتى لا يجب غسله، و لو لم يكن فوقها وسخ، أو من الظاهر حتى يجب غسلها حتى كان الواجب ازالة الوسخ المانع من وصول الماء إليها او من وصوله إليها بوصف الاطلاق.

و الحق أن البشرة إذا كانت بحيث لا تظهر الا بقصّ الظفر

فهى من الباطن بنظر العرف، و بعبارة اخرى الجزء المستور بالظفر منها هو من الباطن فلا يجب غسلها حتى يجب ازالة الوسخ لوقوع الغسل عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 221

هذا كله في البشرة المستورة بالظفر، و أمّا لو قص اظفاره فصار ما تحتها من البشرة ظاهرا وجب غسله و مع وجوب غسله يجب ازالة الوسخ المانع من وصول نفس الماء او من وصوله بوصف الاطلاق إلى البشرة.

***

[مسئلة 13: الاكتفاء عن الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزندين و الاكتفاء عن الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل.

(1)

أقول: و وجهه واضح لأنّ الواجب غسل اليدين من المرفقين الى اطراف الاصابع في الوضوء.

***

[مسئلة 14: إذا انقطع لحم من اليدين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع، و يجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل و إن كان اتصاله بجلدة رقيقة.

و لا يجب قطعه أيضا ليغسل ما تحت تلك الجلدة و إن كان احوط لو عدّ ذلك اللّحم شيئا خارجيا و لم يحسب جزءا من اليد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 222

(1)

أقول: اما وجوب غسل ما يظهر بعد قطع اللحم من اليدين، فلانّ ما ظهر بالقطع يصير من الظاهر و قد عرفت وجوب غسل ظاهر اليدين من المرفق الى اطراف الاصابع.

أمّا وجه وجوب غسل ذلك اللحم ما لم ينفصل فلكونه من اجزاء اليد و متعلقاتها فيجب غسله لما مرّ من دلالة الرواية على انّه لا يدع شيئا من بين المرفق الى رءوس الاصابع الا غسّله.

أما عدم وجوب قطع اللحم لعدم الدليل على وجوب قطعه.

و ما يمكن أن يكون دليلا عليه هو كون هذا اللحم يعدّ حائلا عند العرف، فكما يجب رفع الحائل لوصول الماء الى البشرة كذلك يجب قطع هذا اللحم، لأن يظهر المقدار المعلق عليه اللحم من البشرة.

و حيث إن كونه من قبيل الحائل غير مسلم بل مشكوك بنظر المؤلّف رحمه اللّه قال:

بأن الاحوط قطعه.

و لكن كون هذا اللحم من الحائل اللازم إزالته لوصول الماء إلى البشرة محل تامل جدّا، بل ما يأتى بالنظر هو كون البشرة المستورة باللحم او بجلدة منه معدودا من

الظاهر الذي يجب غسله حتى لاجله كان الواجب قطع اللحم غير معلوم بل معلوم العدم، نعم لوعد هذا اللحم شيئا خارجا عن اليد يمكن أن يقال بكونه كالحائل، لكن ما لم يقطع يعدّ من اليد لا شيئا خارجيا و ليست البشرة المستورة به من الظاهر، فلا وجه لوجوب قطعه خصوصا اذا كان فى قطعه مشقة او ضرر، فتامل.

بل اللحم المستور به مقدار من البشرة هو الظاهر من البشرة الواجب غسله لا باطنه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 223

[مسئلة 15: الشقوق التى تحدث على ظهر الكف]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الشقوق التى تحدث على ظهر الكف من جهة البرد إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب ايصال الماء فيها و الا فلا و مع الشك لا يجب عملا بالاستصحاب و إن كان الاحوط الايصال.

(1)

أقول: حكم الشقوق الحادثة على ظهر الكف او في الموضع الآخر من مواضع الوضوء إن عدت من الظاهر معلوم و هو وجوب الغسل، كما انها لو عدّت من الباطن حكمه معلوم و هو عدم وجوب غسلها.

غاية الأمر ما قاله المؤلّف رحمه اللّه في كلامه يظهر منه أن الميزان في كونها من الظاهر كونها وسيعة بحيث يرى جوفها، و هذا ليس بإطلاقه تعريفا و ميزانا للظاهر في قبال الباطن و الا لو كان كذلك يلزم عدّ ما يرى من باطن الفم و الانف و الاذن من الظاهر، و الحال انها من الباطن و كذلك يلزم كون باطن العين من الظاهر لإمكان رؤيته.

و لا يبعد الايكال في تشخيص موضوع الظاهر و الباطن الى العرف و الانصاف أن العرف يحكم في بعض الموارد انه من الظاهر و في بعض الموارد انه من الباطن من باب أن الظاهر بنظره ما هو بارز

بطبعه و الباطن ليس بارزا بطبعه و إن كان قابلا للرؤية كما ذكرنا في طى المسألة الاولى من المسائل المربوطة بافعال الوضوء، و في بعض الموارد و ان كان لا يمكن له الحكم و يكون من الصغريات المشكوكة بنظره، لكن فى خصوص مفروض المسألة لا يبعد كونها من الظاهر بنظر العرف.

إذا عرفت ذلك نقول: لو شككنا في كون الشقوق من الظاهر حتى يجب غسلها او من الباطن حتى لا يجب غسلها، فهل المرجع هو الاستصحاب او لا يجرى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 224

الاستصحاب؟

و بعد عدم جريان الاستصحاب يكون المرجع قاعدة الاشتغال او البراءة؟

فنقول: ان

الاستصحاب يتصور على انحاء:
النحو الأول: أن يقال بعد عدم تبين مفهوم الظاهر و الباطن

نشك في أن ما شق صار ظاهرا او باق على ما كان من الباطن، فيستصحب كونه من الباطن.

و قد يشكل فيه أنه لا مجال للاستصحاب هنا، لأنّ في المورد لا يكون شك بل الشك ليس الا من باب الشك في مفهوم الظاهر فلو تبين مفهوم الظاهر مثلا يدرى بأن سعة مفهومه يكون بحيث هذا من الظاهر فلا يكون شك في البين كما انه لو تبين مفهوم الباطن و إن سعة مفهومه يشمل المورد فأيضا لا يكون شك، و بعبارة اخرى لا بدّ في الاستصحاب من أن يكون كل من طرفى الوجود و العدم مشكوك على كل حال و في المقام ليس كذلك لأنّ منشأ الشك صدق الظاهر عليه من جهة الشك في مفهوم الظاهر.

و لكن هذا الاشكال مدفوع، اذ على الفرض فعلا يكون طرفى الوجود و العدم مشكوكا، و إن كان منشأ الشك عدم تبين مفهوم الظاهر و الباطن فيجرى الاستصحاب.

النحو الثاني: في أن يكون منشأ الشك في أن مورد الشقوق من الظاهر

من باب الشك في كون المورد مصداق الظاهر بعد تبين مفهوم الظاهر مثل ما اذا يدرى ن الظاهر عبارة عن كل ما يرى و يشك بعد تبين مفهوم الظاهر، مثل ما كان في ظلمة و لا يدرى انه مصداق الظاهر أم لا، فلا اشكال في اجراء الاستصحاب، لكن بناء على كون الواجب الطهارة فلا يثبت استصحاب كونه باطنا الطهارة الا على القول بالاصول المثبتة ان كان الواجب الطهارة، و اما ان كان الواجب غسل الظاهر فاثر الاستصحاب عدم وجوب غسل المشكوك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 225

النحو الثالث: الاستصحاب التعليقى

بأن يقال أنه لو لم تكن هذه الشقوق تحصل الطهارة بدون غسل ما في الشقوق من البشرة، فيشك في تحقق الطهارة بدون غسل جوف الشقوق و عدمه بعد الانشقاق فيستصحب.

و فيه أن هذا الاستصحاب مثبت، لأنّ تحقق الطهارة بدون غسل ما في الشقوق يكون اثرا عقليا لا اثرا شرعيا، مضافا الى ما عن بعض من الاشكال في الاستصحاب التعليقى رأسا.

النحو الرابع: الاستصحاب الحكمى المنجز

بأن يقال انه قبل هذه الشقوق لا يجب غسل ما ظهر بالشقوق من البشرة، فكذلك فيما بعد الشقوق، و استشكل بهذا الاستصحاب بأن الواجب إن كان مجرد الغسل و المسح في الوضوء كان لهذا الاستصحاب مجال و اثره عدم وجوب غسل ما في الشقوق.

و لكن الواجب هو الطهارة و الغسلتان و المسحتان محصلتان لهذه الطهارة فلا يثبت بعدم وجوب الغسل الطهارة الاعلى القول بالاصول المثبتة.

أقول: و يمكن ان يقال بأن الشرط و إن كانت الطهارة إلّا أن الواجب محصّلها و هو الغسلتان و المسحتان، فهو يشك في كون غسل ما ظهر بين الشقوق دخيلا في الغسلتين او لا، فيرتفع وجوبه باستصحاب عدم وجوبه قبل الانشقاق.

و مما قلت من أن المورد ليس من قبيل الشك في المحصل يظهر لك انه مع فرض عدم اجراء الاستصحاب في المورد تجرى البراءة.

نعم لو كان الواجب الطهارة يكون المورد مجرى الاشتغال، لأنّه يشك في حصول الطهارة فالاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 226

[مسئلة 16: ما يعلو البشرة مثل الجدرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: ما يعلو البشرة مثل الجدرى عند الاحتراق ما دام باقيا يكفى غسل ظاهره و إن انخرق، و لا يجب ايصال الماء تحت الجلدة بل لو قطع بعض الجلدة و بقى البعض الآخر يكفى غسل ظاهر ذلك البعض و لا يجب قطعه بتمامه، و لو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه، لكن الجلدة متصلة قد تلزق و قد لا تلزق يجب غسل ما تحتها و إن كانت لازقة يجب رفعها او قطعها.

(1)

أقول: أمّا كفاية غسل ظاهر البشرة و إن انخرق ما حدث بالاحتراق و الحكّ فلان الواجب غسل الظاهر من البشرة.

و لا يجب ايصال الماء تحت الجلدة لكونه

من الباطن.

بل لو قطع بعض الجلدة و بقى البعض الآخر يكفى غسل ظاهر ذلك البعض لأنّ هذا البعض من الظاهر و لا يجب قطعه بتمامه.

و أمّا الجلدة المتصلة التى قد تلزق و قد لا تلزق يجب غسل ما تحتها لأنّه مع هذا الوضع يكون ما تحت الجلدة من الظاهر الحادث على فوقه المانع.

و إن كانت الجلدة لازقة يجب رفعها او قطعها لوجوب ايصال الماء إلى البشرة و رفع المانع كى يصل الماء إلى البشرة و على الفرض تكون الجلدة كالحاجب و المانع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 227

[مسئلة 17: ما ينجمد على الجرح عند البرء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: ما ينجمد على الجرح عند البرء و يصير كالجلد لا يجب رفعه و إن حصل البرء، و يجزى غسل ظاهره و إن كان رفعه سهلا و أمّا الدواء الذي انجمد عليه و صار كالجلد فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة يكفى غسل ظاهره و إن امكن رفعه بسهولة وجب.

(1)

أقول: لكون ما ينجمد على الجرح عند البرء بعد صيرورته كالجلد جزءا للبدن عرفا فيكفى غسل ظاهره و إن كان رفعه سهلا.

و أمّا الدواء فما دام لا يمكن رفعه فهو بمنزلة الجبيرة يكفى غسل ظاهره بتفصيل يأتى إن شاء اللّه في الجبائر.

و إن امكن رفع الدواء بسهولة يجب لأنّه من الحاجب و المانع الّذي يجب رفعه لايصال الماء إلى البشرة.

***

[مسئلة 18: الوسخ على البشرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الوسخ على البشرة إن لم يكن جرما مرئيا لا يجب ازالته و إن كان عند المسح بالكيس في الحمام او غيره يجتمع و يكون كثيرا ما دام يصدق عليه غسل البشرة، و كذا مثل البياض الذي يتبين على اليد من الجص او النورة إذا كان يصل الماء الى ما تحته و يصدق معه غسل البشرة، نعم لو شك في كونه حاجبا أم لا وجب ازالته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 228

(1)

أقول: الميزان وصول الماء الى البشرة فكلّ ما يكون مانعا من وصوله إليها تجب ازالته سواء كان وسخا او شيئا آخرا، فلا بدّ من كون مفروض المسألة صورة عدم كون الوسخ مانعا، و كذا البياض المبيّن على اليد من الجص او النورة.

لكن هنا كلام آخر من حيث إنه لو كان الوسخ بحيث يوجب وجوده صيرورة الماء مضافا و لو لم يكن مانعا يجب رفع

الوسخ لوصول الماء المطلق إلى محل الوضوء.

و لو شك في كون الوسخ حاجبا أم لا، تجب ازالته لأنّ الشك في مانعية الموجود لأنّ اشتغاله بغسل البشرة مسلم و مع هذا الوسخ يشك في الوصول فلا بدّ من ازالته لأن يقطع ببراءة ذمته كما قلنا في المسألة التاسعة من المسائل المتعلقة بغسل الوجه.

***

[مسئلة 19: الوسواسى الّذي لا يحصل له القطع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: الوسواسى الّذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع الى المتعارف.

(2)

أقول: لكون امره دائرا بين امور ثلاثة:

ترك العمل رأسا فلا يعمل على نحو المتعارف و لا غير المتعارف اعنى بنحو الوسواس، و هو لا يجوز ضرورة من الدين.

و العمل بنحو الوسواس و غير المتعارف، فهو لا يجوز للنهى الوارد عنه.

و العمل على طبق المتعارف و هو متعين عليه بعد عدم جواز الأول و الثاني

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 229

و النهى عن العمل بالوسواس يشمل خصوص مقداره الغير المتعارف، و المتعارف ليس وسواسا فليس منهيا عنه.

***

[مسئلة 20: إذا نفذت شوكة في مواضع الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: إذا نفذت شوكة في اليد او غيرها من مواضع الوضوء او الغسل لا يجب اخراجها إلّا إذا كان محلها على فرض الاخراج محسوبا من الظاهر.

(1)

أقول: كما عرفت يكون الميزان غسل الظاهر فاذا نفذت الشوكة في اليد و لا تشغل شيئا من الظاهر لا يجب اخراجها.

و إن شغلت بعض الظاهر من البشرة مثل ما إذا كانت له رأس اشغل رأسه مقدار من ظاهر اليد، او كان لمحل نفوذها سعه يعدّ من الظاهر، يجب اخراجها لكونها في كلا الفرضين كالحاجب الواجب ازالته كى يصل الماء إلى البشرة.

***

[مسئلة 21: يصحّ الوضوء بالارتماس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الاعلى فالاعلى، لكن في اليد اليسرى لا بدّ أن يقصد الغسل حال الاخراج من الماء حتى لا يلزم المسح بالماء الجديد.

بل و كذا فى اليد اليمنى إلّا أن يبقى شيئا من اليد اليسرى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 230

ليغسله باليد اليمنى حتى يكون ما يبقى عليها من الرطوبة من ماء الوضوء.

(1)

أقول: الكلام في جهات:

الجهة الاولى: في صحة الوضوء بالارتماس

و صحته مسلّم عند الفقهاء لدعوى الاتفاق عليها من بعض الفقهاء و عدم حكاية المخالف.

و يكفى دليلا عليه ان المطلوب في الوضوء هو غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و الغسل كما يحصل بصب الماء على الوجه و اليدين كذلك يحصل بارتماسهما في الماء.

و ما يتوهم من عدم كفاية الارتماس، إمّا بأن كل ما نقل من الوضوءات البيانية هو كون الغسل بصب الماء على المحل لا بالارتماس.

و إمّا بأن الجريان مأخوذ في مفهوم الغسل و بارتماس الوجه او اليدين لا يتحقق الجريان فلا يصدق الغسل و المأمور به هو الغسل كما في قوله تعالى:

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ.

و فيه، أمّا كون المنقول من وضوء المعصومين عليهم السّلام هو الغسل بصب الماء، فهو ليس من باب كون الواجب خصوص الصب و عدم كفاية الارتماس، بل ربما كان من باب عدم وجود ماء كر او جار غالبا و الاكثر في زمنهم و بلادهم وجود خصوص الماء القليل، و لهذا كان بصب الماء القليل على المحل، فمجرّد كونه المنقول لا يوجب الحصر كما أن جل الروايات الواردة في تطهير النجاسات كان بالماء القليل و لا يستفاد منها كون المطهر منحصرا بالماء القليل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5،

ص: 231

و أمّا اعتبار الجريان في الغسل فقد بيّنا تمام الكلام فيه في الجهة الخامسة من الجهات التى تعرضنا عنها في غسل الوجه، و ما قلنا في المراد من الجريان المعتبر في الغسل بعد جمع الروايات الواردة في الباب فراجع.

مضافا الى أنه لو قلنا باعتبار الجريان فى مفهوم الغسل يحصل الجريان في الارتماس في الماء بنفسه او بتحريك الوجه و اليد بعد الرمس في الماء فيتحقق الجريان.

الجهة الثانية: يجب مراعاة الاعلى فالاعلى

في صورة الغسل بالارتماس لوجوب ذلك كما عرفت، و لا يكتفى مجرد نية كون الغسل من الاعلى فالاعلى، بل لا بد من ايقاع ذلك خارجا لان الواجب ايجاد الغسل من الاعلى فالاعلى خارجا.

الجهة الثالثة: بعد ما ننقل عليك إن شاء اللّه من وجوب كون المسح بنداوة الوضوء

فيجب أن يكون الغسل بالارتماس على نحو يقع المسح بنداوة ماء الوضوء، و لا بماء جديد، فعلى هذا يقع الكلام في أنه على اى نحو يتحقق الوضوء بالارتماس بحيث يتحقق المسح بنداوة ماء الوضوء؟

قال المحقق الثاني رحمه اللّه بأنه بعد كون الارتماس بالغمس في الماء من الادخال في الماء و البقاء فيه و إخراجه شيئا واحدا و ليس في البين امر مستأنف لأنّه مع الغمس لا يصدق الاستيناف و لا كون الماء ماء مستأنفا غير ماء الوضوء لأنّ الغمس امر واحد و هو كان للوضوء فيتحقق المسح بنداوة ماء الوضوء.

و فيه انه لو نوى الغسل قبل اخراج اليد عن الماء فلا يصدق على ما يخرجه من الماء باخراج اليد انه ماء الوضوء فاذا لم يكن ماء الوضوء يكون ماء غير نداوة الوضوء و هو معنى كونه مستأنفا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 232

و إذا كان قصد الوضوء بادخال اليد في الماء او ابقائه لا باخراجه مورد الاشكال كما عرفت فهل يرتفع الاشكال، إمّا بأن ينوى غسل كل من اليد اليمنى و اليسرى حال خروجهما من الماء لأنّه على هذا يكون ما بقى في اليدين ماء الوضوء فالمسح يقع بنداوة ماء الوضوء.

و إمّا بأن ينوى غسل خصوص اليد اليمنى حال الخروج من الماء و يبقى مقدارا من اليد اليسرى بلا غسلة بالارتماس ثم يغسل هذا المقدار باليد اليمنى كى يصير كل من اليدين مائهما ماء الوضوء.

أمّا اليسرى فلان الماء

فيها ماء الوضوء لأنّه قصد غسل مقدار منها باخراجه من الماء فالماء الواقع فيه ماء الوضوء و أمّا مقدارها الباقى فحيث يغسله باليد اليمنى فالماء فيه ماء الوضوء أيضا.

و أمّا اليد اليمنى فغسلها و إن كان حين الارتماس في الماء او حين بقائها في الماء لا حال الخروج من الماء، إلّا أنه حيث غسل بها بعض الباقى من اليد اليسرى فصار الماء الواقع في كفه اليمنى ماء الوضوء فيقع المسح بنداوة ماء الوضوء.

و لكن قد يشكل ذلك بما استشكلنا به في كلام المحقق رحمه اللّه من أنّ ما يخرجه من الماء باخراج يده عن الماء ليس ماء الوضوء لو قصد بادخال يده او ابقائها في الماء بالارتماس و هذا بعينه يجرى في هذين النحوين، و لأنّه لو قصد الغسل باخراج اليد عن الماء لكن ما يخرج من الماء باخراج يده ليس خصوص ماء الوضوء بل مختلط مع غيره من الماء الذي ارتمست يده فيه.

فما نقول في المقام؟ هل نقول: إن عدم جواز كون المسح بغير نداوة ماء الوضوء غير هذا الفرض؟ و إن المراد من الماء الخارجى ما كان بعد تمام الغسل؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 233

فمعنى عدم كون المسح بالماء الجديد الماء الجديد بعد الغسل لا مثل هذا الماء الذي به يحصل الغسل و إن كان مخلوطا بالماء الآخر.

أو نقول: إنه بعد ما نرى من تجويزهم الوضوء بالارتماس، فقدر المتيقن من صورة جوازه هذه الصورة؟

او نقول: بأنه بعد هذا المخطور نلتزم بعدم جواز الوضوء بالارتماس؟

لا يمكن القول بعدم الجواز لتسلّم جوازه، فلا بدّ من اختيار احد الأمرين.

***

[مسئلة 22: يجوز الوضوء بماء المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: يجوز الوضوء بماء المطر كما إذا قام تحت السماء

حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعات الاعلى فالاعلى، و كذلك بالنسبة الى يديه، و كذلك إذا قام تحت الميزاب او نحوه.

و لو لم ينو من الأول لكن بعد جريانه على جميع محال الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله و كذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضا.

و كذا لو ارتمس في الماء ثم خرج و فعل ما ذكر.

(1)

أقول: أمّا جواز الوضوء بماء المطر كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه، يكون مورد الاتفاق على ما حكى عن ظاهر الجواهر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 234

و استدل عليه بالرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سألته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه، هل يجزيه ذلك من الوضوء؟ قال: إن غسله فإن ذلك يجزيه) «1» و الرواية تدل اجمالا على كفاية الوضوء بماء المطر.

ثم إنه كما قلنا في المسألة السابقة يجب مراعات الاعلى، فالاعلى و كذلك ما قلنا من غسل اليدين بنحو يكون المسح بنداوة الوضوء لا بدّ من مراعاته فيما نحن فيه.

هذا كله فيما كان الوضوء بماء المطر حين نزوله من السماء، يعنى يقصد الوضوء بالماء النازل حين النزول.

و أمّا لو جرى ماء المطر على محال الوضوء فمسح يده على وجهه بقصد غسله و كذا يديه اذا حصل الجريان بمسح يده كفى ذلك و لكن هذا غير مربوط بالوضوء بماء المطر و هو مفروض الكلام في صدر المسألة.

و مثل الصورة الثانية لو ارتمس في الماء ثم خرج و فعل ما ذكر، اى

مسح بيده على وجهه و يديه بنية الوضوء و حصل جريان الماء بمسحه.

***

[مسئلة 23: إذا شك في شي ء أنه من الظاهر او الباطن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: إذا شك في شي ء أنه من الظاهر حتى يجب غسله او الباطن فلا، فالاحوط غسله، إلّا إذا كان سابقا من الباطن و شك في أنه صار ظاهرا أم لا كما انه يتعين غسله لو كان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 36 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 235

سابقا من الظاهر ثم شك في أنه صار باطنا أم لا.

(1)

أقول: أمّا في الصورة الاولى من المسألة و هي صورة الشك في كون شي ء من الظاهر او الباطن مع عدم العلم بحالته السابقة، فإن قلنا بأن الواجب نفس افعال الوضوء لا محصّلها و هو الطهارة، ففي مورد الشك سواء كان الشك من باب اجمال مفهوم الظاهر، او يكون الشك في كون المشكوك مصداق الظاهر مع تبين مفهومه لا يجب غسل المشكوك، لان وجوب غسل هذا الجزء مشكوك و مقتضى البراءة عدم وجوبه.

و إن كان الواجب الطهارة و هذه الافعال محصّلها، فمع الشك في كون شي ء من الظاهر سواء كانت الشبهة مفهومية او مصداقية لو لم يغسل المشكوك يشك في حصول الطهارة و عدمه، فمع الاشتغال بها يقتضي غسل المشكوك كى يحصل له البراءة اليقينية.

و أمّا في الصورة الثانية و هي صورة معلومية حاله السابقة فإن كانت الحالة السابقة كونه باطنا، و قلنا بكون الواجب نفس الغسلتين و المسحتين لا محصّلهما و الواجب فيهما غسل الظاهر فيستصحب كونه باطنا و يترتب عليه اثره من عدم وجوب غسله.

و إن كان الواجب هو المحصّل اعنى الطهارة فاستصحاب كونه من الباطن لا يثبت حصول الطهارة بدون غسله فمقتضى القاعدة

الاشتغال.

و إن كانت الحالة السابقة كونه ظاهرا يستصحب ذلك و يترتب عليه الاثر الشرعى و هو وجوب غسله.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 236

[الثالث: مسح الرأس]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث: مسح الرأس بما بقى من البلّة في اليد.

و يجب أن يكون على الربع المقدّم من الرأس فلا يجزى غيره.

و الاولى و الاحوط الناصية و هي ما بين البياضين من الجانبين فوق الجبهة.

و يكفى المسمى و لو بقدر عرض اصبع واحدة او أقل.

و الافضل بل الاحوط أن يكون بمقدار عرض ثلاث اصابع، بل الاولى أن يكون بالثلاثة.

و من طرف الطول أيضا يكفى المسمى و إن كان الافضل أن يكون بطول اصبع.

و على هذا فلو اراد إدراك الافضل ينبغى أن يضع ثلاث اصابع على الناصية و يمسح بمقدار اصبع من الاعلى الى الاسفل، و إن كان لا يجب كونه كذلك فيجزى النكس و إن كان الاحوط خلافه.

و لا يجب كونه على البشرة، فيجوز أن يمسح على الشعر النابت في المقدم بشرط أن لا يتجاوز بمدّه عن حدّ الرأس، فلا يجوز المسح على المقدار المتجاوز و إن كان في الناصية، و كذا لا يجوز على النابت في غير المقدم و إن كان واقعا على المقدم.

و لا يجوز المسح على الحائل من العمامة او القناع او غيرهما و إن كان شيئا رقيقا لم يمنع عن وصول الرطوبة الى البشرة.

نعم في حال الاضطرار لا مانع من المسح على المانع كالبرد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 237

أو إذا كان شيئا لا يمكن رفعه.

و يجب أن يكون المسح بباطن الكف، و الاحوط أن يكون باليمنى و الاولى أن يكون بالاصابع.

(1)

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10

جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 237

أقول: لا اشكال في وجوب مسح الرأس في الوضوء نصا و فتوى عندنا، انما الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: كون المسح بما يبقى من البلة

من ماء الوضوء في اليد.

و الكلام فيه يقع تارة في وجوب كون المسح بنداوة الوضوء، و فى المقام نتعرض له.

و تارة يقع فى وجوب كون المسح بخصوص نداوة الباقية فى اليد، و نتعرض له إن شاء اللّه فى المسألة الخامسة و العشرين عند تعرض المؤلف رحمه اللّه له.

فنقول: اما وجوب كون المسح بنداوة الوضوء، فيستدل عليه مضافا الى ما في بعض الروايات الواردة في الوضوءات البيانية من مسحهم عليهم السّلام رأسهم و رجليهم من نداوة ما في ايديهم، بروايات:

الاولى: الرواية التى رواها زرارة فيها قال أبو جعفر عليه السّلام: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «1».

الثانية: الرواية التى رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث

______________________________

(1) الرواية 2 من ابواب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 238

طويل يذكر معراج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فيها قال: (ثم اوحى اللّه إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر الى عظمتى ثم اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى فانك تلقى بيديك كلامى، ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «1».

الثالثة: الرواية التى رواها محمد بن الفضل إن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء و في ذيلها

قال: (و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام ابتداء من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما امرك اللّه تعالى اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام) «2».

و لو اشكل في دلالة الروايات الواردة في الوضوءات البيانية بأنه لا يستفاد من فعلهم إلّا رجحان كون المسح بنداوة الوضوء و اما وجوبه فلا، لأنّ الفعل كما يساعد مع الوجوب يساعد مع استحباب العمل، فلا يمكن الاشكال في دلالة الروايات الثلاثة.

و ربما يستدل على وجوب المسح بنداوة الوضوء بالرواية التى رواها خلف بن حماد عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قلت: له الرجل ينسى مسح رأسه و هو فى الصلاة؟ قال: ان كان فى لحيته بلل فليمسح به. قلت: فان لم يكن له لحية؟

قال: يمسح من حاجبيه او اشفار عينيه) «3».

و هذه الرواية مضافا الى ضعف سندها لعدم معلومية من يخبر عنه خلف بن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 239

حماد مشتمل على ما لا يمكن القول به، و هو وقوع بعض صلاته بلا طهارة.

و مثلها الرواية 2 و 3 من الباب المذكور، فهما تدلان على وجوب الاخذ من اللحية، و لازمه وجوب كون المسح من نداوة الوضوء، لكن تدلان على صحة ما مضى من الصلاة بلا طهارة، الا ان يقال: بانه و لو

لم يمكن الأخذ بها من هذه الجهة، الا انها تدل على وجوب كون المسح بنداوة الوضوء و هو يكفى لنا، و الاولى فى مقام التمسك لحكم هذه المسألة التمسك بالرواية 7 و 8 من الباب المذكور، فان فيهما صرح بانه لو لم يبق من نداوة وضوئه فى لحيته يجب اعادة الوضوء، و هذا شاهد على عدم الاكتفاء بالمسح بماء جديد. فافهم.

مضافا الى كون الحكم مسلما لم يحك مخالفا إلّا ما نسب الى ابن الجنيد من قوله بجواز كون المسح بماء جديد.

و ربما يستدل على قوله بالرواية التى رواها أبو بصير قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسح الرأس قلت: امسح بما على يدى من الندى رأسى؟ قال:

لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح) «1».

و بالرواية التى رواها جعفر بن أبي عمّاره قال: (سألت جعفر بن محمد عليه السّلام امسح رأسى ببلل يدى؟ قال: خذ لرأسك ماء (جديدا) «2».

و هاتان الروايتان على تقدير حجيتهما يكون مفاد هما مخالفا لما نسب بابن الجنيد، لأنّه قال بجواز المسح بالماء الجديد لا بوجوبه و النهى عن كونه بماء الوضوء، و الروايتان تدلان اوليهما على النهى عن المسح بنداوة الوضوء و الثانية على وجوب

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 21 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 240

الاخذ عن الماء الجديد لمسح الرأس.

و العمدة عدم حجيتهما لتوافقهما مع مذهب اكثر العامة و تخالفهما على ما اتفقت عليه الخاصة، لأنّه ليس في الخاصة من يقول بعدم جواز المسح بنداوة الوضوء حتى ابن الجنيد منهم كما عرفت.

الجهة الثانية: في وجوب كون المسح على الربع المقدم من الرأس

و عدم اجزاء المسح بغير الربع

المقدم منه و ادعى عليه الاجماع.

و تدلّ عليه الرواية التى رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: مسح الرأس على مقدّمة) «1».

و الرواية التى رواها عماد بن عيسى عن بعض اصحابه عن احدهما عليه السّلام (في الرجل يتوضأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه، فيمسح على مقدّم رأسه) «2».

و الرواية التى ذكرنا محل الحاجة منها في الجهة الاولى و فيها قال عليه السّلام: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك الخ) «3» بناء على كون الناصية مقدم الرأس أو بعضه، و اما بناء على كونها مقدم الرأس او مؤخره كما عن بعض اهل اللغة، فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على كون الواجب مقدم الرأس، و يأتى الكلام فى ذلك إن شاء اللّه فى الجهة الثالثة.

و الرواية التى ذكرنا بعضها في الجهة الاولى و فيها قال عليه السّلام: (و امسح بمقدم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 22 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 22 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 241

رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك الخ) «1».

و غير ذلك ربما نذكره في البعض الجهات الآتية إن شاء اللّه.

و بعد دلالة هذه الأخبار على وجوب المسح بخصوص مقدم الرأس، فبها يقيّد اطلاق الآية الشريفة و بعض ما يدل على كون المسح بالرأس بدون ذكر خصوص مقدّمه مثل بعض الأخبار المبينة لوضوء بعض المعصومين عليهم السّلام من أنه مسح على الرأس و الرأس مطلق مع امكان انكار اطلاقه، لأنّ المستفاد منها ذكر وقوع مسحه على الرأس، و لم يذكر

محل الرأس، و هذا لا يفيد كون فعله على غير مقدم الرأس، اذ ربما كان كذلك و لم يذكر في الحديث.

و اما بعض الروايات الدالة بظاهرها على كفاية المسح بمؤخر الرأس كالرواية (4 و 5 و 6 من الباب 22 من ابواب الوضوء من وسائل) فلا يمكن الاخذ بمضمونها لعدم عامل بها منّا، مضافا الى ما قيل من صدورها تقية، لكونها موافقا لبعض العامة.

ثم انه و إن لم يكن فى الروايات المتقدمة الا كون المسح بمقدم الرأس، و لكن عنوان المؤلف رحمه اللّه كان (على الربع المقدم من الرأس) لكن المقدم حيث يكون فى قبال المؤخر و اليمين و اليسار من الرأس، فقهرا يكون مقدم الرأس ربعه المقدم. فافهم.

الجهة الثالثة: و هل يجب ايقاع المسح على خصوص الناصية من الرأس

او يكفى مطلق الربع المقدم من الرأس و إن كان خارجا عن الناصية؟

أقول: منشأ اعتبار خصوص الناصية بعض الروايات:

منها رواية زرارة المتقدمة في الجهة الاولى لأنّ فيها قال عليه السّلام (و تمسح ببلة

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 242

يمناك ناصيتك).

و منها الرواية التى رواها عبد اللّه بن الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام عن ابيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، انما المرأة إذا اصبحت مسحت رأسها و تضع الخمار عنها، و إذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها) «1».

بدعوى دلالة الروايتين على وجوب المسح بالناصية، و الناصية اضيق سعة من ربع المقدم من الرأس، لأنّ المراد بالناصية ما بين البياضين من الجانبين، فتكون اضيق سعة من ربع المقدم من الرأس، فيكون

ما دل على وجوب المسح بمقدّم الرأس مطلقا لشموله للناصية و مقدار آخر يكون داخلا في ربع المقدم من الرأس.

و ما دل على المسح بالناصية مقيدا لكونه بعضا من مقدّم الرأس، و مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيد مع وحدة الملاك فتكون النتيجة مسح خصوص الناصية.

هذا غاية ما يمكن ان يقال في وجه وجوب المسح بخصوص الناصية من مقدم الرأس.

و لكن يشكل ذلك لان الرواية الثانية، أوّلا لا يمكن الاخذ بها في موردها و هو التفصيل في مسح المرأة بين الصبح و بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء، و انه يجب عليها في الصبح المسح بالرأس و في غيرها بالناصية.

و ثانيا يستفاد منها كون الناصية غير الرس، فإن كان المراد منها الشعر المحيط بمقدم الرأس فلا تكون الناصية اضيق من مقدم الرأس و إن كانت خارجة عن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 243

الرأس فلا يمكن القول بكفاية مسح غير الرأس.

و ثالثا كما ترى الرواية تدلّ على اختصاص الحكم بالمرأة و لا يمكن التعدى منها إلى الرجل.

و لا مجال لالغاء الخصوصية بعد التصريح في الرواية بأنه (لا تمسح المرأة كما يمسح الرجال) و بعد كونها في مقام بيان حكم مخصوص بالنساء، فليست الرواية دليلا على وجوب المسح بالناصية للرجال، و في النساء تدل على التفصيل، ففي الصبح تدل على كون مسحها برأسها، فلا يمكن جعلها دليلا على المسألة.

فبعد ذلك كله تبقى الرواية الاولى، فنقول. بأنها مع الاجمال في مفهوم الناصية للاختلاف في معناها، فهل هي قصاص الشعر كما فى القاموس، او قصاص الشعر فوق الجبهة كما فى المجمع البحرين (و

ما روى من انه عليه السّلام مسح ناصيته يعنى مقدم رأسه، فكيف يستقيم على هذا تقدير الناصية بربع الرأس، و كيف يصح اثباته بالاستدلال و الامور النقلية لا تثبت الا بالسماع)، أو مقدم الرأس، أو قصاص الشعر اى منتهى منبته من مقدمه او مؤخر، و قيل الناصية مقدم الرأس و قالوا الطرة هى الناصية كما عن اقرب الموارد، أو مقدم الرأس او مؤخر الرأس كما يرى كل هذه التفاسير عن بعض اهل اللغة، أو خصوص ما بين البياضين من الجانبين.

فاذا الالتزام بكونها خصوص قصاص الشعر مشكل، لأنّه يلزم كون محل الغسل و المسح واحدا، مع أن الظاهر من الآية الشريفة كون الغسل بالوجه و كون المسح بالرأس، و إن الوجه في الوضوء غير الرأس، فبعد كون الوجه من قصاص الشعر فلا بدّ ان يكون الرأس الموضع الاعلى منه.

كما أن الالتزام بكونها مقدم الرأس و مؤخره لا يمكن الالتزام به لما دل على كون المسح بمقدم الرأس و عدم تجويز فقهائنا المسح بمؤخره و هو المسلم عندهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 244

فيدور الامر بين كونها مطلق مقدم الرأس فتكون الناصية مقدم الرأس او مقدم الرأس الناصية، و بين كونها خصوص ما بين البياضين من الجانبين، و لم أر احدا من أهل اللغة فسرها بذلك.

و على تقدير تسلم كون الناصية اضيق سعة من ربع المقدم من الرأس مثلا تكون ما بين البياضين) فبعد ما قلنا من الاشكال في الرواية الثانية من الروايتين المتمسكة بهما على وجوب كون محل المسح خصوص الناصية اعنى رواية عبد اللّه بن الحسين، لا تبقى إلّا الرواية الاولى منهما، و هي رواية زرارة، فيدور الأمر بين تقييد ما دل

على كون المسح بمقدّم الرأس و لو لم يكن الناصية، و بين حمل ما دل على كون المسح بالناصية على الاستحباب.

فنقول: حيث إن الظاهر من قوله عليه السّلام في رواية زرارة (و تمسح ببلّه يمناك ناصيتك) يقتضي كون الواجب المسح بتمام الناصية، و هذا يقتضي كون أقل الواجب من المسح بثلاثة اصابع عرضا بل اكثر، و الحال أنه لا يجب اكثر من ثلث اصابع عرضا، بل لا يجب ثلث اصابع كما يأتى إن شاء اللّه في الجهة الآتية، و لا يجب مسح تمام ظهر القدم كما يأتى إن شاء اللّه في مسح الرجلين.

فعلى هذا لا بدّ من حمل الأمر بمسح الناصية في رواية زرارة على الاستحباب، الا أن يحمل الأمر بمسح الناصية على كون النظر الى وقوع المسح بها فى مقابل غيرها من نقاط الرأس لا استيعاب مسحها، و كذلك الامر بمسح ظهر القدم يكون بمعنى وقوعه على الظهر فى مقابل الباطن من القدم، لا استيعاب مسح الظاهر، فعلى هذا يبقى ظاهر الامر على وجوبه.

فان قلنا بذلك لا تعارض بينها و بين ما يدل على اجزاء مسمى المسح،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 245

و تكون النتيجة كفاية المسمى، كما انه على فرض كون ظاهرها وجوب مسح تمام الناصية لا بد من حمل الامر فيها على الاستحباب، فتكون النتيجة استحباب ايقاع المسح على الناصية، و هذا معنى قول المؤلف رحمه اللّه من أن الاولى و الاحوط الناصية.

الجهة الرابعة: هل يكفى في مسح الرأس عرضا

مسمى المسح و لو لم يكن بمقدار عرض ثلاث اصابع، بل و لو لم يكن بمقدار عرض اصبع؟ كما نسب الى المشهور و اكثر الاصحاب و ادعى عليه الاجماع.

او أنه لا بدّ من أن لا يكون

أقل من مقدار عرض الاصبع كما نسب الى بعض؟

أو أنه لا بدّ أن لا يكون أقل من عرض ثلث اصابع كما هو المحكى عن بعض.

أو التفصيل بين حالتى الاختيار و الاضطرار، فلا يكتفى باقل من ثلث اصابع في الأول و الاكتفاء بمقدار اصبع في الثاني؟

أو التفصيل بين الرجل و المرأة، بأنه يكتفى باصبع في الرجل و يكتفى بثلاث اصابع في المرة؟

أقول: أمّا وجه الاكتفاء بمسمّى المسح و إن كان أقل من اصبع، فلما في بعض الروايات:

منها الرواية التى رواها زرارة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: الا تخبرنى من اين علمت و قلت أن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك و قال: يا زرارة! قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نزل به الكتاب من اللّه عزّ و جلّ، لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال:

فاغسلوا وجوهكم. فعرفنا أن الوجه كله ينبغى أن يغسل، ثم قال: و ايديكم الى المرافق. فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه، فعرفنا انه ينبغى لهما أن يغسلا الى المرفقين، ثم فصّل بين الكلام فقال: و امسحوا برؤسكم. فعرفنا حين قال «برؤسكم»

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 246

أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و ارجلكم الى الكعبين. فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسّر ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للناس فضيّعوه الحديث) «1».

و لا اشكال في أن المسح بمقدار يصدق مسمى المسح يكون المسح ببعض الرأس فيكتفى به.

و منها الرواية التى رواها ابن اذينة عن زرارة و بكير ابنى اعين عن أبي جعفر عليه السّلام (انه قال:

من المسح تمسح على النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك و إذا مسحت بشي ء من رأسك او بشي ء من قدميك ما بين كعبيك الى اطراف الاصابع فقد أجزأك) «2».

و المسح بشي ء من الرأس يحصل بمسمى المسح.

وجه لابدية كون المسح بمقدار عرض اصبع و عدم كفاية الاقل بعض الروايات:

منها الرواية التى رواها حماد بن عيسى عن بعض اصحابه عن أحدهما عليهم السّلام (في الرجل يتوضأ و عليه العمامة. قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدم رأسه) «3».

و منها الرواية التى رواها حماد عن الحسين قال: (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل توضأ و هو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال: ليدخل اصبعه) «4».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 23 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 247

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة لكون راويهما حماد.

و منها الرواية التى رواها عبد اللّه بن يحيى عن الحسين بن عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة باصبعه، ا يجزيه ذلك؟

فقال: نعم) «1».

و لا يمكن الاخذ بهذه الرواية لو كان المراد منها المسح بمؤخّر الرأس، إلّا أن يحمل على ادخال الاصبع من خلف و مسح مقدم الرأس بعد الادخال.

(و لا يبعد كون كل من الثلاثة رواية واحدة رواها الحسين فتارة روى الحماد عن الحسين مرسلا و تارة مسندا و تارة روى عبد اللّه عن الحسين.

و على كل

حال ما يأتى بالنظر كون السؤال و الجواب في هذه الروايات عن كيفية المسح مع العمامة، و كان عليه السّلام في مقام بيان عدم لزوم نزع العمامة و امكان المسح بدون نزعها بادخال الاصبع، و لا يكون في مقام لزوم كون المسح بقدر الاصبع، و ذكر الاصبع يكون من باب أن المسح يقع به و النزع غير محتاج إليه للمسح، لا أن يكون ذكر المسح للابدية وقوع المسح بمقدار الاصبع، و لو ابيت عن ظهور الروايات في ذلك فلا أقل من كونه احد محتمل الروايات، فلا منافاة بينها و بين ما دل على كفاية مسمى المسح، و لتكن على ذكر ما قلنا حتى يأتى إن شاء اللّه تمام الكلام بعد ذلك.

وجه عدم الاكتفاء باقل من ثلث اصابع:

الرواية التى رواها معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يجزى من المسح على الرأس موضع ثلث اصابع، و كذلك الرّجل) «2».

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 22 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 248

و يمكن أن يقال بأن الرواية تدل على اجزاء هذا المقدار و لا تنفى اجزاء الاقل من ذلك.

و رواية زرارة و بكير تدل على اجزاء مطلق الشي ء و إن كان أقل من ثلث اصابع و لا تنافى بينهما لأنّ اجزاء مقدار ثلث اصابع لا ينافى اجزاء الاقل منها.

و الرواية التى رواها زرارة قال: (قال أبو جعفر عليه السّلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلث اصابع و لا تلقى عنها خمارها) «1».

إذا عرفت ذلك نقول: مضافا الى ما قد يقال بعدم وجود مقتضى الحجية

في الروايات المتمسكة بها على كون المسح بقدر اصبع او بقدر ثلث اصابع لاعراض المشهور عنها لو حملت على موضوعية الاصبع او ثلث اصابع، نعم لو حملت على كون الاجزاء بها لاجل حصول المسمى بها لا لموضوعيتها لا مانع من العمل بها، بأنه كما قلنا: أمّا الروايات الدالة على المسح باصبع:

أولا: ليست الا في مقام بيان عدم لزوم نزع العمامة لامكان المسح بدونه، و يكون ذكر الاصبع من باب وقوع المسح به لا لخصوصيته في هذا الحد.

و ثانيا: يمكن أن يكون ذكر الاصبع من باب حصول المسمى به لا لخصوصية في نفس الاصبع.

و ثالثا: يمكن أن يكون ذكر الاصبع من باب أن الغالب فى التعبير عن الاقل بالاصبع، لا لخصوصية مدخلية في الاصبع، فعلى هذا لا تنافى هذه الأخبار مع ما دل على كفاية المسمّى.

و أمّا ما دل على ثلث اصابع:

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 24 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 249

أمّا أولا: فلما قلنا من أن الاجتزاء بثلث لا ينافى الاجزاء باقل منها، نعم لو قال أقل ما يجزى ثلث اصابع كان دالا على عدم الاكتفاء بالاقل منها.

و أما ثانيا: إن ما فى رواية معمر من الاجتزاء في الرجل بالثلث إن كان ظاهرها ما توهم من العبارة خصوص ثلث اصابع تدل على اعتبار ذلك فى مسح الرجل، و الحال أنه لا قائل به، أو لو كان قائلا لا يكون إلّا واحدا كما يأتى إن شاء اللّه في مسح الرجل.

و أما ثالثا: رواية زرارة الدالة على أن المرأة يجزيها قدر ثلث اصابع وردت في خصوص المرأة، و لا مجال لالغاء الخصوصية بين الرجل و المرأة في هذا

الحكم مع ما عرفت من القول بالتفصيل بين المرأة و الرجل، و وجه هذا القول هذه الرواية.

فالحق هو القول الأول بين هذه الاقوال الثلاثة.

و كما قاله المؤلّف رحمه اللّه: و الافضل بل الاحوط أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع، بل الاولى أن يكون بالثلاثة.

وجه افضلية ثلث اصابع، حمل ما دل على المسح بثلث اصابع على الاستحباب، و استفادة الافضلية منه لا دليل عليه.

و وجه كونه احوط، لأنّه مع وجود القائل بوجوب ثلث يحصل الاتفاق و عدم المخالفة فهو احوط.

و وجه اولوية كون المسح بخصوص ثلث اصابع لا بمقدار ثلث اصابع من باب كون المتعارف المسح بهذه الكيفية بجعل ثلث اصابع متصلة كل واحدة منها بالآخر و المسح من الاعلى الى اسفل الرأس، و إن كان يمكن بغير المتعارف مثل أن يمسح بطول اصبع واحدة بقدر عرض ثلث اصابع، لأنّ المذكور في الخبرين الدالين على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 250

إجزاء ثلث اصابع هو مقدار ثلث اصابع لا ان يكون بنفس ثلث اصابع.

و أمّا التفصيل بين حالتى الاختيار و الاضطرار بوجوب ثلث اصابع في الأول و اصبع واحدة في الثاني فغير تمام، لأنّ ما توهم من قوله في الرواية الثانية من الروايات الثلاثة التي ذكرناها وجها لكفاية اصبع واحدة (رجل توضأ و هو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد) لا يدل على كون ادخال ثلث اصابع ثقيل عليه، بل يدل على ثقالة نزع العمامة للبرد، فيمكن له ادخال ثلث اصابع مثل ما يكون متمكنا من ادخال اصبع واحدة، فلا وجه لحمل هذه الأخبار على صورة الاضطرار مضافا الى أن مورد الرواية صورة الاضطرار لاجل البرد لا مطلق الاضطرار.

كما أن التفصيل بين

الرجال و النساء بوجوب المسح باصبع على الأول و ثلث اصابع للثانية تمسكا برواية زرارة المتقدمة الدالة على انه يجزى ثلث اصابع للمراة فيحمل ما دل على الثلث على خصوص المرأة و ما دل على اصبع على خصوص الرجال ليس له وجه،

أمّا أولا فلما قلنا من أن اجزاء الثلث لا ينافى اجزاء الاقل.

و أما ثانيا بأن ما دل على كون المسح بثلث اصابع مطلقا يشمل للرجل و المرأة لا مقيد له، كما أن ما دل على اصبع واحدة مطلق لا مقيد له، لأنّ ما يدل على اجزاء ثلث على المرأة لا يدل على عدم اجزاء أقل من ثلث.

و أما ثالثا كون هذا التفصيل مهجورا و لا قائل له إلّا ما حكى عن الاسكافى، فافهم.

الجهة الخامسة: و هل يكتفى في طرف الطول أيضا المسمى،

او لا يكتفى به

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 251

بل يجب أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع؟

وجه وجوب كونه بمقدار ثلث اصابع حمل الخبرين المتقدمين الدالين بظاهرهما على كون المسح بثلاث اصابع على الطول لا على عرض الرأس.

و فيه أن الظاهر منهما هو بيان المقدار من حيث عرض الرأس، و الشاهد على ذلك رواية معمر حيث قال فيها (يجزى من المسح على الرأس ثلث اصابع و كذلك الرجل) فهو في مقام بيان حدّ الرأس و الرجل كليهما، و لا اشكال في أنه فى الرجل يكون التحديد من حيث عرض الرجل لا طوله، لأنّ فى طوله يجب الاستيعاب من رءوس الاصابع الى قبتى القدمين او المفصل بين الساق و القدم على ما يأتى إن شاء اللّه الكلام فيه، فلا يقدر من حيث الطول بالاصابع، فهذا قرينة على أن التحديد في الرأس و الرجل من حيث العرض، و أمّا

من حيث الطول فيكفى المسمى، مضافا الى أن المسمّى من المسح كاف كما عرفت سواء في الطول و في العرض، و قلنا أن ما دل على المسح بثلاث اصابع لا يدل الاعلى كون المسح بها مجزيا، و هذا لا ينافي مع كون مسمى المسح مجزيا.

و هل الافضل أن يكون بطول اصبع لاحتمال كون ما دل على تقدير المسح باصبع تقديرا من حيث الطول او لا؟

أقول: لا وجه للافضلية، لان بعض ما دل على اجتزاء الاصبع كان من حيث الرجل بقرينة اخباره الواردة فى جواز المسح مع العمامة.

و ما قاله المؤلف رحمه اللّه فلو اراد ادراك الافضل ينبغى أن يضع ثلث اصابع على الناصية و يمسح بمقدار اصبع. و عندى محل تأمل، لعدم كون الافضل المسح بطول اصبع، لعدم معلومية افضليته بعد عدم حمل الروايات الدالة على المسح باصبع او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 252

ثلث اصابع على طول الرأس، بل لعله لا يكون قائل على وجوب كون طول المسح بقدر اصبع، نعم الاحوط استحبابا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه حفظا لاحتمال كون الواجب طولا بمقدار عرض ثلث اصابع او قدر اصبع.

الجهة السادسة: هل يجب كون المسح من اعلى الرأس الى اسفله

او يجوز عكس ذلك؟

قد يقال بجواز النكس لاطلاق الادلة، و لما في الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) «1».

و لما يأتى من جواز النكس في مسح الرجلين و لا فصل بين مسح الرأس و الرجل من حيث الكيفية.

أمّا دعوى اطلاقات الادلة فالاشكال فيها بانه ليس في البين ما يكون له اطلاق من هذا الحيث من الآية الشريفة و الروايات، مندفع بأنّه لو لم يكن في النصوص

ما يدل على أن الغسل في الوجه يكون من الاعلى لكان لقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) اطلاق من هذا الحيث، و كذلك قوله تعالى (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) لو لم يكن مقيدات في النصوص، فاطلاقه يقتضي كفاية المسح بأىّ موضع من الرأس و بأىّ نحو يقع من وقوعه من الاعلى و عدمه، و هكذا بعض الروايات.

اما الجواب عن الاستدلال بالإطلاقات، بأنه بعد كون المتعارف المسح من اعلى الرأس الى اسفله ينزّل الاطلاق على المتعارف، فلا اطلاق يشمل غير المتعارف و هو المسح منكوسا.

فيمكن ردّه أيضا بأنه قبل نزول الآية الشريفة و النص لا يكون فى البين

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 253

متعارف حتى يقال إن المطلق منزّل عليه، بل التعارف إن كان كان بعد نزول الآية و الأمر بالوضوء، و حصول التعارف بعد ذلك يمكن أن يكون لتعارفه الطبيعى لا الشرعى لكون المسح منكوسا على خلاف الطبع.

أو كان من باب استحباب المسح من الاعلى لا وجوبه، فلا يمكن استكشاف السيرة على المسح من الاعلى، مضافا الى امكان دعوى منع كون المتعارف من اوّل الأمر المسح من الاعلى، و بعد اللتيا و اللتي لا مجال لحمل المطلق على المتعارف و انكار اطلاقه بعدم كون المسح منكوسا متعارفا لما عرفت.

و أمّا الرواية فقد روى عن حماد رواية اخرى و هي الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا) «1».

و لا يبعد كون الروايتين واحدة، لكون الراوى و المروى عنه واحدا و بعد كونها رواية واحدة فلا ندرى أن الصادر من المعصوم عليه السّلام

(لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) او (لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا).

و لكن يؤيد كون الصادر القدمين الرواية الّتي رواها يونس (قال: اخبرنى من راى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر القدمين من اعلى القدم الى الكعب، و من الكعب الى اعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا، فانّه من الأمر الموسّع إن شاء اللّه) «2».

لانها تدل على انه في مسح الرجل تكون التوسعة و مشعر بل دليل على عدم وجود هذا التوسع في غيره اى مسح الرأس، فلو كان ما رواها سماعة روايتين و كان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 254

قوله في رواية الاولى (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) بإطلاقه شامل لمسح الرأس، لكن مرسلة يونس المتقدمة تكون كالشارح و المفسّر لهذه الرواية، و أن موردها هو خصوص مسح الرجل لاسهلية التى فى خصوصها لا فى غيرها.

و أمّا التمسك بعدم الفصل بين مسح الرأس و الرجل فكما يجوز النكس في مسح الرجل كذلك يجوز في مسح الرأس.

ففيه أنه مع كون جواز النكس في مسح الرجلين محل الخلاف، و لو جوّزنا النكس فيه يكون من باب الدليل الخاص او تمسكا بإطلاق بعض الادلة و هذا لا يوجب كون مسح الرأس مثل مسح الرجلين إلّا بدليل.

و قد يتمسك على وجوب الابتداء بالاعلى و عدم جواز النكس بقاعدة الاشتغال، لأنّه مع المسح منكوسا نشك في حصول براءة الذمة و حكم العقل يقتضي اتيانه من الاعلى كى

يقطع ببراءة ذمته يقينا.

أقول: هذا بناء على كون الواجب هو الطهارة فيكون الشك من قبيل الشك في المحصل، و أمّا بناء على كون الواجب الغسلتان و المسحتان فمع الشك في اعتبار هذا الشرط و عدمه تجرى البراءة.

و مع ما قلنا من أن اطلاق بعض الادلة يقتضي عدم اعتبار هذا الشرط و حصول الوضوء بدونه فلا تصل النوبة بالاصل، و لكن مع هذا ينبغى الاحتياط بالمسح من اعلى الرأس الى الاسفل.

الجهة السابعة: هل يجب المسح على خصوص البشرة من الرأس او يكفى المسح على الشعر النابت في مقدم الرأس؟

لا اشكال من حيث الفتوى فى جواز المسح على الشعر النابت على البشرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 255

من مقدم الرأس، و عليه الاجماع بل عدّ من ضروريات الفقه، مع قطع النظر عن الاجماع و الضرورة، قد يستدل على جوازه بأن الرأس بحسب المتعارف اعم من ظاهر البشرة و من الشعر النابت فيه، الّا أن يدل دليل خاص على عدم كون الشعر منه و خروجه عنها.

و بما دل على المسح بالناصية بناء على كون المراد من الناصية الشعر النابت في مقدم الرأس.

أقول: أمّا كون المتفاهم عرفا من جعل الرأس موضوع الحكم هو الاعم من البشرة و من شعر النابت عليه غير بعيد، و يظهر من وضع بيان الحكم فى طى الروايات كون الرأس شاملا للشعر النابت على الرأس خصوصا إن كان موضوع الحكم نفس الرأس فهو يكون بحسب العادة و في اغلب الناس من الرجال و جميع النساء موجبا للمشقة العرفية التي لا يناسب مع الشريعة المسحة السهلة.

و أمّا التمسك بما دل على المسح بخصوص الناصية فقد عرفت فى الجهة الثالثة كثرة الاختلاف في

معناها، مضافا الى انه لو كانت الناصية الشعر النابت على مقدّم الرأس، يكون لازمه وقوع المسح على خصوص الشعر و عدم كفاية البشرة، و الحال أنه سيأتى كفاية وقوع المسح على البشرة لانها المتيقن.

فالعمدة في المسألة تسلم ذلك عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم و ما قلنا من اعمّية البشرة بنظر العرف، و ما قلنا من تناسب ذلك مع ما عليه مبنى الاحكام الشرعية من السهولة.

و الحاصل مما مر هو جواز المسح بكل من بشرة الرأس و الشعر النابت عليه لما عرفت من كون الرأس اعم من البشرة و من الشعر النابت عليها، فأفهم.

و اعلم انه لا مجال لتوهم وجوب المسح بخصوص بشرة الرأس و عدم جوازه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 256

بشعر النابت فى محلها لبعض الروايات الدالة على عدم جواز المسح بالحائل كالحناء و العمامة نذكرها فى الجهة الثامنة إن شاء اللّه، لانها و إن دلت على المسح بالبشرة، لكن المراد منها البشرة فى مقابل الشي ء الخارجى الّذي يكون حائلا بين الرأس و الماسح، لا الشعر النابت الّذي قلنا بكونه من الرأس، كما لا مجال للتمسك بجواز المسح على الشعر النابت ببعض ما يدل على جواز المسح على الحائل لعدم امكان العمل بها، كما يأتى إن شاء اللّه فى الجهة الثامنة أيضا.

إذا عرفت جواز المسح على الشعر النابت في مقدم الرأس في الجملة، يقع الكلام في امرين:

الأول: هل يجوز المسح بالشعر النابت في مقدم الرأس، (أى: في المقدار من الرأس الذي يجب المسح عليه) مع فرض اجتماعه في موضع المسح من الرأس و إن كان هذا الشعر يتجاوز بمده عن حد الرأس الذي يكون محل المسح او لا يجوز المسح

عليه؟

الاقوى عدم الجواز، لعدم كون هذا المقدار المتجاوز عن حد رأس الواجب مسحه من الرأس، مثلا لو قلنا بأن المسح لا بدّ و أن يكون على الربع المقدم من الرأس فالشعر النابت في هذا الموضع إذا كان بحيث لو مده يتجاوز عن هذا الحد، لا يجوز المسح عليه و إن كان فعلا مجتمعا في هذا الحد، لعدم كون المقدار المتجاوز من بشرة الربع المقدم و لا شعر النابت على هذا الربع.

الثاني: لو كان شعر نابتا في غير المقدم من الرأس لكن تجاوز و كان واقعا فعلا على المقدم من الرأس، لا يكفى المسح به لعدم كونه من الشعر المعدود من مقدم الرأس و المسح لا بدّ و أن يكون على مقدم الرأس على الفرض.

الجهة الثامنة: هل يجوز المسح على الحائل

من العمامة أو القناع او غيرهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 257

مطلقا و لو كان مانعا عن وصول الماء على البشرة، أو لا يجوز مطلقا و إن كان المانع شيئا رقيقا غير مانع من وصول الرطوبة الى البشرة؟

اعلم انه تارة يقع الكلام في حال الاختيار، و تارة في حال الاضطرار.

أمّا إذا كان في حال الاختيار فلا يجوز المسح على الحائل، كما حكى عليه الاجماع، لأنّ الواجب المسح على الرأس و المسح على الحائل مسح على الحائل لا على الرأس.

و يدل عليه أيضا بعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء، قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه بالماء) «1».

و منها الرواية الّتي رواها علي بن جعفر عن أخيه عليهم السّلام (قال: سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على

الخمار؟ قال: لا يصلح حتى تمسح على رأسها) «2».

و منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام أنه سئل عن المسح على الخفين و على العمامة. فقال: لا تمسح عليهما) «3».

و في قبال ذلك بعض الأخبار يكون بظاهره شامل و لو بالإطلاق لحال الاختيار.

منها الرواية الّتي رواها عمر بن يزيد قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 37 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 258

يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء؟ قال: يمسح فوق الحناء) «1».

و منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء، ثم يتوضأ للصلاة. فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه) «2».

و هاتان الروايتان لا يمكن الاخذ بإطلاقهما حتى يشمل حال الاختيار، لمخالفتهما مع ما عليه الشهرة بل الاجماع، و موافقتهما للعامة.

و يمكن حملهما على حال الضرورة كالبرد و نحوه جمعا بين ما دل على عدم الجواز و بين هاتين الروايتين الدالتين على الجواز، فيحمل ما دل على الجواز على حال الضرورة، و ما دل على عدم الجواز على حال الاختيار حتى فى ما كان الحائل رقيقا.

هذا كله في حال الاختيار و قد عرفت عدم الجواز، و أمّا في حال الاضطرار كالبرد فيجوز المسح على الحائل و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه فى الجبائر.

الجهة التاسعة: و هل يجب أن يكون المسح بباطن الكف أم لا؟
اشارة

و هل يجب أن يكون بخصوص الاصابع أم لا.؟

و هل يجب أن يكون بخصوص اليد

اليمنى أم لا؟

لا اشكال فى وجوب كون المسح باليد و ان لم يذكر الغاسل و الماسح في الآية الشريفة كما حكى عليه الاجماع و الاتفاق.

و تدل عليه الرواية الّتي رواها زرارة و فيها بعد ذكر وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 259

قال أبو جعفر عليه السّلام: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و، ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «1».

و الرواية الّتي رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث ذكر معراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «2».

و يدل عليه بعض الروايات الواردة في الوضوءات المأثورة عن المعصومين عليهم السّلام.

و ما يدل على كون المسح بالاصابع فانها من جملة اليد.

هذا و

يقع الكلام في أمور:
الأول: هل يجب كون المسح بخصوص الكف من اليد في مقابل الذراع او لا؟

الحق وجوب ذلك لما في بعض الأخبار المتعرضة للوضوءات البيانية مثل الرواية الّتي رواها زرارة و بكير «3». و ما نقول وجها لوجوب كونه بباطن الكف و ما يدل على المسح بالاصابع من الروايات التى ذكرنا بعضها فى بعض المباحث الماضية.

مضافا الى أن المنصرف إليه في مثل المورد الّذي يكون موضوع الحكم اليد هو الكف منها، مثلا إذا قيل (خذ بيدك) او (كل بيدك) لا يفهم العرف إلّا وجوب كون الاخذ و الاكل باليد، لأنّ المناسب صدور مثل ذلك الفعل من الكف منها، و مثل (خذ و كل)

فى ذلك (امسح) فان المناسب لقوله (امسح بيدك) هو كون متعلق

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) و الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 260

الوجوب خصوص الكف من اليد لا غير.

الثاني: يجب أن يكون المسح بخصوص الباطن من الكف

و عدم كفاية الظاهر منه فلمعهودية كون المسح بالباطن من الكف، و يمكن أن يستدل عليه بما ورد من المسح باصبع او الاصابع، فإن المتعارف المسح بباطنه، و انه المتيقن، فلو شككنا في كفاية الظاهر مقتضى القاعدة المسح بباطن الكف حتى تحصل البراءة اليقينية بناء على كون الواجب الطهارة لا محصلها اى الغسلتان و المسحتان.

كما انه في كل هذه الموارد لو لم يكن دليل و تصل النوبة بالاصل فهو الاشتغال بناء على كون الواجب الطهارة.

و لكن نحن استشكلنا في ذلك بأن الواجب الغسل و المسح و إن كان الشرط للصلاة الطهارة، فتأمل.

الثالث: هل يجب المسح بخصوص باطن الاصابع

من الكف او يكفى مطلق الباطن؟

وجه اختصاص المسح بالاصابع ما فى بعض الروايات من الأمر بثلث اصابع او اصبع او ادخال اصبع تحت العمامة و المسح به.

و وجه عدم اختصاصه بالإصبع أن الحكم بثلث اصابع او اصبع كان من باب كونها جزءا من الكف، و لتحديد المقدار عرضا او طولا على ما عرفت الكلام فيه، و لذا كان التعبير فى بعض الروايات مقدار الاصبع.

و الحكم بادخال الاصبع تحت العمامة و المسح بالاصبع في صورة مشقة نزع العمامة او مطلقا، يمكن أن يكون من باب أن طبع سهولة المسح بدون نزع العمامة يقتضي ادخال رءوس الاصابع او رأس اصبع، لا كون خصوصية لها فلا خصوصية للاصبع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 261

الرابع: هل يجب كون مسح الرأس باليد اليمنى

او يجوز بها و باليسرى، فيكون مخيرا بين المسح بايهما شاء؟

وجه الوجوب قوله عليه السّلام في رواية زرارة المكررة ذكرها (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك الخ).

و وجه عدم الوجوب و التخيير ما في ساير الروايات من اطلاق اليد و عدم ذكر يد خاصّة و الاطلاق يقتضي التخيير.

فهل نقول بوجوب كون المسح باليمنى معينا بتقييد المطلقات برواية زرارة، او يحمل الأمر باليد اليمنى في رواية زرارة على الاستحباب، لأنّ بعض هذه المطلقات حيث تكون فى مقام البيان لا يقبل التقييد، خصوصا مع ما حكى من اتفاق الفقهاء رضوان اللّه عليهم على استحباب كون المسح باليمنى، و ربما يؤيّد حمله على الاستحباب أن الأمر ربما كان من باب ما هو المعتاد من المسح باليمنى، و لكن الاحوط مع ذلك هو المسح بخصوص اليد اليمنى.

***

[مسئلة 24: في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا او عرضا او منحرفا.

(1)

أقول: أمّا المسح منكوسا، فقد عرفت أن الاقوى جوازه و إن كان الاحتياط من الاعلى مما ينبغى رعايته.

و أمّا كيفيات اخرى، فكما قلنا في الجهة المتعرضة للمسح منكوسا بعد اطلاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 262

الادلة من هذا الحيث فيكون الاقوى جوازها، الا أن يقال بعدم كون الوضوء بهذه الكيفيات فى مسحها معهودا عند المتشرعة من السلف و الخلف، و لكن مجرد ذلك لا يوجب عدم الجواز.

***

[الرابع: مسح الرجلين]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الرابع: مسح الرجلين من رءوس الاصابع الى الكعبين، و هما قبتا القدمين على المشهور، و المفصل بين الساق و القدم على قول بعضهم و هو الاحوط.

و يكفى المسمى عرضا و لو بعرض اصبع او أقل، و الافضل أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع، و افضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم.

و يجزى الابتداء بالاصابع و بالكعبين، و الاحوط الأول، كما أن الاحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى و إن كان الاقوى جواز مسحهما معا، نعم لا يقدّم اليسرى على اليمنى.

و الاحوط أن يكون مسح اليمنى باليمنى و اليسرى باليسرى، و إن كان لا يبعد جواز مسح كليهما بكل منهما.

و إن كان شعر على ظاهر القدمين فالاحوط الجمع بينه و بين البشرة في المسح.

و تجب ازالة الموانع و الحواجب، و اليقين بوصول الرطوبة الى البشرة و لا يكفى الظن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 263

و مع قطع بعض قدمه مسح على الباقى، و يسقط مع قطع تمامه.

(1)

أقول: أمّا وجوبه و كونه من واجبات الوضوء، فمما لا اشكال فيه نصا و فتوى عندنا خلافا لجمهور

مخالفينا و النصوص عليه متواترة، و قد حكى عن انتصار السيد رحمه اللّه انها اكثر من عدد الرمل و الحصى، فانظر الى كتاب الكريم حيث يقول جل جلاله (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فأمر بمسح الرجل كما امر بمسح الرأس لأنّ قوله تعالى: وَ أَرْجُلَكُمْ عطف على قوله تعالى بِرُؤُسِكُمْ سواء كان عطفا على لفظ كلمة بِرُؤُسِكُمْ او على محله و لا معنى لكونه عطفا على وُجُوهَكُمْ فإن من يكون له ادنى بصيرة بالقواعد العربية يعلم ضعف هذا الاحتمال.

و من يقول هذا ليس نظره إلّا العنا دو المخالفة مع ظاهر القرآن و حكم اللّه تعالى، و ما ورد من الذين نزل القرآن فى بيوتهم، و هم احد الثقلين الذين امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالتمسك بهما لأن لا يضلوا ابدا، فجعلوا كلامهم وراء ظهورهم فضلوا و اضلّوا خذلهم اللّه.

فعلى كل حال لا اشكال فى أن مسح الرجلين من جملة واجبات الوضوء و هو المسح لا الغسل، فإنما الحري عطف عنان الكلام الى بعض الجهات التي تعرضها المؤلف رحمه اللّه فنقول بعونه تعالى:

الجهة الاولى: يجب أن يكون المسح بظاهر الرجلين فقط

لا بخصوص باطنهما، و لا التخيير بين ظاهرهما و باطنهما، و قد حكى عليه الاجماع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 264

و يمكن أن يستدل عليه بقوله تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ بناء على كون الكعب نقطة في ظاهر القدم.

و ما قيل من أن الرواية الّتي رواها الصدوق مرسلا عن امير المؤمنين عليه السّلام (لو لا انى رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمسح ظاهر قدميه لظننت أن باطنهما اولى بالمسح

من ظاهرهما) «1»، تدل على عدم كون الآية دالة على وجوب المسح بالظاهر، لأنّه لو كانت دالة علم ذلك على عليه السّلام ضعيفة السند لارسالها فلا يعبأ بها.

و يدلّ على ذلك بعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «2».

و منها الرواية الّتي رواها محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، الى أن قال في ذيلها:

(و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك الخ) «3».

تدل الروايتان على وجوب كون المسح بظاهر القدم للامر به.

و ما في بعض الأخبار من مسح ظاهر القدم و باطنه، كالرواية الّتي رواها سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما، ثم قال: هكذا فوضع يده على الكعب و ضرب الاخرى على باطن قدميه،

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 265

ثم مسحهما الى الاصابع) «1»، و الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن عيسى رفعه الى أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في مسح القدمين و مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره، و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما) «2» غير معمول بهما عند الاصحاب و موافقتان مع بعض العامة كما حكى

عن الشيخ رحمه اللّه.

الجهة الثانية: يجب أن يكون المسح طولا من اطراف اصابع الرجلين الى الكعبين
اشارة

و هو مما لا خلاف فيه ظاهرا عندنا على ما حكى.

و تدلّ الآية الشريفة على كون المسح الى الكعبين، و كذلك فى جمع من الروايات حدّد مسح الرجلين بما بين اطراف الاصابع و الكعبين.

و لا كلام فى مفهوم اطراف الاصابع، انما

الكلام فيما هو المراد من الكعب، و الاحتمالات فى موضوعه تبلغ أربعة:
الاحتمال الأول: ما ذهبت إليه العامة

من كونه عبارة عن العقدتين الناتئتين اى العاليتين في طرفى الساق، فعلى هذا يكون لكل رجل كعبان، و هذا الاحتمال لا مجال للاخذ به لكونه مخالفا لقول اصحابنا و كون اجماعهم على خلافه، مضافا الى العقدتين ليستا من جملة ظهر القدم، و قد عرفت دلالة بعض الأخبار على وجوب كون المسح بظهر القدم لا بالساق، فلو كان بعض معانى الكعب فى اللغة فرضا العقدتين الواقعتين على الساق، لا يمكن القول به.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من الكعب العظم الناتئ

اى: العالى في وسط القدم ما بين المشط- يعنى: العظام الصغار الواقعة في ظهر القدم المتصلة الى

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 23 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 266

اصول الاصابع- و بين المفصل و هو القول المشهور.

الاحتمال الثالث: كون الكعب عبارة عن العظم المائل الى الاستدارة

الواقع في ملتقى الساق و القدم و قد يعبّر عنه بالمفصل، و هو ما حكى كونه مختار الشيخ البهائى رحمه اللّه.

الاحتمال الرابع: كونه عبارة عن نفس المفصل

المجتمع عنده عظم الساق و القدم، و هو ما ذهب إليه العلامة رحمه اللّه على ما حكى عنه.

اعلم أن المذكور في بعض ما رأينا من كتب اللغة كما في القاموس و اقرب الموارد كون الكعب كل مفصل بين العظام و العظم الناشز فوق القدم، او العظمان الناشزان من جانبيهما، فلا يمكن استفادة كون المراد خصوص العظم العالى فى وسط القدم، كما لا يمكن استفادة كونه لغة غيرها، بل كل منهما من موارد استعماله، فما قيل من اتفاق اهل اللغة على كون الكعب هو العظم الناتئ بين المشط و المفصل غير تمام.

ثم بعد ذلك نقول بعونه تعالى:

يستدل على القول الثاني-

و هو كون الواجب المسح ما بين اطراف الاصابع و العظم العالى في وسط القدم بين المشط و المفصل، و هو ما عليه المشهور او المجمع عليه- بروايات:

الاولى: الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم فقلت: جعلت فداك، لو أن رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا فقال لا إلّا بكفّه) «1»، وجه الدلالة كون قوله: (الى ظاهر القدم)

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 24 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 267

بدلا او عطف بيان لقوله: (الى الكعبين) فيكون المراد أنه يمسحها الى ظاهر القدم و المراد من ظاهر القدم الجزء المرتفع منه و هو قبة القدم.

إن قلت: إن المراد من قوله: (الى ظاهر القدم) اى الظاهر فى مقابل الباطن يعنى المسح على ظاهر القدم لا باطنه.

قلت: الواجب وقوع المسح كما عرفت على ظاهر القدم، فإن كان المراد

بيان ذلك كان المناسب أن يقول فمسحها الى الكعبين بظاهر القدم، لا الى ظاهر القدم، لأنّ كلمة (الى) يفيد الانتهاء و انّ منتهى إليه المسح الظاهر، و الحال انه إن كان المراد الظاهر في مقابل الباطن كان الظاهر تمامه محل المسح لا منتهى إليه المسح فلا تناسب العبارة مع كون المراد من (الى ظاهر القدم) الظاهر في مقابل الباطن.

و أمّا قيل من أن الرواية تحمل على الاستحباب، لانها متعرضة لطول الممسوح و عرضه، فقال: فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين، و بعد كون المسح بتمام الكف مستحبا فلا بدّ من حمل الرواية على الاستحباب من جهة طوله فلا يصح الاستشهاد بها على كون المسح الى الكعبين حتى يقال إن المسح إليهما واجب و الكعب على ما في الرواية ظهر القدم اى موضع ارتفاعه، فيقال: تدل الرواية على قول المشهور، لأنّه بعد لابدّية حملها في جهة العرض اى مقدار الكف على الاستحباب لا بدّ من حملها في جهة الطول أيضا على الاستحباب، لعدم امكان التفكيك بين الطول و العرض.

ففيه انه لا يمكن حمل الرواية في جهة الطول على الاستحباب، لأنّ وجوب كون المسح الى الكعب مسلّم لا اشكال فيه كما أن المسح الى قبة القدم اي ظاهر القدم مسلّم، و انما الاشكال في وجوب ازيد من هذا المقدار فافهم.

و يؤيد بل يدل على كون المراد من (ظاهر القدم) الكعب، قوله عليه السّلام فى الرواية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 268

الثانية التى نذكرها بعد ذلك إن شاء اللّه، بانه: (وضع يده على ظهر القدم، ثم قال هذا هو الكعب)، لان مفاده كون الكعب عبارة عن ظهر القدم، فالمراد من ظاهر القدم هو

الكعب.

الثانية: الرواية الّتي رواها ميسر عن أبي جعفر عليهما السّلام (قال: الا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم اخذ كفّا من ماء فصبّها على وجهه، ثم اخذ كفّا فصبّها على ذراعه ثم اخذ كفا آخر فصبّها على ذراعه الاخرى، ثم مسح رأسه و قدميه، ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال: هذا هو الكعب. و قال: و اومى بيده الى اسفل العرقوب ثم قال: إن هذا هو الظنبوب) «1».

بدعوى أن المستفاد من الرواية كون الكعب غير ما اومى بيده الى اسفل العرقوب ثم قال: إن هذا هو الظنبوب. و بعد كون الظنبوب طرف الساق اسفل من العرقوب الواقع فوق العقب على ما فسّر، فيكون الكعب هو الموضع المرتفع من ظهر القدم اى قبة القدم.

و يحتمل أن يكون ما اومى إليه هو عين ظهر القدم الذي قال: هذا هو الكعب، و على هذا يكون المفصل بين الساق و القدم و لا ينطبق على ما ذهب إليه المشهور.

و لا يبعد كون ما اومى إليه غير الكعب كما أن ما اومى إليه نقطة اسفل من العرقوب بحسب الظاهر.

و يؤيد ما قلنا من نفى البعد عن كون الكعب غير الظنبوب ما روى العياشى في الوضوءات البيانية على ما حكى، و فيه: ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال: إنّ هذا هو الكعب، و اومى بيده الى العرقوب و قال: إن هذا هو الظنبوب و ليس بالكعب.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 269

و لا تنافى بينها و بين رواية ميسر من باب كون المستفاد من رواية ميسر كون

الظنبوب غير العرقوب و من هذه الرواية كونه عينه.

وجه عدم التنافى أنّ المستفاد من الاولى كون الظنبوب اسفل نقطة من العرقوب، فلا مانع من أن يشير الى العرقوب كما في الثانية، و يقول أن هذا هو الظنوب، و على كل حال يستفاد منهما كون الكعب في اسفل موضع من الظنبوب و هو ينطبق مع قول المشهور.

الثالثة: الرواية الّتي رواها زرارة و بكير «1»، بناء على أحد احتمالاتها نتعرض لها إن شاء اللّه عند التعرض لوجه القول بكون الكعب هو المفصل إن شاء اللّه.

الرابعة: بعض الروايات الواردة في عدم استبطان الشراك.

مثل الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أن عليا عليه السّلام مسح على النعلين و لم يستبطن الشراكين) «2».

بدعوى كون محل الشراك بين المفصل و قبة القدم، فمن عدم ايجاب استبطان الشراك مع فرض عدم جواز المسح على ظاهر الشراك، لعدم جواز المسح على الحائل، نفهم عدم وجوب مسح تحت الشراك الواقع فوق قبة القدم من باب عدم كونه داخلا في الحدّ الواجب مسحه، فنفهم أن آخر الحدّ هو قبة القدم لا الاعلى منه.

و فيه أن الاستدلال بها يتوقف على تحقق كون محل الشراك بين قبة القدم و المفصل، و إلّا لو كان محله نفس المفصل يمكن المسح الى المفصل و لا يساعد مع الاحتمال الثاني اى قول المشهور.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 270

و الانصاف عدم معلومية موضع الشراك حتى يستدل بها.

الخامسة: ما ورد في السارق فيما إذا عاد الى السرقة، فيجب قطع رجله، من انه يقطع السارق من

رجله من وسط القدم و يبقى عقبه و يقطع ما بقى من قدمه (راجع الباب 6 من أبواب حد السرقة من الوسائل)، ثم ورد فى الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن هلال عن ابيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال: (انما يقطع الرجل من الكعب و يترك من قدمه ما يقوم عليه و يصلى و يعبد اللّه الخ) «1»، فمقتضى هذا كون الكعب هو قبة القدم و لا يساعد مع المفصل.

هذا كله فيما يمكن أن يستدل به على كون الكعب قبّة القدم و وجوب المسح الى هذا الحدّ.

و أمّا ما يمكن أن يستدل به على قول المنسوب إلى العلامة رحمه اللّه

من كون المراد من الكعب المفصل بين القدم و الساق، فهى الرواية الّتي رواها زرارة و بكير انهما سالا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى أن قال فيها: (فاذا مسح بشي ء من رأسه او بشي ء من قدميه ما بين الكعبين الى اطراف الاصابع فقد أجزأه. قال: فقلنا:

اين الكعبان؟ قال: هاهنا يعنى المفصل دون عظم الساق. فقلنا: هذا ما هو؟ فقال:

هذا من عظم الساق و الكعب اسفل من ذلك الخ) «2».

اعلم أن هذه الرواية كما تكون مورد الاستدلال للقول بأن الكعب هو المفصل القدم و الساق، كذلك يستدل بها على كون الكعب قبة القدم.

منشأ ذلك تأتّى الاحتمالين في الرواية:

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 8 من ابواب حد السرقة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 271

الاحتمال الأول: أن يكون المراد من المفصل في الرواية هو المفصل بين القدم و الساق، إما بان يقال بأن المفصل الواقع دون عظم الساق هو المفصل بين

الساق و القدم.

و لو فرض كون قبة القدم مفصلا فهو ليس المفصل الّذي دون عظم الساق بل هو واقع بين المشط و بين مفصل القدم و الساق.

و إمّا بأن يقال: إن المراد من قوله (دون عظم الساق) يكون (عند عظم الساق) فالمفصل عند عظم الساق هو المفصل بين القدم و الساق، فعلى هذا تكون الرواية دليلا على قول العلامة رحمه اللّه، اعنى كون الكعب هو المفصل بين الساق و القدم.

الاحتمال الثاني: أن يقال بأنه بعد ما قال عليه السّلام فى مقام بيان حقيقة الكعب بأنه (المفصل دون عظم الساق) يكون المراد أن الكعب هو المفصل الذي ما دون عظم الساق اى اسفل منه او تحته، فيكون المستفاد منها أن الكعب مفصل يكون دون عظم الساق، و لا ينطبق هذا الا مع قبة القدم، و لا يمكن كون الكعب نفس مفصل الساق و القدم لأنّ مفصل الساق و القدم هو نقطة اتصال كل من عظمى الساق و القدم بالآخر، فليس هو شي ء آخر غير رأس العظمين المربوطين كل منهما بالآخر حتى يقال أن هذا الشي ء الآخر ما دون عظم الساق هو المفصل و هو الكعب.

فلا ينطبق قوله عليه السّلام (المفصل دون عظم الساق) الا مع قبة القدم، و على هذا تكون الرواية دليلا على كون الكعب قبة القدم و هو ما ذهب إليه المشهور.

إذا عرفت الاحتمالين في الرواية نقول:

إن الظاهر منها لو لم يكن الاحتمال الثاني، فلا أقل الظاهر منها لا يكون الاحتمال الأول، لأنّ لازم الاحتمال الاوّل جعل المفصل شيئا آخر دون عظم الساق،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 272

و الحال ان المفصل هو نقطة اتصال كل من عظمى الساق و القدم

لا شيئا آخر إن اخذ بظاهر قوله (دون عظم الساق).

و إن اريد بقوله (دون) (عند) حتى يكون المراد عند عظم الساق، فهو مع لزومه ارتكاب خلاف الظاهر و هو حمل (دون) على (عند) فلازمه كون المفصل عند عظم الساق مع أن المفصل بين الساق و القدم ليس عند عظم الساق بل هو المفصل بين عظمى الساق و القدم.

فتلخص أن الاقوى موافقا لما عليه المشهور، و إن كان كفاية المسح بين قبة القدم و رءوس الاصابع، لكن الاحوط المسح بين مفصل الساق و القدم و رءوس الاصابع.

الجهة الثالثة: بعد الفراغ عما هو المراد من الكعب، يقع الكلام في أنه هل يكون نفس الكعب داخلا في الممسوح،
اشارة

بمعنى وجوب مسحه، او لا يكون داخلا بل يجب وصول المسح الى اوّل نقطة الكعب؟

لا يمكن استفادة عدم وجوب مسحه من قوله تعالى (الى الكعبين) و كذا النصوص التى تكون بهذه العبارة، بدعوى عدم كون الغاية داخلة فى المغيّا.

لأنّ الاقوال في لفظ (الى) المجعول لانتهاء الغاية و إن كانت ثلاثة:

القول بالدخول مطلقا.

و القول بعدم الدخول مطلقا.

و التفصيل بين ما كانت الغاية من جنس المغيّا مثل قولك: اكلت الخبز الى آخره، فتكون الغاية داخلة، و بين ما لا تكون من جنس المغيّا مثل صم الى الليل فتكون الغاية خارجة عن المغيّا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 273

لكن لا يبعد كون لفظة (الى) موضوعة لانتهاء الغاية و لا دلالة لها لدخول الغاية او خروجها.

و لهذا ليست استعمالها فيما تكون الغاية داخلة مجازا، كما ليست استعمالها فيما ليست الغاية داخلة في المغيّا مجازا أيضا.

فلا بدّ لفهم كون الغاية داخلة في المغيّا او خارجة من القرائن الخارجية، و إذا بلغ الأمر الى هنا نقول بعونه تعالى:

ما يمكن الاستدلال به على كون نفس الكعب داخلا في الممسوح امور:
الأوّل: الرواية الّتي رواها يونس

(قال: اخبرنى من رأى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر القدم الى الكعب، و من الكعب الى اعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا، فإنه من الأمر الموسّع إن شاء اللّه) «1»، تدل على كون الابتداء بالمسح من الكعب مرة فتدل على كون الكعب جزء الممسوح.

و لكن يمكن أن يقال:

أمّا أولا، لا يستفاد من الرواية إلّا كون ابتدائه عليه السّلام من الكعب، كما كان ابتدائه من ظهر القدم الى الكعب، و كون الابتداء من الكعب لا يدل على مسح نفس الكعب، بل يكفى فى صدق الابتداء كون الشروع

فى المسح من اوّل نقطة من الكعب بطرف رءوس الاصابع، لا كون المسح من تمام الكعب الى رءوس الاصابع، فهذا الفعل ينطبق مع كون المسح ما بين الكعب الى اطراف الاصابع، كما يظهر من رواية زرارة و بكير الآتية إن شاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 274

و ثانيا، على فرض كون ابتدائه عليه السّلام من الكعب بنحو مسح نفس الكعب أيضا، فليس الا ذلك فعل صدر عن المعصوم عليه السّلام، فلو دل دليل على اجزاء مسح ما بين الكعب الى رءوس الاصابع كما نقول إن شاء اللّه فى رواية زرارة و بكير، يحمل هذه الرواية على الاستحباب، بل لا يستفاد منها فى حدّ ذاته الا رجحانه لا وجوبه، فافهم.

الثاني: اطلاق ما ورد فيمن قطع بعض محلّ وضوئه

من غسل ما بقى او مسح ما بقى من محل الغسل او المسح، فإن اطلاقه يشمل من قطع رجله من آخر نقطة الكعب من طرف رءوس الاصابع من أنه يجب مسح ما بقى و إن كان ما بقى نفس الكعب.

و فيه ان ما ورد في اقطع اليد و الرجل ليس الا في مقام بيان وجوب غسل ما بقى من محل الغسل او المسح، و ليس في مقام بيان تعيين محل الغسل و المسح، و لا يمكن شمول الاطلاق لما هو مشكوك الفردية للمطلق.

الثالث: كون (الى) فى قوله تعالى (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بمعنى (مع)

بقرينة كون (الى) في قوله تعالى (إِلَى الْمَرٰافِقِ) بمعنى (مع).

و فيه أن هذا اشبه شي ء بالقياس، و على هذا لا يتم الوجه الثاني و الثالث و كذا الوجه الأول و هو مرسلة يونس.

و في قبال ذلك يتمسك على عدم وجوب نفس الكعب و عدم كونه جزء الممسوح بالرواية الّتي رواها زرارة و بكير أنهما سألا أبا جعفر عليهما السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فيها قال: (فاذا مسح بشي ء من رأسه او شي ء من قدميه ما بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 275

الكعبين الى اطراف الاصابع فقد أجزأه الخ) «1»، بدعوى دلالتها على أن الواجب مسح ما بين الكعبين الى اطراف الاصابع فنفس الكعبين خارج عن الممسوح.

و فيه ان هذا الكلام فيه احتمالان:

احدهما: أن يكون المراد من قوله (ما بين الكعبين) انتهاء الكعب الى اطراف الاصابع بحيث يكون الكعب خارجا فيدلّ على خروج الكعب.

ثانيها: أن يكون النظر الى وقوع المسح من الكعب و رءوس الاصابع بحيث يكون الكعب داخلا و أيضا يصح أن يقال ما بين الكعبين، و كليهما محتمل لكن

الظاهر من الاحتمالين الأول لأنّه من بدء بالمسح من اوّل نقطة من الكعب من طرف النازل الى اطراف الاصابع و لم يمسح نفس الكعب بتمامه يصدق كون مسحه ما بين الكعب و رءوس الاصابع.

فعلى هذا يكون الاقوى بالنظر عدم وجوب نفس الكعب بتمامه، نعم يجب مسح اوّل نقطة منه من طرف النازل من باب مقدمة العلمية الى رءوس الاصابع كى يعلم بوقوع المسح بما بين الكعب الى رءوس الاصابع، و لكن مع ذلك الاحوط مسح الكعب بتمامه، فأفهم.

الجهة الرابعة: هل يجب من طرف العرض مسح تمام ظهر القدم
اشارة

او يكفى مسح تمام كف اليد و لو لم يمسح به تمام ظهر القدم، او يكفى مسح ثلاث اصابع، او اصبعين، او اصبع واحدة، او ما يسمى مسحا و إن كان أقل من مقدار اصبع واحدة؟

أقول: اما عدم وجوب مسح تمام ظاهر القدم مضافا الى دعوى الاجماع عن غير واحد عليه عدم دليل عليه، بل وجود الدليل على عدم وجوبه لما نذكر إن شاء اللّه

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 276

من الاكتفاء ببعض الظهر من الكف او أقل منه فيبقى ما بقى من الاحتمالات:

احدها: كفاية مسمّى المسح عرفا

و لو حصل باصبع او أقل منها و هو مختار المشهور بل ادعى الاجماع عليه عن غير واحد من فقهائنا رضوان اللّه عليهم.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها زرارة و بكير (و قد نقلناها مكررا) انهما سألا أبا جعفر عليهما السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فيها قال: (فاذا مسح بشي ء من رأسه او بشي ء من قدميه ما بين الكعبين الى اطراف الاصابع فقد أجزأه الخ) «1».

تقريب الاستدلال أن المستفاد منها كفاية المسح بشي ء من القدم كما يكفى بشي ء من الرأس، غاية الأمر بعد قوله (ما بين الكعبين) يكون محل شي ء من القدم بين الكعب و رءوس الاصابع، فيكون المستفاد كون المسح طولا ما بين الكعب و رءوس الاصابع، و عرضا بشي ء يعنى مسمى المسح، لأنّ التبعيض في المسح بشي ء إما يكون في الطول و فى العرض او فى الطول فقط او في العرض فقط، و لا يمكن القول بالأول و الثاني لعدم جواز التبعيض فى الطول لوجوب المسح بين الكعب

و رءوس الاصابع، فيتعين الثالث.

و اورد على الاستدلال بان الرواية كما تدل على التحديد طولا من الكعب الى رءوس الاصابع كذلك يدل على التحديد العرضى اى تمام عرض بين الكعب و رءوس الاصابع، و التفكيك بينهما غير ثابت لاحتمال كون النظر في قوله (بشي ء من قدميه) الى كفاية البعض و هذا البعض هو ما بين الكعب و رءوس الاصابع و عدم وجوب الازيد من الكعب من ظهر القدم.

و فيه انه لا مجال لهذا الايراد، لأنّ وجوب الاستيعاب طولا قد استفاد من

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 277

الآية الشريفة و نفس هذه الرواية و غيرها للتحديد بما بين الكعبين الى رءوس الاصابع و لا يلازم الاستيعاب طولا الاستيعاب عرضا.

أمّا أولا فلان معنى الاستيعاب عرضا هو وجوب عرض تمام القدم من رءوس الاصابع الى الكعب لا المسح بالكف فقط، و هذا مما عرفت كون الاجماع على خلافه.

و ثانيا، حمل قوله (بشي ء من قدميه) على تمام عرض ما بين الكعب و رءوس الاصابع حمل لا يساعده الذوق العرفى، لأنّه على فرض وجوب الاستيعاب بالمسح عرضا بين الكعب و رءوس الاصابع يكون اكثر القدم على فرض كون الكعب قبة القدم مما يجب مسحه، و على فرض كون الكعب المفصل يكون تمام ظهر القدم واجب المسح، و لا يصح اطلاق ب (شي ء منه) على هذا المقدار لأنّ التعبير بشي ء منه يكون دالا على كفاية مقدار قليل بل الاقل من القليل.

فعلى هذا نقول: اما وجوب الاستيعاب طولا بين الكعب و اطراف الاصابع فللدليل، و أمّا عدم وجوب مقدار معين في المسح عرضا من الكف او الاصابع او

الاصبع فلدلالة الرواية على كفاية شي ء من قدميه، فدلالة الرواية عن كفاية المسمى سليمة عن الاشكال.

و الرواية الّتي رواها زرارة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: الا تخبرنى من اين علمت و قلت: إن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين) الى أن قال فيها: (ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و ارجلكم الى الكعبين. فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما الخ) «1».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 278

وجه الاستدلال وجوب المسح على بعض الرأس و كفاية البعض و من المسلم أن النظر الى كفاية البعض يكون الى الكفاية من طرف العرض لا الطول لأنّ الطول قد حدّد الى الكعبين من رءوس الاصابع.

و اورد على الاستدلال بأن الرواية لا تدل إلّا على أن المسح ببعض القدم، و لعله يكون البعض ناظرا الى وجوب الظاهر لا الباطن، فالكل الظاهر و الباطن و البعض خصوص الظاهر، فلا تدل الرواية على كفاية المسمى.

و فيه اما أولا، فإن كان البعض الظاهر في قبال الباطن فلازمه الالتزام باستيعاب مسح الظاهر بتمامه، و الحال انك عرفت دعوى الاجماع على خلافه.

و ثانيا، أن ظاهر الرواية كفاية البعض و هذا البعض مطلق يشمل حتى مجرد مسمى المسح فاطلاقها يقتضي كفاية المسمى.

نعم لو دل دليل على وجوب مقدار خاص يقيد به الاطلاق و إلّا نأخذ بإطلاقها.

و الرواية الّتي رواها القاسم بن محمد عن جعفر بن سليمان عمه قال: (سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام قلت: جعلت فداك، يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدمه أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم) «1».

وجه الدلالة حكمه عليه السّلام باجزاء

ادخال اليد، و اطلاق الاجزاء يقتضي الاجزاء و إن كان بما يسمى مسحا لتركه الاستفصال، فمن ترك الاستفصال نفهم اطلاق الاجزاء.

و لكن ما يأتى بنظرى القاصر انّ مفروض كلام السائل، إما ادخال اليد فى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 279

الخفّ و مسح ظهر القدم بها، لأنّه قال: فيدخل يده فيمسح ظهر قدمه. و الظاهر من وضع السؤال كون السائل واقفا بحكم المسح من حيث الماسح و الممسوح، و انما سؤاله من حيث ادخال اليد فى الخف المخرق و عدم اخراج رجله من الخف للمسح، و بعبارة اخرى سؤاله عن جواز المسح بهذه الكيفية و عدمها، فلا يمكن استفادة الاطلاق منها، و إما يكون نظر السائل فى سؤاله إلى عدم مسحه باطن القدم، لانه لم يخرج الخف من رجله، لكن لاجل كونه مخرقا مسح الظاهر، و أنه هل يكتفى بمسح الظاهر؟ فاجاب باجزائه، و ليس فى مقام بيان انه اى مقدار من ظهر القدم مسح به، فتكون الرواية فى مقام اجزاء مسح الظاهر و عدم وجوب مسح الباطن.

و حيث إن الرواية ذو احتمالين، و لا يبعد كون الظاهر منها الاحتمال الثانى، فلا يمكن الاستدلال بها للمسألة، لا للقول بكفاية مسمى المسح بدعوى ترك الاستفصال، و لا للقول بوجوب الاستيعاب بدعوى كون موردها مسح ظهر القدم و هو يناسب مع مسح تمامه لاحتمال كون الرواية فى مقام بيان عدم وجوب مسح الباطن من الرجل، فتأمل. مضافا الى ما قيل من ضعف سندها.

و الروايات الواردة في وجوب اخذ البلل للمسح عن بلة الواقعة في اللحية او الحاجب او اشفار العين لمن لم يكن له

بلة في كفيه، بدعوى أن البلة الواقعة في اللحية و خصوصا الحاجب و اشفار العين، لا يكفى لأن يحصل بها الرطوبة في تمام الكف فيسمح بها الرأس او الرجل، فهذا دليل على كفاية المسمى لامكان تحصيل مسمى المسح للرأس و الرجل بهذه البلة.

و فيه، أن ثلاثة من الروايات الواردة فى اخذ البلل من اللحية أو الحاجب او اشفار العين- و هي 1 و 2 و 7 من 21 من أبواب الوضوء من الوسائل- وردت في نسيان مسح الرأس فقط و يمكن مسمّى مسح الرأس بالنداوة الباقية في أحدها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 280

نعم الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل ينسى مسح رأسه حتى دخل في الصلاة. قال: ان كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل الحديث) «1». و مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2» تدلان على الاخذ من بلل اللحية في اوليهما و من بلل اللحية و إن لم يكن من الحاجب و إن لم يكن من اشفار العين في ثانيهما.

لكن نقول اما الرواية الاولى اعنى رواية زرارة ففيها:

اما أوّلا، كان موردها صورة نسيان المسح و لا وجه للتعدى بغير صورة النسيان.

و ثانيا، لازم الرواية صحة ما وقع من الصلاة بدون الطهارة الحدثية لفرض تذكره بعد الدخول في الصلاة.

و ثالثا، مفروض كلامه عليه السّلام فرض وجود البلل بمقدار المسح و لا مانع من الالتزام به، لأنّه يمكن وجود البلل في اللحية بقدر مسح تمام الكف بالنداوة الواقعة في اللحية.

و أمّا مرسلة الصدوق رحمه اللّه فالمفروض فيها و إن كان كفاية البلل الواقع في الحاجب او اشفار العين، و هما

لا يكفيان إلّا لمسمى المسح، و لا يكفى لأن يتأثّر الكف بتمامه بالرطوبة من احدهما حتى يمسح بكفه القدم، لكنها ضعيفة السند لارسالها، مضافا الى ما قلنا من الاشكال بكون موردها صورة النسيان و لا وجه للتعدي بغير النسيان.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 281

هذا كله فيما يمكن أن يستدل به على كفاية مسمى المسح.

[ثانيها] و أمّا ما يمكن أن يستدل به على اعتبار كون المسح بتمام الكف:
الأول: بعض المطلقات الواردة في مسح الرجلين

فإنه يقتضي بظاهره كون المسح بتمام الكف مثل قوله في الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «1».

و ما في الرواية الّتي رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «2».

و فيه أن مثل هذين الخبرين ليسا إلّا في مقام بيان وجوب مسح الرجلين باليد، و مع كون المراد باليد هو الكف- كما استظهرنا في الجهة التي تعرضنا لوجوب كون المسح بالكف- لا يستفاد منه كون المسح بتمام الكف او ببعضه، لعدم كونه في مقام ذلك.

مضافا الى أنه لو كان في مقام ذلك و كون الظاهر منه ما قيل، فيكون دالّا على استيعاب تمام ظهر القدم بالمسح، و هو مما عرفت دعوى الاجماع على عدم وجوبه، و مع قطع النظر عن ذلك نقول: ان غايتها ظهورها فى الوجوب للأمر به، و بعد الدليل كما عرفت على كفاية المسمى و ما يأتى من اجزاء

ثلاث اصابع، يحمل امثال الخبرين على الاستحباب جمعا كما عرفت فى الجهة الثالثة من الجهات المتعرضة فى مسح الرأس.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 282

الثاني: الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام

(قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم. فقلت: جعلت فداك، لو انّ رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا؟ فقال: لا إلّا بكفيه (بكفه) مطلقا) «1».

و فيه انه يحمل الخبر على الاستحباب بعد ما عرفت من النص على كفاية المسمى، مضافا الى انه لو بقى و حفظ ظهوره في وجوب كون المسح بتمام الكف، لا يمكن العمل به لكونه معرضا عنه عند الاصحاب لوجود الاجماع و لا أقل من الشهرة على خلافه.

الثالث: الرواية الّتي رواها عبد الاعلى مولى آل سام

قال: (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: عثرت فانقطع ظفرى، فجعلت على اصبعى مرارة، فكيف اصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه عزّ و جل قال اللّه تعالى: (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه) «2».

بدعوى انه على ما فرض السائل جعل على اصبع من اصابع رجله المرارة، فلو لم يكن المسح بتمام الكف واجبا و يجزى مسمى المسح، كان الحرى أن يقول عليه السّلام:

امسح على ما بقى من اصابعك او على بعض اصابعك الذي لم تكن عليه مرارة، لا أن يأمر بالمسح على المرارة، فيكشف عن الأمر بالمسح على المرارة أن الممسوح لا بدّ و أن يكون تمام الكف.

و ما يمكن أن يقال في الجواب عن الاستدلال بهذه الرواية احتمال كون النظر في السؤال الى ما توهم السائل من وجوب نزع المرارة عن الاصبع و إن كان حرجيا

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 39 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 283

حتى يمسح على البشرة، فقال: كيف اصنع بالوضوء؟ و كان

جواب المعصوم عليه السّلام ناظرا الى عدم وجوب نزع المرارة، لأنّه حرجى و قد رفع الحرج، فليس السائل في مقام السؤال عن تكليفه عن المسح من حيث عدم قدرته على مسح بعض الممسوح لوقوع المرارة عليه حتى يكون الجواب عن هذا، و انه حيث يجب استيعاب مسح ظاهر القدم بالكف فامسح على المرارة.

و بعد احتمال كون النظر في السؤال و الجواب عما قلنا، فلا وجه للاستدلال بالرواية لوجوب المسح بتمام الكف، و هذا الاحتمال لو لم يكن أظهر الاحتمالين فلا أقل من عدم ترجيح الاحتمال الآخر عليه، و هو كاف في عدم كون الخبر دليلا على القول بوجوب المسح بتمام الكف.

و أمّا ما قيل في جواب الاستدلال بالرواية، إمّا بأنه في مورد السؤال يحتمل كون تمام اصابع، الرجل مجروحا، و إمّا بان المجروح و إن كان اصبعا واحدة، لكن المرارة كانت موضوعة على تمام الاصابع، فهو خلاف ظاهر الرواية، لأنّه مع فرض جواز المسح ببعض ظهر القدم لا بد من تفصيل الامام عليه السّلام فى مقام الجواب بانه يمسح على المرارة اذا كان كل الاصابع عليها المرارة، و اما ان امكن المسح على بعض الاصابع يجب المسح عليه، فمن ترك الاستفصال نفهم ان مجرد اشغال بعض الاصابع بالمرارة كاف لوجوب المسح عليها من باب ان المسح لا بدّ و ان يكون على تمام ظهر القدم، و حيث ان بعض الظهر مبتلا بالمرارة يمسح عليها.

نعم يمكن الجواب بنحو آخر، و هو انه على فرض كون الظاهر من الخبر ما استظهره المستدل، فتكون النتيجة وجوب استيعاب تمام ظهر القدم بالمسح لا خصوص تمام الكف، و هو مخالف مع الاجماع فتكون الرواية في هذا الحيث مما اعرض عنه

الاصحاب فلا يمكن التعويل عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 284

[ثالثها] و أمّا وجه وجوب كون المسح بثلاث اصابع،

فللرواية الّتي رواها معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يجزى من المسح على الرأس موضع ثلاث اصابع و كذلك الرجل) «1».

و فيه أن مفادها اجزاء ثلث اصابع و هذا لا يقتضي عدم اجزاء الاقل و هو المسمى و بعد دلالة ما عرفت على كفاية مسمى المسح و اجزائه نقول به و لا تعارض بينهما.

[رابعها] و أمّا وجه وجوب المسح باصبعين او باصبع واحدة،

فلم اجد نصا عليه بالخصوص، نعم ربما يقال بوجوبه لتحقق المسمى بها و عدم تحقق مسمى المسح باقل من اصبعين او اصبع واحدة.

و فيه أن المسح بالمسمى يصدق و لو باقل منها.

إذا عرفت أن الاقوى كفاية المسح بما يسمى مسحا، قال المؤلّف رحمه اللّه و الافضل أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع، و لعله يكون وجه الافضلية رواية معمر المتقدمة.

و لكن في استفادة الافضلية منها تأمل، لأنّ مفادها اجزاء مقدار ثلث اصابع و الاجزاء لا يلازم الاستحباب.

ثم قال المؤلف رحمه اللّه و افضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم.

أقول: إن كان نظره الى المسح بمقدار الكف فصحيح، لأنّ استحباب المسح بمقدار الكف يستفاد من رواية احمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة الظاهرة بنفسها في وجوب المسح بمقدار الكف بعد الجمع مع ما يدل على كفاية المسمى.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 285

و إن كان نظره- كما هو ظاهر كلامه- استحباب استيعاب المسح تمام ظهر القدم الذي يكون اطول عرضا من مقدار الكف، فقد عرفت كون الاجماع على عدم وجوبه على ما ادعى و لا دليل على استحبابه الّا حمل بعض الأخبار المتمسكة بها على وجوب المسح بتمام الكف عليه، كما ذكرنا احتماله، ثم حمله

على الاستحباب جمعا بينه و بين ما دل على كفاية مسمى المسح، و ان الاجماع على عدم الوجوب لا ينافى استحباب الاستيعاب و افضليته.

و هذا مخدوش، لأنّه بعد عدم استفادة الأمر بمسح تمام ظهر القدم من رواية من الروايات فلا يستفاد الاستحباب كما لا يستفاد الوجوب، فعلى هذا لا دليل على الاستحباب.

الجهة الخامسة: هل يجب الابتداء في مسح الرجلين من اطراف الاصابع الى الكعبين،
اشارة

او لا يجب ذلك بل يجوز بعكس ذلك بان يبدأ بالكعبين و ينتهى باطراف الاصابع؟ و هذا هو ما يعبّر عنه بأنه هل يجب المسح مقبلا او يكفى مدبرا أيضا؟

نسب الى المشهور جواز كل من النحوين و حكى عن بعض القدماء و جمع من المتأخرين عدم كفاية المسح مدبرا و وجوب كون الابتداء من اطراف الاصابع و الانتهاء بالكعبين.

أمّا وجه عدم الجواز قوله تعالى:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و حيث أن كلمة (الى) تكون للانتهاء فيجب كون منتهى المسح الكعبين و الابتداء من رءوس الاصابع.

و فيه أولا من المحتمل كون قوله تعالى: (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في مقام بيان غاية الممسوح و عدم وجوب ازيد من الكعبين، لا في مقام غاية المسح فلا يستفاد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 286

الآية الشريفة وجوب كون ابتداء المسح من رءوس الاصابع و انتهائه الى الكعبين.

و ثانيا على فرض كون الآية في مقام بيان غاية المسح او في مقام بيان غاية المسح و الممسوح كليهما و إن كان ظهور الآية في الانتهاء غير بعيد او مسلم.

لكن بعد وجود النص الدال على كفاية العكس اى الابتداء من الكعبين، لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر و نبيّن لك إن شاء اللّه ما يدلّ على جوازه.

و قد يستدل على وجوب الابتداء برءوس الاصابع بما فى الوضوءات البيانية في أنهم عليهم الصلاة و السلام كانوا يبتدئون بالمسح من اطراف الاصابع و يختمونه بالكعبين

و فيه أولا عدم ظهور الفعل في الوجوب لأنّ التزامهم أعمّ من أن يكون لاجل وجوبه، بل ربما كان لاستحبابه ان ثبت التزامهم بهذا النحو.

و لو لم يثبت التزامهم يمكن دعوى عدم استفادة الاستحباب من فعلهم لأنّه

بعد جواز الابتداء برءوس الاصابع و جواز الابتداء بالكعبين فهم عليهم السّلام قد اخذوا فى فعلهم باحد طرفى الجواز.

و ثانيا على فرض ظهور فعلهم فى الوجوب في حد نفسه، لكن بعد ورود الدليل على عدم الوجوب يرفع اليد عن هذا الظهور.

أمّا ما يمكن كونه وجها لجواز المسح مقبلا و مدبرا روايات:

الاولى: الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) «1»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 287

الثانية: الرواية التى رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا) «1».

يحتمل كون الروايتين رواية واحدة لكون الراوى و المروى عنه متحدين و إن كان اختلاف في متنهما.

و على كل حال يستدل بهما على جواز الابتداء في مسح القدمين من رءوس الاصابع الى الكعبين و عكس ذلك لدلالة الخبرين على جواز المسح مقبلا و مدبرا.

و الايراد على الروايتين بأنه من المحتمل كون المراد من قوله (مقبلا و مدبرا) الجمع بين النحوين، بمعنى المسح من رءوس الاصابع الى الكعب و من الكعب الى رءوس الاصابع معا، و انه لا بأس بذلك فلا دلالة لهما على الاكتفاء بالمسح منكوسا اى من الكعب الى روس الاصابع فقط، ليس في محله، لأنّه إن كان النظر الى وجوب الجمع بين المسح مقبلا و بين المسح مدبرا، فلا يمكن القول به لأنّ ظاهر قوله عليه السّلام (لا بأس) هو عدم الباس بالاخذ بكل من المسح مقبلا و مدبرا لا وجوب الجمع بينهما.

و إن كان النظر الى جواز الجمع، كان المناسب أن يقول لا بأس مدبرا بعد المسح مقبلا، لأنّه على

فرض جواز الجمع لا اشكال في وجوب المسح مقبلا أولا، ثم لا بأس بضم المسح مدبرا بعده، فعدم الباس يكون في المسح مدبرا لا في المسح مقبلا، و الحال أن ظاهر الخبرين نفي الباس عن كل من المسح مقبلا و مدبرا، فهذا شاهد على كون المراد من جواز المسح بأى منهما شاء، و بعبارة اخرى بالاكتفاء في مقام المسح بأى منهما شاء لا بالجمع بينهما، فتدل الروايتان على جواز كل من النحوين.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 288

الثالث: الرواية الّتي رواها يونس (قال: اخبرنى من رأى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر القدمين من اعلى القدم الى الكعب و من الكعب الى اعلى القدم و يقول:

الأمر في مسح الرجلين موسّع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا فأنه من الأمر الموسع إن شاء اللّه) «1».

و دلالتها على جواز كل من النحوين واضح، و لا يرد ما اورد على الاولى و الثانية.

و الاشكال بضعف سند هذه الروايات غير وارد، لكون عمل المشهور جابرا لضعف سندها، و لا يضر ارسال رواية يونس لكونها بمنزلة المسندة، فالاقوى جواز المسح بكلا النحوين.

و إن كان الاحوط أن يمسح بالكيفية المتداولة من الابتداء برءوس الاصابع تأسيا بهم عليهم السّلام بما يحكى عن الوضوءات البيانية.

الجهة السادسة: هل يجب في المسح تقديم الرجل اليمنى على اليسرى

او يجوز مسحهما معا، لكن لا يجوز تقديم اليسرى على اليمنى، او يجوز كل منهما فهو مخير بين تقديم اليمنى على اليسرى و بين مسحهما معا، و بين تقديم اليسرى على اليمنى؟

و القول الثالث ينسب الى المشهور، و يستدل على ذلك، بإطلاق الآية الكريمة، و النصوص الواردة في الوضوءات البيانية، و

غيرها.

بل قد يقال بأن الظاهر من الرواية التى رواها ابن كثير الهاشمى مولى محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (الحاكية عن وضوء امير المؤمنين عليه السّلام) انه مسحهما معا (قال:

بينا امير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم جالس مع محمد بن الحنفية اذ قال له يا محمد ايتينى

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 289

باناء من ماء، الى أن قال فيها: (ثم مسح رجليه) فقال اللهم ثبتنى على الصراط يوم تزل فيه الاقدام الخ) «1».

وجه الاستدلال ان الوارد فى الرواية انه بعد غسله وجهه يدعو بدعاء، و كذا بعد غسل يده اليمنى، و كذا بعد غسل يده اليسرى، و كذا بعد مسح رأسه و لكن فى مسح رجليه قال (ثم مسح رجليه) و يدعو بدعاء واحد، و هذا شاهد على كون مسح رجليه معا، فالرواية تدل على جواز المعية.

و لكن هذه الرواية لا تدل على معية مسح الرجلين، لأنّه لم يتعرض فيها إلّا لمسحه الرجلين و اما كيفيته فغير مذكور فيها و مجرد ذكر دعاء واحد لا يدل على المعية، لأنّه ربما دعا بعدهما مرة، او دعا مرتين و لم يذكر فى الخبر، كما لم يذكر كيفية مسحهما من المعية و عدمها.

مضافا الى انها لا تدل على القول المنسوب إلى المشهور و هو جواز تقديم مسح الرجل اليسرى على اليمنى، لانها على فرض تمامية دلالتها تدل على جواز المعية و عدم وجوب تقديم مسح اليمنى على اليسرى.

و كذا يستدل على المشهور بأنه لو كان الترتيب واجبا كان وجوبه شايعا بين المسلمين مع عموم البلوى بالوضوء و تكرره في كل يوم

مرة بل مرات.

و يستدل على لزوم الترتيب ببعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال:

امسح على القدمين و ابدأ بالشق الايمن) «2» تدل على وجوب الابتداء بالرجل اليمنى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 34 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 290

لظاهر الأمر.

و منها الرواية الّتي رواها الحسن بن محمد الطوسى في مجالسه باسناده ينتهى السند بابى هريرة (أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا توضأ بدء بميامنه) «1».

و منها الرواية الّتي رواها احمد بن علي بن العباس النجاشى و ينتهى سندها بعبد الرحمن بن محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع و كان كاتب امير المؤمنين عليه السّلام (انه كان يقول: إذا توضأ احدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده) «2».

اما الرواية الاولى، فلا اشكال في دلالتها على وجوب الابتداء في المسح بالرجل اليمنى.

و أمّا الرواية الثانية، فهى ضعيفة السند، مضافا الى انها نقل الفعل و الفعل اعم من الوجوب و الاستحباب.

و أمّا الرواية الثالثة، فمضافا الى ما قيل من ضعف سندها، يمكن كونها ناظرة الى كون الابتداء في غسل اليدين في الوضوء باليمين قبل الشمال كما يشعر بذلك التعبير بالشمال لوقوع هذا التعبير في اليد اليسرى، لا فى الرجل اليسرى.

و مع ذلك كله نقول: بأن الاقوى هو جواز المقارنة بين مسح الرجل اليمنى و اليسرى و عدم جواز الابتداء باليسرى.

و يدل عليه التوقيع الشريف و هي الرواية الّتي رواها احمد بن علي بن أبي طالب الطبرسى في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه

بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان روحى و ارواح العالمين له الفداء (انه كتب إليه يسأله عن المسح على

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 291

الرجلين بايهما يبدأ، باليمين او يمسح عليهما جميعا معا؟ فاجاب عليه السّلام: يمسح عليهما جميعا معا، فان بدء بإحداهما قبل الاخرى فلا يبدأ إلّا باليمين) «1».

فإن هذا التوقيع كالمقيد بل هو كالحاكم و الشارح لكلتا الطائفتين.

للطائفة الاولى اعنى بعض الإطلاقات المتمسكة بها على جواز الجمع بل على جواز الابتداء باليسرى، لأنّه يصرّح بجواز الجمع و في صورة الابتداء بإحداهما يبتدأ بالرجل اليمنى.

و كذلك لما تمسك به على الابتداء باليمنى، و عدم جواز الجمع، و الابتداء باليسرى، لأنّ التوقيع يدل على جواز الجمع، فتكون النتيجة بعد ضم الروايات بعضها على بعض جواز الجمع في مقام المسح بين الرجل اليمنى و اليسرى، و إذا اريد الابتداء فلا يبتدأ إلّا بالرجل اليمنى، فافهم.

و إن كان الاحوط استحبابا تقديم اليمنى على اليسرى لبعض الأخبار الدال عليه، و يحمل بعد الجمع على الاستحباب.

الجهة السابعة: و هل يجب كون مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى و الرجل اليسرى باليد اليسرى،

او لا يجب ذلك؟ بل يجوز بالعكس بأن يمسح الرجل اليمنى باليد اليسرى و الرجل اليسرى باليد اليمنى، او مسح كل منهما باليد اليمنى، او كل منهما باليد اليسرى.

ما ينسب الى المشهور هو القول الثاني، و المحكى عن بعض هو القول الأول.

ما يمكن أن يستدل به على القول الأول:

الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 5، ص: 292

ناصيتك، و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى) «1».

و الاستدلال بالرواية مبنى على كون الأمر فيها للوجوب، و قد عرفت في الجهة الثالثة من الجهات المبحوثة في مسح الرأس أنّ في هذه الرواية احتمالين:

احدهما، كونها في مقام بيان وجوب المسح على الناصية في قبال عدم كفاية غير الناصية، بمعنى وجوب وقوع المسح عليها فى الجملة، و فى مسح الرجل على ظهر القدم فى قبال دفع توهم كفاية مسح باطن القدم، او لزوم الجمع بين الظاهر و باطن القدم، و على هذا تبقى ظهور الامر فى قوله (تمسح) فى الرواية فى الوجوب.

و ثانيهما، كون الامر بمسح ظهر القدم و كونها فى مقام بيان حد الممسوح، و انه يجب مسح ظهر تمام القدم و تمام الناصية، و على هذا لا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب لكون ظاهرها وجوب مسح تمام الناصية، و اقتضائه كون الواجب مسح تمام ظهر القدم، و قد عرفت في الجهة الرابعة من الجهات المبحوثة في مسح الرجل عدم وجوب مسح تمام ظهر القدم، و بعد كون الأمر للاستحباب جمعا بين الرواية و بين ما يدلّ على المسمى فلا يستفاد منه وجوب كون مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى و اليسرى باليسرى.

و حيث أن الرواية ذو احتمالين نقول: بأن الاحوط وجوبا لو لم يكن اقوى (لعدم بعد كون اقوى الاحتمالين الاحتمال الاول)، هو مسح الرجل اليمنى باليمنى و الرجل اليسرى باليد اليسرى.

الجهة الثامنة: هل الواجب ايقاع المسح على خصوص بشرة ظهر القدم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 293

بحيث لا يكتفى بالمسح بالشعر المحيط على البشرة لو يعد

حائلا و مانعا يجب رفعه لوقوع المسح على البشرة، او يكتفى بمسح الشعر المحيط عليها و لا يعد حائلا، او يجب الجمع بمسح كل من البشرة و الشعر المحيط عليها؟

ينسب الى المشهور القول الأول، و يستدل عليه بظاهر الكتاب و السنة الدالين على وجوب وقوع المسح على البشرة، و الشعر خارج عن البشرة فلا يكتفى بمسحه عن مسحها.

و يستدل للقول الثاني بكون الشعر النابت في موضع المسح مما يعد عرفا جزءا من البشرة لا شيئا خارجا عنها كالمانع و الحاجب الخارجى كما عرفت بيانه في مسح الرأس و قلنا لا يبعد كون الأمر كذلك.

و بقوله عليه السّلام في الرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (قلت له:

ا رايت ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى عليه الماء) «1» و اطلاقها يشمل الرجلين و انه يكفى اجراء الماء بالمسح عليهما.

و فيه أنه قد بينّا في الجهة السادسة من الجهات المبحوثة عنها في غسل اليدين أن الرواية مصدّرة بصدر يشهد كون موردها خصوص الوجه و الشعر النابت فيه و لا يمكن القول بإطلاقها، و لذا قلنا في مسح الرأس بعدم صحة الاستدلال على كفاية مسح الشعر حتى الرأس بهذه الرواية.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 293

و وجه القول الثالث هو عدم الوثوق بكون البشرة الواجب مسحها ما يعم الشعر. كما انه لا تثق النفس بكون الشعر خارجا عنها، و لهذا نقول: الاحوط مسح كل من البشرة و الشعر النابت عليها.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب

1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 294

أقول: أمّا كون الجلد الواقع على ظهر القدم من القدم، و بعبارة اخرى كون البشرة محل المسح فمما لا يمكن الترديد فيه، حتى فيما احاطها الشعر، فاذا امكن المسح عليها فلا ينبغى الاشكال فى الاكتفاء بها، لانه غاية ما يمكن ان يقال فى المقام و هو الحق، كون الشعر المحيط بالبشرة، مثل البشرة من باب ان الرجل الموضوع لحكم وجوب المسح اعم من البشرة و من الشعر النابت عليها، لا انه مع كون الشعر محيطا كان الواجب منحصرا المسح على الشعر، لان ما قلنا فى غسل الوجه من وجوب غسل شعر المحاط، و عدم كفاية غسل البشرة عوضا عن الشعر المحيط به كان من باب ما ورد فى الرواية المتقدمة من قوله عليه السّلام (ما احاط به الشعر فليس للعباد ان يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء)، و لا يمكن التعدى من الغسل الى المسح لما قلنا، فعلى هذا بعد كون كل من البشرة و الشعر المحيط به رجلا فيكفى المسح بالبشرة حتى مع احاطة الشعر بها.

و انما الكلام في كون الشعر النابت على الرجل أيضا من البشرة و من متعلقاتها بحيث يكون المسح عليه مسحا عليها أم لا.

فنقول، إن الاقوى كفاية المسح على الشعر النابت على البشرة، اذا لم يكن خارجا عن ظهر القدم، و لا يكون من خارج ظهر القدم لان الرجل الموضوع لحكم المسح مثل الرأس الّذي قلنا اعم من نفس البشرة و من الشعر النابت عليها، ففي المسح على ظهر القدم إن امكن لقلة الشعر النابت على الظهر، المسح على نفس البشرة بنحو

يتحقق موضوع المسح اى: من طرف الطول من اطراف الاصابع الى الكعب و من طرف العرض بقدر المسمى، فلا اشكال في عدم وجوب مسح الشعر، كما انه يمكن المسح على الشعر النابت او على البشرة و الشعر النابت مع تحقق مقدار المسح الواجب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 295

و إن لم يمكن ذلك بحيث يكون الشعر محيطا بتمام نقاط ظهر القدم بنحو لا يمكن تحصيل أقل موضوع المسح بدون مسح الشعر، فهل يجب مسحها أيضا، لأنّ ما اشغل من البشرة و لا أقل من منبته لا بدّ من مسحه لايجاد مقدار الواجب من المسح، أم لا يجب ذلك، بل يكفى المسح على الشعر المحيط؟

الظاهر كما قلنا فى مسح الرأس أن الرجل الموضوع لحكم المسح اعم من البشرة و الشعر المحيط به، نعم مع امكان المسح بكل من البشرة و الشعر المحيط به فالاحوط استحبابا الجمع بين مسح البشرة و مسح الشعر في هذه الصورة من باب احتمال كون الواجب مسح خصوص البشرة او خصوص الشعر.

الجهة التاسعة: و تجب ازالة الموانع و الحواجب

بحيث يتيقن بوصول الرطوبة الى البشرة و لا يكفى الظن.

أمّا وجوب ازالة الموانع و الحواجب لايصال الرطوبة الى البشرة، لان الواجب مسح البشرة و مع الحاجب لا تصل الرطوبة إلى البشرة، و يدل على وجوب ازالة الموانع ما ورد فى عدم صحة الوضوء فى الخف و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

و أمّا وجوب تحصيل اليقين، فلان الذمة مشغولة بمسح البشرة و الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية.

و أمّا عدم كفاية الظن، فإن كان الظن غير معتبر فواضح لعدم حجيته حتى يقوم مقام العلم.

و أمّا الظن المعتبر كالبينة، فيكتفى به لقيامه مقام العلم بدليل اعتباره.

الجهة العاشرة: من قطع بعض قدمه مسح على الباقى

و يسقط مع قطع تمامه.

أمّا وجوب مسح الباقى ممن قطع بعض قدمه، مضافا الى ما حكى من عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 296

وجود خلاف ظاهر فيه بل كونه من المسلمات:

الرواية الّتي رواها رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه) «1».

و الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل؟ قال: يغسلهما) «2».

و اطلاق الغسل في الرجل مع كون الواجب المسح يكون باعتبار التغليب، اى تغليب جانب اليدين الواجب غسلهما، و قاعدة الميسور المتسالم جريانها في الوضوء.

و استصحاب وجوب ما بقى لأنّه قبل قطع بعضه الآخر كان واجب المسح فيستصحب وجوب مسحه بعد قطع ما قطع منه.

أقول: مضى الكلام في الاقطع اليد في الجهة السابعة و الثامنة و التاسعة و العاشرة من الجهات المبحوثة في مبحث غسل اليدين.

و ما يمكن أن يقال في الأخبار الواردة في الاقطع اليد و الرجل، و إن

مورد الأخبار هو من بقى من مواضع غسل الوضوء او مسحه شيئا، إما لتناسب الحكم و الموضوع، و إمّا لأنّ هذا هو المراد من الاقطع، و إمّا لعدم امكان حملها بغير هذا المورد، و الحاصل بعد الاجماع على وجوب الغسل او المسح فى من قطع بعض من يده الواجب غسله او بعض من رجله الواجب مسحه في الوضوء يحمل الأخبار على هذا المورد.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 49 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 297

و أمّا عدم وجوب المسح على من قطع تمام محل مسحه من الرجل فلعدم بقاء الموضوع فلا معنى لبقاء الوجوب.

و أما وجوب ما بقى من الرجل الذي لم يكن محل المسح فلا يجب مسحه لعدم الدليل، و كما عرفت لا يمكن الاستدلال بروايات رفاعة و محمد بن مسلم و علي بن جعفر على وجوب مسحه، (راجع الجهة 7 و 8 و 9 و 10 من الجهات المبحوثة في غسل اليدين).

***

[مسئلة 25: لا يجوز المسح بماء جديد]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: لا اشكال في أنه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء فلا يجوز المسح بماء جديد.

و الاحوط أن يكون بالنداوة الباقية في الكف، فلا يضع يده بعد تمامية الغسل على ساير اعضاء الوضوء لئلّا يمتزج ما في الكف بما فيها، لكن الاقوى جواز ذلك و كفاية كونه برطوبة الوضوء و إن كانت من ساير الاعضاء، فلا يضر الامتزاج المزبور.

هذا إذا كانت البلة باقية في اليد، و أمّا لو جفّت فيجوز الاخذ من ساير الاعضاء بلا اشكال من غير ترتيب بينها على الاقوى، و إن كان الاحوط تقديم اللحية و الحواجب على

غيرهما من ساير الاعضاء.

نعم الاحوط عدم اخذها مما خرج من اللحية عن حدّ الوجه كالمسترسل منها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 298

و لو كان في الكف ما يكفى الرأس فقط مسح به الرأس، ثم يأخذ للرجلين من سايرها على الاحوط و الا فقد عرفت أن الاقوى جواز الاخذ مطلقا.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الاولى: لا اشكال فى وجوب كون المسح بنداوة الوضوء،

و قد عرفت الكلام فيه في الجهة الاولى من الجهات المبحوثة في مسح الرأس، فراجع.

الثانية: هل الواجب كون المسح بالنداوة الباقية

في خصوص الكف من اليدين، فلا يجوز بعد تمامية الغسل وضع اليد على ساير مواضع الوضوء كى لا يمتزج ما في الكف بما فيها، او لا يجب ذلك، و كفاية كونه بنداوة الوضوء و إن كانت من ساير الاعضاء فلا يضر الامتزاج المذكور؟

وجه الأول ما فى بعض الروايات من المسح باليد بعد كون المنصرف إليه من المسح باليد كونه بالكف مثل قوله (كل بيدك) كما عرفت فى الجهة الاولى.

كالرواية الّتي رواها زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى) «1».

بناء على كونها في مقام بيان وجوب المسح على الناصية و ظهر القدم في الجملة في قبال عدم كفاية غيرهما.

و أما بناء على كون ظاهرها وجوب مسح تمام الناصية و تمام ظهر القدم، فلا بد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 299

من حمل الرواية على الاستحباب، و قد تقدم الكلام فيها فى بعض الجهات الراجعة الى مسح الرأس.

و كالرواية الّتي رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل ذكر معراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فيها قال في مقام وحي اللّه تعالى بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالوضوء:

(ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «1».

فان الظاهر المتبادر منها كون المسح بالكف لانه المنساق من

اليد فيما امر بالمسح باليد.

و اما ما يمكن ان يكون وجها لاحتمال الثانى بعض الروايات الدال بظاهره على وجوب كون المسح بنداوة الوضوء، و اطلاقه يقتضي جواز المسح ببلة ما فى اليد و غيرها من اعضاء الوضوء، مثل الرواية التى رواها محمد بن الفضل ان على بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام، و فيها قال: (و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك) «2».

فعلى فرض اطلاقها يقيد بما ذكرنا من وجوب المسح بنداوة ما فى اليد.

كما ان التمسك ببعض الوضوءات البيانية الدالة على كون فعل المعصوم عليه السّلام المسح بنداوة اليد او الكف، لا يدل على وجوب ذلك لما قلنا غير مرة من ان الفعل يدل على الجواز، و اما الوجوب فلا يدل عليه.

و اما بعض الروايات الواردة فى من نسى مسح الرأس و الرجل و شرع في الصلاة انه يأخذ البلل من لحيته او حاجبيه او اشفار عينيه، فنذكرها تتميما للفائدة،

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 300

و هذه الطائفة حيث تكون ذا احتمالين، و ربما يتمسك بها لكل من القولين، و يدعى القائل بالقول الاول دلالته على قوله، كما ربما يدعى القائل بالقول الثانى دلالتها على قوله، فنقول بعونه تعالى:

الاولى: الرواية الّتي رواها خلف بن حماد عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة؟ قال: ان كان في لحيته بلل فليمسح به. قلت: فإن لم يكن له لحبة؟ قال: يمسح من حاجبيه او اشفار

عينيه) «1» و هذه الرواية ضعيفة السند لكونها مرسلة، و اما من حيث الدلالة فلياتى الكلام فيها إن شاء اللّه.

الثانية: الرواية الّتي رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (إذا ذكرت و انت في صلاتك انك قد تركت شيئا من وضوئك الى أن قال: و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها اذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك) «2».

الثالثة: الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل ينسى مسح رأسه حتى دخل في الصلاة. قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل الحديث) «3».

الرابعة: الرواية الّتي رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل نسى مسح رأسه. قال: فليمسح. قال: لم يذكره حتى دخل فى الصلاة؟ قال: فليمسح رأسه من بلل لحيته) «4».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 21 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 9 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 301

الخامسة: الرواية التى رواها مالك بن اعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من نسى مسح رأسه ثم ذكر انه لم يمسح رأسه، فان كان فى لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه، و ان لم يكن فى لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء) «1».

فهل يكون موردها تذكر النسيان حال الصلاة بقرينة قوله (فلينصرف)، او ليس ذلك، بل يمكن ان يكون تذكره فى غير حال الصلاة، فلا يرد عليه ما اورد

على بعض هذه الاخبار الدال على كون تذكر ترك المسح حال الصلاة، من ان لازم هذه الروايات صحة ما اتى به من صلاته بلا طهارة.

و الظاهر الاحتمال الثانى، لان المراد من قوله (فلينصرف) هو الانصراف عن العمل الّذي كان مشتغلا به و هو الوضوء.

ثم اعلم ان ما يتوهم من الاشكال فى هذه الروايات الخمسة بان مقتضاها ان بعض ما وقع من الصلاة بلا طهارة يكون صحيحا، و هذا ينافى مع كون الطهارة الحدثية شرطا مطلقا فى الصلاة حتى حال النسيان، غير تمام، لان المراجع فى هذه الروايات بالدقة يرى ان الروايات غير متعرضة الا من ناحية اخذ البلة عن اللحية و الحاجب و اشفار العين، و لا تعرض فيها لصحة ما مضى من الصلاة، بل غاية ما يمكن ان يقال انها ساكتة عن الصلاة و انه يعيد او لا يعيد، و هذا لا يكون و هنا فى الروايات، مع ان فى الباب المذكور و فى الباب 49 من ابواب الوضوء ما يدل على بطلان الصلاة، فهذا الاشكال لا يرد على هذه الاخبار.

السادسة: الرواية الّتي رواها محمد بن علي بن الحسين قال: (قال:

الصادق عليه السّلام إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك،

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 302

فإن لم يكن بقى في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقى منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و اشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، فان لم يبق من بلة وضوئك شي ء اعدت الوضوء) «1».

و ظهور

هذه الرواية في وجوب حفظ الترتيب من بلة الكف و غيره من مواضع الوضوء لا إشكال فيه، مضافا الى دلالتها على أن المراد من نداوة الوضوء هى النداوة الواقعة فى الكف فيفسر بها اطلاق بعض الروايات الدالة على انه يمسح بنداوة الوضوء.

فلو لم يكن ضعف سندها، كانت دليلا على القول الأوّل و هو وجوب كون المسح بنداوة الواقعة في الكف كما أنها سليمة عن إشكال يرد على ساير الاخبار المذكورة في نسيان المسح، و هو اشتمال تلك الأخبار على صحة بعض الصلاة الواقعة بلا طهارة قبل تذكره نسيان المسح لانها ليست متعرضة لكون تذكر النسيان في اثناء الصلاة.

و فهى سليمة عن هذا الاشكال، و تدل صريحا على كون الواجب المسح أوّلا بنداوة اليد و تقديمها على نداوة ساير الاعضاء من اللحية و غيرها، لكن لا ظهور لليد فيها على ان المراد منها خصوص الكف، لان اليد فيها وقعت مقابل اللحية و ساير الاعضاء، فلا ظهور لها فى أنه يجب الاخذ أوّلا من خصوص الكف من اليد ثم من اللحية، و مع قطع النظر عن ذلك تكون الرواية ضعيفة السند لكونها مرسلة.

و أمّا ما بقي من الروايات فنقول:

لا تعرض لها للاخذ من اليد بل كلها متعرضة للاخذ من بلل اللحية أو

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 303

الحاجب أو اشفار العين فيما نسي المسح، و فيها احتمالان:

الاحتمال الاوّل: أن يكون مورد عدم وجود البلل في اليد كما هو الغالب، لأنّه ربما يبس ما في اليد من رطوبة الماء الموضوع فيها للغسل، و مع هذا تكون نداوة الغسل باقية في اللحية، فعلى هذا يكون

عدم الأمر بأخذ البلل من اليد لعدم وجود البلل فيها فتصل النوبة إلى اللحية و غيرها فلا تكون الروايات دليلا على عدم تقدم بلل اليد على غيرها من اعضا، الوضوء كما لا تدل على تقديم نداوة اليد على غيرها من الاعضاء.

الاحتمال الثاني: دعوى اطلاق هذه الروايات من حيث وجود البلل في اليد و عدمه، فأمر بالاخذ من البلل سواء كان بلل في اليد أم لا للاطلاق، و على هذا تدل هذه الأخبار على عدم وجوب تقديم بلل اليد على غيره.

اذا عرفت الاحتمالين نقول: إن الاقوى الاحتمال الأوّل،

اما أولا، فلما قلنا من أن الغالب يبوسة اليد قبل يبوسة اللحية لوقوع الماء اكثر في خلال الشعور فيكون قهرا بقى في اللحية، نظائرها.

و ثانيا لازم الاحتمال الثاني وجوب الاخذ من بلل اللحية حتى مع وجود البلل في اليد، لان معنى اطلاق الاخبار وجوب الاخذ من بلل اللحية حتى مع وجود البلل في الكف أو في غيره من ابعاض اليد، و هذا مما لا يمكن الالتزام به لأنّه ليس من يقول بتقديم اللحية على اليد، لان كل من يقول إمّا يقول بتقديم اليد أو تساويها مع ساير الاعضاء.

و ثالثا لا يمكن الاخذ بهذه الروايات غير السادسة و الخامسة بناء على احد الاحتمالين في الخامسة لكون مفادها صحة بعض الصلاة بدون الوضوء فلا يمكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 304

الاخذ بالاحتمال الثانى كما لا يمكن الاخذ بالاحتمال الاول، لان الاخذ بمفاد هذه الروايات غير ممكن لما قلنا من ان مفادها يقتضي صحة بعض الصلاة بلا طهارة و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و اما الرواية السادسة، فقد عرفت انها ضعيفة السند لكونها مرسلة و مع الاغماض

عن ضعف سندها، فالاظهر فيها الاحتمال الاول لما قلنا من الوجهين بتقوية الاحتمال الاول، كما انّ الرواية الرابعة مثلها من حيث كون الظاهر فيها الاحتمال الاول للوجهين المتقدمين، بناء على الاحتمال الاول من الاحتمالين فى الرواية، و اما على الاحتمال الثانى فى الرواية فعلى ما قلنا فى الاحتمال الاول من الاحتمالين فى هذه الروايات و هو كون المفروض فيها صورة عدم بقاء النداوة فى الكف فلا تنافى هذه الرواية مع الروايتين الدالتين على تقدم نداوة الكف على ساير المواضع.

هذا كله على فرض كون مقتضى الروايات صحة ما وقع من الصلاة بلا طهارة، و لكن قد بينا فى ذيل الرواية الخامسة ان الروايات إما ساكتة عن صحة ما وقع من الصلاة، و إما متعرضة لفسادها و وجوب اعادتها، فلا يرد هذا الاشكال على هذه الروايات.

و مع الاغماض عن كل ما قلنا من الاشكالات في هذه الروايات الخمسة لو فرض كون الواجب المسح بنداوة اللحية و اخويها و تمامية الاكتفاء به حال النسيان، فلا يمكن الاستدلال لكون نداوتها فى عرض نداوة الكف حتى فى حال العمد.

هذا اذا قلنا بكون ما دل على وجوب المسح بنداوة الكف عاما، و كون هذه الاخبار، باعتبار دلالتها على الاكتفاء ببلل اللحية لكونها فى مورد النسيان، خاصا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 305

و لكن يمكن منع ذلك، بدعوى ان النسية بينهما العموم من وجه، لان ما دل على وجوب المسح بنداوة الكف عام باعتبار شموله بصورة العمد و النسيان، و خاص باعتبار شموله لخصوص وجود البلة فى الكف، و ما دل على المسح بنداوة اللحية و الحاجب و اشفار العين، عام باعتبار شموله لصورة وجود البلل فى الكف و

عدمه، و خاص باعتبار كون مورده نسيان المسح، و بعد كون النسبة العموم من وجه فلا بد من الاخذ فى مورد التعارض- و هو وجود البلل فى الكف- بالطائفة الدالة على وجوب المسح بالكف لاظهريتها فى مادة الاجتماع من الطائفة الدالة على كفاية الاخذ من نداوة اللحية و الحاجب و اشفار العين، فلا بد من الاخذ بها، لان الميزان فى المتعارضين الّذي تكون النسبة بينهما العموم من وجه، الاخذ بالاظهر ان كان اظهر فى البين، و الّا فتساقط المتعارضان و تصل النوبة إلى الاصل.

و هذا على فرض وجود مقتضى الحجية فى كل من المتعارضين، و لكن عرفت عدم مقتضى الحجية فى الطائفة الثانية و بعض الاشكالات الآخر.

فتلخص أن هذه الطائفة من الروايات ليست مما يمكن الاستدلال بها للقول الثانى كما لا يمكن الاستدلال بها للقول الأوّل الّا بالرواية الرابعة و الخامسة، و الاقوى هو وجوب المسح بالنداوة الباقية في الكف لما بينا من دلالة الروايات عليه إذا كان البلل فى الكف.

المسألة الثالثة: إذا جفت البلة في الكف

يجوز الاخذ من ساير الاعضاء، و هذا ممّا لا إشكال فيه نصا و فتوى.

و يدلّ عليه بعض الأخبار الدالة على وجوب كون المسح بنداوة الوضوء مثل الرواية التى رواها لان فيها قال عليه السّلام: (و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 306

فضل نداوة وضوئك) «1».

فاوجب المسح بنداوة الوضوء، و اطلاقها يقتضي جواز الاخذ من كل مواضع الغسل من الوضوء، و قد قيّد كما قلنا فى الجهة الثانية بخصوص نداوة الكف فيما كان فى الكف نداوة و مع عدم النداوة فى الكف، فان قلنا بتقديم نداوة اللحية و الحاجب و اشفار العين فهى مقدمة على

ساير المواضع، و ان لم نقل بتقديمها كما لم نقل به، فيجوز الاخذ من اى موضع شاء من مواضع الوضوء، فافهم.

و مع عدم النداوة فى الكف و فى ساير الأعضاء، بحيث يمكن اخذها بالكف و مسح الممسوح بنداوة ما فى الكف يجب اعادة الوضوء، و يأتى وجهه إن شاء اللّه فى المسألة 28.

و يدل على جواز الاخذ من ساير الاعضاء فى الجملة، الاخبار المذكورة الدالة على الاخذ من بلل اللّحية او الحاجب و اشفار العين بناء على الاحتمال الاول من الاحتمالين فى هذه الاخبار، و هو حملها على عدم وجود البلل فى الكف.

المسألة الرابعة: هل يكون ترتيب بين الاعضاء

من حيث اخذ البلة عنها بعد جفاف بلة اليد، فلا بدّ من تقديم بلة اللحية و الحاجب و اشفار العين على غيرها، او لا يكون ترتيب فيجوز الاخذ من بلة كل من اعضاء الوضوء مخيرا بينها؟

ثم إنه على فرض اعتبار الترتيب هل يكون ترتيب بين هذه الثلاثة أيضا، فيجب الاخذ أوّلا من نداوة اللحية فإن لم تكن فيها بلة فمن الحاجب و إن لم تكن فيه بلة فمن اشفار العين، او لا ترتيب بينها؟

أقول، أما الكلام في الأوّل أى: وجوب رعاية الترتيب بين اعضاء الوضوء

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 307

بعد جفاف بلة اليد، فالدليل عليه الرواية الاولى و السادسة من الروايات المتقدمة الواردة فى من نسى المسح أنه يأخذ من بلة اللحية، حيث إن ظاهرهما وجوب الاخذ أوّلا من بلة اللحية.

و أما غير هاتين الروايتين من الروايات الستة الواردة فى من نسى المسح فهى ليست متعرضة الا للمسح من بلل اللحية، و لعل موردها ما ليست البلة

الا في اللحية لان في بعضها صرّح بأنه ينصرف و يعيد الوضوء، مع أنه لو كان بلل في غير اللحية من الاعضاء يجب الاخذ منه للمسح.

و لكن حيث تكون الرواية الاولى و السادسة المتعرضة للترتيب مرسلة، لا يمكن القول بوجوب الترتيب بتقديم بلة اللحية و الحاجب و اشفار العين على بلة غيرها من الاعضاء، بل يكفى بنداوة الوضوء كلّ ما كان لما عرفت من دلالة بعض المطلقات على كون المسح بنداوة الوضوء و لم يكن له مقيد كما عرفت.

نعم هو الأحوط استحبابا لدلالة الروايتين عليه، بناء على استفادة الاستحباب من الخبر الضعيف تمسكا باخبار من بلغ، او لحسن الاحتياط عقلا.

و اما الكلام فى الامر الثانى، و هو وجوب رعاية الترتيب بين هذه الثلاثة بتقديم بلة اللحية على الحاجب و الحاجب على اشفار العين، فيستفاد من الرواية الاولى تقديم بلة اللحية عليهما.

و لا يستفاد تقديم الحاجب على اشفار العين، لأنّه قال فيها: (إن كان في لحيته بلل فليمسح به. قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: يمسح من حاجبيه أو اشفار عينيه) فالتعبير بكلمة (أو) شاهد على عدم تقديم أحدهما على الآخر.

و أما الرواية السادسة فيستفاد منها تقديم بلل اللحية على بلل الحاجب و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 308

اشفار العين، و أما تقديم بلة الحاجب على اشفار العين فلا، لأنّه قال فيها: (و إن لم يكن لك لحية، فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به الخ).

فأيضا لا يستفاد من الروايتين الترتيب بين الحاجب و اشفار العين، بل المستفاد منهما كون الواجب الاخذ من بلة الحاجب و أشفار العين بعد عدم بلة اللحية، و أما تقديم بلة أحدهما على الآخر

فلا يستفاد منهما.

نعم كما عرفت، الاحتياط حسن لحسن الاحتياط عقلا برعاية الترتيب بين هذه الثلاثة و غيرها من اعضاء الوضوء، و كذا بين نفس هذه الثلاثة بتقديم اللحية على الحاجب، و الحاجب على أشفار العين

المسألة الخامسة: هل يجوز الاخذ من نداوة المسترسل من اللحية

فيما إذا وصلت النوبة إلى الاخذ من بلة اللحية، أو لا بدّ من الاقتصار على الأخذ من خصوص ما يجب غسله في الوضوء من اللحية؟

أما لو التزمنا بعدم كون مقدار المسترسل من اعضاء الوضوء مما يجب غسله في الوضوء، فلا يجوز أخذ البلة منه لعدم كونه من اعضاء الوضوء و وجوب كون البلة من نداوة الوضوء.

و أما بناء على كونه من جملة اعضاء الوضوء و يجب غسله مع الوجه، فهل يكتفى به أم لا؟

وجه الاكتفاء كونه من اعضاء الوضوء فالبلة منه من بلة الوضوء و نداوته.

و وجه عدم الاكتفاء انصراف الادلة عنه، فلهذا لا يجوز الاخذ من بلته.

أقول: الانصراف فلم أر له وجها، فعلى هذا لو قلنا بكونه داخل الوجه الواجب غسله، يجوز اخذ البلة منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 309

و لكن العمدة عدم كون مقدار المسترسل من اللحية جزء الوجه الواجب غسله في الوضوء، كما عرفت في المسألة الثانية من المسائل المتعلقة بغسل الوجه، فراجع، فلا يمكن الاخذ من بلته.

المسألة السادسة: لو بقى في الكف بلة بمقدار مسح الرأس فقط

يمسح به الرأس، ثم يأخذ البلل من غيره لمسح الرجلين.

و سرّه واضح، لأنّه على فرض تقديم ما في الكف من البلة على غيرها، فكل مقدار يمكن رعاية الترتيب يجب رعايته، فعلى الفرض يجب المسح بنداوة الكف كلما امكن، ثم لو بقى في محل المسح عضو لم تكف نداوة الكف له يأخذ من غيره و يمسحه.

هذا كله بناء على وجوب تقديم الكف على غيره كما قويناه.

***

[مسئلة 26: يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح، و أن يكون ذلك بواسطة الماسح لا بأمر آخر، و إن كان على الممسوح رطوبة خارجة فإن كانت قليلة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح فلا بأس، و الّا لا بدّ من تجفيفها و الشك في التأثير كالظن لا يكفى بل لا بدّ من اليقين.

(1)

أقول: أما اشتراط تأثر الممسوح برطوبة الماسح فلتوقف صدق المسح على ذلك، مثلا لو قال امسح اليد بالدهن يكون المراد تأثر اليد بالدهن.

أما اشتراط كون ذلك التأثر بواسطة الماسح لا بأمر آخر، فلان معنى مسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 310

الرجل باليد او مسح الرأس باليد و الكف، هو تحقق المسح و تأثر الممسوح بالرطوبة بواسطة اليد لا بأمر آخر، فلا بدّ من أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح بواسطة نفس الماسح.

و أما وجود الرطوبة الخارجة في الممسوح، فكما حكى عن العلامة رحمه اللّه تكون وجود الرطوبة الخارجة مضرا لاعتبار كون المسح بماء الوضوء خالصا، لان هذا هو الظاهر من الأمر بايجاد المسح بنداوة الوضوء، و مع الرطوبة الخارجية في الممسوح يخرج ما في الماسح من البلة عن كونها بلة الوضوء لاختلاطها بهذه الرطوبة الخارجية، حيث إنه بمجرد امرار الماسح على

جزء من الممسوح تختلط النداوة في الكف مع الرطوبة الواقعة فى الممسوح، فلا يقع المسح بنداوة الوضوء خالصا.

نعم لو كانت الرطوبة فى الممسوح قليلا بحيث يستهلك في الرطوبة الكائنة في الماسح بحيث يعدّ عرفا المسح بالنداوة الخالصة من ماء الوضوء و أن هذه الرطوبة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح خالصا، يمكن أن يقال بعدم مانعيته.

و بعد ما عرفت من وجوب تأثر الممسوح برطوبة الماسح لا بدّ من اليقين بذلك، لأنّه بعد الاشتغال بالوضوء يشك معه بالبراءة و الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية، مضافا الى استصحاب الحدث.

و لا يكفى الظن بالتأثر إن لم يكن الظن المعتبر، نعم يكفى ظنا معتبرا لقيامه بدليل اعتباره مقام العلم، و أما الشك فواضح عدم الاكتفاء به.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 311

[مسئلة 27: إذا كان على الماسح حاجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: إذا كان على الماسح حاجب و لو وصلة رقيقة لا بدّ من رفعه و لو لم يكن مانعا من تأثير رطوبته في الممسوح.

(1)

أقول: لوجوب وقوع المسح على الممسوح بالماسح بلا واسطة، فالحاجب ان كان غليظا، فلا تصل الرطوبة إلى الممسوح اصلا.

و إن كان رقيقا و ان كان تصل الرطوبة إلى الممسوح و لكن لا تصل من الماسح إلى الممسوح بلا واسطة بل تصل بوسيلة الوصلة، و الحال أن الواجب كما هو ظاهر الأمر بالمسح ايجاد المسح بخصوص الماسح على الممسوح بلا واسطة.

***

[مسئلة 28: إذا لم يمكن المسح بباطن الكف]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: إذا لم يمكن المسح بباطن الكف يجزى المسح بظاهرها.

و إن لم يكن عليه رطوبة نقلها من ساير المواضع إليه ثم يمسح به.

و إن تعذّر بالظاهر أيضا مسح بذراعه، و مع عدم رطوبته يأخذ من ساير المواضع.

و إن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة و عدم امكان الاخذ من ساير المواضع اعاد الوضوء.

و كذا بالنسبة الى ظاهر الكف فإنه إذا كان عدم التمكن من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 312

المسح به عدم الرطوبة و عدم امكان اخذها من ساير المواضع لا ينتقل الى الذراع بل عليه أن يعيد.

(1)

أقول: عدم امكان المسح بباطن الكف، تارة يكون لاجل مانع من المسح به كوجود مرض و غير ذلك.

و تارة يكون عدم تمكن المسح به لاجل فقد الرطوبة فيه.

أما الكلام في الأوّل، [عدم امكان المسح لاجل مانع من المسح به]
اشارة

فنقول بأنه تارة يقع الكلام في أنه مع عدم امكان المسح بباطن الكف يجب المسح بغيره من اعضاء اليد كظاهر الكف و الذراع.

و تارة يقع الكلام فى وجوب الترتيب بعد الانتقال الى ظاهر الكف و الذراع بتقديم المسح بظاهر الكف على الذراع و عدمه.

اما الكلام فى المقام الاول: [وجوب المسح بغيره من اعضاء اليد]
اشارة

فما يمكن أن يكون وجها للانتقال بظاهر الكف أو الذراع اذا امتنع المسح بباطنه امور:

الأوّل: قاعدة الميسور

المدعى تسلم شمولها لمثل المورد، فيقال إن المسح بالظاهر ميسور المسح بباطن الكف.

و فيه انه كما قلنا في الاصول بانه و إن لم يكن اشكال فى دلالة قوله عليه السّلام:

(الميسور لا يسقط بالمعسور) على اتيان باقى الاجزاء، و ليس مثل قوله: (اذا امرتكم بشي ء فاتوا منه ما استطعتم) و قوله: (ما لا يدرك كله لا يترك كله)، لكن العمدة ضعف سند الرواية مثل سندهما.

الثاني: أن يقال في وجه وجوب المسح بظاهر الكف

إذا لم يتمكن من المسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 313

بباطنه، و بوجوب المسح بالذراع إذا لم يتمكن من المسح بباطن الكف و ظاهره، بأنه كما عرفت لم يكن بين الادلة ما يدل بلسانه على وجوب المسح بالكف، لان ما كان من الادلة بلسان الأمر يأمر بالمسح باليد، و ما كان من بيان فعلهم من المسح بالكف لا يستفاد منه الوجوب، بل غايته جوازه أو استحبابه كما عرفت غاية الأمر، قلنا بأن المنصرف إليه من الأمر بمسح الرجل باليد هو ايقاع ذلك بخصوص الكف من اليد، كما إذا قال: (خذ بيدك) أو (كل بيدك) يكون المنصرف إليه الأخذ و الأكل بالكف من اليد.

فعلى هذا نقول: من لم يقدر على المسح بباطن الكف إما أن يقال بعدم كونه مأمورا بالوضوء من رأس، و الحال انا نقطع بعدم سقوط امره كما لا يسقط بتعذر النداوة في الكف، أ و لم يكن مأمورا بالمسح لعدم قدرته من المسح بباطن الكف، أو يكفى أن يمسح بظاهر الكف اذا قدر عليه.

لا سبيل للذهاب الى الاحتمال الأوّل و الثاني، لان اطلاق الآية الشريفة و النصوص الآمرة بالوضوء يشمل هذا الشخص مسلّما، و كذلك ما دل على وجوب المسح في الوضوء باليد، و بعد

شمول اطلاق الأمر بالمسح باليد لمن لا يقدر على المسح بباطن الكف نقول: ان ما قلنا من أن المنصرف إليه من الأمر بمسح اليد هو باطن الكف، يكون لمن يقدر عليه، فمن لم يكن له كف أو لا يقدر على المسح بباطن الكف أو ظاهره إذا قيل له: (امسح بيدك) لا يكون المرتكز المسح بباطن كفه أو ظاهره، و كذا من لم يقدر على المسح بكليهما إذا قيل له: (امسح بيدك) يكون ما بقى من يده مما فيه نداوة الوضوء و هو الذراع، لان ما قلنا من الارتكاز العرفى يكون فى من يكون متمكنا من المسح بباطن الكف، و اما لم يقدر عليه فلا يكون هذا مرتكز العرف، بل الاخذ او المسح بظاهر الكف او غيره من اليد سيّان.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 314

فبهذا البيان يمكن أن يقال بأن من لم يقدر على المسح بباطن الكف يكفى المسح له بظاهره و من لم يقدر عليهما يكفى له المسح بالذراع.

و فيه انه تارة يدعى القطع و انه نقطع بعدم سقوط التكليف بالوضوء، و نقطع بعدم سقوط المسح، فقهرا لا بدّ من انتقال محل المسح من باطن الكف الى ظاهره، او الى الذراع لعدم تمكن المسح بباطن الكف، فان ادعى القطع فلا مجال للبحث، بل نقول بانا لا نقطع بذلك.

و تارة يدعى اطلاق وجوب الوضوء، و اطلاق وجوب المسح حتى لحال التعذر عن المسح بالكف، و يدعى عدم كون الدليل الدال على وجوب المسح بالكف مطلقا يشمل حتى حال العجز، فيقال مع عدم اطلاق لهذا الدليل و فرض اطلاق دليل الوضوء و كذا المسح، فلا بد من القول بوجوب المسح بظاهر الكف او

الذراع، لانه لا يمكن مع فرض اطلاق دليلهما و عدم اطلاق دليل وجوب المسح بالكف، الّا القول بوجوب المسح بالظاهر او الذراع.

فنقول فيه: ان ذلك مجرد الادعاء، لانه كما يكون دليل وجوب الوضوء مطلقا و كذا دليل وجوب المسح كذلك يكون دليل وجوب كون المسح بباطن الكف أيضا مطلقا، و مع اطلاق دليل هذه الثلاثة ينتقل التكليف الى التيمم للعجز عن الوضوء.

الثالث: أن يقال بأنه يكون في البين مطلوبان،

مطلوب متعلق بنفس المسح بنداوة الوضوء بما في اليد، و مطلوب آخر و هو وقوع هذا المسح بخصوص باطن الكف كما يظهر للمراجع إلى الادلة، و بعد كون التكليف من قبيل تعدد المطلوب، فلو لم يكن حفظ كلا المطلوبين لا بدّ من حفظ الآخر و هذا مقتضى نفس الأمر المتعلق بالوضوء.

و إن تم ما قلنا كما لا يبعد، لا حاجة الى التوسل بأمر ثانوى متعلق بالمسح بغير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 315

باطن الكف، بل نفس الأمر الأوّل يقتضي اتيان المسح بظاهر الكف، و إن لم يتمكن من الظاهر أيضا يقتضي المسح بالذراع.

بخلاف التمسك لوجوب المسح بالظاهر بقاعدة الميسور، لأنّه بناء على التمسك بها مقتضاه ترتب امر ثانوى ثابت بهذه القاعدة لما بقى من الوضوء و المسح في صورة عدم امكان المسح بباطن الكف، بعد سقوط امر الأوّل.

و فيه، ان الكلام تارة يكون فى امكان كون التكليف فى المسح بنحو تعدد المطلوب فلا اشكال فى امكانه، و تارة يكون الكلام فى مقام اثبات كون التكليف بنحو تعدد المطلوب، فهو محتاج الى الدليل، و لا دليل يدل على كون المطلوب أوّلا المسح بباطن الكف و ثانيا مطلق المسح و ان كان بغير باطن الكف، الا ان يقال انا نستكشف من

الامر باخذ البلة من غير رطوبة الكف من ساير الاعضاء، ان الامر فى المسح يكون بنحو تعدد المطلوب و لكن استفادة ذلك مشكل.

الرابع: استصحاب بقاء وجوب المسح،

فمع تعذره بباطن الكف يجب بظاهره، لان هذا مقتضى بقاء التكليف بالمسح و بناء على جريان استصحاب وجوب المسح بعد تعذر المسح بالكف يكون وجوب اتيان الوضوء و مسحه بغير باطن الكف بالامر الأوّل لأنّه يستصحب الأمر الأوّل.

و فيه أنه لا مجال لهذا الاستصحاب من باب عدم بقاء الموضوع، لان موضوع الوجوب كان المسح بباطن الكف و مع عدم بقاء الموضوع على الفرض لا معنى لبقاء الوجوب المتعلق به.

ثم إنه بعد تعذر باطن الكف لاجل علة في الباطن و وصول النوبة بظاهره لو لم يكن في الظاهر بلة يأخذ البلة من ساير مواضع الوضوء و قد مضى الكلام فيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 316

و يمسح به.

و اما الكلام فى المقام الثاني: في وجوب تقديم ظاهر الكف على الذراع

بعد القول بانتقال الوجوب من باطن الكف الى غيره، فما يمكن ان يكون دليلا عليه هو انه بعد كون الدليل على الانتقال قاعدة الميسور، فميسور باطن الكف أوّلا هو ظاهر الكف عرفا و ان لم يتمكن من المسح بظاهر الكف تصل النوبة بالمسح بالذراع.

او ان يقال بان المورد من قبيل دوران الامر بين التعيين و التخيير، فلا بد من الاخذ بظاهر الكف، لانه إما واجب تعيينا او تخييرا لوجوبه يقينا بخلاف الذراع.

و يظهر لك مما مر في تعذر المسح بالباطن ما إذا تعذّر المسح بالظاهر من الكف أيضا لأنّه لو تمت الادلة المتقدمة أو بعضها، فبعد تعذر المسح بباطن الكف تصل النوبة بغيره من اعضاء اليد، غاية الأمر فى المقام الثانى قلنا بتقديم ظاهر الكف على الذراع، و بعد تعذر المسح بظاهر الكف تصل النوبة بالذراع، لعين ما قلنا في تعذر المسح بالباطن.

هذا كله فيما كان عدم امكان المسح بباطن الكف أو بظاهره لاجل

علة في الكف غير عدم الرطوبة.

اما إذا كان عدم التمكن من المسح بباطن الكف من باب عدم وجود رطوبة باقية فيه

من نداوة الوضوء و عدم امكان أخذ الرطوبة من ساير مواضع الوضوء، ففي هذه الصورة يجب عليه اعادة الوضوء و المسح مع النداوة الباقية من الوضوء لوجوب المسح بالنداوة الباقية من الوضوء، و على الفرض لم تكن في اعضاء الوضوء نداوة فالواجب في المقام هو اعادة الوضوء، الا فيما لا يمكن حفظ الرطوبة في الماسح،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 317

و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 31، و لا ينتقل التكليف الى ظاهر الكف أو الى الذراع لو لم تكن الرطوبة في الكف لأنّه متمكن من حفظ الشرط و لو باعادة الوضوء.

***

[مسئلة 29: إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب تقليلها، بل يقصد المسح بامرار اليد و إن حصل به الغسل، و الاولى تقليلها.

(1)

أقول: بعد ما عرفت في صدر مسئلة مسح الرجلين، أن الواجب هو مسح الرجلين و لا يجوز غسلهما كما ينادى به الآية الشريفة و الأخبار.

مثل الرواية الّتي رواها محمد بن مروان قال (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنه يأتى على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة. قلت: كيف ذلك؟ قال: لأنّه يغسل ما امر اللّه بمسحه) «1» و غير ذلك راجع الباب المذكور.

يقع الكلام في أنه إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح، فهل يجب تقليل الرطوبة، أو يكفى المسح معها بقصد المسح و إن حصل الغسل بهذا المسح أيضا؟

الاقوى الثاني، لان النسبة بين الغسل و المسح و إن كانت التباين بحسب

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 318

المفهوم، لان الغسل عبارة عن اجراء الماء على المحل و لو بمعونة اليد أو غيرها، و المسح عبارة عن امرار الماسح على الممسوح و ايصال ما على الماسح إلى الممسوح بالامرار، فمفهوم الغسل مباين مع مفهوم المسح، لكن مع ذلك يجتمعان موردا لامكان امرار اليد المبتلة بالماء على المحل فيصدق المسح لامرار الماسح على الممسوح و ايصال الماء الكائن عليه إلى الممسوح، و مع هذا يصدق الغسل أيضا لو كان الماء الكائن في الماسح بمقدار يصدق اجراء الماء عليه.

اذا عرفت ذلك نقول، لو كانت رطوبة الماسح زائدة و مسح بها الممسوح بقصد المسح يصدق أنه مسحه و امتثل الأمر المتعلق بالمسح و إن كان يصدق الغسل بهذا المسح لكونه موجبا لاجراء الماء على الممسوح.

و السر في ذلك هو أنه بعد ما يكون المصداق الخارجى قابل الانطباق بالمفهومين او ازيد، فلا يضر مصداق كل واحد من المفهومين الا بالقصد، نظير اربع ركعات القابل الانطباق بالمفهوم الظهر و العصر.

نعم لو كان المعتبر في المسح عدم تحقق الغسل في ضمنه كان لعدم الصحة وجه، و لكن لا يعتبر ذلك، بل المعتبر امرار الماسح و هو اليد على الرأس أو الرجل و هو الممسوح و ايصال الماء الواقع في اليد إلى الممسوح و قد تحقق ذلك على الفرض.

ثم إن بعض النصوص الدالة على عدم جواز غسل الرجلين في الوضوء بل يجب المسح، لا ينافي مع ما قلنا من عدم مضرية الرطوبة الزائدة الصادقة عليها الغسل فيما قصد المسح، لان هذه الطائفة من الأخبار وردت فى قبال العامة القائلين بوجوب غسل الرجلين بالماء الجديد لا بنداوة الوضوء، و لازمه أن يكون القاصد بالوضوء قاصدا لغسل

الرجلين، و هذا غير ما نقول في هذه المسألة من أنه يقصد المسح لكن يتحقق الغسل في الضمن لكون الرطوبة زائدة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 319

و بعد ذلك كلّه كما قال المؤلف رحمه اللّه الاولى تقليل الرطوبة بحيث يصدق المسح و لا يصدق الغسل.

***

[مسئلة 30: يشترط في المسح امرار الماسح على الممسوح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: يشترط في المسح امرار الماسح على الممسوح فلو عكس بطل.

نعم الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضر بصدق المسح.

(1)

أقول: وجه عدم الاشتراط هو أن الفرق بين الماسح و الممسوح ليس الا أن الماسح آلة لازالة شي ء عن شي ء، و الممسوح ما يقصد منه ازالة شي ء عنه، فاذا اردت ازالة الوسخ عن الرجل لا ليد فيقال باليد الماسح و لا لرجل الممسوح، فلا يعتبر في كون الماسح ماسحا امراره على الممسوح، بل لو عكس يصدق عليه الماسح إذا اريد منه ازالة الوسخ بوسيلته من شي ء آخر، و لهذا يصح (مسحت يدى بالجدار) اذا اردت ازالة الوسخ من يدك بوسيلة امرارها بالجدار، فيكون الماسح الجدار مع انك امررت يدك و هو الممسوح على الجدار.

فعلى هذا بعد كون النظر في المسح ايصال النداوة إلى الممسوح فاليد هو الماسح، لانه آلة لايصال النداوة إلى الممسوح، فهي ماسح سواء يمر الممسوح بالماسح او يمر الماسح به، لانه فى كل من التقديرين تكون اليد ماسحا، لكونه آلة لايصال الرطوبة، كما ان الرأس او الرجل ممسوحا لكون النظر ايصال النداوة إليهما، سواء تمر اليد على الرأس او الرجل او يمر الرأس او الرجل على اليد، فلا يعتبر امرار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 320

الماسح على الممسوح، و هذا ما اختاره في المستمسك.

و وجه الاشتراط هو أن حقيقة

المسح امرار شي ء على شي ء، فيقال للمار آلة المسح و للممرور عليه الممسوح و لفاعل المسح الماسح، سواء كان الإمرار لازالة شي ء عن الذي يمسح به، أو عن الذي يمسح عليه، أو لا يريد ذلك اصلا كمسح رأس اليتيم، فليس قصد ازالة الشي ء عنه دخيلا في مفهوم الممسوح فلا يعتبر قصد الازالة فى كونه ممسوحا اصلا، بل بمجرد امرار شي ء على شي ء سواء كان مع القصد أو بلا قصد يقال للمار الماسح و للممرور عليه الممسوح، فلو مسح يده على الجدار و امرّها على الجدار يقال لليد الماسح و للجدار الممسوح عليه، و إن كان الداعى ازالة شي ء عن اليد في هذا الإمرار، و الاقوى الثانى كما يظهر من اللغة، و إن ترى صحة اطلاق مسحت الجدار بيدى، اذا كان النظر ازالة الوسخ عن اليد عرفا، فالمتوهم منه كون الماسح الجدار مع فرض كون المار هو اليد لا الجدار، فتتوهم ان الممسوح ما يريد ازالة الشي ء عنه و ان كان مارا على الماسح فيكون ذلك بتقدير (على)، فقولك مسحت الجدار بيدى اذا كنت تريد ازالة الوسخ عن اليد يكون فى الحقيقة مسحت على الجدار بيدى.

نعم الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضر مع كون المارّ عليه هو الماسح لصدق المسح في هذه الصورة.

***

[مسئلة 31: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح من جهة الحرّ]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح من جهة الحرّ في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك و لو باستعمال ماء كثير بحيث كلما اعاد الوضوء لم ينفع، فالاقوى جواز المسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 321

بالماء الجديد، و الأحوط المسح باليد اليابسة ثم بالماء الجديد ثم التيمم أيضا.

(1)

أقول:

في المسألة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: ما اختاره المؤلف رحمه اللّه و هو المسح بالماء الجديد، و صحة الوضوء و هو مختار جمع آخر.

الاحتمال الثاني: المسح بلا نداوة، بأن يمسح بيده اليابسة الممسوح و هو ما ارتضاه صاحب الجواهر رحمه اللّه.

الاحتمال الثالث: سقوط المسح من رأس و الاكتفاء بالغسلتين في الوضوء.

الاحتمال الرابع: عدم وجوب الوضوء بل يجب عليه التيمم في هذه الصورة.

يستدل على الاحتمال الأوّل بأمور:
الامر الأوّل: استصحاب وجوب المسح بلا نداوة،

بأن يقال كان الواجب عليه سابقا هو المسح بإمرار اليد على الممسوح، غاية الأمر كان الواجب في هذا المسح شيئا آخر و هو كون المسح مع نداوة الوضوء و بعد تعذر النداوة يستصحب اصل وجوب المسح.

ان قلت: هذا إذا كان حصول التعذّر بعد دخول الوقت، و أما إذا كان من اوّل دخول الوقت المسح بنداوة الوضوء متعذّرا فلا وجوب ثابت في حالة سابقة حتى يستصحب.

قلت: في كل من الصورتين يجرى الاستصحاب، غاية الأمر اذا كان التعذّر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 322

بعد الوقت يكون الاستصحاب فعليا، و إذا كان التعذر من اوّل الوقت يكون الاستصحاب تعليقيا.

ان قلت: ان غاية ما يدل هذا الدليل على فرض تماميته هو الوضوء مع المسح بلا نداوة، فهذا الدليل لو استدل به على الاحتمال الثانى و هو المسح بلا نداوة كان اولى.

قلت: بعد اثبات وجوب المسح بالاستصحاب، يقال فى وجه المسح مع النداوة بالماء الجديد إن المستفاد من الادلة هو كون المسح مع البلة بقرينة مقابلة المسح بالغسل، فبعد كون الغسل بالماء فلا بد و أن يكون المسح بالماء، لكن اطلاق كون المسح بالماء قد قيّد بكون مائه من بلة الوضوء، و بعد اسقاط هذا القيد بالتعذر و اثبات وجوب المقدار الميسور الممكن من الوضوء، يكون الواجب اتيان

المسح بالماء الجديد و هو مقتضى اطلاق الدليل.

و فيه أما الاستصحاب فليس الموضوع باقيا حتى يستصحب الوجوب، لان ما يكون له حالة سابقة هو وجوب المسح بنداوة الوضوء و هو مرتفع قطعا، و أما المسح المطلق بدون كونه بنداوة الوضوء فليس له حالة سابقة.

نعم إن كان الوجوب بنحو تعدد المطلوب بمعنى كون وجوب متعلق بنفس المسح و وجوب آخر متعلق بالمسح مقيدا بكونه بنداوة الوضوء، أو كان المسح بالنداوة الباقية من الوضوء من الحالات في المسح، بحيث يرى العرف وجوب المسح مع تعذر هذه الحالة اى كونه بنداوة الوضوء باقيا، كان للاستصحاب مجال و لكن كليهما ممنوع فلا مجال للاستصحاب.

و أما بالنسبة الى ما ذكر وجها لوجوب كون المسح بالماء الجديد، فنقول: بعد فرض كون الواجب هو المسح بنداوة الوضوء، فلو فرض دليل يكون دالا على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 323

المسح بمطلق الماء فيقيد الدليل على وجوب كونه بماء الوضوء فيقيد المطلق بالمقيد، فالمطلوب ليس الا المقيد، و على الفرض لا يتمكن منه، فلا بد اما من سقوط اصل المسح او اصل الوضوء.

الأمر الثاني: قاعدة الميسور،

فيقال أوّلا إن مقتضى هذه القاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور.

و ثانيا بأن المسح بالماء الجديد يكون ميسورا لعدم التمكن من المسح بنداوة الوضوء فيجب المسح بالماء الجديد.

أما وجوب الوضوء و وجوب المسح فهو واضح، لكون كل منهما ميسورا فلا إشكال على عدم سقوط الوضوء و عدم سقوط المسح.

و أما كون الميسور هو المسح بالماء الجديد، فلان المتعسّر على الفرض هو المسح بالنداوة الباقية من الوضوء فالمقدار المتعذر يسقط وجوبه و يجب الباقى، فلا إشكال في أن نفس المسح ميسور له فعلا و كذا المسح مع النداوة ميسور

له، لتمكن هذا الشخص في الفرض من المسح بالنداوة الآخذة من الماء الجديد، فيجب عليه ذلك لان المتعسر ايصال بلة الوضوء في الفرض إلى الممسوح لا مطلق البلة و إن كانت من الماء الجديد.

و أخذ الماء الجديد و إن لم يكن جائزا إما لكونه تشريعا محرما، و إما لكونه منافيا مع الشرط المعتبر في الوضوء و هو كون المسح بالنداوة الباقية عن ماء الوضوء أو لكلتا الجهتين، لكن في الفرض يندفع كل من المحذورين لعدم التشريع في المورد و عدم وجوب الشرط لعدم القدرة عليه، فلا يكون اخذ الماء الجديد منافيا مع الشرط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 324

فلا يكون الاحتمال الثانى و هو المسح بلا نداوة هو الميسور في مورد البحث،

و كذلك لا وجه لسقوط المسح من رأس كما هو الاحتمال الثالث، و كذلك انتقال التكليف من الوضوء إلى التيمم كما كان هو الاحتمال الرابع من الاحتمالات الاربعة في المسألة، لما عرفت من كون المسح ميسور للمكلف و بعد القدرة على الوضوء لا ينتقل الأمر الى التيمم.

أقول: مقتضى ما يستفاد من قاعدة الميسور بناء على تماميتها و الاخذ بها عند تعذر بعض اجزاء المركب، هو أنه إذا تعذر بعض الاجزاء أو الشرائط يجب الاتيان بما تيسر اتيانه من باقى الاجزاء و الشرائط، فعلى هذا لا بدّ و أن يكون الميسور مما كان متعلق التكليف شطرا أو شرطا و أما ما ليس متعلق التكليف من رأس فلا يجب اتيانه و لا يعدّ ميسورا من المعسور.

اذا عرفت ذلك نقول: قد يقال بأنه إن كان المسح بمطلق النداوة مطلوبا بعنوان الجزئية، و كان المعتبر امرا زائدا و هو كون هذه النداوة من خصوص نداوة

الوضوء يصح أن يقال بأنه بعد تعذر نداوة الوضوء يجب اتيان المسح بالنداوة المطلقة، فقهرا لا بدّ أن تكون هذه النداوة من الماء الجديد لأنّه الميسور.

و لكن لو لم يكن اصل النداوة مطلوبا مستقلا، بل المطلوب يكون مطلوبا واحدا و هو كون المسح بنداوة الوضوء، و هو على الفرض صار متعذّرا فليس المسح بنداوة ماء جديد مطلوبا حتى يقال بوجوبه لكونه ميسورا، بل هو شي ء خارج عن المركب اى الوضوء و اجزائه.

فعلى هذا نقول: لا يبعد كون الاقوى هو الاحتمال الثانى و هو الذي ارتضاه صاحب الجواهر رحمه اللّه على ما حكى عنه، لأنّه يمكن ان يقال: إن نفس المسح مطلوب و كونه بنداوة الوضوء مطلوب آخر، و حيث لا يقدر على الثانى يجب الأوّل و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 325

نفس المسح و امرار الماسح على الممسوح بلا نداوة.

و أما ما ذكرنا من عدم وجود محذور في الأخذ من ماء جديد و المسح به، لعدم كونه فى هذا الفرض تشريعا، و عدم كونه منافيا مع اشتراط كون المسح بنداوة الوضوء لعدم امكان تحصيل الشرط و سقوطه بالتعذر.

و ففيه أن هذا لا يفيد الا عدم المانع من الأخذ من الماء الجديد و أما وجوب الأخذ منه فلا يدل عليه دليل.

و لو قيل في جواب هذا الاشكال، اعنى الاشكال في كون المسح بالماء الجديد ميسور المسح بنداوة الوضوء، بأن المرجع في كون شي ء ميسور شي ء آخر يكون هو العرف، و بعبارة اخرى بعد عدم تعيين الشارع ما هو الميسور من المعسور، بل لم يصدر منه الا قوله: الميسور لا يسقط بالمعسور، فلا بدّ من فهم ما هو الميسور من المعسور من

الرجوع الى العرف و العرف يحكم بأن ميسور المسح بنداوة الوضوء هو المسح بالماء الجديد، لأنّه بذلك يحفظ بعض مراتب المطلوب و هو المسح مع النداوة و خصوص نداوة الوضوء سقط بالتعذر عنه.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام لكون المسح مع الماء الجديد ميسورا لمسح بنداوة الوضوء.

ان قلت إن في هذا الجواب نظر لأنّه بعد ما بيّن الشارع المركب و اجزائه و شرائطه، فاذا قال: الميسور لا يسقط بالمعسور، كان النظر بمقتضى شارعيته ان الميسور من واجبات المركب لا يسقط بمعسور (بناء على شمول القاعدة للاجزاء و الشرائط من المركّب) فبيّن الميسور و المعسور، فلا تصل النوبة الى الارجاع بالعرف حتى يقال: إن العرف يحكم بكون الميسور هو المسح بالماء الجديد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 326

قلت بأن الشارع و إن بيّن المركب باجزائه و شرائطه، لكن مجرد ذلك لا يكفى لبيان كون الميسور من هذه الاجزاء اى مقدار من الاجزاء و الشرائط حتى إذا تعذر بعضها يجب الاتيان بميسورها.

و بعبارة اخرى لا إشكال في أنه ليس مجرد امكان اتيان بعض الاجزاء في ظرف تعذر بعضها الآخر ميسور المركب، مثلا إذا تعذّر تمام الاجزاء و الشرائط من الصلاة الا تشهدها، أو تعذر تمام الاجزاء و شرائط الوضوء الا غسل الوجه مثلا فلا يمكن أن يقال: يجب التشهد و يكفى عن الصلاة، او يجب غسل الوجه و يكفى عن الوضوء و لا يجب التيمم تمسكا بقوله: الميسور لا يسقط بالمعسور، بل المعيار في ذلك هو حكم العرف، لأنّه لم يبين الشارع ما هو الميسور، فلا بدّ من الرجوع الى العرف، و العرف يحكم بكون الميسور هو المسح بالماء الجديد.

نقول فى جوابه:

بان المرجع فى ما هو موضوع حكم الشارع و ان كان العرف اذا لم يبين الشارع موضوع حكمه، مثلا قال الماء طاهر و لم يبين ما هو الماء، فيرجع فى تشخيص الماء الى العرف، لكن فى كل ما بيّنه الشارع فليس للعرف و لا للعقل التصرف فيه.

ففى المقام نقول: بأنه بعد ما كان مبنى الاستدلال مدرك قاعدة الميسور و هو الروايات الثلاثة، ان النظر فيها الى ان الشارع اذا امر بمركب ذى الاجزاء و الشرائط فصار بعض الاجزاء او شرائطه متعذرا فلا يسقط ما بقى من اجزائه و شرائطه الميسور اتيانه بالمعسور من اجزائه و شرائطه.

و بعبارة اخرى ما يمكن اتيانه من الاجزاء و الشرائط من المركب، لا بدّ من اتيانه، فترى ان الميسور بمقتضى ما يستفاد من دليل قاعدة الميسور ليس الا ما كان جزءا او شرطا للمركب المأمور به، فعلى هذا يرد الاشكال فى ما نحن فيه، لانه ليس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 327

المسح بالماء الخارج عن الوضوء جزءا او شرطا للوضوء، حتى يقال بعد تعذر نداوة الوضوء يكون المسح بالماء الجديد ميسوره فلا يقتضي قاعدة الميسور وجوب المسح بالماء الجديد.

نعم لو قلنا: بان من واجبات الوضوء المسح بمطلق النداوة و واجب آخر كون هذا المسح بنداوة الوضوء، يصح ان يقال: بعد تعذر الواجب الثانى و هو المسح بنداوة الوضوء يبقى وجوب المسح باصل النداوة، و ان كانت بماء جديد و هو ميسور فلا يسقط بالمعسور تمسكا بقاعدة الميسور.

لكن ليس الامر كذلك، لان الواجب اعنى جزء الوضوء ليس الا المسح بنداوة الوضوء و هو متعذر فى الفرض و المسح بنداوة الماء الجديد شي ء خارج عن الوضوء، فلا يمكن

ان يكون ميسور الوضوء فلا معنى للرجوع الى العرف فيما بينه الشارع من مورد القاعدة.

و الاشتباه حصل من انه خلط فى مورد الرجوع الى العرف فى قاعدة الميسور، لان مورد الرجوع إليه، بعد الفراغ عن كون شي ء جزءا او شرطا للمركب المأمور به، يكون فى ان ما بقى من الاجزاء و الشرائط الممكن اتيانه، و لا يكون اتيانه متعذرا مطلقا، يكون ميسورا حتى فيما بقى جزء واحد من المركب ذوى الاجزاء و الشرائط الكثيرة او لا، ففي هذا المقام بعد عدم بيان الشارع ان الميسور ما هو فالمرجع يكون العرف، فربما يقول: بكون ما بقى من الاجزاء ميسور المركب و ربما يحكم بعدم كونه ميسوره.

و مما قلنا فى بيان مورد التمسك بقاعدة الميسور يندفع ما قيل من أنه لو التزمنا بوجوب الوضوء الناقص اذا تعذر الوضوء التام كما فيما نحن فيه، بقاعدة الميسور و كفايته و عدم وجوب التيمم، يلزم الاكتفاء بالوضوء الناقص في اغلب الموارد، و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 328

يبق للتيمم الا بعض الموارد النادرة لغير المتمكن من تمام اجزاء الوضوء و شرائطه، لأنّه إذا تمكن من بعض الاجزاء يقتضي وجوب اتيان هذا البعض و إن كان جزء واحد أو كفايته عن الوضوء التام، لان الميسور لا يسقط بالمعسور.

و لا يمكن الالتزام بذلك و يلزم من الالتزام به فقه جديد، فهذا شاهد على عدم امكان اجراء القاعدة و أنه لا بدّ من انتقال الأمر في صورة تعذر المسح بنداوة الوضوء و امثاله الى التيمم.

وجه الاندفاع:

اما أولا: فتارة نقول: بأن التيمم يكون مورده هو تعذر الوضوء مطلقا تام الاجزاء و ناقصه، فاذا تعذر الوضوء بمرتبة الكاملة و الناقصة

يجب التيمم، فمع قيام الوضوء الناقص مقام الكامل لا تصل النوبة إلى التيمم و إن كان دليل وجوب المرتبة الناقصة قاعدة الميسور.

و تارة يقال: بأن وجوب التيمم يكون في فرض العجز عن الوضوء التام فمقتضى دليل وجوب التيمم هو التيمم في الفرض، و مقتضى قاعدة الميسور هو وجوب الوضوء و لا بدّ من التوفيق بينهما، و يأتى الكلام إن شاء اللّه في التيمم.

و ثانيا: أنه كما بينا لا بدّ من كون ما بقى من الاجزاء ميسور المعسور بنظر العرف، و العرف لا يحكم مطلقا بمجرد تيسّر اتيان بعض الاجزاء و الشرائط و عدم تيّسر بعضها أنه الميسور من المعسور.

و هذا هو الفارق فيما يحكم بكونه ميسورا و فيما لا يحكم بكونه ميسورا، فلا مجال لهذا الاشكال.

كما أنه يظهر لك مما مر أن المسح المجرد عن نداوة الماء الجديد يكون ميسور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 329

المعسور، لانه يكون ميسورا بنظر العرف، و ليس مع التمكن من المسح بلا نداوة ميسور الوضوء الغسلتان فقط، كما هو مقتضى القول الثالث، لان العرف يحكم بكون الميسور هو المسح بلا نداوة ان قلنا بكون اصل المسح مطلوب و المسح بنداوة الوضوء المطلوب آخر، و الا لو لم نقل بذلك كما هو الحق لعدم كون المسح من قبيل تعدد المطلوب فالميسور هو الغسلتان.

فلو تمت قاعدة الميسور لا بد من ان يقال بالقول الثالث و هو الاكتفاء فى الوضوء في هذا المورد بالغسلتين، لكن العمدة عدم قاعدة الميسور، فلا يمكن التمسك بها لاحد من الاقوال الثلاثة كما نبينه لك إن شاء اللّه فى الحال.

اقول: و بعد اللتيا و التى كما مر منّا مكررا بعد كون قاعدة الميسور

المعروفة مستفادة من الروايات الثلاثة، إحداها الميسور لا يسقط بالمعسور، مضافا الى بعض الاشكالات فى دلالتها ضعيفة السند، فلا يمكن التعويل عليها و التمسك بها فلا يمكن استفادة وجوب واحد من الاحتمالات الثلاثة: الوضوء و المسح بالماء الجديد، و الوضوء و المسح بلا نداوة، و الوضوء بلا مسح بقاعدة الميسور.

ثم إن ما يأتى بالنظر عاجلا هو عدم التمسك بقاعدة الميسور للاحتمال الاول و هو المسح بالماء الجديد لاشكال آخر، و هو ان لسان قاعدة الميسور هو انه مع فقد بعض اجزاء المامور به يجب اتيان ما بقى منه من باب كونه ميسور او ليست القاعدة متعرضة لجواز اتيان ما كان مانعا للمركب المأمور به، او قاطعا له من باب كون المتعذر تركه فتجوز القاعدة فعله من باب كون الميسور اتيان المركب مع هذا المانع، مثلا اذا اضطر المكلف على المسح بالحائل للتقية او للبرد، فلا يصح التمسك بجواز المسح على الحائل بقاعدة الميسور.

فنقول فى المقام بانه بعد كون المسح بالماء الجديد ممنوعا شرعا كما هو المستفاد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 330

من الرواية حيث قال فيها: (يأتى على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة. قلت؟ كيف ذاك؟ قال: لانه يغسل ما امر اللّه مسحه) «1»، فالمستفاد مانعية الماء الجديد، فلا يمكن القول بعدم مانعيته من باب قاعدة الميسور.

الأمر الثالث: يظهر من تتبع الموارد التي تعذر بعض اجزاء الوضوء

من حكم الشارع بوجوب اتيان الوضوء الفاقد للجزء مثل مورد اقطع اليد و الرجل و من يكون غير متمكن من المسح على البشرة كما في رواية عبد الاعلى، انه لا يسقط الوضوء بمجرد تعذر جزء منه أو شرط منه في الغسل او المسح.

أقول: اعلم أن الكلام تارة يقع في

أنه هل يستفاد من هذه الموارد الاكتفاء بالوضوء و إن كان بمرتبة الناقصة، و عدم انتقال التكليف إلى التيمم في هذه الموارد أم لا؟

فنقول: يستفاد ذلك من الاكتفاء بوضوء من قطع بعض محال وضوئه من يده و رجله و كذلك من رواية التى رواها عبد الاعلى مولى آل سام (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عثرت فانقطع ظفرى، فجعلت على اصبعى مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه عز و جل قال اللّه تعالى: ما جعل عليكم فى الدين من حرج، امسح عليه) «2» حيث أن المستفاد منها جواز المسح على المرارة و سقوط المسح على البشرة، فجوز المسح على المرارة و لم ينتقل الأمر الى التيمم.

و تارة يقع الكلام في أنه مع كون المستفاد من بعض الموارد الاكتفاء بالوضوء الفاقد لبعض الاجزاء و الشرائط، هل يمكن التعدى الى غير مورده بدعوى أنه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 331

يستفاد من هذه الموارد أن الشارع لا يرضى بترك الوضوء، و كونه مقدّما على التيمم مطلقا حتى مع تعذر بعض ما يعتبر فى الوضوء.

الاقوى عدم استفادة ذلك، و الّا كان اللازم الاكتفاء بالوضوء حتى مع تعذر اكثر اجزائه و شرائطه، و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و لا يمكن التعدى الى غير هذه الموارد حتى فيما كان التعذر جزءا من اجزاء الوضوء أو شرطا من شروطه، مثل ما نحن فيه لأنّه اشبه شي ء بالقياس، فعلى هذا لا يمكن القول بتقديم الوضوء و عدم انتقال الأمر إلى التيمم

بهذا الوجه.

و تارة يقع الكلام فى أنه لو فرض دلالة هذا التتبع على تقديم الوضوء و عدم انتقال التكليف إلى التيمم، لكن غاية ما يثبت من هذا الوجه هو نفى الاحتمال الرابع اعنى انتقال التكليف إلى التيمم، فلا يمكن القول بوجوب التيمم فى المسألة.

و أما وجوب المسح بالماء الجديد، أو وجوب المسح مجردا عن النداوة، أو سقوط المسح من رأس، فلا يستفاد من هذا الوجه.

هذا كله فيما يمكن أن يقال وجها للاحتمال الأول.

و مما مر في طى ذكر وجه الاحتمال الأول يظهر لك ما يمكن أن يستدل عليه لباقى الاحتمالات مثل استصحاب وجوب اصل المسح، و قد عرفت عدم تماميته، فلا يقبل كونه وجها للاحتمال الثانى، كما لا يمكن ان يكون وجها للاحتمال الاول، او استصحاب وجوب غسل الوجه و اليدين و عدم وجوب المسح رأسا كما هو الاحتمال الثالث، فلا حاجة الى ازيد من ذلك.

اذا عرفت ما يمكن كونه وجها لاحد الوجوه الثلاثة و عدم الوجوه، فيبقى الاحتمال الرابع و هو سقوط وجوب الوضوء رأسا و وجوب التيمم.

فالاقوى هذا الاحتمال، لعدم وجود دليل على الاحتمال الاول و هو الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 332

و المسح بالماء الجديد، و كذا الاحتمال الثانى و هو الوضوء و المسح بلا نداوة، و كذا الاحتمال الثالث و هو الاكتفاء فى الوضوء بالغسلتين غسل الوجه و اليدين و سقوط المسح من رأس، لانه بعد تعذر الوضوء يجب التيمم، و لكن فى مقام العمل ينبغى بل لا يترك الاحتياط بالمسح بلا نداوة ثم الاخذ من ماء جديد و المسح به ثم التيمم بعد ذلك.

و في مقام الاحتياط هل يحتاج كما قلنا الى امرار الماسح على

الممسوح بدون النداوة، ثم المسح بالماء الجديد أم لا يحتاج الى ذلك؟

وجه عدم الاحتياج هو أنه بناء على كون الوظيفة واقعا هو إمرار الماسح على الممسوح يحصل ذلك مع كون نداوة الماء الجديد في الماسح، أيضا، و لا يضر بذلك وجود الماء الجديد لعدم دخل عدم الماء الجديد فيه.

وجه الاحتياج هو أنه بعد ما لا يجوز المسح بالماء الجديد و دليله مطلق، يكون المسح به غير جائز فالطريق الاحتياط هو ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من المسح أوّلا بيده مجردا عن النداوة، ثم المسح بالماء الجديد، ثم التيمم.

***

[مسئلة 32: يجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: لا يجب فى مسح الرجلين أن يضع يده على الاصابع و يمسح الى الكعبين بالتدريج فيجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف الطول الى المفصل و يجرّها قليلا بمقدار صدق المسح.

(1)

أقول: وجهه اطلاق ادلة المسح من هذه الجهة، و لا يكون في البين مقيّد الا ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 333

قد يتوهم من دلالة الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم. فقلت: جعلت فداك، لو أن رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا؟ فقال: لا الا بكفه) «1» بدعوى أنه عليه السّلام وضع كفه فمسحها الى الكعبين، فهي تدل على وجوب المسح من الاصابع الى الكعبين بالتدريج.

و فيه، مضافا الى ما في الرواية:

أوّلا: فقد عرفت فى الجهة الرابعة من الجهات المتعرضة في مسح الرجلين أنه لا بدّ من حمل هذه الرواية على الاستحباب و عدم امكان حملها على الوجوب،

لكونها على تقدير كون مفادها الوجوب مما اعرضت عنه المشهور أو الاصحاب.

و ثانيا: أن هذه الرواية ليست الا نقل فعله عليه السّلام و الفعل لا يدلّ على الوجوب بل يساعد مع مطلق الجواز أو على الاستحباب.

إن قلت: إن قوله عليه السّلام بعد هذا الفعل- لما سأل السائل و قال: جعلت فداك لو أن رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا- (لا الا بكفه) يدل على وجوب هذه الكيفية.

قلت: ما يدل كلامه عليه السّلام عليه هو عدم كفاية الاقل من الكف و أما كيفية المسح و إمرار الماسح على الممسوح من كونه بنحو التدريج أو غيره، فلا يدل كلامه عليه السّلام على وجوبه لعدم كون السؤال و الجواب عنه.

و أن الرواية ليست مفادها الا ما يستفاد من الآية الشريفة وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 334

فلا يستفاد منها الا كون ابتداء المسح من اطراف الاصابع و انتهائه الكعبين، و يحصل ذلك بوضع تمام الكف على تمام ظهر القدم من طرف الطول الى المفصل و جرّها قليلا بمقدار صدق المسح، لان المسح على هذا وقع ابتدائه من اطراف الاصابع بالكف و انتهائه الى الكعبين و لا يعتبر ازيد من ذلك، فعلى هذا الاقوى كفاية المسح بكلا النحوين، فافهم.

***

[مسئلة 33: يجوز المسح على الحائل في حال الضرورة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: يجوز المسح على الحائل كالقناع و الخفّ و الجورب و نحوها في حال الضرورة من تقية أو برد يخاف منه على رجله أو لا يمكن معه نزع الخفّ مثلا.

و كذا لو خاف من سبع أو عدوّ أو نحو ذلك مما يصدق عليه الاضطرار من غير فرق بين

مسح الرأس و الرجلين.

و لو كان الحائل متعددا لا يجب نزع ما يمكن و إن كان احوط.

و في المسح على الحائل أيضا لا بدّ من الرطوبة المؤثرة في الماسح و كذا ساير ما يعتبر في مسح البشرة.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة و عدمه.
اشارة

و الكلام فيها يقع فى مقامات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 335

المقام الأول: في جواز المسح على الحائل و عدمه فى مورد التقية.

و الكلام في التقية، تارة يقع في مشروعية التقية و صحة ما يعمل تقية و اجزائه عن التكليف الواقعى مطلقا في كل مورد من المسح على الحائل و غيره.

و تارة في جواز التقية و صحة العمل الواقع تقية و اجزائه عن الواقع في خصوص مورد المسح على الحائل.

أما الكلام في حكمها بنحو العموم فلا إشكال في الجملة في جواز التقية، بل وجوبها و اجزاء ما صدر تقية عن الواقع للعمومات أو المطلقات الواردة فيها.

و أما الكلام في التقية و جوازها في المورد و صحة العمل و اجزائه فيكون بحسب الفتوى ممّا ادعى عدم الخلاف فيه عندنا و ادعى عليه الاجماع و لم يحك مخالف الا ما حكى عن المقنع و التحرير من عدم جواز التقية في المورد و مال إليه في التنقيح.

و يدل مع قطع النظر عن الاجماع على جواز التقية و صحة المسح على الحائل في مورد التقية و اجزاء العمل على وجه التقية عن الواقع، الرواية الّتي رواها محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حمّاد بن عثمان عن محمد بن النعمان عن أبي الورد قال: (قلت لابي جعفر عليه السّلام: إنّ أبا ظبيان حدثنى أنه رأى عليّا عليه السّلام اراق الماء ثم مسح على الخفّين فقال: كذب أبو ظبيان، أ ما بلغك قول على عليه السّلام فيكم سبق الكتاب الخفين فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا إلا من عدّو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك) «1».

فإنها تدل على جواز المسح على الخفّين في صورة التقية و في ثلج يخاف على الرجل منه.

______________________________

(1) الرواية

5 من الباب 38 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 336

و حيث لا خصوصية للخفين يجوز المسح على مطلق الحائل فى صورة التقية.

و حيث لا خصوصية للثلج يجوز في مطلق البرد، و يأتى الكلام إن شاء اللّه في بعض الخصوصيات.

و ظاهرها اجزاء المسح على الخفّين و الاكتفاء به عن المسح على الرجل لأنّه الفرد الاضطرارى و هو مجز عن الفرد الاختيارى على ما عرفت من اجزاء الأمر الاضطرار عن الاختيارى.

و ما قيل من ضعف سندها بأبى ورد، فمع ما قيل في جوابه من انه عده فى الوجيزة من الممدوحين، و ما عن الوحيد البهبهانى رحمه اللّه من أنه اجمع على العمل بروايته فى المقام، نقول: بأنه على تقدير ضعف السند فهو منجبر بعمل الاصحاب.

و في قبال هذه الروايات بعض الروايات يدلّ بظاهره على عدم جواز التقية في المسح على الخفين.

الاولى: الرواية الّتي رواها زرارة قال: (قلت له: في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال:

ثلاثة لا اتقى فيهن احدا: شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج. قال زرارة: و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن احدا) «1».

الثانية: الرواية الّتي رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال: ليس في شرب المسكر و المسح على الخفين تقية) «2».

الثالثة: الرواية الّتي رواها ابن أبي عمر و الاعجمى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (أنه قال: لا دين لمن لا تقية له و التقية في كل شي ء الا في النبيذ و المسح على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 18 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 337

الخفّين) «1» و غير ذلك.

و هذه الأخبار كما ترى تدل بظاهرها على عدم التقية في المسح على الخفين، و الجمع العرفى بين الطائفتين بمقتضى حمل الظاهر على النص و إن كان يقتضي في حد ذاته حمل النهى في الطائفة الثانية على الكراهة بقرينة الطائفة الاولى، لدلالتها على جواز المسح على الخفّين في مورد التقية، او بحمل الطائفة الثانية على وجوب التقية فى كل شي ء و عدم وجوبها فى خصوص هذه الموارد، فيكون مفادها على هذا مثل الطائفة الاولى بناء على حمل الطائفة الاولى على مجرد الرخصة فى مورد التقية و البرد، و لكن كلا الجمعين يرجع الى جواز التقية فى المورد، و الحال ان من يقول، يقول بالوجوب و لا قائل بكراهتها و هو مقتضى الجمع الاول، و لا على الجواز المساوق مع الاباحة كما هو مقتضى الجمع الثانى، فلا يمكن الجمع بينهما، و مع قطع النظر عن ذلك العمدة عدم وجود مقتضى الحجية للطائفة الثانية لاعراض الاصحاب عنها.

و لهذا صاروا بسدد بعض التوجيهات للطائفة الثانية، مثل حملها على عدم التقية في الأمور المذكورة لنفس الامام عليه السّلام بقرينة الرواية الاولى خصوصا مع ما قال زرارة رحمة اللّه عليه في ذيلها: من أنه عليه السّلام (لم يقل: الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن احدا).

المقام الثاني: في جواز المسح على الحائل في البرد و عدم جوازه،

و الحق جوازه.

أما في خصوص مورد الثلج الذي يخاف على الرجل منه فللرواية المتقدمة في

______________________________

(1) الرواية 2 من 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 338

المقام الأول اعنى رواية أبي الورد لان فيها قال عليه السّلام بعد عدم تجويزه المسح على

الخفّين (الا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك).

و أما في مطلق البرد فلمعلومية عدم خصوصية للثلج، بل وجه الصحة في الثلج ليس الا البرد، لان ما يخاف منه هو البرد، و هو يوجد في الثلج و غيره مضافا الى دعوى الاجماع عليه، أو كون ظاهر كلمة الاصحاب الاتفاق عليه كما حكى عن الحدائق، و لا فرق بين كون البرد مانعا عن المسح لاجل الخوف على الرجل أو لعدم امكان نزع الخف.

الجهة الثانية: هل يكون الخوف من السبع أو العدوّ أو غيرهما

من موارد الاضطرار في حكم البرد أو لا؟

وجه الالحاق معلومية عدم خصوصية للثلج و البرد فيتعدى بكل ضرورة و اضطرار، خصوصا مع ما في رواية أبي الورد المتقدمة من قوله (او ثلج تخاف على رجليك) فإن المستفاد منها الخوف من الضرر.

الجهة الثالثة: لا فرق فيما قلنا من جواز المسح على الحائل بين الرأس و الرجل

و إن كان النص واردا في الرجل.

أما كل من مورد التقية و غيرها من موارد الاضطرار فللاجماع المدعى على شمول الحكم للتقية و لغيرها من موارد الضرورة كالبرد.

كما أنه يكفى لجواز مسح الرأس في مورد التقية على الحائل الادلة العامة الواردة في التقية.

و لجوازه فى مورد سائر الضرورات برواية أبي الورد المتقدمة في المسألة، لان المستفاد منها جواز المسح بالحائل في مورد الخوف على الرجل و لا فرق بين الرجل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 339

و الرأس في ذلك.

كما أنه يمكن الاستدلال على جواز المسح بالحائل في كل من الرأس و الرجل برواية عبد الاعلى الواردة في المسح على المرارة، لان المستفاد منها كون المسح على المرارة و هو الحائل مرتبة من المسح فمع الاضطرار يكتفى به لعدم خصوصية لكون الحائل على الجرح، فتامل.

الجهة الرابعة: و لو كان الحائل متعددا و كان الاضطرار ببعضه

هل يجب نزع المقدار الممكن أو لا يجب ذلك؟

وجه الوجوب عدم الاضطرار بما يمكن نزعه فيجب نزعه.

وجه عدم الوجوب اطلاق الادلة لتجويزها المسح على الحائل عند الضرورة على الاطلاق.

و فيه أن مفاد النص هو المسح على ما اضطر عليه من الحائل، و القدر المتيقن من الاجماع ليس الا هذا المقدار، فلا وجه لتجويز غيره خصوصا مع كون الحائل بدلا عن المسح على البشرة، فما هو بدل الممسوح ليس الا ما اضطر على ابقائه لاجل التقية أو غيرها، فاذا الأحوط بل الاقوى هو وجوب نزع المقدار الممكن من الحائل فأفهم.

الجهة الخامسة: هل يعتبر فى المسح على الحائل ما يعتبر في المسح على البشرة

من كون المسح مع الرطوبة المؤثرة في الماسح، و كون المسح بنداوة الوضوء و غير ذلك مما كان معتبرا في المسح على البشرة أو لا؟

الحقّ اعتباره لان الحائل قام مقام البشرة فى مورد الضرورة، فكل ما يعتبر في المسح على البشرة من الشرائط الراجعة الى الماسح و الى الممسوح معتبر في المسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 340

على الحائل.

***

[مسئلة 34: ضيق الوقت من رفع الحائل أيضا مسوّغ للمسح عليه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: ضيق الوقت من رفع الحائل أيضا مسوّغ للمسح عليه لكن لا يترك الاحتياط بضم التيمم أيضا.

(1)

أقول: الوجه في كفاية المسح على الحائل و وجوبه إن كان الاجماع فان كان معقده كل ضرورة بحيث يشمل ضيق الوقت، فهو دليل على الاكتفاء بالمسح على الحائل في ضيق الوقت، لكن تحقق الاجماع بهذا النحو غير معلوم.

و إن كان منشأ الحكم رواية أبي الورد المتقدمة بالتعدى عن موردها بكل ضرورة فشمولها مع التعدى الى مثل الضرورة الحاصلة من ضيق الوقت غير معلوم.

بل فى مورد ضيق الوقت، بعد عدم امكان الوضوء لوجود الحائل في محل المسح و عدم امكان ازالته لضيق الوقت، يمكن ان يقال بانتقال الأمر إلى التيمم لان ضيق الوقت المانع عن الوضوء من مسوغاته.

أو يقال بوجوب الجمع بين الوضوء مع المسح على الحائل و التيمم، لأنّه يجب احدهما عليه قطعا، و بعد عدم دليل على تعين أحدهما يجب الجمع بينهما حتى يقطع ببراءة ذمته عن التكليف المعلوم فى البين.

لكن هذا الاحتياط يمكن اذا كان الوقت باقيا بمقدار أن يتوضأ مع المسح على الحائل و يتيمم بعده، و لا يمكن نزع الحائل في هذا المقدار من الوقت و الوضوء مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 341

المسح على

البشرة.

و أما لو لم يمكن نزع الحائل و لم يكن الوقت كافيا الا لاتيان واحد من الوضوء أو التيمم، فهل يجب الوضوء مع المسح على الحائل أو يجب التيمم؟ و لا يبعد في هذه الصورة وجوب التيمم لأنّه بعد عدم شمول الاجماع و رواية أبي الورد للمورد فهو في ضيق الوقت لا يتمكن من الوضوء، فينتقل الأمر إلى التيمم.

الا أن يدّعى أنه مهما امكن الوضوء و لو ببعض مراتبه النازلة يكون الوضوء مقدما على التيمم كما اشرنا الى ذلك في بعض المباحث المتقدمة.

و هذا الدعوى بهذا الاطلاق لا يمكن الذهاب إليها الا فى بعض الموارد التى ورد عليه الدليل أو كونه ميسور المعسور من الوضوء و تمت قاعدة الميسور.

***

[مسئلة 35: انما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: انما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها و لم يكن بدّ من المسح على الحائل و لو بالتأخير الى آخر الوقت، و أما في التقية فالأمر اوسع فلا يجب الذهاب الى مكان لا تقية فيه و إن امكن بلا مشقة، نعم لو امكنه و هو فى ذلك المكان ترك التقية و ارائتهم المسح على الخف مثلا، فالاحوط بل الاقوى ذلك.

و لا يجب بذل المال لرفع التقية بخلاف ساير الضرورات و الأحوط في التقية أيضا الحيلة فى رفعها مطلقا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 342

(1)

أقول: الكلام في مقامين:

المقام الاول: في الضرورات ما عدا التقية.

اعلم أن المتيقن من جواز المسح على الحائل في الضرورة ما عدا التقية كالبرد و نحوه هو الاضطرار في تمام الوقت.

و أما فيما اضطر إليه في بعض الوقت، مثلا دخل عليه الوقت و كان الهواء باردا بحيث يخاف على رأسه أو رجله لو نزع الحائل عنهما. و لكن يعلم بارتفاع البرد بعد مضى مقدار من الوقت قبل فوت الوقت بحيث يقدر على نزع المانع و المسح على البشرة، فيجب عليه الصبر لأنّه لا يضطر بالمسح على الحائل على هذا و الضرورات تتقدر بقدرها.

ان قلت: على الفرض يكون الواجب عليه الوضوء فعلا و لا يمكن له المسح على البشرة فيجوز له المسح على الحائل كالخف و غيره.

قلت: بعد كون مورد النص، اعنى رواية أبي الورد و كذا الاجماع، هو مورد الضرورة بحيث كان الواجب عليه فعلا الوضوء و لا يجوز تأخيره، و لا يمكن في هذا الحال نزع الحائل للبرد مثلا، جاز له المسح على الحائل، و أما مع سعة الوقت و تمكنه في بعض

الوقت المضروب الموسع فهو لا يضطر على المسح على الحائل، لان المأمور به طبيعة الصلاة في الوقت و افرادها الازمنة الطولية، و بعد كون المأمور به هو الطبيعة و الاضطرار بالطبيعة لا يصدق الا بالاضطرار بتمام افرادها، فهو لا يكون مضطرا الا فيما كان الاضطرار فى تمام الوقت، و لهذا لا يجوز له البداء بل يجب الصبر الى أن يزول العذر قبل مضى الوقت، فيتوضأ و يمسح على البشرة.

المقام الثانى: في الضرورة التي تحصل بسبب التقية،
اشارة

فنقول بعونه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 343

بعد ما عرفت في المسألة 33 من جواز المسح على الحائل للتقية، يقع الكلام في أنه هل يكون مورد الجواز خصوص ما يكون في ضيق الوقت، و لم يكن متمكنا من اتيان المكلف به الواقعى و لو بالتستر منهم أو الخروج من عندهم، أو يعم ما إذا كان في سعة الوقت و كان متمكنا من اتيان المأمور به الواقعى في الجزء الاخر من الوقت، او كان متمكنا من اتيان المأمور به الواقعى حتى في هذا الجزء من الوقت بالتستر منهم أو من عندهم.

و اعلم ان الكلام يكون فعلا فى الجواز الوضعى بمعنى صحة الوضوء، و اما الجواز التكليفى، اعنى: جواز فعل الوضوء بنحو التقية فمما لا ينبغى البحث عنه، لجواز الوضوء و عدم حرمة اتيان هذه الافعال كما يفعل المخالفون تقية، و بعبارة اخرى إتيان صورة الوضوء مثلهم تقيه.

اذا عرفت ذلك نقول: الكلام تارة يقع فى حكم التقية من هذا الحيث فى كل الموارد، و تارة فى حكمها فى خصوص مورد المسح من هذا الحيث، اما الكلام فى الاول يقع فى موردين:

المورد الأوّل: فيما يكون في ضيق الوقت و لم يتمكن من الاتيان بالمكلف به الواقعى

و لو بالتستر عنهم أو الخروج من عندهم، و لا إشكال في جواز اتيان الوضوء تقية فى هذه الصورة

و هذا المورد هو القدر المسلم من تجويز العمل على خلاف الواقع تقية، اذا لم يتمكن ترك التقية عندهم باراءتهم أنه يتّقى، و الحال أنه واقعا يأتى على طبق الواقع.

المورد الثاني: ما يكون في سعة الوقت و كان متمكنا من التأخير الى آخر الوقت
اشارة

و العمل على طبق الواقع، او كان متمكنا من العمل بالواقع في هذا الزمان بالتستر عنهم أو الخروج من عندهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 344

فهل يجوز العمل في هذه الصورة على طبق ما تقتضيه التقية، أو يجب العمل على طبق الواقع و ترك التقية، إما بالصبر الى آخر الوقت، أو بالتستر منهم أو الخروج من عندهم، أو لا يجب ذلك.

و على تقدير عدم وجوب الصبر الى آخر الوقت و عدم امكان التستر، إن امكن له حفظ الواقع عندهم و ارائتهم انه يتقى و الحال أنه يعمل على طبق وظيفته الواقعية، هل يجب ذلك او لا يجب عليه حفظ الواقع بهذا النحو، بل يجوز العمل مطابقا للتقية؟ فالكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في جواز البدار و عدمه مع فرض تمكنه من حفظ الواقع بالتأخير
اشارة

و عدم البدار، فنقول بعونه تعالى ما يمكن أن يستدل به على جواز البدار روايات:

الاولى: ما رواها أبو عمر الاعجمى

قال: (قال لى أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا عمر ان تسعة اعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له الحديث) «1».

و مثلها مفادا مع اختلاف المضمون الرواية 3 و 22 و 25 و 26 المذكورة فى الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

و الانصاف عدم كون هذه الرواية و امثالها دالة على عدم اعتبار المندوحة، كما لا دلالة لها على اعتبارها، بل ليست الا فى مقام بيان اصل مشروعية التقية في الجملة.

الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام

(قال: التقية في كل ضرورة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 345

و صاحبها اعلم بها حين تنزل به) «1».

الثالثة: ما رواها اسماعيل الجعفى و معمر بن يحيى بن سالم و محمد بن مسلم و زرارة

(قالوا: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه) «2».

و هاتان الروايتان لو لم تكونا دليلا على عدم جواز البدار، ليستا دليلين على جوازه لأنّه مع المندوحة لا يصدق الاضطرار.

و ذكر في المستمسك في المقام رواية عن زرارة و غيره (التقية في كل شي ء و كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله اللّه) ثم تكلم فى دلالتها على جواز التقية مع المندوحة و عدمها، فاستشكل في دلالتها على الجواز مع المندوحة من باب أن ذيل الرواية و كل شي ء يضطر إليه ابن آدم (الخ) ينافى مع اطلاق الصدر، ثم قال: اللهم الا أن يقال: إن قوله عليه السّلام (و كل شي ء) ليس من قبيل الكبرى لما قبله بل هو بيان لحكم آخر فى مقابل ما قبله، و حينئذ يكون اطلاق ما قبله شاملا لصورة وجود المندوحة و عدمها و إن كان هو مختصا بصورة وجودها.

أقول، أولا: لم اجد رواية بالمضمون الذي ذكره حتى نتكلم في أن مفاد الصدر له الاطلاق و مفاد ذيلها التقييد، فيجمع بين الصدر و الذيل بما قاله.

و ثانيا: على فرض وجود رواية بهذا المضمون ليست الرواية حتى صدرها مع صرف النظر عن ذيلها، دالة على جواز التقية حتى مع وجود المندوحة، بل الرواية ليست الا في مقام تاتّى التقية في كل شي ء، و أما مع عمومها لكل شي ء، هل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 25 من أبواب الأمر

بالمعروف من الوسائل.

(2) ذيل الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الامر بالمعروف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 346

هذا مع الضرورة و عدم المندوحة مطلقا فليس في مقام بيانها.

الرابعة: ما رواها مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث

(أن المؤمن إذا اظهر الايمان، ثم ظهر منه ما يدل على نقضه خرج مما وصف و اظهر، و كان له ناقضا الا أن يدّعى أنه انما عمل ذلك تقيّة، و مع ذلك ينظر فيه، فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يقبل منه ذلك، لان للتقية مواضع من ازالها عن مواضعها تستقم له، و تفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم على غير حكم الحق و فعله، فكل شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدّى الى الفساد في الدين فإنه جائز) «1».

بدعوى دلالتها على جواز العمل على طبق نظرهم لمكان التقية، و اطلاقها يقتضي جواز التقية حتى مع وجود المندوحة.

و فيه أن الرواية و إن كانت لها الاطلاق من هذا الحيث، لكن لا يدل الا على جواز العمل على طبق التقية جوازا تكليفيا، لا الجواز الوضعى الذي يكون اثره صحة ما أتى به تقية و اجزائه عن الواقع.

ان قلت: إن الجواز المستفاد من قوله عليه السّلام (فإنه جائز) كما يشمل الجواز التكليفى يشمل الجواز الوضعى أيضا.

قلت: إن المراجع في الرواية صدرا و ذيلا يرى أن النظر ليس الا الى الجواز التكليفى، لان الرواية تكون في مقام أن المؤمن إذا اظهر خلاف ما اظهر من الايمان يدل على نقض ايمانه و خروجه عما وصفه الا أن يدعى أن ما اظهر على خلاف ايمانه كان من باب التقية لا عدم ايمانه، فالنظر

الى مجرد الفعل الصادر جوازا و عدما، ثم

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 347

قال عليه السّلام: أن ما يعمل المؤمن على خلاف ما يقتضيه ايمانه من العمل فهو جائز له إذا كان من باب التقية، فليس النظر الّا الى الجواز التكليفى و عدم حرمة ما فعله تقية بالحرمة التكليفية.

الخامسة: ما رواها سماعة

قال: (سألته عن رجل كان يصلى فخرج الامام و قد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عدلا فليصل اخرى فينصرف و يجعلهما تطوعا و ليدخل مع الامام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو، و يصلى ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول: اشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له و اشهد انّ محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة و ليس شي ء من التقية الا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّه) «1».

وجه الاستدلال تجويز التقية و اطلاقها يقتضي جوازها حتى مع وجود المندوحة، بل للرواية خصوصية زائدة تدل على عدم اعتبار المندوحة.

و هي أن للرواية صورتين: صورة وجود إمام عدل و صورة عدم وجود امام عدل، فتدل أنه مع فرض وجود إمام عدل لا يعتبر المندوحة مسلّما فكذلك في صورة لم يكن امام عدل لبعد التفكيك بين الصورتين.

كما أنه لا مجال لان يقال أن غاية ما يستفاد من الرواية هو الوجوب التكليفى، و أما استفادة الجواز الوضعى الذي اثره صحة ما أتى به من الصلاة أو غيرها تقية فلا.

وجه عدم

المجال هو أن الظاهر كون الصورتين المذكورتين في الرواية

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 348

متحدتين في الحكم، فكما أن الجواز في الاولى الجواز الوضعى كذلك في الثانية.

كما أن المستفاد من العلة المذكورة في ذيلها و هي قوله عليه السّلام: (فإن التقية واسعة و ليس شي ء من التقية الا و صاحبها مأجور إن شاء اللّه) هو عدم اختصاص تجويز التقية و تشريعها بباب الصلاة، فيستفاد منها تعميم الحكم لغير باب الصلاة أيضا.

أقول: الرواية مضمرة و إن كان سماعة كما يعدّه بعض ارباب الرجال من الموثقين و إن كان كلام في كونه اثنى عشريا أو واقفيا، و مع اضمارها لا يمكن التعويل عليها.

و أما من حيث الدلالة فالظاهر أن الامام عليه السّلام علمه طريقا يحفظ به الواقع في ضمن التقية، فجواز البدار يكون لاجل امكان حفظ الواقع بالتستر عنهم، فالرواية لا تدل على جواز العمل تقية حتى فى صورة امكان حفظ الواقع بالتستر عنهم كما لا تدلّ على جواز البدار حتى مع وجود المندوحة بتأخير العمل الى وقت آخر الّذي هو محل كلامنا، لانه مع خروج الامام الغير العادل لا يمكن له تأخير الصلاة فلا مندوحة له.

السادسة: ما رواها أبو الصباح

قال: (و اللّه لقد قال لى جعفر بن محمد عليهما السّلام: إن اللّه علّم نبيه التنزيل و التأويل فعلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عليّا عليه السّلام قال: و علّمنا و اللّه ثم قال: ما صنعتم من شي ء او حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم في سعة) «1».

وجه الدلالة أن مفادها كون الشيعة في سعة مما يصنعون أو يحلفون عليه

في التقية، و اطلاقها يقتضي كونهم في السعة سواء كانت مندوحة في البين أم لا.

و اورد على الرواية بأن الضيق الحاصل للشخص، تارة يكون لنفس الفعل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب الايمان من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 349

الصادر عنه مثل أن يحلف بالطلاق أو العتاق، فنفس هذا الفعل يجعل المكلف في الضيق من جهة كون اثر الفعل وجوب الطلاق أو العتاق.

و تارة يكون الضيق الحاصل للشخص من جهة امر اللّه تعالى أو نهيه، مثلا إذا تكفف في الصلاة فبطلان الصلاة و اثره وجوب الاعادة أو القضاء ليس اثر هذا الفعل اعنى التكفف، بل يكون اثر الأمر المتعلق بالصلاة بلا تكفف.

اذا عرفت ذلك يقال: بأن ما يدل عليه الرواية من السعة في مقام التقية و عدم الضيق هو السعة عن الضيق الحاصل من نفس الفعل كاليمين فإن الضيق يحصل من نفس الحلف فقال عليه السّلام: إذا كان هذا الفعل- مثلا اليمين- صادرا للتقية فانتم منه في سعة، و لا تشمل الرواية الضيق الحاصل من قبل أمر المولى لان موردها الصورة الاولى لا الثانية، فتدل على جواز التقية فيما كان الضيق حاصلا من فعل المكلف، و كونه في السعة إذا كان حصول هذا الضيق بفعله للتقية.

و فيه أنه عليه السّلام قال على ما في الرواية (ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة) و مفاد هذه الفقرة هو السعة فيما يصنع تقية، بمعنى انه لو لا التقية كلّ ما كان مترتبا على الفعل من الأثر اعادة أو قضاء أو كفارة أو الزاما بفعل آخر، فلا يترتب هذا الأثر إذا كان ما صنع

لاجل التقية.

فيقال: إذا اتى بالوضوء مثلا و غسل رجليه مكان المسح، كان الوضوء باطلا و يجب اعادة الوضوء أو لو حلف بالعتاق كان الواجب عليه العتق لو لم يكن تقية في البين.

ففي صورة اتيان الوضوء مع غسل الرجلين مكان المسح أو حلفه بالعتاق تقية يكون في السعة من حيث الأثر و لا يقع في ضيق الحاصل مما صنع تقية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 350

و على كل حاله يكون الضيق الحاصل في كل من الموردين الذين فرضهما و إن قال بشمول الرواية للمورد الأول فقط لا الثاني، من ناحية امر المولى لان امر المولى بوجوب الوضوء بالنحو الذي يكون الواجب مسح الرجلين لا غسلهما، أو وجوب العتق مع الحلف به يوجب الضيق، و تدل الرواية على كون التقية سببا للسعة من هذا الضيق فلا يرد الايراد، فهذه الرواية تدل على جواز البدار حتى مع وجود المندوحة بالإطلاق، و اما شمولها لصورة يمكن حفظ الواقع بالتستر عنهم في هذا الوقت، فهو كلام آخر و ربما يدل اطلاقها على السعة فى التقية حتى فى صورة امكان التستر عنهم و فعل الواقع كما هو.

السابعة: ما رواها الاعمش عن جعفر بن محمد عليه السّلام

في حديث شرايع الدين قال: (و لا يحلّ قتل احد من الكفار و النصاب في التقية الا قاتل أو ساع في فساد و ذلك اذا لم تخف على نفسك و لا على اصحابك، و استعمال التقية في دار التقية واجب و لا حنث و لا كفارة على من حلف تقية يدفع بذلك ظلما عن نفسه) «1».

و الظاهر أن اطلاقها يشمل صورة وجود المندوحة.

الثامنة: ما رواها العياشى في تفسيره عن صفوان

قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: فاغسلوا وجوهكم و ايديكم من المرافق و ارجلكم الى الكعبين فقال عليه السّلام: قد سئل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن ذلك، فقال:

سيكفيك أو كفتك سورة المائدة يعنى المسح على الرأس و الرجلين. قلت: فإنه قال:

اغسلوا ايديكم الى المرافق فكيف الغسل؟ قال: هكذا، أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ثم يفضه على المرفق ثم يمسح الى الكف. قلت له: مرة واحدة؟

فقال. كان ذلك يفعل مرتين قلت: يردّ الشعر؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل

______________________________

(1) الرواية 41 من الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 351

و الا فلا) «1».

و اطلاقها يقتضي جواز البدار، و لكن يشكل فيها بضعف السند.

و أما ما قال في المستمسك من أنه على تقدير الاغماض عن ضعف السند فهو وارد فى مورد خاص و لا يمكن التعدى الى غير مورده.

ففيه انه نعلم بعدم خصوصية للمورد من حيث التقية.

التاسعة: ما رواها ابو الورد،

ذكرناها فى طى المسألة 33، ففيها قال عليه السّلام بعد عدم تجويزه المسح على الخفين: (فقلت فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا الا من عدّو تتقيه او ثلج تخاف على رجليك) «2».

العاشرة: ما رواها داود بن زربى

قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء فقال لى: توضأ ثلاثا ثلاثا قال: ثم قال لى: أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم؟ قلت:

بلى قال: فكنت يوما أتوضأ في دار المهدى فرآني بعضهم و انا لا اعلم به. فقال: كذب من زعم انك فلانى و انت تتوضأ هذا الوضوء، قال: فقلت: لهذا و الا لا امرنى) «3».

و الظاهر ان موردها عدم وجود المندوحة كما يستفاد من الرواية العاشرة، لانه معرض لرؤية المخالف فى كل حال فلا اطلاق لها يشمل صورة وجود المندوحة.

الحادي عشر: ما رواها داود الرقى

قال (دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: جعلت فداك، كم عدة الطهارة؟ فقال: ما اوجبه اللّه فواحدة، و اضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واحدة لضعف الناس، و من توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له. قال:

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 18 من ابواب الوضوء من المستدرك.

(2) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 352

كنت كاد انا معه في ذا حتى جاءه داود بن ذربى فسأله عن عدة الطهارة؟ فقال له:

ثلاثا ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له. قال: فارتعدت فرائصى و كاد ان يدخلنى الشيطان فأبصر أبو عبد اللّه عليه السّلام إليّ و قد تغيّر لونى، فقال: اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الاعناق. قال: فخرجنا من عنده و كان ابن ذربى الى جوار بستان أبي جعفر المنصور، و كان قد القى الى أبي جعفر امر داود بن ذربى و انه رافضى يختلف الى جعفر بن محمد، فقال أبو جعفر المنصور

انى مطلع على طهارته فإن هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فإنى لاعرف طهارته حققت عليه القول و قتلته، فاطلع داود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه، فاسبغ داود بن ذربى الوضوء ثلاثا ثلاثا كما امره أبو عبد اللّه عليه السّلام، فما تم وضوئه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه. قال:

فقال: داود لما أن دخلت عليه رحب بى، و قال يا داود قيل فيك شي ء باطل، و ما انت كذلك، قد اطلعت على طهارتك و ليس طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلنى في حل و امر له بمائة الف درهم. قال فقال: داود الرقى: التقيت انا و داود بن ذربى عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقاله داود: جعلت فداك، حقنت دماؤنا في دار الدنيا و نرجوا أن ندخل بيمنك و بركتك الجنة. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فعل اللّه ذلك بك و باخوانك من جميع المؤمنين. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام لداود بن ذربى: حدث داود الرقى بما مر عليكم حتى تسكن روعته. قال: فحدثته بالامر كله قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لهذا أفتيته لأنّه كان اشرف على القتل من يد هذا العدو، ثم قال: يا داود بن ذربى توضأ مثنى مثنى و لا تزدن عليه و انك إن زدت عليه فلا صلاة لك) «1»

و هذه الرواية مثل التاسعة من حيث عدم اطلاق لها يشمل صورة وجود المندوحة.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 353

الثانية عشر: ما رواها محمد بن الفضل

(أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام: فهمت ما ذكرت من

الاختلاف في الوضوء، و الذي امرك به في ذلك أن تتمضمض و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلاثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا، و لا تخالف ذلك الى غيره. فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب بما رسم له ابو الحسن عليه السّلام فيه مما جميع العصابة على خلافه، ثم قال مولاى اعلم بما قال و أنا امتثل امره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر أبي الحسن عليه السّلام، و سعى بعلى بن يقطين الى الرشيد و قيل أنه رافضى، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام ابتداء: من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما امرك اللّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام) «1» و هذه الرواية في عدم الاطلاق بالنسبة الى صورة وجود المندوحة مثل التاسعة و العاشرة.

أقول: هذه الروايات الثلاثة (اعنى التاسعة و العاشرة و الحادية عشر) فلها الاطلاق من حيث جواز البدار لعدم تقييد الأخذ بالتقية في آخر الوقت.

الا أن يقال: بأن الامام عليه السّلام يعلم بكونهم معرضا للتقية في جميع الوقت، لكون البناء على المواظبة منهم و كيفية عملهم، كما يستفاد من مفاد الروايات، فلا

يمكن

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 354

الأخذ بإطلاقها على جواز البدار.

الثالثة عشر: بعض الأخبار الواردة على الحث و الترغيب على الصلاة مع المخالفين.

مثل ما رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الصف الأول «1».

و مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان قال: (سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: اوصيكم بتقوى اللّه عز و جل و لا تحللوا الناس على اكنافكم فتذلوا، ان اللّه تبارك و تعالى يقول فى كتابه: وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً، ثم قال: عيدوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و اشهدوا لهم و عليهم و صلوا معهم فى مساجدهم الحديث) «2».

و مثل ما رواها زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه قال: يا زيد خالقوا الناس باخلاقهم و صلوا فى مساجدهم و عيدوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و ان استطعتم ان تكونوا الائمة و المؤذنين فافعلوا، فانكم ان فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم اللّه جعفرا ما كان احسن ما يؤدب اصحابه، و إذا تركتم ذلك قالوا:

هؤلاء الجعفرية فعل اللّه بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب اصحابه). «3»

(و غير ذلك راجع الباب 5 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل و غير هذا الباب).

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 354

و هذه الروايات و امثالها تدل على وجوب الحضور في جماعتهم للمصالح المنظورة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة من

الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 5 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 75 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 355

و هل تدل على اجزاء الصلاة الواقعة تقية؟ و هل كانت في مقام بيان ذلك؟

و على فرض كونها في مقام ذلك، هل تدل على وجوب ذلك حتى مع إمكان الصلاة و العبادة الأخرى على غير وجه التقية في محل آخر او لا؟ و هل تدل على اجزاء العمل و إن تمكن من العمل بما هو الواقع بالتستر عنهم أو لا؟ محل تأمل فلا يمكن التمسك لمحل الكلام بها.

هذا كله في التكلم فى مفاد بعض الروايات المتمسكة بها على محل الكلام.

و قد ظهر لك أن الرواية الأولى و الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و التاسعة و العاشرة و الحادية عشر و الثانية عشر لا اطلاق لها من حيث وجود المندوحة، فلا يستفاد منها جواز البدار حتى في صورة لو اخّر عمله يمكن له حفظ الواقع و هو الذي مورد كلامنا في هذه الجهة.

و أما الرواية السادسة و السابعة و الثامنة و التاسعة، فمقتضى اطلاقها جواز البدار حتى مع وجود المندوحة بالتأخير و حفظ الواقع.

فتلحض من كل ذلك أن البدار في مورد التقية بالعمل تقية في قبال الصبر الى وقت آخر من الوقت الموظف للوضوء أو للصلاة مثلا و العمل بالواقع جائز و لا يجب الصبر بل يجوز العمل بما يقتضيه التقية.

ثم بعد ذلك ينبغى أن نتكلم في جهة اخرى و هي أنه مع عدم وجوب الصبر و جواز البدار إذا تمكن من التستر عنهم فى هذا الوقت و العمل بالواقع، يجب ذلك او

لا يجب؟ و بعد فرض عدم امكان التستر او عدم وجوبه لو تمكن في هذا الحال من حفظ الواقع عندهم و ارائتهم انه يعمل بنحو ما يعملون، هل يجب ذلك، او لا يجب ذلك؟ بل مرخص أن يعمل على طبق التقية، فنقول بعونه تعالى.

الجهة الثانية: إذا تمكن من العمل بالواقع بالتستر عنهم مع فرض عدم وجوب الصبر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 356

الى آخر الوقت و الالتزام بجواز البدار فهل يجوز البدار، و العمل بالتقية حتى مع تمكنه من حفظ الواقع بالتستر عنهم او لا يجب ذلك؟

أقول: ما بينا من الروايات الدالة بإطلاقها على الجهة الاولى تدل بإطلاقها على عدم وجوب التستر، كما أن بعض الأخبار التى ذكرناها في الجهة السابقة الدالة على الترغيب و التحريص على الحضور في جماعاتهم، و ذكر الفضيلة لذلك، و هي ما جعلناها الثالثة عشر من الأخبار، يدلّ على مبغوضية التستر عنهم و عدم ملازمة جماعاتهم، و بعد مبغوضية التستر فكيف يمكن الالتزام بوجوبه و حفظ الواقع به، فعلى هذا يقال بعدم وجوب التستر و الاكتفاء بما يقتضيه التقية.

نعم هنا بعض الأخبار ربّما يستدل بها على وجوب التستر و حفظ الواقع به مهما امكن، و لا يجوز المبادرة الى التقية مع امكان حفظ الواقع بالتستر.

منها ما رواها ابراهيم بن شيبة (قال: كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السّلام اسأله عن الصلاة خلف من يتولى امير المؤمنين عليه السّلام و هو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح و هو يمسح، فكتب عليه السّلام: إن جامعك و إياهم موضع فلم تجد بدّا من الصلاة، فاذّن لنفسك و اقم إن سبقك الى القراءة فسبح «1».

وجه الاستدلال قوله عليه السّلام (فلم تجد بدّا من الصلاة) لان مفاده جواز الصلاة معهم

في صورة لا بدّ من الصلاة، فمن يكون متمكنا من التستر عنهم لا يكون لابدا من الصلاة.

و فيه، أولا أن الرواية ليست موثوقة الصدور لعدم معلومية وثاقة إبراهيم، و ثانيا أن القضية الشرطية و هي قوله عليه السّلام (ان جامعك و اياهم موضع فلم تجد بدا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 33 من أبواب الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 357

من الصلاة فاذّن لنفسك و اقم) ليست لها مفهوم لانها في مقام تحقق الموضوع.

اذ إن لم تجامع و إياهم و يكون بدا من عدم الصلاة معهم فلا تؤذّن لنفسك و لا تقم، و هو مفهوم القضية على فرض كون المفهوم لها، فلا صلاة حتى يقول: لا تؤذن فيها لنفسك فلا مفهوم للقضية الشرطية.

منها ما رواها دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن على عليهما السلام (أنه قال: لا تصل خلف ناصب و لا كرامة الا أن تخافوا على انفسكم أن تشهروا و يشار إليكم فصلّوا في بيوتكم ثم صلوا معهم و اجعلوا صلاتكم معهم تطوعا) «1».

و منها ما روى عن الفقه الرضوى.

و هاتان الروايتان ضعيفة السند.

و منها ما رواها ابن اذينة عن اسماعيل الجعفى و معر بن يحيى بن سالم و محمد بن مسلم و زرارة (قالوا: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقه احله اللّه له) «2».

وجه الاستدلال أنه مع امكان التستر عنهم لا يصدق الاضطرار.

و فيه أن الاضطرار في باب التقية كما يستفاد من المراجع في أخبارها، هو الاضطرار العرفى، و هو حاصل مع كون الشخص معرضا لترتب آثار ترك التقية من بغضهم و عدواتهم و ايذائهم، و إن امكن

له التستر و حفظ الواقع.

إذا عرفت ذلك نقول: فالاقوى جواز البدار و العمل على طبق التقية و إن امكن حفظ الواقع بالتستر عنهم.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة من المستدرك.

(2) الرواية 1 من الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 358

الجهة الثالثة: بعد فرض جواز البدار في مورد التقية و عدم وجوب الصبر و كذا عدم وجوب التستر،

فهل يجب مع الامكان حفظ الواقع عندهم باراءتهم انه يعمل على طبق مذهبهم، و الحال أنه يعمل على طبق وظيفته الواقعية، مثلا في حال غسل اليد في الوضوء يصب الماء من الكف الى المرفق المعبّر عنه في بعض الأخبار برد الشعر، لكن ينوى غسل اليد عند رجوع الماء من المرفق الى الكف، فيلتبس الأمر بهم و يحسبون انه يعمل على طبق مذهبهم، و الحال أنه يعمل على ما هو وظيفته واقعا و هو الغسل من المرفق الى اطراف الاصابع، او لا يجب ذلك بل يعمل عمل التقية و هو مجز عن الواقع؟

يستدل على وجوب ذلك مع الإمكان بالتفصى على وجه يقع العمل على طبق الواقع بروايات:

الاولى: ما رواها علي بن يقطين قال (سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يصلى خلف من لا يقتدى بصلاته و الامام يجهر بالقراءة، قال: اقرأ لنفسك و إن لم تسمع نفسك فلا بأس) «1».

الثانية: ما رواها إبراهيم بن شيبة نقلته في الجهة الثانية «2».

الثالثة: ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السّلام قال: (قلت له:

انى ادخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلونى الى ما أن أؤذن و اقيم و لا اقرأ الا الحمد حتى يركع، أ يجزيني ذلك؟ قال: نعم، يجزيك الحمد وحدها) «3».

(و غير ذلك

من الأخبار، راجع الباب 33 من أبواب الجماعة من الوسائل.)

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 33 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 33 من أبواب الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 359

و وجه عدم الوجوب اطلاق بعض الأخبار المتقدمة في الجهة الأولى من هذا الحيث فإنه يمكن كثيرا بل غالبا التعمية و ارائة التقية فى العمل بالواقع كما في رد الشعر في غسل اليد، فإنه يمكن أن يصب الماء من الكف الى المرفق فيرائى انه يعمل على مذهبهم، و الحال أنه ينوى الغسل عند رجوع الماء من المرفق الى اطراف الاصابع، و مع هذا لم ينين وجوب هذه الحيلة كما في الرواية الثامنة من الروايات المتقدمة في الجهة الأولى.

فمع كون هذه الاطلاقات في مقام البيان تحمل الأخبار الواردة في القراءة خلف من لا يجوز الاقتداء به على الاستحباب.

أقول: لو لم نقل بذلك (اعنى: حمل هذه الأخبار على الاستحباب بقرينة الأخبار المتقدمة) فحيث إن كل هذه الأخبار الدالة على وجوب القراءة خلف من لا يقتدى به فلا بدّ من تقييد الاطلاقات بخصوص من تمكن عن القراءة حال التقية، و أما بالنسبة الى غير القراءة كالوضوء و الحلف و التكفف و نظائرها فالاطلاقات محكّم.

فعلى هذا نقول: الأحوط بل الاقوى مع التمكن من العمل بالواقع مع ارائة التقية في خصوص القراءة في جماعة العامة هو وجوب القراءة.

و أما في غيرها و إن كان الاقوى بالنظر عدم وجوب التعمية و لكن حيث يحتمل كون غير القراءة متحدا في الجهات المربوطة بالتقية مع القراءة فبعد وجوب ذلك في القراءة كان الواجب في

غير القراءة، نقول بأن الأحوط وجوب العمل بالواقع مع ارائة التقية مع الامكان.

تتمة: هل يجب بذل المال لرفع التقية مثل ساير الضرورات مثلا يعطى مبلغا بعسكرهم حتى يكون فى الفسحة عن اتيان الواقع و ترك التقية او لا يجب ذلك؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 360

أقول ان كان فى الضرورة العقلية، يجب بذل المال، لان الضرورة العقلية يندفع ببذل المال كما في ساير الضرورات ما عدا التقية.

و أما إذا كانت الضرورة الموجبة لرفع الحكم ضرورة عرفية كما في مورد التقية فهي حاصلة حتى فيما يتمكن من دفعها ببذل المال فلا يجب بذل المال، فالحق عدم وجوب بذل المال لرفع التقية و وجوبه لسائر الضرورات كما قال المؤلف رحمه اللّه.

نعم الاحتياط ببذله حسن لكون الاحتياط حسن في كل حال.

***

[مسئلة 36: لو ترك التقية في مقام وجوبها]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: لو ترك التقية في مقام وجوبها و مسح على البشرة ففي صحة الوضوء اشكال.

(1)

أقول: ما يمكن أن يستدل به على فساد الوضوء في مفروض المسألة أمور:

الأمر الأوّل: انه لو عمل بما هو الواقع في مقام يجب التقية فيه

يكون المأتى به غير المأمور به، لأنّه بعد وجوب المسح على الخفين مثلا في مورد التقية، فالوضوء الواجب المأمور به هو الوضوء المقيد بكون مسحه على الخفين، و لا يكون المأمور به الوضوء المقيّد بالمسح على البشرة، فمن مسح على البشرة في مورد التقية فالمأتي به لم يكن بمأمور به فلا يكون مجزيا.

و قد استشكل عليه بأن ما تقتضى ادلة التقية هو وجوب الفعل موافقا لها، مثلا في المسح على الخف يجب عند الوضوء المسح عليه و أما كون المسح بالخف جزء للوضوء فغير معلوم بل معلوم العدم، كما أنه لا دليل على سقوط جزئية المسح على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 361

البشرة، غاية الأمر لا يتمكن المكلف من اتيانه فهو معذور، و بعد كون الواقع باق بحاله حتى في حال التقية فالاتيان به يكون الاتيان بالمأمور به فيصير الماتى به موافقا للمأمور به، فلا إشكال.

الأمر الثاني: أن الأمر بالتقية كالأمر بمسح الخفين مثلا مع التقية يوجب النهى عن المسح على البشرة،

فيكون المسح منهيا عنه و النهى عنه يوجب فساده لان النهى عن العبادة يقتضي الفساد.

و فيه أوّلا، أن المسح على البشرة لا يكون ضدا لما يجب حال التقية مثلا المسح على الخفين او غسل الرجلين لامكان اجتماعهما.

و ثانيا، ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

الأمر الثالث: أن الأمر بالتقية كما يقتضي وجوب اتيان الفعل موافقا للتقية كذلك يقتضي حرمة ما لا يحرم

لو لا التقية، مثلا كما يقتضي وجوب المسح على الخفين يقتضي حرمة مسح البشرة، فالعمل على غير وجه التقية حال التقية يكون بنفسه محرما و منهيا عنه لا من جهة أن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده، و بعد كونه محرما لا يكون قابلا لان يتقرب به فيفسد و يبطل العمل.

و فيه أن الفعل الصادر تقية تارة كما يوجب فعل غير المأمور به كذلك يوجب ترك المأمور به، مثلا كما توجب التقية المسح على الخف توجب ترك المسح على البشرة، ففي هذه الصورة يصح أن يقال بأن التقية كما أوجبت وجوب المسح على الخف أوجبت حرمة المسح على البشرة، فيكون المسح على البشرة منهيا عنه فلا يكون مقربا و يوجب اتيانه الفساد.

و تارة لا توجب التقية الا وجوب فعل لولاها كان محرّما و لا يوجب حرمة فعل لولاها كان واجبا مثلا في التكفف فالتقية تحصل بفعل المحرم و هو التكفف فقط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 362

و ليس شي ء في قباله يوجب حرمته فيقال بفساد العبادة لاجل فعل المحرم لعدم فعله محرما فى عبادته حتى يوجب فساد العبادة، و أما الصلاة بلا تكفف فلا يكون محرمة فلا وجه لفساد العبادة (هذا ما قاله العلامة الآملى رحمهم اللّه في شرحه على العروة).

أقول يمكن أن يقال أنه لو استفدنا من ادلة التقية امرين:

الأول: وجوب الموافقة معهم.

الثاني: حرمة

العمل على خلافهم.

فيمكن أن يقال في الفرض الثانى بحرمة الصلاة بلا تكفف كما يجب الصلاة مع التكفف، و الظاهر كذلك لان الخوف يكون على ترك موافقتهم و اتيان ما يخالفهم فكما يجب تقية الصلاة مع التكفف يحرم الصلاة بلا تكفف فلا فرق بين الصورتين.

و على هذا نقول بأن الاقوى عدم صحة الوضوء.

نعم فيما كانت التقية مستحبا و لم تكن واجبا يصح الوضوء.

***

[مسئلة 37: إذا علم لو اخّر الوضوء يضطر الى المسح على الحائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: إذا علم بعد دخول الوقت أنه لو اخّر الوضوء و الصلاة يضطر الى المسح على الحائل، فالظاهر وجوب المبادرة إليه في غير ضرورة التقية، و إن كان متوضئا و علم انه لو ابطله يضطر الى المسح على الحائل لا يجوز له الابطال.

و إن كان ذلك قبل دخول الوقت فوجوب المبادرة أو حرمة الابطال غير معلوم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 363

و أما إذا كان الاضطرار بسبب التقية فالظاهر عدم وجوب المبادرة و كذا يجوز الابطال، و إن كان بعد دخول الوقت لما مر من الوسعة في أمر التقية، لكن الأولى و الأحوط فيها أيضا المبادرة أو عدم الابطال.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: فيمن يضطر الى الوضوء بالمسح على الحائل
اشارة

في غير مورد التقية مثل البرد و غيره فالكلام فيها في موارد:

المورد الأوّل: من يعلم بعد دخول الوقت أنه لو اخر الوضوء و الصلاة يضطر الى المسح على الحائل،

فهل يجب عليه المبادرة الى الوضوء او لا يجب ذلك؟

لا يبعد وجوب المبادرة عقلا، لأنّه بعد كون وجوب ما له الملاك التام بعد دخول الوقت فعليا و تأخيره يوجب تفويت الواجب و تفويته حرام، فيجب على المكلف المبادرة بفعله.

إن قلت: إنه بعد كون الواجب مع الاضطرار هو الوضوء مع المسح على الحائل، فلو اخّر عن اوّل الوقت فياتى بما هو فرد الواجب كالفرد الكامل، ففي الحقيقة لطبيعة الوضوء الواجب فردان، فإن اتى حال الاختيار يأتى بفرد من الطبيعة، و إن اتى حال الاضطرار يأتى أيضا بفرد من الطبيعة، فلا يفوت الواجب.

قلت: بعد كون الفرد الاختيارى تمام الملاك و ليس هذا الملاك موجودا في الفرد الاضطرارى، فتفويت الملاك التام مع فرض كن وجوبه فعليا حرام عقلا.

و هذا لا ينافى مع أنه لو عصى و اخر صح وضوئه الاضطرارى، لأنّه لا يجوز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 364

تفويت الفرد الاختيارى.

المورد الثاني: لو دخل الوقت و كان متوضئا يعلم أنه لو ابطله يضطر الى المسح على الحائل

و اضطراره غير التقية، فهل يجوز ابطال الوضوء أم لا؟

لا يبعد عدم الجواز لعين ما بينا في المورد الأوّل.

المورد الثالث: ما إذا كان قبل دخول الوقت

و يعلم أنه لو اخّر وضوئه و لم يتوضأ يضطر في الوقت بالوضوء مع المسح على الحائل لضرورة غير التقية، فهل يجب الوضوء او لا؟ او كان متوضئا قبل الوقت و يعلم انه لو ابطل وضوئه يضطر لغير ضرورة التقية الى الوضوء مع المسح على الحائل، فهل يجوز ابطال الوضوء أم لا؟

و الاقوى عدم وجوب الوضوء فيما لم يتوضأ بعد، و جواز بطال الوضوء فيما كان متوضئا، لأنّه بعد كون الوقت دخيلا في صيرورة الصلاة ذات الملاك فقبل الوقت لا يكون الملاك موجودا حتى يجب حفظه بحكم العقل حتى لو شككنا في أن الوقت دخيل في اثبات اصل الملاك للصلاة مع الطهارة، أو دخيل في تحصيل الملاك للمكلف بمعنى كون الصلاة مع الطهارة قبل الوقت يكون ذات الملاك، لكن المكلف عاجز عن تحصيل هذا الملاك قبل الوقت، فالعقل لا يحكم بحفظ الملاك بالوضوء لو لم يكن متوضئا و بعدم جواز ابطاله لو كان مع الوضوء.

الصورة الثانية: فى من يعلم باضطراره بالوضوء مع المسح على الحائل للتقية،

و الكلام فيها مثل الصورة الاولى في موارد.

و لكن في كل الموارد الثلاثة إذا كان الاضطرار لاجل التقية، لا يجب المبادرة بعد دخول الوقت و إن علم باضطراره بالمسح على الحائل في آخر الوقت، كما أنه يجوز ابطال وضوئه و إن علم باضطراره بعده بالوضوء مع المسح على الحائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 365

كما أنه قبل الوقت يجوز ابطال وضوئه لو كان متوضئا.

و كما أنه لا يجب المبادرة بالوضوء و إن علم باضطراره بعد الوقت بالمسح على الحائل للتقية.

لان الأمر في التقية واسعة لاطلاق ادلتها كما بنيا في المسألة 35، و يستفاد من ادلتها كون العمل مع التقية وضوءا كان أو غيره واجد التمام ملاك العمل

على غير وجه التقية في محله، فلا يوجب تأخير الوضوء أو ابطاله تفويتا لمصلحة، فالفرد من طبيعة المأمور به حال التقية في عرض فرد الطبيعة المامور به فى غير حال التقية.

***

[مسئلة 38: لا فرق في جواز المسح على الحائل بين وضوء الواجب و المندوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة بين وضوء الواجب و المندوب.

(1)

أقول: إن كان الدليل على كفاية المسح على الحائل ادلة نفى الحرج أو الضرر فيمكن أن يقال بالفرق بين وضوء الواجب و المستحب، لأنّه في الوضوء المستحب لا حرج و لا ضرر فيه كى يرفع بادلتهما لقدرته على ترك المستحب.

و لكن بعد عدم كون الدليل منحصرا به، بل قد دل عليه ما رواها أبو الورد ذكرناها في طى المسألة 33 فاطلاقها يشمل الوضوء المستحب كالواجب فلا فرق بين وضوء الواجب و المستحب.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 366

[مسئلة 39: إذا اعتقد التقية فمسح على الحائل ثم بان انه لم يكن موضع تقية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: إذا اعتقد التقية أو تحقق احدى الضرورات الاخر فمسح على الحائل ثم بان انه لم يكن موضع تقية أو ضرورة ففي صحة وضوئه إشكال.

(1)

أقول: مبنى على أن الخوف أو الضرر الحاصل من التقية أو غيرها من الضرورات مأخوذ موضوعا أو مأخوذ طريقا الى واقعهما، فعلى الأوّل يصح الوضوء في مفروض المسألة و على الثاني لا يصح وضوئه.

أقول: أما في غير التقية فالمستفاد من رواية أبي الورد المتقدمة في المسألة 33 هو كون الخوف مأخوذا على نحو الموضوعية لأنّه قال فيها (فقلت: فهل فيها رخصة؟ فقال: لا الا من عدو تتقيه او ثلج تخاف على رجليك) فاذا اعتقد تحقق الضرر على الرجل فهو غير منفك من حصول الخوف له على ذلك، فاذا خاف و مسح على الحائل ثم انكشف عدم الضرورة واقعا يصح وضوئه، لان ما هو الموضوع لجواز المسح على الحائل هو الخوف.

و أما في التقية فمع فرض كون المسح على الحائل من جهة وجود عدو يتقيه، فهل يصح الوضوء لتحقق موضوعه،

و إن انكشف عدم كونه موضع التقية سواء كان منشأ انكشاف عدم كونه موضع التقية انكشاف عدم كون من يتقيه عدوا، او عدم كون مذهب العدو الذي يتقيه وجوب المسح على الحائل، او عدم ترتب الضرر على مخالفة العدو.

او لا يصح مطلقا، او التفصيل بين ما كان منشأ التقية اعتقاده كون من يتقيه عدوا فانكشف عدم كونه عدوا، و بين ما كان منشأها اعتقاد كون مذهبه المسح على الحائل فانكشف عدم كون مذهبه ذلك، و ما كان يعتقد ترتب الضرر على نفسه من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 367

ناحيته فانكشف عدم ترتبه.

الاقوى الثالث، لان موضوع التقية هو ما كان من يتقيه عدوا، كما صرح به في رواية أبي الورد (الا من عدو تتقيه) و أما صورة مفروغية كونه عدوا و اعتقاده كون مذهبه المسح على الخف و ترتب الضرر على مخالفته فهو يكفى في صحة الوضوء مع المسح على الخف و انكشاف خلافهما أو خلاف أحدهما، لأنّه بمجرد وجود (عدو تتقيه) كما في خبر أبي الورد أو (كان عنده آخر) كما في رواية العياشى المتقدمة في طى المسألة 35، يجوز بل يجب فعل التقية و الوضوء على طبق ما يتقى و يجزى عنه.

***

[مسئلة 40: إذا امكنت التقية بغسل الرجل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: إذا امكنت التقية بغسل الرجل فالاحوط تعينه و إن كان الاقوى جواز المسح على الحائل أيضا.

(1)

أقول: مع الدوران في مقام التقية بين غسل الرجل و بين المسح على الحائل، فقول بتعين الأوّل و هو ما ينسب الى المشهور بل الى الاصحاب كما عن بعضهم، و قول آخر و هو تخيير المكلف بينهما.

وجه تعين الغسل:

إما كون الغسل اقرب بما هو الواجب و هو مسح الرجل،

و كون المسح على الخف شيئا اجنبيا عن مسح الرجل، كما ينادى بذلك بعض الروايات:

مثل ما رواها الكلبى النسابة عن الصادق عليه السّلام في حديث قال: (قلت له: ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 368

تقول في المسح على الخفين؟ فتبسّم ثم قال: إذا كان يوم القيامة ورد اللّه على كل شي ء الى شيئه ورد الجلد الى الغنم، فترى اصحاب المسح اين يذهب وضوئهم) «1».

و إما كون المورد من الدوران بين التعيين و التخيير، فلا بدّ من الأخذ بما يحتمل كونه معينا فلا بدّ من الأخذ بغسل الرجل.

و أما وجه التخيير فلان كلا من غسل الرجل و المسح على الخف موافق للتقية و مخالف للواجب الاولىّ و مقتضى اطلاق ادلة التقية جواز الاكتفاء بكل منهما لرفع محذور التقية، و مجرد اقربية أحدهما لا يوجب انصراف اطلاق ادلة التقية إليه.

أقول: أما كون غسل البشرة اقرب إلى المسح على البشرة عرفا من المسح على الخف فظاهر، و أما كون هذه الاقربية موجبا لانصراف اطلاق الادلة بالغسل و تقدمة على المسح فغير معلوم.

نعم، بعد هذه الاقربية و كون الأمر من الدوران بين التعيين و التخيير، فالاحوط وجوبا تعين الغسل.

***

[مسئلة 41: إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة فإن كان بعد الوضوء فالاقوى عدم وجوب اعادته و إن كان قبل الصلاة الا إذا كانت بلة اليد باقية

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 369

فيجب اعادة المسح، و إن كان في اثناء الوضوء فالاقوى الاعادة إذا لم تبق البلة.

(1)

أقول: الضابط في فهم حكم المسألة هو أنه في كل

ضرورة قلنا باعتبار عدم وجود المندوحة في صحة التكليف الاضطرارى، و عدم جواز البدار مع علمه بزوال عذره، فلا بدّ أن نقول ببطلان الوضوء بعد رفع الضرورة و وجوب اعادته لما يجب له فأنه بعد زوال السبب المسوغ له ينكشف بطلان الوضوء و عدم كون وضوئه صحيحا من اوّل الأمر.

و أما في كل ضرورة لا يعتبر في صحة التكليف الاضطرارى وجود المندوحة و يجوز البدار فيه حتى مع علمه بزوال عذره، فيصح الوضوء، و لا يجب اعادته حتى بعد زوال الاضطرار.

فعلى هذا لا بدّ من التفصيل بين الضرورات، فإن كانت الضرورة التقية فحيث لا يعتبر فيها وجود المندوحة- و لذا قلنا بعدم وجوب الصبر حتى مع العلم بارتفاع التقية بالتأخير، و كذلك قلنا في المسألة 37 بأنه مع علمه بأنه لو اخر الوضوء يضطر الى المسح على الخف يجوز التأخير في التقية- فلو توضأ وضوء التقية ثم ارتفع العذر لا يجب اعادة الوضوء.

و أما إن كانت الضرورة غير التقية فحيث قلنا بعدم جواز البدار فيها مع علمه برفع اضطراره و أن المعتبر عدم المندوحة فيها، و أنه لو يعلم بانّه لو اخر الوضوء يصير مبتلى بالمسح على الحائل يجب المبادرة الى الوضوء.

فنقول في المقام بوجوب اعادة وضوئه لانكشاف عدم كون وضوئه هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 370

المأمور به.

و أما لو كان في اثناء الوضوء و امكن المسح على البشرة لزوال العذر، يجب في كل من الضرورات، لأنّه في الحال مأمور بالمسح على البشرة، نعم لو لم تبق البلة لا فى كفه و لا فى المواضع الاخر يمكن اخذ البلة منها حال الاضطرار بالتفصيل المتقدم في محله، و قد مسح على

الحائل، فلا يجب اعادة الوضوء في التقية، و يجب اعادته في غيرها من الضرورات.

***

[مسئلة 42: إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 42: إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه ففي صحة وضوئه اشكال و إن كانت التقية ترتفع به، كما إذا كان مذهبه وجوب المسح على الحائل دون غسل الرجلين فغسلهما أو بالعكس.

كما أنه لو ترك المسح و الغسل بالمرة يبطل وضوئه و إن ارتفعت التقية به أيضا.

(1)

أقول: يقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: ما إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه

و ترتفع به التقية فهل يصح وضوئه او لا، مثلا من يتقى عنه يكون مذهبه المسح على الخف و هو يغسل رجليه في مقام الوضوء و ارتفع به التقية، فهل يصح هذا الوضوء أو لا؟

وجه الصحة ان مقتضى ادلة التقية الترخيص في ترك الواقع أو وجوبه فيما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 371

يجب التقية، فوضوؤه الواقع بلا مسح الرجل يقع صحيحا لان ترك المسح يكون لاجل التقية.

وجه الفساد أن مقتضى ادلة التقية وجوب العمل على طبق مذهب من يتقى عنه، فمجرد ترك الواقع غير كاف في العمل بدليل التقية و معذوريته.

أقول: إن كان ما يعمل و يرفع به التقية كان من باب أن عمله مطابق مع بعض مذاهبهم و يرفع به التقية كما يرفع بالعمل على طبق مذهب من يتقى عنه، فيكون عمله موافقا للتقية و إن لم يكن موافقا لمذهب من يتقى عنه، فهو بدل عن الفرد الواقعى، و اما لو كان عمله على خلاف مذهب من يتقى عنه مما لا يرفع به التقية و لا يتقى بضرره من فعله فهو خارج عن محل الكلام، لان محل الكلام مورد يرتفع التقية بعمله الا أن يدعى أن الظاهر بل المنصرف إليه من الادلة هو الاجزاء فيما كان عمله على طبق مذهب من يتقى عنه لا

غيره، فالأحوط اعادة الوضوء.

المورد الثاني: ما اذا ترك المسح و الغسل بالمرة

فلا يأتى لا بالوضوء الواقعى الاولىّ و لا بالوضوء الواقعى الثانوى و لكن مع ذلك يرتفع به التقية، فالظاهر عدم صحة وضوئه، لان المتيقن من الاجزاء في مورد التقية ما ترك الفرد الواقعى و يأتى بالفرد الاضطرارى و أما مع ترك كل منهما فلا دليل على صحة الوضوء و إن ارتفع به التقية.

***

[مسئلة 43: يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة، فالمناط في تعدد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 372

الغسل المستحب ثانيه الحرام ثالثه ليس تعدد الصب بل تعدّد الغسل مع القصد.

(1)

أقول: بعد ما كانت العبرة في الغسل المعتبر في الوضوء الغسل، فتحققه في الخارج محتاج الى القصد، ففي كل صب قصد الغسل يعدّ غسلا، و في كل صب لا يقصد الغسل لا يكون غسلا، فاذا قصد الغسل و صب الماء يصدق الغسل مرة، و إذا قصد الغسل ثانيا و صب الماء يصدق الغسل الثانى، و هكذا فبناء عليه مجرد صبّ الماء على البشرة لا يعد غسلا الا بقصده و كذا تعدد الغسل، فلو صب عشر مرات بقصد غسلة واحدة فهي غسلة واحدة، فالميزان في حصول الغسلة الاولى الواجبة و الغسلة الثانية المستحبة و الغسلة الثالثة المحرمة هو قصد الغسل في كل منها لا مجرد تعدد صب الماء على البشرة.

***

[مسئلة 44: يجب الابتداء في الغسل بالاعلى لكن لا يجب الصب على الاعلى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 44: يجب الابتداء في الغسل بالاعلى لكن لا يجب الصب على الاعلى، فلو صب على الاسفل و غسل على الاعلى باعانة اليد صحّ.

(2)

أقول: وجهه أن الترتيب المعتبر يكون في الغسل لا في الصب الذي هو مقدمة الغسل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 373

[مسئلة 45: الاسراف في ماء الوضوء مكروه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 45: الاسراف في ماء الوضوء مكروه لكن الاسباغ مستحب، و قد مر انه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ و، الظاهر ان ذلك لتمام ما يصرف فيه من افعاله و مقدماته من المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين.

(1)

أقول في المسألة مسائل:

الاولى: يكره الاسراف في ماء الوضوء.

يدل عليه ما رواها حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: أن اللّه ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه) «1».

الثانية: في استحباب اسباغ الوضوء.

يدل عليه ما رواها انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السّلام (قال: يا على ثلث درجات اسباغ الوضوء في السبرات الخ) «2».

و ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السّلام قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من اسبغ وضوئه و احسن صلاته و ادى زكاة ماله و كف غضبه و سبّح لسانه و استغفر لذنبه و ادّى النصيحة لاهل بيت نبيه، فقد استكمل حقايق الايمان و ابواب الجنان مفتحة) «3» (و غير ذلك راجع الباب 54 من أبواب الوضوء من الوسائل).

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 52 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 54 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 54 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 374

الثالثة: استحباب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ.

قد مضى الكلام فيه و في دليله عند ذكر تعرض المؤلف رحمه اللّه لبعض مستحبات الوضوء و هو اوّل ما ذكره من المستحبات.

و أما كون مقدار المد لتمام ما يصرف في الوضوء من افعاله و مقدماته فلم نجد رواية مصرحة به، و ما يمكن أن يكون وجهه هو انه بعد استحباب هذا المقدار للوضوء فالظاهر كونه للوضوء الجامع لواجباته و مستحباته.

***

[مسئلة 46: يجوز الوضوء برمس الأعضاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 46: يجوز الوضوء برمس الأعضاء كما مر، و يجوز برمس احدها و اتيان البقية على المتعارف، بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد مع مراعات الشروط المتقدمة من البدأة بالاعلى و عدم كون المسح بماء جديد و غيرهما.

(1)

أقول: قد مر بعض الكلام في المسألة 21 من المسائل المتعلقة بافعال الوضوء و قد بينا في وجهه أن المطلوب في الوضوء الغسل، فكما يحصل بصب الماء كذلك يحصل بالارتماس في الماء، و كما يجوز ارتماس تمام الوجه و اليدين، كذلك يجوز ارتماس بعضها بل يجوز ارتماس بعض واحد منها لتحقق الغسل به مع رعاية الشروط بالنحو المذكور في المسألة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 375

[مسئلة 47: يشكل وضوء الوسواسى إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 47: يشكل وضوء الوسواسى إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء من جهة لزوم المسح بالماء الجديد في بعض الاوقات، بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلة الكف دون رطوبة ساير الاعضاء يجي ء الاشكال في مبالغته في إمرار اليد لأنّه يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع.

(1)

أقول: إن قلنا بأن في المقدار الزائد يصدق الغسل الزائد و لو لم يكن بقصد الغسل الزائد، بل كان بقصد الغسل الأوّل فيلزم ان يكون المسح بالماء الجديد، فلا فرق بين الوسواسى و غير الوسواسى، الا أن يقال إن الوسواسى يفعل ذلك و ينتهى امره الى ذلك، و غير الوسواسى لا يفعل ذلك.

و لكن بعد ما قلنا و قال المؤلف رحمه اللّه من أن تعدد الغسل يحصل بالغسل فلا يكون الماء الزائد غير ماء الوضوء حتى يكون المسح بالماء الجديد، كما أن في المبالغة في إمرار اليد و انه و يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع

إن قلنا باعتبار كون المسح ببلة الكف، لا فرق بين أن يفعل ذلك الشخص الوسواسى أو غيره الا من باب ما قلنا من أن غير الوسواسى لا يبالغ في الإمرار حتى ينتهى امره الى مزج رطوبة كفه برطوبة ذراعه.

و انما الكلام في أنه مجرد الازدياد في امرار اليد حتى فيما لا يأخذ ماء جديدا يصدق أنه الغسل الزائد فلا يكون نداوته نداوة الوضوء أو لا يصدق، بل فيما يأخذ الماء الجديد و لكن لا يقصد الغسل الآخر، بل يكون بقصد التتميم، هل يصدق كون الماء المأخذ، ماء جديدا فلا يكون نداوته نداوة الوضوء او لا؟

و لا يبعد الثاني الا من حيث المحظور الثاني و هو امتزاج نداوة الكف بنداوة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 376

الذراع فيما يوصل الماء من الذراع الى الكف، نعم تارة يصب ماء جديدا بعد تمامية الغسل من باب الوسواس و يصير سببا لكون المسح بالماء الجديد فالوضوء باطل في هذا الفرض.

***

[مسئلة 48: في غير الوسواسى إذا بلغ في إمرار يده على اليسرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 48: في غير الوسواسى إذا بلغ في إمرار يده على اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه غسل واحد، نعم بعد اليقين إذا صب عليها ماء خارجيا يشكل و إن كان الغرض منه زيادة اليقين لعدّه في العرف غسلة اخرى و إذا كان غسله لليسرى باجراء الماء من إلا بريق مثلا و زاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضر ما دام يعد غسلة واحدة.

(1)

أقول: غير الوسواسى إذا بلغ في إمرار يده على اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه غسل واحد.

و أمّا بعد اليقين إذا صب عليها ماء خارجيا يشكل و إن كان الغرض زيادة اليقين

لكون الماء بعد تحقق الغسل ماء جديدا فيوجب عدم كون المسح بنداوة ماء الوضوء.

و في كل من الفرضين لا فرق بين الغير الوسواسى و بين الوسواسى فصدق غسل واحد في الفرض الأوّل و عدم صدقه في الفرض الثاني.

و إذا كان غسله لليسرى باجراء الماء من الابريق مثلا و زاد على مقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 377

الحاجة مع الاتصال لا يضر ما دام يعدّ غسلة واحدة فلا يكون موجبا لعدم كون المسح بنداوة الوضوء.

***

[مسئلة 49: يكفى في مسح الرجلين المسح بواحدة من الاصابع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 49: يكفى في مسح الرجلين المسح بواحدة من الاصابع الخمس الى الكعبين أيها كانت حتى الخنصر منها.

(1)

أقول: قد مر الكلام فيه في الرابع من افعال الوضوء و هو مسح الرجلين، و أنه يكفى المسمى، فعلى هذا يصدق المسمى حتى بالخنصر من الاصابع فكما قال المؤلف رحمه اللّه يكفى المسح بواحدة من الاصابع الخمس الى الكعبين أيها كانت حتى الخنصر منها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 379

[الحمد و الثناء]

و الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسوله و آله اللّهمّ عجل في فرج ولى العصر روحى فداه و أنا الاحقر اقل خدمة أهل العلم علي الصافى الكلبايكاني ابن العلامة المغفور له الشيخ محمّد جواد، اللّهم اغفر لنا و لآبائنا و أمّهاتنا و ذوى حقوقنا و للمؤمنين و المؤمنات وفّقنا لمّا تحب و ترضى إنّك على كل شي ء قدير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 381

الفهرس

فصل: في موجبات الوضوء و نواقضه 7

في ناقضيّة البول و الغائط 8

في الرّوايات الواردة في ناقضيّة البول و الغائط 9

لا اشكال في ناقضيّة البول و الغائط اذا خرجا عن الموضع الاصلى 10

في ما اذا كان خروج البول و الغائط من غير الموضع الاصلى 10

في التّفصيل بين ما اذا خرجا عن موضع المعتاد و غير المعتاد 11

في بيان ما يستفاد من الرّوايات المطلقة المذكورة في المقام 12

في عدم كون المراد من الاخبار المطلقة التّقييد بخصوص ما يخرج من السّبيلين 13

في عدم حصر النّاقض بما يخرج من السّبيلين 14

في الرّطوبات الخارجة غير البول و الغائط عن المخرجين 15

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 382

في عدم نقض الوضوء بخروج الدّود عن المخرج 15

من النّواقض الرّيح الخارج من مخرج الغائط 15

يعتبر كون الرّيح خارجا عن المعدة 16

في الرّوايات الواردة في ناقضيّة الرّيح الخارج عن المعدة 17

في عدم اعتبار الصّوت او وجدان الرّيح في ناقضيّته 18

في ناقضيّة النّوم الغالب على القلب و السّمع و البصر 19

في ناقضيّة النّوم، جالسا و قائما و ماشيا 19

في الرّوايات الواردة في ناقضيّة النّوم 20

النّوم

النّاقض هو الغالب على القلب و السّمع و البصر 21

في بيان ما يستفاد من الرّوايات الواردة في ناقضيّة النّوم 22

في ما اذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء 23

في ما قيل في الاخبار الواردة 24

كل ما يزيل العقل ينقض الوضوء 25

في وجوب الوضوء عند تحقّق الاغماء 26

وجه الاستدلال على ناقضيّة ما أزال العقل 27

الاستحاضة مطلقا تنقض الوضوء 28

في ما اذا شكّ في طروّ احد النّواقض 29

في ما اذا خرج ماء الاحتقان 29

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 383

في القيح الخارج من المخرج البول او الغائط 30

في استحباب الوضوء عقيب المذى و الودى 31

في استحباب الوضوء بالكذب و الظّلم و الاكثار من الشّعر الباطل 32

في استحباب الوضوء عقيب الرّعاف 33

في استحباب الوضوء عند التقبيل بشهوة 34

في استحباب الوضوء عقيب مسّ الفرج 35

في استحباب الوضوء عند نسيان الاستنجاء 36

في الاشكال و الايراد على استحباب الوضوء في بعض الموارد المذكورة 37

الاولى هو الاتيان بالوضوء برجاء المطلوبيّة 38

فصل: في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة 41

في وجوب الوضوء بالنّذر و العهد و اليمين 42

في بعض الاخبار الواردة في بعض غايات الوضوء 43

في ما يكون الوضوء شرطا في كماله 44

في جواز قراءة المصحف من غير وضوء 45

في كراهة الأكل عند الجنابة 46

في ان الوضوء رافع لكراهة الأكل عند الجنابة 47

في الوضوء الواجب بالنّذر 48

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 384

في الوضوء المستحب النّفسى 49

في الاستدلال على الوضوء المستحب النّفسى 50

في غايات الوضوء الواجب

51

في اعتبار الوضوء في سجدتى السّهو و عدمه 52

في وجوب الوضوء للطّواف الواجب 53

في ما يجب الوضوء بالنّذر 54

في وجوب الوضوء لمسّ كتابة القرآن 55

في ما اذا نذر ان يتوضّأ لكلّ صلاة 56

في وجوب الوضوء لسبب النّذر 57

في ان ينذر الوضوء للكون على الطّهارة 58

في اقسام اسباب النّذر الّذي يجب لها الوضوء 59

في حرمة مسّ كتابة القرآن على المحدث 60

في عدم الفرق بين المسّ ابتداء او استدامة 60

في حرمة المسّ الماحى للخطّ 61

في عدم الفرق بين انواع الخطوط 61

في عدم الفرق في القرآن بين الآية و الكلمة 62

في عدم الفرق بين ما كان في القرآن او في كتاب آخر 62

في حكم مسّ الكلمات المشتركة بين القرآن و غيرة 63

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 385

لا فرق في ما كتب عليه القرآن بين الكاغذ و اللوح و الارض 63

في ما اذا كتب القرآن على الكاغذ بلا مداد 64

في ما اذا كتب القرآن بما يظهر اثره بعد ذلك فالظّاهر هو حرمة المسّ 64

في عدم حرمة مسّ القرآن من وراء الشّيشة 65

في مسّ المسافة الخالية الّتي يحيط بها الحروف 65

في كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه، على الارض 66

في عدم وجوب منع الاطفال من المسّ 67

في عدم الحرمة على المحدث مسّ غير الخطّ 68

في انّ ترجمة القرآن ليست منه 69

في عدم جواز وضع الشّي ء النّجس على القرآن 70

في ما اذا كتبت آية من القرآن على شي ء مأكول لا يجوز للمحدث أكله 70

فصل: في الوضوءات المستحبّة 73

في انّ

الوضوء المستحبّ أقسام 73

في الوضوء المستحبّ في حال الحدث الاكبر 74

في الأمور الّتي يستحبّ لها الوضوء 74

في اقسام الوضوءات المستحبّة 75

في ما يستحبّ في حال الحدث الاصغر 76

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 386

في استحباب الوضوء للطّواف المستحبّ 77

في استحباب الوضوء للتهيّؤ للصّلاة 78

في استحباب الوضوء لدخول المساجد 80

في استحباب الوضوء لدخول المشاهد المشرّفة 81

في استحباب الوضوء لزيارة اهل القبور 82

في استحباب الوضوء لقراءة القرآن 82

في استحباب الوضوء لمسّ حواشى القرآن او حمله 84

في استحباب الوضوء للدّعاء و طلب الحاجة 85

في استحباب الوضوء لزيارة الأئمة عليهم السّلام 85

في استحباب الوضوء لسجدة الشّكر 86

في استحباب الوضوء للاذان و الاقامة 87

في استحباب الوضوء للدّخول ليلة الزفاف 88

في استحباب الوضوء لورود المسافر على اهله 89

في استحباب الوضوء للنّوم 89

في استحباب الوضوء لمقاربة الحامل 89

في استحباب الوضوء للقاضى لمجلس القضاء 89

في استحباب الوضوء للكون على الطّهارة 90

القسم الثانى: من اقسام الوضوءات المستحبّة 90

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 387

في استحباب الوضوء التجديدى 91

في استحباب الوضوء لذكر الحائض في مصلّاها 93

في اعتبار استحباب الوضوء لذكر اللّه تعالى 95

في استحباب الوضوء لنوم الجنب و أكله و شربه و جماعه 96

في استحباب الوضوء لتغسيل الجنب الميّت 98

في استحباب الوضوء لتكفين الميّت و دفنه 99

القسم الثّاني: و هو الوضوء التجديدى 101

في رافعيّة الوضوء للحدث الأصغر 103

لا يجب في الوضوء قصد موجبه 104

في كفاية الوضوء الواحد للاحداث المتعدّدة 106

في ما اذا طرأ موجب الوضوء مع

موجب آخر 107

في ما اذا كان للوضوء غايات متعدّدة 109

في ما اذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة للوضوء 111

في ما اذا اجتمعت الغايات و قصد البعض دون البعض 111

فصل: في بعض مستحبات الوضوء 117

المستفاد من الرّوايات استحباب كون الوضوء بمدّ 118

في ما هو المراد من المدّ 119

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 388

في استحباب السّواك قبل الوضوء 120

في وضع الإناء الوضوء على اليمين 121

في استحباب غسل اليدين قبل الاغتراف 122

في استحباب المضمضة و الاستنشاق 125

في الرّوايات الواردة في المضمضة و الاستنشاق 127

في استحباب التّسمية عند وضع اليد في الماء 128

في الرّوايات الواردة في التّسمية عند الوضوء 129

في الادعية الواردة عند إرادة الوضوء 131

السّابع: الاغتراف باليمنى 132

في الرّوايات الواردة في الاغتراف باليمنى 133

في الاغتراف باليمنى حتّى لنفس غسل اليمنى 135

في استحباب قراءة الادعية المأثورة عند افعال الوضوء 137

التّاسع: غسل كلّ من الوجه و اليدين مرّتين 137

في الرّوايات الواردة في غسل كلّ من الوجه و اليدين مرّتين 138

في انّ غسلة الثّالثة في الوضوء بدعة 141

في استحباب أن يبدأ الرّجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى 143

في وجوب أن يكون الغسل من الأعلى 145

في صبّ الماء على مواضع الغسل 146

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 389

في امرار اليد على مواضع الوضوء 147

في استحباب حضور القلب في جميع افعال الوضوء 147

في استحباب قراءة سورة القدر عند الوضوء 147

في استحباب قراءة آية الكرسي عند الوضوء 148

في استحباب ان يفتح عينيه حال غسل الوجه 148

فصل: في

مكروهات الوضوء 153

في الاخبار الواردة في مكروهات الوضوء 154

في كراهة التّمندل 156

في كراهة الوضوء في مكان الاستنجاء 158

في كراهة الوضوء من الآنية المفضّضة 159

الخامس: الوضوء بالمياه المكروهة 159

فصل: في افعال الوضوء 165

في حدّ غسل الوجه 167

في حدّ الوجه في الوضوء عرضا و طولا 168

في مقدار ما يجب ان يغسل من الوجه 169

في وجوب اجزاء الماء على الوجه عند الغسل 171

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 390

في بعض الاخبار الدّالة على اعتبار جريان الماء 173

في دعوى عدم الفصل بين الغسل و الوضوء 175

في الاخبار الدّالة على كفاية مجرّد التّدهين 176

في التّوفيق بين الطّائفتين من الاخبار 177

هل يجزي استيلاء الماء على المحلّ 178

هل يجب الابتداء بالاعلى و الغسل من الأعلى الى الأسفل 179

في بعض الرّوايات الحاكية عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 180

في استحباب امرار اليد على الوجه بعد الغسل 183

في ما هو المراد من الابتداء بالاعلى 184

في عدم وجوب غسل ما تحت الشّعر 185

المراد من تحت الشّعر هو ما يستره الشّعر من البشرة 186

في وجوب غسل شي ء من اطراف الحدّ مقدّمة 187

انّ ما لا يظهر من الشّفتين بعد الانطباق يكون من الباطن 188

في عدم وجوب غسل الشّعر الخارج عن الحدّ 189

ان كانت للمرأة لحية فهي كالرّجل 189

في عدم وجوب غسل باطن العين و الانف 190

في ما احاط به الشّعر 190

في وجوب غسل الشّعور الرقاق مع البشرة 190

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 391

في ما اذا شكّ

انّ الشّعر محيط أم لا؟ 191

في عدم صحّة الوضوء ما لم يغسل ممّا في الحدّ و لو بمقدار رأس إبرة 192

في ما اذا تيقّن وجود ما يشكّ في مانعيّته 193

في ما اذا شكّ في أصل وجود الحاجب 195

في الثّقبة في الأنف 197

في غسل اليدين 198

في وجوب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل عرفا 198

في وجوب تقديم يد اليمنى في الغسل 199

في وجوب الابتداء بالمرفق في الغسل 201

في ما هو المراد من المرفق 203

في وجوب غسل المرفق نفسيا 204

في وجوب غسل كلّ ما هو في الحدّ 205

في وجوب غسل الشعر مع البشرة 207

في عدم وجوب غسل العضد في من قطعت مرفقه 209

في روايات الواردة في مقطوع اليد و الرّجل 210

في عدم وجوب غسل ما بقى من العضد 211

في وجوب غسل ما بقي دون المرفق 212

في الاستدلال على وجوب غسل ما بقى دون المرفق 213

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 392

في من كانت له يد زائدة دون المرفق 215

في ما اذا كانت اليد الاصليّة مردّدة بين اليدين 216

في ما قيل من عدم وجوب غسل اليد الزّائدة 217

هل يجب المسح بكلّ من اليدين او يكفى المسح بواحدة منهما 218

في حكم الوسخ تحت الاظفار 219

البشرة الواقعة تحت الظّفر من الباطن أم لا؟ 220

في ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزّندين 221

في ما اذا انقطع لحم من اليدين 221

في عدم وجوب قطع اللّحم المنقطع 222

في الشّقوق الّتي تحدث على ظهر الكفّ من جهة البرد 223

في

الاستصحاب التعليقي و الاستصحاب الحكمي المنجّز 225

في ما يعلو البشرة مثل الجوري عند الاحتراق 226

في ما ينجمد على الجرح عند البرء 227

في حكم الوسخ على البشرة 227

في حكم الوسواسي 228

في ما اذا نفذت شوكة في اليد او غيرها 229

يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الاعلى فالاعلى 229

في ما يستدلّ به على صحّة الارتماس في الوضوء 230

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 393

في وجوب مراعاة الاعلى فالاعلى في صورة الغسل بالارتماس 231

في جواز الوضوء بماء المطر 233

في ما اذا شكّ في شي ء انّه من الظّاهر حتّى يجب غسله 234

في مسح الرّأس بما بقى من البلّة في اليد 236

في وجوب ان يكون المسح بباطن الكفّ 237

في الاخبار الواردة في وجوب كون المسح بنداوة الوضوء 238

في وجوب كون المسح على الرّبع المقدم من الرّأس 240

هل يجب ايقاع المسح على خصوص النّاصية 241

في الاخبار الواردة في وجوب المسح بالنّاصية 242

في الاشكال و الايراد على تلك الاخبار 242

في الجمع بين الطائفتين من الرّوايات 244

في مقدار مسح الرّأس عرضا 245

في وجه الاكتفاء بمسمّى المسح 246

في كيفيّة المسح مع العمامة 247

في وجه ان يكون المسح بمقدار ثلاث اصابع عرضا 248

الافضل بل الاحوط هو المسح بمقدار عرض ثلاث اصابع 249

في التّفصيل بين حالتي الاختيار و الاضطرار 250

هل يكتفي في طرف الطّول المسمّى المسح؟ 251

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 394

هل يجب كون المسح من اعلى الرأس الى اسفله 252

هل يجب المسح على خصوص البشرة من الرأس 254

انّ المراد من النّاصية

هو الشّعر النّابت في مقدّم الرأس 255

هل يجوز المسح على الحائل من العمامة؟ 256

يقع الكلام تارة في حال الاختيار و اخرى في حال الاضطرار 257

في الاخبار الواردة في عدم جواز المسح على الحائل في حال الاختيار 257

هل يجب ان يكون المسح بباطن الكفّ 258

في بعض الاخبار الواردة على وجوب كون المسح باليد 259

هل يجب المسح بخصوص باطن الاصابع 260

لا فرق في مسح الرّأس بين ان يكون طولا او عرضا 261

في مسح الرّجلين من رءوس الاصابع الى الكعبين 262

في وجوب كون المسح بظاهر الرّجلين 263

في بعض الاخبار الّتي تدلّ على وجوب كون المسح بظاهر القدمين 264

في وجوب المسح طولا من اطراف الاصابع الرّجلين الى الكعبين 265

في انّ المراد من الكعب ما هو؟ 265

انّ الاحتمالات في موضوع الكعب تبلغ أربعة 266

الواجب هو وقوع المسح على ظاهر القدم 267

في بعض الرّوايات الواردة في عدم استبطان الشّراك 269

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 395

في ما استدلّ به على كون الكعب هو قبّة القدم 270

المراد من المفصل هو المفصل بين السّاق و القدم 271

هل يكون نفس الكعب داخلا في الممسوح أم لا؟ 272

في الاستدلال على كون نفس الكعب داخلا في الممسوح 273

هل يجب عرضا مسح تمام ظهر القدم 275

في عدم وجوب مسح تمام ظهر القدم 276

في وجوب الاستيعاب طولا بين الكعب و اطراف الاصابع 277

في وجوب اخذ البلل للمسح عن بلّة اللّحية او الحاجب 279

في الاخبار الواردة في وجوب اخذ البلل للمسح عن بلّة اللّحية او الحاجب 280

في ما يستدلّ به على

اعتبار كون المسح بتمام الكفّ 281

في بيان ما في بعض الرّوايات من كيفيّة المسح 283

في وجه وجوب كون المسح بثلاث اصابع 284

هل يجب الابتداء في مسح الرّجلين من اطراف الاصابع الى الكعبين 285

في ما يستدلّ به على وجوب الابتداء بالمسح من رءوس الاصابع 286

في الايراد على روايتي حمّاد، و الجواب عنه 287

هل يجب في المسح تقديم الرّجل اليمنى على اليسرى؟ 288

في ما استدلّ على لزوم التّرتيب في مسح الرّجلين 289

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 396

هل يجب كون مسح الرّجل اليمنى باليد اليمنى؟ 291

هل يجب ايقاع المسح على خصوص بشرة ظهر القدم 293

في الشّعر النّابت على ظهر القدم انّه من البشرة أم لا؟ 294

في وجوب ازالة الموانع عن محلّ المسح 295

في من قطع بعض قدمه مسح على الباقي 296

في اعتبار ان يكون المسح بنداوة الوضوء 297

هل يجب كون المسح بالنّداوة الباقية في خصوص الكفّ من اليدين؟ 298

في الاخبار الواردة في المسح بنداوة اليد 299

في ما اذا نسي الرّجل مسح رأسه 301

في يبوسة نداوة اليد قبل المسح 303

في جواز اخذ البلّة من ساير الاعضاء اذا جفّت نداوة الكفّ 305

هل يكون الترتيب بين الاعضاء من حيث اخذ البلّة عنها بعد جفاف بلّة اليد؟ 306

في تقديم اخذ البلّة من اللّحية اذا جفّت بلّة اليد 307

هل يجوز الاخذ من نداوة المسترسل من اللّحية 308

في اشتراط تأثّر الممسوح في المسح برطوبة الماسح 309

في لزوم رفع الحاجب من الماسح 311

في ما اذا لم يمكن المسح بباطن الكفّ 311

في ما اذا كان عدم التّمكن

من المسح بالباطن من جهة عدم الرّطوبة 312

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 397

في وظيفة من لم يقدر على المسح بباطن الكفّ 313

في وجوب المسح بظاهر الكفّ اذا تعذّر بباطنه 315

في ما اذا تعذّر المسح بباطن الكفّ لاجل علّة في الباطن 316

في ما اذا كانت الرّطوبة على الماسح زائدة 317

يشترط في المسح امرار الماسح على الممسوح 319

في بيان حقيقة المسح و الماسح و الممسوح 320

في ما اذا لم يمكن حفظ الرّطوبة في الماسح من جهة الحرّ او غيره 321

في ما اذا يبست النّداوة احتمالات 322

في ما اذا تعذّر المسح بنداوة الوضوء 323

في اجراء قاعدة الميسور و هو المسح بماء جديد 324

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 397

في ما يقتضي ما يستفاد من قاعدة الميسور 325

انّ مبنى مدرك الاستدلال بقاعدة الميسور، هو الرّوايات الثلاثة 326

في ما اذا صار بعض اجزاء المأمور به متعذّرا 327

في الاستدلال بقاعدة الميسور 329

في وجوب الاتيان بالوضوء الفاقد للجزء 331

في بيان كيفيّة مسح الرّجلين 332

في جواز المسح على الحائل كالقناع في حال الضّرورة 334

في الاستدلال على صحّة العمل الواقع تقيّة 335

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 398

في جواز المسح على الخفّين في صورة التقيّة 336

في جواز المسح على الجورب و نحوه في البرد 337

هل يكون الخوف من السّبع او العدوّ او نحوهما من موارد الاضطرار او لا؟ 338

في ما لو كان الحائل

متعدّدا و كان الاضطرار ببعضه 339

في ما اذا ضيق الوقت من رفع الحائل 340

انّما يجوز المسح على الحائل في الضّرورات 341

هل يجوز المسح على الحائل اذا اضطرّ إليه في بعض الوقت 342

في الضّرورة الّتي تحصل بسبب التّقية 343

في جواز البدار و عدمه 344

في الاخبار الواردة في جواز البدار 345

انّ اطلاق التقيّة يقتضي جوازها حتّى مع وجود المندوحة 347

يجوز البدار لأجل حفظ الواقع مع التستّر 348

في ما اذا غسل الرّجلين مكان المسح تقيّة 349

في حكم وجود المندوحة و عدم وجودها 350

في رواية داود الرّقي 352

في بعض الرّوايات الّتي وردت عن تقيّة 353

في بعض الاخبار الواردة على الحثّ و التّرغيب على الصّلاة مع المخالفين 354

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 399

هل يجوز البدار و العمل بالتقيّة حتّى مع تمكّنه من حفظ الواقع بالتستّر عنهم أو لا؟ 356

في بعض الاخبار الّتي تدلّ على وجوب التستّر و حفظ الواقع 357

هل يجب الاتيان بالواقع مع امكان حفظه باراءتهم انّه يعمل على طبق مذهبهم أم لا؟ 358

هل يجب بذل المال لرفع التقيّة أم لا؟ 359

في ما اذا ترك التقيّة في مقام وجوبها 360

في انّ الامر بالتقيّة يقتضي حرمة ما لا يحرم لو لا التقيّة 361

تجب المبادرة الى الوضوء اذا علم انّه أخّره يضطرّ الى المسح على الحائل 362

في عدم وجوب المبادرة اذا كان الاضطرار بسبب التقيّة 363

في عدم الفرق بين وضوء الواجب و المندوب في جواز المسح على الحائل 365

في ما اذا اعتقد التقيّة فمسح على الحائل ثمّ بان بعدم لزوم التقية 366

في دوران

غسل الرجل او المسح على الحائل تقيّة 367

في ما اذا زال السّبب المسوغ للمسح على الحائل 368

في ما اذا ارتفعت التقيّة بعد الوضوء عن تقيّة 369

في ما اذا عمل في مقام التقيّة بخلاف مذهب من يتّقيه 370

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 400

في جواز الصّب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة 371

يجب الابتداء في الغسل بالاعلى 372

في كراهة الاسراف في ماء الوضوء 373

في استحباب ان يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ 374

في جواز رمس أحد الاعضاء و اتيان البقيّة على المتعارف 374

في الاشكال في وضوء الوسواسي 375

في غير الوسواسي اذا بلغ في امرار يده على اليسرى 376

في كفاية مسح الرّجلين بواحدة من الاصابع الخمس الى الكعبين 377

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء السادس

[تتمة كتاب الطهارة]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[فصل في شرائط الوضوء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل في شرائط الوضوء الأوّل: إطلاق الماء، فلا يصح بالمضاف و لو حصلت الاضافة بعد الصب على المحل من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه فاللازم كونه باقيا على الاطلاق إلى تمام الغسل.

الثاني: طهارته، و كذا طهارة مواضع الوضوء و يكفى طهارة كل عضو قبل غسله و لا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محالّه طاهرا فلو كانت نجسة و يغسل كل عضو بعد تطهيره كفى، و لا يكفى غسل واحد بقصد الازالة و الوضوء و إن كان برمسه في الكرّ أو الجارى، نعم لو قصد الإزالة بالغمس و الوضوء باخراجه كفى و لا يضرّ تنجس عضو بعد غسله و إن لم يتمّ الوضوء.

(1)

أقول: في الفصل يقع الكلام في شرائط الوضوء:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 8

الشرط الأوّل: إطلاق الماء في الوضوء و الكلام فيه في موردين:
المورد الأوّل: اعتبار إطلاق الماء في الوضوء

في الجملة مما لا إشكال فيه فتوى و نصا، أمّا فتوى لكون الحكم مشهورا معروفا، بل حكى دعوى عدم الخلاف عن المبسوط و السرائر، و ادعى عليه الاجماع كما هو المنقول عن غير واحد و لم ينقل الخلاف إلّا ما حكي عن ظاهر ابن أبي عقيل؛ من جواز الطّهارة بالماء المضاف عند فقدان الماء، و عن الصدوق رحمه اللّه من جواز الوضوء بخصوص ماء الورد.

أما نصا فلقوله تعالى: (وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)* «1».

بعد مسلمية عدم كون المضاف ماء و إطلاق الماء عليه يكون مسامحة فتدل (الآتيان) على عدم رافعية المضاف للحدث و أنّه بعد فقد الماء تصل النوبة بالتيمم.

و لما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في الرجل يكون معه اللبن أ

يتوضأ منها للصلاة؟ قال: إنّما هو الماء و الصعيد) «2».

فهي تدلّ على انحصار المطهّر بالماء و الصعيد، فلا يجوز الوضوء بالمضاف و لا يكتفى به.

و أمّا ما حكي عن ابن أبي عقيل من جواز الطّهارة بالمضاف مع عدم الماء فلم نجد له وجها.

و ما قيل في وجهه من التمسك بقاعدة الميسور، فمضافا إلى بعض ما استشكل على هذه القاعدة و أمضينا الكلام فيها في الأصول في بحثنا و فيما كتبنا فيها و ما هو

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 43 و سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 1 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 9

الحق فيها، فلا مجال للتمسك بها في المقام لأنّه بعد تصريح القرآن الكريم و الحديث الشريف على أنّ بعد فقد الماء يكون المطهّر هو الصعيد، فلا معنى للقول بكون بدل الماء، الماء المضاف.

و أمّا وجه قول الصدوق رحمه اللّه فهو ما رواها يونس عن أبي الحسن عليه السلام (قال:

قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة، قال: لا بأس بذلك) «1».

قال في الوسائل (و رواها الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب ثم قال: هذا خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره قال: و يحتمل أن يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد فإن ذلك يسمّى ماء ورد و إن لم يكن معتصرا منه) «2».

أقول: أما الرواية باعتبار السند فاعلم أنّه مضافا إلى الكلام في بعض رواتها من حيث الوثاقة و عدمها مثل سهل بن زياد و محمد بن عيسى، فقد بينّا ما هو المذكور من الشيخ رحمه اللّه من إجماع العصابة على ترك العمل بظاهرها،

فهذا هو المتيقن من الاعراض، لأنّ الاعراض تارة يقال بحصوله بمجرد مخالفة فتوى المشهور مع مضمون الرواية، و تارة باظهار الاعراض عنها، و أنّهم معرضون عما هو مفاد الرواية، و هذا القسم هو المتيقن من الاعراض، و هو موجود في المقام لأنّ الشيخ رحمه اللّه يحكى ترك العصابة العمل بظاهرها، فليست الرواية بحجة.

و أمّا ما رواها الصدوق (محمد بن علي بن الحسين عليه السلام مرسلا قال: لا بأس بالنبيذ لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد توضأ به، إنّ ذلك ماء قد نبذت فيه تمرات، و كان صافيا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الوسائل ج 1، ص 148.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 10

فوقها فتوضأ به) «1».

فلا يصح الاستناد بها لضعفها سندا من جهة ارسالها و اعراض الاصحاب عنها، للاشكال فيها دلالة لعدم كون الظاهر فيها جواز الوضوء بالنبيذ المعروف.

الدالّ على نجاسته و حرمته بعض الأخبار المذكور في الاشربة المحرمة، بل المراد هو القسم الحلال منه كما يظهر من بعض الأخبار مثل الرواية 2 من الباب المذكور فيها هذه المرسلة.

فتلخص من كل ذلك اشتراط كون ماء الوضوء مطلقا في الجملة و قد مضى الكلام فيه في طى الفصل الأوّل في المياه.

المورد الثاني: بقاء الماء على الاطلاق إلى تمام الغسل و المسح

أعنى: حصول مسمّاهما.

و وجه اعتبار ذلك واضح، لأنّه بعد اشتراط إطلاق الماء في الوضوء و هو عبارة عن الغسلتين و المسحتين فلا بدّ من بقاء الماء على الاطلاق الى حصول مسمّى الغسل و المسح، فلو حصلت الإضافة بعد صب الماء على المحل بسبب وسخ في محل الوضوء أو الغبار أو غيرهما قبل تمام الوضوء الحاصل تماميته بتحقق مسمى الغسل

و المسح لم يتحقق الوضوء بالماء المطلق.

و ما في عبارة المؤلف رحمه اللّه من كفاية بقاء الماء على الاطلاق إلى تمام الغسل إن كان نظره ما قلنا من كفاية بقاء الماء على الاطلاق إلى تمام حصول مسمى الغسلتين و المسحتين فتم كلامه، و الظاهر كون نظره الشريف إلى ذلك و إن عبّر (الى تمام الغسل).

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 2 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 11

و إن كان نظره إلى كفاية بقاء إطلاق الماء إلى حصول مسمى الغسل و إن لم يبق اطلاقه إلى حصول مسمّى المسح فغير صحيح، لأنّه لا بدّ من كون المسح بنداوة الماء من الوضوء و مع اضافته حال المسح قبل حصول مسماه لم يحصل المسح بنداوة الماء من الوضوء، فلم يتحقق الوضوء بالماء المطلق فلا يكتفى بهذا الوضوء.

الشرط الثاني: طهارة ماء الوضوء و طهارة مواضع الوضوء،
اشارة

فالكلام في الموردين:

الأوّل: اشتراط طهارة ماء الوضوء،

و يدلّ على هذا الشرط روايات واردة في موارد مختلفة يستفاد منها شرطية طهارة ماء الوضوء مثل الرواية 1 و 3 و 4 و 7 من الباب 3 و الرواية 1 و 2 و 5 من الباب 8 و الرواية 4 من الباب 9 و الرواية 4 و 5 و 8 و 11 و غيرها من الباب 11 من أبواب الماء المطلق من الوسائل، نذكر واحدة منها تيمنا و هي ما رواها حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام (أنّه قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فاذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب) «1».

الثاني: اشتراط طهارة مواضع الوضوء، و الكلام فيه يقع في موردين:
المورد الأوّل: فيما يدل على اشتراطها،

اعلم أن المراجع في الفقه لا يرى تعرضا لهذا الشرط في كلمات القوم إلى الاواخر، فلا مجال لدعوى الشهرة أو الاجماع على اشتراطها فيها، نعم ما يرى هو التعرض في الغسل و بيان اشتراط طهارة محل الغسل فيه.

و على كل حال ما يمكن أن يستدلّ به على اشتراط طهارة محال الوضوء فيه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 12

بعض ما يستدلّ به من الروايات على اشتراط طهارة محل الغسل و موضعه في الغسل، فيقال بعد ثبوت اشتراطها فيه نقول باشتراطه في الوضوء أيضا، للعلم بكون الوضوء مثل الغسل في هذه الجهة.

مثل ما رواها حكم بن حكيم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: افض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها، ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثم اغسل فرجك و افض علي رأسك و جسدك فاغتسل فإن كنت

في مكان نظيف فلا يضرّك أن لا تغسل رجليك، و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك، قلت: إن الناس يقولون: يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك و قال:

و أيّ وضوء أنقى من الغسل و أبلغ) «1».

بدعوى دلالة قوله عليه السلام (افض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك الخ) على أن الأمر بغسل اليمنى و غسل ما أصاب على الجسد من اذى و غسل الفرج يكون لاجل رفع النجاسة الواقعة عليها و تطهيرها بالماء لاشتراط طهارة محل الغسل في صحة الغسل.

و مثل ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (قال: سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفيك (فتغسلهما) ثم تغسل فرجك، ثم تصبّ (الماء) على رأسك ثلاثا، ثم تصبّ (الماء) على سائر جسدك مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهر). «2»

و غير ذلك، راجع الباب 2 من أبواب الغسل و أحكامه من جامع أحاديث

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 2 من أبواب الغسل و احكامه من جامع احاديث الشيعة، و الرواية 7 من الباب 25 و الرواية 1 من الباب 26 من أبواب الجنابة من الوسائل فالرواية رواية واحدة تقطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الغسل و احكامه من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 13

الشيعة.

أقول: إن سلّم دلالة الروايتين و نظيرهما على اشتراط طهارة مواضع الغسل في الغسل و عدم حملها على الاستحباب، فلا يكفى ثبوت الحكم في الغسل لثبوته في الوضوء، إلّا أن يدعى العلم أو الاطمينان بكون الوضوء مثل الغسل في هذا الحكم.

و إن تم ذلك يكون دليلا

على اشتراط طهارة مواضع الوضوء في الوضوء و لو لم يتم ذلك فلا وجه لاعتبار طهارة مواضع الوضوء، و حيث إنّه لا يرى تعرض عن هذه المسألة في كلمات القدماء، فلا وجه لدعوى الشهرة أو الاجماع في المسألة، نعم مع التسلم عند المتأخرين يقال: بأن الأحوط وجوبا هو طهارة مواضع الوضوء، هذا ما يأتي بالنظر عاجلا في المقام.

المورد الثاني: بعد فرض كون طهارة مواضع الوضوء شرطا في الوضوء
اشارة

يقع الكلام في أنه:

هل يجب كون تمام أعضاء الوضوء طاهرا قبل الشروع في الوضوء، فكما يجب طهارة الوجه، و هو اوّل موضع من مواضع الوضوء، قبل الشروع فيه يجب طهارة الرجل اليسرى، و هي آخر مواضع الوضوء.

أو تجب طهارة كل عضو قبل الشروع في غسله أو مسحه، فيجب طهارة الوجه قبل الشروع فيه و يجب طهارة اليد اليمنى قبل الشروع فيها، و هكذا، فلو شرع في غسل الوجه و يكون اليد اليمنى أو ما بقى من الاعضاء نجسا لا يضر بالوضوء إذا طهّر كل عضو حين غسله أو مسحه.

أو لا يجب ذلك أيضا، بل يجب كون الفراغ من غسل كل عضو مقارنا لطهارة هذا العضو بحيث لم تبق نجاسة كل عضو بعد غسله، و بعبارة اخرى يكفى في حصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 14

الشرط عدم بقاء نجاسة كل عضو بعد غسل هذا العضو، و أثره الاكتفاء بغسل واحد لرفع الخبث و الحدث، فلو كانت اليد نجسة و أصابها الماء بقصد إزالة الخبث و الحدث يكفى، بل يكفى إصابة الماء على اليد النجسة بقصد رفع الحدث فقط، لأنّ ازالة الخبث لا يحتاج إلى القصد و مجرد إصابة الماء بها يرفع الخبث و لو لم يقصد رفعه بل يقصد أمرا آخر.

أو يفصل بين ما

يكون الغسل في الماء الكثير أو كانت النجاسة في آخر العضو و إن كان الماء الماء القليل فيكتفى بغسل واحد لرفع الحدث و ازالة الخبث، و بين ما كان الغسل في الماء القليل و لا يكون المتنجس آخر العضو من أعضاء الوضوء، فيقال بعدم الاكتفاء بغسل واحد لازالة الخبث و رفع الحدث.

وجه الاحتمال الأوّل، ظهور بعض الروايات الوارد في الجنابة في وجوب تطهير محل الغسل قبل الشروع في الغسل مثل الروايتين المتقدمتين و هي رواية حكم بن حكيم و محمد بن مسلم.

وجه الاحتمال الثاني، لسان بعض الأخبار الوارد في الغسل بعد كون المراد من الغسل غسل كل عضو قبله لشدة اقتضاء المناسبة ذلك خصوصا رواية حكم بن الحكيم المتقدمة.

و أنّ الاصل عدم التداخل لأنّ كل سبب يقتضي مسببا مستقلا، فلا وجه لتداخل ما هو مسبب من الخبث فيما هو مسبب من الحدث.

و للزوم وقوع الغسل على المحل الطاهر و إلّا لأجزأ الغسل و لو مع بقاء عين النجاسة، و بأن الماء ينفصل بمجرد الملاقات فلا يمكن الغسل.

وجه الاحتمال الثالث، هو أنّه بعد كون المطلوب في ازالة النجاسة الخبثية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 15

ليس إلّا ازالة النجاسة بالغسل كيف ما اتفق و لو مع عدم القصد، بل و إن كان مع قصد الخلاف، و المطلوب في ازالة الحدث هو إتيان الوضوء و حصوله مع قصد التقرب، فاجتمع مطلوب مطلق مع مطلوب مقيد، و لا إشكال في تحقق المطلق في ضمن المقيّد فيحصلان بفعل واحد أعنى: غسلا واحدا، و مما مرّ يظهر فساد التمسك بأنّ الاصل عدم التداخل.

وجه الاحتمال الرابع، و هو التفصيل، و أن الماء إن كان كثيرا لا تكون الغسالة

نجسة، و كذا لو كانت النجاسة في آخر العضو فتنفصل الغسالة فلا يصير المحل نجسا، و لهذا يمكن تحقق الطّهارة الخبثية و الحدثية بغسل واحد.

و أمّا إن كان الماء قليلا و كانت النجاسة في غير آخر العضو، مثلا كان في أعلى العضو أو وسطه ينجس المحل بنجاسة الغسالة.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: بعد ما لا دليل في البين يدلّ على شرطية طهارة مواضع الوضوء (إلّا ما ذكر و ذكرنا من أنّه بعد اشتراط طهارة مواضع الغسل يشترط طهارة مواضع الوضوء لكونه مثل الغسل في هذا الحكم)، فنقول: إنّ مواضع الوضوء إن كانت نجسة ينجس ماء الوضوء بملاقاتها إن توضأ بالماء القليل، فلا يتمكن معه من الوضوء لأنّ المفروض اشتراط طهارة مائه.

إن قلت: إنّه كما قلتم بأنّه لا يضرّ نجاسة الماء بعد الاستعمال في بقائه على طهارته حال مطهريته و إلّا فلا يطهر متنجس بالماء القليل أصلا، لأنّ الماء ينجس بملاقات النجس فيصير نجسا، فتكون نتيجة ذلك عدم مطهرية الماء القليل و لا يمكن الالتزام به.

قلت: إنّ ما قلنا في طريق تطهير المتنجسات من عدم نجاسة الماء المطهّر بملاقاته للمتنجّس الّذي يطهّره كان من باب ما نرى من مطهرية الماء القليل مسلّما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 16

كما هو مورد كل الأخبار الواردة في الباب، فلا بدّ لنا بعد هذا التسلم من التصرف في بعض العمومات.

و ليس في المقام هذه الضرورة إذ يمكن تطهير الموضع من الوضوء إن كان نجسا قبلا ثم غسله بالماء الطاهر للوضوء.

ثم بعد ذلك نقول: إنّه بعد فرض اشتراط طهارة محل الوضوء لما ورد في باب الغسل، فما ينبغى أن يقال من بين الاحتمالات الاربعة المتقدمة، فنقول

بعونه تعالى:

إنّ ظاهر ما قد منا من الروايتين الواردتين في الغسل هو الاحتمال الأوّل، و هو اعتبار طهارة مواضع الوضوء قبل الشروع في الوضوء.

لكن ربّما يقال بكفاية طهارة كل عضو قبل الشروع في غسله أو مسحه، و هو الاحتمال الثاني.

إمّا لبعد دخل طهارة عضو في العضو الآخر، مثلا دخل طهارة اليد في غسل الوجه.

و إمّا بأنّ المناسبة تقتضى كون الطّهارة المشترطة شرطا و دخيلة في غسل نفس الموضع النجس، مثلا إذا كانت اليد اليمنى نجسة و أراد غسلها للوضوء فالمناسبة تقتضي طهارتها لغسل نفس اليد لا لغسل عضو آخر.

و إمّا لخصوص ما في رواية حكم بن الحكيم المتقدمة (فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك الخ) بدعوى أنّ الظاهر منها وجوب غسل الرجل و تطهيره من النجاسة قبل غسله.

و ما يأتي بالنظر هو أنّ كل هذه الوجوه قابلة للخدشة (و يأتي الكلام في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 17

المسألة إن شاء اللّه في غسل الجنابة في المسألة 5 من المسائل المتعلقة بكيفية غسل الجنابة و متعلقاتها).

أمّا دعوى بعد دخل طهارة عضو في غسل العضو الآخر فمجرد الاستبعاد لا يكون دليلا، خصوصا مع ما نرى من عدم اطلاعنا على الملاكات الشرعية و مصالحها و مفاسدها، فلا وجه للاستبعاد.

و أمّا شدة المناسبة فهي تقتضى دخل طهارة كل عضو في غسله، و لا تقتضى عدم دخل طهارة هذا العضو في غسل عضو آخر.

و أمّا رواية حكم فهذه الفقرة منها ليست إلّا في مقام بيان وجوب غسل الرجل على فرض نجاستها، و أمّا كون التطهير في أيّ وقت فلا تعرض لها.

بل الظاهر

منها كون الحكم بالتطهير كما يستفاد من بعض الروايات المذكورة في بابها غير مربوط بالغسل أصلا، بل مربوط ببعد الفراغ من الغسل، و أنّه إن صارت رجليه نجسه يطهّره، فلا وجه للاستشهاد بالرواية على الاحتمال الثاني.

و مما مرّ من كون لأقوى الاحتمال الأوّل، و هو طهارة مواضع الوضوء قبل الشروع في الوضوء،

يظهر لك امور:
الأمر الأوّل: أنّه لا يكتفى بغسل واحد لازالة الخبث و رفع الحدث

و إن كان الغسل بالماء العاصم أو كانت النجاسة في آخر موضع من الغسل يوجب انفصال الغسالة عن المحل، لأنّ مقتضى الدليل تقديم تطهير موضع الغسل قبل الغسل و قبل الشروع في الوضوء بناء على كونه مثل الغسل في هذا الحكم.

الأمر الثاني: فيما يزيل الشخص النجاسة بالغمس في الماء العاصم،

فلا يمكن قصد الوضوء بالاخراج عن الماء و لا يتحقق الغسل الوضوئي إلّا فيما كانت النجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 18

في خصوص الوجه، لأنّه بعد فرض ما قوّينا من اشتراط طهارة الأعضاء قبل الشروع في الوضوء، فالنجاسة إن كانت في الوجه فيطهر الوجه بالغمس في الماء و يقصد غسل الوجه للوضوء بالاخراج عن الماء.

و أمّا إن كانت النجاسة في ساير الأعضاء فلا يحصل الغسل الوضوئي بالاخراج، لأنّه وقع الغسل للجزء السابق على الجزء المتنجّس بلا شرط، لاشتراط طهارة مواضع الوضوء قبل الشروع، مثلا إن كانت النجاسة في اليد فتطهيرها، و إن كان يحصل بالغمس لكن لا يصح الوضوء لوقوع غسل الوجه و هو من أجزاء الوضوء قبل تطهير اليد عن النجاسة، و على الفرض يشترط في الوضوء طهارة تمام أعضاء الوضوء قبل الشروع و من جملة الأعضاء الوجه، فلا يصح الوضوء.

نعم بناء على الاحتمال الثانى و هو اشتراط طهارة كل عضو قبل غسله إن كان العضو نجسا، يحصل تطهيره بالغمس في الماء العاصم و يصح قصد غسل الوضوء بالاخراج سواء كان هذا العضو وجها أو اليدين.

الامر الثالث: أنه فيما قلنا من أنه إذا كانت النجاسة في الوجه

و يريد المتوضى إزالة النجاسة عن الوجه بالغمس في الماء العاصم و الوضوء بالاخراج، فلا يحتاج إزالة الخبث و النجاسة بالغمس إلى القصد بذلك، لأنّ إزالة الخبث غير محتاج إلى القصد بل لو غمس وجهه في الماء و لو بلا قصد أو لقصد التبريد و غيره حصلت الطهارة عن الخبث، فلو أراد الوضوء يمكن أن يقصد غسل الوجه بالاخراج للوضوء، و في هذا يحتاج إلى القصد، لأنّه لا تحصل الطّهارة عن الحدث إلا بقصد التقرب.

كما أنّه على الاحتمال الثاني لو كان بعض أعضاء الوضوء

نجسا و لو غير الوجه لا يحتاج في ازالة النجاسة الخبثية القصد، بل للازم للطّهارة الحدثية، فالفرق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 19

بين الاحتمال الأوّل و ما اخترنا و بين الاحتمال الثاني ليس إلّا أن النجاسة الخبثية إن كانت في الوجه فقط إذا حصلت ازالة الخبث بالغمس و لو بلا قصد يصح الوضوء و غسل الوجه له بالاخراج إذا قصد به التقرب على الاحتمال الأوّل.

و أمّا على الاحتمال الثاني فاذا كانت النجاسة في الوجه أو في غيره إذا حصلت الطّهارة بالغمس و لو بلا قصد يصح أن يقصد الغسل للوضوء بالاخراج عن الماء.

فما يظهر من ظاهر عبارة المؤلف رحمه اللّه من قوله (نعم لو قصد الإزالة بالغمس و الوضوء باخراجه كفى) من دخل قصد إزالة النجاسة في تحقق ازالة النجاسة بالغمس في الماء غير تمام، إلّا أن يقال بانه فرض صورة القصد لا أنّه إذا كان الغمس في الماء العاصم بلا قصد لا يتحقق إزالة النجاسة بالغمس في الماء.

تتمة: لا يضرّ تنجس عضو بعد غسله

و إن لم يتم الوضوء لعدم دليل على اشتراطه، و مع الشك في اعتباره يكون مجرى البراءة، لأنّ في الشك في جزئية شي ء أو شرطيته تجرى البراءة.

***

[مسئلة 1: التوضى بماء القليان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا بأس بالتوضؤ بماء القليان ما لم يصر مضافا.

(1)

أقول: واضح لأنّه بعد عدم كونه مضافا يكون ماء و لا فرق بين المياه من حيث الحكم بعدم البأس بالتوضؤ منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 20

[مسئلة 2: لا يضرّ في صحة الوضوء نجاسة ساير مواضع البدن]

قوله رحمه الله

مسئلة 2: لا يضرّ في صحة الوضوء نجاسة ساير مواضع البدن بعد كون محالّه طاهرة، نعم الأحوط عدم ترك الاستنجاء قبله.

(1)

أقول: أما عدم مضرية نجاسة ساير مواضع البدن في صحة الوضوء لعدم دليل على اشتراط طهارتها للوضوء و لا مانعية نجاستها له، و مع الشك في دخلها فيه يحكم بعدمه بمقتضى أصالة البراءة.

و أمّا وجه مضرية ترك الاستنجاء قبل الوضوء، و لزوم إعادة الوضوء بترك الاستنجاء، فكما بيّنا في طى المسألة 4 من المسائل المتعلقة بفصل موجبات الوضوء بعض الروايات:

منها ما رواها أبو بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام إن أهرقت الماء و نسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت فعليك إعادة الوضوء و غسل ذكرك «1».

و منها ما رواها عمر و بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صلّيت، قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوئك «2».

و غير ذلك المذكور في الباب المذكور، و مقتضى الاولى غسل الذكر و إعادة الوضوء، و مقتضى الثانية غسل الذكر و إعادة الصلاة لا إعادة الوضوء.

و ما يدلّ على عدم وجوب إعادة الوضوء مثل الرواية الثانية.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 18 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 21

هى

ما رواها علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يبول و ينسى غسل ذكره، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، قال: يغسل ذكره و لا يعيد الوضوء «1».

و ما يدل على عدم وجوب إعادة الصلاة مثل الرواية الاولى.

و هي ما رواها عمر و بن أبي نصر الرواية 13 و 14 المذكورين فى باب 4 باب أنّه لا يعاد الوضوء بترك الاستنجاء و حكم إعادة الصلاة من كتاب جامع أحاديث الشيعة جلد 2 صفحه 365، كما أنّ ما يدل على إعادة الوضوء معارض مع الرواية الثالثة و الثانية المذكورتين فى هذا الباب.

و على فرض حجيتها بعد نصوصية بعض ما في الروايات على عدم وجوب اعادة الوضوء و الصلاة، لا بدّ من حمل الأمر باعادة الوضوء و الصلاة، كما في بعض الآخر من الروايات على الاستحباب فتكون النتيجة استحباب إعادة الوضوء و الصلاة مع نسيان الاستنجاء، و لازم ذلك عدم مضرّية عدم الاستنجاء و عدم مانعيته لصحة الوضوء، أو عدم اشتراط طهارته في صحة الوضوء.

و لكن حيث احتمل صدور ما دلّ على وجوب إعادة الوضوء أو الصلاة بنسيان الاستنجاء تقية يقال: إن الأحوط استحبابا عدم ترك الاستنجاء قبل الوضوء.

***

[مسئلة 3: إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 22

لا يضره الماء و لا ينقطع دمه فليغمسه بالماء و ليعصره قليلا حتى ينقطع الدم آنا ما، ثم ليحرّكه بقصد الوضوء مع ملاحظة الشرائط الاخر، و المحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى بأن يقصد الوضوء بالاخراج من الماء.

(1)

أقول: بيّن المؤلف رحمه

اللّه على مبناه المذكور في الفصل في كيفية شرطيّة طهارة مواضع الوضوء طريقا للوضوء لمن يبتلى بالجرح.

و على ما اخترنا- من وجوب تطهير مواضع الوضوء قبل الشروع فيه بناء على دلالة رواية حكم و محمد بن مسلم المتقدمتين على شرطية طهارة مواضع الغسل و بناء على التعدى من الغسل إلى الوضوء- يمكن فرض المسألة فيما كان الجرح في الوجه: فيغمس الوجه المجروح في الماء و يعصره قليلا حتى ينقطع الدم آنا مّا، ثم يخرجه عن الماء بقصد الوضوء و حصل الغسل الوضوئي، فلو أخرج الدم عن الجرح الواقع في الوجه بعد غسله لا يضر بالوضوء و إن كان قبل إتمام الوضوء لعدم مضرية تنجس العضو بعد غسله كما مر في ذيل الفصل.

و أمّا إن كان الجرح في غير الوجه من أعضاء الوضوء فإن أمكن غسله بالنحو المذكور قبل الشروع في الوضوء، و بقى على الطّهارة إلى أن غسل هذا العضو أو مسحه، و لم يخرج منه الدم من الشروع إلى تمام غسله أو مسحه فأيضا يصح الوضوء.

و أمّا لو لم يمكن ذلك بأن لا ينقطع الدم قبل الشروع في الوضوء إلى تمام غسل الموضع المجروح أو مسحه، فلا يتمكن من غسله قبل الشروع، أو لو تمكن لم يبق على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 23

الطهارة إلى تمام غسله أو مسحه لا يصح الوضوء، لما قلنا من أنّ الأقوى طهارة تمام مواضع الوضوء قبل الشروع في الوضوء.

***

[الشرط الثالث: أن لا يكون على المحل حائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث: أن لا يكون على المحل حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، و لو شك فى وجوده يجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه، و مع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله.

(1)

أقول:

تقدم وجه الحكم المذكور في المسألة في طى المسألة 9 من غسل الوجه و نقول إجمالا:

إنّ في المسألة مسائل:
المسألة الاولى: أن لا يكون على المحلّ حائل

يمنع وصول الماء إلى البشرة، و وجهه واضح لأنّه بعد كون الواجب غسل البشرة فاللازم رفع المانع حتى يصل الماء إلى البشرة.

المسألة الثانية: لو شك في وجود الحاجب

يجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن المعتبر بعدمه، و لا يكفى مطلق الظن و لو لم يكن دليل على اعتباره كما يتوهم ذلك من إطلاق كلام المؤلف رحمه اللّه لعدم حجية مطلق الظن، و ما في بعض شروح «1» العروة- من الاكتفاء بمطلق الظن بدعوى انّ السيرة قائمة على الاكتفاء به في مقام

______________________________

(1) المحقق الآملى، مصباح الهدى، ج 3، ص 362.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 24

الفحص و يقال: بأنّ الشارع لم يردع عنه فهى حجة- ففيه أوّلا على هذا يكون الظن من الظن المعتبر لا من باب حجية مطلق الظن، و ثانيا وجود السيرة حتى مع عدم حصول الاطمينان أو الظنّ الخاص المعتبر غير مسلّم إن لم يكن مسلّم العدم.

و أمّا وجه لزوم تحصل العلم أو الظن المعتبر، فلانه بعد فرض الاشتغال اليقينى بوجوب غسل البشرة أو مسحها، فلا بدّ من تحصيل البراءة اليقينية، و هي تحصل بالعلم أو ما يقوم مقامه من الظن المعتبر.

و قد يقال بعدم وجوب الفحص تمسكا بأمور:

الامر الأوّل: دعوى الاجماع على عدم وجوب الفحص.

و فيه إن الاجماع إن كان منقولا فلا دليل على حجيته، و إن كان محصّلا فتحققه غير معلوم إن لم يكن معلوم العدم.

الامر الثاني: دعوى السيرة على عدم الفحص في صورة الشك في وجود الحائل.

و فيه إن كان النظر في دعوى السيرة، السيرة المتشرعة بما هم متشرعة فوجود هذه السيرة فعلا غير معلومة فضلا عن السيرة المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم عليه السلام الكاشفة عن قوله أو فعله أو تقريره

عليه السلام.

و إن كان النظر إلى سيرة العقلاء، فسيرتهم حتى مع عدم الاطمينان بوجود الحائل و عدمه غير معلوم.

الامر الثالث: ما رواها أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه بلغه أنّ نساء كانت إحداهنّ تدعو بالمصباح في جوف الليل تنظر إلى الطهر، فكان يعيب ذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 25

و يقول: متى كان النساء يضعن هذا «1».

بدعوى دلالتها على عدم وجوب الفحص في صورة الشك فى حصول الطهر فيقال: مع الشك في الطهر لا يجب الفحص بمقتضى الرواية، فكذلك فى ما نحن فيه لا يجب الفحص مع الشك فى الحائل.

و فيه أن هذه الرواية وردت في الحيض، و مثلها رواية ثعلبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان ينهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن في المحيض بالليل، و يقول: إنها قد تكون الصفرة و الكدرة «2».

و المراد من الطهر مقابل الحيض، فمورده صورة الشك في بقاء الطهر أو طرو الحيض، و في هذا المورد لا يجب الفحص، لأنّه يكون الشك في التكليف فلا يحصل اشتغال يقينى به كى يجب تحصيل البراءة اليقينية بخلاف ما نحن فيه، فإنّ التكليف بالوضوء و غسل البشرة يقينى، و إنّما الشك في البراءة فيجب تحصيل البراءة اليقينية.

و إن أبيت عن ذلك نقول: بأنّ الرواية واردة في الحيض فلا وجه للتعدى بغيره.

المسألة الثالثة: و مع العلم بوجود الحائل يجب تحصيل اليقين بزواله

أو ما يقوم مقام العلم، لأنّ اشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية.

و قد مضى الكلام في الشك فى حاجبية الموجود في المسألة 9 من غسل الوجه، فراجع.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 بن أبواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من أبواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6،

ص: 26

[الشرط الرابع: أن يكون الماء و ظرفه و مكان الوضوء و مصب مائه مباحا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الرابع: أن يكون الماء و ظرفه و مكان الوضوء و مصب مائه مباحا، فلا يصح لو كان واحد منها غصبا من غير فرق بين صورة الانحصار و عدمه، إذ مع فرض عدم الانحصار و إن لم يكن مأمورا بالتيمم إلّا أنّ وضوئه حرام من جهة كونه تصرفا أو مستلزما للتصرف في مال الغير فيكون باطلا، نعم لو صبّ الماء المباح من الظرف الغصبى فى الظرف المباح ثمّ توضأ لا مانع منه، و إن كان تصرفه السابق على الوضوء حراما، و لا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار و عدمه، اذ مع الانحصار و إن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأمورا بالتيمّم إلّا أنّه بعد هذا يصير واجدا للماء في الظرف المباح، و قد لا يكون التفريغ أيضا حراما كما لو كان الماء مملوكا له و كان إبقائه في ظرف الغير تصرفا فيه، فيجب تفريغه حينئذ، فيكون من الأوّل مأمورا بالوضوء و لو مع الانحصار.

(1)

أقول: أمّا شرطية الاباحة في الجملة مما لا إشكال فيها لدعوى الاجماع عليها بحد الاستفاضة، و لما بينا في الأصول في مسئلة اجتماع الأمر و النهى بعد كونها ذات قولين، قول بعدم جواز الاجتماع، و قول بجوازه.

أمّا على القول بعدم جواز الاجتماع و تغليب جانب النهى على جانب الأمر فمعلوم، لأنّه على هذا لا يكون الوضوء المجتمع مع الغصب مأمورا به، سواء كان الماء منحصرا بالمغصوب أو غير منحصر به.

نعم في صورة الانحصار لا يكون المكلف مأمورا بالوضوء أصلا و تكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 27

وظيفته التيمم، و في صورة عدم الانحصار يكون مأمورا بالوضوء بما عدى ماء المغصوب من

المياه.

و أمّا على القول بجواز الاجتماع، فلما ادعي من الاجماع على بطلان الوضوء بالمغصوب بلا فرق بين صورة انحصار الماء بالمغصوب و عدمه، أو لأنّه بعد كون الفعل منهيا عنه لا يكون قابلا لأن يتقرب به و هذا الوجه اختاره سيدنا الاعظم قدس سره لا أن يكون إجماعا تعبديا في المقام فلا يجوز التوضى بالمغصوب و قال: إن الوجه في بطلان العبادة هو هذا لا أن يكون هنا اجماع تعبدى على بطلانها.

و أمّا على القول بامتناع الاجتماع و تغليب جانب الأمر، فلا يبقى وجه لبطلان العبادة إذا أتاها في ضمن الفرد المنهى عنه إلّا الاجماع على فساد العبادة على فرض تحققه، و لكن امكان الالتزام بتغليب جانب الأمر مشكل.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه

يقع الكلام في المسألة في طى مسائل:
المسألة الاولى: إذا كان ماء الوضوء غصبا لا يجوز التوضى به،

و يكون الوضوء باطلا مع العلم بالحكم و الموضوع أعنى: حكم الغصب و غصبية الماء، و أمّا فى غير هذا المورد فيأتى الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 4، و وجهه ما قلنا من عدم كون الوضوء مع ماء المغصوب مع علمه بحرمته و غضبيته مقرّبا، فلا يصح أن يتقرب به مضافا إلى دعوى الاجماع على بطلانه.

المسألة الثانية: يشترط إباحة ظرف ماء الوضوء،
اشارة

بيانه أنّ الوضوء عن الظرف المغصوب يتصور على نحوين:

النحو الاول: أن يكون بالرمس فى الظرف، مثل أن يتوضأ وضوء الارتماسى فى الآنية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 28

النحو الثانى: بالاخذ من مائه و التوضى به.

و فى كل منهما تارة يكون بقصد التخلص عن الحرام، و تارة لا يكون لذلك.

أمّا إذا كان بقصد التخلص

مثل ما إذا كان الماء ملكه و وقع فى ظرف الغير، إمّا منه لا بسوء اختياره، و إمّا بفعل الغير و يطلب منه مالك الظرف إفراغ ظرفه عن الماء، فيجب إفراغه و تخليصه، ففى هذه الصورة لا إشكال فى جواز التوضى من الماء و صحة الوضوء و إن كان تصرفا فى الظرف، لكن لا يكون تصرفا حراما سواء كان الوضوء بالرمس فيه، أو بالاغتراف، أو بالصب على محالّ الوضوء، أو بالصب فى الظرف الآخر المباح و التوضى منه، و سواء كان الماء منحصرا به أو لا، و سواء كان بالاغتراف الدفعى أو التدريجى، لانه بعد عدم كون هذا التصرف حراما يكون مطلق ما يصح الوضوء بلا اشكال، إنّما الكلام فى ما يعتبر فى صدق التخليص و ضابطه بنحو يوجب رفع الحرمة عن التصرف فى المغصوب، و هو أن يكون التصرف في المغصوب جائزا أو واجبا و إن كان تصرفا.

أما صورة جوازه مثل ما إذا كان الماء الواقع في الاناء المغصوب ملكا للشخص و وقع في إناء الغير بعدوان الغير، أو برضاء مالك الاناء لا غصبا و لا بسوء اختياره فيجوز لمالك الماء تخليص مائه عن الاناء.

أما صورة وجوبه مثل صورة التماس مالك الاناء تفريغ إنائه عن الماء و عدم رضائه بابقائه في إنائه.

فعلى هذا لو كان وقوع الماء بسوء اختياره قد يجوز افراغه

و قد يجب و قد لا يجوز، فكلما يجوز أو يجب فهو داخل في التخلص، فلا يحتاج إلى قيد عدم كون ايقاع الماء في الآنية بسوء اختياره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 29

كما أن اعتبار كون الماء ملكا في التخلص غير لازم لأنّه ربّما يجب التخلص و إن لم يكن ملكا للمتوضى المتخلص، مثل أن يكون الماء الواقع في الاناء المغصوب من الآخر و غصب آخر و أدخله في إناء الغير فيجيز مالك الاناء افراغه أو يلزمه و مالك الماء يجوّز للمتوضى المحتاج بالماء للتوضى تخلص الماء و الوضوء به، فيجب عليه التخلص مع عدم كونه ملكه، فما قلنا من كون ضابط التخلص هو جواز التصرف في المغصوب أو وجوبه كاف عن اشتراط كونه ملكا للمخلّص.

و أيضا يعتبر فيه القصد لأنّ التخليص من العناوين القصدية، فلا بد فى حصوله من القصد.

و أمّا إذا كان بقصد العدوان، أو قصد أمر آخر، أو بلا قصد فلا يعدّ تخليصا و يأتي حكمه إن شاء اللّه.

و أما إذا لم يكن بقصد التخليص فيقع الكلام في صور:
الصورة الاولى: أن يكون الوضوء بالرمس في الماء

الواقع في الاناء المغصوب و لها فرضان:

الفرض الأوّل: أن يكون الرمس في الماء للوضوء موجبا لتحرك الماء و تموّجه في السطح الداخل من الاناء، ففي هذا الفرض لا إشكال في بطلان الوضوء لكونه تصرفا في الاناء و الظرف المغصوب.

الفرض الثاني: في المقام هو أن لا يوجب الرمس في الماء تموّجا فى السطح الداخل من الاناء حتى بتغير سطح الماء فيه.

فنقول في هذا الفرض على فرض إمكان الرمس في الماء و عدم ايجاد أثر من التحرّك و التموّج حتى الحركة الضعيفة في الظرف المغصوب لكن مع ذلك يعد عند

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 30

العرف هذا الرمس

تصرفا في الاناء فيكون حراما لكون الوضوء تصرفا في المغصوب و متحدا معه.

الصورة الثانية: أن يكون الوضوء باغتراف الماء عن الظرف

و التوضى به و لها فرضان:

الأوّل: أن يكون بالاغتراف الدفعى، مثل أن يغترف الماء عن الظرف المغصوب بيده أو بوسيلة اخرى فيصبّه في ظرف و يتوضأ به.

الثاني: أن يكون الاغتراف تدريجيّا، مثل أن يغترف الماء مرة لغسل وجهه و مرة ليده اليمنى و مرة لليسرى.

و في كل منهما، مرة يكون الماء منحصرا بالماء في الظرف المغصوب، و اخرى غير منحصر به فالفروض أربعة.

الفرض الأوّل: أن يكون الاغتراف دفعيا و كان الماء منحصرا بهذا الماء فنقول بعونه تعالى:

لا وجه لأن يقال ببطلان الوضوء من باب كون الوضوء بالاغتراف عن الظرف المغصوب تصرفا في الظرف، لأنّه من الواضح عدم كون الوضوء تصرفا فى الظرف، بل هو أمر خارج يتحقق بعد الاغتراف، و ليس عند العرف الغسل و المسح الوضوئي تصرفا في الاناء المغصوب.

بل الوجه لبطلان الوضوء في الفرض هو أنّه بعد كون مقدمة الواجب منحصرة في الحرام و تكون منهيا عنها، و مع كون المقدمة منهيا عنها فلا يكون قادرا على الوضوء لأنّ الممنوع شرعا كالممنوع عقلا، فيكون التكليف التيمم لعدم كونه واجد الماء فلا يكون مأمورا بالوضوء لعدم الأمر به في فرض عدم القدرة به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 31

إن قلت: يكفى بقاء ملاك الامر لصحة الوضوء بعد الاغتراف.

قلت: قد مضى بيان هذا الاشكال من بعض شرّاح المحترم «1» و بينا جوابه، و حاصله أنّه لا طريق لاثبات الملاك إلّا الأمر و هو غير موجود على الفرض.

الفرض الثاني: أن يكون الاغتراف تدريجيا، و كان الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب و الحكم في هذه الصورة كسابقها من حيث بطلان

الوضوء لعين ما قلنا فيها.

الفرض الثالث: أن يكون الوضوء بالاغتراف الدفعى، و لكن لا يكون الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب فهل يصح الوضوء أولا؟

وجه صحة الوضوء في الفرض هو القدرة على الوضوء، لأنّه و إن كان بعض أفراد مقدمته حراما مثل الاغتراف من هذا الماء الواقع في الاناء المغصوب، لكن حيث يتمكن من الوضوء في ضمن المقدمة الغير المحرّمة لوجود الماء الآخر و عدم انحصاره بما في هذا الاناء فيحكم العقل باتيان ذى المقدمة في ضمن المقدمة الغير المحرمة فيكون الأمر بالوضوء باقيا و كذا ملاك الأمر، فلو اغترف الماء عن الاناء المغصوب و توضأ به يكون وضوئه صحيحا و إن كان الاغتراف حراما.

وجه عدم الصحة هو دعوى كون الوضوء بالاغتراف نوع تصرف في الاناء، فيكون الوضوء متحدا مع الغصب فيبطل الوضوء.

و فيه أنّه لا إشكال في عدم كون الوضوء تصرفا في الاناء عرفا، بل التصرف فيه هو الاغتراف و هو غير الوضوء فلا وجه لفساد الوضوء، فالاقوى صحة الوضوء.

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 160 و ص 427.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 32

الفرض الرابع: أن يكون الوضوء بالاغتراف عن الاناء تدريجا، لكن مع عدم انحصار الماء بما في هذا الظرف المغصوب فالحكم فيه حكم الفرض الثالث من حيث صحة الوضوء و إن كان اغترافه حراما.

الصورة الثالثة: أن يكون الوضوء بصب الماء من الاناء

و يتصور على نحوين:

النحو الأوّل: أن يصب الماء من الاناء المغصوب في الاناء المباح ثم يتوضأ من الاناء المباح.

و الظاهر كون حكمه حكم الصورة الثانية من فروضها الاربعة من حيث الفساد في الفرضين الاولين و صحة الوضوء في الفرضين الآخرين.

و إن كان المؤلف رحمه اللّه حكم بصحة الوضوء في الصور الاربعة إذا كان الصب بالنحو

المذكور مع حكمه بالبطلان في صورة كون الوضوء بالاغتراف مطلقا حتى مع عدم كون الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب.

و لا أفهم الفرق بين صورة الاغتراف بين الظرف المغصوب و الوضوء منه و صورة الصب في إناء مباح و الوضوء منه فتامل.

النحو الثاني: أن يكون الوضوء بالصب من الظرف المغصوب على محال الوضوء مثلا يأخذ الاناء المغضوب فيصب مائه على وجهه أو يديه للغسل الوضوئي، فلهذا النحو أيضا يفرض الصور الأربعة:

أن يكون الصب دفعيا، و أن يكون تدريجيا و فى كل منها، مرة يكون الماء منحصرا بما في الظرف المغصوب، اخرى لا يكون منحصرا به.

و لم أجد فرقا بين هذا النحو بصوره مع صورة الوضوء بالاغتراف بصوره،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 33

فكما قلنا بعدم صحة الوضوء في الفرض الأوّل و الثاني منها نقول هنا، و كما قلنا بصحة الوضوء في الفرض الثالث و الرابع منها نقول في المقام.

نعم هنا كلام و هو أنّه في مورد صبّ الماء من الاناء المغصوب بمحل الوضوء.

يبطل الوضوء في جميع الفروض من باب اتحاد الوضوء مع الغصب لأنّ صب الماء من الاناء للوضوء تصرف في الاناء فاتحد الغصب و الوضوء فيبطل الوضوء.

و لكن الحق عدم الاتحاد و عدم كون الوضوء في الفرض تصرفا في الاناء عرفا إذ الوضوء هو الغسلتان و المسحتان و صبّ الماء على العضو يكون مقدمة للوضوء لا أن يكون هو الوضوء، فالحق صحة الوضوء في هذا النحو إذا لم يكن الماء منحصرا بما في الاناء المغصوب فافهم.

المسألة الثالثة: يشترط إباحة مكان الوضوء.

و المراد من المكان إن كان هو الموضع الذي يتمكّن فيه الشخص و يقرّ فيه للوضوء أو لفعل آخر، فلا دليل على اشتراط إباحة هذا

المكان، فلا يوجب القرار و التمكين في المكان المغصوب بطلان الوضوء إذا لم يكن الفضاء الواقع فيه أفعال الوضوء غصبا لعدم اتحاد الغصب مع الوضوء بالحمل الشائع، و لا يكون الوضوء تصرفا في هذا المكان المتمكن فيه فلا وجه لمانعيته كما لا وجه لاشتراط إباحته.

و إن كان المراد من المكان هو الفضاء الواقع فيه الغسل و المسح من الوضوء، فقد يقال بعدم اشتراط إباحة الفضاء في الوضوء، بدعوى أن مجرّد حركة اليد في الفضاء ليس تصرفا في فضاء الغير، و عدم اتحاد تصرف الفضاء مع الوضوء لأنّ حقيقة الوضوء الغسل و المسح، و الغسل عبارة عن جريان الماء بالمحل و هو غير متحد مع التصرف في الفضاء، نعم في خصوص المسح إن كان الفضاء منحصرا بالمغصوب يحرم لكونه مقدمة منحصرة للمسح من باب كون حقيقة المسح إمرار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 34

الماسح على الممسوح و هو يحتاج إلى الفضاء، فلا يكون المسح مأمورا به و لا فيه ملاك الأمر.

و أن ما قيل من عدم كون إمرار اليد على موضع الغسل تصرّفا في الفضاء المتعلق بالغير.

ففيه أنّ هذا يعدّ تصرفا عرفا في الفضاء.

و ما قيل من عدم اتحاد التصرف في الفضاء مع الوضوء.

ففيه أن غسل مواضع الوضوء عبارة عن اجراء الماء عليها و اجراء الماء على المحل متحد مع الغصب لأنّ بالامرار يتصرف في الفضاء، بل نفس الجريان يشتغل الفضاء و هو على الفرض غصب.

المسألة الرابعة: في اشتراط إباحة مصبّ ماء الوضوء.

اعلم أنّه تارة يكون المصبّ منحصرا بحيث يقع فاضل ماء الوضوء لا محالة في هذا المكان، و تارة لا يكون منحصرا.

فإن كان منحصرا و كان غسل العضو مستلزما للصبّ فيه يمكن القول ببطلان الوضوء، لأنّه يكون

الوضوء مقدمة توليدية للحرام فيكون الوضوء فاسدا لكونه مقدمة توليدية للحرام، و ذلك من باب أن الحرمة تزاحم الوجوب و يغلب جانب الحرمة، إمّا لأهمية تركها على فعل الواجب مطلقا، و إمّا من باب استفادة أهمية الحرمة من جعل البدل و هو التيمم للوضوء، فنكشف كون الحرام أهمّا، فلهذا لا بد من ترك الوضوء.

و إمّا لما قلنا سابقا فى طى المباحث فى شرطية إباحة ظرف الوضوء من أنّه لا يكون الوضوء باعتبار مزاحمته مع الحرام مقدورا لممنوعيته شرعا و الممنوع شرعا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 35

كالممنوع عقلا، فهو ممن لا يجد الماء و تكليفه التيمم، و ما يوجب القول لفساد الوضوء هو هذا الوجه، و إلّا فوجه الاول لا يوجب فساد الوضوء، لانه مع فرض أهمية الحرام لو ترك الأهم و أتى بالوضوء المهم صحّ الوضوء لوجود ملاك الوجوب فى الوضوء.

و أمّا لو لم يكن منحصرا فلا يفسد الوضوء و إن توضأ في موضع يصل فاضل مائه إلى الموضع المغصوب لعدم اتصاف هذه المقدمة بالحرمة و موجبيتها للفساد.

هذا تمام الكلام في الشرائط الأربعة المتقدمة و قد عرفت صورها و ما ينبغى أن يقال فيها.

***

[مسئلة 4: لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو الحائل بين العلم و العمد و الجهل أو النسيان]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل بين صورة العلم و العمد و الجهل أو النسيان، و أمّا في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم و العمد سواء كان في الماء أو في المكان أو المصبّ، فمع الجهل بكونها مغصوبة أو النسيان لا بطلان، بل و كذا مع الجهل بالحكم أيضا إذا كان قاصرا، بل و مقصرا أيضا إذا حصل منه قصد القربة و إن كان الأحوط

مع الجهل بالحكم خصوصا في المقصّر الاعادة.

(1)

أقول:

أمّا عدم الفرق بين صورة العلم و العمد و الجهل و النسيان

في عدم صحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 36

الوضوء بالماء المضاف أو الماء النجس أو مع الحائل، فلان إطلاق أدلتها يشمل جميع الصور.

و أمّا في الغصب فالبطلان في صورة العلم و العمد واضح

من باب أنّ الدليل إن كان الاجماع فقدر المتيقن منه هذه الصورة، كما أنّه لو كان عدم قابلية الفعل للتقرّب فالقدر المتيقن صورة العلم و العمد، لأنّه في هذه الصورة يكون النهى فعليا منجّزا و مع فعليته و تنجزه لا يمكن التقرب به.

و أمّا مع الجهل بالموضوع أعنى: الجهل بالغصبية

فلا يكون الوضوء بماء المغصوب أو ظرفه أو مكانه أو مصبه باطلا إذا كان جاهلا بالموضوع لعدم فعلية التكليف بالنسبة إليه فيصح أن يتقرب به.

و أمّا إذا كان ناسيا للموضوع فله صورتان:

لأنّ الناسى إمّا لا يكون هو الغاصب فأيضا لا إشكال في صحة الوضوء في صورة النسيان لعدم فعلية النهى بالنسبة إليه فيصح التقرب به لعدم كونه على الفرض مبغوضا للمولى.

و إمّا أن يكون الناسى هو الغاصب، فهل يقال بصحة وضوء الناسى الغاصب مثل الصورة الاولى، أو يقال بعدم صحة وضوئه لأنّ التكليف و إن لم يكن فعليا بالنسبة إليه لنسيانه، لكن باعتبار كونه الغاصب يكون الفعل مبغوض المولى فلا يصح أن يتقرب به.

و لأنّ دليل رفع التكليف عن الناسى منصرف عن الناسى الذي يكون نسيانه لتركه التحفظ و نسيان الغاصب يكون كذلك.

و بدعوى صحة توجه التكليف بالغاصب الناسى قبل طرو النسيان عليه نظير التكليف بترك التصرف في الارض المغصوبة قبل الدخول فيها، و باستصحاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 37

التكليف الثابت عليه قبل النسيان يحكم على الغاصب بترك الفعل.

أقول: انّ العمدة في صحة عبادة الناسى للغصبية إذا كان هو الغاصب و عدم صحته فهم ما هو الملاك في فساد العبادة المتحدة مع الغصب و ما هو سبب عدم كون هذا الملاك في صورة النسيان حتى يظهر انّه موجود فيمن يكون غاصبا و أتى بالعبادة متحدة مع الغصب نسيانا أم لا.

فنقول: إنّ منشأ بطلان العبادة في صورة اتحاده مع الغصب إن كان كاشفية تعلق النهى الفعلى بالغصب عن مبغوضية العبادة المتحققة في ضمن الغصب المنهى عنه و بعد مبغوضيته لم يكن الفعل المجامع مع النهى عنه قابلا لان يتقرب به.

و ببيان آخر تكون صحة العبادة كالوضوء و

الصلاة و غيرهما المتحدة مع الغصب و فسادها من باب كون الغصبية مؤثرة فى اتصاف الفعل الخارجى الّذي قصد به الوضوء مثلا من حيث صدوره عن المكلف بالقبح و عدمه، فان اتصف بالقبح تفسد العبادة، و إلا تقع صحيحة، و كون الغصبية مؤثرة فى القبح ليست إلا بعد فعلية النهى المتعلق بها، و هذا مختص بحال العمد و مع عدم فعليته ليست مؤثرة فى القبح (و هذا البيان من العلامة الهمدانى رحمة اللّه عليه فى باب اللباس من الصلاة) «1».

فإذا كان هذا وجه بطلان العبادة، نقول: بأنّه فى صورة نسيان الموضوع أعنى: نسيان الغصبية لا يكون النهى الفعلى متعلقا بالغصب المنسى، و مع عدم النهى الفعلى حال النسيان لا يكون الفعل العبادى المجامع و المتحد مع الغصب مبغوضا للمولى و بعد عدم مبغوضية الفعلية، و الفرض كونه في حدّ ذاته مطلوب المولى

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 10، ص 362.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 38

و مأمورا به فيقبل لأن يتقرب به فيصير قابلا للاتصاف بالصحة.

فإذا كان ما قلنا وجه صحة العبادة في صورة نسيان الموضوع نقول: إنّه لا فرق في ذلك بين كون الناسى غير الغاصب أو كان هو الغاصب، كما لا فرق بين كون منشأ النسيان ترك التحفظ أولا، لأنّ فى كل منهما صار النسيان سببا لعدم كون النهى المتعلق بالغصب فعليا، و بعد عدم فعليّته لا يكون مبغوضا، و بعد عدم مبغوضيته و الفرض كون الأمر بالوضوء فعليا، و الفعل قابل لان يتقرب به فيقع صحيحا.

و أمّا إن كان منشأ عدم صحة العبادة في صورة النسيان هو مبغوضية الفعل عند المولى و إن لم تكن هذه المبغوضية كاشفة عن فعلية

النهى، بل كانت المبغوضية حاصلة من عصيان المكلف عالما و تجاوزه عن رسم العبودية و مخالفة المولى، فهى لا تدور مدار فعلية النهى، فمن كان غير غاصب و ناس للغصب فحيث إنّ مبغوضية فعله ناشئة من فعلية النهى فقط لا عن عصيانه، و الفرض عدم فعلية النهى و عدم مبغوضية الفعل فيصير فعله مقرّبا.

و أمّا من كان غاصبا و نسى الغصبية و توضأ بالمغصوب فحيث إنّ غصبه صار سببا لعصيانه و مبغوضيته عند المولى فكل عمل يصدر منه من التصرفات الغصبية يكون مبغوض المولى، و ان لم يكن نهى فعلا متعلقا بعمله، فعلى هذا لا يصير عمله مقرّبا مع هذه المبغوضيّة.

فما قيل من كون الفعل مبغوضا إذا كان الناسى هو الغاصب عرفت عدم تماميته لأنّه مع عدم النهى الفعلى لا يكون الفعل مبغوضا للمولى.

و ما قيل من أنّ دليل رفع التكليف عن الناسى منصرف عمن يكون غاصبا و إن كان ناسيا من باب انصرافه عمن ترك التحفظ و الناسى كذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 39

ففيه أوّلا: إن كان الدليل تماما فلازمه القول بفساد عبادة كل ناس ترك التحفظ لا خصوص الغاصب الناسى.

و ثانيا: أنّه مع فرض نسيان الموضوع لا معنى للنهى الفعلى أعنى: البعث و الزجر عقلا، و ليس هذا الحكم قابلا للتخصيص أو الانصراف عن بعض الموارد.

و لكن العمدة ما قلنا من أن المبغوضية لا تدور مدار النهى الفعلى حتى يقال مع عدم النهى الفعلى لا يكون الفعل مبغوضا، بل الفعل مبغوض بالنسبة إلى الغاصب الناسى و إن لم يكن نهى فعلىّ متعلقا به.

كما أن ما قيل من كون الفعل بالنسبة إلى الغاصب الناسى منهيا عنه بالنهى السابق قبل النسيان

غير تام لانّه:

فيه أوّلا: أن كان النهى السابق مؤثرا في فساد الوضوء بالنسبة إلى الغاصب الناسى، كذلك يكون مؤثرا بالنسبة إلى غيره، فكل من كان عالما بالحكم و الموضوع إذا نسى الموضوع لا بدّ أن تقول بفساد عبادته و لا وجه للاختصاص بالغاصب الناسى.

و ثانيا إنّ النهى ما دام يكون فعليّا يكون مؤثرا في مبغوضية الفعل و قبحه و إذا لم يكن كذلك فلا يؤثّر في مبغوضيته و قبحه، فيكون العمل صحيحا قابلا لأن يتقرب به، بل العمدة ما قلنا في وجه الفرق بين الصورتين.

فتلخص وجود الفرق في صحة العبادة في صورة نسيان الموضوع بينما كان الناسى غاصبا أو غير غاصب كما فرّق بين الصورتين جمع من الاكابر و من جملتهم سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي قدس سره.

و أمّا مع نسيان الحكم

فهل يصح الوضوء مع نسيان حكم الغصبية أو لا يصح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 40

أو يفصّل بين ما كان النسيان عن تقصير فلا يصح الوضوء، و بين ما كان من غير تقصير يصح الوضوء، و لم يتعرض المؤلف رحمه اللّه لصورة نسيان الحكم رأسا فنقول:

الاقوى التفصيل أمّا إذا كان النسيان من غير تقصير فلما عرفت من عدم فعلية النهى مع النسيان، فلا يكون الفعل مبغوضا للمولى و قبيحا فيصحّ أن يتقرب به.

و أمّا إذا كان النسيان عن تقصير فلما يأتي إنشاء اللّه في عدم معذورية الجاهل المقصّر، فالناسى لاجل تقصيره لا يكون معذورا و يكون بحكم العامد.

إن قلت: إن الناسى للحكم مثل الناسى للموضوع لا يكون النهى بالنسبة إليه فعليا فلا وجه لفساد وضوئه.

قلت: إنّ التكليف و إن لم يكن فعليا لكن الفعل باق على مبغوضيته و قبحه لتقصيره كالجاهل المقصّر فيكون

عمله فاسدا لعدم قابليته لأن يتقرب به كما قلنا فى الناسى للموضوع إذا كان الناسى هو الغاصب.

و أمّا مع الجهل بالحكم فله صورتان الاولى في الجاهل القاصر، و الثانية الجاهل المقصر و في كل من الصورتين مورد الكلام فيما يتمشى من الجاهل قصد القربة، و إلّا إذا لم يتمش قصد القربة من الجاهل فلا إشكال فى فساد العبادة فى كل من الصورتين لاحتياج العبادة مثلا الوضوء بقصد التقرب، فالكلام فى صورة تمشى قصد القربة.

فنقول بعونه تعالى: أما الصورة الاولى فيصح وضوء الجاهل القاصر لأنّه و إن تصرّف في المغصوب إلّا انّه لا منشأ لمبغوضية عمله العبادى حتى يقال بفساده سواء كان كاشف المبغوضية النهى الفعلى المتعلق بالفعل فهو لا يكون فعليا بالنسبة إلى الجاهل القاصر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 41

أو كان الكاشف هو عصيانه للمولى حال علمه كما قلنا في الغاصب الناسى من مبغوضية عمله عند العقل و إن لم يكن نهى فعلى متعلقا بالغصب.

فهو غير موجود أيضا في الجاهل القاصر لأنّ إتيانه مبغوض المولى يكون عن قصوره لا عن تقصيره، فلا يكون وضوئه من حيث كونه تصرّفا في الغصب مبغوضا فيصحّ أن يتقرّب به فيصحّ الوضوء.

أما الصورة الثانية أعنى: صورة كون الجهل عن تقصير و كان الجاهل جاهلا بالحكم، فقد عرفت في المسألة 6 و 16 من المسائل المتعلقة بالتقليد عدم معذوريته لعدم كون جهله عذرا مع تقصيره، فيكون عمله المتحد مع الغصب مبغوضا للمولى و ليس قابلا لأن يتقرب به، فلا يصح وضوئه في المغصوب.

***

[مسئلة 5: إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صحّ ما مضى من أجزائه و يجب تحصيل المباح للباقى، و إذا التفت

بعد الغسلات قبل المسح هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده و يصحّ الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأوّل، لأنّ هذه النداوة لا تعدّ مالا و ليس مما يمكن ردّه إلى مالكه، و لكن الأحوط الثاني، و كذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد الاعادة هل يجب عليه تجفيف ما على محالّ الوضوء من رطوبة الماء المغصوب، أو الصبر حتّى تجف أو لا؟ قولان: أقواهما الثاني و أحوطهما الأوّل، و إذا قال المالك: أنا لا أرضى أن تمسح بهذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 42

الرطوبة أو تتصرف فيها لا يسمع منه بناء على ما ذكرنا، نعم لو فرض إمكان انتفاعه بها فله ذلك، و لا يجوز المسح بها حينئذ.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء

صحّ ما مضى من أجزائه، لأنّ ما مضى من الوضوء مع الغصبية، إمّا كان من باب جهله بالموضوع كما لا يبعد كون نظر المؤلف رحمه اللّه إلى هذا الفرض، و إمّا من باب نسيان الموضوع، و فى كل منهما كان النهى عن الغصب غير فعلى، فلا يكون الوضوء مبغوضا.

نعم لو كان منشأ عدم الالتفات النسيان و كان الناسى هو الغاصب لا يصحّ الوضوء كما مرّ في المسألة السابقة و إن لم يكن النهى في حقه فعليا.

المسألة الثانية: و يجب تحصيل الماء المباح لباقى غسلات الوضوء

الواقع بعضها في المغصوب من باب عدم الالتفات بالغصب وجه، لزوم تحصيل الماء المباح لما بقى من الغسلات أنّ اتيان باقى غسلات الوضوء بعد الالتفات بالغصب بهذا الماء يوجب فساد الوضوء و لا يصح الوضوء معه.

هذا إذا التفت في ضمن غسلات الوضوء، مثلا التفت بعد غسل الوجه، أو بعد غسل اليد اليمنى قبل غسل اليسرى.

المسألة الثالثة: ما إذا التفت إلى الغصبية بعد تمام الغسلتين

قبل الشروع بالمسح، أو قبل تمام المسح.

فهل يجوز المسح بما بقى من الرطوبة في يده، و يصح وضوئه أولا يجوز ذلك؟

قال المؤلف رحمه اللّه: يجوز ذلك و ذكر في وجهه شيئين:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 43

الأوّل: أنّ النداوة الباقية على اليد لا تعدّ ما لا فلا مانع من التصرف فيه.

الثاني: أنّ هذه النداوة الباقية على اليد لا يمكن ردّها إلى مالكه.

أقول: أمّا الوجه الأوّل فما قاله من أنّ النداوة ليست مالا فيجوز التصرف فيه.

ففيه أنّها و إن لم تكن ما لا إلّا أنه لا يجوز التصرف فيها بدون رضى صاحبه لأنّ مجرد عدم كونها ما لا لا يوجب جواز التصرف فيها بدون رضى صاحبه، بل يحرم التصرف إذا كان ملكا للغير كحبة من حنطة أو كان متعلقا لحقه.

فما يمكن أن يكون وجها له هو الوجه الثاني، و هو عدم امكان ردّ النداوة الباقية إلى مالكها، فيقال: بعد عدم إمكان رد العين إلى المالك يكون بحكم التالف عرفا فينتقل الضمان من العين بالمثل أو القيمة، و مع انتقال العين بأحدهما تصير هذه النداوة ملكا للغاصب من باب عدم إمكان الجمع بين العوض و المعوّض.

و ما يمكن أن يستدلّ به على عدم صحة المسح بالنداوة المغصوبة هو انّه متى تكون عين المغصوبة باقية و إن فقد بعض خصوصياتها

لا ينتقل الضمان بالمثل أو القيمة، بل يجب تدارك العين بالغرامة.

و الحق الأوّل، لأنّه إذا كانت العين موجودة:

تارة يعدّ من التالف، و العين إذا لا يمكن الانتفاع بها على أيّ وجه يكون مثل العين التالفة عرفا ينتقل الضمان إلى مثلها أو قيمتها لا كما إنّ الظاهر في النداوة الباقية على اليد بعد الغسل هو هذا، لعدم، إمكان انتفاع المالك بها، فبناء على كونها من التالف يجوز المسح بالنداوة الباقية، لأنّها بعد انتقال الضمان بمثلها أو قيمتها على عهدة الغاصب تصير ملكا للغاصب.

و تارة لا يعد من التالف مثل ما إذا يمكن الانتفاع بالعين المغصوبة للمالك، و قد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 44

استثنى المؤلف رحمه اللّه هذا الفرض في ذيل المسألة، فيمكن أن يقال بعدم كون العين بحكم العين التالفة، بل يأخذ المالك العين و ينتفع بها ما شاء، و يأخذ من الغاصب الغرامة بالنسبة إلى ما نقص عنها و بناء على عدم كونها من التالف عرفا و إن لم يمكن الانتفاع به فلا يجوز الوضوء، و لا يبعد الأوّل و إن كان الأحوط الثاني، و لكن في المقام وجود هذا الفرض بعيد، بل يكون مجرّد التصور.

المسألة الرابعة: إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد تجديد الوضوء بالماء المباح،

فهل يجب تجفيف مواضع الوضوء من الماء المغصوب الواقع على محل الوضوء أو الصبر إلى أن يجفّ مواضعه، أولا يجب ذلك؟

أقول: و حكمها مثل حكم المسألة الثالثة فكلّ ما قلنا فيها نقول فيها.

المسألة الخامسة: إذا نهى المالك عن المسح بالنداوة عن الماء المغصوب.

فلو كانت النداوة بحكم التلف لا أثر لنهيه، بل يجوز المسح بالنداوة الباقية عن الماء المغصوب.

و إن قلنا بعدم كونها بحكم التلف مثل ما إذا فرض إمكان انتفاع المالك بالنداوة الباقية فمجرد غصبية الماء كاف لعدم جواز المسح، و لا حاجة إلى نهى مجدد عن المالك.

نعم لو لم يكن التصرف في الماء قبل المسح محرما مثل ما إذا تصرف في الماء و غسل وجهه و يديه من باب اعتقاد المتوضى رضى المالك، فلا يكفى مجرد غصبية الماء واقعا، بل يظهر عدم رضاه من نهيه، فيحتاج عدم جواز التصرف إلى النهى، فبعد النهى لو لم نقل بكون النداوة بحكم التلف لا يجوز المسح بها مع نهى المالك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 45

[مسئلة 6: مع الشك في رضى المالك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: مع الشك في رضى المالك لا يجوز التصرف و يجرى عليه حكم الغصب فلا بدّ فيما إذا كان ملكا للغير من الاذن في التصرف فيه صريحا أو فحوى أو شاهد حال قطعى.

(1)

أقول: أمّا عدم جواز التصرف مع الشك في رضى المالك مضافا إلى استصحاب عدم الرضا إذا كان مسبوقا بعدم الرضا من المالك هو أنّه بعد كون شرط الوضوء إباحة مائه و مكانه و مصبه بالتفصيل المتقدم ذكره فلا بدّ من تحصيل الشرط نعم إن كانت الحالة السابقة الرضا يجوز التصرف للاستصحاب.

و أمّا اعتبار إذن المالك فلانه بعد كون عدم جواز حلية مال الغير إلّا بطيب نفسه حكم واقعى فلا بد من كشف طيب النفس إما بتصريح المالك يعنى إذنه صريحا، أو الفحوى أعنى: الاولوية القطعية، و هذا يحصل بورود الاذن عن المالك ببعض الامور الّذي يعلم من الاذن به إذنه بالتصرف في مائه أو ملكه

حال الوضوء بطريق الاولى.

و إمّا بالشاهد الحال القطعى، و لا يكفى مطلق الظن لعدم اعتباره، و ما ادعى من كفاية مطلق الظن من باب دعوى السيرة على الاكتفاء به، محل منع لعدم تحقق السيرة عليه، نعم يكفى الظن الخاص بشاهد الحال.

و لا يخفى عليك أن ما قلنا من أن الحكم الواقعى هو الرضى و طيب النفس و لا بدّ من كشفه بالاذن هو مقتضى الجمع بين بعض الأخبار الدالة على عدم حلّية التصرف فى مال الغير إلّا بطيب نفسه مثل «1» موثقة سماعة (لا يحلّ مال امرئ مسلم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 46

إلّا بطيبة نفسه) و بين بعض الآخر الدال على أنّ التصرف منوط باذن المالك مثل التوقيع الشريف (فلا يحلّ لأحد أن يتصرف فى مال غيره بغير إذنه) «1» ففى مقام الجمع نقول: بأنّ جواز التصرف مشروط بطيب النفس كما هو مقتضى بعض الاخبار، و يكون طريق طيب النفس و كاشفه إذن المالك كما هو مقتضى التوقيع الشريف الدال على كون التصرف منوطا باذن المالك فافهم.

***

[مسئلة 7: يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار، سواء كانت قنوات أو منشقة من شط، و إن لم يعلم رضى المالكين بل و إن كان فيهم الصغار و المجانين، نعم مع نهيهم يشكل الجواز، و إذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأوّل، بل يمكن بقائه مطلقا، و أمّا للغاصب فلا يجوز، و كذا لأتباعه من زوجته و أولاده و ضيوفه و كل من يتصرف فيها بتبعيته، و كذلك الأراضى الوسيعة يجوز الوضوء

فيها كغيره من بعض التصرفات كالجلوس و النوم و نحوهما ما لم ينه المالك و لم يعلم كراهته، بل مع الظن أيضا الأحوط الترك و لكن فى بعض أقسامها يمكن أن يقال: ليس للمالك النهى أيضا.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 47

(1)

أقول هنا مسائل:

المسألة الاولى: في جواز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار
اشارة

سواء كانت قنوات أو منشقة من شط و إن لم يعلم رضى المالكين و لا يعلم بوجود الصغير و المجنون بينهم و إلّا فمع العلم برضا هم فلا إشكال فيه و

استدلّ على الجواز بأمور:
الأوّل: أنّ الوضوء و الشرب منها حق للمسلمين فيجوز لهم استيفاء حقهم.

و فيه أنّه لا دليل على ثبوت هذا الحق لهم.

إن قلت: يستفاد ذلك من الوجوه التى تذكر بعد ذلك.

قلت: فاذا ليس ما قلت من كونه حقا لهم دليلا، بل هو المدّعى، و نتعرض لما يمكن أن يكون دليله إنشاء اللّه.

الثاني: ما رواه محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام

قال: سألته عن ماء الوادى، فقال: إنّ المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلاء «1».

بدعوى دلالتها على اشتراك المسلمين في الماء و النار و الكلاء.

إن قلت: إنّ الضرورة قائمة على انتفاء اشتراك المسلمين في كثير من الموارد.

قلت: إنّ ذلك يوجب تخصيص هذا العموم في الموارد التي ادعي قيام الضرورة على عدم اشتراكهم، و أمّا في غير هذه الموارد فالعموم حجة في عمومه و منه هذا المورد.

و فيه، مضافا إلى ما في سند الرواية من الاشكال من حيث محمد بن سنان المختلف في وثاقته و ضعفه، أنّ الرواية ظاهرة في اشتراكهم في الأشياء الثلاثة في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب احياء الموات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 48

المباحات الأصلية منها لا مطلقا حتى مع سبق حق بعض عليها، و بعبارة اخرى بحسب الطبع الأوّلى المسلمون مشتركون في الأمور الثلاثة كما هو مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، لأنّ ما يصلح لاشتراكهم فيه هو قبل ورود يد بعض منهم، عليه و إلّا فلو كان هذا الحكم حتى بعد تقدم يد بعضهم عليه باحياء فى الارض مثلا، فيلزم ذلك تضييع حقوق البعض بدون وجه، و التشاجر و التنازع و كل ذلك مناف مع مذاق الشرع.

و إن أبيت عن ظهور الرواية فيها فلا بدّ من حملها على هذه الصورة، لأنّه مع دلالة كثير من الروايات «1» على أنّ من أحيى أرضا

فهو أحق بها، أو أنّ الماء «2» الجارى عن الوادى يكون للمقدم حق التقدم على المؤخر الأسفل.

و قابلية تمليك الأشياء و صيرورتها ملكا للأشخاص و عدم جواز «3» التصرف في ملك الغير بغير إذنه تكون دليلا على عدم الاشتراك و اختصاص هذه الأمور بمن هو أولى به، فلا بدّ من حمل الرواية على ما قلنا.

و ما قيل من أنّ عموم الرواية يقتضي اشتراك المسلمين في الأشياء الثلاثة غاية الأمر يخصّص عمومه ببعض ما قلت، مثلا بصورة إحياء الارض فإنّه للمحيي و يبقى العموم بحاله في غيره.

فيه أوّلا ما قلنا من كون الخبر ظاهرا فى المباحات الأصلية، أو محمولا على المباحات الأصلية.

و ثانيا كما قيل إن قلنا بعمومه بحيث يشمل كل الموارد و تخصيصه بالمخصصات

______________________________

(1) الكافى، ج 5، ص 279.

(2) الكافى، ج 5، ص 278.

(3) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 49

يوجب تخصيص الأكثر.

و إن كان الاشكال هذا الاشكال يمكن الدفع بأنّ العام له فردان المباحات الأصلية و غير المباحات و تخصيص العموم بفرد لا يوجب تخصيص الأكثر.

و ثالثا لا إشكال في تخصيص عموم الخبر على فرض عمومه بصورة كون الأرض و النار و الماء ملكا لشخص أو أشخاص خاصة بأحد الأسباب المملكة، و فرض الكلام هذه الصورة، فلا يمكن الاستدلال على كل حال بهذا الخبر.

و رابعا لو قلنا بشمول عموم الخبر لمثل هذه الموارد يلزم جواز التصرف في غير الشرب و الوضوء، و لا يمكن الالتزام به.

الثالث: شهادة الحال برضى المالك أو المالكين

و قد حكي الاستدلال بها عن العلامة و الشهيد و غيرهما رضوان اللّه تعالى عليهم.

و فيه أنّ شاهد الحال في كل الموارد غير معلوم إن لم

يكن معلوم العدم في بعضها.

الرابع: دعوى انصراف حرمة التصرف في مال الغير عن هذا القبيل

من التصرفات من الشرب و الوضوء.

و فيه انّ هذا دعوى بلا دليل.

الخامس: أصالة إباحة هذه التصرفات

فيقال: بعد معارضة ما يدلّ على حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه مع ما يدل على مطهرية الماء، و ما يدل على جواز الشرب و الوضوء بالماء ما لم يتغير، و تساقط كل من الأدلّة بسبب المعارضة، فتصل النوبة بالأصل و مقتضاه إباحة التصرف.

و فيه أوّلا لا تعارض بين ما يدلّ على حرمة التصرف في مال الغير بغير اذنه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 50

و بين ما يدل على مطهرية الماء لعدم منافات بين كون الماء طاهرا و مع ذلك لا يجوز التصرف فيه لكونه ملك الغير.

كما أنّه لا تعارض بين ما يدلّ على حرمة التصرف و بين ما يدلّ على جواز الشرب و الوضوء عن الماء ما لم يتغير، لأنّ الظاهر من الطائفة الثانية هو اشتراط إطلاق الماء في جواز الوضوء و الشرب و ليس إلّا في مقام بيان ذلك، لا في مقام بيان جواز التصرف في الماء المطلق مطلقا حتى إذا كان ملك الغير و إلّا لو كان لها عموم من هذا الحيث كان لازمه عدم جواز التصرف إذا صار مضافا و الحال أنّه لا يمكن القول به، و بعد عدم كونها في مقام هذه الجهة فلا تعارض بينها و بين الطائفة الاولى الدالة على عدم جواز التصرف فى ملك الغير.

و ثانيا على فرض وقوع التعارض بين الطائفتين فحيث تكون النسبة بين الطائفتين عموما من وجه و تعارضهما في مادة الاجتماع فمقتضى الطائفة الاولى عدم جواز الوضوء و الشرب بالماء المطلق، و مقتضى الثانية جوازه، فحيث إنّ الاولى ظاهرة في عدم الجواز، و الثانية نص في

الجواز، فيحمل الظاهر على النص، و تكون النتيجة جواز الشرب و الوضوء من الأنهار الكبار، و لا تصل النوبة بالأصل العملى حتى يقال: إنّ لأصل هو الاباحة.

و ثالثا على فرض تعارض الطائفتين و سقوطهما بالمعارضة و وصول النوبة بالاصل فاجراء أصالة الاباحة مشكل، لما يقال من أنّ الاصل في الشك فيما إذا كان في الاموال هو العدم لما يستفاد من الخبر «1» من عدم الجواز في الاموال إلّا من حيث ما أحله اللّه، و هو قوله عليه السلام فى ضمن رواية (لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه) إلا أنّه ضعيفة السند فلا يتم الاستدلال به مضافا إلى الاشكال فى دلالته على كون

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 51

الأصل فى الأموال فى صورة الشك الحرمة لا الحلية كما يأتى إنشاء اللّه فى مسأله 8 من هذا الفصل.

السادس: انّه لو لا جواز هذا القبيل من التصرفات

مثل الشرب و الوضوء يلزم العسر و الحرج.

و فيه أنّ العسر و الحرج في كل مورد كان يوجب رفع الحكم، مثلا مع العسر و الحرج لا يجب الوضوء و لا يحرم الشرب من الماء، لا إثبات الحكم و هو حلية التصرف في مال الغير للوضوء، بل يجب مع العسر التيمم.

مضافا إلى أن العسر و الحرج في كل الموارد غير موجود.

السابع: سيرة المسلمين

من الصدر الأوّل إلى الآن على هذا القبيل من التصرفات بحيث يعلم رضى سادع الدين بذلك.

أقول: و ما يمكن الاستدلال به على المدعى هذا الوجه لوجود السيرة في الجملة على ذلك بلا إشكال من السلف و الخلف بحيث يكشف من سيرة المسلمين رضى المعصومين عليهم السلام.

فالسيرة دليل قطعى على جواز التصرف بالشرب و الوضوء من الأنهار الكبار.

المسألة الثانية: ما قلنا من جواز التصرف في الجملة للسيرة

جوازه في صورة عدم العلم بكراهة صاحب الماء و هل يكون هذا الحكم حتى في صورة العلم بكراهة صاحب الماء أو لا؟

الحق الثاني لعدم تحقق السيرة حتى مع وجود العلم بكراهة صاحبه.

المسألة الثالثة: اعلم أنّه تارة يعلم بعدم وجود الصغير و المجنون

في جملة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 52

مالكى الماء فلا إشكال في جواز الشرب و الوضوء مع عدم العلم بكراهة مالكيه.

و تارة لا يعلم بوجود الصغير و المجنون بين مالكى الماء كما لا يعلم بعدم وجودهما بينهم، فهل يجوز التصرف مع ذلك أو لا يجوز؟

الاقوى الجواز لوجود السيرة في المورد من حيث إنّ صورة العلم بعدم وجود الصغار و المجانين بين المالكين قليل جدا، بل الغالب أو الاغلب صورة الشك في كونهما بينهم و، عدمه فدعوى وجود السيرة في صورة الشك بوجود هما بينهم دعوى قريب، فتحقق السيرة في هذه الصورة لا ينبغى أن ينكر.

و تارة يعلم بوجود الصغير و المجنون بين مالكى الأنهار، فهل يجوز الشرب و الوضوء أيضا مثل الصورة الاولى و الثانية أو لا يجوز ذلك؟

الأقوى عدم الجواز لأنّ الدليل كما عرفت منحصر بالسيرة، و تحققها في المورد غير معلوم.

و لا فرق في عدم الجواز بين وجود الولى الاجبارى للصغير و المجنون كالأب و الجدّ و بين وجود الولى الاختياري لهما كالحاكم و المنصوب من قبله.

فالتفصيل بين صورة وجود الولى الاجبارى و بين الاختياري، لأنّ الأوّل يجوز و تنفذ ولايته حتى في صورة عدم وجود المصلحة للصغير، و بعبارة اخرى يكفى في نفوذ ولايته عدم الضرر على الصغير فلا مانع من التصرف.

و في الثاني يدور مدار نفوذ ولايته في خصوص ما كان مصلحة للصغير و المجنون و عدم ولايته في غير هذه الصورة، و عدم نفوذ

ولايته حتى في صورة عدم وجود المصلحة لها، فعلى الأوّل يجوز التصرف بالشرب و الوضوء، و على الثاني

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 53

لا يجوز كما قال بعض شراح العروة «1».

لا وجه له لأنّه كما قلنا تحقق السيرة فيما علم وجود الصغير أو المجنون بين مالكى النهر غير معلوم، و على الفرض لا دليل في البين غير السيرة، فلا يجوز التصرف فيما علم وجود الصغير أو المجنون بين المالكين للنهر.

المسألة الرابعة: إذا صارت الأنهار الكبار مغصوبة بغصب غاصب
اشارة

فهل يجوز التصرف فيها لغير الغاصب كما كان جائزا له قبل غصبه أولا؟ فنقول: إنّ له صورتين:

الصورة الاولى: ما إذا غصبها و لم يتغير مجراها

فهل يجوز التصرف لغير الغاصب من الشرب أو الوضوء أولا؟ الحق عدم الجواز لعدم تحقق السيرة، إذ وجود السيرة محتاج إلى وجود خارجى لأنهار مغصوبة و تحقق وضوء المتشرعة منها فى كل عصر إلى أن يصل بزمان المعصوم عليه السلام حتى يكشف عن الجواز، و تحقق السيرة في الأنهار المغصوبة لم يثبت.

و مع الشك فى الجواز هل يجوز التمسك بالجواز السابق بالاستصحاب لو شك فى تحقق السيرة بعد الغصب أم لا؟ يأتي الكلام فيه في الصورة الثانية.

الصورة الثانية: إذا غصبها غاصب و غيّر مجراها،

فهل يجوز التصرف لغير الغاصب مع فرض تغيير مجراها بيد الغاصب أو لا؟ فهل نقول بالجواز لوجود السيرة و لو ارتكازا أو نقول بعدم الجواز لعدم تحقق السيرة؟

أقول: القول بتحقق السيرة حتى في هذه الصورة مشكل، و مع الشك كون المحكم عموم عدم جواز التصرف في ملك الغير بغير إذنه فالأحوط عدم الجواز في

______________________________

(1) الآملى، مصباح الهدى، ج 3، ص 377.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 54

الصورة الثانية أعنى: صورة تغيير المجرى بيد الغاصب.

و أمّا استصحاب الجواز السابق فيما إذا كانت الحالة السابقة الجواز، مثلا كان مأذونا سابقا من قبل المالك، ثم شك في الزمان اللاحق في بقاء إذنه.

فقال بعض شراح العروة: بأن الاستصحاب محكوم بعموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه.

و قال بعض شراحها: بعدم كون استصحاب بقاء جواز التصرف محكوما بعموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه، و ذلك لكون تصرفه قبل الغصب محكوما بالجواز فيستصحب.

أقول: الظاهر عدم مجال لجريان الاستصحاب أمّا أوّلا فلان منشأ جواز التصرف قبل تغيير المجرى كان هو السيرة فخصص عموم عدم جواز التصرف بالسيرة، و حيث إنّ السيرة من المخصصات اللبّية، و قلنا

بأنّه كلما يكون المخصص لبيّا يكون المرجع في مورد الشك في زيادة التخصيص- سواء كان الشك من جهة الشبهة في المفهوم أو في المصداق- هو العام، فلا وجه لاستصحاب حكم المخصص.

و أمّا ثانيا حيث يكون الشك في المورد من الشك في الأقل و الأكثر، أعنى:

يكون منشأ الشك الشك في شمول التخصيص للأكثر مع تيقن شموله للأقل، لأنّ الشك يكون في أنّ السيرة القائمة على جواز التصرف في الماء بالشرب و الوضوء الشاملة لصورة عدم تصرف الغاصب في الأنهار هل تشمل لصورة تصرف الغاصب كما فى الصورة الأولى من المسألة الرابعة أو لا تشمل لها.

و كذلك لا إشكال في أنّ السيرة جارية فيما لا يتصرف فيها الغاصب و لا يغيّر مجراها مسلما و يكون الشك في أنّ السيرة قائمة على صورة تصرف الغاصب و تغيير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 55

مجرى النهر أولا كما في الصورة الثانية في هذه المسألة.

فيكون الشك في المخصص شكا فى الأقل و الأكثر و قد عرفت فى مبحث العام و الخاص أنّ الشك إذا كان لأجل دوران المخصص بين الأقل و الأكثر يكون العام محكّما في مورد الشك سواء كان المخصص لفظيا أو كان لبيّا، فعلى هذا يكون في المقام عموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه محكّما فلا يجوز التصرف.

المسألة الخامسة: هل يجوز التصرف بالشرب و الوضوء من الأنهار الكبار لمن يكون غاصبا

و كذا لأتباعه من زوجته و أولاده و ضيوفه و غيرهم ممن يتصرف بتبعية الغاصب أو لا؟

الحق عدم الجواز لعدم قيام السيرة على جواز تصرفهم، و فقد دليل آخر يدل على الجواز.

المسألة السادسة: هل يجوز الوضوء في الأراضى الوسيعة
اشارة

و غيره من التصرفات كالجلوس و النوم و نحوهما أم لا؟

اعلم أن للمسألة صورا:

الصورة الاولى: ما إذا لا يعلم برضى مالكيها

و لا يعلم بوجود الصغير أو المجنون بين المالكين، ففي هذه الصورة يجوز هذا النحو من التصرفات لقيام السيرة المتشرعة على الجواز.

الصورة الثانية: ما إذا نهى بعض المالكين، أو كلهم،

أو علم بكراهة المالكين، أو بعضهم، فلا إشكال في عدم جواز التصرف لعموم حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه، و عدم دليل على التخصيص، لأنّ ما يمكن أن يكون مخصصا لهذا العموم ليس إلّا السيرة، و هى لا تشمل هذه الصورة لعدم تحقق السيرة عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 56

الصورة الثالثة: ما إذا ظن كراهة المالك

فقال المؤلف رحمه اللّه: الأحوط ترك التصرف في هذه الصورة.

أقول: الظن إن كان معتبرا فهو بحكم العلم، فلا يجوز التصرف لعدم السيرة فلا وجه لقوله: الأحوط الترك.

و إن كان الظن الغير المعتبر فيمكن أن يقال: حيث لم يتحقق السيرة بجواز التصرف لا يجوز التصرف أيضا، و لا وجه لقوله: الأحوط لأنّه مع الشك في تحقق السيرة فعموم حرمة التصرف فى مال الغير بغير إذنه محكم.

الصورة الرابعة: صورة عدم العلم بكراهة المالكين

في التصرف لكن تارة يعلم بوجود الصغير أو المجنون بينهم، فكما قلنا في الأنهار الكبار لا يجوز التصرف لعدم السيرة في جواز التصرف مع وجود واحد منهما بين المالكين.

و تارة لا يعلم بوجودهما بينهم، ففي هذه الصورة يجوز التصرف لوجود السيرة كما مر فى التصرف في الأنهار الكبار.

الصورة الخامسة: قال المؤلف رحمه اللّه

(لكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال ليس للمالك النهى أيضا).

و غرضه جواز التصرف في بعض الأقسام من الأراضى المتسعة حتى مع نهى مالكيها، و هو بعض الأراضى المتسعة اتساعا عظيما كما حكي عن صاحب الجواهر رحمه اللّه القول به بحيث يتعذر أو يتعسر اجتناب الناس عنها مع نهى مالكيها.

فأقول: بأنه إن كان النظر في جواز التصرف حتى مع نهى مالكيها إلى قيام السيرة على جوازه فهو غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم، لعدم وجود السيرة مع نهى المالك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 57

و إن كان النظر في الجوار من باب العسر و الحرج عن الاجتناب، فدليل العسر و الحرج لا يقتضي إلّا رفع الحكم الثابت في مورد هما، لا حلية التصرف في مال الغير مطلقا.

***

[مسئلة 8: الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلى فيها أو الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها لا يجوز لغيرهم الوضوء منها إلّا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع من أحد فانّ ذلك يكشف عن عموم الاذن، و كذا الحال في غير المساجد و المدارس كالخانات و نحوها.

(1)

أقول: اعلم أنّ كيفية وقف الحياض الواقعة في المساجد و المدارس و غيرهما تارة يكون معلومة من حيث الاختصاص بطائفة خاصة و عدم اختصاصها، فلا إشكال في عدم الجواز في صورة الاختصاص لغير المخصوصين، و الجواز في صورة عدم الاختصاص.

و تارة لا يعلم كيفية الوقف من حيث اختصاصها ببعض دون بعض و عدم اختصاصها، و في هذه الصورة ليس الكلام في صورة إذن المتولى لأنّ أمرها بيده فهو المالك إلّا إذا علم كون

إذنه على خلاف الواقع، بل الكلام في غير صورة إذن المتولى و الكلام في هذه الصورة مرة فى فرض جريان العادة بالوضوء منها ممن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 58

يكون له المبالات و الاعتناء بموازين الشرعية مع عدم منع أحد من الوضوء منها فيجوز الوضوء في هذه الصورة لأنّ هذا كاشف عن عموم الاذن.

و اخرى لا يكون كذلك، فهل يجوز الوضوء من الحياض الواقعة فيها أو لا؟

و

ما يمكن أن يتمسك به على عدم الجواز امور:
الأوّل: ما رواه محمد بن الحسن و على بن محمد جميعا عن سهل

عن أحمد بن المثنّى عن محمد بن زيد الطبرى قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الاذن في الخمس، فكتب إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّ اللّه واسع، كريم ضمن على العمل الثواب و على الضيق الهمّ، لا يحل مال إلّا من وجه أحلّه اللّه، إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا (أموالنا) و ما نبذله و نشترى من أعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنّا، و لا تحرموا أنفسكم دعانا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لانفسكم ليوم فاقتكم، و المسلم من يفى للّه بما عهد إليه، و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام «1».

فهذه الرواية تدلّ على عدم حلّية مال إلّا من حيث أحلّه اللّه، فلا بد في جواز التصرف في الأموال الغير المتعلقة للشخص من كشف كونه مما أحلّه اللّه، فلا يجوز فيما لا يعلم ذلك، فلا يجوز الوضوء من الحياض الواقعة في المساجد و غيرها إلا إذا عرف حليّته، و مع الشك فى ذلك لا يجوز التصرف.

و فيه- مضافا إلى ضعف سند الرواية من حيث احمد

بن المثنى الّذي هو غير مذكور في الرجال و من حيث كون محمد بن زيد الطبرى مجهولا كما قيل إن لم نقل في

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 59

سهل لما قيل من الأمر في سهل سهل-

أنّ الرواية تكون في مقام بيان الحكم الواقعى، و هو عدم حلية الأشياء واقعا إلّا من وجه أحلّه اللّه.

و هذا لا ينافى مع كون الحكم الظاهرى فيما جهل حليته و حرمته من باب الشك في أنّه مما أحلّه اللّه أم لا هو الحلية، فما يأتي بالنظر عدم كون الرواية منافية مع أصالة حلية الأشياء عند الشك حتى في الأموال، فالتمسك بالرواية على كون الأصل في الأموال في صورة الشك في الحلية هو الحرمة لا وجه له.

و أمّا التمسك برواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: من كانت عنده أمانة فيؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفس منه «1».

و ما رواها في تحف العقول عن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال في خطبة الوداع: أيّها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، و لا يحل لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه «2».

و ما رواه أبو الحسين محمد بن جعفر الاسدى قال: كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمرى قدس اللّه روحه في جواب مسائلى إلى صاحب الدار عليه السلام و أمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من

أموالنا (إلى أن قال) و أمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التى لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها و أداء الخراج منها، و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر و تقربا إليكم فلا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا الخ «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 60

فلا وجه له لأنّه بعد فرض كون المسجد و المدرسة و غيرها وقفا، فلا يكون مال أحد، فيكون مورد الوقف خارجا عن مورد الروايات و مما بينا ظهر لك عدم صحة الاستدلال باستصحاب جواز التصرف قبل الوقف لو كان جائز التصرف، لأنّه بالوقف خرج عن ملكية المالك، فلا معنى لاستصحاب جواز السابق الّذي كان متفرعا على ملكه.

الثاني: ما رواه محمد بن على بن الحسين

باسناده على محمد بن الحسن الصفار أنّه كتب إلى أبي محمد الحسن بن على عليهما السلام في الوقف و ما روى فيه (الوقوف و ما روى فيها) عن آبائه عليهم السلام، فوقّع عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إنشاء اللّه «1» (و كذا ما رواها محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبى محمد عليه السلام فى الوقوف و ما روى فيها، فوقّع عليه السلام: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء اللّه).

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة و على كل حال يدّعى أن المستفاد منهما توقف جواز التصرف في الوقف على أن

يكون على طبق ما أوقفه أهله، فلا بدّ من فهم كون التصرف في حدود ما أوقفه أهله، فمع الشك في كونه مواقفا له أولا لا يجوز التصرف.

و فيه أنّ مقتضى الخبرين كون التصرفات جائزة على حسب ما يوقفه الواقف فإن كان الوقف بنحو العموم لكان الوضوء جائزا، و إن كان بنحو خاص- مثل كونه لأشخاص خاصة، مثلا ساكنى المدرسة- لا يجوز الوضوء، و مع الشك لا يمكن التمسك بالعموم الوارد في الخبرين لكونه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من العام، و لا يكون العام حجة فيها مسلّما.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 61

الثالث: الاستصحاب بمعنى استصحاب عدم جعل الوقف بنحو العموم،

و أثره عدم حلية الوضوء لمن شك في جوازه.

و فيه أنّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم جعل الوقف بنحو الخاص و لاشخاص مخصوصين، و أثره حلية تصرف العموم بالوضوء في الحياض الواقعة في المساجد و غيرها.

فتلخص أنّه فيما لا يعلم كيفية الوقف لا دليل على عدم جواز الوضوء لأصالة الحلّية.

نعم إذا كانت هذه التصرفات مزاحمة لحق الموقوف عليهم الثابت اختصاصه بهم، أو لهم الاولوية بحسب الوقف، لا يجوز ذلك لعدم جواز مزاحمتهم بحسب الوقف و إنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

***

[مسئلة 9: إذا شق نهر أو قنات من غير إذن مالكه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا شق نهر أو قنات من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الّذي فى الشق و إن كان المكان مباحا أو مملوكا له، بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشق و توضأ في مكان آخر و أن كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة.

(1)

أقول: لعدم وجود السيرة على جواز الوضوء كما عرفت في المسألة 7.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 62

[مسئلة 10: إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه و إن لم يغصب الماء، ففي بقاء حق الاستعمال الّذي كان سابقا من الوضوء و الشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال، و إن كان لا يبعد بقاء هذا بالنسبة إلى مكان التغيير و أمّا ما قبله و ما بعده فلا إشكال.

(1)

أقول: المفروض في المسألة صورتان:

الاولى: ما إذا غيّر مجرى نهر بغير إذن مالكه و إن لم يغصب الماء فيقع الكلام في جواز الوضوء من مكان التغيير.

قد يقال: بجواز الوضوء في هذا الصورة من باب أنّه لا وجه لعدم الجواز إلّا توهم عدم كونه من موارد السيرة، و الحال أن تغيير المجرى من دون غصب الماء لا يخرج المورد عما قامت السيرة القطعية على جوازه.

و فيه أنّ المقدار المسلّم من السيرة هو جواز الوضوء من الأنهار الكبار إذا كانت بالوضع الّذي أراد ملّاكها و لم يبلغ بها يد الغصب و العدوان، و أمّا في مورد تغيير المجرى عدوانا ما قامت السيرة على الجواز، و لا أقلّ من الشك فلا يبعد عدم الجواز في هذه الصورة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول،

1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 62

الثانية: الصورة الاولى بحالها لكن يقع الكلام في جواز الوضوء ممّا قبل مكان التغيير أو ما بعده و عدم جوازه، و في هذه الصورة يمكن القول بالجواز، لأنّ التصرف بالوضوء أو الشرب من هذا الماء في هذا المكان من المجرى كان جائزا للسيرة و تصرف الغاصب في بعض الآخر من المجرى لا يوجب ارتفاع السيرة في ما قبل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 63

مورد تغيير المجرى أو ما بعده.

***

[مسئلة 11: إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر و لو توضأ بقصد الصلاة فيه ثمّ بدا له أن يصلّي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه، بل هو معلوم في الصورة الثانية كما، أنّه يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط، و لا يجب عليه أن يصلّى فيه و إن كان أحوط، بل لا يترك في صورة التوضؤ بقصد الصلاة فيه و التمكن منها.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا علم أنّ حوض المسجد وقف على المصلين فيه

لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر و لا يصح وضوئه، و كذا إذا توضأ و قصد عدم الصلاة في المسجد سواء قصد الصلاة في مكان آخر أو لا، و كذا إذا توضأ و قصد غاية اخرى من غايات الوضوء، ففى كل الصور لا يجوز الوضوء.

أمّا عدم لجواز تكليفا بمعنى كونه حراما، فلأنّ الوضوء على الفرض تصرف في الوقف على خلاف ما أوقفه واقفه، فيكون حراما.

و أمّا الحرمة الوضعية أعنى بطلان الوضوء، فلما عرفت من عدم صلاحية فعله لان يتقرب به مع علمه باختصاص الحوض بمن يصلّى في المسجد بحسب وقفه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 64

فيفسد وضوئه.

المسألة الثانية: ما إذا توضأ بقصد الصلاة في المسجد

ثم بدا له أن يصلّى في مكان آخر، فالظاهر صحة وضوئه و عدم بطلانه، و صحة الصلاة الواقعة معه في مكان آخر.

أمّا صحة وضوئه فلكون فعله مقرّبا، و يصح أن يتقرب به، و قد وقع مع قصد التقرب فوقع صحيحا.

و أمّا صحة الصلاة الواقعة معه فلأنّ شرط الصلاة الطّهارة، و على الفرض حصلت الطّهارة بالوضوء، و وقعت الصلاة مع الطّهارة.

(ثم إنّ دخل قصد الصلاة فى الوضوء ليس من باب القول بالمقدمة الموصلة حتى يتوهم أنّه على القول بها لا يصح الوضوء و لا يصح الصلاة الواقعة معه فى غير المسجد، بل يكون من باب أنّه بعد انحصار وقف الحوض بخصوص المصلين يكون التصرف لغيرهم غصبا، فلا بد من قصد الوضوء للصلاة فى المسجد حتى يصح الوضوء و يكون مقرّبا، لأنّه على القول بالمقدمة الموصلة تكون المقدمة واجبة بقيد الايصال، أو إذا اراد الايصال، أو مع قصد الايصال بذى المقدمة، سواء كان ايجاد المقدمة بغصب أو مباح، فهو غير مربوط بالمقام).

المسألة الثالثة: إذا توضأ بقصد الصلاة في المسجد،

ثم بعد الوضوء لم يتمكن من الصلاة فيه، فالظاهر صحة وضوئه و عدم بطلانه لعين ما قلنا في الصورة الثانية و الظاهر عدم الفرق بين الصورة الثانية و الثالثة.

فما قاله المؤلف رحمه اللّه (فالظاهر عدم بطلان وضوئه، بل هو معلوم في الصورة الثانية) و نظره الفرق بين الصورتين من حيث استظهار البطلان بأنّه في الاولى ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 65

و فى الثانية معلوم.

لا وجه له لأنّ كليهما مثلان من حيث صحة الوضوء بنظر الدليل.

المسألة الرابعة: إذا توضأ من الحوض الوقف المختص بالمصلين في المسجد

من لا يريد الصلاة في المسجد غفلة عن اختصاص ماء الحوض بمصلى المسجد، أو باعتقاد عدم اشتراط كون المتوضى يصلّى في المسجد، ثم بعد الوضوء التفت إلى ذلك، فهل يصح صلاته مع هذا الوضوء في غير هذا المسجد أو لا؟

الظاهر كون هذه المسألة مثل سابقها في الحكم لأنّ وضوئه وقع لأجل غفلته عن الاشتراط أو اعتقاده عدم الاشتراط صحيحا، فلا مانع من الصلاة معه فى غير هذا المسجد و يصحّ صلاته.

بل يمكن أن يقال: بأنّ هذه الصورة أولى بالصحة من الصورتين السابقتين لأنّ في هذه الصورة لا يكون النهى عن الغصب فعليا لأجل غفلته، أو اعتقاده عدم الاشتراط، بخلاف الصورتين السابقتين لكون النهى عن التصرف فعليا.

***

[مسئلة 12: إذا كان الماء في الحوض و ارضه و اطرافه مباحا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا كان الماء في الحوض و ارضه و اطرافه مباحا لكن في بعض اطرافه نصب آجر أو حجر غصبى يشكل الوضوء منه مثل الآنية إذا كان طرف منها غصبا.

(1)

أقول: بعد ما يكون المنهى عنه التصرف في الغصب، ففي كل مورد يصدق عرفا أنّ الوضوء تصرف في المغصوب لا يصحّ الوضوء، و أمّا إذا لم يصدق التصرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 66

فيصح الوضوء.

و ليس مجرد نصب آجر أو حجر في بعض أطراف الحوض مطلقا موجبا لكون الوضوء من الحوض غير جائز، بل يدور مدار صدق التصرف و عدمه.

***

[مسئلة 13: الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيا مشكل بل لا يصح لأنّ حركات يده تصرف في مال الغير.

(1)

أقول: قد عرفت في طى الشرط الرابع في المسألة الثالثة التي انعقدناها ها أنّه قد يقال بعدم اشتراط إباحة الفضاء في الوضوء.

إمّا بدعوى أن مجرد حركة اليد في الفضاء ليس تصرفا في فضاء الغير.

و قلنا في جوابه بأنّ حركة اليد في فضاء الغير يعدّ تصرفا فيه.

و إمّا بدعوى أنّ التصرف في الفضاء غير متحد مع الوضوء، لأنّ حقيقة الوضوء هي الغسل و المسح، و الغسل عبارة عن جريان الماء على المحلّ و هو غير متحد مع التصرف في الفضاء.

نعم في خصوص المسح إن كان الفضاء منحصرا بالمغضوب يحرم المسح لكونه مقدمة منحصرة للمسح من باب أنّ حقيقة المسح إمرار الماسح على الممسوح، و هو محتاج إلى الفضاء، فلا يكون المسح مأمورا به، و لا فيه ملاك الأمر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 67

و قلنا في جوابه بأنّ الغسل عبارة عن إجراء الماء على المحلّ

و إجراء الماء على محل الوضوء متحد مع الفضاء المغصوب.

فتكون النتيجة اشتراط إباحة الفضاء الّذي يقع فيه الوضوء.

***

[مسئلة 14: إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب فهو باطل.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

لأنّه تارة يكون تحريك المغصوب بالوضوء من باب المقارنات الاتفاقيّة بدون كون الوضوء سببا، ففي هذه الصورة لا وجه لبطلان الوضوء.

لعدم كون الوضوء متحدا معه بحيث يقال بالحمل الشائع: إنّ الفعل الواحد وضوء و غصب، و لا من باب كون الوضوء مقدمة له.

و تارة يكون الوضوء سببا لتحريك المغصوب فيكون الوضوء مقدمة له، و في هذه الصورة مرة يكون الوضوء مقدمة منحصرة له، فيبطل الوضوء لكونه علة للحرام، و ليس في الموارد أمر بالوضوء و لا ملاك المحبوبية له، فلا يقع متصفا بالصحة كما قلنا في اشتراط كون مصب ماء الوضوء مباحا.

و اخرى لا يكون الوضوء مقدمة منحصرة لتحريك المغصوب، فكما عرفت يصح الوضوء و إن لم يكن مأمورا به لوجود الملاك و هو كاف.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 68

[مسئلة 15: الوضوء تحت الخيمة المغصوبة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ تصرفا فيها كما في حال الحرّ و البرد المحتاج إليها باطل.

(1)

أقول: المستفاد من كلام المؤلف رحمه اللّه دوران بطلان الوضوء و عدمه مدار عدّه تصرّفا في الخيمة المغصوبة و عدمه، فيظهر منه أنّ مجرد الانتفاع عن الخيمة المغصوبة يكون موجبا لبطلان الوضوء و هل يكون مطلق الانتفاع بمال الغير حراما أم لا، فهو ساكت عنه.

فبناء عليه ما ينبغى أن يتكلم فيه موضعان:

الموضع الأوّل: في أن حرمة مال الغير هل يكون بالتصرف فيه،

و بعبارة بعض بالاستيلاء على مال الغير، مثل أن يأخذ ملك الغير عنده و يتصرف فيه ما شاء.

أو يكون بمجرد الانتفاع بمال الغير و إن لم يكن تصرفا، مثل الاستظلال بجدار الغير أو الاستضاءة بمصباح الغير، فهو انتفاع عن مال الغير لكن لا يكون تصرفا في ماله، و لا استيلاء عليه.

قد يقال: بأنّه يظهر من الروايات الثلاثة- التى ذكرناها في طى المسألة 8 المستدل بها على عدم جواز الوضوء من الحياض الواقعة في المساجد و غيرها إذا لم يعلم كيفية وقفها من حيث اختصاصها بطائفة خاصة و عدم اختصاصها- أنّ المحرم هو التصرف في مال الغير، و ليس مجرد الانتفاع فيما لا يكون تصرفا في المال عرفا حراما لأنّ بعضها نص في عدم حليّة التصرف في مال الغير مثل التوقيع الشريف لأنّ فيه قال روحى فداه: (فلا يحلّ أن يتصرف فى مال غيره).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 69

و بعضها ظاهر في ذلك مثل رواية سماعة (لا يحلّ دم امر سلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه).

و المروى عن تحف العقول (و لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه).

و قد يقال: إنّ الظاهر من عدم حلية

مال الغير بغير إذنه هو التصرف فيما له من التصرف في ماله بمقتضى سلطنة التي يكون للمالك عليه، فيشمل المال الأعيان و المنافع، فكما لا يجوز التصرف في عين مال الغير لا يجوز التصرف في منفعة من منافع الغير لأنّها أيضا مال عند العرف.

فتلخص أنّ الحرمة المتعلقة بمال الغير تدور مدار صدق التصرف، فكلّ ما يكون عند العرف تصرفا في مال الغير يكون محرّما.

و من يقول بأن الاستيلاء على المال محرم إن أراد ذلك لأنّه مع التصرف يصدق الاستيلاء فهو، و إن أراد معنى آخر فلم أر لاعتباره في صدق الحرمة وجها.

كما أنّه يظهر أنّ مجرد الانتفاع عن مال الغير فيما لا يكون تصرّفا فيه لا يكون محرما لعدم الدليل عليه، مضافا إلى أنّ الضرورة بخلافه في بعض الموارد، فلا يعدّ الاستظلال بجدار الغير تصرفا في مال الغير، هذا كله في الموضع الأوّل.

الموضع الثاني: يقع الكلام في أنّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة مع عدم كون المكان غصبا،

من باب أنّه يعدّ تصرفا في الخيمة يكون الوضوء حراما و باطلا، أو من باب أنّه تصرف في منافع الخيمة، و التصرف في المنافع مثل التصرف في العين حرام، لكونه تصرفا في مال الغير، و باطل لكون وضوئه متحدا مع الغصب، فليس وضوئه قابلا لان يتقرّب به فيبطل وضوئه.

أولا يعدّ تصرفا لا فى الخيمة و لا في منافع الخيمة، أو يفصّل بين زمان الحرّ أو البرد، فيقال، الوضوء تحتها تصرف كما عن المؤلف رحمه اللّه، و بين غير هذا الزمان، فيقال:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 70

ليس الوضوء تصرفا في الخيمة.

قد يقال بالثانى لأنّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة لا يعدّ عند العرف تصرفا لا في الخيمة و لا في منافعها.

أمّا في نفس الخيمة فلأنّ من تمكن تحت الخيمة يتصرف

في أرض الخيمة و فضائها، و لا يتصرف في نفس الخيمة و لا استيلاء له عليها، نعم ينتفع بها، و لا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير.

و أمّا منافع الخيمة فالاستيلاء و التصرف في المنافع يحصل بتبع الاستيلاء و التصرف في العين، و بعد عدم كون الوضوء تحت الخيمة، و هي العين، تصرفا في الخيمة فلا يكون تصرفا في منافع الخيمة أيضا.

و مما مرّ يظهر عدم الفرق بين حال البرد و الحرّ و بين غير هذا الحالين لأنّه في كل من الفرضين لا يكون الوضوء تصرفا.

نعم يكون انتفاعا من الخيمة، و مجرد الانتفاع لا يعد تصرفا، و لا استيفاء منفعة من منافعها.

أقول: و عندى فيما قاله نظر إذ مرة نحن نقول: بعدم فرض تصرف عرفى للخيمة أصلا فيمكن الالتزام بما قاله من عدم كون الوضوء تصرفا.

و لكن كيف يمكن القول به إذ الخيمة مثل ساير الأعيان تكون معدة للاستفادة و التصرف فيها، فاذا غصبها غاصب فقد غصب مالا، و غصبه بأنّ يتصرف فيها تصرفا يكون من شأنها، و شأن التصرف في الخيمة ليس إلّا بالتمكن تحته و المعاملة معها معاملة البيت، فلو وقع الغاصب تحتها يعدّ عرفا متصرفا في الخيمة، فعلى هذا يكون الوضوء من التصرفات، فيكون حراما و يوجب بطلان الوضوء، هذا ما يأتي عاجلا بنظرى القاصر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 71

و ليس ذلك مجرد الانتفاع، بل يعدّ تصرفا، و لهذا لا فرق بين حال الحرّ و البرد و بين غيره في كون الوضوء و الأفعال الواقعة تحتها تصرفا في الخيمة، فتلخص أنّ القول ببطلان الوضوء يكون أرجح.

***

[مسئلة 16: إذا تعدّى الماء المباح عن المكان المغصوب إلى المكان المباح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا تعدّى الماء المباح عن المكان المغصوب إلى

المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه.

(1)

أقول: إذ لا وجه لعدم الجواز، فهو ماء مباح يجوز الوضوء منه و إن تعد بنفسه عن المكان المغصوب إلى المكان المباح.

***

[مسئلة 17: إذا اجتمع ماء مباح كالجارى من المطر في ملك الغير]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: إذا اجتمع ماء مباح كالجارى من المطر في ملك الغير إن قصد المالك تملّكه كان له و إلّا كان باقيا على أباحته، فلو أخذه غيره و تملّكه ملك، إلّا أنّه عصى من حيث التصرف في ملك الغير، و كذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد و ما اطارته الريح من النباتات.

(2)

أقول: أمّا فيما إذا اجتمع الماء المباح كالجارى من المطر في ملك شخص، فهل يكون الماء لمالك الملك إذا قصد تملّكه أم لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 72

اعلم أنّ له صورتين:

الاولى: أن يجعل ملكه

لأن يصير وعاء الماء و هيأه له بوضع حوض و مصنعة اخرى و قصد تملك الماء، فلا إشكال في صيرورته ملكا له، لأنّ حيازة الماء المباح تحصل بذلك، مثل جعل الشبكة بقصد اصطياد الصيد لحصول الحيازة بالفعل الاختيارى، و هو ما صنعه لان يقع ماء الغيث فيه مع قصده الحيازة.

الثانية: أن لا يصنع شيئا و لا يصدر منه فعل اختيارى للحيازة،

بل اجتمع الماء النازل من السماء في ملكه فقصد حيازته، فهل يحصل بذلك الحيازة، و يخرج بمجرد ذلك هذا الماء عن الحكم الأوّلى الذي يكون له من أنّ الناس أو المسلمين فيه شرع سواء أو لا؟

قد يقال «1» بكفاية ذلك في صدق الحيازة تبعا لظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه بدعوى أنّ الحيازة في المقام يحصل باجتماع الماء في ملكه، فلا يبقى لتملكه إلّا قصده، فاذا حصل القصد تحقق الملك.

و فيه: أنّ الحيازة لا بد فيها من فعل اختيارى من المحيز مع قصده من هذا الفعل الاختياري الحيازة عرفا و لا يكفى مجرد القصد، و العجب من القائل من أنّه قال: و ليس حصول الملك بقصد التملك فقط حتى يقال بعدم كفايته في صدق الحيازة.

وجه العجب أنّه مع فرض عدم صدور شي ء للحيازة منه إلّا القصد، فهل القول بحصول الحيازة ليس معناه حصولها بمجرد القصد.

نعم ربّما يقال بصيرورته ملكا له بتبع ملكه و لو بلا قصد، و لكن هذا مشكل في مثل الماء الوارد على الارض، و ليس مثل الماء النابع في ملك الشخص أو العشب النابت في ملكه فعلى هذا يبقى الماء على إباحته إلّا أن يفعل المالك بعد ذلك فعلا

______________________________

(1) التنقيح، ج 4، ص 399.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 73

يوجب حصول الحيازة مع قصد الحيازة.

أو يأخذه غيره و تملكه،

لأنّه قابل للحيازة فيصير بالحيازة ملكا للغير، و إن كان عاصيا من حيث تصرفه في ملك الغير إذا كان تصرفه بغير إذنه.

و كذا الحال في غير الماء من المباحات، فتحصل حيازتها بفعل يصدق معه الحيازة بقصد الحيازة، مثل وضع الشبكة للصيد بقصد الاصطياد، و كذا فيما أطارته الريح فى ملكه بأخذها بقصد الحيازة، و أمّا مجرد وقوعها في ملكه فحصول الحيازة بمجرده مشكل و إن قصد الحيازة.

***

[مسئلة 18: إذا دخل المكان الغصبى غفلة و في حال الخروج توضأ]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: إذا دخل المكان الغصبى غفلة و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافى فوريته فالظاهر صحته لعدم حرمته حينئذ، و كذا إذا دخل عصيانا ثم تاب و خرج بقصد التخلص من الغصب، و إن لم يتب و لم يكن بقصد التخلص ففى صحة وضوئه حال الخروج إشكال.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

اعلم أنّ المراد بالمكان كما عرفت سابقا هو الفضاء بالتفصيل المتقدم ذكره بناء على كون إباحة الفضاء شرطا كما اخترنا و بيّنا وجهه.

الاولى: ما إذا دخل الشخص المكان المغصوب لا بسوء اختياره،

مثل ما إذا كان دخوله غفلة و في حال الخروج توضأ و لا يستلزم وضوئه تصرفا زائدا، فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 74

إشكال في صحة وضوئه، لأنّه على الفرض لم يكن دخوله منهيا عنه، فلا يكون خروجه منهيا بالنهى الفعلى و لا معاقبا عليه بالنهى السابق، و يجب عليه الخروج بمعنى عدم جواز التصرف في المغضوب بالبقاء فيه، و لا يكون وضوئه مستلزما للتصرف الزائد على مقدار الخروج، فلا مانع من اتصاف الوضوء بالصحة.

الثانية: ما إذا دخل بسوء اختياره و كان عاصيا بالدخول،

لكن تاب و كان خروجه للتخلص عن التصرف الزائد في الغصب، و في حال الخروج توضأ، و لا يكون وضوئه مستلزما للتصرف الزائد، فيصح وضوئه لأنّه بعد فرض التوبة لا يكون معاقبا و عاصيا للنهى السابق لأنّ التوبة أزالت أثر النهى و هو العقاب، و كون خروجه بقصد التخلص، فلا يكون خروجه منهيا بالنهى الفعلى و لا معاقبا عليه بالنهى السابق، فلا مانع من صحة عبادته وضوءا كانت أو غيرها.

الثالثة: ما إذا دخل المكان المغصوب بسوء اختياره عصيانا و لم يتب،

و لم يكن خروجه بقصد التخلص عن الغصب و توضأ حال الخروج مع فرض عدم كون وضوئه مستلزما لتصرف زائد، فهل يصح وضوئه أو لا؟

وجه الصحة عدم حرمة الخروج بالنهى الفعلى و لا كونه معاقبا بالنهى السابق و اتصافه بالوجوب الفعلى لكون الخروج واجبا.

وجه فساد الوضوء أنّه و إن لم يكن الخروج منهيا بالنهى الفعلى، و لكن يكون معاقبا عليه و عاصيا بالنهى السابق و مبغوضا عليه، و على الفرض لم يتب حتى تؤثر فى رفع عقاب النهى السابق و مبغوضية فعله

و عدم اتصافه بالوجوب الفعلى أمّا أوّلا فلأنّه على التحقيق لا يكون الخروج واجبا حتى للتخلص، بل المحرم هو التصرف في مال الغير مطلقا، حتى لو لم يكن في البين عنوان الدخول و البقاء و الخروج، فيكون بهذه العناوين التصرف مورد النهى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 75

بل كما عرفت عن الأدلّة ليس المنهى إلّا التصرف في مال الغير، فكلما يكون تصرفا في مال الغير فهو محرّم، فالبقاء حرام لأنّه تصرف، و يجب الخروج بحكم العقل كى لا يتصرف تصرفا زائدا إلّا أن يكون التخلص واجبا بالوجوب الشرعى.

و أمّا ثانيا في فرض كون التخلص واجبا لا يكون على الفرض خروجه

بقصد التخلص، فلا يكون واجبا، فلا يصح الوضوء في هذه الصورة.

الرابعة: ما إذا دخل عصيانا و بسوء اختياره، ثم تاب

و كان خروجه بعد التوبة، لكن لا بقصد التخلص، فهل يصح وضوئه حين الخروج مع عدم استلزامه تصرفا زائدا أو لا؟

الحق صحة وضوئه لأنّه على الفرض لا يكون الخروج منهيا بالنهى الفعلى و لا يكون معاقبا عليه و مبغوضا لأنّه تاب، و الخروج لا يوجب التصرف، فلا يكون الفعل مبغوضا، فيصح أن يتقرب به فيصح وضوئه.

الصورة الخامسة ما إذا دخل عصيانا و بسوء الاختيار و بعد الدخول لم يتب و لكن يكون خروجه بقصد التخلص عن الحرام، و يتوضأ حين الخروج و ليس وضوئه مستلزما لتصرف زائد، فهل يصح وضوئه أولا؟

الحق عدم صحة وضوئه لأنّه و إن لم يكن الخروج منهيا بالنهى الفعلى، لكن يكون معاقبا بالنهى السابق و مبغوضا عليه، و لم يتب على الفرض حتى تزيل المبغوضية.

و لا يكون التخلص واجبا لما قلنا من عدم كون التخلص واجبا بالوجوب الشرعى حتى يقال: إنّ طرّ و عنوان آخر و هو التخلص المأمور به يوجب رفع المبغوضية و صيرورة الفعل أعنى: الخروج حسنا.

لما قلنا من عدم كون التخلص واجبا إلّا من باب كونه مقدمة لرفع التصرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 76

الزائد فيحكم العقل بوجوبه، و ليس فيه ملاك آخر، فالحق في هذه الصورة عدم صحة الوضوء.

***

[مسئلة 19: إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح فإن أمكن ردّه إلى مالكه و كان قابلا لذلك لم يجز التصرف فى ذلك الحوض، و إن لم يمكن ردّه يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه لأنّ المغصوب محسوب تالفا، لكنه مشكل من دون رضى مالكه.

(1)

أقول: المفروض للمسألة صورتان:

الاولى: ما إذا وقع الماء المغصوب في الحوض المباح و يمكن ردّه إلى

مالكه يجب ردّه، و لم يجز التصرف في الحوض قبل ردّ المغصوب.

الثانية: الصورة بحالها و لكن لا يمكن ردّه، فهل يكون بحكم التالف و انتقال ضمانه بالمثل أو القيمة، و يجوز التصرف فيه بدون رضى المالك.

أو لا يكون كذلك، بل هو باق على ملك مالكه و يصير شريكا في مجموع ماء الحوض بنسبة مائه من باب أن التلف يفرض في غير المتماثلاث و أمّا في المتماثلات فتكون الشركة و المختار الشركة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 77

[الشرط الخامس: أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أوانى الذهب او الفضة]
اشارة

الشرط الخامس: أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أوانى الذهب او الفضة و إلّا بطل سواء اغترف منه أو أداره على أعضائه، و سواء انحصر فيه أم لا، و مع الانحصار يجب أن يفرغ مائه في ظرف آخر و يتوضأ به، و إن لم يمكن التفريغ إلّا بالتوضؤ يجوز ذلك حيث إنّ التفريغ واجب، و لو توضأ منه جهلا أو نسيانا أو غفلة صحّ كما في الآنية الغصبية، و المشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه كما يجوز ساير استعمالاته.

(1)

أقول: مرّ الكلام في الوضوء و الغسل من أو انى الذهب و الفضة في طى مسئلة 13 من المسائل المتعلقة بالأوانى فراجع، و نقول هنا بنحو الاختصار بعونه تعالى:

إنّ الوضوء أو الغسل من آنية الذهب و الفضة يفرض له صور، لأنّه تارة يمكن تفريغ الماء من آنيتهما في ظرف آخر، و تارة لا يمكن ذلك، و في كل منهما، مرة يكون الماء منحصرا بما في الآنية من أحدهما، و اخرى لا يكون منحصرا بما فيهما،

فالصور أربع، فنقول بعونه تعالى:
الصورة الاولى: و هى ما يمكن تفريغ الماء من الآنية

من الذهب أو الفضة في وعاء و ظرف آخر و لا يكون الماء منحصرا بما في الآنية، فالكلام يقع تارة في صحة الوضوء و عدمها، و تارة في جواز التفريغ و عدمه.

أما الكلام في صحة الوضوء و عدمها فلا إشكال في صحة الوضوء من الماء بعد تفريغه عن الآنية لواجدية الوضوء للشرائط و فاقديته للموانع، سواء كان الوضوء من الظرف المباح الواقع فيه ماء الآنية بالارتماس، أو بالاغتراف، أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 78

بالصب على مواضع الوضوء، و إن كان التفريغ من آنية الذهب و الفضة حراما في بعض الصور كما يأتي إنشاء اللّه.

و أمّا الكلام

في جواز الافراغ و عدمه، فنقول بعونه تعالى: بأنّه كما بينّا في الأوانى بعد كون إبقاء الماء استعمالا لآنية الذهب و الفضة، فيكون الافراغ واجبا مقدمة إن كان ايقاع الماء في الانية بفعله و لو كان على غير وجه المحرم، مثل ما أوقع الماء فيها غفلة، و خصوصا إن كان ايقاعه بسوء اختياره و عصيانه، فيجب عليه الافراغ، نعم لو لم يجب عليه الافراغ مثل ما كان ايقاعه بفعل غيره، و قلنا بأنّ افراغ الماء عن آنيتهما نحو استعمال لهما يكون الافراغ حراما.

الصورة الثانية: الصورة الاولى بحالها و لكن يكون الماء منحصرا بما في الآنية.

فحكمها حكم الصورة السابقة من حيث صحة الوضوء بعد الافراغ و وقوع الماء في الظرف المباح من باب أنه بعد الا فراغ يكون واجد الماء، فيصح وضوئه لكون فعله مقربا إلّا أن يقال: إنّ حكمها حكم الصورة الثالثة من أنّه بعد كون المقدمة منحصرة لا يكون امر و لا ملاكه فى الوضوء فيبطل الوضوء.

و كذا من حيث جواز الافراغ و عدمه.

الصورة الثالثة: ما إذا لا يمكن إفراغ الماء من آنيتهما في ظرف آخر

و كان الماء منحصرا بما في الآنية، فهل يجوز الوضوء من هذا الماء أم لا؟

الأقوى بطلان الوضوء فى هذه الصورة سواء كان بالارتماس في الآنية أو بالاغتراف عنها بيده و صبه بواسطة يده على مواضع الوضوء أو بصب الماء بسبب الآنية على محل الوضوء و مواضعه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 79

لأنّه بعد كون مقدمة الوضوء منحصرة، لانحصارها بما في الآنية منهما، يكون فاقد الماء، فينتقل تكليفة إلى التيمم، و ليس امر متعلقا بالوضوء و لا فيه ملاك الأمر، فلا يكون الوضوء مقربا.

نعم، فيما إذا كان تخلص الآنية من الذهب و الفضة عن الماء واجبا مثل ما إذا كان ابقاء الماء فبها بفعله كما بينا فى الصورة الاولى، و كان إبقاء الماء فيها استعمالا لها، و لا يمكن إفراغ منها إلّا بالاغتراف و لو تدريجا، أو بصب الماء منها على مواضع الوضوء، بل و إن لم يمكن الّا بالرمس فيها و الوضوء ارتماسا، يصح الوضوء حتى فى صورة الانحصار.

و قد يقال بصحة الوضوء في هذه الصورة و إن كان الاغتراف حراما من باب الترتب كما في النتقيح «1» بدعوى كون الترتب على القاعدة. (فيمكن تصحيح العبادة بالترتب حتى مع عدم كشف الملاك خلافا للعلامة النائينى قدس سره استاد العلامة الخوئى الّذي

يكون التنقيح من تقريراته، و نحن حيث يكون لنا الاشكال فى أصل صحة الترتب لم نتعرض له).

الصورة الرابعة: الصورة الثالثة بحالها

و لكن لا يكون الماء منحصرا بما في آنية الذهب و الفضة و في هذه الصورة نقول بعونه تعالى:

أما الوضوء بنحو الارتماس في آنية أحدهما فباطل لكونه من صغريات اجتماع الأمر و النهى، و لا يكون الفعل قابلا لأن يتقرب به، فلا يقع صحيحا إلّا فيما إذا كان تفريغ الماء واجبا و لم يمكن إلّا بالوضوء فيها ارتماسا.

و أمّا بنحو الاغتراف فيصحّ الوضوء سواء كان إفراغ الماء واجبا أو حراما،

______________________________

(1) التنقيح، ج 3، ص 337.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 80

و سواء كان بالاغتراف الدفعى أو التدريجى، لأنّ الاغتراف لا يكون محرما كما عرفت في الصورة الاولى في بعض الصور.

و إن كان محرّما كما يفرض في بعض الصور فحيث لا يكون الغسل و المسح الوضوئي متحدا مع الاغتراف، فلا يكون الوضوء باطلا من حيث كونه صغرى الاجتماع.

و حيث إنّ الاغتراف عن الآنية و إن كان مقدمة للوضوء لكن ليس مقدمة منحصرة فلا يوجب حرمة المقدمة إلّا عدم اتصافه بالوجوب المقدمى للوضوء، لكن الأمر بذى المقدمة و هو الوضوء باق بحاله، فيقع الوضوء صحيحا و إن أتى به المكلف في ضمن المقدمة المحرمة.

و أمّا بنحو الصب عن الآنية منهما في مواضع الوضوء فحيث إنّ الوضوء غير متحدّ مع الحرام و صب الماء مقدمة للغسل لا نفس الغسل لأنّه يصبّ الماء على المحل ثم يغسل به مواضع الوضوء، فلا يكون الوضوء باطلا و إن كان تفريغ الآنية حراما فى بعض الصور كما أنه يكون واجبا فى بعض صور غصبيتها.

ثم إنّه كلما قلنا من الصور فى الوضوء من

الماء المغصوب يجرى فيما كان الوضوء من الآنية المصنوعة من الذهب و الفضّة، فاذا كان عالما فقد عرفت حكم الوضوء من حيث الصحة و الفساد و قلنا بالفساد، و أمّا إن كان الوضوء عنهما جهلا بالموضوع أو نسيانا أو غفلة أو جهلا بالحكم إذا كان عن قصور صح وضوئه، ثم إنّه يجوز الوضوء فى الآنية المشكوكة من الذهب و الفضّة أو عن غيرهما كما يجوز غير الوضوء من ساير الاستعمالات.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 81

[مسئلة 20: إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيته، أو كونها من الذهب أو الفضة ثم تبيّن عدم كونها كذلك، ففي صحة الوضوء إشكال، و لا يبعد الصحة إذا حصل منه قصد القربة.

(1)

أقول: بعد ما لا إشكال فى أنّ صحة العبادة تتوقف على كون العمل قربيا يصح أن يتقرب به و أن يكون الفاعل ممن يتمشى منه قصد القربة، فعلى هذا نقول في فرض المسألة: من أن الوضوء و إن كان واقعا مما يمكن التقرب به، و لكن الفاعل باعتقاده غصبية الآنية أو كونها من الذهب أو الفضة فيعتقد كون استعمالها بالوضوء مبعّدا للمولى، فلا يمكن منه قصد التقرب و لا تتمشّى منه قصد القربة، و لو فرض تمشى قصد القربة فيصح الوضوء، فما قال المؤلف قدس سره من الاشكال الشامل لصورة عدم تمشى قصد القربة فى غير محله، لأنّه فى هذا الفرض يكون الوضوء باطلا بلا إشكال.

و اعلم أنّ مفروض الكلام فيما يكون الوضوء من الآنية حراما إن كانت مغصوبة، أو من الذهب أو الفضة، و قد مضى تفصيله فراجع.

***

[الشرط السادس: أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث]
اشارة

الشرط السادس: أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث و لو كان طاهرا مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المقدمة، و لا فرق بين الوضوء الواجب و المستحب على الأقوى حتى مثل وضوء الحائض، و أمّا المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 82

إشكال في جواز التوضؤ منه، و الأقوى جوازه من المستعمل في رفع الحدث الأكبر و إن كان الأحوط تركه مع وجود ماء آخر، و أمّا المستعمل في الأغسال المندوبة فلا إشكال فيه أيضا.

و المراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجارى

على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان، و أمّا ما ينصبّ من اليد أو الظرف حين الاغتراف أو حين إرادة الاجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل، و كذا ما يبقى في الاناء و كذا القطرات الواقعة في الاناء و لو من البدن.

و لو توضأ من المستعمل في الخبث جهلا أو نسيانا بطل، و لو توضأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالاعادة.

(1)

أقول: تقدم الكلام في المسألة في فصل الماء المستعمل، و نقول هنا بنحو الاختصار: إنّ الكلام يقع في مقامين:

[المقام] الأوّل: فى جواز الوضوء بالماء المستعمل و عدمه

فنقول بعونه تعالى:

أما الماء المستعمل في رفع الخبث و إن كان طاهرا مثل ماء الاستنجاء مع شرائطه، فهل يجوز الوضوء منه أم لا؟

اعلم أنّ الكلام يقع تارة في المستعمل في رفع الخبث غير ماء الاستنجاء، و تارة في ماء الاستنجاء.

أما الكلام في ماء الاستنجاء فإن التزمنا بنجاسة ماء الغسالة فلا إشكال في عدم جواز الوضوء منه لاشتراط طهارة ماء الوضوء، و أمّا لو التزمنا بطهارته،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 83

كما لا يبعد ذلك، فمنشأ القول بعدم جواز الوضوء منه ليس إلّا الاجماع المدعى على عدم كونه رافعا للحدث.

و أمّا ما رواها عبد اللّه سنان عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل، فقال: الماء الّذي يغسّل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه، و أمّا الّذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

المدّعى دلالة منطوقها على عدم جواز استعمال الماء المستعمل في الحدث، لأنّ مفروض الرواية هو الماء الّذي

يغسّل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ، فيقال: كما تدلّ الرواية على ذلك نقول: بعدم الجواز في الماء المستعمل في الاستنجاء لعدم الفرق بينهما، لأنّ كلا منهما استعمال الماء في إزالة الخبث.

ففيه أوّلا إنّ الرواية ضعيفة السند، و ثانيا لو أغمضا عن ذلك كما قلنا يحتمل أن تكون خصوصية للجنب ليست فى الاستنجاء كما يكون بعض الخصوصيات فى الماء المستعمل فى الاستنجاء، فالقول بكونه مثله قياس مع الفارق.

و ثالثا يمكن كون منشأ عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل فى رفع الحدث الأكبر أو في رفع الخبث، ابتلاء الماء بنجاسة البدن، و كذا الثوب و لأجل النجاسة لم يجز رفع الحدث به.

و بعد عدم وجود دليل غير بعض الاجماعات المنقولة القابلة للخدشة و لا يعتنى به كما حكي عن صاحب الجواهر رحمه اللّه لعدم وجود إجماع كاشف عن قول المعصوم، أو وجود نص معتبر، لا يمكن الافتاء بعدم الجواز، بل نقول: بأنّ الأحوط

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 84

وجوبا عدم جواز الوضوء منه.

و أمّا المستعمل في الخبث غير ماء الاستنجاء فعلى القول بنجاسته لا إشكال في عدم جواز الوضوء منه.

و أمّا على القول بعدم نجاسته فما يمكن أن يكون وجها لعدم الجواز هو الاجماع و رواية عبد اللّه بن سنان و قد عرفت الخدشة في كل منهما.

فكما قلنا في المستعمل في الاستنجاء إنّ الأحوط عدم جواز الوضوء نقول فيه.

و أمّا وجه عدم الفرق في عدم جواز الوضوء بالمستعمل في الخبث بين الوضوء الواجب و المستحب حتى مثل وضوء الحائض فلشمول الدليل لكل منهما.

و على ما قلنا الأحوط

عدم الجواز.

و أمّا الوضوء مع الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر فيجوز، لأنّه ماء طاهر فلا مانع من التوضى.

و أمّا الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ففي جواز الوضوء منه و عدمه قولان:

القول الثاني منسوب إلى جمع من القدماء رضوان اللّه عليهم.

و القول الأوّل منسوب إلى جلّ المتأخرين و إلى السيد رحمه اللّه من القدماء رضوان اللّه تعالى عليهم.

و قد بينا في الماء المستعمل ما يمكن أن يستدلّ به على عدم الجواز من الأخبار، و قلنا بعدم تمامية الاستدلال بها و قد ذكر بعض الأخبار يدل على الجواز، و بعد عدم الدليل على عدم الجواز يكون الماء طاهرا و لا مانع من الوضوء منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 85

و لو شككنا في الجواز و عدمه فيكون الشك فى الشرطية، و يكون مورد أصالة البراءة، نعم باعتبار دعوى شهرة القدماء على عدم الجواز ينبغى الاحتياط بترك الوضوء منه، نعم لو صار الماء نجسا لملاقاته مع بدن الغاسل أو غيره فلا يجوز الوضوء لنجاسة الماء.

و أمّا الماء المستعمل في الاغسال المندوبة فلا دليل على عدم جوازه، فهو ماء طاهر يجوز الوضوء منه.

المقام الثاني: يقع الكلام فيما هو المراد من الماء المستعمل

في رفع الحدث الأكبر.

و المراد به هو الماء الجارى على البدن للاغتسال المجتمع في مكان، فيقال به الماء المستعمل في الحدث الأكبر.

و أمّا ما ينصب من اليد أو الظرف حين الاغتراف أو حين إرادة الاجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل، كذا ما يبقى في الاناء، و كذا القطرات الواقعة في الاناء و لو من البدن.

و لو توضأ من المستعمل في الخبث جهلا أو نسيانا بطل من باب إطلاق الدليل، و هو الاجماع أو رواية عبد

اللّه بن سنان، و قد عرفت أن الأحوط عدم جواز الوضوء منه، فلو توضأ فالاحوط عدم الاكتفاء به.

و لو توضأ من المستعمل في رفع الحدث الأكبر جهلا أو نسيانا فكما عرفت ينبغى الاحتياط بعدم الاكتفاء بالوضوء به.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 86

[السابع أن لا يكون مانع من استعمال الماء]

قوله رحمه اللّه

السابع أن لا يكون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف عطش أو نحو ذلك و إلّا فهو مأمور بالتيمم، و لو توضأ و الحال هذه بطل، و لو كان جاهلا بالضرر صحّ و إن كان متحقّقا في الواقع، و الأحوط الاعادة أو التيمم.

(1)

أقول: يأتي الكلام في المسألة في مبحث التيمم إنشاء اللّه و مجمل القول فيها أنّه مع الضرر حيث يكون الوضوء ضرريّا و يحرم الضرر، فمع حرمة الضرر لا يصير الوضوء مقرّبا لعدم قابليته للتقرب به، و هذا بخلاف الحرج فإنّ لسان (لا حرج) حيث يكون لسان الامتنان فلا يرفع إلّا الوجوب، أعنى: التكليف، و أمّا ملاكه فباق، و ليس جعل النفس فى الحرج حراما في مورد الحرج بخلاف الضرر، فإنّ الاضرار بالنفس حرام فلهذا لا يقبل الوضوء لأن يتقرب به.

و لا فرق بين صورة العلم بالضرر أو الظن أو الاحتمال العقلائي لأنّ في كل منها يحرم الاقدام.

كما لا فرق بين القول بكون المحرّم هو الضرر الواقعى، و العلم و الظن و احتماله العقلائى طريق إليه، أو يقال: بأنّ موضوع الحرمة ليس واقع الضرر، بل العلم أو الظن أو الاحتمال للضرر موضوع للحرمة، لأنّ في كلى الفرضين مع العلم أو أحد أخويه يكون النهى فعليا، فمع النهى لا يكون الوضوء قابلا لأن يتقرب به.

و أمّا الخوف سواء كان الخوف من استعماله لنفسه أو الخوف

لنفس محترمة غير نفسه او لغير بالنفس مثل تلف المال فمع حرمة الاضرار بالنفس و وجوب حفظ النفس أو المال أو الطرف لا يصح الوضوء لعدم كون الوضوء مقرّبا بناء على استفادة حرمة الوضوء من دليله و أمّا إن كان المستفاد عدم وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 87

الوضوء، مثل ما إذا كان دليله لا حرج، فلو توضأ يقع صحيحا، أو كان عدم وجوب الوضوء من باب المزاحمة مع الواجب الأهم و قلنا بأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضدّه فلو توضأ يكون صحيحا.

و العطش كذلك، أعنى: لا يصح الوضوء مع الخوف على العطش، كما يظهر من بعض الأخبار الأمر بالتيمم معه، فمعه لا يكون وضوئه مقرّبا لو كان له ملاك المحبوبية حتى في هذا الحال.

و لو لم نقل ببقاء الملاك مع الخوف و العطش فلا يصح الوضوء لعدم وجود ملاك المحبوبية فيه.

أمّا إن كان الشخص جاهلا بالضرر و إن كان الضرر متحققا في الواقع صح الوضوء لأنّه بعد كون سبب عدم قابلية الوضوء لأن يتقرب به هو النهى عن الضرر أو وجوب حفظ النفس، فمع الجهل بالضرر لا يكون النهى فعليّا فيقع الوضوء صحيحا لأنّه قصد التقرب به و يصح التقرب به و إن كان الأحوط إعادة الوضوء أو فعل العبادة مع التيمم فيما يكون تكليفه التيمم من باب احتمال عدم وجود الملاك للوضوء في هذا الحال، أو أنّ الاحتياط حسن في كل حال.

***

[الثامن: أن يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن: أن يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته و لو ركعة منها خارج الوقت و إلّا وجب التيمم إلّا أن يكون التيمم أيضا كذلك بأن يكون

زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر، إذ حينئذ يتعين الوضوء، و لو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 88

توضأ في الصورة الاولى بطل إن كان قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد، نعم لو توضأ لغاية اخرى أو بقصد القربة صح، و كذا لو قصد ذلك الأمر بنحو الداعى لا التقييد.

(1)

أقول: بعد ما لا إشكال في وجوب الوضوء فى فرض التمكن من إتيان تمام الصلاة فى الوقت مع الوضوء

يقع الكلام في موردين:
المورد الأوّل فيما يلزم من التوضؤ وقوع تمام الصلاة في خارج الوقت،

أو لا يتمكن مع الوضوء من إيقاع ركعة واحدة من الصلاة في الوقت و إن كان متمكنا من إتيان بعض من الركعة الواحدة فى الوقت.

المورد الثاني ما يلزم من التوضؤ وقوع تمام الصلاة في خارج الوقت،

لكن يمكن إتيان ركعة منها أو أزيد من الركعة في الوقت.

و في كل منهما تارة يكون متمكنا من إدراك الصلاة في الوقت مع التيمم، و تارة لا يكون كذلك، بل كما لا يتمكن من إتيان تمام الصلاة في الوقت كما في المورد الأوّل و إتيان ركعة منها كما في المورد الثاني مع الوضوء كذلك لا يتمكن مع التيمم.

و بعبارة اخرى يكون الوقت الّذي يصرف للوضوء بقدر الوقت الّذي يصرف للتيمم، أو يكون وقت التيمم اكثر فنقول بعونه تعالى:

أمّا فيما يكون الوقت المصروف للوضوء بمقدار الوقت المصروف في التيمم، أو أقل فلا ينبغى الاشكال في وجوب الوضوء و عدم انتقال التكليف إلى التيمم لأنّ ما أوجب انتقال التكليف من الوضوء إلى بدله، و هو التيمم، ليس إلّا أهمية الوقت،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 89

و بعد عدم إمكان حفظه الوقت حتى بالتيمم لكون زمانه بقدر زمان الوضوء فلا وجه لسقوط وجوب الوضوء فيجب الوضوء.

و لا إشكال في وجوب التيمم فيما يكون الاتيان بالوضوء مستلزما لوقوع تمام الصلاة في خارج الوقت، و لكن مع التيمم يتمكن من تمام الصلاة أو ركعة تامة منها أقلا في الوقت، لأنّه بعد الدوران بين الوقت و بين الوضوء يكون حفظ الوقت مقدما.

إمّا لأنّ الوضوء له البدل، و هو التيمم، و الوقت لا بدل له، و مع الدوران بين الواجب الّذي لا بدل له و بين ماله البدل، يجب تقديم ما لا بدل له، لأنّه في صورة تزاحم الواجبين يكون التقديم لما لا بدل

له كما عن بعض.

و إمّا لأنّا نعلم أهمية الوقت بالنسبة إلى الوضوء، فيحكم العقل في مقام تزاحمهما بتقديم الوقت و الاكتفاء عن الوضوء ببدله و هو التيمم، و يظهر وجه أهميته من جعل التيمم، فإنّ جعل التيمم لفاقد الماء يكون لأن يتمكن من الصلاة في وقتها كما يظهر ذلك من الآيتين الشريفتين الواردتين في التيمم، و هذه الأهميّة صارت موجبة لجعل التيمم، فليس الوقت و الوضوء على هذا من قبيل الواجبين المتزاحمين لأنّ أهمية حفظ الوقت صارت ملاكا لعدم المصلحة فى الوضوء فى ضيق الوقت، و كون المصلحة فى التيمم، و لهذا لو توضأ بقصد الصلاة فى ضيق الوقت يكون صلاته باطلا لعدم أمر بالصلاة فى هذا الحال مع الوضوء، و لا ملاك للأمر، فالوجه فى وجوب التيمم و فى عدم الاكتفاء بالوضوء فى الفرض، هو هذا الوجه.

و أمّا فيما لا يتمكن مع الوضوء من إدراك تمام الصلاة في وقتها، و لكن يتمكن من إتيان ركعة تامّة منها أقلا في وقتها، و لكن لو تيمم يتمكن مع التيمم من إدراك تمام الصلاة في وقتها، فهل يتوضأ و يأتي ركعة من الصلاة في الوقت و ما بقيها في خارج الوقت، أو يجب التيمم و اتيان تمام الصلاة في الوقت؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 90

أقول: بعد ما نعلم أهمّية الوقت بالنسبة إلى الوضوء، و هذه الأهمية تكون لمجموع الصلاة بمعنى أهمية وقوع كل جزء جزء منها في الوقت بالنسبة إلى الوضوء فلا بدّ من حفظ الأهمية.

لأنّ هذه الأهمية أوجبت جعل التيمم و عدم جعل الوضوء، فلا يكون الوضوء مطلوبا مع إمكان حفظ وقت الصلاة بالنسبة إلى تمام الصلاة، فيجب التيمم في الفرض و

الصلاة في الوقت.

إن قلت: إنّ المروى أنّ من أدرك ركعة في الوقت فقد أدرك الوقت كله، و مفاده التوسعة في الوقت، فمع الوضوء و إدراك ركعة أدرك الوقت، فلا بدّ من حفظ كل من الواجبين الوقت و الوضوء لإمكان جمعهما.

قلت: إنّ لسان (من أدرك) هو جعل الوقت الاضطرارى في صوره فوت الوقت لا جواز تفويت الوقت عمدا، فعلى هذا مع فرض إمكان حفظ الوقت لمجموع الصلاة مع الطّهارة الترابية لا يجوز تفويت الوقت بالوضوء لادراك ركعة من الصلاة.

كما انّه لو توضأ في الصورة التي يجب عليه التيمم، فتارة يقصد بوضوئه وضوء هذه الصلاة التي ضاق وقتها بقصد التقييد فلا يصح الوضوء لما قلنا من عدم كون الوضوء متعلق الأمر في هذا الحال، و لا فيه ملاك الأمر، لعدم أمر بالوضوء من قبل هذه الصلاة و لا ملاك امر فيه، و على الفرض لم يقصد غاية اخرى فيبطل وضوئه.

و تارة يقصد بوضوئه وضوء هذه الصلاة التى ضاق وقتها، لكن لا بنحو التقييد بل بنحو الداعى.

و تارة يقصد غاية اخرى من غايات الوضوء و يتوضأ بقصدها، فيصح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 91

وضوئه لأنّه و إن كان في الحال مأمورا بالتيمم لأجل الصلاة، و هو ضد الوضوء، لكن لا يوجب هذا فساد الوضوء لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن الضد.

و تارة يتوضأ بقصد القربة و لم يقصد غاية من الغايات حتى الكون على الطهارة فأيضا لا يصح وضوئه، لعدم دليل على استحباب الوضوء بنفسه حتى بدون قصد غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة.

***

[مسئلة 21: في صورة كون استعمال الماء مضرّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: في صورة كون استعمال الماء مضرّا لو صبّ الماء على ذلك المحل الذي يتضرر به

و وقع في الضرر، ثم توضأ صحّ إذا لم يكن الوضوء موجبا لزيادته، لكنه عصى بفعله الأوّل.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الاولى: أن يصب الماء على المحل، ثم بعده يصبّ الماء مرّة اخرى و يتوضأ، و لا يكون صبّ الماء للوضوء مضرّا له فصح وضوئه، لأنّ وضوئه ليس بضررى، و لا موجبا لزيادة الضرر على الفرض.

الثانية: أن يتوضأ بالماء الّذي صبّ على المحلّ و كان يتضرّر به، فهل يجوز الوضوء من هذا الماء المصبوب الضررى أم لا؟

أقول: قد مرّ منّا فى الآنية المغصوبة و فى آنية الذهب و الفضة فى الوضوء منهما بأنّه فى هذه الصورة إن كان الماء منحصرا بما صبّ على محل الوضوء فلا يصحّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 92

الوضوء، و إذا كان غير منحصر به يصحّ الوضوء، و قد مضى وجهه فراجع فكذلك فى المقام.

و أمّا عصيانه فللإضرار بنفسه بصبّ الماء على المحل الّذي يتضرر به.

***

[التاسع: المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار]
اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع: المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار، فلو باشرها الغير أو أعانه في الغسل أو المسح بطل.

و أمّا المقدمات للأفعال فهى أقسام:

أحدها: المقدمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه أو نحو ذلك، و هذه لا مانع من تصدى الغير لها.

الثاني: المقدمات القريبة مثل صبّ الماء في كفّه، و في هذه يكره مباشرة الغير.

الثالث: مثل صبّ الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لاجرائه و غسل أعضائه، و في هذه الصورة و إن كان لا يخلو تصدى الغير عن إشكال إلّا أنّ الظاهر صحته، فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله أو أعانه على المباشرة بأن يكون الاجراء و الغسل منهما معا.

(1)

أقول:

الكلام يقع في مقامين:
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 93

(1)

الأوّل: في وجوب مباشرة نفس المتوضّئ أفعال الوضوء،
اشارة

و عدم جواز تولية غيره عنه، فنقول بعونه تعالى:

يستدلّ عليه بأمور:
الأوّل: دعوى الاجماع على عدم جواز التولية

في الوضوء حتى قيل أنّ نقل الاجماع عليه مستفيض، و لم يحك الخلاف إلّا عن ابن جنيد.

الثاني: ظهور الأدلّة الدالة على وجوب الوضوء من القرآن و الأخبار على وجوب المباشرة،

لأنّ ظاهر الأمر بالغسل أو المسح أو الوضوء ظاهر في وجوب المباشرة، و قيام المكلف بنفسه على إتيانه.

و هذا الظهور يكون في كل من الأوامر المتعلقة بالأشخاص إلّا أن يكون في البين بعض القرائن الداخلية، مثل ما إذا طلب عن المكلف ما لا يمكن صدوره منه بالمباشرة، مثلا قال المولى (ابن مسجدا) لمن لا يقدر على بنائه إلّا بالتسبيب لا بالمباشرة.

أو بعض القرائن الخارجية على عدم اعتبار المباشرة، كما إذا علم من الخارج أنّ المطلوب من الأمر ليس إلّا وجود المطلوب في الخارج كيفما اتفق، و من أىّ شخص اتفق، مثل الأمر بغسل الثوب عن الخبث.

الثالث: قوله تعالى فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «1».

بضم ما ورد في تفسيره في بعض الأخبار المستفاد منه أنّ تولية الغير في الوضوء من الشرك (ذكرناه في مكروهات الوضوء و نذكره هنا تتميما للفائده).

منها ما رواها الحسن بن علي الوشاء قال: دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه

______________________________

(1) سورة كهف، الآية 110.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 94

إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصلاة، فدنوت منه لأصبّ عليه فأبى ذلك، فقال: عليه السلام مه يا حسن، فقلت له: لم تنهانى أن أصبّ على يديك تكره أن اوجر؟ قال توجر أنت و اوزر أنا، فقلت: فكيف ذلك؟ فقال: أ ما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة، و هي العبادة فأكره أن يشركنى فيها أحد «1».

وجه الاستدلال عدم تجويز الرضا عليه السلام تولية الحسن صبّ ماء وضوئه لكونه من الشرك في العبادة، و بعد عدم تجويزه صب الماء على يده للوضوء و الحال أنّه من

مقدمة الوضوء، فتولية الغير الوضوء غير جائز بطريق الأولى، و بعد كونه من الشرك فى العبادة، فيكون الوضوء باطلا لعدم كونه مقرّبا.

و فيه أنّ صبّ الماء من المقدمات و إن كان اتيان الغير بعض المقدمات من الشرك فكان للازم القول بعدم جواز تولية الغير مطلق المقدمات حتى البعيدة و لا يمكن الالتزام به، مثلا وضع الماء في الابريق، أو في الحوض لأن يتوضأ الشخص.

فنقول: بأنّ الرواية محمولة على الكراهة بدليل أن تولية الحسن لصب الماء إن كان حراما فكيف هو يوجر بفعله و الحال أنّه عليه السلام قال (توجر انت) فهذا شاهد على حصول حزازه للمباشرة و هو الكراهة لا الحرمة.

و منها مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء،: فقيل له: يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبّون عليك الماء؟ فقال: لا احبّ أن اشرك في صلاتي أحدا و قال اللّه تبارك و تعالى فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «2» (و رواها في العلل مسند أو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 95

كذا الشيخ رحمه اللّه).

وجه الاستدلال كسابقها.

و فيه أنّ قوله عليه السلام (لا احبّ أن اشرك في صلاتي الخ) أقوى شاهد على كون التولية في المقدمات عن الغير يكون مكروها لا حراما بالحرمة التكليفية أو الوضعية.

و منها ما رواها السكونى عن أبى عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عن على عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلم: خصلتان لا أحبّ أن يشاركنى فيهما أحد: وضوئى فإنّه من صلاتى، و صدقتى فإنّها من يدى إلى يد السائل، فإنّها تقع في يد الرحمن «1».

و هذه الرواية ليست في مقام التمسك بالآية الشريفة و تفسيرها بأن تولية الغير في الوضوء شرك، بل يستدلّ بها على عدم جواز التولية، لأنّه صلى اللّه عليه و آله قال: (لا احبّ أن يشاركنى فيهما أحد وضوئى) الخ فلا يجوز التولية.

و فيه أولا أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم (لا أحبّ) شاهد على كراهة التولية، و ثانيا بعد ما يجوز التولية في الصدقة و عدم وجوب المباشرة مسلما، كذلك في الوضوء، لأنّهما متحدان في الحكم على ما في الرواية، فهذا قرنية على كون الرواية محمولة على الكراهة، و ثالثا تدلّ الرواية على أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لا يحب مشاركة أحد في وضوئه، و نحن نقول به لأنّ المشاركة في نفس الوضوء غير جائز لما قلنا في الوجه الاول و الثاني.

فعلى هذا تكون الرواية وجها ثالثا لعدم جواز المشاركة و تولية الغير فى نفس الوضوء، و هذا غير مربوط بما دلّ عليه رواية حسن بن على الوشاء و رواية

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 15 من ابواب الاستعانة فى الوضوء ج 2، ص 272 من جامع الاحاديث الشيعة رواها فى الوسائل فى باب 47 من ابواب الوضوء حديث 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 96

الصدوق و رواية الارشاد، لأنّ هذه الاخبار يتوهم دلالتها على عدم جواز تولية الغير و مشاركته مع المتوضى حتى فى المقدمات، و قد بينا ما فيها، فإن تمت دلالة رواية السكونى و يحمل قوله صلى

اللّه عليه و آله (لا احبّ) على حرمة المشاركة، و أغمضنا عن الجواب الاول و الثانى الذين أجبنا بهما عن الرواية، تدلّ الرواية على عدم جواز التولية و الاستعانة للغير فى الوضوء و هو المطلوب.

و منها ما رواها المفيد رحمه اللّه في الارشاد قال: دخل الرضا عليه السلام يوما و المأمون يتوضأ للصلاة و الغلام يصبّ على يده الماء، فقال: لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربّك أحدا، فصرف المأمون الغلام و تولّى تمام وضوئه بنفسه «1».

وجه الاستدلال بها معلوم.

و فيه أن الرواية تكون مرسلة فتكون ضعيفة السند، و مع قطع النظر عن ذلك تحمل الرواية على الكراهة بقرينة ما بقى من الروايات المذكورة.

مضافا إلى أنّه يحتمل أن ما فى الرواية (و تولّى تمام وضوئه بنفسه) هو أن المأمون بعد نهى الامام عليه السلام تمّ ما بقى من وضوئه بنفسه، لا أنّه أعاد وضوئه من الاول، فعلى هذا تدلّ الرواية على الكراهة، لأنّه لو لم يكن مكروها كان المناسب أن يأمره عليه السلام باعادة الوضوء.

ثم لو أغمضا عن ذلك كله، و فرض دلالة هذه الأخبار على عدم جواز الاستعانة بالغير، و لكن ما رواها أبو عبيدة الحذاء قال: وضأت أبا جعفر عليه السلام بجمع و قد بال فنا ولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفّا فغسل به وجهه (و كفّا غسل به

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 97

ذراعه الأيمن) و كفّا غسل به ذراعه الأسير، ثم مسح بفضله الندى رأسه و رجليه. «1»

و لم يكن في المطبوع بالطبع أمير بهادرى، على ما رايته، فقرة (و كفا غسل به ذراعه الأيمن) لكن

بعد كون الفقرة موجودة في التهذيب و الاستبصار على نقل جامع أحاديث الشيعة فهذه الفقرة سقطت عن الرواية في الوسائل.

ثم إن كان الصادر عن الراوى هو (ثم صببت عليه كفّا) يجمع بين هذه الرواية و بين الروايات المتقدمة بحملها بقرينة هذه الرواية الدالة على الجواز على الكراهة، و أمّا إن كان ما رواه الراوي هو جملة (ثم أخذ كفا) يعنى: أخذ المعصوم عليه السلام كفا فغسل به وجهه، فلا يستفاد من الرواية جواز الاستعانة بالغير فى المقدمات القريبة مثل صبّ الماء على اليد لأن يتوضأ و المنقول فى جامع أحاديث الشيعة هو (ثم أخذ كفا) كما انّه بعد ذكر الرواية فى الوسائل المطبوع بطبع امير بهادرى قال: و رواه أيضا فى موضعين آخرين مثله متنا و سندا إلّا انه قال (ثم أخذ كفا) بدل (ثم صببت عليه كفا) فلا يمكن الاستشهاد بالرواية على جواز الاستعانة فى المقدمات إلا أن يقال إنّه تارة يروى فأخذ كفا و تارة ثم صببت عليه كفا و هو بعيد، مضافا بأنّ رواية حذاء على تقدير كون عبارتها (صببت) تدل على جواز الاستعانة لصبّ الماء على يد المتوضى لأن يغسل يده و هذه الروايات تدل على عدم جواز صبّ الماء بنفس محل الوضوء يعنى اليد فلا تعارض.

اعلم أنّه مع قطع النظر عما قلنا في الروايات الثلاثة التي جعل فيها الاستعانة في مقدمات العبادة من الشرك، فنقول: إن المراد من الشرك في قوله تعالى وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً هو الرياء مقابل الاخلاص في العبادة، و هو أن ينوى الفاعل غير اللّه في عمله.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص:

98

كما يظهر من رواية جراح المدائنيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال:

الرجل يعمل شيا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه، إنّما يطلب تزكيه النفس يشتهى أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه ثم قال: ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيّام أبدا حتى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يسرّ شرا فذهبت الأيام حتى يظهر اللّه له شرا «1».

و هو غير مربوط بالاستعانة بالغير في إتيان عمل للّه، ففي ما نحن فيه يكون الكلام فى من يتوضأ للّه و لا ينوى غير اللّه، و لكن يستعين بأحد لاتيان هذا العمل الآتى للّه.

نعم لقائل أن يقول، إنّه لا تعارض بين ما دل على كون الاستعانة بالغير في العبادة شرك و بين ما دل على كون العامل الّذي ينوى غير اللّه في عمله فعمله شرك لعدم مانع من كون كل منهما فردا من الشرك.

فالعمدة عدم دلالة الأخبار الثلاثة المتقدمة على كون تولية الغير من الشرك المحرّم مضافا إلى ضعف سند بعضها أو كلها، و مضافا إلى دعوى الاجماع على جواز الاستعانة في مقدمات الوضوء، فلو أعانه في الغسل أو المسح من الوضوء بطل وضوئه.

إذا عرفت ما فى المقام الأوّل من وجوب المباشرة في الوضوء، للاجماع و لظهور الأدلّة الآمرة بالوضوء أو بالغسل و المسح و لرواية السكونى على احتمال فلا يبقى إشكال في أصل المسألة إنشاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 12 من ابواب مقدمه العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 99

المقام الثاني هل يجوز التولية و الاستعانة بالغير في مقدمات الوضوء،
اشارة

بعد مفروغية عدم

جوازها في نفس الوضوء، أم لا؟ فنقول بعونه تعالى: قال المؤلف رحمه اللّه:

أمّا

المقدمات للأفعال فهى أقسام:
القسم الأوّل المقدمات البعيدة

كإتيان الماء أو تسخية أو نحو ذلك، و هذه لا مانع من تصدى الغير لها، لعدم دليل على عدم الجواز.

و ما قاله بعض شراح «1» العروة من شمول الأخبار المتقدمة- المذكورة في المقام الأوّل المتمسك بها على عدم جواز الاستعانة بالغير للمورد- لدلالتها على حرمة الاستعانة مطلقا.

فيه أن مورد الروايات الثلاثة- أعنى: الحسن بن على الوشاء، و رواية الصدوق رحمه اللّه، و إرشاد- هو صورة صبّ الماء على يد المتوضى، و لا إطلاق لها يشمل حتى المقدمات البعيدة.

و دعوى عدم الفرق بين المقدمات دعوى في غير محلّها لامكان الخصوصية في المقدمة القربية، و هو صبّ الماء على يد المتوضى لأن يغسل محل الوضوء.

و أمّا رواية السكونى فهو على تقدير دلالتها على الحرمة تدلّ على حرمة الاستعانة في نفس الوضوء.

الثاني المقدمات القربية

مثل صبّ الماء في كف المتوضى قال المؤلف رحمه اللّه: و في هذه يكره مباشرة الغير.

و وجه قوله بالكراهة كون هذا القسم مورد الأخبار المتقدمة المتمسك على عدم جواز الاستعانة، و بعد حمل هذه الأخبار على الكراهة يكون الاستعانة بهذا

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 447.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 100

النحو مكروهة.

أقول: القول بالكراهة بعد الاغماض عن ضعف سند الأخبار، يمكن أن يقال من باب التسامح في أدلة السنن و المكروهات إن قلنا به.

الثالث مثل صب الماء على اعضائه مع كونه هو المباشر لا جرائه و غسل أعضائه.

قال المؤلف رحمه اللّه: و في هذه الصورة و إن كان لا يخلو تصدى الغير عن إشكال إلّا أن الظاهر صحته.

أقول: إن قلنا بدلالة الأخبار المتقدمة على حرمة الاستعانة بإلقاء الماء و صبه على يد المتوضى لأن يتوضأ، ففي المقام نقول بالحرمة بالأولوية القطعية، و

إن حملناها على الكراهة فلا إشكال في كراهة هذا القسم بالأدلة القطعية.

و أمّا مع قطع النظر عن هذه الأخبار فوجه الاشكال هو دعوى كون صب الماء على مواضع الوضوء من الوضوء عرفا، فيكون الاستعانة فيه استعانة في نفس الوضوء، و لهذا لا تجوز الاستعانة بل يبطل الوضوء.

فالفرق بين القول بكون هذا القسم من المقدمة حراما أو مكروها مثل ساير المقدمات، و بين القول بكون هذا القسم غير جائز من باب كونه استعانة بنفس الوضوء هو أنّ الحكم فى الاول هو الحرمة التكليفية أو الكراهة، و فى الثانى هو الحرمة الوضعية و هى البطلان.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه لا وجه للقول بحرمة الاستعانة في هذا القسم من المقدمات من باب الأخبار المتقدمة لما قلنا من أنّ فيها الشاهد على الكراهة مضافا إلى ضعف سند بعضها أو كلها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 101

كما لا وجه لان يقال: بعدم جواز الاستعانة في هذا القسم من باب عدها استعانة بنفس الوضوء، لأنّه بعد كون الوضوء الغسلتين و المسحتين، و صبّ الماء على مواضع الوضوء خارج عنه، فلا يعدّ صبّ الماء على المواضع وضوءا حتى تعدّ الاستعانة بالصب استعانة بالوضوء.

نعم بعد دلالة الروايات المتقدمة على النهى عن الاستعانة بصب الماء على يد المتوضى، و لا أقلّ من حمل النهى على الكراهة، فنقول: ينبغى الاحتياط بترك الاستعانة بهذا النحو في الوضوء.

فتكون النتيجة أنّ بطلان الوضوء منحصر بما إذا باشر الغير غسله أو أعانه على المباشرة بأن يكون الاجراء و الغسل منهما معا، أو المسح من الغير أو منهما معا.

***

[مسئلة 22: إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته بحيث

جرى الماء عليه بقصد الوضوء صحّ، و لا ينافي وجوب المباشرة، بل يمكن أن يقال: إذا كان شخص يصبّ الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد و جعل هو يده أو وجهه تحته صحّ أيضا، و لا يعدّ هذا من إعانة الغير أيضا.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه

فجعل وجهه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 102

و يده تحته بحيث جرى الماء عليه، و كان ذلك بقصد الوضوء، صحّ الوضوء لأنّه المباشر لوضوئه، و ليس شخص آخر يتولى وضوئه و لو بايجاد بعض مقدماته.

الصورة الثانية: ما يكون صبّ الماء من مكان عال مثلا من الميزاب بفعل الغير

لكن لا بقصد أن يتوضأ منه أحد، و يجعل المتوضى بقصد الوضوء وجهه و يده تحته هل يصحّ الوضوء أم لا؟

منشأ الاشكال في صحة الوضوء أحد الأمرين:

إمّا عدم صحة استناد فعل الصاب، و هو صب الماء، إلى المتوضى بمجرد قصد المتوضى من هذا الماء المصبوب على وجهه و يده الوضوء، و بعد عدم صحة الاستناد بالمتوضى فلا تحصل المباشرة المعتبرة.

و فيه أنّ الوضوء هو الغسلتان و المسحتان، و هو يتحقق من المتوضى بالمباشرة لأنّه يقع وجهه و يده بقصد الوضوء تحت الماء المصبوب، و لا يستند فعل الصاب إلى المتوضى بمجرد القصد بل المتوضى يقصد و يقع وجهه و يده تحت الماء، فليس مجرد القصد بل الفعل الّذي يكون وضوءا مستندا إلّا الى المتوضى يقصده و يقع وجهه و يده تحت الماء، فلا فرق بين الصورة الاولى و الثانية.

و إمّا من أنّه بعد كون الصّاب شخصا آخر يصدق التشريك، لأنّ الوضوء حصل بصب الصاب و بايقاع المتوضى عضوه تحت الماء بقصد الوضوء، و هذا معنى التشريك، فليس الوضوء بمباشرة نفس المتوضى بل باستعانة غيره.

و فيه أنّه كما قلنا في طى شرط المباشرة يكون صب الماء خارجا عن حقيقة الوضوء، بل هو من مقدماته، فلا تكون الاستعانة بالصب حتى مع القصد في صبّه الاستعانة بالوضوء موجبا لبطلان الوضوء لكونه من المقدمات، و غاية الأمر إذا كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 103

بقصد الاستعانة

يكون مكروها و لا يبطل الوضوء، لأنّ الاستعانة و تولية الغير في نفس الوضوء يكون مبطلا، فافهم فتلخص صحة الوضوء في هذه الصورة.

***

[مسئلة 23: إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب و إن توقف على الاجرة، فيغسل الغير أعضائه و ينوى هو الوضوء، و لو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده و يصب الماء فيها و يجريه بها، هل يجب أم لا؟

الأحوط ذلك و إن كان الاقوى عدم وجوبه، لأنّ مناط المباشرة في الاجراء و اليد آلة، و المفروض أنّ فعل الاجراء من النائب، نعم في المسح لا بدّ من كونه بيد المنوب عنه لا النائب، فيأخذ يده و يمسح بها رأسه، و رجليه و إن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده و يمسح بها، و لو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعّض.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا لم يتمكن المكلف من مباشرته

للوضوء جاز أن يستعين بالغير بل يجب ذلك و استدل عليه بأمور:

الأوّل الاجماع عليه كما حكي عن المنتهى، و الاتفاق من الفقهاء عليه كما حكي عن المعتبر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 104

أقول: و لا يبعد الاتفاق، و لكن الكلام في أنّ اتفاقهم كان من باب دلالة بعض الروايات كما نذكره إنشاء اللّه، أو كان إجماعا تعبّديا.

الثاني قاعدة الميسور فيقال: بعد عدم إمكان إتيان الوضوء بالمباشرة يسقط وجوب المباشرة، و يجب ما بقى من الأجزاء و شرائط الوضوء بالاستعانة بالغير لقاعدة الميسور.

و فيه أنّه كما بينّا في الاصول لا يمكن التعويل على هذه القاعدة لضعف مستندها و عدم دلالة بعضها.

الثالث بعض الروايات.

منها ما رواها هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و عن حماد بن عيسى عن شعيب عن ابى بصير و عن فضالة عن حسين ابن عثمان عن ابن مسكان عن عبد اللّه

بن سليمان جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنّه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد قال: فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فحملونى و وضعونى على خشبات، ثم صبّوا عليّ الماء فغسّلوني «1».

و الرواية و إن كانت واردة في الاستعانة بالغير في الغسل لكنه يدعى عدم الفرق بينهما.

أقول: و لا بدّ من حمل الرواية على صورة عدم الضرر بالغسل بقرينة بعض ما دل من الأخبار على وجوب التيمم مع الضرر بالنفس لمرض أو لزيادته، و يأتي الكلام إنشاء اللّه في التيمم.

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن محمد بن مسكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 48 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 105

قال: قيل له: إنّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات، فقال: قتلوه ألّا سألوا ألّا يمموه إنّ شفاء العىّ السؤال «1».

و هذه الرواية و إن كانت دالة على جواز تولية الغير التيمم و الاستعانة به لكن يدعى عدم الفرق بينه و بين الوضوء.

فأصل الحكم في الجملة مما لا إشكال فيه من حيث جواز الاستعانة، بل وجوبها، لأنّ مقتضى الدليل في صورة العجز عن المباشرة هو وجوب تولية الغير.

المسألة الثانية: في كل مورد تجب الاستعانة للعجز عن المباشرة تجب الاستعانة

و إن توقفت على الاجرة لاطلاق الدليل، و هو معقد الاجماع إن كان الدليل الاجماع، و كذا إن كان الدليل قاعدة الميسور.

و أمّا إن كان الدليل الخبرين المتقدمين فاطلاقهما من هذا الحيث غير معلوم بل معلوم العدم.

المسألة الثالثة: فيما يباشر الغير الوضوء

سواء كان هذا الغير مباشرا بدون دخالة بعض أعضاء الذي يوضأه هذا الغير، أو كان بدخالة بعض أعضائه، مثل أن يصب الغير الماء في يد العاجز عن المباشرة، و يصب المعين و المباشر من يد العاجز على أعضاء العاجز- هل يجب نية الوضوء على المباشر للوضوء، أو على العاجز الّذي يوضأه المباشر المعين له.

أقول: بعد كون الواجب الوضوء على العاجز عن المباشرة، غاية الأمر لاجل عجزه سقط شرط المباشرة، فهو مكلف باتيان الفعل بتوسيط الغير، فالمأمور هو نفس الشخص العاجز عن المباشرة، و هو الّذي لا بدّ أن يأتي بالوضوء متقربا إلى اللّه،

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 106

فيجب عليه النيّة و يكون الغير بمنزلة الآلة للفعل، مثل ما إذا كان مأمورا بعبادة لا بالمباشرة مثل بناء مسجد، فلا إشكال في وجوب النية على البانى لا على البناء و العملة.

و لا فرق فيما قلنا من وجوب النية على المكلف العاجز عن المباشرة، لا على المباشر و المعين، بين ما كان الدليل على جواز تولية الغير في صورة الاضطرار الاجماع، أو قاعدة الميسور، أو الخبرين المتقدمين، لأنّ كلا منها لا يقتضي إلزام عمل على المعين، بل مقتضاه سقوط شرطية المباشرة و إتيان الوضوء بلا مباشرة و بلا استعانة.

قال بعض «1» شرّاح العروة فى الجواب عن الوجوه الثلاثة: أمّا الاجماع فيمكن أن يكون مستند المجمعين أحد الوجوه

المتمسك بها على هذا الحكم، و أمّا قاعده الميسور فلا يمكن الاستدلال بها فى المورد، لأنّ موردها كل مركب فقد بعض أجزائه و يعدّ الفاقد من مراتب الواجد، و فى المقام يكون المامور به هو المحصل من ذلك المركب، فعند انتفاء شي ء من الأجزاء و القيود يشكل جريان القاعدة لأنّ المأمور به هو الطهارة لا المركب، فمع انتفاء بعض القيود يشكل جريان القاعدة، و أمّا الخبرين، فالخبر الأوّل معارض مع رواية «2» محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تصيبه الجنابة فى أرض باردة و لا يجد الماء، و عسى أن يكون الماء جامدا فقال: يغتسل على ما كان حدّثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد، فقال: اغتسل على ما كان، فإنّه لا بدّ من الغسل، و ذكر أبو عبد اللّه عليه السلام أنّه اضطر إليه و هو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل و قال: لا بدّ من الغسل.

______________________________

(1) العلامة الآملى، فى مصباح الهدى، ج 3، ص 403.

(2) الرواية 4 من الباب 17 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 107

و بمخالفته مع القاعدة فى التيمم حيث إنّه يتعين التيمم مع الوجع الشديد و بأنّ حمله على تعمد الجنابة مع الوجع الشديد المسقط للمباشرة فى الغسل بعيد جدا و عروض الاحتلام له مناف لما عليه المذهب من عدم عروضه لهم عليهم السلام، و احتمال كونه بوجه آخر كضعف الاعصاب و نحوه بعيد، مضافا إلى أنّه فى مورد الغسل فيحتاج إسراء الحكم إلى الوضوء إلى عدم القول بالفصل، و هو فى معنى الاجماع، و قد عرفت المناقشة فى الاستدلال به فى المقام.

و أمّا

الخبر التيمم فلقوة احتمال أن يكون قوله عليه السلام (ألا يمموه) بمعنى أمر المجدور، بالتيمم لا توليتهم له مضافا إلى جواز الاستنابة فى التيمم بمكان كونه آخر مراتب الطهارة، و مما لا بدل له لا يدل على الجواز فى الوضوء لأنّ له البدل.

أقول: ما قال فى الاجماع، فنحن قلنا بأنه صحّ احتمال كون نظر المجمعين مع اتفاقهم إلى بعض الادلة، فلا يكشف إجماع تعبدى، و أمّا ما قال فى قاعدة الميسور فالمأمور به إن كان الطهارة، فيمكن أن يقال بعدم كونها مورد قاعده الميسور، لكن من المعلوم أنّ المأمور به الغسلتان و المسحتان و إن كانا هما محصّل الطهارة، نعم كما قلنا لا وجه للتمسك بقاعدة الميسور للاشكال فى نفس القاعدة.

و أمّا ما قال فى الخبرين، فما قال فى الخبر الاول فنقول: أمّا ما توهم من معارضته مع خبر محمد بن مسلم، فمنشأ التعارض يكون من باب أنّ المستفاد من خبر عبد الله بن سليمان هو تولى غسله عليه السلام غيره، و من خبر محمد بن مسلم أنّ المعصوم عليه السلام اغتسل بنفسه مع كون المفروض فى كل منهما ابتلائه بالمرض فيتعارضان.

ففيه أنّ مورد رواية محمد بن مسلم لم يكن المرض بحدّ لا يمكن له تولّى غسله بنفسه، بل يمكن له ذلك، و أنّه اغتسل بنفسه عليه السلام، و أمّا مورد خبر عبد اللّه بن سليمان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 108

كون المرض شديدا، و لهذا قال (كان وجعا شديد الوجع) فهو لا يتمكن من تولى نفسه عليه السلام للغسل و لهذا أمر أن يغسلوه، فلا تعارض بينهما.

و أمّا ما قال من أنّه وجب فى الوجع الشديد التيمم، فنقول: ما تمسك

به من رواية محمد بن مسلم مناف مع كون الواجب مع المرض التيمم، و مثل الروايتين بعض الروايات يدل على وجوب الغسل حتى مع العلم بالضرر، و لا بد من توجيه هذه الأخبار بنحو لا ينافى مع عدم جواز الاضرار بالنفس أو ردّ علمها إلى أهله.

و أمّا ما قال فى الجواب عن الخبر الثانى أعنى: خبر ابن مسكين، من أنّه يحتمل أن يكون المراد أمرهم المجدور بالتيمم لا مباشرة الغير له.

ففيه أنّه خلاف ظاهر الرواية لأنّ قوله عليه السلام (ألا يمموا) ظاهر بل صريح فى التوبيخ على تركهم تيممه لا تركهم الأمر بالتيمم، فافهم.

المسألة الرابعة: لو أمكن جعل يد المتوضى العاجز آلة لاجراء الماء

على مواضع غسل الوضوء بأن يصب المباشر الماء على يد المتوضى و يجريه على مواضع غسله، بيده هل يجب ذلك أو لا؟

أقول: بعد ما عرفت من أنّ الواجب أوّلا مباشرة المتوضى الوضوء بنفسه و يسقط للعجز عنه، فكلما يمكن للمتوضى المباشرة يجب عليه، كما ذكر المؤلف رحمه اللّه فى ذيل هذه المسألة فعلى هذا وجه وجوب صبّ الماء على يد المتوضى و إجراء المتولى يد المتوضى على مواضع الغسل، هو كون صب الماء على اليد من المقدمات القريبة التي يعدّ من الوضوء عرفا، فبعد إمكان صب الماء من يد المتوضى على محل الغسل و إن كان ذلك بمباشرة الغير يكون ذلك واجبا.

و أمّا وجه عدم الوجوب هو عدم كون صبّ الماء من الوضوء، بل هو من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 109

مقدماته، و لهذا قلنا بعدم مانع من استعانة الغير فيه، و بعد عدم كونه من أجزاء الوضوء فلا وجه لوجوب مباشرة المتوضى حتى مع الامكان.

و الحق ذلك فلا يجب صبّ الماء على يد المتوضى، ثم إجراء

المباشر الماء المصبوب باعانة يد المتوضى على مواضع الوضوء.

المسألة الخامسة: هل يجب كون المسح بيد المتوضى

مع الامكان دون يد المتولى و إن كان إمرار يده على الممسوح بيد المباشر أم لا؟

الأقوى وجوب ذلك مع الامكان، لأنّه بعد ما كان الواجب المسح باليدين، بمعنى أنّ الواجب في المسح، و هو إمرار الماسح على الممسوح، أن يكون الماسح يدى المتوضى على تفصيل مرّ في محلّه، فمع الامكان يجب حفظ الشرط، فلا بدّ من أن يأخذ المعين يد المتوضى و يمسح بيده الممسوح، و هو مقدم الرأس و ظهر الرجلين بنحو الّذي ذكرنا في محله.

المسألة السادسة: لو لم يمكن إمرار يد المتوضى على الممسوح

و لو باعانة المباشر يجب أخذ البلة و الرطوبة من يد المتوضى و المسح بها على مواضع المسح و ذلك لوجوب كون المسح ببلة الوضوء و نداوته.

المسألة السابعة: لو كان المتوضى متمكنا عن مباشرة بعض أفعال الوضوء

بنفسه دون بعض، يجب عليه المباشرة في كلّ ما تمكن منه من الأفعال.

و وجهه واضح، لأنّ هذا مقتضى وجوب المباشرة، و يسقط ما لا يقدر عليه و لا يسقط وجوب ما قدر عليه من المباشرة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 110

[العاشر: الترتيب]
اشارة

قوله رحمه اللّه

العاشر: الترتيب بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليد اليسرى ثم مسح الرأس ثم الرجلين.

و لا يجب الترتيب بين أجزاء كل عضو.

نعم يجب مراعاة الأعلى فالأعلى كما مرّ، و لو أخلّ بالترتيب و لو جهلا أو نسيانا بطل إذا تذكر بعد الفراغ و فوات الموالات، و كذا إن تذكر في الاثناء لكن كانت نيته فاسدة حيث نوى الوضوء على هذا الوجه.

و إن لم تكن نيته فاسدة فيعود على ما يحصل به الترتيب.

و لا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبى و الارتماسى.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: في وجوب الترتيب بتقديم الوجه،

ثم اليد اليمنى، ثم اليد اليسرى، ثم مسح الرأس، ثم الرجلين.

و هذا الحكم مما لا إشكال فيه في الجملة.

أما فتوى فللاجماع عليه كما حكي عن الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر و غيرها.

و أمّا نصا فلدلالة قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 111

وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «1» بالنحو المذكور عن بحر العلوم قدس سرّه من أنّ الفصيح لا يذكر امورا على الترتيب إلّا من باب اعتبار الترتيب و إن لم يكن التعبير بلفظة (ثم) فاللّه تعالى كلامه أفصح الكلام لم يجز أن يذكر الترتيب المذكور فى الآية إلّا لدلالة الترتيب مضافا إلى استفادة ذلك من بعض الروايات الّذي قال فيه (ابدأ بما بدء اللّه) فما بدء اللّه فى الآية دليل على تقديمه هذا بالنسبة الى الآية.

و الروايات منها ما رواها زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام عليهم السلام تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جل ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين، و لا تقدمنّ

شيئا بين يدى شي ء تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل، ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدء اللّه عزّ و جلّ به «2».

و منها ما رواها أيضا زرارة قال: سئل أحدهما عليهما السلام عن رجل بدء بيده قبل وجهه، و برجليه قبل يديه، قال: يبدأ بما بدء اللّه به و ليعد ما كان «3».

و منها ما رواها منصور قال سألت أبا عبد اللّه عمن نسى أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال: ينصرف و يمسح رأسه و رجليه. «4»

و منها ما رواها على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟ قال: يعيد الوضوء من حيث أخطأ

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 112

يغسل يمينه، ثم يساره، ثم يمسح رأسه و رجليه. «1»

و غيرها لعله نذكره في بعض المسائل الآتية إنشاء اللّه.

المسألة الثانية: ما نتعرض هنا وجوب الترتيب بين الأعضاء

فيقدم غسل الوجه على اليد اليمنى و اليمنى على اليسرى و اليسرى على مسح الرأس و مسح الرأس على الرجلين، و لا ربط له بالترتيب بين أجزاء كل عضو، و قد قدمنا في طى غسل الوجه و اليدين وجوب كون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا.

المسألة الثالثة: لو أخلّ بالترتيب

و فرض إمكان تحصيله بما لا يوجب تحصيل الترتيب إخلاله بشي ء آخر يجب مراعاته من الموالات أو النية، مثل ما إذا كان قبل فوت الموالاة و لم يأت بما أخل فيه الترتيب بقصد التشريع.

فهل يصح الاكتفاء بالاتيان بما يحصل به الترتيب و لا يحتاج إلى استيناف الوضوء مطلقا سواء كان الاخلال عن عمد أو كان عن سهو كما نسب إلى المشهور أو يقال بوجوب الاعادة في صورة العمد و لو لم يفت المولاة كما حكي عن التحرير.

أو يقال بوجوب الاعادة على الناسى مطلقا و لو مع عدم الجفاف كما حكي عن التذكرة.

وجه القول الاول: الروايات الثلاثة المتقدمة في المسألة الاولى.

و ما رواها منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه عليه السلام في حديث تقديم السعى على الطواف قال: ألا ترى إنك إذا غسلت شما لك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك «2».

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 113

و غيرها كمرسلة الفقيه. «1»

وجه القول الثاني: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك، ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الا يسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن، ثم اغسل اليسار و

إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك «2».

بدعوى أن مفهوم قوله عليه السلام (إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك) و كذا قوله (فإن بدأت بذراعك الايسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن) هو أنّه إن لم تنس فلا تعد غسل وجهك و غسل الأيمن، و في هذا الفرض إما أن لا يجب اعادة غسلهما و يصح مع فقد الترتيب و مع عدم رعاية الترتيب فهو خلاف الاجماع، أو يكون الوضوء باطلا فيجب إعادة الوضوء فتكون النتيجة وجوب إعادة الوضوء في صورة العمد و لو لم يفت الموالاة.

و إمّا بدعوى أنّ الموالاة المعتبرة في الوضوء تحصل حال الاختيار بالمتابعة في الأفعال و تحصل حال الاضطرار بمراعات عدم الجفاف.

و في صورة كون الاخلال بالترتيب عمديا لا تحصل المتابعة في الأفعال فلا تكفى الاعادة بما يحصل به الترتيب فيكون الوضوء باطلا في صورة العمد لا خلا له بالموالاة.

و فيه أمّا رواية أبي بصير فحيث تكون الجملة الشرطية فيها من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع فلا مفهوم لها، و إن فرض له مفهوم فمفهوم قوله عليه السلام (ان نسيت

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 114

فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاعد غسل وجهك) هو أنّه إن لم تنس و لم تغسل ذراعيك قبل وجهك فلا تعد غسل وجهك و هو المطلوب إذ لم يخالف الترتيب.

و أمّا دعوى منافاته مع الموالاة المعتبرة.

ففيه أنّه لو تمّ ما قال و كان اعادة ما خالف الترتيب منافيا مع الموالاة المعتبرة فتكون الصورة خارجة عن

فرض المسألة لأنّ مفروض المسألة وجوب اعادة ما خالف الترتيب إذا لم يكن منافيا مع شرط آخر مثل شرطية الموالاة أو النية.

وجه القول الثالث يمكن أن يكون ما رواها على قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بدء بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد ألا ترى لو بدء بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء «1».

بدعوى أن ظاهر الرواية صورة النسيان لبعد الاقدام العمدى على ترك الترتيب و إطلاقها من حيث فوت الموالاة و عدمها و دلالتها على وجوب اعادة الوضوء فتصير دليلا على القول الثالث، و هو وجوب إعادة الوضوء لترك الترتيب و إن لم يخلّ بالموالاة.

و فيه أولا من المحتمل قريبا كون مورد الرواية صورة فوت الموالاة.

و ثانيا على فرض إطلاقها حتى لصورة عدم فوت الموالاة بعد دلالة الأخبار المتقدمة على عدم وجوب إعادة الوضوء، و كفاية إعادة ما يحفظ به الترتيب فقط لا بدّ من حمل (يعيد) في هذه الرواية على الاستحباب، أو يحمل الطائفة الاولى على صورة عدم فقد الموالاة و هذه الرواية على صوره فقد الموالاة، فتكون النتيجة إتيان ما يحصل به الترتيب مع عدم فوت الموالاة، و إعادة الوضوء مع فقد الموالاة

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 115

فتلخص أن الأقوى هو القول الأوّل.

المسألة الرابعة: لو أخلّ بالترتيب

سواء كان عن عمد أو عن جهل أو عن نسيان و تذكر بعد الفراغ عن الوضوء، مع فقد الموالاة يجب إعادة الوضوء، و لا يكتفى باتيان ما يحصل به الترتيب.

و وجهه فقد الموالاة المعتبرة كما يأتي إن شاء اللّه، و لدلالة رواية على المتقدمة على ذلك، لأنّ المتيقن منها

صورة فقد الموالاة أو يحمل عليه جمعا كما عرفت.

نعم لو جمع بينها و بين الروايات المذكورة في المسألة الرابعة بحمل (يعيد) في هذه الرواية على الاستحباب فلا تدلّ على وجوب الاعادة حتى في صورة فقد الموالاة.

المسألة الخامسة: إذا أخلّ بالترتيب و لم يخلّ بالموالات
اشارة

لكن أتى على خلاف الترتيب تشريعا، فكما قال المؤلف رحمه اللّه له صورتان:

الصورة الاولى: ما يكون ناويا للوضوء

الذي يأتي به على خلاف الترتيب الواقعى، فيكون في مقام الامتثال بالجزء للأمر التشريعى لا الأمر الواقعى المتعلق بالوضوء، ففي هذه الصورة حيث أنّه نوى الوضوء بهذا الوجه يكون تشريعا و يبطل الوضوء.

الصورة الثانية: ما إذا كان ناويا في وضوئه للأمر الواقعى،

لكن أتى بهذا الجزء على خلاف الترتيب بالأمر التشريعى في مقدار هذا الجزء و بالنسبة إليه، ففي هذه الصورة و إن كان يبطل الجزء للتشريع فيه، لكن لا يبطل الوضوء لعدم فساد نية الوضوء فيجب عليه الاعادة بمقدار يحفظ معه الترتيب.

المسألة السادسة: فيما تجب إعادة الفعل الذي أتى به على خلاف الترتيب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 116

هل يكتفى باعادة ما أتاه على خلاف الترتيب فقط، أو يجب إعادة ما أتاه مؤخرا على خلاف الترتيب أيضا أوّلا، ثم اتيان ما قدّمه على خلاف الترتيب، مثلا إذا غسل اليسرى قبل اليمنى على خلاف الترتيب ثم غسل اليمنى بعده هل يكتفى باعادة غسل اليسرى فقط، أو يجب أوّلا غسل اليمنى ثم غسل اليسرى، لأنّ غسل اليمنى أوّلا وقع على خلاف ترتيبه لأنّ حقه كان التقديم.

الأقوى الأوّل كما نسب إلى المشهور، ففي المثال يأتي بالغسل اليسرى فقط و يحفظ به الترتيب، لدلالة بعض الأخبار على وجوب هذا فقط، مثل الرواية منصور بن الحازم المتقدمة في المسألة الثالثة، لأنّ فيها قال: (ألا ترى إنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك «1».

و ما رواها ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك، ثم استيقنت بعد أنّك بدأت بها، غسلت يسارك ثم مسحت رأسك و رجليك «2» و وجه الدلالة واضح.

وجه الاحتمال الثاني المحكى عن الصدوقين رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه و غيرهم أمران:

الأوّل بعض الأخبار (ذكرناه في المسألة الثالثة) منه ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك، ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأسير

قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن، ثم اغسل اليسار، و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك، ثم اغسل رجليك «3».

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 14 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 117

و منه ما ذكرناه فى المسألة الاولى و هو ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: سألته عن رجل توضأ و غسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟ قال يعيد الوضوء من حيث أخطأ يغسل يمينه، ثم يساره، ثم يمسح رأسه و رجليه «1».

و فيه أنّه يمكن الجمع بين ما دلّ على وجوب إتيان المتقدم، ثم المتأخر، و بين ما دلّ على الاكتفاء بإتيان خصوص المتأخر ترتيبا الذي قدم على المتقدم ترتيبا، بحمل الطائفة الثانية، و هي رواية أبو بصير و على بن جعفر عليه السلام، على الاستحباب لنصوصية الطائفة الاولى، و هي رواية منصور بن الحازم و ابن أبي يعفور، على كفاية إعادة ما قدّمه مع كون حقه التأخير، مثلا لو قدّم غسل اليد اليسرى على اليمنى يكفى غسل اليسرى و ما بعدها، و لا يجب غسل اليد اليمنى الّذي غسله بعد اليسرى ثانيا.

و يمكن حمل الطائفة الاولى على صورة الاخلال بالترتيب باتيان المؤخر قبل المقدم و اتيان المقدم ترتيبا بعد المؤخر؟، مثلا مسح رجليه قبل مسح الرأس، ثم مسح الرأس، ففي هذه الصورة يكتفى بمسح رجليه فقط.

و حمل الطائفة الثانية على صورة إخلاله بالترتيب و باتيان المتأخر، و لكن لم يأت بالمتقدم ترتيبا بعده، مثلا أتى بمسح

الرجلين قبل مسح الرأس و لم يأت بعده بمسح الرأس، ففي هذه الصورة أمر بوجوب إتيان مسح الرأس ثم مسح الرجل، لأنّه لم يأت بمسح الرأس أصلا، فبذلك يجمع بين الطائفتين من الأخبار.

و أمّا حمل الطائفة الاولى على صورة كون منشأ فقد الترتيب هو النسيان و الطائفة الثانية على صورة العمد، لا وجه له لكون رواية أبي بصير من الطائفة الثانية

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 118

واردة في صورة النسيان.

و أمّا القول بأنه لو لم يمكن الجمع الدلالى بين الطائفتين و كانتا من المتعارضين.

فيقال بأنّه لا يكون مقتضى الحجية موجودا في الطائفة الثانية لا عراض المشهور عنها لافتائهم على طبق الطائفة الاولى فتسقط الطائفة الثانية عن الحجية.

ففيه أوّلا مجرّد موافقة الفتوى لا تدلّ على الاعراض لامكان جمعهم بين الطائفتين بما قلنا.

و ثانيا مع ما حكى من الصدوقين رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه و غيرهم العمل على طبق الطائفة الثانية كيف يثبت الشهرة فضلا عن إعراض المشهور من القدماء رضوان اللّه عليهم.

و إن كان النظر إلى الشهرة عند المتأخرين رضوان اللّه تعالى عليهم فلا تكون شهرتهم مرجحا و لا موهنا.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 118

الأمر الثاني: أن وجوب إعادة ما قدم من الأعضاء مع كون حقه التأخير ليس إلّا من باب تحصيل صفة التأخر، فكما أنّ اتصاف المتأخر بوصف التقدم يوجب إعادته لحصول وصف التأخر كذلك يجب إعادة ما حقه التقدم بعد اتصافه بالتأخر حتى تحصل له صفة

التقدم، مثلا إذا قدّم اليد اليسرى على اليمنى فكما اتصفت اليسرى بالتقدم مع وجوب اتصافه بالتأخر، و لهذا تجب إدعاتها كذلك اتصفت اليمنى بالتأخر مع أن حقها التقدم، فتجب إدعاتها لتحصيل وصف التقدم و فيه أوّلا أنّ الترتيب شرط فى الجزء الآخر فيعتبر وجوده بعد الجزء السابق، و ثانيا بعد إتيان الجزء الآخر ثانيا لحصول الترتيب يصير الجزء السابق متصفا بالتقدم لتأخر الجزء اللاحق عنه، و ثالثا بعد دلالة النص على كفايته يكون ما قيل من الأمر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 119

الثانى استدلالا على مدعاه اجتهادا فى مقابل النص.

المسألة السابعة: لا فرق في شرطية الترتيب بين تمام العضو و بعضه،

فمن ترك شيئا مثلا من وجهه و دخل في غسل ذراعه، يجب عليه غسل الجزء المتروك غسله، ثم إتيان ما بقى من وضوئه على الترتيب المعتبر بشرط عدم فوت الموالاة، و عدم الاخلال بالنية كما مر بيانه في البعض المسائل السابقة في هذه المسألة.

فما حكي عن ابن الجنيد من أنه إذا كان المنسى لمعة دون سعة الدرهم يكفى بلّه من غير إعادة ما بعده من الأعضاء لم نجد مدركا لمدعاه.

نعم روى روايتان يمكن أن يستدل بهما على عدم وجوب رعاية الترتيب إن كان المتروك بعض العضو بل يكفى بلّ العضو المتروك غسله من بعض جسده.

أمّا الروايتان:

أوّلها: مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء، فقال: يجزيه أن يبلّه من بعض جسده «1».

ثانيها: ما رواها في عيون الأخبار عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن (احمد بن محمد عن سهل عن أبيه) قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل و ذكر مثله «2».

فى العيون حدثنا

ابى رضى قال حدثنا (سعد بن عبد اللّه قال حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن محمد عيسى عن محمد بن سهل عن أبيه قال) سلت الرضا عليه السلام و ذكر مثله «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 43 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) رواها فى الوسائل فى ذيل الرواية 1 من الباب 43 من ابواب الوضوء.

(3) الرواية 19 من الباب 27 من ابواب الترتيب الموالات فى الوضوء، ج 2 ص 331 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 120

و فيه أنّ الرواية الاولى مرسلة و الثانية ضعيفة لأنّ سهل مجهول مضافا إلى أنّهما معرض عنهما لعدم عمل الاصحاب بهما.

و قول ابن الجنيد لم يكن على طبق الخبرين، لأنّ مقتضاهما الاطلاق في الجزء المتروك سواء كان بقدر الدرهم أو الأقل أو الأكثر و مقتضى قول ابن الجنيد هو كفاية بلّ الجزء إذا كان لمعة دون سعة الدرهم.

فلا فرق كما قلنا في مخالفة الترتيب بين تمام العضو و بعضه في وجوب رعاية الترتيب.

المسألة الثامنة: لا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبى و الارتماسى

(بعد عدم الاشكال في الارتماسى من جهة اخرى مثل لزوم كون المسح بماء جديد في بعض صوره و مرّ الكلام فيه) لاطلاق الأدلّة.

***

[الحادى عشر: الموالاة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الحادى عشر: الموالاة بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فلو جفّ تمام ما سبق بطل.

بل لو جفّ العضو السابق على العضو الذي يريد أن يشرع فيه الأحوط الاستيناف و إن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق.

و اعتبار عدم الجفاف إنمّا هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الاعضاء أو طول الزمان، و أمّا إذا تابع في الإفعال و حصل

______________________________

جامع الاحاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 121

الجفاف من جهة حرارة بدنه، أو حرارة الهواء، أو غير ذلك فلا بطلان.

فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين من التتابع العرفى و عدم الجفاف.

و ذهب بعض العلماء إلى وجوب الموالاة بمعنى التتابع و إن كان لا يبطل الوضوء بتركه إذا حصلت الموالاة بمعنى عدم الجفاف.

ثم إنّه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق بل يكفى بقائها في الجملة و لو في بعض أجزاء ذلك العضو.

(1)

أقول: امّا التكلم فيما هو المراد من الموالاة لغة و عرفا فمما لا ثمرة له، لأنّ (الموالاة) لا تكون بهذه الهيئة و هيأتها الاخرى مذكورة فى نصّ و لا في معقد إجماع حتى نحتاج إلى ما هو موضوع له اللغوى أو العرفى.

إذا عرفت ذلك نقول: إن الاحتمالات بل الأقوال فيما هو المراد من الموالاة في الوضوء كثيرة نذكر إنشاء اللّه الأقوال و ما يمكن أن يكون وجها و دليلا له، و ما

ينبغى أن نختار من الأقوال:
القول الأوّل: [الموالاة في الوضوء تحصل بأن يغسل و يمسح قبل أن يجفّ جميع ما تقدمه]

ما ينسب إلى الأشهر بل إلى المشهور من الفقهاء رضوان اللّه عليهم، و هو أن الموالاة في الوضوء تحصل بأن يغسل و يمسح قبل أن يجفّ جميع ما تقدمه، فلو أخّر المتوضى الغسل أو المسح إلى أن جفّ بلل الأعضاء المتقدمة عليه

جفافا كان ناشيا عن التأخير لا عن سبب آخر بطل وضوئه.

و اعلم أن البطلان في هذه الصورة مسلم لا تفاق كل الأقوال في بطلانه في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 122

هذه الصورة.

أما وجه هذا القول فقد ذكر له بعض طوائف من الأخبار، مضافا إلى دعوى الاجماع الاولى ما يدل على بطلان الوضوء و وجوب إعادته للاخلال بالموالاة:

منها ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك، فأعد وضوئك فإنّ الوضوء لا يبعّض «1».

فإنها تدلّ على عدم جواز الفصل بين الوضوء حتى يبس ما تقدم من أعضاء الوضوء، و كان سبب اليبوسة التأخير لا أمرا آخر، و أنّ ترك الموالاة يوجب بطلان الوضوء و لزوم إعادته، لا أن يكون الفصل سببا لفعل حرام حتى يكون محرّما بالحرمة التكليفية فقط، أو الحرمة التكليفية و الوضعية كليهما، بل مقتضاها هو الحرمة الوضعية، و هو بطلان الوضوء و وجوب الاعادة.

و منها ما رواها معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربّما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئى، فقال أعد «2».

أقول: و هذه الرواية لا تدلّ إلّا على وجوب الاعادة فيما جف الوضوء.

و أمّا عدم وجوب الاعادة فيما لم يجفّ، فلا تدلّ عليه لعدم مفهوم لها، فعلى هذا لا تدلّ على القول المشهور و هو عدم وجوب الاعادة إذا لم يجفّ و إن لم يبق التوالى العرفى، لأنّ الرواية ساكتة عن صورة عدم تجفيف المواضع المتقدمة من الوضوء.

الطائفة الثانية: ما ورد فيمن نسى مسح رأسه حتّى جفت الرطوبة من أعضاء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 33 من

ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 33 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 123

وضوئه بوجوب إعادة الوضوء.

و منها ما رواها مالك بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسى مسح رأسه، ثم ذكر أنّه لم يمسح رأسه، فإن كان في لحيته بلل فلياخذ منه و ليمسح رأسه، و إن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء «1».

و منها مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: قال الصادق عليه السلام إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك، فإن لم يكن بقى في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقى منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و اشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، فإن لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء «2».

وجه الدلالة أن عدم الموالاة صار سببا لعدم بقاء الرطوبة و البلة و لهذا اوجب عليه السلام إعادة الوضوء، فالروايتان دليلان على اعتبار الموالاة بالمعنى المتقدم.

و فيه أن الظاهر من الروايتين كون وجوب الاعادة من باب عدم بقاء الرطوبة و تعذر المسح بنداوة الوضوء، لا من باب الاخلال بالموالاة.

الطائفة الثالثة: ما دل على لزوم اتباع الوضوء بعضه بعضا.

منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال اتبع وضوئك بعضه بعضا «3».

و منها ما رواها حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسى

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية

1 من الباب 33 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 124

من الوضوء الذراع و الرأس، قال: يعيد الوضوء، إن الوضوء يتبع بعضه بعضا «1».

وجه الاستدلال هو انّه معنى اتباع بعض الوضوء ببعضه هو الموالاة.

و فيه أن الظاهر كون المراد من الأمر باتباع الوضوء بعضه ببعض هو الترتيب أمّا أوّلا فإن رواية الحلبى لها صدر يدل على أن المراد من اتباع الوضوء في ذيلها هو الترتيب.

لأنّ صدرها هكذا (الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا نسى الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه، و ذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسى شماله فليغسل الشمال و لا يعيد على ما كان توضأ و قال اتبع وضوئك بعضه بعضا «2».

و أمّا ثانيا فلأنّ رواية زرارة التي ذكرناها في المسألة الاولى من المسائل المتعلقة بالترتيب، تدلّ على أنّ المراد من الاتباع هو الترتيب لأن فيها قال عليه السلام (تابع بين الوضوء كما قال للّه عز و جل ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين و لا تقد منّ شيئا بين يدى شي ء الخ) «3».

و أمّا ثالثا على فرض دلالة الخبرين على أنّ المراد من الاتباع هو الموالاة يدلّان على وجوب الموالاة، و أما على قول المشهور فى الموالاة و هى كونها عبارة عن عدم جفاف الأجزاء السابقة جميعا فلا يدلّان عليه لدلالتهما على فرض كون

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 33 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 27 من أبواب الوضوء من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2، و الرواية 9

من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 27 من ابواب الوضوء من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2 و الرواية 1 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 125

التتابع الموالاة على نفس الموالاة فى الأجزاء، و أمّا الموالاة بالمعنى المنسوب الى المشهور أو غير قولهم من الأقوال الاخر فى الموالاة فلا.

فتلخص أن الطائفة الثانية و الثالثة و إن لم تدلّ على القول المشهور، و لكن في دلالة الطائفة الاولى غنى و كفاية.

لكن هنا كلام في أنّ نظر المشهور في الموالاة من تفسيرها بالغسل و مسح كل عضو قبل جفاف جميع ما تقدمه، إن كان إلى أنّ بطلان الوضوء يكون في صورة تأخير العضو اللاحق تأخيرا يوجب جفاف جميع الأعضاء السابقة حتى إذا كان الجفاف لأجل علة خارجية مثل حرارة الهواء، و عدم البطلان في غير هذه الصورة مطلقا سواء يحصل التتابع العرفى أم لا.

فاستفادة مختارهم من الخبرين المذكورين بعنوان الطائفة الاولى، و هو خبر أبي بصير و معاوية بن عمّار، مشكل بل على خلاف ظهورهما لأنّ مقتضاهما كون الجفاف مستندا إلى ترك المتابعة و عدم حصول التتابع العرفى.

إذ قوله عليه السلام في رواية أبي بصير (إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك فاعد وضوئك الخ).

و كذا رواية معاوية بن عمار حيث يكون قوله سؤالا (ربما توضأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ الماء، فيجفّ وضوئى، فقال عليه السلام: أعده) هو كون التأخير لأجل عروض الحاجة كما في الرواية الاولى و إبطاء الجارية عن عرض الماء عليه كما في الثانية صار سببا لجفاف الوضوء.

فمن هنا نكشف أنّ الميزان هو

التوالى، فلو أتى بالأفعال متتابعة صح وضوئه جفّ أو لم يجفّ، و يكفى ذلك في حفظ الموالاة، و تذهب هذه المتابعة بجفاف الاعضاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 126

لأنّه مع جفاف تمام الأعضاء بحسب متعارف الهواء، كما لا يبعد كونه ظاهر الروايتين، لا تبقى المتابعة العرفية و توالى الأفعال.

و هل يكون نظر المشهور هذا أو كلماتهم محمولة على ذلك أم لا؟

و على كل حال أمكن حمل كلام المشهور على ما قلنا أو لم يمكن، نقول: بعد عدم تحقق إجماع على كون الصحة و بطلان الوضوء مدار نفس عدم جفاف الأعضاء المتقدم على العضو الذي حصل الشك في وقوع جفافها، و كذلك عدم تحقق الشهرة عليه.

نقول: بأنّ المستفاد من الخبرين هو موجبية الجفاف لبطلان الوضوء إذا كان سببه تأخير التتابع لا مطلقا فندور في الصحة و البطلان مدار التوالى و التتابع و عدمه.

نعم مع عدم جهة خارجية في البين يكون الجفاف كاشفا عن فقد التوالى و التتابع.

القول الثاني: هو التفصيل بين حالتى الاختيار و الاضطرار في الموالاة

فيقال: بأنّ الموالاة في حال الاختيار عبارة عن المتابعة بين الأعضاء بأن يشتغل في كل عضو لاحق بغير فصل عرفى بينه و بين العضو السابق عليه، و الموالاة المعتبرة حال الاضطرار عبارة عن عدم جفاف السابق قبل الشروع في اللاحق، و هذا القول محكى عن المبسوط و الخلاف و المعتبر.

و يستدلّ على اعتبار المتابعة حال الاختيار بقوله تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ «1» إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الخ) بدعوى أن الفاء تدلّ على التعقيب بالاتصال، فيعتبر وقوع أفعال الوضوء متعاقبة بعضها ببعض.

______________________________

(1) سورة مائدة، الآية 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 127

و بما روى زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء

كما قال اللّه عزّ و جلّ ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين، و لا تقدمنّ شيئا بين يدى شي ء الخ) ذكرنا الرواية في المسألة الاولى من المسائل الراجعة إلى شرط الترتيب «1» بدعوى أنّ المتابعة المأمور بها في التتابع في الأفعال و تواصلها.

و بما روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاعد غسل وجهك، ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فاعد على غسل الأيمن ثم اغسل اليسار و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك «2».

بدعوى انّه لو لم تجب المتابعة لما أمر باعادة غسل الوجه.

و يستدلّ على كون المتابعة المعتبرة حال الاضطرار عدم جفاف السابق قبل الشروع في اللاحق، بالروايتين المتقدمتين رواية «3» أبي بصير و معاوية بن عمار «4» الواردتين في صورة عروض الحاجة بين الوضوء أو نفاد الماء و كليهما حال الاضطرار فعلّق وجوب الاعادة بصورة جفاف الوضوء.

و فيه أمّا ما تمسك به على اعتبار المتابعة في الموالاة في حال الاختيار بقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فالفاء و إن كانت للاتصال تدلّ على أنّ حين التهيؤ للصلاة فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ اى توضئوا و لا ربط لها بالاتصال و التتابع بين أعضاء الوضوء.

______________________________

(1) رواية 1 من باب 34 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) رواية 2 من الباب 33 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) رواية 3 من باب 21 من ابواب الوضوء من وسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 128

و امّا روايتا زرارة و أبي

بصير ففيهما أنّه قد عرفت عدم كونهما مربوطتين بالتتابع في الموالاة، بل كونهما متعرضتين لاعتبار الترتيب بين الأعضاء بالنحو الذي بينّا.

و أمّا ما تمسك به على كون الاعتبار بعدم الجفاف في الموالاة حال الاضطرار.

ففيه أوّلا أن مجرد كون المورد مورد عروض الحاجة أو نفاد الماء لا يوجب اختصاص الحكم بصورة عروض الحاجة، و ثانيا بعد كون الظاهر من الروايتين أن الجفاف حصل من التأخير، فما هو المعتبر هو التتابع العرفى، غاية الأمر حيث يحصل عدم التتابع بالجفاف أمر بالاعادة في صورة الجفاف، و بعد كون المعتبر في الموالاة التتابع العرفى فلا فرق فيه بين حالتى الاختيار و الاضطرار.

القول الثالث: أنّ الموالاة عبارة عن المتابعة و عدم الفصل بين الأعضاء

و الموالاة واجبة بهذا المعنى لكن وجوبه يكون بالوجوب التكليفى لا بالوجوب الوضعى، بمعنى اعتبارها في صحة الوضوء، بل الصحة منوطة بعدم الجفاف.

و يستدلّ عليه بظاهر بعض الأوامر الواردة بالغسل و المسح في الوضوء بعد كون الأمر ظاهرا في الفور، و بما في بعض الروايات التي ذكرناه أن الوضوء يتبع بعضه بعضا، لأنّ التتابع عبارة عن الموالاة.

و فيه أمّا ما ادعى من كون ظاهر الأوامر الفور.

ففيه انّه لو قلنا بأن ظاهر الأمر يقتضي الفورية لا يمكن أن نقول هنا، لأنّه إن كان الأمر بغسل الوجه و اليدين أو الأمر بالمسح للفور فلازمه القيام للوضوء فورا لأنّ الامر بغسل الوجه لو كان للفور معناه القيام به فورا، و الحال أنّه لا يمكن القول به بل أمر الوضوء يكون شرطيا وضعيا للصلاة أو لغاية اخرى واجبة، فالوجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 129

التعبدى لا دليل له لأنّ الأمر بالوضوء أو الغسل أو المسح فيه هو الوجوب الشرطى فلو ترك يؤاخذ لترك مشروطه و هو الصلاة،

لا لتركه الوضوء كما مر الكلام فيه في مقدمة الواجب.

و أمّا ما ورد من أن الوضوء يتبع بعضه بعضا فقد عرفت فى طى هذا المبحث و في مسئلة الترتيب أن النظر فيه بالترتيب المعتبر بين أعضاء الوضوء لا بالموالاة.

القول الرابع: [هو كفاية أحد الأمرين من المتابعة و عدم الجفاف]

و هو مختار المؤلف رحمه اللّه و جلّ المتأخرين و المحكى عن الصدوقين رحمه اللّه و هو كفاية أحد الأمرين من المتابعة و عدم الجفاف في صحة الوضوء فبطلان الوضوء يتوقف على فقد المتابعة و حصول جفاف الأعضاء السابقة.

و وجهه على ما أشار المؤلف رحمه اللّه هو أن المستفاد من رواية أبي بصير و معاوية بن عمار المتقدمتين هو أن الشرط في الوضوء عدم الجفاف الحاصل من عدم التأخير بمقدار يحصل به الجفاف.

فالمبطل هو الجفاف الحاصل عن التأخير، لا ترك المتابعة مطلقا و لو لم يحصل بتركها الجفاف، و لا بالجفاف مطلقا و لو لم يحصل من ترك المتابعة.

و لازم هذا القول صحة الوضوء عند متابعة أفعال الوضوء بعضها للبعض و إن حصل الجفاف، و صحة الوضوء عند عدم حصول الجفاف و لو مع عدم متابعة، الافعال فينحصر بطلان الوضوء بصورة حصول الجفاف الناشئ عن ترك المتابعة.

فمرجع هذا القول إلى كفاية التواصل بين اعضاء الوضوء بالمعنى الاعم الحاصل من تتابع نفس الأفعال بعضها بالبعض، و بتتابع أثرها و هو بقاء الرطوبة و عدم جفافها.

أقول: اعلم أن المدرك في الموالاة إن كان الاجماع، فترى أنّ كلماتهم من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 130

حيث المراد من الموالاة تكون مختلفة، فلا يمكن استفادة أحد من الاقوال من الاجماع.

و إن كان النص، فالنص في المسألة، كما عرفت الاشكال في التمسك ببعض الروايات، ليس إلّا الخبرين خبر

أبي بصير و خبر معاوية بن عمار.

أما خبر معاوية بن عمار فمفاده ليس إلا وجوب الاعادة في صورة نفاد الماء في اثناء الوضوء و يبوسة الوضوء، و لا مفهوم له يدل على عدم وجوب الاعادة في غير صورة جفاف الوضوء و يبوسته، لأنّ معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربّما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئى، فقال: اعد).

لأنّه عليه السلام فى مورد سؤال السائل (قال: أعد) فلا مفهوم له يدل على عدم وجوب الاعادة في صورة عدم الجفاف و إن أخلّ بالمتابعة العرفية، كما لا دلالة له على أنّ وجه وجوب الاعادة هو فوت الموالاة بمعنى المتابعة العرفية، أو هو مع جفاف الأعضاء.

نعم لا يدل على كون الجفاف بنفسه سببا لوجوب الإعادة، لأنّ مورد السؤال الجفاف المستند بعدم التتابع، هذا بالنسبة إلى هذا الخبر.

فيقى خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك فأعد وضوئك فإنّ الوضوء لا يبعّض).

و هو كما ترى منطوقه وجوب إعادة الوضوء إذا توضأ بعض الوضوء فعرضت له حاجة موجبة لأن يبس وضوئه، و مفهومه عدم وجوب الاعادة فيما توضأ و لم يعرض له حاجة يوجب يبوسة الوضوء، فالخبر بمنطوقه، مع قطع النظر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 131

عن العلة المذكورة في ذيله، يدل على أنّ الجفاف المستند بترك المتابعة في أفعال الوضوء يوجب بطلان الوضوء، و بمفهومه يدلّ على أن الجفاف الغير المستند بترك المتابعة لا يوجب الإعادة، لأنّ مقتضى دخل عروض الحاجة في الجفاف هو عدم موجبة الجفاف بنفسه للاعادة.

فالرواية مع قطع النظر عن العلة المذكورة في

ذيلها تدلّ إمّا على موجبية نفس الفصل بسبب عروض الحاجة لوجوب الاعادة لوضوح عدم خصوصية للجفاف بنفسه، بل الجفاف كاشف عن الفصل و فقد المتابعة العرفية.

و إمّا على كون الموجب للاعادة كل من عروض الحاجة أعنى: فقد المتابعة و الجفاف معا.

فعلى الأوّل ما هو السبب للاعادة فقد التتابع و الجفاف كاشفه، و يؤيد هذا الاحتمال، بل تدل عليه، العلة المذكورة في ذيل الرواية (فإنّ الوضوء لا يبعّض) فإنّ المستفاد من العلة هو ان الوضوء امر وحدانىّ ليس قابلا للتبعيض، فليس قابلا لان يفصل بين أجزائه بما يخل بوحدانيته، و ليس هذا الّا اعتبار التتابع فيه التتابع العرفى فلا تعارض على هذا بين الصدر و بين العلة أصلا.

و أظهر الاحتمالين بل الظاهر من الرواية هذا الاحتمال.

و أمّا على الثاني أعنى: احتمال كون السبب لوجوب الاعادة كل من فقد المتابعة الحاصلة من عروض الحاجة، و الجفاف فتكون النتيجة وجوب الاعادة مع تحقق كلا الشرطين: فقد التتابع و جفاف الاعضاء.

فاذا لم يحصلا لا تجب إعادة الوضوء سواء حصل واحد منهما أو لا فلو حصل الجفاف و لم يفقد التتابع يصح الوضوء و لا تجب اعادته كما أنّه لو فقد التتابع و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 132

يحصل الجفاف يصح الوضوء و لا تجب إعادته.

فلازم هذا الاحتمال تعارض الصدر مع العلة، لأنّه على هذا الاحتمال إذا فقد التتابع العرفى و لم يجف الأعضاء المتقدمة لا تجب الاعادة.

مع أن ظاهر العلة و هي (إنّ الوضوء لا يبعّض) هو بطلان الوضوء، لأنّه مع فقد التتابع العرفي فقد تبعّض الوضوء، و إن لم يجفّ الاعضاء السابقة.

فلا بد أمّا من الالتزام بأن دخل كل من الأمرين في وجوب

الاعادة فقد التتابع و الجفاف، يكون من باب ملازمتهما غالبا بحسب المتعارف في الاشخاص و الأمكنة و الازمنة، فتكون النتيجة كفاية كل منهما في صورة انفكاكهما.

أو من الالتزام بأن ظهور الصدر أقوى من ظهور العلة، و هذا مما لا يمكن القول به، لأنّه مع الاحتمال الأوّل الذي قلنا في صدر الرواية و أنّه الا ظهر، كيف يقال بأقوائية ظهور الصدر في دخل كل من الأمرين عن ظهور العلة الدالة على كون الحكم بعدم وجوب الاعادة و الإعادة مدار التتابع و فقده.

فما يأتي بالنظر و إن لم يساعدنى أحد، هو أنّ الاقوى في المقام القول الخامس و هو مختارنا، و هو ما بينّا في مطاوى كلماتنا في توجيه القول الأوّل و في رد القول الرابع.

و هو أنّ الموالاة المعتبرة في الوضوء عبارة عن التتابع العرفى سواء حصل فقده بجفاف الأعضاء أو بالفصل و لو بغير الجفاف، و السر في ذلك كما ذكرنا في مطاوى كلماتنا أنه ليس الدليل على اشتراط الموالاة إلّا الخبرين المتقدمين.

واحد منها و هو خبر معاوية بن عمار، و لا يستفاد منه إلا وجوب اعادة الوضوء مع جفاف الاعضاء المستند جفافها إلى فقد التتابع، لأنّ مفروض سؤاله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 133

نفاد الماء و إبطاء الجارية عن الاتيان بالماء صار سببا للجفاف، و لا تعرض فيه لكون منشأ وجوب الاعادة دخل الجفاف أو عدم دخله.

و لكن يستفاد منه عدم كون الجفاف بنفسه سببا للاعادة لان مفروض السؤال الجفاف المستند بفقد التتابع.

و يبقى الآخر و هو خبر أبو بصير و فيه شرط و جزاء و علة.

أما الشرط فهو إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوئك) و

مفاد الشرط هو أنه إذا توضأ أحد و صار عروض الحاجة سببا ليبوسة الوضوء.

و الجزاء قوله عليه السلام (فأعد وضوئك) فتكون النتيجة أنه إذا توضأت بعض الوضوء و عرضت لك حاجة حتى صار عروض الحاجة موجبا للفصل و فقد التتابع بحيث يبس الوضوء أعد الوضوء.

و بعد مسلّميّة عدم كون الجفاف بنفسه سببا لوجوب الاعادة، لأنّه مخالف لظهور كل من الروايتين فى عدم كونه بنفسه سببا، بل إما كاشف عن السبب و هو فقد التتابع و إما جزء السبب بمعنى كون فقد التتابع مع الجفاف فيبقى احتمالان:

الاحتمال الأوّل: كون السبب نفس فقد التتابع العرفى، غاية الأمر ذكر كاشف له و هو أنّه لو حصل الفصل بمقدار يبس الوضوء، فيبوسة الوضوء و جفافه كاشف عن فقد التتابع المعتبر في الوضوء، لا لدخل الجفاف في الحكم بوجوب الاعادة، بل لكونه كاشفا عن فقد التتابع المعتبر في الوضوء.

و يؤيد هذا الاحتمال، بل يدلّ عليه العلة المذكورة في ذيل الرواية (فانّ الوضوء لا يبعّض) لأنّ ظاهر العلة أعنى: علة الحكم و هو وجوب الاعادة، عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 134

قابلية الوضوء للتبعّض و صيرورة بعضه منفصلا عن بعض.

و بعبارة اخرى الوضوء امر وحدانى يضر الانفصال بوحدانيته فيخل بسبب الفصل و عدم التتابع العرفى، فلا بد من اعادته، فعلى هذا نقول: يساعد هذا الاحتمال و هو كون سبب الاعادة فقد التتابع العرفى مع العلة المذكورة و هي (إنّ الوضوء لا يبعّض).

الاحتمال الثاني: كون السبب لوجوب الاعادة كلا من فقد التتابع العرفى و الجفاف، فيكون كل منهما جزء السبب و ثمرته هو البطلان في صورة الجفاف الناشئ عن فقد التتابع، و صحة الوضوء مع فقد أحدهما أعنى:

مع التتابع يصح الوضوء و إن جف الوضوء، و يصح مع عدم الجفاف و إن فقد التتابع.

و لكن يبعّد هذا الاحتمال ان على هذا مع بقاء الرطوبة و عدم الجفاف يصح الوضوء، فنقول: إنّ الجفاف الذي مع حصوله يبطل الوضوء إن كان مطلق الجفاف حتى ما إذا حصل لبعض الأسباب الغير المتعارفة كحرارة الهواء أو حرارة البدن، فلازمه عدم كون الجفاف المستند إلى عدم التوالى موجبا للابطال، و هو خلاف مفروض الرواية، و لم يقل به المشهور، و لا المؤلف رحمه اللّه و من يقول بقوله، و هو القول الرابع من الأقوال المتقدمة.

و إن كان المراد من الجفاف الموجب للبطلان خصوص الجفاف المستند إلى طول الزمان و الفصل المنافى مع التتابع، فيكون الجفاف دائما مسا و قامع فقد التتابع لأنّه على الفرض الجفاف المستند إلى فقد التتابع مبطل، فهو حاصل في طول فقد التتابع، و بعبارة اخرى يكون متأخرا عنه رتبة و زمانا، فنقول: بعد كون الجفاف الذي نقول بكونه جزء السبب دائما حاصلا في صورة فقد التتابع و في طوله، فلا فائدة لدخل فقد التتابع فيه فلا حاجة إلى ذكر قوله (فعرضت لك حاجة) لأن ذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 135

اليبوسة مستغن عنه.

إن قلت: إن وجه ذكر مستند الجفاف و هو فقد التتابع بقوله عليه السلام (فعرضت لك جماعة) يكون لاجل بيان أن الجفاف مطلقا ليس منشأ البطلان حتى فى ما لا يكون مستندا إلى فقد التتابع بل الجفاف الخاص و هو المستند إلى فقد التتابع يوجب البطلان.

قلت: إنّه على هذا يظهر أن للجفاف ليس دخل في بطلان الوضوء و وجوب اعادته، بل ما هو السبب هو فقد التتابع،

غاية الأمر يكون الجفاف كاشفا عنه، فتكون النتيجة أن السبب الوحيد في وجوب اعادة الوضوء فقد التتابع، فلا يدور حكم وجوب الاعادة مدار الجفاف، بل يدور مدار فقد التتابع العرفى.

و لعل هذا صار سببا لذهاب بعضهم إلى كفاية الجفاف التقديرى، لأنّ معنى الجفاف التقديرى عدم لزوم فعليته، فمن الفصل العرفى يستكشف الجفاف التقديرى و هذا شاهد على أن العبرة في البطلان عدم التتابع العرفى.

و لعل اكتفاء بعضهم بعدم لزوم جفاف تمام الاعضاء السابقة أو كفاية جفاف بعض المتقدم على العضو المتقدم هو هذا أعنى: حصول الفصل العرفى و فقد التتابع.

و إلّا لو جمدنا على اعتبار الجفاف بنفسه فلا بد من جفاف تمام ما تقدم على العضو اللاحق.

و أمّا إن كانت العبرة بفقد التتابع فربما يحصل بجفاف البعض كما يحصل تارة بجفاف تمام ما تقدم.

مضافا الى أن الالتزام بالخصوصية للجفاف و انّه متى لم يتحقق الجفاف لا يبطل الوضوء ينافي ظاهر العلة المذكورة في الرواية (فإن الوضوء لا يبعّض) لانها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 136

كما قلنا تدلّ على اعتبار التتابع العرفى في الوضوء بحيث يوجب اخلاله تبعّض الوضوء.

و لا وجه لأن يقال بالتصرف فى ظهور العلة بظهور الصدر الدال على اعتبار الجفاف، لأنّ هذا يوجب رفع اليد عن عليّة العلة و ظهور الذيل في العليّة مما لا ينكر فلا بد من التصرف في الصدر.

و المتحصل من البحث هو أن الأقوى بالنظر عاجلا كون الموالاة المعتبرة في الوضوء عبارة عن فقد التتابع العرفى الحاصل تارة بجفاف الأعضاء السابقة و تارة بنفس الفصل العرفى و لو لم يجف الاعضاء السابقة بعضها أو جميعها.

و لكن حيث لم أر من يقول بمقالتنا نقول: بأن الأحوط

في مقام العمل وجوبا هو أنّه مع حصول فقد التتابع العرفى و عدم حصول جفاف تمام الاعضاء عدم الاكتفاء بما بقى من أفعال الوضوء، بل الصبر الى أن يجفّ تمام الاعضاء، ثم اعادة الوضوء و في ضيق الوقت يتم وضوئه بهذا الحال ثم يتيمم.

ثم إنّه على ما استظهرنا من الدليل ليست العبرة دائما بجفاف تمام أعضاء الوضوء في صدق فوات الموالاة حتى نبحث في أنّه لو بقيت الرطوبة في بعض الاعضاء من الافعال السابقة لم تفت الموالاة.

بل العبرة ببقاء التتابع العرفى و فقده، فمع بقائه لم تفت الموالاة و يكون الجزء الباقى قابلا للحوق بالأجزاء السابقة و مع عدمه فلا، بل يجب اعادة الوضوء، فتأمل جيّدا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 137

[مسئلة 24: إذا توضأ و شرع في الصلاة ثم تذكّر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: إذا توضأ و شرع في الصلاة ثم تذكّر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته و وضوئه أيضا إذا لم يبق الرطوبة في اعضائه، و إلّا أخذها و مسح بها و استأنف الصلاة.

(1)

أقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا توضأ و شرع في صلاته ثم تذكّر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها و لم تبق الرطوبة

في أعضائه، فلا إشكال في بطلان الوضوء لفقد الرطوبة في أعضائه و لا بدّ من كون المسح بنداوة الوضوء و مع جفاف الاعضاء لا يتمكن منه فيبطل وضوئه.

و أمّا بطلان صلاته لوقوعها في غير طهارة مضافا إلى دلالة بعض الأخبار بالخصوص على بطلان الصلاة فيما وقعت الصلاة بغير طهارة.

منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا ذكرت و أنت في صلاتك أنّك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف فأتمّ الّذي نسيته من وضوئك و اعد صلاتك «1» و غيرها راجع الباب المذكور فيه الرواية.

و إطلاق هذه الرواية و إن كان يقتضي وجوب إتمام الّذي نسيه من الوضوء سواء فاتت الموالاة أم لم تفت، لكن لا بدّ من تقيدها بما دل على شرطية الموالاة.

الصورة الثانية: ما إذا تذكر في الصلاة ترك بعض المسحات أو تمامها و بقيت الرطوبة في بعض أعضائه
اشارة

فالكلام في موضعين:

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 138

الموضع الأوّل: في بطلان صلاته و وجوب استينافها

فنقول لا إشكال فى فسادها و وجوب استينافها لوقوع ما وقع منها بلا طهارة، و دلالة الرواية المتقدمة و غيرها على وجوب الانصراف عن الصلاة و استينافها بعد تحصيل الطّهارة المعتبرة.

الموضع الثاني: في الوضوء و أنّه هل يكفى أخذ البلة من بعض مواضع وضوئه

و المسح بهذه البلة و يصحّ وضوئه أو يجب إعادة الوضوء من رأس فيما فقد التتابع العرفى و إن لم يجفّ تمام أعضائه السابقة من وضوئه؟

أقول: أمّا على قول من يقول بأن الموالاة المعتبرة في الوضوء عبارة عن عدم جفاف الاعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فعلى الفرض حيث تكون النداوة باقية لم تفت الموالاة و يمسح بنداوة الوضوء و يصح وضوئه.

و أمّا على ما قوينا من أن الموالاة المعتبرة هو فقد التتابع العرفى فلا بدّ من ملاحظة ذلك.

فإن فقد التتابع بطل الوضوء سواء جفّت أعضاء وضوئها أو لم تجفّ، و إن لم يفقد التتابع العرفى يمسح بنداوة وضوئه و يصح وضوئه.

و حيث قلنا في مقام العمل بالاحتياط فلا بدّ في الفرض على تقدير فقد التتابع العرفى من الصبر إلى أن يجفّ تمام أعضاء الوضوء ثم يعيد الوضوء، و مع ضيق الوقت عن الصبر يمسح بالنداوة الموجودة، ثم يتيمم و يصلّى.

***

[مسئلة 25: إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثم أتى بالمسحات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثم أتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 139

بالمسحات لا بأس، و كذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقى، و يجوز التوضى ماشيا.

(1)

أقول: بعد ما فسّر المؤلف رحمه اللّه الموالاة بعدم جفاف جميع الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فالعبرة في صحة الوضوء بعدم الجفاف المستند إلى عدم الفصل الطويل و بطلانه بالجفاف المستند إلى الفصل الطويل، فلا بأس بالمشي خطوة أو خطوات بين الغسلات أو بين المسحات، و في أىّ حال من أحوال الوضوء إذا لم يجف الأعضاء السابقة بطول المشي لعدم اخلال المشى بالموالاة.

و إن كان الشك في جواز المشي و عدمه من جهة احتمال شرطية السكون أو مانعية المشى،

فبعد عدم الدليل عليها يكون مع الشك مجرى أصالة البراءة.

***

[مسئلة 26: إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوئه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوئه مع فرض عدم التتابع العرفى أيضا، و كذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبين الخلاف.

(2)

أقول: كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى أنّه لو ترك الموالاة بمعنى عدم الجفاف بالموالاة بطل وضوئه مع عدم التتابع العرفى، فتعبيره نفس عدم الجفاف بالموالاة مع كونها بنظره، على ما عرفت في بيان معنى الموالاة المعتبرة في الوضوء، أنها عدم الجفاف المستند جفافه إلى الفصل الطويل مخالف مع ما اختاره في معنى الموالاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 140

و على كل حال مع فرض الجفاف و عدم التتابع العرفى يبطل الوضوء سواء يقال بكون الموالاة الجفاف المستند بعدم الفصل الطويل كما هو مختاره أو كانت الموالاة التتابع العرفى على ما فهمنا من الدليل، لفقد الشرط، و الشرط ليس شرطا علميا حتى يقال: بأن فقده حال النسيان لا يضر بالمشروط.

و كذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبيّن خلافه، فبناء على كون الميزان حصول الجفاف، فقد حصل ترك الموالاة فيبطل وضوئه.

نعم على ما اخترناه نقول: بأنه في الفرض لو فقد التتابع و اعتقد وجوده ثم تبين فقده، أو في فرض اعتقاده عدم الجفاف تبين الجفاف لو أخل بالتتابع العرفى يبطل الوضوء و إلّا فلا.

***

[مسئلة 27: إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية أو الأطراف الخارجة عن الحدّ ففي كفايتها إشكال.

(1)

أقول: قد مر في المسألة 25 المتعلقة بالمسح و كونه بنداوة الوضوء بأن الأحوط بل الأقوى عدم جواز الأخذ من مسترسل اللحية.

ففي المقام نقول: بعد كون مترسل اللحية و كذا الأطراف الخارجة عن الحد غير داخل في ما يجب غسله

من الوجه فى الوضوء، فمع جفاف الوجه على تقدير كون الجفاف الأجزاء السابقة مخلا بالموالاة، فقد أخل بالموالاة و يجب اعادة الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 141

نعم بناء على كون المخل بالموالاة فقد التتابع العرفى فإن فقد التتابع العرفى بطل الوضوء و الّا فلا.

و لكن يمكن أن يقال: بأنّه مع جفاف الأعضاء حيث يكون مستندا إلى الفصل فيخلّ بالموالاة و إن كانت الموالاة عبارة عن التتابع العرفي.

***

[الثاني عشر: النية]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر: النية، و هى القصد إلى الفعل مع كون الداعى أمر اللّه تعالى، إمّا لأنّه أهل للطاعة و هو أعلى الوجوه، أو لدخول الجنة و الفرار من النار و هو ادناها و ما بينهما متوسطات و لا يلزم التلفظ بالنية، بل و لا اخطارها بالبال، بل يكفى وجود الداعى في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول أتوضأ مثلا و أما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقى متحيّرا فلا يكفى و إن كان مسبوقا بالعزم و القصد حين المقدمات، و يجب استمرار النية إلى آخر العمل، فلو نوى الخلاف أو تردّد و أتى ببعض الأفعال بطل إلّا أن يعود إلى النية الاولى قبل فوات الموالاة، و لا يجب نيّة الوجوب و الندب لا وصفا و لا غاية، و لا نيّة وجه الوجوب و الندب بأن يقول:

أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب، أو لوجوبه أو ندبه، أو أتوضأ لما فيه من المصلحة، بل يكفى قصد القربة و اتيانه لداعى اللّه، بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى إن لم يكن على وجه التشريع أو التقييد، فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفا أو غاية ثم تبيّن عدم دخوله صحّ إذا لم

يكن على وجه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 142

التقييد و إلّا بطل كأن يقول: أتوضأ لوجوبه و إلّا فلا أتوضأ.

(1)

أقول: و التكلم في هذه المسألة يقع في طى امور:

الأمر الأوّل: في أنّ النيّة جزء للوضوء

و كذا لسائر العبادات أو شرط له الظاهر كونها شرطا، لأنّ الجزء يتحقق منه و من غيره الكل، فالمؤلف من الأجزاء و هو المركب، يكون عبادة لا بد فى حصولها من القصد و إتيانه بداعى الأمر فهى، أمر خارج عن العبادة تعتبر فيها، و على كل حال لا ثمرة فى البحث عن كون النية جزء أو شرطا ثمرة عمليّة، و معنى شرطيتها ليس الّا انّ صيرورة الفعل العبادى فعلا اختياريا يستند إليه و صادرا منه بعنوان العبادية تحتاج إلى النية، أعنى: القصد يعنى إتيان الفعل بداعى الأمر.

الأمر الثاني: قال المؤلف رحمه اللّه: النية
اشارة

و هي القصد إلى الفعل مع كون الداعى أمر اللّه تعالى، فللكلام جزان الأول القصد إلى الفعل، و الثاني كون هذا القصد و داعيه أمر اللّه تعالى.

أمّا اعتبار القصد إلى الفعل فلا إشكال فيه لأنّه بعد ما لا يعنون العنوان القصدى بعنوانه في الخارج إلّا بالقصد، فلا بدّ لصيرورة الفعل معنونا بالعنوان من القصد.

حيث إنّه بعد قابلية الفعل لأن يكون منطبق عنوانين أو عناوين فتعنونه بأحد من العناوين يحتاج إلى القصد، مثلا إذا كان القيام، و هو فعل من الأفعال، قابلا لانطباقه بعنوان التعظيم و قابلا لانطباقه بعنوان الاستراحة، لا يعنون باحد العنوانين إلّا بالقصد، فلا بد من وقوعه منطبق أحدهما من قصد أحدهما، و غسل الوجه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 143

و اليدين في الوضوء، و كذا المسح فيه قابلا لكونه للوضوء و قابلا لكونه للتبريد، أو لدفع الوسخ و التطهير، فلا بدّ في كونه وضوءا من قصد الوضوء فيه.

و مما قلنا من أنّ القصد معتبر فى الامور التى تقع بالعنوان المقصود بالقصد و معنونا بعنوانه، يظهر بأنّ ما فى مصباح «1» الفقيه

من التمسك بما رواه «2» حريز عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال: إنّما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه، و إنّ المؤمن لا ينجّسه شي ء، إنّما يكفيه مثل الدهن) لا يدل على اعتبار قصد التقرب، لأنّ ما يستفاد من الرواية هو أنّ الوضوء مأمور به و ربما يحصل به إطاعة اللّه و هو وسيلة الامتحان لمن يطيعه و من يعصيه، و هذا لا يدل على أنّ الا طاعة فى الوضوء لا يحصل بمجرد إيقاع المأمور به، أو يحصل بايقاعه مع قصد الأمر، و أنّ امتثاله هل يحصل بحصول المامور به كيف اتفق، أو لا يحصل امتثاله إلّا بقصد الأمر، و لو فرض دخل القصد فى تعنون عنوان الغسلتين و المسحتين بتعنون الوضوء، فهو من باب كون القصد سببا لتعنونه، و هذا القصد غير قصد التقرب لإمكان قصد الوضوء و قصد إتيانه، لكن لا بداعى الأمر و التقرب

و مما مرّ يظهر أنّ اعتبار بعض الخصوصيات فى النية مثل الظهريّة و العصريّة مثلا فى نية الصلاة يكون من باب ما قلنا من احتياج تحقق الوضوء القصدية فى الخارج إلى القصد كما يأتى إنشاء اللّه فى محلّه.

و أمّا كون القصد و الداعى أمر اللّه تعالى فلأنّ الوضوء عبادة و يعتبر في العبادة قصد الأمر، و كون الداعى أمر اللّه تعالى، و قد

ذكر في وجه عبادية الوضوء وجوه:
اشارة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 2، ص 126.

(2) الرواية 1 من الباب 52 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 144

الوجه الأوّل: و هو العمدة، بل هو الدليل التّام، الاجماع

على كون الوضوء عبادة، بل عدّ بعض كون ذلك من ضروريات المذهب.

الوجه الثاني: بعض الآيات

مثل قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. «1»

وجه الاستدلال أن الآية تدل على وجوب اطاعة اللّه، و هى لا تحصل الّا باتيان المأمور به بداعى امره.

و فيه انّ الامر فى الآية ارشاديّا، فيرشد إلى ما يحكم به العقل من وجوب اطاعة اللّه و رسوله و اولى الامر، مضافا الى انه إن كان الامر فى الآية مولويّا ليس مفاده الّا اطاعة امرهم فى مقابل المعصية، فإن كان الامر تعبديّا فاطاعته اتيانه مع قصد الامر، و إن كان توسليا فاطاعته تحصل باتيان المأمور به فقط فلا يمكن إثبات تعبدية الامر من الآية الشريفة.

و مثل قوله تعالى: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «2».

وجه الاستدلال أنّ مفاد الآية، و اللّه أعلم، هو انّ الناس ما امروا إلّا لغاية، و هي عبادة اللّه في حال يخلصون له القصد فيكون (لام) في قوله (ليعبدوا) للغاية، و المراد بقوله (الدين) النيّة.

و فيه أنّه قد فسّر، كما عن بعض المفسرين، الآية بالتوحيد أى: لم يأمرهم إلّا ليعبدوا اللّه وحده لا يشركون بعبادته: مضافا إلى ان الظاهر ان كلمة (لام) في قولة

______________________________

(1) سورة نساء، الآية 59.

(2) سورة البينة، الآية 5.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 145

تعالى (ليعبدوا) تكون بمعنى كى كما حكي مثل قوله تعالى إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و غير ذلك، كما أن الظاهر من (الدين) هو ما يتدين به لا القصد، كما أن ظاهر الآية

هو أنّ قوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أمر الناس بالاصول، و قوله تعالى وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ الخ امرهم بالفروع.

و مع قطع النظر عما قلنا إن كان المراد من الآية الشريفة ما ادعى من الأمر بقصد التقرب في المأمور به يلزم تخصيص الأكثر لعدم وجوب قصد الأمر في أكثر الواجبات أعنى: التوسليات.

الوجه الثالث: بعض الروايات و هو طائفتان:
الطائفة الاولى: ما يدل على أنّه لا عمل إلّا بنيّة.

منها ما رواها أبو حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: لا عمل إلّا بنية «1».

و منها ما رواها أبو عثمان العبدى عن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا قول إلّا بعمل، و لا قول و لا عمل إلّا بنية، و لا قول و عمل و نية إلّا باصابة السنة «2».

و منها ما رواها أبو حمزة الثمالى عن علي بن الحسين عليه السلام قال: لا حسب لقرشى و لا عربى إلّا بتواضع، و لا كرم إلّا بتقوى، و لا عمل إلّا بنية، و لا عبادة إلا بتفقه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 146

الحديث «1»، و لعلها متحدة مع الرواية الاولى، غاية الأمر ذكر في الاولى بعض الرواية

منها ما رواها علي بن حمزة عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم (لا حسب إلّا بالتواضع، و لا كرم إلّا بالتقوى، و لا عمل بنية «2».

الطائفة الثانية: ما يدل على أن الأعمال بالنيات.

منها ما رواها أبو المفضّل عن أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوى عن أبيه عن اسماعيل بن محمد بن إسحاق بن محمد قال حدثني علي بن جعفر بن محمد و علي بن موسى بن جعفر هذا عن أخيه و هذا عن أبيه موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث قال: إنّما الاعمال بالنيات، و لكل امرئ ما

نوى، فمن غزى ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع اجره على اللّه عزّ و جلّ، و من غزى يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلّا ما نوى «3».

و منها ما رواها محمد بن الحسن الطوسى رحمه اللّه قال: روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: انّما الاعمال بالنيات، قال: و روى أنّه قال: إنّما الأعمال بالنيات، و انما لامرئ ما نوى «4».

وجه الاستدلال هو دلالة الطائفة الاولى على أنّ العمل يصير عملا بالنية و المراد بالنية هو قصد الأمر، و دلالة الطائفة الثانية على أن الاثر المرغوب من الاعمال هو حصول الاطاعة، و ترتب الثواب على الاطاعة يحصل بالنية، و النية قصد الأمر.

______________________________

(1) رواية 3 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(4) الرواية 6 و 7 من الباب 5 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 147

و فيه أن هذه الأخبار تكون في مقام بيان اعتبار الاخلاص في العبادة و عدم الاثر لها مع عدمه من كونه للرياء و غير ذلك مما لا يكون ابتغاء وجه اللّه، فليست مربوطة بالمقام، و هو كون العمل عبادة محتاجا إلى قصد التقرب.

و إلّا لو كانت في مقام بيان اعتبار قصد التقرب في الأعمال فيلزم تخصيص الاكثر بالنسبة إلى عمومها، لأنّه على هذا مقتضى عمومها وجوب قصد التقرب في كل الاعمال، و الحال أن اكثر الاعمال الواجبة من التوصليات الغير المعتبرة فيها قصد التقرب، فيلزم التخصيص الاكثر المستهجن، فلا يمكن

القول بعمومها فلا يتم الاستدلال بهذه الأخبار.

فالعمدة في كون الوضوء من العبادات هو الاجماع.

الأمر الثالث: أنّه بعد ما يكون الفعل الصادر من الفاعل

العاقل المختار لوجود الداعى إلى فعله، لعدم امكان صدور الفعل من العاقل المختار بلا داع من الدواعى، فاتيان الفعل العبادى من العبد و إن كان لأمر المولى، لكن يكون الداعى إلى إطاعة المولى مختلفا.

فقد يكون داعى العبد إلى امتثال مطلوب المولى نفس أهلية المولى للعبادة كما هو المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: (ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا في جنتك، و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك «1».

أو حبه لجنابه تعالى كما يستفاد مما رواها هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العبادة (ان العبّاد) ثلاثة قوم عبد اللّه عزّ و جل خوفا فتلك عبادة

______________________________

(1) رواها مرسلا الكافى في باب نية العبادة من ابواب جنود الايمان في ذيل الرواية الاولى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 148

العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ حبّا له فتلك عبادة الاحرار، و هي أفضل العبادة «1».

و ما رواها يونس بن ظبيان قال: قال الصادق جعفر محمد عليهما السلام: إنّ الناس يعبدون اللّه عزّ و جلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء و هو الطمع، و آخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد و هي الرهبة، و لكنى أعبده حبّا له عزّ و جل فتلك عبادة الكرام و هو الآمن لقوله عزّ و جلّ وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ و لقوله عزّ و جلّ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ

ذُنُوبَكُمْ فمن أحبّ اللّه عزّ و جلّ أحبه اللّه، و من أحبه اللّه كان من الآمنين «2».

أو شكرا للّه تعالى كما يستفاد مما روى السيد الرضى رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال: إن قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إن قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الاحرار «3».

أقول و قال المؤلف رحمه اللّه: إنّ كون الداعى إلى اطاعة أمر اللّه تعالى هو كونه أهلا للعبادة هو أعلى الوجوه

و ما يمكن التمسك به المرسلة المذكورة المنسوبة إلى امير المؤمنين عليه السلام قال في ضمن كلامه (بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) و المستفاد منه كون عبادته له تعالى لأهلية جنابه للعبادة.

و المستفاد من رواية هارون و يونس المتقدمتين هو أن أفضل الوجوه في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 9 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 149

العبادة كون الداعى حبّ اللّه تعالى لأن في الاولى قال عليه السلام (و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ حبّا له فتلك عبادة الاحرار و هي أفضل العبادة.)

و قال في الثانية (و لكنى أعبده حبّا له عزّ و جل) و من المعلوم أن الصادق عليه السلام يأخذ بأفضل الوجوه.

و المستفاد من الرواية المذكورة في نهج البلاغة المتقدمة هو كون الداعى إلى اطاعة أمر المولى الشكر له أفضل الوجوه في العبادة لأنّ فيها قال عليه السلام (و إن قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الاحرار.)

فهل يكون منافات بين

الروايات لأنّه من بعضها يستفاد كون افضل الدواعى العبادة لكونه تعالى اهلا للعبادة و من بعضها لحبه تعالى و من بعضها لشكره تعالى، أو لا منافاة بينها؟

أقول: أمّا بحسب ملاحظة حكم العقل فلا إشكال في كفاية كون الداعى واحدا من الأمور الثلاثة، و لا يبعد تساوى كون الداعى للاطاعة أهلية اللّه تعالى للعبادة مع كون الداعى حبّه عزّ و جلّ، بل كذا إذا كان الداعى شكره تعالى، لأنّ من يشكره يعلم أهليّته، و يمكن أن يقال: بكون داعى الشكر أنزل من كون الداعى أهليته او حبّه، و يأتى الكلام فيه عن قريب

و أمّا بمقتضى الاخبار المذكور فنقول بعونه تعالى: لا يبعد عدم المنافاة بينها، إذ من بلغ مقام معرفته بمقام يعرف أنّ اللّه تعالى أهلا للعبادة فيحبّه أيضا لأنّ أهليّته ليس إلّا لأنّه الجامع للصفات الجلالية و الجمالية و انّه المنعم على العباد، فكل ما يحبّه من الكمال فهو فيه فيحبه و يشكره، فإن قاله امير المؤمنين عليه السلام مع ماله من المعرفة باللّه تعالى حتى لو كشف الغطاء فرضا لم يزده يقينا، فهو يطيع اللّه بأفضل الدواعى، كما أنّه لو كان يعبده شكرا كان بأشرف الدواعى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 150

و إن كان جعفر الصادق عليه السلام يعبده حبّا له فهو بأشرف الدواعى، و بعبارة اخرى عباراتنا شتّى و حسنك واحد، و يدل عليه أنّ مقتضى رواية هارون بن خارجة كون العبادة بداعى الحب عباده الأحرار، كما أنّ مقتضى ما روى فى نهج البلاغة كون العبادة بداعى الشكر عباده الأحرار، و هذا شاهد على أنّ كلا من الداعيين بوزان واحد، لأن كلا منهما عبادة الاحرار.

و لكن يمكن أن يقال

كما أشرنا إنّ الاطاعة بعنوان داعى الشكر أنزل مرتبة من كون الداعى أهلية أو حبّه، لأنّ من يأتي بداعى الشكر يلاحظ جهات من النعم التي أنعم اللّه تعالى عليه، فهو أنزل ممن لا يرى في إطاعته إلّا أهليته أو حبّه لجنابه.

أقول: كما يمكن أن يقال: إنّ الاطاعة بداعى الشكر يكون مشوبا بما يلاحظ العبد لنفسه من النعم الواصلة إليه، كذلك يمكن أن يكون الاطاعة بداعى أهليّته أو حبه مشوبا بذلك، لأنّ من وجوه أهليته و حبّه هو ما أبدعه فيه و أعطى به.

فالحق أنّ في كل منها ما هو الداعى هو اللّه تعالى، لا ما يرد عليه من الفيوضات و إن كان موردا للنعم و الفيوضات فلا فرق بين هذه الدواعى.

و على كل حال لا إشكال في كفاية كون الداعى إلى اطاعة أمر اللّه تعالى أحد هذه الأمور الثلاثة.

و إن أبيت عما قلنا من عدم منافاة بين الدواعى الثلاثة نقول: بأن الرواية الدالة على أن أفضل المراتب أهليته تعالى، و كذا الرواية الدالة على أن الأفضل داعى الشكر تكونان مرسلتين، فتبقى الروايتان الدالتان على كون أفضل الدواعى هو حبّ اللّه تعالى.

و قد يكون الداعى إلى اطاعة أمره تعالى التقرب إلى جنابه، و من المعلوم انّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 151

ليس المراد من القرب القرب المكانى لاستحالة ذلك بل المقصود القرب المعنوى.

و قد يكون الداعى إلى إطاعة أمر المولى الشوق إلى الجنة أو الفرار من النّار و قد وقع الخلاف كما ترى في كلماتهم في الاكتفاء في مقام الاطاعة بأحد من الداعيين، أعنى: داعى الشوق إلى الجنة، و داعى الفرار من النار، و عدم الاكتفاء به.

فنقول: إنّه تارة يكون الداعى إلى

الامتثال و اتيان المأمور به نفس أحدهما بدون توسيط طاعة اللّه تعالى، فلا ينبغى الاشكال في عدم الاكتفاء به، لأنّه لا يريد بعمله اطاعة اللّه تعالى، بل إمّا يريد الفوز الى الجنة، أو النجاة من النار.

و تارة يكون الداعى إلى امتثال امر المولى إطاعته كى يفوز بسبب اطاعته بالجنة، أو ينجى من النار، أو كل منهما، فلا ينبغى الاشكال في كفايته لأنّه يريد إطاعة المولى، و من اطاعة جنابه يطلب أحدهما، فإن كان داعيه احدهما يكون من باب أن إطاعة الأمر يوجب الوصول به، لا أنّه يطلبه حتى بدون توسيط الاطاعة، بل يطلبه بتوسيط اطاعة امره تعالى فلا إشكال في كفايته.

و وجه الكفاية أن ما يكون شرطا في العبادة ليس إلّا كون الداعى اطاعة أمر المولى و هو حاصل في المقام، و إن كان أثر الاطاعة الفوز بالجنان، أو النجاة من النار.

و الشاهد على عدم مضرّية النظر إلى أحدهما في طول الاطاعة ما ورد من الوعد و الوعيد في الآيات و الأخبار الكثيرة لترغيب الناس و تحذيرهم، و ليس ذكرها إلّا لايجاد الداعى للعبد على امتثال أوامر المولى و نواهيه.

و أيضا ما ورد في الروايات المتقدمة من تقسيم العبادة على ثلاثة أقسام: قسم للفوز بالجنان، و قسم للنجاة عن النار، و قسم لكون اللّه تعالى أهلا للعبادة، أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 152

لحبه، أو لشكره، و جعل القسم الثالث أفضل مراتب العبادة، فهو دليل على أن العبادة و الاطاعة إذا كانت بداعى الفوز بالجنان، أو النجاة من النار تكون فيها الفضل، و لو لم يكن الداعى من الاطاعة أحدهما كافيا كان المناسب أن يقول: بأنّ القسم الثالث فيه الفضل فقط،

فكل ذلك شاهد على كفاية كون الداعى أحدهما بتوسيط اطاعة اللّه تعالى و ترتبها على الإطاعة.

الأمر الرابع: هل يجب التلفظ بالنية أو لا يحب ذلك؟

أقول: ما يرى من الأقوال فى المسألة ثلاثة: قول بعدم وجوبه و الالتزام باستحباب التلفظ بها، و قول باستحباب الاخطار على القلب، و قول بعدم الوجوب و لا استحباب التلفظ إلّا ما دل الدليل على استحبابه مثل استحبابه في أفعال الحج و لا كراهة التلفظ و لا حرمته إلّا ما يقال من أنّ الاحتياط ترك التلفظ فى الصلاة، و عدم جوازه فى خصوص صلاة الاحتياط، و يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه فى الصلاة، و هذا القول، و هو القول بعدم وجوب التلفظ بالنية في الوضوء، و جواز التلفظ به، لعدم الدليل على وجوب التلفظ، و عدم الدليل على عدم جواز التلفظ بها من ناحية الشارع، فمع عدم حكم العقل و لا ورود النقل لو شك في اعتبار التلفظ في النية يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه.

الأمر الخامس: هل يعتبر الاخطار بالبال في النية،

أو يكفى وجود الداعى في القلب.

اعلم أن الفعل الصادر من الفاعل المختار مسبوق بتصور الفعل و ملاحظة جهاته من المصالح و المفاسد، ثم بعد ذلك إذا يرى الشخص وجوب المصلحة فيه بلا مفسدة، أو كون مصلحته اقوى من مفسدته يحصل له الشوق المؤكّد إلى الفعل و يريده و يعزم على فعله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 153

و يظهر من بعض الكلمات أنّ من يقول بكون النية الاخطار بالبال يقول:

إنّ هذه الإرادة التفصيلية المخطورة بالبال هى النية، و معنى كون النية الاخطار بالبال هو هذا و معنى استدامة النية هو بقاء الإرادة الاجمالية الارتكازية من باب عدم إمكان حفظ الإرادة التفصيلية إلى آخر العمل.

و أن من يقول بكونها الداعى يريد من الداعى هو ما يبقى مركوزا في الذهن بعد الإرادة التفصيلية التي حصلت بعد تصور الشي ء و

جهاته على أن يعمل العمل فمعنى استدامة النية على هذا هو بقاء هذا الداعى المركوز في الذهن إلى آخر العمل.

و يقال: إنّه على القول بكون النية الاخطار بالبال لا بدّ من وجود الإرادة التفصيلية حال الشروع في نفس العمل المخطورة بالبال.

و أمّا على القول بكونها الداعى فلا يلزم ذلك، بل يكفى الداعى الحاصل من الإرادة التفصيلية المخطورة بالبال حين الشروع ببعض مقدمات العمل؛

فعلى هذا يكون الفرق بين كون النية الاخطار بالبال و بين كونها الداعى هو أنّه على الأوّل لا بدّ من وجود الإرادة التفصيلية حين الشروع في نفس العمل، و بعد الشروع في العمل لا بدّ من بقاء الإرادة الاجمالية إلى آخر العمل.

و السر في كفاية بقاء الإرادة الاجمالية بقاء هو استحالة بقاء الاراده التفصيلية إلى آخر العمل، و هذا معنى كفاية الاستدامة الحكمية.

و أمّا على الثاني فيكفى وجود الداعى المنبعث عن الإرادة التفصيلية حال الشروع في بعض مقدمات العمل و لو لم تكن الإرادة التفصيلية موجودة حال الشروع في نفس العمل، و لزوم وجود بقاء هذا الداعى إلى آخر العمل، فعلى الثاني لا فرق بين حال الشروع في العمل و بين أثناء العمل إلى تمام العمل في لزوم كفاية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 154

وجود الداعى و عدم لزوم الإرادة التفصيلية.

و ما بينا في مقام بيان المراد من الاخطار بالبال او الداعى هو المحكى عن الشيخ المرتضى رحمه اللّه و لا فائدۀ في البحث أزيد من ذلك في بيان حقيقة المراد من الاخطار أو الدعى، و أنّ ما نسب إلى المشهور من أن النية هو الإخطار بالبال صحيح أو لا.

بل ما ينبغى التكلم فيه هو البحث أوّلا عن النية

بنظر العرف و العقلاء، و أنهم يعتبرون أىّ شي ء فيها، ثم البحث ثانيا في أنّ الشارع هل تصرف فيما هو نظر العقلاء في مقام النية التى دخيلة في صدق الاطاعة أم لا؟

فنقول بعونه تعالى: أما النية بنظر العرف و العقلاء في امورهم فليس إلّا ما يكون المحرك و الداعى الى الفعل بحيث لو سئل عنه لم أقدمت على هذا الفعل يقول:

الداع الكذائى، فمن يتصور مثلا اللحم، و يتصور وجود المصلحة في شرائه من السوق يحصل له الشوق إلى شرائه و هذا الداعى يوجب لأن يقوم بعد هذه الإرادة التفصيلية و يروح إلى السوق، و معنى كونه مريدا لشراء اللحم ليس إلّا وجود هذا الداعى بحيث لو سئل عنه: أين تروح؟

يقول: لشراء اللحم، و لا يصير معطّلا في الجواب، و إن لم يكن له حين شراء اللحم هذه الاراده التفصيلية، بل يكفى كونه مركوزا فى ذهنه، فيقال لهذا الشخص أنّه مريد لشراء اللحم، و انّ فعله كان مع النية، هذا حال العقلاء.

و كما هو حالهم يحكمون بأن النية اللازمة في صدق اطاعة الأمر ليست إلّا هذا، لعدم فرق عندهم بين العبادات و بين غيرها من الأفعال الاختيارية إلّا في احتياج العبادات إلى كون الداعى إطاعة امر اللّه تعالى، و أمّا فى كيفية صيرورة الفعل اختياريّا بالنية فلا فرق بين العبادات و غيرها؛

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 155

و بعد ما يحكم العقل و العقلاء بكفاية هذا المقدار تصل النوبة إلى ما قلنا ثانيا، و هو أنّه هل ورد تصرف من الشرع، تضييقا أو توسعة، أو لا؟

فالمراجع يرى عدم ورود تصرف في النية من قبل الشارع، فيكون حكم العقل في باب الاطاعة و المعصية

لو لا تصرف الشرع متبعا، فتكون النتيجة كفاية الداعي في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول مثلا أتوضأ لوجود الإرادة الارتكازية موجودة له.

نعم لو لم تبق الإرادة الارتكازية أعنى: الداعى، بحيث لو سئل عن شغله يصير متحيرا، فلا يكفى و إن كان مسبوقا بالعزم و القصد حين الشروع في بعض مقدماته، لعدم صدق الاطاعة في هذه الصورة.

و مما مر من كفاية الداعى يظهر لك أن من يقول: بكون النية هي الاخطار بالبال و مع هذا يقول بكفاية الإرادة الاجمالية الارتكازية بقاء الذي عبّرنا عنها بالداعى شاهد على كفاية الداعى مطلقا، لعدم فرق بين حال الشروع و أثناء العمل عند العقلاء.

و ليس الاكتفاء بالداعى بقاء من باب استحالة الإرادة التفصيلية بقاء، بل يكون من باب كفاية الداعى و الإرادة الارتكازية مطلقا شروعا و بقاء في صدق النية المعتبرة في باب العبادة و الاطاعة.

الامر السادس: و يجب استمرار النية إلى آخر العمل
اشارة

لأنّه بعد اعتبارها في العبادة فهى معتبرة في تمام العبادة و هذا في الجملة لا إشكال فيه.

كما لا كلام في بطلان الوضوء فيما نوى الخلاف في اثناء الوضوء او تردد و لم يعد الى النية الاولى حتى فقدت الموالاة المعتبرة فى الوضوء لأنّه على الفرض نوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 156

الخلاف او تردد و لم يرجع الى النيّة الاولى حتى فقدت الموالاة المعتبرة فالبطلان في هذه الصورة مسلم سواء نقول بمضرية نية الخلاف أو ترديده في النية و إن رجع الى النية الاولى أو لم نقل بها لان هذا الوضوء باطل مسلما و لا اقل من جهة فقد الموالاة المعتبرة فيه.

انما الكلام فيما نوى الخلاف اثناء الوضوء أو تردد ثمّ عاد إلى النية الاولى قبل فقد الموالاة

فهل يصح وضوئه أو لا.

و الكلام فيه في موردين:
اشارة

المورد الأوّل: ما نوى الخلاف في الاثناء أو تردد و بعد الاخلال بنيّته لم يأت جزء من الوضوء؛

و المورد الثاني: ما إذا أتى بجزء بعد نيّة الخلاف أو التردد.

أمّا الكلام في المورد الأوّل

فنقول:

إنّ الكلام ليس هنا في مطلق العبادات، و أنّه تبطل العبادة بنيّة الخلاف، أو التردد أم لا، حتى يقال: بأنه لا يمكن الالتزام بعدم مبطلية نيّة الخلاف في مطلق العبادات بل العبادة إن كانت أمرا واحدا مستمرا تبطل بنية الخلاف، أو التردد كالصوم، فإن نية الخلاف يبطله، بل الكلام يكون في المقام في خصوص الوضوء، فهل يبطل بنية الخلاف، أو التردد أم لا؟

أقول: ما يمكن أن يكون وجها لعدم بطلان الوضوء.

امّا دعوى «1» أنّ استمرار النية غير معتبر في الوضوء، بل غاية ما يجب هو وجود النية حين اتيان كل جزء جزء منه، فإذا أتى بكل جزء مع داعى القربة كفى

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 465.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 157

و إن يخلل بالنية بين الفراغ عن جزء و قبل الشروع في جزء آخر.

و امّا دعوى «1» أنّ الوضوء ليس فعلا واحدا مستمرا، بل أفعالا متعددة، فلا تصر نية الخلاف، أو التردد بين فعل و فعل آخر.

و امّا دعوى «2» أن الوضوء و إن كان شيئا واحدا ذا أجزاء و شرائط، لكن الواجب نفس الأجزاء بالاسر، لا أن يكون الواجب الأجزاء مع الجزء الآخر الصورى المعبّر عنه بالهيئة الاجتماعية، أو الهيئة الاتصالية.

فبعد كون الواجب نفس الأجزاء و هى الغسلتان و المسحتان، فالمعتبر وجود النية فيها و لا يضرّ نيّة الخلاف و التردد الواقع بين الغسلات و المسحات إذا عاد إلى نيّته فيما بقى من أجزاء الوضوء.

أقول: يمكن أن يقال: بأنه بعد

ما لا إشكال في اعتبار الموالاة في الوضوء فالمستفاد من اشتراطها كون الوضوء بأجزائه شيا واحدا، فلا بدّ من توالى بعض أجزائه ببعض، و أنّ المعتبر فيه جهة اتصال ينافيها فقد الموالاة، و اعتبار الموالاة فيه يكون لأجل دخل الهيئة الاتصالية.

و الشاهد على ذلك ما فى رواية أبي يصير المتقدمة في بحث اشتراط الموالاة من ذكر العلة لاعتبار الموالاة المعبّر عنها بعدم يبوسة الأجزاء السابقة بقوله عليه السلام (فإنّ الوضوء لا يبعّض) فإن المستفاد من هذه هو أنّ اعتبار عدم الجفاف يكون لأجل أنّ الوضوء ليس قابلا للتبعيض، و هذا ليس إلّا بمعنى أن الوضوء شي ء واحد من أوّله الى آخره، و لا يتحقق وحدته إلّا باتصال الجزء المتأخر بالجزء المتقدم و معنى ذلك

______________________________

(1) العلامة الآملى، المصباح الهدى ج 3، ص 432 نقلا فى كتابه ربما ينسب القول بالبطلان الى بعض.

(2) العلامة الآملى المصباح الهدى، ج 3، ص 433.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 158

ليس إلّا اعتبار هيئة اتصاليه فيه.

و فيه أن غاية ما يستفاد من اعتبار الموالاة و الرواية المذكورة هو أن الوضوء شي ء واحد و مركّب فارد، ذو الاجزاء و الشرائط و يعتبر فيه النية، و مقتضى اعتبار النية وجودها في تمام أجزائه، فما دام لم يثبت أن له جزءا صوريا غير الأجزاء و هو الهيئة الاتصالية، فلا يمكن إثبات وجوب بقاء النية في الآنات و الازمنة المتخللة بين الأجزاء حتى يضرّنيه الخلاف، أو التردد في هذه الآنات، فلا وجه لكون نيّة الخلاف أو التردد بعد فعل بعض الأجزاء و قبل الشروع فيما بعده من الأجزاء مبطلة للوضوء إذ عاد إلى نيته حال إتيان بعض الأجزاء الباقية.

المورد الثاني: فيما إذا أتى ببعض أجزاء الوضوء، ثم نوى الخلاف،

أو تردد

في النية و اتى بعض أجزاء الوضوء في حال نية الخلاف أو التردد.

فتارة يكتفى بهذا الجزء الذي أتى به حال الاخلال بالنية، أو التردد، و لم يعده بعد الرجوع إلى النية الاولى، فلا إشكال في بطلان الوضوء، لأنّه أتى بجزء منه بلا نية.

و تارة يأتي به بعد الرجوع إلى النية الأوّل فله فرضان:

الفرض الأوّل: أن لا يخلّ بشرط آخر مثل الموالاة، ففي هذا الفرض لا يبطل، الوضوء لأنّه أتى به مع النية و لم يقع شي ء آخر يوجب بطلان الوضوء.

الفرض الثاني: أن يصير سببا للاخلال بشرط آخر مثل الموالاة، فيبطل الوضوء لفقد شرط الموالاة.

الأمر السابع: هل يجب في النية نية الوجوب و صفا أو غاية أم لا؟
اشارة

و معنى نية الوجوب و صفا هو أن ينوى الوضوء الواجب، أو الوضوء المستحب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 159

و معنى نية الوجوب غاية هو أن ينوى الوضوء لوجوبه أو لاستحبابه.

و الظاهر عدم وجوب نيتهما، أمّا عقلا فلعدم دخل قصدهما في صدق الاطاعة، و أمّا شرعا فلعدم الدليل عليه، و بعد كون نظر العقل في باب الاطاعة و المعصية متبعا لو لم يرد تصرف سعة أو ضيقا من الشارع، فيكفى عدم ورود الدليل من الشارع فلا يجب نيتهما.

بل يمكن التمسك على عدم اعتبار نيتهما بالإطلاق المقامى، لأنّه بعد عدم حكم العقل بدخل نيتهما فى الاطاعة و كونهما مغفولا عنهما عند العامة، فلو كانت نيتهما معتبرة عند الشارع كان عليه البيان، فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتبارهما.

و قد نسب إلى المشهور من القدماء اعتبار قصد الوجوب و الندب و صفا و غاية، و استندوا على اعتبارهما ببعض الامور فنذكرها لك.

منها أن الفعل الذي يكون قابلا للتعنون بعناوين متعددة و وجوه مختلفة لا يصير معنونا بواحد منها و لا وجه

من هذه الوجوه إلّا بمعيّن و هو النية و إلّا يلزم الترجيح من غير مرجح.

و الوضوء كذلك لقابلية الوضوء لان يقع معنونا بعنوان الوجوب و معنونا بعنوان الندب حيث يكون قابلا لأن يقع من هذا المكلف و لو فى غير هذا الوقت على وجه الندب و وقوعه في هذا الوقت على وجه الوجوب، فلا بدّ من قصد الوجوب كى يصير معنونا بعنوان الوضوء الواجب.

و فيه أولا مقتضى هذا الدليل على تقدير تماميته هو كفاية قصد واحد من الوجوب و صفا، او غاية لأنّ باحدهما يحصل التعيين، فاذا قصد الوضوء الواجب يتعين و لا حاجة إلى قصد الوضوء لوجوبه، فلا يصح الاستدلال بهذا الوجه لوجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 160

قصد كل من الوجوب و صفا و غاية.

و ثانيا مقتضى هذا الدليل على تقدير تماميته لزوم تعيين الوضوء القابل لتعنونه بأكثر من عنوان واحد بمعين، و لا يستفاد من هذا الدليل كون المعيّن هو قصد الوجوب و صفا و غاية فقط، بل يكتفى بتعيينه بمعين آخر أيضا، مثلا يقصد الوضوء للصلاة الحاضر وقتها.

و ثالثا ليس الكلام في اعتبار قصد الوجوب و صفا أو غاية لاحتياج المأمور به إلى التعيين، بل الكلام في اعتبار قصد هما بنفسهما مع قطع النظر عن لزوم التعيين.

و منها ان امتثال المأمور به لا يحصل الّا باتيانه بالنحو المطلوب، و هو لا يتحقق إلّا باتيان الواجب بقصد وجوبه و المندوب بقصد ندبه.

و وجهه أن تشريع فرد من الطبيعة واجبا و فرد منه مستحبا و فرد منه حراما ليس إلّا لاجل خصوصية أو خصوصيات يعلمها الشارع، مثلا جعل الصلاة للمكلف واجبا و للصبى مستحبا بناء على مشروعية عبادته و

للحائض و النفساء حراما ليس إلّا لخصوصية أو خصوصيات، فمجرد تصور المأمور به مثلا الصلاة حين إتيانه لا يمتاز هذا الفرد من الفرد المستحبّ أو الفرد الحرام الا بقصد الوجوب أو الندب، فلا بدّ من قصد الوجوب و صفا و غاية.

و فيه انّ هذا الوجه إذا تأملت فيه ليس غير الوجه الأوّل، و هو لزوم تعيين المأمور به لأنّه لو سلّم ما قيل، فغايته لزوم القصد لأن يمتاز عما عداه، فالجواب ما قلنا عن الوجه الأوّل.

و منها أصالة الاشتغال لأنّه بعد اشتغال اليقينى بالوضوء و معلومية اشتراطه بالنيّة، فنشك في أنّه هل يتحقق الامتثال بدون قصد الوجوب و صفا و غاية أم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 161

لا، فيحكم العقل بوجوب قصد هما لأن الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينة.

و فيه أنّه كما عرفت لا يحكم العقل بدخل قصد الوجوب أو الندب في تحقق الاطاعة و انّه تحصل الاطاعة و إن لم يقصدهما، و لم يرد من الشرع دليل على اعتباره بل مقتضى الاطلاق المقامى عدم اعتباره، فلا يبقى شك في اعتباره حتى يتوهم كون المرجع أصالة الاشتغال.

و لو انتهى الأمر إلى الاصل العملى فالاصل هو البراءة، لأنّ الشك من الاقل و الاكثر الارتباطيين.

[لا يجب نية الوجوب و الندب]
اشارة

قال المؤلف رحمه اللّه

و لا يجب نية الوجوب و الندب لا و صفا و لا غاية و لا نية وجه الوجوب و الندب بأن يقول أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه أو ندبه أو أتوضأ لما فيه من المصلحة الخ.

(1)

و هل غرضه انّه لا يجب نية وجه الوجوب و الندب تخييرا بينه و بين قصد الوجوب أو الندب و صفا و غاية لأنّ قوله

بأن يقول: أتوضأ

الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه و ندبه) فرد من فردى التخيير، و قوله (أو أتوضأ لما فيه المصلحة) فرد آخر من فردى التخيير.

أو يكون غرضه من العطف بيان انّه لا يجب نية وجه الوجوب كما لا يجب نية أصل الوجوب و صفا و غاية الذي قد بينه قبل ذلك، ثم بعد ذلك بيّن كيفية نية أصل الوجوب و صفا و غاية بقوله (أن يقول: أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب) و هو بيان نية الوجوب و الندب و صفا (أو لوجوبه أو ندبه) و هو بيان نية الوجوب و الندب غاية (أو أتوضأ لما فيه من المصلحة) و هو بيان نية وجه الوجوب و الظاهر هذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 162

و على كل حال يقع الكلام في اعتبار نية وجه الوجوب.

فنقول بعونه تعالى: اختلف في أن الاوامر و النواهى هل تكون تابعة للمصالح و المفاسد أم لا، فذهبت الاشاعرة إلى عدم التبعية للمصالح و المفاسد.

و ذهبت العدلية إلى تبعيّة الأوامر و النواهى للمصالح و المفاسد، و هم بين من يقول بتبعيّتها للمصالح و المفاسد في المأمور به و هم الاكثر، و بين من يقول بكفاية تبعيتها للمصالح و المفاسد في نفس الأمر و إن لم يكن في المأمور به ملاك و هو قول نادر.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنه على القول الأول و هو قول الاشاعرة لا يكون وجه الوجوب أو الندب إلّا الأمر لان الأمر لا يتتبع ملاكا أصلا.

و أمّا على القول الثاني و هو قول العدلية فوجه الوجوب هو المصلحة الكامنة في الفعل المأمور به الموجبة لايجاب المأمور به كما قال المشهور من العدلية، أو في الأمر كما عليه نادر

منهم.

ثم بعد ما عرفت ما هو المراد من وجه الوجوب عند العدلية يقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّه هل يصح الاكتفاء بقصد وجه الوجوب أو الندب
اشارة

في نية العبادة، مثلا يقصد إتيان الوضوء لوجود المصلحة فيه، أم لا؟

و له صورتان:

الصورة الاولى: صورة وجود الأمر الفعلى المتعلق بالمأمور به، مثل ما كان إذا وقت الصلاة فالأمر الفعلى المنجّز متعلق بها.

الصورة الثانية: في الاكتفاء به مع عدم وجود الأمر الفعلى المنجّز مثل ما إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 163

كان الواجب مبتلى بالضد الأهم مثلا يكون وقت الصلاة و تجب ازالة النجاسة عن المسجد أيضا، فمع كون وجوب الإزالة أهمّ لا يكون الأمر الفعلى بالصلاة لأن الأمر بالشي ء لو لم يقتض النهى عن ضده يقتضي عدم الأمر بضده.

اما الكلام في الصورة الاولى

فمجمل القول فيه أن الداعى إلى الفعل تارة يكون نفس المصلحة الكامنة في الفعل بدون توسيط أمر المولى و إطاعته فلا ينبغى الاشكال في عدم كفايته لعدم كون صدور الفعل بداعى اطاعة اللّه تعالى.

و تارة يكون الداعى إلى الفعل المصلحة الكامنة فيه لكن بتوسيط أمر المولى و اطاعته أو لمحبوبيته في نظر المولى، فلا ينبغى الاشكال في كفايته في صدق الاطاعة عند العقلاء، كما قلنا في الاطاعة بداعى الفوز بالجنان أو الفرار من النيران.

اما الكلام في الصورة الثانية

و هي ما اذا لم يكن امر فعلى منجز متعلقا بالفعل مثل صورة ابتلاء الواجب المهم بالضد الأهم، فهل يكتفى في صدق الاطاعة اتيان الفعل بداعى وجه وجوبه أم لا؟ فنقول: بأنه تارة يكون الداعى نفس المصلحة الكامنة بدون توسيط المحبوبية التى للمولى على الفعل باعتبار هذه المصلحة، فلا إشكال في عدم الاكتفاء في مقام النية بهذا القصد في مقام الاطاعة، لأنّه لا يقصد اللّه تعالى أصلا، بل أتى بالفعل للمصلحة التي فيه.

و تارة يحصل للعبد باعتبار محبوبية المصلحة و فضلها عند المولى الداعى إلى حفظ هذه المصلحة المحبوبة له لأجل أحد الدواعى الكافية في مقام الاطاعة، مثل أهلية اللّه تعالى، أو حبه لجنابه، أو للتقرب بساحة قدسه

فلو أتى بهذا الداعى يكون كافيا في مقام الاطاعة عند العقلاء مسلّما، بل ربّما يكون العبد الآتى بفعل يحفظ به مصالح المولى للتقرب به يكون أفضل عند العقلاء من العبد المقتصر فقط باطاعة أو امر المولى و نواهيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 164

المقام الثاني: يقع الكلام في وجوب قصد وجه الوجوب في النية و عدمه

و احتمال دخله في النية، إمّا بالوجوب التخييرى بين قصد وجه الوجوب و بين قصد الوجوب و صفا أو غاية، و إمّا بوجوب قصد وجه الوجوب في النية تعيينا.

و قد استدل على اعتباره بأن الواجبات الشرعية الطاف في الواجبات العقلية بمعنى كون الواجبات الشرعية مقرّبة للعبد بالواجبات العقلية.

إمّا بمعنى أن الواجبات النقلية مقدمات لحصول الواجبات العقلية، فما وجبت الواجبات الشرعية إلّا لأجل التوصل بالواجبات العقلية، ففي الحقيقة ما هو المأمور به هو الواجب العقلى و الواجب الشرعى محصّله، مثلا ما هو الواجب في الأمر بالصلاة هو ترك الفحشاء و المنكر و هو الواجب العقلى، و الصلاة مقدمة لحصوله أعنى: الواجب

الشرعى، و تكون كما قيل نسبة الصلاة إلى ترك الفحشاء و المنكر نسبة الالقاء في النار بالنسبة إلى الاحراق.

و إمّا بمعنى أن الواجبات الشرعية موجبة لاستعداد النفس و تهيؤها لان تصدر منها الواجبات العقلية مثل شكر المنعم و غيره، فلو لا هذه الواجبات الشرعيّة لم تستعد النفس لأن يصدر منها الواجبات العقلية.

فعلى الاحتمال الأوّل تكون الواجبات الشرعية محصّلة للواجبات العقلية بحيث إذا أتى بها تحصل الواجبات العقلية.

و أمّا على الاحتمال الثاني يكون الغرض من الواجبات الشرعية الواجبات العقلية، و بعبارة اخرى الواجبات العقلية علة غائية للواجبات الشرعية.

و لا يبعد كون المراد من أن الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية هو الاحتمال الثاني لأنّ الواجب العقلى لا يكون نظير المسببات التي ترتب على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 165

الواجبات النقلية ترتب المسببات بالأسباب بل الواجب العقلى يكون الملاك و الغرض من الواجب الشرعى.

و على كل حال يقال بعد كون الواجبات الشرعية الطافا فى الواجبات العقلية فيكون امتثال الأمر المتعلق بالواجب الشرعى و اطاعته متوقفا على نية اتيان متعلقه، أعنى: المأمور به بداعى وجه وجوبه و هو المصلحة القائمة بفعله التى تكون الواجب العقلى، هذا حاصل الاستدلال.

و فيه انّه بعد قبول كون الواجبات الشرعية الطافا في الواجبات العقلية فلم كان المعتبر في النية قصد وجه الوجوب أعنى: الواجب العقلى، لأنّ احتمال دخل قصده في نية العبادة إمّا لتوهم كون هذه المصلحة من الأمور القصدية التى لا يتحقق إلّا بالقصد فمن المعلوم عدم كونها كذلك، بل على الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدمين في معنى كون الواجبات الشرعية الطافا في الواجبات العقلية تكون النسبه بينهما النسبة بين السبب و المسبب كالالقاء بالنسبة إلى الاحراق فيحصل

الاحراق بالالقاء سواء قصده بالالقاء أو لم يقصده.

و على الاحتمال الثاني منها يكون الواجب العقلى بمنزلة الغرض و الغاية للواجب الشرعى، فهو يحصل باتيان الواجب الشرعى على الوجه المعتبر فيه سواء قصد الغاية أم لم يقصدها.

و إمّا لتوهم دخل قصدها في صدق الاطاعة.

فهو ممنوع لعدم دخله لا عقلا لعدم حكم العقل بدخله في صدق الاطاعة و لا شرعا لعدم دليل عليه، بل الاطلاق المقامى يقتضي عدم دخله، إذ مع عدم حكم العقل به و مغفولية اعتباره عند العامّة، فإن كان قصد وجه الوجوب دخيلا في العبادة كان على الشارع البيان، فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتباره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 166

مضافا إلى انه لو فرض دخل قصد الملاك و وجه الوجوب في امتثال الأمر لا يتعين قصده بالخصوص في تحقق الاطاعة و الامتثال، بل يحصل ذلك بقصد امتثال الأمر الّذي كان معلول هذا الملاك كفاية داعى معلول الملاك عن نفس الملاك، فافهم.

الأمر التاسع: لو نوى الوجوب في موضع الندب أو بالعكس،
اشارة

صحت العبادة مطلقا حتى فيما كان على وجه التقييد أو التشريع، أو لا تصح مطلقا حتى فيما كان على غير وجه التقييد أو التشريع.

أو التفصيل بين ما لا يكون على وجه التقييد فتصح العبادة، و تفسد العبادة إذا كان على وجه التقيد، أو التفصيل بين ما لا يكون على وجه التقيد و التشريع تصح العبادة، و بين ما يكون على وجه التقييد أو التشريع على كلام يأتي في تشريعه فلا تصح العبادة.

الحق هو الاحتمال الثالث، فنقول بعونه تعالى: لو نوى الوجوب في موضع الندب أو بالعكس فللمسألة صورتان:

الصورة الأوّل: ما إذا كان المكلف قاصدا لاتيان المأمور به الواقعى

و امتثال أمره الواقعى المتعلق به، و يكون توصيف المأمور به الواقعى، أو الامر الواقعى في مقام النية بالوجوب أو الندب مثلا، إمّا لاعتقاده بأن المأمور به الواقعى المتعلق به الأمر الواقعى هو الوجوب، فبان كونه ندبيا، أو هو الندب فبان كونه وجوبيا.

و إمّا أن يكون توصيفه بالوجوب أو الندب بعنوان التشريع، بأن يلتزم في قلبه بكون المأمور به الواقعى المتعلق به الأمر الواقعى وجوبيا مع كونه عالما بأنه ندبى، أو التزم بكونه ندبيا مع علمه بكونه وجوبيا فلهذه الصورة فرضان:

الفرض الأوّل: ما يعتقد كون المأمور به الواقعى المتعلق به الأمر الواقعى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 167

متصفا بالوجوب مثلا و الحال أنّه متصف بالندب، فهو مع قصده الامتثال الأمر الواقعى يوصف هذا الأمر الواقعى بالوجوب في مقام النية مع كونه واقعا متصفا بالندب.

ففي هذا الفرض يصح ما اتى من العبادة مع هذا القصد، لأنّ المحتاج إليه في نية العبادة ليس إلّا القصد باتيان ما تعلق به الأمر و كونه بداعى التقرب، غاية الأمر توصيفه بخلاف ما هو موصوف به يكون من باب

الخطاء في التطبيق، و هو لا يضرّ بنيته، و هذا معنى الانحلال في الداعى ينسب إلى الشيخ المحقق صاحب حاشية المعالم رحمه اللّه لأنّ الداعى إلى اتيان الفعل هو الأمر بوصف كونه وجوبيا بدون تقيد اعتبار الامر بهذا الوصف، فالداعى منحل إلى أمرين: الأمر و وصفه بالوجوب فيؤخذ بداعى أمره و يلغى وصفه لكونه من باب الخطاء في التطبيق.

الفرض الثاني: ما يكون المكلف مريدا لامتثال الأمر الواقعى المتعلق بالمأمور به الواقعى و يعلم أنّ الأمر المتعلق به مثلا متصفا بوصف كونه أمرا وجوبيا فيعزم عمدا تشريعا على قصد توصيفه بالندب، فيقصد امتثال الأمر الواقعى لكن بوصف كونه ندبيا أو بالعكس، فيقصد الأمر الواقع المتصف بكونه ندبيا بوصف كونه وجوبيا.

و بعبارة اخرى يكون تشريعة في الوصف لا فى الموصوف، فهل تصح العبادة في هذا الفرض أولا؟

وجه عدم الصحة كونه تشريعا و مع كونه تشريعا يكون منهيا عنه و النهى في العبادة يوجب فسادها.

و لكن الأقوى الصحة في هذا الفرض لأنّه بعد عدم كون التشريع في الموصوف، و هو الأمر الواقعى المتعلق بالمأمور به الواقعى، فلا يكون الموصوف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 168

منهيا عنه فلا وجه لفساده.

و الوصف، و هو كون هذا الأمر الواقعى متصف بالوجوب و هو عالم به و يقصده ندبيا، و إن كان منهيا عنه للتشريع فيه، لكن لا يسرى نهيه و قبحه إلى الموصوف فالموصوف يقع صحيحا.

الصورة الثانية: ما يكون نية الوجوب في مورد الندب أو بالعكس على وجه التقييد

بأن يقصد الأمر المتعلق بالمأمور به وجوبا بحيث يكون الموصوف مع وصفه شيئا واحدا في نظره بخلاف الصورة الاولى لأنّه في الصورة الاولى تعلق قصده بالموصوف، و هو الأمر المتعلق بالمأمور به الواقعى مستقلا، و تعلّق قصد منه بكون هذا الأمر

الواقعى وجوبيا.

و لكن في هذه الصورة تعلق القصد بمجموع القيد و المقيّد بحيث يكون تارة على وجه لا يتعلق قصده بالموصوف إلّا من باب اتصافه بصفة الوجوب، فلا يتعلّق قصده بامتثال المأمور به الفعلى: و لا الأمر الفعلى المتعلق به، بل القصد تعلق بما اعتقده من باب الجهل المركب، أو التشريع من الوجوب أو الندب، ففي هذه الصورة تبطل العبادة سواء كان قصده كذلك من باب جهل المركب و اعتقاده ما نواه، أو من باب التشريع.

لان ما تعلق به القصد لا يكون متعلقا بامتثال المأمور به الفعلى، و لا الأمر الفعلى المتوجه إلى المأمور به الفعلى، فتختل نيته فيبطل عمله خصوصا إذا كان بحيث لو لم تكن العبادة بالوصف الذي قصده لم يقصده أصلا، فالبطلان أوضح لعدم كونه قاصدا لامتثال ما تعلق به إرادة الآمر، و عدم صدور القصد إلى امتثال الأمر الواقعى منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 169

[مسئلة 28: لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الاقوى، و لا قصد الغاية التى امر لاجلها بالوضوء، و كذا لا يجب قصد الموجب من بول أو نوم كما مر.

نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال بمعنى أنّه لو قصدها يكون ممتثلا للامر الآتى من جهتها و إن لم يقصدها يكون أداء للمأمور به لا امتثالا، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحة و إن كان معتبرا في تحقق الامتثال.

نعم قد يكون الأداء موقوفا على الامتثال فحينئذ لا يحصل الأداء أيضا كما لو نذر أن يتوضأ لغاية معينة فتوضأ و لم يقصدها، فإنّه لا يكون ممتثلا للأمر النذرى، و لا يكون أداء للمأمور به

بالأمر النذرى أيضا و إن كان وضوئه صحيحا، لأنّ ادائه فرع قصده، نعم هو أداء للمأمور به بالامرى الوضوئي.

(1)

أقول: يقع الكلام في أمور:

الأمر الأوّل: في أنه هل يعتبر قصد رفع الحدث أو الاستباحة تعيينا،
اشارة

بمعنى اعتبار قصد كل من رفع الحدث و الاستباحة معينا كما حكي عن الكافى و الغنية و غيرهما.

أو يكتفى بنية أحدهما تخييرا كما حكي عن المبسوط و السرائر و التحرير و غيرها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 170

أو يجب قصد الاستباحة كما حكي عن السيد رحمه اللّه تعيينا.

أو يجب قصد رفع الحدث تعيينا كما حكي عن الشيخ رحمه اللّه في بعض كتبه.

أو لا يجب قصد أحدهما في النية لا تعيينا و لا تخييرا كما هو المنسوب إلى المشهور بين المتأخرين، ففي المسألة احتمالات بل أقوال.

استدل على القول بوجوب قصد كل منهما تعيينا.
امّا لوجوب قصد رفع الحدث تعيينا بأمور:
الأوّل: أنّه بعد كون تشريع الوضوء لرفع الحدث،

فلا بدّ في مقام اتيانه من قصد رفع الحدث حتى تصير الإرادة الفاعلية مطابقة مع الإرادة الآمريّة.

و فيه أنّ كون تشريع الوضوء لرفع الحدث لا يقتضي ايجاده بقصد رفع الحدث لعدم كون قصد رفع الحدث دخيلا في ماهية الوضوء، و لا دخيلا في عباديته و لو كان علة التشريع رفع الحدث، فليس قصد رفع الحدث دخيلا في امتثال الأمر المتعلق بالوضوء و اطاعته.

الثاني: انّه بعد كون الوضوء مشتركا بين ما هو رافع للحدث،

مثل الوضوء المحدث، و بين غيره كالوضوء التجديدى، فيجب تمييز كل منهما عن الاخر بالقصد.

و فيه أوّلا أن الوضوء الرافع للحدث ليس نوعا من الوضوء في قبال الوضوء الغير الرافع للحدث حتى يكونين قسمين و نوعين من الوضوء، فيحتاج تعيين كل منهما و تمييزه عن الآخر بالقصد في النية.

بل الوضوء نوع واحد، غاية الأمر إن صادف المحل القابل لرفع الحدث يصير رافعا كما في المحدث بالحدث الاصغر، و إلّا فلا.

و ثانيا على فرض كونهما حقيقتين و نوعين مختلفين فكما يمكن تعيينه بقصد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 171

كونه رافعا عن غير الرافع، كذلك يمكن تميزه بغير ذلك، مثلا ينوى الوضوء الواجب فيما يتوضأ لغاية واجبة في قبال الوضوء المستحب و هو الوضوء التجديدى، كما يمكن غيره بقصد الاستباحة، فلا يجب قصد رفع الحدث تعيينا كما هو المدعى، فلا يقتضي هذا الدليل وجوب قصد رفع الحدث تعيينا.

الثالث: بعض ما دلّ من النصوص على (إنّ لكل امرئ ما نوى)

و (إنّما الاعمال بالنيات) «1» بدعوى أن مفادهما أنّ الاثر المرغوب من العمل يتوقف على نيته فرفع الحدث و هو الاثر المرغوب على الوضوء يترتب بقصده.

و فيه أنّه كما بينّا في الأمر الثاني من الأمور المتعلقة بالنية أن هذه الأخبار تكون في مقام بيان الاخلاص في العمل و التوحيد في العبادة، كما يظهر من بعض رواياته و ليست مربوطة بالمقام.

و أمّا لوجوب قصد الاستباحة تعيينا
اشارة

فقد استدل عليه أو يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الوجه الاول و الثانى و الثالث:

الوجوه الثلاثة المتقدمة؛ بأن يقال بعد كون تشريع الوضوء لأجل استباحة الصلاة، فلا بد من قصده حتى يكون الإرادة الفاعلية مطابقة للارادة الآمريّة، هذا هو الوجه الأوّل.

و يقال بأن الوضوء بعد كون نوع منه يوجب استباحة الدخول في الصلاة و نوع منه لا يفيد ذلك مثل وضوء الحائض فلا بدّ من قصد استباحة الصلاة، هذا هو

______________________________

(1) و قد ذكرنا الروايات الواردة بالمضمونين المذكورين في الأمر الثاني من الأمور المتعلقة بالشرط الثانى عشر و هو النية فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 172

الوجه الثاني.

أو يقال بأنّ (انّما الاعمال بالنيات) أو (لكل امرئ ما نوى) فلا بدّ في حصول الاستباحة من نيّتها، هذا هو الوجه الثالث.

و قد عرفت جواب الوجوه الثلاثة مما بيّنا في جواب الوجوه الثلاثة المستدل بها على وجوب قصد رفع الحدث.

الوجه الرابع: قوله تعالى

إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ الخ «1».

وجه الاستدلال أنّه يستفاد من الآية أن وجوب الوضوء يكون لاجل الصلاة، و ليس كون وجوبه لأجلها إلّا لاجل استباحة دخول الصلاة به، فيستفاد كون استباحته للصلاة عنوانا للمأمور به و هو الوضوء، و هذا مثل أن يقول المولى: إذا لقيت العدوّ فخذ سلاحك، الظاهر في أن وجوب أخذ السلاح يكون لأجل لقاء العدوّ، فيصير عنوانا للمأمور به، و بعد كون استباحة الوضوء للصلاة عنوانا له، فيجب قصدها حين اتيانه.

و فيه أولا أن محل الكلام إن كان في اعتبار قصد الاستباحة للصلاة و عدمه لخصوص الوضوء للصلاة، فصح الاستدلال بالآية لانها على تقدير دلالتها كما توهم المستدل تدلّ على اعتبار ذلك في الوضوء الواقع للصلاة، لدلالتها على فرض المستدل على قصد استباحة الصلاة في خصوص الوضوء الذي يقع

للصلاة.

و أمّا اعتبار قصد الاستباحة مطلقا حتى فيما يتوضأ مثلا لقراءة القرآن استحبابا، أو لمس آياته وجوبا، فلا تدلّ الآية على اعتبار قصد استباحة القراءة أو مس آية القرآن في صحة الوضوء الواقع لاحدهما.

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 173

و ثانيا أن الآية لا تدلّ إلّا على وجوب الوضوء لا قامة الصلاة و مقتضاها هو اشتراط الصلاة به، و أمّا كون الاستباحة الحاصلة من الوضوء عنوانا للوضوء بحيث كان الواجب قصد هذا العنوان فلا يستفاد منها، بل الاستباحة أو رفع الحدث أمران مترتبان على الوضوء سواء قصدهما أو لم يقصد هما.

نعم فيما كان المأمور به امرا قصديّا الّذي لا يتحقق مصداقه في الخارج إلّا بالقصد يجب قصده كالقيام الواجب لاكرام شخص مثلا، فإن القيام لا يصير منطبق عنوان كونه إكراما إلّا بالقصد.

و رفع الحدث أو الاستباحة و إن كانا من الأمور القصدية الّتي كان الواجب قصده على تقدير تعلق الوجوب بهما، لكن كما قلنا لا دليل على اعتبار قصدهما في الوضوء و ان كانا يترتبان على الوضوء في بعض الموارد.

و استدل على وجوب قصد رفع الحدث أو الاستباحة، تخييرا،

بدعوى الملازمة بين رفع الحدث و بين الاستباحة، فيكتفى قصد أحدهما عن الآخر.

فيه أوّلا انّه لا ملازمة واقعا بين رفع الحدث و بين الاستباحة لإمكان حصول أحدهما مع عدم حصول الآخر، لإمكان حصول الاستباحة مع عدم حصول رفع الحدث في مثل وضوء المسلوس و المبطون و المستحاضة لأنّ فيها و إن كان يتحقق بالوضوء استباحة الصلاة لكن لا يرفع به الحدث.

كما يمكن عكسه بحصول رفع الحدث مع عدم حصول الاستباحة كما في وضوء الحائض بعد حصول النقاء لأنّ وضوء المرأة و غسلها بعد النقاء رافع للحدث الأكبر و

لا يستباح بالوضوء قبل الغسل الصلاة.

و ثانيا لو سلّمنا وجود الملازمة بينهما واقعا لكن الملازمة الواقعية لا تقتضى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 174

وجود الملازمة بينهما في مقام القصد حتى يكتفى بقصد أحدهما عن الآخر، لإمكان علم المكلف باشتراط الوضوء في الصلاة، و لا يعلم بكون الوضوء رافعا للحدث فيعلم بكونه مبيحا فيقصده، و لا يعلم بكونه رافعا فلا يقصده، فلا يكتفى بقصد أحدهما عن الآخر.

و ثالثا أن ما قيل من الاكتفاء بقصد أحدهما عن الآخر إن كان النظر إلى أنّه بعد وجوب قصد هما يكتفى بقصد أحدهما عن الآخر فنقول: بأنه بعد ما قلنا من عدم وجود دليل على اعتبار قصدهما في النية، فلا تصل النوبة بما قيل أصلا لأنّه لا يجب قصد هما، و مع عدم وجوب قصدهما لا يبقى مجال لأن نبحث في أنّه هل يجب ذلك تعيينا أو تخييرا.

و مما مر منا من عدم دليل على وجوب قصد كل منهما، و لا أحدهما تعيينا و لا على وجوب قصدهما تخييرا، يظهر لك أن الحق هو عدم وجوب قصدهما لا تعيينا و لا تخييرا، و لو شككنا فى وجوب قصدهما فمقتضى القاعدة البراءة.

بل يمكن التمسك على عدم وجوب قصدهما بالإطلاق المقامى، فلا تصل النوبة بالأصل العملى، لأنّه بعد عدم حكم العقل بوجوب قصدهما، و كون ذلك مغفولا عنه عند العامة، فلو كان واجبا عند الشارع كان عليه البيان و إلّا لأخلّ بغرضه، و حيث إنّ الاخلال بالغرض قبيح لا يصدر من الشارع، فمن عدم بيان وجوبه من الشارع نكشف عدم وجوبه، و هذا معنى الاطلاق المقامى.

الأمر الثاني: هل يجب قصد الغاية التي امر لأجلها بالوضوء أم لا؟
اشارة

اعلم انّه

ينبغى التكلم في الموردين.
اشارة

المورد الأوّل: في أنّه هل يجب قصد الغاية التى امر لأجلها بالوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 175

في الجملة سواء كان بقصد خصوص الغاية، أو بما يشير إليها أو لا؟

المورد الثاني: في أنّه بعد فرض وجوب قصدها فيه هل الواجب قصد الغاية بخصوصها، أو لا يجب ذلك، بل كما يكتفى بقصدها يكتفى بقصد ما يشير إليها فنقول بعونه تعالى:

أما الكلام في المورد الأوّل،

فتارة يقال باستحباب الوضوء و مطلوبيته بنفسه، و لو لم يقصد به أحد من الغايات الواجبة أو المستحبة حتى الكون على الطّهارة.

و بعبارة اخرى يقال: باستحباب نفس الغسلتين و المسحتين، فلا إشكال في صحته و لو لم يقصد به غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة.

و تارة يقال بعدم استحباب نفس الغسلتين و المسحتين إذا لم يقصد بهما غاية من الغايات، فلا إشكال في اعتبار قصد الغاية في الوضوء.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنه بعد عدم الدليل على استحباب الوضوء بنفسه إذا لم يقصد غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة مثل الكون على الطّهارة، بل يكون مستحبا في خصوص صورة وقوعه بداعى أحد غاياته و إن كانت الكون على الطّهارة، لا فيما لا يقصد فيه غاية من غاياته، فلا بد من قصد الغاية التى امر لأجل وجوبها أو استحبابها بالوضوء.

فما قال المؤلف رحمه اللّه من عدم اعتبار قصد الغاية في الوضوء يكون من باب ذهابه إلى استحبابه النفسى حتى فيما لم يقصد غاية من غاياته.

و الحق خلافه، و ما قلنا من وجوب قصد الغاية في نية الوضوء يكون من باب عدم استحباب الوضوء بنفسه كما عرفت، و أمّا في العبادات التى دل الدليل على وجوبه بنفسه و لو لم يقصد غاية كالصلاة، فلا يجب

قصد الغاية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 176

و أمّا الكلام في المورد الثاني

و هو أنّه بعد اعتبار قصد الغايه في الوضوء، هل يجب قصدها بخصوصها مثلا يقصد الوضوء لصلاة أو لحصول الطّهارة، أو يكفى و لو بقصد ما يشير إليها و غير منفك عنها، مثلا يقصد في الوضوء للصلاة الأمر الغيرى المتعلق بالوضوء من باب أن قصد الأمر الغيرى المترشح من الأمر بالصلاة لا ينفك عن قصد امتثال الأمر المتعلق بهذا الغير و هو الصلاة، فمن يقصد الوضوء المتعلق به الأمر الغيرى المترشح من الأمر بالصلاة فقصده غير منفك عن قصد الغاية و هي الصلاة، لا يبعد كفايته لأنّ بهذا القصد يشير إلى الغاية التى وجب الوضوء لاجلها أو صار مستحبا لأنّ قصد ما يشير إليها غير منفك عن قصدها.

الأمر الثالث: هل يجب قصد موجب الوضوء من البول و الغائط و النوم

و غيرها أو لا يجب ذلك.

أقول: قد مر في طى المسألة 4 من الفصل المنعقد لبعض الوضوءات المستحبة، عدم وجوب قصد موجب الوضوء لعدم دليل على اعتباره، لا عقلا لعدم حكم العقل به في مقام الاطاعة و لا شرعا لعدم ورود دليل عليه، بل مقتضى الاطلاق المقامى عدم وجوبه شرعا لأنّه مع عدم حكم العقل و كونه مما يغفل عنه العامة، فلو كان واجبا كان على الشارع البيان و إلّا لأخل بغرضه و هو قبيح لا يصدر من الحكيم، فمن عدم بيان اعتباره نكشف عدم اعتباره.

الأمر الرابع: [عدم اتصاف الوضوء بالصحة و الاداء]

بعد ما قال المؤلف رحمه اللّه بعدم وجوب قصد الغاية التي امر لاجلها بالوضوء، و قد بينا الكلام فيه في الأمر الثاني و أنّ الحق وجوب قصدها لعدم كون الوضوء بنفسه مستحبا.

و أن المؤلف رحمه اللّه يقول: بعدم وجوب قصد الغاية من باب ذهابه إلى استحبابه النفسى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 177

قال: (نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال بمعنى أنّه لو قصدها يكون ممتثلا للامر الآتى من جبهتها و إن لم يقصدها يكون اداء للمأمور به لا امتثالا الخ).

أقول: اعلم انّ سقوط الامر المتعلق بشي ء و إن كان بحسب مقام الثبوت، يحصل بأمور:

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 177

الأوّل: بالامتثال، و هو فيما يؤتى بالمأمور به بداعى التقرب و اطاعة أمر المولى سواء كان تعبّديا أو كان توصليّا، لأنّ التوصلىّ و إن لم يتوقف صحته على قصد التقرب لكن لو قصد به التقرب، يعدّ ممتثلا للأمر.

الثاني: باداء المأمور به و اتيانه و

لو لم يكن امتثالا للامر، مثل ما يكون الأمر توصليّا يؤتى بالمأمور به بدون قصد التقرب، مثلا امر بغسل الثوب فيغسل المكلف الثوب بدون قصد التقرب فيسقط أمره بادائه.

الثالث: بذهاب موضوع الأمر مثل ما امر بغسل ميت فاكله السبع فيسقط الأمر بالغسل، لكن لا بامتثاله و لا بادائه بل بذهاب موضوعه.

الرابع: بذهاب ملاكه كما في غسل الميت مثلا فاذا غسله بعض المكلفين يسقط الامر عن الآخرين، لكن لا بامتثال بامره و لا باداء المأمور به و لا بذهاب موضوعه بل بذهاب ملاكه.

فسقوط الامر و إن كان يتصور على الانحاء الأربعة، لكن نقول في المقام: بأنه بعد ما بيّنا فى الأمر الثاني من أنّه لا دليل على استحباب نفس الوضوء، أعنى:

الغسلتين و المسحتين، بل استحبا به أو وجوبه يكون فى ما يقصد به أحدا لغايات المستحبة أو الواجبة، فلو توضأ و لم يقصد احدا من الغايات فكما لا يكون امتثالا للامر لا يكون أداء لها أيضا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 178

فما قاله المؤلف رحمه اللّه من عدم اعتبار قصد الغاية في صحة الوضوء لا فى امتثال أمره غير تمام، لأنّه كما عرفت لو لم يقصد الغاية لا يكون امتثالا و لا صحيحا، و يكون بعين ما قاله رحمه اللّه بعد ذلك:

(نعم قد يكون الاداء موقوفا على الامتثال فحينئذ لا يحصل الاداء أيضا كما لو نذر أن يتوضأ لغاية معينة فتوضأ و لم يقصدها فإنّه لا يكون ممتثلا للأمر النذرى، و لا يكون اداء للمأمور به بالأمر النذرى أيضا).

و السر في عدم اتصاف الوضوء بالاداء و الصحة، كما لا يتصف بكونه امتثالا، في كل من الفرضين- أعنى: فرض الوضوء مع عدم قصد احد

غايات الوضوء، و فرض نذر الوضوء لغاية و اتيانه الوضوء بدون قصد الغاية المنذورة هو عدم قصد الغاية في كل من الفرضين مع فرض اعتبار قصدها.

و ما قال رحمه اللّه بعد ذلك من صحة الوضوء في فرض نذره لغاية معينة مع عدم قصد هذه الغاية أيضا غير تمام، لما قلنا من عدم دليل على استحباب الوضوء إذا لم يقصد به غاية من غاياته الواجبة أو المستحبة، فافهم.

***

[الثالث عشر الخلوص]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث عشر الخلوص، فلو ضمّ إليه الرياء بطل، سواء كانت القربة مستقلة و الرياء تبعا، أو بالعكس، أو كان كلاهما مستقلّا، و سواء كان الرياء في أصل العمل أو في كيفياته، أو في أجزائه.

بل و لو كان جزءا مستحبا على الأقوى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 179

و سواء نوى الرياء من أوّل العمل، أو نوى في الأثناء.

و سواء تاب منه أم لا، فالرياء في العمل بأىّ وجه كان مبطل له لقوله تعالى على ما في الأخبار (أنا خير شريك، من عمل لى و لغيرى تركته لغيرى) هذا و لكن إبطاله إنّما هو إذا كان جزءا من الداعى على العمل و لو على وجه التبعية.

و أمّا إذا لم يكن كذلك، بل كان مجرد خطور فى القلب من دون أن يكون جزءا من الداعى فلا يكون مبطلا.

و إذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب منها و من الرياء فالعمل باطل لعدم إحراز الخلوص الّذي هو الشرط في الصحة.

و أمّا العجب فالمتأخر منه لا يبطل العمل، و كذا المقارن و إن كان الأحوط فيه الاعادة.

و أمّا السمعة فإن كانت داعية على العمل، أو كانت جزءا من الداعى بطل و إلّا فلا كما

في الرياء.

فإذا كان الداعى له على العمل هو القربة إلّا أنّه يفرح إذا اطلع عليه الناس من غير أن يكون داخلا في قصده لا يكون باطلا.

لكن ينبغى للانسان أن يكون ملتفتا فإن الشيطان غرور و عدو مبين.

و أمّا سائر الضمائم فإن كانت راجحة كما إذا كان قصده في الوضوء القربة و تعليم الغير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 180

فإن كان داعى القربة مستقلا و الضميمة تبعا، أو كانا مستقلين صحّ.

و إن كانت القربة تبعا، أو كان الداعى هو المجموع منهما بطل.

و إن كانت مباحة فالأقوى أنّها أيضا كذلك كضم التبرد إلى القربة.

لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضا الاعادة.

و إن كانت محرّمة غير الرياء و السمعة فهى في الابطال مثل الرياء لأنّ الفعل يصير محرما فيكون باطلا، نعم الفرق بينها و بين الرياء أنّه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلّا القربة لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختص البطلان بذلك الجزء، فلو عدل عن قصده و أعاده من دون فوات الموالاة صحّ.

و كذا لو كان ذلك الجزء مستحبا و إن لم يتداركه بخلاف الرياء على ما عرفت فإنّ حاله حال الحدث في الابطال.

(1)

أقول: الكلام في المسألة يكون في اشتراط الخلوص في العبادة و بطلان العبادة بالرياء و العجب و السمعة و عدمه، فالكلام يقع في مطالب:

المطلب الأوّل: في وجوب الاخلاص في العبادة و عدمه،
اشارة

و

قبل الورود في المطلب نذكر بعض الآيات المربوطة و بعض الأخبار تيمنا
اشارة

يفيدك إنشاء اللّه في المباحث المربوطة بالمطالب التي نتعرض في طى الشرط الثالث عشر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 181

أمّا الآيات فعلى قسمين:

قسم منها يدلّ على وجوب الاخلاص في العبادة.

مثل قوله تعالى قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّٰهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ «1».

و مثل قوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «2» و غير ذلك.

و قسم منها ما يدلّ على ذم الرياء.

مثل قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ النّٰاسِ الخ «3».

و مثل قوله تعالى «4» فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرٰاؤُنَ وَ يَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ.

و الانصاف دلالة الآتين الاولتين على اعتبار الخلوص في العبادة، فكلما كان من العبادة غير واجد له، فهو على غير وجه ما أمر اللّه به.

و امّا الآية الثالثة فما يأتي بالنظر- و إن لم أر بعد من يستدلّ بها على بطلان العبادة إذا كانت رياء- لكن دلالتها ظاهرة في بطلان العمل الريائى، لأنّ الآية و إن كانت في خصوص الانفاق، لكن لا فرق بينه و بين ساير العبادات.

و أما الآية الرابعة فلا تعرض فيها لبطلان العبادة الريائية.

______________________________

(1) سورة الزمر، الآية 11.

(2) سورة البيّنة، الآية 5.

(3) سورة البقرة، الآية 264.

(4) سورة الماعون، الآية 4- 5- 6- 7.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 182

و أمّا الأخبار نذكر بعضها تيمّنا.
الرواية الاولى: ما رواها مسعدة بن زياد

عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم سئل فيما النجاة غدا، فقال: إنّما النجاة في أن لا تخادع اللّه فيخدعكم فإنّه من يخادع اللّه يخدعه و يخلع منه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر، قيل له: فكيف يخادع اللّه؟ قال: يعمل بما أمره اللّه ثم يريد به غيره، فاتقوا اللّه في الرياء فإنّه الشرك باللّه إنّ المرائى يدعى يوم القيامة بأربعة

أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم، فالتمس اجرك ممن كنت تعمل له «1».

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن على الحلبى

عن زرارة و حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا «2».

الرواية الثالثة: ما رواها جراح المدائنيّ

عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا) قال: الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنّما يطلب تزكية النفس يشتهى أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه، ثم قال: ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيام ابدا حتى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يسر شرا فذهبت الايام حتى يظهر اللّه له شرا «3».

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن عرفة

قال: قال لى الرضا عليه السلام: ويحك يا ابن

______________________________

(1) الرواية 16 من الباب 11 من مقدمات العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 11 من مقدمات العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 12 من مقدمات العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 183

عرفة، اعملوا لغير رياء و لا سمعة، فإنّه من عمل لغير اللّه و كلّه اللّه إلى ما عمل، ويحك ما عمل احد عملا الّا رداه اللّه به، ان خيرا فخيرا و ان شرّا فشرا «1».

الرواية الخامسة: ما رواه على بن سويد

عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن العجب الّذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنّه يحسن صنعا، و منها أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللّه عز و جلّ و للّه عليه فيه المنّ «2».

الرواية السادسة: ما رواها سعد بن طريف

عن أبي جعفر عليه السلام قال فى حديث: ثلاث موبقات؛ شح مطاع، و هوى متبع، و إعجاب المرء بنفسه «3».

و غير ذلك راجع الأبواب المعدّة لذلك في أبواب مقدمات العبادات من الوسائل و في غير الوسائل من كتب الاخبار في الأبواب المعدّة له.

اذا عرفت ما ذكرنا من الآيات و الروايات نقول بعونه تعالى:

أما الكلام في المطلب الأوّل و هو وجوب الاخلاص في العبادة، فيدل عليه حكم العقل بوجوب إتيان العبادة بقصد العبودية، و لا تحصل العبودية إلّا بكون العمل العبادى محضا للّه تعالى لا يريد به غيره و لا يشرك فيه أحدا.

و حكم الشرع كما ظهر من الآيات الشريفة المتقدمة و من بعض الأخبار، فلا حاجة إلى إطناب الكلام في هذا المطلب أزيد من ذلك.

أما الكلام في المطلب الثاني
اشارة

و هو أنّه هل يبطل العمل العبادى بالرياء أم لا؟

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 23 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(3) الرواية 13 من الباب 23 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 184

فيقع في امور:

الأمر الأوّل: [حكم صور تصور العبادة فى العبادة]
اشارة

اعلم أن الرياء تارة يكون في نفس العبادة بأن يقصد بوضوئه الرياء مثلا.

و تارة يقع في جزء العبادة، مثل أن يقصد بغسل وجهه في الوضوء الرياء.

و فى كل منهما تارة يكون الداعى الرياء فقط، فلا يأتي بالعبادة للتقرب إلى اللّه بل يأتي به لمحض الرياء، و تارة يكون الرياء منضمة إلى قصد القربة و له فروض، لأنّه.

إمّا يكون باستقلال القربة و تبعية الرياء، بمعنى أن داعى القربة يكون بحيث لو كان منفردا كان باعثا إلى العمل، و الرياء كان بحيث لو كان منفردا لم يكن باعثا للعمل و لكن العمل فعلا صادر عنهما معا، غاية الأمر يكون الداعى على القربة استقلالا و على الرياء تبعا.

و إمّا يكون بعكس ذلك بأن يكون الداعى على الرياء استقلالا و على القربة تبعا.

و أمّا أن يكون الباعث إلى الفعل كلا منهما بحيث لا يكفى كل منهما وحده لداعويته للعمل، بل المجموع منهما صارد اعيا إلى العمل، فيكون كل منها جزء الداعى للعمل.

و إمّا أن يكون الداعى إلى الفعل كلا منهما مستقلا بحيث لو انفردا يكون كل منهما علة تامة لصدور العمل و كافيا للبعث نحوه، لكن حيث يستحيل ورود العلتين المستقلتين على المعلول الواحد صار كل منهما جزء العلة، و العمل مستندا إلى مجموعهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 185

إذا عرفت هذه

الصور نقول:

الصورة الاولى: ما كان الداعى الرياء في نفس العمل
اشارة

و يكون الداعى محضا للرياء و لا يقصد القربة حتى تبعا، ففي هذه الصورة لا إشكال في بطلان العبادة لأمور:

الأوّل: الاجماع المستفيض،

بل لم يذكر الخلاف إلّا عن السيد رحمه اللّه و هو لا يضر بالاجماع لأنّه إن كان الاجماع حجة لما يقوله المتأخرون، و هو الحدس بقول الامام عليه السلام عن قول المجمعين، فهذا الحدس موجود و إن كان السيد رحمه اللّه على خلاف المجمعين.

و إن كان وجه حجية الاجماع ما قال سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي قدس سرّهم و هو كون اتفاقهم كاشفا عن وجود نص معتبر عندهم، و بهذا الاعتبار كانت الشهرة من القدماء حجة عنده، فيكشف الاتفاق عن وجود النص، و لا يضرّ مخالفة السيد قدس سرّهم.

الثاني: بعد ما يحكم العقل و دل الدليل من الشرع كتابا و سنة

و قد بيّنا بعضه على وجوب الاخلاص في العبادة، و معنى الاخلاص هو كون العمل العبادى بداعيه و قصده ممحّضا للّه تعالى، فاذا أدخل فيه الإراءة على الغير يخرج العمل عن الخلوص المعتبر فيه، فيبطل العمل لعدم وجود ما يعتبر فيه.

الثالث: الذّم الوارد في القرآن الكريم على الرياء،

و ما في الأخبار من بيانات مختلفة المستفادة منها حرمة العمل الريائى، تلونا عليك بعض الآيات و الأخبار، مثل قوله تعالى لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ النّٰاسِ.

فهو صريح فى بطلان الصدقة التى فيه المن و الاذى كالذى ينفق ماله رئاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 186

الناس و أنّ عمله باطل.

و على كل حال يظهر للمراجع فى ما ورد من الآيات و الروايات فى باب الرياء حرمته، و فساد العبادة بسببه، و يكفى فى بطلان العبادة فى هذه الصورة مجرد النهى المتعلق بالرياء، لأنّه على هذا يكون النهى متعلقا بالعبادة.

و بعد كون النهي متعلقا بالعبادة تكون العبادة فاسدة، لأنّ النهي عن العبادة يقتضي الفساد، فيبطل العمل العبادي إذا كان رياء.

فما حكي عن السيد رحمه اللّه من أن الرياء حرام و لكن لا يبطل به العبادة لا وجه له، أما ما يمكن أن يكون وجها لقول السيد رحمه اللّه:

الأوّل: أن الرياء ايراء الغير و دخله في قصده في العمل، فلا يسرى إلى نفس العمل.

و فيه أن ظاهر الأخبار هو حرمة نفس العمل، و إيعاد النار عليه و كونه في سجين.

الثاني: أنّه على فرض كون المنهى نفس العمل، فيكون من صغريات اجتماع الأمر و النهي لأنّه المأمور به من باب كونه عبادة، و منهى عنه من باب كونه رياء.

و فيه أولا لا يكون فيما يكون قصده من عمله

الرياء فقط العمل مأمورا به أصلا لأنّه إذا قصد التقرب يكون مأمورا به و الحال أنّه لا يقصد إلا الرياء فقط.

و ثانيا: بعد ما بينا في الأصول و الفقه مكررا من أنّه على القول بجواز اجتماع الأمر و النهي تبطل العبادة لعدم كونها مقرّبا فيبطل العبادة الريائى لعدم كونه مقرّبا للّه تعالى لعدم قابليته لان يتقرب بها مع قصد الرياء.

الثالث: أن ما يدلّ عليه الأخبار الواردة في الرياء هو عدم قبول العبادة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 187

المنضمّة إليها الرياء، و عدم القبول لا ينافى الصحة و الاجزاء، لأنّه ربّما تكون عبادة مجزية أعنى: مسقطة للاعادة و القضاء، و مع ذلك لا يكون مورد القبول كما يستفاد من قوله تعالى إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ فلا إشكال في أنّه لا يتقبل عمل بلا تقوى مع كونه صحيحا مجزيا مسقطا للاعادة و القضاء.

أو ما ورد في عدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين صباحا مع كون صلاته مجزية.

و فيه أن ظاهر الآية الشريفة، و الرواية، بل نصّهما هو عدم قبول العبادة، و هذا لا ينافى مع كون الظهور العرفى للأخبار الواردة في الرياء على بطلان العمل.

لأنّه إن كان اللفظ الوارد في اخبار الرياء القبول كان لهذا الدعوى مجال لكن ليس كذلك.

فدلالة الأخبار بظاهرها على بطلان العمل مما لا ينبغى الاشكال فيه.

هذا مضافا إلى ما بقى من الوجوه التي ذكرناها دليلا على بطلان العبادة الريائى.

الصورة الثانية: ما يكون الداعى على الرياء تبعا و الداعى على القربة استقلاليا

ففي هذه الصورة نقول:

إن كان الدليل الاجماع فربّما يقال بعدم تحققه في هذه الصورة.

و أمّا إن كان الدليل منافاة الرياء مع الاخلاص فيشمل المورد لأنّ الداعى الى الرياء و إن كان تبعيا لكن يكون جزء قصده في عمله، فلا

يكون العمل ممحضا للّه فيكون فاقدا للاخلاص، فيبطل العمل لفقد شرطه.

و أمّا إن كان الدليل الآيات و الأخبار، فالمستفاد منها ترتب الآثار المذمومة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 188

على العمل الذي اشرك فيه غير اللّه، و في هذه الصورة اشترك غير اللّه تعالى، بل الظاهر المتيقن من الأخبار صورة كون الداعى على العبادة الاخلاص و الرياء كليهما لا الصورة الاولى، و هى صورة اتيان العبادة بداعى الرياء فقط، فتلخص بطلان العمل في هذه الصورة.

[الصورة الثالثة]

و إذا أوضحنا لك بطلان العبادة في هذه الصورة، أعنى: الصورة الثانية، يظهر لك أن البطلان في باقى الصور أوضح و هو الصورة الثالثة، و هي ما كان داعى الرياء استقلاليّا و داعى القربة تبعيّا.

[الصورة الرابعة]

و كذا الصورة الرابعة و هي ما كان كل منها جزء الداعى بحيث لا يكون كل منهما منفردا قابلا للداعوية عند الفاعل.

[الصورة الخامسة]

و كذا الصورة الخامسة و هي ما كان كل منهما قابلا للداعوية مستقلا غاية الأمر صار كل واحد جزء الداعى لاجل استحاله ورود العلتين المستقلتين على المعلول الواحد.

لأنّه فيما كان داعى الرياء تبعيا إذا قلنا بشمول الدليل الدال على بطلان العبادة له و هو الصورة الثانية، ففيما كان داعى الرياء مستقلا و داعى القربة تبعيا، أو كانا جزئى الداعى كل واحد في عرض الآخر من حيث الاستقلال، و كذا فيما كان كل واحد منهما جزء الداعى لا بنحو الاستقلال، ففساد العبادة أوضح.

الصورة السادسة:

ما كان الرياء في جزء العمل و له فرضان:

الأوّل: أن يكون الرياء في الجزء الواجب.

و الثاني: أن يكون في الجزء المستحب.

أما فيما كان في الجزء الواجب فنقول: إن الكلام تارة يكون فيما يكتفى بالجزء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 189

الآتى به رياء، مثل ما غسل يده في الوضوء رياء و لم يعده بداعي القربة بعد ذلك، و أتى بباقى اعضاء وضوئه حتى جفّ مواضع وضوئه ففي هذا الفرض لا ينبغى الاشكال في بطلان وضوئه و فساده، لأنّه أتى بجزء الوضوء رياء و الحال أنّه يفسد الجزء مسلّما لو لم نقل بكونه مبطلا لكل المركب، و لم يعد الجزء صحيحا و بفساد الجزء و عدم إعادته فسد الكل لفواته بفوات الجزء بعد فوت الموالاة و عدم قابلية إعادة الجزء، فالوضوء صار فاسدا، فلا بدّ من إعادته إن كان الجزء واجبا.

و تارة لا يكتفى به، مثلا غسل يده في الوضوء رياء، ثم يريد إعادة غسل اليد و إتمام الوضوء، فهل يصح وضوئه مع إعادة الجزء الماتي به رياء، أو يبطل الوضوء بمجرد إتيان الجزء رياء.

أقول: و قبل الشروع في بيان ما

هو الحق في المقام ينبغى التوجه إلى شي ء، و هو أنّ الكلام في بطلان العمل المركب بالرياء في جزئه و عدمه يكون في أن نفس الرياء هل يوجب البطلان بحيث لو لم تكن خصوصية اخرى في البين موجبة لبطلان العبادة يوجب الرياء البطلان أم لا؟

فبناء عليه إذا كان اتيان الجزء رياء موجبا للزيادة في الصلاة لو تدارك الجزء فتبطل الصلاة للزيادة العمدية، مثلا لو أتى بسجدة واحدة رياء فلو اكتفى بهذه السجدة تبطل الصلاة للزيادة و النقيصة العمدية، الزيادة لما اتى بالسجدة رياء و النقيصة لعدم الاتيان بالسجدة الواجبة، و لو أتى بها ثانيا تبطل الصلاة للزيادة العمدية لكون السجدة الاولى زائدة، فهو خارج عن محل الكلام.

كما أنّه ربّما يبطل العمل لاعتبار الهيئة الاتصالية فيه يوجب إتيان الجزء رياء لقطع هذه الهيئة الاتصالية كما في الصلاة بناء على أن التعبير بالقاطع بالنسبة إلى بعض المنافيات يدلّ على اعتبار هيئة اتصالية يوجب فعل النافي قطعها، و هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 190

خارج عن محل الكلام.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أن الرياء في الجزء الواجب يوجب بطلان الكل بحيث لو أتى بالجزء ثانيا بقصد القربة مع ساير الأجزاء لا يصح الكل أم لا (و هذا بعد مفروغية بطلان نفس الجزء الواقع رياء) مثلا لو غسل في الوضوء يده اليمنى رياء يبطل هذا الجزء و لا يكتفى به، فهل يبطل بسببه الوضوء أيضا و لو اعاد غسل اليد اليمنى أو لا يبطل الوضوء؟

فلو اعاد الجزء الّذي اتى به رياء على الترتيب المعهود مع ساير أجزاء الوضوء قبل فوات الموالات صح وضوئه أولا؟

وجه عدم البطلان أن الجزء الواقع رياء يفسد للرياء، و لكن

فساد الجزء لا يوجب فساد المركب، بل لو أتى بالجزء على الوجه القربى مع ساير الاجزاء يقع المركب صحيحا إذا المركب لا يحتاج إلّا إلى الجزء بالنحو المعهود و هو أتى به، و وقوع الرياء في الجزء لا يوجب إلّا عدم قابلية الجزء لأن يصير جزء للمركب، فالمركب محتاج إلى الجزء و هو باعادة الجزء أتى بالجزء المحتاج إليه المركب، فيقع المركب صحيحا لايجاده مع ما هو معتبر فيه.

وجه بطلان المركب ببطلان الجزء الواقع رياء هو أنّ المركب بأجزائه و شرائطه يعدّ فعلا فاردا و عملا واحدا، فالوضوء و إن كان مركب عن الغسلتين و المستحيين، و كل من أجزائه شي ء بحيال الآخر، و لكن مع هذا يعدّ الوضوء عملا واحدا عند العرف.

و مقتضى بعض الآيات و الروايات الواردة في الرياء هو فساد العمل إذا ادخل فيه رضى الغير، فمن أتى جزء من العمل رياء فقد أدخل في عمله رضى الغير فعلى هذا يكون الرياء في الجزء كالرياء في الكل و نفس العمل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 191

نعم بناء على عدم دلالة الروايات الواردة في الرياء على بطلان العمل و إن كان يدل على حرمته يشكل الحكم بفساد الكل بفساد الجزء بسبب الرياء، و لكن قد عرفت دلالتها على الفساد.

و أمّا إذا كان الجزء مستحبا فحكمه حكم الجزء الواجب.

فإن قلنا بأن المستفاد من الأخبار الواردة في الباب هو فساد العمل الذي أدخل فيه الرياء فاذا أتى بالجزء المستحب في العمل المركب من الأجزاء رياء يصدق عرفا أنّه أدخل في عمله رضى غيره و إن لم يكن الجزء المستحب حقيقة جزء ماهية المركب، بل المركب العبادى ظرف له لأنّه يعدّ المركب باجزائه

الواجبة و المستحبة عملا واحدا عرفا، و قد عرفت أن المستفاد منها الفساد كالحرمة.

ثم إنّ حكم الرياء في الجزء بناء على القول بفساد الجزء العبادي بسببه من حيث الاقسام المذكورة في حكم الرياء في نفس العمل من حيث استقلالية قصد الرياء، و تبعيته، و كونه جزء الداعى في قبال داعى القربة، و كونه مستقلا في قبال استقلال داعى القربة، فيكون كل منهما جزء العلة، يكون حكم الرياء في نفس العمل فكما قلنا بفساد العمل بأقسامه كذلك نقول بفساد الجزء بأقسام اختلاف الداعى.

و في كل مورد يكون الجزء محكوما بالفساد من جهة الرياء يأتي النزاع في أن فساد الجزء يوجب فساد الكل أم لا، و قد بينا الكلام فيه.

الصورة السابعة: أن يكون الرياء في كيفية العبادة

و هو يتصور على نحوين لأنّ هذه الكيفية تارة تكون متحدة مع العبادة في الخارج مثل الصلاة في المسجد، أو في اوّل الوقت فهو يرائى في ايقاع الصلاة في المسجد أو في اوّل الوقت.

و تارة لا تكون الكيفية متحدة مع العبادة في الخارج، بل يكون من المقارنات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 192

الاتفاقية لها، مثل ما إذا صلى أحد و ينظر حال الصلاة إلى صبى لإراءته بأنه مواظب للصبى، أو ينظر حال الصلاة إلى متاع صديقه لإراءته بأنّه مواظب لمتاعه.

أما النحو الأوّل فتارة تكون الكيفية متعلقة للأمر، و تارة لا يكون متعلقة للامر، مثل أن يصلى في دار زيد للرياء، فكان ريائه في إيقاع صلاته في دار زيد و الصلاة في دار زيد لا تكون متعلقه للامر.

و في الفرض الأوّل تارة يكون الأمر، المتعلق بالكيفية تعبديّا مثل الأمر بالصلاة في المسجد، و يقصد الرياء بايقاع صلاته فى المسجد.

و تارة يكون توصليّا، مثل أن

يقصد الرياء بالستر في الصلاة الذي يكون الأمر المتعلق بالستر توصليّا.

فنقول: أمّا فيما كانت الكيفية متعلقة للامر التعبدى فلا إشكال في فساد العبادة لأنّ بعد حرمة الكيفية من باب وقوعها رياء و هي متحدة مع الصلاة فتصير العبادة باطلة و إن قيل بجواز اجتماع الأمر و النهى، لعدم كون هذا الفعل قابلا لأن يتقرب به.

مضافا بأنه يصدق انّه أدخل في عمله رضى الغير المستفاد من أخبار الرياء بطلانه.

و أمّا إذا كانت الكيفية مأمورا بها بالأمر التوصلى ففي بطلان العبادة بالكيفية الريائية إشكال.

وجه الاشكال هو أن غاية ما يستفاد من الآيات أو الاخبار هو كون الرياء مفسدا للعبادة، و أمّا إذا لم يكن الفعل عبادة و إن كان المأمور به بالامر التوصلى فلا يكون مفسدا، بل لا دليل على حرمته، فإذا لم تكن الكيفية محرمة و فاسدة فلا وجه لبطلان العبادة المتكيفة بالكيفية الخاصة رياء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 193

أقول: بعد دلالة بعض الأخبار الواردة في الرياء بحرمة عمل ادخل فيه رضى الغير أعنى: الرياء و بطلان العمل، فالعمل و إن كان واجبا بالوجوب التوصلى، بل و لو لم يكن بواجب أصلا و لكن يصدق عرفا انه ادخل فى العمل الواقع فيه كيفية ريائية انه ادخل الغير فى عمله فيكون حراما و مبطلا.

و من هنا يعرف الاشكال في بطلان العبادة إذا قصد الرياء بالكيفية المتحدة مع العبادة و لا تكون هذه الكيفية متعلقة الأمر لا للامر التعبدى و لا التوصلى، بل الاشكال فيه أوضح من الصورة السابقة لأنّ في السابقة كانت الكيفية متعلقة للامر و ان كان أمره توصليا و فى هذه الصورة ليست متعلقة الأمر اصلا لا التعبدى و لا التوصلى،

فلا وجه لبطلان العبادة أصلا، مثلا أتى بالصلاة في دار زيد و قصد من إيقاعها في داره الرياء لأنّه لا دليل على حرمته رأسا و إن كان هذا القصد مذموما اخلاقا لوجود صفة فيه يطلب المنزلة عند قلوب الناس باراءة أعمال الخير، لأنّ بعض الآيات الواردة و كذلك الأخبار لا إطلاق لها يشمل هذا المورد.

نعم لو قلنا بإطلاق الأدلّة حتى لما لا يكون العمل عباديّا و كون ايجاد الكيفية رياء حرام تبطل العبادة المكيفة بها لاتحادها معها، و مع الاتحاد تبطل العبادة حتى على القول بجواز اجتماع الأمر و النهى لعدم كون العبادة مقربة مع اتحادها مع الحرام.

أقول: و لكن قلنا في الصورة السابقة يكفى في بطلان العبادة وقوع كيفية و لو لم تكن واجبة رياء مع اتحادها مع العمل لأنّه يصدق عرفا أنّه ادخل رضى الغير في عمله لوقوع العمل بالكليفية المتحدة معه رياء فيكون العمل حراما و باطلا.

و أمّا النحو الثاني و هو أن لا تكون الكيفية الواقعة معها العبادة متحدة مع العبادة بل كانت من المقارنات لها مثل الرياء حال الصلاة في النظر إلى متاع الغير فهو يرائى في ذلك بأن ينظر حال الصلاة إلى متاع صديقه للا لإراءته بأنه في مقام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 194

حفظ المتاع، فلا إشكال في عدم فساد العبادة بهذا النحو من الكيفية، لأنّه أوّلا لا يكون هذا الرياء حراما لعدم دليل عليه، و ثانيا على فرض حرمته لا توجب حرمته فساد العبادة المقارنة لها لعدم اتحاد العبادة مع هذه الكيفية.

الأمر الثاني: الرياء تارة يكون من اوّل العمل

، مثل أن يقصد من اوّل الصلاة الرياء، و تارة يكون في أثناء العمل، مثل أن يصلى ركعة من صلاته قربة

إلى اللّه تعالى ثم يبدو له ان يأتي باقى الافعال منها رياء فهل البطلان مختص بالفرض الأوّل أو يعمّ الفرض الأوّل و الثاني؟

أما في الفرض الأوّل فلا إشكال في بطلان العبادة لان هذا مورد المتيقن من الأدلّة.

و أمّا في الفرض الثاني فتارة يكون الكلام فيما يقصد الرياء فى الاثناء بما بقى من العبادة و يكتفى بما أتى رياء مثل ان يأتي ما بقى من الركعات رياء و يكتفى به بدون أن يعيد ما وقع رياء من الأفعال و الأجزاء، فلا إشكال في بطلان العبادة لفقد الاخلاص المعتبر في بعض العبادة و لشمول النصوص له.

و تارة لا يكتفى به بل يعيد ما أتى من الأجزاء رياء، فحكمه حكم الرياء في جزء العبادة، و قد مرّ الكلام فيه في الصورة السادسة من الأمر الأوّل.

الأمر الثالث: هل يكون فرق فى الرياء المبطل بين ما لم يتب عن فعله المحرم،

أعنى: ريائه فيكون مبطلا، و بين ما تاب بعد الرياء فلا يبطل العمل، أو لا فرق بينهما في البطلان؟

أقول: اعلم أن ما يكون أثر التوبة هو غفران الذنب و محوه، و لا يصحّ بالتوبة العمل الباطل، فبعد بطلان العبادة بالرياء على التفصيل الذي عرفت في المسائل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 195

السابقة سواء تاب أم لم يتب لا ينقلب الفعل عما هو عليه من البطلان و لا يصحّ بالتوبة، بل يغفر ذنب المرائى بسبب التوبة الواقعة بشرائطها.

الأمر الرابع: قد عرفت بطلان العبادة إذا كان يقصد بها الرياء

و دخل الرياء في الداعى على العمل على أىّ وجه كان، من كون الرياء تمام الداعى، أو جزء الداعى، و كونه جزء الداعى سواء كان الداعى على الرياء استقلاليّا و القربة تبعيّا، أو بالعكس، أو كان كل منها جزء الداعى إمّا من باب عدم كون كل من الرياء و القربة كاف للداعوية على العمل، و لكن كل منهما يكون كافيا لذلك، أو من باب كفاية كل منهما للداعوية المستقلة، لكن صارا جزئى الداعى من باب استحالة ورود العلّتين المستقلّتين على المعلول الواحد.

إنّما الكلام فيما لم يكن هو الداعى و لا جزء الداعى، بل كان مجرد خطور في القلب فهل يوجب بطلان العمل أيضا أم لا؟

وجه البطلان توهم دلالة بعض الأخبار عليه.

منها الرواية الثانية من الروايات التي قد منا ذكرها و فيها قال عليه السلام (أو أدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا). «1»

بدعوى أن مجرد حديث النفس و الخطور في القلب يوجب تاكد الداعى إلى الفعل، فيصدق بذلك انّه أدخل في عمله رضى غيره.

و فيه أنّه من الواضح أن خطور القلب غير الإرادة و القصد، بل ربّما لا يكون الحبّ على الفعل مع

خطوره في القلب فلا يصدق بمجرد خطوره فى القلب انّه أدخل رضى الغير في عمله.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 196

و منها الرواية التي رواها السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ثلاث علامات للمرائي ينشطه إذا رأى الناس، و يكسل إذا كان وحده، و يحب أن يحمد في جميع اموره «1».

بدعوى دلالتها على أن مجرد النشاط لما يراه الناس و الكسالة إذا كان وحده و حبه لان يحمد الذي جعلها من علامات المرائى، هو من فعل القلب و الحالات العارضة له بدون القصد و الداعى إلى الفعل، فيكفى مجرد خطور القلب لتحقق موضوع الرياء و بطلان العبادة بسببه.

و فيه أن الرواية تدلّ على أن علامة المرائى هذه الأمور، و أمّا متى يكون المرائى مرائيا فلا تدلّ عليه.

بل يمكن أن يقال أن المستفاد من الرواية هو كون الرياء العمل بداعى الإراءة لأنّ المرائى ينشط بأن يراه الناس فرياؤه يكون بداعى إراءتهم لأنّ المقصود الغائى إذا كان ارائة الناس فيقصد من عمله ارائة الناس كى يصل بغرضه.

و على كل حال لا دلالة للروايتين على كون مجرد خطور القلب رياء حتى يكون مفسدا للعمل.

بل المستفاد من بعض الروايات أن حب ظهور عمله الخير و سروره بذلك إذا لم يكن فعله الخير بداعى هذا الظهور لا يكون حراما.

كما في رواية زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد الّا و هو يحب أن يظهر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب مقدمة العبادات

من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 197

له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك «1».

الأمر الخامس: إذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب

منها و من الرياء فالعمل باطل، لأنّه بعد ما يكون شرط صحة العبادة الخلوص فيكون الشك من الشك في الامتثال بعد اليقين بالاشتغال، فمقتضى الاشتغال اليقينى تحصيل البراءة اليقينة.

هذا تمام الكلام في الرياء و الحمد للّه و الصلاة و السلام على محمد و آله.

المطلب الثالث في العجب،
اشارة

و الكلام فيه يقع في مقامات:

الأوّل: في حقيقته و ماهيته.

الثاني: في أنّه حرام أم لا.

الثالث: انّه على تقدير حرمته يفسد العبادة أم لا.

امّا الكلام في المقام الأوّل [فى حقيقة العجب]

فنقول بعونه تعالى:

قال في مجمع البحرين «2» بعد ذكر حديث يذكر فيه العجب (قال بعض الشارحين: لا ريب أن من عمل أعمالا صالحة من صيام الأيام و قيام الليالى و نحو ذلك يحصل له ابتهاج، فإن كان من حيث كونها عطية من اللّه تعالى و نعمة منه عليه و كان مع ذلك خائفا من نقصها مشفقا من زوالها طالبا من اللّه الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج عجبا.

و إن كان من حيث كونها صفته و مضافة إليه فاستعظمها و ركن إليها و راى نفسه خارجا عن حد التقصير بها و صار كأنّه يمنّ على اللّه تعالى بسببها فذلك هو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) مجمع البحرين، ص 122.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 198

العجب المهلك الخ).

و حكى في مصباح «1» الفقيه أن العجب على ما ذكره بعض علماء الأخلاق إعظام النعمة و الركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم.

و حكي عن بعضهم انّه إعظام النعمة و الركون إليها مع اضافتها إلى المنعم.

أقول: ما يمكن استفادته من بعض روايات الباب في معنى العجب هو أن العجب إعظام النعمة و الركون إليها و التجاوز في عبادته حد التقصير الذي لا بدّ للعبد من الاعتراف به (لأنّه كلما بلغ في مقام العبادة فمع ذلك قاصر عن الحد اللازم في العبادة) و أمّا دخل نسيان إضافة النعمة إلى المنعم، أو اعتبار اضافتها إلى المنعم فلا يستفاد من اخبار الباب بمعنى عدم تعرض في الأخبار لحيث نسيانه

إضافة النعمة أو تذكره إضافة النعمة إلى المنعم.

بل يحصل العجب بمجرد إعظام النعمة و الركون إليها و تجاوزه عن حد التقصير الذي يكون العبد واقع فيه و إن بلغ في العبادة ما بلغ راجع أخبار الباب.

أما المقام الثاني و هو أن العجب حرام أم لا،

بعد مفروغية كونه من الصفات الذميمة و صاحبه مبتلى بابتلاء شديد هالك موبق.

اعلم أن العجب تارة يكون في غير العبادات مثل العجب بالعلم أو المال او الجاه أو الاولاد.

فنقول: إن المراجع في بعض الآيات المفسرة بالعجب مثل الآيتين المتقدم ذكرهما في أوّل البحث و في روايات الباب لا يرى تعرضا للعجب في غير العبادة أصلا فضلا عن حرمته غير الآية الاولى من الآيتين المتقدمتين في صدر البحث

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 2، ص 235.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 199

و هى قوله تعالى وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ قٰالَ مٰا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هٰذِهِ أَبَداً «1» فإنها إن كانت متعرضة للعجب و انّه اعجبه خبته فالعجب فيها يكون لغير الأمر العبادى و لكن لا تدلّ الآية على حرمته فلا دليل على حرمة، العجب في غير العبادة.

و تارة يكون العجب في العبادة، فهل يكون حراما أم لا؟ اعلم أن المستفاد من كلام بعض الفقهاء هو انا لم نجد فيما نراجع به من الآيات و الأخبار الواردة في مذمة العجب ما يدلّ على حرمته، لأنّ مجرّد الذم و كونه من الاخلاق الذميمة لا يدلّ على حرمته.

أقول: أوّلا إن لسان الأخبار الواردة في العجب تقريبا يكون مثل لسان الاخبار الواردة في الرياء، فكما انكم قلتم بأنه مما ورد فيه من الذم و الآثار الموبقة عليه نفهم حرمته كذلك في العجب.

نعم لو استشكلنا في دلالة تلك الأخبار على

الرياء و قلنا بكفاية ما بقى من الأدلّة على حرمته يكون للاشكال في المقام مجال.

و ثانيا يمكن استفادة الحرمة مما رواه يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث: قال موسى بن عمران عليه السلام لا بليس: أخبرنى بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه، قال: إذا أعجبته نفسه و استكثر عمله و صغر فى عينه ذنبه، و قال: قال اللّه عزّ و جل لداود: يا داود بشر المذنبين و أنذر الصديقين، قال: كيف ابشر المذنبين و أنذر الصديقين؟ قال: يا داود بشر المذنبين إنّى أقبل التوبة و اعفو عن الذنب، و أنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد نصبه للحساب إلّا هلك «2».

______________________________

(1) سورة كهف، الآية 35.

(2) الرواية 3 من الباب 23 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 200

بأن يقال: إنّ قوله تعالى و أنذر الصديقين أن لا يعجبوا يدل على كون العجب منهيا عنه.

هذا ما خطر ببالى و إن لم يتفطن به أحد، و على هذا لا فرق في حرمته بين ما كان العجب حال العبادة أو بعدها.

لكن يمكن الاشكال من باب ضعف سند الرواية لعدم معلومية بعض اصحابه الذي يروى عنه يونس و إن قيل بكون مرسلات يونس بحكم المسندات.

فعلى هذا القول بحرمة العجب في العبادة لو لم يكن أقوى فلا اقل من كونه أحوط.

المقام الثالث: في أن العجب يفسد العمل العبادى أم لا؟

فنقول بعونه تعالى:

إنّ العجب تارة يكون بعد العمل، و تارة يكون حال العمل.

امّا إذا كان العجب بعد الفراغ عن العمل العبادى فلا وجه لفساد العبادة به لأنّه لا يوجب انقلاب ما

وقع عليه العبادة من الصحة، و لا دليل يدل عليه.

و أمّا إذا كان العجب حال العبادة و مقارن لها من أول العبادة أو في أثنائها، فلا يوجد في الأخبار على ما تصفحت بقدر استعدادى القاصر ما يدل على فساد العبادة به إلّا ما رواه علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنّه يحسن صنعا، و منها أن يؤمن العبد بربه فيمنّ على اللّه عزّ و جل و للّه عليه فيه المنّ. «1»

وجه الدلالة كون سؤال السائل عن العجب الذي يفسد العمل، و المعصوم عليه السلام

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من أبواب مقدمة العبادة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 201

ذكر قسمين منه فى الجواب، فبعد كون سؤاله عما يفسد به العمل، فمن المعلوم أن قسمين من العجب الذين ذكرهما عليه السلام يفسدان العمل.

و في دلالتها على الفساد مقابل صحة العمل و إجزائه إشكال، لأنّ مقتضى ظاهرا الرواية هو فساد العمل بالعجب سواء كان مقارنا للعمل أو متأخرا عنه، و هذا لا يناسب مع الفساد في قبال الصحة بمعنى الاجزاء و سقوط الاعادة و القضاء، لأنّ تأثير الفعل السوء المتأخر في بطلان العمل المقدم مع وقوعه صحيحا بعيد، فالمناسب كون الفساد فسادا في مقابل القبول بمعنى أنّ العجب يوجب عدم قبول العمل أو حبطه كما ذكر في أثر بعض المعاصى، فلا يستظهر من الرواية مع هذا الاحتمال كون مفادها بطلان العمل في مقابل صحته و إجزائه.

و في الرواية احتمال آخر و هو أن السائل و إن سئل عن

العجب الذي يفسد العمل، لكن المعصوم عليه السلام لم يكن بسدد جوابه لبعض الجهات، أو لم يتم كلامه، أو تمّ و لم يذكره الراوي، كما أنّ كيفية بيانه عليه السلام شاهد على انّه إما لم يكن في مقام بيان ذلك و إمّا كان في مقام تمهيد المقدمة و بيان أقسام العجب، ثم بيان أنّه يفسد العمل أولا، و لم يتم الكلام.

مضافا إلى أن القسمين المذكورين في الرواية لا ينطبقان على العجب المصطلح لان مجرد السرور بالعمل الّذي هو القسم الأوّل من القسمين المذكورين في الرواية لا يكون عجبا كما يستفاد من بعض الأخبار، و إذا كان المنّ على اللّه بعمله فهو المدلّ و ليس بالعجب المصطلح.

لكن هذا مدفوع بأنه بعد ما جعل عليه السلام هذين القسمين من أفراد العجب فدعوى عدم كونهما عجبا اجتهاد في مقابل النص.

فالعمدة ما قلنا من أن المناسب حمل الفساد في الرواية على عدم قبول العمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 202

مع وجود صفة العجب في الشخص.

و لو التزمنا بحرمة العجب في العبادة هل يوجب حرمته بطلان العمل من باب كونه متحدا مع العمل أو لا يوجب بطلان العمل، لأنّه أمر قصدى لا يسرى إلى العمل و ليس من الرياء المستفاد من بعض الأخبار الواردة فيه كونه مريا إلى العمل و الأقوى الثاني و إن كان الأحوط إعادة العمل المقارن مع العجب استجابا.

المطلب الرابع: في السمعة،

و المراد من السمعة هو أن يقصد الشخص بعمله سماع الناس به طلبا لعظم رتبته عندهم، فعلى هذا تكون السمعة من أفراد الرياء لأنّ الرياء طلب المنزلة في قلوب الناس بايرائهم الاعمال الخير بالأعم من الاسماع و غيره، و السمعة يكون طلب ذلك بخصوص

اسماعهم الأعمال الخير، فعلى هذا يكون حكمها في الحرمة و فساد العبادة بها حكم الرياء، و مجي ء الأقسام المتقدمة في الرياء فيها فلا نطيل بالاعادة.

مضافا إلى ورود الأمر بتخلية العبادة عنها بالخصوص، مثل ما رواه محمد بن عرفة قال: قال لى الرضا عليه السلام: ويحك يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء و لا سمعة، فانّه من عمل لغير اللّه و كلّه اللّه إلى ما عمل، ويحك ما عمل أحد عملا إلّا رداه اللّه به إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا «1».

و ما رواها ابن القداح عن أبي عبد اللّه عن ابيه عليهما السلام قال: قال علي عليه السلام:

اخشوا اللّه خشية ليست بتعذير، و اعملوا للّه في غير رياء و لا سمعة فإنه من عمل لغير اللّه و كلّه اللّه إلى عمله يوم القيمة «2».

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 11 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 203

فتخلص أن السمعة مثل الرياء إذا كانت الداعى للعبادة، أو جزء الداعى علي التفصيل المتقدم في الرياء.

و أمّا إذا لا يكون الداعى و قصد العبد في العبادة السمعة، و لا تكون جزء الداعى و لو تبعا، بل كان يفرح إذا اطلع عليه الناس من غير أن تكون داخلا في قصده لا تكون مبطلا للعبادة.

و يدل على ذلك ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه انسان فيسرّه ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد الّا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك «1».

فلا

يكون مجرد السرور إذا لم يكن داعيا أو جزء الداعي للعبادة مبطلا للعبادة.

و لكن كما قال المؤلف رحمه اللّه ينبغى للانسان أن يكون ملتفتا فإنّ الشيطان غرور و عدوّ مبين.

المطلب الخامس: في ساير الضمائم و الكلام فيه يقع في مقامات.
اشارة

و اعلم أن الضميمة تارة تكون في نفس العبادة مثل أن يقصد من نفس فعله الزكاة الاحسان على أحد، و تارة يكون في اختيار الفرد، مثل أن يكون قصده من أصل زكاة ماله أمر اللّه تعالى، لكن فى مقام اختيار الافراد يعطى زكاته بأحد اقربائه الفقير

ظاهر كلام المؤلف صورة الاولى، لكن نحن نذكر حكم كل من الصورتين إنشاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 204

المقام الأوّل: في الضمائم الراجحة
اشارة

كما إذا كان قصده في الوضوء القربة و تعليم الغير فله صورتان، و مفروض الكلام فيما تكون الضميمة الراجحة بما هى راجحة تمام الداعى أو جزء الداعى، لا بما هي مع قطع النظر عن رجحانها.

الصورة الاولى: ما إذا كان داعى القربة استقلاليّا و الضميمة الراجحة تبعا

بمعنى كون القربة بنفسها علة تامة للعمل كافية في صدور الفعل، و تكون الضميمة تبعا و إن كان الفعل عند اجتماعهما يسند إليهما.

فقد يقال بالصحة في هذه الصورة لأنّ ما يتوقف عليه صحة العبادة و المقدار الّذي قام عليه الاجماع على اعتباره في الوضوء و ساير العبادات هو صدور الفعل بداعى الأمر المستقل في البعث لو لا الضميمة، فاعتبار غير ذلك محتاج إلى الدليل و هو مفقود، و ما يكون عليه بناء العقلاء في مقام العبودية و كون الفعل عبادة و مظهرا من مظاهر العبودية كون أمر المولى في نظر العبد علة تامة للفعل، و أمّا انحصار العلة به بحيث لو فرض عدم الأمر لزم عدم الفعل من جهة عدم الداعى الأخرى للعبد فليس له مدخلية في العبودية.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام وجه الصحة في هذه الصورة.

أقول: إنّ المدعى للصحة تارة يدعى الصحة للاجماع على الصحة، فالعهدة على مدعيه لعدم ثبوت اجماع بحيث يكون معقد الاجماع صحة العبادة إذا كان داعى التقرب علة تامة في حد ذاته و إن كان الفعل فعلا مستندا إلى كل منهما.

و تارة يدعى الاجماع على أن القربة المعتبرة في العبادة و ما يتوقف عليه العبادة من كون الباعث على الفعل أمر المولى، هو مجرد قابلية هذا الداعى للفعل في حد ذاته و إن كان فعلا مستندا إليه و إلى غيره، فتحقق الاجماع التعبدى على ذلك غير معلوم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 6، ص: 205

بل إن قالوا بذلك قالوا من باب أنّهم عقلاء، فيقع الكلام في أن العقل الحاكم في باب الاطاعة و المعصية، و العقلاء بما هم عقلاء، يحكمون بكفاية ذلك في مقام الاطاعة، و أنّه مجرد قابلية كون داعى أمر المولى علة تامة للفعل بحيث لو لم يكن داع آخر راجحا أو مباحا في البين يكفى لداعوية امر المولى لاتيان الفعل.

و بعبارة اخرى ليس المعتبر في العبودية إلّا أن يصير العبد بحيث يكون تأثير أمر المولى في نفسه بالنسبة إلى متعلقاته كتأثير العلل التكوينية فى معلولاتها، و بعبارة ثالثة ليس فى الأدلة ما يدل على لزوم استقلال داعى الطاعة بعد وصوله بمرتبة يصلح لأن يكون مؤثرا فى نفسه و إن كان وجد فعلا داع آخر و لأجله يستند الفعل إليهما في مقام الاطاعة.

أو لا يكفى ذلك بل المعتبر أن يكون الفعل الصادر خارجا مستندا إلى داعى الأمر فقط لا إلى غيره بحيث لو كان هنا أمر آخر راجح و يأتي به لداعى اللّه، فيأتى الفعل بداعى كل من الأمرين و إن كان واحد منهما تبعا لا يصدق الامتثال للامر الذي يكون الداعى عليه استقلاليا، و لا امتثالا للأمر الداعى عليه تبعيا، لأنّ ما يقتضي امتثال كل من الأمرين عند العقل هو كون صدور الفعل ممحضا لا طاعة امر واحد منهما فقط، لا على اطاعة امره و على امر غيره و إن كان الداعى على أحدهما استقلاليا و على الآخر تبعيا.

اعلم انه لو قلنا بصحة العبادة في هذه الصورة فليس من باب عدم تعلق القصد بالشي ء التعبي لما قال «1» العلامة الهمدانى ره فى مبحث الوضوء بصحة العبادة إذا كانت الضميمة تبعيّا حتى فى الرياء

بدعوى عدم كون المقصود التبعى مما تعلق به الداعى، بل ليس الا مجرد السرور و الشوق به، لأنّ ما قاله خارج عن محل الكلام إذ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 2، ص 226 و 248.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 206

البحث يكون فى مورد يتعلق القصد بكل من الامرين، غاية الامر احدهما مقصود بالقصد الاستقلالى بحيث يكون فى حد ذاته علّة تامة لايجاد العمل، و أحدهما مقصود بالقصد التبعى بمعنى أنّه لو خلّى و طبعه لا يتعلق به القصد استقلالا، فافهم.

و هكذا إن قلنا بعدم صحة العبادة فى هذه الصورة و غيرها من الصور التي كانت الضميمة مع العبادة راجحة ليس من باب عدم وجود الاخلاص المعتبر في العبادة، لأنّه على الفرض بعد كون الضميمة راجحة يأتي بالفعل بكل من الداعيين للّه تعالى فيكون العمل واجدا للاخلاص المعتبر، و هو كونه للّه تعالى فقط لا للرياء أو لدواع آخر غير اللّه تعالى، نعم لو كان المراد من الاخلاص هو كون كل عمل بداعى أمر نفسه محضا لا يكون الاخلاص موجودا، و لكن المراد بالاخلاص كما يظهر من الآيات الكريمة و الروايات الشريفة هو خلوص العمل للّه و خلوه عن الرياء و الدواعى الآخر غير اللّه تعالى.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّه كما نسب إلى جمع من فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم خصوصا يظهر من جلّ المتأخرين منهم، بل يدعى عليه الاجماع، هو صحة العبادة في هذه الصورة، لأنّه بعد ما كان الداعى إلى اطاعة الأمر علة تامة في حدّ ذاته للفعل بحيث لو لم يكن هذا الداعى التبعى الراجح لكان كافيا للعلية، غاية الأمر اتفق داع آخر راجح بتبع الداعى التام على

ايجاد الفعل، فالفعل يقع بداعى الأمر و واجدا للخلوص لعدم وجود داعى النفسانيّة فيه، فيحكم العقل بحصول الاطاعة في هذا الفرض و إن كان داع راجح صار سبب آكديّة القصد إلى العمل و اتيانه.

و لهذا لو كان الأمر من المولى متعلقا بالصدقة فصار أمر المولى علة تامة لصدور الصدقة منه بحيث لو لم يوجد داع آخر كان يتصدق لأمر المولى، و لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 207

يقصد بهذه الصدقة بطبيعتها لا بفردها صلة الرحم و إكرام العالم لا ينبغى الاشكال في خصوص امتثال أمر الصدقة عند العقل و العقلاء.

نعم لو كان الواجب في مقام الاطاعة في العبادة أن يكون الفعل الصادر ممحّضا عن قصد خصوص الأمر بالعبادة الكذائية بحيث يكون هو المحرك للعمل فعلا بدون دخل داع آخر و إن كان راجحا و لو كان تبعا لكان للاشكال في صحة العبادة في هذه الصورة مجال، لكن لا دليل على اعتبار ذلك عقلا و نقلا، بل ادعى الاجماع على الصحة في هذه الصورة، و عدم كون هذا الداعى الراجح منافيا مع الاخلاص المعتبر في العبادة.

و مع ذلك كله نقول: بأن الاشكال في صحة العمل إن كان من حيث الاخلاص المعتبر في العبادة، فيمكن جوابه بأنّه في الفرض مع كون الضميمة راجحة يكون الفعل ممحضا للّه تعالى، لكن الاشكال من حيث الآخر، و هو أنّه بعد كون المعتبر فى العبادة أن يكون العمل واقعا بقصد العبودية بمعنى كون الداعى الفعلى الّذي يحرك الشخص نحو العمل و علته التامة لصدور الفعل منه فعلا و حال اتيانه هو الامر المتعلق به و التقرب بالعمل بأمره، أو بملاكه الّذي مطلوب منه تعالى، و مع فرض

كون الضميمة الراجحة جزء المحرك و الداعى للفعل، فلا يكون الداعى القربى علة تامة فعلية للعمل، و ما قالوا من كفاية علّية التامة لو لا الضميمة بحيث لو كان هو لو خلى و طبعه كان قابلا لصيرورته علة تامه، محل إشكال، بل منع لعدم كفاية ذلك بحكم العقل فى مقام الإطاعة، نعم ينقل دعوى الاجماع على الصحة فى هذه الصورة، و كون الاجماع إجماعا تعبّديا غير معلوم لاحتمال كون منشأ اتفاقهم بعض ما ذكر وجها لصحة العبادة فى هذه الصورة فعلى هذا نقول: بأنّ الاحوط عدم دخل الضميمة الراجحة و إن كانت تبعيّة، و لو ادخله فالأحوط إعادة العبادة، فتأمل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 208

الصورة الثانية ما إذا كان الداعى لاطاعة المولى كلا من الأمر العبادى و الضميمة

الراجحة استقلاليّا بحيث يكون كل منهما لو كان منفردا كان علة تامة لصدور الفعل، فهل الحكم في هذه الصورة صحة العبادة كالصورة السابقة أولا؟

أقول: بعد ما عرفت من عدم كون وجود الضميمة الراجحة و قصدها منافيا مع الاخلاص المعتبر في العبادة، فبناء على عدم دليل على اعتبار كون المحرك الفعلى على العمل قصد الأمر العبادى فقط لا عقلا و لا شرعا، بل يكفي قابليته للداعوية المستقلة و عليته التامة في حد ذاته لو لا وجود الضميمة، فيقال بصحة العبادة في هذه الصورة كالسابقة لعدم فرق بينهما، فإن قلنا بالصحة في الاولى نقول في الثانية، و إن قلنا بالفساد نقول في هذه الصورة.

و بعد ما قلنا بالاحتياط نقول في هذه الصورة أيضا بالاحتياط، بل الاحتياط في هذه الصورة ألزم لأنّ داعى الضميمة يكون مستقلا و العمل يستند إلى كل منهما بنحو واحد.

الصورة الثالثة: أن يكون داعى القربة و اطاعة الأمر تبعيا

و داعى الضميمة استقلاليّا، مثل ما كان داعيه استقلالا الاحسان بالفقير بحيث كان هذا الداعى لو خلّي و طبعه علة تامة لصدور الفعل، و يكون داعيه إلى أداء الزكاة الواجب تبعيا بحيث لو كان هذا الداعى وحده لا يكون علة تامة للفعل و باعثا له نحو العمل.

فهل يقال بصحة العبادة في هذه الصورة، ففي المثال كان ما يعطى بالفقير أداء للزكاة و إن كان القصد إليه تبعيّا، أو لا تصح العبادة في هذه الصورة؟

الأقوى عدم الصحة لأنّه قلنا بأن ما يحكم به العقل في باب الاطاعة هو كون المحرّك للعبد هو داعى الطاعة بحيث يكون الداعى إليها علة تامة و قابلا للانبعاث نحو الطاعة لو خلّى و طبعه، فليس الداعى القربى علة تامة لصدور الفعل في هذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6،

ص: 209

الصورة على الفرض، بل الداعى للعمل في حد ذاته و العلة التامة لصدور الفعل هو الضميمة بحيث لو لم يضم إليه الضميمة لما كان يدعو نحو العمل بداعى القربة، فعلى هذا لا تصح العبادة حتى عند من يقول بالصحة في الصورة الاولى و الثانية بعد ما استشكلنا في الصورتين السابقتين، و قلنا باعتبار كون المحرك الفعلى و هو الداعى القربى ممحضا، فعدم صحة العبادة فى هذه الصورة أوضح.

الصورة الرابعة: ما كان كل من داعى القربة و داعى الضميمة جزء الداعى

بحيث لا يقبل كل منهما للداعوية على الفعل مستقلا و علة تامة لصدوره، بل صار ضم كل من الداعيين إلى الآخر موجبا لصدور العبادة، بحيث لو انفرد كل منهما لا يأتي بالعمل، و لا يصير داعيه و محركه نحو الفعل.

و في هذه الصورة الأقوى عدم الصحة لعدم الداعى نحو العبادة بداعى أمره مستقلا لو خلّى و طبعه، و لم يصر أمر المولى داعيا إليها بنفسه حتى لو لم ينضمّ إليها الضميمة ما كان داعيا له إلى الفعل.

هذا كله في الصور المتصورة في الصورة الاولى من الضميمة الراجحة و هي ما كانت الضميمة في نفس العبادة و طبيعتها.

إنّما الكلام في الصورة الثانية من الضميمة الراجحة، و هي ما كانت الضميمة في اختيار الفرد بمعنى أنّه يقصد إتيان أصل العمل للّه تعالى و لأمره المتعلق بها، و لكن حيث أنّه مخيّر في اختيار ايجاد الطبيعة المأمور بها من بين أفرادها يختار الفرد الخاص لرجحانه، مثلا أمر المولى بالصلاة و بعد كون الأمر متعلقا بطبيعة الصلاة فقط و العبد في مقام امتثال الطبيعة مخيّر بين أفرادها، فهو مخير بين أن يصلى صلاته في بيته أو في المسجد، فيختار المسجد و كان اختياره المسجد لما فيه من الرجحان، فهو

يكون داعيه إلى أصل الصلاة امتثال امر الصلاة و داعيه إلى اختيار هذا الفرد و ايقاع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 210

صلاته في المسجد يكون لرجحانه، فلا إشكال في الصحة في جميع الصور الاربعة المتقدمة أعنى: سواء كان الداعى إلى اختيار الفرد الراجح استقلاليا أو تبعيا، أو بالعكس، أو كان كل من داعييه إلى اختيار هذا الفرد استقلاليا، أو كانا جزء الداعى.

المقام الثاني: في الضمائم المباحة،
اشارة

و هي تارة كما قلنا في الضمائم الراجحة تكون في أصل طبيعة العبادة، مثل أن يقصد بنفس وضوئه إطاعة أمر الوضوء و التبريد.

و تارة تكون في اختيار الفرد لا في أصل الطبيعة، مثل أن يقصد من وضوئه إطاعة أمر اللّه تعالى محضا، غاية الأمر في مقام اختيار الماء للوضوء يختار الفرد البارد من الماء في فصل السيف، و الماء الحار في الشتاء فالكلام في موضعين:

الموضع الأوّل: فيما كانت الضميمة المباحة في أصل العبادة،

مثل أن يقصد بإتيان نفس الوضوء كلا من إطاعة امر اللّه تعالى و التبريد فله صور:

الصورة الاولى: ما إذا كان الداعى إلى نفس العبادة القربة استقلالا و للضميمة المباحة تبعا، فهل تبطل العبادة أم لا؟

أقول: وجه بطلان العبادة دعوى أن الاخلاص المعتبر في العبادة عبارة عن خلوص العمل عن غير داعى اللّه تعالى سواء كان داعى غيره تعالى هو الرياء، أو بعض المشتهيات النفسانية فعلى هذا بعد ما كان داعى الضميمة المباحة جزء الداعى و إن كان تبعيّا، فلا يكون العمل واجدا للاخلاص المعتبر فيه، فيبطل العمل العبادى.

وجه الصحة ما بينا في الضميمة الراجحة من أن ما يكون لا بدّ منه في العبادة هو كون امر اللّه تعالى داعيا بنحو العلة التامة لا تيان العبادة في حد ذاته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 211

لو لا الضميمة، و هذا موجود فيما كان داعى أمر المولى استقلاليّا و داعى الضميمة المباحة تبعيّا.

و الاخلاص المعتبر على ما يظهر من الآيات و الأخبار هو الاخلاص فى مقابل الرياء، لا في قبال كل داع غير اللّه و إن كان أمرا مباحا، فعلى هذا تكون العبادة في الفرض بداعى اللّه تعالى واجدة للخلوص فلا وجه لفسادها.

أقول: أو لا إن قلنا في الضميمة

الراجحة فيما كان داعى امر اللّه تعالى استقلاليّا و الضميمة تبعيّا، او كان كل منهما استقلاليّا بصحة العبادة، و لكن كان هذا من باب أنّ داعى التقرب يكون علة تامة في حد ذاته مع قطع النظر عن الضميمة و كانت العبادة واجدة للخلوص، لأنّ العبد على كل حال فيما كانت الضميمة راجحة يكون عمله خالصا لان داعى التقرب و داعى الضميمة كلهما للّه و يأتي بهما للّه.

إن قلت: إنّ الخلوص المعتبر على ما يظهر من الآيات و الأخبار هو الخلوص عن الرياء بمعنى عدم كون الداعى أحدا غير اللّه تعالى، و أمّا ضم الداعى التبعى المباح فلا دليل على إخلاله بالاخلاص المعتبر.

قلت: إنّه تارة يلاحظ الاخلاص باعتبار ما يستفاد من بعض الآيات أو الروايات، فيمكن دعوى أنّ الاخلاص المستفاد منها هو الاخلاص في قبال شرك داعى أحد من الناس في العبادة، و لا نظر لهما بما كانت الضميمة بعض الدواعى النفسانية.

و بعبارة اخرى هذه الآيات و الروايات ساكتة عن الضمائم المباحة.

و لكن العقل الحاكم في باب الاطاعة و ما يقتضي العبادات في قبال التوصليات هو كون الداعى فيها هو اللّه تعالى و أمره، فمع اشتراك داع آخر غير اللّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 212

و إن كان مباحا ليس العمل ممحضا للّه تعالى، فلم تتحق القربة المعتبرة في العبادة مع دخل الضميمة المباحة في العمل.

و ثانيا انا استشكلنا في صحة العبادة حتى فيما كانت الضميمة راجحة و حتى فيما كان الداعى إليها تبعيا.

و إن قلنا بالاحتياط و لم نفت بالبطلان كان لدعوى الاجماع على الصحة في بعض الصور من الضميمة الراجحة.

و في المقام لم يقم اجماع على الصحة فمقتضى القاعدة فساد

العبادة.

نعم لو قلنا بما قاله العلامة الهمدانى رحمه اللّه من عدم كون الضميمة إذا كانت تبعيّا مقصوده أصلا بل مجرد الميل و الشوق إليه لا تبطل العبادة فى هذه الصورة، و لكن مضى فى هذه الصورة من الرياء فساد نظره الشريف فراجع.

و مما مر منا من فساد العبادة في هذه الصورة، و هي ما كان الداعى إلى اطاعة امر اللّه تعالى استقلاليّا و الداعى إلى الضميمة المباحة تبعيّا يظهر لك أن الفساد في ما بقى من الصور- و هي صورة كون كون كل من الداعيين استقلاليّا، و صورة كون كل منها جزء الداعى لعدم قابلية كل منها للداعوية في نظر العامل، و صورة كون الداعى المباح استقلاليّا و داعى القربية تبعيا- أوضح.

هذا كله فيما كانت الضميمة المباحة في نفس العبادة و طبيعتها.

الموضع الثاني: فيما كانت الضميمة المباحة في اختيار فرد الطبيعة من العبادة لا في أصل الطبيعة،

مثل أن يختار الماء البارد في فصل السيف للتبريد في وضوئه فيكون داعيه إلى أصل الوضوء اطاعة أمره تعالى، و حيث إنّه مخيّر في اختيار أىّ فرد من أفراد طبيعة الماء للوضوء يختار الماء المبارد لتبريد جسمه، فهل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 213

تبطل العبادة بسبب كون الداعى إلى اختيار الفرد هو الداعى النفسانى المباح أو لا؟

الحق عدم البطلان لأنّه على الفرض بعد كون الأمر بنفس ايجاد الطبيعة فهو لا يدعوا إلّا إليه و لا يقبل لصيرورته داعيا إلى الفرد إلّا من باب كونه فردا للطبيعة و للمكلف اختيار أىّ فرد من أفراد الطبيعة، و بعد كون الأمر بيده فلا مانع من اختيار فرد خاص لداع خاص مباح أو راجح.

المطلب السادس: في الضمائم المحرمة غير الرياء و السمعة.
اشارة

اعلم أن الكلام تارة يقع في أن غير الرياء و السمعة من الضمائم المحرمة هل تبطل العبادة في الجملة أم لا؟ فنقول: إنّها تبطل العبادة في الجملة.

و تارة يقع الكلام في مورد البطلان، فنقول بعونه تعالى: إنّ له فرضين:

الفرض الأوّل: ما إذا كانت الضميمة المحرمة غير الرياء و السمعة من أوّل العمل العبادى

بمعني أن يصدر منه العمل بداعى هذه الضميمة المحرمة محضا، أو بداعيها و داعى القربة بأقسامها المتقدمة في الرياء، فتبطل العبادة لعدم كونه مع الداعى على الضميمة المحرمة قابلا لأن يتقرب به و إن قلنا فرضا بجواز اجتماع الأمر و النهي.

الفرض الثاني: أن تحدث الضميمة في أثناء العبادة، و له صورتان:
الصورة الاولى: ما إذا حدثت في الاثناء

و قد أتى بشي ء من العبادة مع هذه الضميمة المحرمة و اكتفى في مقام امتثال العبادة بما أتي مع الضميمة المحرمة من غير تدارك حتى فات محل تداركه، فلا إشكال أيضا في بطلان العبادة.

لأنّ ما أتى به منها مع الضميمة المحرمة غير قابل الاتصاف بالجزئية لعدم كونه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 214

مقربا و لعدم قابليّته لان يتقرب به، و على الفرض لم يتداركه حتى مضى محل تداركه.

الصورة الثانية: ما إذا حدثت الضميمة في أثناء العبادة

و أتى بشي ء من العبادة مع الضميمة، لكن تدارك ما أتى به منها مع الضميمة، فلا وجه في هذه الصورة لبطلان العبادة لأنّ بطلان الجزء لا يسرى إلى الكل و على الفرض تدارك ما أتى مع الضميمة المحرمة ثانيا و أعاده.

إلّا أن يوجب إتيان ما أتى به مع الضميمة بطلان العبادة من جهة اخرى، مثل موجبيته للزيادة العمدية في عبادة يوجب الزيادة العمدية بطلانها كالصلاة و هذا خارج عن محل الكلام.

فمن هنا يظهر لك الفرق كما قاله المؤلف رحمه اللّه بين الضمائم.

فإن كانت الضميمة الرياء و السمعة فتبطل العبادة و إن كان الرياء في أثناء العبادة في جزء منها لما قلنا من أنّ فساد الجزء يوجب فساد الكل، لأنّه بذلك ادخل في عمله رضى الغير و قد دلّ النص على بطلان العمل في هذه الصورة.

و أمّا إن كانت الضميمة غير الرياء و السمعة و حدثت في أثناء العمل فلا يبطل بسبب الضميمة إلّا ما أتى من أجزاء العمل مع هذه الضميمة، فلو تدارك ما أتى به من أجزاء العبادة مع الضميمة المحرمة لا تبطل العبادة، لعدم دليل على بطلان العمل العبادى ببطلان الجزء المنظم بالضميمة المحرمة غير الرياء و السمعة.

ففي هذه الصورة يظهر

الفرق بين الضميمة إذا كانت رياء و سمعة و بين غيرهما من الضمائم المحرمة على ما اختاره المؤلف رحمه اللّه و على ما يأتي بنظرى القاصر، خلافا لبعض محشى العروة و شراحها من الالتزام بعدم الفرق و عدم البطلان في كل الضمائم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 215

المحرمة في هذه الصورة.

***

[مسئلة 29: الرياء بعد العمل ليس بمبطل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: الرياء بعد العمل ليس بمبطل.

(1)

أقول: لعدم دليل يدل على بطلان العمل بالرياء بعده، و مورد النصوص هو الرياء حال العمل بأن يكون الرياء تمام الداعى أو جزء الداعى للعمل.

و أمّا ما رواه على بن أسباط عن بعض أصحابه عن على بن جعفر عليه السلام أنّه قال الابقاء على العمل أشد من العمل، قال: و ما الابقاء على العمل، قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له، فكتبت له سرّا، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له رياء «1».

فربما يتوهم دلالتها على بطلان العمل بالرياء الحاصل بعده.

و فيه أولا: أن الرواية ضعيفة السند لإرسالها لأنّ الراوى عن الامام عليه السلام مجهول.

و ثانيا: يحتمل قريبا لو لم يكن ظاهر الرواية أن الذكر بعد العمل إن كان للرياء يوجب زوال ثوابه و حبط أجره، و الشاهد أنّ في الرواية أن ذكر العمل أولا يوجب لان يمحى العمل سرا و يكتب علانية، و معناه و اللّه أعلم أن ذكر العمل يوجب تنزل ثواب العمل السرّ و وصوله ثواب العلانية من باب أنّ صدقة السر أفضل من

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 216

صدقة العلانية كما يستفاد من بعض

الأخبار، و بعد ذكره ثانيا يوجب أن يكتب رياء، أعنى: يحبط ثوابه أو يعاقب على الرياء مضافا إلى حبط أجره و ثوابه على ما يقتضيه كونه رياء و الالتزام به مشكل.

***

[مسئلة 30: إذا توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: إذا توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبى لا يبطل وضوئها و إن كان من قصدها ذلك.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا لم يكن مكان وضوئها منحصرا

بالمكان الّذي يراها الاجنبى، فلا إشكال في صحة وضوئها لعدم وجود وجه لبطلان وضوئها.

الصورة الثانية: ما إذا كان مكان وضوئها منحصرا

بهذا المكان فيبطل الوضوء، لأنّه يكون الوضوء في هذه الصورة مقدمة منحصرة للحرام، و قد أمضينا مفصّلا في اشتراط إباحة ظرف الوضوء بطلان الوضوء إذا كان مقدمة منحصرة للحرام فيتعين التيمم.

و اعلم أنّ مورد الكلام ما إذا لم تصر رؤية الاجنبى داعيا لها على الوضوء أو جزء الداعى، بل يقصد الوضوء للّه تعالى فقط، و تعلم أنّه يريها الاجنبى، أو يقصد رؤيتها.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 217

[مسئلة 31: لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء]
اشارة

قوله؛ مسئلة 31: لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء، كما إذا كان بعد الوقت و عليه القضاء أيضا و كان ناذرا لمسّ المصحف و أراد قراءة القرآن و زيارة المشاهد كما لا إشكال في أنّه إذا نوى الجميع و توضأ وضوءا واحدا لها كفى و حصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع، و أنّه إذا نوى واحدا منها أيضا كفى عن الجميع و كان أداء بالنسبة إليها و إن لم يكن امتثالا إلّا بالنسبة إلى ما نواه، و لا ينبغى الاشكال في أن الأمر متعدد حينئذ و إن قيل: إنّه لا يتعدد و إنّما المتعدد جهاته، و إنّما الاشكال في أنّه هل يكون المأمور به متعددا أيضا و أنّ كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أولا، بل يتعدد، ذهب بعض العلماء إلى الأوّل و قال: إنّه حينئذ يجب عليه ان يعيّن أحدها و إلّا بطل، لأنّ التعيين شرط عند تعدد المأمور به، و ذهب بعضهم إلى الثاني و أنّ التعدد إنّما هو في الأمر أو في جهاته، و بعضهم إلى أنّه يتعدد بالنذر و لا يتعدد بغيره، و في النذر أيضا لا مطلقا بل في بعض الصور مثلا إذا نذر أن يتوضأ لقراءة

القرآن و نذر أيضا أن يتوضأ لدخول المسجد، فحينئذ يتعدد و لا يغنى أحدهما عن الآخر، فاذا لم ينو شيئا منهما لم يقع امتثال أحدهما و لا أداؤه، و إن نوى أحدهما المعيّن حصل امتثاله و أدائه و لا يكفى عن الآخر، و على أىّ حال وضوئه صحيح بمعنى أنّه موجب لرفع الحدث، و إذا نذر أن يقرأ القرآن متوضأ و نذر أيضا أن يدخل المسجد متوضأ فلا يتعدد حينئذ و يجزى وضوء واحد عنهما و إن لم ينو شيئا منهما و لم يمتثل أحدهما، و لو نوى الوضوء لأحدهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 218

كان امتثالا بالنسبة إليه و أداء بالنسبة إلى الآخر، و هذا القول قريب.

(1)

أقول: قد مرّ بعض الكلام في المسألة في المسألة 6 من المسائل المتعلقة بالفصل المنعقد للوضوءات المستحبة، و نقول بعونه تعالى: إن الكلام يقع في جهات.

الجهة الاولى: لا إشكال في إمكان اجتماع غايات متعددة للوضوء

مثل ما مثّل المؤلف رحمه اللّه كما إذا كان بعد دخول الوقت و عليه القضاء أيضا و كان ناذرا لمسّ المصحف (بناء على كون المسّ من غايات الوضوء حتى يتعلق به النذر و كونه من الغايات لا دليل عليه و النذر، لا يكون مشروعا فالمثال مورد الاشكال) و أراد قراءة القرآن و زيارة بعض المشاهدة المشرفة.

الجهة الثانية: إذا نوى بوضوئه جميع الغايات المذكورة المجتمعة

كفى عن الجميع و يكون امتثالا لكل منها.

أما كفايته للجميع فلأنّ هذه الغايات لا تقتضى إلّا الوضوء و الطّهارة، فلو قصد بوضوئه جميع الغايات حصلت الطّهارة، هذا كله على تقدير كون ساير غايات الوضوء في عرض الطّهارة التي هي من غاياته.

و أمّا على القول بكون غاية الوضوء الطهارة، و غاية الطهارة ساير الغايات كما اختار في المستمسك «1» فلا يكون للوضوء إلّا غاية واحدة، و هي تتحقق بقصد و مع حصولها يتحقق ساير الغايات، لأنّ النسبة بين الطهارة و ساير الغايات الطولية و ليس كل منها فى عرض الاخرى.

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 487.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 219

و أمّا كون الوضوء الواحد امتثالا لجميع هذه الغايات فلأنّ الامتثال يحصل عقلا باطاعة أمر المولى المتعلق بالشي ء، و بعد كون هذه الغايات مأمورا بها فامتثالها باطاعة أمرها بصدور الفعل بقصد الاطاعة، و على الفرض قصد إطاعة هذه الأوامر فيحصل امتثالها.

ثم اعلم أن الأوامر المتعلقة بهذه الغايات تارة يكون كل منها مستقلا فى الداعوية إلى البعث نحو الفعل أعنى: الوضوء، و تارة يكون كل منها جزء الداعى، و تارة يكون بعضها استقلالا و بعضها تبعيّا، فكفاية وضوء واحد للجميع فيما يكون الداعى إلى الوضوء الأمر الوضوئي المتعلق من ناحية كل هذه الغايات استقلاليا يصح عن الجميع، و

مع قصد الجميع يكون امتثالا للجميع، فكونه عن الجميع و إن كان لا يحتاج إلى قصد كل منها لتحقق جميعها بهذا المطلوب، و هو الطهارة حتى لو لم يقصد بعضها، لكن امتثال كل منها لا يتحقق إلّا بكون الداعى على الوضوء استقلالا لامتثال كل منها بحيث لو لا داعى أمر غاية اخرى يكون الداعى إلى كل واحد منها علّة تامّة لصدور الوضوء.

و أمّا ان كان الداعى إلى بعضها تبعيّا فحصول امتثال الامر بالغاية التبعى محل إشكال كما عرفت فى الضميمة الراجحة المباحة فى مسئلة اعتبار الاخلاص في الوضوء.

فما فى شرح علامة الآملى رحمه اللّه «1» من أنّه ليس المراد من إتيان الوضوء بتلك الاوامر أن يأتى به بمجموع امره المتعلّق بهذه الغايات حتى يجي ء في المقام حديث الاتيان بالوضوء بداعى أمرها و أمرها المتعلق به لا يتعلق بما فيها من الضميمة الراجحة، بل المعلوم أنّ الوضوء المأتي بتلك الأوامر يأتي بداعى أمر المتعلق

______________________________

(1) المصباح الهدى، ج 3، ص 479.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 220

به يعنى مقدار حظه من الأمر المتعلق بغايته، و كان نظره الاشكال بما قال فى المستمسك كما قلنا نحن قبل ذلك.

ليس بتمام لأنّ الكلام فى أنّ هذا المقدار الذي يكون حظ الوضوء من الأمر المتعلق بغاية بالوضوء، تارة يكون الداعى فعل الوضوء استقلالا بهذا المقدار من الحظ و تارة تبعيا فاذا كان فعل الوضوء بداعى الحظ الّذي هو محفوظ من الامر استقلاليا بالنسبة إلى كل من الغايات يكون امتثالا لكل من الأوامر المتعلقة بهذه الغايات، و إلّا يكون محل الاشكال كما عرفت فى الضمائم الراجحة و المباحة، فافهم.

بل على مختارنا من الاشكال في صحة العبادة مع الضميمة

الراجحة حتى لو كانت الضميمة تبعيا، و قلنا بانّه لو قلنا بالصحة في هذه الصورة يكون من باب الاجماع، فيشكل القول بالامتثال في المقام و لو قصد كلا من الأوامر حتى فيما إذا كان الداعى إلى الوضوء استقلالا كل أمر من هذه الاوامر المتعلقة بالغايات، لأنّ المعتبر فى حصول امتثال كل امر هو كون الداعى ممحضا لهذا الامر أو لهذا الامر او أمر آخر.

لكن ما يخطر بالبال عاجلا هو أن نقول فى المقام: أمّا على مختارنا كما يأتى إن شاء اللّه في الجهة الرابعة من عدم تعدد الأمر في صورة اجتماع الغايات فى الوضوء، و ليس إلّا امر واحد فيما إذا كان بعض الغايات واجبة و بعضها مستحبة، أو كان كلها واجبة، غاية الامر يكون الأمر آكدا، فيأتى بالوضوء بداعى أمره و يحصل الامتثال.

و أمّا بناء على تعدد الامر كما اختاره المؤلف رحمه اللّه، فنقول: فرق بين المقام و بين ما قلنا في الضمائم الراجحة، لأنّه في الضمائم الراجحة كان أمران، أحدهما متعلقا بالعبادة، و الآخر بالضميمة و متعلق كل منهما متعددا، مثلا كان الامر العبادى متعلقا بالوضوء و كان أمر آخر متعلقا بتعليم الغير، فحيث إنّه مع تعلق الداعى بالضميمة لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 221

يكون الداعى فى اتيان الوضوء ممحضا لامتثال الامر المتعلق بالوضوء كانت الصحة مورد الاشكال، لعدم كون الداعى ممحضا لا طاعة أمر الوضوء، فلا يكفى في امتثال امر الوضوء.

و أمّا في المقام فليس كذلك، بل على فرض تعدد الامر يكون كل هذه الاوامر متعلقا بالوضوء لا بشي ء آخر، لأنّ غاياته غايات الوضوء و الامر المتعلق بها متعلق بالوضوء، ففى مقام اتيان الوضوء يأتى بالوضوء ممحضا

للاوامر المتعلقة بالوضوء لا بطرو شي ء آخر، و بعد كون الداعى امتثال أوامر الوضوء يتحقق الامتثال لكل هذه الاوامر، و لا يعتبر في حصول الامتثال أن يكون الداعى للوضوء لكل واحد من هذه الاوامر المتعلقة به ممحضا له لا للغيرة عند العقل، فظهر لك الفرق بين المقام و بين الضمائم فافهم.

الجهة الثالثة: إذا نوى بعض الغايات فقط

و لم ينو الجميع فهل يكفى عن هذا البعض و يكون امتثالا له أولا؟ و على تقدير كون هذا الوضوء الواقع بنية بعض الغايات مجزيا عنه و امتثالا له، يكون مجزيا عن غيره من الغايات التي لم ينوها و امتثالا لها، أو يكون مجزيا و لا يكون امتثالا، أو لا يكون امتثالا و لا مجزيا عمّا لم ينوه من الغايات.

أما كون الوضوء مجزيا عن البعض المنوى عنه من الغايات و كافيا عنه فلان اتيان المأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء، و ما نوى من الغايات لا يقتضي إلّا حصول الطّهارة و قد حصل به الطّهارة.

و أمّا كون الوضوء امتثالا لأمر المتعلق بهذا البعض من الغايات المنوية فلانه قصد اطاعة امره فيحصل الامتثال.

و أمّا كون الوضوء كافيا عن الغايات التي لم ينوها فلان الأمر بهذه الغايات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 222

لا يقتضي إلّا حصول الطّهارة و قد حصل بالوضوء الطّهارة و إن لم ينوبه هذه الغايات، و أمّا عدم كون الوضوء امتثالا لما لم ينوه من الغايات فلأنّ امتثال كل امر يحصل بقصد اطاعة امره و هو على الفرض لم ينو هذه الغايات فلا يكون وضوئه امتثالا لها.

الجهة الرابعة: انما الكلام في انّه مع اجتماع الغايات هل يكون الأمر متعددا
اشارة

باعتبار تعدد الغايات أم لا؟ و على فرض تعدد الأمر هل يتعدد المأمور به مطلقا أو لا يتعدد مطلقا أو التفصيل بين الموارد فالكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: في أنّه مع اجتماع الغايات في الوضوء هل يتعدد الأمر

باعتبار امر كل غاية من الغايات فيكون الوضوء مع اجتماع غايات متعددة عليه متعلقا لاوامر متعددة أو لا يتعدد الأمر بل التعدد في جهات الأمر و ملاكه.

فعلى الأوّل يكون المورد من صغريات الاجتماع لكن لا يكون الاجتماع اجتماع الأمر و النهى بل اجتماع الأمرين و قد عرفت في محلّه أن اجتماع المثلين مثل اجتماع الضدين من حيث استحالة اجتماعهما لاجتماع اوامر متعددة باعتبار غايات متعددة على الوضوء الواحد.

و على الثاني لا يكون التعدد إلّا في ناحية جهات الأمر و ملاكه فالوضوء الواحد قد اجتمع فيه ملاكات متعددة و جهات مختلفة باعتبار تعدد الملاكات الموجودة فيه من أجل طرو غايات متعددة، و إن لم يكن امر فعلى متعلق بكل من هذه الغايات، فإن كان كل هذه الغايات واجبة، أو بتمامها مستحبة يصير وجودها سببا لآكدية الطلب الوجوبى أو الاستحبابى و إن كانت بعض منها واجبة و بعضها مستحبة يصير الوضوء واجبا بالوجوب الفعلى و إن كان الملاك الندب موجودا فيه باعتبار الغاية الندبية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 223

إذا عرفت محل الكلام في هذه المسألة نقول بعونه تعالى: إن الأمر لا يكون متعددا حتى مع اجتماع الغايات في الوضوء الّا فيما إذا كانت الغاية النذر لكن لا مطلقا، بل في خصوص صورة كان النذر متعلقا بفعل وضوء لشي ء خاص، مثلا نذر فعل وضوء لخصوص قراءة القرآن بشرط لا، و نذر أيضا فعل وضوء لدخول المسجد خصوصا و بشرط لا، يتعدد الامر و المأمور به كما يبيّن

بعد ذلك إن شاء اللّه و إن كان الوضوء حقيقة واحدة لأنّ المنذور فعل الوضوء لخصوص كل من قراءة القرآن و دخول المسجد.

فنقول أمّا عدم تعدد الامر فى اجتماع الغايات فى الوضوء الّا ما استثناه من النذر و كان هذا النذر مشروعا كما هو الحق بأنّ النذر لا بد فى انعقاده من تعلقه بفعل مشروع، و المشروع من الوضوء على الفرض هو الغايات الوجوبية و المندوبية و ليس مشروعية واحدة منها بشرط لا، مثلا الوضوء لدخول المسجد أو لقراءة القرآن من غاياته المستحبّة، و هما ليستا غاية الوضوء بشرط لا، بمعنى كون مشروعيتهما لخصوص وقوع الوضوء لهما أو لاحدهما خاصة بل مشروعية الوضوء لهما هو لحصول الطهارة عند فعلهما سواء أتى بالوضوء لهما أو لغاية اخرى أو لا، فمشروعيته لهما ليست مقيدة، فبعد عدم كون مشروعيتهما مقيدة فكيف يتعلق النذر بالوضوء لهما مقيدا بعدم كون الطهارة الحاصلة من الغايات أو بشرط ايجاد الوضوء لخصوصهما لا مطلقا.

لأنّه بعد ما قلنا في محلّه بأن في المقدمة ما يكون متعلقا للوجوب هو ذات المقدمة لا عنوان المقدمة و بعبارة اخرى يكون عنوان المقدمية لذات المقدمة حيثية تعليلية لا تقييدية و بعبارة ثالثة من قبيل الواسطة في الثبوت لا من قبيل الواسطة في العروض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 224

فليس الوضوء مقدمة لغاية خاصة مثلا لصلاة، و لغاية اخرى مثلا قراءة القرآن، و لغاية ثالثة مثلا زيارة قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كى يصير واجبا أو مستحبا بعنوان المقدمية حتى يقال إنّ هذا الوضوء باعتبار كونه مقدمة للصلاة صار متعلقا للامر الوجوبى، و بعنوان كونه مقدمة لقراءة القرآن متعلقا لأمر ندبى، و

باعتبار كونه مقدمة لزيارة قبر الرسول العظيم صلّى اللّه عليه و آله و سلم صار متعلقا لامر الندبى الآخر، لعدم كون متعلق الأمر عنوان المقدمية حتى يقبل الوضوء الواحد أوامر متعددة باختلاف الجهات التي فيه و هي كونه مقدمة لكذا و كذا و كذا.

بل لخصوصية واحدة في الوضوء صار بهذه الخصوصية معتبرا في صحة ما يعتبر فيه أو في كماله.

فالأمر تعلق بنفس الوضوء و ذاته و هو ليس قابلا لصيرورته متعلقا لاكثر من أمر واحد لعدم وجود جهات متعددة في ذات الوضوء الذي يكون مقدمة للغايات، فعلى هذا لا يكون المورد قابلا لتعدد الأمر حتى على القول بجواز اجتماع الأمر و النهي أو جواز اجتماع الأمرين مع تعدد الجهة لعدم تعدد الجهة في المقام.

فتخلّص عدم كون الوضوء المجتمع فيه أكثر من غاية واحدة متعلقا لأوامر متعددة، بل المتعلق به ليس إلّا امرا واحدا وجوبيا أو استحبابيا.

المورد الثاني: هل يكون على تقدير تعدد الأمر مع تعدد الغايات المأمور به متعددا أيضا

مطلقا، أو لا يكون متعددا مطلقا، أو التفصيل بين تعدد المأمور به بالنذر، فإذا نذر وضوءين يتعدد المأمور به.

و أمّا غير النذر مثل أن يجتمع في الوضوء غاية مثل الصلاة، و غاية اخرى كزيارة أحد المشاهد المشرفة على صاحبها أفضل الصلاة و السلام، فلا يتعدد المأمور به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 225

أو التفصيل بين أقسام النذر فيتعدد المأمور به إذا نذر فعل الوضوء عند قراءة القرآن، و نذر أيضا فعل الوضوء عند دخول المسجد، و بين ما نذر قراءة القرآن متوضأ و نذر دخول المسجد متوضأ فلا يتعدد المأمور به.

فعلى الأوّل لا بدّ من وضوءين وضوءا لقراءة القرآن و وضوءا لدخول المسجد و لا بدّ في مقام امتثال كل منها من تعيينهما، و لو لم

يعينهما في الوضوء لا يكون الوضوء الواقع امتثالا لأمرهما و لا اداء لامرهما.

و على الثاني لا يجب إلّا وضوء واحد و إن لم ينو أحدهما، بل لو لم ينو كل واحد من الغايتين لا قراءة القرآن و لا دخول المسجد، لأنّ المنذور ليس إلّا قراءة القرآن و دخول المسجد مع الوضوء، فإذا توضأ و لو لغاية غيرهما يحصل الوفاء بالنذر و إن لم يكن اداء لامرهما و لا امتثالا لامرهما.

و هذا هو الفرق بين طرفي التفصيل و الظاهر من التفصيل الذي يكون في كلام المؤلف رحمه اللّه هو هذا، لا التفصيل السابق.

ثم قال المؤلف رحمه اللّه: بأن القول بالتفصيل بين قسمى النذر في تعدد المأمور به و عدمه قريب.

إذا عرفت الاحتمالات الاربعة في تعدد المأمور به و عدمه في فرض اجتماع غايات في الوضوء.

أقول: بعونه تعالى: بأن الحق عدم تعدد المأمور به مطلقا في غير النذر و هو احد الاحتمالات من بين الاحتمالات الأربعة.

و أمّا في النذر فيكون ثبوتا تابعا لنذر الناذر، و يأتي تفصيله و الكلام فى بيانه فنقول بعونه تعالى: أمّا الكلام في عدم تعدد المأمور به إذا اجتمعت الغايات و كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 226

غير النذر.

أما بناء على عدم تعدد الأمر مع اجتماع الغايات المتعددة و استحالة تعدده لعدم كون ذات الوضوء مع قطع النظر عن عنوان المقدمية موجها بجهات حتى يقبل لتوجه كل أمر باحد جهاته.

و أنّ متعلق الوجوب كما عرفت هو ذات المقدمة لا عنوان المقدميّة فلا يكون المأمور به متعددا لان تعدد المأمور به فرع تعدد الأمر.

و أما بناء على تعدد الأمر كما اختاره المؤلف رحمه اللّه، فهل يكون المأمور به متعددا أيضا.

حتى

لو قلنا باكتفاء الاتيان بالوضوء مرة واحدة في صورة اجتماع الغايات المتعددة، و تحقق الاداء و الامتثال كان ذلك من باب تداخل المسببات، و إلّا لو لم نقل بتداخل المسببات كان الواجب في صورة اجتماع غايات واجبة إتيان الوضوء بعدد الغايات.

أو لا يكون المأمور به متعددا.

الحق عدم تعدد المأمور به لأنّه بعد تسليم تعدد الأوامر فما كان يقتضي كل امر هو ايجاد طبيعة الوضوء لحصول الطّهارة و رفع الحدث فيما يكون امر الوضوء لرفع الحدث لكون المطلوب من كل هذه الاوامر هو رفع الحدث، و هو غير قابل للتكرر و بعد كون الوضوء و إن كان قسم منه رافعا للحدث و بعضه غير رافع للحدث حقيقة واحدة، فكل امر لا يقتضي الّا الوضوء، فلو كانت غاية من الغايات رافعة للحدث و بعضها غير رافعة له، لكن حيث لا يكون الوضوء الّا حقيقة واحدة فلا يوجب تعدد الامر تعدد المأمور به فى باب الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 227

و من هنا يظهر أن الاكتفاء في مقام الاداء أو الامتثال بمأمور به واحد ليس من باب التداخل، بل يكون من باب عدم تعدد المأمور به، لأنّ ما يقتضيه كل من الاسباب هو ليس إلا مسبب واحد مثل تحقق اسباب متعددة للقتل، فحيث إن القتل غير قابل للتكرر فيكتفى بقتل و إن كان سببه و الأمر به متعددا، فليس المورد من صغريات باب التداخل أصلا، لان محل الكلام في بحث تداخل المسببات و عدم تداخلها هو ما كان المسبب قابلا للتعدد و أمّا اذا كان غير قابل للتعدد فهو خارج عن محل الكلام في باب التداخل.

و أمّا إذا اجتمعت الغايات و كانت بعضها النذر،

أو كانت كلها نذرا فنقول انّه في النذر يكون تابعا لنذر الناذر، فإن نذر فعل شي ء متوضأ مثلا نذر قراءة القرآن مع الوضوء و متوضأ، و نذر دخول المسجد متوضأ، ففى هذه الصورة يكون مثل ساير الغايات المجتمعة فى الوضوء بمعنى لا يقتضي النذر و إن كان متعددا الّا وضوءا واحدا لانه لم ينذر الا قراءة القرآن أو دخول المسجد متوضأ، فاذا توضأ بقصد كل منهما بل يقصد أحدهما، بل يقصد غاية اخرى فقرأ القرآن و دخل المسجد و فى بنذره لانه عمل بالمنذور متوضأ.

و أمّا لو نذر فعل الوضوء عند قراءة القرآن بحيث يكون متعلق نذره فعل وضوء لخصوص قراءة القرآن، و فعل وضوء لخصوص دخول المسجد فاذا اجتمعا بنفسهما بمعنى اجتمعت غايات كلها للنذر، أو اجتمعت غاية النذر بهذا النحو مع بعض غايات اخرى للوضوء غير النذر فقهرا يكون المأمور به متعددا و يكون الأمر متعددا، لأنّه على الفرض مأمور بفعل وضوء خاص لغاية النذر فالامر و المأمور به يكون متعددا، لكن الاشكال فى مشروعية النذر بهذه الكيفية حتى يقتضي هذا النذر تعدد الامر و تعدد المأمور به كما قدمنا بيان تعدد الامر و عدمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 228

و من هنا يظهر لك ما في التفصيل بين النذر و غيره من تعدد المأمور به في الأوّل مطلقا و عدمه في الثاني مطلقا، لأنّ وجه التفصيل إن كان مجرد كون النذر مقتضى لذلك فاذا نذر الوضوء لقراءة القرآن مثلا مرة و نذر الوضوء لدخول المسجد فيكون مقتضى تعدد النذر تعدد المنذور.

ففيه أنّه كما يمكن تعلق النذر بفعل فرد من الوضوء عند قراءة القرآن محضا و فرد آخر عند دخول

المسجد محضا الذي لازمه تعدد المأمور به و هو الوضوء.

كذلك يمكن تعلق النذر بقراءة القرآن متوضأ و نذر آخر بدخول المسجد متوضأ الذي لازمه كفاية وضوء واحد بحيث إنّه لو لم يقصد بوضوئه أحد من الغايتين بل توضأ الوضوء لغاية اخرى غير قراءة القرآن و دخول المسجد و قرء القرآن و دخل المسجد مع هذا الوضوء يكون مبرأ للنذرين، لان النذرين لا يقتضيان إلّا كون قراءة القرآن و دخول المسجد مع الوضوء كما أنّه لو توضأ بقصد احد الغايتين المذكورتين و يأتي مع وضوئه غاية اخرى منهما فقد و في بنذره.

فما ينبغى أن يقال هو أنّه ليس للنذر في حد ذاته خصوصية تقتضى تعدد المأمور به، أىّ المنذور مطلقا كما توهم القائل بالتفصيل بين النذر و غيره، بل لا بدّ من ملاحظة نحوة النذر، فإن تعلق النذر بايجاد المنذور متوضأ و إن كان النذر متعددا أو المنذور متعددا فلا يقتضي تعدد المأمور به أصلا.

و إن تعلق النذر بفعل الوضوء عند المنذور بشرط لا مثلا قراءة القرآن محضا و تعلق نذر آخر بفعل الوضوء عند دخول المسجد محضا، فيكون الواجب الوضوء عند الأوّل و وضوء آخر عند الثاني، و إن كان الاشكال فى صحة النذر كذلك.

و ما يظهر من كلام المؤلف رحمه اللّه هو التفصيل في عدم تعدد المأمور به و تعدده بين ما كانت غايات متعددة مجتمعة غير النذر أو قسم من النذر كما اشرنا و يأتي بيانه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 229

إنشاء اللّه بعد ذلك و بين ما كانت هذه الغايات واحدة من قسمى النذر نذكر بيانه في الاحتمال الرابع من الاحتمالات الاربعة في تعدد المأمور به و عدمه.

فنقول

بعونه تعالى.

اما الاحتمال الرابع: و هو التفصيل بين ما إذا كانت الغايات المجتمعة غير النذر مثلا تعلق امر بالوضوء للصلاة و أمر لمس كتابة القرآن، و بين ما إذا تعلق النذر بأن يقرأ القرآن متوضأ و تعلق النذر أيضا بأن يدخل المسجد متوضأ فلا يتعدد المأمور به، و بين ما إذا تعلق النذر بأن يتوضأ لقراءة القرآن و نذر آخر بأن يتوضأ لدخول المسجد، فيتعدد المأمور به و هذا التفصيل هو التفصيل الذي قال المؤلف رحمه اللّه بأن (هذا القول أقرب).

أقول: وجه التفصيل هو ما بيناه في التفصيل السابق من أنّه لا يتعدد المأمور به فيما كانت الغايات غير النذر أو النذر المتعلق بالمنذور متوضأ، لأنّ كل هذه الغايات أو النذرين أو النذور المتعددة إذا كانت بالنحو المذكور لا تقتضى إلّا وجود الغاية مع الوضوء و بعبارة اخرى لا تقتضى الا طبيعة الوضوء، فاذا توضأ لغاية منها و صار مع الوضوء يبيح له سائر الغايات و يسقط أوامرها لأنّ كل أمر من هذه الأوامر لا يقتضي إلّا وجود متعلقه مع الوضوء و هو على الفرض مع الوضوء.

و أمّا وجه تعدد المأمور به فيما تكون كيفية نذره أن ينذر فعل الوضوء لعمل مثلا لان يتوضأ لقراءة القرآن و نذر نذرا آخر لان يتوضأ لدخول المسجد، فلأنّ مقتضى النذر هو وجوب وضوء لقراءة القرآن، و وجوب وضوء لدخول المسجد تعدد المأمور به، فهذا هو وجه التفصيل.

أقول: بأن النذر إذا تعلق بفعل الوضوء لقراءة القرآن، و تعلق أيضا النذر بفعل الوضوء لدخول المسجد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 230

تارة يكون المنذور فعل الوضوء لقراءة القرآن، و فعل الوضوء لدخول المسجد بمعنى أن يأتي بوضوء عند

قراءة القرآن لخصوصه، و وضوء عند دخول المسجد لخصوص دخول المسجد، فحيث يكون المنذور فعل الوضوء لكل منهما يقصد كل واحد منهما بشرط لا عن الآخر.

و بعبارة اخرى يكون الوضوء ممحضا لقراءة القرآن لا لغيره، و كذلك لدخول المسجد لا لغيره، ففي هذه الصورة يقتضي تعدد الأمر المتعلق بالنذر تعدد المأمور به.

و تارة يكون النذر متعلقا بفعل الوضوء لا بشرط، فلو أتى بوضوء واحد لكل من قراءة القرآن و دخول المسجد فقد و في بنذره لأنّه توضأ لقراءة القرآن و لدخول المسجد، بل لو توضأ بقصد أحدهما، بل بقصد غاية اخرى عند قراءة القرآن و دخول المسجد فقد و في بنذره، لأنّ المنذور ليس إلّا فعل الوضوء حين إتيانهما و لا يكون المنذور فعل الوضوء بقصدهما حين اتيانها، فيحصل برء النذر، فتلخص أن تفصيل المؤلف رحمه اللّه في المنذر ليس على إطلاقه صحيح.

فما هو حاصل البحث في المسألة هو أنّه في الوضوء مع اجتماع غايات متعددة لا يتعدد الأمر و لا المأمور به.

إلّا في صورة واحدة و هي ما إذا تعددت الغاية و كانت كلها منذورة مثل ما إذا نذر فعل الوضوء لغاية خاصة بشرط لا عن غيره، و كذلك نذر فعل الوضوء لغاية خاصة بشرط لا عن غيره، سواء نذر فعل الوضوء بداعى غاية خاصة و مخصوصا بها، أو ينذر فقط فعل الوضوء لهذه الغاية الخاصة بشرط لا عن غيره، لأنّه في الفرض الثاني حيث لا يعين هذا الوضوء الخاص للغاية الخاصة مثلا قراءة القرآن أو نذر آخر لفعل الوضوء لدخول المسجد إلّا بالقصد فيكون مثل الفرض الأول ففي هذه الصورة يفرض تعدد الأمر و تعدد المأمور به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6،

ص: 231

لكن الاشكال في صحة هذا النذر كما بينا عند بيان تعدد الأمر و عدمه، نعم بناء على الصحة لا بدّ في هذه الصورة من التعيين في مقام النية حتى يقع الوضوء امتثالا للمأمور به، لان تخصيص كل من الوضوءين بحسب النذر بكونه لكل من الأمرين مثلا لقراءة القرآن و دخول المسجد يوجب تعيين كل منهما عن الآخر، فلا بدّ من التعيين في النية.

و حاصل ما ينبغى أن يقال: هو عدم تعدد الامر و المأمور به مطلقا حتى فى النذر و إن أمكن فرض صورة يتعدد فيها الامر و المأمور به، لكن وقوعها محل منع لعدم مشروعيتها.

***

[مسئلة 32: إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في أثنائه دخل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في أثنائه دخل لا إشكال في صحته و أنّه متّصف بالوجوب باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه و بالاستحباب بالنسبة إلى ما كان قبل الوقت، فلو أراد نية الوجوب و الندب نوى الأوّل بعد الوقت و الثاني قبله.

(1)

أقول: إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في اثنائه دخل الوقت.

فهل يبطل الوضوء كما حكي عن العلامة رحمه اللّه في القواعد، أو يصح و يبنى فيما بقى منه على الندب، أو يصح و يتصف ما وقع منه قبل الوقت بالندب و ما يقع بعده بالوجوب؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 232

احتمالات:

وجه البطلان هو أنّه لو لا بطلان الوضوء يلزم اتصاف فعل واحد بالوجوب و الندب، و هذا مستحيل لأنّ لازم كونه واجبا و مستحبا أن يكون ممنوعا من تركه لوجوبه و مرخصا في تركه لاستحبابه و هذا محال.

و نجيب عنه أما نقضا فبالحج المندوب، فإنه بالشروع يصير واجبا، و بالاعتكاف فهو مندوب

و فى اليوم الثالث منه يصير واجبا.

و حلّا بأن الممنوع هو اجتماع الوجوب و الندب في الواحد الذي لا تكثر فيه بحسب اجزائه و أمّا إذا كان له التكثر بحسب أجزائه مثل الحجّ و الاعتكاف و مثلهما الوضوء فلا مانع من اتصاف بعض اجزائه بالندب و بعضها بالوجوب.

و أمّا ما قال بعض «1» الشراح في مقام الجواب بأن الممنوع هو اجتماع الوجوب و الحرمة في شي ء واحد بحدهما و أمّا اجتماعهما لا بحدهما بل بذاتهما فلا مانع منه حتى فى الواحد الذي لا تكثّر له فضلا عمّاله التكثر مثل الوضوء.

ففيه أن الوجوب و الاستحباب يكونان اسمين للمحدود منهما بالحدين فكيف يعقل بقاء ذاتهما و زوال حدهما لانهما عين المحد و لان المحدود بعدم جواز الترك واجب و المحدود بجواز الترك مستحب فاذا ذهب الحد ذهب المحدود فلا يبقى وجوب الا مع بقاء حده و لا استحباب الا مع بقاء حدّه.

و حكي عن جامع «2» المقاصد أن اضعف الاحتمالات هو الاحتمال الثاني و هو البناء فيما بقى من الوضوء بعد دخول الوقت على الاستحباب مثل ما مضى منه قبل

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 488.

(2) جامع المقاصد، ج 1، ص 211.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 233

الوقت بدعوى وقوع النية في محلها، لأنّه على الفرض نوى الاستحباب قبل الوقت هذا وجه الاحتمال الثاني.

و أمّا وجه الضعف الذي حكي عن جامع المقاصد هو أنّه بعد دخول وقت الصلاة و فعليّة الخطاب المتعلق بالمشروط بالوضوء و صيرورة الوضوء واجبا لأجل هذا الأمر المتوجه بمشروطه و هو الصلاة لا وقع لاحتمال بقاء الندب الذي كان له قبل دخول الوقت، فلا معنى للقول بالبناء على الاستحباب حتى

فيما يبقى من الوضوء و يأتي به بعد الوقت.

إذا عرفت ذلك بعونه تعالى.

أقول: بعد ما عرفت في النية عدم اعتبار قصد الوجوب و الندب لا وصفا و لا غاية، و يكفى قصد القربة فلو دخل في الوضوء قبل الوقت بقصد القربة مثلا لحصول الطّهارة، فلا إشكال في جواز اتمامه بهذا القصد حتى بعد دخول الوقت، لأنّه بعد دخول الوقت و إن صار واجبا، و لكن لا مانع من كون الداعى حصول الطّهارة قربة إلى اللّه لبقاء ملاك الاستحباب و إن لم يكن مأمورا بالأمر الاستحبابى فعلا.

فالكلام يكون فيما إذا نوى الاستحباب قبل الوقت لكون غاية الوضوء يقتضي تعلق الأمر الاستحبابى به مثل الكون على الطهارة، ثم دخل الوقت فحيث إنّه بعد دخول الوقت يصير واجبا لوجوبه للصلاة، فلا يمكن مع تعلق الأمر الوجوبى بقاء الأمر الندبى لعدم اجتماع عدم الترخيص في الترك الملازم للوجوب مع الترخيص في الترك الملازم مع الاستحباب.

فالكلام إن كان في أنّه هل يمكن قصد الوجوب بالنسبة إلى ما بقى من أجزاء الوضوء فيقع بعضه مستحبا و بعضه واجبا، فنقول: لا مانع من ذلك لما عرفت من عدم إشكال في اتيان شي ء ذى الاجزاء بعضه بداعى الاستحباب لاستحبابه و بعضه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 234

بداعى الوجوب من باب كونه واجبا و يصحّ الوضوء الواقع كذاك.

هذا كله بناء على ما قلنا في المسألة السابقة بكون الوضوء حقيقة واحدة مستحبا كان أو واجبا، و امّا لو كان حقيقتين فلا يمكن اتصاف الوضوء المتصف بالاستحباب الوجوب و بالعكس.

و إن كان الكلام في أنّه هل يمكن قصد اتيان ما بقى منه بعنوان الاستحباب حتى بعد الوقت فنقول: بعدمه لعدم الأمر الندبى

المتعلق به فعلا بعد دخول الوقت فكما قال المؤلف رحمه اللّه لو أراد نية الوجوب و الندب نوى الأوّل بعد الوقت و الثاني قبله.

***

[مسئلة 33: إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء و لم يكن عازما على اتيانها فعلا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء و لم يكن عازما على اتيانها فعلا فتوضأ لقراءة القرآن فهذا الوضوء متصف بالوجوب و إن لم يكن الداعى عليه الأمر الوجوبى، فلو أراد قصد الوجوب و الندب لا بد أن يقصد الوجوب الوصفى و الندب الغائى بأن يقول: أتوضأ الوضوء الواجب امتثالا للأمر به لقراءة القرآن هذا، و لكن الأقوى أن هذا الوضوء متصف بالوجوب و الاستحباب معا و لا مانع من اجتماعهما.

(1)

أقول: الكلام في المسألة في امرين:

الأمر الأوّل: في أن من عليه صلاة واجبة و لم يكن عازما فعلا على اتيانها

فتوضأ لقراءة القرآن مثلا، فهل يتصف هذا الوضوء بالوجوب مع عدم كون الداعى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 235

على اتيانه الأمر الوجوبى، أو لا يتصف بالوجوب؟ فنقول بعونه تعالى:

أما على القول بوجوب المقدمة على تقدير قصد التوصل بذى المقدمة فلم يكن هذا الوضوء متصفا بالوجوب لعدم قصده اتيان ذى المقدمة و هو الصلاة.

و لا يصح إتيان الوضوء على القول بوجوب المقدمة مع قصد التوصل بذى المقدمة بقصد الوجوب الوصفى و الندب الغائى لعدم كونه متصفا بالوجوب على هذا المعنى.

و أمّا على القول بوجوب مطلق المقدمة و لو لم يقصد التوصل بذى المقدمة فيكون الوضوء متصفا بالوجوب، و في هذه الصورة لو أراد قصد الوجوب فيقصد الوجوب الوصفى و الندب الغائى كما قال المؤلف رحمه اللّه أعنى: يقصد الوضوء الواجب لغايته المندوبة و هي قراءة القراءة لا لندبه لعدم كونه متصفا بالندب مع فرض اتصافه بالوجوب.

الأمر الثاني: و هل يتصف هذا الوضوء بكل من الوجوب و الاستحباب أو لا يتصف

إلّا بأحدهما فإن لم يكن واجبا يتصف بالاستحباب فقط، و إن كان واجبا يتصف بالوجوب فقط.

الأقوى أن الوضوء في كل مورد يتصف بالوجوب لا يتصف بالاستحباب لأنّه لا يتصف بالوجوب إلّا لكونه واجبا، و لا يتصف بالاستحباب إلّا لكونه مستحبا و مع كونه واجبا كيف يكون مستحبا حتى يتصف بالاستحباب، كما أنّه في كل مورد يتصف بالاستحباب ليس إلّا من باب عدم وجوبه بل لا جل استحبابه فقط، فلا يمكن اتصافه بالوجوب.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 236

[مسئلة 34: إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزئ من الغسل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزئ من الغسل غير مضر و استعمال الازيد مضرّا يجب عليه الوضوء كذلك و لو زاد عليه بطل إلّا أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقق الغسل بأقل المجزى، و إذا زاد عليه جهلا أو نسيانا لم يبطل بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرّا و توضأ جهلا أو نسيانا فإنّه يمكن الحكم ببطلانه لأنّه مأمور واقعا بالتيمم هناك بخلاف ما نحن فيه.

(1)

أقول: الكلام في المسألة في موارد:

المورد الأوّل: في أنه إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزى من الغسل في الوضوء غير مضرّ،

و استعمال الازيد منه مضرّا يجب عليه الوضوء بأقل ما يجزى لأن الزائد موجب للضرر و هو حرام.

المورد الثاني: في الفرض إذا زاد على الأقل المجزى و الحال انه مضر

بطل وضوئه.

لأنّه كما قلنا في الشرط السابع بعد كون الوضوء ضرريا يكون حراما، و مع حرمته لا يكون قابلا لأن يتقرب به، فيكون باطلا على التفصيل الآتى في المورد الثالث.

المورد الثالث: لو زاد الغسل على أقل ما يجزى مع كونه مضرّا.

فتارة يكون قبل تحقق الغسل بحيث يتحقق بعض الغسل بهذه الزيادة فهو حرام لكونه إضرارا بالنفس، و يبطل الوضوء به كما قلنا لمانعيته من صيرورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 237

الفعل مقرّبا.

و تارة تكون الزيادة بعد تحقق الغسل المعتبر في الوضوء، فهل يوجب ذلك أيضا البطلان بعد ما لا إشكال في حرمته، أو لا تكون مبطلا للوضوء و إن كان حراما؟

أقول: إنّ له صورتين لأنه تارة تكون الزيادة و المزيد عليه دفعة واحدة مثلا مع تحقق الغسل بأقل الغير المضر يغسل بالماء الاكثر بالمقدار المضر، ففي هذه الصورة يبطل الوضوء لأنّ هذه الغسلة الواحدة المشتملة على الزيادة و المزيد عليه منهى عنه، و النهى يوجب البطلان لموجبية النهى لعدم قابليته للتقرب به.

و قد يتوهم عدم البطلان في هذه الصورة بدعوى أنّ المقدار عن الماء الذي يكون مضرّا غير مقوم للغسل المعتبر في الوضوء، فحرمته لا يوجب حرمة الوضوء نظير جهر المرأة بالقراءة في موضع يسمع صوتها الأجنبى الذي قال بعض بصحة القراءة مع قوله بحرمة الاسماع.

و فيه انّه إن كان الواجب في الغسل المرتبة الخاصة من الطبيعة بحيث كانت الزيادة خارجة عن الواجب، كان لهذا التوهم مجال لأنّه يقال: إن الزيادة تكون خارجة عن الواجب، فلا يأتي بالمحرّم في المقدار و المرتبة الواجبة.

و لكن ليس الأمر كذلك بل المأمور به طبيعة الغسل فما يوجده من الغسل يكون بتمامه فردا للطبيعة قليلا كان أو كثيرا، فمع كون الغسل بتمامه من قليل الماء

المغسول به و كثيره فردا واحدا، و هو يكون منهيا عنه و لو باعتبار بعضه، لا يقبل لان يتقرب به، و لهذا يكون الوضوء في هذه الصورة باطلا و كذلك الحكم في جهر المرأة في أنّه يوجب البطلان.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 238

و تارة تكون الزيادة بعد تحقق المزيد عليه و حصول الغسل به، ففي هذه الصورة لا يوجب الماء الزائد المضر موجبا لبطلان الوضوء من هذا الحيث أعنى:

حيث كونه منهيا عنه للضرر لكونه خارجا عن الوضوء.

نعم ربّما توجب البطلان من حيث الآخر مثل أن تكون في غسل اليسرى فيبطل الوضوء لوقوع المسح بالماء الخارج.

المورد الرابع: فيما لو زاد على الاقل المجزى جهلا أو نسيانا

لم يبطل الوضوء لأنّ النهى بالنسبة إلى الضرر لا يكون في صورة الجهل بالموضوع و نسيانه فعليا و بعد عدم كون النهى فعليا لا مانع من التقرب به.

هذا كله في الجهل بالموضوع و نسيان الموضوع، و أمّا الجهل بالحكم أو نسيانه فله تفصيل في محلّه و ظاهر موضوع المسألة هو الجهل و النسيان في الموضوع.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 238

المورد الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه أمّا لو كان أصل الاستعمال مضرّا و توضأ جهلا أو نسيانا

يمكن الحكم ببطلانه لأنّه مأمور واقعا بالتيمم هناك بخلاف ما نحن فيه.

و غرضه رحمه اللّه هو أن أصل استعمال الماء إن كان مضرا و لو كان بأقل ما يجزئ في غسل الوضوء و استعمله جهلا أو نسيانا بالضرر يمكن الحكم ببطلان الوضوء لأنّه مأمور واقعا بالتيمم.

و أمّا إن كان الزائد على أقل ما يجزأ مضرّا و استعمل الزائد جهلا أو نسيانا لا يبطل الوضوء.

أقول: أولا ما قال في المقام من امكان القول ببطلان الوضوء فيما كان أصل استعمال الماء مضرا و استعمله جهلا، فهو خلاف ما قال في الشرط السابع من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 239

شرائط الوضوء حيث أنّه قال (و لو كان جاهلا بالضرر صحّ و إن كان متحققا في الواقع و الأحوط الاعادة أو التيمم).

و ثانيا كما قلنا عند الكلام في الشرط السابع من شرائط الوضوء أن وجه بطلان الوضوء هو كون استعمال الماء منهيا عنه و مع النهى الفعلى لا يصح أن يتقرب به، فإذا لم يكن النهى فعليا لا مانع من صحة التقرب به و في فرض الجهل و نسيان الموضوع لا يكون

النهى فعليا فلا مانع من صحة الوضوء

***

[مسئلة 35: إذا توضأ ثم ارتد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: إذا توضأ ثم ارتد لا يبطل وضوئه فاذا عاد إلى الاسلام لا يجب عليه الاعادة و إن ارتد في اثنائه ثم تاب قبل فوات الموالاة لا يجب عليه الاستيناف نعم الأحوط ان يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر و على هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى و قبل المسح ثم تاب يشكل المسح لنجاسة الرطوبة التي على يديه.

(1)

أقول: أما بطلان الوضوء بالارتداد فلا دليل عليه، فاذا عاد إلى الاسلام لا يجب عليه اعادة وضوئه، و مع الشك يكون استصحاب الطّهارة السابقة محكّما.

أما لو ارتد في أثناء الوضوء و الكلام يكون في أن الارتداد في الاثناء يوجب بطلان الوضوء أم لا.

فلو بطل من جهة اخرى، مثل ما فاتت الموالاة المعتبرة في الوضوء بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 240

ارتداده و قبل رجوعه إلى الاسلام، أو كان الارتداد بعد الفراغ عن غسل اليد اليسرى و قبل المسح، ثم عاد إلى الاسلام، فبناء على نجاسة الرطوبة الباقية في يده لكفره، و عدم طهارته باسلامه لعدم دليل على طهارة هذه الرطوبة بالتبع، كما هو الأقوى و قد مر الكلام في مطهرية الاسلام و مطهرية التبعية، فلا يمكن المسح بهذه الرطوبة لنجاستها، فهو خارج عن محل الكلام.

ثم بعد ذلك نقول بعونه تعالى: بأنّ الارتداد في الاثناء لا يوجب في حد ذاته بطلان الوضوء إلّا أن يوجب أمرا آخرا هو يبطل الوضوء مثل فوت الموالاة أو عدم إمكان المسح بنداوة الوضوء.

***

[مسئلة 36: إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت إذا كان مفوّتا لحقّه فتوضأ يشكل و إن كان الأقوى الصحة فيه، و كذا

الزّوجة إذا كان وضوئها مفوّتا لحق الزوج و الأجير مع منع المستأجر و أمثال ذلك.

(1)

أقول يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: فيما إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت

إذا كان مفوّتا هذا الوضوء لحقّه فتوضأ فهل يصحّ هذا الوضوء أم لا؟

أقول: اعلم أن الكلام إن كان فيما نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت فنقول:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 241

قد يقال: إن العبد لا بدّ له من أن يكون جميع أفعاله حتى مثل فعل الوضوء تحت إرادة المولى و لا يقدر على شي ء إلّا بإرادة المولى بحيث يكون تصرفه في نفسه غير جائز و محرما بدون إذن المولى.

و قد يقال: بأنه و إن جاز له أمثال هذه التصرفات قبل نهى المولى لكن حيث يكون للمولى أمره و نهيه بما شاء و دخله فى مقدرات العبد، و أمره و نهيه مطاع بحكم اللّه تعالى عليه.

فيقال: بعد كون تصرفه بدون إذن المولى في نفسه منهيا عنه و لا بد فى جواز تصرفه من اذنه على الاحتمال الأوّل، أو أنّه بعد نهيه عن الوضوء على الاحتمال الثانى يصير الوضوء محرما و بعد صيرورته محرما لا يكون الوضوء قابلا لان يتقرب به، فيكون وضوئه باطلا.

بدعوى أن قوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ «1» يدلّ على عدم جواز قدرته على العمل في نفسه بشي ء بدون رضا المولى، فإن لم نقل بالاحتمال الأوّل و هو احتياج جواز فعله بأمر المولى و إلّا يكون حراما، فلا أقل من الاحتمال الثاني و هو أنّه بعد نهى المولى يحرم تصرفاته و إن لم يكن محرما قبل نهيه.

فعلى كل حال يكون الوضوء في الفرض منهيا عنه و مع تعلق النهي به يكون حراما و مع حرمته لا

يصير مقرّبا فلا يصحّ الوضوء.

و إن كان منشأ بطلان الوضوء هو أن الوضوء موجبا لتفويت حق المولى كما يستفاد من عبارة المؤلف رحمه اللّه من فرض الاشكال في صحة الوضوء في هذه الصورة فنقول بعونه تعالى: انّ تفويت حق المولى ان كان يوجب النهى من الشارع على

______________________________

(1) سورة النحل، الآية 76.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 242

حرمة تفويت حقه، فيكون الوضوء منهيا عنه فيكون كالصورة الاولى و إن كان لا يوجب نهيا عن ذلك، فلا مانع من صحة وضوئه و إن كان موجبا لتفويت حقه.

حتى فيما إذا كان الأمر بحفظ حقه، و كان حفظ حقه مضادا مع الوضوء، لا يبطل الوضوء إلّا على القول بأن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده و لم نقل به.

كما أنّه لو أن وجه بطلان الوضوء كون الوضوء تصرفا في بدنه و هو على الفرض مملوك سيده و مولاه، فلا يجوز هذا التصرف إلّا باذنه.

نقول: بأنه إن كان مجرد وجوب الاستيذان في أفعاله و تصرفاته من سيده فلا يقتضي بطلان الوضوء لأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

نعم إن كان يقتضي ذلك كون تصرفاته بدون اذن مولاه في بدنه منهيا عنه يوجب النهى بطلان الوضوء لعدم كونه مع النهى مقرّبا، لكن حرمته غير معلوم كما بيّنا في الاحتمال الأوّل في المورد الاول.

فيبقى الاحتمال الثاني فى المورد الأوّل، و هو انّه بعد نهى المولى يحرم فعله لأنّ أمره و نهيه متبع على العبد بمقتضى حكم الشارع.

لكن الاشكال في أنّه هل يكون للمولى بحسب حكم الشارع النهى حتى عن هذا القبيل من التصرفات على عبده أم لا، بل يمكن أن يقال: بأن السيرة كانت على خلافه، و

انّه ليس للمولى نهى عبده عن هذه التصرفات مثل الوضوء و نظائره.

و لهذا لا يمكن الفتوى ببطلان الوضوء، بل كما قال المؤلف رحمه اللّه غاية ما يمكن أن يقال أنّه يشكل الحكم بصحته و إن كان الأقوى الصحة بالنظر.

المورد الثاني: إذا كان وضوء الزوجة في سعة الوقت مفوّتا لحق الزّوج

فتوضأت فهل يصحّ وضوئها أو لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 243

أقول: تارة يكون وضوء الزوجة مانعا عن حق استمتاع زوجها، ففي هذه الصورة حيث يجب عليها تمكينها عن الزوج لاستيفاء حقه من الاستمتاعات، فيكون صحة وضوئها في سعة الوقت و عدم صحته في هذا الفرض مبتنيا على القول بأن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده فيبطل وضوئها، و عدم اقتضائه النهى عن ضده فلا يبطل وضوئها، و حيث إنّ الحق هو عدم الاقتضاء فلا يبطل وضوئها.

و تارة لا يكون وضوئها موجبا لتفويت حق زوجها من استمتاعاتها فلا يكون الواجب عليها إطاعة زوجها في غير الاستمتاعات، فلو أمر بها بعتق عبد لها أو صلح ملك لها، أو اكل طعام معين و نحو ذلك، فلا يجب عليها اطاعته، فلا يوجب نهيه مثلا عن الوضوء في سعة الوقت بدون أن يكون لاجل الاستمتاع منها موجبا لتحريم الوضوء، و كذا لا يوجب امره وجوب ما امر بها مثل المذكورات، فلا يبطل وضوئها حتى على القول بكون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده، لعدم وجوب ما أمر بها بأمره عليها مثل المذكورات من الأمر بالعتق أو الصلح او الاكل من طعام أو الجلوس أو القيام بكيفية خاصة.

المورد الثالث: إذا منع المستأجر أجيره من الوضوء في سعة الوقت
اشارة

فهل يبطل وضوئه بنهيه أو لا؟

أقول بأنه يفرض له صور:

الصورة الاولى: ما إذا آجر نفسه لعمل معيّن،

في زمان معيّن مثل أن آجر نفسه لخياطة ثوب معين من الفجر إلى زوال يوم الجمعة المعين، ففي هذه الصورة ما يقتضي عقد الاجارة هو كون عمله الخاص في الوقت الخاص ملك المستأجر، و لكن غير هذه المنفعة من منافع الأخرى باق على ملكه، فلو أراد الوضوء في هذا الزمان و هو عمل و منفعة من منافعه و ملكه، لكن استيفائه مضاد مع العمل الذي ملّكه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 244

بمقتضى الاجارة بالغير، فهو مأمور بمقتضى الاجارة شرعا على صرف وقته في العمل الخاص و منفعة خاصة مستأجرة، فلو عمل عملا آخرا و هو ضده لو كان عبادة لا يكون مأمورا به، و لكن لا يكون حراما لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فلا يكون وضوئه باطلا إلّا على القول بأن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه.

الصورة الثانية: ما إذا آجر جميع منافعه الممكن الاستيفاء منه في وقت معين

غير الوضوء، مثلا آجر نفسه لخدمة البيت من الزوال إلى الغروب فيريد الوضوء في سعة الوقت مع كونه حتى في هذا الزمان أجيرا للغير، و يمنع المستأجر عن وضوئه فهل يصح وضوئه مع منعه أو لا؟

أقول: هذه الصورة بحكم الصورة السابقة لان الواجب عليه بمقتضى عقد الاجارة صرف عمله في هذا الوقت في المنفعة المستأجرة، و الوضوء في هذا الوقت حيث يكون ضدا للإجارة لا يكون مأمورا به لأن الأمر بالشي ء و إن لا يقتضي النهى عن ضده لكن يقتضي عدم الأمر بضدّه.

و مع ذلك لو توضأ يصح وضوئه لان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده ففي هذه الصورة لا يبطل الوضوء إلّا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهى عن ضده.

الصورة الثالثة: ما إذا آجر نفسه في الوقت المعين في المدة المعيّنة

لأن يتوضأ غيره مثلا بعض الافراد الغير القادرين على المباشرة في وضوئه، فهل حكمه حكم الصورتين الاولتين من حيث عدم بطلان وضوء الأجير في هذا الوقت، أو ليس مثلهما بل يبطل وضوئه.

و مثل هذه الصورة في الحكم ما إذا آجر تمام منافعه و من جملتها الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 245

فجعله من المنافع المملوكة للمستأجر بعقد الإجارة لأن يتوضأ غيره.

أقول: قد يقال «1» بفساد الوضوء في هذه الصورة لان مقتضى عقد الاجارة صيرورة المنفعة الوضوئية مملوكة للمستأجر بعقد الاجارة، فيكون الوضوء تصرفا في المنفعة التي مملوكة للغير بغير إذنه، فيفسد الوضوء لأنّه مع كون الوضوء تصرفا في ملك الغير فلا يقبل لأن يتقرب به حتى على القول بجواز اجتماع الأمر و النهي.

و قد يقال بعدم «2» بطلان وضوء الأجير حتى في هذه الصورة لان الاجارة وقعت على توضؤ الغير، و وضوء نفسه لم يقع مورد الاجارة حتى يكون

صرفه عن متعلقه و هو الغير تصرفا في منفعة المستأجر بغير إذنه فيصير منهيا عنه، بل يكون وضوئه ضدا لتوضى غيره، فلم يكن وضوئه حراما إلّا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهى عن ضده.

أقول: بعد كون مورد الاجارة تمام المنافع و من جملتها المنفعة الممكنة الاستيفاء بتوضى الغير، أو كان مورد الاجارة نفس هذه المنفعة، فالوضوء ضد هذه المنفعة و لم يكن توضؤ نفسه مورد الاجارة، فعلى هذا لا يبطل الوضوء إلّا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده، و على هذا حكم هذه الصورة حكم الصورتين السابقتين من حيث عدم بطلان الوضوء.

***

[مسئلة 37: إذا شك في الحدث بعد الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 493.

(2) العلامة الآملى. مصباح الهدى، ج 3، ص 489.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 246

بقاء الوضوء إلّا إذا كان سبب شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول و لم يكن مستبرئا فإنه حينئذ يبنى على أنّها بول و أنّه محدث و إذا شك في الوضوء بعد الحدث يبنى على بقاء الحدث، و الظن الغير المعتبر كالشك في المقامين، و إن علم الأمرين و شك في المتأخر منهما بنى على أنّه محدث إذا جهل تاريخهما أو جهل تاريخ الوضوء و أمّا إذا جهل تاريخ الحدث و علم تاريخ الوضوء بنى على بقائه، و لا يجرى استصحاب الحدث حينئذ حتى يعارضه لعدم اتصال الشك باليقين به حتى يحكم ببقائه، و الأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء و إن كان كذلك إلّا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه، و لكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا شك في الحدث بعد الوضوء فله صورتان:
الصورة الاولى: ما إذا شك في الحدث بعد الوضوء

و لم يكن منشأ شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول بل منشأه غير ذلك، فلا إشكال في أنّه يبنى على بقاء الوضوء للاستصحاب المحكم في كل الموارد من اليقين السابق و الشك اللاحق بالتفصيل المذكور في محلّه، و لدلالة خصوص بعض الأخبار المتمسك بها على حجية الاستصحاب للمورد.

مثل ما رواه زرارة قال: قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء، أ توجب الخفقة و الخفتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة، قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن، و إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 247

نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء، قلت: فإن حرّك

إلى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: لا حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن و إلّا فإنه على يقين من وضوئه و لا ينقض اليقين ابدا بالشك و انما تنقضه بيقين آخر «1».

و مثل ما رواه عبد اللّه بن بكير عن أبيه قال: قال لى أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ، و إياك أن تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد احدثت «2» و غيرهما.

الصورة الثانية: ما إذا شك في الحدث بعد الوضوء

و كان منشأ شكه خروج الرطوبة المشتبهة بالبول ففي هذه الصورة.

إن استبرء بعد البول بالكيفية المعهودة فأيضا كالصورة الاولى يبنى على الطّهارة، و إن لم يستبرأ يبنى على أن الرطوبة المشتبه بول و أنّه محدث لدلالة بعض الأخبار عليه، و قد مضى الكلام فيه في فصل الاستبراء، راجع الفصل المنعقد للاستبراء.

المسألة الثانية: إذا شك في الوضوء بعد الحدث يبنى على أنّه محدث

لاستصحاب الحدث و الاستصحاب حجة.

المسألة الثالثة: من كان على يقين من الوضوء فشك في الحدث
اشارة

أو بعكسه تارة يكون شكه الشك المصطلح، و هو كون طرفى الشك متساويا لم يرجح احد طرفيه على الآخر، فلا إشكال في انّه يبنى على يقينه السابق و هو مورد المتيقن من الاستصحاب فيبنى على الحالة السابقة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب نواقص الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 248

و تارة يكون أحد طرفى الشك راجحا على طرفه الآخر، و في الاصطلاح يكون الحالة النفسانية الظن و اعتقاد الراجح بأحد الطرفين، و الوهم و اعتقاد المرجوعة بطرفه الآخر، فيظنّ مثلا الطّهارة أو الحدث.

و ليس الكلام فيما يكون طرف الراجح موافقا مع الحالة السابقة لعدم إشكال فى جريان الاستصحاب، و إنّما الكلام فيما يكون الطرف الراجح مخالفا للحالة السابقة مثلا كانت الحالة السابقة الطهارة، و حصل الظن الغير المعتبر على الحدث أو بالعكس فله قسمان:

القسم الأوّل أن يكون الظن الحاصل الظن المعتبر مثل ما قامت البينة

بأنه توضأ بعد الحدث أو أنّه نام و صار محدثا بعد الوضوء.

ففي هذا القسم لا إشكال في وجوب البناء على الظن المعتبر طهارة كان مورد الظن أو الحدث لما عرفت في الأصول في محلّه من أن الظن المعتبر بدليل اعتباره يقوم مقام العلم الطريقى بلا إشكال و إن كان كلاما في قيامه مقام العلم الموضوعى بقسميه و قد مر الكلام فيه في الأصول حيث أن العلم المأخوذ غاية للاصول هو العلم الطريقى، فالظن المعتبر يقوم بدليل اعتباره مقامه.

القسم الثاني ما كان الظن القائم على أحد طرفى الحدث

أو الطّهارة هو الظن الغير المعتبر فهل يبنى على اليقين السابق و بعبارة اخرى يجرى الاستصحاب مع حصول الظن الغير المعتبر على خلاف الحالة السابقة أم لا.

أقول: قد مر منّا في الأصول في التنبيه الثاني عشر من تنبيهات الاستصحاب بأن المراد من الشك المأخوذ في الأصول هو خلاف اليقين، و قد استدل عليه بوجوه.

منها أن الشك خلاف اليقين لغة.

و منها من باب كون الشك مع وجود الظن الغير المعتبر على أحد طرفيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 249

بحكم الشك.

و منها دلالة بعض الروايات عليه مثل قوله عليه السلام في الرواية الاولى التي ذكرناها في المسألة الاولى الدالة على ان يبنى على الحالة السابقة إلى أن يتيقن بالخلاف، فمع عدم حصول اليقين بخلاف الحالة السابقة أو ما بحكمه من الظن المعتبر لا بدّ من البناء على الحالة السابقة و إن ظن بالظن الغير المعتبر خلافها.

المسألة الرابعة: لو علم بكل من الوضوء و الحدث و شك في المتأخّر منهما
اشارة

فله صور:

الصورة الاولى: ما إذا علم بحدوث كل من الوضوء و الحدث

و يكون شاكا في المتأخر منهما و كانا مجهولي التاريخ أعنى: يكون جاهلا بتاريخ حدوث كل منهما.

فنقول في هذه الصورة: بأن الكلام تارة يقع في استفادة حكم المسألة مع قطع النظر عن الاستصحاب.

فقد يقال بأن الواجب في هذه الصورة الوضوء لقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ الخ «1».

و لما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا صلاة إلّا بطهور «2».

وجه الدلالة أن إطلاق الآية الكريمة و الرواية الشريفة هو وجوب الوضوء عند دخول وقت كل صلاة، و قد خرج عن هذا الاطلاق المتطهر الذي يعلم بأنه على وضوء و يبقى تحت الاطلاق من لا يعلم أنّه على الوضوء مثل مفروض مسئلتنا.

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 250

و لما في الفقه الرضوى المنجبر بالشهرة فيما نحن فيه إن كنت على يقين من الوضوء و الحدث و لا تدري ايها اسبق فتوضأ «1».

وجه الدلالة على وجوب الوضوء واضح.

و فيه أما بالنسبة إلى الآية الشريفة و رواية زرارة فمقتضاهما هو وجوب الوضوء و الطهور، و بعد كون مفادهما بيان الحكم الواقعى فيد لان على وجوب الوضوء واقعا على من لا يكون على الوضوء و الطّهارة، فمن كان شاكا في أنّه هل يكون متطهرا و متوضأ أو لا يكون عمومهما غير متكفل لبيانه، لأنّ الشبهة تكون مصداقية و بعد كون الشبهة مصداقية لا يجوز التمسك بالعام فيها على ما يقتضيه التحقيق و بينا في الأصول.

و أمّا بالنسبة إلى المروى في فقه الرضوى و إن

كان لا إشكال فى دلالته، لكن الاشكال في سنده فلا يمكن التعويل عليه، و مجرد موافقة مضمونه مع فتوى المشهور لا يكون جابرا لضعف سنده إذ ربّما كان استناد المشهور بغيره.

و تارة نتكلم في حكم المسألة باعتبار الاستصحاب، فنقول بعونه تعالى: إنّه لا مجال للتمسك بالاستصحاب في المورد لا لوجوب الوضوء باستصحاب الحدث و لا لبقاء الطّهارة باستصحاب الطّهارة.

إمّا لما قاله المؤلف رحمه اللّه و به قال المحقق الخراسانى رحمه اللّه و بعض آخر من عدم اتصال زمان الشك باليقين، و بعبارة اخرى كون المورد من الشبهة المصداقية لعموم لا تنقض اليقين بالشك.

و إمّا لما قلنا من أن نفس العلم الاجمالى بنقض اليقين في أحد الطرفين مانع

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة ص 384 باب 12 ح 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 251

عن إجراء الاصل و هو الاستصحاب في الاطراف، و إمّا لتعارض كل من استصحاب الحدث و استصحاب الطّهارة مع الآخر فيسقطان بالتعارض فعلى كل حال لا مجال لجريان الاستصحاب.

و بعد عدم جريان الاستصحاب فمقتضى الاشتغال اليقينى بالصلاة مع الوضوء هو الفراغ اليقينى فيجب الوضوء في هذه الصورة.

و لا فرق فيما قلنا في هذه الصورة بين علمه بحالته السابقة قبل طرو الحادثين أولا، لأنّه مع العلم بالحالة السابقة يعلم بارتفاعها لعلمه بحدوث كل من الحادثين غاية الامر يكون شاكا فى ان ايّا منهما متأخر عن الآخر.

الصورة الثانية: ما إذا علم تاريخ الحدث و جهل تاريخ الوضوء

فيشك في تقدمه على الحدث و تأخره فحكمه حكم الصورة السابقة من حيث وجوب الوضوء عليه.

فنقول: أما بالنسبة إلى الحدث المعلوم تاريخ حدوثه، فإن كان النظر في استصحابه إلى نفس الحدث مع قطع النظر عن توصيفه بكونه حادثا عند عدم الآخر يجرى الاستصحاب لأنّه و

إن كان تاريخ حدوثه معلوما، لكن حيث يحتمل حدوث الوضوء بعده فيكون شاكا في بقائه فيستصحب الحدث، هذا بالنسبة إلى ما علم تاريخه و هو الحدث.

و أمّا بالنسبة إلى ما جهل تاريخه و هو الوضوء، فإن قلنا باجراء الاستصحاب في مجهول التاريخ فإن كان يجرى استصحاب وجوده، لكن يسقط بالتعارض مع الاستصحاب في معلوم التاريخ من الحادثين، فمقتضى اشتغال اليقينى بالوضوء هو وجوب الوضوء حتى يحصل له البراءة اليقينة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 252

و إن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في المجهول التاريخ من الحادثين، إمّا من باب عدم اتصال زمان اليقين بالشك كما قاله بعض.

أو لما قلنا من أن نفس العلم بالنقض مانع فلا مجال لاستصحاب الوضوء أصلا فيكون استصحاب الحدث بلا معارض فيبنى على الحدث، و يجب الوضوء، غاية الامر بناء على عدم جريان الاستصحاب فى مجهول التاريخ يكون الوجوب لاجل الاستصحاب و هو استصحاب الحدث، و بناء على جريانه فى مجهول التاريخ و كون سقوط الاستصحابين فى المورد من باب التعارض يكون وجوب الوضوء لأصالة الاشتغال

ففى الاول وجوب الوضوء يكون للاصل الشرعى و هو الاستصحاب، و فى الثانى الاصل العقلى و هو أصالة الاشتغال، و على مختارنا من كون نفس العلم مانعا من إجراء الاستصحاب فى مجهولي التاريخ، ففيما يكون أحدهما معلوم التاريخ حيث يعلم إجمالا بنقض اليقين فى أحدهما فلا مجرى للاستصحابين فيكون الوضوء واجبا من باب الأصل العقلى و هو قاعده الاشتغال، لاشتغال اليقين بالصلاة مع الوضوء، و على كل حال الحكم هو وجوب الوضوء فى هذه الصورة.

و لا وجه للقول بعدم وجوب الوضوء في هذه الصورة، إما لدعوى استصحاب تأخر الوضوء عن الحدث بنحو الصفتية،

بأن يقال: إن الوضوء بوصف التأخر يستصحب، لانّه ليس له حالة سابقة.

و أمّا بدعوى انّه يستصحب عدم الوضوء إلى زمان حدوث الحدث، فيقال بوقوعه بعد الحدث.

لانّه مثبت لأنّ عدم الوضوء مثلا إلى بعد ظهر الجمعة التي حدث في ظهرها لا يثبت وقوع الوضوء بعد ظهرها، و هو بعد وقوع الحدث إلّا على القول بالاصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 253

المثبتة و قد عرفت في الأصول انّه لا يثبت بالاصول لوازمها العقلية و العادية.

الصورة الثالثة: ما إذا علم تاريخ الوضوء و جهل تاريخ الحدث

مع علمه بحدوثهما، فقال المؤلف رحمه اللّه بنى على بقاء الوضوء و لا يجرى استصحاب الحدث، و ذكر في وجهه بأنه لا يجرى استصحاب الحدث المجهول تاريخه لعدم اتصال زمان الشك باليقين.

و مراده هو أنّه بعد عدم جريان استصحاب الحدث لأنّه مع جهل تاريخه، ربّما يكن المورد من الموارد التي نقض اليقين باليقين لاحتمال حدوث الوضوء بعد حدوث الحدث، فلا يعلم اتصال زمان الشك باليقين فيجرى استصحاب الوضوء بلا معارض فيبنى على الوضوء.

و هذا بناء على عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ من باب عدم اتصال زمان الشك باليقين.

و أمّا على القول بأن وجه عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ هو تعارض الاستصحابين، و كما قلنا ليس ما قاله المؤلف رحمه اللّه و المحقق الخراسانى رحمه اللّه و بعض آخر من عدم اتصال زمان الشك بتمام لما قلنا وجهه في الأصول.

فيقال في المقام: بأن الاستصحابين، استصحاب بقاء الحدث و استصحاب بقاء الوضوء، يتعارضان و إن كان أحدهما معلوم التاريخ، و بعد تعارضهما يسقطان عن الحجية و مقتضى قاعدة الاشتغال بالصلاة مع الوضوء هو وجوب الوضوء كالصورة الاولى و الثانية.

و كذلك على مختارنا لأنّه على ما اخترنا في الأصول

في استصحاب تاخر الحادث يكون منشأ عدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ هو نفس العلم الاجمالى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 254

بانتفاض الحالة السابقة كما قلنا في العلم الاجمالى من أن نفس العلم الاجمالى مانع عن إجراء الأصول في الاطراف.

فمع كون أحد الحادثين معلوم التاريخ فكذلك لكون الآخر مجهول التاريخ من حيث حدوثه فيعلم إجمالا بانتفاض الحالة السابقة و مورده غير معلوم تفصيلا فلأجل هذا العلم الاجمالى لا يجرى الأصل أصلا في الطرفين، و بعد عدم إجراء الاستصحابين يجب الوضوء لمقتضى قاعدة الاشتغال.

(و اعلم أن قول المؤلف رحمه اللّه بأن (الأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء و إن كان كذلك إلّا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب احرازه و لكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا) فمراده على ما يأتي بالنظر هو أنّه و إن كان في صورة جهل تاريخهما أو جهل تاريخ الوضوء لا يتصل زمان الشك باليقين، لكن عدم اتصال زمان الشك باليقين يوجب عدم جريان الاستصحاب، و عدم جريانه يوجب احياء قاعدة الاشتغال و وجوب الوضوء لأجلها.

أقول: لكن فيما إذا كان الحدث معلوم التاريخ و الوضوء مجهول التاريخ يجرى استصحاب الحدث على مبناه و ليس وجوب الوضوء لأجل قاعده الاشتغال، فلا يتم كلامه فى هذه الصورة، فتأمل.

***

[مسئلة 38: من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسى و صلّى فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر، فيجب عليه الاعادة إن تذكّر في الوقت و القضاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 255

إن تذكّر بعد الوقت و أمّا إذا كان مأمورا به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه و صلّى

يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ لكنه مشكل فالاحوط الاعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضا و كذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين و الشك في المتقدم منهما.

(1)

أقول في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: قال المؤلف رحمه اللّه من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث
اشارة

إذا نسى و صلى فلا إشكال فى بطلان صلاته بحسب الظاهر فيجب عليه الاعادة أن تذكر في الوقت و القضاء ان تذكر بعد الوقت).

الكلام فيه في موردين:

المورد الأوّل: في بطلان صلاته.

و وجهه هو أنّه كما مر منا في التنبيه الأوّل من تنبيهات الاستصحاب يعتبر فعلية الشك و اليقين فلا يكفى الشك و اليقين التقديرى و ذكرنا وجهه فعلى هذا المورد بعد فرض نسيانه و غفلته لا يكون الشك و اليقين فعليا فلا مجال لجريان الاستصحاب و بعد عدم جريان الاستصحاب حيث وقعت الصلاة بلا طهارة بحسب الظاهر تبطل الصلاة لأنّه لا صلاة الا بطهور.

و لا يمكن أن يقال بصحة صلاته بمقتضى قاعدة الفراغ لان المورد خارج عن مورد القاعدة لان موردها ما يكون الشك بتمامه حادثا بعد الفراغ من الصلاة و فيما نحن فيه يكون الشك من قبل الصلاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 256

نعم لو احتمل بعد الفراغ من صلاته انّه قد توضأ بعد الشك تجرى قاعده الفراغ لكن هذا غير مفروض المسألة.

المورد الثاني: في وجوب الاعادة في الوقت و قضاء الصلاة في خارجه.

أما وجوب الاعادة فلانه لم يأت بالمأمور به، و أمّا القضاء فلانه إن كان بالأمر الأوّل فواضح.

و إن كان بالامر الجديد فموضوعه الفوت، و هو من لم يأت صلاته في الوقت و كانت ذمته مشغولة بها، و لا يخفى عليك أنّه بعد عدم جريان الاستصحاب يكون وجوب الاعادة و القضاء بمقتضى قاعدة الاشتغال.

المسألة الثانية: قال المؤلف رحمه اللّه و أمّا إذا كان مأمورا به من جهة الجهل

بالحالة السابقة فنسيه و صلى يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ لكنه مشكل فالاحوط الاعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضا.

أقول: الحق كون حكم هذه المسألة أعنى: ما إذا كان جاهلا بالحالة السابقة فنسيه و صلى مثل المسألة الاولى من حيث عدم جريان الاستصحاب لعدم كون الشك و اليقين فعليا.

و عدم اجراء قاعدة الفراغ لكون الشك قبل الصلاة و عدم كون الشك حادثا بعد الفراغ.

و إن مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب اعادة الصلاة أو قضائه.

و لا وجه لشمول قاعدة الفراغ للمورد.

و لا إشكال فيه و انّ الأحوط الاعادة و القضاء كما قال المؤلف رحمه اللّه.

المسألة الثالثة: قال المؤلف رحمه اللّه و كذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 257

و الشك في المقدم منهما).

أقول: إذا عرض الشك من جهة تعاقب حالتى الحدث و الطّهارة و الشك في المقدم منهما ثم نسيه فأيضا مثل الصورتين من حيث عدم جريان استصحاب الحدث أو الطّهارة و من حيث عدم جريان قاعدة الفراغ لعدم كون الشك حادثا بعد الصلاة و من حيث أن مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب إعادة الصلاة التي صليها حال نسيانه الشك و اليقين، أو القضاء.

***

[مسئلة 39: إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد و صلّى ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين و لم يعلم أيّهما لا إشكال في صحة صلاته و لا يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية أيضا بناء على ما هو الحق من أن التجديدى إذا صادف الحدث صحّ، و أمّا إذا صلّى بعد كل من الوضوءين ثم تيقن بطلان أحدهما، فالصلاة الثانية صحيحة، و أمّا الاولى فالأحوط إعادتها و إن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها.

(1)

أقول: الكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: في أنه إذا كان متوضئا و توضأ للتجديد

و صلى ثم يتقن بطلان احد الوضوءين و لا يعلم بأن الباطل أىّ منهما تصحّ صلاته و لا يجب الوضوء للصلوات الآتية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 258

فإن قلنا بأن الوضوء سواء كان رافعا للحدث أو غير رافع له، مثل ما إذا كان للتجديد ليس إلّا حقيقة واحدة، فاذا صادف مع الحدث يرفعه و إن لم يصادف فلا.

فتارة لا يكون قصد التجديد على نحو التقييد كما نقول بيانه في صورة قصد التقييد، فصحة صلاته في الفرض واضح لأنّ كل واحد منهما وقع صحيحا في الواقع فقد رفع به الحدث، فالصلاة تقع صحيحة و لا يجب الوضوء للصلوات الآتية لكونه مع الطّهارة على الفرض، لأنّ واحدا من الوضوءين وقع صحيحا فرفع به الحدث و صار مع الطّهارة.

و أمّا إن قلنا بأن الوضوء الرافع للحدث و وضوء الغير الرافع واحد، لكن يكون قصد التجديد بعنوان التقييد بحيث يقصد أن الوضوء المقيد بكونه تجديدا آت به و إلا فلا، ففي هذه الصورة بعد كون الوضوء الواقع بقصد التجديد بنحو التقييد بمعنى قصد التجديد و لو كان رافعا للحدث لم يأت به، فلا يصير هذا الوضوء رافعا

للحدث حتى يقال: بأن الوضوء الباطل إن كان الوضوء الأوّل فلا يرفع به الحدث فقد رفع الحدث بالوضوء الثاني.

فهل: يقال بأنه بعد علمه الاجمالى ببطلان أحد الوضوءين، و الحال أن الثاني منها لا يرفع الحدث، لا يعلم بارتفاع الحدث و استصحاب الحدث السابق على الوضوءين محكّم، فلا يعلم بوقوع صلاته مع الطّهارة، بل بمقتضى هذا الاستصحاب محكوم بعدم الطّهارة، فصلاته وقعت بلا طهارة ظاهرا فتبطل صلاته.

أو يقال: بصحة الصلاة حتى في هذه الصورة و وقوعها مع الطّهارة بمقتضى جريان قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل و هو الوضوء الغير التجديدى.

بيانه إمّا أن يقال بأنه في العلم الاجمالى إذا كان إجراء الاصل في أحد طرفى العلم الاجمالى بلا اثر عملى له، فيكون إجراء الاصل في الطرف الآخر بلا معارض،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 259

فيقال في المقام: بأنه لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في الوضوء التجديدى لعدم أثر عملى له فيكون إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل بلا مانع.

هذا إن كان وجه عدم إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى تعارض الأصلين، أو الأصول فصحّ ما قلت من أنّه مع عدم اجراء قاعدة الفراع في الوضوء التجديدى لا مانع من إجرائها في الوضوء الغير التجديدى من الوضوءين.

لكن على ما قلت في العلم الاجمالى من أن منشأ عدم جريان الاصل في أطرافه هو نفس العلم، فلا يتم ما قلت هنا من إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل الغير التجديدى، لأنّ نفس العلم الاجمالى ببطلان أحد الوضوءين يمنع عن اجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الغير التحديدى.

نعم إن فرض عدم الاثر الشرعى المترتب على إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء التجديدى فلا، لعدم اثر شرعى لا جرائها، فيكون الاصل

فى طرف الوضوء الاول بلا معارض، فيجرى و نتيجته صحة الوضوء الاول، فاذا صح صحت الصلاة الواقعة بعده، فينبغى التكلم فى أنّه هل يكون اثر شرعى لاجراء القاعدة فى الوضوء التجديدى أم لا؟ أقول: لا يبعد عدم اجراء القاعدة فى الوضوء التجديدى لعدم اثر شرعى، فلا يمكن الحكم بصحته.

و ما قاله بعض «1» الشراح من شمول إطلاق دليل القاعدة للمورد ففيه ان اجراء الاصول مع اطلاق دليلها محتاج إلى الاثر الشرعى لمنع التنزيل بدون الاثر الشرعى، و لو شك فى صحة الوضوء التجديدى و عدمها لا يمكن الحكم بمشروعية الوضوء الآخر بعنوان التجديد، و ببركة قاعده الفراغ يصح أن يقال بعدم

______________________________

(1) العلامة الآملي فى مصباح الهدى ص 505، ج 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 260

مشروعيته، فهذا الاثر الشرعى.

ففيه أنّ مشروعية الوضوء الآخر بعنوان التجديد و عدمها ليس اثر عدم صحة الوضوء التجديدى الاول و صحته نظير وجوب الإعادة، فإنه ليس أثر صحة الصلاة و عدمها بل اثر بقاء الامر الاوّل و بعد عدم الاثر الشرعى لقاعده الفراغ فى الوضوء التجديدى تجرى قاعده الفراغ فى الوضوء الاول بلا معارض فتصح الصلاة.

و إما أن يقال بأن نفس العلم مانع عن جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالى، و لكن يكون ذلك في فرض تنجز العلم، و أمّا مع عدمه فلا.

و تنجز العلم يكون فيما إذا صار العلم بحيث يكون في كل طرف من الاطراف يصلح له البعث و الزجر، أما فيما لا يكون كذلك فلا يكون العلم منجزا، و لذا لو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء فلا يتنجز العلم و مع عدم صحة البعث أو الزجر في بعض الاطرف لا يكون

العلم منجزا مثل ما نحن فيه: لأنّ الوضوء التجديدى مستحب و لا يصح البعث و الزجر، فلا يكون العلم الاجمالى منجزا على كل تقدير، فلا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء الغير التجديدى، و أثره صحة الصلاة الواقعة بعد هذا الوضوء بعد فرض عدم تنجز العلم الاجمالى، مضافا إلى أنّه يقال لو فرض القول بتنجز العلم الاجمالى فى المورد، و فرض القول بتعارض الاصلين بالنسبة إلى الوضوءين و سقوطهما بالتعارض، يمكن أن يقال: باجراء قاعدة الفراغ فى نفس الصلاة كما يقال فى الملاقى بالكسر لبعض الاطراف فى الشبهة المحصورة من أنّ الاصل فى الاطراف يسقط بالتعارض، و يكون الاصل فى الملاقى بالكسر بلا معارض.

فتلخص أنّ الصلاة الواقعة بعد الوضوءين صحيح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 261

و اما وجوب الوضوء للصلوات الآتية و عدمه فنقول لا يجب الوضوء على كل الحالات المتقدمة للصلوات الآتية الّا على القول بتنجز العلم الاجمالى و عدم إجراء الاصل و هى قاعده الفراغ فى الوضوء الاولىّ و تساقط الاصول فى الطرفين بالتعارض و الالتزام بصحة الصلاة لاجل قاعدة الفراغ فى الصلاة لا فى الوضوء الّا على القول بكون قاعدة الفراغ من الامارات لا من الاصول.

المورد الثاني: فيما إذا صلى بعد كل من الوضوءين

ثم يتقن بطلان أحدهما فهل تصح الصلاة الثانية فقط و لا تصح الصلاة الاولى، أو تصح كل منهما أولا تصح كل منهما.

اعلم أن الصلاتين الواقعتين بعد الوضوءين، إحداهما بعد الوضوء الأوّل و ثانيهما بعد الوضوء الثانى، تارة لا تكونان مترتبتين مثل ما كانت الصلاة الاولى فائتة و الثانية حاضرة و لم نقل بالترتيب بين الفائتة و الحاضرة، و تارة يكون الترتيب بينهما مثل كون الصلاة الواقعة بعد الوضوء الاول صلاة الظهر

و الصلاة الواقعة بعد الوضوء الثانى صلاة العصر.

امّا إذا لم يكن بين الصلاتين ترتيب فنقول: قد ظهر مما قلنا في المورد الأوّل من صحة الصلاة الواقعة بعد الوضوءين، صحة الصلاة الثانية في هذا الفرض بعين ما قلنا في المورد الأوّل فلا حاجة الى اعادة وجهها.

و أمّا إذا كانت الصلاة الثانية مترتبة على الاولى بحسب وضعها الشرعى مثلا توضأ الوضوء الأوّل فصلى الظهر ثم توضأ الوضوء الثاني و صلى العصر، و قلنا بعدم صحة اللاحقة إذا كان اتيانها باعتقاده اتيان السابقة و إلّا لو قلنا بصحة اللاحقة المترتبة على السابقة فيما اعتقد اتيان السابقة فاتى باللاحقة فحكم الصلاة المترتبة حكم غيرها فيما نحن فيه، فهل تكون الصلاة الثانية أعنى: العصر محكومة بالصحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 262

مثل الفرض الأوّل، أو لا يكون كذلك، بل في هذا الفرض يقطع ببطلان صلاة العصر لا لبطلان نفسها لوقوعها بعد الوضوءين فكانت مع الطّهارة مسلما، بل من باب انّه بعد فساد الصلاة الاولى الواقعة بعد الوضوء الأوّل و هي الظهر تبطل العصر لفقدها الترتيب المعتبر فيه.

أقول: إن قلنا ببطلان الصلاة الاولى الواقعة بعد الوضوء الأوّل ففيما كانت الصلاة الثانية مما اعتبر فيها كونها مترتبة على الاولى مثل العصر بالنسبة إلى الظهر و العشاء بالنسبة إلى المغرب تبطل الصلاة الثانية و إن وقعت بعد الوضوء الثاني الواجدة للطهارة.

و أمّا لو لم نقل ببطلان الصلاة الاولى و إن وقعت بعد الوضوء الأوّل المعلوم إجمالا أمّا بطلانه أو بطلان الوضوء الثاني فلا وجه لبطلان الصلاة الثانية الواقعة بعد الوضوء الثاني التجديدى، فينبغى عطف عنان الكلام إلى بيان حكم الصلاة الاولى.

فنقول بعونه تعالى: أما الكلام في صحة الصلاة الاولى

الواقعة بعد الوضوء الأوّل و فسادها.

فقد يقال بفسادها من باب العلم الاجمالى ببطلان الوضوء الأوّل أو الوضوء الثاني، فحيث إنّه يعلم إجمالا ببطلان احد الوضوءين و من المحتمل كون الباطل هو الوضوء الأوّل فلا تصح الصلاة الواقعة بعده لكون الواجب عليه الصلاة مع الطّهارة إمّا لاستصحاب الحدث او لقاعدة الاشتغال باختلاف الموارد كما مر تفصيله في طى المسألة 36 بالمناسبة.

و لكن أقول: بأنه على القول بكون نفس العلم الاجمالى مانعا عن اجراء الأصول في الاطراف فهو مختص بما يكون منجزا بحيث يصح البعث و الزجر عنه في كل طرف من الاطراف، و بعد كون أحد طرفى العلم الوضوء التجديدى، فالعلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 263

الاجمالى لا يصير منجزا لعدم البعث و الزجر نحوه، مثلا إذا كان عالما اجمالا بطلان صلاة واجبة أو بطلان صلاة مستحبة، فلا يكون هذا العلم منجّزا بالنسبة إلى الاطراف فلا يقتضي هذا وجوب شي ء، فكذلك بعد كون أحد طرفى العلم الوضوء التجديدى فلا يكون العلم منجّزا، فلا يقتضي وجوب إعادة الوضوء الأوّل الواقع لرفع الحدث بمقتضى العلم.

و بعد عدم تنجز العلم و وصول النوبة إلى الاصل، فكما قلنا في المورد الأوّل بعد كون إجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء التجديدى بلا أثر شرعى، فلا تجرى فيه فتكون قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء الأوّل بلا معارض فيصح الوضوء بقاعدة الفراغ و تصح الصلاة الواقعة بعده.

كما أن بناء على أن عدم جريان الاصل في أطراف العلم الاجمالى يكون لاجل التعارض فمع عدم التعارض كما عرفت يجرى الأصل و هو قاعدة الفراغ بالنسبة الى الوضوء الأوّل فالصلاة الواقعة بعدها محكومة بالصحة.

و أمّا ان قلنا بتنجز العلم الاجمالى أو قلنا

بتعارض الاصل في الوضوءين و فرض تساقط الاصل فيهما بالتعارض، لا مجال للتمسك بقاعدة الفراغ بالنسبة إلى نفس الصلاة الاولى، لأنّ قاعدة الفراغ فيها معارضة مع قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية فتتساقطان بالتعارض بخلاف المورد الاولى فإن فيه لم يأت على الفرض إلّا صلاة واحدة و بعد وقوع التعارض فى الاصلين أعنى: جريان قاعدة الفراغ في الوضوء التجديدى و جريان قاعدة الفراغ في الوضوء الأوّل فلا مجال للقول بصحة الوضوء الأوّل لقاعدة الفراغ لأنّه على القول بتنجز العلم الاجمالى و جريان الاصلين فى الوضوءين و تساقطهما بالتعارض يقال بصحة الصلاة الواقعة بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 264

الوضوءين لقاعدة الفراغ الجارية في نفس الصلاة و يجب الوضوء للصلوات الآتية إلّا على القول بامارية قاعدة الفراغ فيثبت بها لوازمها و هي كونها مع الطّهارة.

و أمّا في المورد الثاني فحيث أنّه صلى صلاتين فلو لم يجر الاصل فرضا في الوضوء الأوّل بناء على تعارض الاصل في كل وضو مع الاصل فى الوضوء الاخر و تساقطهما فلا مجال لاجراء الأصل أعنى: قاعدة الفراغ فى الصلاة الاولى لتعارضها مع قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية.

فهذا هو الفرق بين المورد الاول و هو ما صلى صلوه واحدة بعد الوضوءين، فانه على فرض تنجز العلم الاجمالى و تساقط الأصل فى الوضوءين تجرى قاعدة الفراغ فى الصلاة، بخلاف المورد الثانى و هو ما صلى بعد كل من الوضوءين صلاة، فلا تجرى قاعدة الفراغ فى الصلاة الاولى لتعارضها مع قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية.

***

[مسئلة 40: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية لأنّه يرجع إلى العلم بوضوء و

حدث و الشك في المتأخر منهما، و أمّا صلاته فيمكن الحكم بصحتها من باب قاعدة الفراغ بل هو الأظهر.

(1)

أقول: بعد كون الوضوء الثاني تجديديا لعدم فرض صحة الثاني إلا بقصد التجديد، في المسألة كلام من حيث وجوب الوضوء للصلاة الآتية و عدمه إذا توضأ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 265

وضوءين و صلى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما.

فنقول بعونه تعالى: إنّه على الفرض يكون من صغريات استصحاب تأخر الحادث مع كون تاريخ حدوثهما مجهولا أو تاريخ أحدهما مجهولا على مختارنا فقد عرفت في طى المسألة 37 وجوب الوضوء في الفرض.

و كلام من حيث صحة صلاته الواقعة بعد الوضوءين مع العلم الاجمالى بحدوث حدث بعد أحدهما، فيقال: بعد عدم إجراء الاصل في مجهولى التاريخ إمّا لعدم مجال لجريانه، أو لسقوطه بالتعارض، و قد مر تفصيله في المسألة 37 فيحكم بكونه محدثا و يجب عليه الوضوء، لكن لا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في الصلاة الواقعة بعد الوضوءين، فيحكم بصحتها لأجل قاعدة الفراغ الجارية في نفس الصلاة.

***

[مسئلة 41: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعد كل واحد صلاة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: إذا توضأ وضوءين و صلّى بعد كل واحد صلاة ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما يجب الوضوء للصلوات الآتية و إعادة الصلاتين السابقتين إن كانتا مختلفتين في العدد و إلّا يكفى صلاة واحدة بقصد ما في الذمة جهرا إذا كانتا جهريتين و إخفاتا إذا كانتا إخفاتيتين، و مخيرا بين الجهر و الاخفات إذا كانتا مختلفتين، و الأحوط في هذه الصورة إعادة كلتيهما.

(1)

أقول: الكلام يقع في موارد:

المورد الأوّل: في وجوب الوضوء للصلوات الآتية

فيما إذا توضأ و صلى ثم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 266

توضأ و صلّى صلاة اخرى، ثم علم إجمالا بحدوث حدث إمّا بعد الوضوء الأوّل و قبل الصلاة الاولى و إمّا بحدوثه بعد الوضوء الثاني قبل الصلاة الثانية، فحيث إنّه يعلم على هذا بحدوث الحدث و حدوث الوضوء، و يشك في المتأخر منهما لأنّه لا يعلم بأن الحدث هل حدث بعد الوضوء الأوّل حتى يكون مقدما على الوضوء الثاني، فيكون الوضوء مؤخّرا، أو أن الحدث حدث بعد الوضوء الثاني حتى يكون الحدث مؤخّرا، فيعلم بحدوث كل من الوضوء و الحدث، لكن يكون شاكا في المتأخر منهما، فيكون من صغريات الشك في تأخر الحادث، و قد أمضينا الكلام فيه في طى المسألة 37، و قلنا: إنّه يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية سواء كانا مجهولى التاريخ، أو كان الوضوء معلوم التاريخ و الحدث مجهول التاريخ أو العكس على مختارنا.

المورد الثاني: في حكم الصلاتين الواقعتين بعد الوضوءين

في مفروض الكلام من حيث الصحة و الفساد.

أما قاعدة الفراغ فلا مجال لأن يقال بصحة احدى الصلاتين لأجلها، لأنّ قاعدة الفراغ في كل منهما متعارضة مع قاعدة الفراغ في الاخرى، أو لان إجراء كل منها يضاد مع العلم الاجمالى، و إجراء أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح أو يضاد مع العلم الاجمالى بناء على كون نفس العلم مانعا من جريان الأصل على فرض تنجزه.

و أمّا استصحاب الطّهارة فقد يقال: بأنّ هذا الاستصحاب في كل منهما معارض مع الآخر لأنّه كما يصح استصحاب الطّهارة بعد الوضوء الأوّل إلى تمامية الصلاة الاولى يصح استصحاب الطّهارة بعد الوضوء الثاني إلى تمام الصلاة الثانية فالاستصحابان متعارضان، فلا يجرى استصحاب الطّهارة إمّا لتعارضهما، أو لكونه مضادا مع العلم الاجمالى،

أو لكونه موجبا للمخالفة القطعية مع العلم الاجمالى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 267

و قد يقال بأنه بعد كون حدوث الحدث و الوضوء معلوما و الشك في المتأخر منهما، فيكون التعارض بين استصحاب الحدث و الوضوء الثاني، لأنّ الوضوء الأوّل مقطوع الارتفاع بالحدث سواء كان هذا الحدث حادثا بعد الوضوء الأوّل أو بعد الوضوء الثاني، و بعد كون التعارض بين استصحاب الحدث و بين الوضوء الثاني فلا مانع من استصحاب الطّهارة الحاصلة بالوضوء الأوّل إلى ما بعد الفراغ من الصلاة الاولى، فيستصحب الوضوء إلى الفراغ من الصلاة الاولى، و تكون النتيجة صحة الصلاة الاولى.

و هذا هو الحق في المقام خلافا لما اختاره المؤلف رحمه اللّه من إعادة الصلاتين إذا كانتا مختلفتين في العدد إلى آخر ما قاله رحمه اللّه.

فعلى ما قلنا لا يجب إلّا إعادة خصوص الصلاة الثانية من الصلاتين إمّا لاجل استصحاب الحدث، أو لقاعدة الاشتغال و عدم جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليها مضى وجهه في المسألة 37.

إلّا أن ما يدعى من الاجماع على وجوب إعادة الصلاتين و عدم خلاف ظاهر يقال: بأنّ الواجب إعادة الصلاتين لكن يمكن كون وجه اتفاقهم بعض الوجوه الغير التمام عندنا لا إجماع تعبدى كاشف عن قول المعصوم عليه السلام أو نص، لكن الاحوط استحبابا إعادة الصلاتين.

المورد الثالث: لو فرض اختيار ما قاله المؤلف رحمه اللّه

من وجوب إعادة الصلاتين لعدم امكان القول بصحة كل من الصلاتين و لا واحدة منها بمقتضى قاعدة الفراغ أو استصحاب الطّهارة يأتي الكلام في هذا المورد و هو في كيفية إعادة الصلاتين.

(و أمّا بناء على ما اخترنا من صحة الصلاة الاولى فلا يأتي هذا البحث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 268

اصلا) فنقول على ما اختاره

المؤلف رحمه اللّه في المقام.

إن كانت الصلاتان مختلفتين من حيث العدد مثلا كانت الاولى المغرب و الثانية العشاء، يجب إتيان صلاتين مغرب و عشاء.

و إن كانتا متفقتين من حيث العدد و متفقين من حيث الجهر و الاخفات مثلا كانت الاولى الصلاة الظهر و الثانية الصلاة العصر، فهل يكتفى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة، لأنّه في الواقع لا تبطل إلّا واحدة من الصلاتين، لأنّ الحدث إن حدث بعد الوضوء الاول فالصلاة الاولى باطلة، و لكن الصلاة الثانية الواقعة بعد الوضوء الثاني صحيحة لكونها مع الطّهارة.

و إن حدث بعد الوضوء الثاني فالصلاة الثانية و إن كانت باطلة، لكن الصلاة الاولى الواقعة بعد الوضوء الأوّل صحيحة لكونها مع الطهارة، فمع علمه ببطلان إحدى الصلاتين يعلم صحة الأخرى منهما فليس على عهدته إلّا صلاة واحدة.

أو لا يكتفى بصلاة واحدة بل لا بدّ من إتيان الصلاتين، لأنّ كل عنوان من العنوانين لا يتحقق في الخارج إلّا بالقصد، و بعبارة اخرى كان من جملة العناوين القصدية كالظهرية و العصرية، و الأدائية و القضائية لا بدّ من قصدها في مقام النية، فلا يكتفى في المقام إتيان صلاة بقصد ما في الذمة، بل لا بدّ فيما كانت الصلاة الاولى ظهرا و الثانية عصرا و لا يدرى أيّهما وقعت بلا طهارة من إتيان أربع ركعات بقصد الظهر احتياطا و أربع ركعات بعنوان العصر احتياطا.

أقول: أوّلا ما ذكرنا من أن العناوين القصدية لا بدّ في تحققها في الخارج من قصدها صحيح، لكن لا يلزم قصدها تفصيلا بل يكفى قصدها اجمالا، لعدم اعتبار أزيد من ذلك عند العقل في مقام صدق الاطاعة، فلو كان ما في ذمته صلاة واحدة مثلا صلاة ظهر، فلو قصد ما

في ذمته فعلا كفى في تحقق العنوان و يحصل الامتثال،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 269

فعلى هذا تقضى القاعدة كفاية أربع ركعات بقصد ما في الذمة في المثال.

و ثانيا يمكن التمسك بكفاية إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة بما رواها علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسى من صلاة يومه واحدة و لم يدر اىّ صلاة هي صلّى ركعتين و ثلاثا و أربعا «1».

و ما رواه احمد بن أبي عبد اللّه البرقى في المحاسن عن أبيه عن العباس بن معروف و عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسى من الصلوات لا يدرى أيّتها هي، قال: يصلى ثلاثة و أربعة و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر او العشاء فقد صلّى أربعا و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى «2».

و موردها و إن كان النسيان لكن تطمئن النفس بعدم خصوصية للنسيان خصوصا ما في ذيل الرواية الثانية (فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى) يكون تقريبا ذكر علة لكفاية اتيان أربع ركعات على من عليه صلاة أربع ركعات لا يدرى الظهر أو العصر أو العشاء.

و لذا لو علم أن صلاة مرددة بين الظهر و العصر ينسيها و لا يدرى أيا منهما لا يشك أحد في أنّه يكتفى باتيان صلاة واحدة بمقتضى الروايتين و لو لم يكن مورد الرواية، لأنّ مورد الرواية من نسى صلاة مرددة بين الصلوات الخمس اليومية.

نعم يمكن الاشكال في سند الروايتين لأنّ الاولى مضمرة لعدم معلومية غير واحد من أصحابنا، و الثانية

مرفوعة، إلّا أن يقال بانجبار ضعفهما بعمل المشهور.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 270

لا يقال: إن المشهور و إن عملوا بهما لكن بعضهم كالشيخ و القاضى و ابن زهرة و الحلى و ابن سعيد على المحكى عنهم رضوان اللّه تعالى عليهم اختصوا بخصوص موردهما و لم يتخطوا عن المورد، فعلى هذا الشهرة الفتوائية الجابرة تكون في خصوص مورد النصّين، و هو نسيان صلاة يومه أو صلاة من الصلوات، و أمّا مثل مورد الكلام، فلا يكون فتوى المشهور على طبقهما.

لأنا نقول: إن عمل المشهور بالرواية و استناد هم بها يوجب جبر ضعف سند الرواية، و بعد جبر ضعف سند الرواية ما نستفيد منها حجة لنا و إن لم يقل به المشهور.

و إن كانتا متفقتين من حيث العدد و مختلفتين من حيث الجهر و الاخفات مثلا في مسئلتنا توضأ وضوءا و صلّى بعده صلاة جهرية ثم توضأ وضوء و صلى بعده صلاة اخفاتية ثم علم إجمالا بحدوث حدث إمّا بعد الوضوء الأوّل و إمّا بعد الوضوء الثاني.

فهل يكتفى في مقام الاعادة بصلاة واحدة مخيرا فيها بين الجهر و الاخفات أو لا يكتفى بصلاة واحدة، بل لا بد من إتيان صلاة جهرا و صلاة اخرى اخفاتا.

و الكلام في ذلك تارة يقع فيما يقتضيه النص، و تارة فيما هو مقتضى القاعدة.

أما ما يقتضيه النص فقد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين على أنّه إن كانت على ذمته صلاة لا يدرى أنّها الظهر أو العصر أو العشاء يكفى في براءة ذمته اتيان صلاة واحدة أربع ركعات.

و أمّا

بمقتضى القاعدة فيجب إتيان الصلاتين بمقتضى العلم الاجمالى بفساد أحدهما فيما كانتا مختلفتين من حيث العدد، أو من حيث الجهر و الاخفات لأنّه بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 271

فرض العلم الاجمالى بفساد أحدهما، و سقوط قاعدة الفراغ في الصلاتين و استصحاب الطّهارة في الوضوءين بالتعارض، و فرض وجوب الجهر في الجهرية و الاخفات في الاخفاتية و مشكوكية ما هو الباطل بين الجهرية و الاخفاتية، يجب إتيان صلاة جهرا و اتيان صلاة اخفاتا.

إلّا أن يدعى أن ما يدل من النصوص على وجوب الجهر في الجهرية و وجوب الاخفات في الاخفاتية ليس له إطلاق يشمل حتى مثل ما نحن فيه المشكوك كون ما في الذمة من الجهرية أو الاخفاتية، و لكن القول بذلك مشكل لاطلاق أدلته.

فعلى هذا إن قيل بحجية الروايتين و شمولهما للمورد، فيكفى صلاة واحدة مخيرا فيها بين الجهر و الاخفات.

و إن لم نقل بها فالأحوط وجوبا اتيان الصلاتين واحدة جهرا و واحدة إخفاتا.

لا لوجوب قصد خصوص الظهرية و العصرية، أو الاداء و القضاء تفصيلا في مقام النية لما عرفت من كفاية قصدهما إجمالا، بل من باب أن إطلاق دليل الجهر في الجهرية و الاخفات في الاخفاتية ربّما يشمل المورد، و ربما لا يشمل بدعوى عدم إطلاق له يشمل المورد، و لأجل احتمال عدم الاطلاق قلنا: إن الأحوط وجوبا اتيان صلاة جهرا و اتيان صلاة اخرى إخفاتا.

و لا فرق في الاكتفاء بإتيان صلاة في مقام براءة الذمة بين ما يكون الصلاتين المعلوم إجمالا وقوع الحدث قبل إحداهما أداءين أو قضائيين، أو أحدهما أدائيه و الاخرى قضائية لعدم تمامية ما ذكروه من التفصيل بين ما يكون إحداهما أدائيا و الاخرى قضائيا.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 272

هذا كله على تقدير وجوب اتيان الصلاتين في مفروض المسألة.

و أمّا بناء على ما قلنا من أن الواجب إعادة خصوص الصلاة الثانية بعد الوضوء الثاني فلا مجال لهذه الابحاث، لأن الصلاة الثانية إن كانت جهرية يعيدها جهرا و إن كانت اخفاتية يعيدها إخفاتا، فافهم.

***

[مسأله 42: إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 42: إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة ثم علم حدوث حدث بعد أحدهما فالحال على منوال الواجبين، لكن هنا يستحب الاعادة إذا الفرض كونهما نافلة، و أمّا إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة و الاخرى نافلة فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة و عدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضا، لأنّه لا يلزم من إجرائهما فيهما طرح تكليف منجز، إلّا أن الاقوى عدم جريانها للعلم الاجمالى، فيجب إعادة الواجبة و يستحب إعادة النافلة.

(1)

أقول: الكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في أنه إذا توضأ وضوء ثم أتى بعده نافلة

ثم توضأ وضوء آخر و أتى بنافلة اخرى، ثم علم حدوث حدث بعد أحد الوضوءين.

فهنا كلام في أنّه هل يجب عليه الوضوء فعلا للصلوات الآتية أولا، فنقول:

حيث إنّه كما عرفت في المسألة السابقة يجب عليه الوضوء لما قلنا في المسألة 37 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 273

كون المسألة من صغريات مسئلة تأخر الحادث، و لا فرق كما عرفت بين كونهما مجهولى التاريخ أو أحدهما معلوم التاريخ.

و كلام في أنّه هل يستحب إعادة الصلاتين النافلتين كما اختاره المؤلف رحمه الله في المقام و أوجب إعادة الفريضتين في المسألة السابقة، غاية الأمر هنا يستحب الاعادة أو لا؟

أقول: أما بناء على ما قلنا في المسألة السابقة من كون استصحاب الوضوء الأوّل إلى تمام الصلاة الاولى بلا معارض، لأنّ التعارض بين استصحاب الحدث و بين الوضوء الثاني للعلم بحدوثهما و الشك في المتأخر منهما، فاستصحاب الوضوء الأوّل الى ما بعد الصلاة الاولى جار بلا معارض.

ففي هذه المسألة نقول: بأن النافلة الاولى محكومة بالصحة لاستصحاب الوضوء الأوّل إلى فعل النافلة الاولى.

نعم بعد علمه بحدوث الحدث يعلم بارتفاع الوضوء الأوّل، لكن حيث

يحتمل حدوثه بعد الوضوء الثاني فاستصحابه قبل ذلك لا مانع منه.

و أمّا الصلاة النافلة الثانية، فهل يقال: بأنه بعد ما يكون مقتضى العلم بحدوث الحدث مع الشك في تأخره عن الوضوء و تقدمه محكوما بالحدث و وجوب الوضوء إمّا لاجل استصحاب الحدث أو لأجل توقف الصلوات الآتية على الطّهارة و لم يحرزها على ما مرّ في المسألة 37، فصلاته محكومة بعدم واجديتها لشرط الطّهارة، فيكون مثل من لم يصل النافلة و يستحب له اتيانها،

أو يقال: بأن مقتضى القاعدة إجراء قاعدة الفراغ فى كل الصلاتين لعدم تنجز العلم الاجمالى في المقام، فمقتضى قاعدة الفراغ صحة النافلة الثانية لعدم مانع من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 274

جريان قاعدة الفراغ، إلا أن يدعى عدم جريان قاعدة الفراغ فى النافلة بدعوى انحصار موردها بالتكليف الالزامى، و لكن لا يبعد عدم الاختصاص لاطلاق بعض أخبار الباب و التعليل المذكور فى بعضها

و وجه عدم تنجز العلم الاجمالى هو أنّ معنى التنجز صحة البعث و الزجر فى كل طرف من أطراف العلم الاجمالى، و مع كون الصلاتين نافلة، و العلم الاجمالى ببطلان احدهما للعلم الاجمالى بطرو حدث قبل احدهما، فلا يكون العلم الاجمالى سببا للبعث نحو الطرفين، فلا مانع من قاعدة الفراغ فى كل من الطرفين.

اقول امّا أوّلا بعد ما قلنا من أنّ المانع من إجراء الاصل فى أطراف العلم الاجمالى هو نفس العلم لتضاد الاصل المخالف للعلم فى الاطراف مع العلم، ففى المقام يكون التعبد ببطلان احدى النافلتين تضاد مع التعبد بصحتهما، فلا مجال لاجراء قاعدة الفراغ فى الطرفين.

و امّا ثانيا بعد ما اخترنا من كون استصحاب الطهارة بعد الوضوء الاول بلا معارض إلى تمام النافلة

الاولى، و أنّ العلم الحاصل بوقوع الحدث و الوضوء و الشك فى تأخر كل منهما عن الآخر يوجب كونه محكوما بالحدث، فالشك فى صحة النافلة الثانية و فسادها مسبب عن كونه محدثا أولا، و بعد كونه محدثا بالحدث فلا مجال للأصل المسببى و هو قاعدة الفراغ فى النافلة الثانية، بل هى محكومة بالفساد.

و أمّا بناء على ما اختاره المؤلف رحمه اللّه في المسألة السابقة من وجوب إعادة الصلاتين كما بينّا شرحه فقد يقال: بعدم إجراء قاعدة الفراغ في النافلة و انحصارها بمورد التكليف الالزامى، فلا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في الصلاتين بمقتضى هذه القاعدة و إن لم يكن مانع من حيث العلم الاجمالى، و نتيجته أنّ المكلف فى الفرض يكون مثل من لم يصل النافلتين، لأنّه فى المسألة السابقة على هذا المبنى تقتضى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 275

قاعدة الاشتغال إعادة الصلاتين، و فى هذه المسألة حيث يكون طرفى العلم بالنافلة لا مجال لاجراء قاعدة الاشتغال لعدم اشتغال الذمة بالنافلة، بل يكون بعد عدم اجراء قاعدة الفراغ فى النافلتين حاله حال من لم يأت بالنافلتين فيستحب له إتيانهما.

و قد يقال بجريانها فيما يكون له أثر عملى مطلقا حتى في المورد التكليف الغير الإلزامي كما هو الظاهر كما اشرنا إليه، فلا مانع من إجرائها في النافلة، بناء على انحصار عدم جريان الاصل في الأطراف العلم الاجمالى بما إذا يوجب جريانه المخالفة العملية المستلزمة للترخيص في المعصية، و أمّا لو لم يوجب ذلك فلا مانع من جريان الاصل المخالف للعلم الاجمالى في أطرافه، و المورد يكون كذلك لأنّه بعد كون طرفى العلم النافلة، فلا يكون لاجراء الاصل المخالف للعلم مانع في أطرافه فعلى

هذا تجرى القاعدة الفراغ في كل من النافلتين و يحكم بصحتهما و لا مجال للقول باستحباب إعادتهما.

أقول: حكم النافلتين من حيث الصحة و الفساد يختلف باختلاف المبانى.

فعلى قول من يقول بعدم إجراء قاعدة الفراغ فى غير التكاليف الالزامية لا مجال لقاعدة الفراغ في النافلتين و لو لم يكن علم إجمالى بالفساد في البين.

و على قول من يقول بتعميم دليل قاعدة الفراغ حتى بالنسبة إلى النوافل و التكاليف الغير الالزامى، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في النافلتين مع قطع النظر عن العلم الاجمالى بفساد إحداهما للعلم الاجمالى بحدوث الحدث قبل إحداهما.

و على هذا تارة يقال: بأن وجه عدم إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى هو لزوم التضاد بين المعلوم و مقتضى الأصل في الاطراف و لو لم يكن مقتضى العلم الاجمالى البعث الالزامى و الزجر الالزامى، و بعبارة اخرى و إن لم يستلزم مخالفته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 276

الترخيص في المعصية ففي ما نحن فيه لا مجال لاجراء الأصل في الاطراف أعنى: في النافلتين.

و أمّا لو كان المانع من إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى هو تعارض الأصلين فبناء على عدم جريان استصحاب الوضوء الأوّل إلى ما بعد النافلة الاولى و القول بتعارضه مع استصحاب الوضوء الثاني إلى ما بعد النافلة الثانية للعلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، فيقع التعارض بين قاعدة الفراغ في النافلة الاولى و قاعدة الفراغ في النافلة الثانية لأجل العلم الاجمالى بعدم كون واحدة منهما واجدة للطهارة الحديثة، فيكون حال من صلاهما حال من لم يصلهما من رأس فيستحب اتيانهما.

و لكن عرفت ان الحق استصحاب الوضوء الأوّل إلى ما بعد النافلة الاولى فلا تعارض بين

استصحاب الوضوء الأوّل و الوضوء الثاني بل يستحب إعادة النافلة الثانية فقط.

و أمّا لو كان العلم الاجمالى منجزا إذا كان يوجب مخالفة العملية للتكليف الالزامى فلا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في النافلتين لعدم علم إجمالى منجز في البين.

أقول: قد مرّ منّا أن الاقوى محكومية النافلة الاولى بالصحة لاستصحاب الوضوء بلا معارض و النافلة الثانية يستحب إتيانها لكونها بحكم من لم يأت بها بعد العلم بالحدث و الوضوء و الشك في المتأخر منهما بالتفصيل المتقدم ذكره كما قلنا فى المسألة السابقة بوجوب إعادة خصوص الفريضة الثانية.

و أمّا على قول من يقول بتعارض استصحاب الوضوء الأوّل مع استصحاب الوضوء الثاني كالمؤلف رحمه اللّه فهو يقول باستحباب إعادة كل من النافلتين لما قال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 277

المسألة السابقة بوجوب إعادة كل من الفريضتين.

و لكن لو كنا قائلين بوجوب إعادة كل من الصلاتين فيما لو توضأ و صلّى صلاة فريضة ثم توضأ و صلى فريضة اخرى ثم علم بحدوث الحدث بعد أحد من الوضوءين كما هو مفروض المسألة السابقة، مع ذلك لم نقل هنا أعنى: في هذه المسألة و هي ما إذا صلى بعد كل وضوء نافلة بتنجز العلم الاجمالى، لأن العلم الاجمالى المبحوث حرمة مخالفته و وجوب موافقته أو لا، هو فيما يكون أثر تنجزه البعث أو الزجر حتى يصح أن يقال بحكم العقل بحرمة مخالفته و وجوب موافقته.

و أمّا إذا كان العلم الاجمالى تعلق بما لا يقتضي تعلقه به تنجزه بحيث يحرم مخالفته و يجب موافقته مثل ما تعلق باستحباب أحد الشيئين فهو خارج عن محل الكلام، فتأمل.

المقام الثانى:: فيما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة و الاخرى نافلة.

فقد يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة و عدم معارضتها بجريانها

في النافلة أيضا لأنّه لا يلزم من إجرائها فيها طرح تكليف منجز و هذا ما قاله المؤلف رحمه اللّه أوّلا.

و يظهر منه أن المانع من إجراء الاصل في أطراف العلم الاجمالى هو لزوم اجرائه لطرح تكليف منجز في البين، و معنى التكليف المنجز هو ما يكون بمرتبة البعث و الزجر نحوه، و حيث إنّ أحد طرفى العلم النافلة فلا يوجب إجراء قاعدة الفراغ في الصلاة الواجبة و النافلة طرح تكليف منجّز لعدم تنجز العلم مع كون أحد طرفيه النافلة التي لا يمكن البعث نحوها إن كانت هى المعلوم واقعا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 278

و قد يقال بعدم جريان قاعدة الفراغ للعلم الاجمالى فيجب إعادة الواجبة و يستحب إعادة النافلة هذا ما اختاره المؤلف رحمه اللّه ثانيا.

أقول: أما على ما قلنا في المسألة السابقة و ذكرنا في المقام الأوّل في هذه المسألة من أن الصلاة الاولى تتصف بالصحة من باب استصحاب الطهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل إلى تمام الصلاة الاولى و التعارض يكون بين استصحاب الحدث و استصحاب الوضوء الثاني للعلم بحدوثهما و الشك في المتأخر منهما.

فنقول بعونه تعالى:

بأن الصلاة الاولى إن كانت فريضة فيحكم بصحتها لاستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل إلى تمامية هذه الصلاة و لا يعارضه شي ء.

و أمّا الصلاة الثانية و هي النافلة فبعد كون المكلف عالما بالحدث و الوضوء و شاك في المتأخر منهما فلا يكون بعد هذا العلم متطهرا لا وجدانا و لا بمقتضى الامارة أو الأصل، لأنّه محكوم بالحدث بناء على جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ أو فيما يكون أحد من الحدث أو الطّهارة مجهول التاريخ، و أمّا لعدم إحرازه الطّهارة المعتبرة في الصلاة و إن

كانت مستحبة فيكون حاله حال من لم يأت بهذه النافلة فيستحب له إتيانها.

و أمّا ان كانت الصلاة الاولى نافلة و الثانية فريضة، فالاولى محكومة بالصحة لاستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل بلا معارض، و الصلاة الثانية و هي الفريضة فمحكومة بالفساد و يجب إعادتها، لأنّه بعد العلم بالحدث و الطّهارة و الشك في المتأخر منهما محكوم بالحدث سواء كانا مجهولى التاريخ أو أحدهما مجهول التاريخ كما بينا في المسألة 33 و إمّا من باب استصحاب الحدث أو لقاعدة الاشتغال، و لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ فى الصلاة الثانية فريضة كانت او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 279

نافلة و ان قلنا بجريانها فى النوافل، لأنّه بعد كون منشأ الشك فى صحة الصلاة و عدمها كون الطهارة متأخرة أو الحدث مؤخرا و لا يحتمل تحصيل الطهارة بعد هذه الحالة قبل الصلاة الثانية، فلا مجال لقاعدة الفراغ لانه محكومة بتحصيل الطهارة للعلم الاجمالى.

و أمّا إذا لم يعلم أنّ أيّا من الصلاتين الاولى أو الثانية فريضة و أيا منهما نافلة فاستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء الأوّل لا يفيد في المقام لعدم معلومية كون الصلاة الاولى النافلة حتى تكون الثانية فريضة فيجب إتيانها، أو تكون الاولى فريضة واقعة مع الطّهارة حتى يستحب إتيان الثانية و هى النافلة.

فيعلم بفساد إحدى الصلاتين و صحة الاخرى كما كان الأمر قبل استصحاب الطّهارة الاولى.

و بعد العلم بانتقاض الحالة السابقة و حدوث كل من الحدث و الطّهارة و الشك في المتأخر منهما و أثر هذا العلم العلم بفساد إحدى الصلاتين.

فمن جهة الطّهارة و الحدث يكون محكوما بالحدث بناء على جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ.

و تحصيل الطّهارة وجوبا أو استحبابا للغايات الواجبة

أو المستحبة بناء على عدم جريان الأصل في مجهول التاريخ لأنّه بعد ما يعلم بحدوث الطّهارة و الحدث و عدم جريان الاستصحاب بالنسبة إليهما و لا أحدهما و اشتراط الغايات الواجبة فيها الطّهارة على الطّهارة وجوبا و اشتراط الغايات المستحبة فيها الطّهارة على الطّهارة استحبابا فعليه تحصيل الطّهارة وجوبا أو استحبابا.

و أمّا من جهة الصلاتين فنقول بعونه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 280

إنّه تارة يقال بأن الاصل لا يجرى في أطراف العلم الاجمالى فيما يوجب طرح تكليف منجّز، و يراد بالتكليف المنجّز ما يكون بمرتبة يصح البعث و الزجر الاكيد نحوه، لا مجرد التكليف و لو لم يكن البعث الأكيد و الزجر الاكيد المعبّر بالوجوب أو الحرمة، لان المستحب يكون متعلق التكليف و كذا الكراهة.

فبناء على هذا يقال في المقام بعدم مانع من إجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلى كل من الصلاتين لعدم كون إجرائها في الطرفين موجبا للطرح التكليف المنجّز بالمعنى الذي قلنا، لأنّ التكليف في العلم الاجمالى يكون منجّزا فيما يصح البعث أو الزجر المؤكد نحوه في أىّ طرف من اطرافه و مع فرض كون أحد طرفي العلم النافلة فلا يصح البعث الأكيد نحوه لعدم وجوبها فلا يكون التكليف منجزا على كل حال.

و تارة يقال بأن نفس العلم مانع عن إجراء الاصل في الأطراف فلا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في الصلاتين فتكون النتيجة وجوب إعادة الفريضة و استحباب اعادة النافلة.

أقول: و إن كان المانع من جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالى هو نفس العلم لا لاستلزامه المخالفة العملية و لا لتعارض الاصلين، و لكن مانعيته يكون في صورة تنجز العلم الاجمالى و معنى تنجزه صحة البعث و الزجر المؤكد نحو

كل طرف من الاطراف و مع كون أحد الطرفين النافلة لا يكون التكليف المعلوم بالاجمال منجزا فلا مانع من إجراء الاصل.

نعم على قول من يقول: بأنّ العلم الاجمالى إذا تعلق بماله أثر عملى على كل حال و إن لم يكن الالزامى لا مجال لاجراء الاصل في اطرافه يقول في المقام: بعدم جريان قاعدة الفراغ لأن للعلم الاجمالى بفساد إحدى الصلاتين يكون أثر عملى في أىّ طرف كان و هو وجوب اتيان الفريضة و استحباب اتيان النافلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 281

و لعل هذا كان نظر المؤلف رحمه اللّه من قوله بوجوب إعادة الواجبة و استحباب إعادة المستحبة.

***

[مسئلة 43: إذا كان متوضأ و حدث منه بعده صلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: إذا كان متوضأ و حدث منه بعده صلاة و حدث و لا يعلم أيهما المقدّم، و أنّ المقدّم هى الصلاة حتى تكون صحيحة أو الحدث حتى تكون باطلة، الأقوى صحة الصلاة لقاعدة الفراغ خصوصا إذا كان تاريخ الصلاة معلوما لجريان استصحاب بقاء الطّهارة أيضا إلى ما بعد الصلاة.

(1)

أقول لا إشكال في صحة الصلاة في مفروض المسألة، و إنّما الكلام في وجهها، فنقول: هل يمكن التمسك لصحة الصلاة باستصحاب الطّهارة الحاصلة من الوضوء أم لا؟

الظاهر جريان استصحاب الطّهارة إلى فراغ الصلاة، لأنّه و إن كان المورد من صغريات تأخر الحادث للعلم بحدوث الصلاة و حدوث الحدث و يكون الشك في المتأخر منهما، لكن حيث يكون الاثر مترتبا على استصحاب الطّهارة إلى تمام الصلاة و هو صحة الصلاة بلا معارض يجرى استصحابه و نلتزم بصحة الصلاة.

و لا يعارضه استصحاب عدم حدوث الصلاة إلى آخر زمان الطّهارة لأنّه لا يثبت كون الصلاة حال الحدث أو بلا طهارة إلّا على القول بحجية الأصول المثبتة.

و

هل يكون في جريان استصحاب الطّهارة إلى انقضاء الصلاة فرق بين كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 282

تاريخ حدوث كل من الصلاة و الحدث مجهولا، أو كون تاريخ الصلاة معلوما و تاريخ الحدث مجهولا أو العكس، أعنى: يكون تاريخ الحدث معلوما و تاريخ الصلاة مجهولا، أو لا فرق بين الصور في جريان الاستصحاب؟

الظاهر عدم الفرق بين الصور في جريان استصحاب الطّهارة إلى انقضاء الصلاة، و لا خصوصية في جريان استصحاب الطّهارة فيما إذا كان تاريخ الصلاة معلوما، كما زعم المؤلف رحمه اللّه لأنّه يجرى استصحابها فى جميع الصور.

و يمكن التمسك لصحة الصلاة بقاعدة الفراغ، لأنّ قاعدة الفراغ تقتضى صحة الصلاة، و مع جريان قاعدة الفراغ هل تصل النوبة باستصحاب الطّهارة، أو لا تصل النوبة به؟

لان قاعدة الفراغ حاكمة عليها، و مع وجود الأصل الحاكم لا تصل النوبة بالاصل المحكوم و إن كان موافقا للاصل الحاكم.

أقول: إن كان منشأ الشك في صحة الصلاة و فسادها منحصرا في أن الحدث رحمه اللّه كان متأخرا عن الصلاة أو متقدما عليها و لا يحتمل تحصيل الطّهارة بعد الحادثين، فيكون لجريان الاستصحاب مجال، لأنّ الشك في الصحة و الفساد يكون فيما قلنا و بعد جريان استصحاب الطّهارة يكون الصلاة واجدة للطهارة، و الشك في الفراغ عن الصلاة يرتفع باستصحاب الطّهارة.

فإن ابيت عن جريان استصحاب الحدث، فيكفى للحكم بصحة الصلاة قاعدة الفراغ، فلا إشكال في صحة الصلاة على كل حال في مفروض المسألة.

***

[مسئلة 44: إذا تيقّن بعد الفراغ عن الوضوء أنّه ترك جزأ منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 44: إذا تيقّن بعد الفراغ عن الوضوء أنّه ترك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 283

جزأ منه و لا يدرى أنّه الجزء الوجوبى أو الجزء الاستحبابى فالظاهر الحكم بصحة

وضوئه لقاعدة الفراغ، و لا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابى، لأنّه لا أثر لها بالنسبة إليه، و نظير ذلك ما إذا توضأ وضوءا لقراءة القرآن و توضأ في وقت آخر وضوء للصلاة الواجبة ثم علم ببطلان أحد الوضوءين، فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة و لا تعارض بجريانها في القراءة أيضا لعدم أثر لها بالنسبة إليها.

(1)

أقول: أمّا الحكم بصحة الوضوء لقاعدة الفراغ فيما تيقن بعد الفراغ منه ترك جزء، لكن لا يدرى أنّه الجزء الواجب أو الجزء المستحب، فصحيح لأن الاصل يجرى فيما يكون له الاثر كالامارة لأنّ صحة التنزيل متوقف على الاثر الشرعى، فبعد كون الاثر مترتبا على خصوص الجزء الواجب لأنّه لو كان هو المتروك كان الوضوء باطلا.

و أمّا المتروك إن كان الجزء المستحب فتركه ليس بمبطل للوضوء لكون المفروض استحبابه فلا أثر لاجراء قاعدة الفراغ في الوضوء فيما إذا كان الشك في تركه فلا تجرى بالنسبة إليه، و تجرى بالنسبة إلى الجزء الواجب لان لاجرائها الاثر الشرعى و هو الحكم بصحة الوضوء.

ثم إن المؤلف رحمه اللّه قال و نظير ذلك ما إذا توضأ وضوء لقراءة القرآن و توضأ في وقت آخر وضوء للصلاة الواجبة ثم علم ببطلان أحد الوضوءين، فإن مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة و لا تعارض بجريانها في القراءة أيضا لعدم أثر لها بالنسبة إليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 284

أقول: و مفروض كلامه لا بد و أن يكون فيما إذا حدث حدث بعد الوضوء الأوّل و قبل الوضوء الثاني و إلّا لو لم يحدث حدث بينهما فيعلم بصحة الصلاة الواقعة بعد الوضوء الثاني لأنّ مع العلم الاجمالى ببطلان أحد الوضوءين فإن كان الباطل هو الوضوء الأوّل

فالوضوء الثاني وقع صحيحا فالصلاة الواقعة بعده محكومة بالصحة.

و إن كان الباطل هو الوضوء الثاني فأيضا وقعت صلاته مع الطّهارة لأنّه بعد الوضوء الواقع لغاية مستحبة و هي قراءة القرآن صار مع الطّهارة و لم يتخلل حدث بعده إلى أن صلى الصلاة بعد الوضوء الثاني، و لا يضر بطلان الوضوء الثاني بصحة الصلاة.

فإن كان نظره الى ما قلنا يصح أن يقع الكلام في أن قاعدة الفراغ تجرى في خصوص الوضوء الواقع للصلاة، أو تجي ء فيه و في الوضوء الواقع لقراءة القرآن فتتعارضان و تتساقطان بالتعارض، فيقال: بأنه نظير الفرع الأوّل تجرى قاعدة الفراغ في خصوص الصلاة، كما أنّه لا بد و أن يكون الفرض فيما إذا توضأ لقراءة القرآن و قرء القرآن بعد الوضوء الاول، ثم حدث، ثم توضأ للصلاة و صلى بعده، ثم حصل العلم الاجمالى ببطلان احد الوضوءين، لأنه لو لم يقرأ القرآن بعد الوضوء الاول إلى ما بعد الوضوء الثانى، فلا حاجة لقاعده الفراغ لأنّه مع الوضوء الثانى يعلم بصحة احد الوضوءين فيصح قراءة القرآن و الصلاة.

إذا عرفت أن مفروض الكلام فى تنظيره لا بدّ و أن يكون فيما إذا توضأ لقراءة القرآن و قرء القرآن ثم حدث حدث و توضأ وضوء آخرا للصلاة و صلى ثم بعد الفراغ من الصلاة علم اجمالا ببطلان أحد الوضوءين.

فنقول: كما قال المؤلف رحمه اللّه بجريان قاعدة الفراغ في الوضوء الواقع للصلاة، و لا تعارضها قاعدة الفراغ في الوضوء لقراءة القرآن لعدم جريانها في هذا الوضوء لعدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 285

أثر لصحته، إذ لا أثر لقراءة القرآن الواقعة بعد الوضوء الأوّل حتى تكون لقاعدة الفراغ في وضوئه لها أثر، فلا

مجال لجريانها في الوضوء الواقع للقراءة.

***

[مسئلة 45: إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 45: إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء، فإن لم تفت الموالاة رجع و تدارك و أتى بما بعده و أمّا إن شك في ذلك فإمّا أن يكون بعد الفراغ أو في الأثناء، فإن كان في الاثناء رجع و أتى به و بما بعده و إن كان الشك قبل مسح الرجل اليسرى في غسل الوجه مثلا أو في جزء منه، و إن كان بعد الفراغ في غير الجزء الاخير بنى على الصحة لقاعدة الفراغ، و كذا إن كان الشك في الجزء الاخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر، أو كان بعد ما جلس طويلا، أو كان بعد القيام عن محل الوضوء، و إن كان قبل ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة و إلّا استأنف.

(1)

أقول: في المسألة مسائل نتكلم فيها بعونه تعالى فنقول:

المسألة الاولى: إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو من شرائط الوضوء
اشارة

فله صورتان:

الاولى: صورة حصول اليقين بترك الجزء أو شرط الوضوء مع عدم فوت الموالاة.

و الثانية: صورة فوت الموالاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 286

ففي الصورة الاولى يجب تدارك ما فات و اتى بما بعده من الأجزاء و الشرائط لحصول الترتيب، و في الصورة الثانية يجب إعادة الوضوء.

و هذا مقتضى شرطية الشرط و جزئية الجزء.

لأنّه معنى جزئية شي ء للمركب أو شرطيته انتفاء المركب بانتقاء جزئه أو شرطه.

و لهذا يكون صحة المركب مع فقد الجزء أو الشرط محتاجا إلى الدليل، مثل ما دل الدليل في بعض الأجزاء باغتفار تركه حال النسيان في بعض المركبات.

فالحكم أعنى: وجوب إتيان المتروك من الجزء أو الشرط في المأمور به يكون على القاعدة، غاية الأمر تارة لم تفت الموالاة فيجب الرجوع و تدارك ما فات، ثم اتيان ما بعده من الأجزاء و الشرائط لرعاية الترتيب المعتبر في الوضوء.

و تارة فاتت الموالاة

فلا يمكن تدارك نفس الجزء أو الشرط المتروك و ما بعده من الأجزاء و شرائط الوضوء، بل لا بدّ من إعادة الوضوء من رأس.

و مع ما عرفت من عدم الحاجة إلى الدليل، يستدلّ على الحكم المذكور ببعض الأخبار.

منها ما رواه زرارة قال سئل أحدهما عليهما السلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه، قال: يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان «1».

و منها ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال: يغسل اليمين و يعيد اليسار «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 287

و منها ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثم استيقنت بعد انك بدأت بها غسلت يسارك ثم مسحت رأسك و رجليك «1» و غير ذلك من الأخبار.

و دعوى الاجماع على الحكم المذكور و لم يحك الخلاف إلّا عن ابن جنيد.

المسألة الثانية: ما إذا شك في اتيان جزء من الوضوء أو شرط منه
اشارة

و كان في أثناء الوضوء فله صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا كان الشك في الجزء في أثناء الوضوء

فشك في ترك جزء منه، مثلا يكون مشتغلا بمسح الرأس فيشك في أنّه هل غسل وجهه أم لا، ففي هذه الصورة يجب إتيان المشكوك ثم اتيان ما بعده لرعاية الترتيب و إتمام الوضوء.

يدلّ عليه بعض النصوص، و هو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدرأ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه مما سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة، أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه، لا شي ء عليك فيه، فإن شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه و على ظهر قد ميك، فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك و امض في صلاتك، و إن تيقّنت أنك لم تتم وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتى يأتي على الوضوء الحديث. «2»

و دلالتها على المطلوب واضحة، لكن تعارضها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 288

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره، فليس شكك بشي ء، إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه «1».

لأنّ الظاهر منها إرجاع ضمير في (غيره) إلى (شي ء) لا إلى (الوضوء) فيكون مفادها أنه إذا وقع

الشك في شي ء من الأشياء المعتبرة في الوضوء و قد دخل في غير هذا الشي ء ليس الشك بشي ء، إنّما الشك في شي ء لم تجزه، فلو شك مثلا في غسل الوجه و هو شي ء من الوضوء و قد دخل في غسل اليد اليمنى فلا يعتنى بهذا الشك

فتعارض هذه الرواية مع رواية زرارة لأنّ مفادها عدم الاعتناء بالشك و مفاد رواية زرارة هو الاعتناء بالشك.

إن قلت: كما يحتمل كون مرجع ضمير في (غيره) من جملة (و قد دخلت في غيره) هو (شي ء) في جملة (إذا شككت في شي ء من الوضوء) يحتمل كون مرجعه (الوضوء في الجملة المذكورة أعنى (إذا شككت في شي ء من الوضوء) فيكون مفادها أنه إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غير الوضوء، فليس شكك بشي ء فلا تعارض هذه الرواية مع رواية زرارة.

قلت: إن الرواية و إن كانت ذا احتمالين احتمال إرجاع ضمير (غيره) إلى (شي ء) و احتمال ارجاعه إلى (من الوضوء) لكن الظاهر هو الاحتمال الاول، لأنّ (شي ء) يكون متبوعا و (الوضوء) يكون تابعا لكونه بيانا للشي ء، و الظاهر إرجاع الضمير إلى المتبوع.

أو يقال: بأن الظاهر من الرواية كون ما خرج منه و دخل في غيره هو عين ما تعلق به الشك، و بعبارة اخرى ما تعلق به الشك و خرج منه لا يعتنى، به فحيث إن

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب باب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 289

المفروض في الرواية كون ما تعلق به الشك (شي ء من الوضوء) لا أصل الوضوء فالظاهر كون الدخول في غير هذا الشي ء يكون سببا لعدم الاعتناء بالشك، فلهذا يكون المرجع هو (شي ء) لا

(الوضوء).

و على هذا بعد كون مفاد الرواية الاولى الاعتناء بالشك قبل تمام الوضوء، و عدم الاعتناء بالشك في فعل من أفعاله إذا كان بعد الوضوء، و مفاد الرواية الثانية هو عدم الاعتناء بالشك بمجرد التجاوز عن الجزء المشكوك و إن كان في أثناء الوضوء، يقع بينهما التعارض.

و حيث يمكن الجمع العرفى بينهما بحمل الأمر باعادة الجزء المشكوك إذا كان في أثناء الوضوء في صورة تجاوز عن الجزء المشكوك و عدم إتمام الوضوء على الاستحباب بقرينة الرواية الثانية الدالة على عدم وجوب الاعتناء بالشك بمجرد التجاوز عن الجزء المشكوك و الدخول في غيره.

و بعد كون هذا مقتضى الجمع العرفى، فتكون النتيجة عدم وجوب إعادة الجزء المشكوك إذا دخل في غيره، فلا دليل يدل على وجوب الاعتناء بالشك في جزء الوضوء في أثنائه مع التجاوز عنه.

أقول: و حيث ان الاجماع قائم على ما ترى في كلماتهم على وجوب اعادة المشكوك إذا كان الشخص مشتغلا بالوضوء و غير فارغ عنه صاروا بسدد بعض التوجيهات في الرواية الثانية، و عمدتها هو إرجاع ضمير (غيره) إلى (الوضوء) لأنّه بعد ما عرفت من الاحتمالين في الرواية (احدها ارجاع ضمير غيره إلى قوله (شي ء) و اثره هو عدم الاعتناء بالشك في الجزء بمجرد التجاوز و إن كان في أثناء الوضوء و لم يحصل الفراغ منه.

و الثاني إرجاع ضمير (غيره) إلى (الوضوء) و أثره عدم الاعتناء بالشك إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 290

دخل في غير الوضوء.

و بعد كون كل منهما محتمل، فلا وجه لتقديم الاحتمال الأوّل على الثاني لو لم نقل بتقديم الاحتمال الثاني على الأوّل، فتكون الرواية مجملة فلا ظهور لها في أمر تعارض الرواية الاولى الدالة

على وجوب الاعتناء بالشك ما دام يكون في الوضوء.

و إن أبيت عن ذلك يقال: بعد الاجماع القائم على وجوب الاعتناء بالشك و اتيان المشكوك و ما بعده إذا كان الشك حال الوضوء فوجّه الرواية الثانية بما قلنا.

أقول: و أمّا ما يخطر ببالى القاصر عاجلا و إن لم أر من يقول به هو أن يقال مقتضى ما نص في الرواية الاولى به، أعنى: رواية زرارة في قوله (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر اغسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو تمسحه مما سمى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فاذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه) هو وجوب اعادة المشكوك فيما كان في أثناء الوضوء و عدم الاعتناء فيما قام من الوضوء و فرغ منه و بعبارة اخرى المستفاد منها التفصيل بين الشك في الجزء من الوضوء في أثناء الوضوء و بين الشك بعد الفراغ منه.

و مقتضى إطلاق الرواية الثانية أعنى: رواية ابن أبي يعفور في قوله (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء) على فرض ارجاع ضمير في (غيره) إلى (شي ء) في قوله (في شي ء من الوضوء).

و قوله (إنّما الشك في شي ء لم تجزه) بناء على حمل الشي ء على مطلق الشي ء بقرينة صدر الرواية على الفرض المذكور في مرجع ضمير (غيره).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 291

هو أن الشك إذا وقع في شي ء من أجزاء الوضوء أو شرائطه

فليس شكك بشي ء سواء كان هذا الشك في أثناء الوضوء، أو كان بعد الفراغ من الوضوء، فللشك فردان: فرد في أثناء الوضوء، و فرد بعد الفراغ من الوضوء كما أن قوله (انما الشك في شي ء لم تجزه) له مفهوم و هو أن الشك و عدم الاعتناء يكون فيما تجاوز عن الشي ء سواء كان مع تجاوزه حال الاشتغال بالوضوء أو بعد الفراغ عن الوضوء فلمفهومه فردان:

فرد حدوث الشك بعد التجاوز عن المشكوك مع كونه حال الوضوء مثل ما شك في جزء منه و الحال أنّه مشغول بالجزء الآخر من الوضوء.

و فرد حدوث الشك بعد الفراغ من الوضوء فيشك مثلا بعد الفراغ في أنّه هل هو غسل وجهه في وضوئه أم لا.

إذا عرفت مفاد الروايتين نقول: بأن مقتضى حمل الظاهر على النص التصرف في إطلاق الرواية الثانية و تقييدها بقرينة النص من الرواية الاولى بصورة كون الشك في الجزء أو الشرط من الوضوء بعد الفراغ.

و هذا جمع عرفى لا غبار فيه، و كون النتيجة عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء فإن شك في جزء من أجزائه و لم يفرغ منه يجب إتيانه و إتيان كلّ ما يترتب عليه من الاجزاء رعاية للترتيب المعتبر لو لم تفت الموالاة، و مع فوتها يجب إعادة الوضوء و الحمد للّه و الصلاة و السلام على محمد و آله.

الصورة الثانية: ما إذا شك في اتيان شرط من شرائط الوضوء

قبل الفراغ من الوضوء، فهل يكون حاله حال الشك في الجزء من أنّه حتى كان في أثناء الوضوء يعتنى بالشك أو لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 292

الحق كون الشرط بحكم الجزء: لا لأنّ قوله عليه السلام في رواية زرارة المتقدمة في الصورة الاولى (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم

تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه الخ) يدل عليه، لأنّه بعد بيان وجوب غسل الذراعين إذا لم يدر أنّه غسلهما أم لا و إن قال بالنحو الكلى (و على جميع ما شككت فيه) لكن قوله (أنّك لم تغسله أو تمسحه) يدل على عمومية الحكم لجميع الأجزاء و أمّا الشرائط فلا يدل عليه.

بل إلحاق الشرط بالجزء أوّلا من باب أنّه بعد شرطية الوضوء للصلاة و الاشتغال اليقينى به يجب إتيانه مع ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا، فمع الشك في ايجاد شرطه يجب إعادة الشرط بالكيفية المعهودة ثم إتيان ما بعده من الأجزاء و الشرائط للوضوء لتحصيل البراءة اليقينة.

و ثانيا قوله عليه السلام في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة في الصورة الاولى حيث حيث قال عليه السلام (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه) بعد حمل إطلاقها على ما بيّنا على صورة دخوله في غير الوضوء بقرينة رواية زرارة المتقدمة في الصورة الاولى، فيكون المراد منها عدم الاعتناء بالشك في شي ء من الوضوء بعد الفراغ من الوضوء، سواء كان هذا الشي ء المشكوك جزء أو شرطا، بل الاعتناء و اتيان المشكوك يكون في شي ء لم تجز منه سواء كان هذا الشي ء جزءا أو شرطا للوضوء لأنّ الشي ء اعم من الجزء و الشرط.

فتلخص بأنه إن كان الشك في الشرط حاصلا في أثناء الوضوء يجب أن يأتي به و لو باتيان مشروطه واجدا للشرط، ثم اتيان ما بعده من الاجزاء و الشرائط حفظا للترتيب المعتبر في الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 6، ص: 293

ثم إنّه لا فرق فيما قلنا من وجوب الاعتناء بالشك إذا كان في أثناء الوضوء بين أن يكون المشكوك تمام الجزء، مثلا شك في غسل وجهه و قد دخل في غسل اليد، أو كان الشك في جزء الجزء، مثلا يغسل يده فيشك في أنّه هل غسل جبهته أولا، فيجب العود و غسله و غسل كلّ ما يغسل بعده بمقتضى الترتيب المعتبر لاطلاق رواية زرارة المتقدمة.

و أيضا ما دام مشتغلا بالوضوء حتى بالجزء الاخير منه و هو مسح الرجل اليسرى منه يكون الشك في حال الوضوء فيشمله إطلاق رواية زرارة.

المسألة الثالثة: إذا شك في جزء من الوضوء أو شرطه
اشارة

و قد فرغ من الوضوء فالكلام يقع في موارد إنشاء اللّه:

المورد الأوّل: ما إذا كان الشك بعد الفراغ من الوضوء مع كون الشك في غير الجزء الأخير منه،

مثلا شك بعد الفراغ في أنّه غسل يده اليمنى أو لا، فلا إشكال في أنّه لا يعتنى، بالشك و الوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ المستفادة من بعض الأخبار.

منها ما (ذكرناها في المسألة السابقة) و هى ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّه لم تغسله أو تمسحه مما سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فاذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه الحديث «1».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 294

و هي تدلّ على جريان قاعدة الفراغ في الوضوء كما تدلّ على عدم جريان قاعدة التجاوز فيه.

و منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا شككت في شي ء لم تجزه «1».

و دلالتها على قاعدة الفراغ إمّا بارجاع ضمير في (غيره) إلى (الوضوء) لا إلى (شي ء) في قوله (شي ء من الوضوء) و إمّا بما قلنا في المسألة السابقة بتقييد إطلاقها الشامل لكل من حالتى الوضوء و بعد الفراغ منه على خصوص الفراغ من الوضوء بقرينة رواية زرارة المتقدمة.

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة، قال: يمضى على صلاته

و لا يعيد «2».

قال سيدنا الاعظم آيت اللّه البروجردي قدّس سرّهم لقد سقطت الواسطة بين ابن أبي عمير و بين محمد بن مسلم من سند الرواية لأنّه لا يمكن أن يروى ابن أبي عمير بحسب طبقته عن محمد بن مسلم بلا واسطة.

و منها ما رواه ابن بكير عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

كلما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه و لا إعادة عليك فيه «3».

بناء على كون موردها الشك لا النسيان، و بناء على كون (من) في قوله (من صلاتك و طهورك) بيانية لا التبعيضية لأنّه إن كانت تبعيضية يناسب مفادها مع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 295

قاعدة التجاوز.

و منها ما رواها بكير بن أعين قال: قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ، قال:

هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك «1».

و الرواية مضمرة لعدم ذكر من قال له بكير بن أعين و سئل عنه.

أقول: و بعد المراجعة في روايات الباب يظهر أنّ حكم هذا المورد يستفاد من أخبار الباب، و كون هذا مورد قاعدة الفراغ في باب الوضوء، لأنّه قد حصل الفراغ.

المورد الثاني: و هو ما كان الشك في الجزء الأخير من الوضوء

فحكمه يستفاد من أخبار الباب و أنّه مع تحقق الفراغ لا يعتنى بالشك، و بعد ذلك يقع الكلام فيما يحصل الفراغ به من الوضوء فنقول:

المورد الثالث: يقع الكلام فيما يتحقق به الفراغ
اشارة

من الوضوء.

فهل يتحقق الفراغ منه بالفراغ عن الجزء الأخير منه و إن لم يشتغل بفعل آخر و إن لم يقع حتى السكوت بعده و إن كان الشك في نفس الجزء الأخير.

أو لا يتحقق الفراغ الموضوع لقاعدة الفراغ إلّا بعد الدخول في فعل آخر من الصلاة و غيرها أو السكوت الطويل بعده.

أو يفرّق بين ما إذا كان الشك في غير الجزء الأخير، فيكفى مجرد الفراغ عن الوضوء و بين الجزء الأخير، فيحصل الفراغ بالدخول في عمل آخر، أو السكوت الطويل، أو القيام عن محل الوضوء.

أقول: بعد فرض عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لا يكون فرق بين كون الشك في الجزء الغير الأخير منه و بين كونه في جزئه الأخير، لأنّ مورد قاعدة

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 296

الفراغ يكون بعد الفراغ من المركب المأمور به و هو الوضوء.

إذا عرفت ذلك فنقول: قد يقال: إنّ بعض الروايات المذكورة المربوطة بالباب و هو الرابعة و الخامسة يكون مطلقة، و الثالثة منها وردت في مورد الفراغ من الوضوء و دخوله في الصلاة فلا إطلاق لها، و الرواية الاولى و هي رواية زرارة، و الثانية و هي رواية ابن يعفور يكون مفادهما هو اعتبار الدخول في الغير فتكونان مقيّدتين، فلا بدّ من حمل المطلق على المقيد و تكون النتيجة اعتبار الدخول في الغير.

و لكن نقول: إن الرواية الرابعة و الخامسة مطلقة، و الرواية الثالثة لا إطلاق لها من حيث ما

يتحقق به الفراغ، لأنّ سؤاله يكون عن مورد خاص و هو فراغه عن الوضوء و دخوله في الصلاة، و أجاب عليه السلام بعدم الاعتناء بالشك.

و أمّا الرواية الثانية فمع قطع النظر عن الاشكال فيها من حيث كونها موردا لقاعدة التجاوز أو الفراغ، و ما قلنا من توجيه فيها بحيث يكون موردها قاعدة الفراغ، فنقول: بناء على كونها واردة في قاعدة التجاوز فغير مربوطة بمقامنا و هو قاعدة الفراغ.

و أمّا بناء على حملها على قاعدة الفراغ بالتوجيه الذي قلنا، فصدرها و هو قوله (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء) و إن كان بعد تقييدها برواية زرارة في حد ذاتها هو كون الشك بعد الفراغ من وضوئه و دخوله في غير الوضوء.

لكن بعد قوله عليه السلام في ذيلها (إنّما الشك في شي ء لم تجزه) و مفهومه هو عدم الشك و عدم الاعتناء به إذا جاز عنه، فبمجرد الجواز عنه لا يعتنى بالشك و المراد من التجاوز عن الشي ء كما بينا في رسالتنا في قاعدة الفراغ هو التجاوز بحسب الاعتقاد، نفهم أن الميزان هو التجاوز.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 297

و اما الرواية الاولى، فقوله عليه السلام (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انّه لم تغسله أو تمسحة مما سمى اللّه ما دمت في حال الوضوء) يدل على لزوم الاعادة و الاعتناء بالشك ما دام الشخص قاعدا على الوضوء و يكون في حال الوضوء.

و قوله عليه السلام بعد ذلك (فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في

الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه مما اوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه) يكون مفهوم القضية الاولى صار مذكورا بصورة المنطوق.

و على هذا نقول: بأن مفاد الجملة الاولى وجوب الاعادة و الاعتناء بالشك ما دام هو قاعد على الوضوء و في حاله.

و الجملة الثانية و هي ما قلنا إنّها بحسب الظاهر مفهوم الجملة الاولى مذكورة بصورة المنطوق، ففيها احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أنها متعرضة لحال القيام عن الوضوء و دخوله في غير الوضوء،

و ساكتة عن صورة قيامه عن الوضوء و عدم دخوله في غير الوضوء فتكون النتيجة اعتبار الدخول في الغير.

لكن لازم هذا الاحتمال عدم تعرض الرواية لصورة الخروج عن الوضوء و عدم دخوله في الغير، و هذا خلاف الظاهر لأنّه على هذا لا تكون هذه الصورة لا من حال الوضوء لفراغه عنه باتمام وضوئه باعتقاده إذا كان في غير حال الوضوء و لو كان هذا الحال القيام عنه أو السكوت الطويل بعده، و لا من حال غير الوضوء الداخل في فعل آخر كالصلاة و غيرها، و بعد كون هذا الاحتمال خلاف الظاهر يبقى الاحتمال الآخر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 298

الاحتمال الثاني: أن تكون الجملة الاولى متعرضة لحال القيام عن الوضوء

أعنى: الخروج و الفراغ عنه سواء دخل في فعل آخر أولا، و لا يكون قوله (فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى الخ) في مقام بيان دخل كل من القيام عن الوضوء و الفراغ منه و الدخول في حال اخرى إلّا لبيان أمر واحد و هو عدم كونه في حال الوضوء، لأنّه مع القيام عن الوضوء و الفراغ عنه و صيرورته في حال آخر خارج عن حال الوضوء المستفاد من منطوق الجملة الاولى فمنطوق الجملة الثانية هو في الحقيقة مفهوم الجملة الاولى لا غير.

فتكون النتيجة هو أنّه إن كان الشك في اثناء الوضوء في شي ء منه يجب اعادة هذا الشي ء و ما بعده (الا إذا كان الاعادة مخلة للموالاة المعتبرة في الوضوء، فإنه يجب اعادة الوضوء).

و إن كان الشك في شي ء منه بعد الفراغ عن الوضوء لا يجب عليه شي ء و لا يعتنى به، فعلى هذا يكون مفاد رواية زرارة و مفاد بعض الأخبار المتقدمة التي

جعل موضوع عدم الاعتناء الفراغ من الوضوء أو التجاوز عنه واحدا.

غاية الأمر إن كان مسح رجله اليسرى و إن لم يقم عن الوضوء و حتى لم يفصل بشي ء من السكوت فيقال عرفا: إنّه خرج عن حال الوضوء و فرغ عنه عرفا فلا بد من أن لا يعتنى بشكه إذا كان شكه في غير الجزء الأخير لصدق الفراغ و الانصراف و تصدق انّه جاز عنه باعتقاده فيصدق التجاوز أن اعتبر التجاوز.

و إن كان شكه في خصوص الجزء الأخير و لم يقم عنه و لم يفصل بشي ء حتى السكوت الطويل لم يحصل الفراغ و التجاوز البنائى و الاعتقادى و لهذا يعتنى بشكه.

كما انّه لو اشتغل بعمل آخر، بل لو قام عن الوضوء و لو لم يشتغل بفعل آخر، بل و إن حصل السكوت الطويل فقط يعدّ عرفا أنّه في غير حال الوضوء، فلا يعتنى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 299

بالشك و إن كان المشكوك الجزء الأخير من أجزاء الوضوء.

و كما قلنا في الفراغ من الصلاة فنقول أيضا: إنّه إذا كان في حال الصلاة فليس الشك شكا بعد الفراغ و إن كان مورد قاعدة التجاوز لكون الشك بعد التجاوز فيما كان متجاوزا عن الجزء، فإذا كان في جلوس التشهد و السلام و كان شكه في جزء الأخير و لم يتخلل بفعل آخر حتى السكوت الطويل فليس مورد قاعدة الفراغ و لا مورد قاعدة التجاوز لعدم دخوله في غيره من الأجزاء.

و أمّا إن كان الشك في غير جزء الأخير و هو في حال التشهد و لم يدخل في فعل آخر حتى التعقيب و لم يتخلل السكوت الطويل لا يكون مورد قاعدة الفراغ لعدم تحقق الانصراف

و المضى من الصلاة، فيكون مورد قاعدة التجاوز

فتلخص من كل ما ذكرنا تمامية ما قاله المؤلف رحمه اللّه في هذا المقام و الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسوله و آله.

***

[مسئلة 46: لا اعتبار بشك كثير الشك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 46: لا اعتبار بشك كثير الشك سواء كان فى الأجزاء أو فى الشرائط أو الموانع.

(1) أقول: أما من حيث الفتوى و إن حكي عن الجواهر دعوى عدم وجدان الخلاف فيه لكن لم يقم إجماع عليه.

و أمّا دعوى لزوم الاعتناء بالشك مع كثرته موجب للعسر و الحرج، فنقول:

إن كان يوجب ذلك في بعض الموارد و يقتضي بعدم الاعتناء فيه لا في كل مورد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 300

يكثر الشك.

و أمّا دعوى أن الوضوء من توابع الصلاة، فيجرى فيه حكم متبوعه، فبعد عدم الاعتبار بشك كثير الشك فى الصلاة لا اعتبار بشك كثير الشك في الوضوء

ففيه انّ الوضوء عبادة مستقلة أوّلا و إن كان من توابع الصلاة، و ثانيا لو فرض كونه من توابع الصلاة فلا دليل على جريان كل حكم من أحكام الصلاة فيه.

فيبقى في المقام بعض الأخبار:

منها ما رواها عبد اللّه سنان قال ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و أىّ عقل له و هو يطيع الشيطان، فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أىّ شي ء هو فإنّه يقول لك: من عمل الشيطان «1».

و الاستدلال بها مبنى على كون الابتلاء بالوضوء و الصلاة بكثرة الشك فيهما كالوسواسى، و يكون كل موارد كثرة الشك من جهة الابتلاء بوسوسة الشيطان و كلاهما ممنوعان، إذ

ربما يكون مبتلى في وضوئه و صلاته من غير كثرة الشك.

كما أنّه ربّما يكون كثير الشك و لا يكون منشأه الابتلاء بوسوسة الشيطان.

نعم يستفاد من الرواية أن كل مورد يكون كثرة الشك من جهة الابتلاء بوسوسة الشيطان لا يعتنى بالشك.

و أمّا عدم الاعتناء بكثرة الشك مطلقا حتى فيما لا تكون لأجل الابتلاء بوسوسة الشيطان فلا يستفاد من الرواية.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 301

و لا يصلح لمعارضتها ما رواه أبو يحيي الواسطى عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: جعلت فداك أغسل وجهى ثم أغسل يدي و يشككنى الشيطان أني لم أغسل ذراعى و يدى، قال: إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد «1» بدعوى أن مفهوم قوله عليه السلام (إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد) يدل على وجوب الاعادة إذا لم يجد برد الماء على ذراعه.

فهي تعارض مع رواية عبد اللّه بن سنان و كل ما يكون بمضمونها الدالة على عدم وجوب الاعادة مطلقا سواء يجد برد الماء في المشكوك غسله أو مسحه أو لا، و بعد التعارض لا بدّ من تقييدها برواية أبي يحيى الواسطى، فتكون النتيجة عدم وجوب الإعادة في خصوص ما يجد برد الماء على عضو المشكوك غسله أو مسحه وجه عدم موجبيتها للمعارضة أوّلا يمكن كون مورد رواية أبي يحيى الوسواس، و كان عليه السلام في سدد دفع وسواسه بهذا الطريق في الجملة و التنبيه عليه، فلا يكون مفهوم لها.

و ثانيا تكون رواية يحيى ضعيفة السند لعدم معلومية بعض الاصحاب الذي روى عنه يحيى هذه الرواية.

و منها ما رواه

محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان «2».

و منها ما رواه حريز عن زرارة و أبي بصير جميعا قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى و لا ما بقى عليه، قال: يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك، قال: يمضى في شكه، ثم قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الخلل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 302

نقض الصلاة فتطيعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك، قال زرارة: ثم قال: إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم «1».

و الاستدلال بهما يتوقف على استفادة العلّية المطلقة حتى فيما لا يكون منشأ كثرة الشك من الشيطان و كلاهما محل منع.

لاحتمال كون ما ذكر في الروايتين من موجبية الاعتناء بالشك لتعود الشيطان حكمة لا علة.

و على فرض كونه علة يسرى الحكم إلى كل شك كثير يكون موجبا لا طاعة الشيطان و تعوده لا مطلق كثرة الشك حتى فيما لا يكون منشأه تعوّد الشيطان.

فتخلص أنّ ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من عدم اعتبار شك كثير الشك في باب الوضوء تمام في خصوص ما كان منشأه الوسوسة الحاصلة من الشيطان، و كان الاعتناء سببا لا طاعته لا في غير هذا المورد.

***

[مسئلة 47: التيمّم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحقه حكمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 47: التيمّم الذي هو بدل عن الوضوء لا

يلحقه حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الأثناء و كذا الغسل و التيمم بدله، بل المناط فيها التجاوز عن محل المشكوك فيه و عدمه، فمع التجاوز تجرى قاعدة التجاوز و إن كان في الأثناء مثلا، إذا شك بعد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب الخلل من الوسائل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 303

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 303

الشروع في مسح الجبهة في أنّه ضرب بيديه على الأرض أم لا، يبنى على أنّه ضرب بهما، و كذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أنّه غسل رأسه أم لا لا يعتنى به، لكن الأحوط الحاق المذكورات أيضا بالوضوء.

(1)

اقول: تارة يقال: باختصاص اعتبار قاعدة التجاوز بباب الصلاة فقط فمقتضى القاعدة هو الاعتناء بالشك و اتيان المشكوك و ما بعده إن لم تفت الموالاة إذا كان في أثناء التيمم أو الغسل و إن لم يكن في البين ما دل على الاعتناء بالشك في الوضوء إذا كان الشك في أثنائه في إتيان جزء أو شرط منه للاشتغال، و إن فاتت الموالاة يجب اعادة التيمم أو الغسل لقاعدة الاشتغال.

و تارة يقال: بجريان قاعدة التجاوز في كل مركب شك في بعض أجزائه أو شرائطه و لا انحصار لها بباب الصلاة، كما بيّنا وجهه تفصيلا في رسالتنا التي حرّرناها في قاعدة التجاوز و الفراغ.

فنقول: بأن الشك إذا كان في أثناء واحد من التيمم أو الغسل في اتيان بعض أجزائهما أو شرائطهما و عدمه فلا يعتنى بالشك لكون المورد مورد قاعدة التجاوز.

و ما

قيل من وجوب الاعتناء فيهما من باب كون الغسل مثل الوضوء في كونه مطهّرا غاية الأمر الوضوء مطهّر للحدث الاصغر، و الغسل مطهّر للحدث الأكبر، و التيمم بدلهما فحكمه حكمهما، فكما يجب الاتيان بالمشكوك من الأجزاء و الشرائط إذا كان الشك في أثنائه كذلك في الغسل و التيمم.

ففيه أن هذا أشبه شي ء بالقياس فلا وجه للتعدى من الوضوء بهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 304

نعم الأحوط استحبابا فيهما الاعادة و اتيان المشكوك فيما لم تفت الموالاة و إعادتها فيما فاتت الموالاة من باب دعوى الشهرة الفتوائية على إلحاقهما به في هذا الحكم، و إن كان قيام الشهرة عليه مورد الاشكال كما حكى عن صاحب الجواهر رحمه اللّه.

***

[مسئلة 48: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 48: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، و لكن شك في أنّه هل كان هناك مسوّغ لذلك من جبيرة، أو ضرورة، أو تقية أولا، بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعى، الظاهر الصحة حملا للفعل على الصحة لقاعدة الفراغ أو غيرها، و كذا لو علم أنّه مسح بالماء الجديد و لم يعلم أنّه من جهة وجود المسوّغ أولا، و الأحوط الاعادة في الجميع.

(1)

أقول: منشأ الاشكال هو أن مفاد أدلة قاعدة الفراغ هل مختص بمن يعلم ما هو وظيفته و يشك في صحة ما هو الموظف و عدمها، مثلا يعلم أن وظيفته مسح الرأس، لكن بعد الفراغ عن الوضوء يشك في صحة الوضوء و عدمها من جهة شكه في أنّه مسح رأسه أم لا، ففى هذه الصورة تجرى قاعدة الفراغ بلا إشكال.

أو يعمّ هذه الصورة و من إذا يعلم

بما عمله، لكن يشك في أن ما فعله كان وظيفته أم لا، مثلا يعلم أنّه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 305

موضع المسح، و لكن يشك في أنّه هل كان مسوّغ لما عمله من جبيرة أو ضرورة أو تقية حتى كان وضوئه صحيحا، أو لم يكن له مسوّغ حتى يكون وضوئه باطلا، فتجرى قاعدة الفراغ في هذه الصورة أم لا.

و بعبارة اخرى كما انّه في الصورة الاولى بعد علمه بالوظيفة يحتمل أن الذهول و الغفلة صار سببا لعدم العمل بوظيفته فصار الوضوء باطلا، فببركة قاعدة الفراغ يحكم بصحته، كذلك تشمل القاعدة ما إذا كان يحتمل أن الغفلة و الذهول صارا سببا للعمل بما عمل على خلاف الوظيفة، أو أنّه كانه حين العمل أذكر، فما عمل به كان هو وظيفته فقد عمل على طبق وظيفته مثل بعض الأمثلة المذكورة في المتن، فهل يحكم بصحته الوضوء بمقتضى قاعدة الفراغ أم لا؟

لا يبعد كون الظاهر من أخبار الباب هو الأوّل، بمعنى أن موردها ما لم يعلم بأنه أتى بما لا بدّ أن يؤتى به أو لم يأت به أصلا من باب عروض الغفلة.

و أمّا إذا يعلم بأنه أتى به، و لكن لا يدرى أن اتيانه كان من باب كونه حين العمل وظيفته فأتى به، أو لم يكن وظيفته، بل أتى به غفلة على خلاف الوظيفة، فلا يشمله أخبار الباب، و لهذا الأحوط بل الأقوى الإعادة في هذه الصورة.

***

[مسئلة 49: إذا تيقّن أنّه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 49: إذا تيقّن أنّه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله، و لكن شك في أنّه أتمّه على الوجه الصحيح أولا، بل عدل

عنه اختيارا أو اضطرارا، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ فيجب الاتيان به، لأنّ مورد القاعدة ما إذا علم كونه بانيا على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 306

إتمام العمل و عازما عليه إلّا أنّه شاك في اتيان الجزء الفلانى أم لا، و في المفروض لا يعلم ذلك، و بعبارة اخرى مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان لا احتمال العدول عن القصد.

(1)

أقول: منشأه كما أشار إليه رحمه اللّه في المتن هو أن مورد قاعدة الفراغ ما إذا كان الشخص بانيا على إتيان العمل على الوجه المعتبر و عازما عليه، و يكون منشأ احتمال الترك عروض الغفلة و النسيان.

و أمّا إذا كان منشأ احتمال الترك هو العمد من باب طرو الاضطرار أو اختيارا فلا تشمله القاعدة فيجب الاعادة.

***

[مسئلة 50: إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 50: إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء، أو في الاثناء وجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه إن لم يكن مسبوقا بالوجود، و إلّا وجب تحصيل اليقين و لا يكفى الظن، و إن شكّ بعد الفراغ في أنّه كان موجود أم لا بنى على عدمه و يصح وضوئه، و كذا إذا تيقن أنّه كان موجودا و شك في أنّه أزاله، أو أوصل الماء تحته أم لا، نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته و قد لا يصل إذا علم أنّه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل و لكن شك في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه، فلا يترك الاحتياط بالاعادة،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 307

و كذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه و شك في

كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده فأنه يبنى على الصحة، إلّا إذا علم أنه في حال الوضوء لم يكن ملتفتا إليه فإنّ الأحوط بل الأقوى الاعادة حينئذ.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا شك في وجود الحاجب و عدمه،

و قد مضى بعض الكلام فيه في المسألة التاسعة من المسائل المتعلقة بأفعال الوضوء، و نقول هنا أيضا إن شاء اللّه.

إذا شك في وجود الحاجب يجب الفحص حتى يحصل اليقين، أو الاطمينان بعدمه أو الظن المعتبر.

أمّا وجه وجوب الفحص فلأنّه بعد اشتغال اليقينى بالغسل و المسح في الوضوء على البشرة، أو ما بحكمها مثل ظاهر اللحية فيجب عليه تحصيل البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بالفحص.

و وجه وجوب الفحص إلى حصول اليقين فلوجوب حصول اليقين بالبراءة.

و وجه كفاية الاطمينان لأنّه بحكم اليقين.

و وجه كفاية الظن المعتبر فلانه يقوم بدليل اعتباره مقام العلم.

و أمّا ما قيل من عدم وجوب الفحص مع الشك في وجود الحاجب و عدمه، إما للسيرة و إمّا للخبر الوارد في الحيض، فقد بينا جوابهما في المسألة التاسعة من أفعال الوضوء فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 308

و لا يكتفى مطلق الظن في عدم وجود الحاجب و إن كان ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه كفايته لعدم اعتبار مطلق الظن.

و لا فرق فيما قلنا من وجوب الفحص عن الحاجب حتى حصل اليقين أو الاطمينان أو الظن المعتبر بعدمه بين أن يكون الحاجب مسبوقا بالوجود و بين عدم كونه مسبوق الوجود و إن فصّل المؤلف رحمه اللّه من كفاية مطلق الظن في الثاني و عدمه في الأوّل، و وجهه بنظره وجود السيرة على كفاية مطلق الظن في الثاني لا الأوّل.

و لكن قد عرفت في المسألة التاسعة من المسائل المتعلقة بأفعال الوضوء

أن السيرة إن كانت ففي مورد اطمينان بعدم الحاجب لا مطلقا حتى فيما لا يحصل الاطمينان بعدمه، فيجب الفحص في كل من الصورتين حتى يحصل العلم أو الاطمينان أو الظن المعتبر على عدمه.

المسألة الثانية: إذا شك بعد الفراغ من الوضوء في وجود الحاجب حال الوضوء و عدمه

لا يعتنى بالشك، و يبنى على عدمه لقاعدة الفراغ، لأنّه يشك في الحقيقة في ترك الجزء و عدمه أو في الصحة و عدمها، فتجرى قاعدة الفراغ.

المسألة الثالثة: إذا كان متيقنا في وجود الحاجب سابقا

و لكن بعد الفراغ من الوضوء يشك في أنّه أزاله أو أوصل الماء تحت أم لا لا يعتنى بالشك و يبنى على الصحة لقاعدة الفراغ.

المسألة الرابعة: ما إذا كان الحاجب مما قد يصل الماء تحته

و قد لا يصل تحته و يعلم أنّه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل لكن شك في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، فهل لا يعتنى بالشك أو يعتنى به وجهان:

و وجه عدم الاعتناء شمول قاعدة الفراغ للمورد لاطلاق دليلها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 309

وجه الاعتناء بالشك أن مقتضى العلة المذكورة في بعض روايات الباب كون الحكم بالصحة من باب أذكرية الشخص حين العمل، و في المقام يعلم بعدم كونه متذكرا لعلمه بعدم التفاته إلى المشكوك حين العمل.

أقول: قد بينّا في رسالتنا في قاعدة التجاوز و الفراغ في الفراغ الثالث أنّه بناء على كون قاعدة الفراغ قاعدة مستقلة عقلائية

أوّلا بناء العقلاء في مورد يكون الشخص عالما بكيفية عمل و يريد إتيانه و لا يتركه بالنحو المطلوب إلّا من باب النسيان و الغفلة، و لا يكون بنائهم على الصحة فيما يعلم بما عمله، و لكن يشك في أنّه بما عمله حصل ما هو المطلوب من باب الاتفاق أولا.

و ثانيا على فرض تحقق بناء العقلاء في المورد أيضا بعد ما ردع الشارع عن طريقتهم بقوله عليه السلام (لأنّه حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك) أو يستفاد من مجموع أخبار الباب أن مصب القاعدة هو ما كان منشأ الترك على فرض تركه هو الذهول و الغفلة.

و أمّا بناء على عدم كونها قاعدة عقلائية، و كونها قاعدة مستفادة من الأخبار سواء كانت هي و قاعدة التجاوز قاعدة واحدة، أو كانتا قاعدتين مستقلتين.

فنقول: أولا مقتضى ما

في رواية بكير بن أعين من قوله عليه السلام (هو حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك) كون علة عدم الاعتناء بالشك أذكرية الشخص و عدم غفلته حين العمل و أمّا إذا كان ملتفتا حال العمل لكن لا يدرى حصول المطلوب اتفاقا بما عمله أولا فخارج عن موضوع العلة المذكورة.

و ثانيا أن ظاهر أخبار الباب مع قطع النظر عن العلة المذكورة كما قلنا هو كون مورد القاعدة صورة كون الترك على الفرض من باب الذهول و الغفلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 310

و أمّا ما إذا كان عالما بما عمله و لكن شكه يكون مع باب انّه هل تحقق اتيان الجزء أو الشرط فيما فعله اتفاقا أم لا، فلا يكون مورد القاعدة، فافهم فإن اشكل في حجيّة رواية بكير بن أعين لضعف سندها من باب كونها مضمرة يكفى ما قلنا لعدم شمول القاعدة للمورد.

المسألة الخامسة: إذا علم بوجود الحاجب المعلوم

أو المشكوك حجبه و شك في كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده فله صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا احتمل التفاته به حال الوضوء، و أنّه لو تركه لا يكون إلّا من باب الغفلة، فالوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ.

الصورة الثانية: ما إذا يعلم أنّه لا يكون ملتفتا به حال الوضوء فالأقوى عدم جريان قاعدة الفراغ للعلة المذكورة في رواية بكير من أعين (هو حين ما يتوضأ أذكر) و الاشكال بضعف سندها بالاضمار مندفع بانجبارها بعمل الأصحاب.

و أمّا لما قلنا من أن ظاهر أخبار الباب كون مورد قاعدة الفراغ ما كان بانيا على اتيان المركب المأمور به على النحو الموظّف و لا يكون سبب الترك إلّا الغفلة و الذهول، و لو لا الغفلة و الذهول يأتي به على وجهه، لا

ما إذا كان عالما بما فعله و أنه لو اتى بالمشكوك أتى به قهرا و اتفاقا، فمن يعلم بعدم التفاته حين العمل فليس تركه مستندا إلى الغفلة، بل يستند إلى عدم الالتفات فلا يشمله أخبار الباب.

و أمّا ما قال بعض «1» الشراح في وجه شمول قاعدة الفراغ لصورة العلم بعدم الالتفات حال العمل، كما قال به في المسألة الحادية عشرة من فصل الماء المشكوك و بيّنا الاشكال فيه، بأن مقتضى ما رواه الحسين بن أبي العلاء (قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت، قال: حوّله من مكانه، و قال: في الوضوء تدره

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 525.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 311

فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة) «1» هو عدم وجوب اعادة الصلاة و هو مفاد قاعدة الفراغ مع أنّ موردها العلم بعدم التفاته حين العمل.

ففيه أوّلا أن موردها نسيان تحويل الخاتم و إدارته فيكون قوله عليه السلام بعدم الأمر باعادة الصلاة من باب أنّه ترك وصول الماء تحت الخاتم نسيانا من باب عدم تحويله أو إدارته، فعدم وجوب الاعادة كان لأجل نسيانه.

و بعبارة اخرى عدم كون وصول الماء جزءا حال النسيان، و هذا الاحتمال و إن كان بعيدا من باب كون شرطية الطّهارة الحدثية مطلقة، لكن يمكن كون جزئية وصول الماء بالبشرة الواقعة تحت الخاتم جزءا ذكريا، فلا يكون جزءا حال النسيان، فيكون الوضوء و الغسل مع فقد هذا الجزء نسيانا صحيحين، فيصحان مع تركه نسيانا، و بعد عدم جزئيته حال النسيان حصلت الطّهارة، فالصلاة واجدة للطهارة فلا يجب إعادتها.

و حيث إنّ الالتزام بكون جزئية وصول الماء بالبشرة مطلقا، و ما

في تحت الخاتم ذكريا مشكل لا بد إمّا من حملها على غير ذلك او ترك العمل بها.

و ثانيا على فرض كون عدم وجوب الاعادة من باب عدم الاعتناء بالشك الحاصل له من عدم إدارة الخاتم و تحويله من وصول الماء إلى البشرة الواقعة تحت الخاتم أم لا، لأنّه يحتمل وصول الماء بها اتفاقا فقال عليه السلام: لا يعتنى بهذا الشك.

فنقول: إنّ الأمر يدور بين أن يقال: بأنه على فرض كون ما بقى من أخبار قاعدة الفراغ مطلقا يشمل حتى صورة علمه بعدم الالتفات حال العمل، لكن بعد دلالة هذه الرواية على عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ فيما لا يكون ملتفتا حال

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 312

العمل نقول: بشمول القاعدة لهذا المورد، و لا فرق بين الوضوء و الغسل و بين غيرهما، فالنتيجة حجية القاعدة حتى في صورة العلم بعدم الالتفات حين العمل.

و بين أن يقال: بأنه نقتصر في هذا الحكم بخصوص المورد فنقول:

بحجية القاعدة في غير باب الوضوء و الغسل في خصوص ما يحتمل الالتفات حال العمل، و حجيتها في خصوص باب الوضوء و الغسل حتى فيما يكون عالما بعدم التفاته حال العمل لكون رواية الحسين المذكورة واردة في خصوص الوضوء و الغسل.

و إن كان الاحتمال الثاني لا يساعد مع كون قاعدة الفراغ قاعدة عقلائية كما اعترف به هذا القائل، بل يساعد مع الاحتمال الأوّل، و هو كون هذا الحكم أعنى:

شمولها لهذا المورد في كل باب لا في خصوص الوضوء و الغسل.

و على كل حال نقول: بأنه على هذا تكون هذه الرواية بظاهرها معارضة مع رواية بكير، لأنّ مقتضى العلة

المذكورة في رواية بكير بن أعين هو الصحة فيما يحتمل تذكره حال العمل، و مقتضى رواية الحسين هو الصحة حتى في مورد يعلم عدم تذكره حال العمل.

فإن أمكن الجمع بينهما نقول به، و إلّا لا بدّ من معاملة الخبرين المتعارضين بينهما.

و في مقام الجمع نقول: ما يأتي بالنظر و لا يبعد هو أن يقال: إن الحكم بصحة الصلاة و عدم وجوب الاعادة في رواية الحسين بن أبي العلاء لأنّ الأمر بتحويل الخاتم أو إدارته في مقام الغسل و الوضوء يكون لأجل وصول الماء تحته، فيكون أمرا إرشاديّا لارشاده بهذه الكيفية باطاعة امر المولى المتعلق بغسل البشرة حتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 313

يحصل له اليقين باطاعته.

و أمّا قوله عليه السلام (فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك ان تعيد الصلاة) يكون من باب أنّه مع الحركات الحاصلة في ضمن الغسل من ناحية آلة الغسل، و هي اليد و نفس المغسول، يصل الماء تحت الخاتم، و لهذا لا يأمره بالاعادة.

فالأمر بالتحويل و الادارة يكون أمرا احتياطيا عقلائيا لحفظ ما هو الواجب عليه من غسل البشرة، و عدم وجوب الأمر بالاعادة يكون من باب حصول الواجب، و لو كان بدون التحويل و الادارة، كما في غالب الخواتم الغير الطبيعة لم يمنع من وصول الماء بالبشرة، فلا منافاة بين الأمر بهما و بين عدم وجوب الاعادة.

و بعد حمل رواية الحسين على ما قلنا يرفع التعارض لأنّ مفادها ليس أمرا يغاير مع رواية بكير حيث إن الحكم بالصحة في مورد العلم بعدم الالتفات في رواية الحسين يكون من باب حصول الغسل لا من باب قاعدة الفراغ، فتكون النتيجة حجية قاعدة الفراغ في خصوص ما

كان يحتمل تذكره حال العمل كما هو مقتضى العلة المذكورة في رواية بكير، بل ساير الروايات أيضا، لأنّ ساير الروايات كما قلنا ظاهرها هو صورة احتمال تذكر الشخص حال العمل.

و ثالثا لان المحتمل فى رواية الحسين احتمال آخر و هو أن يكون السؤال عن حكم الخاتم حال الوضوء و الغسل فى نفسه، ليكون الامر بالتحوّل أو إدارته محمولا على الاستحباب كما أفتى به بعض الاصحاب و جعلوه من المستحبات، لا أن يكون الامر بالإعادة مع فرض شكه فى وصول الماء تحته و عدمه فالمراد، و اللّه اعلم، أنه سئل عن الخاتم نفسه فأمر بادارته و تحوّله في صورة نسيانهما اما من باب تخيّله أنّ الامر يقتضي الوجوب، فقوله بعدم الإعادة كاشف عن عدم وجوبهما، و إمّا من باب أنّه و إن فهم استحبابهما، لكن سئل عن صورة النسيان فاجاب بعدم لزوم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 314

الإعادة، فافهم.

***

[مسئلة 51: إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 51: إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه و شك في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده، ينبى على الصحة لقاعدة الفراغ، إلّا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء فالأحوط الاعادة حينئذ.

(1)

أقول: أما وجه صحة الوضوء و جريان قاعدة الفراغ فيما إذا علم بوجود المانع و علم زمان حدوثه و شك في أن الوضوء كان قبل حدوث المانع أو بعده مع احتمال تذكره حال العمل فلكونه المتيقن من مورد قاعدة الفراغ.

و لا حاجة مع قاعدة الفراغ إلى استصحاب عدم وجود المانع إلى ما بعد الوضوء لحكومتها عليه، مضافا إلى كون الاستصحاب مثبتا، فلا يثبت كون الوضوء بلا مانع.

و بعبارة اخرى لا يثبت كون الغسل أو المسح واقعا

على البشرة و أنه لا وجه للتمسك باستصحاب عدم تحقق الوضوء إلى زمان حدوث المانع لعدم جريان الاستصحاب فى مجهول التاريخ أولا و كونه مثبتا ثانيا، لأنّه لا يثبت به كون الوضوء مع المانع، فالمرجع فى حدّ ذاته يكون قاعدة الاشتغال، لكن بعد جريان قاعدة الفراغ يؤخذ بها و تكون حاكمة على قاعدة الاشتغال.

و أمّا الصورة بحالها مع فرض علمه بعدم الالتفات إليه حال الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 315

فلا تجرى قاعدة الفراغ على الأحوط بل الأقوى لما قلنا في البعض المسائل المذكورة في المسألة السابقة من عدم جريان قاعدة الفراغ على الأقوى في صورة علمه بعدم الالتفات حال العمل.

***

[مسأله 52: إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 52: إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ و شك بعده في أنّه طهّره ثم توضأ أم لا بنى على بقاء النجاسة فيجب غسله لما يأتي من الأعمال، أمّا وضوئه فمحكوم بالصحة عملا بقاعدة الفراغ إلّا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطّهارة و النجاسة، و كذا لو كان عالما بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقا على الوضوء و يشك في أنّه طهّره بالاتصال بالكر أو بالمطر أم لا، فإنّ وضوئه محكوم بالصحة و الماء محكوم بالنجاسة، و يجب عليه غسل كل ما لاقاه، و كذا في الفرض الأوّل يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء أو لاقى محل الوضوء مع الرطوبة.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: ما إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ
اشارة

و شك بعده في أنّه طهّره ثم توضأ أم لا فالكلام فيه في موردين:

المورد الأوّل: هل يبنى على بقاء نجاسة محل وضوئه

فيجب غسله لما يأتي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 316

من الأعمال المشروطة بطهارته أم لا؟

أقول: الالتزام بنجاسة محل الوضوء و وجوب غسله و عدمه مبنى على القول با مارية قاعدة الفراغ أو كونها من الأصول المحرزة المطلقة و عدمها، فإن قلنا بكونها من الأمارات و الاصول المحرزة المطلقة، فبعد جريان قاعدة الفراغ فى الصلاة يكون لازمه عدم محكومية محال الوضوء بالنجاسة و عدم وجوب غسلها.

و إن قلنا بعدم كونها من الامارات و لا من الأصول المحرزة المطلقة فلا يثبت لوازمها العقلية و العادية بها، فيحكم بنجاسة محالها سواء نقول بكونها من الاصول المحرزة الحيثية، فيحرز بها الحيث الذي شك فيه فقط، أو قلنا بكونها من الأصول الغير المحرزة بمقتضى استصحاب النجاسة فيجب غسلها للأعمال المتوقفة على طهارتها.

و نحن و إن قويّنا في رسالتنا في قاعدة التجاوز و الفراغ أماريّة قاعدة الفراغ فلا بدّ من القول بمحكومية محال الوضوء بالطهارة، و لكن مع ذلك نقول: بأن الاحتياط الواجب غسلها، فالوظيفة في مقام العمل هو الاحتياط.

المورد الثاني: في صحة وضوئه في الفرض و عدمه

فنقول بعونه تعالى: إن الوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ، فإنه مع كون المتوضى عالما بالوظيفة، و كان بنائه إتيان الوضوء بالنحو الموظف، و من جملة الوظيفة كون محل الوضوء طاهرا مع احتمال تذكره حال الوضوء، فلو ترك تحصيل طهارة محل الوضوء فرضا فلا يكون تركه إلّا من باب الذهول و الغفلة، فيكون المورد مورد قاعدة الفراغ، و ببركتها يحكم بصحة الوضوء.

نعم لو علم بعدم التفاته حين الوضوء لا تجرى قاعدة الفراغ، فيجب عليه إعادة الوضوء لما قلنا في المسألة الرابعة و الخامسة من المسألة 50 من عدم شمول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 317

أدلتها لهذا المورد.

المسألة الثانية: ما إذا كان عالما بنجاسة الماء الذي توضأ منه

سابقا على الوضوء، و يشك في أنّه طهّره بالاتصال بالكر، أو بالمطر أم لا فإن وضوئه محكوم بالصحة إلّا فيما يعلم بعدم التفاته حين الوضوء.

و الماء محكوم بالنجاسة.

لعين ما قلنا في المسألة الاولى من أن الوضوء محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ مع احتمال التفاته حين الوضوء.

و عدم محكوميته بالصحة لعدم جريان قاعدة الفراغ فيما يعلم بعدم التفاته حال الوضوء.

و الماء محكوم بالنجاسة لاستصحاب النجاسة.

نعم لو قلنا بأن لسان قاعدة الفراغ لسان الامارة يحكم الماء بالطهارة لانّه يثبت بقاعدة الفراغ لوازمها و حيث أنّه لا يبعد ذلك قلنا إنّ الأحوط وجوبا الحكم بنجاسة الماء.

المسألة الثالثة: بعد فرض محكومية محل الوضوء بالنجاسة في المسألة الاولى،

يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء، أو لاقى محل التوضؤ مع الرطوبة.

و في المسألة الثانية يجب عليه غسل كلّ ما لاقاه الماء المحكوم بالنجاسة، لأنّ أثر نجاسة البدن و الماء شرعا نجاسة كلّ ما لاقاه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 318

[مسئلة 53: إذا شك بعد الصلاة في الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 53: إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها و عدمه بنى على صحتها، لكنه محكوم ببقاء حدثه فيجب عليه الوضوء للصلوات الآتية، و لو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستيناف بعد الوضوء، و الأحوط الاتمام مع تلك الحالة ثم الاعادة بعد الوضوء.

(1)

[احتمالات المسألة و وجهها]
اشارة

أقول: أما إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنّه هل كان مع الوضوء فصلاته وقعت مع الطّهارة، أو بلا وضوء فصلاته وقعت بلا طهارة، تجرى قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الصلاة و يحكم بصحتها ببركتها.

و أمّا الوضوء المشكوك إتيانه فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ فيه لأنّ اصل وجوده مشكوك، و أمّا الحكم بوجوده ببركة قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة فهو مبنى على القول بأمارية قاعدة الفراغ حتى يثبت بها لوازمها، أو كونها من الأصول المحرزة المطلقة.

و أمّا على القول بكونها من الأصول و إن كانت من الأصول المحرزة الحيثية فلا يثبت بها إلّا الحيث الذي وقع الشك من جهته، و نحن نقول: بأن الأحوط وجوبا إعادة الوضوء و كونه محكوما بالحدث، و لا نفتى به للعدم بعد كونها من الأمارات كما اشرنا به فى المسألة 52.

و أمّا إن شك في الوضوء حال الصلاة فهل يجب عليه أن يتوضأ ثم يستأنف الصلاة، أو يجب إتمام الصلاة و عدم وجوب استيناف الصلاة بعد إتمامها بعد استيناف الوضوء، لكن لا يصح الاتيان بعد الصلاة بما يشترط فيه الوضوء، بل يجب استيناف الوضوء له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 319

أو تجرى قاعدة الفراغ فيجب إتمام الصلاة و لا يجب استينافها بل يصح الاتيان بعدها بكل ما يشترط فيه الوضوء احتمالات بل أقوال.

وجه الاحتمال الأوّل:

كون قاعدة التجاوز أصلا و لم تكن من الأصول المحرزة، أو و إن كانت من الأصول المحرزة تكون محرزيته محرزية حيثية، بمعنى الحيث الذي يكون شرطا للصلاة.

و في المقام نقول: أمّا وجوب الوضوء لما يجب فيه الوضوء فلكون محرزية القاعدة حيثية، فتفيد لخصوص الصلاة لا لغيرها، و امّا وجوب اعادة الوضوء و استيناف هذه

الصلاة فلأن الوضوء ليس له محل شرعى تجاوز عنه من باب عدم كون محلّه الشرعى قبل الصلاة، بل بعد ما يرى العقل اشتراط الوضوء في الصلاة يحكم باتيانه قبل الصلاة.

وجه الاحتمال الثاني:

شمول قاعدة التجاوز للمورد من باب دعوى أن محل الوضوء شرعا قبل الصلاة و بدخوله في الصلاة تجاوز عنه، و حيث إنّه تجاوز عنه و هي من الأصول المحرزة الحيثية، أعنى: من الحيث المربوط بالصلاة فيحرز بها الطّهارة لخصوص الصلاة، فيجب اتمام الصلاة و لا يجب استينافها، لكن يجب الوضوء لكل ما يأتي بعد ذلك مما اعتبر فيه الوضوء لأنّها مع كونها من الأصول المحرزة لا يحرز بها إلّا الوضوء من حيث شرط الصلاة لا الوضوء مطلقا و لو لغير الصلاة.

وجه الاحتمال الثالث:

هو أن قاعدة التجاوز و الفراغ إمّا من الامارات فيثبت بها لوازمها العقلية و العادية، و إمّا من الأصول المحرزة المطلقة فيثبت بها تحقق الجزء و الشرط مطلقا حتى بالنسبة إلى غير الصلاة.

فيقال: أما كون المورد مورد قاعدة التجاوز فلأنّ الشك في الوضوء و إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 320

في أثناء الصلاة، لكن حيث تجاوز عن محلّه الشرعى، و هو قبل الصلاة، فتجرى قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما مضى من الصلاة، و بعد جريانها يثبت بها و يحرز بها الشرط و هو الوضوء مطلقا، نظير استصحاب الطّهارة مع الشك في حدوث الحدث، فكما يكتفى بهذه الطّهارة المحرزة بالاستصحاب للصلاة يكتفى بها لكل ما هو مشروط بها من الاعمال، فعلى هذا يجب إتمام الصلاة و لا يجب استينافها و لا يجب الوضوء لكل عمل يشترط بالوضوء، بل يكتفى بهذه الطّهارة المحرزة من جريان قاعدة التجاوز في ما مضى من الصلاة.

[بيان امور]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إن الشك حيث يكون في مورد الكلام في الاثناء لا يكون مورد قاعدة الفراغ مسلّما لعدم كون الشك بعد الفراغ سواء كانت هي و قاعدة التجاوز قاعدتين مستقلتين أو قاعدة واحدة، بل إن كان موردا لاحدى القاعدتين فهى قاعدة التجاوز.

فما هو الحق في المقام يظهر بعد فهم امور يكون الحكم باحدى الاحتمالات الثلاثة المتقدمة موقوفا بفهمها.

الأمر الأوّل: حيث إن مورد قاعدة التجاوز هو التجاوز عن المشكوك

بالبيان الذي بيناه في رسالتنا في قاعدة الفراغ و التجاوز، فلا بد أو لا من فهم أنّ التجاوز تحقق فى المورد أم لا، فان قلنا ان معنى التجاوز هو التجاوز عن المحل من الشى، و قلنا بأن محل الشرعى من الوضوء هو قبل الصلاة، فقد حصل التجاوز عن الشرط المشكوك، و أمّا إن لم نقل بذلك بل قلنا إن الشرط هو الطهارة و هى محلها حال الصلاة، أو ان الشرط و ان كان محصّله و هو الغسلتان و المسحتان لكن ليس قبل الصلاة محلهما الشرعى، بل محلهما العقلى فلم يتحقق التجاوز، و حيث انا فى رسالتنا اخترنا الاول نقول بتحقق التجاوز.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 321

الأمر الثاني: بعد فرض كون المورد مورد قاعدة التجاوز

من حيث التجاوز عن المشكوك نقول: فعلى هذا بعد كون الشك في الوضوء في أثناء الصلاة و تجرى قاعدة التجاوز في كل جزء و شرط من الصلاة تجاوز عنه، فبالنسبة إلى ما مضى من الصلاة و إن كانت قاعدة التجاوز جارية و مقتضاها صحة ما مضى من الصلاة.

لكن الكلام فيما بقى من الصلاة، فإن قلنا بكون قاعدة التجاوز أمارة و اصلا محرزا مطلقا للصلاة و غيرها، أو قلنا بكونها أصلا محرزا حيثيا أعنى: يثبت الشرط و هو الوضوء من حيث الصلاة فلا إشكال في صحة الصلاة و وجوب إتمامها و عدم وجوب استينافها.

و كذا لو قلنا بكون قاعدة التجاوز أصلا من الأصول الغير المحرزة حتى ليست محرزة حيثية نظير أصالة البراءة، فلا يجب استيناف الصلاة بعد استيناف الوضوء فوجوب إتمام الصلاة و عدم وجوب استينافها ليس مبنيا على كون القاعدة أمارة أو أصلا من الأصول المحرزة و إن كانت حيثية، بل يبنى على صدق التجاوز

و عدمه.

و نحن قد بيّنا فى رسالتنا فى القاعدة أن القاعدة على فرض كونها من الأصول فالأقوى كونها من الأصول المحرزة الحيثية، فنقول بوجوب إتمام الصلاة و عدم وجوب استينافها.

الأمر الثالث: أن في قاعدة التجاوز و الفراغ كلاما

في أنهما هل تكونان من الامارات أو من الأصول و بناء على كونهما من الاصول هل من الاصول المحرزة أو من الأصول الغير المحرزة؟

و بناء على كونهما من الأصول المحرزة هل من الأصول المحرزة المطلقة، بمعنى أن مفاد دليلهما هو الحكم باحراز الشرط أو الجزء مطلقا حتى لغير ما تجاوز عنه في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 322

عمله، أو من الأصول المحرزة الحيثية، بمعنى أنّه يحكم بمقتضاهما على وقوع المشكوك في خصوص ما تجاوز عنه.

فإن قلنا بكونهما من الامارات أو من الأصول المحرزة المطلقة، فنقول: كما يجب إتمام ما بيده من الصلاة في مفروض المسألة و عدم وجوب استيناف هذه الصلاة بعد استيناف الوضوء، نقول: بعدم وجوب الوضوء لكل عمل مشروط بالوضوء غير الصلاة.

و أمّا لو قلنا بكونهما من الأصول المحرزة الحيثية أو عدم كونهما من الأصول المحرزة رأسا يجب الوضوء لكل عمل مشروط به غير الصلاة.

فتلخص من كل ذلك أنّ مبنى القول باحتمال الاول و هو وجوب استيناف ما بيده من الصلاة بعد استيناف الوضوء هو إما القول بعدم كون المورد مورد قاعدة التجاوز لعدم التجاوز عن المشكوك بعدم كون محل الوضوء محلّه الشرعى قبل الصلاة، أو لبعض ما قال به بعض «1» شراح العروة و إن كان محلّه الشرعى قبل صلاة.

و مبنى الاحتمال الثاني هو أنه بعد ما تحقق التجاوز إن لم تكن قاعدة التجاوز من الأصول المحرزة حتى من الأصول المحرزة الحيثية، لكن ما مضى من الصلاة قد

صحت و تصح ما بقى منها و لا يجب استينافها، لأنّه بعد صدق التجاوز عن الشرط و هو الوضوء فهو واجد الشرط بمقتضى القاعدة.

و إمّا من باب أنّها من الأصول المحرزة الحيثية أو المطلقة، و إمّا من باب انها من الامارات، فعلى كل حال يجب اتمام الصلاة على هذا و لا يجب استينافها.

و مبنى القول و الاحتمال الثالث هو إما القول بأمارية قاعدة التجاوز أو القول

______________________________

(1) العلامة الآملى قدس سره. مصباح الهدى، ج 3، ص 540.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 323

بكونها من الأصول المحرزة المطلقة.

و نحن و إن قويّنا في رسالتنا أنها من الامارات لكن نقول في مقام العمل بأن الأحوط وجوبا هو استيناف الوضوء لكل عمل مشروط بالوضوء غير الصلاة التي بيده.

كما أنّه و إن كان الأقوى وجوب إتمام الصلاة و عدم وجوب استينافها بعد الصلاة، لكن للجمع بين المحتملات نقول: الأحوط استحبابا اتمام الصلاة التي بيده و قد شك في أنّه مع الوضوء أم لا ثم استيناف الوضوء و استيناف الصلاة أيضا الحمد للّه و الصلاة على رسوله و آله.

***

[مسئلة 54: إذا تيقّن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 54: إذا تيقّن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءا أو شرطا، أو أوجد مانعا، ثم تبدّل يقينه بالشك يبنى على الصحة عملا بقاعدة الفراغ، و لا يضرها اليقين بالبطلان بعد تبدّله بالشك و لو تيقّن بالصحة ثمّ شك فيها فأولى بجريان القاعدة.

(1)

أقول: لعدم فرق في شمول قاعدة الفراغ للشك بعد الفراغ بين ما كان (قبل) طرو الشك بعد الفراغ غافلا عن الصحة، و بين ما كان متيقنا بعد (الصلاة) بالبطلان ثم طرأ الشك.

لأنّ كلما كان الشك في الصحة من أجل ترك جزء أو شرط أو

فعل مانع، و لم يكن منشأ الشك إلّا عروض الغفلة و النسيان، فترك الجزء أو الشرط أو ايجاد المانع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 324

على فرض تركه أو فعله من باب الغفلة و النسيان يكون مورد القاعدة بلا فرق بين الصورتين.

كما أنّه لو تيقن الصحة بعد الفراغ ثم طرأ الشك يشمله قاعدة الفراغ، بل كما قال المؤلف رحمه اللّه يكون أولى بالشمول، إذا لم يكن في حالة اليقين شي ء يوهم منافاته مع الشك كما في صورة اليقين بالبطلان أولا ثم عروض الشك بعده و إن قلنا بعدم وجه للتوهم، فتشمل القاعدة لكل من الصورتين.

***

[مسئلة 55: إذا علم قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 55: إذا علم قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى، أو شك في ذلك فأتى به و تمّم الوضوء، ثم علم أنّه كان غسله يحتمل الحكم ببطلان الوضوء من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد، لكن الأقوى صحته لأنّ الغسلة الثانية مستحبة على الأقوى حتى في اليد اليسرى فهذه الغسلة كانت مأمورا بها في الواقع، فهى محسوبة من الغسلة المستحبة و لا يضرّها نية الوجوب، لكن الأحوط اعادة الوضوء لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها، هذا و لو كان آتيا بالغسلة الثانية المستحبة و صارت هذه ثالثة تعين البطلان لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.

(1)

أقول: نذكر لفهم الحق في المقام امور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 325

الأوّل: لقد ذكرنا في مستحبات الوضوء أن (التاسع غسل كل من الوجه و اليدين مرّتين).

الثاني: أن الغسلة الثالثة حرام و تكون بدعة.

الثالث: لا يعتبر قصد الوجوب في الوضوء الواجب و لا الندب في الوضوء المندوب لا و صفا و لا غاية،

بل لو قصد أحدهما مكان الآخر يصح الوضوء إلّا إذا كان على وجه التقييد كما بينا تفصيله في طى الكلام في النية، و هي الشرط الثاني عشر.

إذا عرفت ذلك نقول:

أما في صورة علمه قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى، أو شك في ذلك فأتى به و تمّم الوضوء، ثمّ علم أنّه كان غسله و كان ما أتى به كانت الغسلة الثانية.

فله فرضان فتارة يأتي به بداعى امتثال الامر الواقعى و إن كان يتخيل أن الأمر الواقعى هو الوجوب فلا إشكال في صحة وضوئه، لأنّه بعد كون الغسلة الثانية مستحبة فصارت هذه الغسلة مأمورا بها، و يكون من باب الاشتباه في التطبيق و لا يكون على هذا مسحه بالماء الجديد.

و تارة يكون على وجه التقييد بأن يقصد في هذه الغسلة (الآتية) بها من باب علمه أو شكه بعدم غسل يده، الأمر الواجب المتعلق بهذا الغسل مقيدا بكونه واجبا لا غير بحيث لو لا هذا الأمر لا يأتي بهذه الغسلة، ففي هذا الفرض بعد علمه بأنه غسل اليد اليسرى و لم يقع الغسلة الثانية مأمورا بها لا بداعى الأمر الوجوبى و لا الاستحبابى، وقع المسح كله أو بعضه بالماء الجديد.

و أمّا في صورة علمه أو شكه قبل تمام مسحات الوضوء أنّه ترك الغسل من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 326

اليد اليسرى مثلا فأتى به و غسلها و تمّم وضوئه فبعد الوضوء علم أن هذه الغسلة التي أوقعها كانت الغسلة الثالثة من باب علمه بأنه أتى قبلها غسلتان الاولى واجبة و الثانية مستحبة، فلا إشكال في بطلان الوضوء في هذه الصورة، لعدم كون الغسلة الواقعة ثالثة مأمورا بها بل كانت بدعة محرمة،

غاية الأمر لأجل جهله بذلك لم يكن عاصيا فوقعت المسحات بعضها أو كلها بالماء الجديد فبطل الوضوء.

و الحمد للّه أولا و آخرا و الصلاة و السلام على رسوله و آله تمّ البحث و الكتابة في هذه البحث في اليوم الاثنين الخامس عشر من شهر ربيع الثاني من شهور 1397 من الهجرة النبويّة و انا العبد أقل خدمة اهل العلم على الصافي الگلپايگاني ابن العلامة الشيخ محمد جواد أعلى اللّه مقامه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 327

فصل: في أحكام الجبائر

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 329

قوله رحمه اللّه

فصل في أحكام الجبائر و هي الالواح الموضوعة على الكسر و الخرق و الادوية الموضوعة على الجروح و القروح و الدماميل، فالجرح و نحوه إمّا مكشوف أو مجبور، و على التقديرين إمّا في موضع الغسل أو في موضع المسح، ثمّ إمّا على بعض العضو أو تمامه أو تمام الاعضاء، ثم إمّا يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن، فإن امكن ذلك بلا مشقة و لو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه في الماء حتى يصل إليه بشرط أن يكون المحل و الجبيرة طاهرين، أو امكن تطهيرهما وجب ذلك، و إن لم يمكن إمّا لضرر الماء، أو للنجاسة و عدم امكان التطهير، أو لعدم امكان ايصال الماء تحت الجبيرة و لا رفعها فإن كان مكشوفا يجب غسل أطرافه و وضع خرقة طاهرة عليه و المسح عليها مع الرطوبة، و إن أمكن المسح عليه بلا وضع خرقة تعيّن ذلك إن لم يمكن غسله كما هو المفروض، و إن لم يمكن وضع الخرقة أيضا اقتصر على غسل أطرافه، لكن الأحوط ضم

التيمم إليه، و إن كان في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 330

موضوع المسح و لم يمكن المسح عليه كذلك يجب وضع خرقة طاهرة و المسح عليها بنداوة، و إن لم يمكن سقط و ضم إليه التيمم، و إن كان مجبورا وجب غسل أطرافه مع مراعاة الشرائط و المسح على الجبيرة إن كانت طاهرة، أو امكن تطهيرها و إن كان في موضع الغسل، و الظاهر عدم تعيّن المسح حينئذ فيجوز الغسل أيضا، و الأحوط إجراء الماء عليها مع الامكان بإمرار اليد من دون قصد الغسل أو المسح، و لا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في موضع الغسل و يلزم ان تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة و لا يكفى مجرد النداوة، نعم لا يلزم المداقة بإيصال الماء إلى الخلل و الفرج، بل يكفى صدق الاستيعاب عرفا، هذا كله إذا لم يمكن رفع الجبيرة و المسح على البشرة و إلّا فالأحوط تعينه بل لا يخلو عن قوة إذا لم يمكن غسله كما هو المفروض، و الأحوط الجمع بين المسح على الجبيرة و على المحل أيضا بعد رفعها، و إن لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها أو لمانع آخر، فإن امكن وضع خرقة طاهرة عليها و مسحها يجب ذلك، و إن لم يمكن ذلك أيضا فالأحوط الجمع بين الاتمام بالاقتصار على غسل الاطراف و التيمم.

(1)

أقول: أمّا الجبائر لغة فهى جمع الجبيرة و هي من الجبر.

قال في مجمع «1» البحرين (و الجبر إصلاح العظم من الكسر إلى أن قال: و منه

______________________________

(1) مجمع البحرين، ص 236.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 331

الجبيرة على فعلية واحدة الجبائر و هي عيد ان يجير

بها العظام).

و قال في أقرب الموارد (الجبيرة العيد ان التي تجبر بها العظام).

و بعد ما عرفت من معناها اللغوى يظهر لك أن ما قاله المؤلف رحمه اللّه أو غيره من الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم من أنها (الألواح الموضوعة على الكسر و الخرق و الادوية الموضوعة على الجروح و القروح و الدماميل) يكون إما من باب دعوى الحقيقة الشرعية أو المتشرعة لها، أو من باب اتحادها حكما مع ما هو مفهومها اللغوى، و على كل حال نحن نكون تابع النصوص.

ثم اعلم أن مقتضى وجوب الغسلتين و المسحتين في الوضوء هو اتيانها في مقام امتثال أمر الوضوء مهما أمكن اتيانهما، و هذا المقدار مقتضى جزئيتهما، و لا نحتاج الى دليل زائد، و لو تعذر الغسل و المسح في موضعهما فكفاية شي ء آخر بدله محتاج إلى الدليل.

و أيضا قد مضى في الجهة الخامسة من الجهات المبحوث عنها في أول واجبات الوضوء أنّ الغسل المعتبر في الوضوء يحصل بمجرد استيلاء الماء على المحل و مسّ المحل بالماء و لا يعتبر أزيد من ذلك، فكان في ذكرك كى ينفعك إنشاء اللّه في بعض المباحث الآتية.

إذا عرفت ذلك ينبغى قبل الشروع و الورود في بيان حكم المسائل المذكورة في المتن من ذكر الأخبار المربوطة بالباب و بيان مفادها و بيان ما يمكن من معارضة بعضها مع بعض و وجه الجمع بينهما لكى يسهل إنشاء اللّه فهم حكم المسائل، فنقول بعونه تعالى: إنّ هنا

طوائف من الأخبار.
الطائفة الاولى: ما يمكن أن يستدلّ بها على وجوب غسل البشرة

الواقعة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 332

تحت الجبرة بإلقائها في الماء، و هي رواية واحدة رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء

فلا يقدر أن يحلّه لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟ قال: إذا أراد ان يتوضأ فليضع إناء فيه ماء و يضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه «1».

الطائفة الثانية: ما يمكن أن يستدلّ بها على وجوب المسح على الجبيرة مطلقا.

منها ما رواها العياشى في تفسيره باسناده عن على بن أبي طالب عليه السلام قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها، و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: يجزيه المسح عليها في الجنابة و الوضوء، قلت: فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده، فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لا تقتلوا انفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيما «2».

و منها ما رواها الحسن بن على الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلى الدّواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه «3».

و مثلها رواية اخرى عنه عن ابي الحسن عليه السلام المذكورة في باب 37 من أبواب الوضوء من الوسائل و لعلهما واحدة، بل من القريب ذلك فراجع.

الطائفة الثالثة: ما يمكن أن يستدلّ بظاهرها على وجوب المسح على الجبيرة

إن كان يؤذيه الماء، و إن لم يؤذيه فلينزع الخرقة و ليغسل البشرة.

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 333

منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ، فقال: إذا كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها، قال: و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله قال:

اغسل ما حوله

«1».

و هل الحكم في ذيل الرواية من الأمر بغسل ما حوله الجرح ينافى مع التفصيل المذكور في صدرها، أو لا ينافى معه، لكون مورد الصدر مورد وجود الخرقة على القرحة، و مورد الذيل كون الجرح مكشوفا غير مستور بشي ء.

أقول: هذا الحمل لا يرفع التنافى لأن إطلاق الحكم بغسل ما حول الجرح ينافي مع وجوب نزع الخرقة و غسل موضع القرحة لو لم يؤذيه، لأنّ إطلاق الذيل يشمل حتى صورة امكان غسل الجرح من باب عدم كونه ايذاء به، مع أنّه لا يمكن الالتزام بعدم وجوب غسل موضع الجرح لو لم يكن ايذاء لوجوب غسل موضع الغسل في الوضوء مهما أمكن غسله.

فلا بد من حمل ذيل الرواية على بيان غسل ما حول الجرح لا في مقام بيان نفس الجرح، لبيان حكم نفس الجرح في الصدر لان الجرح مثل القرح و لا فرق بينهما.

أو أن يقال بإجمال الذيل فلا يمكن استفادة حكم منه خلاف الصدر لكونه نصا في التفصيل في مورد موضع القرحة المشدودة بالجبيرة أو ما بحكمها.

و منها ما رواها عبد الاعلى مولى ال سام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: عثرت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 334

فانقطع ظفرى فجعلت على إصبعى مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه عزّ و جلّ (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه «1».

و منها ما رواها الكليب الاسدى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة قال: إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصلّ «2».

و بهذه الطائفة-

المفصّلة بين صورة الايذاء أو الحرج أو الخوف على النفس فليمسح على الجبيرة، و بين صورة عدمه فلينزع الجبيرة و ليغسل الموضع بالمنطوق في الرواية الاولى و المفهوم في الثانية و الثالثة- تقيد الطائفة الاولى الدالة بإطلاقها على وجوب إيصال الماء بموضع الجبيرة، و الطائفة الثانية الدالة بإطلاقها على اجزاء المسح على الجبيرة أو على الدواء على فرض إطلاقهما فلا تعارض بين هذه الطوائف الثلاثة.

و موضوع الحكم في الطائفة الثانية و إن كانت الجبيرة في روايتها الاولى و الدواء في روايتها الثانية فتقيّد بالطائفة الثالثة، لأن روايتها الاولى تدلّ على التفصيل فى الجرح و نحوه فيشمل قوله (و نحو ذلك) للدواء الموضوع على محل الجرح و غيره.

الطائفة الرابعة: ما يمكن أن يستدلّ بها على عدم وجوب المسح على الجبيرة

أو الخرقة الملتصقة بالجراحة على فرض كونها معصبة بها بل يكفي غسل ما حولها.

و هي ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 335

الكسير تكون عليه الجبائر، أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة فقال: يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك ما لا يستطيع غسله و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته «1».

و مورد الرواية كما ترى موردا يكون عليه الجبائر و الموضع مشغولا بها و مع ذلك قال (يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك) يعنى يغسل ما حول الجبيرة و يدع الجبيرة و الجراحة، فتعارض

الرواية مع الطائفة الثالثة الآمرة بمسح الجبيرة مع الايذاء أو العسر أو الخوف مع فرض كون المحل مشغولا بالجبيرة.

أقول: أولا ما يأتي بالنظر هو كون الرواية في مقام بيان عدم لزوم نزع الجبيرة و العبث بالجراحة مع عدم الاستطاعة و التمكن من غسل موضع الجبيرة، و ليس في مقام بيان أنّه مع عدم النزع يكون ما هو تكليف ظاهر الجبيرة من حيث وجوب المسح عليه و عدمه أصلا، و بعد عدم كونها في مقام بيان ذلك فلا يكون تعارض بينها و بين الطائفة الثالثة أصلا.

و ثانيا على فرض إطلاق لها من هذا الحيث بمعنى أنّه يقال: نفهم من سكوته عن المسح عدم اعتباره.

نقول: إن غاية الأمر هو السكوت عن حكم نفس الجبيرة من حيث المسح و عدمه، و لا ينفى بلسانه وجوب المسح على الجبيرة فنقول: إنّها لا تعارض مع الطائفة الثالثة التي نصت فى وجوب مسح الجبيرة في صورة الإيذاء، فنقيّد اطلاقها بهذه الطائفة إن كان له الاطلاق و الحال أن السكوت عن الشي ء غير إطلاق الشي ء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 336

فنقول: بوجوب المسح لاجل ما دل على وجوبه في صورة الإيذاء أو الحرج و الخوف من نزع الجبيرة، فبهذا يرتفع التعارض المتوهم بينهما.

الطائفة الخامسة: ما يمكن أن يستدلّ بها على وجوب غسل ما حول الجبيرة مطلقا

سواء كان عليه الجبيرة أولا، و عدم غسل موضع الجبيرة أو مسحه.

منها ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله «1».

و منها ذيل الرواية الاولى من الطائفة الثالثة و هو (و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال

اغسل ما حوله) «2» بناء على كون سؤال الذيل عن الجرح و كون الجواب الأمر بغسل ما حوله، فتدل على عدم وجوب غسل نفس الجرح أو مسحه أو وضع الخرقة عليه و مسحها.

و على كل حال ربّما يقال بتعارض هذه الطائفة مع الطائفة الثالثة، لدلالة هذه الطائفة، أعنى: الطائفة الثالثة، على وجوب مسح الجبيرة في صورة الإيذاء، و غسل نفس موضع الجبيرة في صورة عدم الإيذاء، و دلالة هذه الطائفة، أعنى: الطائفة الخامسة، على وجوب غسل ما حول الجبيرة، و يستفاد منها عدم وجوب مسح الجبيرة في صورة ايذائه لغسل موضع الجبيرة و عدم وجوب نزعها و غسل الموضع في صورة عدم الإيذاء فيقع بينهما التعارض.

اعلم أن هنا كلاما من حيث أن هاتين الروايتين- اعنى: رواية عبد اللّه بن سنان و ذيل رواية الحلبى- هل يكون موردهما خصوص ما يكون الجرح مكشوفا

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 337

و لم يكن عليه شي ء من الجبيرة أو غيرها، أو انهما مطلقتان تشملان بإطلاقهما صورة وجود الجبيرة و عدمه.

و الانصاف أنهما مطلقان من هذا الحيث، لأن السؤال عن الجرح، و له فردان فرد مستور بالجبيرة و فرد مكشوف ليس عليه الجبيرة.

و على فرض إطلاقهما يدور الأمر بين أن نقول بتقييد هذه الطائفة بالطائفة الثالثة فتكون النتيجة أنّه فيما يكون الموضع مشدودا بالجبيرة و نحوها نقول بمسح الجبيرة فيما يكون نزع الجبيرة و غسل الموضع إيذاء، و نقول بوجوب نزع الجبيرة و غسل الوضع لو لم يوجب الإيذاء.

و أمّا فيما لا يكون المحل مستورا بالجبيرة

يكفى غسل ما حول الجبيرة و لا يجب غسل موضع الجبيرة و لا مسحها و لا وضع خرفة و المسح عليها.

و بين أن يقال: بأن غاية ما يستفاد من الطائفة الخامسة هو وجوب غسل ما حول الجبيرة و سكوتها عن بيان الوظيفة للجبيرة.

و بعد بيان وظيفة من عليه الجبيرة في الطائفة الثالثة من التفصيل المتقدم نقول به، فلا تعارض بينهما في صورة وجود الجبيرة على المحل.

و أمّا في صورة كشف الجبيرة نقول بأنه مع عدم الضرر يجب غسل المحل بمقتضى القاعدة الأولية التي بيّنا في صدر البحث.

و أمّا مع الضرر فهل يجب وضع خرقة و مسحها من باب أن يقال: إن المستفاد من الطائفة الرابعة هو عدم رفع الشارع يده من جزئية الموضع، غاية الأمر إن امكن فبنفسه و هو غسله، و إلّا فببدله و هو المسح على الخرقة الموضوعة عليه.

أو يقال بوجوب التيمم في هذه الصورة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 338

و إذا دار الأمر بين أحد الجمعين لرفع التعارض بين الطائفة الثالثة و الخامسة يكون الجمع الثاني أولى لعدم تصرف بمقتضى هذا الجمع في الطائفة الخامسة أصلا، بل هي تفيد حكما و هو غسل ما حول الجبيرة و لا يعارضها شي ء و الطائفة الثالثة تفيد شيئا آخر، و هو غسل موضع الجبيرة مع عدم الإيذاء، و مسح الجبيرة مع الإيذاء.

فتكون نتيجة الجمع بين الأخبار إلى هنا أنه إن كان على الموضع المكسور أو القرح أو الجرح جبيره أو غيرها.

فتارة يمكن نزعها لعدم إيذاء و حرج و خوف يجب نزعها و غسل موضع الجبيرة.

و تارة لم يمكن نزعها لايذاء أو حرج أو خوف على نفسه يجب المسح على الجبيرة، و يجب

غسل ما حول الجبيرة على كل حال.

و إن لم يكن على الموضع جبيرة فإن امكن الغسل لعدم خوف و حرج و ايذاء يجب غسله بمقتضى جزئيته و لدلالة الطائفة الاولى عليه.

و إن لم يمكن غسله لأحد الموانع و أمكن وضع الخرقة عليه و المسح عليه و لم يكن إيذاء، فهل يجب ذلك من باب دعوى أن المستفاد من الطائفة الثالثة هو عدم رفع الشارع يده بالكلية عن ما وجب على الموضع إمّا بنفسه أو ببدله، فاذا لا يتمكن من غسل نفس الموضع يضع الخرقة و يمسح عليه و هذا مقتضى قاعدة الميسور.

أو يقال بعدم دلالة هذه الطائفة على ذلك و عدم تمامية قاعدة الميسور فيجب التيمم في هذه الصورة، لا يبعد الثاني.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 339

الى هنا بينا لك ما يستفاد من مجموع أخبار الجبيرة و ضم بعضها ببعض و جمع بعضها مع بعض.

الطائفة السادسة: بعض الأخبار الواردة في التيمم،

و يمكن تعارضها مع الأخبار الواردة في الجبيرة نذكرها لك إنشاء اللّه.

منها ما رواها محمد بن مسكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له: إنّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات، فقال: قتلوه الا سالوا الا يمموه، إن شفاء العى السؤال «1».

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسّلوه فمات، فقال: قتلوه الا سئلوا فإن دواء العى السؤال «2».

و منها ما رواها ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

يتيمم المجدور و الكسير بالتراب إذا أصابته جنابة «3».

و منها ما رواها جعفر بن ابراهيم الجعفرى عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال: إن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذكر له أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل، فاغتسل فكزّ فمات، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: قتلوه قتلهم اللّه، إنّما كان دواء العي السؤال «4».

و منها ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح او جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(4) الرواية 6 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 340

و تيمّم «1».

و منها ما رواها داود بن السرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصيبه الجنابة و به جروح او قروح أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل و يتمّم «2».

و هذه الأخبار كما ترى يكون مورد كلها الغسل و لا تعرض فيها عن الوضوء.

و يقال إن ظاهر هذه الطائفة من الأخبار وجوب التيمم على من كان عليه الجدرى أو الجرح أو القرح، فيعارض بمدلولها مع أخبار الجبيرة الدالة على وجوب الوضوء و الغسل مع الكسر و الجرح و القرح، فكيف التوفيق بينهما، و قد ذكر في مقام

الجمع بينهما وجوه:
الوجه الأوّل: حمل الطوائف الخمسة المتقدمة من الأخبار الواردة في الجبيرة على الوضوء

و حمل هذه الطائفة السادسة الواردة في التيمم على الغسل، فيقال يؤخذ بمفاد هذه الطوائف في الوضوء و بمفاد هذه الطائفة في الغسل.

و فيه لو كان مورد أخبار الجبيرة الوضوء، أو كان مطلقا يمكن أن

يقال: بأن أخبار الجبيرة في الوضوء، و أخبار التيمم في الغسل، أو يقيّد إطلاق اخبار الجبيرة بهذه الأخبار.

و لكن بعد التصريح في بعض روايات الجبيرة- مثل الرواية التي رواها في تفسير العياشى من الطائفة الثانية، و رواية عبد الرحمن من الطائفة الرابعة- بالغسل و أنّه يمسح الجبيرة أو يغسل ما حولها في الغسل فلا يمكن الجمع بهذا النحو.

الوجه الثاني: حمل أخبار التيمم على الجرح و القرح

و الكسر المستوعب

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 341

و حمل أخبار الجبيرة على غير المستوعب.

و فيه أن ظاهر بعض أخبار التيمم غير المستوعب فكيف يحمل على المستوعب.

الوجه الثالث: حمل أخبار التيمم على غير من عليه الجبيرة، و حمل أخبار الجبيرة على من عليه الجبيرة.

و فيه أنّه إن كان النظر إلى حمل أخبار الجبيرة على خصوص الجبيرة لا على القرح و الجرح فإن بعضها نص فيهما، و إن كان النظر إلى حملها على من عليه الجبيرة و الجرح و القرح، و أخبار التيمم على غيرها، فبعض أخبار التيمم نص فيهما، فلا يتم هذا الجمع.

الوجه الرابع: حمل الأمر في كل من الطائفتين على التخيير،

فتكون النتيجة تخيير المكلف بين الأخذ بما في أخبار الجبيرة و الوضوء و الغسل بهذه الكيفية و بين التيمم.

و فيه أنّ ذلك ينافي مع ظهور الأمر في كل من الطائفتين فى التعيين، مضافا إلى بعد كون الطّهارة الترابية مجعولا في عرض الطّهارة المائية.

الوجه الخامس: أن يقال في مقام الجمع بين الأخبار

الواردة في الجبيرة و بين الأخبار الواردة في التيمم، بحمل أخبار التيمم على صورة التضرر بالغسل الصحيح، و حمل أخبار الجبيرة على غير هذه الصورة، يعنى: عدم تضرره بالغسل الصحيح، و قريب كما اختاره العلامة الهمدانى رحمه اللّه.

بيانه أن المستفاد من أخبار الجبيرة و موردها وجوب غسل ما عدا موضع الجبيرة، و مسح ظاهر الجبيرة إن كان عليه الجبيرة فعلا فيما لم يتمكن من إيصال الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 342

إلى ما تحتها لخوف أو حرج أو إيذاء على نفسه.

و إن لم يكن على موضع الكسر أو الجرح أو القرح جبيرة أو غيرها، و كان مكشوفا يجب غسل ما حول الجبيرة بشرط الاستطاعة عن استعمال الماء في غير موضع الجبيرة من حولها أو مواضع الآخر من الوضوء أو الغسل.

و أمّا من يتضرر باستعمال الماء مطلقا، أو من غسل خصوص ما حول الجبيرة أو الجرح، أو تعذر تطهير الموضع للغسل الصحيح، فلا يستفاد حكمه من أخبار الجبيرة.

فأخبار التيمم بالنسبة إلى غير مورد كون الجبيرة على الموضع الذي حكمه مسح ظاهر الجبيرة، و غير مورد كشف موضع الجبيرة الذي يجب غسل ما حوله في صورة عدم الضرر، يكون بلا مزاحم.

و بعبارة اخرى مورد التيمم صورة وجود الضرر عن استعمال الماء مطلقا، و صورة كون غسل خصوص ما حول الجبيرة ضرريا، و صورة تعذر تطهير موضع الجبيرة لغسله الصحيح.

و ليست

واحدة من هذه الصور مورد الجبيرة فلا تعارض بين الطائفتين.

بل لو لم تكن هذه الأخبار الخاصة دالة على وجوب التيمم لقلنا بوجوبه بمقتضى الأدلّة العامة الواردة في وجوب التيمم.

أقول: و هذا الجمع و إن تمّ، لكن لا بد من تصرف فى أخبار الجبيرة لأنّ حمل ما دل منها على غسل ما حول الجبيرة بخصوص صورة كونه مستطيعا على ايصال الماء بموضع الجبيرة بعد إطلاقه من هذا الحيث لا بدّ و أن يكون بقرينة أخبار التيمم، لأنّه بعد كون مفادها التيمم فيما إذا كان استعمال الماء ضرريا لا بد من تقيد أخبار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 343

الجبيرة الدالة على وجوب غسل ما حولها على صورة عدم الضرر.

و مع هذا نقول: انّ هذا الجمع لا يساعد مع ظاهر أخبار التيمم، لأنّ ظاهر اخبارها ورودها مورد الكسير و القرح و الجرح فى قبال الخوف على الضرر كما يظهر من رواية احمد بن أبى نصر، و هذا الجمع لا يلاحظ فيه هذه الجهة أصلا، بل لوحظ أدلته العامة الدالة على مشروعية التيمم مع الضرر فى استعمال الماء، و لهذا قال: إن الطائفتين ورد كل واحد منهما فى غير ما ورد الاخر، و الحال أنّه ليس كذلك لأنّه يبقى مورد آخر و هو مورد كشف موضع الجبيرة مع كون غسله ضرريا، و عدم كون وضع الخرقة عليه و مسح الخرقة ضرريا، فهل يجب وضع الخرقة و مسحها، أو يجب التيمم، أو لا يجب شي ء منهما.

أما وضع الخرقة و المسح عليها فلا دليل عليه، لأنّ مورد المسح على الجبيرة أو الدواء أو الخرقة على ما يظهر من بعض الطوائف المتقدمة من الأخبار في الجبيرة هو ما

كانت الجبيرة موضوعة على المحل، و امّا شموله لصورة عدم كونها على المحل من وجوب الوضع عليها أو مسحها فلا يستفاد من الأخبار.

و أمّا التمسك بقاعدة الميسور مضافا إلى عدم تماميتها على ما بينّا في الأصول لا مجال للتمسك بها في المقام، لأنّه بعد كون إيصال الماء ضرريا للمحل يكون مورد التيمم بمقتضى الدليل، فلا تصل النوبة بقاعدة الميسور.

أما عدم وجوب شي ء عليه- بمعنى: كفاية غسل ما حول الجبيرة مع عدم غسل الموضع، و لا وضع الخرقة عليه و المسح عليها، و كفاية الوضوء بهذا النحو- فلازمه إلغاء جزئية هذا الموضع في الوضوء، و الالتزام به مشكل، فالأقوى انتقال التكليف بالتيمم في هذا المورد.

الوجه السادس: و هو ما يأتي بنظرى القاصر حمل أخبار الجبيرة،

كما عرفت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 344

من بيان مفادها باختلاف ألسنتها، على صورة كون المحل مشغولا بالجبيرة، و بعبارة اخرى على من عليه الجبيرة و بيان حكمها و حكم ما حول الجبيرة.

و حمل أخبار التيمم على من كان عليه الكسر أو الجرح أو القرح لكن لا يكون عليه الجبيرة أو غيرها.

فتكون النتيجة أن من كان مكسورا أو به الجرح أو القرح، فتارة يكون عليه الجبيرة، فعلا يجب المسح على الجبيرة فيما يؤذيه نزع الجبيرة و غسل المحل، و يجب غسل ما حول الجبيرة.

و تارة لم يكن فعلا على كسره أو جرحه أو قرحه الجبيرة فإن كان الماء مضرا له يتيمم و إن لم يكن مضرا يجب غسل المحل و الوضوء أو الغسل.

إن قلت: على هذا لا يستفاد حكم غير موضع الجبيرة فيما يكون استعمال الماء مضرا له من هذه الأخبار، و أمّا على الجمع بالوجه الخامس يستفاد حكمه منها.

قلت: إن الاخبار المتقدمة- كلها سواء ما ورد

في كيفية الوضوء أو الغسل لذي الجبيرة و سواء ما ورد في التيمم- ترى أنها واردة فيمن يكون ذا الجبيرة أو ما بحكمها من الخرقة أو الدواء المشدودة على القرح و الجرح، و بيان حكمها على اختلاف بين الطائفتين بحسب الظاهر في حكمها، فعلى هذا لا بدّ في مقام الجمع من حفظ خصوصية الجبيرة و الجمع بين الأخبار.

و الجمع الخامس حمل أخبار التيمم على ما تقتضيه القواعد الكلية، مثل دليل لا حرج و غيره على وجوب التيمم فيما إذا كان ضرريا، بدون مراعاة خصوص مورد الجبيرة و الحال أن الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب التيمم واردة في خصوص المجدور أو المكسور أو من به القرح و الجرح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 345

و إن قلنا بالتمسك بها على وجوب التيمم في مطلق الخوف و الضرر على النفس نقول بالتعدى عن مورد الأخبار بكل مورد ضررى و خوف على النفس كما قال به العلامة الهمدانى رحمه اللّه أيضا في التيمم.

و أمّا الجمع الذي ذكرناه فمع حفظ خصوصية مورد الأخبار نجمع بينهما بحمل إطلاق أخبار التيمم على غير مورد الجبيرة.

و مع ذلك نستشهد بهذه الأخبار على وجوب التيمم في ما بقى من أعضاء الوضوء و الغسل من حول الجبيرة أو غيرها إذا كان استعمال الماء ضرريا لما نرى من كون منشأ حكم الشارع بوجوب التيمم في مورد الجدرى و الكسير و المقروح و المجروح يكون من باب كون استعمال الماء ضرريا، فنقول بوجوب التيمم في كل مورد يكون الوضوء أو الغسل ضرريا.

[حاصل الجمع بين الروايات]
اشارة

هذا تمام الكلام في الروايات، فنقول: إن حاصل ما استظهرنا من مجموع الروايات بعد ضم بعضها ببعض و جمع بعضها مع بعض

أمور:

الأوّل: إذا كان على مواضع الوضوء جبيرة أو ما بحكمها فعلا

فإن امكن نزعها و غسل المحل، أو إيصال الماء عليه بدون نزع الجبيرة و لم يكن إيذاء يجب ذلك.

الثانى: و إن لم يمكن ذلك لايذاء أو حرج أو خوف

يجب المسح على الجبيرة أو ما بحكمها.

الثالث: و إن لم يكن عليه الجبيرة أو ما في حكمها

و كان المحل مكشوفا يجب غسل ما حوله.

الرابع: و أمّا نفس الموضع

فإن لم يكن غسله و ايصال الماء إليه مضرا يجب غسله، و إن كان مضرا يجب التيمم بناء على عدم سقوط جزئية المحل و عدم وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 346

وضع الخرقة عليه و المسح على الخرقة الموضوعة عليها إذا لم يكن ضرريا و أمكن ذلك.

الخامس: و أمّا إذا كان استعمال الماء ضرريا مطلقا،

أو لغسل ما حول الجبيرة أو لغسل بعض الآخر من مواضع الوضوء يجب التيمم، و يأتي بعض الكلام إنشاء اللّه في مبحث التيمم.

[صور المسألة]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: قال المؤلف رحمه اللّه:

(فالجرح و نحوه إمّا مكشوف أو مجبور و على التقديرين إمّا في موضع الغسل أو في موضع المسح، ثم إمّا على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء، ثم إما يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن).

فالصورة الاولى: ما إذا أمكن ذلك بلا مشقة

و لو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه في الماء حتى يصل إليه بشرط أن يكون المحل و الجبيرة طاهرين، أو أمكن تطهيرهما وجب ذلك.)

وجه الوجوب واضح، لأنّه بعد فرض جزئية المحل للوضوء غسلا أو مسحا يجب غسله و مسحه لكونه جزء الواجب، فوجوب غسل المحل أو مسحه يكون بمقتضى القاعدة مضافا إلى دلالة بعض الروايات المتقدمة منطوقا أو مفهوما على ذلك.

و أمّا أنّه يكفى في مقام غسله أو مسحه مجرد ايصال الماء إليه و لو بتكرار الماء أو وضعه في الماء حتى يصل الماء إليه إذا كان عليه الجبيرة، فلما قلنا في الجهة الخامسة من الجهات المبحوث عنها في أوّل أفعال الوضوء من كفاية مجرد ايصال الماء و مسّ الموضع بالماء في مقام الغسل في الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 347

و أمّا اشتراط كون المحل طاهرا و كذا الجبيرة إن كانت موضوعة عليه فلما مضى في شرائط الوضوء من اشتراط طهارة محل الوضوء.

الصورة الثانية: ما لا يمكن غسل المحل أو مسحه لضرر الماء

أو للنجاسة و عدم إمكان التطهير، أو لعدم امكان ايصال الماء تحت الجبيرة، فتارة يكون المحل مكشوفا، و تارة يكون مستورا، فالكلام في موردين.

و قبل التكلم فى حكم الموردين ينبغى الكلام في أنّه هل الأحكام الآتية في الموردين تعم كلا من الفروض الثلاثة:

فرض كون منشأ عدم إمكان غسل المحل أو مسحه لزوم الضرر، و فرض كونه لنجاسة المحل أو الجبيرة و عدم امكان التطهير، و فرض عدم امكان ايصال الماء تحت الجبيرة، أو لا

فنقول بعونه تعالى: أما إذا كان منشأ عدم امكان ايصال الماء الضرر فهو مورد اخبار الجبيرة كما عرفت، لأنّ الروايات المفصلة منها لسانها منطوقا أو مفهوما هو

التفصيل بين صورة الايذاء أو الحرج أو الخوف و بين غيرها، فمع الضرر لا يجب غسل المحل و مسحه، بل يكون مورد الأحكام الآتية.

و أمّا إذا كان منشأ عدم امكان غسل المحل أو مسحه نجاسة المحل أو الجبيرة و عدم امكان تطهير هما، فهل يكون مثل الفرض الأوّل أعنى: مثل كون ايصال الماء إلى المحل ضرريا أو لا؟

أقول: و لا بد و أن يكون مفروض الكلام في هذا الفرض على كون منشأ عدم امكان غسل المحل أو مسحه لنجاسة المحل أو الجبيرة و عدم امكان تطهيرهما من باب كون تطهيرهما ليس ضرريا، لأنّه لو كان ضرريّا فهو داخل فى الفرض الأوّل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 348

بل لا بدّ و أن يكون منشأ عدم امكان التطهير أمرا آخر غير الضرر، مثل ما يوجب التطهير تضاعف النجاسة، أو كان حرجا أو مشقة عليه و لو لم يكن ضرريا.

ثم بعد ذلك نقول: قد يتمسك بإلحاق هذا الفرض بالفرض الأوّل من باب دعوى عدم الخلاف في كونه مثله، فإن استكشف اجماع تعبدى فهو و إلّا فمجرد عدم الخلاف لا يكفى كونه مستندا لإمكان كون ذهابهم إليه من باب استفادة ذلك من بعض أخبار الباب.

كما أنّه ربّما يتمسك على الالحاق بالفرض الأوّل بالروايات الثلاثة المفصّلة بين امكان نزع الجبيرة و عدم امكانه، و يقال: إنّه لا يمكن في هذا الفرض نزع الجبيرة.

فأقول: إن كان عدم امكان التطهير لأجل الضرر و أو للحرج أو لخوف على نفسه فيستفاد حكمه من الأخبار المفصلة، لأنّ موردها أحد هذه الامور.

و أمّا لو لم يكن منشأ عدم امكان التطهير أحد هذه الأمور، مثل أن يكون التطهير موجبا لتضاعف النجاسة فلا تشمله

هذه الأخبار.

فعلى هذا الاقوى كون المورد مورد التيمم.

نعم في مقام العمل مقتضى الاحتياط الجمع بين ما نذكر إنشاء اللّه من الاحكام الآتية مع ضم التيمم.

و مثل هذا الفرض فى الحكم و الاحتياط الفرض الثالث، و هو ما لا يمكن إيصال الماء تحت الجبيرة و لا رفعها.

[الكلام إلى التكلم في الصورة الثانية]
اشارة

إذا عرفت ذلك نعطف عنان الكلام إلى التكلم في الصورة الثانية في الموردين.

المورد الأوّل: ما كان المحل مكشوفا
اشارة

و لم يكن عليه الجبيرة أو ما بحكمها، ففيها جهات من البحث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 349

الجهة الاولى: يقع الكلام في وجوب غسل ما حول المحل

فنقول: إن لم يكن غسله ضرريا يجب غسله لدلالة طائفة من الروايات المتقدمة عليه، و إن كان ضرريا يجب التيمم، لكون هذا من جملة موارد التيمم كما بيّناه.

الجهة الثانية: إن أمكن غسل المحل بالنحو الواجب

و لم يكن ضرريا مع إمكان تطهيره يجب لما قلنا من كونه مقتضى جزئيته، و ما دل على غسل ما حول الجبيرة ساكت عن حكم المحل.

الجهة الثالثة: إن لم يمكن غسل المحل بالنحو الواجب،

لكن يمكن مسحه لعدم كون المسح ضرريا، هل يكتفى بالمسح بدل الغسل إذا كان موضع الجبيرة في موضع الغسل، أو يسقط المحل عن الجزئية، أو يجب التيمم؟

أقول: وجه كفاية المسح في المورد دعوى استفادة ذلك من الأخبار المفصلة بين صورة الايذاء و عدم الإيذاء في ايصال الماء بالمحل في صورة وجود الجبيرة على المحل، و الحكم بمسح الجبيرة في الصورة الاولى.

لأنّه يظهر من هذا التفصيل كون المطلوب هو الوضوء و الغسل في محل الجبيرة امّا بغسل نفسه أو بمسح ما عليه من الجبيرة، فكما قلنا بذلك في من عليه الجبيرة نقول فى من لم يكن عليه الجبيرة بكفاية المسح، لأنّ المستفاد من الادلة المفصّلة كون المسح بدلا عن الغسل لا الاكتفاء بالمسح على الجبيرة الموضوعة على الكسر أو الجرح أو القرح أو لقاعدة الميسور لكون المسح على الخرقة الموضوعة على محل الغسل ميسوره.

وجه عدم الكفاية هو أن حكم الشارع بمسح ظاهر الجبيرة لمن عليه الخرقة في صورة إيذاء غسل المحل حكم تعبدى في مورد خاص و لا وجه للتعدى إلى غير المورد، و أمّا قاعدة الميسور فلا تتم عندنا كما بينا فى الأصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 350

و وجه عدم الجزئية دلالة أخبار وجوب غسل ما حول الجبيرة على عدم غسل موضع الجبيرة و كون المسح ميسور غسل المحل غير معلوم بل ميسوره غسل ظاهر الجبيرة لا محلها.

و فيه كما بيّنا هذه الأخبار ساكتة عن حكم موضع الجبيرة مضافا إلى بعد سقوط جزئية المحل

عن جزئيته للوضوء.

فإذا الأقوى وجوب التيمم في هذه الصورة خصوصا على ما بينا فى مقام الجمع بين أخبار الجبيرة و بين أخبار التيمم بحمل الأوّل على من عليه الجبيرة فعلا و حمل الثاني على من ليس على جرحه الجبيرة فعلا، فمع كشف محل الجبيرة و الضرر في ايصال الماء بنحو الغسل عليه يكون مورد التيمم.

نعم الاحوط الوضوء بمسح المحل بالماء في الوضوء ثم ضم التيمم.

الجهة الرابعة: إذا كان الغسل في صورة كشف الجرح ضرريّا،

لكن وضع الخرقة على المحل و مسح الخرقة لا يكون ضرريا، فهل يجب الوضوء بهذه الكيفية، أعنى: بوضع الخرقة على المحل المجبور و مسحه، أو يسقط المحل عن الجزئية في الوضوء في هذا الحال، أو يجب التيمم؟

وجه وجوب وضع الخرقة و المسح عليه استفادته من الأخبار المفصلة في صورة وجود الجبيرة على المحل بين صورة الايذاء و عدمه في كفاية المسح على وجود الجبيرة في الأوّل و غسل المحل في الثاني بأن المستفاد منها عدم سقوط التكليف بالكلية، بل يجب إمّا غسل المحل أو مسح ما يجعل عليه من وجود الجبيرة و بقاعدة الميسور.

و فيه ما قلنا في الجهة الثالثة من أن الحكم بالتفصيل في صورة وجود الجبيرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 351

حكم تعبدى و لا وجه للتعدى من مورده إلى غيره، و عدم تمامية قاعدة الميسور مضافا إلى أن كون المسح على الخرقة ميسور الغسل على المحل عرفا غير معلوم.

وجه عدم وجوب المسح الخرقة الموضوعة و الاكتفاء في الوضوء بغسل ما حول الجبيرة دلالة الأخبار الدالة على غسل ما حول الجبيرة على عدم وجوب غسل المحل أو مسحه.

و فيه ما عرفت من ان هذه الروايات ساكتة من حيث حكم المحل، فلا وجه للتمسك بها

مضافا إلى أنّه لو فرض إطلاق لها لا بدّ من تقييدها و قد مضى الكلام فيه عند ذكر الأخبار.

فالأقوى وجوب التيمم في هذا الحال لكون غسل المحل ضرريا و يكون خارجا عن مورد أخبار الجبيرة، و الأحوط وضع الخرقة و المسح عليه ثم ضم التيمم به.

الجهة الخامسة: إذا كان موضع الكسر أو الجرح او القرح مكشوفا

و لا يمكن غسله و لا مسحه و لا وضع الحزقة عليه و المسح عليها، هل يكفى في الوضوء بغسل ما حوله و يصح الوضوء، أو يكون المورد مورد التيمم؟

وجه الاكتفاء بغسل ما حول موضع الكسر أو القرح أو الجرح و صحة الوضوء هو ما ذكرنا من الأخبار الدالة على غسل ما حول الجبيرة.

و فيه ما بينا مكررا من عدم كون هذه الأخبار لبيان حكم المحل و ساكت عنه بل تكون في مقام بيان غسل ما حوله مضافا إلى انّه لو فرض له إطلاق لا بد من تقييدها كما عرفت.

فالأقوى وجوب التيمم في هذا الفرض، و الأحوط الوضوء بغسل ما حول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 352

المحل ثم التيمم.

الجهة السادسة: لو كان الكسر أو الجرح أو القرح في موضع المسح

و كان مكشوفا فحكمه حكم كونه في موضع الغسل فى الجهات المبحوثة المتقدمة.

المورد الثاني: ما يكون محل الكسر أو الجرح و القرح مستورا
اشارة

فعلا بالجبيرة أو ما بحكمها، و الكلام فيه في جهات:

الجهة الاولى: يجب غسل أطراف موضع الجبيرة

لأن هذا مقتضى جزئيتها للوضوء فيجب غسلها في الوضوء، و كذلك فى الغسل مع مراعات ساير الشرائط المعتبرة فيهما.

الجهة الثانية: يجب مسح الجبيرة

و إن كانت في موضع الغسل إن كانت الجبيرة طاهرة أو أمكنت طهارتها.

أمّا وجوب المسح حتى إذا كانت الجبيرة في موضع الغسل فلدلالة إطلاق الطائفة الثانية و الطائفة الثالثة على ذلك بمعنى أن إطلاق وجوب المسح يقتضي وجوبه تعيينا في موضع الغسل من الوضوء أو في موضع مسحه.

و قد يقال: بوجوب الغسل إذا كانت الجبيرة في موضع الغسل بدعوى أنّ مقتضى ظاهر النصوص بدلية الجبيرة عن المحل فحكمها حكم المحل من حيث وجوب الغسل و المسح.

و فيه أنّه إن كان المذكور في الأدلّة مجرد كون الجبيرة بدلا عن المحل و لم يذكر فيها ما هو الوظيفة من الغسل أو المسح كان لما قيل مجال.

و لكن بعد التصريح في الأخبار بوجوب المسح للأمر به يكون ما قيل اجتهاد في مقابل النص، فلا وجه لوجوب الغسل، بل يجب المسح على الجبيرة و إن كانت في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 353

موضع الغسل.

كما أن ما قد يقال بأنه كما يجتزى بالمسح يجتزى بالغسل إذا كانت الجبيرة في موضع الغسل من الوضوء و نتيجته التخيير بين الغسل و بين المسح في صورة كون الجبيرة في محل الغسل.

إما بدعوى أن المستفاد من النصوص ايصال البلل إلى الجبيرة و يساعده مع ارتكازه العرفى كون السؤال في بعض الأخبار عن إجزاء المسح هو مجرد ايصال البلل من دون دخل خصوصية إمرار اليد.

و إمّا بأن الأمر بالمسح يكون واردا في مقام توهم الحظر فلا يستفاد منه إلّا جوازه لا وجوبه.

و إمّا لما ورد في روايتى العياشى و الحسن بن على

الوشاء من التعبير بالاجزاء لأنّه قال في الاولى (يجزيه المسح عليها) و في الثانية (أ يجزيه أن يمسح على طلى الدواء؟ فقال: نعم، يجزيه يمسح عليه) و مقتضى الاجزاء هو الاكتفاء بالمسح لا وجوبه فكما يجوز المسح على الجبيرة يجوز غسلها.

و فيه أن ما قلت من ان المستفاد من النصوص ايصال البلل و هو كما يحصل بالمسح يحصل بالغسل، ففيه أن الظاهر من الدليل كون المأمور به هو المسح، و هو يحصل بإمرار الماسح مع النداوة على الممسوح.

و إن كان الغرض من المسح إيصال البلل و لو حصل بالغسل فقل في قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ بذلك.

و ما قلت من ارتكاز العرفى على أن النظر بإيصال الماء بالمحل و لو لم يكن بإمرار الماسح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 354

فيه أنّه ليس هذا من مرتكزاته.

و أمّا ما قلت من كون الأمر عقيب الحظر.

ففيه أن المسح على الجبيرة عقيب الحظر لكن في مقابل غسل البشرة لا فى مقابل غسل الجبيرة، مضافا إلى أن التفصيل في الرواية بين غسل البشرة مع عدم الإيذاء و المسح على الجبيرة مع الإيذاء و الأمر بهما ظاهر في الوجوب فى كلتا الصورتين

و اما ما قلت من ان التعبير بالاجزاء فى روايتى العياشى و حسن بن على الوشاء، على اجزاء المسح لا تعينه فيجزى الغسل أيضا

ففيه ان الاجزاء فى الروايتين فى قبال وجوب غسل البشرة بمعنى: أنّ السائل بعد ما يدرى وجوب غسل البشرة فيسأل عن صورة عدم تمكنه من غسل البشرة للجبيرة أو الدواء الموضوع على يدى الرجل، فقال يجزيه المسح عليهما فى قبال وجوب غسل البشرة و اما بعد عدم وجوب غسل البشرة هل يجب

المسح أو يجزى شي ء آخر، فلا يكون متعرضا له، و بعد ما دل فى التفصيل بين صورة الايذاء أو الحرج أو الخوف و بين عدم هذه الامور بأنه بالمسح فى صورة الايذاء و الغسل فى صورة عدمه يجب المسح فى الاول و الغسل فى الثانى إذا نقول: بتعيين المسح فى الجبيرة و عدم كفاية الغسل مضافا الى ضعف رواية العياشى.

فالواجب على الأقوى هو المسح على الجبيرة حتى إذا كانت في موضع الغسل.

و الأحوط في مقام العمل إجراء الماء على الجبيرة بدون قصد الغسل او المسح ليتحصل به ما هو الواقع من أحدهما.

الجهة الثالثة: هل يجب أن يكون المسح بنداوة الوضوء

إذا كان في موضع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 355

الغسل أو لا يجب ذلك؟ و المراد بكونه من نداوة الوضوء كونه من الماء الذي غسل به بعض الأعضاء المتقدم على الجبيرة، و معنى عدم وجوبه جواز أخذ الماء الجديد و المسح عليه.

مقتضى إطلاق الدليل عدم وجوبه.

الجهة الرابعة: و هل يلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة

أو يكفى المسح و لو بجزء منها؟

الأقوى الأوّل فيما إذا كانت الجبيرة في محل الغسل، لأنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون الجبيرة بدلا عن ما تحتها، فكون المسح بها بدلا عن غسل ما تحتها، فكما يجب غسل المحل بتمامه كذلك الجبيرة الموضوعة عليه.

نعم لا يلزم المداقة العقليّة بإيصال الرطوبة إلى الخلل و الفرج إذا صدق المسح عرفا و استيعاب المسح عليها، و أمّا إذا كانت فى محل المسح يمكن ما يحصل به مسمى المسح فى كل مورد يكون التكليف المسح على الجبيرة.

الجهة الخامسة: هل يكفى في مسح الجبيرة مسحها بالنداوة

التي تكون في اليد أولا يكفى، بل يلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة؟ اختار المؤلف رحمه اللّه الثاني.

وجه الثاني أن الواجب من المسح المسح بالماء، فلا بدّ من صدق الماء على ما يمسح به.

أقول: بعد ما نرى في أن المذكور في أخبار الجبيرة المتعرضة للمسح عليها لم تتعرض لكيفية المسح، و بعد ما بيّن في المسائل المتعلقة بالمسح أن حقيقة المسح هو إمرار الماسح على الممسوح بالنداوة و الرطوبة الباقية في اليد بحيث يتأثر الممسوح بها و لا يعتبر أزيد من ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 356

فاذا كان في اليد الرطوبة فتصل نداوتها بالممسوح كفى في صدق المسح عليه بالماء، فتكفي النداوة الباقية فى اليد إذا كانت بمقدار يتأثر به الممسوح و يصدق عرفا أنّه مسح الموضع بالرطوبة المائية إلى تمام موضع الجبيرة بحيث يصدق عرفا أنّه مسح الجبيرة و لا يلزم المداقة العقلية بإيصال الرطوبة إلى الخلل و الفرج بل يكفى صدق استيعاب المسح عرفا.

الجهة السادسة: ان كانت الجبيرة على موضع الغسل و أمكن رفع الجبيرة

و المسح على البشرة، فهل يجب رفعها و المسح على البشرة، أو لا يجب ذلك (و مورده ما كان غسل البشرة غير ممكن للضرر أو لجهتين آخرتين قلنا و مضى الكلام فيه في المورد الأوّل).

بل يجب المسح على الجبيرة في هذا الحال أيضا، أو يجب المسح على كل منهما مرة على البشرة و اخرى على الجبيرة، أو يجب التيمم في هذه الصورة؟

وجه وجوب رفع الجبيرة و المسح على البشرة كونه الأقرب إلى الواجب الاختياري لأنّ الواجب أو لا غسل البشرة فالأقرب منه مسح البشرة و كونه الميسور من الغسل على البشرة.

و وجه وجوب المسح على الجبيرة حتى في هذا الحال هو أن مفاد الأخبار

المفصّلة وجوب المسح على الجبيرة فيما يؤذيه غسل البشرة أو كان حرجيا أو خاف على نفسه، فيشمل المورد، لأنّه على الفرض يؤذيه الغسل على البشرة و إن كان لا يؤذيه مسح البشرة.

و وجه وجوب الجمع بينهما هو دعوى أن بعض الأخبار المفصلة بين صورة ايذاء غسل البشرة فيجب مسح الجبيرة و بين صورة عدم الإيذاء فيجب غسل البشرة، تعلق التكليف بمسح الجبيرة فيما يتعذر و يؤذيه الماء و لو بنحو المسح،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 357

فلا ينتقل التكليف بمسح الجبيرة حتى مع إمكان مسح البشرة، و على هذا لا تشمل الاخبار صورة يمكن مسح البشرة و لا ينتقل التكليف بمسح الجبيرة.

فإن قلنا بأن قاعدة الميسور تقتضى مسح البشرة لكون المسح ميسور الغسل فهو، و حيث لا يمكن القول به لا يكون مورد الاخبار خصوص صورة كون ايصال الماء ايذاء للبشرة حتى بمسحه لعدم معلومية ذلك و لا بشمول قاعدة الميسور، فيعلم إجمالا إمّا بوجوب مسح الجبيرة أو مسح البشرة، و مقتضى العلم الاجمالى وجوب كل منهما.

و وجه وجوب التيمم هو أنه بعد كون مورد أخبار المفصّلة الدالة على وجوب مسح الجبيرة فى صورة الايذاء فلا تشمل صورة يمكن مسح البشرة.

و لا مورد لمسح البشرة إمّا لعدم تمامية قاعدة الميسور، و إمّا عدم كون المسح ميسور الغسل.

و الأقوى وجوب المسح على الجبيرة حتى في هذا الحال، لأنّ مقتضى الأخبار المفصلة بين وجوب مسح الجبيرة و بين غسل البشرة، وجوب المسح على الجبيرة في صورة يكون الغسل على البشرة إيذاء و إطلاقه يقتضي صورة كون مسح البشرة ممكنا لان في هذا الحال لا يمكن غسل البشرة، فيكون مورد المسح على الجبيرة.

نعم الأحوط استحبابا

الجمع بين المسح على البشرة و المسح على الجبيرة في وضوئه.

الجهة السابعة: إذا لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها

أو لمانع آخر فله صورتان:

صورة يمكن وضع خرقة طاهرة على الجبيرة و مسح الخرقة الموضوعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 358

فهل يجب ذلك و يصح الوضوء، أو يكون مورد التيمم، أو يجب الوضوء مقتصرا على غسل أطراف الجبيرة بدون ضم التيمم، أو يجب الوضوء بغسل أطراف الجبيرة و المسح على الجبيرة النجسة ثم يتيمم بعده؟

وجه وجوب وضع خرقة طاهرة عليها و المسح عليها لكون الواجب المسح على الجبيرة في صورة إيذاء غسل البشرة، فكما يجب تطهير الجبيرة مع إمكان تطهيرها مقدمة للمسح عليها كذلك يجب وضع الخرقة عليها مع عدم إمكان تطهير الجبيرة مقدمة للمسح عليها، و هذا يصدق فيما إذا كانت الخرقة الموضوعة بحيث تعدّ جزءا للجبيرة، فيقال بعد وضعها عليها انها مسح على الجبيرة.

وجه وجوب التيمم هو أن مورد وجوب الوضوء مع مسح الجبيرة موردا يمكن المسح على الجبيرة الموضوعة لا وضع شي ء آخر عليها و إن عدّ بعد الوضع جزء الجبيرة و إلّا ففي ما إذا كان الجرح مكشوفا تقول بوضع الخرقة و المسح عليها.

و وجه وجوب الجمع بين الوضوء بغسل أطراف الجرح و ترك مسح الجبيرة و بين ضم التيمم العلم الاجمالى بوجوب أحدهما، و عدم دليل ظاهر على كفاية أحدهما فمقتضى العلم الاجمالى هو الاحتياط بينهما.

و وجه وجوب الجمع بين الوضوء بغسل أطراف الجرح و مسح الجبيرة النجسة و ضم التيمم العلم الاجمالى بوجوب الوضوء بهذه الكيفية، أو هو مع التيمم لاحتمال كون الواجب الوضوء بغسل أطراف الجرح و المسح على الجبيرة النجسة، لعدم معلومية شمول دليل طهارة محل الوضوء اجماعا كان أو غيره لمثل المورد،

و ضم التيمم لاحتمال كونه هو الواجب.

الأقوى هو التيمم في المورد لأنّ الاكتفاء بغسل ما حول الجبيرة فقط و الوضوء فرع دلالة ما دل من الأخبار على غسل ما حول الجبيرة على عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 359

وجوب مسح الجبيرة في صورة نجاسة الجبيرة، و قد بينا انها ساكتة من هذا الحيث أعنى: حيث حكم موضع القرح و ما يوضع عليه.

فحيث لا يكون المورد مورد أخبار الجبيرة لان موردها ما يمكن المسح على الجبيرة و لا يمكن ذلك فيجب التيمم، إلّا أن يقال بعدم شرطية طهارة الجبيرة في هذه الصورة.

و لأجل هذا الاحتمال نقول: الأحوط الوضوء بغسل ما حول الجبيرة و المسح عليها مع نجاستها، ثم التيمم بعده.

و صورة اخرى و هى ما لا يمكن وضع خرقة طاهرة على الجبيرة النجسة الغير الممكن تطهيرها، فيدور الأمر في هذه الصورة بين الوضوء إمّا بغسل ما حول الجبيرة و الاكتفاء به بناء على اشتراط طهارة الجبيرة، و إمّا بغسل ما حول الجبيرة و مسح الجبيرة النجسة بناء على عدم اشتراط طهارتها، و بين التيمم لعدم امكان الوضوء بالنحو المطلوب شرعا.

أقول: و لو لا احتمال عدم اشتراط طهارة الجبيرة مع عدم إمكان تطهيرها لقلنا بأن المورد مورد التيمم لأنّه لا يمكن الوضوء بالنحو المطلوب شرعا لأنّه يجب المسح على الجبيرة الطاهرة، و لا يتمكن منه على الفرض فينتقل التكليف إلى التيمم.

و حيث يحتمل عدم شرطية طهارة الجبيرة نقول: الأحوط الوضوء بغسل ما حول الجبيرة و المسح على الجبيرة النجسة ثم ضم التيمم عليه

هذا تمام الكلام في هذا الفصل و الحمد للّه و الصلاة و السلام على محمد و آله.

[مسئلة 1: إذا كانت الجبيرة في موضع المسح]
اشارة

***

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 360

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا كانت الجبيرة في موضع المسح و لم يمكن رفعها و المسح على البشرة، لكن امكن تكرار الماء إلى أن يصل إلى المحل هل يتعيّن ذلك، أو يتعين المسح على الجبيرة، وجهان، و لا يترك الاحتياط بالجمع.

(1)

أقول: في المسألة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: تكرار الماء على الجبيرة

حتى يصل الماء إلى المحل لقاعدة الميسور، لأنّ ايصال الماء بهذه الكيفية ميسور المسح على المحل و عدم شمول دليل وجوب المسح على الجبيرة للمورد.

الاحتمال الثاني: تعين المسح على الجبيرة في هذا الحال،

لأنّ مورد المسح عليها مورد يكون المسح على البشرة حرجيّا كما هو مقتضى نص رواية عبد الاعلى أو يتخوف على نفسه كما هو مقتضى إطلاق رواية الكليب، لأنّ اطلاقها يشمل موردا يكون الجبيرة على موضع الغسل أو المسح.

الاحتمال الثالث: وجوب التيمم

من باب أن المورد ليس مورد المسح على الجبيرة لما عرفت من عدم شمول إطلاق رواية عبد الاعلى المورد، و لا يكفى ايصال الماء على المحل بتكرار الماء لعدم كونه ميسور المسح أولا، و عدم تمامية قاعدة الميسور ثانيا.

الاحتمال الرابع: الجمع بين ايصال الماء و بين المسح على الجبيرة

و بين التيمم للعلم الاجمالى بوجوب واحد منها، و لا دليل يدل على الاكتفاء بواحد منها، فمقتضى العلم الاجمالى الجمع بين هذه الثلاثة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 361

و الأقوى الاحتمال الثاني لأنّ مقتضى رواية عبد الاعلى و الكليب هو وجوب المسح على الجبيرة و إطلاق رواية الثانية يشمل صورة التمكن من ايصال الماء بالمحل و عدمه.

و لا وجه للتمسك بقاعدة الميسور لعدم تماميتها أولا، و عدم كون ايصال الماء بالمحل بدون إمرار الماسح على الممسوح ميسور المسح.

***

[مسئلة 2: إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الاعضاء فالظاهر جريان الأحكام المذكورة، و إن كانت مستوعبة لتمام الاعضاء فالاجزاء مشكل، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الجبيرة و التيمم.

(1)

أقول: أما إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من أعضاء الوضوء فالأقوى بالنظر جريان الأحكام المذكورة فيها لدلالة بعض الأخبار و لو بالإطلاق عليها، مضافا إلى امكان دعوى مساوات هذه الصورة مع ماليست مستوعبة على العضو أو الغاء خصوصية المورد، فالمورد المذكور في الروايات و إن كان بعض العضو لكن لا خصوصية له بنظر العرف، مضافا إلى دلالة رواية حسن بن على الوشاء على ما كانت الجبيرة في تمام عضو من أعضاء الوضوء، فلان المفروض في السؤال كون الدواء على يدى الرجل فظاهره كون الدواء مستوعبا لتمام يديه و قد ذكرنا الرواية فى الطائفة الثانية من الروايات المربوطة بالجبيرة فراجع، فلا وجه للاحتياط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 362

الواجب بالجمع بين الجبيرة و التيمم و إن كان لا ينبغى تركه.

أما إذا كانت الجبيرة مستوعبة لجميع أعضاء الوضوء، فهل يكون المورد مورد الوضوء بالمسح على الجبيرة أو يكون مورد التيمم؟

ما

يمكن أن يقال في وجه وجوب الوضوء و المسح على الجبائر المستوعبة.

إمّا دعوى العلم بمساوات هذه الصورة مع صورة عدم استيعابها لعدم فرق بينهما خصوصا على ما قلنا في مقام الجمع بين أخبار الجبيرة و أخبار التيمم من حمل الاولى على من عليه الجبيرة فعلا و حمل الثانية على من لم تكن عليه الجبيرة.

و إمّا دعوى أن موارد الأخبار و إن كانت الجبيرة الغير المستوعبة، لكن هذا من باب المورد و لا خصوصية للمورد فيعمّ الحكم غير مورد الأخبار أيضا.

و ظنّى و إن كان ذلك و لكن الأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء و المسح على الجبيرة و بين التيمم.

***

[مسئلة 3: إذا كانت الجبيرة في الماسح فمسح عليها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا كانت الجبيرة في الماسح فمسح عليها بدلا عن غسل المحل يجب أن يكون المسح به بتلك الرطوبة أى:

الحاصلة من المسح على جبيرته.

(1)

أقول: لما بنيا في المسائل المتعلقة بالمسح بوجوب كون المسح بنداوة الوضوء.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 363

[مسئلة 4: انّما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: انّما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه، و إلّا فلو كان بمقدار المسح بلا جبيرة يجب المسح على البشرة، مثلا لو كانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح عليها، و لو كان من أحد الاصابع و لو الخنصر إلى المفصل مكشوفا وجب المسح على ذلك، و إذا كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخط الطولى من الطرفين و عليها في محلها.

(1)

أقول: و ذلك لكفاية المسمى من طرف العرض و الطول في مسح الرأس و من طرف العرض في مسح الرجل، فلو كان تمام ظهر القدم مستوعبا بالجبيرة مسح على الجبيرة.

و أمّا لو لم يكن مستوعبا بل كان مكشوفا و لو بمقدار إصبع من الاصابع حتى الخنصر إلى المفصل يجب المسح عليه و لو كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخط الطولى من أطراف الاصابع إلى المفصل و على البشرة في محلها أعنى:

المحل المكشوف من البشرة من أطراف أصابع إلى المفصل و هو قبة القدم، و الجبيرة في محل الجبيرة، فإذا كان بعض ظهر القدم إلى المفصل مكشوفا بقدر المسمى يمسح على البشرة إذا كان بعضه مستورا بالجبيرة يمسح عليها.

***

[مسئلة 5: إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 364

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 364

الغسل أو المسح في فواصلها.

(1)

أقول: وجهه واضح لأنّ كل موضع من مواضع الغسل أو المسح في الوضوء يجب غسله أو مسحه خرج منها الموضع الذي عليه

الجبيرة، و أمّا المواضع الآخر و من جملتها الفاصل بين الجبائر من البشرة يجب غسله في محل الغسل و مسحه إذا كان في محل المسح.

***

[مسئلة 6: إذا كان بعض الاطراف الصحيح تحت الجبيرة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا كان بعض الاطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها، و إن كان أزيد من المقدار المتعارف فإن أمكن رفعها رفعها و غسل المقدار الصحيح ثم وضعها و مسح عليها، و إن لم يمكن ذلك مسح عليها لكن الأحوط ضم التيمم أيضا خصوصا إذا كان عدم امكان الغسل من جهة تضرر القدر الصحيح أيضا بالماء.

(2)

أقول: للمسألة صور:

الصورة الاولى: ما إذا كان من البشرة تحت الجبيرة بالمقدار المتعارف،

فيمسح على الجبيرة و لا يجب رفع الجبيرة و غسل هذا المقدار المتعارف.

لأنّه مع كون المتعارف في الجبيرة و الخرقة و الدواء الموضوعة على الموضع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 365

المكسور و غيره إدخال مقدار من البشرة زائدا على نفس موضع الكسور و القروح أو الجروح تحت الجبيرة و نظائرها، فالحكم مطلقا بالمسح على الجبيرة بدون استثناء هذا المقدار المتعارف يشهد على إدخاله تحت حكم المسح، فيكفى المسح على الجبيرة.

الصورة الثانية: ما اذا كان بعض الأطراف الداخل تحت الجبيرة أزيد من المتعارف

و أمكن رفع هذا المقدار من الجبيرة و غسل هذا المقدار الصحيح، فيغسل هذا المقدار و مسح على الجبيرة لوجوب مسحه، و كذا لو أمكن رفع تمام الجبيرة فيرفعها و يغسل المقدار الزائد على المتعارف ثم يضع الجبيرة و يمسحها بناء على مختار المؤلف من ان فى الجبيرة المكشوفة إن أمكن وضع الخرقة عليها و مسحها يجب ذلك كما ذكرنا فى الفصل المنعقد للجبيرة.

و امّا على ما قويّنا فى الجهة الرابعة فى المورد الاول من الجهات المربوطة، من أنه فى الجبيرة المكشوفة إذا اضرّ الغسل لا يجب وضع الخرقة و المسح عليها مع إمكانه، بل يجب التيمم، و الاحوط الجمع بينه و بين التيمم فحيث إنه يرفع الجبيرة يصير المورد من موارد كون الجرح مكشوفا يجب التيمم فى هذه الصورة و الاحوط وضع الجبيرة بعد غسل مقدار الزائد على المتعارف ثم المسح عليها ثم التيمم بعده.

الصورة الثالثة: ما إذا كان بعض الأطراف الداخل تحت الجبيرة أزيد من المقدار المتعارف

و لا يمكن غسله و لو برفع الجبيرة في هذا المقدار.

فهل يجب المسح على الجبيرة الموضوعة على الموضع المجبور و المقدار الخارج و يصح الوضوء من باب أن مقتضى الدليل هو المسح على الجبيرة إذا كان غسل الموضع إيذاء أو حرجيا أو يخاف على نفسه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 366

أو يجب التيمم في المورد، لأنّه بعد كون القدر المتيقن من الدليل هو المسح على الجبيرة الواقعة على الموضع المجبور، غاية الامر قلنا بدخول المقدار الصحيح من البشرة في الحكم من باب أن الاطلاق منزّل على المتعارف، و أمّا الازيد من المتعارف فهو خارج عن المورد الواجب المسح على الجبيرة و يكون مورد التيمم خصوصا فيما إذا كان منشأ عدم امكان غسل هذا المقدار الخارج عن

المتعارف كون رفع الجبيرة و غسل البشرة ضرريا فإنه مورد التيمم.

أقول: قد يكون منشأ عدم امكان غسل أطراف الجبيرة الزائدة على المتعارف هو الضرر و قد يكون أمرا آخر مثل نجاسة أطرافها و عدم امكان تطهيرها أو عدم إمكان غسلها.

فإن كان منشأ عدم الامكان امرا آخر غير الضرر فقد مرّ في بعض الجهات المذكورة في فصل الجبيرة بأن المورد يكون مورد التيمم، لأنّ وجوب الوضوء مع المسح على الجبيرة و الاكتفاء به على المستفاد من أخباره صورة يكون نزع الجبيرة و غسل المحل ايذاء للشخص أو خوفا أو كان حرجيا، و أمّا غير هذا المورد فخارج عن موضوع أخبار الباب.

و أمّا أن كان منشأ عدم امكان غسل الزائد على المتعارف الضرر فقد يتوهم أن التكليف فيه هو الوضوء و مسح الجبيرة، لأنّ مورد أخبار الآمرة بالمسح على الجبيرة هو الإيذاء أو الجرح أو صورة الخوف، و في المورد يكون غسل الاطراف إيذاء و ضررا، فيجب المسح على الجبيرة و يصح الوضوء.

لكن الحق خلافه، لأنّ مورد أخبار الجبيرة و المسح عليها و إن كان الإيذاء و الحرج و الخوف على النفس، لكن بالنسبة إلى الجبيرة الموضوعة على المجبور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 367

بالمقدار الذي يتعارف وضع الجبيرة عليه.

و أمّا أزيد منه فلا تشمله أخبار الباب، فالأقوى وجوب التيمم في هذه الصورة، نعم ينبغى الاحتياط بالوضوء مع المسح على ما عليه الجبيرة ثم التيمم.

***

[مسئلة 7: في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب أولا ان يغسل ما يمكن من أطرافه ثم وضعه.

(1)

أقول: بناء على القول بوجوب وضع الخرقة و المسح عليها إذا كان القرح مكشوفا فيما

لا يضر المسح بهذا النحو، و قد مضى الكلام فيه في الجهة الرابعة من الجهات التي تعرضنا عنها في المورد الأوّل من الفصل و وجوبه أو عدمه.

فحيث إنّه يستر بسبب وضع طاهر عليه و مسحه مقدار من الصحيح من موضع الوضوء، فيجب أولا غسل الاطراف مما يمكن غسله ثم وضع الطاهر و المسح عليه.

***

[مسئلة 8: إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف يشكل كفاية المسح على الجبيرة التى عليها أو يريد أن يضعها عليها، فالأحوط غسل القدر الممكن و المسح على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 368

الجبيرة ثم التيمم، و أمّا المقدار المتعارف بحسب العادة فمغتفر.

(1)

أقول: الأقوى يكون المورد مورد التيمم على ما عرفت من نتيجة الجمع بين أخبار الجبيرة و أخبار الواردة في التيمم، لأنّ هذا المقدار الزائد على المتعارف و هو المقدار الذي لا يكون بحكم الجبيرة و يكون على الفرض غسله ضرريا فيجب فيه التيمم، لأنّ كل مورد خارج عن حكم الجبيرة مما لا يمكن غسله الشرعى لأجل الضرر يكون مورد التيمم.

***

[مسئلة 9: إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر، بل كان يضره استعمال الماء لمرض آخر فالحكم هو التيمم.

لكن الأحوط ضم الوضوء مع وضع خرقة و المسح عليها أيضا مع الامكان أو مع الاقتصار على ما يمكن غسله.

(2)

أقول: قد يتوهم كون المورد مورد الوضوء بوضع الخرقة على موضع يضره الماء و المسح عليها مع الامكان إمّا من باب الغاء الخصوصية عما دل في ذى الجرح المكشوف بوضع الخرقة و المسح على الخرقة الموضوعة عليه.

ففيه أنّه لا يكون بين النصوص الواردة في الجبيرة نص يدل على وضع الخرقة و المسح عليها في الجرح المكشوف، بل من يقول به يصطاد ذلك من الأمر بالمسح في الجرح المستور بالجبيرة و قد اشكلنا فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 369

و إمّا من باب أن وضع الخرقة و المسح عليها في الوضوء فيما يكون استعمال الماء ضرريّا يكون ميسور غسله، و مقتضى قاعدة

الميسور أن الميسور لا يسقط بالمعسور.

و فيه منعه صغرى و كبرى لعدم كون المسح على الخرقة ميسور غسل الموضع و عدم تمامية القاعدة كما بينّا في الأصول.

و إمّا من باب أن المستفاد من رواية عبد الاعلى المتقدمة المذكورة في الطائفة الثالثة من الأخبار المتقدمة «1».

و من رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه، قال: فقال لى: إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر يجعل خريطة «2».

من رواية على بن مهزيار في مقام سؤاله عن المغمى عليه و أنّه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة و جواب ابى الحسن الثالث عليه السلام (لا يقضى الصوم و لا يقضى الصلاة و كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر «3».

هو أن كل مورد يكون إتيان المأمور به على ما هو عليه من الأجزاء و الشرائط حرجيّا، أو صار غير مقدور لورود عارض، أو مما غلب اللّه عليه يرفع الشارع يده عن مطلوبه الأوّلى و ينزل الأمر إلى ما هو الممكن من الأجزاء و شرائط المأمور به، فإذا كان الوضوء بالنحو المعهود من الغسل و المسح ضرريّا و لكن يمكن وضع الخرقة و المسح عليها يجب ذلك.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 370

و فيه أن لسان لا حرج، و كذا كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر، حيث يكون في مقام الامتنان ليس لسانه إلّا نفى التكليف، و لا يثبت

التكليف، و لهذا قال عليه السلام بعد بيان قوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه، أو في الرواية الثانية قال عليه السلام (يجعل خريطة) و إلّا لو لم يكن فيهما بيان الوظيفة لم نقل أن مقتضى لا حرج أو كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر هو المسح على الجبيرة أو جعل خريطة، فلا يمكن أن يقال بمقتضى الروايات و نفى الحكم الواقعى الاوّلى بوجوب المسح على الخرقة بعد كون الغسل ضرريّا.

بل نقول: إن مقتضى لا حرج نفى الحكم الاوّلى و قد بيّن الشارع ما هو الوظيفة بعد كون التكليف الأوّلى ضرريا بأمره بوجوب التيمم كما عرفت في الأخبار المتقدمة ذكرها، فنقول في الصورة المذكورة يكون الواجب التيمم.

***

[مسئلة 10: إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء لكن كان بحيث يضرّ استعمال الماء في مواضعه أيضا فالمتعين التيمّم.

(1)

أقول: لأنّ هذا خارج عن موضع أدلة الجبيرة و أحكامها، و لا تتم قاعدة الميسور مضافا إلى كونه ميسوره محل تأمل، فيكون مورد التيمم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 371

[مسئلة 11: في الرمد يتعيّن التيمم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: في الرمد يتعيّن التيمم إذا كان استعمال الماء مضرا مطلقا، أما إذا أمكن غسل أطراف العين من غير ضرر و إنّما كان يضر العين فقط فالأحوط الجمع بين الوضوء بغسل أطرافها و وضع خرقة عليها و مسحها و بين التيمم.

(1)

أقول: لان من مسوّغات التيمم الضرر من استعمال الماء و يتعين التيمم، سواء كان استعمال الماء مضرا مطلقا، أو لخصوص العين.

و لا وجه للقول بالوضوء بغسل ساير مواضع الوضوء و وضع الخرقة على العين و المسح عليها، لعدم وجه للتعدى من مورد الأخبار الواردة في ذى الجبيرة إلى غيرها.

نعم الاحتياط بالجمع بين غسل أطراف العين و وضع الخرقة عليها و مسحها و بين التيمم حسن.

***

[مسئلة 12: محل الفصد داخل في الجروح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: محل الفصد داخل في الجروح فلو لم يمكن تطهيره أو كان مضرا يكفي المسح على الوصلة (الخرقة) التي عليه إن لم يكن أزيد من المتعارف، و إلّا حلّها و غسل المقدار الزائد ثم شدّها، كما أنّه إن كان مكشوفا يضع عليه خرقة و يمسح عليها بعد غسل ما حوله، و إن كانت أطرافه نجسة طهرها، و إن لم يمكن تطهيرها و كانت زائدة على القدر المتعارف جمع بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 372

الجبيرة و التيمم.

(1)

أقول: في المسألة مسائل نشير إليها و إن ذكر حكمها في طى بعض المسائل المتقدمة.

المسألة الاولى: الظاهر كون محل الفصد من أفراد الجروح.

المسألة الثانية: لو لم يمكن تطهيره لكونه مضرا، فان كان عليه الخرقة يمسح عليها في وضوئه لو لم تكن الخرقة أزيد من المتعارف، و إن كانت أزيد من المتعارف حلّ المقدار الزائد و يغسل ما تحته ثم يمسح على الخرقة الموضوعة عليه بقدر

المتعارف.

و أمّا إن حل تمام الخرقة الموضوعة عليه فقد بينا في المسألة 6 من المسائل التي تعرضنا فيها أنّه بحكم ما كان القرح مكشوفا.

المسألة الثالثة: إذا كان محل الفصد مكشوفا فإن أمكن غسله غسله، و إن لم يمكن غسله لأجل كونه ضرريّا يجب التيمم لما بينا في الجهة الرابعة من الجهات المبحوثة فى المورد الأوّل من موردين المبحوثين في هذا الفصل في كل الصور المتعرضة في المتن، و الأحوط وضع الخرقة و المسح عليها، و إن كانت أطرافه نجسة طهّرها و الوضوء بهذه الكيفية ثم التيمم.

***

[مسئلة 13: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 373

لا باختياره.

(1)

أقول: وجهه إطلاق الأدلّة.

***

[مسئلة 14: إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه و لم يمكن إزالته، أو كان فيها حرج و مشقة لا تتحمل مثل القير و نحوه يجرى عليه حكم الجبيرة و الأحوط ضم التيمم أيضا.

(2)

أقول: وجه جريان حكم الجبيرة عليه إمّا بدعوى أن المورد و إن كان خارجا عن مورد النصوص، لكن تشمله النصوص بتنقيح المناط، لان المناط في كون الوظيفة في الجبيرة المسح عليها هو الضرر و الحرج و المشقة في غسل البشرة أو مسحها، و هو موجود في المورد.

و إمّا لدلالة بعض النصوص عليه، مثل بعض الأخبار الواردة فيمن كان على موضع مسحه الحناء.

مثل ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يحلق رأسه، ثم يطليه بالحناء، ثم يتوضأ للصلاة، فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه «1»

______________________________

(1) رواية 4 من باب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 374

و غيرها راجع الباب المذكور، بعد حمل هذه الطائفة على صورة الضرورة بقرينة بعض ما يدلّ على وجوب المسح على بشرة الرأس و عدم كفاية المسح فوق الحناء.

مثل ما رواها محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم بيدو له في الوضوء، قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه بالماء «1».

و مثل ما رواها سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد

عن الحسن بن على الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلى الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يسمع عليه «2»

و هاتان الروايتان على فرض إطلاقهما و عدم حمل الرواية الاولى على الضرورة أو على صورة بقاء لون الحناء جمعا بينهما و بين رواية محمد بن يحيى لا بد من تقيدهما بالطائفة الثالثة من الأخبار الجبيرة المتقدمة فى شرح فصل الجبيرة فتكون النتيجة وجوب المسح على الجبيرة فى خصوص صورة الايذاء أو الحرج.

و قد ذكرنا هذه الرواية من جملة أخبار الطائفة الثانية من الأخبار المربوطة بالجبيرة و ذكرنا لحسن بن على الوشاء رواية اخرى عن أبي الحسن عليها السلام بنقل صاحب الوسائل في باب 37 من أبواب الوضوء القريب كونهما واحدة.

و هي هذه محمد بن الحسن باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلا الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 39 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 375

و لكن أقول هنا بانّا نطمئن بكونهما رواية واحدة و العجب من المستمسك «1» حيث تخيّل كونهما روايتين.

و على كل حال يستدلّ بما ورد فيمن رأسه مطلى بالحناء و فيما ورد فيمن يديه مطلى بالدواء و الأمر بالمسح على الحناء و الدواء بأن التكليف في مفروض المسألة هو

الوضوء و المسح على ما لا يمكن قلعه من القير أو غيره.

أقول: أما دعوى تنقيح المناط فيمكن الجواب عنه بأن مناط الحكم بالمسح في الجبيرة المستورة و إن كان هو الضرر، لكن التعدى إلى كل مورد يكون ضرريّا مشكل، و إلّا لا بدّ من القول به في الجبيرة المكشوفة و لم نقل به.

بل الدليل على خلافه لأنّه بعد كون الحكم بوجوب التيمم في موارده من باب الضرر فهو دليل على عدم الوضوء المجعول في الجبيرة لكل مورد فيه الضرر، و إن تقل بوجود المناط فلم نقل بالوضوء بالمسح على ما يلاصق البشرة، بل نقول بالتيمم لأن المناط في وجوب التيمم أيضا هو الضرر.

و أمّا التمسك بالروايات أمّا الرواية الواردة في الحناء مضافا إلى احتمال كون موردها مورد بقاء لون الحناء، و بذلك يجمع بين ما روى عن محمد بن يحيى الدالة على عدم جواز الوضوء حتى يصيب بشرة رأسه بالماء، و بين ما رواها محمد بن مسلم، فيقال ما يدلّ على عدم الجواز صورة وجود نفس الحناء و ما دل على الجواز صورة ذهاب نفسه و بقاء لونه.

نقول: بأنه حكم على خلاف القاعدة نقتصر على المورد الذي ورد فيه.

و كذلك نقول في رواية الحسن بن على الوشاء فإنها وردت في مورد الدواء

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 547.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 376

الذي يطلى به على موضع الكسر أو الجرح أو القرح أو غيرها، فتكون الروايتان مثل ساير أخبار الجبيرة، فكما لا يمكن التعدى عن مورد الجبيرة كما بينّا، كذلك لا يمكن التعدى عن مورد الحناء و الدواء.

نعم يمكن أن يقال: بأنه بعد ما نرى حكم الشارع في مورد الجبيرة الواقعة

على موضع الكسر بوجوب الوضوء و المسح على الجبيرة، و في مورد الخرقة الموضوعة على الجرح أو القرح أيضا بذلك، و في مورد الحناء الواقع على موضع المسح بذلك أيضا، و في مورد الدواء المطلى به موضع الوضوء بذلك، و بعبارة اخرى لم يتنزل عن الطّهارة المائية و الوضوء، و لم ينتقل التكليف من الوضوء، نكشف كشفا قطعيّا عن وجود ملاك و مناط، و هو وجوب الوضوء فيما يكون بعض مواضع الوضوء مستورا بشي ء لا يمكن رفعه للضرر أو لغيره، فكما نقول في الموارد المذكورة نقول في غيرها كالضرر و أمثالها بوجوب الوضوء و المسح على ما ستر البشرة.

و لا ينافي ما قلنا من المناط مع ما يدل على وجوب التيمم في مورد الضرر لأنّ مقتضى الجمع المتقدم بين أخبار الباب هو وجوب المسح و الوضوء إن كان على بعض مواضع الوضوء الجبيرة أو ما بحكمها، و وجوب التيمم في غير هذه الموارد، و لا يبعد ذلك و إن كان الأحوط هو الجمع بين إجراء حكم الجبيرة ثم التيمم.

***

[مسئلة 15: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضره نجاسة باطنه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 377

(1) أقول: لاطلاق الأدلّة الدالة على كفاية المسح على الجبيرة و أن ظاهر الجبيرة بحكم البشرة فيجب طهارته لوجوب طهارة محل الوضوء، و أمّا باطنه فخارج عن هذا الحكم.

***

[مسئلة 16: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه و تبديله، و إن كان ظاهرها مباحا و باطنها مغصوبا فإن لم يعد مسح الظاهر تصرفا فيه فلا يضر و إلّا بطل.

و إن لم يمكن نزعه أو كان مضرا فإن عدّ تالفا يجوز المسح عليه و عليه العوض لمالكه و الأحوط استرضاء المالك أيضا أولا و إن لم يعدّ تالفا وجب استرضاء المالك و لو بمثل شراء أو اجارة و إن لم يمكن فالاحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه و بين التيمم.

(2)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا

لا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه و تبديله (فيما إذا امكن النزع و التبديل، و إن لم يمكن فيأتى الكلام فيه بعد ذلك إن شاء اللّه).

و وجهه واضح لأنّه بعد كون غسل الوضوء أو مسحه متحدا مع التصرف في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 378

المغصوب فالعبادة و هي الوضوء باطلة و إن لم نقل بعدم جواز اجتماع الأمر و النهى لعدم كون هذا الفعل قابلا لأن يتقرّب به.

المسألة الثانية: إذا كان ظاهر الجبيرة مباحا و باطنها مغصوبا

فله صورتان.

صورة لا يعدّ التصرف في الظاهر تصرفا في الباطن المغصوب عرفا مثل ما لا يوجب الوضوء مماسة و لا حركة من ناحيته في المغصوب و لو بالواسطة فيصح الوضوء.

و صورة يعدّ تصرفا في الباطن عرفا فيبطل الوضوء لعين ما قلنا في المسألة الاولى.

المسألة الثالثة: إن لم يمكن نزع الجبيرة المغصوبة أو يكون نزعه ضرريّا

فله صورتان: صورة لا يعدّ المغصوب تالفا عرفا، و صورة يعدّ تالفا.

الصورة الاول: ما إذا كان لا يعد تالفا عرفا فله فرضان:

الفرض الأوّل: ما يمكن استرضاء المالك بشراء أو إجارة أو نحوهما يجب ذلك مقدمة للوضوء الواجب أولا ثم الوضوء و المسح على الجبيرة.

الفرض الثاني: ما لا يمكن استرضاء المالك، فهل يجب الوضوء بغسل أطراف الجبيرة فقط، أو يجب التيمم، أو يجب الجمع بينهما؟

وجه الاكتفاء بالوضوء و غسل أطراف الجبيرة فقط إمّا كون ذلك ميسور الوضوء أو استفادته من بعض الأخبار المتقدمة في الجبيرة الدالة على غسل أطراف الجبيرة و كونها عن مسح الجبيرة.

و فيه عدم تمامية قاعدة الميسور و عدم كون ذلك ميسور الوضوء عرفا ثانيا، و حكم الشارع بالتيمم فيما لم يتمكن من الوضوء ثالثا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 379

وجه وجوب التيمم هو أن مورد أخبار الجبيرة مورد يمكن المسح عليها و في غير ذلك كان المورد مورد التيمم، و الأقوى ذلك و إن كان الأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء بغسل أطراف الجبيرة ثم ضم التيمم.

الصورة الثانية: ما يعدّ المغصوب تالفا عند العرف، فهل نقول: بصحة الوضوء في هذه الصورة مع المسح على الجبيرة المغصوبة، أو نقول: بعدم صحة الوضوء فيكون بحكم الصورة الاولى من وجوب الاسترضاء من المالك مع الامكان، و وجوب الوضوء بغسل ما حول الجبيرة أو التيمم أو الجمع بينهما مع عدم

إمكان الاسترضاء من المالك.

وجه الأوّل أن الضمان بسبب تلف العين يرجع إلى المعاوضة القهرية بين التالف و بين المال المضمون عليه، فينقل الضمان عن التالف بالمال المضمون عليه فيصير التالف ملكا للضامن، و إذا كان ملكه له التصرف فيه ما شاء، فيصح وضوئه مع الجبيرة المغصوبة لصيرورتها بالتلف ملكا له.

وجه الثاني أن الضمان تحمل الغرامة و الخسارة فلا يوجب التلف خروج التالف عن ملك المالك، بل مع كونه في ملكه يكون على الغاصب غرامته و خسارته و هذا معنى ضمان العين، فعلى هذا بعد بقاء الملك في ملك المالك فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، فتكون هذه الصورة بحكم الصورة الاولى.

و حيث لم يثبت كون الضمان بالنحو الأوّل يكفى استصحاب ملكية المالك فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم الفرق بين الصورتين، فيجب استرضاء المالك و لو لم يمكن فلا يبعد وجوب التيمم، فالأحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه و بين التيمم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 380

[مسأله 17: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصحّ الصلاة فيه]

قوله رحمه اللّه

مسأله 17: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصحّ الصلاة فيه، فلو كانت حريرا أو ذهبا أو جزء حيوان غير مأكول لم يضر بوضوئه، فالذي يضرّ هو نجاسة ظاهرها أو غصبيتها.

(1)

أقول: لا وجه لمضريّة كون الجبيرة حريرا أو ذهبا للرجال أو جزء حيوان غير مأكول للرجال و النساء للوضوء، لا لما قال بعض الشراح من باب إطلاق أدلة الجبيرة، لعدم كونها فى مقام ذلك بحيث لو ورد دليل على اعتبار أخذ هذه الأمور يكون مقيّدا لاطلاق هذه الأدلّة و لهذا لا يكون اشتراط طهارة الجبيرة من باب اشتراط طهارة محل الوضوء تقييدا للأدلة.

بل من باب أنّه لو شككنا في اشتراط

الجبيرة بأحد هذه الأمور مع عدم دليل على اعتباره نجرى البراءة لكون الشك من الشك في جزئية شي ء للمأمور به أو شرطيته، و هو مجرى البراءة.

***

[مسئلة 18: ما دام خوف الضرر باقيا يجرى حكم الجبيرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: ما دام خوف الضرر باقيا يجرى حكم الجبيرة و إن احتمل البرء، و لا تجب الاعادة إذا تبيّن برؤه سابقا.

نعم لو ظن البرء و زال الخوف وجب رفعها.

(2)

أقول: أما بقاء حكم الجبيرة ما دام خوف الضرر باقيا فمعلوم، لأنّ هذا مقتضى ما دل من بعض الإحكام الخاصة للجبيرة، و مجرد احتمال البرء مع وجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 381

الخوف على النفس كما هو مقتضى رواية الكليب من الطائفة الثالثة من الروايات المتقدمة في فصل الجبيرة لا يضر ببقاء حكم الجبيرة لأنّ البرء و عدمه ليس موضوع الحكم، بل الخوف على النفس أو الايذاء أو الحرج يكون موضوع حكم الجبيرة، نعم إذا حصل البرء لم يتخوف على نفسه.

و أمّا الكلام فيما إذا تبين برؤه سابقا و قد توضأ و مسح على الجبيرة فهل تجب إعادة الوضوء أو لا؟

فنقول: وجه وجوب الاعادة كون الضرر الموضوع لحكم الجبيرة هو الضرر الواقعى، و بعد عدم الضرر الواقعى على فرض برؤه سابقا فلم يكن المأمور به الوضوء مع الجبيرة فى الظاهر، أو إن كان هو المأمور به لكن حيث أن الأمر الظاهرى لا يقتضي الاجزاء فيجب عليه إعادة الوضوء.

وجه عدم وجوب إعادة الوضوء إمّا أن الموضوع في الوضوء مع الجبيرة هو الخوف لا الضرر الواقعى، فبمجرد خوف الضرر يكون تكليفه الوضوء مع الجبيرة فأتى بما هو المأمور به واقعا فلا تجب الاعادة.

و إمّا بأن الموضوع و إن كان الضرر، و المراد به الضرر الواقعى، لكن

حيث إنّه يعتقد الضرر فلو انكشف الخلاف لا تجب الاعادة، لأنّ الامر الظاهرى في مثل هذه الموارد يقتضي الاجزاء كما هو مختار سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه، لأنّه في كل مورد يكون لسان الدليل في الحكم الظاهرى من الأمارات أو الأصول هو توسعة الحكم الواقعى، و بعبارة اخرى يكون ما هو الجزء أو الشرط هو الاعم من الشرط و الجزء الواقعى، يقال بالاجزاء.

أقول: ما يأتي بالنظر و إن لم ار من قال به، هو أن ما دل على وجوب المسح على الجبيرة إما دل عليه مطلقا، و هو الطائفة الثانية من الأخبار المتقدمة فقلنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 382

بتقييدها بالطائفة الثالثة و هو الأخبار المفصلة بين ما كان يمكن المسح على البشرة و بين ما لا يمكن ذلك و مورد هذه الطائفة إمّا صورة إيذاء الماء له، أو الحرج أو التخوف على النفس ففي هذه الموارد أمر بالمسح على الجبيرة و بمنطوق بعضها و مفهوم بعضها امر بغسل البشرة مع عدم وجود هذه الموانع.

فنقول: أمّا ما أمر بمسح الجبيرة في صورة الإيذاء يمكن أن يقال: إن مورده الإيذاء واقعا، بمعنى أنّه كلما يكون وصول الماء بالبشرة إيذاء واقعا يجب المسح على الجبيرة.

و أمّا ما يكون في مورد الحرج و المشقة فمن المعلوم أن المراد هو المشقة العرفية لا المشقة و الحرج الواقعية، بل كلما يرى العرف أن رفع الجبيرة و غسل موضعها أو مسحها حرجيا يكون مورد المسح على الجبيرة كما أن ما ورد في مورد يتخوف على نفسه و هو رواية الكليب، فمن الواضح أن موضوعه حصول الخوف للشخص لا ما يكون مورد الخوف واقعا و لو

لم يتخوف منه فعلا

و لو فرض بأن يتوهم كون موضوع رواية الحلبى- و هو الإيذاء- أو رواية عبد الاعلى- و هو الحرج- الايذاء و الحرج الواقعى، لا يمكن أن يقال بذلك في رواية الكليب التي موضوعها التخوف على النفس كلما يتخوف على نفسه يكون مورد المسح على الجبيرة فما دام يتخوف على نفسه يصح وضوئه و لا تجب إعادة الوضوء لو كشف بعد ذلك عدم كون خوف في الواقع في الحال الذي توضأ و مسح على الجبيرة و إن كان الأحوط إعادة الوضوء إذا تبين برئه سابقا.

و أمّا الكلام فيما إذا ظنّ البرء و زال الخوف فهل يجب رفع الجبيرة أو لا؟

أقول: إذا زال الخوف على النفس يجب رفع الجبيرة و المسح عليها، و أمّا اذا لم يزل الخوف على النفس، بل يتخوف على نفسه و إن ظنّ البرء، فلا يجب الرفع لبقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 383

موضوع المسح على الجبيرة و هو التخوف على النفس لعدم الملازمة بين ظن البرء و بين زوال الخوف، نعم ربما يزيل الخوف مع ظنه البرء، فيدور الحكم مدار بقاء الخوف و زواله، و يكون ظن البرء كالحجر فى جنب الانسان، و كان هذا المراد من قوله المؤلف رحمه اللّه (نعم لو ظن البرء و زال الخوف وجب رفعها) هو ظنه بالبرء و قد زال خوفه، و امّا لو كان مراده هو ظنه البرء و ظنه زوال الخوف فهو غير متصور، لأنّ الخوف من الصفات النفسانية فهو إمّا موجود فى النفس أولا، و لا دخل للظن أو الشك فيه.

و أمّا قال بعض المحشين «1» في المقام بأنه (لا يبعد جواز العمل بالاستصحاب إن

كان احتمال البقاء عقلائيا) فإن كان غرضه أنه إذا شك في البرء و زوال الخوف يستصحب الخوف أو يستصحب حكمه و هو المسح على البشرة فلا معنى له لما قلنا من أن الخوف من الصفات النفسانية، فالشخص إمّا خائف أولا، و لا معنى للشك أو الظن في وجوده و عدمه.

و إن كان نظره أنّه فيما إذا ظن البرء و قد زال خوفه يستصحب الموضوع و هو العارضة التي أوجبت الجبيرة يستصحب حكمه و هو وجوب المسح الثابت سابقا.

فنقول بأنه مع زوال الخوف لا يبقى موضوع المسح على الجبيرة حتى يستصحب لكون موضوعه الخوف و بعد عدم موضوعه لا معنى لاستصحاب حكمه.

***

[مسأله 19: إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل]

قوله رحمه اللّه

مسأله 19: إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل لكن

______________________________

(1) آية اللّه الكلبايكاني قدس سره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 384

كان موجبا لفوات الوقت هل يجوز عمل الجبيرة؟ فيه إشكال، بل الأظهر عدمه و العدول إلى التيمم.

(1)

أقول: لا دليل لنا يدل على جواز المسح على الجبيرة و الوضوء بهذه الكيفية إذا كان منشأ عدم امكان رفع الجبيرة و غسل محلها ضيق الوقت، بل كما يأتي إنشاء اللّه في باب التيمم يكون ضيق الوقت من الأعذار المسوغة للتيمم، فالأقوى في المورد هو وجوب التيمم.

***

[مسئلة 20: الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم و صارا كالشي ء الواحد و لم يمكن رفعه بعد البرء بأن كان مستلزما لجرح المحل و خروج الدم، فإن كان مستحيلا بحيث لا يصدق عليه الدم، بل صار كالجلد فما دام كذلك يجري عليه حكم الجبيرة و إن لم يستحل كان كالجبيرة النجسة يضع عليه خرقة و يمسح عليه.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا صار الدم مستحيلا

بحيث صار كالجلد و لا يصدق عليه الدم، فتارة يستحيل الدواء أيضا كالدم، و في هذا الفرض مرة يعد المستحيل جزءا للبدن، و اخرى لا يعد جزءا من البدن، بل يعدّ اجنبيا عن البدن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 385

أما إذا استحال الدواء و الدم كليهما و يعدّ ان جزء البدن فلا إشكال في أنّه يجب الوضوء، فإن كان في موضع الغسل من الوضوء يجب غسله و إن كان في موضع مسح الوضوء يجب مسحه، و يكون وضوئه الوضوء التام لأنّه بعد صيرورتهما جزء البدن وقع الغسل و المسح على البشرة.

و أمّا إذا استحال الدم و الدواء كليهما و لم يصرا جزء البدن بل يعدّان شيئا مستحيلا أجنبيا عن البدن، و لا يبعد كون مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه هذا الفرض لقوله (بل صار كالجلد) و لم يقل صار جلدا، فهل يجرى عليه حكم الجبيرة كما اختار المؤلف رحمه اللّه، من باب أنّه دواء موضوع على موضع الجرح، و قد دل بعض الروايات على مسح ظاهره و يصح الوضوء.

أو أنّه و لو لم يكن دواء لكن بحكمه، لأنّ ما هو المدرك لوجوب مسح الدواء الموضوع على الجرح موجود فيه.

أو أن المورد يكون مورد التيمم لأنّه بعد صيرورته

مستحيلا لا يعد دواء فيكون المورد خارجا عن مورد أدلة الآمرة بالمسح على الجبيرة.

أقول: كما بينا في المسألة 14 لا يبعد كفاية المسح على الدواء و الدم المستحيل لأنّه بعد ما نرى من الأمر بالمسح في مورد الجبيرة، و في مورد الخرقة الموضوعة على الجرح أو القرح، و في مورد الدواء المطلى على البشرة، و في مورد الحناء الذي في الرأس، نكشف كشفا قطعيا عن وجود مناط و ملاك و هو وجوب الوضوء و عدم التنزل إلى التيمم فيما تكون البشرة مستورا بشي ء لا يمكن نزعه و رفعه لأجل الضرر أو لغيره.

فنقول في المورد أيضا لوجود هذا الملاك، بل احتمال الشمول للمورد أولى، لأنّ الدواء و المسح عليه منصوص و هذا دواء مستحيل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 386

و لا تقل أنّه يكون فى مورد الضرر، على ما بيّنت في مقام الجمع بين طوائف الأخبار في فصل الجبيرة، حكمان: حكم بالمسح على الجبيرة و ما بحكمها من الخرقة الموضوعة على الجرح، و حكم آخر التيمم.

فاذا لم يكن المورد مورد الأوّل يكون مورد الثاني، و حيث إن المورد المفروض في المقام ليس من القسم الأوّل لعدم نص يشمله، يكون من القسم الثاني و هو وجوب التيمم.

لأنا نقول: بأن مورد التيمم بناء على ما عرفت كل مورد لا يكون مورد الجبيرة و ما بحكمها، و بعد ما قلنا من تنقيح المناط القطعى يكون المورد بحكم من عليه الجبيرة، فيكون التكليف في المورد الوضوء و مسح ظاهر الدم و الدواء المستحيل و يصح الوضوء، و ليس مورد التيمم و إن كان الأحوط ضمّ التيمم.

و تارة يستحيل الدم و لا يستحيل الدواء و في هذا الفرض

يجب الوضوء و المسح عليه، لكن يجب قبل مسحه تطهير ظاهره لملاقاة الدواء للدم حين كونه دما قبل استحالته، فالدواء باق على النجاسة فيجب تطهيره ثم المسح على ظاهر هما، و يصح الوضوء لعين ما قلنا في الفرض السابق، فالفرق بين الفرض السابق و هذا الفرض هو وجوب تطهير الظاهر في هذا الفرض لعدم استحالة الدواء و بقائه على نجاسته باعتبار ملاقاته للدم قبل استحالته.

و يبقى فرض آخر لم يتعرض له المؤلف رحمه اللّه و هو ما يستحيل الدواء و لم يستحل الدم فيكون حكم هذا الفرض حكم الصورة التي كانت الجبيرة الموضوعة نجسة و لا يمكن تطهيرها و لا إزالتها و غسل الموضع، و قد تعرضنا لحكمه في الجهة السابعة من الجهات التي تعرضنا لها في المورد الثاني من الموردين المبحوثين في شرح فصل الجبيرة و يظهر حكمه من الصورة الثانية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 387

الصورة الثانية: ما إذا لم يستحل الدم و لا الدواء الموضوع

على الجرح أو غيره يكون حكمه حكم الجبيرة النجسة و قد بينّا حكمه في الجهة السابعة من الجهات المتعرضة في المورد الثاني و هو مورد كون الجرح مستورا بالجبيرة في شرح فصل الجبيرة.

و الأقوى فيه وجوب التيمم، نعم حيث يكون احتمال عدم اعتبار طهارة المحل كما بينّا يكون الأحوط الوضوء بغسل أطراف الجبيرة و وضع خرقة طاهرة على الموضع و المسح عليها إن لم يمكن المسح على الجبيرة النجسة، ثم التيمم.

***

[مسئلة 21: يكفى في الغسل أقلّه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: قد عرفت أنّه يكفى في الغسل أقلّه بأن يجرى الماء من جزء إلى جزء آخر و لو باعانة اليد، فلو وضع يده في الماء و أخرجها و مسح بما يبقى فيها من الرطوبة محل الغسل يكفى، و في كثير من الموارد هذا المقدار لا يضرّ خصوصا إذا كان بالماء الحار، و إذا أجرى الماء كثيرا يضرّ فيتعيّن هذا النحو من الغسل و لا يجوز الانتقال إلى حكم الجبيرة فاللازم أن يكون الانسان ملتفتا لهذه الدقة.

(1)

أقول: كان نظر المؤلف رحمه اللّه بيان أنّه متى يمكن الوضوء التام لا يتنزل الأمر إلى وضوء الجبيرة فذكر ما ترى في المتن.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 388

[مسئلة 22: إذا كان على الجبيرة دسومة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها إن كانت طاهرة.

(1)

أقول: أولا لعلّ نظره رحمه اللّه إلى أن الدسومة لا تكون مانعا عن وصول الماء الى الجبيرة.

و ثانيا على فرض كونها مانعا فحيث إنّها تعد جزءا للجبيرة فلا مانع من المسح عليها.

و لا تمنع من تأثر المحل بالرطوبة الممسوح بها ثالثا، فإذا لا إشكال في المسح عليها.

***

[مسئلة 23: إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره لا يجرى عليه حكم الجرح، بل يتعيّن التيمم نعم لو كان عين النجاسة لاصقة به و لم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة و الأحوط ضم التيمم.

(2)

أقول، أما فيما إذا كان العضو صحيحا و لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره لا يجرى عليه حكم الجرح لعدم كونه من موارده، فالمتعين وجوب التيمم.

و أمّا فيما إذا كان عين النجاسة لاصقة به و لم يمكن ازالتها، فالأقوى على ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 389

اخترنا عدم جريان حكم الجبيرة عليه، بل يجب التيمم و الأحوط إجراء حكم الجبيرة ثم ضم التيمم.

***

[مسئلة 24: لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على المتعارف كما أنّه لا يجوز وضع شي ء آخر عليها مع عدم الحاجة إلّا أن يحسب جزءا منها بعد الوضع.

(1)

أقول: أمّا عدم لزوم تخفيف ما على الجرح و تقليله إن كان ما على الجرح بالمقدار المتعارف لأنّ هذا مقتضى إطلاق الادلّة بعد تنزيلها على المتعارف.

و أمّا عدم جواز وضع شي ء آخر على ما يكون على الجرح، فتارة يكون محتاجا إليه بحسب المتعارف، فلا مانع من وضع المقدار المحتاج إليه لدفع الضرر أو لرفعه و يكفى المسح عليه.

و تارة لا يكون المحتاج إليه بحسب المتعارف بحيث لا يعدّ بعد الوضع جزءا للجبيرة فلا يصح المسح عليه، فإن وضعه عليها يرفعها و يمسح على المقدار المتعارف من الجبيرة لئلا يكون حائلا عن المسح على الجبيرة.

و تارة لا يكون المحتاج إليه بحسب المتعارف، بمعنى أنّه يكتفى بحسب التعارف بأقل منه، و لكن بعد الوضع يعدّ جزءا

من الجبيرة حتى عند العرف، فلا مانع من المسح عليه أيضا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 390

[مسئلة 25: الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح.

(1)

أقول: أما الفرق بين كونه رافعا للحدث و بين كونه مبيحا هو أنّه على الأوّل ارتفع الحدث و حصلت الطّهارة فكلّ ما هو مشروط بالطهارة أو يكون الحدث مانعا له يمكن إتيانه لحصول الشرط أو لرفع المانع، و امّا على الثانى فيكون أثر الوضوء هو إباحة الصلاة له و لو لم يرفع الحدث حال العذر.

و أمّا وجه كونه رافعا للحدث فهو أن لسان أدلتها كون الوضوء مع الجبيرة فردا للطبيعة المأمور بها، كما يصرّح بذلك رواية الحلبى المفصلة بين صورة الإيذاء و بين عدم الإيذاء، فأوجبت الوضوء بالمسح على الجبيرة في الصورة الاولى و غسل المحل في الثانية، فيستفاد أن للوضوء فردين و كليهما في عرض الآخر، فكما أنّ الوضوء بغسل المحل رافع للحدث كذلك الوضوء و المسح على الجبيرة.

و قد يقال «1» بعدم كون الوضوء مع الجبيرة رافعا للحدث بدعوى أنّه بعد كون مقتضى دليل وجوب التام من فرد الطبيعة تعينه للرافعية، و عدم وفاء الناقص بها.

و مقتضى الجمع العرفى بين دليل التام و بين دليل الناقص عند العجز عن التام ليس تقييد إطلاق دليل التام به حتى يقال: إن نتيجة الجمع كون التام رافعا حال الاختيار و الناقص رافعا حال الاضطرار، فليس الاختيار و الاضطرار كالحضر و السفر.

بل مقتضى الجمع العرفى بينهما هو بدلية الناقص في ظرف سقوط التام من

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 553.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 391

جهة العجز، فيكون ملاك التام موجودا حتى في حال

عجزه مثل ثبوته و وجوده حال الاختيار، غاية الأمر يكون المكلف لأجل اضطراره معذورا في تركه، و مقتضى ذلك عدم رافعية الناقص و إلّا لم يتعين التام للرافعية لعدم إمكان كون كل منهما رافعا بعد كون ما هو التام متعينا للرافعية، فالنتيجة هو عدم كون الوضوء مع الجبيرة رافعا للحدث.

و بذلك يقال في جميع الأبدال الثابتة في حال العذر عن الواقع الأولىّ فإنه يترتب عليها أثر المبدل منه في الجملة لا جميع الآثار.

و فيه أن الكلام تارة يقع في مقام الثبوت و أن المأمور به بالأمر الاضطراري هل يفى بمصلحة المأمور به الاختياري أم لا، فهو كلام لسنا فعلا في مقامه و محله باب الاجزاء.

و تارة يقع الكلام في مقام الاثبات و أن لسان الدليل المأمور به بالأمر الاضطرارى يكون لسانه لسان الفردية، لأنّه بعد كون لسانه الفردية يكون معناها أن للطبيعة فردين: فردا اختياريا و فردا اضطراريا.

فكما أن إتيان الفرد الاختياري في مورده محصّل للطبيعة و امتثال لها، كذلك الفرد الاضطرارى محصّل للطبيعة في مورده و امتثال لها، فعلى هذا كل أثر يترتب على امتثال الطبيعة يحصل و يترتب على كل من الفردين في موردهما، و بعد كون طبيعة الوضوء رافعا للحدث، فكما أن الوضوء التام رافع له كذلك الوضوء الناقص.

و مقتضى الجمع بين دليل الوضوء التام و وضوء الجبيرة هو التقييد، لأنّ هذا مقتضى الجمع العرفي.

و المستفاد من الجمع العرفى بتقييد إطلاق دليل التام بدليل الناقص و إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 392

هو بدلية الناقص عن التام، لكن هذا حاصل الجمع العرفى بتقييد إطلاق دليل التام بدليل الناقص، بمعنى إنا نفهم بعد الجمع أنّ وضوء الجبيرة بدل

عن الوضوء الغير الجبيرة.

اما بعد فرض تقييد دليل التام بدليل الناقص معناه وجوب الوضوء في حال الاختيار كذا، و وضوء الجبيرة في حال الاضطرار كذا، و هذا معنى فردية كل منهما للطبيعة.

و خصوصا في الوضوء الجبيرة، ففي بعض رواياتها ما هو نص على فردية كل من التام و الناقص، و كون كل منهما في عرض الآخر في كونهما فرد الطبيعة الوضوء.

راجع الروايات من الطائفة الثالثة من روايات الجبيرة قد منّا ذكرها، فكما أنّ الفرد التام رافع للحدث كذلك الفرد الناقص.

***

[مسئلة 26: الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح من وجوه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح من وجوه كما يستفاد مما تقدم.

أحدها: أنّ الاولى بدل الغسل و الثانية بدل عن المسح.

الثاني: أن في الثانية يتعين المسح و في الاولى يجوز المسح أيضا على الأقوى.

الثالث: أنّه يتعين في الثانية كون المسح بالرطوبة الباقية في الكف و بالكف، و في الاولى يجوز المسح بأىّ شي ء كان، و بأيّ ماء و لو بالماء الخارجى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 393

الرابع: أنّه يتعين في الاولى استيعاب المحلّ إلّا ما بين الخيوط و الفرج، و في الثانية يكفى المسمى.

الخامس: أن في الاولى الاحسن أن يصير شبيها بالغسل في جريان الماء بخلاف الثانية فالأحسن فيها أن لا يصير شبيها بالغسل.

السادس: أنّ في الاولى لا يكفى مجرد ايصال النداوة بخلاف الثانية حيث أن المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفى فيه هذا المقدار.

السابع: أنّه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب تخفيفها في الاولى بخلاف الثانية.

الثامن: أنّه يجب مراعاة الأعلى فالأعلى في الاولى دون الثانية.

التاسع: أنّه يتعين في الثانية إمرار الماسح على الممسوح بخلاف الاولى فيكفى فيها بأيّ

وجه كان.

(1)

أقول: ذكر المؤلف رحمه اللّه فروقا بين الجبيرة التي على محل الغسل و التي على محل المسح.

أحدها أنّ الاولى بدل الغسل للأمر به في محل الغسل،

و الثانية في محل المسح، للامر به في محل المسح فالاولى بدل عن الأوّل و الثانية بدل عن الثاني.

الثاني أن في الثانية يتعين المسح

لأنها في محل المسح، و بعد كون الواجب في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 394

المبدل المسح فكذلك في البدل، مضافا إلى الأمر بالمسح كما في بعض روايات الواردة في الجبيرة الواقعة في محل المسح مثل رواية عبد الأعلى و غيرها.

و أمّا في الاولى فقال المؤلف رحمه اللّه يجوز الغسل أيضا.

و وجهه كون الجبيرة بدلا عن البشرة فكما يجوز غسل البشرة يجوز غسل الجبيرة و إمّا من باب أن الأمر بالمسح على الجبيرة حيث يكون في مقام توهم الحظر لكون المورد مورد توهم حرمة المسح، فلا يستفاد من الأمر بالمسح الّا الجواز، و بعد عدم وجوب المسح فكما يجوز المسح يجوز الغسل أيضا، أو من باب أنّ الطائفة الثانية من الروايات و هى رواية العياشى و الحسن بن على الوشاء دالة على إجزاء المسح لا تعينه.

و فيه أنّه لو لم يكن في البين أمر بالمسح و كان مقتضى الدليل بدلية الجبيرة عن البشرة كون الواجب تعين الغسل على الجبيرة.

و أمّا مع الأمر في النص بالمسح حتى في محل الغسل يتعين المسح و لا مجال للقول بجواز الغسل.

و أمّا ما قيل من أن الأمر بالمسح يحمل على مجرد الجواز لوقوعه مقام توهم الحظر.

ففيه أولا أنّه بعد ما لا دليل بين الأخبار الواردة في الجبيرة يدل على غسل الجبيرة لمن عليه الجبيرة.

فإن حمل الأمر بالمسح على مجرد الجواز، و لا يكون الأمر بالمسح للوجوب و تكون النتيجة عدم وجوب المسح على الجبيرة، يكون لازمه القاء الروايات الدالة على وجوب المسح عن الوجوب، و القول بكفاية

الوضوء بغسل ساير مواضعه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 395

و عدم وجوب غسل موضع الجبيرة و لا مسحه و لا غسل ظاهر الجبيرة و لا مسحه، و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و ثانيا بعد ما كان الواجب أوّلا غسل البشرة، فلو أمر بمسح البشرة مكان غسلها يمكن ان يقال بأن الأمر بمسحها لا يفيد إلّا مجرد الجواز، لأنّ الأمر بمسح البشرة يكون في مقام توهم الحظر لأنّه بعد كون الواجب غسل البشرة فيكون المسح بها مورد توهم الحظر و تكون النتيجة جواز غسل البشرة و جواز مسحها و بعبارة اخرى التخيير بينهما.

و أمّا الأمر بمسح ظاهر الجبيرة مع عدم ورد أمر بغسله، بل الأمر كان بغسل ظاهر البشرة، فلا وجه لحمل أمره على الجواز حتى تكون النتيجة جواز غسل ظاهر الجبير أو مسحها، لعدم أمر بغسل ظاهرها حتى يقال أن الامر بالمسح عليها بقرينة الأمر بالغسل يحمل على الجواز لوروده مورد توهم الحظر.

و أمّا التمسك بروايتى العياشى و الحسن بن على الوشاء فقد مرجوا به في الجهة الثانية من الجهات المتعرضة في المورد الثانى من شرح فصل الجبيرة.

فتلخص أن الأقوى وجوب مسح ظاهر الجبيرة حتى فيما إذا كان في محل الغسل من الوضوء و الفرق الثاني بين كون الجبيرة على محل الغسل و بين كونه على محل المسح غير تمام.

الثالث: في الجبيرة التي في محل الغسل يكفى مسح ظاهرها بأيّ ماء كان،

فلا يجب أن يكون بنداوة الماء الذي في يده، بل يصح و لو بالماء الجديد و بأيّ شي ء كان فلا يجب أن يكون باليد و بالكف من اليد.

لأن الواجب حيث يكون غسل البشرة في محل الغسل و لا يعتبر أزيد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 396

ذلك فلو غسل كل جزء من البشرة التي موضع الغسل من الوضوء بالماء الجديد يصح ذلك، فكذلك في بدل البشرة و هو ظاهر الجبيرة، غاية الأمر يجب في البدل الغسل و في البدل المسح.

و أمّا إذا كانت الجبيرة في موضع المسح فالواجب كون المسح على ظاهر الجبيرة بنداوة الوضوء لوجوب ذلك في المبدل و كذلك في بدله، و أن يكون بالكف و بالماء الذي في الكف بالتفصيل المتقدم في المسح.

الرابع: يتعين في المسح على الجبيرة الواقعة على محل الغسل استيعاب المسح ظاهر الجبيرة

لوجوب غسل المبدل و هو البشرة كذلك فيجب في بدله كذلك.

و أمّا في مسح ظاهر الجبيرة الواقعة في محل المسح يكفى المسمى في الطول و العرض في الرأس و يكفى المسمى في الرجل في العرض، و أمّا في الطول فيجب مسح ما بين الحدين بالتفصيل المتقدم في مسح الرجلين.

الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه في مسح الجبيرة في موضع الغسل:

الأحسن أن يصير شبيها بالغسل في جريان الماء بخلاف المسح على الجبيرة في موضع المسح فالأحسن أن لا يصر شبيها بالغسل.

أقول: أمّا في الصورة الاولى فبعد ما قلنا من أن الواجب مسح ظاهر الجبيرة فيكفى ما يحصل به المسح، نعم حيث يكون بدل الغسل يجب ما يجب فيه من أنّه يكون من الأعلى إلى الاسفل، فإن كان نظره من أنّه يكون شبيه الغسل من الحيث الذي قلنا فتمام، و أمّا إن كان نظره إلى ان المسح يكون مثل الغسل في جريان الماء عليه فلا يجب لعدم اعتبار ذلك في المسح.

و أمّا في الصورة الثانية فالاحسن أن لا يصير شبيها بالغسل، بل إن كانت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 397

الرطوبة الواقعة على الماسح زائدة فالاولى تقليلها كما مر في المسألة 29 من مسائل أفعال الوضوء.

السادس: قال المؤلف رحمه اللّه: إن في الاولى لا يكفى مجرد ايصال النداوة بخلاف الثانية

حيث المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفى فيه هذا المقدار.

أقول: كما بينا في شرح فصل الجبيرة بأن ما دل عليه أخبار الواردة في الباب هو المسح، و المسح كما بينا في مسئلة المسح ليس إلّا إمرار الماسح على الممسوح، غاية الأمر بالنداوة، فيكفى المسح بالنداوة أعنى: مع الرطوبة في كل من المسح الواقع في محل الغسل، أو الواقع في محل المسح، غاية الامر يجب أن يكون في الثاني بالرطوبة و النداوة الباقية على باطن الكف، فلا فرق بين المورد الأوّل و الثاني من حيث كفاية كون المسح بالنداوة و الرطوبة.

فما قال المؤلف رحمه اللّه من أنّه لا يكفى في الاولى مجرد النداوة لا يتم حتى على مختاره فى الجبيرة في محل الغسل بالتخيير بين الغسل و المسح، لأنّه مع جواز المسح يكفى مجرد النداوة، و أما

على مختارنا يتعين ما يحصل به المسح و إن كان فى موضع الغسل كما نقول فى الفرق السابع.

السابع: من الفروق على ما قاله المؤلف رحمه اللّه

انّه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب تخفيفها في الاولى بخلاف الثانية.

أقول: ما قال رحمه اللّه من وجوب تخفيف الرطوبة الواقعة في مسح الجبيرة إن كانت الرطوبة زائدة فصحيح، و لا يخالف مع ما قاله في المسألة 29 من المسائل المتعلقة بأفعال الوضوء حيث قال مسئلة 29 إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب تقليلها، بل يقصد المسح بامرار اليد و إن حصل به الغسل و الاولى تقليلها) لأنّ هنا يقول بوجوب التخفيف في رطوبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 398

الممسوح كى يغلب عليها الرطوبة التى فى الماسح و أما فى مسئلة 29 فيكون نظره الى صورة تكون رطوبة الماسح زائدة، فقال بعدم وجوب تخفيفها، بل الاولى تخفيفها كما نحن أيضا نقول به، كما نذكر بعد ذلك في قولنا: فعلى هذا صح ما قاله من الفرق السابع.

الثامن: قال المؤلف رحمه اللّه: يجب مراعاة الأعلى فالأعلى في الاولى دون الثانى.

أقول: ما يجب في المسح في الجبيرة في محل الغسل يجب مراعاة الأعلى فالأعلى لوجوبها في المبدل فكذلك في البدل.

و أمّا في المسح على الجبيرة في موضع المسح، أما إذا كان في محل مسح الرأس فحيث قلنا بعدم وجوب كون المسح من أعلى الرأس الى أسفله، بل إن كان الأحوط استحبابا مراعاته، نقول في المسح على الجبيرة الموضوعة على الرأس بعدم وجوب كون المسح من أعلى الرأس و إن كان الأحوط استحبابا ذلك.

و أمّا إذا كانت الجبيرة في محل المسح من الرجلين، فقد مرّ عند البحث عن مسح الرجلين بأنّ الاقوى جواز المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين كما يجوز عكسه و إن كان الأحوط استحبابا هو الأوّل، فكذلك نقول في المسح على الجبيرة الموضوعة

على محل المسح منهما.

التاسع: قال رحمه اللّه: من الفروق أنّه يتعين في الثانية إمرار الماسح على الممسوح

بخلاف الاولى فيكفى فيها بأيّ وجه كان.

أقول: أما إذا كانت في محل المسح فلا بدّ من إمرار الماسح على الممسوح لتحقق صدق المسح.

و أمّا إذا كانت الجبيرة في محل الغسل، فإن قلنا بكفاية الغسل على ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 399

الجبيرة و أنّه لا يعتبر في صدق غسل إلّا ايصال الماء على الموضع المغسول كما قوّيناه فصحّ ما قاله لان يمكن أن يوصل الماء بكل نقطة نقطة من ظاهر الجبيرة مع مراعاة الأعلى فالأعلى بدون إمرار الماسح عليه.

و لكن بعد ما قويّنا وجوب المسح في الجبيرة الموضوعة على محل الغسل أيضا فندور مدار صدق المسح، فكلما نقول في مسح ظاهر الجبيرة في محل المسح فنقول في المسح على الجبيرة في محل الغسل.

***

[مسئلة 27: لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة و المستحبة.

(1)

أقول: لاطلاق الأدلّة الواردة فيها، فلا فرق بين الوضوء الواجب و المستحب.

***

[مسئلة 28: حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء واجبة و مندوبة، و إنما الكلام في أنّه هل يتعين حينئذ الغسل ترتيبا أو يجوز الارتماسى أيضا، و على الثاني هل يجب أن يمسح على الجبيرة تحت الماء أو لا يجب؟ الأقوى جوازه و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 400

عدم وجوب المسح و إن كان الأحوط اختيار الترتيب، و على فرض اختيار الارتماسى فالأحوط المسح تحت الماء، لكن جواز الارتماسى مشروط بعدم وجود مانع آخر من نجاسة العضو و سرايتها إلى بقية الاعضاء أو كونه مضرّا من جهة وصول الماء إلى المحل.

(1)

أقول: يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء

واجبة و مندوبة في الجملة لأن مورد بعض الأخبار الواردة في الجبيرة مورد الغسل أيضا و اطلاقه يشمل الغسل الواجب و المندوب.

الجهة الثانية: هل يتعين في الغسل الجبيرة ايقاع الغسل ترتيبيّا أو يتخيّر

بينه و بين إيقاعه ارتماسيا.

وجه تعين الترتيبى انّه بعد كون الواجب على من عليه الجبيرة مسح ظاهر الجبيرة، و بعد كون الواجب في غسل الارتماسى وقوعه دفعه واحدة، فمع وجوب المسح لا يمكن مع ايجاد المسح على الجبيرة الدفعة المعتبرة في الارتماسى.

وجه جواز الارتماسى، إمّا عدم وجوب المسح، بل كفاية غسل ظاهر الجبيرة، و إمّا عدم وجوب الدفعة العرفية في الغسل الارتماسى.

و حيث بينّا أن الواجب هو المسح على الجبيرة معيّنا و لا يمكن اعتبار تحقق الغسل الارتماسى دفعة واحدة مع المسح و يأتي الكلام فيه إنشاء اللّه، فنقول الأحوط الغسل الترتيبى و يأتي الكلام في الغسل إنشاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 401

الجهة الثالثة: و على فرض اختيار الارتماسى فالأحوط المسح تحت الماء

رعاية لاحتمال وجوب المسح و الآنية التي ليس لها الامتداد في الغسل الارتماسى لأنّه بعد وقوع تمام البدن آنا ما تحت الماء يحصل الارتماس، ففى هذا الآن لو مسح وقع في الآن الحاصل فيه الارتماس للغسل.

الجهة الرابعة: لو قلنا بجواز الغسل الارتماسى مع الجبيرة فهو مشروط بعدم وجود مانع آخر

من نجاسة العضو و سرايتها إلى بقية الاعضاء مثل ما إذا كان الارتماس في الماء القليل، فإن كان عضو نجسا و كان الماء قليلا ينجّس الماء و ينجس ساير الاعضاء، و مثل ما كان الارتماس مضرا من جهة وصول الماء إلى المحل.

***

[مسئلة 29: إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح أو نحوهما فالحال فيه حال الوضوء في الماسح كان أو في الممسوح.

(1)

أقول: و العمدة في وجه إلحاق التيمم بالوضوء و الغسل هو كونه مورد الوفاق عند الأصحاب لما يرى من دعوى عدم خلاف ظاهر في المسألة عن بعض، أو كانه لا خلاف فيه عن بعض آخر.

و مع قطع النظر من ذلك يمكن الاستدلال برواية الحسن بن على الوشاء قال سألت أبا الحسن عليه السلام: عن الدواء إذا كان على يدى الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلى الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه) و هى الرواية الثانية من الطائفة الثانية من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 402

روايات الجبيرة قد منا ذكرها.

و برواية الكليب الاسدى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصل) ذكرناها في الطائفة الثالثة من الروايات المربوطة بالجبيرة.

وجه الاستدلال أن السؤال في الأوّل عمن في يديه الدواء و سؤاله عن إجزاء المسح على الدواء، و كذلك في الثانية يكون السؤال عن الكسير المتخوف على نفسه فقال فليمسح على جبائره بدون وقوع السؤال عن الوضوء أو الغسل أو التيمم فيستفاد منهما تعميم الحكم لكل من الثلاثة.

و لا فرق في الالحاق بين الماسح و هو باطن الكف في

التيمم أو الممسوح و هو الجبهة و الجبينين و ظاهر الكفين لشمول الفتوى لهما و لشمول الروايتين لهما.

***

[مسئلة 30: في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال بل لا يبعد انفساخ الاجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدة مع ضيق الوقت عن الاتمام و اشتراط المباشرة، بل اتيان قضاء الصلوات عن نفسه لا يخلو عن إشكال مع كون العذر مرجوّ الزوال، و كذا يشكل كفاية تبرعه عن الغير.

(1)

أقول: قد يقال «1» بأن جواز استيجار صاحب الجبيرة و عدمه مبنى على كون

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 558.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 403

رافعية الناقص و هو الوضوء مع الجبيرة رافعية تامّة، و عدم كون رافعيتها رافعية تامة، لأنّه بناء على الأوّل فوضوء صاحب الجبيرة له رافعية تامة مثل وضوء من ليس عليه الجبيرة، فلا مانع من استيجاره لمن كان عليه الصلاة مع الوضوء التام في الرافعية، لأنّ صلاة من استوجر له الاجير مشروط بالطهارة، و هو على الفرض وضوئه رافع للحدث و محصل للطهارة.

و أمّا بناء على كون رافعية وضوء صاحب الجبيرة رافعية ناقصة كما اختار هذا القائل في شرح مسئلة 25 فلا يجوز استيجاره، لأنّ غاية ما يدل دليل تشريع الجبيرة هو تشريعه لصلاة نفسه فرافعيته الناقصة تكون مشروعة بالنسبة إلى صلاة نفسه، و أمّا بالنسبة إلى صلاة غير فلا دليل على تشريع وضوء الجبيرة لها، فلا يكون وضوئه رافعا للحدث بالنسبة إلى صلاة غيره، فلا يصحّ استيجاره لعدم تمكينه من الصلاة مع الطّهارة الرافعة للحدث.

أقول: أولا كما بينا في المسألة 25 أنّ الاقوى كون الوضوء مع الجبيرة رافعا للحدث لا مبيحا و لا رافعا ناقصا، لان المستفاد من الأدلّة

أن للوضوء فردين فردا مع غير الجبيرة و فردا مع الجبيرة، فعلى هذا لا مانع من استيجار صاحب الجبيرة لكون وضوئه كوضوء من ليس عليه الجبيرة وضوء تامّا يرفع به الحدث و يحصل به الطّهارة فلا مانع من استيجاره.

و ثانيا أن ما زعم هذا القائل من أن صحة الاجارة و عدمها مبنى على القول بكون وضوء صاحب الجبيرة رافعا تامّا فيصح استيجاره و إن كان رافعا ناقصا لا يصح استيجاره غير تمام.

لان المتيقن من أدلة الجبيرة مشروعية الوضوء الجبيرة بالنسبة إلى صلاة نفسه بمناسبة انّه صار مبتلى بها و لم يقدر على الوضوء بلا جبيرة و لا بد من الصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 404

فشرع باعتبار اضطراره له الجبيرة و أمّا ما لا يضطر إليه مثل صلاة الغير فلا اضطرار له بها فلا وجه لتشريع الوضوء مع الجبيرة له و لهذا يكون وضوئه رافعا ناقصا لخصوص صلاة نفسه لا صلاة غيره.

فكما أنّه لو قلنا بأن الوضوء مع الجبيرة و إن شرع لمن عليه الجبيرة لكن رافعيته للحدث مطلق من حيث صلاة نفسه و صلاته نيابة عن غيره بناء على رافعيته المطلقة.

كذلك يمكن أن يقال بناء على رافعيته الناقصة، لأنّ معنى رافعيته الناقصة كما قال هذا القائل هو ترتب آثار اثر التام على الناقص في ظرف كونه ذى الجبيرة فاثره من سنخ أثر المبدل، و بعد كون سنخ اثر المبدل هو الرافعية يكون اثر البدل الرافعية، غاية الأمر في الأوّل رافعية تامه و في الثانية رافعية ناقصة فبناء عليه لا إشكال في استيجار ذى الجبيرة.

ثم إنّه على ما قلنا من كون الوضوء الجبيرة رافعا للحدث و رافعيته رافعية تامة كالوضوء بلا

الجبيرة، فلو صار اجيرا للصلاة و طرأه العذر في أثناء مدة الاجارة و احتاج إلى الجبيرة ينفسخ الاجارة في موردين.

الأوّل أن يكون الاجارة مقيدة بكون وضوء صلاته بلا جبيرة مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة بلا جبيرة و الثاني أن تكون مقيدة بالمباشرة.

و أمّا لو لم تقيد بعدم كون الوضوء للصلاة المستأجرة الوضوء بلا جبيرة، أو عدم التقيد بمباشرة نفسه.

فتارة يكون للمستأجر الخيار، و هو فيما يشترط كل منهما أو واحد منهما في الاجارة بنحو يكون المشروط أصل ايقاع الصلاة و يشترط فيها أحد الشرطين أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 405

كليهما بحيث يكون بنحو تعدد المطلوب، فعدم القدرة على الشرط أو عدم اتيانه لا يقتضي بطلان الاجارة، بل يكون للمستأجر الخيار فيكون في هذا الفرض مثل صورة لا تقيد الاجارة بهما أو بأحدهما و لا يشترط فيها أحد الأمرين أو كليهما فتصح الاجارة و لا تنفسخ بطروّ العذر المقتضى للجبيرة كما بينّا لك.

هذا كله على ما اخترنا من صحة استيجار ذى الجبيرة.

و أمّا على قول من يقول بعدم صحة استيجار ذى الجبيرة للصلاة، فاذا طرأ العذر المسوّغ للجبيرة في أثناء مدة الاجارة، فتارة ليست الاجارة مقيّدة بالمباشرة و لا مشروطة بها فلا وجه لانفساخ الاجارة، لأنّ عليه العمل و هو الصلاة أعم من المباشرة و غير المباشرة، فيقدر على اتيان العمل و لو بوسيلة الغير فلا وجه لبطلان الاجارة.

و تارة تكون الاجارة مقيدة بالمباشرة بحيث يرجع عقد الاجارة إلى تمليك عمل نفسه للصلاة، فمع تعذر العمل لعدم امكان اتيانه الصلاة مع الوضوء التام، و هو الوضوء بلا جبيرة و عدم كفاية الوضوء مع الجبيرة على الفرض، تنفسخ الاجارة، لأنّ فرض

الكلام على القول من يقول بعدم صحة استيجار ذى الجبيرة ذلك.

و تارة لا تكون الاجارة مقيدة بالمباشرة بل يكون بنحو الاشتراط و تعدد المطلوب، بمعنى ان المطلوب الاولى هو العمل في ذمته و المطلوب الثاني ايقاع هذا العمل بالمباشرة، ففي هذه الصورة لا ينفسخ عقد الاجارة، لان العجز يوجب بطلان الشرط و بطلان الشرط لا يوجب بطلان المشروط بل للمستأجر خيار الفسخ في هذه الصورة.

فمن هنا يظهر أن كلام المؤلف رحمه اللّه من أنّه لا يبعد انفساخ الاجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدة مع ضيق الوقت عن الاتمام و اشتراط المباشرة ليس إطلاقه بتمام، إذ مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 406

كون المباشرة شرطا ففقدها لا يوجب انفساخ عقد الاجارة.

ثم إنّه هل يجوز على من عليه الجبيرة قضاء الصلوات عن نفسه، الأقوى جوازه سواء كان العذر مرجوّ الزوال أم لا.

ثم إن سيدنا الاعظم رحمه اللّه قال في حاشيته على العروة فى هذا الفرض «اذا توضأ صاحب الجبيرة وضوئه المشروع فجواز اتيانه بعده بالقضاء عن نفسه أو عن غيره تبرعا أو بالإجارة السابقة الثابتة لا يخلو من قوة، نعم لا يشرع له وضوئه لصلاة القضاء عن نفسه أو عن غيره على الاقوى»

أقول: ان قيل: إن المنصرف إليه من أخبار الجبيرة هو مشروعية الوضوء لخصوص الصلوات اليوميّة الادائيّة لاضطراره بأدائها و لعدم امكان الوضوء لها إلا بالجبيرة ليصح ما قاله، و لازمه عدم مشروعية الوضوءات المستحبة للغايات المستحبة لعدم اضطرار بها، و أمّا لو لم نقل بذلك كما هو ظاهر الأخبار و مورد الاخبار مطلق، فمن يريد الوضوء للعمل الموظف وجوبا أو ندبا إذا صار مبتلى بالجبيرة فيتوضأ الوضوء الجبيرة فكما

يشرع الوضوء الجبيرة لصلاته الأدائية و رافع للحدث، كذلك لصلاته القضائية و الصلاة التى صار اجيرا لادائها او متبرعا لادائها، فتأمل.

و كذا لو تبرع عن الغير في قضاء صلواته، لأنّه بعد كون الوضوء الجبيرة على ما بينّا رافعا للحدث، و لم يكن في البين ما يوجب تقييد أدلة الجبيرة بكون رافعيته لخصوص الصلاة التي صار معذورا فى وضوئها لا صلوات آخر قضائية عن نفسه أو غيره.

فنقول بأن إطلاق دليلها يقتضي رافعية وضوئه للحدث ما دام معذورا، و بعد عدم كونه محدثا و يكون واجدا للطهارة فلا مانع من اتيان كل ما يشترط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 407

فيه الطّهارة.

***

[مسئلة 31: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلوات التي صلاها مع وضوء الجبيرة و إن كان في الوقت بلا إشكال، بل الأقوى جواز الصلوات الآتية بهذا الوضوء في الموارد التي علم كونه مكلفا بالجبيرة.

و أمّا في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة و التيمم فلا بدّ من الوضوء للأعمال الآتية لعدم معلومية صحة وضوئه، و إذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء وجب الاستيناف أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب قضاء الصلوات

التي مضى وقتها و قد أتى بها مع الوضوء الجبيرة مسلما سواء كان وضوء الجبيرة رافعا تاما كما هو الأقوى، أو كان رافعا ناقصا أو كان مبيحا، لأنّه في كل هذه الصور تكون الصلاة الواقعة صحيحة واجدة لما يعتبر فيها.

الجهة الثانية: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة و صلى صلاة مع الوضوء الجبيرة

و لم يقض وقتها فهل تصح هذه الصلاة أو يجب إعادتها؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 408

وجه وجوب الاعادة هو عدم جواز البدار على ذوى الاعذار مطلقا، أو في خصوص ذى الجبيرة لعدم إطلاق لدليل الجبيرة يشمل العذر الغير المستوعب للوقت، لأنّ مورد الجبيرة هو العذر عن اتيان التكليف التام و العجز عنه، و لا يصدق مع القدرة على امتثال المأمور به التام في بعض من الوقت، لأنّ العجز لا يصدق إلّا بالعجز عن تمام أفراد الطبيعة، فمتى يقدر على امتثال المأمور به في بعض الوقت فهو قادر على امتثال الوضوء التام و اتيان المأمور به و هو الصلاة مع الوضوء التام فيجب إعادة الصلاة.

و وجه عدم وجوب الاعادة هو جواز البدار، لأنّه بعد كون الوضوء له فردان فرد بالوضوء التام و فرد مع الجبيرة، فكما يجوز له البدار في الأوّل يجوز له البدار في الثاني، و يكون الوضوء مع الجبيرة و الوضوء بلا جبيرة كصلاة المسافر و الحاضر.

أقول: اعلم أن الناظر في أخبار الواردة في الجبيرة يرى عدم كون هذه الأخبار في مقام البيان من حيث كون البدار جائزا أم لا، فلا معنى للتمسك بإطلاق الأخبار من هذا الحيث.

فبعد ذلك نقول: بأنه بعد كون مقتضى إطلاق الأدلّة الاولية الواردة في الوضوء الغسل و المسح على البشرة فيما يجب الوضوء للصلاة، فبعد دخول وقت الصلاة و تخيير المكلف في أفراد الوقت، فالاضطرار

يصدق فيما يحصل العجز بالنسبة إلى تمام أفراد المأمور به، فاذا اضطر في تمام الوقت و يعجز عن الصلاة مع الوضوء بلا جبيرة ينتقل التكليف بالوضوء مع الجبيرة.

و أمّا لو لم يكن العجز مستوعبا و يمكن امتثال التكليف بالصلاة مع الوضوء بلا جبيرة فلا يصح الوضوء مع الجبيرة، لأنّ المتقين من تقييد الاطلاقات الأوّليّة في الوضوء بأخبار الجبيرة هو العذر المستوعب، فلا يصح في غير المورد، و لازم ذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 409

عدم جواز البدار في أول الوقت مع رجاء زوال العذر في آخر الوقت.

الثالثة: هل يجوز إتيان الصلوات الآتية بالوضوء الجبيرة بعد رفع العذر

عن الجبيرة في الموارد التي يعلم بكونه مكلفا بالجبيرة فتوضأ وضوء الجبيرة أم لا؟

الأقوى جوازه لأنّه بعد ما بينّا من كون الوضوء الجبيرة رافعا للحدث، فما دام الوضوء باقيا يصح إتيان كل غاية من الغايات المشروطة بالطهارة، فيجوز الصلوات الآتية بهذا الوضوء.

الرابعة: و أمّا في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة و التيمم،

فهل يجوز اتيان الصلوات الآتية و غيرها من الغايات المشروطة بالطهارة بالوضوء الجبيرة بعد وقع العذر أم لا؟

الأقوى عدم الجواز لأنّه بعد كون المحتمل في صورة الاحتياط بين الوضوء الجبيرة و بين التيمم أن يكون التكليف هو التيمم، و لا ريب في انتقاض التيمم بارتفاع العذر، فلا يكون واجدا للطهارة فلا يصح الصلاة.

الخامسة: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة في أثناء الوضوء

وجب استيناف الوضوء أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها، أو المسح على البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة أو لا، بل يصح الوضوء الواقع مع الجبيرة و إن ارتفع العذر قبل إتمام الوضوء.

أقول: لا يبعد وجوب استيناف الوضوء أو العود إلى غسل البشرة أو مسحها التي كانت مسح على جبيرتها مع عدم فوت الموالاة، لأنّ أدلة الاكتفاء بالمسح على الجبائر منصرف عن هذه الصورة و إن كان البدار جائزا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 410

[مسئلة 32: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة اوّل الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة اوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر في آخره، و مع عدم الياس الأحوط التأخير.

(1)

أقول: بعد فرض عدم جواز البدار في أول الوقت مع رجاء زوال العذر.

يقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: في جواز البدار مع اليأس عن زوال العذر في آخر الوقت.

فنقول بجواز البدار و الوضوء في أول الوقت، لأنّه بعد كون مورد الجبيرة العذر المستوعب و هو على الفرض مأيوس عن زوال العذر، فيعلم بالعذر المستوعب فيجوز له الوضوء الجبيرة في أوّل الوقت.

المورد الثاني: مع عدم اليأس عن زوال العذر في آخر الوقت، هل يجوز الوضوء في اوّل الوقت أم لا؟

قد يقال بعدم جوازه لأنّ موضوعه العذر المستوعب و هو غير معلوم فلا يجوز البدار.

أقول: بناء على عدم مضرية الترديد في النية لا مانع من الوضوء في أوّل الوقت مع الجبيرة في هذا الفرض برجاء بقاء العذر، غاية الأمر إن استمر العذر صح الوضوء و إلّا فلا.

***

[مسئلة 33: إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل بالجبيرة ثم تبين عدم الضرر في الواقع، أو اعتقد عدم الضرر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 411

فغسل العضو ثم تبيّن أنّه كان مضرا و كان وظيفته الجبيرة، أو اعتقد الضرر و مع ذلك ترك الجبيرة ثم تبيّن عدم الضرر و أنّ وظيفته غسل البشرة، أو اعتقد عدم الضرر و مع ذلك عمل بالجبيرة ثم تبين الضرر صح وضوئه في الجميع بشرط حصول قصد القربة منه في الأخيرتين، و الأحوط الاعادة في الجميع.

(1)

أقول: إن قلنا بأن الضرر الموضوع لحكم الجبيرة هو الضرر الواقعى ففي الصورة الاولى يبطل الوضوء.

و أمّا إن كان موضوع الحكم هو الخوف الفعلى

كما استظهرنا ذلك من رواية الكليب فمجرد اعتقاد الضرر كاف لصحة الوضوء الجبيرة و إن لم يكن ضرر واقعا كما قال المؤلف، و لكن الصحة مخالف مع مبناه من كون الضرر الضرر الواقعى و عدم إجزاء الحكم الظاهرى.

كما أن في الصورة الثانية يبطل الوضوء على الاحتمال الأوّل و يصح على الاحتمال الثاني الذي اخترناه، و اختيار المؤلف رحمه اللّه الصحة في هذه الصورة مخالف مع مبناه كما قلنا فى الصورة الاولى، كما أن في الصورة الثالثة يصح الوضوء على الاحتمال الأوّل من حيث عدم الضرر لكن يبطل وضوئه لتجريه فمع تجريه لا يكون وضوئه مقربا. كما انّه يبطل الوضوء على ما اخترنا من الاحتمال الثاني، لأنّ موضوع الجبيرة الخوف الفعلى الحاصل من الضرر.

كما انّه في الصورة الرابعة و إن صح الوضوء على الاحتمال الأوّل من حيث كون الضرر ضررا واقعيا لكن يبطل الوضوء لأجل أنه مع تجريه لا يكون مقربا، و امّا ما اخترنا من الاحتمال الثاني فيبطل الوضوء لأجل أنّه مع اعتقاده عدم الضرر يكون تكليفه الوضوء الصحيح لا الوضوء مع الجبيرة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 412

و الأحوط في الجميع إعادة الوضوء رعاية الاحتمالين.

***

[مسئلة 34: في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الأحوط الجمع بينهما.

(1)

أقول: منشأ الشك إن كان الشك في الموضوع، و بعبارة اخرى كانت الشبهة موضوعية، فتارة يجرى الاستصحاب، مثلا كانت الجبيرة طاهرة سابقا و يشك بعد ذلك في أنها باقية على طهارتها أو صارت نجسة بناء على عدم جواز المسح على الجبيرة النجسة و وجوب التيمم، فيستصحب طهارتها و يمسح عليها.

و تارة ليس للشك حالة سابقة فيعلم إجمالا بأن وظيفته

إمّا الوضوء الجبيرى أو التيمم، فمقتضى العلم الاجمالى هو الجمع بينهما.

و أمّا إن كان منشأ الشك الشبهة في الحكم و كانت الشبهة حكمية فأمرها راجع الى المجتهد، و ما يقتضي الاجتهاد فيما يشك في أن الوظيفة الوضوء مع الجبيرة أو التيمم، و ليس دليل يدل على وجوب الوضوء مع الجبيرة فالتكليف هو التيمم، لأنّ في موارد الضرر إن لم يدل دليل على مشروعية الجبيرة فعموم أدلة التيمم أو إطلاقها محكم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 413

فصل: في حكم دائم الحدث

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 415

قوله رحمه اللّه

فصل في حكم دائم الحدث المسلوس و المبطون إمّا أن يكون لهما فترة تسع الصلاة و الطّهارة و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات و ترك جميع المستحبات أم لا، و على الثاني إمّا أن يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاثة مثلا أو هو متصل، ففي الصورة الاولى يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة سواء كانت في أول الوقت أو وسطه أو آخره، و إن لم تسع إلّا لاتيان الواجبات اقتصر عليها و ترك جميع المستحبات، فلو أتى بها في غير تلك الفترة بطلت نعم لو اتفق عدم الخروج و السلامة إلى آخر الصلاة صحت إذا حصل منه قصد القربة، و إذا وجب المبادرة لكون الفترة في أول الوقت فأخّر إلى الآخر عصى لكن صلاته صحيحة، و أمّا الصورة الثانية و هي ما إذا لم تكن فترة واسعة إلّا أنّه لا يزيد على مرّتين أو ثلاثة أو أزيد بما لا مشقة في التوضؤ في الأثناء و البناء يتوضأ و يشتغل بالصلاة بعد أن يضع الماء إلى جنبه، فإذا خرج منه شي ء توضأ بلا

مهلة و بنى على صلاته من غير فرق بين المسلوس و المبطون، لكن الأحوط أن يصلى صلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 416

اخرى بوضوء واحد خصوصا في المسلوس، بل مهما امكن لا يترك هذا الاحتياط فيه.

و أمّا الصورة الثالثة و هي أن يكون الحدث متصلا بلا فترة أو فترات يسيرة بحيث لو توضأ بعد كل حدث و بنى لزم الحرج يكفى أن يتوضأ لكل صلاة، و لا يجوز أن يصلى صلاتين بوضوء واحد نافلة كانتا أو فريضة أو مختلفة، هذا إن امكن اتيان بعض كل صلاة بذلك الوضوء، و أمّا إن لم يكن كذلك بل كان الحدث مستمرا بلا فترة يمكن إتيان شي ء من الصلاة مع الطّهارة فيجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات عديدة، و هو بحكم المتطهر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف، لكن الأحوط في هذه الصورة أيضا الوضوء لكل صلاة، و الظاهر أن صاحب سلس الريح أيضا كذلك.

(1)

أقول: الكلام يقع في صور ثلاثة:

الصورة الاولى: يقع الكلام في المسلوس و المبطون
اشارة

الذي يكون لهما فترة تسع الصلاة و الطّهارة و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات و ترك جميع المستحبات ففي هذه الصورة يجب اتيان الصلاة في هذه الفترة معيّنا، لأنّ هذا مقتضى الأمر بالصلاة مع الطّهارة، فمع القدرة عليها يجب امتثاله و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات، و هذا واضح لوجوب اتيان الواجبات و جواز ترك المستحبات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 417

و لا مجال للقول بعدم وجوب اتيان الصلاة في هذه الفترة كما حكي عن الاردبيلى رحمه اللّه لعدم شمول الأخبار الواردة في المسلوس و المبطون هذه الصورة كما نبيّنه في طى

بعض الصور الآتية.

ثم بعد فهم حكم الصورة في الجملة يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: لا فرق فيما قلنا من وجوب اتيان الصلاة في فترة تسع لها و للطهارة من الوقت

بين كون هذه الفترة في أول الوقت أو وسطه أو آخره، لأنّ المكلف و إن كان في الوقت الموسّع للصلاة مخيّرا في اتيانها في أيّ جزء من الوقت لكن بعد تعذر اتيانها في بعض من الوقت يتعين اتيانها في خصوص الجزء المقدور لأنّه مع تعذر بعض أفراد الواجب التخييرى تعين ما لم يتعذر من أفراده، فإذا كان الوقت المقدور أول الوقت يجب اتيان الصلاة مع الطّهارة في هذا الوقت، و إن كان وسط الوقت يتعين اتيانها فيه، و إن كان آخر الوقت يتعين إتيانها فيه.

الجهة الثانية: لو أتى بالصلاة في غير هذه الفترة

بطلت الصلاة، لأنّه بناء على ما عرفت من كون المأمور به هو الصلاة مع الطّهارة فلو أتى في الوقت الذي لا يتمكن من الصلاة مع الطّهارة، مع قدرته في الجزء الاخر من الوقت و هو حال الفترة من اتيان الصلاة بشرائطها، بطلت الصلاة لكونها غير المأمور به.

الجهة الثالثة: لو أتى بالصلاة في غير وقت الفترة

و اتفق عدم الخروج و السلامة الى آخر الصلاة، فتارة يحصل منه قصد القربة فتصح صلاته لوقوعها مع الشرط و هو الطّهارة مع قصد القربة.

و تارة لم يحصل منه قصد القربة فلا تصح صلاته لفقد ما هو المعتبر من نية التقرب في العبادة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 418

الجهة الرابعة: لو كان حال الفترة الذي يتمكن من إتيان الصلاة مع الطّهارة

أول الوقت أو وسطه، فأخّر عمدا عن هذا الوقت و بعد تأخيرها لا يتمكن من الصلاة مع الطّهارة لطرو السلس او البطن فقد عصى بسبب عدم اتيانه المأمور به في وقته المعيّن و لا كلام في عصيانه.

و أمّا لو فعل ذلك و عصى فهل تصح صلاته التي يأتي بها في حال الابتلاء بالسلس و البطن بالكيفية التي نتعرض إنشاء اللّه في الصورة الثانية أو الثالثة أم لا؟

الأقوى صحتها لاطلاق الأدلّة الواردة في المسلوس و المبطون من حيث كون وقوع صلاته في الحالتين باختياره أو باضطراره.

الصورة الثانية: و هي ما إذا لم تكن فترة واسعة لأن يصلى الصلاة
اشارة

مع الطّهارة إلّا أنّ طروّ أحدهما في أثناء الصلاة لا يزيد على مرتين أو مرات أو أزيد بلا مشقة في التوضؤ في اثناء الصلاة و البناء على ما مضى منها و اتيان ما بقى من الصلاة.

فهل يجب ذلك عليه أو يتوضأ لكل صلاة و عفي عما يتقاطر أو يخرج في أثنائها أو غير ذلك من الاحتمالات، بل الاقوال في المسألة.

أقول: و قبل بيان ما يأتي بالنظر

نذكر الأخبار المربوطة بالباب

ينفعك لفهم حكم هذه الصورة و الصورة الثالثة، فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن تقطير البول، قال: يجعل خريطة إذا صلى «1».

الثانية: ما رواها حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثم علقه عليه

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 419

و أدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين صلاتين الظهر و العصر، يؤخر الظهر و يعجّل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجّل العشاء بأذان و إقامتين و يفعل ذلك في الصبح «1».

الثالثة: ما رواها منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه، قال: فقال لى: إذا لم يقدر على حبسه فاللّه اولى بالعذر يجعل خريطة «2».

الرابعة: ما رواها سماعة قال: سألته عن رجل أخذه تقطير من (فرجه) إمّا دم و إمّا غيره، قال: فليصنع خريطة و ليتوضأ و ليصل، فإنما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدون إلّا من الحدث

الذي يتوضأ منه «3».

الخامسة: ما رواها محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المبطون، فقال: يبنى على صلاته «4».

السادسة: ما رواها محمد بن المسعود العياشى قال حدثنا محمد بن نصير عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن عبد اللّه بن بكير عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقى «5».

و حيث إن في طريق الرواية محمد بن نصير و عبد اللّه بن بكير يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 5 من نواقض الوضوء من كتاب جامع احاديث.

(4) الرواية 3 من الباب 19 من ابواب نواقص الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 19 من ابواب نواقص الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 420

أقول: أما الكلام في الرواية الاولى و الثانية و الثالثة الواردة في سلس البول.

فاما الاولى منها فالمستفاد منها جعل الخريطة لأن لا يسرى النجاسة إلى غير موضع خروج البول، و يحتمل دلالتها على اغتفار الموضع من حيث النجاسة.

أما حكم الوضوء لو خرج البول في أثناء الصلاة فقد يقال: بأنها ساكتة عنه، لكن لا يبعد دلالتها على اغتفاره من حيث النجاسة و من حيث الناقضية، لأنّه بعد كون المرتكز عند السائل و المسئول عنه كون البول نجسا و ناقضا، فسؤاله يكون عن كل من الجهتين و جواب الامام عليه السّلام عن جعل الخريطة بدون تعرض عن بطلان الصلاة من حيث ناقضيته و نجاسته مع كون المورد

مورد الجواب دليل ظاهر على اغتفاره من كل من الجهتين.

و كذا الثانية منها تدلّ على جعل الكيس و جعل القطن فيه، و من المعلوم أن ذلك لاجل عدم سراية النجاسة إلى ساير المواضع، و يحتمل اغتفار نجاسة الموضع و المحل بالجمع بين الصلاتين و يحتمل اغتفار ناقضيته أيضا و الظاهر ذلك كما بينا في الرواية الاولى، نعم هنا كلام فى أن وجه التعجيل وقوع الصلاة مع الطّهارة قبل خروج البول.

و أمّا حكم ما إذا خرج البول في أثناء الصلاة من حيث وجوب تطهير البدن و عدمه أو ناقضية البول و عدمها و من حيث وجوب تجديد الوضوء في أثناء الصلاة لو طرأه البول و عدمه فساكتة عنه.

أو أن مورد الرواية صورة خروج البول لأنّ السائل فرض أنّ الرجل يقطر منه البول.

و ما يأتى بالنظر عاجلا هو الاحتمال الاول لأن الامر بالجمع بين الصلاتين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 421

بأذان و إقامتين لا يناسب الّا مع كون مفروض كلامه عليه السلام صورة عدم خروج البول فى أثناء الصلاة، و ما فرض السائل من أنّ «الرجل يقطر منه البول» لا ينافى ذلك لانّ من يقطر منه البول تارة له فترة بقدر الصلاة، و تارة لا يكون له هذه الفترة، بل يخرج منه البول حال الصلاة، فبيّن عليه السلام الصورة الاولى فعلى هذا تكون الرواية مربوطة بالصورة الاولى من الصور الثلاثة المذكورة فى المتن.

و الثالثة هل تدلّ على أن من لم يقدر على حبس بوله فهو معذور من حيث نجاسة البول و ناقضيته، و يستفاد منها حكم الوضوء في أثناء الصلاة إن طرأه البول مرة أو مرات بحيث لا يكون حرج في الوضوء و

البناء على ما مضى من صلاته و إتيان ما بقى منها بدعوى أن إطلاقها يقتضي كونه معذورا من حيث طرو البول من حيث النجاسة و الناقضية، لأنّه لا يقدر على حبسه في الصلاة.

أو لا بل يقال: إن الرواية لم تتعرض لحال الصلاة، فالمستفاد منها عدم مضرية خروج البول لمن لم يقدر على حبسه من حيث النجاسة.

أقول: بعد كون خروج البول له اثران النجاسة و ناقضيته للطهارة فبعد كون السؤال و الجواب مطلقا، فالمستفاد منها هو أن مع العذر يكون طروه بماله من الاثرين مغتفرا، فلا يبعد دلالتها على انّه لو طرأ لسلس البول البول بحيث لا يقدر على حبسه فهو معذور، لأنّ اللّه تعالى أولى بالعذر، بل الوظيفة هي جعل الخريطة لان لا يسرى إلى غير موضعه.

فعلى هذا يمكن أن يقال: إن مفاد الرواية الثالثة مفاد الرواية الرابعة التى نتعرض لمفادها إنشاء اللّه.

و أمّا الرواية الرابعة فمفادها أن من يخرج من فرجه دم أو غيره (و غيره يشمل البول) ليضع خريطة و ليتوضأ و ليصل، فانّما ذلك بلاء ابتلي به فلا يعيدون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 422

إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه.

فهذه الرواية كما أشرنا في ذيل الرواية الثالثة تدلّ على أن من يخرج من فرجه دم أو غيره إذا توضأ لا يعيد وضوئه إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه، فما لم يحدث حدث يتوضأ منه يجوز له صلوات و إن طرأ بين كل واحدة منها أو بعد كل واحدة منها قبل إتيان صلاة اخرى البول.

لكن قد يشكل الاستدلال بالرواية الرابعة لكونها مضمرة، إذ لم يذكر سماعة عمن يروى الرواية، و لأجل أن الصادر هل هو (قرحه) أو (فرجه) و

إن كان لا يبعد كون الصادر (فرجه) لما فى ذيلها فلا يعيدون الّا من الحدث الّذي يتوضأ منه، لأنّ ذكر خصوص الحدث يناسب كون الخارج ما يبطل الوضوء بحسب طبعه و إن كان للاشكال فيه مجال.

و على كل حال يمكن أن يقال: إنّ مفاد هذه الاربعة من الروايات- بعد ضم بعضها الى بعض، و الالتزام بعدم كون الثانية منها مربوطة بصورة عدم خروج البول في أثناء الصلاة-.

هو أن المسلوس الذي يعتريه البول و لا يقدر على حبسه بمقدار الصلاة بعد ما توضأ لا يجب إعادة وضوئه و إن طرأه البول في أثناء الصلاة إلّا للحدث الّذي يتوضأ منه، و هو إمّا البول الخارج بطريق المتعارف و إمّا ساير النواقص، و مقتضاه عدم بطلان الصلاة بل الصلوات من حيث النجاسة و ناقضية البول بلا فرق بين كون طرو البول مرّة أو مرّات أو أكثر في صلاته للاطلاق هذا.

و أمّا من يكون قادرا على حبس بوله بقدر الصلاة فهو خارج عن موضوع هذه الروايات، لعدم كونه معذورا حتى يقال: إن اللّه أولى بالعذر، فحكمه ما بينا في الصورة الاولى هذا بالنسبة إلى هذه الروايات الأربعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 423

و أمّا الرواية الخامسة فهى في المبطون و مقتضاها بحسب ظاهرها هو أن المبطون يبنى على صلاته، و موردها من لا يتمكن من حبس بطنه إلى آخر الصلاة، لأنّ (قوله عن المبطون قال: يبنى على صلاته) هو الذي يخرج منه في حال الصلاة و لا يتمكن من حبس بطنه بقدر الصلاة، و لهذا قال يبنى على صلاته.

و إطلاقها يشمل ما كان خروجه مرّة أو مرآت أو أكثر في صلاة واحدة فيستفاد منها اغتفار ذلك

من حيث النجاسة و الناقضية.

و أمّا الرواية السادسة فمع قطع النظر عن الكلام في سندها، و يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه، فهي في المبطون، فقال (صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقى) و موردها كما يظهر منها هو من لا يقدر على حبس بطنه بقدر الصلاة فقال يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقى) بمعنى أنه إذا طرأه في أثناء الصلاة يتوضأ حال الصلاة ثم يتم صلاته.

و اطلاقها يقتضي أنّه كلما طرأ ذلك مرة أو مرات أو أكثر في صلاته يفعل ذلك.

إذا عرفت ذلك نقول أن

الكلام في موضعين:
الموضع الأوّل: في أن الروايتين الواردتين في المبطون

و هي الخامسة و السادسة من الروايات المتقدمة هل يكون بينهما التعارض أم لا؟ و على فرض التعارض هل يمكن الجمع بينهما أم لا؟

فنقول بعونه تعالى: إن مقتضى إطلاق الرواية الخامسة هو أن المبطون ينبى على صلاته و لا يعيدها بما يخرج منه و لا يجب عليه الوضوء في أثناء الصلاة بسبب ما يخرج منه، و مقتضى الرواية السادسة هو انّه يتوضأ بما يخرج منه حال الصلاة ثم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 424

يبنى على صلاته و يأتي بما بقى منه، و إطلاقها وجوب الوضوء لو خرج منه حال الصلاة و إن كان أكثر من مرّة.

فيتوهم أن بينهما التعارض، لأنّ الاولى تدلّ على وجوب اتمام الصلاة و البناء عليها و عدم بطلانها بما خرج منه و عدم وجوب الوضوء، و الثانية تدلّ على وجوب الوضوء ثم البناء على صلاته.

فيقال: بتقييد الرواية الاولى بالثانية فتكون النتيجة وجوب الوضوء لو طرأ البطن في الاثناء ثم إتمام ما بقى من الصلاة.

و يمكن أن يقال: بأن الرواية الاولى أعنى: الخامسة، لا إطلاق لها

من هذا الحيث أعنى: من حيث وجوب الوضوء بخروج ما خرج منه و عدمه، بل يكون بسدد بيان عدم بطلان الصلاة به و البناء عليها، فلا تعارض لها مع الرواية الثانية، أعنى: السادسة من الروايات المتقدمة، بل الرواية السادسة تفيد أمر آخر و هو وجوب الوضوء لو طرأ في الاثناء ثم إتمام الصلاة.

و على كل حال لو كان تعارض بينهما بحسب الظاهر يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد.

الموضع الثاني: يقع الكلام في كيفية المعاملة بين الأخبار

الواردة في المسلوس- و هي الرواية الاولى و الثانية و الثالثة و الرابعة بناء على شمول الرابعة للمسلوس-

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 6، ص: 424

و بين الأخبار الواردة في المبطون، و هي الرواية الخامسة و السادسة.

فهل يقال بعدم وجود ملاك واحد بين ما ورد في المسلوس و بين ما ورد في المبطون؟ فنعامل في كل من المسلوس و المبطون ما يقتضي الخبر الوارد فيه، و إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 425

منافيا مع ما يقتضي الخبر الوارد في الآخر منهما.

فيقال في المسلوس بأن مقتضى مجموع الروايات الواردة فيه، بعد ضم بعضها على بعض، هو أنّه فيما لا يكون للمسلوس فترة واسعة لأن يصلى صلاته مع الطّهارة في وقتها يكتفى بالوضوء قبل الصلاة و يتم صلاته و إن طرأ السلس في أثناء الصلاة و لا يجب غسل المحل و لا الوضوء و لا إعادة عليه، لأنّه صار معذورا و مع معذوريته فاللّه أولى بالعذر، فما لم نحدث بحدث يتوضأ منه لا يجب عليه إعادة الوضوء، و المراد بالحدث الذي يتوضأ منه إما

خروج البول عنه اختيارا أو حدوث ناقض آخر مثل النوم.

و يقال في المبطون، بعد ضم الروايتين الواردتين فيه و هي الخامسة و السادسة من الأخبار المتقدمة بعضهما ببعض، بأن المبطون الذي لم يكن له فترة يصلى صلاته مع الطّهارة يتوضأ و يصلى فإذا خرج من بطنه شي ء في حال الصلاة يتوضأ ثم يتم صلاته من الموضع الذي خرج من بطنه الشي ء.

غاية الأمر يقال: هذا الحكم، أى: تجديد الوضوء في أثناء الصلاة و اتمامها، يكون بالمقدار الذي لا يكون حرجيّا مثل ما إذا كان مثلا أكثر من مرّات، فبمقتضى دليل نفى الحرج تقول بعدم وجوب الوضوء، بل يكفى وضوء واحد قبل الصلاة لأن دليل لا حرج يقيد هذا الحكم.

أو يقال: بأن معذورية المسلوس و المبطون يكون بملاك واحد فعلى هذا لا يختص الحكم الوارد في كل منهما بخصوصه بل يتعدى من كل منهما إلى الآخر.

فعلى هذا يقال: إنّه في الحقيقة هذه الروايات الواردة في المسلوس و المبطون روايات واردة في موضوع واحد، فلا بدّ من أن نرى أولا هل يكون تعارض بينها أم لا؟ و مع فرض التعارض كيف يمكن الجمع و التوفيق بينها؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 426

فنقول: إن مقتضى الروايات الواردة فى المسلوس كما عرفت هو أن من لا يكون له فترة بقدر الصلاة و لا يتمكن من حبس بوله و خرج منه فى أثناء الصلاة فهو معذور من حيث البول من حيث ناقضيته و من حيث نجاسته، فلا يضرّ بصلاته لا من حيث النجاسة و لا من حيث الناقضية خروج البول، و كذلك المبطون لكونه متحدا مع المسلوس ملاكا على هذا الاحتمال، و لا يجب إعادة الوضوء إلّا بعد

حدوث حدث يتوضأ منه.

و مقتضى الرواية الخامسة و السادسة بعد تقييد الخامسة بالسادسة هو أنّه لو خرج شي ء من بطنه حال الصلاة يتوضأ و يتم الصلاة و مثله المسلوس لكونه متحدا مع المبطون ملاكا، فلا بد على هذا من تقييد الروايات الأربعة بهذه الرواية الخامسة فتكون النتيجة أن المسلوس و المبطون معذوران من حيث خروج شي ء من البول أو الغائط أو الريح (بناء على الحاق الريح بهما) من حيث النجاسة و حدوث الحدث الناقض، لكن يجب بعد حدوث احدها الوضوء حال الصلاة ثم إتمام الصلاة فكلما يحدث من السلس أو البطن شي ء أثناء الصلاة لا بدّ من تجديد الوضوء ثم اتمام الصلاة.

و هذا الجمع ممكن في هذه الصورة بين الطائفتين لو اغمضنا النظر عن الرواية الرابعة أعنى: رواية سماعة إمّا بضعف سندها و اما من الاشكال فى دلالتها من باب عدم معلومية كونها واردة في مورد المسلوس، فحيث إنّه يعنى الرواية الاولى و الثالثة يكونان مطلقتين من حيث وجوب الوضوء فى أثناء الصلاة و عدمه نقيدهما بالرواية السادسة الواردة فى المبطون بعد فرض كون الملاك فى كل من المسلوس و المبطون واحد، و أمّا الرواية الثانية فعلى ما عرفت غير مربوطة بصورة خروج البول فى أثناء الصلاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 427

و أمّا إن قلنا بعدم اشكال فى رواية سماعة، اعنى: الرواية الرابعة، من حيث السند و الدلالة فمقتضاها هو عدم وجوب إعادة الوضوء الا من الحدث الّذي يتوضأ منه، فهى معارضة مع الرواية السادسة الدالة على وجوب الوضوء فى اثناء الصلاة لو طرأه البطن ثم البناء على الصلاة و اتمامها إلّا أن يحمل رواية سماعة على صورة كون الوضوء فى

الأثناء حرجيّا.

ثم يقال بعد فرض الجمع بين الأخبار إنه إذا كثر طرو أحدهما في اثناء الصلاة بحيث كان الوضوء في اثنائها حرجيّا يرفع وجوب إعادة الوضوء بدليل لا حرج، فيقال بوجوب الوضوء إذا طرا أحدهما في أثناء الصلاة إذا لم يكن في الوضوء مشقة فتكون النتيجة ما اختاره المؤلف رحمه اللّه في الصورة الثانية.

كما أن وجه احتياطه باعادة الصلاة بوضوء واحد في كل من المسلوس و المبطون لعله يكون من باب ضعف سند الرواية السادسة بمحمد بن نصير.

أو من باب احتمال قدح الوضوء في أثناء الصلاة للصلاة، كما أنّ وجه خصوصية الاحتياط بصلاة اخرى بوضوء واحد بالنسبة إلى المسلوس يكون لأجل كون مورد الرواية السادسة الدالة على وجوب الوضوء بخروج الشي ء من البطن في أثناء الصلاة خصوص المبطون، و ليس ما يدل على ثبوت هذا الحكم في المسلوس إلّا ما قلنا من دعوى وحدة الملاك بينه و بين المبطون.

أو يقال في وجه وجوب الوضوء لو طرأ أحدهما في اثناء الصلاة ثم اتيان ما بقى منها مع الوضوء.

أما في المبطون فلدلالة الرواية السادسة من الروايات المتقدمة لأنّ موردها المبطون، و أمّا في المسلوس و كذا في المبطون بأن بعد كون الطّهارة شرطا و الحدث قاطعا فقدر المتقين من الأدلّة الواردة في المسلوس و المبطون هو اغتفار الحدث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 428

و عدم قاطعيته للصلاة، و أمّا شرطية الطّهارة فباقية بحالها فيجب الوضوء لاشتراط الطّهارة في الصلاة فمع طرو احدهما يجب الوضوء لحصول شرط الطّهارة.

و يساعده الاعتبار لان ما يرفعه العذر و يكون اللّه تعالى أولى بالعذر فيه هو المقدار الذي يوجب حفظ الشرط الحرج، و أمّا ما لا يوجب ذلك

فهو باق بحاله من الشرطية و الاعتبار، فيقال في الصورة الثانية بأنه ما لم يوجب الوضوء في الاثناء بعد طرو البول أو الغائط أو ما بحكمهما الحرج يتوضأ في أثناء الصلاة ثم يأتي بما بقى من صلاته، و أمّا مع الحرج فيبنى على صلاته و لا يجب الوضوء و إن طرأ أحدهما في الاثناء.

أقول: اعلم أن فهم حكم المسألة حيث يكون مشكلا و فيها أقوال مختلفة ينبغى لنا التكلم في مدركها و ما يستفاد منها مجددا و إن بينّا أكثر ما كان ينبغى أن يقال، فنقول بعونه تعالى:

بأنّا تارة نكون في مقام فهم مفاد الروايات الواردة في الباب، فنقول: أمّا الروايات الواردة في المسلوس بعد كون الاحتمال الظاهر في الرواية الثانية صورة عدم خروج البول حال الصلاة، فهذه الرواية خارجة عن مورد كلامنا في الصورة الثانية.

و كذا بعد كون المحتمل في الرواية الرابعة «1» و هي مضمرة سماعه أن النظر فيها إلى صورة لا يدرى ان ما يخرج منه يخرج من قرحه أو فرجه باعتبار اختلاف النسخ، فلا ندرى أن ما قاله عليه السلام في ذيل الرواية (فلا يعيدن إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه) ناظر إلى أيّ شي ء لأنّه إن كان المذكور (قرحه) فيكون مراد الذيل عدم

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 7 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 429

وجوب الاعادة بسبب خروج شي ء من قرحته، بل الواجب إعادته للحدث الذي يتوضأ منه، نعم بناء على كون الصادر (فرجه) يشمل قوله (و أمّا غيره) في قوله (إما دم أو غيره) للبول أيضا، فيكون المراد من الذيل عدم كون خروج البول الخارج للابتلاء سببا لاعادة الوضوء لصلاة،

بل لا يعيد إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه، أعنى: البول على وجه الاختيار و ساير النواقض، و حيث أن كلا منهما محتمل فلا ظهور للرواية في أحد الاحتمالين فلا يمكن التمسك بها على مسئلتنا.

فيبقى روايتان الرواية الاولى و الثالثة، و هما كما بنيّا تدلّان على اغتفار خروج البول من حيث النجاسة و الناقضية و مقتضى إطلاقهما عدم كون خروج البول ناقضا لمن عليه سلس البول إلّا أن يحدث بناقض آخر، و هو إمّا البول بالاختيار أو بعض نواقض اخر للوضوء.

و رواية سماعة على فرض تمامية دلالتها و عدم الاشكال في سندها لا تفيد إلّا ذلك، فتكون نتيجة ما ورد في المسلوس هو ان البول الخارج منه لا يكون ناقضا لوضوئه و لا يوجب نجاسته له بطلان الصلاة، فاذا توضأ و دخل في صلاته فكلما يخرج منه حال الصلاة من البول مغتفر من حيث النجاسة و من حيث الناقضية و طهارته باقية إلى طرو حدث آخر.

و أمّا مفاد روايتين الواردتين في المبطون فمفاد هما بعد ضم كل منهما على الاخرى و تقيد إحداهما بالاخرى هو أن البطون إذا توضأ و صلى فعرضه داء البطن في أثناء الصلاة و خرج منه شي ء يوجب الوضوء يتوضأ يأتي بما بقى من صلاته و تصح صلاته، بل يستفاد منهما أن وضوئه يبطل بخروج ما يخرج من بطنه لا جل داء البطن.

و بعد ما عرفت مفاد الطائفتين من الروايات، فكما قلنا، إن قلنا بأن معذورية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 430

المسلوس و المبطون ليس بملاك واحد، فنقول في المسلوس: بأنه لو توضأ و صلى فلو طرأه السلس في أثناء صلاته لا يجب تجديد الوضوء و لا

إعادة الصلاة، بل يتم صلاته بالوضوء السابق قبل صلاته، و لا يجب إعادة الوضوء بعد الصلاة ما لم يحدث بما يوجب الوضوء كالبول اختيارا أو غيره من النواقض.

و نقول في المبطون: بأنه إذا توضأ و صلى و خرج منه شي ء حال الصلاة يتوضأ حال الصلاة و يتم صلاته إلّا أن يصير بحدّ الحرج بأن يكون خروج ما خرج منه أكثر من مرآت بحيث يكون تجديد الوضوء حال الصلاة حرجيّا فنتصرّف في إطلاق دليل المبطون بدليل لا حرج.

كما انّه يمكن أن يقال في المسلوس: بأن قدر المتيقن من دليله من اغتفار نجاسة البول و ناقضيته هو صورة كون تجديد الوضوء حرجيّا لان المقدار المسلم من دليله هو التصرف فى قاطعية الحدث، و اما اشتراط الطهارة فى الأجزاء من الصلاة فباق بحاله و هو يقتضي الوضوء، نعم يمكن أن يقال: بان مورد تجديد الوضوء صورة عدم كون الوضوء فعلا كثيرا مبطلا للصلاة.

و إن قلنا بأن معذورية كل من المسلوس و المبطون يكون بملاك واحد و لهذا يلحق بالمبطون كل ما لا يقدر على أن يمسك نفسه من الريح بل عن النوم.

فنقول: بأنه و إن كان يتوهم التعارض بين ما ورد في المسلوس و بين ما ورد في المبطون من باب أن مقتضى الأوّل انّه بعد ما توضأ عدم ناقضية البول حال الصلاة و بعدها إلى أن يحدث ما يتوضأ منه، و مقتضى ما ورد في المبطون هو تجديد الوضوء لو طرأ في أثناء الصلاة.

لكن يمكن الجمع بينهما بحمل الاول على صورة كون الوضوء حرجيّا لكثرة خروج الخارج لان المتيقن من عدم قاطعية الحدث صورة الحرج، و حمل الثاني على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص:

431

ما لا يكون تجديد الوضوء في أثناء الصلاة حرجيّا.

أو تقيد إطلاق الأوّل بالثانى و تكون نتيجته اغتفار البول و الغائط و ما بحكمهما في الصلاة بعد أن يتوضأ، هذا كله في مقام الجمع بين روايات الواردة في المسلوس و المبطون بعد تمامية حجية الروايات.

و تارة نتكلم في الأخبار بعد ملاحظة حجيتها و عدم حجيتها فنقول:

أمّا رواية سماعة و هي الرواية الرابعة الواردة في المسلوس على احتمال فهى مضمرة و هل يقال: إن مضرات سماعة بحكم المسندات أو لا؟

و على كل حال لا ثمرة في البحث عن حجية رواية سماعة مثل عدم ثمرة في البحث عن دلالتها، لأنّه بعد حجيتها و دلالتها لا تدل على أزيد مما تدلّ عليه الرواية الاولى أعنى: رواية الحلبى و الرواية الثالثة أعنى: رواية منصور بن حازم.

و أمّا الكلام في الرواية السادسة أعنى: رواية محمد بن مسلم الدالة على تجديد الوضوء في المبطون لو طرأ في أثناء الصلاة.

فنقول: إنّه قد يقال بضعف سندها من باب كون عبد اللّه بن بكير في طريق الرواية من باب كونه فطحيا، فيمكن جوابه بأنه و إن كان فطحيا لكن وثّقوه، و لكن قد يقال بضعف سندها بمحمد بن نصير لأنّه ضعيف كما ترى من ذكر حاله في الرجال، و قد يجاب عنه بأن هذا الذي مذكور في طريق الرواية محمد بن نصير آخر، و هو من يروى عنه الكشى و هو ثقة، و في «1» جامع الروات للاردبيلى في ذيل كلامه في (محمد بن نصير النميرى) كلام و هو هذا (يظهر من العلامة فى المختلف و عدة أنّ محمد بن نصير الذي يروى عنه العياشى هو الثقة الآتي لا النميرى الغالى لأنّه طعن في

______________________________

(1) جامع الروات، ج 2 ص 208.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 432

رواية محمد بن مسلم في مسئلة المبطون بأن في رجالها ابن بكير و هو فطحى و لم يطعن فيها بمحمد بن نصير مع وجوده فيها، و الراوى عنه العياشى، و أيضا و قد عد الرواية المذكورة فيه من الموثقات و كذا في المدارك و كشف اللثام و هو يدل أيضا على كون محمد بن نصير فيها ليس النميرى، فتأمل و لا يذهب عليك أنّ مراعاة الطبقة لا تابى عن كونه النميرى، لأنّ العياشى يروى عن عبد اللّه بن محمد بن خالد الطيالسى و هو من أصحاب (رى) كالنميرى كما مرّ).

أقول: إن لم نقل بكون محمد بن نصير الواقع في طريق الرواية هو الغالى مسلما، فلا اقل من قابلية كونه هو لا محمد بن نصير الثقة، فلا يكون مقتضى الحجية و هو الوثوق موجودا، فلا يمكن التعويل على الرواية، فلا يبقى في البين ما نقول بمقتضاه على وجوب تجديد الوضوء في أثناء الصلاة لو خرج عنه شي ء حتى في المبطون.

بل نقول: بأنه لو توضأ المسلوس في الصورة التي ليس له فترة بقدر الصلاة، كما هو المفروض في الصورة الثانية التي يكون كلامنا فيها، فلا يبطل وضوئه إلّا بالحدث الذي يتوضأ منه غير ما يبتلى به من جهة السلس، و لو خرج منه شي ء من البول في اثناء الصلاة لا يجب تجديد الوضوء، بل يتم صلاته سواء كان خروج الخارج مرة أو مرات كثيرة.

و أمّا في المبطون فإن قلنا بأن معذوريته مع معذوريته المسلوس يكون بملاك واحد، فيمكن أن يقال فى المبطون بعين ما قلنا فى المسلوس من عدم وجوب تجديد الوضوء

لو طرأ الحدث فى اثناء الصلاة، بل يكفى وضوء واحد لصلاة واحدة، بل أكثر ما لم يحدث حدثا يوجب الوضوء، لأنّه بعد استفادة ذلك من دليل المسلوس فيتعدى الى المبطون لاتحاد ملاك معذوريته مع المسلوس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 433

و أما لو لم نقل بوحدة ملاكهما و قلنا بعدم حجية الرواية السادسة فالرواية الواردة فى المبطون لا يقتضي الا البناء على الصلاة و عدم بطلانها بحدوث الحدث، و عدم وجوب الوضوء لما بقى من الصلاة و امّا وجوب الوضوء لصلاة اخرى فهى عنه ساكتة فلا بد من الالتزام بوجوب الوضوء لصلاة اخرى و لكل صلاة بمقتضى القاعدة الّا أن يدعى أن قوله فى الرواية الخامسة الواردة فى المبطون (يبنى على صلاته) دليل على عدم كون الحدث الخارج من المبطون ناقضا فلا يجب إعادة الوضوء الا للحدث الّذي يتوضأ منه.

فتلخص من كل ما ذكرنا في الصورة الثانية و هي ما ليس للمسلوس و المبطون فترة بقدر الصلاة أنّه لو لم نقل بحجية خبر محمد بن مسلم و هو الرواية السادسة يكون مقتضى بعض ما ورد في المسلوس و بعض ما ورد في المبطون هو انّه لو توضأ المسلوس و المبطون و صلى يتم صلاته إن خرج حال الصلاة منهما البول أو الغائط و لا يجب عليه الوضوء في الأثناء و في المسلوس لا يجب صلاة اخرى ما لم يحدث بحدث يوجب الوضوء، و امّا فى المبطون فلا يجب الوضوء للصلاة التى توضأ لها و خرج الحدث فى اثنائها، و امّا للصلوات الاخرى يجب على احتمال و لا يجب على احتمال بينا لك قبل ذلك فراجع.

و إن قلنا بحجية الرواية السادسة فمع

الالتزام بوجود ملاك واحد بين المسلوس و المبطون في معذوريتهما فنقول: بأنه كلما يخرج منه شي ء منهما حال الصلاة يتوضأ و يتم صلاته إلا كان خروج أحدهما حال الصلاة كثيرا يوجب الوضوء العسر و الحرج فلا يجب في هذه الصورة للحرج و العسر.

و إن قلنا بعدم وجود ملاك بينهما، ففي المسلوس إذا توضأ و صلى لا يجب عليه إعادة الوضوء و إن خرج عنه البول في اثناء الصلاة، بل ينبى على صلاته و لا يفسد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 434

وضوئه إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه.

و في المبطون إذا صلى فكلما يخرج منه شي ء حال الصلاة يتوضأ و يبنى على صلاته و يتمه من الموضع الذي حدث هذا الحدث و يجب الوضوء للصلوات الآتية نعم لو كان كثيرا بحيث يكون الوضوء حرجيّا لا يجب الوضوء بل يبنى على صلاته.

و الأقوى بالنظر و إن كان الاحتمال الأوّل و هو القول بأنه في الصورة الثانية و هي ما ليس لهما فترة بقدر أن يصليا صلاتهما بدون خروج البول أو الغائط يتوضئان و يصليان و لا يجب الوضوء لطروّ أحدهما في أثناء الصلاة، بل يتمّان صلاتهما بهذه الحالة و لا يتوضئان إلّا بالحدث الذي يتوضئان منه لعدم تحقق مقتضى الحجية في الرواية السادسة أعنى: رواية محمد بن مسلم.

و لكن نقول في مقام العمل: بأن الأحوط وجوبا إتيان صلاتين: صلاة مع فرض انّه لو طرأه أحدهما يتوضأ في اثناء الصلاة و يتم ما بقى من صلاته، و الأحوط اتيان الوضوء معجلا بالنحو الّذي لا يوجب الفعل الكثير و صلاة اخرى لو طرأه أحدهما لا يعيد الوضوء بل يتمها بالوضوء الأوّل الذي يتوضأ قبل الصلاة.

الصورة الثالثة: ما إذا كان خروج الحدث في أثناء الصلاة بمقدار يكون الوضوء
اشارة

بعد كل حدث و البناء عليها و اتمام الصلاة حرجيّا بخلاف الصورة الثانية التي لم يكن الوضوء في الاثناء لعدم كثرة خروج الخارج حرجيّا.

و هذه الصورة لها فرضان:

الفرض الأوّل أن يكون فترات يسيرة بين خروج الحدث في اثناء الصلاة و لكن الوضوء بعد خروج الحدث كل مرة يكون حرجيّا.

الفرض الثاني أن يكون الحدث مستمرا بلا فترة يمكن اتيان شي ء من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 435

الصلاة مع طهارة.

أما في الفرض الأوّل

قال المؤلف رحمه اللّه يكفى أن يتوضأ لكل صلاة و لا يجوز ان يصلى صلاتين بوضوء واحد نافلتين كانتا أو فريضتين أو مختلفتين.

أما وجه كفاية الوضوء الواحد لكل صلاة إما لكون الوضوء في أثناء الصلاة عند طرو كل حدث حرجيّا، و إمّا لانتفاء فائدته لانه متى يتوضأ يحدث بعده فلا فائدة فى الوضوء المجدّد كما قال فى المستمسك «1».

و أمّا وجه عدم الاكتفاء بوضوء واحد لصلاتين لعدم الدليل على العفو عما يخرج من الحدث بين الصلاتين.

أقول: قد مضى الكلام في الصورة الثانية وجه الاكتفاء لصلاة واحدة بوضوء واحد، و كذا وجه الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات متعددة ما لم يحدث حدثا آخر يوجب الوضوء، و الحدث الآخر هو البول أو الغائط بطريق المتعارف أو غيرهما من النواقض.

امّا في المبطون وجه الأوّل فلانه لو قلنا بعدم حجية رواية محمد بن مسلم الدالة على تجديد الوضوء لو أحدث المبطون في أثناء صلاته فمقتضى الرواية الأخرى من محمد بن مسلم و هي الرواية الخامسة هو البناء على الصلاة و عدم وجوب تجديد الوضوء في الاثناء.

و إن قلنا بحجيتها فنقول: بأنه و إن كان إطلاقها يقتضي تجديد الوضوء مطلقا.

لكن بعد فرض كونه حرجيّا كما هو مفروض الكلام نقيد

إطلاقها بدليل الحرج فتكون النتيجة عدم وجوب تجديد الوضوء لو طرأ الحدث في الأثناء، لكن

______________________________

(1) المستمسك، ج 2، ص 529.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 436

بناء على التمسك بلا حرج فينتفى الحكم في مقدار الحرج، و أما فى المقدار الغير الحرج فلا، فعلى هذا لا بد من الوضوء مرّة او مرّات لا يوجب الحرج، ثم اذا بلغ الحرج لا يتوضأ بلى يبنى على صلاته بلا إعادة وضوئه

فما قال المؤلف رحمه اللّه فى المقام من انه يكفى وضوء واحد فيما لم يكن الحدث مستمرا بدليل الحرج غير صحيح، لأنه إن كان لاجل الحرج فيقتصر فى رفع حكم الوضوء بقدر الحرج، نعم نحن حيث قلنا بعدم حجية رواية محمد بن مسلم الدالة على وجوب الوضوء، فنقول بعدم الوضوء حتى فى صورة لم يبلغ الحرج كما قوّينا فى الصورة الثانية و إن قلنا بأن الأحوط صلاتان صلاة مع إعادة الوضوء فى أثناء الصلاة لو طرأ الحدث، و صلاة بلا اعاده الوضوء فى اثنائها و إن طرأ الحدث فى الاثناء.

و أمّا فى المسلوس فوجه كفاية وضوء واحد هو أنّه لو أغمضنا عن مضمرة سماعة نقول كما قلنا: إن مقتضى الرواية الاولى و الثالثة اعنى رواية الحلبى و منصور بن حارم هو اغتفار خروج البول في أثناء الصلاة من حيث النجاسة و الناقضية فيكتفى بوضوء واحد لصلاة واحدة من حيث النجاسة و الناقضية، هذا كله بناء على عدم كشف مناط واحد بين المسلوس و المبطون في المعذورية.

و أمّا على فرض وحدة الملاك فأيضا يكفى وضوء واحد لصلاة واحدة في المسلوس و إن قلنا بحجية الرواية السادسة اعنى رواية محمد بن مسلم الدالة على تجديد الوضوء

لو طرأ الحدث في أثناء الصلاة، لأنّه كما قلنا في المبطون لا بدّ من تقييدها بصورة عدم كون الوضوء حرجيّا و على الفرض يكون الوضوء حرجيّا.

و أمّا وجه الاكتفاء بوضوء واحد لصلاتين بل الصلوات ما لم يحدث حدثا يوجب الوضوء أما في المسلوس فنقول: بعد ما عرفت من أنه لو أغمضنا النظر عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 437

مضمرة سماعة و هى الرواية الرابعة الدالة ذيلها على عدم وجوب إعادة الوضوء ما لم يحدث حدثا على أحد احتمالاته نقول: بأن مقتضى إطلاق رواية الحلبى و هي الاولى من الروايات و منصور بن حازم و هي الثالثة من الروايات هو أنّه ليس عليه شي ء إلّا اتخاذ الكيس (و لعل كان وجه الأمر به أن لا يسرى البول إلى ساير المواضع) و بعد كون المرتكز عند السائل و المسئول عنه نجاسة البول و ناقضيته للوضوء و مبطلية حدوثه للصلاة، فمن سكوته في مقام الجواب عن كل ذلك مع كون المورد مورد البيان نفهم عدم ناقضية البول لمن يكون مبتلى بالسلس و عدم مضرية نجاسته للصلاة فهو بوضوئه واجد للطهارة ما لم يحدث حدثا آخر يوجب بطلان الوضوء.

و أمّا في المبطون فبعد عدم مقتضى الحجية للرواية السادسة أعنى رواية محمد بن مسلم الدالة على أنّه لو طرأ الحدث في اثناء الصلاة يجب إعادة الوضوء و كون مقتضى روايتى الحلبى و منصور بن حازم الواردتان في المسلوس كان لهما الاطلاق كما عرفت من حيث عدم ناقضية البول و بعد كون معذورية المبطون بملاك معذورية المسلوس، فنتعدى عن المسلوس بالمبطون و نقول: بعدم وجوب الوضوء الا إذا حدث بحدث يوجب الوضوء، فيكتفى بالوضوء قبل صلاته لصلوات

اخرى ما لم يحدث ما يوجب الوضوء.

نعم لو قلنا بعدم اتحاد ملاكها في المعذورية يبقى الكلام في أنّه هل يستفاد من الرواية الخامسة الواردة في المبطون (و يبنى على صلاته) اغتفار ناقضية الحدث الخارج عن بطنه، فاذا توضأ كما يكتفى لصلاة واحدة و لا يجب اعادة الوضوء لو طرأ الحدث في أثنائها، كذلك لا يجب إعادتها حتى يحدث ما يوجب الوضوء فيكتفى بهذا الوضوء لصلاة أو صلوات اخرى و لا يبعد ذلك.

أو لا يستفاد منها إلّا البناء على ما بيده من الصلاة و عدم وجوب الوضوء مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 438

طرو الحدث في اثنائها، و أمّا الصلوات الاخرى فهي مشروطة بالطهارة و لا بدّ من تحصيلها.

الفرض الثاني: ما إذا كان الحدث مستمرا بلا فترة

يمكن اتيان شي ء من الصلاة مع الطّهارة، فقال المؤلف رحمه اللّه، يجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات عديدة و هو بحكم المتطهر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه، أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف، لكن الأحوط في هذه الصورة أيضا الوضوء لكل صلاة.

أقول: و قد مضى الكلام في وجهه في الفرض الأوّل مضافا إلى أنّه لا فائدة في تجديد الوضوء في هذا الفرض فيجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات عديدة.

و ينبغى الاحتياط بالوضوء لكل صلاة لانه حسن على كل حال.

نعم أن صار محدثا بحدث آخر يجب الوضوء لعدم الدليل على اغتفاره.

ثم إنّ المؤلف رحمه اللّه قال: إن صاحب سلس الريح أيضا كذلك يعنى: بحكم المسلوس و المبطون.

أقول: لا يرى في الأخبار ذكر عن سلس الريح فوجه الالحاق ليس إلّا وجود المناط و الملاك الموجود في المسلوس و المبطون فيه، كما أنّه ربّما يلحق بها بهذا المناط من لم

يمسكه النوم.

***

[مسئلة 1: يجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 439

(1)

أقول: أمّا في الصورة الثانية و هي ما لم يمهله الحدث لاتيان الصلاة مع الطّهارة لكن ليس خروجه بمقدار يوجب الوضوء في أثناء الصلاة حرجيّا أمّا بالنسبة إلى طرو الحدث في أثناء الصلاة فان قلنا بوجوب تجديد الوضوء في الاثناء عند طرو الحدث فيتوضأ و يبنى على صلاته فلا فائدة في المبادرة و إن قلنا بعدم وجوب تجديد الوضوء فأيضا لا فائدة في المبادرة.

و إن كان من أجل انّه بعد ما توضأ لم يخرج منه الحدث قبل الدخول في الصلاة فأيضا لا تفاوت بين المبادرة و عدمها.

لأنّه إن قلنا بوجوب كون دخوله في الصلاة مع الطّهارة من باب أنّه كلما طرأ الحدث يجب تجديد الوضوء ما لم يكن حرجيّا فلو طرأ الحدث بعد وضوئه لعدم المبادرة يتوضأ مجددا ثم يدخل صلاته فلا وجه لوجوب المبادرة.

و إن قلنا بعدم وجوب الوضوء بل بعد ما توضأ للحدث الذي يتوضأ منه يشرع له الصلاة و لا يجب الوضوء ما لم يحدث حدثا يوجب الوضوء فأيضا لا يجب المبادرة لأنّه لو حدث بأحدهما قبل الصلاة لا يجب تجديد وضوئه إلّا للحدث الّذي يتوضأ منه.

و أمّا في الصورة الثالثة فبعد كون الوضوء في الاثناء حرجيّا لا يجب عليه الوضوء لو طرأ أحد من الحدثين في أثنائها سواء بادر بعد الوضوء إلى الصلاة أم لا.

و أمّا إن كان النظر فى وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء إلى أن لا يتخلل الحدث بين الوضوء و بين الصلاة فنقول: إن قلنا بوجوب تجديد الوضوء بعد طرو الحدث قبل الصلاة فيتوضأ

فلا وجه لوجوب المبادرة.

و إن لم نقل به لأنه بعد كون الوضوء حرجيّا لا يجب الوضوء إلّا لحدث الذي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 440

يتوضأ منه غير السلس و البطن، فلو طرأ الحدث بعد الوضوء قبل الصلاة لا يجب الوضوء و لا وجه لوجوب المبادرة مضافا إلى عدم الفائدة في تجديد الوضوء لو كان حدوث أحدهما مستمرا بلا فترة.

***

[مسئلة 2: لا يجب على المسلوس و المبطون أن يتوضأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا يجب على المسلوس و المبطون أن يتوضأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين، بل يكفيهما وضوء الصلاة التي نسيا فيها، بل و كذا صلاة الاحتياط يكفيها وضوء الصلاة التي شك فيها و إن كان الأحوط الوضوء لها مع مراعاة عدم الفصل الطويل و عدم الاستدبار.

و أمّا النوافل فلا يكفيها وضوء فريضتها، بل يشترط الوضوء لكل ركعتين منها.

(1)

أقول: الأقوى أن حال قضاء التشهد و السجدة المنسيين، و كذا صلاة الاحتياط حال أصل الصلاة.

ففي كل صورة قلنا بوجوب تجديد الوضوء في أثناء الصلاة مع فرض طرو الحدث نقول بوجوبه فيها، و إن لم نقل فيها أيضا، لأنّه بعد كونها من توابعها فحكمها حكمها.

و إن لم نقل فرضا بكونها من توابعها، نقول: أما على ما قوّينا من عدم وجوب الوضوء لو طرأ الحدث في أثناء الصلاة حتى في الصورة الثانية، فلا يجب الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 441

لو طرأ السلس أو البطن بين واحد من هذه الثلاثة و بين الصلاة، لأنّه على ما اخترنا لا يجب الوضوء الّا بعد طرو حدث يوجب الوضوء لا السلس و البطن.

نعم بناء على ما اختاره المؤلف من وجوب الوضوء لو طرأ أحدهما و لا يكون الوضوء حرجيّا يجب الوضوء على

كل حال سواء كانت هذه الثلاثة من توابع الصلاة و بحكم أجزائها أولا، لأنّه على هذا يوجبان الوضوء فبمجرد حدوث أحدهما فى هذا الفرض يوجب الوضوء، فما قال من كفاية وضوء الصلاة بإطلاقه لا يناسب مع مختار نفسه قدس سرّه.

و أمّا النوافل فإن قلنا بوجوب تجديد الوضوء فى أثناء الفريضة مع طرو الحدث نقول فى النافلة، و إن قلنا بأنه إذا توضأ لا يجب عليه الوضوء إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه فلا يجب تجديد الوضوء للنافلة أيضا إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه لاطلاق الأدلّة فكما تشمل الفريضة تشمل النافلة.

***

[مسئلة 3: يجب على المسلوس التحفظ من تعدى بوله بكيس فيه قطن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجب على المسلوس التحفظ من تعدى بوله بكيس فيه قطن أو نحوه، و الأحوط غسل الحشفة قبل كل صلاة، و أمّا الكيس فلا يلزم تطهيره و إن كان أحوط.

و المبطون أيضا إن امكن تحفظه بما يناسب يجب، كما أن الأحوط تطهير المحلّ أيضا إن أمكن من غير حرج.

(1)

أقول: وجه وجوب التحفظ من تعدى البول بوسيلة الكيس هو شرطية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 442

الطّهارة من الخبث للصلاة، لإن الأمر باتخاذه يكون لحفظ ساير المواضع، و أمّا نفس الكيس فلا يلزم تطهيره كما قال المؤلف رحمه اللّه، و يستفاد من بعض الروايات الدالة على اتخاذ الكيس أو الخريطة على المسلوس اغتفار نجاستها، لأنّ النظر في اتخاذه إلى عدم التعدى بسائر مواضع البدن أو اللباس، و أمّا نفس الكيس فلا مانع منه.

و كذا في الحشفة فالظاهر من الروايات عدم وجوب غسلها، لأنّ الجواب باتخاذ الكيس أو الخريطة بدون الأمر بتطهير الحشفة أو الكيس مع كون السؤال عن جهات المسلوس شاهد على عدم وجوب تطهيره.

و أمّا المبطون فوجوب تحفظه

بشي ء لأن لا يتعدى النجاسة إلى ساير المواضع مبنى على كونه متحد الملاك مع المسلوس، و الّا فمقتضى رواية محمد بن مسلم الدالة على أنّه يبنى على صلاته بدون الأمر بتطهير المحل و لا الأمر بجعل شي ء عدم الوجوب.

و أمّا تطهير المحل فلا يجب كما قلنا في الحشفة.

و على فرض القول بوجوب التطهير في كل مورد قلنا به فهو مخصوص بما لا يكون التطهير حرجيّا، و إلّا فلا يجب ذلك.

***

[مسئلة 4: في لزوم معالجة السلس و البطن إشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: في لزوم معالجة السلس و البطن إشكال و الأحوط المعالجة مع الامكان بسهولة، نعم لو أمكن التحفظ بكيفية خاصة مقدار أداء الصلاة وجب و إن كان محتاجا إلى بذل مال.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 443

(1) أقول: وجه وجوب المعالجة إطلاق وجوب الطّهارة غير مشروطة بعدم المرض، غاية الأمر في حال المرض ينفى الحكم بدليل خاص أو عام مثل الضرر أو الجرح، فمع القدرة على العلاج ليس المكلف معذورا في فوات الواجب.

و فيه أن الأدلّة الواردة في المسلوس و المبطون مطلق يدلّ بإطلاقها على معذوريتهما سواء كان قادرا على المعالجة أم لا.

و أمّا فيما أمكن التحفظ بكيفية خاصة وقت الصلاة بقدر أدائها يجب ذلك و لو ببذل المال لقدرته على امتثال التكليف المتعلق به المقدور، و على الفرض يكون التكليف مطلقا.

***

[مسئلة 5: في جواز مسّ كتابة القرآن للمسلوس و المبطون]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: في جواز مسّ كتابة القرآن للمسلوس و المبطون بعد الوضوء للصلاة مع فرض دوام الحدث و خروجه بعده إشكال حتى حال الصلاة إلّا أن يكون المسّ واجبا.

(2)

أمّا فيما لا يكون مسّ كتابة القرآن واجبا فوجهه عدم معلومية ارتفاع الحدث حقيقة أو تنزيلا بالوضوء فيشكل مسّ كتابة القرآن المشروط بالطهارة.

ما ورد في المسلوس و المبطون إن كان مقيدا أو مخصصا لدليل شرطية الطّهارة فالمتيقن منه عدم شرطيتهما للصلاة في حقهما، و أمّا غيرهما مما هو مشروط بالطهارة فهو غير معلوم فلا يجوز مس كتابة القرآن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 444

و أمّا إن كان مقيدا أو مخصصا لدليل ناقضية البول أو الغائط أو الريح، بمعنى عدم كونها ناقضا فى هذا الحال، فهو بعد وضوئه طاهر و مع كونه طاهرا يجوز له

اتيان كل عمل مشروط بالطهارة، و منه مس كتابة القرآن الكريم.

إلّا أن يدعى عدم ناقضيتهما لخصوص الصلاة التي مضطرّ إلى اتيانها لا غيرها.

و أمّا إن كان مقيدا أو مخصصا لما دلّ على قاطعية الحدث للصلاة فتكون النتيجة عدم قاطعية ما يخرج في أثناء الصلاة للصلاة، فإن كان ذلك لا يجوز مسّ كتابة القرآن مع الوضوء الذي توضأ للصلاة بعد فرض خروج واحد منهما منه حال الصلاة، لانهما ناقضان للطهارة، و لكن لا يبطل الصلاة كما أن شرطية الطّهارة باقية بحالها.

لكن يمكن الذهاب إلى هذا الاحتمال لو قلنا بتجديد الوضوء بعد طرو الحدث لحفظ شرطية الطّهارة.

و أمّا لو لم نقل به لا بدّ من القول بأحد من الاحتمالين الاولين كما لم نقل به إلّا على سبيل الاحتياط.

و الاحتمال الأوّل بعيد فى الغاية، لأنّ الطّهارة من البول و الغائط و الريح شرط فى الصلاة، فيبقى الاحتمالين الآخرين، و حيث لم يعلم أن الدليل الوارد فيهما مخصّص او مقيّد لأيّ من المطلقين أو العامين مع انّه لو كان مقيدا أو مخصصا لاطلاق ناقضيتها أو عمومها يمكن ان يكون عدم ناقضيتها لخصوص الصلاة، فلا يجوز مس كتابة القرآن لهما حتى في حال الصلاة.

نعم الظاهر كون ما دل على معذورية المسلوس و المبطون و كفاية الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 445

الواحد لهما كما قوّينا يكون مقيدا أو مخصصا لدليل ناقضية البول و الغائط لا لقاطعية الحدث و لا شرطية الطهارة.

أمّا عدم كونه مقيّدا لدليل قاطعية الحدث لانه كما بيّنا فى الصورة الثالثة فيما يخرج البول و الغائط دائما بلا فترة فلا يقطع الصلاة بالحدث و لا يمكن حفظ الشرط بالنسبة إلى أجزاء الصلاة و هو

الطهارة لخروج الحدث دائما، فلو قيّدنا دليل قاطعية الحدث بدليل المسلوس، فيبقى الاشكال فى هذه الصورة.

و أمّا لو قيّدنا دليل ناقضية البول و الغائط بدليل المسلوس و المبطون فلا يبقى إشكال، إذ عدم وجوب تجديد الوضوء لا يكون لأجل عدم ناقضية البول و الغائط، إذ هو فى هذا الفرض مع الطهارة فيجوز مس كتابة القرآن للمسلوس و المبطون إلّا ان يدعى عدم ناقضيتهما مخصوص الصلاة و هو بعيد، فعلى هذا الاقوى جواز مس كتابة القرآن بعد الوضوء و إن كان الاحوط عدم المسّ استحبابا.

هذا اذا لم يكن مس كتابة القرآن واجبا، و امّا إذا كان واجبا يقع التزاحم بين حكم وجوب المس و حرمة مس كتابة مس كتابة القرآن بلا طهارة، فإن كان وجوب المس أهمّ أو كان مساويا لحرمة المسّ يجب المس و الا فلا.

***

[مسئلة 6: مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر بل الأحوط الصبر إلى الفترة التي هي أخفّ مع العلم بها، بل مع احتمالها، لكن الأقوى عدم وجوبه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 446

(1)

أقول: أمّا الكلام في فرض احتمال حصول الفترة الواسعة لاتيان الصلاة مع الطّهارة في جزء من الوقت، فالظاهر وجوبه، لأنّه لا ينتقل التكليف من المأمور به التام بالمأمور به الناقص إلّا بعد العلم بعدم القدرة على امتثال المأمور به التام كما عرفت فى الصورة الاولى من الصور الثلاثة المذكورة في الفصل المنعقد للمسلوس و المبطون.

نعم لو أتى بها مع هذا الاحتمال ثم انكشف بعد ذلك عدم التمكن من المأمور به التام صحّ ما أتى به من الفرد الناقص مع تمشّى قصد القربة منه.

و أمّا الكلام في وجوب الصبر إلى حصول الفترة التي هي

أخف من الفترة الحاصلة له فعلا و عدمه.

فنقول: إنّه بعد كون مورد الروايات الواردة في المسلوس و المبطون و معذوريتهما من ليس له فترة تسع اتيان الصلاة مع الطّهارة سواء كان دائم الحدث أو من كانت له فترة أقل من زمان تسع الصلاة مع الطّهارة فيه.

فبمجرد عدم فترة تسع الصلاة مع الطّهارة يكون مورد الحكم المجعول للمسلوس و المبطون سواء كان السلس أو البطن بحد لا يصل إلى حد يكون الوضوء له الحرج، أو يصل بهذا الحد، و سواء كان له فترة أو يكون دائميّا، فعلى هذا لا وجه لوجوب الصبر إلى حصول فترة الأخف لمن يكون مبتلى بالفترة الاثقل سواء علم حصول فترة الأخف أو احتمل ذلك.

***

[مسئلة 7: إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث باعتقاد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 447

عدم الفترة الواسعة و في الاثناء تبيّن وجودها قطع الصلاة، و لو تبيّن بعد الصلاة أعادها.

(1)

أقول: لأنّ شرطية الطهارة و قاطعية الحدث و ناقضية النواقض واقعية فهو واقعا مكلف بالصلاة مع الطّهارة.

فلو تبين في الأثناء وجود فترة له تسع الصلاة مع الطّهارة قطع الصلاة و يأتي بما هو المكلف به من الصلاة مع الطّهارة، كما أنّه لو تبيّن بعد الصلاة أعاد الصلاة لما قلنا.

***

[مسأله 8: ذكر بعضهم أنّه لو أمكنهما اتيان الصلاة الاضطراريّة]

قوله رحمه اللّه

مسأله 8: ذكر بعضهم أنّه لو أمكنهما اتيان الصلاة الاضطراريّة و لو بأن يقتصرا في كل ركعة على تسبيحة و يوميا للركوع و السجود مثل صلاة الغريق فالأحوط الجمع بينها و بين الكيفية السابقة، و هذا و إن كان حسنا لكن وجوبه محل منع، بل تكفى الكيفية السابقة.

(2)

أقول: إنّ لم يكن في البين ما يدل على تبيين التكليف للمسلوس و المبطون و كنّا و الأدلّة الأوليّة الدالّة على اشتراط الطّهارة، و على ناقضية البول و الغائط، و على مبطليتهما و قاطعيتها للصلاة، و في قبالها ما دل على جزئية الركوع و السجود و القراءة و غيرها، فيدور الأمر بين حفظ شرطية الطّهارة مثلا و جزئية الانحناء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 448

الخاص في الركوع و السجود أو جزئية القراءة، كان للبحث في أنّه مع دوران الأمر بين شرطية الطّهارة، أو قاطعية الحدث للصلاة، أو ناقضية البول و الغائط و بين جزئية أحد هذه الأمور هل يقدم الاولى أو الثانية مجال.

و أمّا مع ورود الدليل على ما يصنع المسلوس و المبطون بالنسبة إلى الصلاة من حيث شرطية الطّهارة،

أو قاطعية الحدث، أو ناقضية الوضوء، و أنّه كيف يتوضأ و كيف يصلى فلا مجال لأن يبحث في أن حفظ شرطية الشرط مقدم أو جزئية الجزء بل يأتي المسلوس و المبطون بما عيّن له من الوظيفة في صلاته مع إتيانها بأجزائها و شرائطها الاخرى.

و لكن الاحتياط بالنحو المذكور حسن إن لم يكن منافيا مع التسهيل الذي أراد الشارع بالنسبة إليهما، فتأمل.

***

[مسئلة 9: من أفراد دائم الحدث المستحاضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: من أفراد دائم الحدث المستحاضة و سيجي ء حكمها.

(1)

أقول: المقصود في المقام ليس إلّا بيان كون المستحاضة من أفراد دائم الحدث، و سيأتى الكلام فيها إنشاء اللّه في محلّه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 449

[مسئلة 10: لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء ما مضى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء ما مضى من الصلوات، نعم إذا كان في الوقت وجبت الاعادة.

(1)

أقول: أمّا إذا حصل البرء لهما في الوقت، و كان الوقت بمقدار يسع لهما إتيان الصلاة مع الطّهارة يجب إعادة الصلاة التى صليها حال الاضطرار لما قد مرّ فى الفصل، و كذا في المسألة 7 لأنّه مكلف فى الفرض بالصلاة مع الطّهارة.

أما لو كان العذر مستوعبا في تمام الوقت و حصل البرء لهما بعد مضى الوقت فلا يجب عليهما قضاء الصلاة لظهور النصوص فى صحة صلاتهما و إجزائها، و هذا هو المقدار المتيقن من الاجزاء في التكاليف الاضطرارية.

***

[مسئلة 11: من نذر أن يكون على الوضوء دائما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: من نذر أن يكون على الوضوء دائما إذا صار مسلوسا أو مبطونا الأحوط تكرار الوضوء بمقدار لا يستلزم الحرج، و يمكن القول بانحلال النذر و هو الأظهر.

(2)

أقول: أمّا بناء على عدم بطلان وضوء المسلوس و المبطون إلّا بالحدث الّذي يتوضأ منه كالبول و الغائط بطريق المتعارف أو غيرهما من النواقص فلا مانع من الوفاء بنذره و لا ينحل نذره، و قد قوّينا ذلك.

و أمّا بناء على بطلان وضوئه و وجوب الوضوء عليه كلما طرأه أحدهما فما لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 450

يكن حرجيّا تجديد الوضوء يتوضأ و وفى بنذره، و أمّا لو كان دائم الحدث و لا فترة له، أو كانت الفترة و لكن يكون بحيث يكون الوضوء حرجيّا، فيكون عاجزا عن الوفاء بنذره و ينحل نذره.

هذا تمام الكلام في هذا الفصل و قد فرغت عن البحث و كتابته في اليوم السابع و العشرين من الجمادى الاولى 1379 من الهجرة النبوية و الحمد للّه و

الصلاة و السلام على رسوله و آله و اللعن على أعدائهم أجمعين و أنا العبد أقل خدمة أهل العلم علي الصافي الگلپايگاني ابن العلامة الشيخ محمد جواد رحمه اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 451

الفهرس

فصل فى شرائط الوضوء 7

الشرط الاوّل: اطلاق الماء 8

الشرط الثانى: طهارة الماء 11

طهارة المواضع الوضوء 11

لا يضر نجاسة ساير المواضع 20

الشرط الثالث: عدم الحائل 23

الشرط الرابع: إباحة الماء 26

إباحة ظرف الماء 27

إباحة مكان الوضوء 33

الجهل بفقد شرائط الوضوء 35

عبادة الناسى للغصبية 36

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 452

الالتفات إلى الغصبية في أثناء الوضوء 41

مع الشك في رضى المالك 45

الوضوء و الشرب من الانهار الكبار 46

الوضوء في الارض الوسيعة 55

الوضوء من حياض المساجد و المدارس 57

الوضوء تحت الخيمة المغصوبة 68

الوضوء حال الخروج عن الغصب 73

الشرط الخامس: عدم كون ظرف الماء من الذهب و الفضة 77

الشرط السادس: عدم كون الماء مستعملا في رفع الخبث 81

الشرط السابع: عدم المانع من استعمال الماء 86

الشرط الثامن: وسعة الوقت للوضوء و الصلاة 87

إذا كان استعمال الماء مضرّا 91

الشرط التاسع: المباشرة في افعال الوضوء 92

الوضوء من ماء الميزاب 101

جواز الاستنابة مع عدم التمكن من المباشرة 103

الشرط العاشر: الترتيب 110

الشرط الحادى عشر: الموالاة 120

تذكّر ترك المسحات في الصلاة 137

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 453

ترك الموالاة نسيانا 139

الشرط الثانى عشر: النية 141

هل يجب التلفظ بالنية 153

هل يعتبر الاخطار بالبال في النية 154

يجب استمرار النية 155

نية

الخلاف في الاثناء 156

نية الوجوب وصفا أو غاية 158

إذا نوى الوجوب في موضع الندب أو بالعكس 166

لا يجب قصد رفع الحدث 169

هل يجب قصد الغاية 174

هل يجب قصد الموجب 176

الشرط الثالث عشر: الخلوص في النية 178

بطلان العبادة بالريا 183

العجب في العبادة 197

السمعة في العبادة 202

الضمائم الراجحة 204

الضمائم المباحة 212

الضمائم المحرمة غير الرياء و السمعة 213

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 454

الرياء بعد العمل 215

اجتماع الغايات المتعددة للوضوء 217

نية جميع الغايات تكفى عن الجميع 218

نية بعض الغايات تكفى عن الجميع 221

تعدد الأمر بتعدد الغاية 222

دخول الوقت أثناء الوضوء 231

اتصاف الوضوء بالوجوب و الندب 234

تضرر المتوضى باستعمال الماء 236

عدم بطلان الوضوء بالارتداد 239

بطلان الوضوء بنهي المولى 240

حكم وضوء الزوجة مع نهي الزوج 242

حكم وضوء الاجير مع نهي المستأجر 243

الشك في الحدث بعد الوضوء 245

الشك في الوضوء بعد الحدث 247

الشك في تقدم الطهارة على الحدث و بالعكس 249

نسيان الوضوء مع الشك فيه بعد الحدث 254

تيقن بطلان أحد الوضوءين 257

حدوث الحدث بعد أحد الوضوءين 264

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 455

لا يعلم تقدم الصلاة و الحدث 281

ترك الجزء الوجوبي أو الاستحبابي 282

ترك جزء أو شرط من الوضوء 285

الشك في الجزاء و الشرط بعد الفراغ 293

ما يتحقق به الفراغ من الوضوء 295

لا اعتبار بشك كثير الشك 299

حكم الشك في التيمم و الغسل 302

حكم المسح في موضع الغسل و بالعكس 304

الشك في إتمام الوضوء صحيحا 305

الشك في وجود الحاجب قبل الوضوء 306

العلم بوجود المانع مع الشك في حدوثه قبل الوضوء أو بعده 314

كون محل الوضوء نجسا مع الشك في تطهيره 315

الشك بعد الصلاة في الوضوء لها 318

إذا علم قبل المسح ترك غسل اليد اليسرى 324

فصل في أحكام الجبائر 329

معنى الجبيرة 330

الاخبار الواردة في الجبيرة 331

الطائفة الاولى 331

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 456

الطائفة الثانية 332

الطائفة الثالثة 332

الطائفة الرابعة 334

الطائفة الخامسة 336

الطائفة السادسة 339

وجوه الجمع بين الاخبار 340

الوجه الاوّل 340

الوجه الثاني 340

الوجه الثالث 341

الوجه الرابع 341

الوجه الخامس 341

الوجه السادس 343

إذا أمكن غسل المحل 346

لا يمكن ايصال الماء تحت الجبيرة 347

إذا كان موضع الكسر وعره مكشوفا 348

كون بعض الكسر مستورا 352

المسح بنداوة الوضوء واجب أو لا 354

إذا أمكن رفع الجبيرة 356

عدم امكان مسح الجبيرة لنجاستها 357

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 457

كون الجبيرة في موضع المسح 360

استيعاب الجبيرة لعضو واحد 361

إذا كان بعض الاطراف الصحيح تحت الجبيرة 364

إذا لم يمكن رفع الجبيرة من موضع المسح 366

إذا كان استعمال الماء مضرّا من دون جرح و قرح 369

في الرمد يتعين التيمم 371

محل الفصد داخل في الجروح 371

لصوق شي ء ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح 373

إذا كانت الجبيرة مغصوبة 377

كون الجبيرة حريرا أو 380

بقاء حكم الجبيرة ما دام خوف الضرر باقيا 380

إذا أمكن رفع الجبيرة 383

اختلاط الدواء الموضوع على الجرح مع الدّم 384

عدم جريان حكم الجرح إذا كان

العضو نجسا 388

عدم لزوم تخفيف الجبيرة 389

الوضوء مع الجبيرة رافع 390

الفروق بين جبيرة محل الغسل مع جبيرة محل المسح 392

حكم الجبائر في الغسل 399

حكم جبائر مواضع التيمم 401

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 6، ص: 458

استيجار صاحب الجبيرة 402

ارتفاع عذر صاحب الجبيرة 407

جواز البدار لصاحب الجبيرة 410

العمل بالجبيرة مع اعتقاد الضرر 411

فصل في حكم دائم الحدث 415

الصورة الاولى 416

الصورة الثانية 418

الصورة الثالثة 434

وجوب المبادرة إلى الصلاة 438

وجوب التحفظ من تعدى البول على المسلوس 441

في لزوم معالجة السلس و البطن 442

في جواز مس كتابة القرآن 443

مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر 445

لا يجب على المسلوس و المبطون قضاء الصلوات 449

الفهرس 451

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء السابع

[تتمة كتاب الطهارة]

فصل: في الاغسال

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

قوله رحمه اللّه

فصل فى الاغسال

[فصل فى تعداد الواجب منها]
[الواجب منها سبعة]

و الواجب منها سبعة: غسل الجنابة و الحيض و النفاس و الاستحاضة و مسّ الميّت و غسل الاموات و الغسل الّذي وجب بنذر و نحوه، كأن نذر غسل الجمعة او غسل الزيارة او الزيارة مع الغسل، و الفرق بينهما ان فى الاوّل اذا اراد الزيادة يجب ان يكون مع الغسل و لكن يجوز ان لا يزور اصلا، و فى الثانى يجب الزيارة فلا يجوز تركها، و كذا اذا نذر الغسل لسائر الاعمال التى يستحب الغسل لها.

(1)

اقول سيأتى إن شاء اللّه وجه وجوب الاغسال غير ما وجب بالنذر عند تعرض المؤلف رحمه اللّه لكل منها تفصيلا، و اما ما وجب بالنذر فيدل عليه ما ذكر فى كتاب النذر من الكتاب و السنة و الاجماع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 8

و اما الفرق بين القسمين من النذر فياتى ان شاء اللّه فى المسألة الاولى فانتظر.

[مسأله 1: النذر المتعلق بغسل الزيارة و نحوها يتصور على وجوه:]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: النذر المتعلق بغسل الزيارة و نحوها يتصور على وجوه:

الأول: ان ينذر الزيارة مع الغسل فيجب عليه الغسل و الزيارة و اذا ترك أحدهما وجبت الكفارة.

الثاني: ان ينذر الغسل للزيارة بمعنى انه اذا أراد ان يزور لا يزور الا مع الغسل، فاذا ترك الزيارة لا كفارة عليه و اذا زار بلا غسل وجبت عليه.

الثالث: ان ينذر غسل الزيارة منجّزا و حينئذ يجب عليه الزيارة أيضا، و ان لم يكن منذورا مستقلا، بل وجوبها من باب المقدمة فلو تركها وجبت كفارة واحدة، و كذا لو ترك احدهما و لا يكفى فى سقوطها الغسل فقط و ان كان من عزمه حينه ان يزور، فلو تركها وجبت لانه اذا لم تقع الزيارة بعده لم يكن غسل الزيارة.

الرابع: ان ينذر

الغسل و الزيارة فلو تركهما وجب عليه كفارتان، و لو ترك احدهما فعليه كفارة واحدة.

الخامس: ان ينذر الغسل الّذي بعده الزيارة و الزيارة مع الغسل و عليه لو تركهما وجبت كفارتان، و لو ترك احدهما فكذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 9

لان المفروض تقيد كل بالآخر و كذا الحال فى نذر الغسل لسائر الاغسال.

(1)

اقول،

اما الوجه الاول:

فالمنذور هو الزيارة مع الغسل، فالنذر تعلق بالطبيعة المقيّدة اعنى طبيعة النذر المقيّدة بالغسل، فيجب بمقتضى النذر الزيارة مع الغسل لكون نذر الزيارة منجّزا و المنذور هو الزيارة المقيّدة بالغسل فيكون الغسل واجبا بالوجوب المقدمى و ان لم يكن منذورا مستقلا فتجب الكفارة الواحدة بترك كل منهما او بترك واحد من الزيارة او الغسل لتركه المنذور و هو الزيارة مع الغسل، اما اذا تركهما او ترك الزيارة فقط فواضح لتركه المنذور، اما اذا ترك الغسل فقط فلان ترك الغسل مستلزم لترك الزيارة المقيّدة بالغسل لفقد المقيد بفقد قيده.

و اما الوجه الثانى:

فكما صرّح المؤلف رحمه اللّه معنى ان ينذر الغسل للزيارة انه اذا اراد ان يزور لا يزور الا مع الغسل، فاذا ترك الزيارة و الغسل فلا كفارة عليه لعدم حنث النذر اذا المنذور هو ايقاع الزيارة اذا اراد إتيانها مع الغسل فما لم تقع الزيارة منه بلا غسل لا تجب الكفارة، و كذا لو غسل و ترك الزيارة لا تجب الكفارة لعدم تحقق الحنت اذا الحنت يحصل بفعل الزيارة بلا غسل.

نعم لو زار بلا غسل تجب الكفارة لتحقق الحنث لاجل ترك الغسل حين الزيارة.

و اما الوجه الثالث:

و هو ان ينذر غسل الزيارة منجّزا، و اثر تنجيز غسل الزيارة اعنى كون وجوبه منجزا بمقتضى النذر وجوب تحصيل مقدمته و هى الزيارة فالزيارة و ان لم تكن منذورا مستقلا لكن تجب مقدمة فلو ترك كاملا من الغسل و الزيارة تجب الكفارة لتركه النذر، و كذا لو ترك الغسل لترك الواجب المنجز و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 10

الغسل الواجب منجزا بسبب النذر، و كذا لو ترك الزيارة فقط لانه مع ترك الزيارة بعد الغسل لم يتحقق المنذور و هو غسل الزيارة و ان كان عازما على الزيارة حين الغسل.

و اما ما قاله فى المستمسك «1» فى شرح هذا الوجه و توجيهه هذا الوجه بنحو آخر او نحوين آخرين فهو فرض آخر او فرضان آخران غير ما ذكره المؤلف رحمه اللّه و ترتب عليه ما ترتب من الكفارة فى صورة تركهما او ترك احدهما.

و اما الوجه الرابع:

و هو ان ينذر الغسل و الزيارة، و نظره صورة نذر كل منهما مستقلا، ففى هذا الفرض لو ترك الغسل و الزيارة كليهما وجب عليه كفّارتان، كفّارة لتركه الغسل و كفّارة لتركه الزيارة.

و اما لو ترك احدهما فان كان المتروك الغسل فقط فلا يجب الا كفارة واحدة لتركه احد المنذورين و هو الغسل، و اما لو كان المتروك هو الزيارة فقط فلا اشكال فى وجوب كفارة واحدة لتركه الزيارة المتعلقة للنذر، و قد يقال بان المتروك ان كانت الزيارة يجب عليه كفّارتان لانه مع تركه الزيارة ترك كليهما، لان المنذور ليس مطلق الغسل بل المنذور غسل الزيارة او كما لها الّذي يحصل بالغسل و هو ما أفتى به سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي قدّس سرّه

فى حاشيته على العروة الوثقى فى هذا الموضوع.

ان قلت، ان ذلك خلاف الفرض لان الفرض كون كل من الغسل و الزيارة متعلقا للنذر مستقلا اعنى غير مرتبط كل منهما بالآخر و لهذا مع ترك كل منهما يجب كفارتان:

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 11

قلت ان النذر ان كان متعلقا بطبيعة الغسل غير مرتبطة بالزيارة، و بعبارة اخرى لا يكون المنذور مصداق الغسل و هو غسل الزيارة، بل كان طبيعة الغسل فمضافا الى عدم مشروعية هذا النذر لعدم كون متعلقه راجحا لعدم استحباب طبيعة الغسل بل الغسل الواجب و المستحب منحصر بالمذكورات فى محله لا مطلق الغسل، نقول بان الفرض كون المنذور الغسل و الزيارة فمتعلق النذر و ان كان مستقلا الغسل، لكن هذا المنذور المستقل غسل الزيارة، فالمنذور اما غسل الزيارة، او الكمال الّذي يحصل للزيارة بسبب وقوعها مع الغسل، فلو ترك الزيارة فقد ترك بتركها الغسل الّذي نذر لها، و لازم ذلك وجوب الكفارتين حتى بترك الزيارة فقط كما يوجب الكفارتان بترك كل من الغسل و الزيارة.

و اما الوجه الخامس:

و هو ان ينذر الغسل الّذي بعده الزيارة و الزيارة مع الغسل، و معنى ذلك كون المنذور كل واحد من الغسل و الزيارة مقيدا بالآخر، ففى الحقيقة كان المنذور الغسل المقيّد بالزيارة و الزيارة المقيّدة بالغسل، فعلى هذا ان تركهما يجب عليه كفارتان، و كذا لو ترك احدهما لان بعد تقييد كل منهما بالآخر فلو ترك احدهما فقد تركه بنفسه و بتركه يترك الآخر لتقيد الآخر به فبتركه ترك المقيد بنفسه و ترك القيد لغيره فاحدهما متروك بتركه و الآخر متروك بترك قيده، فيجب عليه كفّارتان و ان ترك

احدهما فقط.

ثم انه يظهر الحال مما مرّ فى نذر الغسل لسائر الاعمال من جريان الوجوه المذكورة فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 13

فصل: في غسل الجنابة
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 15

قوله رحمه اللّه

فصل فى غسل الجنابة

و هى تحصل بامرين:

[فصل فى ما يحصل به الجنابة]
[الاول خروج المنى]
اشارة

الاول خروج المنى و لو فى حال النوم او الاضطرار، و ان كان بمقدار رأس أبرة، سواء كان بالوطى او بغيره، مع الشهوة او بدونها، جامعا للصفات او فاقدا لها، مع العلم بكونه منيا و فى حكمه الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل مع عدم الاستبراء بالبول، و لا فرق بين خروجه من المخرج المعتاد او غيره، و المعتبر خروجه الى خارج البدن، فلو تحرّك من محله و لم يخرج لم يوجب الجنابة و ان يكون منه، فلو خرج من المرأة منّى الرجل لا يوجب جنابتها الا مع العلم باختلاطه بمنيّها، و اذا شك فى خارج انه منى أم لا اختبر بالصفات من الدفق و الفتور و الشهوة، فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بكونه منيا و ان لم يعلم بذلك، و مع عدم اجتماعها و لو بفقد واحد منها لا يحكم به الا اذا حصل العلم، و فى المرأة و المريض يكفى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 16

اجتماع صفتين و هما الشهوة و الفتور.

(1)

اقول، بعد ما لا اشكال نصا و فتوى فى موجبية خروج المنى فى الجملة لغسل الجنابة يقع الكلام فى الامر الاوّل فى طى جهات و قبل الورود فى الجهات نذكر بعض النصوص المربوطة بالمقام و لعله نذكر أيضا بعضها ان شاء اللّه فى طى البحث عن جهات المسألة فنقول بعونه تعالى.

[نصوص المسألة على موجبية خروج المنى للجنابة]

الاولى: ما رواها عبيد اللّه الحلبى قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المفخذ عليه غسل قال نعم اذا انزل). «1»

الثانية: ما رواها إسماعيل بن سعد الاشعرى قال (سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير ان يباشر يعبث بيده حتى تنزل

قال اذا انزلت من شهوة عليها الغسل) «2».

الثالثة: ما رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع قال (سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج و تنزل المرأة هل عليها غسل قال نعم). «3»

الرابعة: ما رواها محمد بن الفضيل قال (سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة تعانق زوجها من خلفه فتحرّك على ظهره فتأتيها الشهوة فتنزل الماء عليها الغسل او لا يجب عليها الغسل قال اذا جاءتها الشهوة فانزلت الماء وجب عليها الغسل). «4»

الخامسة: ما رواها عنبسة بن مصعب قال (سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول كان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 17

على عليه السّلام لا يرى فى المذى وضوء و لا غسلا ما اصاب الثوب منها الّا فى الماء الاكبر.) «1»

ربّما يستشكل فى الرواية بان مفادها وجوب الوضوء و الغسل فى المنى أعنى الماء الاكبر، و الحال أنه لا يجب فيه الوضوء ألّا ان يقال ان مفادها ليس الا نفى وجوبهما فى المذى و اثبات الوجوب فى الجملة فى المنى لا ان كلما لا يكون فى المذى يكون فى المنى.

السادسة: ما رواها عنبسة بن مصعب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال (كان على عليه السّلام لا يرى فى شي ء الغسل الا فى الماء الاكبر). «2»

و لعلّ هذه الرواية متحدة مع السابقة لان الراوى فى كل منهما عن ابى عبد اللّه عليه السّلام واحد و على كل حال لا يرد

فيها الاشكال المذكور فى سابقها.

السابعة: ما رواها ابن سنان يعنى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال (ثلاث يخرجن من الاحليل و هن المنى و فيه الغسل الحديث) «3».

و غير ذلك المذكور فى هذا الباب و غيره.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى يقع

الكلام فى جهات:
الجهة الاولى: لا فرق فى موجبية خروج المنى للغسل بين ان يخرج فى حال اليقظة او النوم

لاطلاق بعض الادلة، مثل الرواية الخامسة و السادسة و السابعة، فهى كما تشمل حال اليقظة تشمل حال النوم.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 18

و يدل على موجبيته حال النوم بالخصوص ما رواها الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال (سألته عن المرأة ترى فى المنام ما يرى الرجل قال ان انزلت فعليها الغسل و ان لم تنزل فليس عليها الغسل). «1»

و ما رواها عبد اللّه بن سنان قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى ان الرجل يجامعها فى المنام فى فرجها حتى تنزل قال تغتسل). «2»

الجهة الثانية: لا فرق فى موجبيته للغسل بين خروجه بالاختيار او بالاضطرار

لاطلاق بعض الادلة الدالة على موجبيته المنى للغسل.

الجهة الثالثة: لا فرق فى موجبية المنى للغسل بين كون الخارج كثيرا او قليلا

فيجب الغسل بخروجه و ان كان بمقدار رأس أبرة لاطلاق بعض النصوص المتقدم ذكرها.

و قد يتوهّم عدم وجوب الغسل ان كان الخارج قليلا بدعوى دلالة ما رواها معاوية بن عمّار قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل احتلم) «3» (فلمّا انتبه وجد بللا قليلا قال ليس بشي ء الا ان يكون مريضا فانه يضعف فعليه الغسل.) «4»

و فيه ان الظاهر من الرواية صورة الشبهة بين كون الخارج منيا او لا، و الّا لا فرق فى موجبية قليل المنى للغسل بين الصحيح و المريض حتى لا يجب على الاول و يجب على الثانى، و هذا شاهد على ان عدم شي ء على الصحيح يكون لاحتمال كون الخارج غير المنى بخلاف المريض لعدم احتماله فيه لضعفه فيجب عليه الغسل.

الجهة الرابعة: لا فرق فى موجبية خروج المنى للغسل بين كون خروجه بالوطى او بغيره

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) قال فى مجمع البحرين الاحتلام رؤية اللذة في النوم أنزل أم لم ينزل.

(4) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 19

كما يدل عليه بعض النصوص، اما فيما كان خروجه بغير الوطي فيدل عليه ما قدمنا من الاخبار فى صدر المبحث و غيرها.

و اما فيما كان خروجه بالوطى، فيدل عليه اطلاق بعض الاخبار المذكورة فى موجبية خروج المنى للغسل سواء كان بالوطى او بغيره مثل الرواية الخامسة و السادسة و السابعة من الروايات المتقدمة.

الجهة الخامسة: لا فرق فى كون المنى موجبا للغسل بين ان يكون خروجه مع الشهوة او بدونها

و ان كان الفرض بعيدا لاطلاق بعض الاخبار الشامل لكل من الصورتين و ادعى عليه اجماع الاماميّة بل اجماع المسلمين كما هو المحكى عن المعتبر.

نعم عن بعض فقهاء العامة القول باعتبار الشهوة و ربما تتوهم دلالة بعض النصوص عليه:

مثل ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام قال (سألته عن الرجل يلعب مع المرأة و يقبّلها فيخرج منه المنى فما عليه قال اذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل و ان كان انما هو شي ء لم يجدله فترة و لا شهوة فلا بأس). «1» بدعوى ان مفادها اعتبار الشهوة فى ايجابه الغسل.

و لكن بعد كون المروى فى كتاب على بن جعفر عليهما السّلام على ما فى الوسائل فى ذيل الرواية (فيخرج منه الشي ء) بدل (فيخرج منه المنى) فيحتمل كون سؤاله (فيخرج منه الشي ء) و نظر السائل بصورة اشتباه الماء الخارج بالمنى و غيره و لهذا اجاب عليه السّلام بالرجوع الى الصفات فقال اذا

جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل و ان كان انما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس، فلا تدل الرواية على اعتبار الشهوة فى موجبيته للغسل مضافا الى ما قيل من ان الصادر عن السائل (المنى)

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 20

فلهذا يحمل على صورة الشك لان ما قال السائل يكون بحسب ظنه بخروج المنى و قيل يحمل على التقية لموافقتها مع قول بعض العامة، أقول و لو حملت على التقية لا يمكن الاستدلال فى مورد الشك فى كون الخارج منيّا كما يأتى الكلام في الجهة الحادى عشر إن شاء اللّه كما ان ما فى بعض الاخبار فى خصوص المرأة من تقييد الحكم بكونه منيّا بخروجه مع الشهوة مثل الرواية الرابعة من الروايات المتقدمة لا يمكن الاستدلال بها على اعتبار الشهوة فى كونه منيّا لان ظاهر التقييد من باب كون الشهوة سبب العادي يعرف به المنى عند الملاعبة و التفخيذ و أمثالهما فلا يدل على تعليق الحكم بالشهوة بحيث ينتفى الحكم بانتفائها.

الجهة السادسة: و لا فرق فى موجبية المنى للغسل بين كونه جامعا للصفات

من الشهوة و الدفق و الفتور او فاقدا لها مع العلم بكونه منيّا و ان كان فرض عدمها بعيدا لعدم انفكاله غالبا عنها اما بحسب الفتوى فالمحكى عن بعض فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم عموم الحكم بل ادعى الاجماع عليه و المحكى عن بعضهم اعتبار الدفق فيه و ان حمل على ما لا ينافى القول الاول من كون الاغلب فيه الدفق.

و اما بحسب النصوص فهى مطلق و اطلاقها يشمل كل من صورتى الجامعية للصفات و عدمها.

و ما ورد فى بعض الروايات من اعتبار

هذه الصفات كلها او بعضها فمورده صورة الشك فى كون الخارج منيّا أو لا او يحمل عليها كما يأتى ان شاء اللّه الكلام فيه فى الجهة الحادى عشر التى نتعرض لها فى الامر الاوّل.

الجهة السابعة: و فى حكم المنى من حيث وجوب الغسل الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل

مع عدم الاستبراء بالبول و يأتى ان شاء اللّه وجهه فى المسألة 2 و 3 من المسائل المذكورة فى فصل مستحبات غسل الجنابة.

الجهة الثامنة: هل فرق فى موجبية المنى للغسل بين خروجه من المخرج المعتاد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 21

و بين خروجه من غير مخرج المعتاد او لا.

اقول فى المسألة احتمالات:

الاول: عدم الفرق بين الخروج من المخرج المعتاد و غيره، فيجب الغسل بخروج المنى من اى موضع كان.

الثّاني: الفرق بين الخروج من المخرج المعتاد و غيره مطلقا، فيجب الغسل فى صورة خروجه عن المخرج المعتاد، و عدم وجوبه فى صورة خروجه عن المخرج الغير المعتاد مطلقا.

الثّالث: موجبيته للغسل اذا خرج من المخرج الغير المتعارف مثل خروجه عن المخرج المتعارف اذا صار الغير المتعارف عاديّا، و اما لو لم يكن عاديّا فلا يوجب الغسل.

الرّابع: التفصيل فيما يخرج عن غير الموضع الطبيعى بين ما يخرج من ثقبة الاحليل او الخصيتين او الصلب فلا يعتبر الاعتياد بل يكون مثل خروجه عن المخرج الطبيعى فى موجبيته للغسل، و بين ما اذا كان يخرج من غير هذه المواضع الثلاثة فيعتبر الاعتياد فى كونه مثل المخرج الطبيعى فى موجبيته للغسل.

الخامس: التفضيل بين ما يكون المخرج الغير المعتاد ما دون الصلب فهو كالمخرج المعتاد فى موجبيته للغسل و ان لم يصر هذا المخرج معتادا، و بين ما يكون فوق الصلب فمثل المخرج المعتاد فى الموجبية اذا صار معتادا و الّا فلا.

اذا عرفت ذلك نقول بان الأقوى الاول، لاطلاق الادلّة و دعوى انصراف الادلّة عن الخارج عن غير المخرج المعتاد انصراف بدوى منشأه قلة الوجود و هذا لا يكفى فى منع شمول الاطلاق لفرده.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 22

الجهة التاسعة: المعتبر خروج المنى الى خارج البدن

فلو تحرك من محله و لم يخرج لم يوجب الجنابة لان ظاهر النصوص حصول الجنابة و وجوب الغسل بخروج المنى و انزاله الى خارج البدن.

الجهة العاشرة: المنى الموجب للغسل و صيرورته جنبا

هو ان يكون من الشخص فلو خرج من المرأة منّى الرجل لا يوجب جنابتها الا مع العلم باختلاطه بمنيّها، اما اعتبار كون المنى منه فلأنّ مقتضى الأدلّة صيرورة خروج منى الشخص موجبا لجنابته و وجوب الغسل عليه فلا وجه لجنابة المرأة بخروج منّى الرجل عنها مضافا الى التصريح بذلك فى بعض الروايات مثل ما رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل فقال لا) «1» و اما فيما علمت المرأة باختلاط منيّها بمنيّة فتجنب و عليها الغسل من باب خروج منيّها منها فتجنب المرأة كما تنجب الرجل كما سيأتى ان شاء اللّه.

الجهة الحادية عشر: قال المؤلف رحمه اللّه و اذا شك فى خارج انه منى أم لا،
اشارة

اختبر بالصفات من الدفق و الفتور و الشهوة فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بكونه منيا، و ان لم يعلم بذلك و مع عدم اجتماعها و لو بفقد واحد منها لا يحكم به الا اذا حصل العلم به، و فى المرأة و المريض يكفى اجتماع صفتين و هما الشهوة و الفتور.

اقول الكلام يقع فى موارد:

المورد الاول: فى الرجل الصحيح،

و انه اذا شك فى خارج انه منى أم لا، هل يجب عليه الاختبار بالصفات، فمع اجتماع الصفات يحكم بكونه منيّا و ان لم يعلم

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 13 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 23

بذلك و مع عدم اجتماعها و لو بفقد و احد منها لا يحكم به أو لا يجب ذلك.

فالكلام فيه تارة يقع فى اصل وجوب الاختبار و عدمه فقد يقال بعدم وجوبه لانه بعد ما يكون المورد من الشبهات الموضوعيّة للشك فى الموضوع و هو المنى فلا يجب الفحص و الاختبار لعدم وجوب الفحص فى الشبهة الموضوعية الا في بعض الموارد الّذي دل دليل خاص على وجوب الفحص او يوجب ترك الفحص المخالفة القطعية الكثيرة و كلاهما مفقود فى المقام كما فى المستمسك. «1»

لكن فيه انه ان دل الدليل على وجوب الاختبار كما اختار هذا القائل أيضا، فالدليل قائم على وجوب الفحص، فمع الدليل يجب الفحص، و ان قلنا بمقتضى القاعدة بعدم وجوب الفحص فى الشبهات الموضوعية و ان لم يدل الدليل فلا يجب الاختبار.

و الحق كما يأتى ان شاء اللّه، ان ما يستدل به على أنّه مع اجتماع الصفات في الصحيح يحكم بكونه منيّا او يجب الغسل و هو رواية على بن جعفر، و ما يستدلّ على

كفاية الصفتين و هى الشهوة و الفتور في المريض و هو رواية ابن أبي يعفور و زرارة وردت في مورد خروج البلل، و أنّه اذا كان واجدا للصفات او الصفتين يجب الغسل و الّا فلا، ففى مورد خروج الشي ء السؤال عمّا يكون التكليف فحكم فى صورة بوجوب الغسل و في صورة بعدمه، و ليست الروايات ناظرة الى وجوب الفحص و عدمه اصلا، فعلى هذا لو كنّا و هذه الروايات و شك في كون الخارج منيّا او لا، لا تدل الروايات مع عدم علمه بالحال بوجوب الفحص، مثلا لو لم يدر أنّ له الشهوة و الدفق و الفتور أم لا لا تعرض في الروايات لوجوب الفحص و عدمه بل في صورة علمه بالحال قال إذا كان واجدا للصفات الثلاثة فى الصحيح يجب الغسل

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 12.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 24

و الّا فلا، و إذا كان واجدا للصفتين في المريض يجب الغسل و الّا فلا فان كان بيان الوظيفة في المورد المعلوم وضع المكلف و حاله من كون الخارج متصفة بالصفات او لا الفحص و الاختبار فى الشبهة الموضوعيّة، فالروايات فى خصوص هذه الشبهة الموضوعية دليل على وجوب الفحص، و أن كان من باب أنّه مع علم المكلف بحاله لا مورد للفحص عن الموضوع فالروايات و أن لم تدلّ على وجوب الفحص لكن يدلّ على وجوب الأخذ بما يعلم من حاله من الغسل و عدمه باعتبار واجديته للصفات و عدمها.

و تكون نتيجة ما تدل في المقام هو أنّه تارة يعلم حاله من واجديّته للصفات او يعلم عدمها، ففى الاول يجب عليه الغسل، و فى الثانى لا يجب عليه الغسل.

و

تارة لا يعلم بحاله من واجديته للصفات و عدمها فلا يستفاد من الروايات وجوب الفحص و اختبار حاله، و لهذا يكون المورد مثل ساير موارد الشبهات الموضوعية من عدم وجوب الفحص، و يستصحب الطهارة أن كانت حالته السابقة الطهارة، و ان شئت قل انّ فيما نحن فيه و ان كانت الشبهة موضوعيّة لكن المقدار الّذي يستفاد من الدليل هو فيما يعلم حاله من واجديّته للصفات يجب الغسل و من عدم واجديّة الخارج للصفات فلا يجب الغسل، و اما إذا لم يعلم حاله و كون الخارج واجدا للصفات او لا فلا يستفاد وجوب الفحص فيه.

و تارة يقع الكلام فى أنه مع معلومية حاله من حيث الواجديتة للصفات و عدمها، او لو لم يعلم حاله و لكن قلنا بوجوب الاختبار و الفحص، فهل يحكم فى الرجل الصحيح بكون الخارج منه المشكوك بانه منى منيا اذا كان جامعا للصفات الثلاثة الشهوة و الدفق و الفتور كما اختاره المؤلف رحمه اللّه، او يكتفى بوجود الدفق و الشهوة، او يكتفى بالدفق خاصة، او يكتفى بواحدة من الثلاثة ايها كانت، او يحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 25

بكونه منيّا اذا كان الخارج واجدا لهذه الصفات باضافة الرائحة كرائحة الطلع و العجين رطبا و بياض البيض جافا.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى، ان مورد الكلام صورة ما كان الخارج مشكوكا من حيث كونه منيّا و عدمه، فلو حصل له العلم او الاطمينان او الظن المعتبر على كون المشكوك منيّا او غيره فهو خارج عن محل الكلام، فما عن بعض شراح «1» العروة من جعل منشأ الاختلاف فيما يكون موجبا للحكم بكون المشكوك منيّا او غيره من الاحتمالات المتقدمة

هو الاختلاف فيما يحصل به الاطمينان غير صحيح.

اذا فهمت ذلك نقول يستدل على الاحتمال الاول اعنى انه مع اجتماع الصفات الثلاثة يحكم بكونه منيّا بما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال سالته عن الرجل يلعب مع المرأة و يقبّلها فيخرج منه المنى فما عليه قال اذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل و ان كان انّما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس) «2» و رواه على بن جعفر فى كتابه نحوه الا أنّه قال فيخرج منه الشي ء.

و التكلم فى الرواية تارة يقع من حيث ان موردها الشك فيما خرج منه من انه منى او لا لا مورد العلم بكون الخارج منيّا كما ربما يتوهم فقد مرّ الكلام فيه فى الجهة الخامسة من الجهات التى تعرضناها فى الامر الاوّل و قلنا بان الصادر عن السائل يكون (الشي ء لا المنى) لان المذكور فى كتاب على بن جعفر عليهما السلام هو

______________________________

(1) العلّامة الآملى فى مصباح الهدى، ج 4، ص 75.

(2) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الجنابة و قد ذكرنا الرواية في الجهة الخامسة أيضا المؤلف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 26

(الشي ء) لا (المنى) مضافا الى أنّ قول السائل (فيخرج منه المنى) كان باعتبار تخيله و ظنه لا انه مع علمه بان الخارج المنى يسأل عن وظيفته.

و تارة يتكلم فى الرواية من حيث مفادها و ان مفادها كون الصفات الثلاثة مجتمعة موجبة لكون الخارج محكوما بالمنى و وجوب الغسل، او يكفى وجود كل واحدة منها و لو لم تكن الصفتين الآخرتين موجودة.

اعلم ان مقتضى منطوق صدر الرواية و هو

قوله عليه السّلام (اذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل) وجوب الغسل فى صورة اجتماع الصفات الثلاثة، و مقتضى مفهومها عدم وجوب الغسل مع عدم وجود الصفات الثلاثة، و اطلاقه يقتضي عدم وجوب الغسل حتى مع وجود واحدة او اثنتين من الصفات المذكورة فبفقد واحدة منها لا يجب الغسل لدخل وجود كل منها فى وجوبه بمقتضى القضية الشرطية المذكورة فى منطوق الصدر.

و مقتضى منطوق ذيل الرواية و هو قوله عليه السّلام (و ان كان انّما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس) هو عدم وجوب الغسل مع عدم وجود الفترة و الشهوة و اطلاق هذه القضيّة عدم الوجوب مع فرض عدم الفترة و الشهوة، و ان وجد الدفع فالذيل بمنطوقه يدل على ما يدل به مفهوم الصدر من عدم وجوب الغسل مع عدم اجتماع الصفات الثلاثة.

و يحتمل ان يكون ذكر خصوص عدم وجد ان الفترة و الشهوة فى ذيل الرواية و السكوت عن عدم وجود صفة الدفع من باب انه مع عدمهما لا يجب الغسل حتى بالنسبة الى المريض بخلاف صفة الدفع، فانه لو لم يكن موجودا لا يلازم عدمه مع عدم كون الخارج منيّا حتى للمريض، كما سيأتي الكلام فيه بخلاف صفة الفتور و الشهوة فان عدمهما ملازم لعدم المنى و عدم وجوب الغسل حتى فى المريض كما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 27

سيأتي ان شاء اللّه.

و ممّا مرّ منا فى بيان فهم الحديث الشريف ظهر لك ان فى صورة الشك فى الخارج بين كونه منيّا و عدمه اذا اجتمعت الصفات الثلاثة يحكم بكونه منيّا و يجب الغسل، و مع فقد كل هذه

الصفات او بعضها لا يحكم بكونه منيّا و لا يجب الغسل، هذا فيما يعلم حاله من واجديته للصفات المذكورة و عدمها، و اما مع الشك فى ذلك أيضا أعنى لا يعلم كون الخارج منه واجدا للصفات او لا، فيكون من الشبهة الموضوعية و لا يجب الفحص، و الاختبار كما بينّا لعدم دليل على وجوب الفحص نعم الاحوط فيما كانت الحالة السابقة الحدث الأصغر او كانت الطهارة و لكن لم يستبرأ من البول الجمع بين الوضوء و غسل الجنابة، و اما ان كانت الحالة السابقة الحدث الاكبر أعنى الجنابة، او كانت الطهارة و قد استبرأ قبل الطهارة من البول فيكفى الغسل الجنابة و أيضا يظهر انه لا عبرة بغير هذه الصفات مثل الرائحة لعدم دليل على كون غيرها أمارة على كون الخارج منيّا.

و أيضا لو كنا نحن و الرواية المذكورة فمقتضاها عدم الفرق بين الصحيح و المريض لاطلاق الرواية (الا على ما احتملنا فى القضية المذكورة فى ذيل الرواية و لكن هو بنفسه لا يدل على اختصاص مورد الرواية بالصحيح نعم بعد ورود الدليل من تخصيص عموم صدر الرواية و اطلاقها بما نذكره من بعض الاخبار فى المورد الثاني يمكن كون ذيل الرواية مشعرا به).

المورد الثانى: المريض الّذي يشك فى ان الخارج منه منى او لا،

هل يعتبر فى كونه محكوما بالجنابة و وجوب الغسل عليه اجتماع الصفات المتقدمة من الشهوة و الدفع و الفتور كلها كالصحيح او يكفى وجود الصفتين فقط و هو الشهوة و الفتور، مقتضى ما يستفاد من بعض الروايات الثانى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 28

منها ما رواها عبد اللّه بن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال (قلت له الرجل يرى فى المنام و يجد الشهوة فيستيقظ

فينظر فلا يجد شيئا ثم يمكث الهون بعد فيخرج قال ان كان مريضا فليغتسل و ان لم يكن مريضا فلا شي ء عليه قلت فما فرق بينهما قال لان الرجل اذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قويّة و ان كان مريضا لم يجي ء الّا بعد) «1» و مفادها عدم وجود الدفع فى المريض.

و منها ما رواها زرارة قال (اذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فانه ربما كان هو الدافق لكنه يجي ء مجيئا ضعيفا ليست له قوّة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه). «2»

وجه الاستدلال الغاء اعتبار الدفع و الدفق للمريض بمقتضى الخبرين فيقيّد اطلاق رواية على بن جعفر المذكورة فى المورد الاول او يخصص عمومها بمقتضى الخبرين بالنسبة الى المريض فتكون النتيجة اعتبار اجتماع الصفات الثلاثة من الشهوة و الفتور و الدفع بالنسبة الى الصحيح و اعتبار خصوص الشهوة و الفتور بالنسبة الى المريض فى الحكم بكون الماء الخارج منيّا فيما شك فى كون الخارج منيّا او لا.

قد يقال بان مفاد الرواية الثانية هو كفاية وجود الشهوة لايجاب الغسل و لو لم يكن الفتور أيضا كالدفع و يمكن ان يقال بان الفتور لازم للشهوة غالبا و لهذا مع وجود الشهوة يكون الفتور موجودا فيعتبر فى المريض وجودهما و عدم ذكر الفتور فى الرواية الثانية لاجل ملازمة الفتور مع الشهوة فلهذا أ يغني ذكر الشهوة عن ذكر الفتور.

المورد الثالث: فيما شكت المرأة فى كون الخارج منها منيّا او لا

هل تختبر فان

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 8 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 29

اجتمعت الصفات الثلاثة المتقدمة من الشهوة و الدفق و الفتور يحكم بكون الخارج منيّا و

يجب عليها الغسل او يكفى اجتماع الشهوة و الفتور فيها كالمريض اوانه ليست المرأة مثل الرجل فى هذا الحكم رأسا بل مع الشك فى كون الخارج منه يكون منيّا لا يجب عليها الاختبار و لا يجب عليها الفحص لكون الشبهة موضوعيّته.

اقول قد يقال بدلالة رواية إسماعيل بن سعد الاشعرى و رواية محمد بن الفضيل و هما الرواية الثانية و الرابعة من الروايات المتقدمة فى صدر المبحث على اعتبار خصوص وجود الشهوة فى الماء الخارج عن المرأة المشكوك كونه منيّا أو لا، لأنّه قال عليه السّلام فى الاولى بالنسبة الى الجارية (اذا انزلت من شهوة فعليها الغسل و فى الثانية (اذا جاءتها الشهوة فانزلت الماء وجب عليها الغسل) و موردهما و ان لم يكن من الشبهة فى المصداق، و بعبارة اخرى الشبهة الموضوعية لكن ظهورهما يقتضي كون الشهوة من صفات منّى المرأة فالشهوة أمارة على كون الخارج بالنسبة الى المرأة منيّا.

و ان تمّ الاستدلال بالروايتين لاعتبار الشهوة و طريقتها بالنسبة الى المرأة يمكن ان يقال ان الفتور حيث يكون ملازما للشهوة يتم ما اختاره المؤلف رحمه اللّه من كفاية وجود الشهوة و الفتور بالنسبة الى المرأة فى صورة الشك فى الماء الخارج فى كونه منيّا او لا.

و فيه ان الاستدلال بهما يتم ان كانتا متعرضتين لصورة الشك، و لكن ان كانتا متعرضتين لبيان الحكم ثبوتا فلا يمكن الاستدلال بهما، نعم يرد الاشكال بانه ان كانت الروايتان و نظائرهما فى مقام بيان اصل حكم المنى ثبوتا لا فى مقام بيان الشبهة المصداقية فلازمه القول باعتبار الشهوة فى وجوب الغسل بمجرد خروج المنى مطلقا و عدم وجوبه مع عدم الشهوة و لا يمكن الالتزام به، و لكن كما

قلنا فى الجهة الخامسة يمكن كون التقييد بالشهوة من باب كونها سببا عاديا لمعرفة المنيّ عند

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 30

الملاعبة و التفخيذ و امثالهما فلا يستفاد تعليق الحكم بها بحيث ينتفى بانتفائها فمع كون الاخبار فى مقام بيان اصل حكم المنى ثبوتا لا فى مورد الشك لا يوجب الاخذ بهذه الاخبار القول باعتبار الشهوة فى كون خروج المنى سببا للجنابة و وجوب الغسل.

و على كل حال بعد احتمال كون الروايتين في مقام بيان الحكم ثبوتا لا في مقام بيان حكم صورة الشك فلا يمكن الاستدلال بهما لصورة الشك و ان اخذ بهذه الاخبار للمورد فغاية ما يستفاد منها اعتبار الشهوة فقط فى المرأة لا الفتور و دعوى ملازمة الشهوة مع الفتور ينافى اعتباره أولا لان ذكر الشهوة مغنية عنه فلا حاجة الى اعتباره.

و ينافى مع دعوى اعتبار وجود كل منهما بحيث لو لم يكن احدهما لا يحكم بكون الخارج منيّا ثانيا.

فتلخص ان ما يقتضي القاعدة فى صورة الشك بالنسبة الى المرأة القول باجتماع الصفات الثلاثة كالرجل فى الحكم بوجوب الغسل ان قلنا بإلغاء قيد خصوصية الرجل المذكور فى رواية على بن جعفر المتقدم ذكرها الدالة فى الرجل على اعتبار اجتماع الصفات الثلاثة فى كون الخارج منه منيا يوجب الغسل فلا يكون فرق بين الرجل و المرأة فى صورة الشك.

و اما ان قلنا بعدم الغاء خصوصية الرجل و دخل الرجولية فى هذا الحكم فيكون المورد بالنسبة الى المرأة من الشبهة الموضوعية و لا يجب الفحص عليها من ان الخارج منها المنى او غيره فعلى هذا ان كانت حالتها السابقة الطهارة تستصحب الطهارة و ان ارادت الاحتياط بحيث تجمع بين كل

الاحتمالات فمع كون الخارج واجدا للصفات الثلاثة او واحدة منها فتارة يكون محدثة بالحدث الاصغر بحسب حالتها السابقة فتجمع بين الوضوء و غسل الجنابة و تارة تكون حالتها السابقة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 31

الطهارة سواء كانت الطهارة من الحدث الاصغر او عن الحدث الاكبر اعنى الجنابة فيكفى لرعاية الاحتياط غسل الجنابة فقط و تارة تكون حالتها السابقة الحدث الاكبر اعنى الجنابة فيحصل الاحتياط بالغسل فقط و لا تحتاج الى الوضوء فافهم.

***

[الثانى: الجماع]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثانى: الجماع و ان لم ينزل و لو بادخال الحشفة او مقدارها من مقطوعها فى القبل او الدبر من غير فرق بين الواطئ و الموطوء و الرجل و المرأة و الصغير و الكبير و الحى و الميّت و الاختيار و الاضطرار فى النوم او اليقظة حتى لوا ادخلت حشفة طفل رضيع فانهما يجنبان و كذا لو دخلت ذكر ميّت او ادخل فى ميّت و الاحوط فى وطى البهائم من غير انزال الجمع بين الغسل و الوضوء ان كان سابقا محدثا بالاصغر و الوطي فى دبر الخنثى موجب للجنابة دون قبلها الّا مع الانزال فيجب الغسل عليه دونها الا ان تنزل هى أيضا و لو ادخلت الخنثى فى الرجل او الانثى مع عدم الانزال لا يجب الغسل على الواطئ و لا على الموطوء و اذا أدخل الرجل بالخنثى و الخنثى بالانثى وجب الغسل على الخنثى دون الرجل و الانثى.

(1)

اقول لا اشكال فى موجبية الجماع لغسل الجنابة فى الجملة نصا و فتوى فما ينبغى التكلم فيه البحث عن الجهات الراجعة الى المسألة و قبل الورود فى الجهات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 32

ينبغى

ذكر بعض الروايات المربوطة بالمقام

فتقول بعونه تعالى.

الاولى: ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام (قال سألته متى يجب الغسل على الرجل و المرأة فقال اذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم) «1».

الثانية: ما رواها محمد بن إسماعيل يعنى اين بزيع (قال سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة قربيا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقلت التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال نعم). «2»

الثالثة: ما رواها على بن

يقطين (قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضى إليها و لا ينزل عليها أ عليها غسل و ان كانت ليست ببكر ثم اصابها و لم يفض إليها أ عليها غسل قال اذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر و غير البكر). «3»

الرابعة: ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبي (قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أ عليه غسل قال كان على عليه السّلام يقول اذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل قال و كان على عليه السّلام يقول كيف لا يوجب الغسل و الحد يجب فيه و قال يجب عليه المهر و الغسل) «4».

الخامسة: ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال جمع عمر بن الخطاب اصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سلم فقال ما تقولون فى الرجل يأتى اهله فيخالطها و لا ينزل فقالت الانصار الماء من الماء و قال المهاجرون اذا التقى الختانان فقد وجب عليه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 33

الغسل فقال عمر لعلى عليه السّلام ما تقول يا أبا الحسن فقال على عليه السّلام أ توجبون عليه الحد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من الماء اذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر القول ما قال المهاجرون و دعوا ما قالت الانصار) «1».

و غيرها

من الروايات، اذا عرفت ذلك نقول

يقع الكلام فى جهات:
الجهة الاولى: لا فرق فى موجبية الجماع للجنابة و وجوب الغسل بين ان ينزل او لا

لدلالة بعض الروايات المتقدمة و نصوصية ما فى الرواية السادسة من الروايات المتقدمة فى الموجب الاول (و كان على عليه السّلام لا يرى فى شي ء الغسل الّا فى الماء الاكبر) «2» لا يدل على أنّ موجب الغسل الانزال فقط، لان هذا الانحصار فى قبال ساير المياه الّذي يخرج من الشخص كما فى روايته الاخرى و هى الرواية الخامسة من الروايات المتقدمة فى الأمر الاول (كان على عليه السّلام لا يرى فى المذى وضوء و لا غسلا ما اصاب الثوب منه الا فى الماء الاكبر) كما ان ما رواها محمد بن عذافر (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام متى يجب على الرجل و المرأة الغسل فقال يجب عليهما الغسل حين يدخله و اذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما) «3»، لا يدل على عدم وجوب الغسل بالتقاء الختانين ما لم ينزل لان اطلاق صدره يدلّ على وجوب الغسل بمجرد الدخول و لو لم ينزل غاية الأمر أمر بغسل الفرج بالتقاء الختانين و لا ينفى وجوب الغسل عليه بالتقاء الختانين.

الجهة الثانية: يكفى فى وجوب الغسل و حصول الجنابة بالجماع ادخال الحشفة

و ان لم يدخل الذكر كله لدلالة بعض الاخبار المتقدمة و نصوصيته فى ذلك

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 34

كما فى الرواية الثانية و مقتضاها عدم كفاية مجرد الدخول اذا لم يكن الداخل تمام الحشفة للتصريح فيها بان التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة مع أن قوله عليه السّلام اذا ادخل كما فى الرواية الاولى لا ظهور له فى كفاية مجرد دخول بعض الذكر لصدق

الدخول كما توهم.

الجهة الثالثة: فى مقطوع الحشفة هل يقال بوجوب الغسل بادخال الذكر بمقدار الحشفة

او يوجب عليه الغسل بمجرد الدخول او لا يجب عليه الغسل و لو بادخال تمام ما بقى من ذكره لان الشرط فى وجوب الغسل التقاء الختانين و مع فقده ينتفى المشروط و هو الغسل.

وجه الاول ان يدعى كون التقدير بالتقاء الختانين و هو غيبوبة الحشفة ميزانا تقديريّا فيكون الاعتبار بالمقدار فما هو المعتبر مقدار الحشفة مضافا الى دعوى الشهرة بل الاجماع على ذلك.

وجه الثاني كفاية مجرد دخول الذكر و لو بعضه الاخبار الدال على اعتبار الدخول و هو يحصل بادخال البعض وجه اعتبار دخول تمام الذكر ما قلنا من أن ظاهر بعض الاخبار اعتبار الدخول فى وجوب الغسل و هو يحصل بدخول الجميع.

وجه الثالث عدم وجوب الغسل على مقطوع الذكر بسبب دخوله هو ان شرط وجوب الغسل مطلقا هو غيبوبة الحشفة و المشروط ينتفى بانتقاء شرطه فلا يجب الغسل بالدخول لعدم تحقق الشرط و هو غيبوبة الحشفة.

اما وجه الاول فمخدوش من حيث جعل الاعتبار بغيبوبة الحشفة تقديرا لان ذلك خلاف ظاهر الدليل اذ الاعتبار بنفسها لا بمقدارها نعم يبقى الاجماع المدعى على هذا الوجه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 35

و اما الوجه الثانى و الثالث فمخدوشان من حيث ان الاعتبار بعد ما كان بغيبوبة الحشفة و كفايتها و عدم كفاية اقل منها فلا يمكن القول بكفاية مجرد الدخول فى وجوب الغسل و لا دخول الذكر بتمامه و اما الوجه الرابع فلا اشكال فيه فى حد ذاته بل هو أوجه الاقوال دليلا لو لا ما ادعى من الشهرة و الاجماع على القول الاول فاذا نقول أوجه الاقوال القول الرابع لكن لاجل الاجماع او الاتفاق المدعى و لان الالتزام بعدم وجوب

الغسل من رأس مشكل اعتبارا نقول بان الاحوط وجوبا الغسل بدخول مقدار الحشفة للمقطوع حشفته.

الجهة الرابعة: المقطوع بعض حشفته

هل يكفى فى وجوب الغسل عليه دخول ما بقى من حشفته او نقول بكل ما قلنا فيمن قطع تمام حشفته.

و لا يرى دعوى الاجماع هنا على احد الاحتمالات فيما راجعنا من كلماتهم او محكى كلماتهم.

اما الالتزام بكفاية دخول ما بقى من حشفته فى وجوب الغسل فلا وجه له لان الموجب ان كان خصوص الحشفة فهى ليست الا تمامها لا بعضها و ان كان مقدارها لا خصوص نفسها فلا بد من ان يكون الداخل بمقدارها حتى يجب الغسل لا بعضها.

كما ان القول بكفاية مسمى دخول الذكر فى الفرض و لو لم يدخل تمام بعض الباقى من الحشفة او القول بوجوب الغسل بدخول تمام الذكر مما لا دليل عليه لانه بعد ما دل بعض النصوص على كون الموجب للغسل ما اذا التقى الختانان و مفهومه عدم وجوب الغسل اذا لم يلتق الختانان و ان دخل ما بقى من الذكر فلا يكفى دخول الباقى للغسل و ان كان تمامه فان قلنا بان النظر فى جعل الموجب التقاء الختانين الى المقدار لا لخصوصها فلا بد ان يقال فى الفرض بان الغسل يجب اذا كان الدخول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 36

بمقدار الحشفة و ان لم نقل بذلك فالمستفاد من تعليق وجوب الغسل بالتقاء الختانين و كون اطلاق الشرط يقتضي دخله فى المشروط مطلقا عدم وجوب الغسل فى المورد لعدم غيبوبة الحشفة المعلقة عليها حكم الغسل لكن الاحوط وجوب الغسل فى هذه الصورة أيضا كما قلنا فى الصورة السابقة.

الجهة الخامسة: هل فرق فى موجبية الجماع لوجوب غسل الجنابة بين كونه فى القبل و بين كونه فى الدبر او لا

الكلام فيها تارة يقع فى وجوب الغسل على الواطئ فى الدبر و تارة فى الموطوء و فى كل منهما مرة يكون الموطوء زوجته و حليلية و اخرى

يكون غير اهله سواء كان امرأة أجنبية او غلاما و سواء كان صغيرا او كبيرا او حيّا او ميّتا او عاقلا او مجنونا.

اما الكلام فى الواطئ فى الدبر اذا كان الموطوء اهله من حيث وجوب الغسل عليه و عدمه فقد يتمسك عليه بالاجماع على وجوب الغسل فيمكن دفعه بعدم تحققه مع ما يدعى من مخالفة جمع من القدماء فى الحكم او ترددهم فيه.

و قد يتمسك ببعض الروايات، مثل ما رواها ابن ابى عمير عن حفص بن سوقه عمن أخبره (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتى أهله من خلفها قال هو احد المأتيين فيه الغسل). «1»

و الكلام فى الرواية تارة فى سندها فهى مرسلة لعدم معلوميته الراوى الّذي اخبر حفص بالرواية فهى ضعيفة السند و ما قيل من جبر ضعف سندها بعمل الاصحاب فوجود العمل على طبقها بحيث كان استنادهم بها غير معلوم نعم المقدار المعلوم موافقة مضمونها مع فتواهم و كفاية هذا المقدار فى جبر ضعف سند الرواية

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 37

غير معلوم الا ان يقال ان مرسلات ابن ابى عمير بحكم المسندات و الرواية من جملة مراسيله.

و فيه ان الارسال ان كان من ناحية ابن ابى عمير فهو من افراد ما قيل من أنه يعامل مع مراسيله معاملة المسانيد و لكن ان كان الارسال من ناحية حفص و ابن ابى عمير روى ما روى الحفص فلا يعدّ من مراسيل ابن أبي عمير.

و تارة يقع الكلام فى دلالتها و الظاهر منها وجوب الغسل على الواطئ و لا اشكال فيه و هل يستفاد منها وجوب الغسل

على الموطوء لا يبعد دلالتها لان المستفاد منها ان الوطي فى الدبر حيث يكون احد المأتيين فيه الغسل و مقتضاه انه كما ان الوطي فى القبل يوجب الغسل كذلك في الدبر و كما انه يوجب الغسل للواطى و الموطوء كذلك الدبر.

و هل يمكن التعدى من مورد الرواية و هو كون الموطوء اهله الى غير الاهل يحتمل ذلك لانه مضافا الى عدم خصوصية لما كان الموطوء عياله فى وجوب الغسل بل الرواية مشعرة او دالة على كون وجه وجوب الغسل بالدخول فى الدبر كونه احد المأتيين فلا فرق بين كون الموطوء اهله و حلالا او كونه غيره و حراما كما لا فرق فى ذلك فى الوطي فى القبل.

و لو تم هذا يسهل الخطب فى كل الصغريات المذكورة فى المقام و نقول بوجوب الغسل على الواطئ و الموطوء كان الزوج و الزوجة او غيرهما سواء كان الواطئ او الموطوء صغيرا او كبيرا و حيّا او ميّتا.

و فى قبال ذلك بعض الروايات يمكن ان يستدل بها على عدم وجوب الغسل على المرأة اذا أتاها الرجل فى دبرها مثل ما رواها الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سالته عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أ عليها غسل ان هو أنزل و لم تنزل هى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 38

قال ليس عليها غسل و ان لم ينزل هو فليس عليه غسل. «1»

وجه الاستدلال شمول ما دون الفرج بإطلاقه للدبر لان الفرج هو القبل و ما دونه يشمل الدبر فمع فرض شموله للدخول فى الدبر لم يجب الغسل عليها.

و فيه ان ظاهرها هو الاصابة بنحو الملاعبة و الملامسة مع المرأة بغير الدخول و

لهذا لا يجب الغسل عليها نعم لو انزل او انزلت يجب الغسل بسبب الانزال.

و مثل ما رواها البرقى رفعه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا أتى الرجل المرأة فى دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما و ان انزل فعليه الغسل و لا غسل عليها. «2»

و فيه ان الرواية باعتبار كونها مرفوعة تكون ضعيفة السند ليس مقتضى الحجية فيها موجودا مضافا الى ما قد يقال باعراض الاصحاب عنها.

و بعد اللتيا و التى نقول بانه مع دلالة رواية ابن ابى عمير عن حفص بن سوقة عمن اخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام على وجوب الغسل على الواطئ فى دبر اهله و ان كانت مرسلة و قيل بجبر ضعف سندها بعمل الاصحاب و لكن حيث لا نطمئن بكون عملهم بمضمون الرواية لاحتمال كون فتواهم المطابق لمضمون المرسلة من اجل جهة اخرى نقول فى المقام بان الاحوط وجوبا هو وجوب الغسل على الواطئ فى الوطي فى الدبر ان كان الموطوء اهله و قد يتمسك على وجوب الغسل على الواطئ فى الدبر بما فى الرواية الرابعة و هو قول عليه السّلام كيف لا يوجب الغسل و الحد يجب عليه «3» و ما فى الخامسة من الروايات المتقدّمة (أ توجبون عليه الحد و الرجم و لا توجبون عليه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 39

صاعا من الماء) «1» بدعوى استفادة الملازمة بين الحد و الغسل فكما يجب الحد و الرجم يجب الغسل و بعد كون

الوطي فى الدبر موجبا للحد فيجب عليه الغسل.

و فيه ان الملازمة ان استفادت من الروايتين فتكون فى صورة التقاء الختانين لان مورد الكلام فيهما فى هذا المورد و ان التقاء الختانين كما يوجب الحد يوجب الغسل لان كل مورد قلنا بوجوب الحد لا بدّ من ان يقال بوجوب الغسل بالملازمة كما أنّه لا وجه للتمسك بالمرسلة المذكورة فى بعض الكتب (ما أوجب الحد اوجب الغسل) لضعف الرواية بارسالها.

اذا عرفت حال وجوب الغسل على الواطئ فى الدبر من حيث ان الاحوط وجوب الغسل عليه فيما كان الموطوء اهله يقع الكلام فيما اذا كان الموطوء غير أهله سواء كان رجلا او امرأة فالحكم بوجوب الغسل عليه تمسكا بالمرسلة المتقدمة لا وجه له لانه لا يكون الوطي فى دبر غير حليلة الشخص أحد المأتيين فلا يبقى فى البين الا الاجماع المنقول و لا يمكن الافتاء بوجوب الغسل على طبق هذا الاجماع نعم نقول هو الاحوط وجوبا.

كما انه ان كان الموطوء صغيرا او كان الواطئ صغيرا ففى وجوب الغسل على الواطئ اشكال نعم هو الاحوط كما انه لو كان الموطوء ميّتا و ان كان حليلته ففى وجوب الغسل اشكال و ان كان هو الاحوط و اما ان كان الموطوء مجنونا فان كان حليلته فالكلام فيه هو الكلام فيما لا يكون مجنونا بل كان عاقلا لانه لو لم نشكل فى سند المرسلة المتقدمة اعنى مرسلة حفص فهو أحد المأتيّين فيه الغسل و الّا فالاحوط وجوبا الغسل على الواطئ كما ان الموطوء ان كان مجنونا غير حليلته فحكمه حكم غير المجنون من ان الاحوط وجوب الغسل على الواطئ و اما ان كان

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 6 من ابواب الجنابة

من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 40

الموطوء البهيمة فوطئ دبرها او قبلها فلم أجد دليلا على وجوب الغسل غير دعوى الاجماع و هو مع وجود الخلاف لا يعبأ به نعم نقول هو الاحوط.

هذا كله بالنسبة الى الواطئ.

و اما الكلام فى وجوب الغسل على الموطوء اذا كان الوطي فى دبره فنقول بعونه تعالى.

اما الكلام فيما كان الموطوء حليلته و اهله فان لم نشكل فى سند مرسلة حفص فكما قلنا يستفاد منها وجوب الغسل على كل من الواطئ و الوطء، لان وجه وجوب الغسل كون الدبر أحد المأتيين فكما يجب على الواطئ يجب الغسل على الموطوء، و ان أشكلنا فى سندها فبعد دعوى الاجماع عن بعض و وجود هذه الرواية نقول بان الاحوط وجوبا الغسل على الموطوء ان كان زوجة الواطئ و حليلته و لا مجال للتمسك بالرواية الرابعة و الخامسة على وجوب الغسل بدعوى دلالتهما على التلازم بين الحد و الغسل.

و كذا المرسلة المذكورة فى بعض الكتب (ما أوجب الحد أوجب الغسل) لما قلنا فى جوابه فى طى الكلام فى وجوب الغسل على الواطئ ان كان الموطوء زوجته فراجع من هنا تعرف عدم تمامية الاستدلال بهذه الرواية على وجوب الغسل فى الموارد الآتية و أمّا ان كان الموطوء غير زوجة الواطئ سواء كان امرأة اجنبية او غلاما صغيرا كان او كبيرا حيّا كان او ميّتا عاقلا كان الواطئ او مجنونا فلا يبقى فى البين دليل على وجوب الغسل على الموطوء الا بعض الاجماعات المنقولة فى كل مواردها او بعضها فالاحوط وجوب الغسل فى مقام العمل و ان لم أجد دليلا عليه حتى نقول بوجوب الغسل.

و اشكل من كل ذلك ما اذا كان

الواطئ ميّتا بان ادخل الموطوء ذكر الميت فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 41

دبره لعدم الدليل الا استصحاب بقاء حكم وجوب الغسل بعد الممات فيقال ان كان حيّا كان الواجب عليه الغسل كذلك بعد حياته.

و فيه ان بعد احتمال دخل الحياة فى الحكم لا وجه للاستصحاب فلا دليل عليه نعم الأحوط وجوب الغسل.

و اعلم ان فى كل مورد قلنا بان الاحوط هو الغسل لا بدّ لحفظ الاحتياط الجمع بين الوضوء و الغسل فى بعض الموارد مثل ما اذا كان محدثا بالحدث الأصغر او كان متوضأ و لكن لم يستبرأ عن البول ان كان رجلا.

الجهة السادسة: فى وطى الخنثى و الكلام فيه فى موارد:
المورد الاول: فى حكم الواطئ فى دبر الخنثى

فاعلم ان حكمه حكم الوطي فى دبر غيرها من حيث وجوب الغسل على الواطئ و الموطوء و عدمه.

المورد الثانى: لا اشكال فى حصول الجنابة و وجوب الغسل بالوطى فى قبل الخنثى

مع الانزال على الواطئ.

المورد الثالث: فى الدخول فى قبل الخنثى مع عدم انزال المنى

من الواطئ فهل يجب الغسل على كل منهما او يجب على خصوص الواطئ او لا يجب على الواطئ و هو غير الخنثى و الموطوء و هو الخنثى اعلم انه بعد كون وجوب الغسل و تحقق الجنابة من الدخول فى القبل متفرعا على كونه فرجا بمقتضى الاخبار التى ذكرنا بعضها فى صدر المبحث و كون قبل الخنثى فرجا غير معلوم فمقتضى استصحاب الطهارة فى الشك فى طرو الحدث يحكم ببقاء الطهارة فلا يجب الغسل لا على الواطئ و لا الموطوء.

المورد الرابع: فيما كان الواطئ هو الخنثى و الموطوء غيرها

ذكرا كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 42

الموطوء أو انثى فكما قلنا فى صورة كون الخنثى موطوءة بعدم وجوب الغسل كذلك فى عكسه للشك فى كون الدخول بآلة الرجال و ما يوجب الجنابة و الغسل هو التقاء الختانين الحاصل بادخال حشفة الرجل فى فرج المرأة بالتقاء ختانه و ختانها فيستفاد منه كون الموجب هو ادخال آلة الرجل فى فرج المرأة و مع الشك فى آلية ما ادخله يشك فى حصول الجنابة فمع الشك يستصحب الطهارة.

المورد الخامس: فيما قال المؤلف و اذا ادخل الرجل بالخنثى

و الخنثى بالانثى وجب الغسل على الخنثى دون الرجل و الانثى فتقول بعونه تعالى ان مفروض الكلام لا بدّ و ان يكون الدخول الرجل فى قبل الخنثى و الا لو كان فى دبره فيكون حكمه ما عرفت فى المورد الاول و ان حكم الوطي فى دبرها حكم الوطي فى دبر غيرها.

و اما بالنسبة الى دخول الخنثى بالانثى فلا فرق فيما قال من عدم وجوب الغسل على الانثى بين ان يكون وطئها الخنثى فى دبرها او قبلها للشك فى كون الداخل آلة الرجال.

و أيضا هذا الحكم الّذي ذكره من عدم وجوب الغسل على الذكر و الانثى و وجوبه على الخنثى يكون مبنيا على عدم كون الخنثى الطبيعة الثالثة بل هى اما من طبيعة الرجل او الانثى لانها على تقدير كونها الطبيعة الثالثة لا يحصل لها العلم الاجمالى بوجوب الغسل عليه اذا عرفت ذلك تقول فى بيان مراد كلام المؤلف رحمه اللّه.

بانّه اذا ادخل الرجل بالخنثى لا يجب الغسل عليه اذا كان دخوله فى قبلها لانه يشك فى كون دخوله فى الفرج أولا لعدم علمه بكون الخنثى المدخول بها الانثى بل ربما كان رجلا فلا يجب الغسل على

الرجل و كذا فيما دخلت الخنثى بالانثى لا يجب الغسل على الانثى لعدم علمها بان ما ادخل فى خرجها هو كان آلة الرجل أو لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 43

لاحتمال كون الخنثى فى الواقع الانثى و ما يوجب الغسل على الانثى ادخال آلة الرجل فمع الشك تستصحب الطهارة.

نعم يكون الرجل فى مفروض الكلام و الانثى مثل و اجدى المنى فى الثوب المشترك بينهما لكن لا يتنجّز العلم الاجمالى بالنسبة الى واحد منهما فلا يجب الغسل عليهما.

و اما الخنثى فى مفروض الكلام فيجب عليه الغسل للعلم الاجمالى بكونها جنبا اما بكونها واقعا الانثى فيجب عليها الغسل لكونها موطوئا لدخول الرجل بها و اما من باب كونها واطئا من باب كونها رجلا فقد وطى الانثى فيجب عليها الغسل لفرض كونها واقعا اما الرجل و اما الانثى بناء على عدم كونها طبيعة ثالثة نعم كما قدمنا بناء على كونها طبيعة ثالثة لا يجب عليها الغسل لعدم علمه الاجمالى بوجوب الغسل عليه.

***

[مسئلة 1: اذا رأى فى ثوبه منيّا و علم انه منه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا رأى فى ثوبه منيّا و علم انه منه و لم يغتسل بعده وجب عليه الغسل و قضاء ما تيقن من الصلوات التى صلاها بعد خروجه و اما الصلوات التى يتحمل سبق الخروج عليها فلا يجب قضائها و اذا شك فى ان هذا المنى منه او من غيره لا يجب عليه الغسل و ان كان أحوط خصوصا اذا كان الثوب مختصا به و اذا علم انه منه و لكن لم يعلم انه من جنابة سابقة اغتسل منها او جنابة أخرى لم يغتسل لها لا يجب عليه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 44

الغسل أيضا لكنه احوط.

(1)

اقول

يقع الكلام فى موارد:

المورد الاول: اذا رأى في ثوبه منيا و علم انه منه و لم يغتسل بعده

و الكلام فيه تارة يقع فى وجوب الغسل عليه فهو واضح لانه بعد علمه بالجنابة و علمه بانه منه و لم يغتسل بعده يجب عليه الغسل لانه بعد حصول الجنابة يجب الغسل.

و تارة يقع الكلام فى وجوب قضاء الصلوات التى تيقّن انه اتى بها بعد خروج المنى فهو أيضا واضح لفقد شرطها و هو الطهارة عن الحدث كما مرّ فى محله.

و تارة يقع الكلام فى الصلوات التى يحتمل سبق خروج المنى عليها كما يتحمل سبقها على خروج المنى فلا يجب قضاء هذه الصلوات لجريان قاعدة الفراغ فيها لانه يشك بعد الفراغ منها فى صحتها لاجل الشك فى شرطها و هو الطهارة فيحكم بصحتها بمقتضى اصالة الصحة اعنى قاعدة الفراغ.

المورد الثانى: ما اذا شك فى ان هذا المنىّ مثلا المنىّ الّذي يرى فى ثوبه هل هو منه او هو من غيره

فهل يقال بعدم وجوب الغسل عليه او يقال بالتفصيل بين ما اذا رأى فى ثوبه المختص يحكم بكونه منه فيجب عليه الغسل و بين ما اذا كان فى الثوب المشترك بينه و بين غيره فيقال بعدم وجوب الغسل عليه مطلقا سواء كان رأى في الثوب المشترك فى النوبة التى جعلت له بمقتضى جعله مع شريكه او راى فى زمان نوبة شريكه او يقال بالتفصيل بين ما اذا راى المنى فى الثوب المشترك دفعة كلحاف او عباء ينامان تحتهما فى وقت واحد دفعة فيقال بعدم وجوب الغسل عليه و بين ما اذا راى المنى فى الثوب المختص او المشترك بينه و بين غيره على سبيل التناوب فيحكم بالجنابة و يجب عليه الغسل و هذه احتمالات فى المسألة بل اقوال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 45

فى المسألة.

اذا عرفت ذلك نقول بان أقوى الاحتمالات هو الاحتمال الاول بمقتضى القاعدة للشك فى حدوث الحدث فيستصحب الطهارة.

و

العلم الاجمالى بحدوث المنى لا يوجب التنجز فى الثوب المشترك على احد من الشريكين كما مرّ فى مبحث العلم الاجمالى فى واجدى المنى فى الثوب المشترك.

و مع قطع النظر عما تقضيه القاعدة يمكن ان يستدل على الاحتمال الاول من الاحتمالات بما رواها ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب بثوبه منيا و لم يعلم انه احتلم قال ليغسل ما وجد بثوبه و ليتوضأ. «1»

بدعوى دلالتها على ان مورد السؤال اصابة الثوب المختص به لتعبيره فى السؤال بلفظ (ثوبه) الظاهر فى كون الثوب مختصا به منيّا و مقتضى تنكير المنى هو كون شكه فى ان هذا المنى يكون منه او من غيره و لم يعلم بانه احتلم فيستفاد انه يشك فى المنى الموجود فى ثوبه بانه منه او من غيره فلم يأمره الامام عليه السّلام فى جوابه بان يغسل بل قال ليغسل ما وجد بثوبه من باب نجاسته بالنجاسة الخبثية و هى المنى الواقع عليه و أمره بالوضوء يكون فى صورة كونه محدثا بالحدث الاصغر و انه ان كان عليه شي ء فهو الوضوء لإمكان كونه محدثا بالحدث الاصغر و اما الغسل فلا مورد له لعدم كونه محدثا بالحدث الاكبر فتدل الرواية على عدم وجوب الغسل فى صورة الشك فى كون المنى منه او من غيره و هو محل كلامنا.

و مورد الرواية و ان كان مورد يكون الثوب الواقع فيه المنى الثوب المختص و لكن تدل على عدم وجوب الغسل اذا كان المنى المشكوك كونه منه او من غيره فى الثوب المشترك بالفحوى و الاولوية القطعية فالرواية دليل على القول الاول و

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الجنابة من

الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 46

تكون مطابق القاعدة و ما يأتى بالنظر عاجلا تمامية الاستدلال.

و فى قبال ذلك قد يقال بدلالة بعض الروايات على القول الثانى و هو ما رواها عثمان بن عيسى بن سماعة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام و لم ير فى نومه أنّه احتلم فوجد فى ثوبه و على فخذه (جسده خ) الماء هل عليه غسل قال نعم «1».

و ما رواها ذرعة عن سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن الرجل يرى فى ثوبه المنى بعد ما يصبح و لم يكن رأى فى منامه انه قد احتلم قال فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته) «2»، لان مفروض الروايتين كون ثوبه المختص به قد راى فيه البلل على ما فى الاولى و المنى على ما فى الثانية و لا يعلم انه منه و مع هذا امر فيهما بوجوب الغسل فتدل الرواية على ان ما راى من المنى ان كان فى ثوبه المختص به يجب عليه الغسل مع فرض شكه فى كون المنى منه.

و اما فيما رأى فى الثوب المشترك فلا يجب الغسل لكون مقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل للشك فى حدوث موجبه فيستصحب الطهارة و لا دليل فى البين فى هذا الشق على خلاف القاعدة.

اعلم انه يتحمل احتمالا قريبا ان هاتين الروايتين رواية واحدة لان الراوى عن المعصوم عليه السّلام فى كل منهما هو ساعة كما ترى أقول يحتمل فى الروايتين احتمالان الاول ما ذكرنا فى وجه التمسك بها على الاحتمال الثانى من الاحتمالات الثلاثة و هو ان يكون موردهما شك الشخص فى كون المنى الواقع على الثوب منه او

من غيره.

الاحتمال الثانى ان موردهما صورة علم الشخص بكون المنى من نفسه و لكن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 47

علة سؤاله عنه و عن ايجابه للغسل هو انه لم ير فى منامه انه احتلم كما عليه بعض العامة على ما حكى من اعتبار تذكر احتلامه فى النوم فى وجوب الغسل فنقول ان ظاهر الروايتين هو الاحتمال الثانى لان المفروض فى الاولى هو انه ينام و لم ير فى نومه انه احتلم فوجد فى ثوبه و فخذه الماء و من الواضح انه لا اشكال عنده فى كون ما على ثوبه و فخذه من الماء يكون منه و لكن شكه فى تكليفه يكون من باب عدم رؤية احتلامه فى النوم فأمر عليه السّلام بوجوب الغسل لعدم دخل رؤية الاحتلام فى المنام فى وجوب الغسل بعد كونه منيّا.

و كذا فى الرواية الثانية لانه فرض انه يرى فى ثوبه المنى بعد ما يصبح و لم يكن رأى فى منامه أنّه قد احتلم قال فليغتسل فظاهر السؤال مفروغية كون المنى منه و لهذا قال بعد ما يصبح و لم يكن رأى فى منامه أنه قد احتلم و شكه ليس الا من باب عدم رؤيته فى المنام و تخيل دخل ذلك فى وجوب الغسل مع فرض علمه بكون المنى منه و جواب الامام عليه السّلام بوجوب الغسل لبيان عدم دخل رؤية الاحتلام فى المنام فى وجوب الغسل كما ربما يقولون به بعض العامة من دخل الرؤية فى المنام فى وجوب الغسل فرد قولهم بامره بالغسل فالروايتان ظاهرتان

فى الاحتمال الثانى و لو ابيت عن ظهور هما فى الاحتمال الثانى فلا أقل من عدم ظهور هما فى الاحتمال الاول فهو يكفى لعدم امكان الذهاب بالتفصيل بين الثوب المختص و بين غيره فى وجوب الغسل و عدمه و هو الاحتمال الثانى من الاحتمالات الثلاثة فى المسألة فتلخص ان الاقوى هو الاحتمال الاول و هو عدم وجوب الغسل فيما يشك فى كون المنى منه او من غيره مطلقا و لكن مع ذلك الاحتياط خصوصا فيما كان المنى فى ثوبه المختص به حسن.

المورد الثالث: اذا علم ان المنى منه و لكن لا

يعلم انه من جنابة سابقة اغتسل منها او من جنابة اخرى لم يغتسل لها هل يجب الغسل عليه أو لا يجب الغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 48

عليه مثلا راى المنى ليلة الجمعة و اغتسل منه ثم راى يوم الجمعة فى ثوبه منيا يشك فى انه هل هو من المنى الّذي خرج منه ليلة الجمعة و اغتسل منه او من منى آخر خرج عنه بعد غسله من المنى الخارج ليلة الجمعة فلم يغتسل منه.

و فى المورد لا يجب عليه الغسل لان شكه يرجع الى الشك فى جنابة يوم الجمعة و هى مشكوكة فيحكم بالطهارة لاستصحاب الطهارة المتيقّنة بالغسل للمنى الخارج منه ليلة الجمعة.

***

[مسأله 2: اذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السابق منهما]

قوله رحمه اللّه

مسأله 2: اذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السابق منهما وجب عليه الغسل الا اذا علم زمان الغسل دون الجنابة فيمكن استصحاب الطهارة حينئذ.

(1)

اقول قد مضى فى المسألة 37 من المسائل المتعلّقة بفصل شرائط الوضوء حكم ما اذا علم بالحدث و الوضوء و يشك فى السابق منهما فحكم مسئلتنا عين المسألة 37 من حيث الحكم و قد بينّا بانه فى صورة الجهل بتاريخ كل منهما و كذا فيما علم تاريخ الحدث و جهل بتاريخ الوضوء يجب الوضوء و كذلك قلنا خلاف المؤلف رحمه اللّه بانه مع الجهل بتاريخ الحدث و العلم بتاريخ الوضوء يبنى على انه محدث فيجب الوضوء و بينّا وجه كل ذلك.

ففي المقام نقول بوجوب الغسل مطلقا اذا علم بهما و شك فى المتقدم و المتاخر منهما سواء كانا مجهولى التاريخ او كان احدهما معلوم التاريخ و الآخر منهما مجهول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 49

التاريخ فلا حاجة

فى اعادة مبنى الفتوى هنا مجدّدا راجع المسألة المذكورة.

***

[مسئلة 3: فى الجنابة الدائرة بين شخصين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: فى الجنابة الدائرة بين شخصين لا يجب الغسل على واحد منهما و الظن كالشك و ان كان الاحوط فيه مراعاة الاحتياط فلو ظنّ أحدهما انه الجنب دون الآخر اغتسل و توضأ أن كان مسبوقا بالاصغر.

(1)

اقول اما عدم وجوب الغسل على واحد منهما فلان كلا منهما مستصحب الطهارة.

و العلم الاجمالى بكون احدهما جنبا لا يكون منجّزا لان العلم الاجمالى و ان كان منجزا للتكليف كالعلم التفصيلى لكن يكون تنجّزه منوطا بكون كل من اطراف العلم محل الابتلاء و فى المقام لا يكون طرفا العلم الاجمالى محل الابتلاء لكل واحد منهما لان كل شخص من الشخصين يكون خارجا عن محل الابتلاء بالنسبة الى الآخر فلا يتنجز العلم الاجمالى فلا مانع من استصحاب الطهارة لكل واحد من الشخصين هذا اذا كان شاكا بمعنى تساوى طرفى الاحتمال بالنسبة الى نفسه و غيره بمعنى ان احتماله بالنسبة الى كونه منه او من غيره مساويا.

و اما لو ظن احدهما بالظنّ الغير المعتبر بكونه الجنب او عدم كون الأخر جنبا فأيضا لا فرق فيما قلنا من عدم وجوب الغسل لان استصحاب الطهارة يجرى حتى مع الظن الغير المعتبر بالخلاف كما أمضينا فى الاصول نعم الاحتياط حسن بالغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 50

و الوضوء ان كان محدثا بالحدث الاصغر حتى فى صورة تساوى طرفى الشك و فيما ظن بكونه جنبا يكون احسن لرجحان احتماله و مرجوحية احتمال خلافه.

***

[مسئلة 4: اذا دارت الجنابة بين شخصين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا دارت الجنابة بين شخصين لا يجوز لاحدهما الاقتداء بالآخر للعلم الاجمالى بجنابته او جنابة امامه و لو دارت بين ثلاثة يجوز لواحد او الاثنين منهم الاقتداء بالثالث لعدم العلم حينئذ و

لا يجوز لثالث علم اجمالا بجنابة احد الاثنين او احد الثلاثة الاقتداء بواحد منهما او منهم اذا كانا او كانوا محل الابتلاء له و كانوا عدولا عنده و الّا فلا مانع و المناط علم المقتدى بجنابة احدهما لا علمهما فلو أعتقد كل منهما عدم جنابته و كون الجنب هو الآخر او لا جنابة لواحد منهما و كان المقتدى عالما كفى فى عدم الجواز كما انه لو لم يعلم المقتدى اجمالا بجنابة احدهما و كانا عالمين بذلك لا يضر باقتدائه.

(1)

اقول الكلام فى المسألة يقع فى طى مواضع:

الموضع الاول: فى انه هل يجوز فيما دارت الجنابة بين الشخصين ان يقتدى احدهما بالآخر
اشارة

أم لا اعلم أنّ المسألة ذات قولين لذهاب جمع من القدماء و المتأخرين على عدم الجواز كما ذهب بعض آخر كما حكى عن بعض كتب العلامة و عن غيره القول بالجواز فى المسألة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 51

وجه عدم جواز الاقتداء هو انه بعد العلم الاجمالى للمأموم اما بجنابة نفسه او جنابة الامام الّذي يريد الاقتداء به فيعلم تفصيلا ببطلان صلاته اما لبطلان صلاة نفسه ان كان هو الجنب و اما لبطلان صلاة الامام ان كان هو الجنب فلهذا لا يجوز اقتداء احدهما بالآخر أما وجه جواز الاقتداء بعض امور:

الأمر الاول: انه يكفى فى صحة الاقتداء صحة صلاة الامام ظاهرا

عند نفس الامام و لو لم يحرز المأموم صحة صلاته بمحرز و لو بالاصل فيقال فى المقام بعد كون صلاة الامام صحيحة ظاهرا لاستصحاب الطهارة و عدم منجّزية العلم الاجمالى بالنسبة إليه يصحّ اقتداء الآخر به.

و فيه ان ما قيل من كفاية الصحة الظاهرية لصحة الاقتداء محل منع بل لا بدّ للمأموم احراز صحة صلاة الامام غاية الامر يكفى احراز صحتها و لو باصل مثلا اصالة الصحة او استصحاب الطهارة و فى المقام لا يمكن الاحراز حتى بالاصل لان اصالة الصحة فى صلاة الامام او استصحاب طهارته معارضة باصالة الصحة فى صلاة الماموم او استصحاب طهارته فانه مع العلم الاجمالى بجنابة احدهما لا يمكن اجراء اصالة الصحة او اصالة الطهارة بالنسبة الى كل من الامام و الماموم فلا يصحّ الاقتداء.

الأمر الثانى: ان كون الانزال المتحقق من شخص لا بعينه موجبا للجنابة ممنوع

و ما يوجب الجنابة هو انزال المنى من شخص بعينه لصحة صلاة كل منهما شرعا و لو كان انزال المنى من شخص لا بعينه موجبا للجنابة كان لازمه عدم صحة صلاة كل منهما لتحقق انزال المنى من شخص لا بعينه.

و فيه ان مقتضى ذلك كون انزال المنى موجبا للجنابة عند العلم التفصيلى به و هذا ما لا يمكن الالتزام به لأنّ واقع الانزال موجب للجنابة و العلم طريق إليه سواء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 52

كان العلم هو العلم التفصيلى او الاجمالى.

الأمر الثالث: حصول الطهارة لكل من الامام و المأموم بحكم اصالة الطهارة

و لذا لا يجب على واحد منهما الغسل.

و فيه ان حصول الطهارة لهما ظاهرا من باب استصحاب الطهارة و عدم وجوب الغسل عليهما يكون من باب عدم تنجزّ العلم الاجمالى بالجنابة فى البين كما بينا فى المسألة الثالثة و لكن مع اقتداء واحد منهما بالآخر يعلم تفصيلا ببطلان صلاته و بعبارة اخرى يتولد من العلم الاجمالى بجنابة احد الشخصين علم تفضيلى فى مورد اقتداء احدهما بالآخر ببطلان صلاة المأموم اما لبطلان صلاة نفسه او لبطلان صلاة الامام الّذي اقتدى به فعلى هذا الحق هو عدم الجواز.

الموضع الثانى: في ما لو دارت الجنابة بين الثلاثة او اكثر

يجوز لواحد منهم او الاثنين منهم مثلا الاقتداء بالثالث منهم لعدم حصول العلم التفصيلى حينئذ ببطلان صلاته اما من اجل بطلان صلاته او لاجل بطلان صلاة امامه الّذي يقتدى به لانه فيما يكون الترديد مثلا بين ثلاث نفرات يعلم اجمالا بجنابة واحد منهم فلو اقتدى واحد منهم بواحد آخر من الثلاث لا يحصل للمأموم العلم التفصيلى ببطلان صلاته لاحتمال كون الجنب واقعا هو الثالث الّذي لا يقتدى به، و كذا لو اقتدى الاثنان منهم بثالثهم فلا يعلم كل واحد من المأمومين ببطلان صلاة نفسه او الامام للاحتمال كون الجنب المأموم الآخر واقعا و هكذا اذا كان الترديد بين الاكثر من الثلاث فالعلم التفصيلى ببطلان الصلاة يحصل فيما كان طرف العلم الاجمالى اثنين فلو اقتدى احدهما بالآخر يعلم المأموم ببطلان صلاته اما لبطلان صلاة نفسه ان كان هو الجنب واقعا او لاجل بطلان صلاة امامه ان كان هو الجنب واقعا.

و اعلم ان ما قال المؤلف رحمه اللّه فى هذا الموضع و نحن قلنا به يكون بالنظر الى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 53

اقتداء واحد من الثلاث

الذين يعلمون اجمالا بجنابة احدهم و انه يصح اقتداء واحدا و اثنين منهم بالآخر فلا ينافى ذلك عدم صحة الاقتداء فى الفرض لجهة اخرى مثل ما اذا يريد واحد من هذا الثلاث الاقتداء بالثانى منهم و حمل الثالث منهم فى المسجد فانه يعلم اجمالا اما ببطلان صلاته او حرمة ادخاله الغير اما بطلان صلاته لكون نفسه و امامه طرفى العلم الاجمالى و اما حرمة ادخاله الغير لكون الثالث الطرف الآخر من العلم الاجمالى فعدم صحة الاقتداء فى المثال يكون لاجل جهة اخرى فما من بعض الشراح «1» من الاشكال فى الحكم بجواز الاقتداء اذا كان طرف العلم الاجمالى اكثر من اثنين ليس فى محله.

الموضع الثالث: و لا يجوز لثالث علم اجمالا بجنابة احد الاثنين او احد الثلاثة

الاقتداء بواحد منهما او منهم اذا كانا او كانوا محل الابتلاء له و كانوا عدولا عنده و الا فلا مانع.

اما عدم جواز اقتداء الثالث مثلا زيد يعلم اجمالا بجنابة واحد من العمر و البكر او واحد من العمر و البكر و الخالد فلان مقتضى تنجز العلم الاجمالى كما بينا فى محله فى الاصول هو حرمة ارتكاب الاطراف ان كان المعلوم بالاجمال الحرمة و وجوب الاحتياط باتيان الاطراف ان كان المعلوم بالاجمال الوجوب و اما اعتبار كون كل الاطراف محل الابتلاء فلعدم تنجز العلم الاجمالى لو كان بعض اطرافه خارجا عن محل الابتلاء قبل تعلق العلم نعم لا يضر خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء بعد العلم الاجمالى.

و اما اعتبار كون من يريد الغير الاقتداء به من الاثنين او الثلاث عدو لا فلانه لو كان من يريد الغير الاقتداء به من الاثنين او الثلاث الواقع فى اطراف العلم

______________________________

(1) مصباح الهدى، ج 4، ص 107، للعلامة الآملى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 7، ص: 54

الاجمالى فاسقا او فاقدا لبعض شرائط آخر معتبر فى امام الجماعة بل لو شك فى واجديته لبعض شرائط الامامة ينحل العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى و الشك البدوى لعلمه تفصيلا بعدم جواز الاقتداء بغير العادل او الفاقد لغير العدالة من شرائط امام الجماعة فلا مانع من اجراء الاصل بالنسبة الى غيره من يكون واجدا لشرائط الامامة فيستصحب طهارته و يقتدى به.

الموضع الرابع: فيما يوجب العلم الاجمالى بجنابة احدهما عدم جواز الاقتداء

يكون المناط علم المقتدى (بالكسر) و المأموم لا علم المقتدى (بالفتح) و الامام فلو علم الماموم جنابة الامام او نفسه بالعلم الاجمالى لا يجوز الاقتداء له و ان لم يكن الامام عالما بجنابته اجمالا بل يعلم بعدم جنابته كما أنّه لو علم الامام بجنابته و لم يعلم الماموم جنابته يصح له الاقتداء لان ما هو حجة عليه هو علمه و علم غيره ليس بحجة له لان العلم حجة لعالمه لا بغيره نعم اخبار الشخص عن جنابة نفسه يكون حجة للغير.

فلو لم يعلم المقتدى بجنابة احد الشخصين اجمالا و كانا هما عالمين به لا يضر باقتداء المقتدى بكل واحد منهما لعدم علمه بالحال

***

[مسئلة 5: اذا خرج المنى بصورة الدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا خرج المنى بصورة الدم وجب الغسل أيضا بعد العلم بكونه منيا

(1)

اقول بعد فرض العلم بكون الخارج منيا يشمله اطلاق الادلة الدالة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 55

موجبية انزال المنى للجنابة و وجوب الغسل و ما يقال من ان المنى دم فى الاصل فمع كونه بصورة الدم يتبع الدم فى الحكم لا المنى فغير معلوم مضافا الى انه خلاف الفرض لان الفرض فيما يكون الخارج منيا.

***

[مسئلة 6: المرأة تحتلم كالرجل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: المرأة تحتلم كالرجل و لو خرج منها المنى حينئذ وجب عليها الغسل و القول بعدم احتلامهنّ ضعيف.

(1)

اقول المعروف المشهور ان المرأة تحتلم كما يحتلم الرجل بل ادعى عليه الاجماع نعم حكى عن المقنع عدم وجوب الغسل عليها بالاحتلام اقول الحق هو ان المرأة مثل الرجل فى هذا الحكم أعنى كما ان انزال المنى فى اليقظة او فى النوم.

يوجب الغسل على الرجل كذلك فى المرأة يدلّ عليه بعض النصوص و اما النصوص فلسانها مختلفة بعضها يدل على ان المرأة تنزل كما ينزل الرجل و انه يجب عليها الغسل بانزال المنى عنها و مورده اليقظة.

منها ما رواها إسماعيل بن سعد الاشعرى (قال سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير ان يباشر يعبث بها بيده حتى تنزل قال اذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل) «1».

منها ما رواها اسماعيل بن يزيع (قال سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 56

المرأة فيما دون الفرج و تنزل المرأة هل عليها غسل قال نعم) «1».

منها ما رواها

محمد بن الفضيل (قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة تعانق زوجها من خلفه فتحرك على ظهره فتأتيها الشهوة فتنزل الماء عليها الغسل او لا يجب عليها الغسل قال اذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل) «2».

و بعضها يدلّ على المرأة تحتلم كما يحتلم الرجل و وجب عليها الغسل مع الانزال فى المنام.

منها ما رواها الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن المرأة ترى فى المنام ما يرى الرجل قال ان أنزلت فعليها الغسل و ان لم تنزل فليس عليها الغسل) «3».

منها ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ترى ان الرجل يجامعها فى المنام فى فرجها حتى تنزل قال تغتسل) «4».

منها ما رواها معاوية بن حكيم (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول اذا أمنت المرأة و الامة من شهوة جامعها الرجل او لم يجامعها فى نوم كان او فى يقظة فان عليها الغسل) «5»، تدل على وجوب الغسل على المرأة بانزال المنى منها فى النوم كان الانزال او فى اليقظة جامعها الرجل أو لا.

و بعضها يدل على احتلام المرأة و لكن ينهى فيها ان تحدثوهن فيتخذنه علّة مثل ما رواها اديم بن الحر (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى فى منامها ما

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(5) الرواية 14 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 57

يرى الرجل عليها غسل قال نعم و لا تحدّثوهنّ فيتخذنه علّة) «1».

و يستفاد من بيان الوافى علة قوله عليه السّلام (و لا تحدثوهن فيتّخذنه علة) لعله من باب انه ان فهمت المرأة بانه تنزل و يجب عليه الغسل ربما يصير سببا لفجورها بان تفجر نعوذ باللّه مثلا و تعذر بانها احتلمت و تذهب الى الحمّام للغسل.

و بعضها يدل على عدم وجوب الغسل عليها بسبب انزال المنى عنها سواء كان فى النوم او فى اليقظة.

مثل ما رواها عمر بن يزيد (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمنى عليها غسل فقال ان اصابها من الماء شي ء فلتغسله و ليس عليها شي ء الا ان يدخله قلت فان أمنت هى و لم يدخله قال ليس عليها الغسل) «2» تدل على عدم وجوب الغسل عليها بانزال المنى منها و موردها اليقظة و يدل على الحكم رواية اخرى عن عمر بن يزيد «3».

و مثل ما رواها عمر بن أذينة (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام المرأة تحتلم فى المنام فتهريق الماء الأعظم قال ليس عليها غسل) «4»، و مورد الرواية عدم وجوب الغسل على المرأة بالاحتلام و مفاد الروايتين عدم موجبية انزال المنى فى النوم و اليقظة للغسل فى المرأة.

و بعضها يدل على التفصيل بين النوم و اليقظة فاذا كانت نائمة و رأت ان الرجل يجامعها يجب عليه الغسل و اما اذا كانت فى اليقظة لا يجب عليها الغسل الا

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 18 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 20 من الباب 7 من

ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 21 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 58

بالجماع و لا يجب عليها الغسل ان أمنت فى اليقظة الّا بالجماع.

و هى ما رواها محمد بن مسلم (قال قلت لأبى جعفر عليه السّلام كيف جعل على المرأة اذا رات فى النوم ان الرجل يجامعها فى فرجها الغسل و لم يجعل عليها الغسل اذا جامعها دون الفرج فى اليقظة قال لأنها رأت فى منامها ان الرجل يجامعها فى فرجها فوجب عليها الغسل و الآخر انما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لانه لم يدخله و لو كان ادخله فى اليقظة وجب عليها الغسل أمنت او لم تمن) «1»، بعد حمل وجوب الغسل فى النوم على صورة الانزال لعدم وجوب الغسل بالنوم بلا انزال حتى بالنسبة الى الرجال.

فظهر مما ذكرنا من الاخبار ان طائفة منها تدل على ان المرأة تمنى كما يمنى الرجل فى اليقظة و النوم و ينزل عنها المنى كما ينزل عن الرجل و طائفة منها تدل على ذلك مع اضافة انه لا تحدثوهنّ فيتّخذنه علّة و موردها حال النوم و طائفة منها تدل على عدم وجوب الغسل عليها بانزال المنى و تشمل حال النوم و اليقظة لان بعض رواياته وردت فى النوم و بعضها فى اليقظة و طائفة منها تدل على التفصيل بين النوم و اليقظة فان كان فى النوم فلا يجب عليها الغسل و ان كان فى اليقظة ففى انزال المنى عنها يجب الغسل.

فيقع التعارض بين الطائفة الدالّة على وجوب الغسل على المرأة بانزال المنى عنها و بين الطائفة الدالة على عدم وجوب الغسل عليها بالانزال فقد يقال بان

ما يدل على عدم وجوب الغسل لا يشمله دليل حجية الخبر الواحد لان الخبر الحجة هو الخبر الموثوق به و حيث ان ما يدل على عدم وجوب الغسل مما اعرض عنه الاصحاب فلا يشمله دليل حجة الخبر الواحد فيبقى ما يدل على وجوب الغسل بلا

______________________________

(1) الرواية 19 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 59

معارض و احتمال كون فتوى الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم على وجوب الغسل يكون من باب الجمع الدلالى بين الطائفتين لا من باب الاعراض عما يدل على عدم وجوب الغسل من الاخبار بعيد فى الغاية فيحصل الاطمينان باعراضهم و معه لا يحصل الوثوق بصدور ما يدل على عدم وجوب الغسل من الاخبار.

و قد يقال بالجمع بين الطائفتين بحمل ما يدل على عدم وجوب الغسل على صورة تكون المصلحة فى اخفاء الحكم و الشاهد الطائفة الثانية من الاخبار الدالة على ان لا تحدّثوهنّ فيتّخذنه علّة.

و فيه ان هذا الاحتمال فى غاية البعد و لا نفهم المراد من هذا النهى المذكور فى الرواية التى جعلناها الطائفة الثانية من الروايات لانه ما الفائدة فى حكم لا يجوز اعلامه بالمكلف و القول بانه نادر انزالهنّ لا يكفى جوابا عن الاشكال لان المكلف لا بدّ و ان يعلم بتكليفه و ان كان هذا التكليف نادرا فلا بدّ من ردّ علمها الى اهله بعد فرض صدورها عن المعصوم عليه السّلام.

و قد يقال بحمل الطائفة الدالة على عدم وجوب الغسل بما اذا تحرك منى المرأة عن محله و لم يخرج من فرجه بل صار مستقرا فى رحمها و يحمل الطائفة الدالة على وجوب الغسل على صورة خروج المنى

عن فرجها.

و فيه ان هذا الحمل لا يساعده ظاهر هذا القسم من الروايات الدالة على عدم وجوب الغسل.

و قد يقال بحمل ما دل على عدم وجوب الغسل على صورة الاشتباه و عدم العلم بكون الخارج منيّا و حمل ما دل على وجوب الغسل بصورة العلم بكون ما خرج منها منيّا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 60

و فيه ان هذا الجمع لا يساعد مع ظاهر ما دل على عدم وجوب الغسل بانزال المنى عن المرأة.

ثم بعد ذلك كله أقول بانه ان قلنا بصدور الاخبار الدالة على عدم وجوب الغسل على المرأة بانزال المنى عنها تقية كما قيل أو بأن هذه الاخبار معرض عنها عند الاصحاب فلا يكون مقتضى الحجية فيها موجودا فالاخبار الدالة على وجوب الغسل تصير بلا معارض و لا بد من الاخذ بها و النتيجة وجوب الغسل عليها بانزالها و ان لم نقل بذلك و قلنا بوجود مقتضى الحجية فى كل من الطائفتين فنقول ان امكن الجمع العرفى بينهما فهو و الّا فيقع بينهما التعارض فان كان لاحد منهما مرجح نأخذ بما فيه المرجّح و الّا لا بد من القول بالتخير او تساقطهما على الكلام فى ذلك فعلى هذا نقول بعونه تعالى.

ربّما يتوهم بان الجمع بينهما بحمل ما دل بمقتضى الامر بالغسل على الوجوب بقرينة ما دل على عدم وجوب الغسل على الاستحباب بحمل ظاهر الامر بالغسل على ما نص على عدم وجوب الغسل لانه من جمله الجمع العرفى.

و فيه انه أن كانت الاخبار المستدلّة بها على وجوب الغسل فيها الامر بالغسل مثلا اغتسلى او تغتسل فيمكن الجمع بينها و بين ما دل على عدم وجوب الغسل بما يقال و لكن

أولا يكون التعبير فى بعضها بلفظ (فعليها الغسل) كما فى رواية إسماعيل بن سعد و كما فى رواية الحلبى او نعم فى جواب السائل (هل عليها غسل) كما فى رواية إسماعيل بن يزيع فالتعبير بلفظ (عليها) لا يمكن حمله على الاستحباب لان معنى عليها جعل الشي ء فى العهدة و لا معنى لجعله على العهدة استحبابا.

و ثانيا يكون التعبير بالوجوب فى بعض الروايات الدالة على وجوب الغسل مثل ما فى رواية محمد بن الفضيل (اذا جاءتها الشهوة فانزلت الماء وجب عليها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 61

الغسل) لا يساعد مع هذا الجمع لعدم كونه الامر حتى يحمل على الاستحباب بل الوجوب غير قابل الحمل بقرينة ما دل على عدم وجوب الغسل على الاستحباب.

و بعد عدم امكان الجمع العرفى بينهما نقول بانه يقع التعارض بين الطائفتين و حيث ان الترجيح مع الطائفة الدالّة على وجوب الغسل على المرأة بسبب انزال المنى لان الشهرة الروائى و الفتوائى مرجحة لها اذا المرجّح ان كان الشهرة الفتوائية فالمشهور من القدماء يفتون على طبقها و ان كان الشهرة الروائية فالمشهور رواها فلا بد من الاخذ بها.

فتلخص ان الاقوى هو وجوب الغسل على المرأة بانزال المنى عنها فى النوم او فى اليقظة مثل الرجل

***

[مسئلة 7: اذا تحرك المنى فى النوم عن محله بالاحتلام و لم يخرج]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا تحرك المنى فى النوم عن محله بالاحتلام و لم يخرج الى خارج لا يحب الغسل كما مرّ فاذا كان بعد دخول الوقت و لم يكن عنده ماء للغسل هل يجب عليه حبسه عن الخروج أو لا الاقوى عدم الوجوب و ان لم يتضرر به به بل مع التضرر يحرم ذلك فبعد خروجه يتيمم للصلاة نعم لو توقف اتيان

الصلاة فى الوقت على حبسه بأن لم يتمكن من الغسل و لم يكن عنده ما يتيمم به و كان على وضوء بان كان تحرك المنى فى حال اليقظة و لم يكن فى حبسه ضرر عليه لا يبعد وجوبه فانه على التقادير المفروضة لو لم يحبسه لم يتمكن من الصلاة فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 62

الوقت و لو حبسه يكون متمكنا.

(1)

اقول يقع الكلام فى امور:

الأمر الاوّل: اذا تحرّك المنى فى النوم عن محله بالاحتلام و لم يخرج

الى خارج لا يجب الغسل لدلالة بعض الروايات عليه مثل ما رواها الحسين بن ابى العلاء (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرى فى المنام حتى يجد الشهوة و هو يرى انه قد احتلم فاذا استيقظ لم ير فى ثوبه الماء و لا فى جسده قال ليس عليه الغسل و قال كان على عليه السّلام يقول انما الغسل من الماء الاكبر فاذا راى فى منامه و لم يرى الماء الاكبر فليس عليه غسل) «1».

و مثل ما رواها الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سأله عن المرأة ترى فى المنام ما يرى الرجل قال أن أنزلت فعليها الغسل و ان لم تنزل فليس عليها الغسل) «2» و غير ذلك و لا فرق فى الحكم بين الرجل و المرأة لورود النص فى كل منهما.

الأمر الثانى: اذا كان بعد دخول الوقت و لم يكن عنده ماء للغسل

هل يجب حبس المنى عن الخروج أو لا و له صورتان:

الصورة الاولى: ما لا يكون ضرر فى حبس المنى.

الصورة الثانية: ما يكون موجبا للضرر.

اما فى الصورة الاولى فكما يأتى الكلام فيها فى المسألة 8 تارة يقع الكلام فى حكمه بمقتضى القاعدة فان قلنا بكون عنوان الطهارة المائية و الترابية يكون مثل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 63

عنوان الحاضر و المسافر عرضيّا بمعنى كون الطهارة الترابية فردا للطهارة فى عرض الطهارة المائية فيجوز للمكلف تبديل العنوان حتى باختياره مثل ان له تبديل عنوان الحاضر بالمسافر بان يسافر باختياره او بالعكس و اما لو كانت الطهارة الترابية فى طول الطهارة المائية بمعنى ان ملاكها فيما لا

يقدر على الطهارة المائية فبعد دخول الوقت و فعلية وجوب الصلاة لا يجوز تفويت شرطه و هى الطهارة مع علمه بأنّه لو فوّتها بعدم حبسه المنى لا يمكن من الطهارة المائية و تحقيق الكلام و أن الحق هو الأول او الثانى يأتى إن شاء اللّه فى باب التيمم.

و تارة يقع الكلام فيما يقتضيه النص قان قلنا بشمول رواية إسحاق بن عمار التى يأتى فى المسألة 8 للمورد بإلغاء الخصوصية الواقعة فى المورد من الرواية و هى الجماع نقول بعدم وجوب حبس المنى و لو لم يتضرر بحبسه و الا فلا فانتظر تمام الكلام فى المسألة 8 إن شاء اللّه.

الصورة الثانية: فيما كان الضرر فى حبس المنى فلا اشكال فى عدم جوازه لعدم وجوب الحبس لحفظ الطهارة على كل حال فى مورد الضرر بل يحرم مع الضرر حبسه فبعد خروجه يتيم بدل الغسل.

الأمر الثالث: لو توقف اتيان الصلاة فى الوقت على حبس المنى

بان لم يتمكن عن تحصيل واحد من الطهارة المائية و الترابية فهل يجب على المكلف حبس المنى أو لا.

اقول تارة يكون فى الحبس ضرر عليه فلا يجب الحبس بل يحرم حبسه للضرر.

و تارة لا يكون فى حبسه ضرر فلا يبعد وجوب حبسه لان ترك الحبس يوجب تفويت الصلاة التى تكون واجبا بالوجوب المنجّز فمع الحبس يتمكن من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 64

الصلاة و مع عدمه لا يتمكن منها.

***

[مسئلة 8: يجوز للشخص اجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يجوز للشخص اجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل و كان بعد دخول الوقت نعم اذا لم يتمكن من التيمم أيضا لا يجوز ذلك و اما فى الوضوء فلا يجوز لمن كان متوضئا و لم يتمكن من الوضوء لو احدث ان يبطل وضوئه اذا كان بعد دخول الوقت ففرق فى ذلك بين الجنابة و الحدث الاصغر و الفارق النص.

(1)

اقول الكلام فى امور:

الأمر الاول: هل يجوز لمن لا يقدر على الغسل بعد دخول وقت الصلاة اجناب نفسه او لا

يجوز ذلك أعلم ان ما تقضيه القاعدة فياتى الكلام فيه إن شاء اللّه فى مبحث التيمم.

و ما ينبغى ان يتكلم فيه فى خصوص المورد و هو ما يقتضيه النص الوارد فيه فتقول بعونه تعالى.

روى محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن على بن محبوب عن على بن السندى عن صفوان عن إسحاق بن عمار (قال سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون مع اهله فى السفر فلا يجد الماء يأتى اهله فقال ما احبّ ان يفعل ذلك الا ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 65

يكون شبقا او يخاف على نفسه) «1»،

و رواه ابن ادريس فى آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن على بن محبوب مثله و زاد قلت يطلب بذلك اللّذّة (قال هو له حلال قلت فانه روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ أبا ذر سأله عن هذا فقال ايت أهلك توجر فقال يا رسول اللّه و أوجر قال نعم انك اذا أتيت الحرام أزرت فكذلك اذا اتيت الحلال اجرت فقال الا ترى انه اذا خاف على نفسه فاتى الحلال أجر) «2».

و روى فى جامع احاديث الشيعة رواية إسحاق بن عمار هكذا 2267 (1) كا 57 ج

2 على بن ابراهيم عن ابيه و ابو على الاشعرى عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن إسحاق بن عمار يب 115- محمد بن على بن محبوب عن على بن السندى عن صفوان عن اسحاق بن عمار يب 231 ج 2 ى- احمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابى عمير عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا ابراهيم- 2- عليه السّلام عن رجل يكون معه اهله فى السفر و لا يجد الماء أ يأتي اهله فقال ما احب ان يفعل (ذلك- يب) الا ان (يكون شبقا او- يب 115) يخاف على نفسه (كا- قال قلت طلب بذلك اللذة او يكون شبقا الى النساء قال ان الشبق يخاف على نفسه قلت يطلب بذلك اللذة قال هو حلال قلت فانه يروى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان أبا ذر رحمه اللّه سأله عن هذا فقال ائت اهلك توجر فقال يا رسول اللّه آتيهم فاوجر فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما أنّك اذا اتيت الحرام ازرت فكذلك اذا أتيت الحلال اجرت فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام الا ترى انه اذا خاف على نفسه فأتى الحلال اجر) «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 27 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 27 من ابواب التيمم من الوسائل.

(3) جامع أحاديث الشيعة، ج 3، ص 52.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 66

و المستفاد من الرواية هو جواز اجناب الشخص نفسه مع عدم وجدانه الماء للغسل و موردها لو لم يكن بعد دخول الوقت فلا اقل من شمول الرواية بإطلاقها لما اذا دخل الوقت.

و هل الحكم

مخصوص بالسفر أو يعمّ الحضر أيضا الظاهر عدم الفرق لان مورد السؤال و ان كان السفر الا انه لا يوجب اختصاص الجواز بالسفر لعدم خصوصية للسفر من حيث حصول الشبق او الخوف او طلب اللذّة المذكور فى الرواية.

و هل يختص الجواز بصورة كون الإجناب بالجماع و اتيان اهله كما هو مورد الرواية فلا يعمّ الحكم بالجواز ما اذا اجنب نفسه بانزال المنى فيما تحرك المنى عن محله و لم يخرج بخارج فلم يحبسه حتى انزل الى الخارج و هو ما ذكرنا فى الامر الثانى من الامور التى تعرضنا عنه فى المسألة 7 او يعمّ الحكم المستفاد من الرواية الدالّة على الجواز هذا المورد فتكون النتيجة عدم وجوب حبس المنى المتحرك عن محله لان لا يخرج الى الخارج حتى بعد دخول الوقت.

قد يقال بعدم الشمول و عدم تعميم حكم الجواز المستفاد من الرواية لهذا المورد لان مورد الرواية الإجناب بالجماع و ربما كان له الخصوصية من باب انه يريد الالتذاذ او شبق الحاصل له فلا وجه للتعدى من مورده الى غيره.

و قد يقال بالتعميم لعدم خصوصية فى البين يوجب تخصيص الحكم بالمورد بل قيل بان احتمال الفرق بين الجماع و غيره موهون و قيل بان اطلاقها كما يشمل الحضر و لا يوجب خصوصية كون مورد الرواية السفر للانحصار بالسفر كذلك لا يوجب كون المورد الجماع انحصار الحكم به.

و لكن الاقوى عدم التعدى الى غير الجماع لما قلنا من ان للجماع خصوصية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 67

كما يستفاد من الرواية من اللذة و الشبق و الخوف ليس فى غيره فلا يبعد كون هذه الخصوصيات توجب الحكم بجواز الإجناب فلا يتعدى الى غير

المورد و لا يلزم العلم بخصوصية للحكم فى مورد الجماع بالجواز بل يكفى عدم العلم بإلغاء خصوصية المورد فمع الشك لا يمكن التعدى الى غير المورد.

و مما مر يظهر لك عدم امكان الافتاء بعدم وجوب حبس المنى اذا تحرك عن محله و كان بعد دخول الوقت كما هو المفروض فى المسألة 7 بمقتضى هذه الرواية المتقدمة ذكرها و هى رواية إسحاق بن عمار بل الحكم بوجوب حبس المنى و عدم وجوبه بعد دخول الوقت اذا لم يكن الحبس ضرريّا مبني على ما بينّا فى نفس المسألة 7 من ان الطهارة الترابية هل تكون فردا للطهارة فى عرض الطهارة المائية لطبيعة الطهارة او هى فى طولها و فى فرض عدم القدرة عليها فعلى الاول يجوز ترك الحبس و لو لم يكن ترك الحبس ضرريّا و على الثانى لا يجوز ترك الحبس الا اذا كان الحبس ضرريّا فيجوز تركه.

الأمر الثانى: هل يجوز للشخص اجناب نفسه بعد دخول الوقت مع عدم تمكنه من التيمم أيضا

بمعنى صيرورته فاقد الطهورين أو لا اعلم انه بعد فرض كون الصلاة بعد الوقت واجبا منجزا على المكلف بالوجوب المطلق فلا يجوز تفويت شرطها و هو الطهارة لان تفويتها يوجب تفويت الواجب المنجز و هو الصلاة فى الوقت.

الأمر الثالث: هل يجوز لمن كان متوضئا ان يبطل وضوئه بعد دخول الوقت

مع عدم تمكنه من الوضوء لعدم الوصلة بالماء أو لا يجوز ذلك.

اعلم انه ليس فى هذا المورد نص خاص يدل على الجواز فلا بد من ان نرى ما يقتضيه القاعدة الاوليّة فان اقتضت القاعدة جواز بطلان الوضوء فتقول به و ان لم تفتض القاعدة جواز الابطال لم نقل بجواز ابطال الوضوء و يأتى الكلام فى ذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 68

ان شاء اللّه فى بحث التيمم و ان قلنا بجواز اجناب نفسه لان الفارق بينهما بناء على عدم كون اجناب النفس او ابطال الوضوء و لو بعد الوقت بمقتضى القاعدة هو النص ففى اجناب النفس يدلّ النص على الجواز على ما عرفت و فى الوضوء لا يوجد نص يدل على جواز ابطاله بعد دخول الوقت.

***

[مسئلة 9: اذا شك فى انه هل حصل الدخول أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا شك فى انه هل حصل الدخول أم لا لم يجب عليه الغسل و كذا لو شك فى ان المدخول فيه فرج او دبر او غيرهما فانه لا يجب عليه الغسل.

(1)

اقول اما فيما شك فى حصول الدخول و عدمه فلا يجب الغسل للشك فى التكليف و استصحاب الطهارة محكّم.

و اما فيما علم بالدخول و شك فى ان المدخول هل هو فرج او دبر او غيرهما مثلا يعلم بالدخول و لكن يشك فى ان المدخول فرج او ثقبة غيره او شك فى ان المدخول الدبر او الفرج فى الخنثى فان كان دبرها يجب الغسل و ان كان قبلها لا يجب كما مرّ او شك فى ان المدخول الفرج او الدبر او غيرهما ففى كل ذلك لا يجب الغسل لان الغسل واجب بالوطى فى فرج المرأة و فى الدبر بتفصيل بنيّا ذكره و

مع الشك فى ان الدخول كان فى الموضع المخصوص لا يجب الغسل للشك فى التكليف فيستصحب الطهارة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 69

[مسئلة 10: لا فرق فى كون ادخال تمام الذكر او الحشفة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا فرق فى كون ادخال تمام الذكر او الحشفة موجبا للجنابة بين ان يكون مجرّدا او ملفوفا بوصلة او غيرها الا ان يكون بمقدار لا يصدق عليه الجماع.

(1)

اقول يظهر عن المحكى عن جماعة من الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم عدم الفرق فى دخول الذكر الموجب للجنابة بين المجرد و الملفوف و حكى عن القواعد انه تنظّر فيه.

اعلم ان المذكور فى اخبار الباب هو التعبير بالادخال او التقاء الختانين او الجماع و كل ذلك يصدق مع كون الذكر ملفوفا نعم ربما تكون الخرقة الملفوفة كثيرة او ضخمة بحيث يعدّ عرفا ادخال الخرقة لا ما هو ملفوف بها فلا يعدّ عند العرف ادخال الخرقة ادخال الذكر فالقول بوجوب الغسل مشكل لكن الاحوط عملا الغسل فى هذا النحو من الدخول.

***

[مسئلة 11: فى الموارد التى يكون الاحتياط فى الجمع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: فى الموارد التى يكون الاحتياط فى الجمع بين الغسل و الوضوء الأولى ان ينقض الغسل بناقض من مثل البول و نحوه ثم يتوضأ لان الوضوء مع غسل الجنابة غير جائز و المفروض احتمال كون غسله غسل الجنابة.

(2)

اقول لا وجه للأولوية المذكورة الا لرعاية احتمال قصد الوجه فى صحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 70

خصوص الوضوء و صفا او غاية و هو غير تمام لعدم اعتبار قصد الوجه لا وصفا و لا غاية فى العبادات كما مرّ تفصيله فى الاصول فلا حاجة الى اعادة التفصيل فى المقام بعد ما عرفت عدم اعتبار قصد الوجه.

و مع تسلم عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة لا يجوز الوضوء ان كان آتيا به بقصد الورود من الاستحباب او الوجوب الفعلى و اما اذا اتى به بعنوان الاحتياط فلا مانع منه بل

هو مطلوب و لو لم ينقض غسله بناقض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 71

فصل: فى ما يتوقف على الغسل من الجنابة
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 73

قوله رحمه اللّه

فصل فى ما يتوقف على الغسل من الجنابة

و هى أمور:

الاول: الصلاة واجبة او مستحبة اداء و قضاء لها و لاجزائها المنسية و صلاة الاحتياط بل و كذا سجدتا السهو على الاحوط نعم لا يجب فى صلاة الاموات و لا فى سجدة الشكر و التلاوة.

الثانى: الطواف الواجب دون المندوب لكن يحرم على الجنب دخول المسجد الحرام فتظهر الثمرة فيما لو دخله سهوا و طاف فان طوافه محكوم بالصحة نعم يشترط فى صلاة الطواف الغسل و لو كان الطواف مندوبا.

الثالث: صوم شهر رمضان و قضائه بمعنى انه لا يصح اذا أصبح جنبا متعمّدا أو ناسيا للجنابة و اما سائر الصيام ما عدا رمضان و قضائه فلا يبطل بالأصباح جنبا و ان كانت واجبة نعم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 74

الاحوط فى الواجبة منها ترك تعمد الأصباح جنبا نعم الجنابة العمدية فى اثناء النهار تبطل جميع الصيام حتى المندوبة منها و اما الاحتلام فلا يضرّ بشي ء منها حتى صوم رمضان.

(1)

اقول الكلام فى جهات:

الجهة الاولى: من جملة ما يتوقف على الغسل من الجنابة الصلاة
اشارة

و الكلام فى هذه الجهة يقع فى مواضع:

الموضع الاول: فى توقف الصلاة الواجبة او المستحبة اداء و قضاء على الغسل

من الجنابة و هذا من المسلمات كما ادعى عليه الاجماع بل الضرورة فى الجملة.

و يدل عليه من القرآن الكريم قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «1» و من الروايات نذكر تيمنا بعضها.

منها ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال اذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا صلاة بطهور) «2».

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 75

و منها ما رواها زرارة (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الفرض فى الصلاة فقال الوقت و الطهور و القبلة و التوجه و الركوع و السجود و الدعاء) «1».

و منها ما رواها زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال لا تعاد الصلاة الا من خمسة الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود ثم قال القراءة سنّة و التشهد سنّة فلا ينقض السنة الفريضة) «2».

و لو اشكل فى اطلاق الرواية الاولى و الثانية لغير الأدائية من الصلاة فلا اشكال فى الثالثة منها.

و لا اشكال فى ثبوت الحكم لمطلق الصلاة واجبا كانت او مندوبة قضاء كانت او اداء لان المستفاد من الآية الشريفة و الروايات

المذكورة اشتراط الصلاة بالطهارة و الصلاة تشمل مطلق الصلاة فبالاطلاق تشمل الآية و الروايات لمطلق الصلاة.

حتى الصلاة الاحتياط لانها صلاة غاية الأمر أمّا صلاة مستقلة او جزء من الصلاة التى شك فيها.

و امّا برزخا بين ان تكون جزء من الصلاة او تكون صلاة مستقلة كما ربما يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة فيها.

الموضع الثانى: يقع الكلام فى اشتراط الغسل من الجنابة فى الاجزاء المنسية من الصلاة

كالسجدة و التشهد.

فنقول باشتراطه فيها لانها على الفرض اجزاء الصلاة فيعتبر فيها ما يعتبر

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب قواطع الصلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 76

فى الصلاة.

الموضع الثالث: فى اشتراطه فى سجدتى السهو من الصلاة و عدمه.

وجه عدم الاشتراط عدم وجود دليل يدل على اعتباره فيهما و مع الشك يكون المرجع اصالة البراءة.

وجه الاعتبار كونهما من لواحق الصلاة و من مكملاتها و جابرتين لها و لهذا يعتبر الفورية فيهما و عدم الفصل بينهما و بين الصلاة كل ذلك يناسب كون ما يعتبر فى الصلاة كان معتبرا فيهما.

اقول الاقوى و ان كان عدم الاشتراط لعدم الدليل عليه و قد أمضينا فى تقريرنا لبحث سيدنا الاعظم آيت اللّه البروجردي قدّس سرّه انهما واجبان مستقلان و ان كان سببهما ما وقع فى الصلاة و لا ينافى ذلك مع وجوب اتيانهما فورا و لكن الاحوط اتيانهما مع الطهارة.

الموضع الرابع: يقع الكلام فى صلاة الميت

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 7، ص: 76

و انه هل يجب فيه الغسل عن الجنابة او لا يمكن ان يقال بعدم وجوب الطهارة فيها لانصراف أدلّة اشتراط الصلاة بها عنها لعدم اشتمال صلاة الميّت على القراءة و الركوع و السجود كما ينادى بذلك بعض الاخبار.

مثل ما رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (قال انما جوزّنا الصلاة على الميّت بغير وضوء لانّه ليس فيها ركوع و لا سجود و انما هى دعاء و مسئلة و قد يجوز ان تدعو اللّه و تسأله على أىّ حال كنت و انما يجب الوضوء فى الصلاة التى فيها ركوع و سجود) «1».

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 77

اقول لا حاجة فى الاستدلال على عدم الاشتراط بما ذكر بل نقول يدل بعض الاخبار على عدم الاشتراط

بالخصوص مثل ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام (قال سألته عن الرجل تفجأه الجنازة و هو على غير طهر قال فليكبّر معهم) «1»، و كونه على غير طهر يشمل عدم كونه على غير طهر من الحدث الأصغر و كذا الاكبر.

و مثل ما رواها عبد الحميد بن سعيد (قال قلت لابي الحسن عليه السّلام الجنازة يخرج بها و لست على وضوء فان ذهبت أتوضأ فاتتنى الصلاة أ يجزيني أن اصلى عليها و انا على غير وضوء فقال تكون على طهر أحبّ إليّ) «2» و موردها و ان كان على غير وضوء لكن جواب الامام عليه السّلام بقوله (تكون على طهر أحبّ إليّ) يستفاد منه استحباب كونه على طهارة من الحدث الاصغر و الاكبر و غيرهما بعض الروايات راجع الباب و يستحب كونه مع الطهارة حال صلاة الميت لقوله عليه السّلام (تكون على طهر أحبّ إليّ).

الموضع الخامس: هل يشترط غسل الجنابة فى سجدة الشكر و التلاوة أم لا.

وجه عدم الاشتراط عدم الدليل عليه و اطلاق أدلتهما من هذا الحيث فمع الشك يكون المرجع البراءة فيحكم بعدم دخل الطهارة فى سجدة التلاوة و بعدم دخلها فى سجدة الشكر بناء على جريان البراءة فى المستحبات.

نعم يستفاد مما رواها عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال من سجد سجدة الشكر لنعمة و هو متوضّئ كتب اللّه له بها عشر صلوات و محا عنه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 78

عشر خطايا عظام) «1»، استحباب الطهارة فى سجدة الشكر.

و بالنسبة الى سجدة التلاوة يدل بعض النصوص على عدم اشتراطها بالطهارة.

مثل

رواها الحلبى (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء قال يسجد اذا كانت من العزائم) «2».

و مثل ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال قال اذا قرء شي ء من العزائم الاربع فسمعتها فاسجد و ان كنت على غير وضوء و أن كنت جنبا و أن كانت المرأة لا تصلى و ساير القرآن انت فيه بالخيار ان شئت سجدت و ان شئت لم تسجد) «3».

فتلخص عدم توقف سجدة الشكر و التلاوة على غسل الجنابة.

الجهة الثانية: مما يتوقف على الغسل من الجنابة الطواف فى الجملة
اشارة

و الكلام فيه فى مواضع:

الموضع الاول: فى توقف الطواف الواجب على الغسل من الجنابة

و المراد بالطواف الواجب هو الطواف الّذي يكون جزء من حج او عمرة و لو كانا مندوبين فى حد ذاتهما لوجوب اتمامهما بعد ما شرع فيهما فالمراد من الطواف المندوب هو الطواف الّذي يأتى به ابتداء نظير النوافل المبتدئة فان هذا الطواف مستحب.

و يدلّ على اشتراط الطواف الواجب على غسل الجنابة بعض النصوص المذكور فى محله.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب سجدتى الشكر من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 42 من ابواب قراءة القرآن من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب قراءة القرآن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 79

منها ما رواها على بن جعفر عن اخيه ابى الحسن عليهم السّلام (قال سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب و ذكر و هو فى الطواف قال يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء قال يقطع طوافه و لا يعتد به) «1».

الموضع الثانى: هل يشترط فى الطواف المستحب

و هو الطواف الّذي يأتى به ابتداء لا ما هو جزء لحج او عمرة غسل الجنابة او لا و الكلام تارة يقع فيه و تارة يقع فى انه مع فرض عدم اشتراط الطواف المندوب به لا يجوز دخول الجنب المسجد الحرام فما ثمرة عدم اشترطه فى الطواف المندوب مع فرض عدم جواز دخول الجنب المسجد الحرام اما الكلام فى اشتراط المندوب منه بغسل الجنابة و عدمه فنقول اعلم ان مقتضى الاصل عدم اشتراط الطواف المستحب بغسل الجنابة لانه من صغريات الشك فى الشرطية و الجزئية الا ان يشكل بعدم جريان اصالة البراءة فى المستحبات لان فيها ليس ضيق على المكلف تقتضى المنة رفعه.

و

لكن يمكن ان يقال بان فيها ضيق فى الفرض الّذي يريد العمل بالمستحب.

و قد يقال بدلالة رواية على بن جعفر عليهما السّلام المتقدمة فى الموضع الاول المستدلة بها على وجوب غسل الجنابة فى الطواف الواجب و اشتراطه به على وجوبه و اشتراطه فى الطواف المندوب لان الطواف المذكور فى الرواية مطلق يشمل كلا من الطواف الواجب و المندوب. «2»

و يقال فى جواب ذلك بان ذيل رواية على بن جعفر المتقدمة (و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء قال يقطع طوافه و لا يعتد به).

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

(2) المستمسك، ج 3، ص 38.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 80

شاهد على كون مورد السؤال هو الطواف الواجب.

لدلالة روايات على عدم اشتراط الطهارة عن الحدث الاصغر فى الطواف المندوب راجع الباب المذكور فيه رواية على بن جعفر المتقدمة «1» و بعد كون المراد من الطواف فى الذيل هو الطواف الواجب فكذلك الطواف المذكور فى صدر رواية على بن جعفر المتقدمة فلا تدل الرواية على تعميم اشتراط الطواف بغسل الجنابة للطواف المندوب.

و فيما يقال من الجواب نظر أما أولا فلان المحتمل كون رواية على بن جعفر المشتملة على السؤالين سؤال عن الطواف الواقع مع الجنابة و الطواف الواقع بلا وضوء روايتين بمعنى ان على بن جعفر سئل أسئلة عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام و جمعها فى كتاب و فى مقام ذكر الاسئلة ذكر المروى عنه و هو موسى بن جعفر عليهما السلام فى اوّل كتابه ثم قال و سألته و سألته و هكذا لا ان يكون ما فى هذه الرواية رواية واحدة سألها

مرة واحدة و اجاب عنه مرة واحدة حتى يقال ان الذيل يصير شاهدا لصدرها فما هو المراد من الطواف فى ذيلها هو المراد من صدرها.

بل على ما احتملنا و احتماله احتمال قوى عدم ارتباط كل من السؤالين بالآخر.

و أمّا ثانيا لو سلمنا كونها رواية واحدة نقول بعد كون المراد من الطواف فى السؤال الثانى الطواف الواجب من باب حمله على ذلك بقرينة الروايات الاخر الدالة على عدم اشتراط الطواف المندوب على الوضوء لا أن يكون المراد الطواف الواجب بنفسه من الطواف المذكور فى ذيل رواية على بن جعفر.

فعلى هذا نقول لا يوجب حمل الطواف فى ذيل الرواية على الواجب بقرينة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 81

خارجية مع اطلاقه فى حد ذاته الشامل للواجب و المندوب.

ان يحمل الطواف فى صدر الرواية مع اطلاقه الشامل للواجب و المندوب على خصوص الواجب من باب حمل الذيل على الواجب بقرينة خارجية غير موجودة للطواف فى صدر الرواية فيبقى الطواف فى الصدر من رواية على بن جعفر بإطلاقه و يكون على هذا مفاد الصدر هو فساد الطواف واجبه و مندوبه بالجنابة و هذا يدل على اشتراط الطواف بقسميه من الواجب و المستحب على الغسل من الجنابة.

نعم نحتمل شيئا و أن لم أر ان يخطر ببال غيرى و هو ان قوله عليه السّلام فى الرواية المتقدمة اعنى رواية على بن جعفر.

بعد سؤال الاول و هو السؤال عن حكم من طاف بالبيت و هو جنب و ذكر و هو فى الطواف (يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف) و كذا بعد سؤاله الثانى عمن طاف ثم ذكر

كونه على غير وضوء (يقطع الطواف و لا يعتد به) مؤيد بل دليل على كون مورد السؤال و الجواب هو الطواف الواجب لا المندوب لان النهى عن الاعتداد و الاعتناء بهذا الطواف لا يناسب الا فيما يكون الطواف واجبا عليه و على عهدته و الا ان كان الطواف طوافا مندوبا لا يناسب ان يقول لا يعتد به بل المناسب ان يقول مثلا لا يصح او ليس بشي ء خصوصا مع ما رواه الحميرى ذكره فى الوسائل فى ذيل هذه الرواية فى قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر مثل الرواية الا انه قال فى آخره و لا يعتد بشي ء مما طاف و عليه الوضوء) لأنّ قوله و عليه الوضوء لا يناسب الا انه يجب الوضوء عليه لاعادة الطواف و لو لم يكن الطواف واجبا لا يجب اعادته فتأمل.

او يقال فى مقام ذكر الوجه لعدم اشتراط الطواف المندوب بغسل الجنابة بانه بعد دلالة بعض الروايات على عدم اشتراط الطواف المندوب بالوضوء و الطهارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 82

من الحدث الاصغر نفهم عدم اشتراطه بالغسل و الطهارة عن الحدث الاكبر لان كلا من الطهارتين بابهما واحد و عدم فرق بينهما.

و لكن هذا مثل الوجه السابق محل تأمل فلم اجد وجها قويّا لانحصار اشتراط غسل الجنابة فى الطواف بالطواف الواجب مع اطلاق رواية على بن جعفر.

اما الكلام فى انه مع فرض عدم جواز دخول الجنب المسجد الحرام فما ثمرة عدم اشتراط الطواف المندوب بغسل الجنابة لانه على كل حال لا يجوز له الدخول فى المسجد الا مع الطهارة عن الجنابة فنقول بعونه تعالى.

اما عدم جواز دخول الجنب المسجد الحرام

فلدلالة عدة من الروايات عليه.

مثل ما رواها جميل (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يجلس فى المساجد قال لا و لكن يمرّ فيها كلها الا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) «1».

و مثل ما رواها محمد بن حمران عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن الجنب يجلس فى المسجد قال لا و لكن يمرّ فيه الا المسجد الحرام و مسجد المدينة الحديث) «2» و غير ذلك.

فلا يجوز للجنب دخول المسجد الحرام.

فبعد تسلّم ذلك يقع الكلام فى ثمرة القول بعدم اشتراط الطهارة عن الجنابة فى الطواف المندوب لانه بعد عدم جواز دخول المسجد الحرام جنبا كيف يمكن له الطواف المندوب بلا غسل الجنابة حتى يقع البحث فى اشتراطه به و عدمه لانه على كل حال لا يمكن له الطواف المندوب الّا مع غسل الجنابة أمّا لجواز دخوله المسجد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 83

و أمّا للطواف المندوب.

فنقول كما قال المؤلف رحمه اللّه تظهر الثمرة فيما دخل الجنب المسجد سهوا و طاف الطواف المندوب يقع صحيحا.

الموضع الثالث: يشترط فى صلاة الطواف الطهارة عن الجنابة

سواء كان الطواف واجبا او مندوبا. و يدل عليه ما يدل على توقف الصلاة على الغسل من الجنابة لان صلاة الطواف صلاة فكما قلنا فى الجهة الاولى يتوقف الصلاة باقسامها على الغسل من الجنابة.

و لم أجد نصا يدل على توقف صلاة الطواف على غسل الجنابة بالخصوص فما فى المستمسك «1» فى مقام بيان الدليل على ذلك (لعموم ادلة اعتباره فى الصلاة مضافا الى ما ورد فيها

بالخصوص) ليس بتمام لعدم دليل وارد عليه بالخصوص فافهم.

الجهة الثالثة: ممّا يتوقف على غسل الجنابة الصوم فى الجملة
اشارة

و الكلام فيه أيضا فى مواضع و محل التكلم فى ذلك و ان كان فى كتاب الصوم لكن نتعرض له بنحو الاجمال شرحا على ما عنونه المؤلف العظيم رحمه اللّه.

الموضع الاول: فى توقف صوم شهر رمضان على غسل الجنابة

و الكلام فيه تارة فى توقف صوم شهر رمضان عليه، و معنى توقفه عليه انه لا يصبح جنبا.

و تارة فى توقفه بهذا المعنى عليه فى قضاء شهر رمضان و فى كل منهما تارة يقع الكلام فى صورة العمد و تارة فى صورة النسيان فنقول بعونه تعالى.

اما الكلام فى توقف صوم شهر الصيام عليه فى حال العمد بمعنى انه لا يصبح

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 38.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 84

عمدا جنبا فى شهر الصيام.

أمّا بحسب الفتوى يكون هو المشهور بل ادعى عليه الاجماع بل حكى تواتر نقله و يدلّ عليه بعض الاخبار الدالة على وجوب القضاء او هو مع الكفارة بسبب الاصباح جنبا.

مثل ما رواها الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (أنه قال في رجل احتلم اوّل الليل او اصاب من اهله ثم نام متعمدا فى شهر رمضان حتى أصبح قال يتم صومه ذلك ثم يقضيه اذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربه) «1».

و مثل ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى رجل أجنب فى شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح قال يعتق رقبة او يصوم شهرين متتابعين او يطعم ستين مسكينا و قال انه حقيق (لخليق) ان لا أراه يدركه ابدا) «2».

و اما ما روى حبيب الخثعمى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصلى صلاة الليل فى شهر رمضان

ثم يجنب ثم يؤخّر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر) «3».

فهي ضعيفة السند لان حبيب مجهول الحال على ما فى الرجال فلا يعتنى بها فى مقابل الروايات الدالة على عدم جواز البقاء على الجنابة للصائم الى الفجر. مضافا الى ما قيل فيها من حملها على التقية او بعض محامل آخر.

و اما توقف صوم شهر رمضان على غسل الجنابة حتى حال النسيان بمعنى وجوب قضائه لو صام فى شهر رمضان جنبا فهو المحكى عن الاكثر و يدل عليه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب ما يمسك عند الصائم من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب ما يمسك عند الصائم من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 16 من ابواب ما يمسك عند الصائم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 85

بعض الروايات.

مثل ما رواها ابراهيم بن ميمون (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب بالليل فى شهر رمضان فنسى ان يغتسل حتى تمضى بذلك جمعة او يخرج شهر رمضان قال عليه قضاء الصلاة و الصوم) «1» و غير ذلك راجع الباب 30 من ابواب من يصح منه الصوم. (حديث 1، 2، 3)

و اما اشتراط قضاء صوم رمضان بغسل الجنابة فى حال العمد فيدل عليه بعض الروايات.

مثل ما رواها ابن سنان يعنى عبد اللّه (قال كتب أبى الى ابى عبد اللّه عليه السّلام و كان يقضى شهر رمضان و قال انى أصبحت بالغسل و أصابتنى جنابة فلم أغتسل حتى تطلع الفجر فاجابه عليه السّلام لا تصم هذا اليوم و صم غدا) «2»، فبطلان صومه و الامر بالقضاء فى الغد يكون لاجل بقائه على الجنابة الى الفجر و يدلّ عليه

غير ذلك و يمكن شمول اطلاق الرواية لصورة نسيانه الغسل حتى طلع الفجر.

و امّا توقف قضاء صوم شهر رمضان عليه حتى حالة النسيان فكما قلنا يمكن التمسك بإطلاق رواية ابن سنان المتقدمة.

و لا يبعد ان يكون الاولى بالتمسك لصورة النسيان برواية اخرى عن عبد اللّه بن سنان (انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضى شهر رمضان فيجنب من اوّل الليل و لا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى ان الفجر قد طلع قال لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره) «3» وجه الاولوية ان قوله و هو يرى ان الفجر قد طلع) لا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب ما يمسك الصائم عنه من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب ما يمسك الصائم عنه من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب ما يمسك الصائم عنه من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 86

يناسب مع التأخير عامدا بل يناسب النسيان.

الموضع الثانى: فى ان ساير اقسام الصوم غير صوم شهر رمضان و قضائه هل يبطل بالاصباح جنبا

واجبا كان او مندوبا او لا يبطل مطلقا او التفصيل بين ما كان الصوم واجبا فيبطل و ما يكون مندوبا فلا يبطل احتمالات:

وجه بطلانه بالاصباح جنبا هو دعوى ان مقتضى القاعدة الحاق صوم غير رمضان بصوم شهر رمضان.

و فيه انه لا دليل لنا على الالحاق و مجرد شركة صوم غير رمضان مع صوم رمضان فى كونهما صوما لا يوجب اشتراكهما فى تمام الاحكام.

وجه عدم البطلان عدم الدليل و مع الشك فى جزئية غسل الجنابة و شرطيته او مانعية الجنابة يكون المحكم اصالة البراءة.

وجه التفصيل دعوى الحاق صوم الواجب من غير رمضان بصوم رمضان لكون كل منهما الصوم الواجب فيلحق حكمه حكمه و

عدم الحاق صوم المندوب بصوم رمضان لما يدل على ذلك من النص.

مثل ما رواها حبيب الخثعمى (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اخبرنى عن التطوع و عن (صوم) هذه الثلاثة الايام اذا أنا أجنبت من اوّل الليل فأعلم أنّى أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا اصوم قال صم) «1».

و مثل ما رواها ابن بكير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا فقال أ ليس هو بالخيار ما بينه و نصف النهار

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 20 من ابواب ما يمسك عنه الصائم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 87

الحديث) «1» و غير ذلك.

اذا عرفت ذلك نقول ان القول الوجيه هو الاحتمال الثانى و هو عدم بطلان صوم غير رمضان بالاصباح جنبا واجبا او مندوبا اما مندوبه فلما عرفت من النص و مع قطع النظر عن النص يكفى عدم الدليل على البطلان.

و اما فى الواجب منه فلعدم الدليل و مع الشك يكون مجرى اصالة البراءة نعم الاحوط استحبابا فى الواجب منه عدم الاصباح جنبا إلحاقا بشهر الصيام و ان كان لا دليل عليه.

الموضع الثالث: الجنابة العمدية فى اثناء النهار تبطل جميع اقسام الصوم

بل ادعى عليه اجماع المسلمين بل قيل انه من ضروريات الدين و هو يكفى فى اثبات الحكم.

اقول اما مع قطع النظر عن الاجماع و دعوى الضرورة لم نر فى النصوص ما يدل على بطلان جميع اقسام الصوم بالجنابة العمدية فى اثناء النهار لان النصوص التى يمكن الاستدلال بها واردة فى صوم شهر رمضان او قضائه او صوم فى افطاره الكفارة. نذكر بعضها تيمنا.

منها ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج (قال سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله فى شهر رمضان حتى يمنى قال عليه من الكفارة مثل ما على الّذي يجامع) «2».

منها ما رواها ابن ابى عمير عن حفص بن سوقه عمن ذكره عن

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب ما يمسك عنه الصائم من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 88

ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى الرجل يلاعب اهله او جاريته و هو فى قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل قال عليه من الكفارة مثل ما على الّذي جامع فى شهر رمضان) «1».

و منها ما رواها المفضل بن عمر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى رجل أتى امرأته و هو صائم و هى صائمة فقال ان كان استكرهها فعليه كفارتان و ان كانت طاوعته فعليه كفارة و عليها كفارة و ان كان اكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد و ان كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا و ضربت خمسة و عشرين سوطا) «2» فالرواية الاولى واردة فى شهر رمضان و تدل على بطلان صومه بالجنابة العمدية فى اثناء النهار و الثانية واردة فى قضاء شهر رمضان و الثالثة فى مطلق الصوم الواجب فيه الكفارة ان لم نقل بكون القدر المتقين من موردها أيضا هو صوم رمضان بقرينة ما ذكر فيها من التعذير بناء على انحصار ذلك بالجماع فى صوم رمضان.

فيبقى بطلان صوم غير ما ذكر من اقسام الصوم بالجنابة العمدية فى اثناء النهار بلا دليل الّا الاجماع و الضرورة التى ادعى فى المقام.

الموضع الرابع: لا يضر الاحتلام فى النهار بشي ء من اقسام الصوم

حتى صوم شهر رمضان.

و قد ادعى

عليه الاجماع و دلالة بعض النصوص عليه.

منها ما رواها عبد اللّه بن ميمون عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال ثلاثة لا يفطرن الصائم القى ء و الاحتلام و الحجامة الحديث) «3».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 89

و منها ما رواها عمر بن يزيد قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام لاى علّة لا يفطر الاحتلام الصائم و النكاح يفطر الصائم قال لان النكاح فعله و الاحتلام مفعول به. «1»

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 35 من ابواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 91

فصل: فى ما يحرم على الجنب
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 93

قوله رحمه اللّه

فصل فى ما يحرم على الجنب

و هى أيضا امور:

الاول: مس خط المصحف على التفصيل الّذي مرّ فى الوضوء و كذا مس اسم اللّه تعالى و سائر اسمائه و صفاته المختصة و كذا مس اسماء الأنبياء و الائمة: على الاحوط.

الثانى: دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله و ان كان بنحو المرور.

الثالث: المكث فى سائر المساجد بل مطلق الدخول فيها على غير وجه المرور و اما المرور فيها بان يدخل من باب و يخرج من آخر فلا بأس به و كذا الدخول بقصد اخذ شي ء منها فانه لا بأس به و المشاهد كالمساجد فى حرمة المكث

فيها.

الرابع: الدخول فى المساجد بقصد وضع شي ء فيها بل مطلق الوضع فيها و ان كان من الخارج او فى حال العبور.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 94

الخامس: قراءة سور العزائم و هى سورة اقرأ و النجم و الم تنزيل و حم السجدة و ان كان بعض واحدة منها بل البسملة او بعضها بقصد احداها على الاحوط لكن الاقوى اختصاص الحرمة بقراءته آيات السجدة منها.

(1)

اقول يقع الكلام فى الفصل فى جهات:

الجهة الاولى: فى حرمة مس خط المصحف و اسم اللّه تعالى
اشارة

و ساير اسمائه الخاصة و اسماء الأنبياء و الائمة عليهم السّلام: على الجنب و نذكر حكمها فى موارد:

المورد الاول: فى حرمة مس خط المصحف على الجنب

و حكى الاجماع على حرمته عن جماعة.

و استدل على حرمة مسّه بقوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1» و التمسك بها فى حد ذاتها و ان كان مورد الاشكال كما مرّ بيانه فى فصل غايات الوضوء.

لكن بعد ما ورد فى بعض الروايات الّذي قدّمنا ذكره فى الفصل المذكور من تمسك المعصوم عليه السّلام بالآية الشريفة لعدم جواز مسّ من ليس على الطهارة لا يبقى المجال للاشكال بكون الآية دليلا على حرمة مسّ خط المصحف.

و هو ما رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن عليه السّلام (قال المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطّه و لا تعلّقه انّ اللّه تعالى يقول لا يمسّه الا المطهّرون) «2».

______________________________

(1) سورة الواقعة، الآية 79.

(2) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 95

و بهذه الرواية يجاب عن بعض ما قيل من أنّ الآية لا تدلّ على المسألة لان الاستدلال بها مبنى على كون المراد من المس المس بظاهر البدن و يكون المراد من الضمير فى قوله (لا يمسّه) هو القرآن و يكون المراد من قوله (المطهّرون) المطهّرون من الحدث و كلها قابل الخدشة لاحتمال كون المراد من المسّ هو النيل يعنى لا ينال و المراد من الضمير فى (لا يمسّه) يكون هو الكتاب المكنون لانه قال اللّه تعالى (فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ و يكون المراد من (المطهّرون) هم المعصومون من الزلل و الخطاء فلا يكون الآية على هذا مربوطة بالمقام اما الجواب

عن هذا الاشكال فلان المعصوم عليه السّلام استدل فى هذه الرواية بالآية للمعنى الاول و هو كون المس المس الظاهر من البدن و الضمير راجع الى القرآن و المطهرون المطهرون من الحدث.

و قد يشكل فى الرواية بانه مع فرض كراهة بعض المذكورات فى الرواية مثل (خيطه) بناء على كون الصادر عن المعصوم عليه السّلام (خيطه) على ما فى بعض النسخ لا (خطه) فان مس خيطه مكروه و ان كان (خطه) فلا بد ان يكون المراد من قوله المصحف لا تمسّه) هو نفس القرآن لا خطه و الا يلزم التكرار فيكون المراد ان نفس مسّ المصحف لا خطه مكروه لعدم حرمة مسّه و كذا تعليقه مكروه فى حال الجنابة فتدل النهى فى الآية الشريفة على الكراهة فلا تدل على حرمة مسّه الجنب كما هو المدعى.

و يمكن الجواب عنه بانه لو ورد أو امر متعددة باشياء مثلا قال اغتسل للجنابة و اغتسل للجمة و اغتسل لمسّ الميّت ثم علمنا من الخارج كون الامر بغسل يوم الجمعة للاستحباب لا يوجب ذلك رفع اليد عن ظهور الامر فى غيره فى الوجوب و كذلك ان قال مثلا لا تمسّ كتابة القرآن حال الجنابة و لا تعلّق القرآن و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 96

انت جنب فالنهى فيهما فى حد ذاتهما دال على الحرمة فان علمنا بدليل من الخارج كون النهى عن التعليق حال الجنابة محمول على الكراهة لا يوجب ذلك رفع ظهور النهى الآخر و هو النهى عن المسّ فى الحرمة. عن ظاهره.

اقول ان كان الكلام فى دلالة الرواية على حرمة المس فيصح هذا الجواب لان حمل النهى ببعض المذكورات فى الرواية على الكراهة لا يضرّ

بظهور النهى عن مس المصحف فى الحرمة.

و اما ان كان الغرض الاستشهاد بالآية الشريفة (لا يمسّه الا المطهّرون) على الحرمة بقرينة استشهاد الامام عليه السّلام بها فى الرواية فلا يتم الاستشهاد لانه بعد كون المنهى بعض المحرمات و بعض المكرمات فلا بد من حمل النهى فى قوله تعالى (لا يمسّه الا المطهّرون) على مطلق المرجوحية حتى يلائم مع النهى فى المذكورات فى الرواية فيشكل الاستدلال على حرمة مسّ كتابة المصحف بالآية المذكورة بقرينة الاستشهاد بها فى الرواية المذكورة.

فيبقى الكلام فى ظهور الآية فى حرمة المس فى حد ذاتها و عدمه و هو مورد الاشكال لكونها ذى احتمالين على ما مرّ الكلام فى ذيل الرواية السابقة.

و لكن اقول ان المحتمل فى الآية الشريفة أمّا ما قلنا من ان المراد من المس هو النيل و المراد من الضمير فى (لا يمسّه) هو الكتاب فى قوله تعالى (فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ) و المراد من (الْمُطَهَّرُونَ) المطهّرون من الزلل و الخطاء و ما يقوى هذا الاحتمال ليس الا كون المرجع للضمير فى (يمسّه) هو الكتاب و أمّا ما قلنا من ان المراد من المس هو المس بظاهر البدن و المراد بمرجع الضمير فى (لا يمسّه) هو القرآن و المراد من قوله (المطهّرون) المطهّرون من الاحداث و لا مانع من الأخذ بهذا الاحتمال ألّا كون ارجاع الضمير الى القرآن خلاف الظاهر لان الكتاب أقرب الى الضمير و لكن أقول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 97

أنّ الظاهر كون قوله (لٰا يَمَسُّهُ) صفة للقرآن لانه تعالى قال (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعٰالَمِينَ).

و الظاهر كون قوله (فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ لٰا يَمَسُّهُ

إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعٰالَمِينَ).

كلها صفة للقرآن و كون مرجع الضمير فى قوله (لٰا يَمَسُّهُ) هو القرآن و بعد كون الظاهر من المسّ هو المسّ بالبدن لا المسّ المعنوى فالظاهر الاحتمال الثانى فيمكن الاستدلال بالآية لما نحن فيه) ثم بعد ما عرفت نقول ان الرواية التى يمكن الاستدلال بها على حرمة مسّ كتابة المصحف على الجنب هى الرواية المتقدمة اعنى رواية ابراهيم ابن عبد الحميد و قد عرفت الاشكال فى ظهور النهى فيها على الحرمة و جوابه فلا نعيد فالرواية تدل على حرمة مس كتابة المصحف.

نعم الاستدلال بها على ما نحن فيه مبنى على حمل النهى فيها عن مسّ المصحف للجنب على كتابة المصحف لا المجموع ما بين الدفتين و على كون الصادر فى قوله (لا تمسّ خطه) و الّا لو كان المراد من المصحف المنهى مسّه فى الرواية مجموع ما بين الدفتين و كان الصادر (خيطه) بدل (خطه) لا يمكن الاستدلال بالرواية على المقام لكونها غير مربوطة بالمقام لانه على هذا يكون النهى عن نفس القرآن لا خطه و عن خيطه و عن تعليقه فلا تكون مربوطة بحرمة مسّ كتابة القرآن و لهذا يصير التمسك بالرواية للمقام مورد الاشكال.

و مع قطع النظر عن ذلك يمكن ان يستدل على حرمة مسّ كتابة المصحف على الجنب بالاولوية لانه بعد دلالة بعض الروايات على حرمة مسحه لمن يكون بلا وضوء و محدثا بالحدث الأصغر فمن يكون جنبا فمسّه اولى بالحرمة و على كل حال لا اشكال فى حرمته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 98

الموضع الثانى: فى حرمة مسّ اسم اللّه تعالى و ساير اسمائه و صفاته المختصة.

و ادعى عليه الاجماع كما عن بعض العبائر و دعوى لا خلاف على المحكى عن نهاية الاحكام و عن

الجواهر لم يظهر فيه خلاف الا من بعض متأخرى المتاخرين ممن لا يقدح خلافه فى تحصيل الاجماع.

و يدلّ عليه من النصوص ما رواها عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه الحديث) «1».

و لا يعارضها بعض ما يدل على جواز مسّ الجنب الدرهم مثل ما رواها إسحاق بن عمار عن ابى ابراهيم عليه السّلام (قال سألته عن الجنب و الطامث يمسّان ايديهما الدرهم البيض قال لا بأس). «2»

و ما رواها محمد بن مسلم «3» لانهما مطلقان يقيّدان بغير صورة كون المس مسّ اسم اللّه تعالى.

و اما ما رواها المحقق رحمه اللّه (قال و فى كتاب الحسن بن محبوب عن خالد عن الربيع عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى الجنب يمس الدراهم و فيها اسم اللّه و اسم رسوله قال لا بأس به ربما فعلت ذلك) «4» الدالة على جواز المس لا تقبل للمعارضة مع الرواية الدالة على عدم جواز مسّ اسمه تعالى لانها مرسله لم يذكر المحقق قدّس سرّه ممن يروى الحديث فهى ضعيفة السند.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 18 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 18 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 18 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 99

فلا يبقى اشكال فى حرمة مس اسم اللّه تعالى للجنب و ما يقال من ان الدراهم المسكوكة فى عهد الائمة عليهم السّلام كان مكتوبا عليها القرآن الشريف و الشهادتان فلو حرّم مسّ اسم اللّه تعالى لزم الحرج و الهرج

و المرج و ذلك منتف.

ففيه ان ذلك اجتهاد فى مقابل النص و لو سلم ما قيل فرّ بما يكون على وضع لا يقع مورد المس مضافا الى انه يجتنب الجنب عنه.

الا اذا صار مورد الحرج فالحكم بالنسبة الى لفظ الجلالة و هو اللّه لا ينبغى الاشكال فيه.

و اما بالنسبة الى ساير اسمائه و صفاته المختصة فلا دليل فى البين غير الاجماع المدعى بناء على شموله له كما فى بعض العبائر.

او ان يدّعى دلالة الرواية المتقدّمة اعنى رواية عمار على عدم جواز مسّه للجنب لان ساير اسمائه المختصة به اسم للّه تعالى فيشمله الحكم فيكون قوله عليه السّلام (اسم اللّه) يعنى اسما للّه.

مضافا الى ان اقتضاء التعظيم عدم مسّه فى غير حال الطهارة.

الموضع الثالث: فى حرمة مس اسماء الأنبياء و الائمة عليهم السّلام

حال الجنابة و عدمها.

اقول لم نجد نصا على الحرمة الا ان يقال تقضى التعظيم عدم مسّ أسمائهم الشريفة حال الجنابة.

فاذا نقول ان الأحوط كما قال المؤلف حرمة المسّ حال الجنابة لاسمائهم الشريفة.

الجهة الثانية: يحرم على الجنب دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 100

و ان كان بنحو المرور.

و ادعى عليه الاجماع بعض و نفى الخلاف عنه بعض آخر و يدل عليه بعض النصوص.

مثل ما رواها جميل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يجلس فى المساجد قال لا و لكن يمرّ فيها كلها الا المسجد الحرام و مسجد الرسول «1».

و مثل ما رواها محمد بن حمران عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الجنب يجلس فى المسجد قال لا و لكن يمرّ فيه الا المسجد الحرام و مسجد المدينة الحديث. «2»

و مثل ما رواها ابو حمزة قال قال ابو جعفر عليه السّلام اذا كان الرجل نائما فى المسجد الحرام او مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاحتلم فاصابته جنابة فليتيمم و لا يمرّ فى المسجد الا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل و كذلك الحائض اذا أصابها الحيض تفعل ذلك و لا بأس ان يمرّا فى سائر المساجد و لا يجلسان فيها «3» و غير ذلك راجع الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

الجهة الثالثة: [المكث فى سائر المساجد]
اشارة

قال المؤلف رحمه اللّه

المكث فى سائر المساجد حرام على الجنب بل مطلق الدخول فيه على غير وجه المرور و اما المرور فيها بان يدخل من باب و يخرج من باب آخر فلا بأس به و كذا الدخول بقصد اخذ شي ء منها فانه لا بأس به و المشاهد كالمساجد فى حرمة المكث فيها.

(1)

فيقع الكلام فى مواضع:

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 7، ص: 101

الموضع الاول: فى حرمة المكث فى ساير المساجد

بل مطلق الدخول فيه على غير وجه المرور يدل عليه روايات.

اعلم ان التعبير فى بعض الروايات و ان كان حرمة الجلوس في مقام النهى لكن المحرم مطلق الدخول و ان لم يجلس الا ان يكون على وجه الاجتياز و العبور و المرور كما يصرح بذلك ما ذكر فى الرواية و استشهد الامام عليه السّلام بالقرآن الكريم فيها و هى ما رواها زرارة و محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام (قالا قلنا له الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا قال الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين ان اللّه تبارك و تعالى يقول و لا جنبا الا عابرى سبيل حتى تغتسلوا الحديث) «1»، فلا يجوز الدخول و المكث و الجلوس جنبا فى المساجد الا على سبيل المرور بان يدخل من باب و يخرج من باب لدلالة بعض الاخبار على جواز المرور منه و ربما يشكل فيما كان الدخول و الخروج من باب واحد لان العبور يصدق فيما كان له الدخول من باب و الخروج من باب آخر و الآية الشريفة (و لا جنبا الّا عابرى سبيل) تشمل هذه الصورة فقط.

و حكى عن السلار الكراهة و ما يمكن ان يكون وجها لقوله روايات.

منها ما رواها أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام (فى وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السّلام أن اللّه كره لأمتى العبث فى الصلاة (الى ان قال) و إتيان المساجد جنبا) «2» و الرواية ضعيفة السند لعدم معلومية حال أنس بن محمد و لم يرو منه ألّا هذه الرواية بنقل المامقانى رحمه اللّه

فى رجاله.

و مثلها رواية اخرى و هى ما رواها شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 102

الصادق عن آبائه عليهم السّلام (فى حديث المناهى) (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقعد الرجل فى المسجد و هو جنب) «1»، و هى ليست موثوقا بها لان شعيب بن واقد الّذي يروى عن الحسين بن زيد لم يكن ذكر منه فى الرجال و لا يرى تعرض له ألّا كونه فى طريق حديث المناهى على ما فى رجال المامقانى رحمه اللّه و ظاهرا هو هذه الرواية.

و مثلها في عدم مقتضى الحجية فيها نظير رواية أنس بن محمد بحسب المضمون ما رواها محمد بن خالد البرقى فى المحاسن عن أبيه عن محمد بن سليمان الديلمى عن أبيه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال رسول اللّه (الى أن قال) و اتيان المساجد جنبا) «2» و هذه الرواية مضافا الى ما يقال فى حق صاحب المحاسن من أنه يروى عن الضعفاء ضعيفة السند باعتبار محمد بن سليمان راجع رجال المامقانى رحمه اللّه.

و هذه الروايات الثلاثة لا تقبل للمعارضة مع الروايات الدالة على حرمة الدخول و يبقى هنا رواية اخرى و هى ما رواها محمد بن القاسم (قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجنب ينام فى المسجد فقال يتوضأ و لا بأس أن ينام فى المسجد و يمرّ فيه) «3».

و نقول فى جواب هذه الرواية و بعض ما أشرنا إليها و ذكرناها المستدلة بها على كراهة دخول

الجنب فى المساجد غير المسجدين بأنه على فرض تمامية دلالتها و حجية سندها لا يمكن التعويل عليها لكونها مما أعرض عنه الاصحاب.

الموضع الثانى: هل يجوز الدخول فى المساجد غير المسجدين

بقصد اخذ شي ء منها أو لا يجوز ذلك.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 16 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 18 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 103

اقول يدل عليه (مع قطع النظر عن الاجماع المحكى او عدم الخلاف او انه مذهب علماء الاسلام) بعض النصوص.

منها ما رواها عبد اللّه بن سنان (عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم و لكن لا يضعان فى المسجد شيئا) «1».

و منها ما رواها زرارة و محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام (قال الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين الى ان قال و يأخذان من المسجد و لا يضعان فيه شيئا قال زرارة قلت له فما بالهما يأخذان منه و لا يضعان فيه قال لانهما لا يقدران على اخذ ما فيه الا منه و يقدران على وضع ما بيدهما فى غيره الحديث) «2» تدل الروايتان على جواز الدخول فى المساجد بقصد اخذ شي ء منها.

و اما الكلام فى وضع شي ء فيها يأتى إن شاء اللّه عند التعرض للأمر الرابع من الامور التى تعرض لها المؤلف رحمه اللّه فى الفصل إن شاء اللّه.

قد يقال أنّ ظاهر عنوان المؤلف رحمه اللّه هو الدخول فى المسجد بقصد أخذ شي ء منه و لكن ظاهر الروايتين ليس إلا التناول و الاخذ من المسجد و لا تعرض فى الروايتين عن كون الاخذ من المسجد بالدخول فيه،

و لهذا ربّما يتوهم اشكال من هذا الحيث فى الافتاء بجواز دخول الجنب لاخذ الشي ء منه الا ان يقال بان اطلاق جواز الاخذ منه يشمل حتى صورة كون الاخذ محتاجا الى دخول المسجد.

و الأقوى ان يقال ان ذيل رواية زرارة و محمد بن مسلم و هو سؤال زرارة عن علة الفرق بين الاخذ و الوضع و الحليّة فى الاول و الحرمة فى الثانى شاهد على كون مورد الحليّة هو الدخول لاجل الاخذ كما ان مورد الحرمة دخول المسجد

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 104

لأجل الوضع فسئل عن الفرق بينهما فأجاب عليه السّلام بأنّهما لا يقدران على اخذ ما فيه الا منه و يقدران على وضع ما بيدهما فى غيره، لان العلة المذكورة ان كانت علّة لحرمة الوضع فى حد نفسه و حليّة اخذ شي ء فى حد نفسه مع قطع النظر عن الدخول فى المسجد يلزم أولا كون العلة علّة تعبدية لا علّة ارتكازية، لانها لو كانت علّة ارتكازية كان لازمها حرمة كل ما لا ضرورة بفعله للجنب مثلا التكلم بما لا ضرورة فيه، لانّه على هذا علّة كون وضع الشى فى المسجد حراما للجنب هى عدم الضرورة له بوضعه، فان كانت العلة ارتكازية فمعناها حرمة كل ما لا ضرورة له بفعله و هذا مما لا يمكن الالتزام به فلا بد من حمل العلة على العلة التعبديّة، فتكون العلّة للحكم و هو حرمة الوضع أمرا تعبديا و هو عدم الضرورة بوضع الشى فى خصوص المسجد تعبدا و لا يتعدى الى غيره، و

هذا خلاف الظاهر، لان الظاهر كون التعليل فى الأمر التعبدى بالأمر الارتكازي و لا يمكن جعل العلة على ما عرفت أمرا ارتكازيّا لعدم امكان الالتزام به و أما لو كان النظر الى الحليّة و الحرمة فى الأخذ و وضع الشى فى المسجد للجنب الى الدخول و أنّ حلية الأخذ بما هو دخول فى المسجد و حرمة الوضع أيضا بما هو دخول فى المسجد يكون ذكر العلّة علّة ارتكازية.

لان الدخول لأخذ شي ء من المسجد يكون اضطراريا و أما وضع الشى فيه لا يكون فيه الاضطرار لامكان وضع الشى فى خارج المسجد فلا يضطرّ الى دخول المسجد لأجل وضع الشى فيه و يضطر الى الدخول فى المسجد لأخذ الشي ء منه فعلى هذا نقول ان الأخذ و الوضع فى المسجد شي ء يكون من باب واحد بمعنى أنه كما يكون جواز أخذ الشى منه للجنب حراما باعتبار دخول المسجد كذلك يكون وضع شي ء فى المسجد للجنب باعتبار الدخول فى المسجد حراما فلا يحرم الوضع الّا ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 105

كان مستلزما له.

فتلخص من كل ذلك جواز دخول الجنب فى المسجد لأخذ شي ء من المسجد.

ثم ان هنا كلاما آخر، و هو ان جواز دخول المساجد لاخذ شي ء هل يعمّ مسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم او يختص هذا الحكم بغيرهما من المساجد، قد يقال بانه بعد كون ظاهر المسجد فى رواية المتقدمة و هى رواية زرارة و محمد بن مسلم «1» عاما يشمل كل المساجد و كون ظاهر رواية محمد بن مسلم قال (قال ابو جعفر عليه السّلام (فى حديث الجنب و الحائض) و يدخلان المسجد مجتازين و

لا يقعدان فيه و لا يقربان المسجدين الحرمين) «2»، عاما يشمل صورة كون القرب بالمسجدين لاجل اخذ شي ء و لما لا يكون لاخذ الشي ء فتكون النسبة بين الطائفتين العموم و الخصوص من وجه لان الطائفة الاولى و هى رواية زرارة و محمد بن مسلم تدل على جواز الدخول لاخذ الشي ء فى كل مسجد سواء كان المسجدين الحرمين او كان غيرهما و الطائفة الثانية و هى رواية محمد بن مسلم عام من حيث شمول النهى فيه عن القرب بالمسجدين لما كان لاجل أخذ شي ء او لغير ذلك.

فيقع التعارض بينهما فى مادة الاجتماع و هو فيما كان الدخول فى المسجدين الشريفين بقصد اخذ شي ء منهما.

فمقتضى الطائفة الثانية حرمة الدخول فيهما و الحرمة لما كان الدخول بقصد اخذ شي ء او بغير قصد ذلك و مقتضى الطائفة الاولى جواز الدخول فيهما لاخذ الشي ء لعموم حليّتها لكل مسجد كان هو المسجد الحرام او مسجد النبي او غيرهما من المساجد فيقع التعارض بين الطائفتين الّا ان يدعى شمول الطائفة الاولى لمورد

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 48.

(2) الرواية 17 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 106

الاجتماع اظهر لكن الأظهريّة محل تأمّل او يدعى كون المرجع اطلاق بعض النصوص المانعة عن إتيان المساجد المذكورة فى الباب المعقود لها فى الوسائل «1» و بعد التعارض بينهما و تساقطهما عن الحجيّة فى مادّة الاجتماع يكون المرجع البراءة لانا نشك فى جواز الدخول للجنب فى المسجدين الشريفين لاخذ شي ء و عدمه فيكون الاصل الحليّة.

اقول و فيما يقال نظر أولا مورد رواية زرارة و محمد بن مسلم ليس عاما يشمل مسجد الحرام لان قوله عليه السّلام

فيها (الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين) اعنى صدر الرواية خاص لاختصاص المسجد المحكوم بحكم عدم دخول الحائض و الجنب فيه الا مجتازين هو ساير المساجد غير المسجدين الشريفين لعدم جواز الدخول فيهما حتى مجتازين و بعد كون المراد من (المسجد) فى صدر الرواية هو غير المسجدين فالمراد من المسجد فى قوله عليه السّلام فى ذيل الرواية (و يأخذ ان من المسجد و لا يضعان فيه شيئا) هو غير المسجدين فلا يكون المسجد فى الرواية عاما يشمل المسجدين الشريفين.

و ثانيا شمول عموم الطائفة الثانية و هى رواية محمد بن مسلم لمادة الاجتماع و هو صورة الدخول فى المسجدين الشريفين لاخذ بشي ء أظهر بنظر العرفى عن شمول الطائفة الاولى لمادة الاجتماع خصوصا مع ما قلنا فى قولنا أولا من عدم شمول هذه الطائفة الدالة على جواز دخول المسجد لاخذ شي ء للمسجدين الشريفين و لا اقل من احتماله و بعد كون الطائفة الثانى من حيث الشمول أظهر من الطائفة الاولى فلا بد في مقام التعارض من الاخذ بها و تكون النتيجة عدم جواز دخول المسجدين الشريفين حتى لاخذ شي ء منهما.

______________________________

(1) الرواية 7 و 9 و 16 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 107

الموضع الثالث: يقع الكلام فى كون المشاهد كالمساجد فى حرمة المكث فيها.
اشارة

يستدلّ على كون المشاهد المشرفة و الضرائح المقدّسة فى حكم المساجد من حيث حرمة المكث للجنب فيها بامور:

الأمر الاول: ما يستفاد من بعض النصوص من ان حرمة المسجد لاجل اشتماله على مدفن معصوم

من نبى او وصى فبعد كون وجه احترام المسجد ذلك فنفس مدفن النبي او الوصى اولى منه بالحرمة.

مثل ما رواها ابن ابى عمير عن بعض اصحابه (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اني لأكره الصلاة فى مساجدهم فقال لا تكره فما من مسجد بنى الاعلى قبر نبى او وصى نبى قتل فاصاب تلك البقعة رشة من دمه فاحبّ اللّه ان يذكر فيها فأد فيها الفريضة و النوافل و اقض فيها ما فاتك) «1»، فيكون مشهد النبي و الوصى اولى بالحرمة و أشكل عليه بان الحكم بحرمة مكث الجنب فى المسجد يكون لأجل كونه مسجدا لا لأجل شرافة مكانه فلا وجه لدعوى الاولويّة. «2»

و فيه ان المستفاد من الرواية أنّ قبر النبىّ او الوصىّ صار سببا لصيرورة المسجد مسجدا فالمسجدية لاجل القابليّة الحاصلة فى ارض المسجد فاذا ورد حكم متعلق بالمسجد فالمشاهد مشمول لهذا الحكم بالأولويّة.

الأمر الثانى: وجوب تعظيم مشاهدهم و هو يقتضي تجنب الجنب و امثاله عن المكث فيها.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب المساجد من جامع احاديث الشيعة، ج 4، ص 431.

(2) العلامة الآملى فى مصباح الهدى، ج 4 ص 143.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 108

و أشكل فيه بان التعظيم امر قصدى يدور مدار القصد و ربما كان دخول الجنب تعظيما لها مثل ما لو ضاق عليه وقت التشرف و لم يتمكّن من الغسل. «1»

فنقول فيه ان التعظيم كالتوهين تارة ينسب الى المعظّم و المهوّن و تارة.

بلا خط نفس الفعل مع قطع النظر عن قصد الفاعل ففى الاول لو لم يقصد لا يقال انه عظّم او وهّن الشخص و فى الثانى يقال ان الفعل تعظيم او توهين و لو لم يقصده الفاعل مثلا اذا أوقع الشخص نعوذ باللّه القرآن الكريم

فى محل لا يجوز وقوعه فيه فمجرد ذلك توهين بالقرآن و لو لم يقصد الواضع و لو لم يلتفت به.

اذا عرفت ذلك نقول انه فى الصورة الثانية اعنى فيما صدر فعل من الفاعل لا بقصد التعظيم او التوهين و لكن كان الفعل تعظيما او توهينا و لو لم يلتفت إليه الفاعل مثل ما صدر منه نسيانا و غفلة لا يعاقب و لا يكون مورد النهى و لكن اذا التفت الى كون الفعل تعظيما و كان التعظيم واجبا او التفت الى كون فعله توهينا و كان التوهين حراما فيجب عليه الفعل فى الاول و يحرم عليه الفعل فى الثانى لانه مع كون التعظيم واجبا و يحصل بفعله و مع فرض كون الفعل توهينا و يحصل بفعله و يلتفت الى ذلك يجب الفعل فى الصورة الاولى و يحرم عليه الفعل فى الصورة الثانية حتى فيما لا يقصد بفعله التوهين لانه لا يؤثّر عدم قصد التوهين فى عدم صيرورة الفعل توهينا فيجب تركه عليه لعدم جواز التوهين عليه فلا يتم ما قال هذا القائل فى المقام.

نعم يقع الكلام فى ان تعظيم مشاهدهم يقتضي حرمة دخول الجنب أم لا فنقول بانه و لو لم يقتض التعظيم تجنب الجنب من الدخول فى مشاهدهم لكن لو كان

______________________________

(1) العلامة الآملى فى مصباح الهدى، ج 4، ص 143.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 109

دخوله توهينا عرفا يكفى فى الحرمة.

الأمر الثالث: بعض الاخبار الدالّة على المنع من دخول الجنب فى بيوتهم

فيشمل حال مماتهم خصوصا مع عدم الفرق لهم بين حال حياتهم و بين حال مماتهم لانهم أحياء عند ربّهم يرزقون.

مثل ما رواها ابو بصير (قال دخلت على ابى عبد اللّه عليه السّلام و أنا أريد أن يعطينى دلالة مثل ما

أعطانى ابو جعفر عليه السّلام فلما دخلت عليه قال يا محمد ما كان لك فيما كنت فيه شغل تدخل على أمامك و انت جنب قال قلت جعلت فداك ما فعلت الّا على عمد قال او لم تؤمن قال قلت بلى و لكن ليطمئنّ قلبى قال قم يا با محمد فاغتسل و عدت الى مجلسى فعلمت عند ذلك انه الامام) «1» و غير ذلك «2».

فيقال لا يجوز الدخول للجنب فى مشاهدهم حال مماتهم كما لا يجوز حال حياتهم دخوله فى بيوتهم و من المعلوم أنّ عدم جواز الدخول فى بيوتهم يكون لاجل كون احد المعصومين عليهم السّلام فيها فهو فى مشهده حال موته.

اقول و يمكن دعوى عدم الفرق بين الحياة و الممات ألّا ان يدعى ان الرواية لا يستفاد منها حرمة الدخول جنبا حتى حال الحياة بل يكون على سبيل الكراهة.

الأمر الرابع: السيرة المستمرة على تجنب المتشرعة عن الدخول فى مشاهدهم بلا طهارة عن الحدث الاكبر

بل تجنب المتورعين عن الدخول مع الحدث الاصغر.

و فيه ان السيرة على تقدير وجودها لا تدل على حرمة الدخول او وجوب

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب وجوب غسل الجنابة من جامع احاديث الشيعة. ج 2 ص 460.

(2) راجع الباب 16 من ابواب الجنابة من الوسائل، حديث 1، 2، 3، 4، 5.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 110

الغسل بل لعل ذلك كان من رجحانه و استحبابه مثل عدم دخولهم بلا وضوء و الحال بانه لا دليل على وجوب الوضوء.

و على كل حال الاحوط لو لم يكن أقوى و لو لبعض الجهات المذكورة حرمة الدخول للجنب فى مشاهدهم حال الجنابة.

و لو تمّت الادلّة الدالة على عدم جواز دخول الجنب المشاهد المشرفة او بعضها فمقتضاها عدم جواز الدخول مطلقا دخولا و جلوسا

و عبورا حتى لاخذ شي ء منها او وضع شي ء فيها لان ما دل على جواز المرور او الدخول لاخذ شي ء مخصوص بالمسجد بالتفصيل المتقدم فلا يشمل المشاهد فالاحوط كون حكمها حكم المسجدين الشريفين ان قلنا فيهما بعدم جواز الدخول فيهما لاخذ شي ء كما عرفت و ان قلنا بجواز الدخول حتى فيهما لاخذ الشي ء على الجنب لا بدّ ان نقول على فرض تمامية ما دل على حرمة دخول الجنب المشاهد المشرفة بعدم جواز الدخول مطلقا حتى لاخذ الشي ء فيها لان جواز الدخول لاخذ الشي ء مختص بالمسجد.

الجهة الرابعة: هل يحرم وضع الشي ء فى المساجد فيما كان وضع الشي ء مستلزما للدخول

او يحرم مطلق الوضع فيها و ان كان من الخارج او فى حال العبور.

اقول قد ذكرنا ما يدلّ على حرمة وضع الجنب شيئا فى المسجد و هو رواية عبد اللّه «1» بن سنان و زرارة و محمد «2» بن مسلم كليهما فى الموضع الثانى من الجهة الثالثة.

و ما ينبغى ان نتكلّم هنا هو ان المحرّم هو الدخول فى المسجد بقصد وضع شي ء فيه فقط فتحرم الوضع بلحاظ الدخول كما قلنا بحليّة الاخذ من المسجد شيئا بلحاظ

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 17 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 111

الدخول فلو لم يستلزم الوضع الدخول فى المسجد او كان الوضع فى الدخول المحلل مثل الدخول للعبور و الاجتياز لا يكون وضع شي ء محرما او ليس كذلك بل يعم حكم الحرمة نفس وضع شي ء فى المسجد و ان لم يستلزم دخول المسجد مثل ان يلقى شيئا حال الجنابة من الخارج فيه او لم يستلزم الوضع دخول المحرم فى المسجد مثل ما كان دخوله بعنوان المرور

فيضع شيئا فى المسجد و بعبارة اخرى ما هو المحرّم وضع الجنب شيئا فى المسجد سواء استلزم الدخول أو لا.

اعلم ان المسألة ذات قولين فجمع يقولون بالاوّل و جمع يقولون بالثانى و المؤلف رحمه اللّه منهم و نحن تعرضنا للمسألة و بيان الحق فيها فى الموضع الثانى من الجهة الثانية و ان المحرّم هو دخول الجنب فى المسجد لوضع شي ء فيه كما ان المحلل دخوله فيه لاخذ شي ء منه و قد عرفت وجهه فلا نعيد.

الجهة الخامسة: يقع الكلام فى حرمة قراءة السجدة على الجنب

و الكلام تارة فى اصل حرمتها فى الجملة و تارة فى موردها و انه هل هو خصوص الآية السجدة من سور العزائم الاربعة او جميع السورة حتى غير الآية المشتملة على السجدة.

اما الكلام فى حرمتها فى الجملة فهو مما عليها الاجماع و يدلّ عليها بعض النصوص نذكره إن شاء اللّه عند التعرض لبيان موردها و توهّم عدم دلالة النص الاعلى عدم الاستحباب بدعوى ان قراءة القرآن مستحب فاستثناء الغرائم لا يدل الاعلى عدم استحبابها مدفوع بان السؤال كما ترى فى بعض النصوص الّتي نتلوه عليك إن شاء اللّه عن جواز قراءة القرآن حال الجنابة و الحيض فاذا قال نعم الا السجدة يكون معناه جواز قرأته القرآن لهما الا السجدة فلا يجوز لهما قرأتها.

و اما الكلام فى موردها فقد وقع الخلاف بين فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 112

فيه فبعض قالوا بحرمة قراءة جميع سور الغرائم لا خصوص آية السجدة و حكى الاجماع عليه عن جمع.

و بعض قالوا باختصاص الحرمة بقراءة خصوص الآية التى تجب السجدة بقراءتها.

و منشأ الاختلاف الاختلاف فى المراد من النص الوارد فى المقام نذكره و نبيّن ما ينبغى ان

يقال إن شاء اللّه.

روى زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام فى حديث قال قلت له الحائض و الجنب هل يقرآن من القرآن شيئا قال نعم ما شاءا الّا السجدة و يذكران اللّه على كل حال «1».

و روى محمد بن مسلم قال قال ابو جعفر عليه السّلام الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرأن من القرآن ما شاءا الّا السجدة الحديث. «2»

لان المراد من (السجدة) فى قوله عليه السّلام فى الروايتين (الّا السجدة) هل يكون خصوص الآية المشتملة على السجدة او الواجبة بقراءتها السجدة فلا يجوز للجنب و الحائض قراءتها فقط و اما ما بقى من الآيات السور الاربع التى يكون فيها الآية السجدة فلا مانع لهما من قراءته.

او كان المراد من (السجدة) السورة السجدة حيث يقال بكل من السور الاربع السورة السجدة باعتبار اشتمالها على الآية السجدة.

فلا يجوز قراءة السور الاربع كلها حتى غير الآية السجدة منها.

وجه الاول ظهور كلمة (السجدة) المستثناة قراءتها فى الآية السجدة و ان

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 113

ابيت عن ظهورها فيها فلا اقلّ من عدم ظهورها فى سورة السجدة فنتيجة تصير مجملا و القدر المتقين من عدم جواز القراءة من قوله عليه السّلام (الا السجدة) هو الآية المشتملة على السجدة.

و نشك فى حرمة قراءة ما بقى من آيات السور الغرائم فمقتضى البراءة عدم حرمة قراءتها.

وجه حرمة قراءة جميع السورة أيضا دعوى ظهور قوله عليه السّلام فى الروايتين (الا السجدة) فى سورة السجدة فيكون المراد عدم جواز قرأته السورة المشتملة على السجدة فتحرم

قرأته كل من الآيات من السور الاربع.

و يدل عليه ما عن جعفر بن الحسن بن سعيد المحقق رحمه اللّه فى المعتبر (قال يجوز للجنب و الحائض أن يقرا ما شاءا من القرآن الّا سور الغرائم الاربع و هى أقر باسم ربّك و النجم و تنزيل السجدة و حم السجدة و روى ذلك البزنطى فى جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام) «1».

و ما فى الفقه الرضا عليه السّلام «2» فأن ما رواها المحقق عن البزنطى و ما فى الفقه الرضا يدلان على ان المحرم على الجنب و الحائض قراءة سور الغرائم كلها.

اقول ما يأتى بالنظر اختصاص الحرمة بقراءة خصوص الآية التى يجب بقراءتها السجدة من سور العزائم لا غيرها لان المحتمل و ان كان فى قوله عليه السّلام (الا السجدة) كل من الاحتمالين المتقدمين لكن الاظهر بين الاحتمالين لو لم يكن الظاهر احتمال كون المراد الآية الواجبة فى قراءتها السجدة.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) جامع أحاديث الشيعة، ج 2، ص 462، ح 7.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 114

و ان ابيت عن ذلك فكما اشرنا فى بيان وجه هذا الاحتمال لا يكون احتمال كون المراد من (السجدة) سورة السجدة اظهر فيدور الامر بين الاحتمالين و يكون مجملا و حيث ان القدر المتقين من مورد حرمة القراءة خصوص الآية المخصوصة التى يجب فيها السجدة فيبقى حرمة ما بقى من سور الغرائم غير الآيات الاربعة منها الواجبة فيها السجدة بقراءتها بلا دليل فنشك فى حرمتها فيكون المرجع البراءة.

و اما ما حكى المحقق من الرواية عن البزنطى و ما فى الفقه الرضا الدالان على

حرمة قراءة مجموع سور الغرائم على الجنب و الحائض.

ففيه ان الاول ضعيف لارساله و الثانى للاشكال فى اعتباره و صحة استناده.

و مع ما قلنا من عدم حجية الخبرين لا حاجة باتعاب النفس بان يقال كما يمكن الجمع بين رواية زرارة و محمد بن مسلم المتقدمتين و بين ما روى المعتبر و فقه الرضا بحمل (السجدة) فى الطائفة الاولى بقرينة الطائفة الثانية على تمام السور الاربع فيكون النتيجة حرمة قراءة كل السور للجنب كذلك يمكن حمل الطائفة الثانية على خصوص آية المشتملة على السجدة بان يقال ان النهى عن السورة يكون باعتبار الآية فتكون النتيجة حرمة قراءة خصوص الآية المشتملة على السجدة و حمل الثانى لو لم يكن أظهر فلا أقلّ من مساواته مع الحمل الاول كما قال فى المستمسك «1».

و فيه أنّ الاظهر هو الحمل الاول بل هو الظاهر من الطائفة الثانية فالجواب ما قلنا من عدم مقتضى الحجية فى الطائفة الثانية فاذا نقول الاقوى اختصاص الحرمة بقراءة آيات السجدة من تلك السور و لكن ينبغى الاحتياط بترك قراءة مجموع

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 52.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 115

تلك السور للجنب و الحائض.

ثم انه على تقدير حرمة قراءة مجموع السور الاربع على الجنب و الحائض يحرم قراءة بعض واحدة من هذه السور حتى بعض الآية منها و حتى البسملة او بعضها اذا كان قاصدا فى قراءتها لاحدى هذه السور لانها من جملة هذه السور و على فرض حرمة قراءتها يحرم قراءة أبعاضها.

***

[مسئلة 1: من نام فى أحد المسجدين و احتلم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: من نام فى أحد المسجدين و احتلم أو أجنب فيهما او فى الخارج و دخل فيهما عمدا او سهوا او جهلا وجب عليه

التيمم للخروج الا ان يكون زمان الخروج أقصر من المكث للتيمم فيخرج من غير تيمم او كان زمان الغسل فيهما مساويا او أقل من زمان التيمم فيغتسل حينئذ و كذا حال الحائض و النفساء.

(1)

[الكلام فى الجنب]
اشارة

أقول اما الحكم فى الجملة فلا اشكال فيه و المحكى عدم الخلاف فيه لعدم رؤية المخالف الا ما حكى عن الوسيلة من القول باستحباب التيمم فى مفروض المسألة و بعد تسلم اصل الحكم فى الجملة كما يظهر من بعض الروايات ينبغى الكلام فى فروعه لان ما يرى من اختلاف الاقوال فى المسألة يكون مربوطا ببعض هذه الفروع و لم نذكر الأقوال لعدم الثمرة فى ذكرها و يظهر مواردها فى ضمن الفروع و قبل الورود فى التكلم فى هذه الفروع نذكر النص الوارد فى المسألة ثم الفروع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 116

إن شاء اللّه تعالى فنقول.

محمد بن يحيى رفعه عن ابى حمزه قال (قال ابو جعفر عليه السّلام اذا كان الرجل نائما فى المسجد الحرام او مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأصابته جنابة فليتيمم و لا يمرّ فى المسجد الا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل و كذلك الحائض اذا أصابها الحيض تفعل ذلك و لا بأس ان يمرّا فى سائر المساجد و لا يجلسان فيها) «1».

و روى عبد اللّه بن سنان عن ابى حمزة قال قال ابو جعفر عليه السّلام اذا كان الرجل نائما فى المسجد الحرام او مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاحتلم فاصابته جنابة فليتيمم و لا يمرّ فى المسجد الا متيمما و لا بأس ان يمرّ فى ساير المساجد و لا يجلس فى شي ء من

المساجد. «2»

و لا يبعد كونهما رواية واحدة لان الراوى فى كل منهما ابو حمزة و المروى عنه ابو جعفر عليه السّلام.

و على كل حال لا يضرّ كون الاولى مرفوعة للاستدلال بما روى ابو حمزة على وجوب التيمم على الجنب فى الجملة لان الاولى من الروايتين ان كانت مرفوعة فثانيها مسندة نعم تظهر الثمرة فى حجيّة الرواية الاولى بالنسبة الى الحائض كما يأتى إن شاء اللّه.

اذا عرفت ذلك نقول ان مورد الروايتين حصول الجنابة بسبب الاحتلام فامر فيه بالتيمم و ان لا يمر فى المسجدين الا مع التيمم حتى يخرج منهما.

فما ينبغى ان نتكلم فيه حتى يظهر حكم الفروع الموردان.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 117

المورد الاول: فى ان هذا الحكم

اى وجوب التيمم و الخروج متيمما عن المسجدين مختص بما اذا كانت اصابة الجنابة للشخص بسبب الاحتلام كما هو مقتضى الجمود بظاهر الروايتين او يعمّ ما اذا حدثت له الجنابة فى احد المسجدين و لو كان عمدا و كذا ما اذا كان جنبا فدخل فى المسجد عمدا او سهوا او جهلا.

اعلم انه قد يقال بالاول كما نسب الى جمع و منشأ الانحصار بهذه الصورة ليس الا الجمود بمورد الرواية و عدم وجه للتعدى بغير المورد.

و لكن من يلاحظ ان تشريع التيمم فى المورد ليس الا من باب حرمة كون الجنب فى المسجدين سواء كان بالدخول او المكث او الخروج و جعل مورد الرواية اصابة الجنابة بالاحتلام ليس الا من باب المورد و لا خصوصية له و اما من باب ان من يجنب نفسه فى المسجدين عمدا او

يدخل مع الجنابة نادر و لهذا صار هذا المورد مذكورا فى الروايتين.

بل ما يأتى بالنظر و يقتضي ظهور الروايتين كون بيان هذا الحكم تفريعا على امر مركوز فى لسان الشرع و هو مبغوضية كون الجنب فى المسجدين و كونه منهيا عنه فبين هذا الحكم لتقليل المكث المحرم على الجنب.

فعل هذا لا يبقى وجه للانحصار بصورة كون الجنابة بالاحتلام بل يعمّ الحكم كل الموارد الثلاثة.

المورد الثانى: يقع الكلام فى ان ما ورد فى الروايتين المتقدّمتين
اشارة

من الامر بالتيمم لمن اصابته الجنابة فى احد المسجدين هل يكون هذا حكما تعبديّا خاصا واردا فى مورد خاص بحيث يجب التيمم لمن اصابته جنابة فى احد المسجدين للمرور و الخروج كيفما كان و ان كان زمان الخروج مساويا او أقصر من زمان التيمم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 118

و حتى فيما أمكن له الغسل فى زمان مساو مع زمان التيمم للخروج او أقصر منه أو لا يكون كذلك بل كما قلنا فى المورد الاول كان وجه تشريع التيمّم فى المورد لتقليل كون الجنب المنهى عنه فى المسجدين بسبب التيمم.

و لعل وجه عدم ذكر الغسل و الانحصار بذكر التيمم يكون من باب ان الغسل أولا يشغل زمانا اوسع من التيمم و ثانيا لا وسيلة غالبا للغسل و ثالثا يوجب غالبا تلويث المسجد و لهذا أمر بالتيمم.

و لكن ليس فى الامر بالتيمم اعمال تعبد بحيث يريده كيفما كان حتى فيما يتمكن من الغسل فى زمان مساو لزمان التيمم او أقصر منه او كان زمان الخروج أقصر او مساويا لزمان التيمم بل اذا كان زمان الغسل أقصر أو مساو لزمان التيمم يجب الغسل معيّنا و لا تصل النوبة بالتيمم كما انه اذا كان زمان الخروج أقصر من زمان التيمم بل

الغسل او مساو لهما لا يتعيّن التيمم او الغسل بل اذا كان زمان الخروج أقصر من زمانهما يجب الخروج معينا و اذا كان مساو لزمان التيمم لا يجب التيمم و اذا كان مساو لزمان الغسل و امكن الغسل بلا محظور يجوز له الغسل كما يجوز له الخروج و بعد ما بيّنا لك مبنى المسألة يظهر لك حكم الفروع المتفرعة فى المقام إن شاء اللّه.

الفرع الاول: ما اذا احتلم فاصابته الجنابة فى احد المسجدين

و لم يقدر على الغسل او يكون زمان الغسل أطول من زمان التيمم او يوجب الغسل تلويث المسجد و كان زمان التيمم أقصر من زمان الخروج مثل ما كان زمان يمكن فيه التيمم دقيقة و زمان مروره الى الخروج من المسجد دقيقتين او اكثر فيجب التيمم متعيّنا و هذا هو المورد المتقين من رواية ابى حمزة المتقدمة.

الفرع الثانى: ما اذا أجنب فى احد المسجدين بالاحتلام

و كان زمان التيمم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 119

فى الفرض المذكور مساويا لزمان الخروج او أطول منه و لم يتمكن من الغسل فى هذا الزمان فعلى ما بينّا لا مورد للتيمم لانه شرّع لتقليل وقت المكث و الكون فى المسجدين و فى الفرض فيما ساوى زمانه زمان الخروج لا يوجب التيمم تقليل المكث و فيما يكون زمانه أطول من زمان الخروج لا يجوز التيمم لايجابه أطولية الكون فى المسجدين و هو حرام.

و كذا لو تمكن من الغسل لكن كان زمانه أطول من زمان الخروج يجب الخروج معينا لتقليل المكث فى المسجد نعم لو كان زمان الغسل مساويا لزمان الخروج يجوز الغسل كما يجوز الخروج لو لم يوجب الغسل محظورا آخر مثل تلويث المسجد فانّه لا يجوز الغسل فى هذا الفرض.

الفرع الثالث: ما اذا أجنب فى المسجد بالاحتلام و يقدر على الغسل

و كان زمان الغسل مساو مع زمان التيمم او أقصر منه و كان زمانه اقصر من زمان الخروج فيتعيّن الغسل لان تقليل الكون جنبا فى المسجدين واجب بحكم العقل بعد كون طول المكث حراما و هو يحصل بالغسل و لا تصل النوبة بالتيمم و ان كان زمانه مساو له لان التيمم بدل عن الغسل و لا يكون فى الامر بالتيمم فى الرواية اعمال تعبّد كما مرّ فى الموردين الذين قدّمنا ذكرهما.

الفرع الرابع: ما اذا حصلت الجنابة بغير الاحتلام

مثل ما أجنب نفسه فى احد المسجدين او أدخل فيه جنبا عمدا او سهوا او جهلا فبناء على ما عرفت منّا فى المورد الاول من الموردين المتقدمين بعدم خصوصية لحصول الجنابة فى النوم و بسبب الاحتلام فحكم هذا الفرع حكم الجنابة الحاصلة من الاحتلام فيظهر حكمه من حيث وجوب التيمم او الغسل او الخروج بلا تيمم و غسل او التخير من الفرع الاول و الثانى و الثالث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 120

اذا عرفت حكم الجنب من حيث وجوب التيمم عليه اذا اصبته الجنابة فى هذه احد المسجدين و مورده.

[الكلام فى الحائض و النفساء]
اشارة

يقع الكلام فى الحائض و النفساء فنقول بعونه تعالى يقع الكلام فى المقامين:

المقام الاول: فى الحائض

و فيه تارة يقع الكلام فيما حصل له النقاء فى احد المسجدين هل يجب عليه التيمم للخروج أم لا و فى هذه الصورة مرة يقع الكلام فيما يقتضيه النص فنقول ان مقتضى ذيل الرواية الاولى من روايتى ابى حمزة هو وجوب التيمم على الحائض للخروج لان فيها قال (و كذلك الحائض اذا اصابها الحيض تفعل ذلك) بناء على كون مورد الرواية ما اذا حصل له النقاء و لم يغتسل بعد فيتيمم للخروج او كان لها اطلاق يشمل هذا المورد و لكن كلاهما ممنوعان لان مورد الرواية صورة اصابة الحيض لها فى المسجد فلا بد لتعميمه للمورد من ان يكون النظر تقليل مكث الحائض فى المسجدين فلا فرق بين كون اصابة الحيض فى المسجد او دخل فيه حائضا قبل النقاء او بعد النقاء.

نعم هنا اشكال فى انه اذا كان حائضا لا ثمرة للتيمم لانه محدث مع كونه حائضا و بعد الاشكال فى مورد الرواية و هو صورة اصابة الحيض فى المسجد فكيف يمكن التعدى الى غير مورده و هو صورة دخوله بعد النقاء و قبل الغسل.

الّا ان يقال بأنه بعد ورود الدليل نكشف كون التيمم موجبا لتقليل حدث الحيض و تخفيفه.

و لكن العمدة عدم كون هذه الرواية المتضمنة لهذا الذيل المربوط بالحائض حجة بحيث يشملها دليل حجية الخبر الواحد لكونها مرفوعة كما بينّا.

و اخرى يقع الكلام فيما يقتضيه القاعدة فنقول أنّ مقتضى القاعدة المستفادة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 121

من الادلّة الدالّة على عدم جواز دخول الجنب و الحائض المسجدين هو ان كونهما فيهما مبغوضا و منهيا عنه و

يجب بحكم العقل او النقل و هو ما يستفاد رواية ابى حمزة بالنسبة الى الجنب مسلما و بالنسبة الى الحائض بمقتضى احدى روايته او دعوى كون حكمه حكم الجنب تقليل المكث لهما فيهما فيجب للحائض الخروج منهما مثل الجنب و تقليل المكث فمع امكان التيمم يجب التيمم ان كان يؤثر فى تقليل المكث فيهما حائضا.

و فى هذه الصورة اعنى صورة حصول النقاء له فى احد المسجدين و كان قبل الغسل ان كان زمان التيمم أقصر من زمان الخروج و لم يتمكن من الغسل فى زمان أقصر أو مساو لزمان التيمم يمكن القول بالتيمم بمقتضى القاعدة للحائض.

و تارة يقع الكلام فيما حاضت المرأة فى احد المسجدين الشريفين او كان حائضا فدخلت فى احدهما و انه هل يجب الخروج متيمما أو لا فنقول:

مرة يقع الكلام فيما يقتضيه النص فكما بينّا فى صورة حصول النقاء للحائض فى احد المسجدين و كان قبل الغسل ان مقتضى ذيل الرواية الاولى من روايتى ابى حمزة المتقدمة فى صدر المسألة هو وجوب التيمم على الحائض و موردها يكون فى الصورة لكن قد بينّا ضعف هذه الرواية من حيث السند لكونها مرفوعة.

و اخرى يقع الكلام فيه بمقتضى القاعدة فنقول انه و ان قلنا ان مقتضى القاعدة وجوب تقليل مكث الجنب و الحائض فى المسجدين لمبغوضية كونهما فيهما فلا بد من خروجها و كلما كان المكث مع الحدث أقل يكون مطلوبا لكن الاشكال في هذه الصورة و هو صورة كون المرأة حائضا لا يوجب التيمم بل و لا الغسل رفع الحدث و تقليل المكث فى المسجد مع الحدث حتى يقال بوجوب الغسل فيما كان زمان الغسل أقصر او مساويا مع زمان التيمم و اقصر

من زمان الخروج او يقال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 122

بوجوب التيمم فيما كان زمان التيمم أقصر من زمان الخروج و لم يتمكن من الغسل او كان زمان الغسل أطول من زمان التيمم بل حدثه باق على الفرض الا ان يدعى ان التيمم يوجب تخفيف حدث الحيض و هو مطلوب و العهدة على مدعيه.

فتلخص ان فيما حصل النقاء للحائض و لم يغتسل و كان فى المسجد يمكن دعوى ان مقتضى القاعدة هو وجوب الخروج متيمما فيما كان زمان التيمم أقصر من زمان الخروج و لم يتمكن من الغسل فى هذا الزمان كما بينّا فى الفروع المتقدمة.

و اما فيما حاضت المرأة فى احد المسجدين او دخلت حائضا حيث يجب عليها الخروج لا دليل على وجوب التيمم حتى فيما كان زمان التيمم أقصر من زمان الخروج و من زمان الغسل او لم يتمكن من الغسل و ان كان أحوط.

المقام الثانى: فى النفساء

و مجمل القول فيه انه لا دليل فى البين يدل على وجوب التيمم عليه للخروج اذا دخل فى احد المسجدين الشريفين.

نعم يمكن ان يقال بكون النفساء بحكم الحائض فى الاحكام ففى كل مورد قلنا بوجوب التيمم على الحائض يقال فى النفساء أيضا و الحمد للّه و الصلاة على رسول اللّه.

***

[مسئلة 2: لا فرق فى حرمة دخول الجنب فى المساجد بين المعمور منها و الخراب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا فرق فى حرمة دخول الجنب فى المساجد بين المعمور منها و الخراب و ان لم يصلّ فيه احد و لم يبق آثار مسجديته نعم فى مساجد الاراضى المفتوحة عنوة اذا ذهب آثار المسجدية بالمرّة يمكن القول بخروجها عنها لأنّها تابعة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 123

لآثارها و بنائها.

(1)

اقول اما المساجد المعمورة فلا مجال للاشكال فى حرمة دخول الجنب فيها لانها القدر المتقين من المسجد المحرّم دخوله فيه.

و اما الكلام فى الخراب من المساجد فتارة يقع الكلام فى غير المساجد المبنية فى الا راضى المفتوحة عفوة فنقول ان هذا القسم من المساجد بحكم المساجد المعمورة فى حرمة دخول الجنب فيه لعدم زوال المسجدية بزوال آثارها المبنية على عرصة المسجد و بزوال الآثار تبقى العرصة على المسجدية و لا تعود الى ملك واقف المسجد بل النظر فى وقف المسجد يكون بنفس العرصة مستقلا لا بتبع آثارها بل النظر إليها و الآثار تبعا للعرصة.

و تارة بقع الكلام فى المسجد المبنى فى الارض المفتوحة عنوة فيشكل الامر فيه من باب ان مسجدية العرصة فيها تكون بتبع الآثار المبنية عليها لان ملكيتها بتبع الآثار فكما ان ملكية العرصة فيها لا تعتبر الا بتبع آثارها و اذا ذهبت الآثار تذهب الملكية الثابتة بالتبع لارضها كذلك مسجديتها بتبع آثارها فاذا ذهب الاثر تذهب المسجدية

التابعة لارضها لانه لا يمكن له الا وقف ماله بالاعتبار المجعول من الشارع و لهذا يشكل الحكم ببقاء المسجدية بالنسبة الى الارض فى الاراضى المفتوحة عنوة بعد ذهاب الآثار المبنية عليها.

و فى قبال ذلك الاشكال يشكل القول بجعل المسجد فى الارض المفتوحة عنوة لانه ان لم يفرض ملكية العرصة الا بتبع الآثار المبنية عليها فلا معنى لجعل المسجد فى هذه الارض اعنى نفس ارض المفتوحة عنوة لان معنى وقف المسجد تحرير الملك نظير العتق فان معنى العتق تحريره فلا يقبل للعود الى ملكية المعتق كذلك فى وقف المسجد فعلى هذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 124

لا بدّ اما من الالتزام بعدم صحة وقف عرصة اراضى المفتوحة عنوة من رأس و هو مخالف السيرة فأنّا نرى وقف اراضى العراق للمسجد مع كونها مفتوحة عنوة و اما من الالتزام بابقاء اراضى مساجدها حتى بعد ذهاب آثارها و الابنية المبنية عليها.

الا ان يقال بان المتيقن من السيرة هو جعلها مسجدا بأبناء البناء للمسجد فى هذه الاراضى فتصير مسجدا موقتا ما دام بنائها باقية و هذا يتوقف على القول بامكان وقف المسجد موقتا و لهذا كله يصير الحكم ببقاء حكم المسجد المبنى فى ارض المفتوحة عنوة حتى بعد ذهاب الآثار المبنية عليها مشكلا كما ان القول بخروج المسجد الواقع فيها عن المسجدية بعد ذهاب الآثار مشكل و لهذا نقول الاحوط بقاء احكام المسجد فى المسجد الواقع فى الارض المفتوحة عنوة حتى بعد ذهاب آثارها المبنية عليها.

***

[مسئلة 3: اذا عيّن الشخص فى بيته مكانا للصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا عيّن الشخص فى بيته مكانا للصلاة و جعله مصلى له لا يجرى عليه حكم المسجد.

(1)

اقول لأنّ الظاهر من المسجد الّذي يكون موضوعا لاحكام خاصة هو

المكان الّذي يجعل وقفا على كافة المسلمين للصلاة فيه فلا يشمل ادلة هذه الاحكام الخاصة الثابتة له لغيره.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 125

[مسئلة 4: كل ما شك فى كونه جزء من المسجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: كل ما شك فى كونه جزء من المسجد من صحنه و الحجرات التى فيه و منارته و حيطانه و نحو ذلك لا يجرى عليه الحكم و ان كان الاحوط الاجراء الا اذا علم خروجه منه.

(1)

اقول اما ما شك فى كونه جزء من المسجد فلا يجرى عليه حكم المسجد لعدم جواز التمسك بالأدلّة المثبتة لحكم من الاحكام للمسجد لكون التمسك بها من قبيل التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية فمع الشك فى جريان الحكم تجرى البراءة.

و اما كون الاحوط اجزاء الحكم على المشكوك جزئيته للمسجد الا فيما علم خروجه من المسجد فلم أر له وجها الا رجحان الاحتياط و حسنه على كل حال.

و جعل وجه الاحتياط وجود الامارة على كون جزء جزءا للمسجد بالنسبة الى بعض الاجزاء كالصحن مثلا فاسد لانه ان كانت الامارة القائمة من الامارات المعتبرة شرعا فهى بحكم العلم و معها لا بدّ من الافتاء بجريان حكم المسجد على الجزء لا القول بالاحتياط الوجوبى فضلا عن القول بالاحتياط المستحبى كما هو مراد المؤلف رحمه اللّه.

و ان كانت الامارة غير معتبرة فحكمها حكم الشك و ان قلنا فى موردها بالاحتياط لا يكون الا الاحتياط المستحب كما بيّنا.

***

[مسئلة 5: الجنب اذا قرء دعاء كميل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الجنب اذا قرء دعاء كميل الاولى و الاحوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 126

ان لا يقرأ منها (أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لٰا يَسْتَوُونَ) لانه جزء من سورة حم السجدة و كذا الحائض و الاقوى جوازه لما مرّ من انّ المحرّم قراءة آيات السجدة لا بقية السورة.

(1)

اقول اما الكلام فى قراءة الجنب الآية المذكورة فقد مرّ الكلام فى حكم قراءة سوره الاربع الغرائم غير الآيات

الاربعة منها المشتملة على السجدة فى الجهة الخامسة من الجهات المبحوثة فى الفصل المنعقد لما يحرم على الجنب و حيث انا قوّينا ان المحرّم قراءته هو خصوص الآيات المشتملة على السجدة لا ما بقى من آيات السور الغرائم فلا يحرم قراءة (أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) فى ضمن دعاء كميل على الجنب مثل قراءته فى غير هذا المورد و ان كان الاحتياط بترك قراءتها للجنب حسن.

و اما الكلام فى الحائض فقد مر فى الجهة الخامسة و انه مثل الجنب فى هذا الحكم اى قراءة السجدة بمقتضى النصّ.

ثم ان ما قال المؤلف رحمه اللّه من ان قوله تعالى أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لٰا يَسْتَوُونَ من جملة آيات سورة حم السجدة اشتباه لانها من جملة آيات سورة الم السجدة.

***

[مسئلة 6: الاحوط عدم ادخال الجنب فى المسجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الاحوط عدم ادخال الجنب فى المسجد و ان كان صبيا او مجنونا او جاهلا بجنابة نفسه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 127

(1)

اقول ان قلنا بان المستفاد من النصوص الدالة على عدم جواز دخول الجنب فى المسجد هو مبغوضية دخول الجنب فى المسجد و عدم رضاء اللّه تعالى بوقوع ذلك بحيث يجب على كل مكلف عدم ايقاع الدخول من الجنب فى المسجد يكون لازمه عدم جواز ادخال الجنب لغير الجنب مثل حمل الجنب على عاتقه و ادخاله المسجد.

كما انه لا يجوز بعث الجنب و امره بدخول المسجد.

كما انه لو دخل الجنب المسجد بنفسه او ادخله غيره فيه سواء كان دخوله او ادخاله عمدا او سهوا او جهلا يجب على المكلف اخراجه عن المسجد بلا فرق بين كون الجنب صبيا او مجنونا او عاقلا او بالغا

كل ذلك لكون وقوع الجنب فى المسجد مبغوضا للّه تعالى فيجب على المكلفين عدم وجود هذا المبغوض كيفما كان و لكن لا دليل فى البين يدلّ على كون النهى عن دخول الجنب فى المسجد بهذا النحو.

و اما ان قلنا بان مقتضى النصوص الواردة فى المقام هو نهى الجنب عن دخول المسجد و بعبارة اخرى يحرم على الجنب ان لا يدخل حال الجنابة فى المسجد و النهى متعلق به و لا تعلق للنهى بغير الجنب.

فلا وجه لحرمة ادخال الجنب فى المسجد لعدم دليل على حرمة ادخال الجنب فى المسجد حتى مع علم الحامل و المحمول بجنابة المحمول و حرمة دخول الجنب فى المسجد فضلا عن صورة الجهل او كون الجنب صبيا او مجنونا لان المنهى دخول الجنب فى المسجد لا ادخال الجنب فلا يحرم ادخاله.

ان قلت انه فى صورة علم الحامل بجنابة المحمول و علم المحمول بجنابته يكون الادخال حراما لكونه اعانة على الاثم و هو دخول الجنب لانه بالادخال يصدق الدخول لانه لا فرق فى حرمة الدخول على الجنب فى المسجد بين كون دخوله بنفسه او بواسطة غيره فلو استأجر الجنب احدا لدخوله فى المسجد يصدق الدخول لو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 128

ادخله الأجير فالجنب دخل المسجد المحرّم دخوله عليه و بعد حرمة الدخول يكون الادخال حراما لصدق الاعانة على الاثم.

قلت بعد كون ظاهر النصوص تعلق النهى بالجنب عن دخوله المسجد فالمراد من النهى هو تحريم ايجاد دخول المسجد من الجنب بالمباشرة فكل مورد يستند الدخول الى الجنب سواء كان برجليه و بآلة مثل بعض الآلات المتعارفة للسير فهو منهى عليه و اما ما لا يكون كذلك مثل ان يدخله

غيره بحيث يستند الدخول الى الغير ففى هذه الصورة و ان حصل الدخول لكن ليس بفعل الجنب و اصدار الدخول منه فليس هذا الدخول حراما لعدم دليل عليه فلا يحرم هذا الدخول حتى يكون الادخال إعانة على الدخول المحرّم فيكون حراما.

فتلخص من كل ذلك ان الاقوى عدم حرمة ادخال الجنب نعم ينبغى الاحتياط بتركه من باب احتمال مبغوضية دخول الجنب فى المسجد على كل حال و ان كان بفعل الغير.

***

[مسئلة 7: لا يجوز ان يستأجر الجنب لكنس المسجد]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لا يجوز ان يستأجر الجنب لكنس المسجد فى حال جنايته بل الاجارة فاسدة و لا يستحق اجرة، نعم لو استاجره مطلقا، و لكنه كنس فى حال جنابته و كان جاهلا بانه جنب او ناسيا استحق الاجرة بخلاف ما اذا كنس عالما فانه لا يستحق لكونه حراما، و لا يجوز اخذ الاجرة على العمل المحرّم، و كذا الكلام فى الحائض و النفساء و لو كان الاجير جاهلا او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 129

كلاهما جاهلين فى الصورة الاولى أيضا يستحق الاجرة لان متعلق الاجرة و هو الكنس لا يكون حراما و انما الحرام الدخول و المكث فلا يكون من باب اخذ الاجرة على المحرّم، نعم لو استاجره على الدخول و المكث كانت الاجارة فاسدة و لا يستحق الاجرة و لو كانا جاهلين لانهما محرّمان و لا يستحقّ الاجرة على الحرام و من ذلك ظهر أنه لو استاجر الجنب او الحائض او النفساء للطواف المستحب كانت الاجارة فاسدة و لو مع الجهل و كذا لو استاجره لقراءة العزائم فان المتعلق فيهما هو نفس الفعل المحرّم بخلاف الاجارة للكنس فانه ليس حراما و انما المحرّم شي ء آخر و هو الدخول و

المكث فليس نفس المتعلق حراما.

(1)

اقول الكلام فى المسألة يقع فى طى مسائل:

المسألة الاولى: فى جواز استيجار الجنب لكنس المسجد فى حال جنابته
اشارة

و الكلام فى الموردين:

المورد الاول: فيما كان الاجير او كل من الاجير و المستاجر عالما بالجنابة.

المورد الثانى: فيما كان الاجير جاهلا او ناسيا للجنابة.

و في كل منهما.

مرّة يقع الكلام فى الحرمة التكليفية بمعنى كون الاجارة محرمة تكليفا.

و اخرى يقع الكلام فى الحرمة الوضعية اعنى كون الاجارة فاسدة.

و ثالثة فى استحقاق الأجير للأجرة و عدمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 130

المورد الاول: فيما كان الاجير او كل من الاجير و المستاجر عالما بالجنابة

و يستأجر الجنب لكنس المسجد.

فهل يحرم الاجارة بالحرمة التكليفية أم لا الحق حرمه الاجارة لان ذلك من الامر بالمنكر المحرّم شرعا و الترغيب فى فعل الحرام فلا يجوز ذلك بالنسبة الى المستاجر نعم مع عدم علمه بذلك فياتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

و لان الاجارة تعلقت بالفعل المحرّم و هو كنس المسجد فى حال الجنابة و اجارة المنفعة المحرمة حرام تكليفا مثل اجارة الدار او الدكان لبيع الخمر فيحرم على المستاجر و الاجير مع علمهما بالجنابة.

و اما الحرمة الوضعية و هى فساد الاجارة فلانه بعد كون المنفعة و هى كنس المسجد حال الجنابة محرّمة بنظر الشارع فلا تكون المنفعة مملوكة لان الشرط فى صحة الاجارة كون متعلقها مملوكا فتفسد الاجارة لان من اركان الاجارة كون المنفعة مملوكة.

و وجه كون المنفعة فى الفرض غير مملوكة للأجير لا يكون من باب حرمة نفس الكنس حتى يقال بعدم حرمة كنس المسجد فى حد ذاته بل المحرم هو دخول المسجد او المكث فيه و هما غير الكنس.

بل وجهه ان الكنس المورد للاجارة يتوقف على مقدمة و هى الدخول فى المسجد و هذه المقدمة حرام على الفرض لكونه جنبا او الكنس مقارن لما يكون محرّما و هو المكث فى المسجد فمعهما لا يكون الكنس تحت سلطنة الأجير

حتى يقبل لان يصير مورد الاجارة فلا تصح الاجارة.

او يقال بانه فى مفروض الكلام مع النهى عن الدخول يسلب عن الجنب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 131

القدرة على الكنس شرعا و يشترط فى العمل ان يكون مقدورا للأجير و على الفرض ليس الأجير قادرا على كنس المسجد فلا تقع الاجارة.

و اما الاجرة فنقول اما اجرة المسمى فلا يستحق الاجير لانه بعد كون الاجارة فاسدة لا معنى لاجرة المسمى و أما أجرة المثل فهل يستحقها الأجير أم لا الأقوى استحقاقه لأنّ فساد الإجارة ان كان ناشيا عن حرمة نفس العمل فكان لعدم استحقاق الاجرة وجه صحيح لأنّ العمل المحرم غير مضمون و أمّا أن كان منشأ فساد الإجارة كان ناشيا عن أمر آخر و هو حرمة دخول الجنب و مكثه فى المسجد كما عرفت و لا دليل على عدم كون العمل مضمونا بل مقتضى قاعدة (كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) هو الضمان فالأجير يستحق أجرة المثل فى مفروض الكلام و مما قلنا يظهر أنّ تفصيل المؤلف رحمه اللّه فى هذه الصورة بين العلم و الجهل بعدم استحقاق الأجرة فى صورة العلم و استحقاقه فى صورة الجهل غير تمام خصوصا مع اعترافه بأنّ الكنس لا يكون محرّما و انّما المحرم الدخول و المكث فى المسجد فلا يكون من باب أخذ الاجرة على المحرم فافهم فتلخص أنه فى صورة علم الأجير بجنابة نفسه يستحق أجرة المثل فى صورة كان استأجره حال الجنابة لكنس المسجد.

المورد الثانى: فيما كان الاجير جاهلا او ناسيا بالجنابة.

فنقول لا وجه للحرمة التكليفية لانه مع جهله لا يكون التكليف و النهى بالدخول او المكث فعليا.

و كذلك لا وجه للحرمة الوضعية اعنى فساد الاجارة لانه بعد عدم كون

الكنس محرما بنفسه فيمكن استيفائه فلا اشكال فى حدّ ذاته لصحة الاجارة من حيث الكنس و انما كان منشأ عدم امكان استيفاء مورد الاجارة و هو الكنس من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 132

باب حرمة مقدمته و هو الدخول فى المسجد او مقارنه و هو المكث فى المسجد و الفرض كون الأجير جاهلا بالجنابة و مع جهله لا يحرم مقدمة الكنس و لا مقارنه حتى بصير حرمتهما سببا لعدم مملوكيته و عدم قدرته على العمل و عدم امكان استيفاء المنفعة و هى الكنس فتكون المنفعة فى هذا الفرض ممكن الاستيفاء فلا مانع من صحة الاجارة.

و في هذا الفرض يستحق الاجير الاجيرة لعدم كون فعله و هو كنس المسجد حال الجنابة حراما و لهذا قلنا فى صورة علمه بالجنابة استحقاقه الاجرة غاية الامر اجرة المثل لا المسمى خلافا للمؤلف رحمه اللّه فان ظاهر كلامه عدم استحقاق الاجرة فى هذه الصورة أعنى صورة استيجاره لكنس المسجد حال الجنابة فى صوره علم الأجير بالجنابة فالفرق بين صورة العلم و الجهل هو استحقاق اجره المثل فى صورة العلم و اجره المسمى فى صورة الجهل.

و لا فرق فى صحة الاجارة فى فرض جهل الاجير بالجنابة بين كون المستاجر جاهلا بجنابة الاجير أيضا و بين أن يكون عالما بجنابته لانه مع علم المستاجر بالجنابة لو لم يكن الاجير عالما بجنابة نفسه لا يتنجز عليه النهى المتعلق بمقدمة الكنس و هو دخول المسجد او مقارنه و هو المكث فى المسجد فلا يمنع شيئا من استيفاء منفعة الاجارة لكون العمل مملوكا و يكون العمل مقدورا فلا يبقى مانع عن صحة الاجارة.

نعم لو التزمنا بكون دخول الجنب فى المسجد مبغوضا

على كل حال بحيث لا يرضى الشارع بوقوعه كيفما اتفق من علم الجنب و جهله كما بينا احتماله فى المسألة 6 فمع علم المستاجر بالجنابة يحرم عليه الاجارة تكليفا و تبطل الاجارة لعدم امكان استيفاء المنفعة و هى الكنس من الأجير مع علمه بجنابة الاجير مثل صورة علم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 133

الاجير بالجنابة.

لكن عرفت فى المسألة 6 عدم دليل على هذا الاحتمال بل المتقين من النصوص هو النهى المتعلق بنفس الجنب على ان لا يدخل فى المسجد الا بالمرور فعلى هذا مع جهل الاجير بالجنابة لا تحرم الاجارة تكليفا و لا وضعا سواء كان المستاجر عالما بالجنابة او جاهلا بها.

المسألة الثانية: لو استاجر الجنب مطلقا لكنس المسجد

يعنى غير مقيد بحال الجنابة و لكن الاجير الجنب أمّا كنس المسجد فى غير حال جنابته او كنس فى حال جنابته أما فيما كنس فى غير حال الجنابة فلا ينبغى الاشكال فى عدم حرمة الاجارة تكليفا و لا فى صحة الاجارة و لا فى استحقاقه الاجرة اما لو كنس حال الجنابة فله صورتان:

الصورة الاولى: ما يكون جاهلا بجنابته او ناسيا لها و يكنس المسجد

الصورة الثانية: ما اذا كان عالما بجنابته.

اما فى الصورة الاولى فلا اشكال فى عدم حرمة الاجارة بالحرمة التكليفية لعدم كون كنس المسجد مطلقا و غير مقيّد بحال الجنابة حراما.

و كذلك لا اشكال فى عدم الحرمة الوضعية اعنى بطلان الاجارة لحصول اركان الاجارة و من جملتها امكان استيفاء المنفعة لعدم حرمة الكنس المطلق الّذي هو المنفعة.

و كذلك لا اشكال فى استحقاق الأجير للأجرة لعدم كون فعله و هو الكنس حال الجنابة حراما عليه لفرض جهله بالجنابة او نسيانه.

الصورة الثانية ما لو استاجر الجنب لكنس المسجد مطلقا

و غير مقيد بحال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 134

الجنابة لكن كنسه فى حال الجنابة مع علمه بجنابته.

فأما أصل الاجارة فلا تكون محرمة بالحرمة التكليفية و الوضعية لانه بعد كون الاجارة للكنس مطلقا لا مقيدا بحال الجنابة غير محرّم و يمكن استيفاء المنفعة لقدرته على العمل بالقدرة العقلية و الشرعية.

فلا وجه لحرمتها التكليفية و لا الوضعية فلا تفسد الاجارة.

و انّما الكلام فى استحقاق الاجير للأجرة من باب انه كنس المسجد عالما بجنابته حال الجنابة و ان كان اصل الاجارة مطلقا اختار المؤلف رحمه اللّه فى هذه الصورة عدم استحقاق الاجير للأجرة لكون العمل حراما و لا يجوز اخذ الاجرة على العمل المحرّم.

و فيه أولا ان ما قاله رحمه اللّه فى وجه عدم استحقاق الاجير الأجرة فى صورة علمه بالجنابة فى مفروض الكلام و هو ما كانت الإجارة مطلقا و لكن كنس المسجد فى حال الجنابة مع العلم بجنابته.

من ان العمل يكون محرما و لا يجوز اخذ الاجرة على العمل المحرّم.

مخالف مع ما يقول بعد ذلك فى طى هذه المسألة فى مقام استحقاق الاجير الأجرة فيما آجر نفسه لكنس المسجد فى حال الجنابة فى صورة جهله بالجنابة و هذه عبارته «لان متعلق الاجارة و هو الكنس لا يكون حراما و انما الحرام الدخول و المكث فلا يكون من باب اخذ الاجرة على المحرّم».

حيث انه فى الصورة التالية يقول بان الكنس لا يكون حراما فلا يكون اخذ الاجرة على العمل المحرّم و لكن هنا يقول بعدم استحقاق الاجرة لكون العمل و هو الكنس محرما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 135

و ثانيا انه كما اعترف فى طى المسألة و قد ذكرنا

عبارته ليس المحرم نفس الكنس لعدم حرمة كنس المسجد حتى فيما آجر نفسه لكنس المسجد حال الجنابة بل المحرم مقدمة الكنس و هى دخول المسجد حال الجنابة او مقارن الكنس و هو المكث فى المسجد حال الجنابة.

فعلى هذا كما قلنا فى المورد الاول المتقدم ذكره فى الصورة الاولى مع علم الاجير بجنابته لا يكون اخذ الاجرة حراما على الاجير من باب ان عمله ليس بمحرّم.

غاية الامر فى المورد الاول فى الصورة الاولى قلنا بعدم استحقاق الاجير اجرة المسمّى لكون الاجارة باطلة بل يستحق اجرة المثل.

و اما فى المورد فمع فرض صحة الاجارة يستحق الاجير الأجرة المسمى اذا كنس المسجد حتى فى حال جنابته فهذا هو الفرق بين العلم بالجنابة فى الصورة الاولى التى ذكرناها و من العلم بالجنابة فى هذه الصورة.

المسألة الثالثة: لو استاجر الجنب على الدخول و المكث فى المسجد

فمختار المؤلف رحمه اللّه فساد الاجارة و عدم استحقاق الاجير الاجرة مطلقا سواء كان الاجير عالما بجنابة نفسه او جاهلا لان الدخول و المكث حرام و لا يستحق الاجرة على الحرام.

اقول اما فى صورة علم الاجير بجنابته فالإجارة فاسدة لانه بعد نهى الشارع عن الدخول و المكث حال الجنابة فى المسجد ترفع سلطنته على الدخول و المكث و لا يقدر على الفعل و هو الدخول و المكث و حيث انه يعتبر فى صحة الاجارة كون متعلق الاجارة مملوكا و مقدور التسليم فتبطل الاجارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 136

و اما استحقاق الاجير للاجرة فلا يستحق لها لا اجرة المسمى و لا اجرة المثل اما اجرة المسمى لفساد الاجارة على الفرض و اما اجرة المثل فلا يستحقها لان العمل المحرّم غير مضمون و لا يستحق الاجرة على العمل المحرّم.

و اما فى صورة

جهل الاجير بجنابته فيما استاجره لدخول المسجد و المكث فيه.

اما الاجارة ففاسدة لما عرفت من انه بعد كون دخول الجنب و مكثه فى المسجد منهيا عنهما فلا يكونان مملوكين و لا يقدر على تسليم الفعل المتعلق للاجارة و هو الدخول و المكث و لا يدور ذلك مدار العلم و الجهل.

و اما الاجرة فان كان النظر الى اجرة المسمى فلا يستحقّها الاجير لفساد الاجارة فى صورة الجهل بالجنابة.

و اما اجرة المثل فالاقوى استحقاقه لانه بعد جهله بالجنابة او نسيانه الجنابة لا يكون الدخول و المكث فى المسجد على الاجير حراما لعدم تنجز النهى بالنسبة الى الجاهل بالموضوع و ناسيه فلا يصير فعل الاجير الواقع مورد الاجارة و هو الدخول و المكث فى المسجد خارجا عن مملوكيته و قدرته فلا يكون الاجرة على الفعل المحرم حتى لا تكون مضمونة فلهذا يستحق الاجير الاجرة فى صورة جهل الاجير بالجنابة خلافا لما اختاره المؤلف رحمه اللّه فى المقام.

المسألة الرابعة: اعلم ان حكم استيجار الحائض و النفساء لكنس المسجد

او لدخول المسجد و مكثه فيه حكم الجنب على النحو الّذي مضى فى المسائل الثلاثة المتقدمة.

بعد فرض حرمة دخولهما و مكثهما فى المسجد حال الحيض و النفاس.

المسألة الخامسة: لو استاجر الجنب او الحائض او النفساء للطواف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 137

المستحب اختار المؤلف رحمه اللّه بطلان الاجارة و فسادها حتى فى صورة الجهل.

و لكن نحن نقول بالتفصيل بين صورة علم الاجير و جهله ففى الاول تبطل الاجارة و لا يستحق اجرة المسمى و يستحق اجرة المثل و فى الثانى لا تبطل الاجارة و يستحق الاجير اجرة المسمى و وجهه يظهر مما قلنا فى المسألة الاولى و الثانية لانه بعد عدم كون الطواف محرما لصحة الطواف المندوب عن الجنب كما مضى فى فصل ما يتوقف على غسل الجنابة بل المحرم مقدمته و هو دخول المسجد الحرام او مقارنه. هو المكث فيه فيكون مثل ما استاجر الجنب لكنس المسجد.

المسألة السادسة: لو استاجر الجنب لقراءة العزائم

فاختار المؤلف رحمه اللّه فساد الاجارة مطلقا سواء كان الاجير جاهلا بجنابته او عالما به.

و لكن نحن نقول كما قلنا فى المسألة الثالثة بالتفصيل بين صورة علم الاجير الجنب بجنابته و بين صورة جهله.

فتبطل الاجارة فى الاولى و لا يستحق الاجير الاجرة المسمى و لا اجرة المثل لانه بعد كون فعله و هو قراءة العزائم محرّم عليه حال الجنابة فليس عمله مضمونا و الاجرة المسمى لا معنى لها بعد فساد الاجارة على الفرض لان العمل ليس مملوكه و لا تحت قدرته بعد نهى الشارع و تنجزه عليه لعلمه بالجنابة.

و لكن فى الصورة الثانية اعنى صورة جهل الاجير بجنابته و الاجارة و ان كانت فاسدة لعدم كون العمل و هو القراءة مملوكه و لا يقدر على تسليمه و لهذا لا يستحق اجرة المسمى بعد فساد الاجارة و اما اجرة المثل فيستحقها الاجير لانه بعد عدم تنجز النهى عليه لجهله بجنابته لا يكون العمل محرما فيستحق الاجير الاجرة بعمله.

***

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 138

[مسئلة 8: اذا كان جنبا و كان الماء فى المسجد]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا كان جنبا و كان الماء فى المسجد يجب عليه ان يتيمم و يدخل المسجد لأخذ الماء او الاغتسال فيه و لا يبطل تيممه لوجدان هذا الماء الا بعد الخروج او بعد الاغتسال و لكن لا يباح بهذا التيمم الا دخول المسجد و اللبث فيه بمقدار الحاجة فلا يجوز له مسّ كتابة القرآن و لا قراءة العزائم الا اذا كانا واجبين فورا.

(1)

اقول اعلم ان مورد المسألة لا بدّ و ان يكون المسجدين الشريفين مسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث انه لا يجوز الدخول للجنب فيهما حتى لاخذ شي ء منهما و الا لو كان النظر الى ساير المساجد فقد مضى من المؤلف رحمه اللّه و منّا جواز دخول الجنب فيه لاخذ شي ء منه فلا حاجة الى التيمم لاخذ الماء الّذي فى ساير المساجد او للاغتسال.

او ان يكون دخول الجنب لاخذ الماء او للاغتسال مستلزما للمكث كما هو الاغلب فى الاغتسال و ان اتفق مورد لا يحتاج الاغتسال الى المكث فى المسجد ففى هذه الصورة يكون ساير المساجد داخلا فى عنوان المسألة لعدم جواز المكث فيه للجنب.

اذا عرفت ذلك يقع الكلام فى المسألة فى موردين:

المورد الاول: اذا كان الشخص جنبا و كان الماء فى المسجد

هل يجب ان يتيمم و يدخل المسجد لاخذ الماء او للاغتسال أو لا.

لا بدّ من ان يفرض فيما كان غسل الجنابة واجبا لاجل بعض غاياته الواجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 139

له الغسل مثلا كان وقت الصلاة الواجبة فحيث يجب الغسل على الجنب لاجل غايته الواجبة يجب عليه مقدمة دخول المسجد لاخذ الماء او للاغتسال لكون الماء منحصرا بالماء الواقع فى المسجد و حيث يجب دخول المسجد

يجب التيمم للدخول فيه فصار وجوب الغسل لغاية اخرى غير دخول المسجد سببا لوجوب دخول المسجد الّذي هو غاية من الغايات المتوقفة على الطهارة فلا بد له من التيمم لدخول المسجد لعدم تمكنه من الماء فيجب عليه التيمم و الا لو لم يجب عليه الغسل لاجل غاية اخرى لا يجب التيمم لاجل هذه الغاية و هى دخول المسجد.

و هنا اشكال و هو انه بعد ما يكون مورد التيمم عدم التمكن من الماء كما ثبت فى محله و فى المقام بمجرّد تمكنه من اخذ الماء فى المسجد او من الاغتسال يبطل تيممه لصيرورته واجد الماء فيلزم من صحة التيمم عدم صحتها و ما يلزم من وجوده عدمه محال.

و فيه انه ان كان المراد من الوجد ان الّذي قال انه بمجرد تيممه يصير واجد الماء هو كونه واجد الماء و متمكنا من الغسل بالنسبة الى هذه الغاية التى تيمم لها و هو دخول المسجد فهو ليس واجد الماء بالنسبة إليه لان مجرد وجدان الماء ليس ناقضا للتيمم بل وجدان الماء الّذي يتمكن معه من ايجاد الغاية الواجبة عليه بعد انتقاض تيممه ناقضه.

و بعبارة اخرى متى صار لاجل وجدان الماء متمكّنا من إتيان الغسل و الإتيان بالغاية التى لاجلها صار الدخول فى المسجد واجبا و التيمم له يكون وجدان الماء ناقضا لتيممه.

و اما قبل ذلك يكون غير واجد الماء و لا ينتقض تيممه.

و ان كان المراد من صيرورته واجد الماء واجد الماء بالنسبة الى ساير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 140

الغايات فهو صحيح لكن لا يوجب من وجود التيمم عدمه لانه شرّع لغاية خاصة و هي دخول المسجد و لم يصر بالنسبة إليه واجد

الماء.

فهو واجد الماء بالنسبة الى ساير الغايات حتى قبل التيمم لاخذ الماء من المسجد او الاغتسال فيه لقدرته على مقدمته و هو التيمم و الدخول فى المسجد لاخذ الماء او الاغتسال فيه و غير واجد الماء بالنسبة الى هذه الغاية الواجبة مقدمة و هو الدخول فى المسجد لاخذ الماء او الاغتسال حتى بعد التيمم كما عرفت فلا يرد الاشكال و الى هذا اشار المؤلف رحمه اللّه فى قوله (و لا يبطل تيممه لوجدان هذا الماء الا بعد الخروج او بعد الاغتسال).

المورد الثانى: و هل يباح بهذا التيمم خصوص دخول المسجد

و اللبث فيه بمقدار الحاجة فلا يجوز له مسّ كتابة القرآن و لا قرأته العزائم الا اذا كانا واجبين فورا او يباح له غير هذه الغاية من الغايات الاخرى.

وجه إباحة خصوص هذه الغاية لهذا التيمم لا غيرها من الغايات الا اذا كانت الغايات الاخرى واجبا فوريا هو انه يصدق عدم وجدان الماء بالنسبة الى هذه الغاية مثل التيمم لضيق الوقت على التوضيح الّذي كان محله فى التيمم إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 9: اذا علم اجمالا جنابة احد الشخصين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا علم اجمالا جنابة احد الشخصين لا يجوز له استيجارهما و لا استيجار احدهما لقرأته العزائم او دخول المساجد او نحو ذلك مما يحرم على الجنب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 141

اقول وجهه ان بعد العلم الاجمالى بحرمة مورد الاجارة و هو قرأته العزيمة او دخول المسجد فاستيجار كل من الشخصين يوجب المخالفة القطعية للعلم الاجمالى و استيجار واحد منهما يوجب المخالفة الاحتمالية و ترك الموافقة القطعية و الحال انه تحرم المخالفة القطعية و تجب الموافقة القطعية.

اقول بعد فرض عدم تنجز التكليف المعلوم بالاجمال بالنسبة الى كل من الشخصين مثل واجدى المنى فى الثوب المشترك بينهما فلا يكون العمل الواقع مورد الاجارة خارجا عن كونه مملوكهما و عن تحت قدرتهما لعدم حرمة العمل على واحد منهما حرمة منجّزة فلا مانع من صحة الاجارة و استحقاق كل منهما للاجرة كما بينا فى المسألة الثامنة من المسائل التى ذكرناها فى شرح المسألة 7 فلا مانع من صحة الاجارة و استحقاق كل من الشخصين الاجرة على العمل فضلا عما اذا استاجر احدا منهما.

نعم لو كان مورد الاجارة عملا يعتبر فيه الطهارة الواقعية مثلا صلاة من الصلوات فلا يصح استيجار احد الشخصين

المعلوم جنابة احدهما اجمالا فضلا عن استيجار كل منهما لانه يعلم بطلان عمل احدهما.

بل اذا كان المعتبر فى العمل الواقع مورد الاجارة التقرب يمكن ان يقال بعدم صحة اجارة كل منهما او واحد منهما لانه بعد العلم بجنابة احدهما ليس العمل قابلا لان يتقرّب به فيعلم المستاجر بعدم قابلية عمل احدهما لان يتقرّب به فلا تصح الاجارة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 142

[مسئلة 10: مع الشك فى الجنابة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: مع الشك فى الجنابة لا يحرم شي ء من المحرّمات المذكورة الا اذا كانت حالته السابقة هى الجنابة.

(1)

اقول اما فيما كانت الحالة السابقة الجنابة فهو محكوم بكونه جنبا بحكم الاستصحاب و معه يحرم عليه المحرّمات المذكورة.

و اما فيما كانت الحالة السابقة الطهارة يستصحب الطهارة و معها لا يحرم عليه شي ء من المحرّمات.

و اما فيما لا يعلم الحالة السابقة فتكون الشبهة من الشبهات الموضوعية التحريمية و تجرى فيها اصالة الحلية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 143

فصل: فى ما يكره على الجنب
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 145

قوله رحمه اللّه

فصل في ما يكره على الجنب

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 7، ص: 145

و هى امور:

الاول: الاكل و الشرب و يرتفع كراهتهما بالوضوء او غسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق او غسل اليدين فقط.

الثانى: قرأته ما زاد على سبع آيات من القرآن ما عدا العزائم و قرأته ما زاد على السبعين أشد كراهة.

الثالث: مسّ ما عدا خط المصحف من الجلد و الاوراق و الحواشى و ما بين السطور.

الرابع: النوم الا ان يتوضأ او يتيمم ان لم يكن له الماء بدلا عن الغسل.

الخامس: الخضاب رجلا كان او امرأة و كذا يكره للمختضب قبل ان يأخذ اللون اجناب نفسه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 146

السادس: التدهين.

السابع: الاجماع اذا كان جنابته بالاحتلام.

الثامن: حمل المصحف.

التاسع: تعليق المصحف.

(1)

اقول

الكلام فيما يكره على الجنب يقع فى طى امور
اشارة

نذكرها إن شاء اللّه.

الأمر الاوّل: فى كراهة الاكل و الشرب على الجنب و ما يرتفع به الكراهة
اشارة

فالكلام فى موردين:

المورد الاول: فى كراهة الاكل و الشرب

فنقول المشهور كراهته و حكى عن الصدوق رحمه اللّه القول بالحرمة و ان كان كلامه قابل الحمل على الكراهة.

كما حكى عن المدارك نفى الكراهة نذكر اخبار الباب ثم ما ينبغى ان يقال إن شاء اللّه.

الاولى: ما رواها السكونى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى حديث قال لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه و يتمضمض فانه يخاف منه الوضح) «1».

الثانية: ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال الجنب اذا اراد ان يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض و غسل وجهه و اكل و شرب) «2».

الثالثة: ما رواها فى فقه الرضا عليه السّلام (اذا اردت ان تأكل على جنابتك فاغسل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 147

يديك و تمضمض و استنشق ثم كل و اشرب الى ان تغتسل فان اكلت او شربت قبل ذلك اخاف عليك البرص و لا تعد على ذلك) «1».

الرابعة: ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه (قال اذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ) «2».

الخامسة: ما رواها الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عن امير المؤمنين على بن ابى طالب عليهم السّلام فى حديث المناهى (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الاكل على الجنابة و قال انه يورث الفقر) «3».

السادسة: ما رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه في حديث (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام يأكل الجنب قبل ان يتوضأ قال

انا لنكسل و لكن ليغسل يده فالوضوء افضل) «4».

السابعة: ما رواها ابن بكير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ القرآن قال نعم يأكل و يشرب و يقرأ و يذكر اللّه عزّ و جل ما شاء) «5».

و بعد ما ذكرنا الروايات نقول اما الرواية الثانية.

و السادسة: فلا يستفاد منهما الّا استحباب غسل اليد و الوجه و المضمضة اذا اراد الجنب الاكل و الشرب.

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 10 من ابواب انه يكره للجنب ان يأكل و يشرب من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2 ص 465.

(2) الرواية 4 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 7 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 148

و اما الرواية الثالثة فغاية ما يستفاد منها كراهة الاكل و الشرب قبل غسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق لعدم النهى عن الاكل و الشرب بل قال (اخاف عليك البرص) و النهى فى قوله (و لا تعد على ذلك) يدل على النهى عن الاعتياد بذلك لا فعله مثلا مرّة او مرّات.

و اما الرواية الاولى و الخامسة و ان كان فى الاولى بهيئة النهى و فى الخامسة بمادة النهى لكن قوله فى الاولى (فانه يخاف منه الوضح) و فى الخامسة (و قال انه يورث الفقر) شاهد على كون المراد من النهى الكراهة.

فتبقى الرواية الرابعة الدالة من الجملة الخبرية فيها و هى قوله عليه السّلام (لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ) على كون الاكل و

الشرب قبل الوضوء منهيا عنه فيمكن ان يقال بقرينة ساير الروايات المحمولة نهيها على الكراهة ان النهى فيها أيضا محمول على الكراهة.

و ان ابيت عن الحمل الّذي قلنا فى هذه الاخبار.

قد يقال بانه بعد كون الرواية السابعة نصا فى جواز الاكل و الشرب للجنب فمقتضى الجمع العرفى حمل ظاهر الاخبار الناهية عن الاكل و الشرب للجنب على نصّ الرواية السابعة فى الجواز فتكون النتيجة حمل النهى فيها بقرينة هذه الرواية على الكراهة فيكون المحصّل ما ذهب إليه المشهور من كراهة الاكل و الشرب للجنب قبل أن يرفع بفعله الكراهة الّذي يأتى الكلام فيه فى المورد الثانى إن شاء اللّه.

و فيه انه لو حمل ما ظاهر النهى من الاخبار على الحرمة و لم نقل بما قلنا من ظهوره فى الكراهة فلا يمكن الجمع بما يقال لان النسبة بين ما دل على الحرمة و بين ما دل على الجواز تكون العموم و الخصوص المطلق للاعمية الطائفة الدالة على الجواز و أخصية الطائفة الدالة على الحرمة لان ما دلّ على الجواز يشمل صورة يتوضأ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 149

الجنب او يغسل وجهه و يده و تمضمض و استنشق ثمّ يأكل و يشرب و صورة اكله و شربه قبل الوضوء او غسل اليد و المضمضة و الاستنشاق و اما ما دلّ على الحرمة يدل على حرمة الاكل و الشرب للجنب قبل ان يتوضأ او يغسل وجهه و يده و اما بعد ما توضأ او غسل يده و وجهه و المضمضة و الاستنشاق فلا يحرم عليه الاكل و الشرب فيكون مقتضى الجمع بينهما تقيد ما دلّ على الجواز بخصوص صورة الوضوء او غسل الوجه و

اليد و المضمضة و الاستنشاق فتكون النتيجة حرمة الاكل و الشرب قبل الوضوء او غسل اليد و الوجه و المضمضة و الاستنشاق فالعمدة فى وجه القول بكراهة الاكل و الشرب للجنب قبل الوضوء و الغسل هى عدم ظهور الاخبار الناهية فى الحرمة بل ظهورها فى الكراهة لبعض الخصوصيات الواردة فى بعضها.

المورد الثانى: فيما يرفع به الكراهة

و هل هو غسل اليدين و المضمضة قبل ان يأكل الجنب و يشرب لما هو مقتضى الرواية الاولى.

او غسل اليد و المضمضة و غسل الوجه كما هو مقتضى الرواية الثانية.

او غسل اليد و المضمضة و الاستنشاق كما هو مقتضى الرواية الثالثة او الوضوء كما هو مقتضى الرواية الرابعة.

او غسل اليد و الوضوء افضل كما هو مقتضى الرواية السادسة.

فيقال حيث ان مفاد كل من هذه الاخبار مخالف مع الآخر من حيث ما يرتفع به الكراهة يقع بينها التعارض.

فلا بد من ان يقال بان المعتبر فى رفع الكراهة هو فعل كل هذه الامور من غسل اليدين و الوجه و المضمضة و الاستنشاق و الوضوء فيكون كل هذه الامور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 150

الواردة فى كل رواية فى عرض الآخر من حيث سببيتها لرفع الكراهة بدعوى ان مقتضى مجموع الروايات دخل كل المذكورات فى رفع الكراهة.

او يقال يكفى كل ما ذكر فى كل واحد من الروايات فى رفع الكراهة مثلا ترفع كراهة الاكل و الشرب للجنب بغسل اليدين و المضمضة كما هو مفاد الرواية الاولى.

كما ترتفع الكراهة بغسل اليد و المضمضة و غسل الوجه كما هو مفاد الثانية.

كما ترتفع بغسل اليد و المضمضة و الاستنشاق كما هو مفاد الثالثة.

كما ترتفع بالوضوء كما هو مفاد الرواية الرابعة بدعوى سببية كل ذلك لرفع الكراهة.

او

يقال بكفاية حصول كل واحد من الامور الواردة فى كل واحد من الروايات مع افضلية الوضوء بل كفاية غسل اليد فى رفع الكراهة.

بدعوى ان مفاد الرواية السادسة هو هذا.

او يقال ان كل ما ذكر فى كل هذه الروايات المتعرضة لما يرفع به الكراهة يرفع مرتبة من الكراهة فاذا غسل الجنب يديه قبل الاكل و الشرب و تمضمض ترفع مرتبة من الكراهة و اذا غسل يديه و وجهه و تمضمض ترتفع مرتبة اعلى من الكراهة حتى اذا توضأ ترتفع تمام مراتب الكراهة بدعوى ان هذا الجمع مناسب مع الكراهة كما ترى غير مرة فى الفقه يحمل الاختلاف الواقع فى الروايات فى كراهة شي ء على اختلاف مراتبها.

اذا عرفت الاحتمالات نقول اقوى الاحتمالات هو الاحتمال الرابع لان ظاهر كل ما ذكر فى الروايات الاربعة المتعرضة لما ترفع به الكراهة الامر بفعل ما ذكر فيها لرفع الكراهة فرّ بما يتخيل دخل كلها في رفع الكراهة بحيث لو لم يقع لا يرتفع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 151

الكراهة و لكن ما يأتى بالنظر هو كفاية كل ما ذكر فى الروايات فيكفى غسل اليدين و المضمضة كما فى الرواية الاولى و غسل اليد و المضمضة و غسل الوجه كما فى الثانية و غسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق كما فى الثالثة و الوضوء كما فى الرابعة و السادسة بل كفاية غسل اليد فقط فى رفع الكراهة لان المستفاد من الرواية السادسة كفاية غسل اليد و ان كان الوضوء افضل و بعد رفع الكراهة بغسل اليد فقط ترفع بغسل اليد و الوجه او هما مع المضمضة او كلها مع استنشاق و حصول رفع الكراهة بالوضوء اوضح لانه قال

عليه السّلام فى الرواية السادسة (فالوضوء افضل).

نعم يحتمل كون ما ذكر فيه الفعل الازيد يكون أتمّ او افضل مما دونه و لهذا يكون الوضوء من باب اشتماله على غسل الوجه و اليدين و المضمضة و الاستنشاق اذا اتى به مع مستحباته يكون افضل كما يستفاد من الرواية السادسة و لا ينافى ذلك جعل امر اقل و ادون رافعا للكراهة مثل جعل غسل اليدين و المضمضة فقط رافعا للكراهة لمصلحة التسهيل او كسالة الناس و عجزهم عن المرتبة الافضل.

هذا كله بعد الفراغ عن صحة سند الروايات و الا يشكل القول بدخل ما ذكر فيها فى الرافعية مثل الاستنشاق فى رواية فقه الرضا عليه السّلام لما فى سندها من الاشكال.

الأمر الثانى: يقع الكلام فى كراهة قراءة ما زاد على سبع آيات

من القرآن على الجنب ما عدا العزائم و فى أشديّة كراهة ما زاد على سبعين آية فنقول بعونه تعالى.

ان لسان الروايات مختلفة فبعضها يدل على جواز قرأته الجنب القرآن مطلقا او باستثناء العزائم.

مثل ما رواها ابن بكير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يأكل و يشرب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 152

و يقرأ القرآن قال نعم يأكل و يشرب و يقرأ و يذكر اللّه عز و جل ما شاء) «1».

و مثل ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام فى حديث (قال قلت له الحائض و الجنب هل يقرآن من القرآن شيئا قال نعم ما شاء الا السجدة و يذكر اللّه على كل حال) «2» و غيرهما من الروايات.

و بعضها ظاهر فى النهى عن قرأته القرآن للجنب مطلقا.

مثل ما رواها محمد بن على بن الحسين باسناده عن ابى سعيد الخدرىّ (فى وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

لعلى عليه السّلام انه قال يا على من كان جنبا فى الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن فانى اخشى ان تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما) «3» بناء على عدم خصوصية لكون الجنب فى الفراش.

و لكن الاقوى عدم صحة التعدى من مورد الرواية لاحتمال دخل الخصوصية المذكورة و هى كونهما فى فراشهما مع ما قيل من ضعف سندها لانها مروية من طرق العامة.

و مثل ما رواها السكونى عن جعفر بن محمد عن آبائه عن على عليهم السّلام (قال سبعة لا يقرءون القرآن الراكع و الساجد و فى الكنيف و فى الحمام و الجنب و النفساء و الحائض) «4» و اشكل بالروايتين الظاهرتين فى الحرمة بضعف سند الاولى لكون الرواية فى طرق العامة و ضعف الثانية بالسكونى.

فان قلنا بسقوط الروايتين عن الحجية فالطائفة الدالة على الجواز تصير بلا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 47 من ابواب قراءة القرآن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 153

معارض و ان قلنا بحجيتهما او حجية أحدهما.

فالجمع بين الطائفتين سهل بحمل ظاهر الطائفة الثانية على نصّ الطائفة الاولى لان الثانية ظاهر فى الحرمة و الاولى نصّ فى الجواز فتكون النتيجة كراهة قرأته القرآن للجنب هذا بالنسبة الى الطائفتين.

و بعضها يدلّ على الجواز ما بينه و بين سبع آيات و هى رواية واحدة مع قطع النظر عما فى ذيلها و هو قوله (قال و فى رواية الخ).

و هو ما رواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان

بن عيسى عن سماعة (قال سالته عن الجنب هل يقرأ القرآن قال ما بينه و بين سبع آيات قال و فى رواية زرعة عن سماعة قال سبعين آية) «1».

و بعضها يدل على الجواز الى سبعين آية و هى ما ذكر فى ذيل الرواية السابقة رواها زرعة عن سماعة قال سبعين آية.

اعلم ان مدرك الاحتمالين الاخيرين و هو جواز القراءة الى سبعة او الى سبعين آية ليس الا رواية سماعة او روايتا سماعة على الكلام فى ذلك و على كل حال تكون مضمرة لعدم ذكر من يروى عنه سماعة و هذا يوجب ضعف الرواية الا ان يدعى كون مضمرات سماعة بحكم المسند او انجبار ضعف سندها بعمل المشهود بها.

ثم بعد ذلك نقول ان هنا كلاما فى ان ما روى الشيخ رحمه اللّه تارة عن عثمان بن عيسى عن سماعة و تارة عن زرعة عن سماعة الدالة الاولى على جواز قرأته الجنب القرآن ما بينه و بين سبع آية و الثانية على الجواز ما بينه و بين سبعين آية هل هى رواية واحدة غاية الامر حصل الاشتباه للناقل فنقل تارة سبعة و تارة سبعين او

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 154

هما روايتان مستقلتان.

لا يبعد كونهما رواية واحدة رواها سماعة و الراوى عنه مرة عثمان بن عيسى و اخرى زرعة.

فعلى فرض كونهما رواية واحدة تصير مجملة لعدم معلوميّة كون الصادر هو (سبعة) (او سبعين) فغاية ما تدلّ الرواية عليه هو جواز القراءة بين سبعة آيات لان القدر المتقين مما صدر هو السبعة.

و على تقدير كونهما روايتين قد يقال بوقوع التعارض بين الروايتين لان إحداهما

تدل على جواز قرأته القرآن للجنب الى سبع آيات و مفهومها عدم جواز الاكثر من السبعة و الحال ان الثانية تدل على جواز القراءة الى سبعين آية فتصيران متعارضتين.

و لكن يمكن دفعه بان الرواية الدالة على جواز القراءة الى سبعة آيات لا مفهوم لها يقتضي عدم جواز الاكثر من السبعة.

و بما قلنا يظهر لك عدم معارضة هذه الرواية مع ما يدلّ على جواز قرأته الجنب القرآن مطلقا لعدم مفهوم لهذه الرواية يقتضي عدم جواز الازيد من السبع او سبعين آية.

و بعد عدم معارضة رواية سماعة مع الطائفة الدالة على جواز القراءة.

نقول فى مقام الجمع بين الطوائف الثلاثة من الروايات بتقييد او تخصيص ما ظاهره النهى عن القراءة بالطائفة الثالثة من الروايات اعنى رواية سماعة لانّ النسبة بينهما العموم و الخصوص لان ما يدل على حرمة قرأته الجنب القرآن عام او مطلق شموله لجميع القرآن و ان كان سبعون او سبع آية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 155

و ما يدلّ على جواز سبع آية او سبعين خاص او مقيد لاختصاصه بخصوص السبع او سبعين آية فيخصص به عموم ما دل على الحرمة او يقيد به اطلاقه.

فتكون النتيجة جواز القراءة للجنب فيما بين سبع او سبعين آية على الاختلاف المتقدم فيهما.

و اما ما دل على الجواز مطلقا و هو الطائفة الاولى من الاخبار حيث أنّه نص فى الجواز يحمل ظاهر الطائفة الثانية الدالة على المحرمة مطلقا عليه و تكون النتيجة كراهة القراءة مطلقا على الجنب.

و مما بيّنا فى مقام الجمع بين الطوائف الثلاثة من الاخبار يظهر لك عدم كراهة اقل من سبع آية لانه بعد تخصيص عموم ما ظاهره النهى اعنى الطائفة الثانية او

تقييده بما دل على الجواز فيما بين سبع آية اعنى الطائفة الثالثة فمعناه عدم كون قرأته سبع منهيا عنه فلا دليل على كراهته فنقول بعدم كراهة قرأته القرآن الى سبع آية للجنب.

و اما الى السبعين فحيث لم يثبت كون ما روى عن سماعة روايتين و احتمال كونه رواية واحدة و لا ندرى ان ما صدر هو السبع او السبعين فقدر المتقين من التخصيص او تقييد ما دلّ على الحرمة هو السبع فقط لا ازيد هذا ما يأتى بنظرى القاصر فى المقام.

الأمر الثالث: فى كراهة مسّ ما عدا خط المصحف

من الجلد و الاوراق و الحواشى و ما بين السطور على الجنب بعد ما عرفت من حرمة مسّ خطّه عليه.

اعلم ان مختار المشهور هو الكراهة و المحكى عن السيد المرتضى قدّس سرّه القول بالحرمة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 156

اما النص فما يمكن ان يستدل به على الحرمة قوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1».

و فيه ان هذا بناء على كون المراد من مرجع الضمير فى قوله عزّ من قائل (لا يمسّه) هو لا المصحف و لم يثبت بل المراد من مرجع الضمير هو القرآن باعتبار كتابته.

و رواية ابراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن عليه السّلام (قال المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطه و لا تعلّقه ان اللّه تعالى يقول لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «2» بناء على كون المراد من المصحف ما بين الدفتين من القرآن او كون الصادر (خيطه) لا (خطه).

او ان يقال بانه بعد كون تعليق المصحف منهيا عنه للجنب فمسّ جلد المصحف منهى بالاولوية و كذا اوراقه و حواشيه و ما بين سطوره.

او من باب ان النهى عن التعليق يكون

من باب ملازمته الغالبية مع المس باعضاء البدن فلا يجوز مسّه بالبدن.

و رواية محمد بن مسلم (قال قال ابو جعفر عليه السّلام الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقران من القرآن ما شاء الا السجدة) «3» بدعوى ان الامر بفتح المصحف من وراء الثوب يدلّ على حرمة مسّ المصحف من جلده و اوراقه و حواشيه و ما بين سطوره.

اقول اما رواية محمد بن مسلم فلا يدل الا على الامر بان الجنب يفتح المصحف من وراء الثوب حين يريد قراءة القرآن و ليس فيها ما يدل على ان الامر

______________________________

(1) سورة الواقعة، الآية 79.

(2) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 157

بفتحه من وراء الثوب يكون لاجل حرمة مسّ اوراق المصحف بل ربما يكون الامر بفتحه من وراء ثوبه حين قراءته لاجل التحفظ من ان لا يصيب يده او غيرها من اعضاء بدنه بكتابة القرآن و الاقرب هذا الاحتمال فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على حرمة مسّ ورق القرآن او جلده.

و اما رواية ابراهيم بن عبد الحميد فمضافا الى ما يمكن من الخدشة فى دلالتها.

توهن الرواية باعتبار ضعف سندها لانّ من يروى الرواية عن ابراهيم هو جعفر بن محمد بن حكيم و جعفر بن محمد بن ابى الصباح فالاول ليس بحيث يحصل الوثوق بسبب نقله بصدور الرواية على ما يستفاد من كلمات اهل الرجال و ان جعله بعض من الحسان.

و الثانى ليس ذكر منه فى كتب الرجال مضافا الى ما فى ابراهيم بن عبد الحميد من وضع حاله و ان ابراهيم بن

عبد الحميد واحد او متعدد و على فرض التعدد ايهما موثوق به و على كل حال ليست الرواية بحيث تقام حجة على حرمة مسّ غير كتابة القرآن من جلده و ورقه و غير ذلك على خلاف المشهور القائل بالكراهة.

بل يشكل على هذا جعلها دليلا على الكراهة الا من باب قاعدة التسامح او اعتضادها بفتوى المشهور بل ربما كانت هذه الرواية منشأ فتواهم.

و ان ابيت عما قلنا فيما استدل به على الحرمة من الاشكال و قبلنا بان مقتضى الرواية هو الحرمة و لا اشكال فيها من حيث السند و الدلالة لا بدّ من الالتزام بحرمة مسّ المذكورات من المصحف.

ان قلت ان مقتضى بعض الروايات جواز مسّ متعلقات المصحف غير كتابته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 158

مثل ما رواها حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال كان إسماعيل بن ابي عبد اللّه عليه السّلام عنده فقال يا بنى اقرأ المصحف فقال انى لست على وضوء فقال لا تمسّ الكتابة و مسّ الورق و أقرأه) «1».

و مثل ما رواها ابو بصير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن قرأ فى المصحف و هو على غير وضوء قال لا بأس و لا يمسّ الكتاب) «2».

و مقتضاهما جواز مسّ غير كتابة القرآن بلا وضوء سواء كان ورقه او غيره من متعلقاته و المذكور فى رواية حريز و ان كان تجويز مس الورق و كذلك فى الثانية تجويز مسّ المصحف لكن بعد كون النهى فى كل منهما عن مسّ كتابة المصحف فتدلان على جواز مسّ الجنب جلد المصحف و ورقه و بين مسطور كتابته و خيطه.

و الروايتان و ان كان موردهما الوضوء لكن يتعدّى

من الوضوء بالجنابة لعدم الفصل بين الحدث الاصغر و الاكبر فكما يجوز فى الاول يجوز فى الثانى.

و اذا صارت الروايتان دليلين على جواز مسّ متعلقات المصحف ما عدا كتابته يقال بقرينة هاتين الروايتين الدالتين على الجواز بحمل النهى فى الرواية الظاهرة فى الحرمة لاجلهما على الكراهة.

و تكون مقتضى الجمع بين الطائفتين الطائفة الدالة على الحرمة و الطائفة الدالة على الجواز القول بالكراهة.

قلت انه كما ترى مورد الروايتين كون الشخص بلا وضوء و مبتلى بالحدث الاصغر فلا وجه للتعدى من مورده بالحدث الاكبر فلا وجه لاسراء الحكم من

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 159

الحدث الاصغر الى الحدث الاكبر نعم لو كان ما ورد ورد فى المورد الحدث الاكبر كان للتعدى منه الى الحدث الاصغر مجال لكون امره أهون من الحدث الاكبر.

فالعمدة فى رد القول بالحرمة و اثبات الكراهة هو ما قلنا.

الأمر الرابع: فى كراهة النوم للجنب

الّا ان يتوضأ او يتيمم ان لم يكن له الماء بدلا عن الغسل اعلم ان لسان الاخبار مختلفة.

فبعضها يدل على جواز النوم على الجنب و هى الطائفة الاولى.

و فيها روايات:

الرواية الاولى: ما رواها سعيد الاعرج (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ينام الرجل و هو جنب تنام المرأة و هى جنب) «1».

الرواية الثانية: ما رواها سماعة (قال سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال ان احبّ ان يتوضأ فيفعل و الغسل احبّ إليّ و افضل من ذلك و ان هو نام و لم يتوضأ و لم يغتسل فليس عليه شي ء) «2».

الرواية الثالثة: مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال و

فى حديث آخر انا أنام على ذلك حتى أصبح و ذلك أنى أريد ان أعود) «3».

و بعضها يدلّ على كراهة النوم على الجنب حتى توضأ و هى الطائفة الثانية.

و هى ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبى (قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل أ ينبغي له ان ينام و هو جنب فقال يكره ذلك حتى يتوضأ) «4».

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 25 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 25 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 160

و بعضها يدلّ على عدم جواز النوم الاعلى طهور و ان لم يجد الماء فليتيمم و هى الطائفة الثالثة.

و هى ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السّلام (قال لا ينام المسلم و هو جنب و لا ينام الاعلى طهور فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد الحديث) «1».

و بعضها يدلّ على وجوب الغسل على الجنب قبل ان ينام و هى الطائفة الرابعة.

و هى ما رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يواقع اهله أ ينام على ذلك قال ان اللّه يتوفى الانفس فى منامها و ما يدرى ما يطرقه من البلية اذا فرغ فليغتسل الحديث) «2».

اذا عرفت لسان الروايات نقول بعونه تعالى.

انّ مقتضى الجمع بين الروايات هو جواز نوم الجنب فى حال جنابته يعنى بدون الغسل و التيمم على كراهية لان بعد جمع ما يدل على جواز

نوم الجنب جنبا و هى الطائفة الاولى و مع ما يدل على النهى عن نومه الاعلى طهور و هو الطائفة الثالثة يكون مقتضاه القول بكراهة نومه جنبا لحمل ظاهر النهى فى الطائفة الثالثة على النص فى الطائفة الاولى.

و لا بدّ من حمل الطائفة الرابعة الظاهرة فى الامر بالغسل قبل ان ينام بقرينة الطائفة الاولى النص فى جواز النوم على استحباب الغسل قبل ان ينام.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 25 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 25 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 161

فلو لم تكن الطائفة الثانية اعنى ما يدلّ على كراهة النوم عليه حتى يتوضأ كان مقتضى الجمع بين الطائفة الاولى و الثالثة الحمل على الكراهة.

مضافا الى أنّ الطائفة الثانية يدلّ على كراهة النوم قبل ان يتوضأ و معناه ان مع الوضوء ترفع الكراهة.

و الحال ان مقتضى الطائفة الثالثة الحرمة الا مع الطهور و لو حملت على الكراهة فمقتضاها كراهة النوم قبل حصول الطهارة و من المعلوم ان الطهارة مع الجنابة لا تحصل الا بالغسل و مع العجز عنه فبالتيمم لا بالوضوء فتكون الطائفة الثانية بمدلولها معارض مع الطائفة الثالثة.

الا ان يجمع بين الطائفة الثالثة و بين الطائفة الثانية بحمل الثالثة على نفى تمام مراتب الكراهة بالطهور و هو الغسل و التيمم مع العجز عن الغسل و حمل الطائفة الثانية على ذهاب مرتبة من الكراهة بالوضوء.

و الشاهد على ان النهى للكراهة و ان بالوضوء يذهب مرتبة من الكراهة و بالغسل تمام مراتبه.

الرواية الثانية من الطائفة الاولى و هى رواية سماعة (قال سالته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال ان احب ان يتوضأ فليفعل

و الغسل احب الى و افضل من ذلك و ان هو نام و لم يتوضأ و لم يغتسل فليس عليه شي ء إن شاء اللّه).

فان الظاهر منها و ان كان الامر بفعل الوضوء و افضلية الغسل و ربما يتوهم ان الرواية تدل على استحباب الوضوء و تعجيل الغسل لا على كراهة النوم مع الجنابة. لكن بقرينة ما دل على النهى من النوم للجنب او كراهته نفهم ان استحباب الوضوء يكون لاجل رفع مرتبة من الكراهة به و التعجيل فى الغسل او ما يقوم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 162

مقامه حال العجز و هو التيمم يوجب رفع تمام مراتب الكراهة.

فتلخص من كل ذلك بانه يجوز للجنب ان ينام قبل الغسل و التيمم و الوضوء غاية الامر مكروه ذلك و ان غسل مع الوصلة الى الماء و نام تزول الكراهة بمراتبها.

كما انه تزول بالتيمم مع العجز عن الماء و الاغتسال كما انه مع القدرة على الماء و الغسل او مع عدم وجدان الماء بقدر الغسل فترك الغسل فى الاول و التيمم فى الثانى او مع القدرة على كل منهما لو توضأ و نام يرتفع بوضوئه مرتبة من مراتب الكراهة.

الأمر الرابع: فى كراهة الخضاب للجنب

رجلا كان او امرأة و فى كراهة ان يجنب المختضب نفسه قبل ان يأخذ اللون فأقول اما الروايات فلسان بعضها الجواز.

مثل ما رواها ابو جميله عن ابى الحسن الاول عليه السّلام (قال لا بأس بان يختضب الجنب و يجنب المختضب و يطلى بالنورة) «1» و غير ذلك و المستفاد منها جواز الخضاب مع الجنابة و ان يجنب مع الخضاب و لا فرق فى الجنب بين الرجل و المرأة فيشمل الجواز كل منهما.

و لسان بعضها عدم

الجواز.

مثل ما رواها عامر بن جذاعة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سمعته يقول لا تختضب الحائض و لا الجنب و لا تجنب و عليها خضاب و لا يجنب هو و عليه خضاب و لا يختضب و هو جنب) «2».

و مثل ما رواها كردين المسمعى (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا يختضب

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 22 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 22 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 163

الرجل و هو جنب و لا يغتسل و هو مختضب) «1».

و مثل ما رواها جعفر بن محمد بن يونس (أنّ أباه كتب الى أبى الحسن الاوّل عليه السّلام يسأله عن الجنب يختضب او بجنب و هو مختضب فكتب لا احبّ له ذلك) «2».

فنقول مضافا الى ان التعبير بقوله عليه السّلام (لا احب) شاهد على كون النهى فى الاخبار محمول على الكراهة.

مقتضى الجمع بين الاخبار الدالة على الجواز و قد ذكرنا واحدة منها هو حمل النهى فى الاخبار الناهية على الكراهة بمقتضى حمل الظاهر على النص فتكون النتيجة هو القول بكراهة الخضاب للجنب رجلا كان او امرأة و كراهة أجناب النفس و هو مختضب.

و اما وجه اختصاص الكراهة بما قبل أن يأخذ اللون فلما رواها ابو سعيد (قال قلت لابى ابراهيم عليه السّلام أ يختضب الرجل و هو جنب قال لا قلت فيجنب و هو مختضب قال لا ثم مكث قليلا ثم قال يا أبا سعيد ألا ادلّك على شي ء تفعله قلت بلى قال اذا اختضبت بالحناء و أخذ الحناء مأخذه و بلغ فحينئذ فجامع) «3».

الأمر السادس: فى كراهة التدهين للجنب

و وجهها ما رواها حريز

(قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الجنب يدهن ثم يغتسل قال لا) «4».

اقول لم أر ذكر وجه لحمل النهى على الكراهة و يحتمل كون السؤال عن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 22 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 22 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 22 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 164

وجوب التدهين قبل الغسل فقال لا يعنى لا يجب فحينئذ لا يدلّ النهى لا على الحرمة و لا على كراهة التدهين.

الأمر السابع: كراهة الجماع للجنب

اذا كانت جنابته بالاحتلام و وجهها ما رواها عبد اللّه بن الحسين بن زيد عن ابيه عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى حديث و كره ان يغشى الرجل امرأته و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الّذي راى فان فعل و خرج الولد مجنونا فلا يلو منّ الا نفسه) «1».

الأمر الثامن: فى كراهة حمل المصحف للجنب

لم أر وجها لها الا ان تعليق المصحف منهى عنه كما فى رواية ابراهيم بن عبد الحميد المتقدمة ذكرها فى الامر الثالث من الامور التى بيّنا فى هذا الفصل فيقال ان التعليق مستلزم للحمل و بعد كون النهى عن التعليق للكراهة فيكون حمل المصحف للجنب مكروها.

الأمر التاسع: فى كراهة تعليق المصحف للجنب

و يدل عليها النهى الوارد فى رواية ابراهيم بن عبد الحميد (و لا تعلّقه) المذكورة فى الامر الثالث من هذا الفصل بناء على حمل النهى على الكراهة. (و قد فرغت من البحث يوم الخامس و العشرين و من الكتابة يوم السادس و العشرين من ذى حجة الحرام 1397 من الحجرة و الحمد للّه و الصلاة على رسول اللّه و على آله و أنا العبد على الصافى الكلبايكاني.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 70 من ابواب مقدمات النكاح و آدابه من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 165

فصل: فى كيفية الغسل و أحكامه
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 167

قوله رحمه اللّه

فصل فى كيفية الغسل و أحكامه

غسل الجنابة مستحب نفسى و واجب غيرى للغايات الواجبة، و مستحب غيرى للغايات المستحبة، و القول بوجوبه النفس ضعيف، و لا يجب فيه قصد الوجوب و الندب، بل لو قصد الخلاف لا يبطل اذا كان مع الجهل بل مع العلم اذا لم يكن بقصد التشريع و تحقق منه قصد القربة فلو كان قبل الوقت و أعتقد دخوله فقصد الوجوب لا يكون باطلا و كذا العكس و مع الشك فى دخوله يكفى الإتيان به بقصد القربة للاستحباب النفسى او بقصد أحدى غايات المندوبة او بقصد ما فى الواقع من الامر الوجوبى او الندبى.

و الواجب فيه بعد النية غسل ظاهر تمام البدن دون البواطن منه فلا يجب غسل باطن العين و الأنف و الأذن و الفم و نحوها و لا يجب غسل الشعر مثل اللحية بل يجب غسل ما تحته من البشرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 168

و لا يجزى غسله من غسلها نعم يجب غسل الشعور الدقاق الصغار

المحسوبة جزءا من البدن مع البشرة و الثقبة التى في الاذن او الانف للحلقة ان كانت ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها و ان كانت واسعة بحيث تعدّ من الظاهر وجب غسلها.

و له كيفيتان:

الاولى: الترتيب و هو ان يغسل الرأس و الرقبة أوّلا ثم الطرف الايمن من البدن ثم الطرف الايسر و الأحوط ان يغسل النصف الايمن من الرقبة ثانيا مع الايمن و النصف الايسر مع الايسر و السرة و العورة يغسل نصفهما الايمن مع الايمن و نصفهما الايسر مع الايسر و الاولى ان يغسل تمامهما مع كل من الطرفين و الترتيب المذكور شرط واقعى فلو عكس و لو جهلا او سهوا بطل و لا يجب البدأة بالاعلى فى كل عضو و لا الاعلى فالاعلى و لا الموالاة العرفية بمعنى التتابع و لا بمعنى عدم الجفاف فلو غسل راسه و رقبته فى اوّل النهار و الايمن فى وسطه و الايسر فى آخره صحّ و كذا لا يجب الموالاة فى اجزاء عضو واحد و لو تذكّر بعد الغسل ترك جزء من احد الاعضاء رجع و غسل ذلك الجزء فان كان فى الايسر كفاه ذلك و ان كان فى الايمن وجب غسل الباقى على الترتيب و لو اشتبه ذلك الجزء وجب غسل تمام المحتملات مع مراعاة الترتيب.

الثانية: الارتماس و هو غمس تمام البدن فى الماء دفعة واحدة عرفيّة و اللازم ان يكون تمام البدن تحت الماء فى آن واحد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 169

و ان كان غمسه على التدريج فلو خرج بعض بدنه قبل ان ينغمس البعض الآخر لم يكف كما اذا خرجت رجله او دخلت فى الطين قبل ان يدخل راسه

فى الماء او بالعكس بان خرج رأسه من الماء قبل ان تدخل رجله و لا يلزم ان يكون تمام بدنه او معظمه خارج الماء بل لو كان بعضه خارجا فارتمس كفى بل لو كان تمام بدنه تحت الماء فنوى الغسل و حرّك بدنه كفى على الاقوى و لو تيقّن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت الاعادة و لا يكفى غسل ذلك الجزء فقط و يجب تخليل الشعر اذا شك فى وصول الماء الى البشرة التى تحته و لا فرق فى كيفيّة الغسل باحد النحوين بين غسل الجنابة و غيره من سائر الاغسال الواجبة و المندوبة نعم فى غسل الجنابة لا يجب الوضوء بل لا يشرع بخلاف سائر الاغسال كما سيأتي ان شاء اللّه.

(1)

اقول يقع الكلام فى الفصل بطوله فى طى ثلاثة مباحث إن شاء اللّه.

المبحث الاول: فى ان غسل الجنابة واجب نفسى او مستحب نفسى او انه ليس بواجب و لا مستحب نفسى بل هو واجب غيرى للغايات الواجبة و مستحب غيرى للغايات المستحبة و بعض ما يتفرع عليه.

المبحث الثانى: فى الواجب فى غسل الجنابة بعد النية.

المبحث الثالث: فى ان الغسل الجنابة كيفيتين.

اما الكلام فى المبحث الاول فيقع الكلام فيه فى مواضع:
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 170

الموضع الاول: فى انه هل يجب غسل الجنابة بالوجوب النفسى
اشارة

او يستحب بالاستحباب النفسى أولا بل يجب غسل الجنابة للغايات الواجبة و يستحب للغايات المستحبة و منها الكون على الطهارة.

الاقوى عدم وجوبه و عدم استحبابه نفسيا لان ما يستدل به على وجوبه او استحبابه النفسى غير تمام نذكر وجه القول بوجوبه النفسى او استحبابه النفسى و ما فيه من الاشكال فنقول بعونه تعالى.

حكى عن جمع من الفقهاء القول بوجوب غسل الجنابة نفسيا كابن شهرآشوب و ابن حمزه و من تحرير العلامة و مختلفه و الاردبيلى و غيرهم رضوان اللّه تعالى عليهم و

ما يمكن ان يستدل لهذا القول أمور:
الأمر الاول: الآية الشريفة

وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «1» وجه الاستدلال هو الامر بالتطهير اذا حصلت الجنابة و الظاهر من الامر الوجوب و الظاهر من الوجوب هو الوجوب النفسى.

و فيه أنّ المراجع بصدر الآية الشريفة يرى كون الامر بالطهارة اذا اجنب للصلاة نذكر الآية قال اللّه تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 171

فترى ان وجوب الوضوء على ما يقتضيه ظاهر الآية يكون لاجل الصلاة و قوله تعالى و ان كنتم جنبا. عطف بقوله فاغسلوا كما ان الامر بالتيمم فى مورده يكون للصلاة فمقتضى الآية الشريفة كون كل من الامر بالوضوء و الغسل و التيمم غيريا لا نفسيّا فلا

يتم الاستدلال بها على الوجوب النفسى.

الأمر الثانى: بعض الروايات المدعى دلالته على وجوب غسل الجنابة بالدخول او بالانزال

بدون تعليق وجوبه بامر آخر.

مثل ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام (قال سألته متى يجب الغسل على الرجل و المرأة قال اذا ادخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم) «1».

و مثل ما رواها محمد بن الفضيل (قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المراء تعانق زوجها من خلفه فتحرك على ظهره فتأتيها الشهوة فتنزل الماء عليها الغسل أو لا يجب عليها الغسل قال اذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل) «2».

و فيه ان ظاهر هذين الخبرين و نظائرهما ليس الا بيان سببية الدخول او الانزال للجنابة و وجوب الغسل و ليسا فى مقام بيان نحوة وجوبه من انه بالنحو الوجوب النفسى او الغيرى و لهذا لو دل دليل على ان وجوب غسل الجنابة غيرى مثلا يجب للصلاة فلا يعارض امثال هذه الاخبار و مما بينا فى الجواب يظهر الجواب عن الاستدلال ببعض الاخبار الواردة فى بيان علة وجوب غسل الجنابة او حكمته و انه ليس الا فيقام بيان سببية علل الجنابة للغسل فى الجملة لا فيقام نحو وجوبه.

الأمر الثالث: بعض الاخبار الواردة فى وجوب غسل الجنابة على الميت الجنب

و بما دل على ان غسل الميت يجب لجنابته لخروج النطفة فهذا يدل على كون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 7 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 172

غسل الجنابة واجبا بالوجوب النفسى.

مثل ما رواها محمد بن سليمان الديلمى عن ابيه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال فى حديث ان رجلا سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الميت لم يغسل غسل الجنابة قال اذا خرجت الروح من البدن خرجت النطفة التى خلق منها بعينها منه

كائنا ما كان صغيرا او كبيرا ذكرا او أنثى فلذلك يغسل غسل الجنابة) «1».

و فيه أولا لا يعمل بمثل هذه الرواية في مورده فلا يوجبون على الميت غسل الجنابة و ان حصل سببها له حال حياته.

و ثانيا لا دلالة للرواية و نظائرها كون وجوب غسل الجنابة لاستدراك الواجب الفائت عن الميت حال حياته بل ربما كان لعلة اخرى مثل خروج النطفة منه فيجب الغسل لان تلاقيه الملائكة و هو طاهر كما يستفاد من بعض اخبار الباب مثل رواية 6 من هذا الباب.

الأمر الرابع: ما رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه

(قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يواقع اهله ا ينام على ذلك قال ان اللّه يتوفى الانفس فى منامها و لا يدرى ما يطرقه من البلية اذا فرغ فليغتسل الحديث) «2».

بدعوى ان ظاهرها وجوب الغسل نفسيا.

و فيه انه قد مر فى الامر الرابع من الامور التى ذكرناها فى فصل ما يكره على الجنب من انه لا بدّ بقرينة ساير الروايات من حمل الامر بالغسل قبل ان ينام فى رواية عبد الرحمن المتقدمة على الاستحباب.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 25 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 173

مضافا الى ان الرواية ان كان مفادها وجوب الغسل قبل ان ينام فلا يصح الاستدلال بها على كون الغسل عن الجنابة واجبا بالوجوب النفسى لان مقتضى الوجوب النفسى وجوب الغسل بعد خروج المنى او الجماع فورا و ان كان مفادها وجوب الغسل فورا فهو مما لا أظن ان يقول به القائل بوجوبه النفسى.

الأمر الخامس: ما رواها معاذ بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام

(انه سئل عن الدين الّذي لا يقبل اللّه من العباد غيره و لا يعذرهم على جهله فقال شهادة ان لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و الصلاة الخمس و صيام شهر رمضان و الغسل من الجنابة و حجّ البيت و الاقرار بما جاء من عند اللّه جملة و الايتمام بأئمة الحق من آل محمد صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم الحديث) «1».

و فيه انه مع قطع النظر عن ضعف سندها لا يستفاد الا كون الغسل من الجنابة من جملة الدين و اما كونه باى كيفية من الدين بالنحو الوجوب النفسى او الغيرى فالرواية

عنه ساكتة.

الأمر السادس: انه لو لم يكن غسل الجنابة واجبا نفسيا

لما يجب تقديمه على الواجب المضيق المشروط بالطهارة كصوم شهر رمضان و لا يفرض كون وجوبه وجوبا غيريا مقدميا للغير و هو الصوم لان وجوب الواجب المضيّق مشروط بدخول وقته فما لم يدخل وقته لا يجب مقدمته فليس وجوب الغسل عن الجنابة قبل الفجر فى شهر رمضان وجوبا غيريا مترشّحا عن وجوب الصوم لعدم وجوب الصوم قبل مجي ء الفجر فلا يكون وجوب غسل الجنابة قبل الفجر الا وجوبا نفسيا.

و فيه أولا ان هذا الاشكال على تقدير وروده مشترك الورود بين القائل

______________________________

(1) الرواية 38 من الباب 1 من ابواب مقدمات العبادات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 174

بعدمه لان القائل بالوجوب النفسى قائل بوجوب الغيرى أيضا لاجل الغايات الواجبة و من جملة هذه الغايات التى تجب لها غسل الجنابة يكون صوم شهر رمضان فكيف يتصور وجوب الغيرى لغسل الجنابة لصوم شهر رمضان قبل دخول الفجر فكلما قال هو نقول نحن به أيضا.

و ثانيا نقول بانه أمّا عند من يقول بالواجب المعلّق فيكون الوجوب حتى قبل وقت الواجب فعليا فلا مانع من وجوب مقدمته فعلا قبل دخول وقت ذيها فلا مانع من وجوب غسل الجنابة قبل الفجر بالوجوب الغيرى المترشح من وجوب الصوم و اما عند من لا يقول بتصوير الواجب المعلّق فلا بد من الالتزام بوجوب بعض مقدمات الواجب قبل وجوب الواجب بخطاب مستقل و هو ما لو لم يقدّمها المكلف على وقت الواجب الموقت يوجب تفويت هذا الواجب الموقت فيجب بخطاب مستقل فبهذا النحو يدفع الاشكال.

فتلخّص بعد ما عرفت من الامور و الاشكال فيها عدم وجه تام للقول بوجوب غسل الجنابة وجوبا نفسيّا.

الموضع الثانى: فى ان غسل الجنابة هل يستحب بالاستحباب النفسى أم لا.

ما يمكن ان يستدل به على الاستحباب النفسى الآية

الشريفة و بعض الروايات- اما الآية.

قوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1».

______________________________

(1) آيه 222 سورة 2، البقرة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 175

و فيه ان المستفاد من الآية محبوبية الكون على الطهارة عند اللّه تعالى فالآية تدل على استحباب الوضوء و الغسل بداعى الكون على الطهارة للّه تعالى لا على استحبابه حتى فيما لم يقصد الغاسل الا الغسل لا الكون على الطهارة فالآية الشريفة تدل على استحباب غسل الجنابة بقصد الكون على الطهارة.

اما بعض الروايات:

منها رواية عبد الرحمن المتقدمة ذكرها فى الامر الرابع من الامور التى تعرضناها فى فصل ما يكره على الجنب و فى الموضع الاول من شرح هذا الفصل و بنيّا ان مقتضى الجمع بينها و بين ما يدل من الرواية على الجواز هو حمل الامر فيها على الاستحباب فتدل الرواية على استحباب غسل الجنابة نفسيّا.

و فيه ان الظاهر منها ان لم يكن استحباب غسل الجنابة لغاية و هى كونه على الطهارة لانه ان اصابه موت يلاقى ربه تعالى مع الطهارة فلا أقل من عدم ظهورها فى استحبابه نفسيا.

منها ما رواها محمد بن النعمان المفيد فى الامالى باسناده عن انس فى حديث قال (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا أنس اكثر من الطهور يزيد اللّه فى عمرك و ان استطعت ان تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل فانك تكون إذا متّ على طهارة شهيدا) «1».

و فيه ان الظاهر من الرواية مطلوبيته الكون على الطهارة فى الليل و النهار

فالرواية تدل على استحباب الغسل و الوضوء للكون على الطهارة لا على استحبابهما نفسيّا بحيث لو لم يقصد الكون على الطهارة كان مستحبا.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 176

و منها ما رواها احمد بن على بن ابى طالب الطبرسى فى الاحتجاج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى حديث (ان زنديقا قال له اخبرنى عن المجوس كانوا اقرب الى الصواب فى دينهم أم العرب قال العرب فى الجاهلية كانت اقرب الى الدين الحنفى من المجوس و ذلك ان المجوس كفرت بكل الأنبياء الى ان قال و كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة و العرب كانت تغتسل و الاغتسال من خالص شرايع الحنفية الخ) «1».

وجه الاستدلال دلالة الرواية على كون الاغتسال من الجنابة بنفسه من خالص شرايع الحنفية لا من باب كونه مستحبا او واجبا لغاية من الغايات.

و فيه ان الرواية ليست الا في مقام بيان كون الغسل عن الجنابة من شرايع الحنفية و اما كونه منها لاجل نفسها او لغاية حاصلة منه و هى الكون على الطهارة او غيرها من الغايات فليست الرواية في مقام بيانها.

الموضع الثالث: قد ظهر لك مما قلنا فى رد ما تمسك به على استحباب غسل الجنابة نفسيا

ان من الغايات التى يستحب غسل الجنابة لها هى الكون على الطهارة فان اراد باستحباب غسل الجنابة نفسيا استحبابه بقصد الكون على الطهارة للّه تعالى صحّ ما اراد و ان اراد من استحبابه نفسيا استحبابه حتى فيما لم يقصد غاية من الغايات حتى الكون على الطهارة فغير تمام لعدم دليل عليه و أيضا قد عرفت فى الفصل المنعقد لما يتوقف على غسل الجنابة وجوبه لبعض الغايات الواجبة كما يستحب لبعض الغايات المستحبة.

الموضع الرابع: لا يجب فى غسل الجنابة قصد الوجوب و الندب

لما مضى فى الامر الثامن من الامور التى تعرضنا لها فى نيته الوضوء فراجع.

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 1 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 177

الموضع الخامس: لو نوى الخلاف فقصد الوجوب مكان الاستحباب او بالعكس

هل لا يبطل الغسل مطلقا حتى مع العلم اذا لم يكن بقصد التشريع بل و لو مع قصد التشريع.

او لا يبطل فى خصوص ما كان نيته الخلاف مع الجهل.

او لا يبطل فيما كان نيته الخلاف مع العلم و لكن لا يكون بقصد التشريع او يبطل مطلقا حتى مع الجهل احتمالات.

اقول قد مضى منّا فى الامر التاسع من الامور التى ذكرناها فى نية الوضوء من ان نية الخلاف ان كانت على وجه التقييد فلا تصحّ العبادة و ان كانت على غير وجه التقييد فلا تضر نيّة الخلاف و ان كانت على وجه التشريع.

الموضع السادس: لو شك فى دخول الوقت يكفى فى صحة غسل الجنابة إتيانه بداعى غير الصلاة

من الغايات الواجبة ان كان فعل الغاية واجبا او بداعى بعض الغايات المستحبة و منها الكون على الطهارة و اما إتيانه بداعى استحبابه نفسيا فلا تصح لما بيّنا من عدم الدليل على استحباب غسل الجنابة نفسيا خلافا لما اختاره المؤلف رحمه اللّه فى المقام.

المبحث الثانى: فى الواجب فى غسل الجنابة
اشارة

فنقول بعونه تعالى يقع الكلام فى مواضع:

الموضع الاول: يعتبر فى غسل الجنابة النية

بمعنى إتيانه بداعى القربة و العمدة فى وجه اعتبارها هو الاجماع لعدم تمامية ما يستدل به من الآيات و الاخبار كما مضى الكلام فى نية الوضوء فراجع.

الموضع الثانى: يجب فى غسل الجنابة غسل ظاهر تمام البدن

و قد ادعى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 178

عليه الاجماع كما هو المحكى عن بعض الفقهاء رحمه اللّه و يستدل من الآيات بقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «1» بدعوى ان فى صدر الآية بيّن الوضوء و محله و اما فى غسل الجنابة فلم يبيّن موردا من الجسد بل امر بالطهارة على الاطلاق و هذا يدل على وجوب تطهير تمام البدن و فيه ان الامر ليس الا بالطهارة و لم يذكر موردها فالآية من حيث المورد تكون مهملة و ليست فى مقام بيانه.

و يستدل عليه ببعض الاخبار.

الاولى: ما رواها محمد بن سنان عن الرضا عليه السّلام (انه كتب إليه فى جواب مسائله علة غسل الجنابة النظافة و لتطهير الانسان مما أصابه من اذاه و تطهير ساير جسده لان الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله الخ) «2» و هذه الرواية تدل على وجوب غسل كل الجسد فى غسل الجنابة الا ان الاشكال فى سندها باعتبار محمد بن سنان.

الثانية: ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه) «3»، تدل على ان الجريان اذا كان من جسده يجزى و الظاهر من (جسده) هو تمام الجسد و مثلها من حيث الدلالة على الاجزاء لو غسل الجسد بعض روايات آخر راجع الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

الثالثة: ما رواها حجر بن زائدة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام

(قال من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو فى النار) «4»، بناء على كون المراد من الشعرة التى لو ترك غسلها

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 31 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 179

يستحق النار هو محل الشعرة من الجسد و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

الرابعة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج فى بعض ذراعها لا تدرى يجرى الماء تحته أم لا كيف تصنع اذا توضأت او اغتسلت قال تحرّكه حتى يدخل الماء تحته او تنزعه و عن الخاتم الضيق لا يدرى هل تجرى الماء تحته اذا توضأ أم لا كيف تصنع قال ان علم ان الماء لا يدخله فليخرجه اذا توضأ) «1».

هذا كله فيما يستدل به او يمكن الاستدلال به من القرآن الكريم و الاخبار على وجوب غسل ظاهر البدن بتمامه و فى قبال ذلك قد يقال كما نسب الى المحقق الخوانساري رحمه اللّه انه لا يبعد القول بعدم الاعتناء ببقاء شي ء يسير لا يخلّ عرفا بغسل جميع البدن اما مطلقا او مع النسيان لبعض الروايات.

مثل ما رواها ابراهيم بن ابى محمود (قال قلت للرضا عليه السّلام الرجل يجنب فيصيب جسده و راسه الخلوق و الطيب و الشي ء اللكد (اللزق خ) مثل علك الروم و الظرب و ما اشبهه فيغتسل فاذا فرغ وجد شيئا قد بقى فى جسده من اثر الخلوق و الطيب و غيره

قال لا بأس) «2» بدعوى دلالتها على انه مع كون بعض هذه الاشياء فى جسده حال الغسل قال عليه السّلام لا بأس و موردها اما يشمل حال العمد و النسيان كليهما او يكون مورده خصوص النسيان.

و فيه ان ظاهر الرواية بقاء اثر الطيب و الخلوق لانفسهما و الاثر عرض لا يكون له جسمية يمنع عن وصول الماء بالبشرة مثل بقاء اثر النورة و الطين و غيرهما.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 180

و مثل ما رواها إسماعيل بن زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام (قال كنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا اغتسلن من الجنابة يبقين (بقيت خ ه) صفرة الطيب على اجسادهنّ و ذلك ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمرهنّ ان يصيبنّ الماء صبا على اجسادهنّ) «1».

و فيه كما قلنا فى الرواية السابقة بان الظاهر منها بقاء صفرة الطيب على اجسادهن و هى لا يمنع عن وصول الماء بالبشرة.

هذا مضافا الى ما يقال فى كل من الروايتين بانهما مما اعرض عنه الاصحاب فليس فيهما مقتضى الحجية.

لكن بعد احتمال كون عدم عملهم للاشكال فى دلالتهما على عدم الاعتناء ببقاء شي ء يسير غير مخلّ عرفا بغسل جميع البدن كما اشكلنا لا انهم مع دلالتهما على ذلك لم يعملوا بهما و اعرضوا عنهما فلم يثبت الاعراض.

الموضع الثالث: و لا يجب غسل البواطن من البدن

فلا يجب غسل باطن العين و الانف و الاذن و الفم و نحوهما بلا خلاف كما حكى عن الحدائق و عن المنتهى و يدلّ عليه مضافا

الى ان ما استدل به على وجوب غسل ظاهر البدن دالّ عليه لأن المنسبق منه الى الذهن الاجزاء الظاهرة. بعض الروايات نذكره إن شاء اللّه و بعونه.

الرواية الاولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام لا يجنب الانف و الفم لانهما سائلان) «2» و يستفاد من الرواية عدم وجوب غسل الانف و الفم و الظاهر عدم الفرق بينهما و بين غيرهما من البواطن.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 181

الرواية الثانية: ما رواها ابو يحيى الواسطى عن بعض اصحابه (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الجنب يتمضمض و يستنشق قال لا انما يجنب الظاهر) «1».

الرواية الثالثة: ما رواها ابو يحيى الواسطى عمن حدثه (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الجنب يتمضمض فقال لا انما يجنب الظاهر و لا يجنب الباطن) «2».

الرواية الرابعة: مرسلة الصدوق و لا يخفى ضعف سند الثانية و الثالثة و الرابعة لعدم معلومية بعض الاصحاب الّذي روى عنه ابو يحيى فى الاولى و عدم معلومية من حدّث أبا يحيى فى الثانية) و كون الرابعة مرسلة الّا أن يدعى جبر ضعف سند الخبرين بعمل القدماء رحمه اللّه بهما و مع قطع النظر عن الروايات.

فالعمدة فى المسألة دعوى عدم الخلاف فى عدم وجوب غسل الباطن و لقصور الادلة الدالة على وجوب غسل البدن عن شمولها للباطن بل كما قلنا يجزى غسل الظاهر لانسباق ذلك و أن أبيت عن ذلك و شككنا فى وجوب غسل الباطن و تصل النوبة بالاصل العملى فالاصل البراءة لكون الشك

فى جزئية الشي ء و شرطيته الا عند من يقول باصالة الاحتياط فى المورد لكون الشك فى المحصل من باب ان الواجب الطهارة و الغسل محصّلها.

الموضع الرابع: و لا يجب غسل الشعر مثل اللحية
اشارة

بل يجب غسل ما تحته من البشرة و لا يجزى غسله عن غسلها كذا قال المؤلف رحمه اللّه.

أقول يقع الكلام في الموردين:

المورد الاول: فى وجوب غسل البشرة و عدم اجزاء غسل الشعر المحيط

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 182

عليها كاللحية عن غسل البشرة.

المورد الثانى: فى وجوب غسل الشعر مضافا الى غسل البشرة و عدمه.

اما الكلام فى المورد الاول

فنقول يجب غسل نفس البشرة و لا يكتفى بغسل الشعر المحيط عليها منها امّا فتوى فادعى عليه الاجماع كما حكى عن الغنية و غيرها و عن بعض الفقهاء كونه مذهب الاصحاب و عن بعض دعوى عدم خلاف فيه و اما من حيث النص.

يدل عليه الروايات الواردة فى وجوب غسل الجسد على اختلاف ألسنتها راجع الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل و لا يخفى ان من يغسل الشعر المحيط على الجسد لم يغسل جسده.

مثل ما رواها زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفّيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثم تمضمض و استنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك ليس قبله و لا بعده وضوء و كل شي ء امسسته الماء فقد أنقيته و لو ان رجلا ارتمس فى الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده) «1».

و الرواية التى رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلى (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ان النساء اليوم احدثن مشطا تعمّد احداهنّ الى القرامل من الصّوف تفعله الماشطة تصنعه مع الشعر ثمّ تحشوه بالرياحين

ثم تجعل عليه خرقة رقيقة ثم تخيطه بمسلة ثم تجعلها فى راسها ثم تصيبها الجنابة فقال كان النساء الاوّل انما يتمشّطن المقاديم فاذا أصابهنّ الغسل تغدر مرها ان تروّى رأسها من الماء و تعصره حتى يروى فاذا

______________________________

(1) الرواية 5 من 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 183

روّى فلا بأس عليها قال قلت فالحائض قال تنقض المشطة نقضا) «1».

قال صاحب المنتقى قوله تغدر معناه تترك الشعر على حاله و لا تنقضه و قال فى القاموس اغدره تركه و ابقاه كغادره.

قال فى الوافى التروية المبالغة في ايصال الماء من الرّى بدعوى دلالة قوله تروّى راسها الخ على وجوب ايصال الماء به الى ان يروى به الرأس.

و على هذا لا اشكال فى وجوب غسل الجسد بتمامه حتى الجزء الّذي احاطه الشعر.

المورد الثانى: هل يجب غسل الشعر مطلقا

سواء كان كثيفا كاللحية و شعور رءوس النساء او كان رقيقا كالشعور الصغار التى ربما يعدّ جزء من البدن أو لا يجب غسله مطلقا فى غسل الجنابة او يفصّل بين الشعور الكثيفة فلا يجب غسلها و بين الشعور الرقاق فيجب غسلها.

وجه الاحتمال الاول ان الظاهر من الادلة وجوب غسل الجسد فى غسل الجنابة و الجسد يشمل ظاهر البدن من الجلد و الشعر الواقع على البشرة اما من باب كون البشرة و الشعر الواقع عليها كليهما داخلين فى الجسد الموضوع للغسل و اما من باب ان الجسد و ان كان المراد منه البشرة لكن الشعر الواقع عليها داخل فى الجسد لكونه من توابعه و ملحقاته كما استظهرنا ذلك فى الوضوء و قلنا بان الظاهر من اليد الواجب غسله هو البشرة مع الشعور الواقعة عليها و لم يكن دليل

فى البين غير الاجماع يدل على وجوب غسل اليد من الذراع الى اطراف الاصابع من البشرة و الشعور الواقعة عليها غير هذا الظاهر.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 184

و ان قلنا فى غسل الوجه فى الوضوء بكفاية غسل ما أحاط البشرة من الشعر فكان للدليل الخاص فعلى هذا نقول ان نفس الأدلّة الدالة على غسل ظاهر الجسد فى الغسل و كذا بعض الروايات الدالة على غسل الرأس و طرف الايمن و الايسر فى غسل الترتيبى يشمل ظاهر البشرة مع الشعور الواقعة عليها.

و لدلالة بعض الروايات عليه مثل ما رواها حجر بن زائدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو فى النار) «1»، بناء على حملها على نفس الشعرة لا على موضع الشعرة كما هو احد احتماليه ذكرنا فى الموضع الاول.

اقول و احتمل ان يكون المراد من قوله عليه السّلام من ترك شعرة هو المقدار من الشعرة بمعنى ان من ترك مقدار شعرة ممّا وجب غسله فى الجنابة فهو فى النار فلا يصح الاستدلال بها لوجوب غسل البشرة بتمامها كما استدل بها على ذلك فى الموضع الاول و لا على وجوب غسل الشعر من البشرة كما استدل بها فى هذا الموضع لانها في مقام بيان أمر آخر و هو أن ما وجب غسله لا يترك غسله و ان كان بمقدار شعرة و اما ما وجب غسله هل هو البشرة أو الشعر أو كليهما فهى ليست في مقام بيانه و يناسب ذلك بيان ذكر العقوبة عليها.

و مثل الرواية التى ذكرناها فى الموضع الرابع و هى ما

رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلى قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال عليه السّلام (مرها ان تروّى راسها من الماء و تعصره حتى يروّى فاذا روّى فلا بأس عليها الخ).

بدعوى دلالتها على وجوب التروية اعنى المبالغة فى ايصال الماء بالرأس و الرأس يشمل بشرة الرأس و الشعر المحيط بها.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 185

و مثل ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام (قال حدثتني سلمى (سلّمه) خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالت كانت أشعار نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرون رءوسهن مقدّم رءوسهن فكان يكفيهنّ من الماء شي ء قليل فأما النساء الآن فقد ينبغى لهنّ ان يبالغن فى الماء) «1» و فى هذا الباب بعض الاخبار الاخر يدل على وجوب المبالغة فى الغسل مثل الثاني و الخامس. «2»

اقول و عمدة الاشكال فى ما رواه الكاهلى و ما بعدها من الروايات هو ان الامر بالروية و المبالغة فى الماء او فى الغسل هل يكون لاجل وصول الماء بالبشرة و الشعر المحيط بها حتى يكون دليلا على وجوب غسل كل من البشرة و الشعر فى غسل الجنابة.

او ان الامر بهذه الامور يكون من باب ايصال الماء بالبشرة و يكون غسل الشعر او كيفية و ضعه يكون مقدمة لايصال الماء بالبشرة و رفع مانعية الشعر عن ايصال الماء بالبشرة لا لموضوعية الشعر بنفسه فى مقام الغسل.

او ان ما يجب غسله في مقام الغسل معلوم عند السائل و المسئول عنه و انه البشرة او الشعر المحيط بها او

كليهما فلا يكون النظر فى هذه الروايات الى بيان ما يجب غسله بل النظر فيها يكون الى ان المكلف في مقام الغسل يؤدى العمل بنحو يغسل ما يعلم بوجوب غسله فيؤدّي على طبق وظيفته.

و الاحتمال الثالث هو ما يأتى بنظرى القاصر و لم أر من ذكره و هذا الاحتمال لو لم يكن اقوى الاحتمالات بمقتضى ظاهر الروايات فلا اقل من تساويه مع الاحتمالين الاولين فلا يمكن الاستدلال بهذه الاخبار على احد الاحتمالات

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 و 5 من الباب 38 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 186

الثلاثة التى ذكرنا فى صدر المسألة.

و ان ابيت عن الاخذ بما احتملنا و هو الاحتمال الثالث يبقى الاحتمالان الاولان و لا يعلم اقوائية الاحتمال الاول على الثانى فأيضا لا يمكن الاستدلال بهذه الاخبار على وجوب غسل الشعر.

و مثل ما رواها الصدوق رحمه اللّه باسناده (قال جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسأله أعلمهم عن مسائل و كان فيما سأله أن قال لاى شي ء امر اللّه تعالى بالاغتسال من الجنابة و لم يأمر بالغسل من الغائط و البول فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان آدم عليه السّلام لما اكل من الشجرة دبّ ذلك فى عروقه و شعره و بشره فاذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق و شعرة فى جسده فأوجب اللّه عزّ و جلّ على ذريّته الاغتسال من الجنابة الى يوم القيامة و البول يخرج من فضلة الشراب الّذي يشربه الانسان و الغائط يخرج من فضلة الطعام

الّذي يأكله الانسان فعليه فى ذلك الوضوء قال اليهودى صدقت يا محمد) «1» و هذه الرواية لا يخلو عن أشعار على وجوب غسل الشعر مع البشرة.

و مع قطع النظر عن كل ذلك يقال و لو شككنا فى وجوب غسل الشعر و عدمه فى غسل الجنابة و لم نجد الدليل اللفظي على اعتباره و لا على عدم اعتباره لا بدّ من الاحتياط بغسل الشعر لان المورد و ان كان من جملة موارد الشك فى الجزئية و الشرطية لكن يكون مجرى الاشتغال لا البراءة لكونه من الشك في المحصّل لان الواجب كما هو ظاهر قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا هو الطهارة و غسل البدن محصّل الطهارة فيكون مورد أصالة الاحتياط و مقتضاها وجوب غسل الشعر مع البشرة كى يعلم بالبراءة.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 187

وجه الاحتمال الثانى و هو وجوب غسل البشرة فقط فى غسل الجنابة و عدم وجوب غسل الشعر سواء كان كثيفا او رقيقا امور:

الأمر الاول: ما عرفت فى الموضع الاول فى وجوب غسل تمام البشرة فى غسل الجنابة ان المذكور فى الروايات وجوب غسل الجسد و المراد منه البشرة و ليست الشعور من الجسد.

و فيه انه كيف يمكن ان يقال بخروج الشعر عن الجسد الموضوع لوجوب الغسل او عن الرأس او عن الايمن و الايسر الموضوع للغسل مطلقا او للغسل الترتيبى كما مر فى الوضوء.

الأمر الثانى: ما رواها غياث بن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عن ابيه عن على عليهم السّلام (قال لا تنقض المرأة شعرها اذا اغتسلت من الجنابة) «1» بدعوى ان عدم وجوب نقض الشعر

يكون لاجل عدم وجوب غسله.

و فيه ان عدم وجوب نقض الشعر ربما يكون لعدم الحاجة فى وصول الماء بالشعر على نقضه فلم يجبه فلا يدلّ على عدم وجوب غسل الشعر.

الأمر الثالث: البراءة لأنّه بعد عدم الدليل على وجوب غسل الشعر فان شككنا فى وجوبه و فرض عدم الدليل على عدم وجوبه يكفى لعدم الوجوب البراءة لكون الشك فى جزئية شي ء للمأمور به و عدمه فالشك فى الاقل و الاكثر و يكون على التحقيق مجرى البراءة.

و فيه أولا وصول النوبة بالاصل العملى غير معلوم و ثانيا على تقدير وصول النوبة بالاصل العملى كون المورد البراءة غير معلوم لان الواجب ان كانت الطهارة

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 38 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 188

و كان غسل البدن محصّلها فمع الشك يكون مورد الاحتياط. فينبغى التكلم فى ان المورد من الشك فى المحصّل أم لا.

وجه الاحتمال الثالث اعنى التفصيل بين الشعر الكثيف مثل شعر رأس المرأة و لحية الرجل و بين الشعر الدقيق فلا يجب غسل الاول و يجب غسل الثانى لان الشعر الدقيق يعدّ عرفا من الجسد الّذي امر بغسله فى روايات الباب كما مرّ فى الوضوء بخلاف الشعر الكثيف فانه لا يعدّ من الجسد و من توابعه.

اذا عرفت المحتملات فى المسألة و وجوهها نقول بعونه تعالى.

اما الاحتمال الثالث و هو التفصيل فى وجوب غسل الشعور بين كثيفها و دقيقها فلا وجه له يمكن الذهاب إليه لانه ان عدّ الشعور الدقاق جزء من الجسد الّذي موضوع للغسل فى غسل الجنابة فكذلك الشعور الكثيفة و اى فرق بين الرأس و غير الرأس فكما ان غير الرأس من البدن يشمل

الجسد بشعورها الواقعة عليه كذلك الرأس خصوصا فى مثل الغسل و الغسل المبنى على نظافة البدن و غسله لحصول الطهارة.

و اما الاحتمال الثانى و هو عدم وجوب غسل الشعر مطلقا كثيفه و دقيقه فقد عرفت عدم تمامية ما ذكر وجها له نعم لو لم يكن دليل لفظى فى البين و وصلت النوبة بالاصل العملى يكون الاصل البراءة لا الاحتياط لان الشك لا يكون فى المحصّل لان المطلوب و الغرض من الغسل و ان كان حصول الطهارة لكن الواجب هو محصّلها و هو غسل البدن كما هو ظاهر النصوص لكن لا تصل النوبة بالاصل العملى.

و يبقى الاحتمال الاول و ما هو العمدة فى وجه هذا الاحتمال عدّ الشعر من الجسد لصدق الجسد الموضوع للغسل على البشرة و الشعور الواقعة عليها خصوصا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 189

فى مقام الغسل و لهذا نقول بان الاحوط لو لم يكن الاقوى هو الاحتمال الاول و هو وجوب غسل البشرة مع الشعر.

و اما الاخبار المستدلة بها على هذا الوجه فهى قابلة الحمل على كون وجوب غسل الشعر وجوبا مقدميّا لان يصل الماء بالبشرة لا وجوبا نفسيّا هذا ما عندنا فى هذه المسألة و الحمد له و الصلاة و السلام على رسوله و آله.

الموضع الخامس: و هل الثقبة التى فى الاذن او فى الانف للحلقة يجب غسلها

او لا يجب غسلها.

قال المؤلف رحمه اللّه ان كانت الثقبة ضيقه لا يرى باطنها لا يجب غسلها و ان كانت واسعة بحيث تعدّ من الظاهر وجب غسلها.

اقول: الظاهر من كلامه رحمه اللّه ايكال الامر فيما هو الباطن و الظاهر الى العرف لان بعد إفتائه بان الثقبة ان كانت ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها) قال و ان كانت واسعة بحيث تعدّ من

الظاهر وجب غسلها) يعنى تعدّ عند العرف من الظاهر فحكمه بعدم وجوب غسلها فيما كانت ضيقة لا يرى باطنها يكون من باب عدها عرفا من الباطن.

لا ما توهمه بعض الشراح من ان ما لا يرى باطنها تعدّ من الباطن و ما يرى باطنها تعدّ من الظاهر لان الضابط فى كون الشي ء ظاهرا ليس امكان رؤيته و كونه من الباطن عدم رؤيته.

و على كل حال ان كانت الثقبة ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها لعدها عرفا من الباطن و اما ان كانت واسعة يعدّها العرف من الظاهر فافهم.

المبحث الثالث: فى كيفية الغسل الجنابة اعلم ان له كيفيتين:
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 190

الكيفية الاولى: الترتيبى.

الكيفية الثانية: الارتماسى.

و لا اشكال فى صحة الغسل بكل واحد من الترتيبى و الارتماسى كما يظهر من النصوص التى نتعرض بعضها إن شاء اللّه فى ضمن المسائل الآتية و قد ادعى عليه الاجماع فنقول بعونه تعالى.

الكيفية الاولى فى غسل الجنابة الترتيبى
اشارة

و الكلام فى الغسل الترتيبى فى جهات:

الجهة الاولى: كيفية الغسل الترتيبى
اشارة

هى ان يبدأ الشخص أولا بغسل الرأس ثم الجانب الايمن ثم الجانب الايسر فالكلام يقع أولا فى وجوب تقديم غسل الرأس على غسل الايمن و الايسر و ثانيا فى وجوب تقديم غسل الايمن على الايسر فمورد البحث فى مقامين:

المقام الاول: فى وجوب تقديم غسل الرأس
اشارة

على غسل الأيمن و الأيسر فى مقام الغسل يستدل على ذلك بروايات و كونه المشهور بل الاجماع و لم يحك الخلاف الا عن ظاهر الصدوقين رحمه اللّه و ابن الجنيد فالمستند أمر ان الاوّل الاجماع.

[الروايات الدالة على وجوب الترتيب]

الأمر الثانى: بعض الروايات:

الاولى: ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام (قال سالته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفّيك فتغسلهما ثم تغسل فرجك ثم تصبّ على راسك ثلاثا ثم تصبّ على سائر جسدك مرّتين فما جرى عليه الماء فقد طهر) «1».

و قد يوهن ظهورها فى وجوب تقديم غسل الرأس على الجانبين باشتمال

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 191

الرواية على بعض المستحبات مثل غسل الكفين و الفرج و الامر بصب الماء على الرأس ثلاث مرّات و صب الماء على ساير الجسد مرّتين و الحال ان كل ذلك ليس بواجب بل يكون مستحبا فالترتيب يكون مستحبا ففي الحقيقة يكون الاشكال من جهتين الاولى من جهة الامر بغسل الفرج و الكفين مع كون الامر مستحبا و الثانية من جهة الأمر بصبّ الماء على الرأس ثلاث مرّات و بسائر الجسد مرّتين مع كون صبّ الماء ثلاثا و مرّتين يكون مستحبا.

و يدفع ذلك اما بالنسبة الى غسل الكف و الفرج فنقول:

أولا يكون الامر بغسلهما من باب ابتلائهما بالنجاسة غالبا حين الجنابة و يشهد بذلك عدم الامر بغسل الكفين فى الرواية الثانية الآتية لعدم إصابة كفه شيئا.

و ثانيا لو ثبت استحبابهما من الخارج فلا يضر بظهور الامر فى الوجوب بالنسبة الى الرأس و تأخير غسل ساير الجسد عن الرأس و الترتيب بينهما خصوصا مع كون افادة طلب هذه الامور بأوامر

متعددة لانه قال تبدأ بكفيك فتغسلها ثم تغسل فرجك) بأمرين متعددين ثم قال ثم تصب على راسك ثلاثا (بامر مستقل ثم قال ثم تصب على سائر جسدك) بامر مستقل فلا يوجب حمل الأمرين الأولين على الاستحباب و هنا لحمل الامر الثالث و الرابع على الوجوب.

و اما بالنسبة الى صب الماء ثلاثا على الرأس و مرّتين على ساير الجسد فنقول يمكن ان يكون ذلك من باب حصول العلم بوصول الماء على بشرة او الشعر الواقع عليه على الكلام المتقدم فى وجوب غسل الشعر و عدمه فكان الامر بثلاث مرات فى الرأس لاجل كثرة الشعر فيه بخلاف ساير الجسد فأمر بمرتين من باب المقدمة العلمية الحاكم عليها العقل أيضا فارتفع الاشكال فى كل من الجهتين.

الثانية: ما رواها زرارة (قال قلت كيف يغتسل الجنب فقال ان لم يكن أصاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 192

كفه شي ء غمسها فى الماء ثم بدء بفرجه فانقاه بثلاث غرف ثم صبّ على راسه ثلث أكفّ ثم صبّ على منكبه الايمن مرّتين و على منكبه الايسر مرّتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه) «1».

و الاشكال فى الرواية بما اشكل فى الرواية الاولى فجوابه تقدم فى الرواية الاولى و اما الاشكال بكون الرواية مضمرة لعدم ذكر من سئل عنه زرارة.

ففيه انه بعد ملاحظه وضع زرارة و موقعيته فكيف يسأل عن الحكم الشرعى عن غير المعصوم عليه السّلام.

الثالثة: ما رواها حريز فى الوضوء يجفّ (قال قلت فان جفّ الاول قبل ان أغسل الّذي يليه قال جفّ او لم يجفّ اغسل ما بقى قلت و كذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة و أبدأ بالرأس ثم أفض على ساير جسدك قلت و

ان كان بعض يوم قال نعم) «2».

و هذه الرواية و ان رواه الشيخ رحمه اللّه مضمرة كما ترى لكن كما نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه رواه الصدوق رحمه اللّه فى مدينة العلم مسندا عن حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام كما ذكره الشهيد رحمه اللّه فى الذكرى.

الرابعة: ما رواها حريز عن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم بدا له ان يغسل راسه لم يجد بدّا من اعادة الغسل) «3».

الخامسة: ما رواها حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال من اغتسل من جنابة و لم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 33 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 28 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 193

يغسل راسه ثم بدا له ان يغسل راسه لم يجد بدّا من إعادة الغسل) «1» و هاتان الروايتان سواء كانتا روايتين او رواية واحدة تدلان على وجوب اعادة الغسل لو نسى تقديم الرأس على الايمن و الايسر فيغسل راسه ثم الايمن و الايسر بتقديم الايمن على الايسر ان قلنا به و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

و الاشكال فيهما تارة بان موردهما العمد فترك غسل الرأس عمدا و تشريعا صار موجبا لاعادة الغسل لا فوت الترتيب.

و تارة بان وجه البطلان و وجوب اعادة الغسل لعلّه كان من باب تقديم غسل اليمين و اليسار على غسل الرأس و هو غير جائز و هذا لا ينافى مع عدم وجوب تأخر غسلهما عن الرأس فيجوز غسل الرأس و الايمن و الايسر

معا فلا تدل الروايتان على وجوب الترتيب بل تدلّان على عدم جواز تقديم غسل الأيمن و الأيسر على غسل الرأس فلا يصح الاستدلال بهما على ما نحن فيه و هو وجوب الترتيب بتقديم غسل الرأس على اليمين و اليسار و تأخر غسلهما عن غسله.

غير وارد اما احتمال كونهما متعرضة لصورة العمد فبعيد فى الغاية لان من يكون فى مقام إتيان العمل مقربا الى اللّه تعالى كيف يشرّع فى عمله و يبطل عمله.

و اما ما قيل من ان الروايتين تدلّان على عدم جواز تقديم الجانبين على الرأس و هذا غير وجوب تاخيرهما عنه لامكان غسلها معا ففيه ان من يقول بعدم جواز تقديمهما على غسل الرأس يقول بوجوب تاخيرهما عن غسله و لا يجوز مقارنة غسلهما مع غسل الرأس فلا فصل بين القول بوجوب التأخير مع القول بعدم جواز تقديم غسلهما على غسل الرأس لانه لم أر فى الاقوال قولا بعدم جواز التقديم

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 28 ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 194

فقط الملازم مع جواز مقارنة غسلهما مع غسل الرأس بل ليس فى المسألة الا القولان: قول بوجوب تقديم الرأس و تاخير غسل الجانبين عن غسل الرأس، و قول بعدم وجوب التأخير، فعلى هذا يصح الاستدلال بالروايتين على القول المشهور و هو تقديم غسل الرأس على الجانبين.

السادسة: ما رواها هشام بن سالم عن محمد بن مسلم (قال دخلت على ابي عبد اللّه عليه السّلام فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأت عليه فقال ادنه هذه أمّ إسماعيل جاءت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الّذي أحبط اللّه فيه حجها عام أوّل كنت أردت الاحرام فقلت ضعوا

إليّ الماء فى الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها فقلت اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فاذا أردت الاحرام فاغسلى جسدك و لا تغسلى راسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمسّت مولاتها راسها فاذا لزوجة الماء فحلقت رأسها و ضربتها فقلت لها هذا المكان الّذي احبط اللّه فيه حجك) «1».

وجه الاستدلال أمر الامام عليه السّلام ابتداء بغسل الرأس و تأخير غسل ساير الجسد و غسله بعد ذلك و فيه ان مجرد امر الامام عليه السّلام بغسل الرأس لا يدل على وجوب الترتيب لانه لا اشكال فى جواز تقديم غسله فكما يمكن له امره بغسل ساير جسده أوّلا يمكن له الامر بغسل الرأس أوّلا من باب جواز كل منهما فلا تدل الرواية على وجوب الترتيب لان نقل ما امرها بفعله لا يدل الا على جوازه لا على وجوبه.

و مع ما قلنا لا حاجة فى ردّ هذه الرواية من حيث الاستدلال بها على وجوب الترتيب بمعارضتها مع رواية اخرى رواها هشام بن سالم مع ما فيها من الاشكال

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 195

نذكرها إن شاء اللّه فى طى الاخبار المتعارضة مع هذه الاخبار.

[الروايات الدالة على عدم وجوب الترتيب]

و فى قبال هذه الاخبار بعض الاخبار يمكن ان يقال بدلالته على عدم وجوب الترتيب بين الرأس و ساير الجسد و معارضته مع هذه الاخبار المتقدمة ذكرها فنذكره لبيان حقيقة الحال.

الاولى: ما رواها احمد بن محمد يعنى ابن ابي نصر (قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين الى اصابعك و تبول

ان قدرت على البول ثمّ تدخل يدك فى الإناء ثم أغسل ما أصابك منه ثمّ افض على راسك و يدك و لا وضوء فيه) «1».

وجه الاستدلال الامر بافاضة الماء على الرأس و الجسد معا فى قوله (ثم أفض على راسك و جسدك الخ) و المعيّة تدلّ على نفى الترتيب.

و فيه ان الرواية ليست الا فى مقام بيان افاضة الماء على الرأس و الجسد فغاية ما يمكن ان يقال هو عدم دلالته على وجوب الترتيب لا دلالته على عدم وجوب الترتيب لان الواو تدلّ على الجمع المطلق المتحقق مع الترتيب و مع المعيّة فلو دلّ الخبر الآخر على وجوب الترتيب لا يكون معارضا مع هذه الرواية.

الثانية: مرسلة محمد بن ابى حمزة عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى رجل أصابته جنابة فقام فى المطر حتى سال على جسده أ يجزيه ذلك من الغسل قال نعم) «2» وجه الاستدلال ان جواز الغسل تحت المطر و الحال انه لا يراعى فيه الترتيب بين غسل الرأس و ساير الجسد دليل على عدم الترتيب بينهما.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 14 من باب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 196

و فيه أولا ان الرواية مرسلة فتكون ضعيفة السند.

و ثانيا ان الرواية تكون فى مقام بيان الاكتفاء بالغسل فى الغسل باجراء المطر على الجسد و ليست فى مقام بيان كيفية الاجراء بعين الرواية السابقة المتعرضة لوجوب افاضة الماء على الرأس و الجسد و ليست فى مقام بيان كيفية افاضة الماء فلو دلت راية اخرى على ان اوقع الشخص راسه أولا تحت المطر ثم يمينه

ثم شماله لا تكون معارضة مع هذه الرواية.

أن قلت أن ترك الاستفصال يقتضي للعموم حيث ان فى سؤال السائل لا يكون بيان لكيفية سيلان المطر حين سئل عن أجزاء سيلانه على الجسد للغسل فجواب الامام عليه السّلام نعم مع ترك استفصاله عن كيفية سيلان المطر من انه راعى الترتيب أم لا دليل على عدم اعتبار الترتيب.

قلت كما بيّنا حيث يكون سؤال السائل عن حيث الاكتفاء في مقام الغسل بالقيام في المطر كان الجواب عن هذا الحيث لا حيثيات اخرى فلا يكون ترك الاستفصال دليلا على عدم وجوب الترتيب).

الثالثة: ما رواها هشام بن سالم (قال كان ابو عبد اللّه عليه السّلام فيما بين مكّه و المدينة و معه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها و تركت رأسها و قال لها اذا أردت ان تركبى فاغسلى رأسك ففعلت ذلك فعلمت بذلك أمّ إسماعيل فحلقت رأسها فلما كان من قابل انتهى ابو عبد اللّه عليه السّلام الى ذلك المكان فقالت له أم اسماعيل أىّ موضع هذا فقال لها هذا الموضع الّذي أحبط اللّه فيه حجّك عام أوّل) «1».

وجه الاستدلال امره عليه السّلام الجارية فى مقام غسل الجنابة بتقديم غسل ساير

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 28 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 197

جسدها على راسها.

و فيه أولا قد ذكرنا فى طى الروايات المستدلة بها على وجوب الترتيب رواية عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، و هى كانت الرواية السادسة نقل فيها هذه الواقعة، و فيها كان امره عليه السّلام بالجارية بغسل الرأس أولا ثمّ ساير الجسد، و من القريب الظاهران

الروايتين ليستا الا رواية واحدة فى واقعة واحدة لبعد تعدد الواقعة غاية البعد غاية الامر الراوى عن محمد بن مسلم رواها تارة بواسطة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و تارة بنفسه عنه عليه السّلام فلو لم نقل بكون الصادر عنه عليه السّلام هو ما روى هشام عن محمد بن مسلم الدالة على الامر بتقديم الرأس مسلما فلا اقل من عدم امكان القول بكون الصادر هو ما رواها هشام بدون توسيط محمد بن مسلم الدالة على تقديم ساير الجسد على الرأس و يصير الشك فى ان الصادر هو الاولى او الثانية فلا يمكن الاستدلال بها لا على وجوب الترتيب و لا على عدم وجوبه.

و لو فرض كونهما روايتين و الواقعة كانت متعددة فلا يقع التعارض بين الروايتين كما توهم لان ما رواها محمد بن مسلم تدل على تقديم الرأس على الجانبين و ما رواها هشام بن سالم تدل على تقديم الجانبين اعنى سائر الجسد على الرأس فلا منافاة بينهما لان النتيجة جواز الابتداء بأى من الرأس و ساير الجسد اذا شاء و تكون النتيجة عدم اعتبار الترتيب ان قلنا بان التخيير من الجمع العرفى و أنّ العرف بعد الامر بالشيئين يحكم بالتخيير بينهما و ان لم نقل بكون التخير من الجمع العرفى فمع وجود مقتضى الحجية فى كل منهما بعد تعارضهما لا بدّ من الاخذ بما فيه الترجيح منهما و الترجيح مع رواية محمد بن مسلم لكون الشهرة المرجحة سواء كانت الفتوائى او الروائى تكون مع رواية محمد بن مسلم لكونها موافقة للشهرة الروائى و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 198

الفتوائى كليهما فلا بد من الاخذ بالرواية الدالة

على تقديم الرأس اعنى رواية محمد بن مسلم لكن كما قلنا فى ذيل رواية محمد بن مسلم لا يستفاد منها وجوب تقديم الرأس لان مجرد الامر بغسل الرأس لا يدل على وجوب الترتيب لكن العمدة بعد كونهما روايتين فلا يمكن الاستدلال لاحد القولين بهما و ان القريب كون ما صدر عن المعصوم عليه السّلام هو ما رواها محمد بن مسلم الدالة على الامر أولا بغسل الرأس لكن عرفت عدم دلالتها على الترتيب.

فتلخص من كل ذلك عدم وجود نصّ يدلّ على عدم اعتبار الترتيب بين غسل الرأس و ساير الجسد فى الغسل.

اذا عرفت ذلك نقول بانه ان تمّت دلالة تمام النصوص المستدلة بها على وجوب الترتيب او بعضها فهو و لا يبعد دلالة بعضها كما بيّنا و الا فالاجماع المدعى على اعتبار الترتيب و لا اقل من الشهرة بين القدماء و هى تكفى دليلا على المسألة و الّا تصل النوبة بالاصل العملى و هو أما البراءة بناء على عدم كون المورد من الشك فى المحصّل و الّا يكون مجرى اصالة الاشتغال.

المقام الثانى: فى وجوب الترتيب بين الجانبين
اشارة

بتقديم جانب الايمن على الايسر و هو المشهور بل ادعى عليه الاجماع.

فالدليل على وجوبه على ما قيل او يمكن ان يقال امور:
الامر الاول: الشهرة بين القدماء من الاصحاب

رضوان اللّه تعالى عليهم او الاجماع.

الامر الثانى: الروايات:

الرواية الاولى: منها النبوى و هو انه صلّى اللّه عليه و آله كان اذا أغتسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 199

بدء بالشق الأيمن ثمّ الايسر.

و فيه انه ضعيف السند و دعوى انجبار ضعف السند بالشهرة لا يعتنى به لعدم معلوميته كون فتوى المشهور مستندا إليه حتى يصير عملهم جابرا لضعف السند.

الرواية الثانية: الروايات الدالة على اعتبار الترتيب بين الجانبين فى غسل الميت بضميمة ما ورد من ان غسل الميت مثل غسل الجنابة او انه غسل الجنابة و ان العلة فى وجوبه خروج النطفة التى خلق منها راجع الباب الثانى و الثالث من ابواب غسل الميت من الوسائل.

فكما يعتبر الترتيب بين الجانب الايمن و الايسر فى غسل الميت يجب و يعتبر فى غسل الجنابة.

و فيه أمّا ما يدل على كون غسل الميت مثل غسل الجنابة فان كان التنزيل فى جميع الامور فمفاده اعتبار كل ما يعتبر فى غسل الجنابة فى غسل الميت لان مفاده كون غسل الميت مثل غسل الجنابة لا كون غسل الجنابة مثل غسل الميت و الّا فلا بد ان يلتزم باعتبار كون الغسل مع السدر و الكافور فى غسل الجنابة و لا يقال به.

و اما ما دلّ على ان حكمة تشريع غسل الميت خروج النطفة منه فغاية ما يستفاد منه هو ان وجوب غسل الميت يكون لاجل صيرورة الميت جنبا و اما كون كيفية غسله و ما يعتبر فيه من الترتيب و غير ذلك يكون لاجل جنابته غير معلوم بل يمكن ان يكون لاجل علّة اخرى مثلا تعظيم الميت.

الرواية الثالثة: ما رواها زرارة قال قلت كيف يغتسل الجنب فقال ان لم يكن اصاب

كفه شي ء غمسها فى الماء ثم بدء بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صبّ على راسه ثلاث أكفّ ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين و على منكبه الايسر مرّتين فما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 200

جرى عليه الماء فقد أجزأه «1». (ذكرنا الرواية فى المقام الاول).

و الاستدلال بالرواية على وجوب الترتيب بين الجانبين أمّا بدعوى ان المستفاد من الرواية وجوب غسلات ثلاث على المواضع الثلاثة الرأس و الأيمن و الايسر و كل من قال بوجوب ذلك يقول بوجوب الترتيب بين الجانبين.

و فيه أولا ان هذا ليس استدلالا بالرواية بل بادعاء خارجى و هو دعوى اعتبار الملازمة فى الفتوى بين قول من يقول بوجوب ثلاث غسلات و بين الترتيب بين الجانبين.

و ثانيا ما قال من الملازمة بين الفتوى بوجوب الغسلات عند كل من يقول به و بين الترتيب بين الجانبين غير معلوم.

و اما دعوى ان الواد فى قوله عليه السّلام (و على منكبه الايسر) الخ للترتيب على قول الفراء فيكون مفاد الرواية ثم صب على منكبه الايمن مرتين ثم على منكبه الايسر مرتين فيستفاد من الرواية الترتيب بين الجانبين.

و فيه انه لا وجه لحمل الواو على خلاف ظاهرها لقول نحوى بذلك مع قول غيره على خلافه.

و اما دعوى الاجماع المركب و هو ان كل من يقول بالترتيب بين الرأس و اليمين يقول بالترتيب بين اليمين و اليسار أيضا.

و فيه ان هذا ليس التمسك بالرواية بل بالاجماع مع ان نفس تحقق هذا الاجماع المركب غير معلوم.

فتلخص عدم تمامية الاستدلال بالرواية على وجوب الترتيب بين الجانبين.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 201

الثالث: السيرة على اتيان الغسل بالكيفية المعهودة

بتقديم الرأس ثم الايمن ثم الايسر من المتشرعة.

و فيه انه لو ثبت وجود سيرة من المتشرعة على ذلك بما هم متشرعة المنتهية الى زمن المعصوم عليه السّلام فلا يدل على ازيد من رجحان هذه الكيفيّة فربما كانت مستحبة فلا تدل على وجوبها.

مضافا الى أنّ تحقق السيرة بالنحو الّذي ذكرنا غير معلوم فلا تيم الاستدلال بها.

الرابع: ان البحث عن صحة تداخل الاغسال و عدمها يكون بعد الفراغ عن اتحاد الاغسال

من حيث الكيفية و بعد معلومية اعتبار الترتيب فى بعض الاغسال فلو لم يكن هذا الترتيب معتبرا فى البعض الآخر من الاغسال مثل غسل الجنابة فلا معنى لتداخل غيرها فيها.

و فيه أولا كما يمكن ان يكون البحث عن تداخل الاغسال بعد الفراغ عن وجوب الكيفية و الترتيب المشهور فى كل الاغسال. كذلك يمكن ان يكون البحث عن التداخل بعد الفراغ عن عدم اعتبار الترتيب بين الجانبين.

و ثانيا البحث عن التداخل بحث عن حيث صحة تداخل الاغسال و عدمها لا من الحيثيات الاخرى و لا اشكال فى وجود المجال لصحة البحث على كل حال سواء نقول بوجوب الترتيب بين الجانبين فى بعض الاغسال او لم نقل به فى البعض الآخر لانه لو لم يجب فى البعض الآخر فلا اقل من جواز اتيانه بالترتيب المعهود فيبقى للبحث عن صحة التداخل و عدمها مجال.

الخامس: انه لو لم نتقبل أنّ وجوب الترتيب يستفاد من الادلة اللفظية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 202

فحيث لا يكون دليل لفظى فى النصوص يقتضي عدم وجوب الترتيب بين الجانب الايمن و جانب الايسر.

و تصل النوبة بالاصل العملى نقول بان مقتضى الاصل العملى هو الاحتياط لانه بعد كون المطلوب هو الطهارة كما هو ظاهر قوله تعالى و أن كنتم جنبا فاطّهروا) يكون فى مورد الشك فى دخل شي ء فيه شرطا او شطرا هو الاحتياط.

و ان قلنا فى الشك بين الاقل و الاكثر بالبراءة لان الشك فى المورد يكون من الشك فى المحصّل و قد بيّن فى محله من ان الشك بين الاقل و الاكثر ان كان من الشك فى المحصل لا مجال لاصالة البراءة بل هو مجرى اصالة الاحتياط و المورد كذلك لانه بعد كون الامر بالطهارة و المطلوب الطهارة فالتكليف مبيّن

معلوم و انما الشك فى محصلها و انه هل هو الغسل مع الترتيب بين الجانبين او هو الغسل بلا دخل ترتيب بينهما فمقتضى القاعدة هو الاحتياط فلو وصلت النوبة بالاصل العملى يكون مقتضاه الاحتياط برعاية الترتيب.

و فيه أولا وصول النوبة بالاصل العملى غير معلوم لان من لا يجب الترتيب يستدل على مدعاه ببعض النصوص فان تمّ فلا مجال للأصل العملى مع الدليل اللفظى.

و ثانيا على فرض الوصول بالاصل العملى فكون المورد مورد اصالة الاحتياط غير معلوم لان ظاهر النصوص هو وجوب الغسل للجنابة و الامر به و ان كان وجوبه للغير و هو الطهارة للغايات المعتبرة فيها الطهارة كما مر فى غاياته الواجبة فالواجب هو الغسل و هو محصلها و الشك في شرطية الترتيب فيه بين الأيمن و الأيسر يكون مجرى البراءة.

اذا عرفت ما يمكن الاستدلال به على وجوب الترتيب بين الجانبين فى غسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 203

الجنابة ما فيه من الاشكال.

نذكر لك بعض ما يستدلّ او يمكن ان يستدل به على عدم وجوب الترتيب
اشارة

بين الجانبين فى غسل الجنابة.

الاول: ما رواها حكم بن حكيم

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل ما اصاب جسدك من اذى ثم اغسل فرجك و أفض على راسك و جسدك فاغتسل فان كنت فى مكان نظيف فلا يضرّك ان لا تغسل رجليك و ان كنت فى مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك قلت ان الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك و قال أى وضوء انقى من الغسل و ابلغ. «1»

وجه الاستدلال أنه عليه السّلام أوجب غسل الرجلين اذا لم يكن فى المكان النظيف و ظاهره وجوب غسل الرجلين بعد الفراغ عن الغسل و هو لا يساعد الا مع عدم وجوب الترتيب بين الجانبين و ان كان الترتيب واجبا كان اللازم ان يأمره بغسل الرجل الايمن ثم غسل الايسر مع رجله.

و لا تفاوت فى صحة الاستدلال بين كون الامر بغسل الرجلين لرفع القذارة المعتبرة فى الغسل او لنفس الغسل لانه على كل حال يتوقف الغسل على طهارتهما عن الخبث و غسلهما.

اقول و ربما ينكر ظهور الرواية فى كون الامر بغسل الرجلين بعد الفراغ عن غسل ساير الجسد بل هو عليه السّلام ليس الا فى مقام بيان وجوب رفع القذارة و غسل الرجلين للغسل فلا تدلّ الرواية على عدم وجوب الترتيب بين الجانبين.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 2 من ابواب الغسل و احكامه من جامع الاحاديث الشيعة و تقطعها صاحب الوسائل فذكرها فى باب 26 ح 7 و فى باب 27 ح 1 و فى باب 34 ح 4.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 204

ان قلت أن ظاهر الرواية الامر بغسل الرجلين معا فى

صورة كون المكان قذرا فلو غسل الرجل اليمنى حال غسل اليمنى و كذلك الرجل اليسرى يغسله حال غسل اليمنى فيصير الرجل اليسرى قذرا لمكان قذارة المكان فلا تساعد الرواية الا مع كون غسل الرجلين بعد غسل ساير الاعضاء من الايمن و الايسر فيستفاد من الرواية عدم وجوب الترتيب.

قلت ان ظهور كون الامر بغسل الرجلين معا ممنوع بل الرواية ليست الا في مقام غسل الرجلين فى صورة قذارة المكان الواقع فيه الرجل اليمنى و اليسرى لا في مقام بيان وجوب معيّة غسلهما فيوهن الاستدلال بالرواية.

الثاني: ما رواها سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام

(قال اذا اصاب الرجل جنابة فاراد الغسل فليفرغ على كفّيه و ليغسلهما دون المرفق ثم يدخل يده فى إنائه تمّ يغسل فرجه ثم ليصبّ على رأسه ثلث مرّات ملاء كفّيه ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره و كف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كلّه فما انتضح من مائه فى إنائه بعد ما صنع ما وصفت فلا بأس) «1».

وجه الاستدلال إمّا قوله عليه السّلام بعد الامر باصابة الماء على راسه ثلاث مرّات ثمّ يضرب بكف من ماء على صدره و كف بين كتفيه فظاهر الامر بضرب كف من الماء على صدره و كف بين كتفيه كون غسل الصدر و الكتف من باب غسل المعتبر فى الغسل و بعد عدم ايجابه الترتيب بين الكتفين و كذا الصدر الداخل فى اليمين و اليسار من الجسد نكشف عدم اعتبار الترتيب بين الجانبين.

و أمّا انه لو فرض كون الامر بغسل الصدر و الكتف لا من باب كون غسلهما

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 205

جزء للغسل بل من المستحبات فقوله

عليه السّلام بعد الامر بغسلهما (ثم يفيض الماء على جسده كله) يدل على عدم اعتبار الترتيب بين الجانبين لكفاية افاضة الماء على اليمين و اليسار عرضا لكون كل منهما من جملة الجسد المامور غسله.

و فيه اما قوله عليه السّلام ثم يضرب بكف من ماء على صدره و كف بين كتفيه) يحتمل كونه من استحباب ذلك قبل غسل الجسد فلا يكون جزء الغسل ان لم نقل بكون ظاهره هذا.

و ا ما قوله عليه السّلام ثم يفيض الماء على جسده كله) فالمحتمل بل الظاهر منه كونه في مقام بيان افاضة الماء على كل الجسد مثل بعض الروايات الآخر يدل على ذلك فليس فى مقام بيان كيفية الافاضة فلو دلّ دليل على وجوب كيفية خاصة من تقديم الجانب الأيمن على الأيسر فلا يعارض مع ما قاله عليه السّلام فى هذه الرواية.

فتلخّص عدم وجود دليل لفظى يدلّ على عدم وجوب الترتيب بين الجانبين فى غسل الجنابة.

اذا عرفت ما ذكرنا من ادلة الطرفين اقول ان الاحوط لو لم يكن الاقوى هو وجوب الترتيب للاجماع و لا اقل من الشهرة و لم أر حكاية مخالف الا ما حكى عن صاحب المدارك و ذكره اعتراض المحقق رحمه اللّه ببعض ما استدل به على وجوب الترتيب فافهم.

تبصرة اعلم ان الترتيب المذكور فى المقامين اعنى غسل الرأس أولا ثم الايمن ثم الايسر واقعى بمعنى اعتباره حال العلم و الجهل و النسيان فلو ترك جهلا او نسيانا بطل لان موضوع الحكم نفس الطبيعة و العلم و الجهل و النسيان كلها خارج عنها فلا معنى لتقييد الحكم ببعضها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 206

الجهة الثانية: هل الرقبة داخلة فى الرأس

فكان الواجب غسلها مع الرأس او داخلة فى الجسد

ففى غسل الترتيبى يجب غسل نصفها الايمن مع الايمن و نصفها الايسر مع الايسر المشهور بين القدماء بل المتاخرين هو وجوب غسلها مع الرأس لكونها جزء الرأس.

و يستدل على وجوب غسلها مع الرأس بما رواها زرارة و فيها (قال عليه السّلام ثم صب على راسه ثلث أكفّ ثم صب على منكبه الايمن مرتين و على منكبه الايسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه) «1».

بدعوى دلالتها على ان الامر بصب الماء مرتين على منكب الأيمن و الأيسر بعد الرأس يدلّ على جعله عليه السّلام الرقبة جزء الرأس فى مقام الغسل.

اقول و لا يبعد ظهور الرواية فيما ادعى.

و فى قبال ذلك يستدل على كونها فى الغسل جزء الايمن و الايسر بما رواها ابو بصير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تصب على يديك الماء فتغسل كفيك ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ثم تتمضمض و تستنشق و تصب الماء على راسك ثلاث مرات و تغسل وجهك و تفيض على جسدك الماء) «2».

وجه الاستدلال جعل الوجه مغايرا للرأس للامر بغسله بعد غسل فتشعر الرواية او تدل على كون الرقبة خارجة عن الرأس اذ بعد خروج الوجه عن الرأس فالرقبة خارجة عن الرأس بالطريق الاولى.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 7، ص: 206

و فيه أولا لازم هذا الاستدلال خروج الوجه عن الرأس فى الغسل و لا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 7، ص: 207

يلتزم به احد حتى من يتوهم خروج الرقبة عن الرأس فى مقام الغسل الترتيبى.

و ثانيا الظاهر كون الامر بغسل الوجه بعد الامر بغسل الرأس لاجل تتميم غسل الرأس و يكون غسل الوجه بالماء المصبوب على الرأس فلا يكون الامر بغسل الوجه من باب كون غسل الوجه خارجا عن حد الرأس الواجب غسله.

فالاقوى كون الرقبة داخلة فى الرأس فى غسل الترتيبى و ان كان الاحوط غسلها أولا مع الرأس ثم غسل نصفها الايمن مع الطرف الايمن ثم غسل نصفها الايسر مع الطرف الايسر.

الجهة الثالثة: و اما السرة و العورة

فهل يكتفى فى مقام الغسل بغسل نصف كل منهما مع الأيمن و نصف الآخر من كل منهما مع الأيسر.

او يجب غسل تمامهما مع كل من الطرفين إمّا من باب احتمال كون كل منهما بتمامهما و جزء للأيمن جزء للأيسر و إمّا لاحتمال كونهما عضوين مستقلين لا يكونان داخلين لا فى الأيسر و لا فى الايمن.

فعلى الاحتمال الاول يجب غسلهما مرّة مع الأيمن و مرّة مع الأيسر و على الاحتمال الثانى يجب غسل كل منهما مرّة مستقلة لا جزء الأيمن و لا جزء الأيسر كلها محتمل.

اقول اما احتمال كون السرة و العورة عضوين مستقلين خارجين عن طرف الأيمن و الأيسر فى مقام الغسل الترتيبى.

فبعيد فى الغاية بل احتماله موهون جدا لان المراجع فى اخبار الباب و قد بيّنا بعضها فى بعض المباحث المتقدمة يرى انه قد قسّم مواضع الغسل فى الغسل الترتيبى على ثلاثة الرأس و الأيمن و الأيسر و لا يكون له رابع حتى يقال انه السرة و العورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 208

كما ان نفس الترتيب بين الرأس و اليمين و اليسار شاهد على

ذلك لان احتمال كون محل غسلهما قبل غسل الرأس او قبل غسل احد الطرفين احتمال ينافى الترتيب المذكور كما ان احتمال كون محل وجوب غسلهما بعد الفراغ عن الجوانب الثلاثة مدفوع بأن بغسل المواضع الثلاثة يتمّ الغسل.

و بعد بطلان القول بهذا الاحتمال يبقى احتمالان الاول كون نصفهما الأيمن جزء الأيمن و نصفها الأيسر جزء الايسر و الثانى كون غسل كل منهما بتمامهما جزء للأيمن و جزء للايسر و الظاهر هو الاحتمال الاوّل لانّه بعد قسمة ما عدا الرأس قسمان الأيمن و الايسر فالظاهر منها قسمة تمام اجزاء الجسد ما عد الرأس قسمان متساويان و مقتضى ذلك كون نصف كل منهما جزء الايمن و نصف كل منهما جزء الايسر فى مقام الغسل فمقتضى ذلك كفاية غسل نصف طرف الايمن منهما مع الايمن و نصف طرف الايسر منهما مع الايسر على الاقوى و ان كان الاولى و الاحوط غسل تمام كل منهما مع الايمن ثم غسل تمام كل منهما مع الايسر.

الجهة الرابعة: هل يجب الابتداء بالاعلى فى كل عضو
اشارة

بان يبدأ من اعلى الرأس و كذا من اعلى طرف الأيمن و كذا من اعلى طرف الأيسر أو لا يجب ذلك و هكذا يقع الكلام فى انه هل يجب بعد وجوب الابتداء باعلى كل عضو كون الغسل من الاعلى فالاعلى مثل الوضوء أو لا يجب ذلك فالكلام فى الموردين المورد الاول فى وجوب الابتداء بالاعلى فى كل عضو و عدمه.

يستدل على الوجوب

بما رواها زرارة (قال قلت كيف يغتسل الجنب فقال ان لم يكن اصاب كفه شي ء غمسها فى الماء ثم بدء بفرجه فانقاه بثلاث غرف ثم صب على راسه ثلاث اكف ثم صبّ على منكبه الايمن مرّتين و على منكبه الأيسر مرّتين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 209

فما جرى عليه الماء فقد أجزأه) «1» بدعوى دلالتها على كون الابتداء فى الأيمن و الأيسر من المنكب و هو اعلى العضو من كل الطرفين.

و فيه مع قطع النظر عن اضمار الرواية لعدم ذكر زرارة المسئول عنه و ان امكن ان يقال بان مثله لا يروى الا عن المعصوم عليه السّلام.

ان الرواية لا تدلّ على اعتبار الابتداء من اعلى العضو فى الرأس و يشكل الالتزام باعتباره فى الأيمن و الأيسر و عدم اعتباره فى الرأس كما انه لم يقل به احد فعلى هذا نقول يحتمل كون الامر بالصبّ من المنكب من باب كون ذلك المتعارف حين الانصباب و لا يكون امرا مولويا وجوبيا و على فرض كون الامر مولويا فهو محمول على الاستحباب لعدم كون الصب مرّتين واجبا بل الواجب غسل الأيمن و الأيسر و ان حصل بمرة و كذا لا يكتفى بالمرّتين لو لم يحصل الغسل بالمرتين. نعم استحباب المرتين يمكن ان يكون من

باب حصول الغسل بهما غالبا و على كل حال لا يستفاد من الامر الوجوب.

مضافا الى ان المنكب ليس اعلى الجانبين بل بعض الاعلى منهما كما قال فى المستمسك لكن فيه انه و ان كان بعض الاعلى لكن حيث لا ترتيب بينه و بين بعض الآخر لمساواته معه فلا ينافى ذلك اعتبار كون الابتداء بالاعلى.

فالعمدة ما قلنا من انه بعد عدم ايجاب الابتداء بالاعلى بالنسبة الى الرأس فى الرواية و بعد عدم وجوب صبّ الماء مرتين على المنكب فلا يمكن القول بوجوب الابتداء بالاعلى مع كون اعتبار المرّتين و الابتداء من المنكب بامر واحد و هو قوله عليه السّلام (صب على منكبه الايمن مرتين و على منكبه الايسر مرتين الخ) فلا يستفاد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 210

من الرواية وجوب كون الابتداء باعلى كل عضو من الاعضاء الثلاثة الرأس و الايمن و الايسر الواجب غسلها فى الغسل.

و ما رواها زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثم تمضمض و أستنشق ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك الخ) «1».

بدعوى دلالتها على كون الابتداء من اعلى الرأس الى قدمه لان القرن اعلى الرأس و يدّعى دلالتها على وجوب كون الابتداء من الاعلى فالاعلى لقوله عليه السّلام ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك) و هذا يقتضي كون الابتداء من اعلى الرأس ثم الاعلى فالاعلى الى القدم.

و فيه ان ظاهر الرواية وجوب غسل تمام الجسد بحيث لم يبق منه شيئا لا في مقام كون الابتداء

من اعلى الرأس الى اسفل القدم هذا النحو من البيان يكون متعارفا فى العربية و الفارسية مثلا يقال ستر من رأسه الى قدمه او اصابه المطر من راسه الى قدمه و بعد ما عرفت من عدم الدليل على وجوب الابتداء من اعلى العضو نقول بانه.

يستدل على عدم وجوبه ببعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أغتسل أبى من الجنابة فقيل له قد أبقيت لمعة فى ظهرك لم يصبها الماء فقال له ما كان عليك لو سكتّ ثم مسح تلك اللمعة بيده) «2» لدلالتها على مسحه اللمعة الباقية غسلها من ظهره و من المعلوم كون الظهر اى موضع منه اعلى من اسفل القدم و ان كان الواجب

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 211

الابتداء بالاعلى ثم ما يكون اسفل منه كان اللازم ان يغسل ما بقى من الجسد الواقع اسفل من الموضع الّذي لم يغسله أيضا فمن عدم غسله نفهم عدم وجوب كون الابتداء من الاعلى.

و فيه ان الرواية على تقدير دلالتها تدل على عدم وجوب الابتداء بالاعلى فالاعلى.

الرواية الثانية: ما رواها فى الجعفريّات باسناده عن على عليه السّلام (ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اغتسل من جنابة فاذا لمعة من جسده لم يصبها ماء فاخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بلل شعره فمسح ذلك الموضع ثم صلى بالناس) «1» ك. 7- السيد فضل اللّه الراوندى فى نوادره بالاسناد عنه مثله). «2»

لدلالتهما على غسل ما بقى من الجسد فقط

كلما كان و حيث انّه يمكن كون اللمعة التى لم يصبها الماء فى الموضع الاعلى من الجسد تدل الرواية على عدم وجوب الابتداء باعلى العضو و لا تقديم الاعلى النسبي اعنى الاعلى فالاعلى.

و فيه ان فى هذه الرواية نقل على عليه السّلام فعل رسول اللّه عليه و آله و لا يمكن استفادة الاطلاق منه او الغاء الخصوصية فيمكن ان يكون الموضع الباقى من جسده الشريف فى اسفل جسده.

مضافا الى أن الرواية تنسب السهو به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا يمكن القول به حتى قيل فى حق من رضى بنسبة السهو إليه فى الموضوعات بان نسبة السهو إليه اولى من نسبته الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هذا الاشكال وارد بالرواية الاولى أيضا.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الغسل من جامع احاديث الشيعة.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الغسل من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 212

اذا عرفت مما بينا عدم دلالة ما ذكرنا من الاخبار على وجوب الابتداء باعلى كل عضو من الاعضاء الثلاثة الرأس و الأيمن و الأيسر كما عرفت الاشكال فى دلالة ما ذكرنا من الاخبار على عدم الوجوب نقول بانه يكفى فى عدم الوجوب إطلاق بعض الروايات مثل رواية محمد بن مسلم «1» من هذا الحيث و كفى دليلا على المطلب و أن لم أر من يستدل به فى المقام.

ثم بعد ذلك و أن وصلت النوبة بالاصل العملى لانه بعد الشك فى اعتباره و عدمه و عدم وجود الدليل عليه فلا بد من الاخذ بما يقتضيه الاصل العملى و هو كما قلنا فى طى بعض

المباحث السابقة غير مرة.

ان قلنا بكون المورد من الشك فى المحصّل لان الواجب هو الطهارة كما هو ظاهر قول اللّه تعالى و أن كنتم جنبا فاطّهروا و الغسل محصّلها فحيث نعلم بالتكليف و هو الطهارة و اشتغال الذمة بها فيكون المورد مورد الاحتياط لان الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية فالمورد مورد أصالة الاحتياط و الاشتغال.

و ان قلنا بان الواجب على المكلف هو الغسل و ان كان وجوبه لحصول الطهارة كما ينادى به ظاهر الروايات فيكون الواجب نفس الغسل فمع الشك فى جزئية شي ء او شرطيته فى الغسل تجرى اصالة البراءة لكون الشك من صغريات الشك فى الاقل و الاكثر الارتباطين و الحق فيه البراءة كما أمضينا فى الاصول و لا يكون الشك من الشك فى المحصل حتى يكون مجرى اصالة الاحتياط.

و حيث انّه وقع الكلام فى الاصل العملى فى مبحث الجنابة مكررا ينبغى ان نتعرض بنحو الاجمال لما هو الحق فى المقام من انه اذا بلغ الامر فى مسئلة من المسائل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 213

مثلا اعتبار الترتيب بين الرأس و الايمن و الايسر او فى كل عضو من هذه الاعضاء الثلاثة و لم يكن دليل لفظى يقتضي اعتباره او عدم اعتباره و تصل النوبة بالاصل العملى فهل الاصل العملى هو الاحتياط او البراءة.

فنقول بعونه تعالى أنّ من يراجع أخبار الباب اعنى الأخبار المربوطة بغسل الجنابة يرى ان ما تعرض فيه لوجوب غسل الجنابة ظاهرها بل صريح بعضها هو وجوب الغسل و ليس فيها ما يدل على كون الواجب او المستحب بسبب حصول سببى الجنابة و هو انزال المنى و

الجماع هو الطهارة الحاصلة من الغسل و لهذا ترى ان حصول الطهارة فى كلام الفقهاء جعل من لغايات المستحبة لغسل الجنابة.

و ليس فى البين ما يمكن ان يصير سببا لتوهم كون الواجب هو الطهارة و الغسل يكون محصّل هذا الواجب.

الا قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا المتقدم ذكر تمام الآية فى بعض المباحث المتقدمة بدعوى ان الامر بالتطهّر فالواجب هو التطهّر و بعبادة اخرى الطهارة و ان الشرط فى الصلاة و غيرها هو الطهارة كما ينادى بذلك قول ابي جعفر عليه السّلام فيما رواه زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال اذا ادخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا صلاة الا بطهور) «1»، و غير ذلك، فيدّعى ان ظاهرا الخبر كون الشرط هو الطهور و بعد كون الشرط و الواجب الطهارة فيكون الشك فى كل مورد شك فى دخل شي ء فى الغسل و عدمه من الشك فى المحصل.

اقول كما يظهر من كلام بعض ما رايته من المفسرين يكون قوله تعالى (فاطّهروا) الامر بالتطهر و لم يبيّن فى الآية الشريفة ما هو الطهور و الطهارة التى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 214

يجب تحصيله فقد بين فى الروايات الصادرة عن المعصومين عليهم الصلاة و السلام ان المراد هو الغسل فيما كان الشخص جنبا كما ترى فى لسان الروايات من جعل الوضوء او الغسل او الماء و التراب مصداق الطهور لا محصل الطهور او الطهارة فعلى هذا ليس الواجب الا الوضوء و الغسل لا ما يحصل منهما و هو الطهارة و من هنا يظهر ما هو المراد من الطهور فى رواية زرارة

المتقدمة و غيرها و ان المراد هو الوضوء او الغسل او التيمم على القول بكونه مطهّرا لا مبيحا.

فتحصّل انه في مورد الشك فى دخل شي ء فى الغسل شطرا و شرطا يكون المرجع هو اصالة البراءة.

المورد الثانى: فى انه على القول بوجوب الابتداء فى كل عضو من الاعضاء الثلاثة الرأس و الأيمن و الأيسر هل يجب الابتداء بالاعلى فالاعلى فى كل عضو كما يقال فى الوضوء أو لا يجب ذلك.

اقول لم أر فى النصوص نصّا يدل على اعتبار ذلك نعم كما اشرنا فى طى رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة فى المورد الاول يمكن ان يقال بدلالة هذه الرواية على عدم وجوب كون الغسل بالاعلى فالاعلى و بعد عدم الدليل على وجوب اعتباره يكفى فى عدم اعتباره اطلاق بعض الاخبار الواردة فى المقام كما بينا فى المورد الاول فتلخص عدم وجوب الترتيب فى كل عضو من الاعضاء الثلاثة بالابتداء باعلى العضو و لا بالاعلى فالاعلى.

الجهة الخامسة: و لا يجب الموالاة العرفية

بمعنى التتابع و لا بمعنى عدم الجفاف فلو غسل راسه و رقبته فى اوّل النهار و الايمن فى وسطه و الايسر فى آخر صح و يدل عليه بعض النصوص.

الاولى: رواية محمد بن مسلم المتقدمة ذكرها فى قصة أم اسماعيل و كذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 215

رواية هشام فى القصة المذكورة سواء كانتا روايتين او رواية واحدة مضى الكلام فيه فى الجهة الاولى و معارضتهما و دفع المعارضة فقال فى الاولى منهما (فقلت اغسلى راسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فاذا اردت الاحرام فاغسلى جسدك و لا تغسلى راسك الخ «1».

و قال فى الثانية (فأمرها فغسلت جسدها و تركت راسها و قال لها اذا

اردت ان تركبى فاغسلى راسك الخ) «2».

الثانية: ما رواها ابراهيم بن عمر اليمانى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال ان عليّا عليه السّلام لم ير بأسا ان يغسل الجنب رأسه غدوّة و يغسل ساير جسده عند الصلاة) «3».

الثالثة: ما روى السيد محمد بن ابى الحسن الموسوى العاملى في كتاب (المدارك) نقلا من كتاب عرض المجالس للصدوق بن بابويه عن الصادق عليه السّلام (قال لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك و فرجك و راسك و تؤخّر غسل جسدك الى وقت الصلاة ثم تغسل جسدك اذا اردت ذلك فان احدثت حدثا من بول او غائط او ريح او منى بعد ما غسلت راسك من قبل ان تغسل جسدك فاعد الغسل من اوله) «4».

قال صاحب الوسائل و رواه الشهيدان او غيرهما من الاصحاب.

الرابعة: ما رواها حريز فى الوضوء يجفّ (قال قلت فان جفّ الاول قبل ان اغسل الّذي يليه قال جفّ او لم يجفّ اغسل ما بقى قلت و كذلك غسل الجنابة قال

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 28 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 29 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 216

هو بتلك المنزلة و ابدأ بالرأس ثم افض على سائر جسدك قلت و ان كان بعض يوم قال نعم) «1» قال فى صاحب الوسائل و رواه الصدوق فى مدينة العلم مسندا عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام كما ذكره الشهيد فى الذكرى).

فلا اشكال من حيث الحكم و ان كان بعض هذه الروايات ضعيفة

السند.

الجهة السادسة: و كذا لا يجب الموالات فى اجزاء عضو واحد

يستدل عليه بإطلاق الاخبار المذكورة فى الجهة الخامسة.

و فيه انه لا اطلاق لغير الرابعة فى الروايات من هذا الحيث لان موردها هو عدم الموالات بين كل عضو من الاعضاء الثلاثة الرأس و الايمن و الايسر، فلا يتعدى بالنسبة الى كل عضو منها الا بدعوى الغاء الخصوصية و هو مشكل، و اما الرابعة فهى ضعيفة السند لعدم ذكر المسئول عنه بل الرواية تكون عن حريز.

و اما ما حكى فى الوسائل عن ذكرى الشهيد عن مدينة العلم فان رأينا سندها و الوثوق به تكون حجة، و الا فلا مع عدم معلومية اطلاق لها من هذا الحيث لقرب كون الفصل بعض يوم بين الرأس و سائر الجسد لا فى عضو واحد و يستدل برواية عبد اللّه بن سنان «2» و الجعفريات «3» المتقدمة ذكرهما فى الجهة الرابعة لدلالتهما على بقاء لمعة من الجسد بعد الفراغ عن الغسل فغسل هذا اللمعة بعد الغسل و من المعلوم عدم بقاء الموالاة بين غسل ساير الاعضاء و بين اللمعة الباقية.

و فيه ان المذكور فى الروايتين ليس الا نقل فعل المعصوم عليه السّلام فلا يمكن له اخذ

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 29 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الغسل من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2 ص 416.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 217

الاطلاق من حيث بقاء الموالاة و عدمه كما لا يمكن استفادة الاطلاق من ساير الجهات.

و يمكن ان يستدل بما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (فى حديث قال قلت له رجل ترك بعض ذراعه او بعض جسده من

غسل الجنابة فقال اذا شك و كانت به بلة و هو فى صلاته مسح بها عليه و ان كان أستيقن رجع فاعاد عليهما ما لم يصب بلة فان دخله الشك و قد دخل فى صلاته فليمض فى صلاته و لا شي ء عليه و ان أستيقن رجع فاعاد عليه الماء و ان رآه و به بلة مسح عليه و اعاد الصلاة باستيقان و ان كان شاكا فليس عليه فى شكه شي ء فليمض فى صلاته) «1».

و هذه الرواية و ان كانت مضطربة المتن لكن يستفاد منه عدم وجوب الموالاة فى الغسل حتى بالنسبة الى بعض العضو من الاعضاء الثلاثة الرأس و اليمين و اليسار لانه مع الاخلال بالموالاة امر باعادة غسل ما ترك غسله من بعض الذراع او بعض الجسد فتصير الرواية دليلا على الحكم.

و مع قطع النظر عن هذه الرواية يكفى فيعدم وجوبه اطلاق بعض الاخبار الواردة فى المقام فلا يجب الموالاة بكلا معنييه بين الاعضاء الثلاثة و لا بين العضو الواحد منها.

الجهة السابعة: و لو تذكر بعد الغسل ترك جزء من أحد الاعضاء رجع

و غسل ذلك الجزء فان كان الأيسر كفاه ذلك و ان كان فى الرأس او الايمن وجب غسل الباقى على الترتيب.

اما وجوب الرجوع و غسل ما تركه نسيانا فلوجوب غسله و كونه الجزء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 218

الواقعى لا الذكرى فمع النسيان لا ترتفع جزئيته مضافا الى دلالة رواية زرارة المتقدمة فى الجهة السادسة عليه.

و اما وجوب رعاية الترتيب مثلا ان كان المتروك من الرأس او الايمن وجب غسله و غسل الباقى على الترتيب فلوجوب الترتيب بين الاعضاء الثلاثة و كون شرطية الترتيب شرطية واقعية.

الجهة الثامنة: و لو اشتبه ذلك الجزء المتروك نسيانا

وجب غسل تمام المحتملات مع مراعاة الترتيب للعلم الاجمالى بوجوب غسل المتروك المحتمل بين المحتملات فيجب غسل جميع المحتملات مع رعاية الترتيب.

مثلا لو علم اجمالا بانه اما ترك جزء من الرأس او من الايمن او من الاسر يجب غسل كلها بتقديم الرأس ثم الايمن ثم الايسر.

هذا تمام الكلام فى الكيفية الاولى فى الغسل و هى الترتيبى.

***

الكيفيّة الثانية فى غسل الجنابة الارتماسى
اشارة

(1)

و الكلام فى الغسل الارتماسى يقع فى جهات يأتى الكلام فيها ان شاء اللّه:

الجهة الاولى: [الجمع بين الطائفة الدالة على الترتيبى و الطائفة الدالة على الارتماسى]

كما عرفت فى طى البحث عن الكيفية الاولى فى غسل الجنابة و هى الترتيبى دلت روايات على الامر بهذه الكيفيّة و الاكتفاء بها فى مقام الغسل كما تدلّ روايات على اجزاء الغسل بنحو الارتماس فيقع الكلام فى كيفية الجمع بين الطائفتين من الاخبار اعنى الطائفة الدالة على الترتيبى و الطائفة الدالة على الارتماسى من باب توهم تعارضهما فلا بد من التوفيق بينهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 219

فنقول بان الحق حكومة ما دل على اجزاء الارتماس فى الغسل من الاخبار على ما فيه الامر بالغسل ترتيبا لان مقتضى الاخبار الدالّة على الترتيب ليس الّا الأمر بغسل الرأس و الأيمن و الأيسر فى مقام الغسل بان يصبّ الماء على الرأس ثم على الأيمن ثم على الأيسر على القول بوجوب الترتيب بين الاعضاء الثلاثة على ما مرّ الكلام فيه) و بعد دلالة عدة من الاخبار على اجزاء الارتماس فى الماء اعنى ارتماس البدن فى الماء كما نذكر الاخبار إن شاء اللّه فى الجهة الثانية فلو عرضنا الطائفتين من الاخبار على العرف يرى حكومة الطائفة الثانية الدالة على اجزاء الغسل بنحو الارتماس على الطائفة الاولى الدالة على وجوب الغسل على الترتيب المعهود و كون الثانية شارحة للاولى فلا تعارض بينها.

الجهة الثانية: فى ما هو المراد من الارتماس

نذكر الأخبار المربوطة فى المقام ثم نذكر الاحتمالات ثم ما ينبغى ان يقال إن شاء اللّه.

الرواية الاولى: ما رواها زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثم تمضمض و أستنشق ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك ليس قبله و لا بعده وضوء و كلّ شي ء أمسسته

الماء فقد أنقيته و لو أنّ رجلا جنبا ارتمس فى الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يد لك) «1».

الرواية الثانية: ما رواها الحلبى (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول اذا ارتمس الجنب فى الماء ارتماسة واحده أجزأه ذلك من غسله) «2».

الرواية الثالثة: ما رواها السكونى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال قلت له الرجل

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 220

يجنب فيرتمس فى الماء ارتماسة واحدة و يخرج يجزيه ذلك من غسله قال نعم) «3».

الرواية الرابعة: مضمرة عبيد اللّه بن على الحلبى (قال حدّثني من سمعه يقول اذا اغتمس الجنب فى الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله) «4».

و حيث ان المذكور فى الاخبار المذكورة هو اجزاء ارتماسة واحدة وقع الكلام فيما هو المراد منها و قد ذكر احتمالات فى كلامهم مثل صاحب الجواهر و غيره الاحتمال الاول و هو المنسوب الى المشهور هو ان يرتمس فى الماء دفعة عرفية من دون تراخ و فصل بين اعضاء الجسد بل يوقع ارتماس اعضاء الجسد متواليا حتى يحصل بها الوحدة الاتصالية المساوغة للوحدة الشخصية فتحصل به ارتماسة واحدة و ذلك يحصل بارتماس كل عضو من اعضاء البدن بارتماس ما يليه الى ان ينتهى الى آخر الاعضاء فينتهى الارتماس بتغطية جميع البدن فى الماء من ناحية اتصال بعضه ببعض و عدم حصول الفصل بين غمس الاعضاء و يعدّ غمسا واحدا من الارتماس فحدوث الارتماس يكون تدريجيا بمقتضى العادة نعم بقائه مرتمسا فى الماء بعد الحدوث و تحقق ارتماس تمام البدن

فى الماء يكون فى زمان واحد بمعنى انه ارتماس جميع البدن بعد وقوع تمام البدن مرتمسا فى الماء، يحصل فى زمان واحد لكن الغسل شروعه يكون من اوّل رمس جزء البدن الى تمام الرمس و لهذا يجب ان يكون مع النية من اوّل الرمس الى آخره فتحصل الدفعة العرفية من الارتماس بهذا النحو و أن كان تدريجى الحصول و مبنى اعتبار ذلك النحو من الارتماس هو زعم أن المراد من (ارتماسة واحدة) يكون ارتماسة دفعية فبما ذكر يحصل الارتماس الدفعى عرفا لعدم امكان الارتماس الدفعى الحقيقى.

______________________________

(3) الرواية 13 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 15 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 221

الاحتمال الثانى: توالى غمس البدن فى الماء مع عدم اعتبار الواحدة العرفية فيحصل بما اذا اوقع عضوا من اعضاء بدنه مثلا رجله فى الماء ثم صبر مدة فيوقع عضوا آخر يلى ذلك العضو فى الماء الى آخر الاعضاء فيكون ارتماسا تدريجيا و يكون هذه الغمسات من اولها الى آخرها ارتماسا.

و فرقه مع الاحتمال الاول تحقق الوحدة العرفية الحاصلة من الوحدة الاتصاليّة المساوغة للوحدة الشخصية فيه و عدم تحقق الوحدة العرفية فى الاحتمال الثانى.

و متحد مع الأول من حيث كون شروع الغسل من اوّل حصول ارتماس الجزء الاول و آخره بحصول تمام اجزاء البدن مرتمسا فى الماء و لزوم كونه مع النية من اوّل الارتماس الى حصول ارتماس تمام البدن.

الاحتمال الثالث: هو ان المراد من الارتماس استيلاء الماء على جميع البدن و تغطية البدن بالماء فى آن واحد حقيقة ففى حال استيلاء الماء على جميع البدن فى هذا الآن يتحقق الارتماس و

لهذا يجب كون الشخص قاصدا للغسل و ناويا فى هذه الآن و قد ذكر بعض الاحتمالات الآخر فى المقام لا حاجة لنا فى ذكره.

و العمدة هو البحث فى أنّ مفاد الاخبار المذكورة ينطبق مع اىّ من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة.

فنقول بعونه تعالى أن الوجه فى الذهاب الى الاحتمال الاول هو ان الارتماس عبارة عن الاغتماس فارتماس البدن فى الماء اغتماس تمام اجزاء البدن فيه و حيث ان المعتبر على ما يستفاد من روايات الباب هو الارتماس المقيّد بالوحدة فمعناه كون الارتماس ارتماسا واحدا بمعنى ارتماس جميع البدن تحت الماء ارتماسا واحدا و المراد بالوحدة العرفية فلا بد من صدق الارتماس الواحد عرفا بالنسبة الى جميع اجزاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 222

البدن و هو يحصل بما قلنا و هو كون الارتماس بالجزء الثانى من البدن متواليا.

بالجزء الاول منه الى ان يحصل ارتماس جميع اجزاء البدن بدون تراخ و فصل بينها حتى يحصل بذلك الوحدة الاتصالية المساوقة للوحدة الشخصية الصادقة عند العرف انه ارتماس واحد هذا حاصل ما يقال وجها للاحتمال الاول.

اقول ما يأتى بالنظر كما اختاره بعض الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم هو ملاحظة اخبار الباب و قد عرفت أنّ مدلول الاخبار أجزاء (ارتماسة واحدة).

اما الارتماس فهو كما عرفت عبارة عن غمس الشى فى الشي ء فمعنى ارتماس الشي ء فى الماء غمس الشى فى الماء.

و اما قيد الوحدة فالظاهر كونها فى مقابل المتعدد بمعنى ان الغسل فى الترتيبى حيث يكون متعددا مرّة غسل الرأس و اخرى غسل الأيمن و ثالثة غسل الايسر ففى قبال الغسل الترتيبى المأخوذ فيه تعدد الغسلات يكون المأخوذ فى الغسل الارتماسى الواحدة يعنى غسل تمام الجسد بغسل واحد لا

بأغسال متعددة فالمراد من الوحدة فى قابل المتعدد و لا يكون المراد من الوحدة الدفعة كما توهم من ذهب الى الاحتمال الاول فان كان المذكور فى لسان الروايات (ارتماسة دفعة) كان للذهاب الى الاحتمال الاول أو إلى الاحتمال الثالث وجه لكن المذكور هو (الوحدة) و الوحدة مقابل المتعدد يعنى كما ان الغسل يصح بصب الماء مرة على الرأس و مرّة اخرى على الايمن و مرّة ثالثه على الأيسر يحصل بارتماس جميع البدن فى الماء مره واحدة.

فعلى هذا كما تحصل ارتماسة واحدة بالمذكور فى الاحتمال الاول تحصل بالنحو المذكور فى الاحتمال الثانى بل تحصل لو تحقق الارتماس بالنحو المذكور فى الاحتمال الثالث فيما احدث الانغماس و استيلاء الماء على بدنه بقصد الغسل لحصول ارتماسة واحدة بهذا النحو بل تحصل بمجرد الارتماس و استيلاء الماء على البدن و لو كان بقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 223

ان قلنا بعدم وجوب احداث الارتماس و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه فلا وجه لاختصاص اجزاء الغسل الارتماس بصورة وقوعه بالنحو المذكور فى الاحتمال الدول الّا أن يدّعى كون الشهرة على طبقه و لكن لا يعتنى بها لأن الظاهر أنّهم فهموا من الروايات الاحتمال الاول و فهمهم رضوان اللّه تعالى عليهم ليس حجة لنا و أن كان الأحوط رعاية ما ذهب إليه المشهور.

الجهة الثالثة: بعد ما عرفت من أنّ مفاد اخبار الباب ليس الا حصول ارتماسة واحدة

فى مقام الاجزاء بالغسل بنحو الارتماس و هى كون غسل جميع اجزاء البدن بغمس و غسل واحد فى مقابل الغسل المتعدد المعتبر فى الغسل بنحو الترتيب.

يقع الكلام فى أنه لو خرج بعض بدنه قبل ان يغمس البعض الآخر هل يكتفى به مطلقا كما اذا خرجت رجله او دخلت فى الطين قبل ان يدخل

رأسه فى الماء او بالعكس بان خرج راسه من الماء قبل ان تدخل رجله أو لا يكتفى بذلك مطلقا سواء كان بخروج رجله من الماء او بدخول رجله فى الطين او التفصيل بين ما اذا خرج رجله من الماء فلا يكتفى به فى مقام الغسل و بين ما دخل رجله فى الطين فيكتفى به وجه الاكتفاء مطلقا هو أنّه بعد ما عرفت من أنه لا يجب كون الارتماس بجميع البدن دفعة لعدم كون المراد من ارتماس واحد هو الدفعة بل المراد من الوحدة هو المرّة بمعنى كون ارتماس جميع البدن واحد لا بارتماسات متعددة و غسلات متعددة كما فى الغسل الترتيبى فعلى هذا فى المورد بعد كون الارتماس واحدا فيجزى فى الارتماس و ان خرج الجزء المرتمس أولا من البدن خارجا عن الماء عند ارتماس الجزء الآخر او دخل فى الطين عند ارتماس الجزء الاخر من البدن لان ذلك لا يخرج الارتماس عن كونه ارتماسا واحدا لانه مع ذلك ارتمس اعضاء البدن فى الماء بارتماس واحد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 224

لا المتعدد.

وجه عدم الاكتفاء مطلقا هو ان الواجب الارتماس الدفعى كما ذهب إليه المشهور هو لا يحصل الا بكون جميع اجزاء البدن تحت الماء دفعة و ان حصل هذا الارتماس تدريجا كما بيّنا فى الاحتمال الاول من الاحتمالات فى المراد من الارتماس فى الجهة الثانية.

وجه التفصيل هو أنه فى صورة خروج بعض البدن عن الماء قبل ان ينغمس البعض الآخر من البدن فى الماء لم يحصل ارتماس جميع البدن دفعة فى الماء كما عرفت فى مقام ذكر وجه عدم الاكتفاء مطلقا أما فى صورة دخول بعض البدن فى الطين قبل

انغماس بعض الآخر منه فى الماء بصدق ارتماس جميع البدن و لكن لا بصدق استيلاء الماء على جميع البدن فعلى هذا يكتفى به.

اقول اما ما ذكر وجها لعدم الاكتفاء فقد عرفت عدم صحة المبنى فى الجهة الثانية و أما وجه التفصيل فبعد فرض دخول بعض البدن فى الطين قبل ارتماس البعض الآخر لا يصدق ارتماس جميع البدن دفعة عرفا لكون بعض البدن على الفرض داخلا فى الطين.

و بعد عدم تماميه وجه عدم الاجزاء مطلقا و وجه التفصيل نقول بانه على ما اخترنا فى المراد من (ارتماسة واحدة) المذكور فى الروايات المتعلقة بالمقام ما نحتاج إليه فى حصول الاجزاء بالغسل الارتماسى هو كون ارتماس جميع اجزاء البدن ارتماسا واحدا فى مقابل المتعدد و بعد كون الارتماس الواحد حاصلا بشروع الارتماس بقصد الغسل بارتماس جزء من البدن ثم ما يليه حتى ينغمس جميع اجزاء البدن بهذا الارتماس الّذي شرع فيه باول جزء من البدن و تماميته بآخر جزء من البدن و يعدّ باعتبار اتصال بعضه ببعض فعل واحد و ارتماس واحد لا المتعدد و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 225

باعتبار تعلق النية بارتماس البدن بهذه الكيفية بقصد الغسل يعدّ غسلا ارتماسيا.

فبعد ذلك نقول اذا خرج بعض البدن عن الماء قبل انغماس بعض الآخر من البدن او دخله فى الطين قبل انغماس البعض الآخر فى الماء حيث يكون عدّ هذا الارتماس ارتماسا واحدا لجميع البدن و مع فرض كون شروع ارتماس البدن بجزء و اختتامه بجزء آخر من باب اتصال غمس اجزاء البدن بعضه ببعض و عدم فصل شي ء بينها و عدم اعتبار أزيد من ذلك فى حصول ارتماس جميع البدن بارتماس واحد لا

المتعدد فمع خروج جزء من البدن بعد ارتماسه فى الماء او دخوله فى الطين بعد ارتماسه قبل ارتماس ساير اجزاء البدن لا يضرّ بالوحدة الارتماس اذا ارتمس كل الاعضاء بهذا الارتماس الّذي شرع فيه و ان خرج بعض الاجزاء قبل تحقق ارتماس ساير الاعضاء لان هذا لا يضر بكون ارتماس جميع البدن بارتماس واحد فى مقابل الارتماسات المتعددة فعلى هذا الاقوى بالنظر الاكتفاء و اجزاء الغسل الارتماسى بهذا النحو و ان كان الاحوط فى مقام العمل ابقاء اجزاء المرتمسة من البدن فى الماء الى ان يرتمس كل اجزاء فى الماء فينغمس فى الماء كل اجزاء البدن فى حال واحد.

الجهة الرابعة: و هل يلزم فى الغسل الارتماسى ان يكون تمام بدنه خارج الماء

او يكفى كون معظم بدنه خارجا عن الماء.

او يكفى خروج بعض بدنه من الماء مثلا رأسه و ان لم يكن بدنه خارجا عن الماء او يكفى و ان كان تمام بدنه تحت الماء فنوى الغسل و حرّك بدنه تحت الماء بنية الغسل او يكفى بقائه تحت الماء بنية الغسل و لو لم يحرّك بدنه اصلا احتمالات:

وجه الاحتمال الاول و هو لزوم خروج جميع البدن من الماء فيرتمس فى الماء بقصد الغسل بعد خروج جميع اجزاء البدن هو ان ظاهر الاخبار اجزاء الارتماس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 226

بقصد الغسل و هو ظاهر فى أحداث الارتماس و احداث ارتماس جميع البدن لا يحصل الا بعد ان يكون جميع البدن خارجا عن الماء حتى يحصل الارتماس.

وجه كفاية خروج معظم البدن و هو الاحتمال الثانى هو ان ارتماس البدن يصدق عرفا على من يكون معظم بدنه خارج الماء فيرتمس فى الماء بتمام بدنه كما يصدق على من يكون تمام بدنه خارج الماء فيرتمس فيه.

وجه كفاية

خروج جزء البدن و هو الاحتمال الثالث ما ذكر فى الاحتمال الثانى و هو صدق العرفى فى الارتماس على من يكون بعض بدنه و لو لم يكن معظمه خارج الماء فيرتمس فى الماء بجميع بدنه.

وجه كفاية تحريك البدن بعد الانغماس فى الماء مع النية و عدم لزوم احداث الارتماس لا بخروج تمام البدن و لا بخروج بعضه مطلقا سواء كان معظم بدنه او لا هو ان الارتماس عبارة عن انغماس جميع البدن فى الماء فمع حصوله و لو بقاء يكفى فيحصل بالتحريك تحت الماء الارتماس المطلوب فى الغسل و هذا لمن ارتمس فى الماء بلا قصد الغسل و الا لو ارتمس فى الماء فى آن ارتماس جميع جزاء البدن بقصد الغسل كفى و لا حاجة الى تحريك البدن لصدق الارتماس.

وجه كفاية ارتماس البدن و لو بوجوده البقائى تحت الماء فى الغسل الارتماسى و لو لم يحرّك بدنه تحت الماء و هو الاحتمال الخامس هو أيضا دعوى صدق العرفى فى حصول الارتماس على الارتماس بوجوده بقاء.

اقول تارة نقول بان الواجب فى صدق الارتماس هو احداث الارتماس لان مفاد الاخبار هو ان يرتمس ارتماسة واحدة و هو إيجاد الارتماس و أحداثه مثلا اذا قال قم معنى ذلك ايجاد القيام كذلك فى الارتماس فعلى هذا لا اشكال فى عدم امكان الذهاب الى القول الرابع و الخامس الّذي لازمهما عدم احداث الارتماس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 227

و اما بالنسبة الى الاحتمال الاول و الثانى و الثالث فيدور القول مدار أنه هل يعتبر عرفا فى صدق احداث ارتماس جميع البدن خروج تمام البدن او يكفى خروج معظمه او يكفى خروج بعضه و ان لم يكن معظمه

فعلى الاول نقول بالاحتمال الاول و على الثانى باحتمال الثانى و على الثالث بالاحتمال الثالث.

و تارة نقول بانه ليس المعتبر عند العرف فى صدق الارتماس الا تغطية جميع البدن فى الماء و لا يعتبر احداث التغطية عند العرف و الشارع لم يبيّن موضوع حكمه فالمرجع هو العرف بالإطلاق المقامى.

فان قلنا بذلك فيجزى الغسل الارتماسى اذا نوى الغسل فى آن ارتماس جميع بدنه فى الماء و لو لم يقصده حال الشروع فى الارتماس.

و اما بعد تحقق ارتماس جميع البدن هل يجزى الغسل بتحريك تمام البدن تحت الماء بقصد الغسل او و لو بلا تحريك البدن بل بمجرد ابقاء بدنه فى الماء بقصد الغسل او لا يجزى أما فيما تحرك بدنه بقصد الغسل بعد تحقق الارتماس فمبنى على كفاية الوجود البقائى فى صدق الارتماس عرفا مع فرض حصول جريان الماء على المحل بالتحريك أن قلت ان معنى الجريان اجراء الماء على المحل لان اجراء الماء عبارة عن انتقال الماء من محل الى محل و فى ما نحن فيه لا يتحقق ذلك.

قلت أنّ في موردنا يجرى الماء على المحل و ينتقل الماء عن محل الى محل آخر غاية الأمر هذا الجريان قد يتحقق بسكون المحل و اجراء الماء عليه و قد يتحقق بتحريك المحل و يجرى الماء عليه و كلاهما فى صدق الجريان.

و اما مع عدم تحرك البدن بعد الارتماس فى الماء و قصد الغسل بمجرد البقاء فى الماء مرتمسا مع كون البقاء بقصد الغسل فاجزاء هذا الغسل مبنى على عدم اعتبار جريان الماء على البدن فى الغسل بكلا معنييه الّذي ذكرناهما فى مبنى كفاية الغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 228

بالارتماس بقاء مع

حركة البدن فى الماء بقصد الغسل حال كونه مرتمسا فى الماء بل يكفى مجرد وصول الماء بالبدن و ان لم يكن جاريا على البدن.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى اما بناء على ما اخترنا فى المراد من (الواحدة) فى قول المعصوم عليه السّلام (ارتماسة واحدة) فى الجهة الثانية من ان المراد الوحدة فى مقابل المتعدد لا الدفعة ففيما أحدث الارتماس سواء كان قصد الغسل بعد خروج جميع بدنه او بعد خروج معظم بدنه او بعد خروج بعض بدنه و ان لم يكن معظمه او حين ارتماس بدنه و آن وقوع جميع بدنه فى الماء بان بقصد الغسل فى هذا الآن اعنى حال حصول ارتماس جميع البدن فى الماء يجزى الغسل لحصول الوحدة المعتبرة فى كل هذه الفروض و كون الارتماس باحداثه فى الماء لا بابقائه فى الماء لو فرض كون المعتبر احداث الارتماس.

و اما فيما قصد الغسل بعد حصول ارتماس بدنه فى الماء بإبقائه بقصد الارتماس و قلنا بكون المراد من الوحدة هو الوحدة فى قبال المتعدد لا الدفعة فوجه عدم الاجزاء ليس الا دعوى كون ظاهر الاخبار المتقدمة الواردة فى غسل الارتماسى هو احداث الارتماس و لا يصدق ببقائه فى الماء مرتمسا و ان حرّك بدنه فى الماء بقصد الغسل بانه ارتمس فى الماء يعنى احدث الارتماس للغسل.

و يمكن ان يقال جوابا عن ذلك بأن فى الغسل الارتماسى على ما يستفاد ليس الا وقوع الارتماس بقصد الغسل و كون الارتماس بجميع البدن بارتماسة واحدة فى قبال الارتماسات المتعددة كما اخترنا ذلك و مع البقاء مرتمسا فى الماء بقصد الغسل يصدق أنه ارتمس ارتماسة واحدة فيجزى عن الغسل و لا يبعد ذلك و ان كان

الأحوط اعتبار احداث الارتماس بقصد الغسل.

و على فرض كفاية الارتماس بوجوده البقائى هل يجب تحريك البدن فى الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 229

حين يقصد الغسل أو لا.

وجه الاعتبار هو اعتبار جريان الماء على البدن كما يستفاد من بعض اخبار الباب مثل رواية محمد بن مسلم «1» و زرارة «2».

و فيه أولا ان ما دل من الروايات على ان ما جرى عليه الماء فقد طهر واردة فى الغسل الترتيبى فلا يكون مربوطا بالغسل الارتماسى الّذي لا يعتبر فيه ألّا الارتماس فى الماء.

و ثانيا ما ذكر فى بعض الروايات لا يدلّ الا على ان ما جرى عليه الماء فقد طهر و لا يدلّ على انه مع عدم الجريان لا يطهر لعدم مفهوم له فيكفى مجرد مسّ الماء حتى الترتيبى كما فى رواية «3» اخرى من زرارة (و كل شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته) المذكور فى ذيلها اجزاء الغسل بنحو الارتماس فيكفى فى عدم وجوب تحريك البدن اطلاق الاخبار المتقدمة الواردة فى الغسل الارتماسى لانّ مفادها اجزاء ارتماسة واحدة سواء تحرّك بدنه فى الماء أو لا هذا كله بناء على كون المراد من الواحدة فى قوله عليه السّلام (ارتماسة واحدة) هو ما اخترنا من كونها الوحدة فى مقابل المتعدد لا الدفعة.

و اما ان كان المراد من الواحدة الدفعة فيكون المراد ارتماسة دفعية فأيضا تكون النتيجة ما قلنا على القول بكون المراد من الواحدة الواحدة فى مقابل المتعددة من اختلاف الحكم من حيث القول بوجوب احداث الارتماس و عدمه و كذا من حيث القول بكفاية الارتماس البقائى و عدمه و كذا من حيث لزوم حركة البدن فى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من

ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 230

الماء حين يقصد الغسل ببقائه مرتمسا فى الماء و عدمه.

الجهة الخامسة: لو تبيّن بعد الغسل الارتماسى عدم انغسال جزء من بدنه

فهل تجب اعادة الغسل مطلقا او تجب اعادة المتروك فقط او لا تجب اعاده الغسل مطلقا او يفصّل بين طول الزمان و قصره ففى الاول يجب اعادته و فى الثانى لا تجب اعادته او يفصّل بين ما اذا كان الجزء المتروك غسله فى الجانب الايسر فلا يجب الا غسل المتروك غسله و بين ما اذا كان فى الرأس او الجانب الايمن فيجب غسل الجزء المتروك غسله و غسل ما بعده من الاعضاء فان كان فى الرأس يغسله و يغسل الأيمن و الايسر و ان كان المتروك غسله جزء للايمن يغسل المتروك ثم يغسل الايسر.

وجه الاحتمال الاول هو ان الغسل الارتماسى يتحقق بارتماس جميع البدن بارتماسة واحدة بمقتضى النصوص الدالة عليه و مع فرض بقاء جزء من بدنه لم يتحقق غسل جميع البدن بارتماسته واحدة فلا يكفى غسل الجزء المتروك لانه بغسله لا يتحقق ارتماسته واحدة سواء كان المراد من الواحدة الدفعة او الواحدة فى مقابل المتعددة بلا فرق بين طول الزمان و قصره و لا بين كون المتروك فى الأيسر او فى الرأس او الأيمن.

وجه الاحتمال الثانى هو عدّ المغسول من البدن غسل جميع البدن و ان بقى جزء منه لتسامح العرف فى ذلك و لدلالة رواية زرارة و فيها قال عليه السّلام (و كلّ شي ء أمسسته فقد أنقيته) تدل على حصول الغسل بالنسبة الى ما غسل من البدن فلا يجب ألا غسل

المتروك.

و فيه أولا عدم تسامح العرف مطلقا مثل ما اذا كان قطعة من البدن مثلا بعض رجله و لا يقول غسل جميع البدن مع عدم غسل هذه القطعة من البدن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 231

و ثانيا لا أثر لتسامح العرف لأنّه لا عبرة بمسامحات العرف فى تطبيق المفهوم على المصداق بعد تبيّن المفهوم و عدم كون المصداق مصداقا للمفهوم الّذي ثبت له الحكم و من الواضع ان الواجب غسل جميع البدن و ان بقى منه نقطة لم يتحقق الواجب.

و ثالثا لازم هذا الاحتمال عدم وجوب غسل الجزء الباقى أيضا لانه مع صدق غسل جميع البدن عرفا.

و اما رواية زرارة فمع كون موردها الغسل الترتيبى و عدم ارتباطها بالغسل الارتماسى لا يكون مفادها الا ان كل شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته لا ما لا يمسه فليس مفادها وجوب غسل الجزء المتروك و الحال أن مقتضى هذا الاحتمال عدم وجوب غسل الجزء المتروك اصلا ان كان دليله مسامحه العرف كما عرفت.

وجه التفصيل بين طول الزمان و قصره فما يحتمل كونه و جهاله هو ان قصر الزمان لا يضر بالوحدة المعتبرة لو غسل الجزء المتروك بخلاف صورة طول الزمان حيث يكون الفصل بين غسل ساير البدن و الجزء المتروك طويلا.

و فيه ان المعتبر تحقق الارتماس الواحد بالنسبة الى جميع البدن فالفصل و ان كان قصيرا يضرّ بهذه الوحدة المعتبرة.

وجه التفصيل بين كون الجزء المتروك فى الجزء الأخير اعنى فى جانب الايسر فيكفى غسل المتروك فقط و بين ما يكون المتروك من الرأس او من جانب الايمن فيجب غسله و غسل ما يليه هو دعوى كون الغسل الارتماسى هو الغسل الترتيبى حكما فكما انه لو

ترك جزء من الايسر فى الترتيبى يجب غسل هذا الجزء فقط و ان كان فى الرأس او جانب الايمن يجب غسل الجزء المتروك و ما يليه فكهذا فى الغسل الارتماسى لكونه بحكم الغسل الترتيبى فالغسل الارتماسى غسل ترتيبى حكما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 232

و فيه انه لم أجدد ليلا على كون الغسل الارتماسى هو الغسل الترتيبى حكما فالاقوى هو الاحتمال الاول من بين الاحتمالات المذكورة.

الجهة السادسة: و يجب تخليل الشعر اذا شك فى وصول الماء الى البشرة

التى تحته لانه بعد كون الواجب غسل البشرة فمع الشك فى وصول الماء بها بلا تخليل الشعر يجب تخليله لان الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية و لا تحصل البراءة اليقينية الا بالتخليل لكن ينبغى التكلم فى ان التخليل يكون من مقدمات الغسل فلا بد ان يقع قبل الارتماس او يكفى وقوعه حال الارتماس و لا يبعد كفاية وقوعه حال الغسل لانّه لا ينافى مع حصول الارتماس بارتماسة واحدة.

الجهة السابعة: هل يجوز الغسل بنحو الارتماس فى ساير الاغسال
اشارة

غير غسل الجنابة مطلقا حتى فى غسل الميّت او لا يجوز مطلقا او التفصيل فيجوز فى غير غسل الميّت من الاغسال و لا يجوز الغسل الارتماسى فى غسل الميّت فينبغى الكلام في الموردين:

المورد الاول: فى إجزاء الغسل الارتماسى فى ساير الاغسال

مثل غسل الجنابة ما عدا غسل الميّت فنقول بعونه تعالى ما يمكن ان يستدل به الاجماع المدعى عليه و الاتفاق على كونها مثل غسل الجنابة.

و انه بعد كون الغسل من الماهيات التى اخترعها الشارع و ان كان مورد مسلّمه هو غسل الجنابة لكن بعد اختراعه ذلك اذا اوجب الغسل فى غير مورد الجنابة و لم يبيّن ما هو مراده من الغسل من حيث كيفيته مثلا قال أغسل للجمعة او لمس الميّت او غيرهما و لم يبين الكيفية لا بدّ من حمله على الغسل المجعول منه فى غسل الجنابة و لا مجال للرجوع فى فهم موضوع حكمه الى العرف بل يقال انه بعد كون مخترع له فى الغسل فى مورد و لم يبين مورد حكمه فى مورد آخر فالاطلاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 233

المقامى يقتضي حمل كلامه على مخترعه لأنّه لو أوكل الشارع الامر الى ما اخترعه من الغسل و لم يبيّن مراده و اطلق كلامه ما أخلّ بالحكمة و لا بدّ من تنزيل كلامه على ما اخترعه.

و يمكن ان يستشهد على كون كيفية غسل الحيض كيفية غسل الجنابة بما رواها محمد بن على بن الحلى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال غسل الجنابة و الحيض واحد (قال و سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنب قال نعم) «1».

فلا ينبغى الاشكال فى كون كيفية ساير الاغسال غير غسل الميت بكيفية غسل

الجنابة.

المورد الثانى: هل الغسل الميّت يكون من حيث الكيفية مثل غسل الجنابة

فيقع ترتيبا و ارتماسا كما قلنا فى غسل الجنابة او لا يصح الا ترتيبا الحق عدم وقوعه الا ترتيبا لانه بيّن فى الاخبار كيفيته راجع الباب الاول من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

الجهة الثامنة: فى عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة
اشارة

بل عدمه مشروعيته اعلم ان الكلام فى وجوب الوضوء و عدمه او فى مشروعية الوضوء و عدمها مع الغسل يكون فى موردين:

المورد الاول: فى عدم وجوبه بل عدم مشروعيته مع غسل الجنابة.

المورد الثانى: فى عدم وجوبه او فى عدم مشروعيته فى ساير الاغسال و البحث فى المورد الثانى و ان ذكر فى الجواهر و مصباح الفقيه و فى كلام بعض آخر فى مبحث غسل الحيض عند التعرض عن اجزاء غسله عن الوضوء و عدمه لكن نحن

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 1 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 234

نذكره إن شاء اللّه فى المقام لشدة المناسبة.

المورد الاول: فى عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة
اشارة

بل و عدم مشروعيته فالكلام يقع فى مقامين:

المقام الاول: فى عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة

و هو كما ذكر مورد اتفاق الاصحاب قديما و حديثا و ادعى عليه الاجماع و ظاهر بعضهم الاجماع عليه محصّلا و منقولا مستفيضا.

استدل عليه من الكتاب بقوله تعالى «1» وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا حيث ان المقابلة مع صدر الآية إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الدال على وجوب الوضوء يقتضي كون الامر بالتطهر هو الغسل فقط ففى الحدث الأصغر أوجب الوضوء و فى الحدث الاكبر أوجب الغسل فلو كان الواجب فى الجنابة الوضوء أيضا كان المناسب ان يامر به أيضا فى صورة حدوث الجنابة.

كما يدل على ذلك استشهاد الامام عليه السّلام بالآية الشريفة كما ورد فيما رواه يعقوب بن شعيب عن حريز او عمّن رواه عن محمد بن مسلم قال قلت لابي جعفر عليه السّلام ان اهل الكوفة يروون عن على عليه السّلام انه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة قال كذبوا على على عليه السّلام ما وجدوا ذلك فى كتاب عليّ عليه السّلام قال اللّه تعالى و أن كنتم جنبا فاطّهروا) «2».

و استدل عليه بروايات:

الرواية الاولى: الرواية المتقدمة التى استشهد عليه السّلام فيها بالآية الشريفة و

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 5 من الباب 34 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 235

الرواية ضعيفة السند لما فى طريقها عن حريز او عمّن رواه عن محمد بن مسلم) لعدم معلومية كون الراوى حريزا او عمّن رواه عن محمد بن مسلم.

الرواية الثانية: ما رواها زرارة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثمّ

تمضمض و استنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك ليس قبله و لا بعده وضوء الخ «1».

الرواية الثالثة: ما رواها يعقوب بن يقطين عن ابى الحسن عليه السّلام (قال سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل عليه السّلام قال الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه الى المرفقين قبل ان يغمسهما فى الماء ثم يغسل ما أصابه من أذى ثمّ يصبّ على راسه و على وجهه و على جسده كلّه ثمّ قد قضى الغسل و لا وضوء عليه) «2».

الرواية الرابعة: ما رواها احمد بن محمد يعنى ابن ابى نصر (قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين الى أصابعك و تبول ان قدرت على البول ثم تدخل يدك فى الاناء ثم اغسل ما اصابك منه ثم أفض على راسك و جسدك و لا وضوء فيه) «3».

بناء على حمل قوله عليه السّلام (ليس قيله و لا بعده وضوء) فى الرواية الثانية و (لا وضوء فيه) فى الرواية الثالثة و الرابعة على عدم الوضوء فيه على نحو الوجوب لا عدم المشروعية و الّا يصير دليلا على عدم المشروعية و الظاهر هو الاحتمال الاول

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 34 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 236

و بعض الاخبار نذكره فى المقام الثانى و فى المورد الثانى إن شاء اللّه.

و اما رواها ابو بكر الحضرمى عن ابى جعفر عليه السّلام (قال سألته كيف اصنع اذا اجنبت قال اغسل

كفّك و فرجك و توضأ وضوء الصلاة ثمّ اغتسل) «1».

و ما رواها محمد بن ميسّر (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الجنب ينتهى الى الماء القليل فى الطريق يريد أن يغتسل منه و ليس معه أناء يغرف به و يداه قذرتان قال يضع يده و يتوضأ ثمّ يغتسل هذا مما قال اللّه عزّ و جل مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) «2».

فلا تعارض الروايات الدالة على عدم الوجوب لأنه على فرض حجية رواية ابي بكر و محمد بن ميسّر يحمل الأمر بالوضوء فيهما على الاستحباب مضافا الى ما يأتى إن شاء اللّه فى المقام الثانى من عدم حجيتهما.

فالقدر المسلّم عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة على الجنب.

المقام الثانى: فى عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة

و عدم مشروعيته و كونه بدعة و هو المشهور و عن الشيخ فى التهذيب استجابه و ما يمكن ان يكون وجها له طائفتان من الاخبار.

الطائفة الاولى: ما يكون موردها غسل الجنابة.

الاولى: ما رواها ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة) «3».

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 34 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 25، ح 14.

(3) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 237

الثانية: ما رواها ابن ابى عمير عن حماد بن عثمان او غيره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال فى كل غسل وضوء الا الجنابة) «1».

و هل هما روايتان او انهما رواية واحدة يمكن كونهما رواية واحدة لكون المرسل فى كل منها ابن ابى عمير و يمكن كونهما روايتين لاختلاف متنهما.

اما الروايتان من حيث

السند فضعيفتان لكونهما مرسلتين الّا ان يدّعى كون مرسلهما ابن ابى عمير و هو الّذي قالوا بان مراسيله بحكم المسانيد.

و اما دعوى انجبار ضعف سندهما على فرض ضعفهما بفتوى المشهور فيقبل ان علم كون استناد المشهور بهما فى افتائهم بعدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة.

و اما دلالتهما على المدعى فيتوقف على كون المراد من قوله الّا غسل الجنابة هو عدم مشروعية الوضوء فى غسل الجنابة كما لا يبعد ذلك لان مراده من قوله (كل غسل قبله وضوء) او (فى كل غسل وضوء) بمقتضى شارعيته هو تشريع الوضوء فى كل غسل غير غسل الجنابة.

الثالثة: ما روى عن غوالى اللئالى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (كل غسل لا بدّ فيه من الوضوء الّا الجنابة) «2».

و هى مضافة الى ضعف سندها لا تدل الا على عدم لابدية الوضوء مع غسل الجنابة لا على عدم جواز و عدم مشروعيته.

الطائفة الثانية: بعض الاخبار الدالة على عدم مشروعية الوضوء فى مطلق الاغسال او اجزاء كل غسل من الاغسال عن الوضوء و المتيقن منها هو الجنابة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 25 من ابواب الجنابة من مستدرك الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 238

نذكرها ان شاء اللّه فى المورد الثانى اعنى عند التكلم فى وجوب الوضوء فى ساير الاغسال و عدمه و هذا على القول بحجية هذه الطائفة من الاخبار و الّا لو قلنا بعدم حجيتها لاعراض المشهور عنها فلا يمكن الاستدلال بها على ما نحن فيه أيضا فتبقى دليلا الآية الشريفة و الطائفة الاولى من الاخبار فعلى كلّ حال لا اشكال فى الحكم.

و فى

قبال الطائفتين من الاخبار ليس فى البين ما يدل على جواز الوضوء او استحبابه الا رواية ابو بكر الحضرمى و محمد بن مسير ذكرنا هما فى المقام الاول و هما و ان كانتا تدلّان على جواز الوضوء او استجابه او وجوبه لظاهر الأمر فلا مجال للاشكال فى دلالتهما الا انهما ليستا بحجة لعدم وجود مقتضى لحجيته فيهما لاعراض الاصحاب عنهما من باب صدورهما تقية كما ينادى بذلك روايتا حكم بن حكيم و محمد بن مسلم لدلالتهما على ان العامة قائلون بالوضوء فصدرت الروايتان المذكورتان اعنى رواية ابى بكر و محمد بن مسير تقيه و نذكر لك روايتى حكم و محمد بن مسلم روى حكم بن حكيم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة الى ان قال قلت ان الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك و قال و أىّ وضوء انقى من الغسل و ابلغ) «1».

و روى يعقوب من شعيب عن حريز او عمّن رواه عن محمد بن مسلم (قال قلت لابى جعفر عليه السّلام ان اهل الكوفة يروون عن على عليه السّلام انه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة فقال كذبوا على على عليه السّلام ما وجدوا ذلك فى كتاب على عليه السّلام قال اللّه تعالى و ان كنتم جنبا فاطّهروا) «2».

و هاتان الروايتان تدلان على ان ما صدر من الاخبار متضمنا للامر

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 34 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 239

بالوضوء مع غسل الجنابة صدر تقية من العامة و ان أشكل فى سند الرواية الثانية من حيث

عدم معلومية من يروى عن محمد بن مسلم يكفى الاولى و هى رواية حكم بن حيكم فلا اشكال فى عدم مشروعية الوضوء مع غسل الجنابة.

المورد الثانى: فى إجزاء ما عدا غسل الجنابة عن الوضوء

و المحكى من الاقوال ثلاثة:

القول الاول: عدم اجزاء الغسل عن الوضوء فى غير غسل الجنابة مطلقا واجبا كان الغسل مثل غسل الحيض او مستحبا مثل غسل الجمعة.

القول الثانى: هو عدم اجزاء الاغسال المستحبة عن الوضوء و أجزاء الاغسال الواجبة عنه.

القول الثالث: اجتزاء الغسل عن الوضوء مطلقا كان الغسل من الاغسال الواجبة او من المستحبة و هو منسوب الى السيد ره و المحكى عن الاردبيلى و بعض آخر رحمهم اللّه.

و استدل للقول الاول

الّذي هو المشهور بروايتى ابن ابى عمير بناء على كونهما روايتين و النبوى المذكور فى غوالى اللئالى المتقدمة ذكرها فى المقام الثانى من المورد الاول اعنى عند التكلم فى عدم مشروعية الوضوء مع غسل الجنابة لان مفادها وجوب الوضوء فى كل غسل الا غسل الجنابة فتصير دليلا على مدعى القول الاول اعنى المشهور.

و بما رواه محمد بن الحسن الطوسى باسناده عن على بن يقطين عن ابى الحسن الاول عليه السّلام (قال اذا اردت ان تغسل للجمعة فتوضأ و اغتسل) «1».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 240

فيقال ان الرواية و ان وردت فى غسل الجمعة لكن يقال فى غيره من الاغسال بعدم القول بالفصل الا فى غسل الجنابة.

و فيه انه لو قيل بعدم القول بالفصل بين غسل الجمعة و بين ساير الأغسال المستحبة كان انسب للقول بالفصل بين الاغسال الواجبة و المستحبة كما هو مقتضى القول الثانى من الاقوال الثلاثة فى المسألة.

و استدل أيضا بعموم ما دل على ايجاب البول و غيره من النواقض او اطلاقه للوضوء فان عمومه او اطلاقه يقتضي موجبته سواء غسل احد الاغسال أو لا نعم نقول بعدم مشروعيته فى

خصوص غسل الجنابة للنص.

و يستدل بقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الى آخر الآية فان الآية اطلاقها يقتضي وجوب الوضوء و ان غسل و تدل الآية على ما ذكر و ان فسّر القيام بالقيام من النوم لانه مع هذا تدل على وجوب الوضوء بعد القيام من النوم و ان غسل احد الاغسال خرج خصوص غسل الجنابة فلا يجب الوضوء معه يبقى وجوبه فى ساير الاغسال.

و لا مجال للاشكال فى كفاية بعض ما ذكر من الادلّة لعدم اجتزاء ساير الاغسال غير غسل الجنابة عن الوضوء و ان اشكل فى بعضها الآخر فى حدّ ذاته بحيث لو لم يكن معارض له يؤخذ به.

و فى قبال ذلك روى روايات تدل على الاحتمال الثالث و هو عدم وجوب الوضوء مع الغسل كان الغسل جناية او غير غسل الجنابة واجبا او مستحبا و روى ما يدلّ على كون الوضوء مع الغسل بدعة نذكرها لك إن شاء اللّه.

اما ما يدل على عدم الوجوب و اجزاء الغسل عن الوضوء مطلقا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 241

روايات:

الاولى: ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام (قال الغسل يجزى عن الوضوء و اى وضوء أطهر من الغسل) «1».

الثانية: مكاتبة محمد بن عبد الرحمن الهمدانى كتب الى أبى الحسن الثالث عليه السّلام (يسأله عن الوضوء للصلاة فى غسل الجمعة فكتب لا وضوء للصلاة فى غسل يوم الجمعة و لا غيره) «2»، بناء على حملها على مجرد عدم الوجوب لا على عدم الجواز لانه على هذا تكون من جملة ما يدل على عدم الجواز.

الثالثة: ما رواها عمار الساباطى (قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل اذا

اغتسل من جنابته او يوم جمعة او يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك او بعده فقال لا ليس عليه قبل و لا بعد قد أجزأه الغسل و المرأة مثل ذلك اذا اغتسلت من حيض او غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد قد اجزاها الغسل) «3».

الرابعة: ما رواها حماد بن عثمان عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى الرجل يغتسل للجمعة او غير ذلك أ يجزيه عن الوضوء فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام و أىّ وضوء أطهر من الغسل) «4» و الرواية مرسلة و فى غيرها غنى و كفاية فى الدلالة على اجزاء مطلق الاغسال عن الوضوء.

و اما يدلّ على عدم جواز الوضوء و كونه بدعة مع الغسل.

الاولى: ما رواها يحيى بن طلحة عن أبيه عن عبد اللّه بن سليمان (قال سمعت

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 33 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 33 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 33 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 242

أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول الوضوء بعد الغسل بدعة) «1».

الثانية: ما رواها سليمان بن خالد عن أبى جعفر عليه السّلام (قال الوضوء بعد الغسل بدعة) «2».

و يدل على الاحتمال الثالث

و هو التفصيل بين الاغسال الواجبة فلا وضوء فيها و بين الاغتسال المستحبة فيجب الوضوء.

رواية على بن يقطين عن ابى الحسن الاول عليه السّلام (قال اذا اردت ان تغتسل للجمعة فتوضأ و اغتسل) «3» بان يقال بان مورد الرواية و ان كان غسل الجمعة لكن لا خصوصية له فيتعدى منه الى مطلق الاغسال المستحبة (ذكرنا الرواية قبل ذلك أيضا فى طى الروايات المتمسكة بها على القول الاول).

هذا كله فيما يمكن ان يكون وجها للاحتمالات الثلاثة و بعد ذلك ينبغى أن نتكلّم فيما هو الحق من بين هذه الأقوال بعونه تعالى.

فنقول اما الجمع بين الروايات بحمل ما دل على الامر بالوضوء على ساير الاغسال و ما دل على عدم الوضوء او قوله عليه السّلام الوضوء بعد الغسل بدعة على خصوص غسل الجنابة فلا يمكن القول به أولا للزوم حمل العموم فى قوله عليه السّلام الغسل يجزى عن الوضوء او قوله عليه السّلام الوضوء بعد الغسل بدعة على خصوص غسل الجنابة و هذا يوجب تخصيص الاكثر و لا يمكن الذهاب إليه و ثانيا مع التصريح فى

بعض الروايات المتقدمة على اجزاء الغسل عن الوضوء فى غير غسل الجنابة مثل غسل الجمعة او غسل يوم العيد او غير ذلك لا يمكن الجمع المذكور.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 33 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 33 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 243

و ليس فى البين جمع آخر يمكن القول به فيقع التعارض بين الطائفتين اعنى ما يدل على وجوب الوضوء فى غير غسل الجنابة و ما يدل على عدم الوضوء فيه و بعد التعارض ان قلنا بان المرجح هو الشهرة الفتوائى فلا بد من الاخذ بما يدل على وجوب الوضوء و عدم أجزاء غير غسل الجنابة عنه و اما ان قلنا بان المرجح هو الشهرة الروائى كما اخترنا ذلك فى الاصول خلافا لنظر شريف سيدنا الاعظم آية اللّه العظمى البروجردي اعلى اللّه مقامه فربما يكون الترجيح مع الاحتمال الثالث و هو اجزاء مطلق الغسل عن الوضوء لكون رواياته اكثر و ان لم يحصل الترجيح فرضا بالشهرة تصل النوبة بسائر المرجحات بالترتيب و النحو الّذي ذكرنا فى الاصول و بيّناه و نفخناه فى كتابنا فى الاصول.

و لكن العمدة فى المقام هو ان كلما قلنا من التعارض بين الاخبار و الترجيح ان كان ترجيحا لبعضها على بعض او الجمع بينها ان وجد وجه الجمع فيما ثبت مقتضى الحجية لكل من الطائفتين و اما لو لم يكن لاحدى الطائفتين مقتضى الحجية فالتعارض يكون بين الحجة و اللاحجة و بعد عدم مقتضى الحجية لإحداهما يكون الاخذ بالطائفة الاخرى الموجود فيها مقتضى الحجية محكما.

و فى المقام يكون

كذلك لانّ الاخبار المتضمنة لاجزاء الغسل عن الوضوء مما اعرض عنها المشهور.

نعم عند من لا يرى اعراض الاصحاب عن الرواية موجبا للوهن فى صدورها او جهة صدورها لا بدّ من أن يأخذ بما هو مقتضى الجمع الدلالى بينهما ان كان وجه الجمع موجودا و الّا يقع بينهما التعارض و مع التعارض يؤخذ بما فيه المرجح ان كان مرجح فى إحداهما و الّا فتكون النتيجة التخير او التساقط على الكلام فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 244

نحن و ان لم نقل بسقوط حجية الاخبار الدالة على عدم الوضوء من باب اعراض الاصحاب عنها و لم نفت بوجوب الوضوء فى الاغسال غير غسل الجنابة فلا اقلّ من ان نقول بان الاحوط وجوبا هو الوضوء مع الاغسال غير غسل الجنابة.

ثم انّه بناء على وجوب الوضوء فى غير الغسل الجنابة من الاغسال و عدم أجزائه عن الوضوء يقع الكلام فى انه هل يتخير بين تقديم الوضوء على الغسل و بين تأخيره عنه و بين اتيانه فى أثناء الغسل بناء على عدم وجوب الموالات بين اعضاء الغسل او يجب تقديمه و على القول بوجوب تقديمه على الغسل هل الوجوب يكون شرطيّا او يكون نفسيا احتمالات بل اقوال فى المقام كما ذكر بعض الاحتمالات الاخر مثل كون التقديم افضل فلا بد من ملاحظة الاخبار الواردة فى المقام.

فنقول بعونه تعالى مقتضى الآية الشريفة (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) هو التخير لاطلاق الأمر فى الآية من هذا الحيث كما ان رواية حماد اعنى مرسلة ابن ابى عمير المتقدمة عن عمار او غيره (فى كل غسل وضوء الا غسل الجنابة «1») مطلقة من حيث التقدم و التأخر و فى قبال

ذلك مرسلة اخرى عن ابن ابى عمير ذكرناها مع مرسلته الاخرى فى المورد الاول فى الكلام فى اجزاء غسل الجنابة عن الوضوء و فيها قال (كل غسل قبله وضوء الا الجنابة «2») تدل على تقديم الوضوء على الغسل كما ان رواية على بن يقطين المتقدّمة ذكرها فى المورد الثانى اعنى عند البحث عن اجزاء ساير الاغسال عن الوضوء تقتضى تقديم الوضوء لان فيها

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 245

قال عليه السّلام (اذا اردت ان تغسل للجمعة فتوضأ و أغتسل «1») فأمر فيها بالوضوء أولا ثم الغسل بعده.

اذا عرفت ذلك فنقول اما مرسلتى ابن ابى عمير مضافا الى ارسالهما و مضى الكلام فيهما ان كانتا رواية واحده كما لا يبعد لا يمكن الاستشهاد بهما على التخيير و لا على وجوب التقديم لانا لا ندرى ان الصادر اىّ منهما. نعم لو كانتا روايتين فيمكن الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد.

و اما رواية على بن يقطين فنقول أولا موردها غسل الجمعة و عدم الخصوصة له غير معلوم.

و ثانيا لا يستفاد منها الترتيب لان قوله عليه السّلام فتوضأ و اغتسل يساعد مع المعية أيضا لان الواو لا تدل على الترتيب فعلى هذا لم ار وجها يمكن الافتاء بلزوم تقديم الوضوء نعم الاحوط التقديم خصوصا فى غسل الجمعة فافهم)

***

[مسئلة 1: الغسل الترتيبى افضل من الارتماسى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الغسل الترتيبى افضل من الارتماسى

(1)

اقول و لعل ذلك من باب الامر الوارد فى الاخبار المتعرضة لغسل الترتيبى المحمول على الاستحباب جمعا بينها و بين بعض الاخبار الدالة على اجزاء غسل الارتماسى فما هو

المستحب يكون افضل مما لا يكون الا مجزيا.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 246

و اما التمسك بأفضلية الترتيبى بمداومة النبي و الائمة صلوات اللّه عليهم اجمعين بذلك فيمكن الاشكال فيه من باب احتمال كون وجه اختيار الترتيبى عدم وجود ماء يرتمس من الحياض و غيرها غالبا.

***

[مسأله 2: قد يتعين الارتماسى]

قوله رحمه اللّه

مسأله 2: قد يتعين الارتماسى كما اذا ضاق الوقت عن الترتيبى و قد يتعين الترتيبى كما فى يوم الصوم الواجب و حال الاحرام و كذا اذا كان الماء للغير و لم يرض بالارتماس فيه

(1)

اقول اما تعين الارتماسى فيما ضاق وقت عن الترتيبى لان مقتضى القاعدة فى الواجب التخييرى بحكم العقل تعيين وجوب بعض افراده اذا تعذر بعض الآخر و على الفرض بعد ضيق الوقت عن الترتيبى يتعذر عن اتيانه فان المتعذر الشرعى كالمتعذر العقلى.

و لو غسل فى ضيق الوقت الغسل الترتيبى فتارة يأتى به بقصد الصلاة التى ضاق وقتها فلا شكال فى فساد غسله لانه لا يكون مقرّبا.

و تارة يأتى به بقصد بعض الآخر من غايات الغسل مثلا بقصد الكون على الطهارة يقع صحيحا و ان كان فعلا مأمورا بالغسل الارتماسى و الصلاة لان الامر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده مضافا الى كفاية ملاك الامر و مضافا الى تصوير الامر به بنحو الترتّب على الكلام فيه.

و اما تعين الترتيبى فى بعض الموارد مثل يوم الصوم فلحرمة الارتماس فى الماء نعم فيما ارتمس ففى فساد غسله بقصده حال الدخول و صحته حال الخروج كلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 247

يأتى فى محلّه إن شاء اللّه و كذا حال الاحرام لحرمة

الارتماس فى الماء فى حاله و كذا فيما لم يرض صاحب الماء بالارتماس لحرمة التصرف فى ملك الغير بغير اذنه كما انه لو لم يرض بالغسل الترتيبى لا يجوز الّا الارتماسى فلا فرق فى عدم الجواز فى صورة عدم رضى المالك بين الارتماسى و الترتيبى و ان مثّل المؤلف رحمه اللّه صورة عدم رضى المالك بالارتماس فى مائه.

***

[مسئلة 3: يجوز فى الترتيبى ان يغسل كل عضو من اعضائه الثلاثة بنحو الارتماس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجوز فى الترتيبى ان يغسل كل عضو من اعضائه الثلاثة بنحو الارتماس بل لو ارتمس فى الماء ثلاث مرّات

مرّة بقصد غسل الرأس و مرّة بقصد الايمن و مرّة بقصد الايسر كفى و كذا لو حرّك بدنه تحت الماء ثلاث مرّات او قصد بالارتماس غسل الرأس و حرّك بدنه تحت الماء بقصد الايمن و خرج بقصد الايسر و يجوز غسل واحد من الاعضاء بالارتماس و البقية بالترتيب بل يجوز غسل بعض كل عضو بالارتماس و بعضه الآخر بامرار اليد.

(1)

اقول اعلم ان مقتضى اطلاق ما ورد من الاخبار فى الغسل الترتيبى هو كفايته بنحو الارتماس لصدق الغسل عرفا به فكما يحصل بصب الماء على الاعضاء يحصل بارتماس كل عضو من الاعضاء الثلاثة فى الماء و كذا لو ارتمس جميع بدنه فى الماء ثلاث مرّات مرّة بقصد غسل الرأس و مرّة بقصد الأيمن و مرّة بقصد الايسر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 248

كفى و كذا لو قصد بارتماسه فى الماء غسل الرأس و حرك بدنه تحت الماء مرّة بقصد الأيمن و اخرى بقصد الايسر كفى و كذا يجوز غسل بعض من الاعضاء الثلاثة بل بعض عضو من الاعضاء الثلاثة بالارتماس و بعضه الآخر بامرار اليد كل ذلك من باب ما اشرنا من

ان اطلاق الادلة و عدم اعتبار شي ء غير غسل الاعضاء يقتضي جواز اتيان المطلق فى ضمن اىّ فرد شاء المكلف فيما حصل به الغسل.

نعم قد يتوهم عدم الكفاية بالارتماس اما من باب اعتبار صب الماء على البدن بمقتضى بعض الروايات و مع الارتماس فى الماء لا يحصل الصب.

و فيه أولا يحتمل كون الامر بالصب من باب كون الغالب جريه على هذا النحو لعدم وجود ماء يرتمس فيه حين صدور الروايات فكان ذكره من باب كونه طريق المتعارف فى الغسل لا من باب وجوب هذه الكيفية.

و ثانيا مع دلالة بعض الروايات مثل قوله عليه السّلام فى رواية زرارة المتقدم ذكرها (و كل شي ء امسته الماء فقد انقيته «1» و مثل قوله عليه السّلام فى رواية محمد بن مسلم (ما جرى عليه الماء فقد طهر «2» الواردتان فى كيفيته الغسل الترتيبى من غسل الجنابة على كفاية مجرد جريان الماء على البدن بل كفاية مجرد مس الماء البدن نكشف عدم وجوب الصب فى صدق الغسل الترتيب.

و اما من باب توهم اعتبار احداث الارتماس فى الارتماسى و لهذا لا يصح بعض الاقسام الّذي ليس فيه الاحداث مثل قصده بتحريك البدن فى الماء.

ففيه ان هذا اشكال فى الغسل الارتماسى تقدم الكلام فيه و انه يعتبر فيه الاحداث أو لا و قد بيّنا عدم اعتباره فلا اشكال نعم فرض آخر لم يذكره المؤلف رحمه اللّه

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 249

و هو انه هل يتحقق الغسل الترتيبى بالابقاء تحت الماء بدون حركة فيقصد حين كونه مرتمسا فى

الماء أولا ان يكون وقوفه بقصد غسل الرأس ثم بعد ذلك يقصد بوقوفه غسل الايمن ثم فى الآن الثالث يقصد بوقوفه تحت الماء غسل الايسر بدون ان يحرّك بدنه أو لا يتحقق قد امضينا عند ذكر الصور التى يحصل به الغسل الارتماسى كفاية هذا الفرض و ان كان الاحوط تركه فكذلك نقول فى المقام.

***

[مسئلة 4: الغسل الارتماسى يتصور على وجهين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الغسل الارتماسى يتصور على وجهين احدهما ان يقصد الغسل باول جزء دخل فى الماء و هكذا الى الآخر فيكون حاصلا على وجه التدريج.

و الثانى ان يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه و حينئذ يكون آنيا و كلاهما صحيح و يختلف باعتبار القصد و لو لم يقصد احد الوجهين صحّ أيضا و انصرف الى التدريجى.

(1)

اقول مر الكلام فى المسألة و فى صحة الغسل الارتماسى بالنحوين المذكورين فى الجهة الرابعة من الجهات المتعلقة بكيفية الغسل الارتماسى و يتخلف باعتبار القصد و لو لم يقصد احدهما بل قاصدا لصرف الوجود ينصرف الى التدريجى لانه بعد كون كل من الارتماسى الحدوثى و البقائى يكون مصداقا للارتماس و يكونان مترتبين فى الوجود لان الاول يتحقق بالتدريج من اوّل الارتماس الى حصول انغماس تمام البدن و الثانى يتحصل من ابتداء التغطية و الارتماس فيقدم مصداق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 250

الحدوثى على البقائى و ينصرف الى الوجه الاول.

***

[مسئلة 5: يشترط فى كل عضو ان يكون طاهرا حين غسله]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يشترط فى كل عضو ان يكون طاهرا حين غسله فلو كان نجسا طهره أولا و لا يكفى غسل واحد لرفع الخبث و الحدث كما مرّ فى الوضوء و لا يلزم طهارة جميع الاعضاء قبل الشروع فى الغسل و ان كان احوط.

(1)

اقول

فى المسألة احتمالات بل اقوال:

الاحتمالات الاول: اشتراط طهارة جميع اعضاء الغسل قبل الشروع فى الغسل.

الاحتمال الثانى: اشتراط طهارة كل عضو عند الشروع فى غسل هذا العضو فلو طهّر راسه ان كان نجسا قبل الشروع فى غسله كفى و ان كان طرفه الايمن نجسا حين غسل راسه و هكذا بخلاف الاحتمال الاول ففى المثال بطل غسله لنجاسة الطرف الايمن حين غسل راسه.

الاحتمال الثالث: كفاية عدم بقاء كل عضو على النجاسة بعد غسله فلا يشترط طهارته قبله فيصح اجراء الماء على العضو النجس بنية الغسل و يطهر من الخبت أيضا باجراء الماء عليه فيحصل باجراء واحد الغسل بالفتح و الغسل بالضم.

الاحتمال الرابع: التفصيل بين الاغتسال بالماء الكثير و ما اذا كان الموضع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 251

النجس آخر الاعضاء و بين ما اذا كان الماء ماء قليلا و ما اذا لم يكن محل النجس آخر الاعضاء مثلا اذا كان النجس باطن الرجلين يكتفى بغسل واحد و اما اذا كان غيره من الاعضاء فلا يكتفى به.

الاحتمال الخامس: عدم اشتراط طهارة محال الغسل قبل غسله و لا طهارة كل عضو قبل غسله و لا طهارته مع غسله بل يصح الغسل مع نجاسة محله و لو يبقى على النجاسة بعد الغسل.

ما يمكن ان يستدل به على الاحتمال الاول وجوه:

الوجه الاول: قاعدة الاشتغال لانه مع اليقين باشتغال الذمة بالغسل فشكه بانه هل تحصل البراءة اليقينية بخصوص كون جميع محال الغسل طاهرا قبل الشروع فى الغسل او تحصل باحد الانحاء الاخر حتى مع الاحتمال الاخير فحيث ان اشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية لا بدّ من تطهير محال الغسل قبل الشروع فيه و هو الاحتمال الاول.

الوجه الثانى: استصحاب الحدث فيما لم يطهر محل النجس من محال الغسل قبل الشروع

فيه لانه يشك بانه هل حصلت الطهارة و رفع الحدث بغير النحو الاول أم لا فيستصحب الحدث.

اقول و هذان الوجهان يفيد ان لصورة عدم وجود دليل اللفظى على الاشتراط بالنحو المذكور فى الاحتمال الاول او فيما بقي من الاحتمالات و الا فمع الدليل اللفظى لا تصل النوبة بالاصل العملى مع انه ان وصلت النوبة بالاصل العملي ينبغي ان يتكلم في ان المورد مورد اصالة الاشتغال او استصحاب الحدث او يكون المورد مورد اصالة البراءة.

الوجه الثالث: دلالة بعض الروايات الواردة في كيفية غسل الجنابة التى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 252

ذكرنا جلّها او كلّها في المباحث المتقدمة على وجوب طهارة جميع محال الغسل قبل الشروع فيه.

مثل قوله رحمه اللّه فى رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال سالته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم تغسل فرجك ثم تصب على راسك ثلاثا) «1».

و مثل قوله رحمه اللّه فى رواية زرارة (قال قلت كيف يغتسل الجنب فقال ان لم يكن اصاب كفه شي ء غمسها فى الماء ثم بدء بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثم صب على رأسه ثلاث اكف الخ) «2».

و مثل ما رواها حكم بن حكيم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال افض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل ما اصاب جسدك من اذى ثم اغسل فرجك و أفض على راسك و جسدك فاغتسل الحديث) «3» (مضى تمام الرواية بنقل جامع احاديث الشيعة فى المقام الثانى من الجهة الاولى من غسل الجنابة و هى الترتيبى و نذكرها بعد ذلك فى المقام إن شاء اللّه أيضا و غير ذلك من الروايات فى الباب 26 من ابواب الجنابة

من الوسائل يمكن الاستدلال به لهذا الاحتمال اعنى الاحتمال الاول و كل ذلك تدل على ان يغسل الجنب بدنه من النجاسة الخبثية قبل الشروع فى الغسل.

و فيه أولا يمكن ان يكون غسل الفرج او الكف او الجسد مستحبا لا لنجاستها فلا تدل الروايات على وجوب غسل موضع النجس قبل الغسل و بعبارة اخرى الامر بغسل الفرج حيث ذكر فى طى بعض الامور المستحبّة كما يأتى فى مستحبات غسل الجنابة لا يدل الا على الاستحباب فان غسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق قبل الغسل مستحب.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 253

و ثانيا يمكن ان يكون الامر بطهارة الفرج او الجسد من الاذى من باب سهولة غسل مواضع النجس قبل الغسل فى قبال ان يطهر كل موضع من النجس قبل غسل هذا العضو لا على سبيل الوجوب او لجريه مجرى العادة من اشتغال الانسان بتطهير محال الغسل قبل الشروع فيه.

و فى قبال ذلك بعض الاخبار يستدل به على بطلان الاحتمال الاول مثل ما رواها حكم بن حكيم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى حديث كيفية غسل الجنابة قال فان كنت فى مكان نظيف فلا يضرك ان لا تغسل رجلك و ان كنت فى مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك) «1».

اقول هذه الرواية نذكر صدرها و ذيلها فترى بانه هل يمكن ان يقال باشعارها على عدم وجوب طهارة جميع محال الغسل قبل الشروع فى الغسل كما قال بعض «2» بدعوى ان غسل الرجل مع كون

المكان غير نضيف لا يمكن قبل الشروع فى الغسل بل يمكن حين غسل الرجل لانه بعده لو وقع فى المكان الغير النظيف لا يضر بالغسل او دلالته على ذلك كما قال بعض «3» و انه ان كان يلاحظ الرواية بتمامها ترى ان دلالتها على المدعى غير معلوم بل معلوم العدم و حيث ان صاحب الوسائل تقطع الرواية فذكرها فى ابواب متفرقه استدل بهذه الفقرة.

و اما فى جامع احاديث الشيعة الّذي الّف بامر سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه و باشرافه و باتعاب نفسه النفيسة فى اخرج هذا الاثر العلمى الدينى فى الملأ العلمى و فيه مزايا شتى ممتازة عن غيره من كتب الحديث و من جملتها عدم التقصيعات الواقعة فى الوسائل اخرج الرواية بجميعها فى موضع واحد نذكرها كى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 27 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) مصباح الهدى، ج 4، ص 245، العلامة الآملى.

(3) مصباح الفقيه، ج 3، ص 386، للفقيه الهمدانى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 254

يظهر انه ما هو مفاد الرواية فنقول بعونه تعالى روى حكم بن حكيم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل ما اصاب جسدك من اذى ثم اغسل فرجك و أفض على رأسك و جسدك فاغتسل فان كنت فى مكان نظيف فلا يضرك ان لا تغسل رجليك و ان كنت فى مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك قلت ان الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك و قال اىّ وضوء انقى من الغسل و ابلغ) «1».

وجه عدم الدلالة هو ان الرواية بعد ما امر بغسل ما اصاب الجسد

من الاذى و غسل الفرج بيّن حكما آخرا و هو ان رجله ان كانت نجسة غسلها من باب كونه فى مكان ليس بنظيف و ليست فى مقام بيان زمان تطهيره و انه يكون اوّل الغسل او عند غسل الرجل.

ان قلت مع فرض كون المكان غير نظيف و لو طهّر رجله قبل غسله ينجس ثانيا بوضعها على المكان الغير النظيف فالمراد تطهيرها حين غسلها و هو المطلوب.

قلت كما قلت ليس النظر الا بيان وجوب تطهير الرجل على فرض عدم كونه نظيفا لا فى مقام بيان وقته و انه قبل الشروع فى الغسل او قبل الشروع فى غسل العضو الّذي ليس بنظيف و قولك بانه لو فرض ان يطهر الرجل اوّل الغسل ينجس مجدّدا لملاقاته مع الوضع الغير النظيف اقول بانه هذا لا يوجب حمل الامر بتطهيرها على تطهيره حين غسله بل مع فرض وجوب غسلها قبل الشروع فى الغسل فيحصّل المكلّف اما موضعا طاهرا او خفّا او نعلا طاهرا او يغسل الموضع فلا يوجب ذلك حمل الكلام على خصوص ما اذا وقع التطهير قبل غسل الموضع الغير النظيف و لكن الانصاف ظهور الرواية فى الامر بغسل الرجل فى فرض نجاسته

______________________________

(1) جامع الاحاديث الشيعة، ج 2، ص 394، ح 11، باب 2 من ابواب كيفية الغسل و آدابه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 255

بعد الشروع فى الغسل لانه قال فاغتسل فان كنت فى مكان نظيف فلا يضرّك ان لا تغسل رجليك و ان كنت فى مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك).

و يستدلّ على الاحتمال الثانى

و هو اشتراط طهارة كل عضو حين اجراء الماء عليه لا قبل الشروع فى الغسل بوجهين:

الوجه الاول: هو ان مقتضى ظاهر بعض الاخبار

و الجمود عليه و ان كان طهارة محال الغسل قبل الشروع فى الغسل لكن شدة المناسبة بين تطهير الموضع النجس و بين غسله و بعد كون شرطية طهارته مقدمة لغير هذا الموضع من مواضع الغسل يقتضي كون المراد من الاخبار هو هذا لعدم وجوب التطهير تعبدا و الشرطية تناسب كون محله قبل غسل الموضع النجس حتى حكى عن الحدائق انه قال بعدم معقولية وجوب التطهير قبل الشروع فى الغسل و يكون الامر بغسل الموضع النجس قبل الشروع فى الغسل جريا مجرى العادة لا على سبيل الدخل و الاشتراط فلهذا ما يكون واجبا هو طهارة كل عضو قبل غسله.

و فيه انه تارة يقال بعدم استفادة الوجوب من الاخبار الآمرة بغسل الفرج او غسل الجسد بل هو من المستحبات قبل الغسل فعلى هذا لا تكون الاخبار دليلا على وجوب طهارة محل الغسل نفسيا او شرطيا كما ذكر فى جواب الاحتمال الاول.

و تارة يقال بان ظاهر الاوامر الوجوب سواء كان الوجوب نفسيا او شرطيا (و ان كان الظاهر كونه شرطيا) فعلى هذا لم ار وجها لحمل ظاهر الروايات على كون المراد وجوب تطهير كل عضو قبل غسله لاحتمال كون تطهير الاعضاء شرطا للغسل لا لخصوص العضو بناء على كون الوجوب شرطيا.

و اما بناء على كونه نفسيا و ان كان خلاف الظاهر فأيضا لا وجه لحمل الاخبار على وجوب غسل الموضع النجس قبل غسله مع كون ظاهرها الوجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 256

قبل الشروع فى الغسل.

ان قلت انه لا كلام فى وجوب تطهير النجس بل نقول بان الامر بتقديم الغسل قبل الغسل يكون من باب جريه مجرى العادة من الاقدام به قبل الغسل و

سهولة ذلك لا لوجوبه.

قلت ان كان دليل على وجوب طهارة محل الغسل غير هذه الروايات كان لما قلت مجال و لكن المفروض استفاده الوجوب من هذه الروايات فكيف يمكن القول بان الامر فيها يدل على الوجوب لكن الترتيب المستفاد منها لا يدل على وجوب تقديم الطهارة على الغسل.

الوجه الثانى: الرواية المتقدّمة ذكرها فى الاحتمال الاول و هو ما رواها حكم بن حكيم بدعوى دلالتها على وجوب غسل الرجل قبل غسله لا قبل الشروع فى الغسل.

و فيه انه كما قلت فى طى الكلام فى الرواية بانه يشكل دلالتها على كون الامر بغسل الرجل حين غسلها بل ليست الرواية الا فى مقام بيان غسل الرجل ان لم يكن فى الموضع النظيف.

و لكن ما خطر بالبال و اشرنا إليه هو ظهور الرواية فى ان الامر بغسل الرجل يكون بعد الشروع فى الغسل فعلى هذا يستفاد اقلا من الرواية جواز تطهير العضو و كفايته فى الغسل و ان كان قبل الشروع فى غسل الموضع لا قبل الشروع فى اصل الغسل.

و يستدل على الاحتمال الثالث

و هو اعتبار عدم بقاء محل الغسل نجسا بعد الغسل فيكتفى بغسل واحد لازالة النجاسة و للغسل:

اما اعتبار ازالة الخبت و طهارة محال الغسل فبالاخبار المتقدمة المستفادة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 257

منها وجوب طهارة محل الغسل و اما كفاية غسل واحد للغسل (بالفتح) و للغسل (بالضم) فلان ظاهر ما دل على ازاله النجاسات و الطهارة عن الخبث لا يقتضي الا تحقق ماهية الغسل بماء طاهر بدون اشتراطه بشي ء آخر و ما دل على وجوب طهارة محل الغسل فى الاخبار لا يدل على وجوب سبق ازالة النجاسة عن المحل النجس قبل الغسل زمانا لان الشرط

من اجزاء العلة فتقدم العلة على معلولها يكون التقدم بالرتبة لا التقدم بالزمان بل ربما يكون الشرط مقارنا زمانا مع وجود مشروطه و ان كان مقدما عليه رتبة.

فعلى هذا لا مانع من صيرورة الموجود الخارجى مصداقا للشرط و المشروط كما ترى فى الالقاء و الاحراق حيث ان الموجود الخارجى يكون مصداقا لكل من الاحراق و الالقاء مع تقدم الالقاء على الاحراق رتبة لان الالقاء علّة و الاحراق معلول فكذلك نقول فى المقام من انه بعد ما لا يطلب الامر بازالة الخبث بالماء الا حصول ذلك كيف اتفق و حيث ان الامر بطهارة محل الغسل لا يقتضي الا طهارة المحل حال الغسل و وقوع الغسل على المحل الطاهر فاجراء الماء على المحل مصداق لكل منهما من حيث أنّه به زال الخبث شرط و من حيث انه غسل مشروط.

و اما التعبير فى الاخبار المذكورة بكلمة (ثم) المتوهم دلالته على طهارة المحل و وجوب تقديمه على الغسل فيمكن ان يكون من باب كون تقديم الامور المذكورة من جملة مستحبات الغسل او من باب الجرى على العادة من اشتغال الانسان بتطهير المحل و ازالة النجاسة عن المحل قبل الشروع لا من باب وجوبه و ذهب الى هذا الاحتمال صاحب الجواهر «1» رحمه اللّه و أجاب عما اورد على هذا الاحتمال نذكر.

الا يراد ثم ما اجاب عنه ثم ما ينبغى ان يقال.

______________________________

(1) الجواهر، ج 3، ص 103.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 258

قد اورد عليه بامور:

الأمر الاول: ان ذلك يصح على القول بتداخل الاسباب و اما مع عدم القول به فلا يتم لان كلا من الخبث و الحدث سبب مستقل يقتضي مسبّبا مستقلا فلا يكتفى بغسل واحد

لهما على القول بعدم التداخل.

الأمر الثانى: ان الماء القليل ينفعل بملاقات النجاسة سواء كانت عينية او حكمية و ماء الطهارة اعنى ماء الغسل يشترط ان يكون طاهرا فبمجرد اجراء الماء القليل على المحل النجس ينجس الماء فلا يقبل لان يطّهر به و يغتسل به.

الأمر الثالث: ان ماء الغسل لا بد و ان يقع على المحل الطاهر و الّا يلزم أجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة و مع كون المحل نجسا لا يقع الماء على المحل الطاهر فلا يجزى الغسل.

و اجيب عن الاشكالات أما عن الاشكال الاول فبما ظهر فى ضمن الاستدلال و هو انه على فرض القول بعدم تداخل الاسباب بان المدار فى ازالة النجاسات على تحقق ماهية الغسل بماء طاهر من غير اشتراط بشي ء آخر فبأىّ كيفية حصل الغسل تزيل النجاسة فيكون المورد خارجا عن بحث تداخل الاسباب لان محل البحث ما اذا كان يقتضي كل سبب مسببا مستقلا.

و اجيب عن الاشكال الثانى أولا بان الاشكال لا يجرى فى الاغتسال فى الماء الكثير لعدم نجاسة الغسالة.

و ثانيا بان القول بانفعال الماء القليل بملاقاته للمحل النجس و استلزامه لنجاسة الماء و الحال انه يشترط طهارة ماء الغسل يتوقف على القول بنجاسة الغسالة مطلقا حتى قبل انفصاله عن محل النجس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 259

و اما على القول بنجاسة الغسالة بعد الانفصال و خروجها عن المحل المغسول بالماء فلا تمنع القول بنجاسة الغسالة بعد الانفصال عن حصول الطهارة من الحدث بالماء المغسول به لازالة الخبث اذ حصلت الطهارة من الحدث قبل نجاسة الغسالة.

مضافا الى انه لو قلنا بنجاسة الغسالة حتى قبل انفصالها عن المحل نقول بان القدر المتقين من الاجماع على وجوب

طهارة ماء الوضوء و الغسل هو اعتبار طهارته من غير النجاسة العارضة للماء من قبل ملاقاته للمحل النجس مثل الماء المستعمل فى رفع الخبث فكما انه يختص الحكم بطهارة الماء المستعمل فى رفع الخبث طهارته من غير حيث ملاقاته لمحل النجس الّذي يجرى الماء عليه لرفع نجاسته كذلك نقول فى طهارة الماء المعتبر فى رفع الحدث.

اجيب عن الاشكال الثالث بان حاصل الاشكال دعوى الملازمة بين وقوع الماء على المحل النجس و بين اجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة فلو التزمت بجواز وقوع الغسل على المحل النجس يلزم عليك الالتزام باجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة و لا يمكن الالتزام به لان معنى الالتزام به هو عدم اشتراط طهارة محل الغسل و كيف يمكن الالتزام به مع فرض اشتراط طهارة المحل.

فنقول فى جوابه بمنع الملازمة لانه بعد الفراغ عن اشتراط طهارة المحل يكون الكلام فى انه هل يمكن ايقاع كل من الطهارتين الخبث و الحدث و بعبارة اخرى الشرط و المشروط باجراء الماء على المحل و بهذا الفعل الواحد او لا بد من تقدم الطهارة الخبثية زمانا على الطهارة الحدثية فلو قلنا بكفايته فمعناه جواز وقوع الغسل على المحل النجس و ذهاب النجاسة و حصول الغسل كليهما فكيف تقول بالملازمة بين وقوع الغسل على المحل النجس و بين اجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة و بعد عدم مانع من وقوعهما بفعل واحد فيحصل الغسل عن الخبث و لا يبقى نجاسته و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 260

الغسل عن الحدث كليهما.

اقول و الانصاف عدم صحة الاحتمال الثالث اعنى كفاية الغسل (بالفتح) و الغسل (بالضم) بفعل واحد.

اما أولا فلان ركن استدلاله امران:

الأمر الاول: هو

ان اشتراط المحل بالطهارة دليله الاخبار الدالة على اشتراطها و قد تلونا عليك بعضها.

الأمر الثانى: كفاية تحقق الشرط و هو الطهارة عن الخبث و المشروط و هو الطهارة عن الحدث بفعل واحد فباجراء الماء و قصد الغسل يتحقق كل منهما.

فعلى هذا نقول بعد ما اعترفت بان الدليل على اشتراط طهارة محل الغسل هو الاخبار المذكورة فلا بد من ان تعترف بما هو مفاد هذه الاخبار و مفادها كما رايت هو اشتراط الطهارة قبل الغسل لما ترى من الامر بغسل الفرج او الجسد ثم الامر بالغسل و التعبير بكلمه (ثم) يدل على الترتيب و وجوب ترتب الغسل (بالضم) على الغسل بالفتح.

و ثانيا عدم تمامية كلما ذكر فى رد الاشكالات مثلا ما قاله من انه لو قلنا بنجاسة الغسالة حتى قبل الانفصال عن المحل فتقول بان القدر المتيقن من الاجماع على اشتراط طهارة محل الغسل غير مورد نجاسة الماء بالمحل المغسول كما قلنا فى الخبث.

ففيه ان الالتزام باغتفار نجاسته الماء بملاقات المحل المغسول به كان من باب ان قدر المتقين من مورد الأدلة الدالة على كون الماء مطهرا هو صورة غسل النجس بالماء القليل لعدم غير الماء القليل غالبا حين صدور الروايات فمع كون الماء المغسول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 261

به مطهرا و مع كون المحل نجسا و مع كون ملاقات الماء القليل للنجس موجبا لنجاسة الماء فلا بد من الالتزام باغتفار ذلك فى صيرورة نجاسة الماء المطهر بملاقات المحل النجس بالتصرف فى بعض من العمومات اما كل نجس ينجس و اما ماء القليل ينجس بملاقات النجاسة.

و اما فى الغسل فليس اضطرار الى ذلك للامكان غسل المحل أولا ثم الغسل.

و ان قلت

ان الاجماع قائم على اشتراط طهارة المحل فقدر المتيقن منه غير صورة صيرورة الماء نجسا بالمحل النجس.

قلت هذا ينافى مع ما قلت من ان دليل اشتراط طهارة محل الغسل هو الاخبار كما هو كذلك و الاخبار مطلق من هذا الحيث فلا يمكن تقييده بغير مورد نجاسته الماء بالمحل النجس فافهم.

و يستدل على الاحتمال الرابع

و هو التفصيل بين ما اذا كان الماء كثيرا او كان محل النجس اسفل الاعضاء فيكتفى فيه بغسل واحد و بين ما اذا كان قليلا و كان الموضع النجس غير أسفل أعضاء البدن.

اما فيما كان الماء كثيرا فلعدم انفعال الماء بملاقات النجاسة و لو بالمحل النجس لان الماء الكثير لا ينفل بملاقات النجاسة و اما بالنسبة الى ما كان محل الجنس اسفل الاعضاء فلانه على القول بنجاسة الغسالة بعد الانفصال عن المحل فاذا كان محل النجس اسفل الاعضاء فحيث ان انفصال الغسالة يكون بخروجه عن البدن لا تسرى الى بعض بدنه حتى ينجسه فيكفى الغسل الواحد لازالة الخبث و الحدث.

و اما اذا لم يكن الماء كثيرا و كان محل النجس من البدن غير اسفل الاعضاء فلا يكتفى بغسل واحد لان الغسالة نجس لكون الماء المطهر قليلا و ينجس ساير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 262

البدن بملاقات الغسالة النجسة.

[ما يستدل على] الاحتمال الخامس:

و هو المحكى عن الشيخ فى المبسوط قال (و ان كان على بدنه نجاسة ازالها ثم اغتسل و ان خالف و اغتسل أو لا ارتفع حدث الجنابة و عليه ان يزيل النجاسة ان كانت لم تزل و ان زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها انتهى)

اقول و قد يقال فى ان نظره الشريف هو كون طهارة محل الغسل واجبا بالوجوب النفسى لا الوجوب الشرطى.

فان كان هذا مراده فجوابه ان الظاهر من الاخبار هو كون وجوب طهارة المحل وجوبا شرطيا و دخلها فى الغسل.

و هذا كله فى الاحتمالات فى المسألة و الوجوه التى يمكن ان يستدل بها لكل منها او قيل لها.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى قد مضى بعض الكلام فى المسألة فى باب

احكام الوضوء عند التعرض لشرطية طهارة ماء الوضوء و محالّ الوضوء و ذكرنا الاحتمالات و اخترنا الاحتمال الاول من بين الاحتمالات.

و هنا نقول بان الكلام تارة يقع فيما يقتضيه النصوص و بعبارة اخرى يقتضيه الاصل اللفظي و تارة فيها يقتضيه الاصل العملى بعد فرض عدم الاصل اللفظي.

اما الكلام فى المورد الاول فنقول بنحو الاختصار بانه مرة نقول بان الدليل على اعتبار طهارة محل الغسل هو الاخبار التى ذكرنا بعضها فى صدر المسألة معنى ذلك انّ وجوب طهارة محل الغسل يستفاد من هذه الاخبار لا الاجماع فما ينبغى ان يقال هو وجوب غسل موضع النجس من البدن قبل الشروع فى الغسل اعنى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 263

الاحتمال الاول لظهور النصوص فى ترتب الغسل (بالضم) على الغسل (بالفتح) للامر فيها بغسل الفرج ثم صب الماء على الرأس و ساير الجسد للغسل و كلمة ثم يدل على الترتيب و ما ذكر وجها للاحتمال الثانى و ساير الاحتمالات عرفت ما فيه من الاشكال و عدم تماميته الا ما فى رواية حكم بن حكيم المتقدّمة ذكرها من ظهورها فى الاحتمال الثانى.

و اخرى نقول بان الدليل الدال على وجوب طهارة محل الغسل هو الاجماع لا الاخبار و انه لا يستفاد من الاخبار وجوبها لعدّ ما ذكر فيها من غسل الفرج او غيره فى عداد المستحبات فيوهن ظهور الامر بغسل الفرج فيها فى الوجوب لاحتمال كون الامر بغسله مثل غسل اليدين او المضمضة و الاستنشاق من الآداب المستحبة قبل الغسل لا لنجاسته.

فعلى هذا ينبغى ان يختار الاحتمال الثالث و هو كفاية حصول طهارة المحل النجس من البدن و غسله (بالضم) بغسل واحد بحيث يكون غسل واحد مصداقا

لكل منهما و يجاب عما اشكلنا على هذا الاحتمال.

أما عمّا قلنا من انه ان قلت بان دليل وجوب طهارة محل الغسل هو الاخبار فالاخبار ظاهرة فى الاحتمال الاول.

فبانا نقول بان دليله الاجماع و معقد الاجماع و متيقنه لا يتكفل لكون الاجماع على وجوب طهارة المحل هو قبل الشروع فى الغسل او قبل الشروع فى غسل جزء النجس او غيرها.

و اما الاشكال بانه بعد الدليل على أن كل نجس ينجّس و ان الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة فينجس الماء المصبوب على المحل النجس فينجس فلا يصح الغسل لاشتراط طهارة ماء الغسل و نجاسة المحل به و لا يقاس ازالة الحدث بازالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 264

الخبث لان التزامنا بازالة الخبث بالماء القليل مع القول بان كان نجس ينجّس و ان الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة يكون من باب دلالة النصوص على مطهرية الماء القليل فلا بد بهذه النصوص من التصرف فى بعض العمومات المقتضى لنجاسة الماء القليل و اما فى ازالة الحدث فليست هذه الضرورة لامكان الغسل بعد ازاله الخبث على المحل الطاهر.

فيمكن الجواب عنه بانه بعد اغتفار نجاسة الماء المستعمل لازالة الخبث و طهارة المحل به و تصوير كون الفعل الواحد اعنى اجراء الماء مصداقا للغسل و الغسل فيقع الغسل و ازالة الحدث على المحل الطاهر فلا اشكال.

اقول و لكن الاشكال فى المبنى لان كون الدليل على وجوب طهارة محل الغسل هو الاجماع غير معلوم ان لم يكن معلوم العدم لانه لو فرض تحقق الاتفاق يحمل قويا كون منشأه الاخبار لا الاجماع التعبدى هذا بناء على كون المسند الدليل اللفظي.

و قد عرفت بانه بعد ظهور رواية حكم بن حكيم المتقدّمة

فى القول الثانى فمقتضى ذلك كفاية غسل كل عضو عن النجاسة قبل غسله و ان كان الاحوط غسل كل الاعضاء ان كان نجسا قبل الشروع فى الغسل.

و اما لو وصلت النوبة بالاصل العملى فلا بد من بيان انه يساعد مع اىّ من الاحتمالات الخمسة المتقدمة فنقول بعونه تعالى.

اما الكلام فى ان الاصل فى المقام مع الشك فى وجوب طهارة محل الغسل قبل الشروع فيه او قبل غسل موضع النجس او الاكتفاء بغسل واحد لكل من طهارة المحل و غسله بعد الفراغ عن وجوب تطهير المحل هل هو البراءة او الاشتغال فقد مضى الكلام فيه من الخلاف فى انه فى موارد الشك فى دخل شي ء فى الغسل شطرا او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 265

شرطا تجرى البراءة او الاشتغال فان قلنا بان الشك فيها من صغريات الشك فى الاقل و الاكثر الارتباطى تجرى البراءة و ان قلنا بكونها من قبيل الشك فى المحصّل و صغرياته تجرى اصالة الاحتياط و الاشتغال و نحن اخترنا الاول فان وصلت النوبة فى المورد بالاصل العملى فالاصل هو البراءة.

و اما ما قيل من استصحاب الحدث و قد بيّنا بانه من جملة الوجوه المتمسكة بها على الاحتمال الاول و هو وجوب تطهير محل الغسل من البدن ان كان نجسا قبل الشروع فى الغسل فلو لم يغسله قبل الشروع و شك فى صحة الغسل و رافعيته للحدث و عدمه فاستصحاب الحدث محكم.

ففيه ان استصحاب الحدث مسبب عن صحة الغسل و عدمها و الصحة مسبب عن وجوب طهارة محل الغسل قبل الشروع فيه او قبل الشروع فى غسل محل النجس من موضع الغسل و بعد جريان البراءة و هو الاصل

السببى لا مجال لاجراء الاصل المسببى و هو استصحاب الحدث فلا مجال لجريان استصحاب الحدث كما انه لو كان المورد مورد اصالة الاشتغال فمع كون استصحاب الحدث اصلا موافقا لها لا مجال لاجرائه لانّ نفس الشك فى صحة الغسل و عدمها كاف لوجوب الغسل بمقتضى اصالة الاشتغال به و لا حاجة الى اجراء استصحاب الحدث ثم الحكم بوجوب الغسل لان الشك فى بقاء الحدث مسبب عن الشك فى صحة الغسل و عدمها فالاصل السببى مقدم عليه و هو اصالة الاشتغال هذا تمام الكلام بحمد اللّه فى هذه المسألة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 266

[مسئلة 6: يجب اليقين بوصول الماء الى جميع الاعضاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: يجب اليقين بوصول الماء الى جميع الاعضاء فلو كان حائل وجب رفعه و يجب اليقين بزواله مع سبق وجوده و مع عدم سبق وجوده يكفى الاطمئنان بعدمه بعد الفحص.

(1)

اقول اما وجوب اليقين بوصول الماء الى جميع الاعضاء فلقاعدة الاشتغال لان الاشتغال اليقينى بوجوب غسل البشرة يقتضي البراءة اليقينية.

و يمكن الاستدلال بوجوب اليقين بوصول الماء الى جميع الاعضاء بما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام (قال سالته عن المرأة عليها السوار و الدملج فى بعض ذرعها لا تدرى يجرى الماء تحته أم لا كيف تصنع اذا توضأت او اغتسلت قال تحرّكه حتى يدخل الماء تحته او تنزعه و عن الخاتم الضيق لا يدرى هل تجرى الماء تحته اذا توضأ أم لا كيف تصنع قال ان علم ان الماء لا يدخله فليخرجه اذا توضأ) «1».

و قد بيّنا فى طى المسألة (9) من المسائل المتعلقة بافعال الوضوء ما اورد على الاستدلال بالرواية و جوابه فراجع فلو كان حاجب يجب رفعه لحصول اليقين

بوصول الماء بالاعضاء و يستفاد من الرواية المذكورة و كذا لو كان مسبوقا بوجوده.

لو كان شاكا فى وجود الحاجب يجب اليقين او الاطمينان او ما يقوم مقام اليقين بزواله و قد مضى الكلام فيه و فى وجهه فى طى المسألة المذكورة اعنى المسألة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 267

من المسائل المتعلقة بافعال الوضوء.

***

[مسئلة 7: اذا شك فى شي ء انه من الظاهر او الباطن]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا شك فى شي ء انه من الظاهر او الباطن يجب غسله على خلاف ما مرّ فى غسل النجاسات حيث قلنا بعدم وجوب غسله و الفرق ان هناك الشك يرجع الى الشك فى تنجسه بخلافه هنا حيث ان التكليف بالغسل معلوم فيجب تحصيل اليقين بالفراغ نعم لو كان ذلك الشي ء باطنا سابقا و شك فى انه صار ظاهرا أم لا فلسبقه بعدم الوجوب لا يجب غسله عملا بالاستصحاب.

(1)

اقول فى المسألة مسئلتان:

المسألة الاولى: فيما شك فى شي ء انه من الظاهر فيجب غسله

او من الباطن فلا يجب غسله فوجوب غسله و عدمه مبنى على القول بان المورد مورد اصالة البراءة او اصالة الاحتياط لانه بعد عدم وجود اصل لفظى دال على وجوب غسله او عدم وجوبه تصل النوبة بالاصل العملى.

و قد مرّ فى بعض المباحث السابقة وجه الذهاب الى جريان اصالة الاحتياط و هو تخيّل كونه من الشك فى المحصل من باب كون الواجب الطهارة و الغسل محصّلها و اختار المؤلف رحمه اللّه هذا و لهذا قال يجب غسله و وجه الذهاب الى جريان اصالة البراءة لان الشك ليس فى المحصّل بل المورد من صغريات الشك فى جزئية الشي ء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 268

للمأمور به او شرطيته و المامور به نفس الغسل فيكون من الشك فى الاقل و الاكثر فتجرى البراءة سواء كان من باب الشك فى المفهوم او فى المصداق و لا مجال للقول بوجوب غسله لاستصحاب الحدث لانه كما نقول إن شاء اللّه فى المسألة الثانية يكون الاستصحاب مثبتا فتجرى البراءة و قد اخترنا نحن سابقا عدم كون الشك فى المحصل بل كون الشك فى الجزئية و الشرطية اعنى الاحتمال الثانى فعلى هذا نقول فيما نحن

فيه لا يجب غسل المشكوك كونه من الظاهر او الباطن و المؤلف رحمة اللّه مع اختياره كون متعلق الوجوب الغسل لا الطهارة كيف قال بالاحتياط الّا ان يكون نظره من الغسل الطهارة فيكون من الشك فى المحصل لكن عرفت عدم كون المورد من الشك فى المحصل.

المسألة الثانية: اذا كان الشي ء من الباطن سابقا

و شك بعد ذلك فى انه صار من الظاهر أم لا فهل. يقال بعدم وجوب غسله عملا بالاستصحاب مطلقا سواء كان منشأ الشك الشبهة المفهومية او مصداقية كما هو مقتضى اطلاق كلام المؤلف رحمه اللّه.

او يقال بوجوب غسله مطلقا سواء كانت الشبهة مفهومية او مصداقية من باب ان استصحاب عدم وجوبه لا يثبت حصول الطهارة بغسل ما سوى المورد المشكوك الاعلى القول بالاصل المثبت و بعد عدم جريان الاستصحاب نقول بوجوب غسله من باب ان التكليف بالغسل معلوم فيجب اليقين بالفراغ كما اختاره المؤلف رحمه اللّه.

او يقال بالتفصيل بين الشبهة المفهومية و المصداقية فيجب غسل المشكوك فى الاولى لعدم كون شك فى الخارج فلا يجرى الاستصحاب و يجب فى الثانية لجريان استصحاب عدم وجوب غسله.

اقول اما ان كان منشأ الشك الشك فى المفهوم و لا يكون عموم او اطلاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 269

يقتضي وجوب غسل المشكوك او عدم وجوبه فيكون حكمه بعين حكم المسألة الاولى من حيث جريان الاصل بمعنى انه ان قلنا بكون الشك فى دخل شي ء جزءا و شرطا فى الغسل من الشك فى المحصل لان الواجب الطهارة و الغسل محصّلها يكون مورد اصالة الاحتياط و ان قلنا بعدم كون الشك فى المحصل يكون مورد اصالة البراءة و الاقوى عندنا هذا.

و لا مجال لاستصحاب الحدث لانه مسبب عن صحة الغسل و

عدمها المسبب من وجوب غسل المشكوك و عدمه فمع جريان الاصل فى السبب مخالفا كان او موافقا لا يجرى الاصل فى المسبب.

كما لا مجال لاستصحاب الحكمى و هو.

عدم وجوب غسلها بقاء لكونه سابقا من الباطن فلا يجب غسله وجه عدم المجال للاستصحاب اما من باب عدم كون شك فى الخارج و اما من باب ان استصحاب عدم وجوبه لا يثبت حصول المأمور به اعنى الغسل بغسل ما سوى المشكوك وجوب غسله.

و اما ان كان الشك من جهة الشك فى المصداق بمعنى كون الشبهة مصداقية فبعد ما أمضينا فى الاصول عدم جواز التمسك بالعموم فيها وصلت النوبة بالاصل العلمى.

فتارة الكلام فى جريان الاستصحاب فنقول لا يجرى الاستصحاب لا استصحاب بقاء الحدث مع عدم غسل المشكوك لكونه مسبّبا عن الشك فى اعتبار غسل المشكوك و عدمه فالاصل فى السبب و هو البراءة او الاحتياط يغنى عن الاصل فى المسبب بل لا مجال معه له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 270

و لا استصحاب عدم وجوب غسله سابقا من باب كون المشكوك من الباطن سابقا من باب ان استصحاب عدم وجوب المشكوك لا يثبت حصول المأمور به و هو الغسل بغسل ما سوى هذا المشكوك فلا يجرى الاستصحاب الا على القول بالاصول المثبتة.

و تارة يقع الكلام فى ان المورد بعد عدم الدليل اللفظى هل هو مورد البراءة او الاحتياط فنقول كما قلنا غير مرة انه ان قلنا بكون المورد من الشك فى المحصل يكون مورد اصالة الاحتياط و ان لم نقل بذلك كما اخترنا يكون مورد اصالة البراءة فنحن نقول فى المسألة الثانية بعدم وجوب غسل المشكوك كونه من الظاهر او الباطن مع سبق كونه من

الباطن لكن لا لاستصحاب عدم وجوبه كما قال المؤلف رحمه اللّه بل نقول به لاصالة البراءة.

***

[مسئلة 8: الموالاة معتبرة فى الغسل الترتيبى فى غسل المستحاضة و المسلوس و المبطون]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: ما مرّ من انه لا يعتبر الموالاة فى الغسل الترتيبى انما هو فيما عدا غسل المستحاضة و المسلوس و المبطون فانه يجب فيه المبادرة إليه و الى الصلاة بعده من جهة خوف خروج الحدث.

(1)

اقول ما قلنا من عدم اعتبار الموالاة فى الغسل يكون من حيث الغسل فباعتبار نفس الغسل لا يعتبر الموالاة فلا ينافى ذلك رجحان رعاية الموالاة من حيث آخر مثلا نذر قراءة القرآن مع الطهارة و لا يقيّده بوقت معيّن و لكن يريد اتيانه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 271

لحسن المسارعة الى الخير فيكون الغسل مع حفظ الموالاة فيه أيضا راجحا.

او وجوب رعاية الموالاة مثل مورد ضيق الوقت و مثل حدوث الحدث الاكبر فى أثناء الغسل لو لم يراع الموالاة او وقوع حدث الاصغر مثل المسلوس و المبطون.

و القدر المسلم من وجوب رعاية الموالاة يكون فيما حصل للمستحاضة او المسلوس او المبطون فترة بقدر اتيان الغسل بموالاة.

و اما فيما لم تكن فترة لهم بقدر الغسل حتى مع رعاية الموالاة فهل يجب الموالاة أو لا فكلامه فى محله فان قلنا بلزوم تقليل الحدث و المبادرة الى الغسل و الصلاة بعده يجب الغسل بموالاة.

او قلنا بان المستفاد مما دلّ على لزوم الجمع بين الصلاة فى المستحاضة لزوم المبادرة الى الغسل فأيضا يجب الغسل بموالاة.

***

[مسأله 9: يجوز الغسل تحت المطر و تحت الميزاب]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 9: يجوز الغسل تحت المطر و تحت الميزاب ترتيبا لا ارتماسا نعم اذا كان نهر كبير جاريا من فوق على نحو الميزاب لا يبعد جواز الارتماس تحته أيضا اذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء.

(1)

اقول و الكلام تارة يقع فى جواز الغسل الترتيبى تحت المطر و الميزاب

فالظاهر عدم الاشكال فى جوازه بل هو القدر المسلم من مورد الجواز و ما فى بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 272

اخبار الباب من الامر بصب الماء على البدن لا يدل على وجوب الغسل بنحو الصب لان الظاهر ان الامر به يكون بحسب ما يقتضيه من تعارف الماء القليل و كون الغسل فيه بنحو الصب و اجراء الماء على المحل و لهذا قلنا تكفى و لو بنحو الارتماس خصوصا مع ما فى بعض روايات المتقدمة الواردة فى الغسل (كل شي ء امسسته الماء فقد انقيته) «1» فلا نحتاج الا الى مسّ الماء البدن.

و تارة يقع الكلام فى اجزاء الغسل الارتماسى تحت المطر و تحت الميزاب و

ينبغى جعل الكلام فى موارد:
اشارة

المورد الاول: فى اجزاء الغسل الارتماسى تحت المطر لورود بعض الاخبار فى خصوص الغسل تحت المطر.

المورد الثانى: فى اجزائه تحت الميزاب.

المورد الثالث: فيما يغتسل فى النهر الجارى من فوق.

اما الكلام فى المورد الاول

فيستدلّ على صحة الغسل الارتماسى تحت المطر بوجهين:

الوجه الاول: ان ما يستفاد من النص الدال على كون الغسل الارتماسى مجزيا مثل الغسل الترتيبى هو اجزاء الغسل بارتماسة واحدة ففى كل مورد يصدق الارتماس يجزى الغسل فيقال بانه مع وقوع الشخص تحت المطر و نزول المطر عليه يصدق الارتماس عرفا.

الوجه الثانى: بعض الاخبار و هو على طائفتين الطائفة الاولى بعض المطلقات الواردة فى كيفية غسل الجنابة.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 273

مثل ما رواها محمد بن مسلم عن احدها فيها قال (ثمّ تصبّ على راسك ثلاثا ثم تصب على ساير جسدك مرّتين فما جرى عليه الما فقد طهر) «1».

و مثل ما رواها زرارة فقيها قال (ثم صبّ على راسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الايمن مرتين و على منكبه الايسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه) «2».

و مثل ما رواها زرارة قال سألت (أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة الى ان قال) ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك ليس قبله و لا بعده وضوء و كل شي ء أمسسته الماء فقد انقيته و لو ان رجلا جنبا ارتمس فى الماء ارتماسته واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده) «3».

الطائفة الثانية: بعض الاخبار الواردة فى غسل الجنابة تحت المطر.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 7، ص: 273

منها ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام (أنّه سأله عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة ان يقوم فى المطر حتى يغسل راسه و جسده و هو يقدر على ما سوى ذلك فقال ان كان يغسله اغتساله بالماء أجزاء ذلك) «4».

منها ما رواها محمد بن ابى حمزة عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى رجل اصابته جنابة فقام فى المطر حتى سال على جسده أ يجزيه ذلك عن الغسل قال نعم) «5».

اقول اما الوجه الاول فصدق الارتماس فى الماء على مطلق من احاطه الماء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 10 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(5) الرواية 14 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 274

و ان كان بصورة جريان الماء عليه عرفا ممنوع بل الظاهر من الارتماس عند العرف الغمس فى الشي ء فلا يتم الوجه الاول.

و اما الوجه الثانى اما الطائفة الاولى من الاخبار فموردها كما قال بعض الشراح أيضا هو الغسل الترتيبى كما يظهر من صدرها و خصوصا الرواية الثالثة منها فان فيها بعد قوله عليه السّلام بكفاية كل ما امسسته الماء بيّن أجزاء الغسل بنحو الارتماس فصدرها غير مربوط بالغسل الارتماسى فلا اطلاق لهذه الروايات يشمل الارتماسى.

و اما الطائفة الثانية فالرواية الثانية منها مرسلة و لا تدل على ازيد مما تدل الاولى منهما و الرواية الاولى منها و هى رواية

على بن جعفر عليه السّلام فقد يدّعى اطلاقها فيشمل كل من الغسل الترتيبى و الارتماسى.

و اورد «1» على الاستدلال بالرواية:

أولا بانه لا اطلاق لها يشمل للارتماسى لعدم كونها الا فى مقام بيان الحاق المطر بسائر المياه فى صحة الغسل به و كونه بحد ساير المياه فلا ينافى كون كيفية الغسل فى الغسل به لها خصوصيات و منها وقوعها على نحو الترتيب او بالارتماس فى الماء.

و ثانيا على فرض اطلاقها و كون النسبة بينها و بين ما دل على وجوب الترتيب من الاخبار عموما من وجه لان اطلاق هذه الرواية يشمل كلا من الترتيبى و الارتماسى من الغسل فيعم من هذا الحيث و يخص من حيث كونه مطرا و ماء خاصا.

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 100.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 275

و الاخبار الدالّة على الترتيب تعمّ المطر و غير المطر و يخص من حيث كون مفادها خصوص الترتيبى فتتعارضان فى مورد الغسل الارتماسى فى المطر لان المقتضى اطلاق اعتبار الترتيب هو عدم كفاية الغسل تحت المطر بنحو الارتماس و الحال ان مقتضى اطلاق ما دلّ على جواز الغسل تحت المطر عدم وجوب الترتيب و كفاية الغسل تحت المطر بنحو الارتماس.

و لا بدّ من الاخذ بالاخبار الدالة على وجوب الترتيب فى مورد التعارض لكون ظهورها اقوى فى اعتبار الترتيب من رواية على بن جعفر الدالّة على الترتيب بمقتضى اطلاقها فتكون النتيجة عدم جواز الغسل بنحو الارتماس تحت المطر.

اقول ما اورده أولا صحيح لان ما يأتى بالنظر ان رواية على بن جعفر ان لم يكن ظاهر مراد سائلها الغسل الترتيبى لانه سئل عن الرجل يجنب هل يجريه من غسل الجنابة ان يقوم فى المطر

حتى يغسل راسه و جسده الى آخرها فكيفية السؤال من غسل الرأس و الجسد يناسب مع الغسل الترتيبى فلا اقلّ من عدم اطلاق لها يشمل الارتماسى لان جواب الامام عليه السّلام فيها ان كان يغسله اغتساله بالماء اجراه ذلك) يدل على ان مورد جواز الغسل تحت المطر ما يمكن الغسل تحته بنحو اغتساله بالماء.

و بعد ما عرفت من النصوص ان المعتبر فى الغسل الارتماسى هو الارتماس فى الماء فاغتساله بالماء يكون بالارتماس فيه و بعد فرض عدم صدق الارتماس عرفا على من اوقع جسده تحت المطر و احاط المطر به فلا يتمكن من الغسل بنحو اغتساله فى الماء فلا يجرى الغسل تحت المطر بنحو الارتماس.

و اما ما اورد ثانيا فدعوى أظهرية ادلة الترتب فى مورد الاجتماع بالنسبة الى رواية على بن جعفر الدالة على جواز الغسل تحت المطر ممنوع فمع عدم اظهرية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 276

احدهما عن الاخرى لا بد من الرجوع الى عموم او اطلاق النصوص الدالة على اصل الغسل خالية عن اعتبار الترتيب ان كان لها عموم او اطلاق.

المورد الثانى: هل يصح الغسل الارتماسى تحت الميزاب او لا يصح.

وجه الجواز صدق الارتماس عليه و بعض الاخبار المدعى ان اطلاقها يشمل الغسل الترتيبى و الارتماسى مثل رواية محمد بن مسلم و رواية زرارة التى ذكرناهما فى المورد الاول.

و فيه كما مرّ فى المورد الاول لا يصدق الارتماس عرفا و عدم اطلاق للاخبار لان موردها الغسل الترتيبى و اما بعض الاخبار الواردة فى الغسل تحت المطر فقد عرفت عدم امكان التمسك به على صحة الغسل ارتماسا تحت المطر فضلا عن التعدى عن المطر بالماء الجارى عن الميزاب او الجارى من فوق.

المورد الثالث: فيما اذا كان نهر كبير جاريا من فوق نحو الميزاب

اعلم ان المستفاد من كلام المؤلف رحمه اللّه فرض صورتين له لانه قال لا يبعد جواز الارتماس تحته أيضا اذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء فهذا فرض و الفرض الآخر صورة عدم استيعاب الماء جميع بدنه بنحو تحت الماء فاختار صحة الغسل ارتماسا فى الفرض الاول و عدم صحته فى الفرض الثانى.

اقول ان هنا كلاما فى ان المؤلف رحمه اللّه لم افتى بعدم جواز الغسل ارتماسا تحت الميزاب مطلقا و لم يقيّده بما اذا لم يكن الماء الجاري مستوعبا لجميع البدن على نحو كونه تحت الماء لانه اذا استوعب جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء فهو مثل الماء الجارى من الفوق نحو الميزاب الّذي جوّز الغسل ارتماسا تحته بل كان المناسب ان يقول و لا يجوز الغسل بنحو الارتماس تحت المطر و الميزاب و الماء الجارى من فوق الّا اذا استوعب الماء جميع البدن نحو كونه تحت الماء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 277

و كلاما آخر فى انه اذا جرى الماء من الميزاب او من الماء الجارى من فوق بل من المطر و استوعب الماء جميع

البدن نحو كونه تحت الماء هل يصح الغسل الارتماسى فيه أولا.

فالاقوى بالنظر عدم الجواز لانه مع هذا لا يصدق الارتماس و احاطة الماء عليه و ان كان يصدق لكن لا يصدق عرفا الارتماس فلا يصح ما قاله (على نحو كونه تحت الماء) مطلقا على ماء المطر و الميزاب و النهر الجارى من فوق.

***

[مسئلة 10: يجوز العدول عن الترتيب الى الارتماس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: يجوز العدول عن الترتيب الى الارتماس فى الاثناء و بالعكس لكن بمعنى رفع اليد عنه و الاستئناف على النحو الآخر.

(1)

اقول لان مقتضى اطلاق ادلّه الدالة على صحة وقوع الغسل ترتيبا و ارتماسا هو صحته حتى بعد الشروع بقصد احدهما فيجوز له رفع اليد عما شرع فيه و اختيار الفرد الآخر فيجوز العدول من الترتيب الى الارتماس و بالعكس فى الاثناء.

***

[مسئلة 11: اذا كان حوض اقل من الكر يجوز الاغتسال فيه بالارتماس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا كان حوض اقل من الكر يجوز الاغتسال فيه بالارتماس مع طهارة البدن لكن بعده يكون من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 278

المستعمل فى رفع الحدث الاكبر فبناء على الاشكال فيه يشكل الوضوء و الغسل منه بعد ذلك و كذا اذا قام فيه و اغتسل بنحو الترتيب بحيث رجع ماء الغسل فيه و اما اذا كان كرّا او ازيد فليس كذلك نعم لا يبعد صدق المستعمل عليه اذا كان بقدر الكر لا ازيد و اغتسل فيه مرارا عديدا لكن الاقوى كما مرّ جواز الاغتسال و الوضوء من المستعمل.

(1)

اقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: فى جواز الاغتسال فى الحوض الّذي يكون مائه اقل من الكر

مع فرض طهارة البدن و عدمه.

اعلم انه لا ينبغى الاشكال فى الجواز لان مائه ماء طاهر و على الفرض يكون بدنه طاهر فيجوز الاغتسال فيه ارتماسا.

و اما بعد الغسل فيه فماؤه يكون من المستعمل فى رفع الحدث الاكبر فان قلنا بان الماء المستعمل فى رفع الحدث الاكبر لا يجوز استعماله فى رفع الحدث فلا يجوز الغسل او الوضوء منه و ان قلنا بجواز استعماله فى رفع الحدث كما قوّينا ذلك عند تعرض المؤلف رحمه اللّه للمسألة فى فصل الماء المستعمل فنقول بجواز الوضوء و الغسل من هذا الماء.

المسألة الثانية: اذا قام فى الماء المفروض فى المسألة الاولى

اعنى القليل و اغتسل بنحو الترتيب بحيث رجع ماء الغسل فى هذا الحوض القليل مائه فلا اشكال فى صحة الغسل و جواز الاغتسال بعده و الوضوء منه بناء على مختارنا من جواز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 279

استعمال الماء المستعمل فى رفع الحدث الاكبر فى رفع الحدث سواء كان ما يرجع من الماء فى الحوض يكون قطرات يستهلك فى ماء الحوض او مقدارا لا يستهلك فى ماء الحوض.

و اما بناء على القول بعدم جواز استعماله فى رفع الحدث فصحة الغسل ترتيبا فلا اشكال فيه لعدم صيرورة الماء مستعملا فى رفع الحدث الاكبر الا بعد تمام الغسل.

و اما رفع الحدث به بعد الغسل فيه ترتيبا فان كان ما يرجع فى الحوض من الماء عند الغسل يكون قطرات تسقط فى الحوض عند الغسل خصوصا فيما تستهلك القطرات فى ماء الحوض القليل فلا اشكال فيه لما مر وجهه فى طى مسئلة (1) من المسائل المتعلقة بفصل الماء المستمل.

و اما ان كان ازيد من ذلك و على خلاف ما هو مقتضى وضع الغسل من تقاطر قطرات من

الماء، فيشكل رفع الحدث بهذا الماء بناء على عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل فى الحدث الاكبر.

المسألة الثالثة: ما اذا كان الماء الواقع فى الحوض اكثر من الكر

فاغتسل فيه ارتماسا او ترتيبا و لم ينقص عن الكر بالاغتسال فلا اشكال فى صحة الغسل و كذا جواز رفع الحدث بهذا الماء المستعمل فى رفع الحدث الاكبر لما مر فى طى المسألة 8 من فصل الماء المستعمل عدم صدق الماء المستعمل على الماء الكر كخزانة الحمام و غيرها.

المسألة الرابعة: ما اذا كان الماء الواقع فى الحوض مثلا بقدر الكر

فلا اشكال فى صحة الغسل فيه انما الكلام فى كون هذا الماء المغتسل فيه من المستعمل فى رفع الحدث الاكبر فلا يجوز رفع الحدث به بناء على القول بعدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل فى رفع الحدث و لو لم ينقص من الكر بسبب استعماله فى رفع الحدث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 280

الاكبر او يجوز رفع الحدث به مطلقا و ان نقص عن الكر بسبب استعماله فى الغسل و رفع الحدث الاكبر به.

او التفصيل بين ما اذا لم ينقص عن الكر بسبب استعماله فى رفع الحدث الاكبر فيجوز استعماله فى رفع الحدث حتى عند من لا يجوّز رفع الحدث بالماء المستعمل فى رفع الحدث الاكبر.

و بين ما ينقص عن الكر بسبب استعماله فى الغسل فلا يجوز رفع الحدث به احتمالات و الحق التفصيل و هو الاحتمال الثالث لانه فيما لم ينقص الماء عن الكريه باستعماله فى رفع الحدث الاكبر يكون خارجا عن الماء المستعمل لما قلنا فى الماء المستعمل و اشرنا فى المسألة الثالثة من هذه المسألة التى نحن فيها.

و اما فيما نقص الماء باستعماله فى رفع الحدث الاكبر عن الكرية فيكون من الماء المستعمل فى الحدث الاكبر فلا يجوز رفع الحدث به بناء على القول بعدم جواز رفع الحدث به.

و ما قال المؤلف رحمه اللّه (نعم لا يبعد صدق المستعمل

عليه اذا كان بقدر الكر لا ازيد و اغتسل فيه مرارا عديدة) ان كان نظره الشريف الى ان الاغتسال به مرارا صار موجبا لصيرورة الماء انقص من الكر بسبب كثرة الاستعمال فيصح كلامه و يرجع الى ما قلنا من التفصيل.

و ان كان نظره الى مجرد التفصيل فى جواز رفع الحدث به و عدمه بين ما اغتسل فيه مرة و بين ما اغتسل فيه مرارا و لو لم ينقص عن الكر فيما اغتسل فيه مرارا فلم أر له وجها و الظاهر كون نظره الى ما قلنا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 281

[مسئلة 12: يشترط فى صحة الغسل ما مرّ من الشرائط فى الوضوء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: يشترط فى صحة الغسل ما مرّ من الشرائط فى الوضوء من النية و استدامتها الى الفراغ و اطلاق الماء و طهارته و عدم كونه ماء الغسالة و عدم الضرر فى استعماله و اباحته و إباحة طرفه و عدم كونه من الذهب و الفضة و إباحة مكان الغسل و مصبّ مائه و طهارة البدن و عدم ضيق الوقت و الترتيب فى الترتيبى و عدم حرمة الارتماس فى الارتماسى كيوم الصوم و فى حال الاحرام و المباشرة فى حال الاختيار و ما عدا الاباحة و عدم كون الظرف من الذهب و الفضة و عدم الارتماس من الشرائط واقعى لا فرق فيها بين العمد و العلم و الجهل و النسيان بخلاف المذكورات فان شرائطها مقصورة على حال العمد و العلم.

(1)

اقول ذكر المؤلف رحمه اللّه فى هذه المسألة شرائط الغسل و انه يشترط فى صحته ما مر من الشرائط فى الوضوء و الكلام يقع فى موردين الاول فى الشرائط:

الشرط الاول: النية

و المراد اتيان الغسل بداعى القربة و العمدة فى اعتبار النية بالمعنى المذكور الاجماع لعدم تمامية بعض ما استدل به من الآيات و الاخبار كما مر فى نية الوضوء مفصلا و بنحو الاجمال فى الفصل الّذي ذكره المؤلف رحمه اللّه (غسل الجنابة مستحب) الخ و كما يشترط النية فى الغسل يشترط استدامتها الى آخر الغسل لكون النية معتبرة فى تمام العمل بالتفصيل المتقدم فى الوضوء.

الشرط الثانى: اطلاق ماء الغسل

و عليه الاتفاق و لم يذكر الخلاف الا الى الصدوق فى المحكى عنه من تجويزه الوضوء و الغسل بماء الورد و الى ابن ابى عقيل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 282

من افتائه بصحته بالماء المضاف و قد مضى ما تمسكا به على إفتائها عند الكلام فى اعتبار اطلاق الماء فى الوضوء مع جوابهما.

و يدلّ على اشتراطه قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1»

و قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2».

لدلالتهما على أنّ ما يوجب الانتقال عن الغسل و الوضوء الى التيمم هو عدم وجدان الماء و المضاف ليس بماء كما يدل على ذلك الاخبار الدالة على انه مع عدم الماء يجب التيمم فلا يكتفى بالمضاف للوضوء و الغسل.

الشرط الثالث: طهارة ماء الغسل

و لا اشكال فى اعتبارها فتوى و نصا يظهر للمراجع فى الاخبار الواردة فى المياه نذكر واحدة منها تبركا و هى ما رواها عمار الساباطى (انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يجد فى إنائه فارة و قد توضّأ من ذلك الإناء مرارا او اغتسل منه او غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلّخة فقال ان كان رآها فى الإناء قبل ان يغتسل او يتوضأ او يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها فى الإناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كل ما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و أن كان انّما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا

يمس من ذلك الماء شيئا و ليس عليه شي ء لانه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعلّه ان يكون انما سقطت فيه تلك الساعة التى رآها) «3».

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 43.

(2) سورة المائدة، الآية 6.

(3) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 283

الشرط الرابع: عدم كون ماء الغسل ماء الغسالة

و المراد منه اعم من الماء المستعمل فى الاستنجاء و المستعمل فى ازالة الخبث غير الاستنجاء و قد تعرضنا لحكمها من حيث النجاسة و الطهارة و من حيث رافعيتها للحدث و عدم رافعيتها عند تعرض المؤلف رحمه اللّه فى فصل الماء المستعمل.

فلو التزمنا بنجاستها فلا اشكال فى عدم صحة الاغتسال بها لما عرفت من اشتراط طهارة ماء الغسل.

و لو التزمنا بطهارتها فنقول بان الاحوط وجوبا هو عدم جواز الاغتسال بها لأنّ العمدة فى القول بعدم جواز الاغتسال بها الاجماع و رواية عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «1» قد بيّنا عدم تمامية الاستدلال بهما اما رواية عبد اللّه بن سنان فلضعف سندها و الاشكال فى دلالتها اما الاجماع فلا يمكن التعويل على الاجماعات المنقولة كما حكى عن صاحب الجواهر بحيث نفتى عدم الجواز نعم كما قلنا فى محله الاحوط عدم الاغتسال بماء الغسالة.

الشرط الخامس: عدم الضرر فى استعمال الماء

و لا اشكال فى الجملة فى عدم صحة الغسل مع الضرر نعم بعد ثبوت الضرر قد ينتقل الامر الى الغسل على الجبيرة و قد ينتقل الامر الى التيمم و قد تقدم بعض الكلام فيه فى الوضوء و يأتى الكلام فيه أيضا إن شاء اللّه فى مبحث التيمم و لا حاجّة الى ذكر الروايات الدالة عليه فراجع.

الشرط السادس: إباحة ماء الغسل و إباحة ظرفه و إباحة مكان الغسل

و مصبّ مائه بالتفصيل المتقدم فى شرائط الوضوء فراجع حتى تعرف مورده و خصوصياته و دليله.

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 284

الشرط السابع: عدم كون ظرفه من اوانى الذهب و الفضة بالتفصيل المتقدم فى مبحث الاوانى فى شرائط الوضوء مع دليله فراجع كى تقف على خصوصياته و احكامه.

الشرط الثامن: طهارة البدن

و قد بينا وجهه و مسائله فى طى المسألة الخامسة من المسائل المتعرضة فى هذا الفصل.

الشرط التاسع: عدم ضيق الوقت

من تحصيل الماء او استعماله.

الشرط العاشر: الترتيب فى الغسل الترتيبى

و قد تقدم الكلام فيه فى الكيفية الاولى من الغسل و هى الترتيبى عند تعرض المؤلف رحمه اللّه و قد بيّن كون شرط الترتيب شرطا واقعيا فلو عكس و لو جهلا او سهوا لبطل الغسل.

الشرط الحادي عشر: يشترط فى الغسل الارتماسى ان لا يكون الارتماس فى الماء حراما

كيوم الصوم و فى حال الاحرام فقد مضى الكلام فيه فى المسألة الثانية من هذا الفصل.

الشرط الثانى عشر: يشترط المباشرة فى الغسل حال الاختيار

و قد مضى الكلام فى هذا الشرط فى شرائط الوضوء مع ما استدل به على اشتراطه و العمدة هو الاجماع و ظهور الامر بالوضوء و الغسل فى اتيانهما بالمباشرة و يدل على سقوط شرطية المباشرة حال الاضطرار بعض الاخبار الواردة فى الغسل.

مثل ما رواها هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و عن حمّاد بن عيسى عن شعيب عن ابى بصير و عن فضالة عن حسين عثمان عن ابن مسكان عن عبد اللّه سليمان جميعا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى حديث انه كان وجعا شديد الوجع فاصابته جنابة و هو فى مكان بارد قال فدعوت الغلمة فقلت لهم احملونى فاغسلونى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 285

فحملونى و وضعونى على خشبات ثم صبّوا عليّ الماء فغسّلوني) «1».

المورد الثانى: يقع الكلام فى ان شرطية أىّ شرط من الشروط المتقدمة تكون واقعيا

بمعنى اشتراطها فى الغسل حال العمد و غير العمد و اى شرط من الشروط تكون شرطيته مقصورة بحال العمد و العلم.

فنقول بعونه تعالى بانه قد مضى الكلام فى هذه الجهة فى طى مباحث شرائط الوضوء و نقول هنا بنحو الاختصار.

بان كل الشروط المتقدمة شروط واقعية ما عدا عدم الضرر و ما عدا الاباحة و ما عدا عدم كون الظرف من الذهب او الفضة و ما عدا عدم حرمة الارتماس فان شرطيتها مقصورة بحال العمد و العلم لان مع احد هذه الامور لا يمكن التقرب بالعمل و هذا يختص بصورة العمد و العلم كما مرّ تفصيله عند التعرض لشرطيتها فى مبحث شرائط الوضوء و المؤلف رحمه اللّه جعل شرطية عدم الضرر من الشروط الواقعية و لكن نحن قوّينا فى البحث عن شرطيتها فى شرائط الوضوء عدم كون الضرر شرطا واقعيا و لهذا يصح الوضوء

و الغسل مع الجهل بالضرر.

نعم قلنا بان الاقوى و ان كان ذلك لكن الاحوط اشتراطه حتى حال الجهل للاحتمال عدم وجود ملاك الغسل حتى فى صورة الجهل بالضرر او لان الاحتياط حسن على حال.

***

[مسئلة 13: اذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 48 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 286

فيه فاغتسل بالداعى الاول لكن كان بحيث لو قيل له حين الغمس فى الماء ما تفعل يقول اغتسل فغسله صحيح و اما اذا كان غافلا بالمرة بحيث لو قيل له ما تفعل يبقى متحيّرا فغسله ليس بصحيح.

(1)

اقول اما الصحة فى الفرض الاول فلكفاية وجود الداعى فى النية بحيث لو سئل عنه يجيب عما هو داعيه على الفعل و اما عدم الصحة فى الفرض الثانى فلعدم وجود الداعى المعتبر فى النية و قد مضى الكلام مستوفى فى مبحث النية من الوضوء عند تعرض المؤلف رحمه اللّه لها.

***

[مسئلة 14: اذا ذهب الى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا ذهب الى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك فى انّه اغتسل أم لا يبنى على العدم و لو علم انّه اغتسل لكن شك فى انّه على الوجه الصحيح أم لا يبنى على الصحة.

(2)

اقول اما فى الصورة الاولى قال يبنى على العدم و قيل فى وجهه انه مع الشك فى انه اغتسل أم لا مقتضى الاستصحاب البناء على العدم و اتيان الغسل.

و عندى فى ذلك نظر لان استصحاب العدم ان كان اثره الشرعى نفس عدم الغسل فمع انه ليس عدم الغسل اثرا شرعيا لا حاجة لنا لاثبات العدم التمسك بالاستصحاب لان نفس الشك فى الاتيان يقتضي بحكم العقل وجوب اتيان الغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 287

لان اشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية بحكم العقل.

و ان اريد ان اثره وجوب اتيان الغسل فليس هذا اثرا شرعيا له فنقول انه مع الشك

يبنى على العدم و يأتى به لقاعدة الاشتغال فانها تقتضى البراءة اليقينية.

و اما فى الصورة الثانية و هى ما اذا علم انه اغتسل و لكن شك فى صحته فحكم بصحته لاصالة الصحة المعبر عنها بقاعدة الفراغ.

***

[مسئلة 15: اذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبيّن ضيقه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبيّن ضيقة و ان وظيفته كانت هو التيمم فان كان على وجه الداعى يكون صحيحا و ان كان على وجه التقييد يكون باطلا و لو تيمّم باعتقاد الضيق فتبين سعة ففى صحته و صحة صلاته اشكال.

(1)

اقول اما فيما اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبيّن ضيقه فكما قال المؤلف رحمه اللّه تارة يكون قصده و داعيه الى الغسل امره الفعلى و يكون داعيه الى اتيانه بقصد الامر الوجوبى الغيرى تخيله كون الامر الفعلى المتعلق به هو هذا الامر الوجوبى الغيرى ففى هذه الصورة يصح الغسل لان ما نحتاج إليه فى صحة الغسل ليس الا وقوع الغسل بداعى التقرب و هو حاصل و مجرد خطائه فى ان لامر الّذي يريد اطاعته هو الأمر الغيرى لا يضرّ بما هو معتبر فى اطاعة الامر و صحة الفعل.

و تارة يقصد الامر الوجوبى الغيرى بتخيل كون هذا الامر متوجها إليه بحيث لو لم يكن هذا الامر لا يكون له الداعى الى الغسل و بعبارة اخرى يكون داعيه نحو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 288

الغسل هذا الامر الغيرى بنحو التقييد بحيث لو لم يكن هذا الامر لا يتمشى منه القصد و الداعى الى الغسل ففى هذه الصورة لا يصح الغسل لانتفاء الامر الّذي قصده على الفرض لضيق الوقت و عدم قصده الا هذا الامر.

و اما فيما تيمم باعتقاد ضيق الوقت فتبيّن سعته فصحة التيمم

و فساده مبنى على ان مشروعية التيمم فى صورة الاعتقاد بضيق الوقت و ان لم يكن مضيقا واقعا فيصح التيمم او يكون مشروعيته فى صورة ضيق الوقت واقعا فلا يصح و تمام الكلام يأتى إن شاء اللّه فى مبحث التيمم.

***

[مسئلة 16: اذا كان من قصده عدم اعطاء الاجرة للحمامى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: اذا كان من قصده عدم اعطاء الاجرة للحمامى فغسله باطل و كذا اذا كان بنائه على النسيئة من غير احراز رضى الحمامى بذلك و ان استرضاه بعد الغسل و لو كان بنائهما على النسيئة و لكن كان بانيا على عدم اعطاء الاجرة او على اعطاء الفلوس الحرام ففى صحته اشكال.

(1)

اقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: ما اذا كان من قصده عدم اعطاء الاجرة للحمامى

فلا يصح غسله لانه بعد ما لا يحل التصرف فى مال امرئ الا باذنه فهو يتصرف بغير اذن الحمامى فى مائه و مكانه و غيرهما ففى كل من التصرفات المتحدة مع الغسل حيث يكون غاصبا يفسد الغسل لان اذنه مقيد بصورة اعطاء الاجرة و لا يرضى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 289

بالتصرف بغير اجرة.

المسألة الثانية: مثل المسألة الاولى حكما

اذا كان بنائه على النسية مع عدم احراز رضى الحمامى باذن صريح او ما يقوم مقامه فأيضا حيث لا يجوز التصرف الا برضاه يكون غسله باطلا و لا يكفى استرضائه بعد الغسل فى صحته لان المعتبر رضى المقارن للغسل و هو على الفرض غير حاصل لعدم احرازه على الفرض.

المسألة الثالثة: ما اذا كان المغتسل و الحمامى كلاهما بانيين على النسية

لكن يكون المغتسل بانيا على عدم اعطاء الاجرة او كان بانيا على اعطاء الفلوس الحرام لاجرة الحمام ففى صحة الغسل و فساده وجهان.

وجه الصحة هو انه بعد فرض رضى الحمامى بالنسية فهو ملتزم على وقوع الاجرة فى ذمة المغتسل و المغتسل على الفرض بان على ذلك فيصح الغسل لرضاء الحمامى بالغسل على كون الاجرة فى ذمة المغتسل فيكون التصرف بالغسل مأذونا فيصح الغسل.

و اما بناء المغتسل على عدم اعطاء ما يأتى بذمته من الاجرة او اعطائه من الحرام فهو خارج عن بنائهما و التزامهما و رضى المالك بما التزم مع المغتسل.

وجه عدم صحة الغسل هو ان الحمامى و ان كان بنائه على النسية و راضيا فى هذه الصورة لكن رضائه بالنسية مقيد بان يعطى المغتسل الاجرة و يعطيه من الفلوس الحلال و لا يكون رضائه مطلق يشمل حتى صورة بناء المغتسل عدم اعطاء الاجرة او ان يعطى من الفلوس الحرام فالاقوى بالنظر عدم صحة الغسل فى هذه الفرض أيضا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 290

[مسئلة 17: اذا كان ماء الحمام مباحا لكن سخن بالحطب المغصوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا كان ماء الحمام مباحا لكن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فيه لان صاحب الحطب يستحق عوض حطبه و لا يصير شريكا فى الماء و لا صاحب حق فيه.

(1)

اقول وجه عدم المانع من الغسل فى الماء المسخن بالحطب المغصوب هو ان شيئا من اجزاء الحطب لا يدخل فى الماء لا عقلا و لا عرفا و ان كان يكفى عدم الدخول عرفا لان الاحكام الشرعية منزّلة على النظر العرفى لا على النظر الدقى العقلى فلا يكون التصرف فى الماء تصرفا فى الحطب حتى لا يكون التصرف فى الماء قابلا لان يتقرّب به

فيصير الغسل باطلا حتى لو استشكلنا فى الصلاة فى الثوب المصبوغ بالصبغ المغصوب لا وجه للاشكال فى صحة الغسل فيما نحن فيه لان الصبغ مرتبة من وجود الشي ء بنظر العرف بخلاف الحرارة الحاصلة من الحطب المغصوب فى الماء و فلا يعد التصرف فى الماء الحار تصرفا فيما صار سبيا لحرارته.

***

[مسألة 18: الغسل فى حوض المدرسة لغير اهله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الغسل فى حوض المدرسة لغير اهله مشكل بل غير صحيح بل و كذا لاهله الا اذا علم عموم الوقفية او الاباحة.

(2)

اقول اما الغسل فى حوض المدرسة لغير اهله فلظهور كونه وقفا على خصوص اهل المدرسة و الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها فلا يجوز التصرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 291

لغير اهله فيما وقف على اهل المدرسة.

و اما الغسل فيه لاهل المدرسة فان علم عموم الوقفية او الاباحة فلا اشكال فى صحة غسلهم كما انه لو علم عموم الوقفية او الاباحة لغير اهل المدرسة يجوز اغتسالهم فى حوضها.

و اما لو لم يعلم عموم الوقفية او الاباحة فقد يقال بعدم صحة الغسل كما اختاره رحمه اللّه المؤلف لانتفاء الامارة على العموم فلا يجوز التصرف ما لم يحرز جوازه و لا يكفى فى الجواز عدم ثبوت المنع.

و قد يقال بجواز الغسل فيه لهم لان طبع الوقف على اهل المدرسة تقتضى جواز كل تصرف فيها لهم ما لم يثبت المنع فيكون الفرق بين اهل المدرسة و بين غير اهل المدرسة فيجوز لاهلها كل تصرف الا فيما ثبت المنع لان بعد كون طبع الوقف عليهم جواز كل تصرف لهم فيها فالمنع عن التصرف محتاج الى الاحراز و لا يجوز لغير اهلها مع الشك فى الجواز لانه لا يجوز التصرف فجواز التصرف

محتاج الى الاحراز و لا يبعد الاحتمال الثانى اذا كان طبع الوقف يقتضي هذا التصرف بنظر العرف.

***

[مسئلة 19: الماء الّذي يسبلونه يشكل الوضوء و الغسل منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: الماء الّذي يسبلونه يشكل الوضوء و الغسل منه الا مع العلم بعموم الاذن.

(1)

اقول بل لا يجوز لانه لا بد من احراز رضى المالك اما بالعلم او ما يقوم مقامه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 292

من الاذن بالفحوى او شاهد الحال فمع الشك فى رضاه لا يجوز التصرف.

***

[مسئلة 20: الغسل بالمئزر الغصبى باطل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: الغسل بالمئزر الغصبى باطل.

(1)

اقول هذا فيما كان التصرف فى المئزر متحدا مع الغسل و الا فمع عدم الاتحاد فلا وجه لبطلان الغسل فيقال بان الغسل حقيقة جرى الماء على الجسد و هو غير متحد مع التصرف فى المئزر بل الاتحاد بينه و بين مقدمة الغسل و هو ايصال الماء على الجسد فاذا اراد ايصال الماء الى الجسد يتوقف على حركة المئزر فيتحد معه و هذا خارج عن حقيقة الغسل.

اقول و لكن قد يتفق ان نفس الجرى يوجب حركة المئزر و يكون تصرفا فيه فيفسد الغسل فالميزان فى بطلان الغسل ان يتحد التصرف بالغسل مع التصرف فى المئزر.

***

[مسئلة 21: ماء غسل المرأة من الجنابة و الحيض و النفاس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: ماء غسل المرأة من الجنابة و الحيض و النفاس و كذا اجرة تسخينه اذا احتاج إليه على زوجها على الاظهر لانه يعدّ جزء من نفقتها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 293

(1)

اقول وجوب كون الماء و كذا اجرة التسخين فى غسل المرأة من الجنابة و الحيض و النفاس بل غيرها من الاغسال كغسل الاستحاضة و مسّ الميت و كذا ماء الوضوء على الزوج و عدم وجوبه مبنى على كونه من النفقة الواجبة و عدمه فان انحصرت بالاطعام و الكسوة و السكنى كما فى بعض الروايات التعرض لها او تعدّينا عنها لاطلاق النفقة، فى القرآن الكريم و للاجماع بغيرها مما هو مربوط بالمعاش فلا تشمل المورد و ان تعدّينا عنها بمطلق ما يحتاج إليه المرأة و لو فى معاده مثل المورد و الكفارات و غيرهما نقول بوجوبه على الزوج فيما نحن فيه و تمام الكلام فى كتاب النفقات.

***

[مسئلة 22: اذا اغتسل المجنب فى شهر رمضان]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: اذا اغتسل المجنب فى شهر رمضان او صوم غيره او فى حال الاحرام ارتماسا نسيانا لا يبطل صومه و لا غسله و ان كان متعمدا بطلا معا و لكن لا يبطل احرامه و ان كان آثما و ربما يقال لو نوى الغسل حال الخروج من الماء صح غسله و هو فى صوم رمضان مشكل لحرمة اتيان المفطر بعد البطلان أيضا فخروجه من الماء أيضا حرام كمكثه تحت الماء بل يمكن ان يقال ان الارتماس فعل واحد مركب من الغمس و الخروج فكله حرام و عليه يشكل فى غير شهر رمضان أيضا نعم لو تاب ثم خرج بقصد الغسل صحّ.

(2)

اقول فى المسألة مسائل:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7،

ص: 294

المسألة الاولى: لو اغتسل الجنب فى صوم شهر رمضان

او صوم غيره او فى حال الاحرام ارتماسا ناسيا لا يبطل صومه و غسله و إحرامه اما عدم بطلان صومه لان الارتماس فى الماء على تقدير كونه مفطرا لا يكون مفطرا فى حال النسيان لان مفطريته مختصة بحال العمد أو ما بحكمه و كذا لا يكون الارتماس فى الماء ناسيا حراما حال الاحرام فلا يبطل غسله لعدم كوم الارتماس حراما و لا يضر بالاحرام لعدم فساد احرام بالارتماس فى الماء حتى فى صورة العمد و أن كان آثما فى صورة العمد و تجب الكفارة عليه بالتفصيل المذكور فى كتاب الحج.

و كذا لو قلنا بكون الارتماس فى الماء حراما فى حال الصوم بالحرمة التكليفية و ان لم يكن مفطرا لعدم حرمته حال النسيان فلا يبطل الغسل.

المسألة الثانية: و لو اغتسل ارتماسا فى حال الصوم عامدا

فتارة يكون الصوم صوما يجوز ابطاله كصوم المندوب او الواجب الموسّع الّذي يجوز ابطاله فبالغسل ارتماسا يبطل صومه و لا يبطل الغسل لانه بعد جواز ابطال الصوم لا يكون الارتماس حراما و مبطلا فلا مانع من صحة الغسل.

و تارة يكون الصوم صوما لا يجوز ابطاله كصوم شهر رمضان فان قلنا بكون الارتماس حراما لكن لا يفسد به الصوم فلا يبطل الصوم و ان قلنا بكون مفطرا يفسد الصوم و اما ان لم يكن حراما و لا مفطرا فلا يفسد الصوم.

و اما الغسل فيبطل بناء على حرمة الارتماس سواء كان مفطرا أيضا أو لا لكون الارتماس حراما فلا يصح ان يتقرب به حتى بناء على جواز الاجتماع و اما لو لم نقل بحرمة الارتماس و مفطريته فلا يبطل الغسل أيضا.

المسألة الثالثة: لو اغتسل ارتماسا عامدا حال الاحرام فلا يفسد الاحرام لعدم كون الارتماس مفسدا له و ان كان آثما و يجب

عليه الكفارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 295

و اما الغسل فباطل لكون الارتماس محرما فلا يصير مقرّبا كما مر.

المسألة الرابعة: هذا كله فيما اغتسل ارتماسا حال الورود فى الماء

حال الصوم او حال الاحرام و فى هذه المسألة يقع الكلام فى صحة غسله اذا اغتسل حال المكث فى الماء او حال الخروج عن الماء فنقول بعونه تعالى.

اما الكلام فى الصوم فيما كان ارتماسه بالدخول فى الماء عامدا فقد بطل الصوم بناء على كون الارتماس مفطرا سواء كان الصوم صوما يجوز ابطاله كالصوم المستحب او لا يجوز كصوم شهر رمضان.

و اما فيما كان ارتماسه بدخوله فى الماء ساهيا فلا يبطل صومه لان الارتماس على فرض مفطريته لا يكون مفطرا حال النسيان و يجب عليه اخراج نفسه عن الماء بمجرد تذكر ارتماسه فى الماء و اما غسله فيما كان ارتماسه حراما مثل ما كان صائما بالصوم الّذي لا يجوز افطاره و ارتمس فى الماء عامدا و قلنا بانه مع فرض بطلان صومه بالارتماس يحرم ايجاد المفطر عليه كما فى صوم شهر رمضان فلا يصح اغتساله حال المكث فى الماء و لا حال الخروج عن الماء اما حال المكث لكون المكث حراما عليه على الفرض و ان بطل صومه.

و اما حال الخروج لعدم كون خروجه مقرّبا بل يكون مبعّدا و ان لم يكن منهيا عنه فعلا لكفاية ملاك المبغوضية الموجودة فيه و لو بالنهى السابق.

و كذا لو قلنا بما قال المؤلف رحمه اللّه (بل يمكن ان يقال ان الارتماس فعل واحد مركب من الغمس و الخروج فكله حرام) و ان لم يمكن القول بمقالته لان الارتماس يتحقق عن الرسوب فى الماء الى ان ينتهى الى تمام ما يريد ارتماسه لانه على هذا يكون الارتماس بدخوله

تحت الماء و مكثه و خروجه حراما واحدا فالمكث و الخروج جزء آن من الحرام الواحد فصار بتمامه محرما واحدا على الصائم فلا يصح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 296

الغسل دخولا و مكثا و خروجا لكونه حراما واحدا فلو لم نقل بحرمة المضطرات على الصائم بعد تناوله المفطر نقول بحرمة المكث و الخروج عن الماء لاجل كون الارتماس عبارة عن فعل واحد مركب عن الغمس و الخروج فيبطل الغسل الواقع حال المكث و الخروج مثل حال الدخول.

هذا كله فيما لم يتب و اما لو تاب و قصد الغسل حال الخروج صح غسله حيث لا يقع الخروج مبعّدا لمسبوقيته بالتوبّة.

المسألة الخامسة: فى صحة غسل من ارتمس فى الماء حال الاحرام

فى حال المكث فى الماء او حال الخروج.

فنقول اما احرامه فلا يفسد بالارتماس كما مرّ و ان كان عامدا فى الارتماس نعم يكون آثما فى صورة العمد و عليه الكفارة بالتفصيل المذكر فى كتاب الحج.

و اما غسله حال الدخول و الارتماس فقد مضى الكلام فيه.

و اما غسله حال المكث و الخروج مع فرض علمه بحرمة الارتماس اما حال المكث فلا يصح لانه لا يجوز ابقائه مرتمسا حال الاحرام فمع حرمته لا يصح الغسل سواء كان ارتماسه عامدا او ساهيا لان مع عمله بحرمة المكث لا يكون الغسل قابلا لان يتقرب به.

و اما حال الخروج فيصح الغسل فيما كان ارتماسه ناسيا لعدم مبغوضية الخروج بل مطلوبيته لتقليل الارتماس.

و كذا لو كان ارتماسه تحت الماء حال الاحرام عامدا لكن بعد الارتماس تاب عن ذنبه فانه لا يكون الخروج مبعّدا.

و اما فيما كان ارتماسه فى الماء عامدا و لم يتب بعد الارتماس فلا يصح الغسل حال الخروج لكون الخروج مبغوض المولى اما بالنهى الفعلى او

بالنهى السابق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 297

فصل: في مستحبات غسل الجنابة
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 299

قوله رحمه اللّه

فصل فى مستحبات غسل الجنابة و هي امور:

احدها: الاستبراء من المنى بالبول قبل الغسل

الثاني: غسل اليدين ثلاثا الى المرفقين او الى نصف الذراع او الى الزندين من غير فرق بين الارتماس و الترتيب.

الثالث: المضمضة و الاستنشاق بعد غسل اليدين ثلاث مرّات و يكفى مرّة أيضا.

الرابع: ان يكون ماؤه فى الترتيبى بمقدار صاع و هو ستّمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال.

الخامس: امرار اليد على الاعضاء لزيادة الاستظهار

السادس: تخليل الحاجب الغير المانع لزيادة الاستظهار.

السابع: غسل كل من الاعضاء الثلاثة ثلاثا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 300

الثامن: التسمية بان يقول (بسم اللّه) و الاولى ان يقول بسم اللّه الرحمن الرحيم.

التاسع: الدعاء بالمأثور فى حال الاشتغال و هو (اللهم طهر قلبى و تقبل سعيى و اجعل ما عندك خيرا لى اللهم اجعلني من التوابين و اجعلنى من المتطهرين) او يقول (اللهم طهر قلبى و اشرح صدرى و أجر على لسانى مدحتك و الثناء عليك اللهم اجعله لى طهورا و شفاء و نورا إنّك على كل شي ء قدير) و لو قرأ هذا الدعاء بعد الفراغ أيضا كان اولى.

العاشر: الموالاة و الابتداء بالاعلى فى كل من الاعضاء فى الترتيبى.

(1)

اقول ذكر المؤلف رحمه اللّه فى هذا الفصل مستحبات غسل الجنابة و هى امور نتعرض لها بعونه تعالى.

الأمر الاول: استحباب الاستبراء من المنى بالبول قبل الغسل
اشارة

و الكلام فيه فى جهات:

الجهة الاولى: فى وجوب الاستبراء او استحبابه

فى الجملة فنقول فى المسألة قولان قول بالوجوب و هو المحكى عن المبسوط و الاستبصار و المراسم و غيرها.

و قول بالاستحباب و هو المشهور بين المتاخرين.

ما يستدل به على القول الاول اصالة الاشتغال و الاحتياط لان الاشتغال بالغسل معلوم و يشك فى دخل الاستبراء بالبول فيه و عدمه فمقتضى الاشتغال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 301

اليقينى هو البراءة اليقينية و هى لا تحصل الا بالاستبراء من المنى بالبول و لزوم محافظة الغسل عن طريان المزيل عليه.

و بعض الاخبار منها ما رواها احمد بن محمد يعنى ابن ابى نصر قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام (عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين الى اصابعك و تبول ان قدرت على البول الخ) «1».

و منها مضمرة احمد بن هلال (قال سألته عن رجل اغتسل قبل ان يبول فكتب ان الغسل بعد البول الا ان يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل) «2».

و فيه اما اصالة الاشتغال فقد ذكرنا غير مرّة انه لو شك فى دخل شي ء شطرا او شرطا فى الغسل و وصلت النوبة بالاصل فالاصل العملى هو البراءة.

مضافا الى انه لو قلنا فيما شك فى دخل شي ء فى الغسل بكونه من الشك فى المحصل و يكون مجرى اصالة الاحتياط كما قال بعض يكون مورده ما شك فى وجوبه بالوجوب الغيرى و من باب احتمال دخله فى صحة الغسل و فى المورد ان قيل بوجوب الاستبراء لا يقال بوجوبه الغيرى بمعنى دخله فى صحة الغسل بل يقال بوجوبه النفسى فعلى هذا فيما شك فى وجوبه النفسى و عدمه فالاصل هو البراءة حتى عند من يقول بكون الشك

فى دخل الشي ء فى الغسل مجرى اصالة الاحتياط لكون الشك فى المحصل و يأتى إن شاء اللّه تعالى الكلام فى عدم شرطية الاستبراء بالبول لصحة الغسل فى المسألة الثانية.

و اما ما يقال من لزوم المحافظة لعدم طريان المزيل ففيه انه لا دليل على وجوبها بل على رجحان ذلك فى حد ذاته.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 302

و اما الكلام فى الروايتين:

اما رواية احمد بن ابى نصر البزنطى فمضافا الى دعوى عدم ظهور الامر فيها فى الوجوب بل كونه من المستحبات نظير غسل اليد المذكور فى الرواية لا بد من حمل الامر بالبول قبل الغسل بقرينة ما نتلو عليك من الروايات على الاستحباب.

و اما رواية احمد بن هلال العبرتائى ففيها او لا انه مطعون غير موثق.

و ثانيا أنها مضمرة لعدم ذكر من يروى عنه احمد.

و ثالثا لما قلنا فى رواية البزنطي لا بد من حمل الامر بالبول على الاستحباب بقرينة ما نذكر إن شاء اللّه من الروايات.

و ما يمكن ان يستدل به على استحباب الاستبراء بالبول قبل الغسل روايات الاولى و الثانية روايتا البزنطى و احمد بن هلال المتقدمتين بعد حمل الامر فيهما بقرينة بعض ما نذكر من الروايات على الاستحباب و عدم امكان حمل الامر على الوجوب الشرطى و كون حمل الامر على الوجوب التعبدى خلاف الظاهر.

الثالثة ما رواها فى الجعفريات باسناده عن على عليه السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا جامع الرجل فلا يغتسل حتى يبول مخافة ان يتردّد بقية المنى فيكون منه داء

لا دواء له) «1».

فان الظاهر منها و ان كان النهى عن الاغتسال قبل ان يبول لكن ما ذكر من ان الحكمة فى النهى مخافة تردد بقية المنهى شاهد على كون النهى للكراهة لا للتحريم فمع كراهة ترك البول فلا يستفاد من الامر به الا الاستحباب.

الرابعة ما رواها فى الجعفريات باسناده عن جعفر بن محمد عليهما السّلام (قال كثيرا ما

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 452، ح 14.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 303

كنت اسمع ابى يقول يعجبنى اذا اجنب الرجل ان يفصل بين غسله ببول فانه احرى ان لا يبقى منه شي ء) «1».

و هذه الرواية اوضح من الاولى فى كون البول قبل الغسل مستحبا (ان لم نقل بان المستفاد منها ليس الا الارشاد الى عدم بقاء شي ء من المنى و ليس فيها اعمال مولويّة اصلا كما احتمل بعض فى مطلق الاخبار الواردة فى المقام من ان مفادها الارشاد الى ان البول قبل الغسل يصير سببا لعدم بقاء شي ء من المنى فى المخرج حتى يوجب خروجه بعد الغسل انتقاض الغسل فليس فيها اعمال مولوية و ان كان هذا خلاف الظّاهر بنظرى القاصر لان الظاهر من الشارع فى اوامره اعمال المولوية و ان ذكر فى اوامره او نواهيه بعض حكمه او مفاسده.

فعلى هذا لا مانع من القول باستحباب الاستبراء بالبول) وجه اوضحية دلالتها على الاستحباب هو ان قوله عليه السّلام (يعجبنى) ظاهر فى الاستحباب.

اقول ان الاخبار فى المسألة لسانها مختلف منها ما فيه الامر بالاستبراء بالبول بعد المنى قبل الغسل مثل رواية البزنطي و احمد بن هلال.

و منها ما ذكر فيه فائدة الاستبراء بانه اذا استبرء بالبول بعد المنى لا يبقى شي ء

من المنى فى المخرج مثل روايتى الجعفريات.

و منها ما يدل على انه اذا استبرء الشخص بعد المنى قبل الغسل بالبول فلا يجب عليه اعادة الغسل اذا خرج بلل منه و لا ينتقض غسله و اما اذا لم يستبرأ يجب بخروج البلل المشتبه و هذه الروايات كثيرة راجع الباب 36 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل نذكر بعضها تيمنا.

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 452، ح 15.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 304

منها ما رواها الحلبى قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام (عن الرجل يغتسل يجد بعد ذلك بللا و قد كان بال قبل ان يغتسل قال ليتوضأ و ان لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل) «1».

اذا عرفت لسان الروايات المربوطة بالباب نقول اما الطائفة الثانية فغاية ما يستفاد منها استحباب الاستبراء بالبول و اما الطائفة الثالثة فلا يستفاد حتى استحباب الاستبراء بل تدل على وجوب الغسل فى صورة البلبل الخارج بعد الاغتسال مع عدم الاستبراء بالبول و عدم وجوبه فى صورة الاستبراء بالبول.

و اما الطائفة الاولى ففيها الامر بالبول و ليست الا رواية البزنطى لان رواية احمد بن هلال كما بينّا لم تكن حجة و على كل حال فى الامر فيها بالبول احتمالات احتمال كون الامر فيها للوجوب النفسى احتمال كون الامر فيها للوجوب الغيرى اعنى كون البول قبل الغسل شرطا لصحة الغسل احتمال كون الامر للاستحباب احتمال كون الامر ارشاديا فلا يكون مستحبا و فائدته عدم بقاء شي ء فى المخرج يوجب خروجه بعد الغسل لاعادة الغسل.

اما احتمال كون الامر لوجوب النفسى التعبدى بمعنى كون وجوبه لنفسه بدون النظر فى الامر به الى صحة الغسل أو إلى ما يترتب

عليه من الفائدة فمدفوع بما ترى من ظهور الطائفة الثانية و الثالثة فى كون الامر بلحاظ ما يترتب عليه من عدم بقاء البول فى المخرج يوجب خروجه بعد الغسل انتقاض الغسل مضافا الى ظهور الطائفة الثانية فى استحباب البول فيحمل الامر فى الطائفة الاولى بقرينتها على الاستحباب.

و اما احتمال كون البول واجبا بالوجوب الشرطى اعنى اشتراطه فى صحة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 305

الغسل فمدفوع أولا بما فى الطائفة الثانية من الدلالة الظاهرة على استحباب البول قبل الغسل.

و ثانيا ظهور ما فى رواية محمد بن مسلم على عدم كون وجوبه شرطيا دخيلا فى صحة الغسل لان فيها قال عليه السّلام (من اغتسل و هو جنب قبل ان يبول فقد انتقص غسله و ان كان بال ثم اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينتقض غسله و لكن الوضوء لان البول لم يدع شيئا) «1».

فان التعبير ينقض الغسل لو لم يبل و عدم نقض الغسل ان بال قبل الغسل شاهد صريح على عدم اشتراط البول فى صحة الغسل لان النقص يطلق على ذهاب الامر الموجود لا ما لا يوجد اصلا فليس البول واجبا بالوجوب الشرطى.

و لا ينافى ذلك ما فى رواية محمد بن مسلم.

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج من احليله بعد ما اغتسل شي ء قال يغتسل و يعيد الصلاة الا ان يكون بال قبل ان يغتسل فانه لا يعيد غسله) «2» لانه مع صراحة رواية الاولى فى ان الغسل ينتقض بخروج البلل المشتبهة لا يمكن القول بعدم صحة الغسل من رأس، و يحمل الرواية الثانية على صورة كان صلاته

بعد خروج البلل فأمر بالغسل و الصلاة فلا تدل هذه الرواية على شرطية الاستبراء فى صحة الغسل و بعد عدم وجه لاحتمال الوجوب النفسى و الغيرى و دوران الامر بين الاحتمال الثالث و هو الاستحباب و احتمال الرابع و هو كون الامر ارشاديا صرفا فالظاهر هو الاحتمال الثالث لظهور الامر فى المولوية.

فالاقوى هو استحباب الاستبراء بالبول قبل الغسل كما قاله المؤلف رحمه اللّه و عدم

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 306

كونه شرطا لصحة الغسل كما يأتى إن شاء اللّه فى المسألة الثانية من هذا الفصل.

الجهة الثانية: هل يكون استحباب الاستبراء بالبول

او وجوبه على القول به مخصوص بصورة كون الجنابة الحاصلة بانزال المنى او يعمّ لصورة كون الجنابة بالايلاج و الجماع بدون انزال المنى.

وجه الاختصاص دعوى كون مورد الادلة هو صورة الانزال فلا وجه للتعدى الى غيره و عدم الفائدة فى الاستبراء لان فائدة الاستبراء هو عدم بقاء المنى فى المخرج و على الفرض لم ينزل منه المنى حتى تحصل الفائدة بالاستبراء بالبول.

و فيه اما دعوى اختصاص النصوص بصورة حصول الجنابة بالانزال فغير صحيح لان روايتى البزنطى و احمد بن هلال يكون مورد السؤال فيهما غسل الجنابة ففى الاولى قال (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين الى اصابعك و تبول ان قدرت على البول) «1» و فى الثانية (قال سألته عن رجل اغتسل قبل ان يبول «2» فكلتا بها مطلقتان من هذا الحيث.

و اما عدم الفائدة فيمكن ان يقال كما قيل بان فى صورة الجماع بلا انزال تجد

الفائدة اذ ربما انزل و لم يلتف به و قد بقى فى المجرى منه شي ء.

و العمدة فى الجواب هو ان الظاهر كون الفائدة و هو خروج بقية المنى بالبول يكون حكمة لا علّة فلا يوجب ذكر الحكمة رفع اليد عن اطلاق ما دل على الاستبراء بالبول وجوبا او استحبابا على الكلام فيه فعلى هذا ما يأتى بالنظر استحبابه فى كل من الصورتين و ان حكى ان المشهور اختصاص الحكم بصورة الانزال نعم يحصل الاحتياط بالبول رجاء و تحصل به الفائدة و هو عدم محكومية البلل الخارج بعد

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 307

البول و الغسل بكونه منيّا فلا يجب الغسل.

الجهة الثالثة: هل الحكم مختص بالرجل او يشمل المرأة

نسب الى المشهور اختصاص الحكم بالرجل فلا يعم المرأة و ان كانت مجتنبة بالانزال.

و قد يقال فى وجهه بعدم الفائدة المترتّبة على البول بالنسبة الى المنى لان مخرج البول فى المرأة غير مخرج المنى.

و ان كان الوجه هذا فيمكن جوابه بانه كما قلنا ما ذكر من الفائدة فى لسان الروايات للاستبراء بالبول و هو خروج بقية المنى تكون حكمة لا علّة.

او يقال بدلالة رواية سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن رجل اجنب فاغتسل قبل ان يبول فخرج منه شي ء قال يعيد الغسل قلت فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال لا تعيد قلت فما الفرق فيما بينهما قال لان ما يخرج من المرأة انما هو من ماء الرجل) «1» على اختصاص الحكم بالرجل.

و فيه ان هذه الرواية لا تدلّ الّا على عدم ترتب اثر عدم

البول قبل الغسل الثابت للرجل على المرأة و هو وجوب الغسل لو لم تبل كما يأتى فى المسألة من مسائل هذا الفصل إن شاء اللّه و هذا لا ينافى مع استحباب البول قبل الغسل للمرأة بدليل بعض المطلقات الآمرة بالبول مثل رواية البزنطى المتقدمة الشاملة للرجل و المرأة نعم مع حكاية الاختصاص عن المشهور بالرجل فالاحوط ان لا تبول المرأة بقصد الورد و الاستحباب بل يأتى به رجاء.

الامر الثاني: من الامور المستحبة فى غسل الجنابة
اشارة

غسل اليدين لا اشكال فى استحبابه فى الجملة يظهر عند الكلام فى بعض جهاته فنقول بعونه تعالى

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 308

الجهة الاولى يقع الكلام فى مقدار ما يغتسل منهما
اشارة

و انه هل هو الى المرفقين او الى نصف الزراع او الزراع او الى الزندين او الكفين و منشأ ذلك اختلاف الاخبار فى ذلك فنذكر الاخبار إن شاء اللّه ثم ما ينبغى ان يقال فى المقام و هى على طوائف:

الطائفة الاولى: ما يدل على الامر بغسل الكفين

منها ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام (قال سالته عن الجنابة فقال تبدأ بكفيك فتغسلهما) «1».

منها ما رواها زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمنك على شمالك فتغسل فرجك الخ) «2» بناء على عدم كون النظر فى قوله رحمه اللّه بيمينك الى الغسل اليد الى المرافق فيكون الخبر من الاخبار الدالة على الغسل من المرفق و هى الطائفة الثانية.

و منها ما رواها ابو بصير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تصب على يديك الماء فتغسل كفيك الخ) «3».

و هذه الطائفة بظاهرها تدل على الامر بغسل الكفين قبل الغسل لكن يمكن ان يكون الامر بغسل الكفين من باب ابتلائهما غالبا بالنجاسة كما يشهد به ما رواها حريز عن زرارة (قال: قلت كيف تغتسل الجنب فقال ان لم يكن أصاب كفه شي ء غمسها فى الماء ثم بدء بفرجه فانقاه) «4».

فانّها تدل على عدم غسل الكف ان لم يكن اصابه شي ء من القذارة فلا يكون الامر بغسلهما استحبابيا و لعل لذلك لم يذكره المؤلف رحمه اللّه فى جمله ما ذكره فى غسل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الجنابة

من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 309

اليدين لانه رحمه اللّه قال الثانى غسل اليدين ثلاثا الى المرفقين او الى نصف الزارع أو إلى الزندين و لم يذكر الكفين و على كل حال بعد احتمال كون الامر بغسل الكفين لاجل ابتلائهما بالنجاسة فلا يمكن حمل الامر فى الاخبار المذكورة على الاستحباب.

الطائفة الثانية: ما يدل على الغسل اليدين من المرفقين

الى الأصابع منها ما رواها احمد بن محمد يعنى ابن ابى نصر قال (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين (المرفق) الى اصابعك و تبول ان قدرت على البول ثم تدخل يدك فى الاناء ثم اغسل ما اصابك منه «1»).

اقول و يحتمل كون الامر بغسل اليد لاجل رفع النجاسة ان كانت نجسة و الشاهد عليه ان الامر بغسل خصوص اليد اليمنى مضافا الى ما قال عليه السّلام بعد ذلك (ثم تدخل يدك فى الاناء ثم اغسل ما اصابك منه) فالامر بغسل اليد لازالة النجاسة عنها حتى يتمكن من ادخالها فى الاناء لغسل ما اصابه منه.

نعم بناء على ما قد يقال من انه فى بعض النسخ نقل (يديك) فى موضع (يدك فتكون الرواية تغسل يديك) تكون الرواية دليلا على استحباب غسل اليدين من المرفقين لكن مع اختلاف النقل لا يمكن القول باستحباب الزائد على اليد اليمنى كما ان ما روى فى قرب الاسناد عن احمد بن محمد ابى نصر يكون المذكور فيها (فقال تغسل يدك اليمنى الخ «2» فلم نجد رواية تدل على الامر بغسل كل من اليدين من المرفقين نعم يمكن التمسك بما رواه زرارة «3»، و قد بيناها من الطائفة الاولى بناء لعلى كون قوله عليه السّلام و (مرافقك) بعد قوله (فتغسل

فرجك) الامر بغسل اليدين الى المرافق

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 16 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 310

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على الغسل من نصف الذراع

منها ما رواها سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (اذا اصاب الرجل جنابة فاراد الغسل فليفرغ على كفيه و ليغسلهما دون المرفق الخ) «1» بناء على حمل قوله عليه السّلام و ليغسلهما دون المرفق على نصف الذراع.

و منها ما رواها على بن ابراهيم عن أبيه عن رجاله عن يونس عنهم عليهم السّلام (قال اذا اردت غسل الميت (الى ان قال) ثم اغسل يديه ثلاث مرّات كما يغسل الانسان من الجنابة الى نصف الذراع) «2» و هذه الرواية مع قطع النظر عن ارسالها تدل على استحباب غسل نصف الذراع.

الطائفة الرابعة: ما تدلّ على استحباب غسل اليد من الذراعين

و هى ما رواها فى الخصال باسناده عن على عليه السّلام (فى حديث الأربعمائة قال اذا اراد احدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلها) «3».

الطائفة الخامسة: ما يستدل به على استحباب غسل اليدين من الزندين

فهو دعوى كون اليد فيما يستحب غسله قبل الوضوء هو الزندان فكذلك الغسل.

اقول لم أجد ما يدل على كون المراد من اليد المستحبة غسله قبل الوضوء عبارة عن الزند الى اطراف الاصابع.

فعلى هذا ما فى بعض الروايات من غسل اليد للنوم مرة و للغائط و البول مرّتان و للجنابة ثلاثا مثل ما رواها حريز عن ابى جعفر عليه السّلام (قال يغسل الرجل يده من النوم مرّة و من الغائط و البول مرّتين و من الجنابة ثلاثا) «4»، لا وجه لحمل اليد

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 44 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 44 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 27 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 311

فيها على اليد من الزندين بل يمكن ان يقال بان المستفاد من هذه الرواية و امثالها استحباب غسل اليدين فى الجنابة بتمامهما لان الظاهر من اليد هو تمامه او يقال ان المراد منهما من المرفقين بمناسبة ان المطلوب فى الوضوء هو الغسل من المرفقين و هما المراد من اليد فى الغسل فتأمل او يقال بان كل المذكورات يد فيكتفى بكل منها غاية الامر يحمل الاختلاف على الاختلاف فى الفضل.

هذا حال الروايات.

و ما ينبغى ان يقال فى المقام انه فى كل من الموارد المذكورة من الكف او الزند او نصف الذراع او المرفق او اليد مما دل نص على استجابه لا مانع من

القول باستجابة و لا تعارض بينها فانه يحمل على اختلاف مراتب الفضل مثلا نصف الذرع فيه الفضل و تمام الذراع افضل و ما لم نجد نصا عليه مثل الزند مثلا لا بأس بغسله رجاء و باحتمال مطلوبيته.

ثم اعلم ان ما قلنا فى صدر المسألة من انه يستفاد استحباب غسل اليدين عند الكلام فى بعض جهاته فقد ظهر لك فى هذه الجهة حيث أن نفس الاختلافات فى موضع الغسل من اليدين شاهد على عدم كون الأمر بغسلهما للوجوب.

الجهة الثانية: يقع الكلام فى عدد الغسلات

و انه هل يتأدى الاستحباب بمرّة واحدة او يحصل بتثليث الغسلات كما اختار المؤلف رحمه اللّه او يقال بانه فيما يغسل الكفين بناء على استجاب غسلهما او يغسلهما من المرفقين او يغسلهما من الذراعين يتأدى الاستحباب بغسل مرة واحدة بمقتضى النص الدال عليه و اما فيما بغسل من نصف الذراع او من الزندين بناء على استحبابه من الزندين يتأدى الاستحباب بثلاث غسلات بمقتضى دليلهما من النص او يقال يحصل بمرّه من باب حمل الاختلاف على مراتب الفضل كما يحصل بثلاث من باب كونه افضل خصوصا بقرينة رواية حريز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 312

المتقدّمة فى الطائفة الرابعة فكما يكون الاختلاف فى مقدار اليد المستحب غسلها محمول على مراتب الفضل كذلك الاختلاف فى العدد يحمل على ذلك.

الجهة الثالثة: هل استحباب غسل اليد مخصوص بصورة كون الغسل ترتيبيا

او يستحب حتى فى الغسل ارتماسا قد يقال الانحصار بالصورة الاولى لظهور الروايات بحب المورد فى هذه الصورة اقول و لا يبعد التعميم و الا فلا بد من الاختصار بصورة كون الماء المغتسل به قليلا واقعا مثلا فى الاناء فلو غسل بالاغتراف من الماء الكثير و غسل ترتيبا لا يشمله الحكم مثل نفس الغسل فان الاوامر الوردة فى الاغتراف من الاناء فهل يكون مجال فى انه ان كان بالاغتراف من الماء الكر او الجارى و صب على الرأس و الايمن و الايسر لا يكفى للغسل الترتيبى فكذلك فى غسل اليد المستحب قبله.

و على كل حال لو اراد حفظ الواقع فلو اراد الغسل ارتماسا يغسل يده رجاء و باحتمال مطلوبيته.

الأمر الثالث: من الامور المستحبة الاستنشاق و المضمضة.

اعلم ان لسان الاخبار المتعرضة لهما مختلف نذكر الاخبار ثم ما ينبغى ان يقال فى اصل استحبابها و فى كونهما من حيث العدد ثلاثة او يكفى مرّة و من حيث كون محلهما بعد غسل اليدين.

فنقول بعونه تعالى طائفة منها تشتمل على الامر بهما منها ما رواها زرارة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثم تمضمض و استنشق الخ «1».

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 313

منها ما رواها ابو بصير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة فقال تصب على يديك فتغسل كفيك ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ثم تمضمض و تستنشق) «1».

و طائفة منها تشتمل على النهى عن المضمضة و الاستنشاق فى غسل الجنابة منها ما رواها ابو يحيى الواسطى عن بعض اصحابه

قال (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الجنب يتمضمض و يستنشق قال لا انما يجنب الظاهر) «2».

منها ما رواها ابو يحيى الواسطى عمن حدّثه (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الجنب يتمضمض فقال لا انما يجنب الظاهر و لا يجنب الباطن و الفم من الباطن) «3».

و قد يقال بالجمع بين الطائفتين بحمل الامر فى الطائفة الاولى على الاستحباب بقرينة النهى عنهما فى الطائفة الثانية بعد حمل النهى على مجرد عدم الوجوب فى الطائفة الثانية لكون ظاهر السؤال فيها عن الوجوب فالنهى لا يدلّ الا على نفى الوجوب.

و فيه ان كلا من الروايتين من الطائفة الثانية تكون مرسلة فتكونان ضعيفتين من حيث السند.

الطائفة الثالثة: ما يدل على مجرد استحبابهما و كونهما سنتين من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها ما فى رواية على بن جعفر فى كتابه عن اخيه موسى جعفر عليهما السّلام و فيها قال (ينبغى له ان يتمضمض و يستنشق) «4».

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 11 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 314

منها ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليهما السّلام (قال المضمضة و الاستنشاق مما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) «1».

و ان اشكل فى دلالة رواية عبد اللّه بن سنان من الطائفة الثالثة على الاستحباب بدعوى ان كونهما ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يدلّ على

الاستحباب بل يساعد مع الوجوب أيضا فيكفى للدلالة على الاستحباب رواية على بن جعفر عليهما السّلام لان الظاهر من قوله عليه السّلام (ينبغى) هو استحبابهما فتصير الرواية شاهدة للجمع بين الطائفة الاولى و الثانية فتكون النتيجة استحباب المضمضة و الاستنشاق.

ثم بعد استحبابهما يقع الكلام مرة فى انه يستحب ثلاثا او يكتفى بالمرّة فنقول ان ظاهر بعض الاخبار الآمرة بهما فى الطائفة الاولى و ظاهر بعض ما يدل على استحبابهما و هو الطائفة الثالثة من الاخبار عدم التعرض للعدد و بعد عدم التعرض يحصل الاستحباب بمرّة واحدة بل لا دليل على استحباب ازيد من المرّة.

نعم بعد ما روى فى فقه الرضا عليه السّلام من انه يتمضمض و يستنشق ثلاثا لا مانع من اتيان ثلاث رجاء و اما بعنوان الاستحباب فلا لعدم الوثوق بكون الكتاب المذكور من حضرته عليه السّلام.

و اخرى فى محلهما و محلهما كما يظهر من الطائفة الاولى بعد غسل الكفين و غسل الفرج فان كان المستفاد من هذه الطائفة من ذكرهما بعد غسل الكفين تأخرهما عن غسلهما فكذلك كان المناسب ان يقول المؤلف رحمه اللّه من بعد غسل الفرج لان المذكور فى الروايتين المضمضة و الاستنشاق بعد غسل الفرج.

الأمر الرابع: من الامور المذكورة من مستحبات غسل الجنابة

ان يكون ماء

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 315

الغسل فى الترتيبى بمقدار صاع و هو ستّمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال و وجه استحباب كون مائه بقدر الصاع مقتضى الجمع بين ما رواها (زرارة قال ابو جعفر عليه السّلام فى حديث من انفرد بالغسل فلا بد له من صاع) «1» و يدلّ عليه غيره من الروايات راجع الباب 50

من ابواب الوضوء من الوسائل و 32 من ابواب الجنابة من الوسائل.

و بين ما دل من النصوص على الاكتفاء بمجرد حصول مسمى الغسل مثل ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال ان الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه) «2».

و مثل ما فى رواية زرارة (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن غسل الجنابة قال افض على رأسك ثلاث اكف و عن يمينك و عن يسارك انما يكفيك مثل الدهن) «3»، و غير ذلك لانه بعد كفاية مسمى الغسل و ان كان مثل التدهين كما فى روايتى زرارة و غيرهما فلا بد من حمل اللابدية فى الرواية المتعرضة للصاع على الاستحباب.

الأمر الخامس: من الامور المذكورة من المستحبات امرار اليد على الاعضاء

لزيادة الاستظهار اعلم ان ما يمكن ان يتمسك مع قطع النظر عن دعوى الاجماع بعض الاخبار.

منها ما روى على بن جعفر عليهما السّلام عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام فى باب الغسل فى المطر و فيها (قال الا انه ينبغى ان يتمضمض و يستنشق و يمرّ على ما نالت

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 31 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 31 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 31 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 316

من جسده) «1» و لا يبعد دلالة الرواية على الحكم.

الأمر السادس: من الامور المذكورة من المستحبّات تخليل الحاجب

الغير المانع لزيادة الاستظهار تدل عليه الروايات.

منها ما روى محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام و فيها قال (فأما النساء الآن فقد ينبغى لهن ان يبالغن فى الماء «2»).

و منها ما روى جميل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام (و فيها قال ثم (يبالغن فى الغسل) «3».

و الانصاف ان ما استدل به على الحكم المذكور فى غير محله و غير مربوطة بما نحن فيه نعم لا مانع من التخليل رجاء.

الأمر السابع: من الامور المذكورة من المستحبات غسل كل من الاعضاء الثلاثة ثلاثا

اعلم انه لم ار وجها لاستحباب ذلك لان الامر بالصب فى الرأس ثلاثا او ثلاث مرّات لا يدل على تثليث الغسل لان تثليث الغسل غير تثليث الصب لامكان كون الصب مع تعدده يكون غسلا واحدا ثم ان الظاهر كون مورد الاستحباب الغسل الترتيبى لعدم مجال لذلك فى الغسل الارتماسى.

الأمر الثامن: من الامور المذكورة من المستحبات التسمية

بان يقول بسم اللّه و لم أجد نصا يدل على ذلك الا ما فى فقه الرضا عليه السّلام (و تذكر اللّه فانه من ذكر اللّه على غسله و عند وضوئه فقد طهر جسده كله) «4». و ما فى لب اللباب عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 38 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الجنابة من المستدرك الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 317

(اذا اغتسلتم فقولوا بسم اللّه اللهم استرنا بسترك) «1».

فان بسم اللّه ذكر اللّه فهو حسن على كل حال و من الحالات حال الغسل و الاولى ان يقول بسم اللّه الرحمن الرحيم فكذلك هو ذكر و يكون حسنا فى كل حال.

الأمر التاسع: من الامور المذكورة من المستحبات الدعاء المأثور

حال الاشتغال و هو اللهم طهّر قلبى و تقبّل سعى و اجعل ما عندك خيرا لى اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلنى من المتطهرين يدل عليه ما رواها عمار الساباطى (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا اغتسلت من جنابة فقل اللهم الخ) «2» و هل تدل الرواية على استحباب الدعاء حال الاشتغال بالغسل او بعد الفراغ عنه الظاهر الثانى.

او يقول (اللهم طهّر قلبى و اشرح صدرى و اجر على لسانى مدحتك و الثناء عليك اللهم اجعله لى طهورا و شفاء و نورا انك على كل شي ء قدير) «3» منقول فى المستدرك من نفلية الشهيد لكن بزيادة (لى) بين (اشرح) و (صدرى).

الأمر العاشر: من الامور المذكورة من المستحبات الموالاة

و الابتداء بالاعلى فى كل من الاعضاء فى الترتيبى ما ذكر وجه لاستحباب الموالاة الا ما يدل على المسارعة على الخير و الاستباق نحوه و الكون على الطهارة و هذا يقتضي استحباب الموالات حتى يحصل الخير سريعا و يكون الكون على الطهارة الاكثر.

و يدل على استحباب الابتداء بالاعلى فى كل من الاعضاء فى الترتيبى ما فيها امر من الصب على الرأس و المنكبين من النصوص.

***

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 26 من ابواب الجنابة من المستدرك الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 37 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الجنابة من المستدرك الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 318

[مسئلة 1: يكره الاستعانة بالغير فى المقدمات القريبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يكره الاستعانة بالغير فى المقدمات القريبة على ما مر فى الوضوء

(1)

اقول و مرّ الكلام فيه و فى وجهه فى الوضوء فلا نطيل.

***

[مسئلة 2: الاستبراء بالبول قبل الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطا فى صحته و انما فائدته عدم وجوب الغسل اذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمنى فلو لم يستبرأ و اغتسل و صلى ثم خرج منه المنى او الرطوبة المشتبه لا تبطل صلاته و يجب عليه الغسل لما سيأتي.

(2)

اقول تقدم فى فصل مستحبات غسل الجنابة عدم كون الاستبراء بالبول من شرائط صحة الغسل و انما فائدته انه لو استبرء بالبول قبل الغسل فالرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل لا يوجب الغسل و لو لم يستبرأ يجب الغسل بسبها و حيث ان الاستبراء بالبول ليس شرطا فى صحة الغسل فلو لم يستبرأ و اغتسل و صلى ثمّ خرج منه المنى او الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته و يجب عليه الغسل فقط كما يدل عليه الروايات ذكرنا بعضها حين البحث عن استحباب الاستبراء بالبول.

و اما رواية حريز عن محمد يعنى ابن مسلم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج من احليله بعد ما اغتسل شي ء قال يغتسل و يعيد الصلاة الا ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 319

يكون بال قبل ان يغتسل فانه لا يعيد غسله) «1».

فكلما بيّنا عند التّكلم عن استحباب الاستبراء يحتمل كون الامر باعادة الصلاة من باب وقوعها بعد خروج البلل المشتبهة لا قبله حتّى يقال بدلالتها على شرطية الاستبراء لصحة الغسل و خصوصا لما ذكرنا من رواية «2» اخرى عن محمد بن مسلم الدالة على عدم الاشتراط لان المصرح فيها انتقاض الغسل بخروج

البلل المشتبهة لو لم يستبرأ قبل الغسل و عدم انتقاص الغسل بخروج البلل المشتبهة مع الاستبراء و التعبير بالانتقاض شاهد على ان البلل المشتبهة مع عدم الاستبراء بالبول قبل الغسل ينتقض الغسل فالغسل وقع صحيحا و البلل المشتبهة ناقضة مع عدم الاستبراء فلا يكون شرطا لصحة الغسل.

***

[مسئلة 3: اذا اغتسل بعد الجنابة بالانزال ثم خرج منه رطوبة مشتبهة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا اغتسل بعد الجنابة بالانزال ثم خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول و المنى فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنّها منى فيجب الغسل و مع الاستبراء بالبول و عدم الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بانه بول فيوجب الوضوء و مع عدم الامرين يجب الاحتياط بالجمع بين الغسل و الوضوء. ان لم يحتمل غيرهما و ان احتمل كونها مذيا مثلا بان يدور الامر بين البول و المنى و المذى فلا يجب عليه شي ء و كذا حال الرطوبة الخارجة بدوا من غير سبق جنابة فانها

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 320

مع دورانها بين المنى و البول يجب الاحتياط بالوضوء الغسل و مع دورانها بين الثلاثة او بين كونها منيا او مذيا او بولا او مذيا لا شي ء عليه.

(1)

اقول بعد ما لا اشكال فى انه من اغتسل بعد الجنابة بالانزال ثم خرج منه رطوبة يعلم أنها منى يجب عليه الغسل سواء استبرأ قبل الغسل بالبول أو لا و سواء يعلم بانه من بقايا المنى السابق على الغسل او يعلم بكونه حادثا او يكون شاكا فى كونه من بقايا السابق او هو الحادث و سواء استبرء عن البول بالخرطات أو لا لانه مع

العلم بخروج المنى يجب الغسل فالكلام يقع فى مسائل:

المسألة الاولى: اذا اغتسل بعد الجنابة بالانزال ثم خرج منه رطوبة مشتبهة
اشارة

بين البول و المنى فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بانها منى فيجب الغسل و مع الاستبراء بالبول و عدم الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بانه بول فيوجب الوضوء لدلالة بعض الاخبار على ذلك نذكره لك إن شاء اللّه و ان ذكرناه فى بعض المباحث السابقة.

[بعض الاخبار]

الاولى: ما رواها الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سئل عن الرجل ثم يغتسل يجد بعد ذلك بللا و قد كان بال قبل ان يغتسل قال ان كان بال قبل ان يغتسل فلا يعيد الغسل) «1».

الثانية: ما رواها محمد يعنى ابن مسلم (قال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج من احليله بعد ما اغتسل شي ء قال يغتسل و يعبد الصلاة الا ان يكون بال قبل أن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 321

يغتسل فانه لا يعيد غسله) «1».

و قد بيّنا حمل اعادة الصلاة على صورة صلى بعد رؤية الشي ء بقرينة رواية اخرى منه دالة على عدم شرطية الاستبراء بالبول فى صحة الغسل و هى هذه الرواية الثالثة.

الثالثة: قال محمد و (قال ابو جعفر عليه السّلام من اغتسل و هو جنب قبل ان يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله و ان كان بال ثم اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينتقض غسله و لكن عليه الوضوء لان البول لم يدع شيئا) «2» و غير ذلك من الروايات راجع الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

اقول اما فى هذه الرواية و روايات اخر المذكورة فى هذا الباب المذكور فيها فى صورة البول قبل الغسل عدم وجوب الغسل و لكن عليه الوضوء فيحمل الامر

بالوضوء على صورة عدم الاستبراء بعد البول بالخرطات كما هو مقتضى الجمع بين الرويات و قد مضى الكلام فيه فى الاستبراء عن البول بالخرطات.

و قد تحصل لنا ان مقتضى الروايات الثلاثة و نظائرها وجوب الغسل بخروج البلل المشتبه بعد الغسل فيما لم يبل و عدم وجوب الغسل فيما بال قبل الغسل.

و فى قبال هذه الروايات بعض الروايات الظاهرة فى عدم وجوب الغسل بخروج البلل المشتبه فيما لم يبل قبل الغسل اما فى خصوص صورة نسيان البول و اما مطلقا حتى فى حال ترك البول عمدا نذكر لك بعض هذه الروايات لعدم حاجة بذكر كلها.

فنقول بعونه تعالى منها ما رواها عبد اللّه بن هلال (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 322

عن الرجل يجامع اهله ثم يغتسل قبل ان يبول ثم يخرج منه شي ء بعد الغسل قال لا شي ء عليه ان ذلك وضعه اللّه عنه) «1».

منها ما رواها زيد الشّحام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سالته عن رجل اجنب ثم اغتسل قبل ان يبول ثم راى شيئا قال لا يعيد الغسل ليس ذلك الّذي رأى شيئا) «2».

منها ما رواها جميل بن دراج (قال سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يصبه الجنابة فينسى ان يبول حتى يغتسل ثم يرى بعد الغسل شيئا أ يغتسل أيضا قال لا قد تعصرت و نزل من الحبائل) «3» و غير ذلك من بعض المراسيل لا حاجة الى ذكرها.

فيقع التعارض بين الطائفة الاولى و هذه الطائفة لان مقتضى الطائفة الاولى وجوب

الغسل بخروج البلل المشتبهة فيما لم يستبرأ قبل الغسل بالبول و مقتضى الطائفة الثانية عدم وجوب الغسل عليه فى هذه الصورة.

و قد يقال فى مقام دفع التعارض بعض الوجوه:
الوجه الاول: حمل الامر بالغسل فى الطائفة الاولى

بقرينة الطائفة الثانية على الاستحباب فتكون النتيجة استحباب الغسل.

و فيه ان كانت الطائفة الاولى مشتملة على الامر بالغسل يمكن الجمع بحمل ظاهر الامر فيها فى الوجوب بقرينة نصوصيته الطائفة الثانية فى عدم وجوب الغسل على الاستحباب.

و لكن لا يمكن القول بذلك فى رواية محمد بن مسلم من الطائفة الاولى المعبّر

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 14 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 11 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 323

فيها بنقض الغسل فيما خرج البلل المشتبه و لم يبل قبل الغسل لانه قال عليه السّلام فيها فقد انتقض غسله و ليس انتقاض الغسل قابلا للحمل على نقضه استحبابا فلا يمكن الجمع بهذا النحو و هذا الاشكال بهذا الجمع خطر ببالى (و لم ار من خطر بباله و الحمد للّه).

الوجه الثاني: فى الجمع بينهما

بحمل ما دل على وجوب الغسل لو لم يستبرأ بالبول و خرج بعد الغسل بلل و هو الطائفة الاولى على صورة ترك الاستبراء بالبول عمدا و ما دل على عدم وجوب الغسل على صورة نسيان البول قبل الغسل بقرينة الرواية الثالثة من الطائفة الثانية و هى رواية جميل الفارقة بين نسيان البول و عدمه.

و فيه ان رواية جميل يكون موردها صورة نسيان البول قبل الغسل لكن حيث لا مفهوم لها فلا دلالة لها على وجوب الغسل فى صورة ترك البول الغير المستند الى النسيان حتى تعارض الرواية الاولى و الثانية من الطائفة الثانية التى يشمل اطلاقها صورة العمد و النسيان فى عدم وجوب الغسل و ان ترك البول قبل الغسل فتعارض مع الطائفة الاولى مثل الاولى

و الثانية من الطائفة الثانية و ليست قابلة لان تصير شاهد الجمع بين الطائفتين.

الوجه الثالث: ما قاله العلامة الهمداني

فى الكتاب الطهارة من مصباح الفقيه «1» و حاصله حمل الطائفة الثانية من الاخبار الدالة على عدم وجوب الغسل بخروج البلل مع فرض عدم الاستبراء بالبول قبل الغسل على صورة لا يخرج البلل من بين الصلب و الترائب حتى يكون منيا فتكون هذا الطائفة في مقام بيان الحكم الواقعى و هو عدم كون الخارج منيّا لا فى مقام بيان حكم الشبهة المصداقية و هو بيان حكم البلل المردد بين كونه من بقية المنى السابق او غيره بل تكون فى مقام

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 3، ص 419- 418.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 324

بيان ان الخارج ليس منيا واقعا بل هو نزل من الحبائل فمورد هذه الطائفة بيان حكم الشبهة فى المفهوم و ان المشتبه ليس منيا واقعا.

و مورد الطائفة الاولى حكم الشبهة المصداقية و انه مع عدم البول يكون المشتبه مصداق المنى الباقى فى الطريق و مع البول لم يكن الخارج مصداق المنى لان البول لم يدع شئنا فلا تعارض بين الطائفتين.

و فيه ان مجرد احتمال كون النظر فى الطائفة الاول الى الشبهة المصداقية و فى الثانية الى الشبهة المفهومية لا يوجب حمل الاولى على الاولى و الثانية على الثانية بل محتاج الى شاهد الحمل فكما ان الطائفة الاولى قابلة للحمل على الشبهة المصداقية اعنى كون السؤال عن حكم البلل المشتبه من حيث كونه مصداق المنى و بقائه فى المجرى كذلك الطائفة الثانية و الشاهد هو ان السؤال فى كل من الطائفتين عن صورة البول او عدم البول قبل الغسل فيكون فى نظر السائل الشك فى المصداق

و انه حيث بال مثلا لم يبق شي ء من المنى او بقى منه او حيث لم يبل هل يكون الخارج من المنى السابق او لا و مجرد قوله عليه السّلام فى رواية جميل من الطائفة (قد تعصّرت و نزل من الحبائل) لا يوجب حمل الرواية و اختيها على صورة عدم كون البلل منيا واقعا مع اطلاق اختيها الشاملتين لصورة الشبهة المصداقية و كونها فى مقام حكم الواقعى.

بل هذا الكلام نظير قوله (فليس شكك بشك) مع فرض وجود الشك و معناه ان تحكم بكون البلل المشتبه من الحبائل فهذا الجمع ليس بتمام.

و بعد عدم امكان الجمع العرفى بين الطائفتين و وقوع التعارض بينهما فيحث انه لو كان لاحد المتعارضين مرجح على الآخر من احد المرجحات لا بد من الاخذ بما فيه المرجح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 325

نقول فيما نحن فيه بانه لا بد من الاخذ بالطائفة الاولى من الاخبار المفصلة فى وجوب الغسل و عدمه بين عدم البول قبل الغسل و بين البول قبله لان اوّل المرجحات الشهرة و الشهرة المرجحة سواء كانت الشهرة الفتوائية او الروائية مع هذه الطائفة فعلى هذا لا بد من الاخذ بها و القول بوجوب الغسل بخروج البلل المشتبه بعد الغسل لو لم يبل قبل الغسل و عدم وجوبه لو بال قبل الغسل.

المسألة الثانية: لو استبرء بعد انزال المنى قبل الغسل بالبول و كذا بالخرطات ثم خروج عنه بعد الغسل بلل و يحتمل كونه منيا كما يحتمل كونه بولا و كما يحتمل كونه غيرهما مثلا مذيا فلا يحكم بكون البلل الخارج عنه منيّا و لا بولا.

و لهذا لا يجب عليه الغسل و الوضوء لما دل على انه

بعد الاستبراء بالخرطات بعد البول لا يحكم على البلل المشتبه بكون بولا كما عرفت من انه بعد الاستبراء بالبول بعد الجنابة قبل الغسل لا يحكم بكون المشتبه منيا و على الفرض يحتمل غير هما فلا يجب الغسل و الوضوء.

المسألة الثالثة: لو استبرء بعد الجنابة

بكل واحد من البول و الخرطات فاغتسل ثم خرج بلل يحتمل كونه منيا و يحتمل كونه بولا و لا يحتمل غيرهما يحب عليه الجمع بين الغسل و الوضوء للعلم الاجمالى بكون البلل المشتبه اما بولا او منيا فيجب الجمع بين الغسل و الوضوء و ما دل من النصوص على ان المشتبه بالبول بول و المشتبه بالمنى منى لا يشمل الورد لان مورد الاولى كل مورد لم يستبرأ بالخرطات و مورد الثانى كل مورد لم يستبرأ بالبول و فى الفرض استبرء بكل منهما.

المسألة الرابعة: الرطوبة الخارجة من الشخص بدوا

من غير سبق الجنابة أيضا لا يخلو من ان يدور احتماله بين ان يكون منيّا او بولا.

و لا غير فيجب عليه الجمع بين الغسل و الوضوء اذا كانت حالته السّابقة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 326

الطهارة و اما ان كانت الحالة السابقة الحدث الاصغر فيكتفى بالوضوء فقط لان وجوبه معلوم تفصيلا فيكون الشك بالنسبة الى الغسل بدويا.

و بين ان يدور احتمال البلل المشكوك الخارج عنه بين المنى و البول و غيرهما كالوذى مثلا او بين المنى و الوذى او بين البول و الوذى ففى كلها لا يجب الغسل مع كون الحالة السابقة الطهارة او الحدث الاصغر لعدم تنجز العلم الاجمالى مع كون بعض الاطراف بلا اثر لعدم اثر لو كان المعلوم ما لا اثر له فاحتمال كونه مذيا يكفى لعدم وجوب الغسل و كذلك لا يجب الوضوء فيما لم تكن الحالة السابقة الحدث الاصغر بل كانت الحالة السابقة الطهارة بعين ما قلنا فى الغسل لعدم تنجز العلم الاجمالى فيما لم يكن جميع الاطراف فيه الاثر بحيث لو كان هو المعلوم يترتب عليه الأثر الشرعى و مع كون بعض الاطراف

هو الوذى لاحتمال كون الخارج الوذى و هو من بعض اطراف العلم الاجمالى و مع فرض كون المعلوم واقعا هو الوذى فلا اثر له فلا يتنجز العلم الاجمالى هذا فيما كانت الحالة السابقة الطهارة و اما لو كانت الحالة السابقة الحدث الاصغر يجب الوضوء لاستصحاب الحدث هذا تمام الكلام فى هذه المسألة.

***

[مسئلة 4: اذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل و شك فى انه استبرأ بالبول أم لا بنى على عدمه فيجب عليه الغسل و الاحوط ضم الوضوء أيضا.

(1)

اقول وجه وجوب الغسل هو انه بعد ما عرفت من النص على وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 327

الغسل بعد خروج البلل المشتبه بين كونه بولا او منيّا لو لم يستبرأ قبل الغسل بالبول فوجوب الغسل اثر عدم البول قبل الغسل و يترتب عليه فمع الشك فى استبرائه بالبول و عدمه قبل الغسل يجرى استصحاب عدم الاستبراء فيترب عليه اثره و هو وجوب الغسل.

و اما وجه احتياطه بضم الوضوء أيضا فلم اروجها وجيها الا حسن الاحتياط لان ما ذكره بعض الشراح فى وجه الاحتياط من ان الدليل المتكفّل لوجوب الغسل فى صورة خروج البلل المشتبه مع عدم الاستبراء قبل الغسل و عدم وجوبه فى صورة الاستبراء ليس متكفلا لصورة الشك فى الاستبراء و مع عدم الشمول لا بد من الجرى على طبق القاعدة و هو وجوب الغسل و الوضوء في صورة العلم الاجمالى بكون البلل المشتبه اما منيّا او بولا ليس بوجيه.

اذ مع استصحاب عدم الاستبراء يحرز موضوع الدليل و هو عدم الاستبراء فيترتب الحكم و هو وجوب الغسل.

و اعلم ان ما قلنا من وجوب الغسل فقط يكون فيما ترددت

الرطوبة المشتبهة بين البول و المنى كامر فى المسألة الثالثة فليس اطلاق كلامه فى محله.

***

[مسئلة 5: لا فرق فى جريان حكم الرطوبة المشتبهة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا فرق فى جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين ان يكون الاشتباه بعد الفحص و الاختبار او لأجل عدم امكان الاختبار من جهة العمى او الظلمة او نحو ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 328

(1)

اقول وجه عدم الفرق اطلاق الادلة الواردة فى الرطوبة المشتبهة و قد تلونا بعضها عليك.

***

[مسئلة 6: الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها و ان كانت قبل استبرائها فيحكم عليها بعدم الناقضية و عدم النجاسة الا اذا علم أنها اما بول او منى.

(2)

اقول النظر فى المسألة الى ان المرأة لا تشارك الرجل فيما مرّ من انه لو اجنب فاغتسل فخرج بعده منه رطوبة مشتبهة بين البول و المنى فان كان استبرء قبل الغسل لا يحكم بكونه منيّا و ان لم يستبرأ بالبول قبل غسله يحكم بكونه منيا.

بل المرأة سواء استبرأت بعد جنابتها بالبول قبل الغسل او لم تستبرئ اذا خرجت منها رطوبة فان كانت مشتبهة بين البول و المنى يجب عليها الجمع بين الغسل و الوضوء ان كانت حالتها السابقة الطهارة و ان كانت حالتها السابقة الحدث الاصغر يكفى الوضوء فقط لعلمها تفصيلا بوجوب الوضوء فيكون الشك بالنسبة الى الغسل بدويا.

و الحاصل ان الحكم المذكور الثابت للرجل و هو وجوب الغسل بخروج البلل المشتبه بعد الغسل المردد بين البول و المنى لو لم يستبرأ بعد الجنابة قبل الغسل لا يكون هذا الحكم للمراة بل حكمها ما تقتضيه القاعدة.

و لا وجه لكون الحكم المذكور ثابتا للمراة أيضا بلا دعوى اشتراكها مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 329

الرجل فى التكليف.

و كون مورد السؤال و الجواب الرجل لا يوجب اختصاص

الحكم به لانه ورد فى المورد ما يدلّ من عدم كون المرأة مثل الرجل فى هذا الحكم و هو ما رواها سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن رجل اجنب فاغتسل قبل ان يبول فخرج منه شي ء قال يعيد الغسل قلت فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال لا تعيد قلت فما الفرق فيما بينهما قال لان ما يخرج من المرأة انّما هو من ماء الرجل) «1».

***

[مسئلة 7: لا فرق فى ناقضية الرطوبة المشتبهة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لا فرق فى ناقضية الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بين ان يكون مستبرئا بالخرطات أم لا و ربما يقال اذا لم يمكنه البول تقوم الخرطات مقامه و هو ضعيف.

(1)

اقول وجه عدم الفرق اطلاق الادلّة و شمول اطلاقها لصورة الاستبراء بالخرطات و عدمه فمع عدم الاستبراء بالبول يجب الغسل بخروج الرطوبة المشتبهة بين البول و المنى فى كلتا الصورتين.

و ما حكى عن التهذيب من ان قوله عليه السّلام فى رواية البزنطى المتقدمة ذكرها فى الامر الاول من المستحبات (و تبول ان قدرت على البول) «2» يدل على نفى الغسل مع عدم البول لاجل عدم الفدرة عليه.

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 36 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 330

ففيه ان الرواية تدل على ان الامر بالبول مقيد بالقدرة عليه لا ان فائدة البول المستفادة من روايات اخر و هى عدم وجوب الغسل مع البول مقيدة بصورة القدرة على البول.

نعم ربما يقال بان قوله عليه السّلام فى رواية محمد بن مسلم (بعد قوله بان خروج البلل المشتبه ينتقض الغسل لو لم يبل و لا ينتقض

الغسل مع الاستبراء بالبول (لان البول لم يدع شيئا) «1» يدل على ان العلة فى كون الاستبراء بالبول موجبا لعدم وجوب الغسل بخروج البلل المشتبه هو أنّ البول لم يدع شيئا فكلما يوجب لان لم يدع شيئا كاف لعدم وجوب الغسل سواء كان هو البول او كان الاستبراء بالخرطات او كان خروج المذى الكثير لان كلا منها لم يدع شيئا فى المحل فتأمل.

***

[مسئلة 8: اذا احدث بالأصغر فى أثناء غسل الجنابة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا احدث بالأصغر فى أثناء غسل الجنابة الاقوى عدم بطلانه نعم يجب عليه الوضوء بعده لكن الاحوط اعادة الغسل بعد اتمامه و الوضوء بعده او الاستئناف و الوضوء بعده و كذا اذا احدث فى سائر الأغسال و لا فرق بين ان يكون الغسل ترتيبيا او ارتماسيا اذا كان على وجه التدريج و اما اذا كان على وجه الآنيّة فلا يتصور فيه حدوث الحدث فى اثنائه.

(1)

اقول

فى المسألة اقوال ثلاثة:

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 331

القول الاول: عدم بطلان الغسل نعم يجب عليه الوضوء بعده و هو محكى عن المرتضى و المحقق و غيرهما و اختاره المؤلف رحمه اللّه.

القول الثاني: وجوب اعادة الغسل من راس كما حكى عن الهداية و الفقيه و المبسوط و عن جملة من المتاخرين.

القول الثالث: وجوب اتمام الغسل من غير حاجة الى الوضوء كما عن بعض.

يستدل للقول الاول اما بالنسبة الى عدم بطلان الغسل بوجوه:
الوجه الاول: عدم الدليل على بطلان الغسل

اقول ان كان الوجه مجرد ذلك فلا يتم الاستدلال لانه مبنى على كون عدم الدليل دليل العدم و هذا غير تمام.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 7، ص: 331

و لكن الظاهر كما فى كلمات بعضهم هو انه بعد ما يكون منشأ الشك فى بطلان الغسل المشتغل به هو مانعية الحدث الاصغر او قاطعيته للغسل و حيث انه مع الشك فى مانعية شي ء لشي ء او قاطعيته يكون المورد اصالة البراءة.

ففيما نحن فيه بعد عدم الدليل اللفظى على بطلان الغسل بحدوث الحدث الاصغر و الشك فى بطلانه به يكون مجرى البراءة فلا اشكال فى صحة الغسل.

فالوجه الاول كون المورد من صغريات الشك فى المانعية و القاطعية و يكون مجرى اصالة البراءة.

الوجه الثاني: اطلاق الادلة البيانية

فيشمل ما طرأ الحدث فى اثناء الغسل فانّها مع كونها في مقام بيان ما يعتبر فى الغسل لم يبين فيها فساد الغسل بطر و الحدث فمع كونه فى مقام ذلك لم يذكر فساده بطر و الحدث فبالاطلاق المقامى نكشف عدم دخله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 332

و فيه أولا لم نجد بين اخبار الباب رواية او روايات تكون في مقام بيان تمام الاجزاء و الشرائط و الموانع للغسل حتى يقال نكشف من عدم ذكر مانعية الحدث له عدم مانعيته بالإطلاق المقامى.

و لهذا كما رايت فى كثير من الموارد الّذي شككنا فى جزئية شي ء للغسل او شرطيته كنا نحتاج الى ما يقتضيه الاصل العملى من الاشتغال او البراءة كلّ على مبناه.

و ثانيا لو فرض وجود الأخبار البيانيّة تبيّن كل ما يعتبر فى الغسل جزء

او شرطا بل كلما كان مانعا له فمع ذلك لا يمكن بذلك نفى مبطلية الحدث الحادث فى اثناء الغسل لان الحدث الأصغر لا يكون من موانع الغسل بحيث يكون عدمه دخيلا فى صحته.

و انّما الكلام فى انه هل يكون ناقضا للغسل فى الاثناء كالحدث الاكبر الواقع فى الاثناء او بعد الفراغ أم لا (هكذا قال فى المستمسك «1»).

ثم ان بعض الاعاظم رحمه اللّه قال فى المستمسك «2» بان المدعى ان كان يدّعى ان الحدث الاصغر يكون من الموانع للغسل فينفى دعواه بالاخبار البيانية.

و ان ادعى كونه ناقضا لاثر الاجزاء المأتى بها فيجاب عنه باستصحاب عدم الانتقاض لانه نشك فى نقض اثر الاجزاء السابقة بطرو الحدث الاصغر او لا فيستصحب عدم الانتقاض.

اقول اما ما قال فى جواب دعوى كونه من الموانع فقد ذكرنا فى قولنا الوجه

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 125.

(2) المستمسك، ج 3، ص 125.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 333

الثانى و أجبنا عنه بانه لم ار خبرا او أخبارا بيانية متكفلة لبيان تمام ما يعتبر فى الغسل وجودا او عدما حتى يقال بانه من عدم ذكر الحدث الأصغر من الموانع عدم كونه مانعا بالإطلاق المقامى.

و اما ما قال رحمه اللّه فى جواب دعوى كونه ناقضا فنقول بعونه تعالى ان كان نظره الشريف من استصحاب عدم انتقاض الأثر من الاجزاء السابقة من الغسل قبل طرو الحدث فى اثنائه استصحاب القابلية التى كانت فى الاجزاء السابقة و اهليتها بمعنى الصحة التأهلية، و هو ما قال به العلامة الهمدانى «1» رحمه اللّه فى المقام، و قال بحكومة هذا الاستصحاب على استصحاب اثر الجنابة و اصالة الاشتغال، و المراد القابلية لان يلحق بها الاجزاء

اللاحقة باقية بعد طرو الحدث بمقتضى الاستصحاب.

فنقول ان النظر ان كان الى استصحاب القابلية التى كانت للأجزاء السابقة فهذا و ان كان يثبت بالاستصحاب بل لا حاجة الى الاستصحاب لان هذه القابلية متيقنة لكن استصحاب القابلية لا يكون كافيا للصحة الفعلية فالصحة الفعلية لا تكون متيقنة لانها توقفت على تماميته العمل و تحقق الاجزاء فهى مشكوكة و لا تثبت باستصحاب عدم انتقاض الاثر من الاجزاء السابقة او باستصحاب الصحة التأهلية الصحة الفعلية لان الصحة الفعلية تتوقف على اثبات عدم مانعية الحدث و استصحاب بقاء الصحة التأهلية او عدم انتقاض الاثر لا يثبت عدم مانعية الحدث الاعلى القول بالاصل المثبت فلا أثر لاستصحاب الصحة التأهلية التى قال به العلامة الهمداني رحمه اللّه او استصحاب عدم انتقاض الّذي قال فى المستمسك.

نعم لو استفدنا من الادلة اعتبار هيئة اتصاليّة فى المركب كما استفدنا فى الصلاة من التعبير عن بعض الامور بالقاطع يمكن ان يقال ان طرو القاطع يقطع

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 3، ص 418.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 334

حتى هذه القابلية عن الاجزاء لكن لم تثبت ذلك فى الغسل.

و ان فرض اعتبار الهيئة الاتصالية فى المركب فمع الشك فى حدوث القاطع او الشك في قاطعية الموجود يصح استصحاب الهيئة الاتصالية و لكن قد ذكرنا انه لا دليل فى الغسل يدل على اعتبارها حتى انه مع الشك فى بقائها يستصحب الهيئة الاتصالية.

ثم انه على فرض جريان استصحاب عدم انتقاض الاثر من الاجزاء السابقة او استصحاب الصحة التأهلية فحيث أنّ الشك فى بقاء الاثر للاجزاء السابقة او الصحة التأهلية لها مسبب عن الشك فى كون الحدث الأصغر مبطلا للغسل أو لا و بعبارة اخرى يكون

عدمه معتبرا فى الغسل أو لا و تكون المسألة من صغريات الشك فى المانعية و القاطعية و قد أمضينا فى الاصول كونه مجرى البراءة فباجراء الاصل فى السبب يزيل الشك عن المسبب و ان كان الاصلان موافقين فتكون النتيجة كون المورد مورد اصالة البراءة لا الاستصحاب.

كما انه نقول إن شاء اللّه في جواب من يتمسك باستصحاب اثر الجنابة او بقاء الحدث مع الشك فى مبطلية الحدث الاصغر فى اثناء الغسل أنّ هذا الاستصحاب حيث يكون مسببا عن مبطلية الحدث و عدمها فالاصل يجرى فى السبب و هو البراءة و معه يزيل الشك فى المسبّب.

فتلخص ان الوجه فى عدم بطلان الغسل هو اصالة البراءة و نفى مانعية الحدث الاصغر فى اثناء الغسل للغسل هذا بالنسبة الى احد جزئى القول الاول و هو عدم بطلان الغسل.

و اما بالنسبة الى جزئه الثانى و هو وجوب الوضوء بعد الغسل فلعموم ما دل على وجوب الوضوء باسباب خاصة من البول و اخواته او اطلاقها فانه لا فرق بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 335

كون حدوث واحد من الاسباب المذكورة فى حال الغسل و الاشتغال به او فى غير الغسل فلهذا يقال بعدم بطلان الغسل و وجوب الوضوء و لم يخصّص او يقيّد عمومها او اطلاقها الا باحداث احد النواقض قبل الغسل من الجنابة فان غسل الجنابة مجز عنه و فى غيره يجب الاخذ به.

ان قلت انه قد مرّ فى بحث تداخل الوضوء عدم الدليل على وجوب الوضوء لكل فرد وجب من اسبابه بل ما يدل عليه الدليل كون الامور المذكورة نواقض للوضوء و بعد كونها نواقض فاذا حصل سبب فقد نقض الوضوء و لو حصل بسبب

آخر فلا يؤثر بعد السبب الاول لان النقض ليس قابلا للتكرار فعلى هذا نقول ان الاثر يكون للاول و ليس لما بعده اثر بل الاول ناقض و لا غير فاذا كان الامر كذلك فلا دليل على وجوب الوضوء فى المقام مثلا لو بال فى اثناء الغسل فحيث ان الوضوء نقض بالجنابة فيتمنع ان يكون البول فى اثناء الغسل ناقضا أيضا لانّه ما دام لم يفرغ من غسله بقى النقض الحاصل من الجنابة لاسناد الانتقاض إليه حال حدوثه فلا اثر للحدث الأصغر الحاصل فى اثناء الغسل.

قلت ما قلت من ان النقض يصدق على السبب الاول و ما دام هو باقيا لا يطلق النقض على الثانى صحيح لكن كما ترى فى الوضوء بان ما يدلّ على ناقضية النواقض لتمام الوضوء يدلّ على ناقضيتها لأبعاضه فكما انه لو فرغ عن الوضوء و نام ينقض وضوئه بالنوم كذلك لو كان فى اثناء الوضوء مثلا غسل وجهه فنام ينقض وضوئه لان ناقضية النواقض لكل جزء من اجزاء الوضوء.

فهكذا فى الغسل فانه لو فرغ عن الغسل ثم نام فيقضي غسله كذلك لو غسل مثلا رأسه ثم نام فينقض غسله و ان صحّ غسله اذا تمّه لانه لا منافاة بين صحة غسله و بين انتقاض وضوئه فلهذا بطر و الحدث الاصغر فى الاثناء يجب الوضوء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 336

و اما ذكر وجها للقول الثانى
اشارة

و هو وجوب اعادة الغسل من رأس بطر و الحدث الاصغر فى اثنائه فأمور:

الأمر الاول: بعض الروايات:

الاولى: ما روى فى فقه المنسوب الى الرضا عليه السّلام (و لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يديك و فرجك و راسك و تؤخّر غسل جسدك الى وقت الصلاة ثم تغسل ان اردت ذلك فان احدثت حدثا من بول او غائط او ريح بعد ما غسلت راسك من قبل ان تغسل جسدك فاعد الغسل من اوله) «1».

الثانية: ما فى المدارك نقلا من كتاب عرض المجالس للصدوق ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام (قال لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك ذكر مثله ثم قال و رواه الشهيدان و غيرهما من الاصحاب) «2».

و فيه ان الروايتين ضعيفتان من حيث السند لعدم ثبوت حجية كتاب فقه الرضا عليه السّلام و ضعف سند ما حكي عن عرض المجالس فلا يمكن التعويل عليهما و عدم الشهرة على العمل على طبقهما كى يقال بجبر ضعف سندهما بها.

الأمر الثاني: انه اذا وقع الحدث الاصغر بعد تمام الغسل ابطل إباحة الغسل للصلاة

فاذا وقع الحدث الاصغر فى اثناء الغسل يبطل إباحة الغسل للصلاة بطريق الاولى لانّه ما يبطل إباحة الغسل بتمامه للصلاة فابطاله لبعض الغسل يكون بطريق الاولى غاية الامر ان الحدث الاصغر اذا طرأ بعد اتمام الغسل حيث لا يكون المحدث جنبا يكفيه الوضوء فقط لرفع الحدث الاصغر و اما اذا طرأ فى اثناء الغسل فحيث يكون المحدث جنبا بعد لعدم تمامية غسله فلا يجب عليه الوضوء بل الواجب عليه

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 4 من ابواب الغسل من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2.

(2) الرواية 7 من الباب 4 من ابواب الغسل من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 337

هو اعادة الغسل من راس فهو يكون مثل من اجنب فى اثناء الغسل من وجوب الغسل عليه.

و

فيه ان الاولوية ممنوعة لان من يقول بالقول الثالث و هو كفاية الاقتصار على اتمام الغسل الواقع فى اثنائه الحدث بدون حاجة الى ضم الوضوء يقول بعدم الاثر لاسباب الموجبة للوضوء ما دامت الجنابة باقية و لا ترتفع الجنابة الا بعد تمام الغسل فالحدث الاصغر الواقع بعد الغسل يبطل إباحة الغسل للصلاة و يوجب الوضوء و اما الحدث الاصغر الواقع فى اثناء الغسل لا يوجب الوضوء لعدم شمول ادلة ناقضية النواقض صورة تكون الجنابة باقية.

اقول و هذا الجواب يصح لمن يقول بالقول الثالث و هو كفاية الاقتصار على اتمام الغسل بدون حاجة الى الوضوء من باب التزامه بعدم الاثر لموجبات الوضوء مع بقاء الجنابة.

و اما القائل بالقول الاول و هو من يقول بكفاية اتمام الغسل و لكن يجب الوضوء بعد الغسل من باب شمول اطلاقات ادلة نواقض الوضوء حتى للمورد فلا يمكن له منع الاولوية الا بوجه آخر لانه بعد كون الحدث الاصغر بعد الغسل مبطلا لاباحة الغسل للصلاة ففى الاثناء يكون اولى بمبطليته لانه على قوله يشمل اطلاق الناقضية حدوث الناقض فى اثناء الغسل نعم يكفى هذا جوابا للعدم.

فالاولى فى الجواب ان يقال بانه على فرض تسليم كون طرو الحدث الاصغر ناقضا مثل حدوثه بعد الغسل فلا يقتضي دليل ناقضيته الا عدم الاكتفاء بهذا الغسل الذي حدث فى اثنائه الحدث الاصغر للصلاة و عدم إباحة الصلاة بمجرد هذا الغسل و هذا لا يقتضي بطلان الغسل به و وجوب اعادة الغسل من رأس بل يتمّه ثمّ يتوضأ و يبيح له الصلاة و بعبارة أوضح عدم إباحة الصلاة بهذا الغسل الواقع بينه الحدث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 338

الاصغر مثل عدم إباحة

الصلاة بالغسل الواقع بعده الحدث الاصغر لا يقتضي بطلان الغسل من رأس لعدم اعتبار عدم الحدث فى الغسل بل يقع الغسل صحيحا.

و يجب الوضوء لناقضية الحدث كما بينّا فى وجه وجوب الوضوء عند التكلم فى وجوه المتمسكة بها على القول الاول.

الامر الثالث: استصحاب بقاء الجنابة

عند الاكتفاء بالغسل فمع طرو الحدث الاصغر فى اثناء الغسل لو اكتفى باتمام ما بيده من الغسل يشك فى بقاء الجنابة و عدمه فيستصحب الجنابة المتيقنة سابقا فيجب عليه اعادة الغسل من رأس.

و فيه انه كما ذكرنا فى ذكر وجه القول الاول ان استصحاب الجنابة او استصحاب الحدث لا يجرى فى المقام لان الشك فى بقاء الجنابة او الحدث مسبب عن الشك فى دخل عدم طرو الحدث الاصغر فى صحة الغسل و بعد كون مقتضى اصالة البراءة فى الشك فى مانعية شي ء لشي ء او قاطعيته هو عدم مانعيته و قاطعيته فيزيل الشك فى المسبب بسبب الاصل الجارى فى السبب فلا مجال لجريان استصحاب الجنابة او الحدث مثل ساير الموارد الّذي يشك فى بقاء التكليف و كان منشأ الشك اعتبار شي ء فى المامور به شرطا او شطرا او وجودا او عدما فباصالة البراءة الجارية المقتضية لعدم دخل المشكوك فى المأمور به يرتفع الشك فلا مجال لاستصحاب بقاء التكليف فكذلك فى المورد.

و من هنا يظهر لك عدم مجال للتمسك على هذا القول بقاعدة الاشتغال لان الشك فى بقاء الاشتغال مسبب عن الشك فى دخل المشكوك فى المامور به و ببركة جريان اصالة البراءة فى السبب لا يبقى مجال لجريان الاصل فى المسبب فلا مجال لاصالة الاشتغال.

و اما الوجه للقول الثالث
اشارة

و هو الاكتفاء باتمام الغسل و عدم وجوب ضم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 339

الوضوء فأمور:

الأمر الاول: استصحاب صحة الغسل.

و فيه ان المراد ان كانت الصحة الفعلية فليست لها الحالة السابقة حتى يستصحب لان الصحة الفعلية تتوقف على وقوع تمام الاجزاء و اتمام العمل.

و ان كان المراد الصحة التأهلية فلا تفيد شيئا حتى مع العلم ببقائها لان اثر استصحابها ليس عدم مانعية الحدث الا على القول بالاصول المثبتة مضافا الى ان لو ثبت بالاستصحاب فرضا صحة الغسل فلا يفيد ذلك لاثبات عدم وجوب الوضوء فلا ينفع الاستصحاب للقول الثالث و هو عدم وجوب الوضوء.

الأمر الثاني: دعوى الاجماع

على ان ناقض الطهارة الصغرى لا يوجب الطهارة الكبرى.

و فيه انه على فرض انعقاد الاجماع التعبدى على ما ادعى فلا يفيد للقول الثالث و هو اتمام الغسل بدون حاجة الى ضم الوضوء بل يساعد مع القول الاول و هو صحة الغسل و ضم الوضوء بعده لان مقتضى الاجماع المذكور عدم موجبية الحدث الاصغر الطارئ فى اثناء الغسل للطهارة الكبرى فلا يفسد هذا الغسل لكن حيث يوجب الطهارة الصغرى بمقتضى اطلاق دليل ناقضيته يجب الوضوء بعد الغسل.

الأمر الثالث: اطلاق ما دل على

ان (كل شي ء امسسته الماء فقد انقيته) «1» او قوله عليه السّلام (فما جرى عليه الماء فقد أجزأه) «2».

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 340

بدعوى دلالتهما بإطلاقهما على وقوع الغسل صحيحا بمجرد جريان الماء على البدن او مس الماء البدن سواء حصل الحدث الاصغر فى الاثناء أو لا.

و فيه أولا ان ما ذكر فى الروايتين يكون فى مقام بيان حيث وقوع الماء و كفاية مجرد المس او الجريان فى الغسل المعتبر فى الغسل و ليس فى مقام بيان جهات اخرى معتبرة فى الغسل وجودا او عدما و إلا فيقال بان اطلاقهما يشمل ما اذا كان الماء مغصوبا كما يشمل ما اذا كان مباحا.

و ثانيا على فرض تمامية الاستدلال يدل على صحة الغسل و لا ينافى مع وجوب ضم الوضوء فيصير دليلا على القول الاول المختار و هو صحة الغسل مع ضم الوضوء لا على القول الثالث.

الامر الرابع: عدم اعتبار الموالاة فى الغسل

فمن عدم اعتبارها نكشف عدم مضرية طرو الحدث الاصغر فى الاثناء خصوصا مع بعد عدم طرو الحدث فى اثناء الغسل مع ترك الموالاة.

و فيه أولا كما قلنا فى الجواب عن الامر الثالث ان ما يدل على عدم اعتبار الموالاة يكون النظر فيه الى بيان عدم دخل هذا الحيث و هو الموالاة لا الحيثيات الاخرى حتى يؤخذ بإطلاقه من حيثيات اخرى و مجرد الاستبعاد فى انه كيف لا يحدث الحدث الاصغر فى اثناء الغسل مع الفصل الطويل مثلا من الصبح الى الظهر لا يكفى دليلا لعدم منافاة بين عدم اعتبار الموالاة و عدم فساد الغسل من حيث

فقد الموالاة و بين فساده من حيث آخر و هو حدوث الحدث الاصغر.

و ثانيا بناء على تمامية هذا الوجه فلا يدل الا على صحة الغسل و عدم فساده بطر و الحدث الاصغر فى اثنائه و لا يدل على عدم وجوب ضم الوضوء حتى يكون دليلا على القول الثالث بل نقول بانه يدل على صحة الغسل و حيث يجب الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 341

لحدوث الحدث كما مر بيانه يجب ضم الوضوء فيدل على القول الاول المختار.

فتلخص من كل ذلك بحمد اللّه عدم تمامية الوجوه المتمسكة بها على القول الثانى و الثالث و بيان الدليل على القول الاول و هو وجوب اتمام الغسل مع ضم الوضوء به و هذا القول المختار.

ثم بعد ما عرفت حكم المسألة من كفاية اتمام الغسل و ضم الوضوء بعده فيما طرأ الحدث الاصغر فى اثناء الغسل

يقع الكلام فى جهات:
الجهة الاولى: من اراد الاحتياط

فيمكن الاحتياط باعادة الغسل بعد اتمامه و الوضوء بعده فيأتى بما بقى مما بيده من الغسل و كذا الغسل الّذي يعيد بعده و الوضوء رجاء بعنوان حفظ الواقع.

او بان يرفع اليد عما بيد من الغسل فيستأنف الغسل فياتى بكل عضو جاء به سابقا رجاء و احتياطا و لما لا يأتى به من الاعضاء بقصد اتمام الغسل مع الجزم بمطلوبيته مردا بين كونه من الغسل الاول او الثانى ثم يأتى بالوضوء بعده احتياطا.

و يمكن اتيان النحوين المذكورين احتياطا و لحفظ الواقع على كل حال بدون قصد كون بعض الاجزاء من الاول او الثاني.

الجهة الثانية: اذا احدث بالحدث الاصغر فى اثناء غير الغسل الجنابة

من الاغسال فان قلنا بعدم احتياجه الى الوضوء فيجرى فيه الخلاف المتقدم فى غسل الجنابة و الاقوال الثلاثة المتقدمة.

و ان قلنا باحتياج ساير الاغسال بالوضوء فلا اشكال فى وجوب الوضوء بعد الغسل على كل حال لوجوب الوضوء بالحدث قبل الغسل على كل حال و اما بالنسبة الى الغسل فمن حيث الاكتفاء باتمامه او وجوب استينافه و اعادته يكون مثل الحدث الاصغر الواقع فى اثناء غسل الجنابة فان قلنا بالاكتفاء باتمام الغسل كما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 342

اخترنا نقول به فى ساير الاغسال و ان قلنا بعدم الاكتفاء و وجوب اعادة الغسل نقول به فى ساير الاغسال.

الجهة الثالثة: لا فرق فى الحكم المذكور بين الغسل الترتيبى و الارتماسى

غاية الامر فى الارتماسى يمكن فرض حدوث الحدث الاصغر فى اثنائه اذا اوجده على وجه التدريج كما مر فرضه فى الصور المتصورة فى الغسل الارتماسى مثل ما قصد الغسل من ابتداء الشروع فى غمس الاعضاء تدريجا الى حصول تمام الارتماس و اما اذا كان على وجه الآنية فلا يتصور حدوث الحدث فى اثنائه و لكن يتصور المقارنة بان طرأ الحدث المقارنة للارتماس.

***

[مسئلة 9: اذا احدث بالاكبر فى اثناء الغسل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا احدث بالاكبر فى اثناء الغسل فان كان مماثلا للحدث السابق كالجنابة فى اثناء غسلها او المس فى اثناء غسله فلا اشكال فى وجوب الاستئناف و ان كان مخالفا له فالاقوى عدم بطلانه فيتمّه و يأتى بالآخر و يجوز الاستئناف بغسل واحد لهما و يجب الوضوء بعده ان كانا غير الجنابة او كان السابق هو الجنابة حتى لو استأنف و جمعهما بنيّة واحدة على الاحوط و ان كان اللاحق جنابة فلا حاجة الى الوضوء سواء اتمّه و اتى للجنابة بعده او استأنف و جمعهما بنية واحدة.

(1)

اقول فى المسألة مسئلتان:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 343

المسألة الاولى: اذا احدث بالاكبر فى اثناء الغسل

و كان الحدث الثانى مماثلا للحدث الاول مثلا اجنب فاشتغل بغسل الجنابة ثم اجنب فى اثناء هذا الغسل يجب استيناف الغسل لما ادعى من الاتفاق عليه كما حكى عن كشف اللثام و لان الحدث الطارئ يكون رافعا مستقلا لعموم دليله فيؤثر اثره و هو بطلان ما وقع من الغسل فيما يكون له الاثر قبل تعقب بقية اجزائه و لم يكن فى تاثيره متوقفا على وقوع ساير اجراء الغسل و لا اقل من الصحة التأهلية فيرفع الحدث الطارئ هذا الاثر أولا و يوجب الغسل لعموم دليله مع قطع النظر عن كونه موجبا لذهاب الاثر الحاصل بغسل بعض الاعضاء.

ان قلت ان مقتضى تداخل الاسباب عدم تاثير الحدث الثانى فى الرافعية لانه قبل تمام الغسل يكون الحدث السابق باقيا فلا يؤثر الحدث اللاحق فلا يبطل ما وقع من الغسل.

قلت ان مقتضى عموم ما دل على سببية الجنابة للغسل او اطلاقه هو وجوب الغسل بتحقق سببه و على الفرض تحقق سببه فى اثناء الغسل فيقتضى مسببه و

هو الغسل لما قلنا من ان المستفاد من النصوص الواردة فى تداخل الاغسال سببية كل سبب مستقلا للمسبب و هو الغسل غاية الامر نقول بتداخل المسببات للنصوص و لكون مقتضى القاعدة تداخل المسببات او النصوص فقط لو لم نقل بكون مقتضى القاعدة هو تداخل المسببات.

فعلى هذا لا يمكن الاكتفاء باتمام الغسل من باب ان الحدث الطارئ اذهب الاثر الحاصل فيما اتى به من اجزاء الغسل و لا اقل من صحتها التأهلية و من باب موجبية الحدث الطارئ للغسل بمقتضى عموم دليله و لو لم يكن لما اتى من اجزاء الغسل اثرا يرفعه فيجب استيناف الغسل لان كلا من الحدث السابق و الطارئ و ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 344

كان يوجب الغسل لكن لا يمكن الاكتفاء باتمام ما بيده من الغسل لكل من الحدثين لان الحدث الطارئ يقتضي الغسل مستقلا و القول بتداخل الاغسال و ان كان صحيحا فيما كان الغسل من اوله بقصد الحدثين او لا اقل من ان يكون فى ذمته الغسلان قبل الشروع فى الغسل فيتداخلان لا ما لا يكون حين الشروع فى الغسل الا احد السببين.

كما لا مجال لاتمام الغسل بقصد الحدث الاول و تكراره ثانيا بقصد الحدث الثانى لان الحدث الثانى يرفع الاثر الحاصل من غسل بعض الاعضاء و ينقض اثره فلا يقبل لان يلحقه ما بقى من الاجزاء فيصح الغسل و لهذا لا وجه لاستصحاب صحة ما غسل لانه مع طرو الحدث انتقض الأثر يقينا فلا يكون عدم ترتيب اثر الصحة نقض اليقين بالشك بل يكون نقض اليقين باليقين.

مضافا الى انه بعد فرض طرو الحدث و حصول الجنابة لا معنى لحصول الطهارة بالنسبة الى الحدث

السابق و بقاء الحدث بالنسبة الى اللاحق حتى يرتفع اثر الثانى بتكرار الغسل لعدم فرض التبعيض بالنسبة الى المتجانسين حتى يمكن له قصد رفع الاول بما فى يده و يقصد رفع الحدث الثانى بما يأتى من الغسل بعده فلا يرتفع باتمام الغسل الجنابة و لا يحصل به الطهارة فلا بد من استيناف الغسل.

نعم فى المستحاضة اذا احدثت الاستحاضة فى اثناء رافعها لا تنقض رافعها و هو الغسل على ما يأتى فى الاستحاضة فان حال المستحاضة يكون حال المسلوس و المبطون.

المسألة الثانية: ما اذا حدث حدث الاكبر فى اثناء الغسل
اشارة

و كان الحدث الحادث من غير جنس المرفوع اعنى من غير جنس ما يغسل له و لها صور:

الصورة الاولى: ما كان العارض فى اثناء الرافع للاكبر غير المرفوع

و كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 345

غير الحيض و كان المرفوع غير غسل الجنابة مثلا مس الميت ففى اثناء غسل الحيض مس الميت فالاقوى عدم بطلان الغسل لان الاحداث متمايزة لا تداخل قهرى فيها فيكون من قبيل المحدث بالحدثين كما اذا كانت المرأة حائضا فصارت مستحاضة فانه يحب عليه لكل واحد منهما غسل و ان جاز لها التداخل فى غسلها بغسل واحد فيتم ما بيده من الغسل بقصد رفع الحدث الاول ثم يأتى بعده بغسل آخر للحدث الثانى كما يجوز له رفع اليد عما بيده من الغسل و يستأنف غسلا واحدا لكل واحد من الحدثين لو لم نستشكل فى استيناف الغسل من جهة الاشكال فى تأثير نية القطع فى إفساد ما تقدم من اجزاء الغسل مع عدم قابلية اتمامه بالغسل الثانى لكون نية الثانى غير نية الاول بناء على عدم جواز اتيان العمل الواحد بنيتين فيشكل استيناف الغسل بقصد كل من الحدثين فتأمل.

و كيف ما كان يجب عليه الوضوء بعده اذا كان مما يوجب الوضوء به.

الصورة الثانية: ما اذا كان العارض فى اثناء الرافع من غير جنس المرفوع

و كان الرافع غسل الجنابة كما اذا وقع مس الميّت فى اثناء غسل الجنابة قال المؤلف رحمه اللّه كما قال صاحب الجواهر كون الحكم فى هذه الصورة حكم طرو حدث الأصغر الحادث فى اثناء غسل الجنابة فمن قال فيه بالاكتفاء باتمام الغسل و ضم الوضوء يقول به فيما نحن فيه و من قال فيه بكفاية اتمام الغسل و عدم الحاجة الى ضم الوضوء يقول به فيما نحن فيه و من قال فيه بوجوب استيناف الغسل يقول فيما نحن فيه فصاحب الجواهر حيث يختار فى مسئلة طرو الحدث الاصغر فى الاثناء القول الاول و هو

اتمام هذا الغسل الّذي حدث الحدث فى اثنائه و ضم الوضوء يقول فى المقام باتمام ما بيده من الغسل مع ضم الوضوء و غسل آخر بقصد الحدث الطارئ فيتم الغسل الاول بقصد الحدث الاول و يغسل غسلا آخر للحدث الثانى كما يمكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 346

استيناف الغسل بقصد كل منهما و ما يمكن ان يكون وجها له هو ان يقال.

اما وجه الاكتفاء بما بيده من الغسل و عدم وجوب غسل آخر فلعدم تاثير الحدث العارض مثلا مسّ الميت مع الحدث الاول و بعد عدم اثر للثانى لا يجب الا اتمام الاول و طرو الحدث العارض ليس مانعا عن صحة الغسل فيتم الغسل و يقع صحيحا.

و اما وجه وجوب الوضوء فلان الحدث الطارئ فى الاثناء ناقض حتى فى هذه الصورة لاطلاق دليل ناقضيته.

و اما وجه وجوب غسل آخر للحدث الطارئ فى اثناء الغسل ما عرفت من ان الاحداث متمايزة لا تداخل قهرى فيها فيكون كل واحد منها موجب للسبب غير الآخر و ان قلنا بتداخل المسبّبات فعلى هذا الجنابة و هى الحدث الاول اوجب الغسل و قد اشتغل به و طرو الحدث الطارئ و هو المس مثلا لا ينافى صحة ما مضى من الغسل بل يوجب غسلا آخرا كما قلنا و قال فى الصورة الاولى فعلى هذا اما يتم ما بيده من الغسل بنية التى شروع فيه و هو رفع حدث الجنابة و يأتى بغسل آخر لمس الميت بعده او يرفع اليد عما بيده.

من الغسل ثم يستأنف الغسل بنية رفع كل من الحدثين بناء على عدم الاشكال فى تأثير نية القطع كما بينا فى الصورة الاولى.

و اما وجوب الوضوء فان

رفع اليد عما بيده من الغسل و قلنا بعدم اشكال فى رفع اليد عنه و استأنف الغسل بنية رفع كل من الحدثين مثلا الجنابة و مس الميت فلا حاجة الى الوضوء لاجزاء غسل الجنابة عن الوضوء و هو على الفرض قصد غسل الجنابة مع مس الميت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 347

و اما لو أتم ما بيده من الغسل بنية رفع حدث الجنابة كما نواه قبل الشروع و استأنف غسلا آخر لرفع الحدث الثانى و هو مسّ الميت فوجوب الوضوء و عدمه مبنى على ناقضية الحدث الثانى قبل رفع الحدث الاول و موجبته للوضوء و عدمه و منشأ احتياط المؤلف رحمه اللّه فى الوضوء فى هذا الفرض الاشكال فى موجبية الحدث الثانى فى الوضوء و عدمها و الظاهر موجبيته لاطلاق دليل ناقضيته و موجبته للوضوء.

الصورة الثالثة: ما اذا طرأ الحدث الاكبر فى اثناء الغسل

و كان الرافع غير غسل الجنابة مثلا يكون غسل الميت و العارض فى الاثناء يكون الجنابة فحكمها من حيث الغسل حكم الصورة السابقة و اما من حيث الوضوء فلا يجب عليه سواء اتمّ الغسل الاول بينة رفع الحدث الاول و الغسل الثانى بنية رفع الحدث الثانى و هو الجنابة او استأنف و غسل غسلا واحدا بنية كل من الحدثين لانه على كل حال مع كون الغسل للجنابة يجزى عن الوضوء.

الصورة الرابعة: ما اذا كان طرأ الحدث فى اثناء الغسل

و كان الرافع الجنابة و كان العارض الحيض بمعنى انه يغسل لها فيعرض الحدث فى الثناء و كان العارض الحيض ففى حال غسل الجنابة حدثت المرأة بحدث الحيض فهل ينقض غسلها بسبب طرو الحيض او لا ينقض بل يتمها بنية ما نوت فى اوّل الغسل و يقع صحيحا ففيما كانت مشتغلة بغسل الجنابة فطرأ الحيض فهل ينتقض غسلها او يصح و تتمها و يرتفع به الجنابة ظاهر كثير على ما حكى فى الجواهر النقض و لعل وجهه ما ورد فى بعض الروايات مثل ما رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سالته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض و هى فى المغتسل تغتسل أو لا تغتسل قال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 348

قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغسل) «1».

و مثل ما رواها سعيد بن يسار (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام المرأة ترى الدم و هى جنب أ تغسل عن الجنابة او غسل الجنابة و الحيض واحد قال قد أتاها ما هو اعظم من ذلك) «2» بدعوى دلالتهما على عدم صحة غسل الجنابة خصوصا الاولى منهما للنهى عن العبادة و هو يفيد الفساد.

و قد

يقال فى جواب الاستدلال ان النهى ظاهر فى الارشاد لعدم الفائدة فى غسل الجنابة لمجي ء ما يفسد الصلاة او ما هو اعظم من ذلك).

كما فى الروايتين:

اقول و لكن الاقوى عدم نقض الغسل أولا لقابلية حمل الروايتين على الارشاد كما قيل.

و ثانيا لما رواها عمار الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن المرأة يواقعها زوجها تم تحيض قبل ان تغتسل قال ان شاءت ان تغتسل فعلت و ان لم تفعل فليس عليها شي ء فاذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة) «3» و تمام الكلام إن شاء اللّه فى مبحث غسل الحيض.

فعلى هذا نقول بان هذه الصورة من حيث الغسل مثل الصورة السابقة.

و اما من حيث الوضوء فان استأنفت الغسل بعد رفع حدث الحيض لكل من الحيض و الجنابة فلا يجب الوضوء لاجزاء غسل الجنابة عن الوضوء و ان اغتسلت

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 22 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 22 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 43 من ابواب الجنابة و ذكر أيضا فى باب 22 من ابواب الحيض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 349

للجنابة حال الحيض ثم بعد رفع الحيض غسلت له فوجوب الوضوء و عدمه مبنى على وجوب الوضوء بعد غسل الحيض و عدمه.

***

[مسئلة 10: الحدث الاصغر فى اثناء الاغسال المستحبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الحدث الاصغر فى اثناء الاغسال المستحبة أيضا لا يكون مبطلا لها نعم فى الاغسال المستحبّة لاتيان فعل كغسل الزيادة و الاحرام لا يبعد البطلان كما ان حدوثه بعده و قبل الاتيان بذلك الفعل كذلك كما سيأتى.

(1)

اقول الاغسال المستحبة اما زمانية مثل غسل الجمعة و اما فعلية و الفعلية ما كانت مستحبة

لفعل و هى اعم مما كانت مستحبة للدخول فى مكان او للكون فى مكان او لغير ذلك لان كل ذلك لفعل حتى لدخول مكان لانه فعل من الافعال.

اما ما كانت زمانية فلا تنقض بحدوث الحدث الاصغر بعدها و لا فى اثنائها بمعنى استحباب استينافها لانها على الفرض ندبت لزمان خاص و لا يكون طرو الحدث ناقضا له فقد ادّعى بتكليفه المستحب.

و اما ما كانت فعلية فحيث ندبت لفعل مثلا للزيارة او لدخول الحرم فلو طرأ الحدث الاصغر فى اثناء غسله او بعده قبل حصول الفعل فينقض الغسل و لو اراد المستحب يستحب اعادة الغسل.

و ما ورد من الاخبار لا يقتضي الا ما قلنا راجع الباب 11 من ابواب الاغسال المسنونة و باب 3 من ابواب زيارة البيت و باب 6 من ابواب مقدمات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 350

الطواف و باب 10 من ابواب الاحرام.

***

[مسئلة 11: اذا شك فى غسل عضو من الاعضاء الثلاثة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا شك فى غسل عضو من الاعضاء الثلاثة او فى شرطه قبل الدخول فى العضو الآخر رجع و اتى به و ان كان بعد الدخول فيه لم يعتن به و يبنى على الاتيان على الاقوى و ان كان الاحوط الاعتناء ما دام فى الاثناء و لم يفرغ من الغسل كما فى الوضوء نعم لو شك فى الغسل الأيسر أتى به و ان طال الزمان لعدم تحقق الفراغ حينئذ لعدم اعتبار الموالاة فيه و ان كان يحتمل عدم الاعتناء اذا كان معتاد الموالاة.

(1)

اقول يقع الكلام فى موردين:

المورد الاول: فى اعتبار قاعدة التجاوز فى الغسل و عدمه

اعلم انه لا اشكال فى ان مقتضى استصحاب عدم اتيان الجزء المشكوك هو اتيانه لو لم يكن فى البين قاعدة ثانوية حاكمة عليه تقتضى كونه محكوما بالاتيان و هى قاعدة التجاوز و هكذا الكلام فى الشرط المشكوك اتيانه المعتبر فى الغسل.

فيقع الكلام فى انه هل تجرى قاعدة التجاوز فى الغسل حتى تكون النتيجة عدم الاعتناء بالشك فى الجزء المشكوك اتيانه او الشرط المشكوك اتيانه فيما تجاوز عنه فى الغسل كما قلنا فى الصلاة أو لا.

اعلم انه تارة نقول بانحصار قاعدة التجاوز بباب الصلاة و عدم جريانها فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 351

ساير المركبات لعدم دليل يعم ساير المركبات كما هو الاقوى و مضى الكلام فيه فى قاعدة التجاوز حتى لم نقل بجريانها فى الوضوء كما ذكرنا فى طى المسألة 45 من المسائل المتعلقة بشرائط الوضوء فلا مجال للاشكال فى باب الغسل و نقول بوجوب الاعتناء بالشك ما دام يكون المكلف فى اثناء الوضوء سواء كان الشك قبل الدخول فى العضو الآخر او بعد الدخول فيه خلافا للمؤلف رحمه اللّه.

و تارة

نقول بجريانها فى مطلق المركبات فكما قال المؤلف رحمه اللّه لا يعتنى بالشك بعد ما كان الشك بعد الدخول فى العضو الآخر.

و تارة نقول بانه و ان لم تجر قاعدة التجاوز فى مطلق المركبات لكنه تجرى القاعدة فى باب الوضوء مثل جريانها فى باب الصلاة و ان قلنا بفساد هذا المبنى فى باب الوضوء فى طى المسألة 45 من المسائل المذكورة فى شرائط الوضوء.

فيقع الكلام فى انه هل تجرى قاعدة التجاوز فى الغسل و التيمم من باب تنقيح المناط و ان المناط الموجود فى الوضوء الموجب لجريان القاعدة فيه موجود فى الغسل و التيمم و خصوصا فى التيمم الّذي بدل عن الوضوء لانه بدل عن الوضوء أو لا تجرى فيهما و ان جرت فى الوضوء لعدم كشف الملاك القطعى الموجود فى الوضوء يوجب هذا الملاك جريان قاعدة التجاوز فيهما حتى يقال ان هذا الملاك موجود فى الغسل و التيمم فعلى فرض جريانها فى الوضوء لا يمكن القول بجريانها فى الغسل و التيمم و قد عرفت عدم وجه للفرض من رأس لعدم جريانها فى الوضوء و تمام الكلام فى رسالتنا فى اصالة الصحة فراجع.

المورد الثانى: فيما كان الشك فى اتيان الجزء الاخير من الغسل.

فتارة يقع الكلام فى الاعتناء بالشك و عدم الاعتناء بناء على صحة التمسك بقاعدة التجاوز فى الغسل فنقول لا يمكن التمسك بها و الالتزام بعدم الاعتناء بالشك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 352

لعدم التجاوز لان المشكوك اتيانه هو الجزء الاخير و لم يتجاوز عنه بعد و ان طال الزمان لعدم اعتبار الموالاة بين الاعضاء الثلاثة.

و تارة يقع الكلام فى كونه مورد قاعدة الفراغ أم لا فلا اشكال فى عدمه لعدم الفراغ مع فرض الشك فى اتيان الجزء الاخير

سواء كان حصول الفراغ بالدخول فى عمل آخر او حصوله حتى بالجلوس الطويل او بعد القيام عن العمل لانه بعد عدم اعتبار الموالاة لا يضر الدخول فى عمل آخر و لا الجلوس الطويل و لا القيام عن الوضوء.

***

[مسئلة 12: اذا ارتمس فى الماء بعنوان الغسل ثم شك]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا ارتمس فى الماء بعنوان الغسل ثم شك فى انه كان ناويا للغسل الارتماسى حتى يكون فارغا او لغسل الرأس و الرقبة فى الترتيبى حتى يكون فى الاثناء و يجب عليه الاتيان بالطرفين يجب عليه الاستئناف نعم يكفيه غسل الطرفين بقصد.

الترتيبى لانه ان كان بارتماسه قاصدا للغسل الارتماسى فقد فرغ و ان كان قاصدا للرأس و الرقبة فباتيان غسل الطرفين يتم الغسل الترتيبى.

(1)

اقول اعلم ان الكلام فى مقامين:

المقام الاول: فى عدم الاكتفاء بما اتى به و وجوب الاحتياط عليه بنحو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 353

يرتفع الاشتغال اليقينى و يحصل الفراغ.

المقام الثانى: فيما يحصل به الاحتياط.

اما الكلام فى المقام الاول

فلا اشكال فى عدم الاكتفاء بما فعل فى امتثال الامر بالغسل و بعبارة اخرى مقتضى الاشتغال اليقينى عدم الاكتفاء بما فعل من الغسل و بقاء الجنابة بحكم الاستصحاب.

و اما الكلام فى المقام الثانى

و انه بما ذا يسقط التكليف و يعلم بارتفاع الجنابة.

قال المؤلف رحمه اللّه يجب استيناف الغسل نعم يكفيه غسل الطرفين بقصد الترتيبى.

اقول اما وجوب استيناف الغسل سواء كان بنحو الارتماس او الترتيب فلا وجه له لانه يعلم بعدم كونه مكلفا بغسل الرأس و الرقبة لانه قد غسلهما سواء كان ما صدر منه بنحو الغسل الترتيبى او بنحو الارتماسى فان كان ما فعله كان بنية الترتيب فقد امتثل الامر الضمنى المتعلق بالرأس و الرقبة و ان كان هو الارتماسى فقد غسل الرأس و الرقبة فلا اشتغال له بغسل الرأس و الرقبة.

فعلى هذا لو غسل الطرفين بقصد الترتيبى يكفى فى برأته ذمته عن الغسل لانه ما اتى أولا ان كان بقصد الغسل الارتماسى فقد حصلت البراءة بالنسبة الى الرأس و الرقبة و ان كان بقصد الترتيبى فقد حصلت البراءة بالنسبة الى الرأس و الرقبة و يغسل الطرفين على الفرض بقصد الترتيبى فقد فرغت ذمته عن غسل الطرفين فيعلم ببراءة الذمة عن الغسل.

نعم لو استأنف الغسل ترتيبا او ارتماسا رجاء و احتياطا لا بقصد التقرب و الامر حتى بالنسبة الى الرأس و الرقية تحصل البراءة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 354

[مسئلة 13: اذا انغمس فى الماء بقصد الغسل الارتماسى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا انغمس فى الماء بقصد الغسل الارتماسى ثم تبين له بقاء جزء من بدنه غير منغسل يجب عليه الاعادة ترتيبا او ارتماسا و لا يكفيه جعل ذلك الارتماس للرأس و الرقبة ان كان الجزء غير المنغسل فى الطرفين فياتى بالطرفين الآخرين لانه قصد به تمام الغسل ارتماسا لا خصوص الرأس و الرقبة و لا تكفى نيتهما فى ضمن المجموع.

(1)

اقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: صورة يقصد بالانغماس فى الماء الغسل الارتماسى

بنحو التقييد بحيث لو لم يكن ارتماسا لا يفعله بحيث يكون الغرض فى فعله قائما بامتثال المجموع فلا اشكال فى صحة ما افاده المؤلف رحمه اللّه من وجوب اعادة الغسل ترتيبا او ارتماسا لعدم حصول المجموع الّذي قصده.

الصورة الثانية: صورة يقصد الارتماس لكن لا على وجه التقييد

بل هو أولا و بالذات يريد الغسل لكن قصد فردا منه و هو الارتماس بحيث لا يكون الغرض قائما بامتثال المجموع فهل يقال بوجوب اعادة الغسل ترتيبا او ارتماسا فى هذه الصورة، او يقال بصحة الغسل بالنسبة الى الرأس و الرقبة اذا كان غير المنغسل فى الماء من بدنه فى الطرفين من باب تعلق القصد بغسل الرأس و الرقبة أيضا و ان كان فى ضمن المجموع و بعبارة اخرى قصد غسل الرأس و الرقبة و الايمن و اليسر بنفسها بقيد معية كل منها مع الآخر بنحو العام المجموعى.

لا يبعد صحة الغسل بالنسبة الى الرأس و الرقبة فى هذه الصورة و ان كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 355

الاحوط الاعادة.

***

[مسئلة 14: اذا صلى ثمّ شك فى انه اغتسل للجنابة أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا صلى ثمّ شك فى انه اغتسل للجنابة أم لا ينبى على صحة صلاته و لكن يجب عليه الغسل للاعمال الآتية و لو كان الشك فى اثناء الصلاة بطلت لكن الاحوط اتمامها ثم الاعادة.

(1)

اقول اما فيما شك بعد الفراغ من الصلاة فى انه اغتسل للجنابة قبل الصلاة حتى كانت صلاته واجدة لشرط الطهارة او لم يغتسل حتى كانت صلاته بلا طهارة فبالنسبة الى الصلاة يحكم بصحتها لاجل قاعدة الفراغ الجارية فيها.

و اما بالنسبة الى غسل الجنابة فيجب عليه للاعمال الآتية لاشتغال اليقينى به و الشك فى اتيانه فيجب الغسل لان الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية مضافا الى استصحاب الجنابة.

هذا كله بناء على كون قاعدة الفراغ من الاصول فلا يثبت لوازمها و من جملتها وقوع الغسل.

و اما بناء على كونها من الامارات فلازم جريان قاعدة الفراغ فى الصلاة كون الشخص مع الطهارة فلا يجب عليه الغسل حتى للاعمال الآتية

و نحن و ان قويّنا أماريّتها فى رسالتنا فى اصالة الصحة لكن الاحوط وجوبا الغسل للاعمال الآتية.

و لا يخفى عليك ان البناء على صحة الصلاة و وجوب الغسل للاعمال الآتية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 356

فيما لا يقتضي العلم الاجمالى وجوب إعادة الصلاة و وجوب الوضوء و الغسل للاعمال الآتية و الا وجب عليه الوضوء و الغسل و اعاده الصلاة كمن صلى صلاة الظهر مثلا ثم بعد الصلاة شك فى انه اغتسل للجنابة أم لا، و قد احدث بعد الصلاة بالحدث الاصغر فيجب الوضوء و الغسل لصلاة العصر، لانه يعلم اجمالا ببطلان احدى صلاتيه ان اغتسل و صلى العصر بلا وضوء لانه لا يخلو واقعا اما اغتسل قبل صلاة الظهر عن الجنابة فيجب عليه الوضوء، لصلاة العصر لفرض صيرورته محدثا بالحدث الاصغر بعد صلاة الظهر فبطلت صلاة عصره لعدم كونها مع الطهارة و اما لم يغتسل عن الجنابة قبل صلاة الظهر فوقعت صلاة ظهره بلا طهارة فمع عدم الوضوء لصلاة العصر و اقتصاره بالغسل يعلم اجمالا ببطلان احدى صلاتيه و بعبارة اخرى بعد ما صلى الظهر و احدث بالحدث الاصغر ثم شك فى انه اغتسل قبل صلاة الظهر للجنابة أم لا يعلم اجمالا اما بوجوب اعادة صلاة الظهر و اما بوجوب الوضوء لصلاة العصر و مقتضى العلم الاجمالى هو الغسل و الوضوء و اعادة الصلاة الاولى ثم اتيان الصلاة الثانية.

و لعل عدم ذكر المؤلف رحمه اللّه هذه الصورة و سكوت بعض المحشين عن ذكرها من باب ان النظر فى المقام كان فى اعتبار قاعدة الفراغ فى حدّ ذاتها للصلاة و عدم اعتبارها للصلوات الآتية لا فيما يوجب العلم الاجمالى تكليفا آخر

للمكلف كما فى هذه الصورة هذا كله فيما كان الشك بعد الفراغ من الصلاة.

و اما اذا كان الشك فى اثناء الصلاة كما اذا كان مشتغلا مثلا بصلاة الظهر فيشك فى انه هل اغتسل قبلها للجنابة الحاصلة أم لا فهل يحكم ببطلان الصلاة او يحكم بصحتها مثل ما اذا طرأ الشك بعد الفراغ عن الصلاة او يحكم بصحة ما مضى من الصلاة و يجدّد الطهارة فى الاثناء لما بقى منها مع فرض عدم اخلال الغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 357

بالموالاة او غيرها من الشرائط.

اقول قد بينا فى رسالتنا فى قاعدة التجاوز شمول القاعدة للشرائط أيضا و انه اذا كان للشرط محل شرعى و قد مضى عن محله الشرعى تجرى قاعدة التجاوز و يحكم باتيان الشرط مثلا اذا كان محل الشرعى للوضوء و الغسل او الستر قبل الصلاة فبمجرد الشروع فى الصلاة فقد تجاوز عنه و يحكم بالاتيان فتصح الصلاة حتى بالنسبة الى الاجزاء اللاحقة على الشك لا خصوص ما مضى من اجزاء الصلاة نعم لو كان الشرط بنحو الشرط المقارن الشرط المقدم مثلا كانت الطهارة شرطا مقارنا لفعل الصلاة او التستر بحيث يكون الغسلتان و المسحتان فى الوضوء و غسل البدن فى الغسل او الستر من المقدمات لا للشرط لا نفس الشرط بل الشرط وجود الفعلى للطهارة بنحو الشرط المقارن لم يمض محله الشرعى فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى بانه قد مضى فى مطاوى كلما تنافى مبحث الوضوء و الغسل ان الواجب هو نفس الغسل بالفتح و ان كان الشرط ما حصل منه و لهذا قلنا باجراء البراءة فيما شك فى اعتبار شي ء وجودا و عدما

فى الوضوء و الغسل فعلى هذا نقول اما ان كان الشرط هو نفس الغسلتين فى الوضوء و نفس غسل البشرة فى الغسل و ان كانا محصلين للطهارة فلا ينبغى الاشكال فى ان محلها الشرعى قبل الصلاة لهذا لو شك فى اثناء الصلاة فى الطهارة فقد تجاوز عنها و لا يعتنى بالشك و تيم صلاته بهذا الحال و تصح صلاته.

و اما ان كان الشرط محصّلها و هو الطهارة فربما يقال بانه لا يكون المورد مورد القاعدة لعدم صدق التجاوز لانه ان كان يصدق التجاوز بالنسبة الى ما مضى من الصلاة لكن لا مصحّح لما بقى منها للزوم احراز الشرط اعنى الطهارة بالنسبة الى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 358

ما بقى و كذلك لا يكون مورد قاعدة الفراغ لانه بعد يكون فى اثناء العمل على الفرض و من الواضح انّ مورد قاعدة الفراغ هو الشك بعد الفراغ عن العمل.

اقول قد بيّنا فى رسالتنا فى قاعدة التجاوز و الفراغ قد يتوهم عدم الفرق بين كون الشرط هو نفس الغسل (بالفتح) و بين كون الشرط هو الطهارة لان محل الطهارة يكون قبل الصلاة فعلى كل حال تجرى قاعدة التجاوز بالنسبة الى الشرط.

و فيه انه بعد كون الواجب و الشرط هو الطهارة و ان كان الغسل (بالفتح) واجبا مقدمة من باب كونه محصّل الطهارة فالطهارة تكون مثل التستر فى الصلاة بناء على كون الواجب و هو التستر شرطا مقارنا للصلاة فلا يصدق التجاوز و ان كان محل مقدمتها و هى الغسل (بالفتح) قبل الصلاة ففرق بين كون محل نفس الشرط قبل الصلاة فيصدق التجاوز اذا شك فى اثناء الصلاة و بين كون محل مقدمته قبل الصلاة

لا محل نفس الشرط فلا يصدق التجاوز فعلى هذا يحكم ببطلان الصلاة.

***

[مسئلة 15: اذا اجتمع عليه اغسال متعددة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا اجتمع عليه اغسال متعددة فاما أن يكون جميعها واجبا او يكون جميعها مستحبا او يكون بعضها واجبا و بعضها مستحبا ثم اما ان ينوى الجميع او البعض فان نوى الجميع بغسل واحد صحّ فى الجميع و حصل امتثال امر الجميع و كذا ان نوى رفع الحدث او الاستباحة اذا كان جميعها او بعضها لرفع الحدث و الاستباحة و كذا لو نوى القربة و حينئذ فان كان فيها غسل الجنابة لا حاجة الى الوضوء بعده او قبله و الّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 359

وجب الوضوء و ان نوى واحدا منها و كان واجبا كفى عن الجميع أيضا على الأقوى و ان كان ذلك الواجب غير غسل الجنابة و كان من جملتها لكن على هذا يكون امتثالا بالنسبة الى ما نوى و اداء بالنسبة الى البقية و لا حاجة الى الوضوء اذا كان فيها الجنابة و ان كان الاحوط مع كون احدهما الجنابة ان ينوى غسل الجنابة و ان نوى بعض المستحبات كفى أيضا عن غيره من المستحبات و اما كفايته عن الواجب ففيه اشكال و ان كان غير بعيد لكن لا يترك الاحتياط.

(1)

اقول ينبغى قبل بيان حكم المسألة من ذكر

بعض الاخبار التى عدّت مربوطة بالمسألة

فنقول بعونه تعالى.

الاولى: ما رواه فى الكافى- كا- 13- على بن ابراهيم عن أبيه عن حماد عيسى يب 30- محمد بن على بن محبوب عن على بن السندى عن حماد بن عيسى عن زرارة (عن احدهما عليهما السّلام- يب) (قال اذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزائك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة)- 3- (و عرفه و النحر) (و الحلق- كافي) (و الذبح و الزيارة فاذا اجتمعت (لله-

يب) عليك حقوق أجزائها)- 4- (عنك غسل واحد قال ثم قال و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و احرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها) «1».

و صدر الخبر و هو قوله عليه السّلام (اذا اغتسلت الخ) و ذيله و هو قوله (و كذلك

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة ج 2، ص 421 باب 13 ح 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 360

المرأة الخ) و ان لم يكن له اطلاق يشمل غير صورة قصد جميع الاغسال المطلوب منه وجوبا او استحبابا لكن قوله عليه السّلام (اذا اجتمعت الخ) يكون له الاطلاق من هذا الحيث و لا يعارضه الصدر و الذيل لعدم دلالتهما على الانحصار بصورة قصد جميع الاغسال و كذا له الاطلاق من حيث كون الاغسال المجتمعة كلها واجبا او مستحبا او بعضها واجبا و بعضها مستحبا قال فى جامع احاديث الشيعة.

و رواه أيضا فى الوسائل عن التهذيب باسناده عن محمد بن محبوب عن حريز و لم نجده فيه و لم يذكره فى الوافى «1».

الثانية: ما رواه كافى- كا 14- محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن على بن حديد عن جميل بن درّاج عن بعض اصحابنا عن احدهما عليهما السّلام انه قال اذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه فى ذلك اليوم «2».

ظاهرها الاطلاق من حيث قصد الجنابة و كل سبب آخر فى الغسل من حيث قصد بعض الاسباب فقط و كذا لها الاطلاق من حيث الاغسال المطلوبة منه كلها الواجب او كلها مستحب او بعضها الواجب و بعضها المستحب لو لم يشكل فى اصل دلالة الحديث على محل النزاع.

الثالثة: ما رواه

كافي 24 يب 112 على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المرأة تحيض و هى جنب هل عليها غسل الجنابة قال غسل الجنابة و الحيض واحد «3».

اقول و مثل الخبر المذكور مفاد الرواية الرابعة و الخامسة من الباب المذكور.

______________________________

(1) كتاب جامع احاديث الشيعة ج 2 ص 422.

(2) جامع احاديث الشيعة ج 2، ص 422 باب 13 ح 2 من ابواب الغسل.

(3) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 422، ح 3، باب 13.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 361

يحتمل كون الرواية فى مقام بيان كونهما واحدا من حيث الكيفية و يحتمل كونها فى مقام بيان الاكتفاء بغسل واحد لهما الاقرب الاحتمال الثانى لظهور صدرها.

الرابعة: ما رواه صا 146 اخبرنى احمد بن عبدون عن على بن محمد بن الزبير عن التهذيب 112- على بن الحسن بن فضال عن محمد بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال اذا حاضت المرأة و هى جنب اجزائها غسل واحد «1» لا ريب بكون الاطلاق من كل من الحيثين المذكورين فى بيان الحديث الاول و الثانى.

الخامسة: ما رواه يب 112 صا 147 على بن الحسن عن على بن اسباط عن عمّه يعقوب الاحمر عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن رجل اصاب من امرأته ثم حاضت قبل ان تغتسل قال تجعله غسلا واحدا «2».

لا اطلاق للحديث فى الجهتين المذكورين فى الحديث الاول و الثانى لو لم نقل بظهوره فى خصوص صورة قصد كل من الحيض و الجنابة.

السادسة: ما رواه

يب 112 صا 147 على بن الحسن عن العباس بن عامر عن حجّاج الخشاب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وقع على امرأته فطمثت بعد ما فرغ أ تجعله غسلا واحدا اذا طهرت او تغتسل مرّتين قال تجعله غسلا واحدا عند طهرها «3» لسان هذا الحديث مثل سابقه.

السابعة: يب 113 صا 147 على بن الحسن عن احمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمّار الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 422، ح 6، باب 13.

(2) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 423، ح 7، باب 13.

(3) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 423، ح 9، باب 13.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 362

المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل ان تغتسل قال ان شاءت ان تغتسل فعلت و ان لم تفعل ليس ... ا ... عليها شي ء فاذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة «1».

لسان الحديث مثل الرواية الخامسة و السادسة.

الثامنة: ما رواه كا 68 على بن ابراهيم عن ابيه عن نوح بن شعيب عن شهاب بن عبد ربه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الجنب يغسل الميّت (1- خ) و من غسّل الميت له ان يأتى اهله ثم يغتسل فقال سواء لا بأس بذلك اذا كان جنبا غسل يده- 1- و توضأ و غسل الميت فان غسل ميتا ثم توضأ ثم أتى أهله (و خ) يجزيه غسل واحد لهما يب 127 محمد بن يحيى عن ابراهيم هاشم عن نوح بن شعيب عن شهاب بن عبد ربه قال سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب أ يغسل الميّت او من غسّل ميّتا أ يأتي اهله ثم يغتسل فقال هما سواء لا بأس بذلك اذا كان جنبا غسل يديه و توضأ و غسّل الميت و هو جنب و ان غسّل ميتا ثم اتى أهله توضأ ثم اتى اهله و يجزيه غسل واحد لهما «2» لسان الحديث كحديث السابق عليه اذا عرفت ذلك نقول بانه يقع الكلام فى الصور المذكورة فى المسألة.

و قبل التكلم فيها ينبغى التنبيه على ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن النصوص.

اعلم ان موضوع المسألة من صغريات تداخل المسببات و قد حقّق فى الاصول ان مقتضى القاعدة فى صورة اجتماع المسببات و تعددها هو عدم التداخل الّا فى خصوص الصورة التى ليس المسبب قابلا للتداخل مثل ما كان المسبب من

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 423، ح 10، باب 13.

(2) جامع احاديث الشيعة، ج 3، ص 210، ح 1، من الباب 21 من ابواب غسل الميت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 363

الاسباب المتعدد القتل لانه فى صورة تعدد أسبابه ليس المسبب و هو القتل قابلا للتعدد فعلى هذا فى مثل صورة حصول الاسباب المتعدّدة للغسل يكون مقتضى القاعدة تعدد المسبب نعم يمكن تصويرات كما ذكر فى الجواهر و غيره لكون التداخل فى الغسل بمقتضى القاعدة و على هذا يكون النصوص على وفق القاعدة هذا هو مقتضى القاعدة.

و اما بمقتضى النص فللمسألة صور:
الصورة الاولى: ما اذا كان جميع ما اجتمع عليه من اغسال المتعددة واجبا

مثلا وجب غسل الجنابة و غسل مسّ الميّت و غسل الحيض و ينوى الجميع بغسل واحد فلا اشكال فى اجزاء الغسل الواحد عن الاغسال المتعددة لانه القدر المتيقّن من النصوص و معاقد الاجماعات.

الصورة الثانية: الصورة بحالها لكن يكون المجتمع عليه من الاغسال بعضها واجبا و بعضها مستحبا

مثل ما وجب عليه غسل الجنابة و يستحب غسل الجمعة و غسل الزيارة مثلا ففى هذه الصورة لو نوى الجميع يجزى غسل واحد لظهور الرواية الاولى بل و اطلاق بعض الآخر من الروايات.

الصورة الثالثة: الصورة بحالها

اعنى ينوى الجميع و لكن كلها يكون مستحبا فهل يجرى الغسل الواحد أم لا وجه عدم الاجزاء عدم نص دال عليه و مقتضى القاعدة عدم التداخل وجه الاجزاء قوله عليه السّلام فى الرواية الاولى اذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد و اطلاقها يشمل الواجب و المستحب.

ان قلت ان الظاهر من حقوق المذكورة فى الجملة المذكورة هو خصوص الواجب لان المستحب ليس حقا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 364

قلت ان الحقوق اعم من الواجب و المستحب كما يظهر من موارده فعلى هذا لا اشكال فى الاجزاء فى هذه الصورة.

و اما التمسك برواية عمر بن يزيد «1» فليس بتمام لانه بعد فرض كونه مربوطة بما نحن فيه فالتعبير فيها بقوله عليه السّلام (فى كل موضع يجب فيه الغسل) دليل على كون موردها الاغسال الواجبة.

ثم ان فى جميع الصور الثلاثة يحصل بغسل واحد امتثال أوامر المتعلقة بجميع الاسباب لانه على الفرض يكون الفعل الواحد اعنى الغسل الواحد قابلا للامتثال بجميع الاوامر المتعلّقة بالغسل و المكلف قصد بغسله امتثال امر الجميع فيحصل امتثال امر الجميع.

الصورة الرابعة: ما اذا نوى البعض من الاسباب

و كان هذا البعض هو غسل الجنابة مثلا اجتمع عليه غسل الجنابة و مس الميت او هما مع الجمعة او غيرها من الاغسال المستحبّة فبعد ما لا اشكال فى اجزاء الغسل عما نواه و هو الجنابة يقع الكلام فى اجزائه عن غيره أيضا و عدمه.

وجه عدم الاكتفاء عدم ظهور و لوا اطلاقا للاخبار المذكورة يشمل صورة نية بعض الاسباب و مقتضى القاعدة على ما عرفت عدم الاجزاء الا فيما خرج بالدليل.

وجه الاكتفاء هو اطلاق قوله عليه السّلام (فاذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد) فى الرواية

الاولى من الروايات المتقدمة ذكرها و لا يبعد دعوى ظهور الرواية الثانية فى ذلك لو لم يشكل فى سندها لإرسالها و ان قيل «2» بانجبار

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب الاحرام من الوسائل.

(2) العلامة الآملي قدّس سرّه فى مصباح الهدى، ج 4، ص 347.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 365

ضعفها بعمل الاصحاب و موافقة المشهور و نفى الخلاف فيه بل ادعاء الاجماع عليه و لا فرق فى الاجزاء على القول به فى هذه الصورة بين كون السبب المجتمع مع الجنابة سببا واجبا مثل غسل مسّ الميّت او الحيض او كان مستحبّا مثل غسل الجمعة او يكون بعض الاسباب المجتمع مع الجنابة واجبا و بعضها مستحبّا.

الصورة الخامسة: ما اذا نوى بعض الاسباب المجتمعة

و كان ما ينوى غير غسل الجنابة مثلا اجتمع للمرأة سبب الجنابة و الحيض فهل يجزى غسل واحد عن الجنابة أيضا اذا قصد خصوص الحيض.

أو لا يجرى عن الجنابة.

اعلم انه ينبغى البحث فيما نوى غسل الحيض فى موارد ثلاثة:

المورد الاول: فى صحة غسل الحيض مع الجنابة.

المورد الثانى: فى اجزائه عن غسل الجنابة.

المورد الثالث: فى اجزاء غسل الحيض عن ساير الاغسال.

اما الكلام فى المورد الاول فنقول لم اجد وجها لعدم صحة غسل الحيض فيما نواها و ان كان الواجب غسل الجنابة.

على المرأة أيضا لعدم دليل على اشتراط صحة غسل الحيض عنها على عدم كونها جنبا فيجزى غسلها اذا اتى بقصد الحيض لكون الامر مقتض للاجزاء.

و اما التمسك «1» على عدم ارتفاع الحيض مع بقاء الجنابة بالرواية السابعة من الروايات المذكورة فغير تمام لعدم دلالتها على ذلك.

______________________________

(1) المستمسك، ج 3، ص 143.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 366

المورد الثانى: فى اجزاء غسل حيض

المرأة عن الجنابة و لو لم ينو الجنابة بل نوى رفع حدث الحيض فقط و عدمه فنقول بعونه تعالى انه لا دليل على الاجزاء الا قوله عليه السّلام فى الرواية الاولى (فاذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد) لشمول اطلاق الحقوق لحق الواجب و المستحب و عدم تقيد الاجزاء بصورة قصد الجميع و لا يبعد ذلك.

و اعلم انه لو لم نقل بإطلاق هذه الفقرة يشمل صورة قصد بعض الاسباب و الحقوق يشكل الحكم باجزاء غسل واحد عن الاغسال المتعددة فيما قصد خصوص الجنابة لان مدرك الاجزاء فيما نوى غسل الجنابة ليس الا اطلاق هذه الفقرة و مرسلة جميل فلو منع اطلاق هذه الفقرة من رواية زرارة فرواية جميل لاجل ارسالها ضعيفة السند فيشكل الحكم بالاجزاء فيما نوى بعض الاسباب و لم يقصد جميعا حتى فيما نوى الجنابة أيضا.

و لهذا الاحوط فى مقام العمل فى الصورة الرابعة و الخامسة هو عدم الاجزاء بل يختص الاجزاء بصورة قصد الجميع فى الغسل الواحد.

المورد الثالث: ما اذا نوى خصوص الحيض فى مقام الغسل فهل يجرى عن غير الجنابة من الاغسال الواجبة مثل مسّ الميّت و غير الواجبة كالجمعة أو لا.

اعلم ان الكلام فى هذا المورد هو عين الكلام فى المورد الثانى فان قلنا بإطلاق (قوله عليه السّلام فاذا اجتمعت الخ) من الرواية الاولى من حيث قصد جميع الاغسال و بعضها فيجزى فى المورد الثالث و الا فلا فالاشكال فى خصوص ما قصد بعض الاسباب المستحبة فى اجزائه عن غيره من الاسباب الواجبة او المستحبة او كل منهما مع عدم الاشكال فيما قصد الواجب غير الجنابة فى اجزائه عن غيره لم ار له وجها وجيها فتأمل.

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 367

الصورة السادسة: ما اذا كان عليه الاغسال من الواجب و المستحب

و ينوى بعض الاغسال المستحبة فهل يجزى عن غيره من الاغسال المجتمعة عليه واجبا كانت او مستحبا جنابة كانت أم غير الجنابة أو لا.

اعلم انه ليس دليل على الاجزاء الا اطلاق قوله عليه السّلام (اذا اجتمعت للّه عليك حقوق) فى الرواية الاولى فان قلنا بإطلاقها لما قصد بعض الاسباب فلا فرق بين ما قصد واجبا كان او مستحبا فيجزى الغسل الواحد عما نوى و عن غيرها و الّا فلا.

الصورة السابعة: اذا اجتمعت عليه اغسال متعددة
اشارة

و القول باجزاء غسل واحد فى الجملة.

يقع الكلام فى انه لو نوى بغسله الواحد رفع الحدث او الاستباحة او التقرب بدون قصد جميع الاسباب من الجنابة و الحيض و الجمعة و غيرها او قصد بعضها فهل يصح الغسل و يجزى عن الاغسال أو لا.

اقول اما صحة الغسل فيما قصد رفع الحدث او الاستباحة يصح الغسل اذا كان الاسباب المجتمعة كلها او بعضها مما يكون رافعا للحدث او يبيح بها الصلاة لرجوع نية رفع الحدث او الاستباحة الى نية هذه الاسباب.

و اما اذا قصد القربة فحيث قلنا سابقا بعدم كون الغسل بنفسه مقرّبا الا اذا قصد احد غاياته فان كان قصد التقرّب بعنوان المشير الى ما هو مقرّب مثل الكون على الطهارة او إباحة الصلاة فيصح الغسل و الا فلا هذا بالنسبة الى صحة.

و اما الكلام فى اجزاء الغسل الواقع بنية رفع الحدث او الاستباحة او التقرب عن الاغسال المجتمعة عليه فنقول بعونه تعالى ان الكلام يقع فى الموارد الثلاثة.

المورد الاول: فيما قصد رفع الحدث او الاستباحة او قصد التقرب

بعنوان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 368

المشير الى احدى الغايات فقصد التقرب على هذا يرجع الى الاول و الثانى اى رفع الحدث او الاستباحة.

لا لنفس الغسل لما قلنا من عدم كون الغسل بنفسه مقرّبا و كان جميع ما عليه من الاغسال مما يرفع الحدث او يبيح به الصلاة مثل ما اذا اجتمع غسل الجنابة و الحيض بناء على عدم احتياج غسل الحيض بالوضوء و الا فلا يبيح بغسله الصلاة او غيرها فيصح الغسل الواحد و يجزى عن جميع الاغسال المجتمعة عليه.

المورد الثانى: ما اذا كان بعض ما عليه من الاغسال رافعا للحدث او موجبا للاستباحة

مثلا يجب عليه غسل الجنابة و يستحب له غسل الزيارة بناء على عدم كون الاغسال المستحبة رافعا للحدث او موجبا للاستباحة فيصح غسله و يجرى عن خصوص السبب. الرافع للحدث و المبيح للصلاة و لا غيرها.

و اما اجزائه عن ساير الاغسال فمبنى على ما مضى فى الصورة الرابعة و الخامسة من اطلاق قوله عليه السّلام اذا اجتمعت الخ فى الرواية الاولى من حيث شموله لصورة قصد بعض الاسباب و عدمه.

المورد الثالث: ما قصد رفع الحدث او الاستباحة او التقرب

و لا يكون بين الاغسال المجتمعة عليه ما يرفع الحدث او يبيح به الصلاة و كان بينها ما يكون قابلا لان يكون قصد التقرب مشيرا إليه و كان هو ممّا لا يرفع الحدث لا يبيح به الصلاة.

فنقول اما صحته اذا كان بعنوان قصد التقرب مشيرا الى ما يكون مقرّبا مثل الزيارة او غيرها فلا اشكال فيه و اما اجزائه عن غيره فلا وجه له الا شمول اطلاق قوله عليه السّلام (اذا اجتمعت الخ فى الرواية الاولى لصورة قصد بعض الاسباب).

تتمة يقع الكلام فيما كان بعض الاغسال المجتمعة عليه غسل الجنابة

و قلنا انه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 369

اذا اتى بغسل واحد يجزى عن الجميع فى وجوب الوضوء و عدمه.

فنقول اما بناء على القول باجزاء كل غسل عن الوضوء ففى كل مورد قلنا باجزاء غسل واحد عن الاغسال المتعددة فيجرى هذا الغسل عن الوضوء.

و اما بناء على عدم اجزاء غسل من الاغسال عن الوضوء الا غسل الجنابة فتارة من يأتى بالغسل يأتى بقصد جميع الاسباب من الجنابة و غيرها او بقصد خصوص الجنابة فلا اشكال فى اجزائه عن الوضوء لان المفروض اجزاء غسل الجنابة عن الوضوء و هو غسل غسل الجنابة فلا يجب عليه الوضوء و يجرى الغسل عن الوضوء.

و تارة مع كون غسل الجنابة من الاغسال المجتمعة عليه لكن لا يقصده فى غسله بل قصد بعض الاسباب الآخر فقط فان قلنا بعدم اجزاء هذا الغسل عن غسل الجنابة فلا يكون مجزيا عن الوضوء لان غسل الجنابة مجز عنه لا غيره.

و ان قلنا باجزائه عنه و لو لم ينوه فهل يجرى غسله هذا عن الوضوء أم لا و بعبارة اخرى كما يجزى غسله عن الجنابة يجزى عما يجرى عنه غسل الجنابة

و هو الوضوء أم لا اقول الاحوط لو لم يكن الاقوى عدم الاجزاء لان ظاهر الادلة اجزاء غسل الجنابة عن الوضوء لا اجزاء ما يجزى عن غسل الجنابة عن الوضوء.

هذا كله فيما قصد نفس الاسباب جميعا او بعضها و كان من جملتها الجنابة.

و اما لو قصد بالغسل رفع الحدث او الاستباحة او التقرب و كان فى بين الاغسال المجتمعة عليها غسل الجنابة فهل يكون غسله بناء على اجزائه عن غسل الجنابة مجزيا عن الوضوء أو لا لا يبعد الاجزاء لانه بعد كون قصد احد هذه الامور قصد نفس الاسباب فهو بقصده مثلا رفع الحدث قصد غسل الجنابة و على الفرض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 370

يكون غسل الجنابة مجزيا عن الوضوء هذا ما يأتى بالنظر فى المقام.

***

[مسئلة 16: الاقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: الاقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض بل لا يبعد اجزائه عن غسل الجنابة بل عن غسل الحيض اذا كان بعد انقطاع الدم.

(1)

اقول اما صحة غسل الجمعة عن الجنب و الحائض لاطلاق ادلته من هذا الحيث و عدم اشتراطه بخلوهما عن الجنابة او الحيض او مانعيتهما له

و اما اجزائه عن غسل الجنابة او الحيض بعد انقطاع الدم فقد مرّ الكلام فيه فى المسألة السابقة فان ما نحن فيه من صغريات الصورة السادسة من الصور التى ذكرناها فى المسألة السابقة فراجع

***

[مسئلة 17: اذا كان يعلم اجمالا انّ عليه اغسالا لكن لا يعلم بعضها بعينه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا كان يعلم اجمالا انّ عليه اغسالا لكن لا يعلم بعضها بعينه يكفيه ان يقصد جميع ما عليه كما يكفيه ان يقصد البعض المعيّن و يكفى عن غير المعيّن بل اذا نوى غسلا معينا و لا يعلم و لو اجمالا غيره و كان عليه فى الواقع كفى عنه أيضا و ان لم يحصل امتثال امره نعم اذا نوى بعض الاغسال و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 371

نوى عدم تحقق الاخر ففى كفايته عنه اشكال بل صحته أيضا لا تخلو عن اشكال بعد كون حقيقة الاغسال واحدة و من هذا يشكل البناء على عدم التداخل بان يأتى باغسال متعددة كل واحد بنية واحد منها لكن لا اشكال اذا اتى فيما عدا الاولى برجاء الصحة و المطلوبية.

(1)

اقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: اذا كان يعلم اجمالا ان عليه اغسالا لكن لا يعلم بعضها

بعينه يكفيه ان يقصد جميع ما عليه لكفاية علمه الاجمالى و قصده الاجمالى على اتيان الغسل الواحد بقصد ما عليه مثل صورة علمه به تفصيلا و شمول دليل الاجزاء للمورد.

المسألة الثانية: اما اذا علم بعض ما عليه من الاغسال معينا

و لا يعلم بعضها الآخر معيّنا فلا اشكال فى كفاية غسله بما يعلم به من الاغسال معينا مع فرض نيته البعض المعيّن كما مرّ فى المسألة 15 و اما اجزاء غسله عن البعض الغير المعيّن فمبنىّ على ما امضينا فى المسألة 15 من انه مع نية بعض ما عليه يجزى هذا الغسل عما لم ينوه مما عليه أو لا.

المسألة الثالثة: ما اذا يعلم بمطلوبية غسل عليه و ينويه

و لا يعلم حتى اجمالا بتعلق غسل آخر عليه حتى ينويه و كان متعلقا به فى الواقع فهل يجزى غسله عما يتعلق به من الغسل واقعا و لو لم يعلم به أو لا.

الحق كونه مثل المسألة الثانية فان قلنا باجزاء بعض ما ينويه عما لا ينويه فنقول فى هذه الصورة و ان لم نقل به فى المسألة الثانية لم نقل هنا أيضا لعدم فارق بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 372

علم المكلف و جهله بمقتضى النصوص المذكورة فى المسألة 15.

و اعلم بانه لو قلنا بالاجزاء حتى فى هذه الصورة فلازمه كون الاجزاء عزيمة لا رخصه لانه مع فرض عدم قصد للبعض أجزاء الغسل الواقع بنية البعض الآخر عنه و لا مجال لغسل لما لا ينوه بعد ذلك الا رجاء كما يأتى فى ذيل المسألة إن شاء اللّه و اما لو التزمنا باجزاء غسل واحد عن جميع ما عليه من الاغسال يكون قصد به الجميع يكون الاجزاء رخصه لا عزيمة فافهم.

المسألة الرابعة: ما اذا قصد فى غسله بعضا معينا

مثلا غسل الجنابة و قصد عدم تحقق غيره مثلا غسل مسّ الميت و الحال ان ما يجب عليه هو ما تعلق قصده بعدم تحققه و هو غسل مسّ الميت و لا يجب عليه ما قصده و هو غسل الجنابة فما قصده لا يكون مأمورا به و ما يكون مأمورا به لم يقصده فهل بجرى غسله عما قصد عدمه أم لا اعلم.

ما يأتى بالنظر هو عدم اجزاء غسله عنه و هذا مما لا اشكال فيه حتى على القول باجزاء الغسل عن بعض ما عليه من الاغسال الّذي لم ينوه اذا غسل بنية بعضه الآخر لانه فى هذه الفرض يكون المراد بالاجزاء هو

اجزاء الغسل المنوى عما لم ينوه لا ما لا يكون غسلا مجزيا عما نواه لان المجزى هو الغسل الواحد عن الاغسال و هو لا يتحقق الابنية جميع الاسباب او بعض ما عليه من الاسباب الموجبة للغسل و على الفرض ما قصده لا يكون من جملة الاسباب الموجبة للغسل واجبا كان او مستحبا فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و لو لم نقل بمضرية قصد عدم تحققه من الاغسال لانه على الفرض ما اتى بغسل لسبب كان عليه حتى يكون مجزيا عن غير المنوى.

المسألة الخامسة: ما اذا اجتمع عليه اغسال واقعا فينوى بغسله بعضها

و يقصد عدم تحقق بعضه الآخر بغسله هذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 373

مثلا يعلم وجوب غسل الجنابة و مسّ الميّت عليه فيقصد بغسله الطهارة عن الجنابة و يقصد عدم الغسل عن مسّ الميّت فهل يصح غسله لما نواه أو لا و بعد وقوعه له يقع الكلام فى اجزاء غسله عما لم ينوه و قصد عدم غسله له.

اما صحته لما نواه فيكون مما لا ينبغى الاشكال فيه لانه المتيقن من النصوص المذكورة فى المسألة 15.

و اما اجزائه عما لم ينوه بل نوى عدمه فقد يقال بعدمه لعدم اطلاق لقوله عليه السّلام (فاذا اجتمعت الخ) فى الرواية الاولى من الروايات المذكورة فى المسألة 15 يشمل هذه الصورة و اما غيرها من الروايات فلا دلالة له على الاجزاء و قد مضى ان مقتضى القاعدة عدم الاجزاء.

لكن لا يبعد الشمول لهذه الصورة و عدم مضرية قصد العدم فى الاجزاء و مع ذلك الاحوط هو اتيان الغسل لما ينوى عدم تحققه كما انه عرفت ان الاحوط اتيان الغسل فى كل مورد لم ينو جميع الاسباب.

تتمة بعد فرض الالتزام بكون الاجزاء

فى مسئلة تداخل الاغسال عريمة مطلقا حتى فيما قصد الجميع او فى خصوص ما قصد البعض عن غير ما قصده من الاغسال أيضا لا مانع من جواز الغسل فيما لم ينوه برجاء الصحة و المطلوبية و اما مع فرض كون الاجزاء رخصة فلا اشكال فى اتيانه فافهم.

هذا تمام الكلام فى غسل الجنابة فى شرح ما ذكر فى العروة الوثقى و قد تم بحثنا و كتابتنا فى اليوم العاشر من ذي قعدة الحرام من سنة 1399 و انا الاقل على الصافى ابن العلامة الشيخ محمد جواد الصافى الكلبايكاني و الحمد للّه أولا و آخرا و صلى اللّه على رسوله و آله لا سيما على الحجة الثانى عشر أرواحنا فداه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 374

الفهرس

فصل فى الاغسال 7

فى النّذر المتعلّق بغسل الزّيارة 8

فى ان ينذر غسل الزّيارة منجّزا 9

في أن ينذر الغسل و الزّيارة 10

في أن ينذر الغسل الّذي بعده الزّيارة 11

في غسل الجنابة 15

في الرّوايات الواردة في غسل الجنابة 16

في موجبيّة خروج المنى الغسل 17

في عدم الفرق بين خروج المنى مع الشّهوة او بدونها 19

لا فرق في موجبيّة المنى للغسل بين كونه جامعا للصّفات او فاقدا لها 20

في عدم الفرق بين خروج المنى من المخرج المعتاد و غيره 21

المعتبر خروج المنى الى خارج البدن 22

اذا شكّ في ما خرج منه انّه منّى أم لا؟ 23

في وجوب الاختبار و عدمه 25

في ما اذا اجتمعت الصّفات الثلاثة يحكم بكونه منيّا 27

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 375

في ما اذا شكّت المرأة ان الخارج منها منيّ

أم لا؟ 29

في موجبيّة الجماع الغسل 31

في الرّوايات الواردة بانّ الجماع موجب للغسل 32

لا فرق في وجوب بالجماع بين ان ينزل او لا؟ 33

في مقطوع الحشفة 34

في المقطوع بعض حشفته 35

لا فرق فى الجماع بين كونه في القبل أو الدّبر 37

فى وجوب الغسل على الواطئ فى الدّبر 39

الكلام في وجوب الغسل على الموطوء 40

الكلام في وطى الخنثى 41

اذ أدخل الرّجل بالخنثى و الخنثى بالأنثى 42

في ما اذا راى فى ثوبه منيّا 43

في واجدى المنىّ في الثّوب المشترك 45

في عدم وجوب الغسل في ما اذا راى المنيّ في الثوب المشترك 47

اذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السّابق منهما 48

في الجنابة الدّائرة بين الشّخصين 49

اذا دارت الجنابة بين شخصين لا يجوز لأحدهما الاخر بالآخر 50

في ما لو دارت الجنابة بين الثلاثة أو اكثر 52

اذا خرج المنىّ بصورة الدّم 54

المرأة تحتلم كالرّجل 55

في الرّوايات الواردة في احتلام المرأة 56

في بيان الرّوايات الواردة 57

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 376

في انّ المرأة تمنى كما يمنى الرّجل في اليقظة و النّوم 58

في وجوب الغسل على المرأة بانزال المنىّ عنها 59

في ما اذا تحرّك المنيّ في النّوم و لم يخرج 61

في ما اذا كان ضرر في حبس المنىّ 62

في عدم وجوب الغسل اذا تحرّك المنىّ و لم يخرج 63

يجوز للشخص اجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل 64

في اختصاص الجواز بصورة كون الأجناب بالجماع 66

هل يجوز ابطال وضوئه بعد دخول الوقت مع عدم تمكّنه منه بعده

67

اذا شكّ في انّه حصل الدّخول أم لا؟ 68

هل يجب عليه الغسل اذا شكّ في حصول الدّخول أم لا؟ 69

في الموارد الّتي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل و الوضوء 69

في ما يتوقّف على الغسل من الجنابة 73

في توقّف الصّلاة الواجبة و المستحبّة، اداء و قضاء على الغسل من الجنابة 74

في اشتراط الغسل من الجنابة في الاجزاء المنسيّة من الصّلاة 75

في اشتراط الغسل من الجنابة في سجدتي السّهو و عدمه 76

هل يشترط غسل الجنابة في سجدة الشّكر 77

في توقّف الطّواف على الغسل من الجنابة 78

هل يشترط غسل الجنابة في الطّواف المستحبّ 79

في الرّوايات الواردة في من طاف بغير طهر 81

يشترط الطّهارة في صلاة الطواف 83

في توقّف صوم رمضان على غسل الجنابة حتّى حال النّسيان 85

ساير اقسام الصّوم غير رمضان و قضائه هل يبطل بالاصباح، جنبا 86

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 377

في الجنابة العمديّة في اثناء النّهار 87

في عدم اضرار الاحتلام في النّهار بشي ء من اقسام الصّوم 88

فصل في ما يحرم على الجنب 93

في حرمة مسّ خطّ المصحف على الجنب 94

في حرمة قراءة سور العزائم على الجنب 95

الكلام في قوله تعالى (لا يمسّه الا المطهّرون) 97

في حرمة مسّ اسم اللّه تعالى و ساير اسمائه و صفاته المختصّة على الجنب 98

في حرمة مسّ اسماء الأنبياء و الائمّة حال الجنابة 99

في حرمة دخول المسجد الحرام و مسجد النّبي على الجنب 100

في حرمة المكث على الجنب في ساير المساجد 101

هل يجوز الدخول للجنب فى ساير المساجد بقصد أخذ شي ء أو

لا يجوز 102

في علّة الفرق بين الاخذ و الوضع 103

في و جواز دخول الجنب في المسجد لأخذ شي ء منه 105

الكلام في كون المشاهد كالمساجد 107

في الاخبار الدّالة على المنع من دخول الجنب فى بيوت الائمّة 109

هل يحرم وضع الشي ء فى المساجد 110

في حرمة قراءة آية السّجدة على الجنب 111

في الرّوايات الواردة على حرمة قراءة آية السجدة على الجنب 112

في حرمة قراءة سور السّجدة على الجنب 113

في من نام في احد المسجدين ثمّ احتلم 114

اذا احتلم في أحد المسجدين يجب عليه التيمّم 117

اذا احتلم في أحد المسجدين و كان التيمّم مساويا لزمان الخروج 118

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 378

في ما اذا احتلم في أحد المسجدين و كان يقدر على الغسل 119

في وقوع الكلام في الحائض و النّفساء 120

اذا حصل النّقاء من الحيض في أحد المسجدين 121

لا فرق فى حرمة دخول الجنب فى المساجد بين المعمور و الخراب منها 122

في وقوع الكلام في المسجد المبنىّ في الارض المفتوحة عنوه 123

في ما اذا عيّن الشخص في بيته مكانا للصّلاة 124

في ما اذا شك في كونه جزء من المسجد أم لا؟ 125

فى الجنب اذا قرء دعاء كميل 126

في عدم جواز ادخال الجنب في المسجد و ان كان مجنونا 127

في عدم جواز استيجار الجنب لكنس المسجد 129

في ما اذا كان الاجير و المستأجر عالما بالجنابة الاجير 130

في اذا كان الاجير جاهلا أو ناسيا بالجنابة 131

في حرمة اجارة الجنب لكنس المسجد 133

في حرمة استيجار الجنب للدخول و المكث في المسجد 134

حكم

استيجار الحائض و النفساء لكنس المسجد كحكم الجنب 136

في استيجار الجنب او الحائض للطّواف المستحبّ 137

اذا كان جنبا و كان الماء في المسجد يجب عليه التيمم و يدخل المسجد لأخذ الماء للغسل 138

اذا كان دخول الجنب المسجد لأخذ الماء مستلزما للمكث 139

في ما اذا علم جنابة حد الشخصين اجمالا 140

في عدم تنجّز التّكليف المعلوم بالاجمال بالنّسبة الى كلّ من الشخصين 141

مع الشّك في الجنابة لا يحرم شي ء من المحرّمات المذكورة 142

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 379

فصل في ما يكره على الجنب 145

في كراهة الاكل و الشرب على الجنب 146

في الرّوايات الواردة في كراهة الاكل و الشرب على الجنب 147

في ما يرفع به الكراهة 149

غسل اليد و المضمضة و غسل الوجه يرفع بها الكراهة 150

ترتفع الكراهة بالاستنشاق و الوضوء 150

يقع الكلام في كراهة قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن 151

في بعض الروايات الواردة في النهي عن قراءة القرآن للجنب مطلقا 152

في بعض الروايات الّتي تدلّ على جواز قراءة سبعين آية للجنب 153

في كراهة مسّ ما عدا خطّ المصحف من الجلد و الاوراق و الحواشي و ما بين السّطور على الجنب 155

في بيان مقتضى بعض الرّوايات الواردة في الباب 158

في الرّوايات الواردة في كراهة النّوم على الجنب 159

في ارتفاع كراهة النّوم على الجنب بالوضوء 161

في كراهة الخضاب على الجنب 162

في كراهة التّدهين للجنب 163

في كراهة الجماع للجنب 164

في كراهة حمل المصحف للجنب 164

فصل في كيفيّة الغسل و احكامه 167

للغسل كيفيّتان: الترتيب و الارتماس 168

في بيان

غسل الارتماسى 169

هل يجب غسل الجنابة بالوجوب النّفسى 170

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 380

في بعض الاخبار الواردة في غسل الجنابة 171

هل يجب غسل الجنابة للغايات الواجبة و يستحب للغايات المستحبّة 172

في انّ وجوب غسل الجنابة نفسىّ او غيرى 173

في انّ غسل الجنابة هل يستحبّ بالاستحباب النّفسىّ أم لا؟ 174

لا يجب في غسل الجنابة قصد الوجوب او النّدب 176

في ما اذا قصد الاستحباب مكان الوجوب او بالعكس 177

في وجوب تطهير تمام البدن 178

في الرّوايات الواردة في غسل الجنابة 179

لا يجب غسل البواطن من البدن 180

لا يجب غسل الشّعر مثل شعر اللّحية 181

هل يجب غسل الشعر مطلقا سواء كان كثيفا او رقيقا 183

في وجوب ايصال الماء بالبشرة 185

في احتمال وجوب غسل البشرة فقط دون الشّعر 188

في التفصيل بين الشّعر الكثيف و بين الشعر الدّقيق 189

هل يجب غسل الثقبة الّتي في الاذن أم لا؟ 189

في كيفيّة غسل التّرتيبى 190

في وجوب تقديم غسل الرّأس على غسل الايمن و الايسر 191

في الاخبار الواردة في كيفيّة غسل التّرتيبى 192

في بعض الاخبار الدّالة على عدم وجوب الترتيب 195

في بيان ما ورد في بعض الاخبار الواردة في غسل الجنابة 197

في وجوب الترتيب بين الجانبين بتقديم الايمن على الايسر 198

في روايات الدّالة على اعتبار التّرتيب بين الايمن و الايسر 199

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 381

في البحث عن صحّة تداخل الأغسال 201

في بيان ما استدلّ على عدم وجوب التّرتيب بين الايمن و الايسر 204

الاحوط بل الاقوى وجوب الترتيب بين الايمن و

الايسر 205

في بيان ما استدل على وجوب غسل الرّقبة مع الرّأس 206

في بيان ما ورد في الرّواية في غسل الوجه 207

هل يجب في غسل كلّ عضو الابتداء بالاعلى أم لا؟ 209

في ما استدلّ لعدم وجوب ابتداء الغسل بالاعلى 211

في ما يدلّ عليه قوله تعالى: (فان كنتم جنبا فاطهّروا) 213

هل يجب بالاعلى فالاعلى فى كلّ عضو كما يقال في الوضوء او لا؟ 214

في عدم وجوب الموالاة العرفية بمعنى تتابع كلّ عضو للآخر 215

في الاستدلال بعدم وجوب الموالاة في أجزاء عضو واحد 216

في ما لو تذكّر بعد الغسل ترك جزء من أحد الاعضاء 217

الكيفيّة الثّانية في غسل الجنابة الارتماسى 218

في الاخبار الواردة في غسل الارتماسي 219

في الارتماس في الماء دفعة واحدة عرفيّة 221

المراد من الارتماس استيلاء الماء على جميع البدن 223

هل يلزم قبل الارتماس ان يكون جميع بدنه خارج الماء 225

في وجه كفاية خروج معظم البدن عن الماء قبل الارتماس 227

في وجه اعتبار جريان الماء على البدن في الارتماس 229

في ما لو تبيّن بعد الغسل الارتماسى عدم انغسال جزء من بدنه 230

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 7، ص: 381

هل يجب تخليل الشّعر اذا شكّ في وصول الماء الى البشرة 232

هل يجوز الغسل بنحو الارتماس في ساير الاغسال 232

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 382

في عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة 233

الكلام في عدم مشروعيّة مع غسل الجنابة 234

في الاخبار الواردة في

عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة 235

في الرّوايات الّتي تدلّ على عدم اجزاء الوضوء مع غسل الجنابة 237

في عدم اجزاء غير غسل الجنابة عن الوضوء 239

في روايات الّتي تدلّ على اجزاء الغسل عن الوضوء، مطلقا 241

في التفصيل بين الاغسال الواجبة و الاغسال المستحبّة 242

في انّ الغسل الترتيبى افضل من الارتماسى 245

اذا ضاق الوقت عن التّرتيبى قد يتعيّن الارتماسى 246

يجوز في غسل التّرتيبى ان يغسل كلّ عضو من اعضائه الثلاثة بنحو الارتماس 247

الغسل الارتماسى يتصوّر على وجهين 249

يشترط في كلّ عضو ان يكون طاهرا حين غسله 250

في المسألة أقوال 251

في غسل الكفّ و الفرج قبل الغسل 253

في بيان ما ورد في بعض الاخبار 255

الكلام في الامر بتقديم الغسل قبل الغسل 257

لا بدّ و ان يقع ماء الغسل على المحل الطاهر 259

في عدم كفاية الغسل (بالفتح) و الغسل (بالضّم بفعل واحد) 261

في ما اذا كان الماء الّتي يغسل به كثيرا 261

انّ طهارة محلّ الغسل واجب بالوجوب النّفسى 263

في كفاية غسل كلّ عضو عن النّجاسة قبل غسله 265

في وجوب اليقين بوصول الماء الى جميع الاعضاء 266

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 383

في ما إذا شكّ في شي ء انّه من الظّاهر او الباطن 267

في ما اذا كان الشّي ء من الباطن سابقا 269

في عدم اعتبار الموالاة في الغسل الترتيبي 270

في جواز الغسل تحت المطر و تحت الميزاب 271

في بعض الاخبار الواردة في غسل الجنابة تحت المطر 273

انّ المعتبر في الغسل الارتماسي هو الغمس في الماء 275

هل يصحّ الغسل الارتماسي تحت الميزاب

او لا؟ 276

في جواز العدول عن التّرتيب الى الارتماس 277

اذا كان حوض اقل من الكرّ يجوز الاغتسال فيه بالارتماس مع طهارة البدن 278

في ما يشترط في صحّة الغسل 281

في طهارة ماء الغسل 282

في عدم جواز كون ماء الغسل، ماء الغسالة 283

يشترط في الغسل الارتماسي ان لا يكون الارتماس في الماء حراما 284

في اشتراط الغسل المباشرة في الغسل حال الاختيار 285

اذا اذهب الى الحمّام ليغتسل و بعد ما خرج شكّ في انّه اغتسل أم لا؟ 286

في ما اذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبيّن ضيقه 287

في ما اذا كان من قصده عدم اعطاء الاجرة للحمّامي 288

في ما اذا كان ماء الحمّام مباحا لكن سخن بالحطب المغصوب 290

الغسل في حوض المدرسة لغير أهله 291

الغسل بالمئرز الغصبى باطل 292

ماء غسل المرأة على زوجها لانّه يعدّ من نفقتها 292

في ما اذا اغتسل المجنب في شهر رمضان او في حال الاحرام ارتماسا نسيانا 293

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 384

في ما لو اغتسل ارتماسا في حال الصّوم عامدا 295

في صحّة غسل من ارتمس في الماء حال الاحرام 296

في مستحبّات غسل الجنابة 299

في الدّعاء بالمأثور في حال الاشتغال بالغسل 301

في ما يمكن الاستدلال به على استحباب الاستبراء 303

في استحباب الاستبراء بالبول قبل الغسل 305

في استحباب غسل اليدين قبل غسل الجنابة 307

فى الاخبار الّتي تدلّ على الامر بغسل اليدين، قبل غسل الجنابة 308

الكلام في عدد الغسلات 311

في استحباب الاستنشاق و المضمضة 313

في استحباب امرار اليد على الاعضاء 315

من المستحبّات غسل كلّ من الاعضاء

الثلاثة، ثلاثا 316

من المستحبّات التّسمية و الدّعاء بالمأثور 317

يكره الاستعانة بالغير في المقدّمات القريبة 318

الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطا في صحّته 319

في ما اذا اغتسل بعد الجنابة بالانزال ثمّ خرج منه رطوبة مشتبهة 320

في بيان حكم الشّبهة المصداقيّة 324

في الاستبراء بالبول بعد انزل المنىّ 325

اذا شكّ انّه استبرء بالبول أم لا؟ 326

في الرّطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها 328

في ناقضية الرّطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول و ان كان مستبرئا بالخرطات 329

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 385

في ما اذا احدث بالاصغر في اثناء غسل الجنابة 330

في المسألة اقوال ثلاثة 331

هل يكون الحدث الاصغر في الأثناء ناقضا للغسل أم لا؟ 333

في ما استدل به على عدم بطلان الغسل بالحدث في الاثناء 335

اذا وقع الحدث الاصغر بعد تمام الغسل 336

في وجوب اعادة الغسل من رأس اذا احدث في الأثناء 338

في انّ ناقض الطّهارة الصغرى لا يوجب نقض الطّهارة الكبرى 339

اذا احدث بالاصغر في اثناء غير غسل الجنابة 341

اذا احدث بالاكبر في اثناء الغسل 342

اذا كان الحدث الاكبر الحادث في اثناء الغسل من غير جنس ما يغسل له 344

اذا طرأ مثل مسّ الميّت في اثناء غسل الجنابة 347

اذا حدثت المرأة بحدث الحيض في اثناء غسل الجنابة 348

في الحدث الاصغر في اثناء أغسال المستحبّة 349

اذا شكّ في غسل عضو من الاعضاء الثلاثة 350

اذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل ثمّ شكّ 352

اذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسى 354

اذا صلّى ثمّ شكّ في انّه اغتسل للجنابة أم لا؟

355

اذا شكّ في اثناء هل اغتسل للجنابة أم لا؟ 357

في ما اذا اجتمع عليه اغسال متعدّدة 358

اذا كان عليه اغسال متعدّدة واجبة 359

في الرّوايات الواردة في من عليه اغسال متعدّدة 361

ان موضوع المسألة من صغريات تداخل المسبّبات 362

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 7، ص: 386

في ما اذا نوى بعض الاغسال المجتمعة عليه 364

في صحّة غسل الحيض مع الجنابة 365

في اجزاء غسل الحيض عن الجنابة و لو لم ينوها 366

في ما اذا كان عليه اغسال من الواجب و المستحبّ 367

في ما اذا كان بعض ما عليه من الاغسال رافعا للحدث 368

في ما قصد رفع الحدث او الاستباحة 369

في صحّة غسل الجمعة من الجنب و الحائض 370

اذا كان يعلم اجمالا انّ عليه اغسالا لكن لا يعلم بعضها بعينه 371

في ما اذا قصد فى غسله بعضا معيّنا و قصد عدم تحقق غيره 372

في ما اذا اجتمع عليه اغسال واقعا 374

الفهرس 375

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء الثامن

[تتمة كتاب الطهارة]

فصل: فى الحيض

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى الحيض و هو دم خلقه اللّه تعالى فى الرحم لمصالح و فى الغالب أسود او أحمر غليظ طرىّ حار يخرج بقوة و حرقة كما ان دم الاستحاضة بعكس ذلك و يشترط ان يكون بعد البلوغ و قبل اليأس فما كان قبل البلوغ او بعد اليأس ليس بحيض و ان كان بصفاته و البلوغ يحصل با كمال تسع سنين و اليأس ببلوغ ستين سنة فى القرشية و خمسين فى غيرها و القرشية من انتسب الى

نضر بن كنانة و من شك فى كونها قرشية يلحقها حكم غيرها و المشكوك البلوغ محكوم بعدمه و المشكوك يأسها كذلك

(1)

اقول و الكلام فى هذا الفصل يقع فى طى امور إن شاء اللّه.

الأمر الاوّل: فى موضوعه

اعلم انّ ما يرى من كلمات بعض اهل اللغة انّ الحيض اسم للدم الخاص و عن بعض الآخر انه موضوع لسيلان الدم فقولك حاضت المرأة تحيض اى سال دمها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 8

و عن بعض الآخر ان الحيض اسم لاجتماع الدم و به سمّى الحوض حوضا لاجتماع الماء فيه و لا ثمرة فى البحث عمّا هو موضوعه لغة كما لا ثمرة فى البحث عن اتحاد موضوعه لغة و شرعا او اختلافهما.

[الامر الثانى فى صفاته]
اشارة

فلنعطف عنان الكلام بما ذكره المؤلف رحمه اللّه فى الامر الثانى و هو ان الحيض دم خلقه اللّه تعالى فى الرحم و هو فى الغالب بالصفات الآتية.

اعلم ان التقييد بالغالب لانه ربما لا يكون واجدا للصفات و الحال ان الدم محكوم بالحيضية.

مثل الدم المرئى فى ايام العادة او يكون واجدا للصفات و لا يحكم به بالحيضية كما سيأتي ان شاء اللّه.

و امّا الصفات فعلى ما ذكره المؤلف رحمه اللّه امور:

الأمر الاوّل: كون الدم أسود او أحمر

يدلّ على كونه أسود ما رواها حفص بن البخترى (قال دخلت على ابي عبد اللّه عليه السّلام امرأة فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم فلا تدرى حيض هو او غيره قال فقال لها ان دم الحيض حار عبيط (غليظ خ ل يب) اسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة اصفر بارد (رقيق- يب خ) فاذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة قال فخرجت و هى تقول و اللّه (ان كا) لو كان امرأة ما زاد على هذا) «1».

و ما رواها يونس عن غير واحد (سألوا أبا عبد اللّه عليه السّلام و الرواية مفصّلة) و فيها و ذلك ان دم الحيض اسود يعرف الخ) «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الحيض ج 2 من كتاب جامع احاديث الشيعة ص 478.

(2) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الحيض ج 2 من كتاب جامع احاديث الشيعة ص 489.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 9

و يدل على كونه احمر ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام (قال سألته عن المرأة الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة من الدم ان كان

دما احمر كثيرا فلا تصلى (تصل- خ) و ان كان قليلا اصفر فليس عليها الا الوضوء) «1».

و ما رواها ابن ابى عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة الا ان تكون امرأة من قريش) «2».

ثم ان هنا كلاما فى الجمع بين ما يدل على كونه أسود و هو رواية حفص و يونس و بين ما يدل على كون دم الحيض احمر و هو رواية محمد بن مسلم و مرسلة ابن ابى عمير.

فنقول بعونه تعالى بان الظاهر كون المراد من كلتا الطائفتين من الاخبار واحدا و هو كون الدم ذى حمرة شديدة بمعنى اشتداد حمرته حتى يسوّد بقرينة جعل السواد فى قبال الاصفرار و رقة اللون فاذ اخرج عن الاصفرار فهو حيض سواء كان أحمر او أسود كما انه جعل الحمرة فى مقابل الصفرة فى رواية محمد بن مسلم فلا تعارض بين الطائفتين.

الأمر الثانى: كونه غليظا،

و يدل عليه ما رواها الدعائم 154- و روينا عنهم عليهم السّلام (ان دم الحيض ينفصل عن دم الاستحاضة لان دم الحيض كدر غليظ منتن و دم الاستحاضة رقيق) «3» و هذه الرواية مرسلة فتكون ضعيفة السند.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 10 من ابواب الحيض من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 504.

(2) الرواية 4 من الباب 11 من ابواب الحيض من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 507.

(3) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب الحيض من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 479.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 10

و ما رواها يونس عمن حدثه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سئل عن

امرأة انقطع عنها الدم فلا تدرى أطهرت أم لا قال تقوم قائما و تلزق بطنها بحائط و تستدخل قطنة بيضاء و ترفع رجلها اليمنى فان خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر فان لم يخرج فقد طهرت تغتسل و تصلى) «1».

و يمكن استفادة الحكم مما رواها الحفص المتقدم ذكرها فى الصفة الاولى بناء على نقل يب (غليظ) بدل (عبيط) و (رقيق) بعد قوله (بارد).

و بما رواها على بن يقطين (قال سألت أبا الحسن الماضى عليه السّلام عن النفساء و كم يجب عليها ترك الصلاة قال (قال- خ) تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط الى ثلاثين يوما فاذا رقّ و كانت صفرة اغتسلت و صلّت ان شاء اللّه تعالى) «2» لان المستفاد منها انه متى لم يرقّ الدم فهو محكوم بكونه دم النفاس فبضميمة كون دم النفاس متحدا مع دم الحيض يقال ان دم الحيض غليظ لانه ما لم يرقّ الدم محكوم بالحيضية فتأمل و يوجد فى الاخبار أيضا ما يدل عليه راجع.

الأمر الثالث: ان يكون طريّا اى كونه عبيطا

لتفسير العبيط بالطرى بمعنى عدم كون الدم فاسدا اى ناشيا عن الداء.

و يدل عليه رواية الحفص المتقدم ذكرها فى الصفة الاولى بناء على كون الصادر عن الامام عليه السّلام هو ما رواها الكافى و هو (عبيط) لا (غليظ) كما رواها التهذيب.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب الحيض من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 501.

(2) الرواية 23 من الباب 28 من ابواب الحيض، ج 2 من كتاب جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 11

و ما فى رواية على بن يقطين المتقدم ذكرها فى الصفة الثانية لدم الحيض لان فيها قال

(ما دامت ترى الدم العبيط).

بناء على كون دم الحيض و النفاس واحدا.

ثمّ انّ هذه الصفة مما لا يمكن تشخيصها لعامة النساء لانه كيف يعرفن ان الدم او خروجه لا يكون ناشيا عن وجود داء لصاحبه و على كل حال الامر سهل بعد كونها الصفة الغالبية.

الأمر الرابع: انّه دم حارّ يخرج بقوة و حرقة

يدل على كونه حارا و يخرج بقوة رواية حفص المتقدّمة فى الصفة الاولى لان المستفاد منها كونه حارا و يخرج بدفع و المراد بالدفع هو القوّة ظاهرا.

و على خصوص حرارته ما رواها معاوية بن عمار (قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان دم الاستحاضة و الحيض ليس (ليسا- خ كا) يخرجان من مكان واحد أنّ دم الاستحاضة بارد و أنّ دم الحيض حارّ) «1».

و على خصوص خروجه بحرارة و حرفة ما رواها اسحاق بن جرير (عن حريز- يب خ) (قال سألتني امرأة منّا ان ادخلها على ابى عبد اللّه عليه السّلام فاستأذنت لها فاذن لها فدخلت و معها مولاة لها فقالت له يا أبا عبد اللّه).

(اقول و الرواية مفصّلة) الى ان قال عليه السّلام (دم الحيض ليس به خفاء (و- خ يب) هو دم حار تجد له خرقة و دم الاستحاضة دم فاسد بارد) «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الحيض، من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 537.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الحيض، من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 537.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 12

و دم الاستحاضة بعكس ذلك فيكون اصفر و باردا كما يظهر من بعض الاخبار المذكورة فى صفات دم الحيض.

الأمر الثالث: قال المؤلف رحمه اللّه و يشرط ان يكون بعد البلوغ و قبل اليأس
اشارة

فما كان قبل البلوغ او بعد الياس ليس بحيض و ان كان بصفاته و البلوغ يحصل باكمال تسع سنين و اليأس ببلوغ ستين سنة فى القرشية و خمسين فى غيرها الخ اعلم ان الكلام فى هذا الامر يقع فى جهات:

الجهة الاولى: فى الحدّ الّذي اذا لم تدخل فيه المرأة لا يحكم بكون الدم الخارج منها حيضا
اشارة

و الحدّ الّذي اذا دخلت فيه لا يحكم أيضا بكون الدم الخارج منها حيضا فيشترط كون الدم الخارج بعد بلوغ الاوّل و قبل الثانى.

[ما يدل أن ابتداء الحيض تسع سنين]

ففى هذا المقام نقول ما يستفاد من بعض روايات الباب هو بلوغها تسع سنين فما لم تبلغ تسع سنين لا يحكم بحيضية الدم الخارج منها و ان كان بصفاته.

و هى ما رواها عبد الرّحمن بن الحجاج قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ثلاث تتزوّجن على كل حال الّتي لم تحض و مثلها لا تحيض قال قلت و ما حدّها.

قال اذا اتى لها اقل من تسع سنين و الّتي لم يدخل بها و الّتي قد يئست من الحيض و مثلها لا تحيض قلت و ما حدّها قال اذا كان لها خمسون سنة «1».

و الظاهر من الرواية كون الحدّ الّذي لا يحكم بحيضية الدم هو اقل من تسع سنين و مقتضاها اشتراط عدم كونه قبل تسع سنين سواء بلغت قبل ذلك المرأة او لم تبلغ و ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه هو اشتراط كون الدم خارجا بعد البلوغ و الا لا يحكم بحيضيته و تحديده البلوغ بإكمال تسع سنين هو كون ذلك حد البلوغ مطلقا حتى

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب العدد من الوسائل، ج 7.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 13

بالنسبة الى غير الحيض.

و الحال انه يمكن حصول البلوغ للمرأة قبل إكمالها تسع سنين لحصوله فى الرجل و المرأة بامور ثلاثة:

ا حدها السن و هو فى الذكر خمسة عشر سنة و فى الانثى تسع سنين.

ثانيها نبات الشعر الخشن على العانة.

ثالثها خروج المنى و الحاصل ان ظاهر الرواية هو كون المشترط فى الحيض ان لا يكون

قبل اكمال تسع سنين و اطلاقها يقتضي عدم الحكم بالحيضية قبل ذلك و ان بلغت المرأة باحد من الامرين الآخرين هذا بالنسبة الى الشرط الاوّل و هو اشترطه بان لا يكون قبل اكمال تسع سنين و يأتى تتمة الكلام فيه فى طى المسألة 1 الّتي يتعرض المؤلف رحمه اللّه لها إن شاء اللّه.

[ما يدل على كون حد اليأس الخمسين مطلقا]

و امّا بالنسبة الى الشرط الثانى و هو ان يكون قبل اليأس فاشراطه فى الجملة معلوم انما الكلام فى ان اليأس هل هو بلوغ المرأة خمسين سنة مطلقا كما عن جماعة او ستين سنه مطلقا كما عن جماعة او يكون ستين للقرشية خاصة او هى و النبطية و خمسين سنة لغيرهما كما عن جماعة.

فما يدل على كون حد اليأس الخمسين مطلقا هو رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم ذكرها و رواية اخرى منه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال حدّ التى (قد- كا) يئست من المحيض خمسون سنة) «1» يحتمل كونهما رواية واحدة.

و ما رواه سهل بن زياد عن احمد محمد بن ابى نصر (عن ابن ابى نصر- يب)

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الحيض من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2 ص 506.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 14

عن بعض اصحابنا (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام المرأة التى قد يئست (تيأس- المعتبر) من المحيض حدها خمسون سنة) «1».

و ما يدل على كون حد اليأس ستين سنة رواية اخرى عن عبد الرّحمن الحجّاج (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ثلاث يتزوّجهن على كل حال التى قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض قال قلت و متى تكون كذلك قال اذا بلغت ستين

سنه فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض و الّتي لم تحض و مثلها لا تحيض قلت و متى يكون كذلك قال ما لم تبلغ تسع سنين فانها لا تحيض و مثلها لا تحيض و الّتي لم يدخل بها) «2».

و اما ما يستدل به على التفصيل فى حد اليأس بين القرشية و غيرها

اخبار:

الاوّل: كا 30 عدة من اصحابنا عن التهذيب 113- احمد بن محمد عن الحسن بن ظريف (طريف- خ) عن ابن عمير عن بعض اصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة (حمرا- يب) الا ان تكون امرأة من القريش) «3».

الثانى: المبسوط 13- و تيأس المرأة من المحيض اذا بلغت خمسين سنة الا اذا كانت امرأة من قريش فانه روى أنها ترى دم الحيض الى ستين سنة «4».

الثالث: المقنعة 83- و قد روى ان القرشية من النساء و النبطية تريان الدم الى ستين سنة «5».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الحيض من كتاب جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 507.

(2) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب العدد من الوسائل ج 7.

(3) جامع الاحاديث الشيعة، ج 2 ص 507 الباب 11 من ابواب الحيض حديث 4.

(4) جامع الاحاديث الشيعة، ج 2، ص 507، الباب 11 من ابواب الحيض ح 5.

(5) جامع الاحاديث الشيعة، ج 2، ص 507، الباب 11 من ابواب الحيض ح 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 15

الرابع: الكافى- 2- و روى ستون سنة أيضا «1».

هذا كله فى الروايات المربوطة بهذه المسألة.

اعلم انه تارة نتكلّم فى مفاد الطائفة الاولى و الثانية فلا بدو ان يقال بتعارض الطائفتين لانّ مفاد الاولى كون حدّ الياس خمسين سنة و مفاد الثانية كون حدّه

ستين سنة.

و تارة نتكلم فى صدور رواية دالة على كون الحد ستين سنة أم لا فنقول بانّه بعد ما لا مدرك لكون حد اليأس ستين سنة الا رواية واحدة و هى رواية عبد الرحمن بن الحجاج و لهذا الراوى رواية اخرى ذكرنا لك تدل على كون حد الياس خمسين سنة و الراوى عن عبد الرحمن فى كل من الروايتين يكون جميل ابن درّاج.

فنقول أولا ان الظاهر أن ما رواه عبد الرحمن ليس الّا رواية واحدة و كذا جميل بن دراج لم يرو منه الّا رواية واحدة غاية الأمر حصل هذا الاشتباه من احد الروات او الكتاب لبعد سؤاله مرّتين فلا ندرى ان ما رواه هو ما يدلّ على ان حدّ الياس الستون او ما يدلّ على ان حدّه الخمسون فلا يمكن الاخذ بهما و بعبارة اخرى لا ندرى ان الصادر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام هو الخمسون او الستّون فتسقط الروايتان عن الاعتبار و الحجية في هذه الجهة.

و ثانيا لو كانتا روايتين تسقطان بالتعارض و بعد سقوط روايتى عبد الرحمن عن الحجية فى هذه الجهة تبقى رواية محمد بن ابى نصر الدالة على كون حد اليأس خمسين بلا معارض لكن الاشكال فى ضعف سندها لإرسالها لانّ محمّد بن ابى نصر

______________________________

(1) جامع الاحاديث الشيعة ج 2 ص 507 الباب 11 من ابواب الحيض، ح 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 16

يروى عن بعض اصابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و البعض غير معلوم.

و تارة نتكلم فى الطائفة الثالثة من الروايات اعلم ان كل الروايات الاربعة من هذه الطائفة يكون مرسلة غاية الامر يدّعى جبر ضعف سندها بالشهرة الفتوائية و خصوصا

لا ضرر فى ارسال الرواية الاولى منها لان مرسلها ابن ابى عمير و اشتهر فى كلامهم ان مراسيله بحكم المسانيد هذا بالنسبة الى سند هذه الاخبار.

و امّا الكلام فى متنها فمقتضى ظهور مرسلة ابن ابى عمير هو كون حد اليأس للمرأة خمسين سنة الا ان تكون المرأة من قريش و لكن لم يعين فيها ان حد اليأس للقرشية هو الستين او غيره فالمستفاد منها فى حدّ ذاتها هو تعيين حد يأس غير القرشية و عدم كون هذه الحد. للقرشية و اطلاقها يقتضي كون غير القرشية حتى النبطية حد يأسها هو الخمسون.

و مقتضى ما رواها الكافى كون حد اليأس للقرشية ستين سنة و مقتضى رواية المبسوط كون الحد للمرأة خمسين سنة و للقرشية ستين سنة و مقتضى رواية المقنعة كون حد اليأس للقرشية و النبطية ستين سنة.

فنقول مع قطع النظر عن الاشكال فى سند الروايات من الطوائف الثلاثة يمكن ان تكون الطائفة الثالثة منها شاهد الجمع بين الروايات لان مقتضى الطائفة الاولى كون حد اليأس مطلقا هو خمسون.

و مقتضى الثانية كونه هو الستون مطلقا.

فبمقتضى الطائفة الثالثة المفصّلة بين القرشية و بين غيرها او بين القرشية و النبطية و بين غيرهما نقيّد كلا من الطائفة الاولى و الثانية بهذه الطائفة لانّ لسان الطائفة الثالثة و ان كان مختلفا من حيث المفاد لانّ مفاد رواية ابن ابى عمير ليس الّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 17

عدم كون القرشية مثل غيرها فى حد اليأس لعدم تعين حد يأس القرشية فيها و سكوتها عنه لكن حيث عيّن حد يأسها فى غيرها و هو الستون يكفى لاثبات كون القرشية خارجة عن اطلاق الطائفة الاولى و كذا الثانية.

و

كذلك يخرج عن اطلاق الطائفة الاولى و الثانية النبطية.

لدلالة الرواية الرابعة من الطائفة الثالثة انها مثل القرشية فى كون حد يأسها ستين و لا يضر. سكوت غيرها من الطائفة الثالثة عن النبطية فيقيّد بهذه الطائفة.

الطائفة الاولى و تكون النتيجة ان حد الياس خمسون الا للقرشية و النبطية كما انّه يقيد بها الطائفة الثانية لو قلنا بوجود رواية دالة على كون الحد ستين و الا لو قلنا بان رواية عبد الرحمن الدالة على الستين ساقطة عن الاستدلال فلا يكون فى البين الّا الطائفة الاولى و الثالثة فتكون النتيجة ان حد اليأس ستون للقرشية و النبطية و خمسون لغيرهما.

هذا مع قطع النظر من سند الروايات و امّا مع ملاحظة سند الروايات فالانصاف ان الرواية التى يمكن الاستدلال بها على الخمسين من الطائفة الاولى و هى رواية عبد الرحمن لا اشكال من حيث سندها و لكن لتعارضها مع رواية اخرى منه الدالة على الستين لا يمكن التعويل عليها كما بينّا لك فلا يبقى من الطائفة الاولى الا رواية محمد بن ابى نصر و هى مرسلة الّا انّ يدعى جبر ضعف سندها بعمل الاصحاب و تاييدها فى الجملة بمرسلة ابن ابى عمير من الطائفة الثالثة الدالة على كون حد الياس الخمسين الّا فى القرشية ففى الجملة تدل على ان الخمسين حدّ لليأس.

و امّا الطائفة الثانية فليست الّا رواية عبد الرحمن فهى و ان لم يكن الاشكال فى سندها لكن مفادها و هو جعل حد اليأس الستين مناف مع رواية الاخرى الدالة على ان الحد خمسون فلا يمكن التعويل عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 18

و امّا الطائفة الثالثة فغير رواية ابن ابي عمير ضعيفة السند فلا

يبقى فى البين الّا مرسلة ابن ابى عمير فبعد الالتزام بانّ مرسلاته بحكم المسندات تدل على ان الحد خمسون لغير القرشية فبالنسبة الى غير القرشية لنا حجة على كون يأسها الخمسين لمرسلة ابن ابي عمير و مرسلة محمد بن ابى نصر بعد تقيد اطلاقها بغير القرشية فنلتزم فى غير القرشية بان حد يأسها الخمسون.

و امّا القرشية فما يدل على كون حد يأسها الستون من المراسيل الثلاثة ضعيفة السند لكن يدعى انجبار ضعفها فى خصوص القرشية بعمل الاصحاب على طبقها خصوصا مع ما فى مرسلة ابن ابى عمير من الاستثناء.

و امّا النبطية فكونها بحكم القرشية ليس له مدرك إلا مرسلة المقنعة فحيث كان مبنى الصدوق فيها على الاقتصار فى فنواه على متون الروايات و قال و قد روى ان القرشية و النبطية تريان الدم الى ستين سنه يقال بانها مثل القرشية و ان لم يكن مدركها مثل القرشية من حيث الاعتبار.

فتخلص ان ما يأتى بالنظر عاجلا ان حد الياس خمسون الّا للقرشية و النبطية و من يريد الاحتياط فالأحوط لهما هو الجمع من الخمسين الى الستين بين تروك الحائض و عمل المستحاضة بل الاحوط للقرشية الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض و عمل المستحاضة الى آخر عمره لا كما فى بعض «1» الحواشى على العروة من احتياطها بهذا النحو الى بلوغها ستين سنة فافهم.

الجهة الثانية: فيما هو المراد من القرشية و النبطية

امّا القرشية و هى المنسوبة الى نضر بن كنانة و هو احد اجداد النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كان هو مدعوا بقريش و هذا هو

______________________________

(1) و هو حاشية السيد الخوئى رحمه اللّه ص 211.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 19

مختار المؤلف رحمه اللّه و قيل

القريش هو فهر (بكر الفاء و سكون الهاء) ابن مالك بن نضر.

و قيل هو قصىّ (بضم القاف و فتح الصاد المهملة و الياء المشددة).

اقول و ان كان الاختلاف فيمن ينتسب إليه القريش لكن لا ثمره فى البحث عنه بعد ما قيل من انه لا يعرف منهم الا الهاشمية و لا يعرف الآن منها الا من انتسب الى ابى طالب عليه السّلام و العباس.

و كذا النبطية فانّها و ان لم تكن مبينة الحكم لكن لا مجال للبحث عن موضوعها من انّها ولد نبط بن يابس بن آدم بن سام بن نوح او انهم عرب استعجموا او عجم استعربوا او انّهم قوم من العرب دخلوا فى العجم و الروم و اختلطت انسابهم و فسدت ألسنتهم او غير ذلك لانتفاء مصاديقها فى الخارج فعلا.

الجهة الثالثة: فيمن شك فى كونها قرشية او نبطية

قد يقال بكونها محكومة بعدم القرشية او النبطية بدعوى بناء العقلاء على عدم الانتساب بين شخصين الا مع احراز الانتساب بينهما بمحرز و هذه سيرة جارية بينهم لحفظ الانساب و الشارع لم يردع عن هذه الطريقة و السيرة فتكون حجة و لعل الاجماع المدعى فى المحكى عن المستند يكون منشأه هذه السيرة العقلائية لا الاجماع التعبدى.

فان تمّ هذه السيرة يحكم بالمشكوك كونها من احدهما بعدم كونها منهما و ان لم نقل بذلك و تصل النوبة بالاصل العملى فنقول بعونه تعالى لا اصل فى محل الكلام لانّه ان كان فهو استصحاب عدم القرشية بالاستصحاب الأزلى فقد عرفت فى الاصول عدم جريانها أوّلا و كونه على تقدير جريانه مثبتا ثانيا.

الجهة الرابعة: ايّما امرأة شكت فى بلوغها و هو تسع سنين يحكم بعدمه

و ان شكت فى يأسها يحكم بعدمه وجه ذلك استصحاب عدم البلوغ فى الاوّل فيحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 20

بعدم كون الدم الخارج قبل البلوغ دم الحيض و استصحاب عدم اليأس فى الثانى فيحكم بكون الدم المرئى قبل بلوغها الخمسين او الستين دم الحيض.

***

[مسئلة 1: اذا خرج ممن شك فى بلوغها دم و كان بصفات الحيض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا خرج ممن شك فى بلوغها دم و كان بصفات الحيض يحكم بكونه حيضا و يجعل علامة على البلوغ بخلاف ما اذا كان بصفات الحيض و خرج ممن علم عدم بلوغها فانه لا يحكم بحيضيته و هذا هو المراد من شرطية البلوغ.

(1)

اقول قد عرفت فى طى المسألة السابقة اشتراط الحكم بحيضية الدم كونه بعد البلوغ و عدم كون الدم قبل تسع سنين حيضا و احتمالاته ثلاثة:

الاحتمال الاوّل: ان لا يكون الدم حيضا قبل بلوغ تسع سنين واقعا و تكوينا.

الاحتمال الثانى: ان لا يكون مورد احكام الحيض شرعا و ان كان حيضا تكوينا.

الاحتمال الثالث: عدم كون الدم قبل تسع سنين حيضا ظاهرا و ان كان حيضا واقعا و اثره ترتب احكام الحيض على الخارج قبل التسع فيما علم بكونه حيضا.

و ظاهر بعض الاخبار مساعد مع الاحتمال الاوّل مثل رواية عبد الرحمن المتقدم ذكرها، و لا يساعد مع الاحتمال الثالث و ان احتمل مساعدته مع الاحتمال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 21

الثانى لكن لا ثمرة عملية بين الاحتمال الاوّل و الثانى.

اذا عرفت ذلك نقول انّ ما ذهب إليه القوم من عدم كون الدم الخارج عن المرأة قبل بلوغها حيضا صار مورد الاشكال مع ما ذهبوا إليه من ان الحيض من علائم بلوغ المرأة كما يدلّ عليه ما رواها عمار الساباطى

عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن الغلام متى يجب عليه الصلاة قال اذا اتى عليه ثلاث عشرة سنة فان احتلم قبل ذلك فقد و جبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم و الجارية مثل ذلك ان اتى لها ثلاث عشرة سنة او حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم) «1».

(قال صاحب الوسائل اقول هذا محمول على حصول الاحتلام او الانبات للغلام فى الثلاث عشرة سنة و عدم عقل الجارية قبلها لما مضى) اقول جمعا بين الروايات.

و ما رواها عبد اللّه بن جعفر الحميرى فى قرب الاسناد عن السندى بن محمد عن ابى البخترى عن جعفر بن محمد عن ابيه عن على عليه السّلام (قال اذا حاضت الجارية فلا تصلى إلا بخمار) «2» قال فى الوسائل المراد بالجارية الصبية الحرة.

و ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (انه قال على الصبى اذا احتلم الصيام و على الجارية اذا حاضت الصيام و الخمار الا ان تكون مملوكة فانه ليس عليها خمار الا ان تحبّ ان تختمر و عليها الصيام) «3».

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 4 من ابواب مقدمة العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 28 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 29 من ابواب من يصح منه الصوم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 22

لانّ مقتضى ما دلّ من الروايات «1» الدالة على اشتراط ان لا يكون خروج الدم قبل بلوغ المرأة (تسع سنين) فى محكوميته بالحيض هو ان المرأة لا تحيض أو لا يحكم بكون دم الخارج منها حيضا الا بعد بلوغها و مقتضاها تقدم البلوغ على

الحيض و كون الحيض دليلا على البلوغ لا نفس البلوغ وحده.

و الحال ان مقتضى الاخبار الثلاثة كون الحيض من علائم بلوغ المرأة و حدّه الّذي حدّ به بلوغها فينا فى كل من هذه الطائفتين من الاخبار مع الاخرى.

و نقول فى مقام الجمع بان مفاد هذه الاخبار ليس الا وجوب الصلاة او الخمار فيها او الصوم على المرأة الّتي حاضت و حيث ان مفاد الاخبار الدالة على عدم كون الدم الخارج قبل البلوغ حيضا دال على ان الخارج قبل البلوغ ليس حيضا يكون بلسانها حاكما على هذه الاخبار.

و يشرح هذه الاخبار بان الدم الخارج المعلوم كونه حيضا يكون بعد البلوغ فالحيض طريق الى البلوغ و كاشف عن سبق البلوغ و يرفع التعارض بين الطائفتين فتكون النتيجة هو ان الدم الخارج بصفات الحيض ممن شكه فى بلوغه محكوم بكونه حيضا و علامة على البلوغ لعدم كون الدم الخارج قبل البلوغ حيضا و علامة على البلوغ يعنى لعدم كون الدم الخارج قبل البلوغ حيضا حقيقة او حكما على الاختلاف فى المبنى الّذي قدّمنا احتمالاته فى صدر المسألة.

و من هذا يظهر حكم الصورة الاخرى من المسألة و هو انه لو خرج الدم بصفات الحيض فمن علم بلوغها من النساء لا يحكم بحيضية الدم الخارج منها لعدم قابليته لكونه حيضا بمقتضى ما دل على ان الدم الخارج قبل البلوغ لا يكون

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب العدد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 23

حيضا فافهم.

***

[مسئلة 2: لا فرق فى اليأس بين الحرة و الامة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا فرق فى كون اليأس بالستين و الخمسين بين الحرة و الامة و حار المزاج و بارده و اهل مكان و مكان.

(1)

اقول وجهه اطلاق

الادلة من حيث الجهات المذكورة.

[مسئلة 3: فى ان الحيض يجتمع مع الارضاع و الحمل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا اشكال فى ان الحيض يجتمع مع الارضاع و فى اجتماعه مع الحمل قولان:

الأقوى انه يجتمع معه سواء كان قبل الاستبانة او بعدها و سواء كان فى العادة او قبلها او بعدها نعم فيما كان بعد العادة بعشرين يوما الاحوط الجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة.

(2)

اقول الكلام فى المسألة فى مسألتين:

المسألة الاولى: فى انّه هل يجتمع الحيض مع الارضاع او لا

فنقول بعونه تعالى انّه لا ينبغى الاشكال فى اجتماعهما و الاطلاقات الواردة فى باب الحيض يشمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 24

حال الارضاع.

المسألة الثانية: هل يجتمع الحيض مع الحمل او لا
اشارة

اعلم انّ فى المسألة اقوالا و ان ذكر المؤلف رحمه اللّه ان فى المسألة قولين:

احدها اجتماعهما مطلقا.

ثانيها عدم اجتماعهما مطلقا.

ثالثها اجتماعهما فى صورة استبانة الحمل فيقال بجواز اجتماعهما و عدم اجتماعهما مع عدم استبانة الحمل فهذا القول هو التفصيل بين صورة استبانة الحمل و عدمها.

رابعها التفصيل بين ما كان الدم بصفات الحيض و عدمه فيحكم بالحيضية فى الاوّل و لا يحكم فى الثانى.

خامسها التفصيل بين كون رؤية الدم قبل مضى عشرين من العادة فيقال بمجامعة الحيض مع الحمل و بين كونه بعد مضى عشرين من العادة فلا يجتمعان.

امّا ما يمكن ان يستدل على القول الاوّل و هو مجامعة الحيض مع الحمل مطلقا

و هو قول الاشهر او المشهور روايات:

الرواية الاولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (انه سئل عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصلاة فقال نعم ان الحبلى ربما قذفت بالدم) «1».

الرواية الثانية: ما رواها عبد الرحمن بن الحجّاج (قال سألت أبا الحسن (أبا ابراهيم) عليه السّلام عن الحبلى ترى الدم و هى حامل كما كانت ترى قبل ذلك فى كل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 25

شهر هل تترك الصلاة قال تترك الصلاة اذا دام) «1».

الرواية الثالثة: ما رواها صفوان (قال سألت أبا الحسن الرضا عن الحبلى ترى الدم ثلاثة ايام او أربعة ايام تصلى قال تمسك عن الصلاة) «2».

الرواية الرابعة: ما رواها ابو المغراء (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة ان كان دما كثيرا فلا تصلّين و ان كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين) «3».

و قد تمسك على القول الثالث و

هو جواز اجتماع الحيض مع الحمل فيما استبان الحمل و عدمه فيما لم يستبن بهذه الرواية و لكن الحق عدم دلالتها لانه ليس فى الرواية الا كون مورد السؤال ما استبان الحمل و لا مفهوم لها يدل على عدمه فى عدم صورة الاستبانة فيكون الخبر دليلا على القول الاوّل.

و بما قلنا يجاب عما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام (قال سألته عن الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة من الدم ان كان دما احمر كثيرا فلا تصلى و ان كان قليلا اصفر فليس عليه الا الوضوء) «4».

و يمكن ان يقال بدلالتها على القول الخامس و روايات اخر الدالة على هذا القول راجع الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

و يستدل على القول الثانى و هو عدم اجتماع الحيض مع الحمل مطلقا

ببعض الروايات:

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(4) الرواية 16 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 26

الرواية الاولى: ما رواها السكونى عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام انه (قال قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما كان اللّه ليجعل حيضا مع حبل يعنى إذا رأت الدم و هى حامل لا تدع الصلاة الا ان ترى على رأس الولد اذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة) «1».

اقول هذه الرواية مضافا الى ضعف سندها كما قال بعض ارباب الرجال يكون متنها مورد المناقشة لان ما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم من انه ليس من شان اللّه

ان يجعل الحيض مع الحمل لم يفهم المراد منه و انه لم لا يكون للّه ذلك و لا يستفاد منه الحكم الشرعى و من اجل هذه المناقشة يمكن ان يقال بصحة ما احتمل من كونها صادرة تقية لاتفاق العامة على عدم جمع الحيض مع الحمل.

و امّا قوله (يعنى الى آخر الرواية) يحتمل ان يكون من الراوى لا عن الامام عليه السّلام و ربّما صار بعض روات الحديث بسدد توجيه الرواية لاجل التقية.

الرواية الثانية: ما رواها مقرن عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سأل سلمان رحمه اللّه عليّا عليه السّلام عن رزق الولد فى بطن أمّه فقال ان اللّه تبارك و تعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه فى بطن أمّه) «2».

اقول لا دلالة لهذه الرواية على عدم جواز اجتماع الحيض مع الحمل غاية ما يستفاد منها ان حبس الحيض لاجل رزق الولد و امّا كون تمام دم الحيض يحتاج إليه الولد فلا يخرج اصلا فلا دلالة لها عليه.

بل رواية سليمان بن خالد (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك الحبلى ربما طمثت قال نعم و ذلك ان الولد فى بطن أمه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه فاذا

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 27

فضل دفقته فاذا دفقته حرمت عليها الصلاة) «1».

تدل على ان الزائد على المقدار اللازم للولد عن الدم دفقته المرأة و يكون حيضا.

الرواية الثالثة: ما رواها حميد بن المثنى قال سألت أبا الحسن الاوّل عليه السّلام عن الحبلى ترى الدفقة و الدفقين من الدم فى الايام و

فى الشهر و الشهرين فقال تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة «2» وجه الاستدلال دعوى دلالة الرواية على عدم خروج الدم حال الحمل موجبا لترك الصلاة اى عدم ترتيب آثار الحيض عليه.

و فيه انّه من المحتمل ان عدم وجوب امساكها عن الصلاة كان لاجل عدم كون الدفقة و الدفقتين حيضا لقلته و يشهد عليه رواية اخرى عن حميد بن مثنى راوى هذه الرواية الدالة على انّ الدم لو كان قليلا لا يحكم بحيضيته و بوجوب ترك الصلاة ان كان كثيرا و هى الرواية الرابعة المتقدمة من الروايات التى ذكرنا فى مقام الاستدلال على القول الاوّل و هو جواز اجتماع الحيض مع الحمل لانّ أبا المغراء الراوى للرواية الرابعة «3» فى القول الاوّل هو حميد بن المثنى الراوى لهذه الرواية كما فى الرجال.

و عدم تمامية ما يتمسك به على بعض الاقوال المخالف للقول الاوّل فالاقوى امكان جمع الحيض مع الحمل.

***

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 28

[مسئلة 4: اذا انصبّ الدم من الرحم الى فضاء الفرج]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا انصبّ الدم من الرحم الى فضاء الفرج و خرج منه شي ء فى الخارج و لو بمقدار راس ابرة لا اشكال فى جريان احكام الحيض و أمّا اذا انصب و لم يخرج بعد و ان كان يمكن اخراجه باد خال قطنة او اصبع ففى جريان أحكام الحيض اشكال فلا يترك الاحتياط بالجمع بين احكام الطاهر و الحائض و لا فرق بين ان يخرج من المخرج الاصلى او العارضى

(1)

اقول فى المسألة ثلاث مسائل:

المسألة الاولى: فيما اذا انصب الدم من الرحم الى فضاء الفرج و خرج شي ء منه فى الخارج

و ان كان الخارج بمقدار رأس أبرة فيجرى عليه احكام الحيض لشمول الادلة للمورد.

المسألة الثانية: ما اذا علم انه انصب و لكن لم يخرج بعد

و يفرض له صورتان:

الصورة الاولى: صبّه من الرحم و لكن لم يخرج الى الفرج.

الصورة الثانية: صبه من الرحم و دخوله بالفرج لكن لم يخرج الى الخارج و الظاهر انّ نظر المؤلف رحمه اللّه الى الصورة الثانية و على كل حال نقول.

امّا فى الصورة الاولى فلا يحكم على الدم باحكام الحيض لان مقتضى ما ورد من الامر بالاستبانة فى صورة الشك فى كون الدم حيضا او استحاضة او فى صورة الشك فى كونه دم الحيض او دم العذرة او فى صورة الشك فى كونه حيضا او قرحة و كذا الاخبار الواردة فى الاستبراء عند الشك فى انقطاع الحيض و عدمه يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 29

موردها دما يكون خارجا من الرحم و دخل الفرج فلا يحكم بالحيض فى هذه الصورة.

و امّا الصورة الثانية و هى ما اذا انصب الدم من الرحم الى الفرج و لم يخرج منه بعد فنقول امّا الروايات الواردة فى صورة الشك فى كون الدم حيضا او استحاضة او صورة الشك فى انه دم الحيض او العذرة او صورة الشك فى انه دم الحيض او دم القرحة فهذه الروايات لا تشمل المورد بل مواردها هذه الموارد الخاصة.

و امّا ما ورد من الاستبراء فى الحيض حين الشك فى بقاء الدم فى الفرج او انقطاعه أيضا لا يشمل هذا المورد اعنى صورة الشك فى حدوث الدم.

فالأقوى عدم محكوميته بالحيض نعم كما فى المتن الاحوط الجمع بين احكام الطاهر و الحائض.

المسألة الثالثة: فى انه لا يكون فرق فى الحكم بين خروج الدم عن المخرج الاصلى و العارضى

لاطلاق الادلّة.

[مسئلة 5: اذا شك فى ان الخارج دم او غير دم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا شك فى ان الخارج دم او غير دم أو رأت دما فى ثوبها و شكت فى انه من الرحم او من غيره لا تجرى احكام الحيض و ان علمت بكونه دما و اشتبه عليها فاما ان يشتبه بدم الاستحاضة او بدم البكارة او بدم القرحة فان اشتبه بدم الاستحاضة يرجع الى الصفات فان كان بصفة الحيض يحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 30

بانّه حيض و الّا فان كان فى ايام العادة فكذلك و الّا فيحكم بانّه استحاضة و ان اشتبه بدم البكارة يختبر باد خال قطنة فى الفرج و الصبر قليلا ثمّ اخراجها فان كانت مطوّقة بالدم فهو بكارة و ان كانت منغمسة به فهو حيض و الاختبار المذكور واجب فلو صلت بدونه بطلت و ان تبيّن بعد ذلك عدم كونه حيضا الا اذا حصل منها قصد القربة بان كانت جاهلة او عالمة أيضا اذا فرض حصول قصد القربة مع العلم أيضا و اذا تعذر الاختبار ترجع الى الحالة السابقة من طهر او حيض و إلا فتبني على الطهارة لكن مراعاة الاحتياط اولى و لا يلحق بالبكارة فى الحكم المذكور غيرها كالقرحة المحيطة باطراف الفرج و ان اشتبه بدم القرحة فالمشهور ان الدم ان كان يخرج من الطرف الايسر فحيض و إلا فمن القرحة الا ان يعلم ان القرحة فى الطرف الايسر لكن الحكم المذكور مشكل فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال الطاهرة و الحائض و لو اشتبه بدم آخر حكم عليه بعدم الحيضية الا ان يكون الحالة السابقة هى الحيضية

(1)

اقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: اذا شكّ فى انّ الخارج دم او غير دم

او شك فى ان الدم من الرحم او من غيره لا يجرى عليه

احكام الحيض.

امّا فى الصورة الاولى فلان جريان الحكم فرع موضوعه و مع الشك فى كون الخارج دما فلا يجرى عليه حكمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 31

و فى المورد و ان كانت المرأة عالمة بالعلم الاجمالى بان الخارج امّا دم او غير دم لكن حيث لا اثر لغير الدم فلا يتنجز العلم الاجمالى فالمورد مورد اصالة البراءة.

و امّا فى الصورة الثانية و هى صورة علمها بانه دم و لكن تشك فى انه حيض او دم آخر فكل اثر يترتب على العلم باجماله يترتب عليه مثلا ان كان طرفى العلم دما يتيقن بنجاسته على كل حال فيحكم بنجاسة الدم المشكوك و امّا الاثر المترتب على واحد من طرفى العلم الاجمالى بالخصوص بحيث لا يترتب هذا الاثر على الطرف الآخر فلا مجال لا جرائه.

و امّا ان كان الاثر الشرعى لكل من الطرفين و ان كان الاثر فى كل منهما غير الاثر المترتب على الآخر كما فى المسألة الثانية فمع قطع النظر عن الروايات لا بدّ من الاحتياط فى الاطراف على التفصيل المذكور فى الاصول.

المسألة الثانية: ما اذا علمت المرأة بكون الخارج دما لكنه مشتبه

بين كونه دم الحيض او دم الاستحاضة فنقول فى الباب بعض الروايات الدال على وجوب الرجوع الى الصفات فان كان فى الدم صفات الحيض تعجله حيضا و ان كان متصفا بصفات الاستحاضة تجعله الاستحاضة نذكر بعضها.

منها ما رواها معاوية بن عمار (قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام انّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد ان دم الاستحاضة بارد و ان دم الحيض حارّ) «1».

و منها ما رواها حفض بن البخترى (قال دخلت على ابى عبد اللّه عليه السّلام امرأة فسألته عن الامرأة يستمرّ بها الدم فلا

تدرى أحيض هو او غيره قال فقال لها ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 32

دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة أصفر بارد فاذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة قال فخرجت و هى تقول و اللّه أن لو كان امرأة ما زاد على هذا) «1».

و منها ما رواها اسحاق بن جرير (قال سألتني امرأة منّا ان ادخلها على ابى عبد اللّه عليه السّلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت (الى ان قال) فقالت ما تقول فى المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها قال ان كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ثمّ هى مستحاضة قالت فان الدم يستمر بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال تجلس ايام حيضها ثمّ تغسل لكل صلاتين قالت له ان ايام حيضها تختلف عليها و كان يتقدم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة و يتأخّر مثل ذلك فما علمها به قال دم الحيض ليس به خفاء هو دم حارّ تجد له حرقة و دم الاستحاضة دم فاسد بارد قال فالتفتت الى مولاتها فقالت أ تراه كان امرأة مرّة) «2» و غيرها.

اقول و المستفاد من هذه الروايات كون المرأة الشاكة بين كون دم الخارج منها دم الحيض او الاستحاضة مرجعها الصفات فالروايات المتقدمة دالة على انها ترجع الى الصفات و عين فيها ما هو صفة الحيض و ما هو صفة الاستحاضة.

انّما الاشكال فى انّه هل المرجع هذه الصفات مطلقا أو لا.

منشأ الاشكال هو ما نرى فى بعض الموارد من عدم الاعتبار بالصفات ففى مورد الشك

فى كون الدم حيضا او استحاضة مثل كون المرأة فى ايام العادة فمع كون الدم بصفة الاستحاضة حكم بكونه حيضا و كذا غير هذا المورد.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 33

فنقول فى الجواب ما يأتى فى بعض المسائل الآتية إن شاء اللّه من ان الاشكال يدفع بكون الصفات صفات غالبية فلا مجال لهذا الاشكال.

كما انّ الاشكال بان هذه الصفات التى تمتاز بها دم الحيض عن الاستحاضة تكون واردة فى المستمرة الدم فلا يمكن الرجوع بهذه الصفات فى غير المستمرة دمها.

يدفع أيضا أولا بان مورد الرواية الثانية و الثالثة و ان كان مستمرة الدم لكن ذلك القيد مذكور فى السؤال و الظاهر من الجواب هو بيان قاعدة كلية لتشخيص دم الحيض من دم الاستحاضة و هذا واضع لمن يلاحظ الروايتين.

و ثانيا كما ترى ليس مورد الرواية مخصوصة بصورة دون صورة و كذا قوله (ان كان فى ايام عادتها يحكم بانّه حيض) كما يأتى وجهه إن شاء اللّه.

المسألة الثالثة: لو شكت المرأة فى ان الدم الخارج دم الحيض او دم البكارة

و بعبارة اخرى يعلم اجمالا بانّ الخارج اما دم الحيض او دم البكارة فيختبر بادخال قطنة فى الفرج و الصبر قليلا ثمّ اخراجها فان كانت مطوقة بالدم فهو دم البكارة و ان كانت منغمسة به فهو دم الحيض نذكر أولا بعض الاخبار المربوطة بالباب حتى يظهر لك الحال.

الاولى: ما رواها خلف ابن حمّاد الكوفى فى حديث (قال دخلت على ابى الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام بمنى فقلت له انّ رجلا من مواليك نزوّج جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع

نحوا من عشرة ايام و ان القوابل اختلفن فى ذلك فقال بعضهنّ دم الحيض و قال بعضهنّ دم العذرة فما ينبغى لها ان تصنع قال فلتتق اللّه فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر فليمسك عنها بعلها و ان كان من العذرة فلتتق اللّه و لتتوضّأ و لتصلّ و يأتيها بعلها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 34

أن أحبّ ذلك فقلت له و كيف لهم ان يعلموا ما هو حتى يفعلوا ما ينبغى قال فالتفت يمينا و شمالا فى الفسطاط مخافة ان يسمع كلامه احد قال ثمّ نهد الى فقال يا خلف سرّ اللّه فلا تذيعوه و لا تعلّموا هذا الخلق اصول دين اللّه بل ارضوا لهم ما رضى اللّه لهم من ضلال قال ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين ثمّ قال تستدخل القطنة ثمّ تدعها ملّيا ثمّ تخرجها اخراجا رقيقا فان كان الدم مطوقا فى القطنة فهو من العذرة و ان كان مستنقعا فى القطنة فهو من الحيض قال خلف فاستخفّنى الفرح فبكيت فلما سكن بكائى قال ما ابكاك قلت جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك قال فرفع يده الى السماء و قال انى و اللّه ما اخبرك الا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن جبرئيل عن اللّه عز و جل) «1».

الثانية: ما رواها زياد بن سوقه (قال سئل ابو جعفر عليه السّلام عن رجل افتض امرأة او أمته فرأت دماء كثيرا لا ينقطع عنها يوما كيف تصنع بالصلاة قال تمسك الكرسف فان خرجت القطنة مطوّقة بالدم فانه من العذرة تغتسل و تمسك معها قطنة و تصلى فان خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من

الطمث تقعد عن الصلاة ايام الحيض) «2».

ثمّ ان الظاهر من الروايتين كون الاختبار واجبا فلو تركته و صلت يجب عليها اعادة الصلاة و ان علمت بكون الدم دم العذرة الا اذا حصل منها قصد القربة.

ففي صورة الشك فى كون الدم دم الحيض او دم العذرة يكون تكليفها الاختبار كما عرفت و لا يلحق بهذه الصورة صورة دوران الدم بين كونه من الحيض او القرحة لان ما قلنا يكون بمقتضى الدليل فى خصوص ما اذا اشتبه دم الحيض بدم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 35

البكارة فلا يشتمل صورة اشتباه دم الحيض بدم القرحة.

و اذا تعذر الاختبار فالمرجع الاستصحاب ان كانت لها الحالة السابقة فان كانت الطهارة تستصحب الطهارة و ان كانت حيضا تستصحب الحيض.

و ان لم تكن حالة سابقة فتبنى على الطهارة لكن مراعاة الاحتياط اولى

المسألة الرابعة: اذا شك فى ان الدم الخارج دم الحيض او دم القرحة
اشارة

و بعبارة اخرى تعلم اجمالا بان الدم إمّا دم الحيض او دم القرحة.

فقال المؤلف رحمه اللّه بانّ المشهور هو ان الدم ان كان يخرج من الطرف الايسر من الفرج فهو حيض. و الّا فدم القرحة الّا ان يعلم ان القرحة فى الطرف الايسر من الفرج لكن الحكم المذكور مشكل فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الاحكام الطاهرة و الحيض.

اذا عرفت ذلك نذكر لك بعض الاخبار المربوطة بالمقام ثمّ ما ينبغى ان يقال إن شاء اللّه.

الرواية الاولى: ما رواها ابان (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام فتاة منا بها قرحة فى فرجها و الدم سائل لا تدرى من دم الحيض او دم القرحة قال مرها فلتستلق

على ظهرها ثمّ ترفع رجليها و ثمّ تستدخل اصبعها الوسطى فان خرج الدم من الجانب الايمن فهو من الحيض و ان خرج من الجانب الايسر فهو من القرحة) «1».

و الرواية مرفوعة لان محمد بن يحيى رفعه عن ابان بنقل الكلينى رحمه اللّه.

الرواية الثانية: و هو ما رواها صاحب الوسائل و (قال و رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن يحيى رفعه و ذكر الحديث الا انه قال فان خرج الدم من الجانب

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 36

الايسر فهو من الحيض و ان خرج من الجانب الايمن فهو من القرحة) «1».

اقول ليس فى المسألة الا ما ذكرنا و هى ما رواها الكلينى و ما رواها الشيخ رحمها اللّه.

فالكلام يقع فى جهات:

الجهة الاولى: فى الاقوال فى المسألة:

القول الاوّل: ما نسب الى المشهور و هو ما ذكره المؤلف و نسبه الى المشهور بل حكى عن جامع المقاصد نسبته الى الاصحاب و يمكن كون وجهه مرفوعة ابان المتقدمة بنقل الشيخ رحمه اللّه

القول الثاني: و هو المحكى عن الدروس و غيره عكس ذلك فانّ مقتضى القول الاوّل انه بعد الاختبار ان خرج الدم من طرف أيسر الفرج فهو دم الحيض و ان خرج من جانبه الايمن فهو من القرحة و مقتضى القول الثانى عكسه يعنى ان خرج من الطرف الايمن فهو دم الحيض و ان خرج من طرفه الايسر فهو دم القرحة و يمكن كون وجهه مرفوعة ابان المتقدمة بنقل الكافى

القول الثالث: عدم اعتبار بخروج الدم من جانب من الفرج بعد الاختبار اصلا كما حكى عن المحقق و ظاهر المسالك و الاردبيلى و غيرهم و يمكن

كون الوجه عدم حجية مرفوعة ابان لا بنقل الكافى و لا بنقل التهذيب لانّها مرسلة هذا كله بحسب الأقوال.

الجهة الثانية: فى النص المدعى وروده فى المسألة

و بنقل الوسائل روايتان احداهما عن الكافى و اخراهما عن التهذيب و هل هما روايتان او رواية واحدة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 37

يأتى الكلام إن شاء اللّه فيه.

و يمكن الاستدلال على القول الاوّل بما روى الشيخ رحمه اللّه فى التهذيب بناء على كون الصادر عن المعصوم فى نقل التهذيب هكذا (فان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض و ان خرج من الجانب الايمن فهو من القرحة).

و يمكن الاستدلال على القول الثانى بنقل الكافى لان فيها قال عليه السّلام (فان خرج الدم من الجانب الايمن فهو من الحيض و ان خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة).

و يمكن ان يكون وجه القول الثالث عدم صحة الاخذ بالمرفوعتين امّا لكونهما مرفوعتين و امّا لتعارضهما و عدم وجود المرجع لاحداهما فلا بد من الرجوع الى عموم عام الفوق او اطلاقه و امّا الى ما يقتضيه الاصل.

الجهة الثالثة: فما ينبغى ان يقال فى هذه المسألة فنقول بعونه تعالى.

يمكن ان يقال بان الروايتين المحتملتين لان تكونا روايتين صادرتين مرّتين عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و ان كان الراوى فى كل مرّة هو ابان او كانتا رواية واحدة لا حجية لهما لكونهما مرفوعتين لان فى كل منهما محمد بن يحيى رفع الرواية او الروايتين عن ابان فتكونان ضعيفتى السند لعدم معلومية من هو الواسطة بينهما.

و ان قلنا بذلك.

ان قلت ان الظاهر كون ما رواها الكلينى و ما رواها الشيخ روايتين و بعد كونهما روايتين لا بدّ من الاخذ بما رواه الشيخ امّا من باب ان ما نقله الكافى مرفوعة لا يمكن الاخذ به لضعف السند بخلاف ما رواه الشيخ لانّه و ان كان

مرفوعة الّا انّ ضعف سند روايته منجر بعمل الاصحاب لانّها موافقة لفتوى المشهور و حيث انّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 38

لا يكون فى البين نص آخر موافقا لفتواهم نكشف كون مستند فتواهم هذه الرواية بكيفية التى نقلها الشيخ فلا بد من الاخذ به لانه على هذا يكون التعارض بين الحجة و لا حجة.

و أما من باب انه لو فرض حجية كليهما ففى حد ذاتهما لا يمكن الجمع الدلالى بينهما فيقع التعارض و مع التعارض الترجع مع ما رواه الشيخ لان أوّل المرجحات الشهرة و بناء على كون المراد منها الشهرة الفتوائى فالترجيح مع ما روى الشيخ.

قلت أولا اذا دار الاحتمال بين كونهما رواية واحدة أو روايتين فاقوى الاحتمالين كونهما رواية واحدة لبعد سؤال شخص واحد عن قصة واحدة مرّتين و بعد ما حكى عن بعض انّ نسخ التهذيب مختلفة فبعضها مخالف مع نقل الكافى و لكن بعضها الآخر موافق لنقل الكافى فعلى هذا لا يمكن الاعتماد بنقل الشيخ لان الاختلاف يكون فى نفس ما نقله و ان ما رواه الشيخ كان (الجانب الايسر) كما روى الكلينى او (جانب الايمن) على خلاف نقل الكلينى فيقع التعارض بين نفس ما رواه الشيخ فلم نجد دليلا موثقا على خلاف نقل الكافى.

فنقل الشيخ يصير مورد الاشكال من جهتين من جهة ضعف السند لكونها مرفوعة و من جهة الدلالة لانه لا نعلم ان ما رواه هو (الايسر) او (الايمن) و مع الاختلاف فى نسخ التهذيب يشكل جبر ضعف سند ما رواه الشيخ بالشهرة لعدم معلومية كون استنادهم برواية الشيخ لان الاختلاف فى ما روى الشيخ.

فرواية الشيخ غير قابلة الاعتماد لضعف سندها و لتعارض مضمونها باختلاف

نسخ التهذيب و لا يمكن جبر ضعف سندها بالشهرة لان دعوى الشهرة ان كان من قبل الشيخ و كتاب التهذيب فليس مستند الشهرة تهذيب الشيخ حتى يجبر بها ضعف سندها و ان كانت الشهرة بعد التهذيب فمع اختلاف نسخ التهذيب كما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 39

ادّعى على المحكى عن الدروس من انه راى كثيرا من نسخ التهذيب موافقا لنقل الكافى فكيف يمكن دعوى استناد المشهور بنقل التهذيب هذا حال الرواية بنقل الشيخ.

و امّا بنقل الكافى فالرواية ضعيفة السند.

فعلى هذا نقول بان الشك بين كون الدم حيضا او دم القرحة ان كان فى ايام العادة يحكم بكونه حيضا و سيأتي بعض الكلام فيه بعد ذلك.

و ان كان فى الزمان الّذي حصل الفصل بين الحيض و خروج هذا الدم المشكوك عشرة ايام و كان بصفة الحيض يحكم بحيضية و الا يحكم بالطهارة و عدم وجوب الغسل عليها.

كما أنه يحكم بطهارته ان كان حدوث الدم المشكوك قبل الفصل بالعشرة بين الحيض السابق و بين هذا الدم المشكوك.

و مع ذلك كله الاحوط الجمع بين تروك الحائض و الطاهرة.

و اعلم انه لا فرق فيما قلنا من الحكم بالحيض او الطهارة او الاحتياط بين صورة خروج الدم من ايمن الفرج او ايسره او من جميع اطرافه على فرض امكان خروجه من اى موضعه.

المسألة الخامسة: و لو اشتبه دم الحيض بدم آخر غير ما ذكرنا

فقال المؤلف رحمه اللّه حكم عليه بعدم الحيضية الا ان يكون الحالة السابقة الحيضية.

اقول للمسألة صور ثلاثة:

الاولى: كون حالتها السابقة الحيضية فمقتضى الاستصحاب بقاء الحيض.

الثانية: كون حالتها السابقة الطهارة فيستصحب الطهارة؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 40

الثالثة: كون حالتها السابقة مجهولة فلم اروجها لاستصحاب الموضوعى من الحيضية او عدمها لكن

مقتضى البراءة عدم ترتب احكام الحيض.

[مسئلة 6: اقل الحيض ثلاثة ايام و اكثره عشرة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اقل الحيض ثلاثة ايام و اكثره عشرة فاذا رأت يوما او يومين او ثلاثة إلا ساعة مثلا لا يكون حيضا كما ان اقل الطهر عشرة ايام و ليس لأكثره حدّ و يكفى الثلاثة الملفّقة.

فاذا رأت فى وسط اليوم الاولى و استمر إلى وسط اليوم الرابع يكفى فى الحكم بكونه حيضا و المشهور اعتبروا التوالى فى الايام الثلاثة نعم بعد توالى الثلاثة فى الاوّل لا يلزم التوالى فى البقية فلو رأت ثلاثة متفرقه فى ضمن العشرة لا يكفى و هو محل اشكال فلا يترك الاحتياط بالجمع بين افعال المستحاضة و تروك الحائض فيها و كذا اعتبروا استمرا الدم فى الثلاثة و لو في فضاء الفرج و الاقوى كفاية الاستمرار العرفى و عدم مضرية الفترات اليسيرة فى البين بشرط ان لا ينقص من ثلاثة بان كان بين اوّل الدم و آخره ثلاثة ايام و لو ملققة فلو لم تر فى الاوّل مقدار نصف ساعة فى اوّل النهار و مقدار نصف ساعة فى آخر اليوم الثالث لا يحكم بحيضيته لانه يصير ثلاثة الا ساعة مثلا و الليالى المتوسطة داخلة فيعتبر الاستمرار العرفى فيها أيضا بخلاف ليلة اليوم الاوّل و ليلة اليوم الرابع فلو رأت من أوّل نهار اليوم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 41

الاوّل الى آخر نهار اليوم الثالث كفى.

(1)

اقول فى هذه المسألة يبحث عن مسائل:

المسألة الاولى: فى ان اقل الحيض ثلاثة ايام و اكثره عشرة.

فادعى عليه الاجماع كما عن بعض و دعوى لا خلاف كما عن بعض و كونه مذهب فقهاء اهل البيت كما عن بعض.

و يدل عليه بعض الاخبار مثل ما رواها معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام

و اكثره ما يكون عشرة أيّام) «1».

و مثل ما رواها صفوان بن يحيى (قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن ادنى ما يكون من الحيض فقاله ادناه ثلاثة و أبعده عشرة) «2».

و مثل ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر (قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ادنى ما يكون من الحيض فقال ثلاثة ايام و اكثره عشرة) «3».

و غير ذلك من الروايات الدالة على ان اقل الحيض ثلاثة و اكثر عشرة.

و مع هذه النصوص و الشهرة بل دعوى عدم الخلاف فلا يمكن التعويل على بعض الروايات الدالة بظاهرها على غير ذلك مثل ما رواها اسحاق بن عمار (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين قال ان كان الدم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 42

عبيطا فلا تصل ذينك. اليومين و ان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين) «1».

و يمكن الاشكال فى دلالة الرواية على كون حد الأقل أقل من ثلاثة لان مورد السؤال عروض دم الحيض اليوم و اليومين و ما هو تكليف المرأة فى هذا الحال و ما هو واجب عليها بان الدم ان كان عبيطا فلتترك الصلاة و ان كان صفرة فلتغتسل لان فى الصورة الاولى تكون الامارة على الحيضية و فى الثانية تكون الامارة على الاستحاضة و امّا هذا المقدار اعنى اليوم او اليومين اقل الحيض أم لا فلا تعرض فى الرواية لها اصلا.

و مثل مضمرة سماعة بن

مهران (قال سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض فتقعد فى الشهر بومين و فى الشهر ثلاثة ايام يختلف عليها لا يكون طمثها فى الشهر عدة أيام سواء قال فلها ان تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة فاذا اتفق الشهران عدة ايّام سواء فتلك ايامها) «2».

اقول و هذه الرواية كما ترى ليس فى مقام بيان تحديد اقل الحيض بل يكون فى مقام بيان ان بمجرد رؤية الدم تجلس و تدع الصلاة نعم حدّ اكثره بعشرة فلا تعارض مع ما دل على ان اقل الحيض ثلاثة مضافا الى كونها مضمرة الا ان يدعى حجية مضمرات سماعة بن مهران.

و مثل ما فى مرسلة «3» يونس و هو قوله عليه السّلام (و كذلك لو كان حيضها اكثر من سبع و كانت أيّامها عشرا او اكثر لم يأمرها بالصلاة و هى حائض الخ) بتوهم دلالتها على ان اكثر الحيض اكثر من عشرة ايام.

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 10 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الحيض من الوسائل، ج 2، ص 548.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 43

و فيه أن الرواية تكون فى مقام سنة خاصة لهذا القسم من المرأة فيمكن ان يكون المجعول لخصوصها حكما آخرا فى موردها و ان كانت حائضا موضوعا و الشاهد قوله (و لم يأمرها بالصلاة و هو حائض) او غير ذلك من التوجيهات).

و مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال ان اكثر ما يكون من الحيض ثمان و ادنى ما يكون منه

ثلاثة) «1».

قال صاحب الوسائل ذكر الشيخ رحمه اللّه أن الطائفة أجمعت على خلاف ما تضمّنته هذا الحديث من أنّ أكثر الحيض ثمانية أيّام.

اقول و هذا يكفى فى عدم التعويل عليها فاذا نقول لا ينبغى الاشكال فى كون اقل الحيض ثلاثة و اكثره عشرة.

المسألة الثانية: قال المؤلف رحمه اللّه فاذا رأت يوما او يومين او ثلاثا الّا ساعة مثلا

لا يكون حيضا و هذا القول. محكى عن جمع من القدماء و المتأخرين.

اعلم ان مقتضى التحديد بان اقل الحيض ثلاثة ايام هو استمرار الحيض فى ثلاثة ايام مع الليلتين المتوسطتين بين الثلاثة بحيث لو كان اقل من ذلك بساعة كما عن المؤلف بل اقل منه لا يكون حيضا و ما فى بعض الكلمات من عدم اعتبار الاستمرار او عدم اعتبار الاستيعاب فى الاستمرار او يكفى وجوده من الاوّل من اليوم الاوّل الى بعض من اليوم الثانى او كفاية وجوده فى مقدار من اليوم الاوّل و الثالث مكابرة انصافا فى كل مورد حدّد الحكم بحدّ خاص مثل هذا المورد و لهذا لا يرى وجها وجيها لاحد من هذه المحتملات.

المسألة الثالثة: اقلّ الطهر عشرة ايام و ليس لاكثره حدّ.

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 10 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 44

امّا انّ اقل الطهر عشرة فمن حيث الفتوى.

فقد ادعى عليه الاجماع.

و امّا من حيث النص فيستدل عليه ببعض الروايات مثل ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام (قال لا يكون القرء فى أقلّ من عشرة أيّام فما زاد أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر الى ان ترى الدم) «1».

و مثل مرسلة يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال ادنى الطهر عشرة ايام (و ذكر الحديث الى ان قال) و

لا يكون الطهر اقل من عشرة ايام) «2».

و امّا الكلام من حيث عدم حدّ لأكثره بل يدوم الى ان ترى الدم فيستفاد من الروايتين المذكورتين:

المسألة الرابعة: و يكفى الثلاثة الملفقة

فلو رأت الدم فى وسط اليوم الاوّل و استمر الى الوسط من اليوم الرابع يكفى فى الحكم بكونه حيضا بلا خلاف ظاهر على المحكى عن المستند.

اقول و المحتمل فى النص الدال على ان اقل الحيض ثلاثة مثل قوله فى رواية معاوية بن عمار (اقل ما يكون الحيض ثلاثة ايام) و ان كان احتمالات كما ذكر فى بعض الكلمات لكن مع ملاحظة وضع الحكم و كون المشرّع فى مقام اقلّ الموضوع اعنى الحيض و اكثره و انه ليس لحدوثه وقت مضروبا فى ساعة من ساعات اليوم و الليل فلا بد من ان يكون التحديد باعتبار المقدار من ثلاثة ايام بحسب المتعارف من اليوم و الليل فى الايام التى تحيض المرأة و مع تحديده بهذا الحد نفهم كون الحيض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 45

اقله من الزمان بمقدار زمان ثلاثة ايام متعارفة فلو نقص من هذا الزمان لا يكون حيضا و لا يلزم كون حدوثه فى ساعة معينة فاذا ظهر الدم يكون حيضا اذا بلغ ظهوره الى ثلاثة ايام فيظهر من التحديد كون الاقل ثلاثة ايام مستمرة كما عليه المشهور كما قال المؤلف رحمه اللّه فعلى هذا لا يحكم بحيضية الدم الخارج اذا كان أقلّ من ذلك و لو اقل من ساعة.

و يعتبر الاستمرار و المراد باستمراره عدم انقطاعه بحيث يحكم العرف باستمراره بنظره العرفى لا بنظره المسامحى

لانه فرق بين نظره العرفى في مقابل الدقة العقلية و بين نظره المسامحى و ان كان خلاف نظره العرفى.

المسألة الخامسة: بعد ما اعتبر استمرار الدم فى الثلاثة الاولى من رؤية الدم فى الحكم

بكون الدم حيضا هل يجب ذلك بعد الثلاثة الاولى الى انتهاء رؤية الدم و ان كان آخر العشرة التى كان اكثر ايام الحيض او لا يعتبر ذلك.

اعلم ان الظاهر من جعل آخر الحدّ الّذي يمكن ان يكون حيضا هو العشرة كون الدم الى العشرة محكوما بالحيض فبناء عليه كلما يراه المرأة فى هذه الايام يحكم بحيضية و ان كان متناوبا.

و اعتبار التوالى و الاستمرار فى الثلاثة التي هى أقل الحيض كان لاجل جعل الثلاثة أقلّ الحيض و لا يحصل الأقلّ بهذا النحو الا باستمرار الدم فى هذه الثلاثة.

و امّا فى غيرها الى العشرة فلا اعتبار للتوالى و لهذا اذا حصل النقاء مثلا بوما بعد الثلاثة ثمّ رأت الدم فكلما رأته الى العشرة يحكم بكون الدم حيضا الا اذا تجاوز الدم عن العشرة فان كانت صاحب العادة و كانت عادتها اقل من العشرة يحكم بحيضية كلما رأته فى العادة و يكون الدم استحاضة بعد العادة الى آخر ما تراه بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 46

التجاوز عن العادة و يكون ذلك بمقتضى الدليل.

[مسئلة 7: قد عرفت أنّ أقلّ الطهر عشرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: قد عرفت أنّ أقلّ الطهر عشرة فلو رأت الدم يوم التاسع او العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليه بالحيضية و أمّا اذا رأت يوم الحادى عشر بعد الحيض السابق فيحكم بحيضيته اذا لم يكن مانع آخر و المشهور على اعتبار هذا الشرط اى مضى عشرة من الحيض السابق فى حيضية الدم اللاحق مطلقا و لذا قالوا لو رأت ثلاثة ثمّ انقطع يوما او ازيد رأت و انقطع على العشرة ان الطهر المتوسط أيضا حيض و إلا لزم كون الطهر اقل من عشرة و ما

ذكروه محل اشكال بل المسلّم انه لا يكون بين الحيضين اقل من عشرة و امّا بين ايام الحيض الواحد فلا فالاحوط مراعات الاحتياط بالجمع فى الطهر بين ايام الحيض الواحد كما فى الفرض المذكور.

(1)

اقول لا يحكم بحيضية الدم الخارج فى اليوم التاسع و العاشر بعد الحيض السابق لعدم امكان القول بكون الدم الخارج من الحيض السابق اعنى ما حكم فى السابق بحيضيته امّا لكون مدة الحيض السابق عشرة ايام و امّا من باب كونه صاحب العادة و قد مضى زمان عادته لان المفروض كونه بعد الحيض الاوّل اعنى الحيض السابق و امّا عدم كونه الحيض اللاحق اعنى المجدد فلعدم الفصل بين الدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 47

المشكوك و بين الحيض السابق باقل الطهر و الحال ان الفصل باقل الطهر معتبر بين الحيضين.

هذا كله فيما كان مراد المؤلف رحمه اللّه من قوله (بعد الحيض السابق) بعد انقضاء الحيض بالعشرة او بالعادة.

و أمّا اذا كان مراده (بعد شروع الحيض) فعدم محكوميته بالحيض الثانى معلوم لعدم الفصل باقل الطهر بين الدم الخارج و بين الحيض السابق و هو عشرة ايام و أمّا عدم محكوميته بانه من الحيض السابق فهو مبنى على القول بعدم اعتبار الفصل بين خروج هذا الدم المشكوك و بين الحيض السابق و بعبارة اخرى بعدم اعتبار التوالى بعد حدوث اقل الحيض بين ابعاض ايام الحيض الى اكثره و هو العشرة و ما يأتى بنظرى كون مراد المؤلف هو الاحتمال الاوّل.

و أمّا اذا رات الدم يوم الحادى عشر بعد الحيض السابق فقال المؤلف (رحمه اللّه م) (فيحكم بحيضيته اذا لم يكن مانع آخر) اقول امّا فيما لا يكون مانع آخر يحكم

بحيضيته لحصول الفصل بين الحيضين باقل الطهر و مع عدم المانع لا بد من ان يحكم بكونه حيضا.

و امّا مع وجود المانع مثل كونها ذات العادة و لم يكن الدم الخارج فى عادتها و فى غير ما يحتمل تقديم العادة يوما او يومين او ثلاثة ايام على الكلام فيه) و كان مشتبها بين الحيض و الاستحاضة او غيرهما فيختلف حكم الدم الخارج يظهر حكمه ممّا مضى و يأتى فى مطاوى الابحاث المربوطة.

و امّا ما قال من ان المشهور اعتبار مضى العشرة من الحيض السابق فى حيضية الدم اللاحق مطلقا و لذا قالوا لو رأت ثلاثة ثمّ انقطع يوما او يومين ثمّ رأت و انقطع على العشرة ان الطهر المتوسط أيضا حيض و إلا لزم كون الطهر اقل من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 48

عشرة و ما ذكروه محل اشكال.

فاقول اعلم ان مختار المشهور حق لانه كما مرّ منّا أن التوالى و الاستمرار شرط فى الثلاثة الاولى من الحيض و امّا فيما بعد الثلاثة فلا يعتبر التوالى و الاستمرار فلو حاضت المرأة ثلاثة ايام متوالية ثمّ انقطع حيضها ثمّ حاضت يوما او اكثر و انقطع قبل تمام العشرة تكون الثلاثة الاولى و ايام نقائها و الحيض الثانى حيضة واحدة لعدم تخلل اقل الطهر بين الحيضين.

و قد يقال بان النقاء المتخلل ليس من أيام الحيض لان ما يقال من ان المعتبر اقل الطهر و هو العشرة هو اعتباره بين الحيضين لا بين حيض واحد كما يظهر من كلام المؤلف رحمه اللّه و اشكاله فيما قال به المشهور من كون النقاء المتخلل بين الحيضين الغير البالغين مع النقاء بينهما من العشرة حيضا.

و قد يستدل

على هذا القول اعنى عدم كون النقاء بين الحيضين فى مفروض الكلام محكوما بالحيض ببعض الروايات.

منها مرسلة القصيرة من يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال فى حديث مورد التمسك فقرتان الفقرة الاولى قال بعد قوله فى حديث فاذا رأت المرأة الدم فى ايام حيضها تركت الصلاة فان استمر بها الدم ثلاثة ايام فهى حائض و ان انقطع الدم بعد ما رأته يوما او يومين اغتسلت و صلّت و انتظرت من يوم رأت الدم الى عشرة ايام فان رأت فى تلك العشرة ايام من يوم رات الدم يوما او يومين حتى يتم لها ثلاثة ايام فذلك الدم الّذي رأته فى اوّل الامر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك فى العشرة هو من الحيض) «1».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 49

وجه التمسك جعل خصوص الدم فى الثلاثة الاولى و الدم الّذي رأته بعد الدم الاوّل فى العشرة محكومين بالحيض فقط لا النقاء المتحلل بينهما.

و فيه انه باعتراف من تمسك بهذه الفقرة على كون ايام النقاء المتخلل بين الحيضين ليس بحكم الحيض بدعوى ان ظاهرها جعل الدمين حيضا كون الحيضين حيضا واحدا فنقول انه لا معنى لكونهما حيضا واحدا الا مع فرض ايام النقاء المتخلل من الحيض حقيقة او حكما لانه بعد كون اقل الطهر عشرة فهذه الرواية لم تتصرف فى اطلاق كون اقل الطهر عشرة لان مورده اقل الطهر بين الحيضين باعتراف الخصم بل ظاهر هذه الفقرة ليس إلا بيان كون الحيضين المرئيين فى العشرة حيضا واحدا و لا معنى لكونهما حيضا واحدا الا من باب كون ايام النقاء

المتخلل بينهما محكوما بالحيضية فالنظر فى هذه الفقرة يكون الى بيان ما يرى من الدم فى العشرة حقيقة واحدة و لهذا لم تتعرض لحكم ايام النقاء لانه لا حاجة الى بيانه بعد ما بيّن ان الدمين من حيضة واحدة فلا وجه للاستدلال بها على ما ادعى من كون ايام النقاء بين الدمين الذين لم يبلغا مع النقاء المتخلل من العشرة غير محكوم بالحيضية.

و امّا الفقرة الثانية من هذه المرسلة و هى قوله عليه السّلام (و لا يكون الطهر اقل من عشرة ايام و اذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة ايام ثمّ انقطع الدم اغتسلت و صلّت فان رأت بعد ذلك الدم و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة ايام فذلك من الحيض تدع الصلاة).

وجه الاستدلال ان المستفاد من هذه الفقرة كون الحيض الاوّل و الثانى من الحيض الواحد و النقاء المتخلل ليس بحكم الحيض و لهذا أوجب فيه الغسل و الصلاة و ان الحيضين المرئيين قبل العشرة كليهما حيض واحد فهذه الرواية تدل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 50

على ان النقاء المتخلل بين الحيضين الغير البالغين عن العشرة يكون طهرا و مع عدم فصل اقل الطهر بين الحيضين يحكم بكونهما حيضا واحدا فيظهر منها أولا كون النقاء المتخلل بين الحيض الواحد ليس محكوما بالحيضية و ثانيا اقل الطهر و هو عشرة ايام يكون معتبرا بين الحيضين لا بين حيض واحد.

و فيه انه بعد ما قال عليه السّلام (و لا يكون الطهر اقل من عشرة ايام و اذا حاضت المرأة الخ).

يظهر أن النقاء المتخلل بين الحيضين يكون جزء من الحيضين المحكومين بكونهما حيضا واحدا كما اعترف به الخصم و يكون

جزء من هذا الحيض الواحد و الا لو لم يكن النقاء جزء حقيقة او حكما فكيف يحكم بكون الحيضين حيضا واحدا و امره بعد قطع الحيض الاوّل بالاغتسال و الصلاة لا ينافى كونه من الحيض بحسب واقعه لانّه يكون ايام الاستظهار.

مضافا الى ما عن الشيخ الانصارى المعظم رحمه اللّه من ان قوله عليه السّلام (فان رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة ايام فذلك من الحيض) يكون المراد من اوّل يوم طهرت هو اوّل اليوم الّذي رأت الدم الاوّل فعلى هذا يكون كل من الدم الاوّل و مدة انقطاع الدم الاوّل و مدة الدم الثانى حيضا واحدا فعلى هذا لا يتم استدلال الخصم على كون المستفاد من الرواية عدم كون النقاء المتخلل من الحيض خصوصا بناء على كون الصادر عن المعصوم عليه السّلام فى هذه المرسلة قوله من يوم طمثت لا من يوم طهرت فيكون المراد على هذا اوّل يوم خاضت عشرة ايام لان الطمث هو الحيض و قد حكى ان الصادر على ما فى بعض النسخ هو (طمثت) بدل (طهرت) مضافا الى ذلك قوله عليه السّلام بعد ذلك (و ان رأت الدم من اوّل ما رأته الثانى الّذي راته تمام العشرة و دام عليها عدّت من اوّل ما رأت الدم الاوّل و الثانى عشرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 51

ايام ثمّ هى مستحاضة) لان هذه الصورة تكون مقابلة للصورة الاولى التى لم يزد الدمان من العشرة فكما ان فى الصورة الثانى جعل المبدأ ابتداء حيضة الاولى كذلك فى الصورة الاولى التى لم يزد من العشرة.

و منها ما رواها محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه

عليه السّلام (قال اقل ما يكون الحيض ثلاثة و اذا رأت الدم قبل عشرة ايام فهو من الحيضة الاولى و اذا رأته بعد عشرة ايام فهو من حيضة اخرى مستقبلة) «1».

وجه الاستدلال انه بعد ما يلزم حمل الشرطية الثانية على عشرة النقاء اجماعا يوجب حمل الشرطية الاولى على ذلك أيضا و مقتضى اطلاق ذلك كون الدم الثانى من الحيضة الاولى و ان كان بينه و بين الدم الاوّل تسعة ايام من النقاء فلو كان مدة النقاء بين الدمين من الحيض يلزم كون مدة الحيض اكثر من عشرة ايام فلا بد من ان يكون مفاد الخبر كون النقاء المتخلل بين الدمين خارجا عن الحيض و هو المطلوب.

و فيه انه لا اشكال فى ظهور الشرطية الاولى فى ان بعد ما رأت المرأة اقل الحيض و هو ثلاثة ايام فاذا رأت الدم قبل عشرة ايام فهذا الدم محكوم بكونه من الحيض الاوّل لان المسلّم ان اكثر الحيض عشرة و ان تخلل نقاء فيها و لا معنى لكون الدم الثانى من الحيض الاوّل الا كون النقاء المتخلل بينهما جزء الحيض و لا يكون في الشرطية الاولى متعرضا لآخر الدم الثانى و حكم قطع الحيض فى العشرة او تجاوزه بل نفهم حكمها من دليل آخر.

و الشرطية الثانية متعرضة لظهور. الحيض بعد العشرة و عدم كونه من

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 10 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 52

الحيض الاوّل و لم يعين المراد من بعد العشرة غاية الامر بمقتضى ما دل على ان اقل الطهر عشرة لا بد من حملها على صورة حدوث الدم بعد العشرة التى هى اقل الطهر فالرواية متعرضة

لحكمين و لا ربط لكل منهما بالآخر.

و منها ما رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة اذا طلقها زوجها متى تكون (هى خ) أملك بنفسها قال اذا رأت الدم من الحيضة الثانية فهى أملك بنفسها قلت فان عجّل الدم عليها قبل ايام قرئها فقال اذا كان الدم قبل عشرة أيّام و هو املك بها فهو من الحيضة التى طهرت منها و ان كان الدم بعد العشرة ايام فهو من الحيضة الثانية و هى املك بنفسها) «1».

وجه الاستدلال حكمه عليه السّلام بان الدم الثانى اذا كان قبل العشرة من الحيضة الاولى التى طهرت منها فتدل على كون النقاء المتخلل بينهما يكون من الطهر و الدم الثانى من الحيضة الاولى فتدل الرواية على كون الدمين قبل تمام العشرة يكون كل منهما حيضا واحدا و ان النقاء المتخلل طهر ليس محكوما بحكم الحيض.

و فيه أولا تكون الرواية ضعيفة السند بالمعلى بن محمد البصرى على المحكى.

و ثانيا ان الرواية حيث تكون فى مقام بيان كون الحيض الثانى الخارج قبل العشرة ليس حيضا آخرا حتى يتحقق تمامية العدة و لهذا قال ان الدم الثانى الخارج قبل العشرة من الحيض الاوّل و حيث انه لا يتصور كون الحيضين واحدا اذا خرج الثانى منهما قبل العشرة ألّا بكون النقاء المتخلل من الحيض حقيقة او حكما لا بد ان يقال بكونه محكوما بحكم الحيض.

و منها ما رواها يونس بن يعقوب (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام المرأة ترى الدم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب العدد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 53

ثلاثة ايام او أربعة قال

تدع الصلاة قلت فانها ترى الطهر ثلاثة او أربعة قال تصلى قلت فانها ترى الدم ثلاثة أيّام او أربعة (ايام خ) قال تذع الصلاة قلت فانها ترى الطهر ثلاثة أيّام او أربعة قال تصلى قلت فانها ترى الدم ثلاثة أيّام او أربعة قال تدع الصلاة تصنع ما بينهما و بين شهر فان انقطع عنها الدم و الا فهى بمنزلة المستحاضة) «1».

و منها ما رواها يونس بن يعقوب عن ابى بصير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام مع اختلاف مع الرواية السابقة فى الجملة متنا) «2».

و فيه انه لا يمكن الاخذ بظاهر الروايتين لان مقتضى ظاهرهما كون الدماء المتفرقة كلها حيضا و الحال ان دم الحيض لا يزيد على العشرة فلا بدّ من حملهما على غير ظاهرهما مثل حملهما على الحكم الظاهرى كما حكى عن المحقق و على كل حال لا يمكن الالتزام بمضمونهما الظاهر منهما.

و منها ما رواها محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن على بن الحكم عن داود مولى ابى المغراء العجلى عمّن اخبره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال قلت له فالمرأة تكون حيضها سبعة أيام او ثمانية أيام حيضها دائم مستقيم ثمّ تحيض ثلاثة ايام ثمّ ينقطع عنها الدم و ترى البياض لا صفرة و لا دما قال تغتسل و تصلّى قلت تغتسل و تصلى و تصوم ثمّ يعود الدم قال اذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة و الصيام قلت فانها ترى الدم يوما و تطهر يوما قال فقال اذا رأت الدم امسكت و اذا رأت الطهر صلّت فاذا مضت ايام حيضها و استمرّ بها

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 6 من

ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 6 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 54

الطّهر صلّت فاذا رأت الدم فهى مستحاضة و قد انتظمت لك امرها كله) «1».

و فيه ان الرواية ضعيفة السند لكونها مرفوعة اذا عرفت حال الروايات المتمسّكة بها على كون النقاء المتخلل بين الحيضين الواقعين بين العشرة غير محكوم بالحيضية و انه لا يمكن الاستدلال بها على ما بينّا.

فالحق ما ذهب إليه المشهور من كون النقاء المتخلل فى الفرض محكوما بالحيضية.

و بعبارة اخرى يعتبر تحقّق اقل الطهر بين الحيضين سواء كانا حيضين و امّا فى ما نحن فيه لوقوعهما فى ضمن العشرة و عدم حصول الفصل بينهما باقل الطهر فتكون النتيجة كون النقاء المتخلل بين الحيضين الواقعين فى العشرة محكوما بالحيضية و مع ذلك الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض و عمل المستحاضة حسن فافهم.

***

[مسئلة 8: الحائض امّا ذات العادة او غيرها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: الحائض امّا ذات العادة او غيرها و الاولى امّا وقتية و عددية او وقتية فقط او عددية فقط و الثانية امّا مبتدئة و هى الّتي لم ترا لدم سابقا و هذا الدم أوّل ما رأت و امّا مضطربة و هى الّتي رأت الدم مكررا لكن لم تستقر لها عادة و امّا ناسية و هى الّتي نسيت عادتها و يطلق عليها المتحيرة أيضا و قد يطلق عليها المضطربة و يطلق المبتدئة على الاعم ممن لم تر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 55

الدم سابقا و من لم تستقر لها عادة أى المضطربة بالمعنى الاوّل.

(1)

اقول يأتى الكلام فى ما ذكر فى المسألة بنحو الاجمال تفصيلا فى

طى المسائل الآتية إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 9: تتحقق العادة برؤية الدم مرّتين متماثلتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: تتحقق العادة برؤية الدم مرّتين متماثلتين فان كانتا متماثلتين فى الوقت و العدد فهى ذات العادة الوقتية و العددية كان رأت فى اوّل شهر خمسة ايام و فى اوّل الشهر الآخر أيضا خمسة ايام و ان كانتا متماثلتين فى الوقت دون العدد فهى ذات العادة الوقتية كما اذا رأت فى اوّل شهر خمسة و فى اوّل الشهر الآخر ستة او سبعة مثلا و ان كانتا متماثلتين فى العدد فقط فهى ذات العادة العددية كما اذا رأت فى اوّل شهر خمسة و بعد عشرة ايام او ازيد رأت خمسة اخرى.

(2)

أقول امّا تحقّق العادة برؤية الدم مرتين متماثلتين فمع كونه مشهورا بل ادعى عليه الاجماع عن التذكر و الخلاف و جامع المقاصد و المدارك.

و يدلّ عليه بالنسبة الى العادة الوقتية و العددية مرسلة يونس الطويلة حيث قال فيها (فان انقطع الدم لوقته فى الشهر الاوّل سواء حتى يوالى عليه حيضتان او ثلاث فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 56

سواه و تكون سنتها فيما تستقبل ان استحاضت قد صارت سنة الى ان تجلس اقرائها و انما جعل الوقت ان توالى عليه حيضتان او ثلاث لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للّتي تعرف أيّامها دعى الصّلاة أيام أقرائك فعلمنا انّه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقولها دعى الصّلاة أيام قرئك و لكن سن لها الاقراء و أدناه حيضتان فصاعدا. «1»

و هو الحقّ لان التعدد بحسب العدد لا يعتبر فيه الشهر ان بخلاف العادة الوقتية

المحضة او الوقتية و العددية حيث أنّه لا يتحقق الاتحاد في الوقت باقل من الشهرين.

و يكفى في تحقّق العادة الوقتية بالمرّتين الاجماع و عدم القول بالفصل بينها و بينهما.

و ليكن على ذكرك انّه لم يتعرض في الروايات للفظ العادة حتى نبحث عن كونها قسمين العرفية و الشرعية و بينهما العموم و الخصوص من وجه و لا بدّ في تحقّق العرفية من التكرر ازيد من اثنين.

اقول و يدلّ عليه بالنسبة الى العددية المحضة موثق سماعة بن مهران حيث قال فيها فاذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها. «2» و الظاهر من المصنف عدم اعتبار الشهرين في العادة العددية حيث مثل لها بما اذا رأت المرأة في أوّل شهر خمسة و بعد عشرة أيام من نفاثها او ازيد رأت خمسة أيام اخرى.

***

[مسئلة 10: صاحبة العادة اذا رأت الدم مرّتين على خلاف العادة الاولى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: صاحبة العادة اذا رأت الدم مرّتين

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 57

متماثلتين على خلاف العادة الاولى تنقلب عادتها الى الثانية و ان رأت مرّتين على خلاف الاولى لكن غير متماثلتين يبقى حكم الاولى نعم لو رأت على خلاف العادة الاولى مرّات عديدة مختلفة تبطل عادتها و تلحق بالمضطربة.

(1)

اقول: فى المسألة مسائل:

[المسألة] الاولى: فيما لو رأت المرأة الدّم مرّتين متماثلتين على خلاف العادة الاولى

المستقرّة لها تنقلب الى الثانية وجه ذلك مضافا الى دعوى الاتفاق عليها دلالة مرسلة يونس الطويلة حيث قال فيها (فان انقطع الدم لوقته فى الشهر الاول سواء حتى يوالى عليها حيضتان او ثلاث فقد علم الآن انّ ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما سواه) الى ان قال (و أنّما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان او ثلاث لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و الى ان قال (لكن سنّ لها الاقراء و ادناه حيضتان فصاعدا). «1»

و رواية سماعة بن مهران قال سألته عن الجارية البكر اوّل تحيض (الى ان قال) فاذا اتفق شهران عدّة أيام سواء فتلك أيامها «2».

المسألة الثانية: فيما لو رأت المرأة الدم مرّتين على خلاف العادة الاولى المستقرة لها لكن غير متماثلتين

يبقى حكم العادة الاولى لها لاطلاق مرسلة يونس و موثق سماعة بن مهران لعدم حصول عادة اخرى و عدم صدق العادة الاعلى الاولى فهي المتبع.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 58

المسألة الثالثة: فيما لو رأت مرأت عديدة على خلاف الاولى مختلفة

تبطل عادتها الاولى لعدم شمول مرسلة يونس و موثق سماعة بن مهران لهذا المورد و تلحق بالمضطربة لعدم استقرار عادة شرعية لها.

لكن الاحوط الجمع بين عمل المستحاضة و تروك الحائض.

[مسئلة 11: لا يبعد تحقّق العادة المركبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يبعد تحقّق العادة المركبة اذا رأت فى الشهر الاوّل ثلاثة و فى الثاني أربعة و فى الثالث ثلاثة و فى الرابع أربعة او رأت شهرين متواليين ثلاثة و شهرين متواليين أربعة ثمّ شهرين متواليين ثلاثة و شهرين متواليين أربعة فتكون ذات عادة على النحو المزبور و لكن لا يخلو عن اشكال خصوصا فى الفرض الثاني حيث يمكن أن يقال ان الشهرين المتواليين على خلاف السابقين يكونان ناسخين للعادة الاولى فالعمل بالاحتياط اولى.

نعم اذا تكررت الكيفية المذكورة مرارا عديدة بحيث يصدق فى العرف أنّ هذه الكيفيّة عداتها و أيّامها لا أشكال فى اعتبارها فالاشكال أنّما هو في ثبوت العادة الشرعيّة بذلك و هي الرؤية كذلك مرّتين.

(1)

أقول لا تتحقّق العادة بالانحاء المذكورة في هذه المسألة لمخالفتها مع ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 59

يستفاد من الروايتين المتقدّمتين اعنى مرسلة يونس و موثق سماعه لكن الاحوط الجمع بين عمل المستحاضة تروك الحائض.

[مسئلة 12: قد تحصل العادة بالتمييز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: قد تحصل العادة بالتمييز كما فى المرأة المستمرة الدم اذا رأت خمسة أيام مثلا بصفات الحيض في أوّل الشهر الاوّل ثمّ رأت بصفات الاستحاضة و كذلك رأت في أوّل الشهر الثاني خمسة أيّام بصفات الحيض ثمّ رأت بصفات الاستحاضة فحينئذ تصير ذات عادة عددية وقتية و اذا رأت في أوّل الشهر الاوّل خمسة بصفات الحيض و في أوّل الشهر الثاني ستّة او سبعة مثلا فتصير حينئذ ذات عادة وقتية و اذا رأت في أوّل الشهر الاوّل خمسة مثلا و فى العاشر من الشهر الثاني مثلا خمسة بصفات الحيض فتصير ذات عادة عددية.

(1)

اقول و ان كانت عبائر الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم في هذه

المسألة مختلفة لكن الاقوى بنظري القاصر تماميّة ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 13: اذا رأت حيضين مشتملين على النقاء فى البين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا رأت حيضين متواليين متماثلين مشتملين على النقاء فى البين فهل العادة أيّام الدم فقط او مع أيام النقاء او خصوص ما قبل النقاء الاظهر الاوّل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 60

مثلا اذا رأت أربعة أيام ثمّ طهرت فى اليوم الخامس ثمّ رأت فى السادس كذلك فى الشهر الاوّل و الثاني فعادتها خمسة أيام لا ستة و لا أربعة فاذا تجار دمها رجعت الى خمسة متوالية و تجعلها حيضا لا ستّة و لا بأن تجعل اليوم الخامس يوم النقاء و السادس أيضا حيضا و لا الى الاربعة.

(1)

اقول الاقوى القول الثاني أعنى جعل النقاء الذي بين الحيضين من الحيض كما مرّ منّا في المسألة السابعة.

***

[مسئلة 14: يعتبر في تحقّق العادة العددية تساوى الحيضين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: يعتبر في تحقّق العادة العددية تساوى الحيضين و عدم زياده احداهما على الاخرى و لو بنصف يوم او أقل فلو رأت خمسة فى الشهر الاوّل و خمسة و ثلث او ربع يوم فى الشهر الثاني لا تتحقّق العادة من حيث العدد نعم لو كانت الزيادة يسيرة لا تضر و كذا فى العادة الوقتية تفاوت الوقت و لو بثلث او ربع يوم يضر و أما التفاوت اليسير فلا يضرّ و لكن المسألة لا تخلو عن اشكال فالاولى مراعاة الاحتياط.

(2)

اقول ما افاده السيد المؤلّف رحمه اللّه في محلّه و متين.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 61

[مسئلة 15: صاحبة العادة الوقتية لا تترك العبادة بمجرد رؤية الدم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: صاحبة العادة الوقتية سواء كانت عددية أيضا أم لا تترك العبادة بمجرد رؤية الدم فى العادة أو مع تقدّمه أو تأخّره يوما او يومين او أزيد على وجه يصدق عليه تقدّم العادة أو تأخرها لو لم يكن الدم بالصفات و ترتب عليه جميع أحكام الحيض فأن علمت بعد ذلك عدم كونه حيضا لانقطاعه قبل تمام ثلاثة أيّام تقضى ما تركته من العبادات و أما غير ذات العادة المذكورة كذات العادة العددية فقط و المبتدئة و المضطربة و الناسية فانّها تترك العبادة و ترتّب احكام الحيض بمجرد رؤيته اذا كان بالصفات و أمّا مع عدمها فتحتاط بالجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة الى ثلاثة أيّام فان رأت ثلاثة او أزيد تجعلها حيضا نعم لو علمت أنّه يستمر الى ثلاثة أيّام تركت العبادة بمجرد الرؤية و أن تبين الخلاف تقضى ما تركته.

(1)

اقول الكلام فى وقت تحيض المرأة سواء كانت ذات عادة او لا:

أما ذات العادة الوقتية

سواء كانت عددية او لا فبمجرد روية الدم فى أيام عادتها يحكم بكونها حائضا سواء كان بصفات الحيض أم لا لانّه مضافا الى دعوى الاجماع و الاتفاق عليه تدلّ عليه النصوص مثل رواية محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها فقال لا تصلّى حتى تنقضى أيّامها و ان رأت في غير أيّامها توضأت و صلّت «1» و مرسلة يونس القصيرة عن بعض رجاله

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 62

عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) و كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة

او حمرة فهو من الحيض و كل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض. «1»

و مرسلة الطويلة حيث قال فيها لانّ السنة في الحيض أن تكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيّام الحيض اذا عرفت حيضا «2» و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام قال سألته عن المرأة ترى الصفرة أيّام طمثها كيف تضع قال تترك لذلك الصلاة بعدد أيّامها الّتي كانت تقعد في طمثها ثمّ تغتسل و تصلّى «3» و مرسلة المبسوط قال روى عنهم عليهم السّلام أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض و في أيّام الطهر طهر. «4»

و كذا مع تقدم الدم عن العادة الوقتية بيوم او يومين يحكم بكون الدم حيضا و ان لم يكن بصفات الحيض مضافا الى دعوى الشهرة بل الاتفاق عليه تدل عليه النصوص مثل رواية نعيم الصحاف عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى حديث) قال و اذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الّذي كانت ترى فيه الدم بقليل او في الوقت من ذلك الشهر فانّه من الحيضة. «5»

و رواية سماعة قال سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها قال فلتدع الصّلاة فانّه ربّما يعجّل بها الوقت «6».

و رواية ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المرأة ترى الصفرة فقال ما كان قبل

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 4 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 4 من ابواب الحيض من الوسائل.

(4) الرواية 9 من الباب 4 من أبواب الحيض من الوسائل.

(5) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الحيض من الوسائل.

(6) الرواية 2 من الباب

15 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 63

الحيض فهو من الحيض. «1»

و رواية على بن ابى حمزة عنه عليه السّلام قال ما كان قبل الحيض فهو من الحيض و ما كان بعد الحيض فليس منه. «2»

و أمّا مع تأخر الدم عن العادة بيوم او يومين مثل ما اذا كانت عادته اوّل الشهر الى سبعة أيام فتراه فى اليوم التاسع و كان الدم بصفات الحيض أوجه ما يقال فى وجه كونها حائضا الاجماع و فيه كون الاجماع كاشفا عن قول المعصوم بحيث يكون وصل إليهم نص و لم يصل إلينا و لم يكن وجهه الاخبار المذكورة فى الباب من أخبار التمييز و غيرها غير معلوم مع أنّ أخبار التمييز واردة فى التمييز بين دم الحيض و الاستحاضة في المستمرة الدم و لذا الحكم بكون المرأة حائضا برؤية الدم مع دلالة بعض الاخبار على الحكم بعدم الحيض فيما كان بعد الحيض مثل رواية على بن ابى حمزة «3» مشكل فالاولى رعاية الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض و عمل المستحاضة الى ثلاثة ايام فان استمر الدم فيحكم بكونها حائضا فان انقطع على العادة فهو و أمّا أن تجاوز عن العادة تأخذ بالعادة و تجعلها حيضا و البقية استحاضة.

و امّا في صورة فقد الصفات و أن ادعى كون المشهور إلحاقها بالحائض برؤية الدم و لكن الحكم بالحيض في هذه الصورة أشكل من الصورة السابقة فحكمها حكمها من حيث الاحتياط.

هذا فيما كان المراد من التأخر تأخر الدم بيوم او يومين عن زمان مضيّ العادة

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 15 من ابواب الحيض

من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 15 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 64

و امّا لو كان المراد من التأخر عن أول زمان العادة مثلا فى المثال السابق رأت الدم فى اليوم الثالث من أوّل الشهر.

فحكمه انّها برؤية الدم يحكم بكون الدّم حيضا و لو لم يكن بصفات الحيض و تشمله الاخبار المتقدّمة.

لانّ الدم فى أيّام العادة حيض و كل صفرة و حمرة في أيّام الحيض أيضا حيض.

و أمّا غير ذات العادة الوقتية و العددية و الوقتية المحضة

مثل العددية المحضة و المضطربة و المبتدئة و الناسية فان كان الدم واجدا للصفات يحكم عليه بالحيض و ترتب احكامه بمجرد الرؤية كما اختاره المؤلف رحمه اللّه لانّه مضافا الى دعوى الشهرة يدل عليه ما رواه اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين قال أن كان دما عبيطا فلا تصلّى ذينك اليومين و ان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاة. «1»

و ما رواه ابو المعزى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة أن كان دما كثيرا فلا تصلّين و أن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين. «2»

و ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة من الدم ان كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّى و ان كان قليلا اصفر فليس عليها ألّا الوضوء. «3»

و أمّا مع فقد الصفات فكما قال السيّد المؤلف رحمه اللّه أيضا فتحتاط بالجمع بين

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 30 من ابواب الحيض

من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 16 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 65

تروك الحائض و اعمال المستحاضة الى ثلاثة أيّام فان رأت ثلاثة او أزيد تجعلها حيضا و ان تبين الخلاف تقضى ما تركته.

***

[مسئلة 16: صاحبة العادة المستقرة فى الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: صاحبة العادة المستقرة فى الوقت و العدد اذا رأت العدد في غير وقتها و لم تره فى الوقت تجعله حيضا سواء كان قبل الوقت او بعده.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام و قد تقدم وجه في مسئلة 10 من كون ذات العادة المستقرة وقتا و عددا تأخذ بها الّا اذا رأت على خلافها مرّتين بالتفصيل المتقدم مضافا الى دعوى الاتفاق عليه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 8، ص: 65

***

[مسئلة 17: اذا رأت قبل العادة و لم يتجاوز المجموع عن العشرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا رأت قبل العادة و فيها و لم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضا و كذا اذا رأت فى العادة و بعدها و لم يتجاوز عن العشرة او رأت قبلها و فيها و بعدها و أن تجاوز العشرة فى الصور المذكورة فالحيض أيام العادة فقط و البقية استحاضة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 66

(1)

اقول امّا الحكم بكون الدم قبل العادة و فيها حيضا مضافا الى دعوى الاتّفاق عليه تدلّ عليه رواية نعيم الصحاف عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال و اذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الّذي كانت ترى الدم فيه بقليل او فى الوقت من ذلك الشهر فانّه من الحيضة. «1»

و رواية سماعة قال سألت عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها قال فلتدع الصّلاة فانّه ربّما يعجل بها الوقت «2».

و رواية ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى المرأة ترى الصفرة فقال ما كان قبل الحيض فهو من الحيض. «3»

و امّا في صورة رؤية الدم

فى العاده و بعدها و لم يتجاوز عن العشرة فأيضا يحكم بكون الدم حيضا لانّه مضافا الى دعوى الاجماع عليه تدلّ عليه رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال اذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاولى و ان كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة. «4»

و امّا في صورة رؤية الدم قبل العادة و فيها و بعدها و لم يتجاوز المجموع عن العشرة فيحكم أيضا بكون المجموع حيضا لاطلاق رواية محمد بن مسلم المتقدّمة على ذلك حيث قال فيها (اذا رأت المرأة الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الاوّل) «5» مضافا الى دعوى الاجماع على ذلك.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الحيض من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الحيض من الوسائل.

(5) الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 67

و أمّا اذا تجاوز الدم عن العشرة ففي هذه الصور كلّها تجعل المرأة عادتها حيضا و البقيّة استحاضة لما يأتي من ان صاحبة العادة في صورة تجاوز الدّم عن العشر تأخذ بعادتها و تجعلها حيضا في (مسئلة 1 من فصل حكم تجاوز الدم عن العشرة) مع ذكر دليلها.

***

[مسئلة 18: اذا رأت ثلاثة أيّام متواليات و انقطع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: اذا رأت ثلاثة أيّام متواليات و انقطع ثمّ رأت ثلاثة أيّام او أزيد فان كان مجموع الدمين و النقاء المتخلل لا يزيد عن العشرة كان الطرفان حيضا و في النقاء المتخلل تحتاط بالجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة و أن تجاوز

المجموع عن العشرة فان كان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضا و ان لم يكن واحد منهما فى العادة فتجعل الحيض ما كان منهما واجدا للصفات و ان كانا متساويين فى الصفات فالاحوط جعل اوّلهما حيضا و ان كان الاقوى التخيير و ان كان بعض احدهما فى العادة دون الآخر جعلت ما بعضه فى العادة حيضا و ان كان بعض كل واحد منهما فى العادة فان كان ما فى الطرف الأوّل من العادة ثلاثة أيّام او أزيد جعلت الطرفين من العادة حيضا و تحتاط فى النقاء المتخلل و ما قبل الطرف الاوّل و ما بعد الطرف الثاني استحاضة و ان كان ما فى العادة فى الطرف الاوّل أقلّ من ثلاثة تحتاط في جميع أيّام الدمين و النقاء بالجمع بين الوظيفتين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 68

(1)

أقول في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: اذا رأت ثلاثة أيّام متواليات و انقطع ثمّ رأت ثلاثة أيّام أو ازيد و كان مجموع الدمين و النقاء المتخلّل لا يزيد عن عشرة أيّام ما يأتي بالنظر جعل كل من الطرفين و النقاء المتخلل حيضا لما قلنا في المسألة السابعة.

المسألة الثانية: فان تجاوز المجموع عن العشرة فان كان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضا لمّا تقدّم من أن من كانت لها عادة مستقرة تجعل خصوص زمان العادة حيضا في صورة تجاوز الدم عن العشرة.

المسألة الثالثة: ما اذا لم يكن واحد منهما في أيّام العادة تجعل ما كان منه واجدا للصّفات حيضا لما تقدّم من الرواية من انّ دم الحيض لا خفاء فيه فما هو بصفة الحيض حيض و ما ليس بصفته

فليس بحيض.

المسألة الرابعة: في صورة كونهما متساويين في الصفات فالاحوط كما قال السيّد المؤلف رحمه اللّه تجعل أوّلهما حيضا.

المسألة الخامسة: فيما اذا كان بعض أحدهما فى العادة دون الآخر تجعل ما بعضه فى العادة حيضا لان وظيفتها الأخذ بالعادة مهما أمكن.

المسألة السادسة: في فرض كون بعض كل من الدمين في العادة ففي هذه الصورة تجعل الطرفين من العادة و النقاء المتخلل بينهما حيضا و ما قبل الطرف الاوّل و ما بعد الطرف الثاني استحاضة لانّها صاحبة العادة و اللازم عليه أن تأخذ بها و امّا النقاء المتخلل فكما قلنا في المسألة السابعة كان بحكم الحيض.

المسألة السابعة: لو كان الدم الّذي فى العادة من الطرف الاوّل أقل من ثلاثة أيّام تجعل الدم الثاني حيضا في صورة بلوغه الى ثلاثة أيّام و الدم الاوّل و النقاء المتخلل فخارجان عن حكم الحيض لانّ الاوّل أقل من الثلاثة و النقاء ليس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 69

متخللا بين الحيضين حتى نحكم بكونه بحكم الحيض.

***

[مسئلة 19: اذا تعارض الوقت و العدد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: اذا تعارض الوقت و العدد في ذات العادة الوقتية العددية يقدم الوقت كما اذا رأت في أيام العادة أقل او اكثر من عدد العادة و دما آخر في غير أيام العادة بعددها فتجعل ما في أيّام العادة حيضا و ان كان متأخّرا و ربّما يرجح الاسبق فالاولى فيما اذا كان الاسبق العدد في غير أيّام العادة الاحتياط في الدمين بالجمع بين الوظيفتين.

(1)

أقول المختار ما قاله المؤلف رحمه اللّه لانّ أيّام العادة الّتي تأخذ المرأة بها هي العادة الوقتية لا العددية فتكون هي أمارة على الحيض و العددية لا دليل لاماريتها فمع الامارة لا تصل النوبة الى غيرها

فلا تعارض بينهما مع ان الرجوع الى العدد السنة الثانية الّتي سنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو ليس لذات العادة و الكلام هنا في صاحبة العادة.

***

[مسئلة 20: ذات العادة العددية اذا رأت أزيد من العدد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: ذات العادة العددية اذا رأت أزيد من العدد و لم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض و كذا ذات الوقت اذا رأت أزيد من الوقت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 70

(1)

أقول: ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام للاجماع على كون الدم في أيام العادة اذا لم تجاوز العشرة كلّه حيض و ان تجاوز عن العادة.

***

[مسئلة 21: اذا كانت عادتها في كل شهر مرّة فرأت في شهر مرّتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: اذا كانت عادتها في كل شهر مرّة فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقل الطهر و كانا بصفة الحيض فكلاهما حيض سواء كانت ذات عادة وقتا او عددا او لا و سواء كانت موافقين للعدد و الوقت او يكون أحدهما مخالفا.

(2)

أقول المختار ما قاله المؤلّف رحمه اللّه إلّا ان تصوير كون العادتين موافقتين في الوقت مع كون المرأة ذات عادة وقتية في كل شهره مرّة مشكل بل خفي و ما قال في التنقيح «1» فى توجيه كلام المؤلف فغير تمام.

***

[مسئلة 22: اذا كانت عادتها في كل شهر مرّة فرأت فى الشهر مرّتين مع فصل أقل الطهر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: اذا كانت عادتها في كل شهر مرّة فرأت فى الشهر مرّتين مع فصل أقل الطهر فان كانت إحداهما في العادة و الاخرى في غير وقت العادة و لم تكن الثانية بصفة الحيض تجعل ما فى الوقت و ان لم تكن بصفة الحيض حيضا و تحتاط

______________________________

(1) التنقيح، ج 6، ص 280.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 71

في الاخرى و ان كانتا معا في غير الوقت فمع كونهما واجدتين كلتاهما حيض و مع كون إحداهما واجدة تجعلها حيضا و تحتاط فى الاخرى و مع كونهما فاقدتين تجعل إحداهما حيضا و الاحوط كونها الاولى و تحتاط فى الاخرى.

(1)

أقول في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: فيما اذا كان أحد الدمين في أيّام العادة

و ان لم يكن بصفة الحيض و الدم الثاني ليس في أيام العادة و لم يكن بصفة الحيض و الحكم لها ان تجعل الاوّل حيضا و تحتاط فى الدم الثاني بين عمل المستحاضة و تروك الحائض و وجه جعل الاولى حيضا و ان لم يكن بصفة الحيض كون العادة طريقة الى الحيض.

وجه الاحتياط فى الدم الثاني قاعدة الامكان لعدم كونها فى العادة و عدم وجود صفات الحيض فيه و الحال انّهما طريقان الى الحيض.

المسألة الثانية: فيما اذا كان كلا الدمين فى غير وقت العادة

فان كانا واجدين للصفات فتجعل كليهما حيضا لأماريّة الصفات على كون الدم حيضا.

المسألة الثالثة: فيما اذا كان أحدهما واجدا للصفات

فتجعل ذا الصفة حيضا و تحتاط فى الدم الثاني كما قلنا في المسألة الاولى لاجل قاعدة الامكان مع فقد الامارة على الحيض.

المسألة الرابعة: فيما اذا كان كلا الدمين فاقدين للصفات

فالاحوط وجوبا ان تحتاط بجعل المرأة الدمين حيضا لاحتمال تمامية قاعدة الامكان.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 72

[مسئلة 23: اذا انقطع الدم قبل العشرة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: اذا انقطع الدم قبل العشرة فان علمت بالنقاء و عدم وجود الدم فى الباطن اغتسلت و صلّت و لا حاجة الى الاستبراء و ان احتملت بقاءه في الباطن وجب عليها الاستبراء و استعلام الحال بادخال قطنة و إخراجها بعد الصبر هنيئة فان خرجت نقية اغتسلت و صلّت و أن خرجت ملطخة و لو بصفرة صبرت حتى تنقى او تنقضى عشرة أيام و ان لم تكن ذات عادة او كانت عادتها عشرة و ان كانت ذات عادة أقلّ من عشرة فكذلك مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة و أما اذا احتملت التجاوز فعليها الاستظهار بترك العبادة استحبابا بيوم او يومين او الى العشرة مخيرة بينها فأن انقطع الدم على العشرة أو أقل فالمجموع حيض فى الجميع و أن تجاوز فسيجي ء حكمه.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: لو علمت المرأة بنقاء الباطن و عدم وجود الدم فيه

اغتسلت و صلّت و لا حاجة الى الاستبراء و الاستعلام لانّه مع العلم لا حاجة للاختبار عن حالها و ان احتملت بقاء الدم فى الباطن وجب عليها الاستبراء لدلالة صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال اذا أرادت الحائض ان تغتسل فلتستدخل قطنة فان خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل و أن لم تر شيئا فلتغتسل و ان رأت بعد ذلك فلتوضّ و لتصلّ. «1»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 73

و دلالة موثق سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له المرأة ترى الطهر و ترى الصفرة او الشي ء فلا تدري أطهرت أم لا قال فاذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها الى حائط و ترفع رجلها على حائط كما

رأيت الكلب يصنع اذا أراد أن يبول تستدخل الكرسف فاذا كان ثمة من الدم مثل رأس الذباب خرج فان خرج دم فلم يطهر و ان لم يخرج فقد طهرت. «1»

و دلالة رواية يونس عمّن حدّثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدرى أطهرت أم لا؟ قال تقوم قائما و تلزق بطنها بحائط و تستدخل قطنة بيضاء و ترفع رجلها اليمنى فان خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر و ان لم يخرج فقد طهرت تغتسل و تصلّى. «2»

و دلالة رواية شرجيل الكندي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له كيف تعرف الطامث طهرها قال تعمد برحلها اليسرى على الحائط و تستدخل الكرسف بيده اليمنى فان كان ثمّ مثل رأس الذباب خرج على الكرسف «3» هذا بالنسبة الى اصل وجوب الاستبراء.

و امّا كيفيّة الاستبراء فقد ذكر في رواية سماعة و يونس و شرجيل الكندي و بعد ضعف سند رواية يونس و شرحبيل فلا يعتنى بهما فالمدار في الكيفية على النحو الّتي ذكرت في رواية سماعة و هي أن تقوم و تلصق بطنها على حائط مثل الكلب عند إرادة البول ثمّ تستدخل الكرسف) و بها يقيد إطلاق رواية محمد بن المسلم و أن استفادت من موثق سماعة وجوب رعاية الكيفية المذكورة فيها لكن بعد دعوى

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 17 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 17 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 17 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 74

الشهرة على عدم اعتبارها و صرف ادخال القطنة كاف

نقول بان العمل بالرواية فى الكيفية موافق للاحتياط.

المسألة الثانية: فان خرجت نقية اغتسلت و صلّت لانّها صارت طاهرة

و امّا أن خرجت ملطخة و لو بصفرة صبرت حتى تنقى او تنقضى عشرة أيّام لانّ الصّفرة و الكدرة في العشرة بحكم الحيض لانّ المستفاد من صدر رواية يونس الطويلة حيث قال فيكون حيضها عشرة أيام الى أن قال فاذا رأت في أيام حيضها و من ضم هاتين الفقرتين ان أيّام الحيض العشرة هذا فيما اذا لم تكن المرأة صاحبة العادة او كانت عادتها عشرة أيام و أمّا اذا كانت صاحبة العادة و عادتها أقل من العشرة فكذلك مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة لانّ العلم طريق و للاجماع على الحكم بكون الدم و الصفرة و الكدرة حيضا في أيّام الحيض.

المسألة الثالثة: مع كونها ذات عادة أقل من عشرة فان احتملت التجاوز عن العشرة

فعليها الاستظهار بترك العبادة استحبابا بيوم او يومين او ثلاثة او الى العشرة امّا كون الاستظهار مستحبا لاختلاف الاخبار في عدد أيام الاستظهار و الاختلاف شاهد على عدم الوجوب فتكون المرأة مخيّرة في الأخذ بأي منها.

***

[مسئلة 24: اذا تجاوز الدم عن مقدار العادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: اذا تجاوز الدم عن مقدار العادة و علمت أنّه يتجاوز عن العشرة تعمل عمل الاستحاضة فيما زاد و لا حاجة الى الاستظهار.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 75

(1)

اقول لعلمها بتجاوز الدم عن العشرة و العلم طريق و حجة و مع العلم لا حاجة الى الاستظهار لانّ الاستظهار مورده عدم العلم بالتجاوز و مع علمها بالتجاوز لا يبقى مورد للاستظهار.

***

[مسئلة 25: اذا انقطع الدم بالمرّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: اذا انقطع الدم بالمرّة وجب الغسل و الصّلاة و أن احتملت العود قبل العشرة بل و أن ظنت بل و ان كانت معتادة بذلك على اشكال نعم لو علمت العود فالاحوط مراعاة الاحتياط في أيّام النقاء لما مرّ من أنّ في النقاء المتخلل يجب الاحتياط.

(2)

أقول امّا في صورة احتمال العود و الظن به وجب عليها الغسل و الصّلاة لانّ الاحتمال و الظن لا يغنيان من شي ء و امّا في صورة كونها معتادة بالعود فلذلك لكن الاحوط الجمع بين تروك الحائض و عمل المستحاضة و لا يكون المورد مورد الاستبراء و الاستظهار لانّ مورد الاستبراء صورة الشك في قطع الدم و ما نحن فيه مورد قطع الدم و لانّ مورد الاستظهار عدم قطع الدم و مورد البحث مورد قطعه و امّا مع العلم بالعود فعليها ترتب احكام الحيض لمّا قلنا سابقا بان النقاء المتخلل بين الحيضين حيض.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 76

[مسئلة 26: اذا تركت الاستبراء و صلّت بطلت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: اذا تركت الاستبراء و صلّت بطلت و ان تبيّن بعد ذلك كونها طاهرة ألّا اذا حصلت منها نيّة القربة.

(1)

أقول ما قاله المؤلّف رحمه اللّه متين لان المورد من صغريات التجري و قد مضى في محلّه ان الفعل المتجري به لو كشف عدم كون تركه مبغوضا للمولى لا يترتب عليه الاثر من الاعادة و القضاء.

***

[مسئلة 27: اذا لم يمكن الاستبراء لظلمة او عمى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: اذا لم يمكن الاستبراء لظلمة او عمى فالاحوط الغسل و الصلاة الى زمان حصول العلم بالنقاء فتعيد الغسل حينئذ و عليها قضاء ما صامت و الاولى تجديد الغسل في كل وقت تحتمل النقاء.

(2)

أقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: أنّ المرأة الّتي لا تقدر على الاستبراء يحصل لها العلم بأنّها في وقت الغسل و الصّلاة كانت طاهرة فلا تجب عليها إعادة الغسل و الصّلاة.

الصورة الثانية: العلم بانّها طاهرة فعلا و لكن شاكة في كونها وقت الغسل طاهرة فيلزم عليها الغسل و الصّلاة و قضاء ما صلّت و صامت على الاحوط.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 77

فصل: في حكم تجاوز الدم عن العشرة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 79

قوله رحمه اللّه

فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة

[مسئلة 1: من تجاوز دمها عن العشرة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: من تجاوز دمها عن العشرة سواء استمر الى شهر او أقلّ او ازيد- امّا أن تكون ذات عادة او مبتدئة او مضطربة او ناسية أما ذات العادة فتجعل عادتها حيضا و ان لم تكن بصفات الحيض و البقية استحاضة و ان كانت بصفاته اذا لم تكن العادة حاصلة من التمييز بأن يكون من العادة المتعارفة و الّا فلا يبعد ترجيح الصفات على العادة بجعل ما بالصفة حيضا دون ما فى العادة الفاقدة و أما المبتدئة و المضطربة بمعنى من لم تستقر لها عادة فترجع الى التمييز فتجعل ما كان بصفة الحيض حيضا و ما كان بصفة الاستحاضة استحاضة بشرط ان لا يكون أقل من ثلاثة و لا أزيد من العشرة و أن لا يعارضه دم آخر واجد للصفات كما اذا رأت خمسة أيام مثلا دما أسود و خمسة أيام أصفر ثمّ خمسة أيّام أسود و مع فقد الشرطين او كون الدم لونا واحدا ترجع الى أقاربها في عدد الايام بشرط اتفاقها او كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 80

النادر كالمعدوم و لا يعتبر اتحاد البلد و مع عدم الاقارب او اختلافها ترجع الى الروايات مخيرة بين اختيار الثلاثة في شهر او ستة او سبعة و أما الناسية فترجع الى التمييز و مع عدمه الى الروايات و لا ترجع الى أقاربها و الاحوط ان تختار السبع.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: من تجاوز دمها عن العشرة و تكون ذات عادة وقتية و عددية

فتجعل عادتها حيفا و ان لم تكن بصفات الحيض تدلّ عليه مضافا الى دعوى الاجماع النصوص مثل رواية يونس الطويلة حيث قال فيها (فان انقطع الدم لوقته فى الشهر الاوّل سواء حتى يوالى عليها حيضان او ثلاث فقد علم الآن

ان ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما سواه و تكون سنتها فيما تستقبل ان استحاضت). «1»

و مثل رواية سماعة بن مهران (الى ان قال) فاذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها «2» و مثل نصوص الاستظهار فارجع الباب 13 من ابواب الحيض من الوسائل.

و اطلاق هذه الروايات كاف في عدم اعتبار بالرجوع الى الصفات في جعل ايام العادة حيضا.

المسألة الثانية: جعل ما عدا أيام العاده استحاضة و ان كان بصفة الحيض

تدل عليه رواية اسحاق بن جرير حيث قال فيها تجلس أيام حيضها ثمّ تغتسل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 81

لكل صلاتين. «1»

و رواية يونس الطويلة حيث قال فيها (و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت الى معرفة اللون و لا أرى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لها اجلسي كذا و كذا فما زادت فانت مستحاضة «2».

المسألة الثالثة: اذا لم تكن لها العادة المتعارفة

ترجع الى التمييز فتجعل ما بصفات الحيض حيضا و ما بصفة الاستحاضة استحاضة و لا يخفى عليك أنّ ما قاله السيّد المؤلف رحمه اللّه في هذه المسألة ليس مخالفا لما قاله في مسئلة 12 و ان كانت العبارة موهمة لذلك.

المسألة الرابعة: و أمّا المبتدئة و المضطربة

بمعنى من لم تستقر لها عادة فترجع الى التمييز فتجعل ما بصفة الحيض حيضا و ما كان بصفة الاستحاضة استحاضة بشرط ان لا يكون أقل من ثلاثة و لا أزيد من العشرة و أن لا يعارضه دم آخر واجد للصفات كما ذا رأت خمسة أيام مثلا أسود و خمسة أيام أصفر ثمّ خمسة أيّام أسود.

أقول يظهر للمراجع بأخبار الواردة في الباب أن المبتدئة أوّل ما تحيض تجعله حيضا الى عشرة فان انقطع عليها فحكمها ذلك فان أستمر الدم عليها ترجع الى التمييز فما كان بصفة الحيض تجعله حيضا فان لم يحصل لها التمييز ترجع الى عادة نسائها فان كن مختلفات او لم تكن لها نساء ترجع إليها تكون مخيرة بين الأخذ برواية يونس الطويلة «3» من جعلها كل سبعة من كل شهر حيضا او جعلها كل ستة

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 82

من كل شهر حيضا و بين الاخذ بموثقتى ابن بكير من جعلها عشرة أيام من شهر الاوّل حيضا و الثلاثة من شهر الثاني حيضا دائما. «1»

و امّا المضطربة بمعنى من لم تستقر لها العادة فحكمها حكم المبتدئة.

و امّا الناسية للعادة فحكمها الرجوع الى الصفات و التمييز بها.

***

[مسئلة 2: المراد من الشهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم الى ثلاثين يوما و أن كان في أواسط الشهر الهلالى أو أواخره.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه صحيح لمّا دلّت عليه رواية يونس الطويلة حيث قال (فيها أقصى وقتها سبع و

أقصى طهرها ثلاث و عشرون) و كذا قال (فسنتها السبع و الثلاث و العشرون) و كذا قال فيما (تحيض في كل شهر في علم اللّه ستّة ايّام او سبعة ايّام ثمّ اغتسلى غسلا و صومي ثلاثة و عشرين يوما او أربعة و عشرين. «2»

و موثقة ابن بكير حيث قال فيها (تركت الصّلاة عشرة أيّام ثمّ تصلّى عشرين يوما بعد قوله المرأة اذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمر بها الدم). «3»

***

______________________________

(1) الرواية 5 و 6 من الباب 8 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 8 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 83

[مسئلة 3: الاحوط ان تختار العدد في أوّل رؤية الدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الاحوط ان تختار العدد في أوّل رؤية الدم ألّا اذا كان مرجح لغير الاوّل.

(1)

أقول بناء على ما ذكرنا من كون المرأة مخيرة بين الأخذ بالستة او سبعة و بين الأخذ في شهر بالعشرة و في شهر بالثلاثة لم أر وجها للقول بالاحتياط الوجوبي لاحتساب المرأة أوّل ما تراه من الدم حيضا الا ان يقال بالاحتياط الاستحبابي كما انّه لا وجه لقوله (الّا اذا كان مرجح لغير الاوّل) لانّ الفرض في صورة عدم وجود التمييز في البين.

***

[مسئلة 4: يجب الموافقة بين الشهور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يجب الموافقة بين الشهور فلو اختارت في الشهر الاوّل أوله ففي الشهر الثاني أيضا كذلك.

(2)

أقول لانّ الظاهر من الادلّة كون التخيير بدويا مع أنّه لو كان استمراريا لزم منه المخالفة القطعة للواقع.

***

[مسئلة 5: اذا تبيّن بعد ذلك أن زمان الحيض غير ما اختارته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا تبيّن بعد ذلك أن زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء ما فات منها من الصلوات و كذا اذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 84

تبينت الزيادة و النقيصة.

(1)

أقول وجه ذلك كون التمييز و الرجوع الى الاقارب و التخيير أمارات على كون المرأة حائضا و حجيتها مقصورة على فرض عدم كشف الخلاف و مع كشف الخلاف لا تبقى حجيتها كما في سائر الطرق و الامارات المنصوبة من قبل الشارع.

***

[مسئلة 6: صاحبة العادة الوقتية اذا تجاوز دمها العشرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: صاحبة العادة الوقتية اذا تجاوز دمها العشرة في العدد حالها حال المبتدئة فى الرجوع الى الاقارب و الرجوع الى التخيير المذكور مع فقدهم او اختلافهم و اذا علمت كونه أزيد من الثلاثة ليس لها ان تختارها كما أنها لو علمت أنه أقل من السبعة ليس لها اختيارها.

(2)

أقول كما قال السيّد المؤلف رحمه اللّه حال صاحبة العادة الوقتية في العدد حال المبتدئة في الرجوع الى التمييز ثمّ الاقارب ثمّ التخيير كما ذكرنا قبلا و أمّا ما ذكره في آخر كلامه في صورة علمها بكونه أزيد من الثلاثة او أقلّ من السبعة فصحيح على ما اختاره من كونها مخيرة بين الثلاثة او الستة او السبعة.

و أمّا على مختارنا من كونها مخيرة بين الاخذ بمرسلة يونس الطويلة من جعلها في كل شهر سبعة حيضا او جعلها في كل شهر ستة حيضا و بين الاخذ بموثقتى ابن بكير من جعلها في شهر الاوّل عشرة أيّام حيضا و جعلها في الشهر الثاني ثلاثة أيام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 85

حيضا في صورة كون بعض أفراد التخيير مخالفا لعلمها لا يجوز لها الاخذ بها بل لا

بدّ من الاخذ ببعض الآخر من أفراد التخيير.

***

[مسئلة 7: صاحبة العادة العددية ترجع في العدد الى عادتها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: صاحبة العادة العددية ترجع في العدد الى عادتها و امّا في الزمان فتأخذ بما فيه الصفة و مع فقد التمييز تجعل العدد في الاوّل على الأحوط و ان كان الاقوى التخيير و ان كان هناك تمييز لكن لم يكن موافقا للعدد فتأخذه و تزيد مع النقصان و تنقص مع الزيادة.

(1)

أقول ما قاله السيّد المؤلف رحمه اللّه من رجوع صاحبة العادة العددية في العدد الى عادتها تمام لما قلنا سابقا من كونه مستفادا من مرسلة يونس الطويله حيث قال فيها (فالحائض الّتي لها أيّام معلومه قد احصتها بلا اختلاط عليها ثمّ استحاضت فاستمر بها الدم و هي في ذلك تعرف أيامها و مبلغ عددها الى ان قال و انّما سنّ لها أياما معلومة كانت لها من قليل او كثير بعد ان تعرفها الى ان قال فهذه ستة الّتي تعرف أيام أقرائها و لا وقت لها الّا أيامها قلت او كثرت. «1»

و كذا ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه من رجوعها فى الوقت الى التمييز تمام لانّ من حيث الوقت مثل المبتدئة و المضطربة و مع فقد التمييز فلها جعل العدد حيضا و كما قال المؤلف رحمه اللّه الاقوى التخيير و ان كان الاحوط ان تجعل العدد فى الاوّل و في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 86

صورة وجود التمييز و عدم موافقته مع العدد لا بدّ من مراعاتهما للجمع بين دليل الأخذ بالعادة العددية و دليل التمييز و هو كما قال السيّد المؤلف الاخذ بالعدد مع الزيادة او النقيصة.

***

[مسئلة 8: لا فرق فى الوصف بين الاسود و الاحمر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا فرق فى الوصف بين الاسود

و الاحمر فلو رأت ثلاثة أيام أسود و ثلاثة أحمر ثمّ بصفة الاستحاضة تتحيض بستة.

(1)

أقول عدم الفرق بين الاسود و الاحمر كما قال المؤلف رحمه اللّه تمام لانّهما من جهة شدة اللون و ضعفه و ألّا فكليهما من الحمرة و يعرف ما قلنا من حيث المقابلة بين اللون الدال على الاستحاضة و الحيض حيث يقال أن دم الاستحاضة أصفر بارد فجعل الاصفر دليل الاستحاضة و في مقابله الاسود و الاحمر.

***

[مسئلة 9: لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيّام ثمّ ثلاثة أيّام بصفة الاستحاضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيّام ثمّ ثلاثة أيّام بصفة الاستحاضة ثمّ بصفة الحيض خمسة أيّام او أزيد تجعل الحيض الثلاثة الاولى و امّا لو رأت بعد الستة الاولى ثلاثة ايام او أربعة بصفة الحيض تجعل الحيض الدمين الاوّل و الاخير و تحتاط فى البين ممّا هو بصفة الاستحاضة لانّه كالنقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 87

المتخلل بين الدمين.

(1)

أقول بناء على ما ذكرنا في مسئلة 13 من ان النقاء المتخلل محكوم بالحيض ففي الفرع الثاني تجعل تمام مدّة رؤية الدم حيضا لعدم تجاوزه عن العشرة.

***

[مسئلة 10: اذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض عشرة أيّام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض عشرة أيّام بصفة الاستحاضة جعلتهما حيضين اذا لم يكن كل واحد منهما أقل من ثلاثة.

(2)

أقول أمّا كون الدمين حيضا فلكونهما متصفين بصفة الحيض و كون كل واحد منهما ثلاثة أيّام و أزيد و كون الفصل بينهما عشرة أيّام فجمع في كليهما شرائط الحيض.

***

[مسئلة 11: اذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة في ضمن عشرة تحتاط في جميع العشرة.

(3)

أقول قد أمضينا في مسئلة 6 اعتبار التوالى في كون الدم حيضا في الثلاثة الاولى من أوّل الحيض فعلى هذا ليس هذا الدم محكوما بالحيض و لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 88

الاحتياط حسن.

***

[مسئلة 12: لا بدّ في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا بدّ في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة و بعضها بصفة الحيض فاذا كانت مختلفة في صفات الحيض فلا تمييز بالشدة و الضعف او غيرهما كما اذا كان في احدهما وصفان و في الاخر وصف واحد بل مثل هذا فاقد التمييز و لا يعتبر اجتماع صفات الحيض بل يكفى واحدة منها.

(1)

أقول الظاهر كون التمييز لمعرفة دم الحيض من الاستحاضة ففي مورد علمت المرأة بكون تمام الدم بصفات الحيض و ان كان الدم مختلفا من جهة وجود صفات الحيض فيه من جهة الشدة و الضعف و وجود و واحدة من الصفات فيها او أكثر فلا مورد للاخذ بالتمييز.

***

[مسئلة 13: ذكر بعض العلماء الرجوع الى الاقران مع فقد الاقارب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: ذكر بعض العلماء الرجوع الى الاقران مع فقد الاقارب ثمّ الرجوع الى التخيير بين الاعداد و لا دليل عليه فترجع الى التخيير بعد فقد الاقارب.

(2)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام لعدم دليل على الرجوع الى الاقران مع عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 89

وجود الاقارب.

***

[مسئلة 14: المراد من الاقارب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: المراد من الاقارب اعم من الأبوينى و الأبي او الأمي فقط و لا يلزم فى الرجوع إليهم حياتهم.

(1)

أقول وجه الحكمين اطلاق الادلة بالنسبة الى الاقارب و بالنسبة الى الموت و الحياة و ان كان الرجوع الى الميّت قليلا.

***

[مسئلة 15: في الموارد الّتي تتخيّر بين جعل الحيض أوّل الشهر او غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: في الموارد الّتي تتخيّر بين جعل الحيض أوّل الشهر او غيره اذا عارضها زوجها و كان مختارها منافيا لحقه وجب عليها مراعاة حقّه و كذا في الامة مع السيّد و اذا أرادت الاحتياط الاستحبابي فمنعها زوجها او سيدها يجب تقديم حقهما نعم ليس لهما منعها من الاحتياط الوجوبى.

(2)

أقول الكلام كما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام لكون حق الزوج واجبا عليها و لا يزاحم الاستحباب الوجوب و كذا بالنسبة الى الامة و السيّد.

***

[مسئلة 16: في كل مورد تحيضت من أخذ عادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: في كل مورد تحيضت من أخذ عادة او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 90

تمييز او رجوع الى الاقارب او الى التخيير بين الاعداد المذكورة فتبين بعد ذلك كونه خلاف الواقع يلزم عليها التدارك بالقضاء او الاعادة.

(1)

أقول لعدم اتيان الواقع المأمور به و عدم أجزاء الحكم الظاهرى بعد كشف الخلاف عن الواقع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 91

فصل: في احكام الحائض

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 93

قوله رحمه اللّه

فصل في أحكام الحائض

[الاول الى السادس]
اشارة

و هي أمور:

أحدها: يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة كالصّلاة و الصوم و الطواف و الاعتكاف.

الثاني: يحرم عليها مسّ اسم اللّه و صفاته الخاصّة بل غيرها أيضا اذا كان المراد بها هو اللّه و كذا مسّ أسماء الأنبياء و الائمّة على الاحوط و كذا مسّ كتابه القرآن على التفصيل الّذي مرّ في الوضوء.

الثالث: قراءة آيات السجدة بل سورها على الاحوط.

الرابع: اللبث في المساجد.

الخامس: وضع شي ء فيها اذا استلزم الدخول.

السادس: الاجتياز من المسجدين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 94

و المشاهد المشرفة كسائر المساجد دون الرواق منها و ان كان الاحوط الحاقة بها هذا مع عدم لزوم الهتك و الّا حرم.

و اذا حاضت في المسجدين تتيمم و تخرج الّا اذا كان زمان الخروج أقل من زمان التيمم او مساويا.

(1)

أقول قد أمضينا الكلام في هذه الاحكام مفصلا في كتابنا الذخيرة العقبى في الجزء السابع منها في فصلين (فصل في ما يتوقف على الغسل من الجنابة) الصفحة 73 و (فصل في ما يحرم على الجنب) الصفحة 93.

***

[مسئلة 1: اذا حاضت في أثناء الصّلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا حاضت في أثناء الصّلاة و لو قبل السلام بطلت و ان شكّت في ذلك صحّت فان تبين بعد ذلك ينكشف بطلانها و لا يجب عليها الفحص و كذا الكلام في سائر مبطلات الصّلاة.

(2)

أقول أمّا بطلان الصّلاة لقاطعية حدث الحيض للصّلاة و أمّا صحة الصّلاة مع الشك في عروض حدث الحيض لاستصحاب بقاء الطهارة و أمّا بطلانها مع كشف وجود الحيض حال الصّلاة لحدوث المانع لها.

و أمّا عدم وجوب الفحص لعدم وجوبه في الشبهات الموضوعيّة ألّا في بعض الموارد الخاصّة المذكورة في محلّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 95

و كذا الكلام في سائر

مبطلات الصّلاة كما قاله المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 2: يجوز للحائض سجدة الشكر و يجب سجدة التلاوة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز للحائض سجدة الشكر و يجب سجدة التلاوة اذا استمعت بل او سمعت آيتها و يجوز لها اجتياز غير المسجدين لكن يكره و كذا يجوز لها اجتياز المشاهد المشرفة.

(1)

أقول أمّا جواز سجدة الشكر للحائض فلعدم وجود نصّ دالّ على الحرمة مع إطلاق ادلّة مشروعيتها و ان كان الاحوط الترك لدعوى بعض الاتفاق على عدم جواز السجود لغير الطاهر.

و أمّا وجوب سجدة التلاوة مع استماعها لاطلاق رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل سمع السجدة تقرأ قال عليه السّلام لا يسجد ألّا ان يكون منصتا لقراءته مستمعا لها. «1»

و بضميمة قاعدة الاشتراك يثبت الحكم في المرأة و ان كانت حائضا مضافا الى إطلاق ما يدلّ على السجود و عدم ما يوجب تقييده بغير الحائض.

و امّا في صورة سماعها فتدلّ على وجوب السجود على الحائض رواية الحذاء قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الطامث تسمع السجدة فقال ان كانت من العزائم فلتسجد اذا سمعتها. «2»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 42 من ابواب قراءة القرآن من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 36 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 96

و رواية ابى بصير قال قال اذا قرئ شي ء من العزائم الأربع و سمعتها فأسجد و ان كنت على غير وضوء و ان كنت جنبا و ان كانت المرأة لا تصلّى و سائر القرآن أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت و ان شئت لم يسجد. «1»

و رواية سماعة عن أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال (في حديث) و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة. «2»

و

أمّا جواز الاجتياز عن غير المسجدين من ساير المساجد مضافا الى دعوى الانفاق يدلّ عليه صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قالا قلنا له الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا قال الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد ألّا مجتازين أنّ اللّه تبارك و تعالى يقول و لا جنبا الّا عاري سبيل حتى تغتسلوا. «3»

و امّا كون الاجتياز مكروها فلدعوى الاجماع أيضا و خبر دعائم الاسلام و لا يقربن مسجدا و لا يقرئن قرآنا. «4»

و أمّا جواز الاجتياز عن المشاهدة المشرفة لما مضى من كونها مثل المساجد في هذه الاحكام.

***

[مسئلة 3: لا يجوز لها دخول المساجد بغير الاجتياز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يجوز لها دخول المساجد بغير الاجتياز

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 36 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 36 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 39 من ابواب الحيض من مستدرك الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 97

بل معه أيضا في صورة استلزامه توليتها.

(1)

أقول لحرمة تنجيس المساجد.

***

[السابع: وطؤها في القبل]
اشارة

السابع: وطؤها في القبل حتى بإدخال الحشفة من غير انزال بل بعضها على الاحوط و يحرم عليها أيضا و يجوز الاستمتاع بغير الوطء من التقبيل و التفخيذ و الضم نعم يكره الاستمتاع بما بين السرة و الركبة منها بالمباشرة و أما فوق اللباس فلا بأس و أما الوطء في دبرها فجوازه محل اشكال و اذا خرج دمها من غير الفرج فوجوب الاجتناب عنه غير معلوم بل الاقوى عدمه و اذا كان من غير الدبر نعم لا يجوز الوطء في فرجها الخالى عن الدم حينئذ.

(2)

أقول امّا حرمة وطئها فى القبل فدلّ عليها الكتاب و السنة أما الكتاب قال اللّه تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ «1» و امّا السنة فمنها رواية معاوية عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلّى فيها و لا يقربها بعلها الى ان قال و هذه يأتيها

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 222.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 98

بعلها الّا في أيام حيضها «1» و رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المستحاضة (الى ان قال) و لا بأس ان

يأتيها زوجها اذا شاء ألّا أيّام حيضها فيعتزلها زوجها «2» و اطلاق الآية و الروايتين يشمل صورة الانزال و عدمه و صورة ادخال الحشفة و بعضها.

و أمّا حرمة تمكين الزوجة للزوج فى الوطء مضافا الى دعوى الاجماع عليه و كونه إعانة على الاثم تدلّ عليه رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل يطلق زوجته متى تبين منه قال حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها قلت فلها أن تتزوج في تلك الحال قال نعم و لكن لا تمكن من نفسها حتى تطهر من الدم «3».

و أمّا جواز سائر الاستمتاعات بغير الوطء من التقبيل و التفخيذ و الضم فلدلالة رواية عبد الملك بن عمر و قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام ما لصاحب المرأة الحائض منها فقال كل شي ء ما عدا القبل منها بعينه. «4»

و رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الحائض ما يحلّ لزوجها منها قال ما دون الفرج «5» و رواية 3 و 4 و 5 من هذا الباب.

و امّا كراهة الاستمناء بما بين السرّة و الركبة منها بالمباشرة و أمّا فوق اللباس فلا بأس لمقتضى الجمع بين ما دلّ على جوازه بغير لباس و إزار و درع و ما دلّ على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب العدد من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الحيض من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8،

ص: 99

الاستمتاع بازار او بدرع لا بالمباشرة مثل رواية عبيده اللّه بن على الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض و ما يحلّ لزوجها منها قال تتّزر بازار الى الركبتين و تخرج سرّتها ثمّ له ما فوق الازار «1» و رواية ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الحائض ما يحل لزوجها منها قال تتزر بازار الى الركبتين و تخرج ساقيها و له ما فوق الازار «2» و رواية حجاج الخشاب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض و النفساء ما يحلّ لزوجها منها قال تلبّس درعا ثمّ تضطجع معه «3» و هو حمل ما ظاهره على الحرمة على الكراهة بقرينة ما دلّ على الجواز.

و امّا الوطء في دبرها محل اشكال لانّه و ان كان فى الاخبار ما يدلّ بالإطلاق على الجواز مثل رواية 1 و 2 و 3 و 5 و 6 من الباب 25 الّتي ذكرنا بعضها حيث قال فيها كل شي ء ما عدا القبل منها بعينه او ما دون الفرج او اذا أجتنب ذلك الموضع او ما أتقى موضع الدم لكن بعد دلالة رواية عمر بن يزيد على الحرمة حيث قال فيها قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما للرجل من الحائض قال ما بين أليتيها و لا يوقب. «4»

فيشكل جوازه فالاحوط الترك و أمّا في صورة خروج و دمها من غير الفرج فكما قال المؤلف رحمه اللّه فالاقوى عدم وجوب الاجتناب عن ذلك الموضع اذا كان غير الدبر لعدم شمول ادلة المنع للوطء في ذلك الموضع لعدم صدق القبل و الفرج عليه و ان صدق عليها أنّها حائض.

و أمّا حرمة وطى

المرأة في فرجها الخالى من الدم تكون أحوط و أما في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 26 من ابواب الحيض من الوسائل.

(4) الرواية 8 من الباب 25 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 100

صورة خروج دم الحيض من دبرها فوطيها في دبرها محل اشكال فالاحوط الاجتناب عنه.

***

[مسئلة 4: اذا أخبرت بانّها حائض يسمع منها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا أخبرت بانّها حائض يسمع منها كما لو أخبرت بأنّها طاهر.

(1)

أقول امّا سماع قولها بانّها حائض مطلقا سواء كانت متهمة او غير متهمة لاطلاق صحيح زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول العدّة و الحيض الى النساء. «1»

و الخبر الثاني منه أيضا عن ابي جعفر عليه السّلام قال العدّة و الحيض للنساء اذا ادّعت صدقت «2».

و لم يقيد سماع قولها بعدم كونها متهمة السيد المؤلف رحمه اللّه لكن قد يقال بكون سماع قولها في صورة عدم التهمة لرواية اسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال كلفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت فان شهدن صدقت و الّا فهي كاذبة. «3»

قد نقل صاحب الوسائل هذا الخبر بطريق السكونى و هو هكذا عن

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 47 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 47 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 101

السكونى عن جعفر

عن ابيه ان امير المؤمنين عليه السّلام قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت ثلاث حيض في شهر واحد فقال كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت فان شهدن صدقت و الّا فهى كاذبة. «1»

فبناء على دلالتها و حملها على صورة الاتهام و التهمة فتكون مقيدة للروايتين لكن حيث يكون موردهما الدعوى البعيدة عن المتعارف و التعدي عن المورد الى مورد التهمة مشكل الّا ان يدعى ان وجه عدم القبول فى المورد من جهة الاتهام و أمّا قبول قولها في صورة ادعائها الطهارة عن الحيض لشمول الروايتين له للملازمة بين قبول قولها في الحيض مع قبول قولها في الطهر مضافا الى عدم الخلاف فيه.

[مسئلة 5: لا فرق في حرمة وطء الحائض بين النساء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا فرق في حرمة وطء الحائض بين الزوجة الدائمة و المتعة و الحرة و الامة و الاجنبية و المملوكة كما لا فرق بين ان يكون الحيض قطعيا وجدانيا او كان بالرجوع الى التمييز او نحوه بل يحرم أيضا في زمان الاستظهار اذا تحيضت و اذا حاضت في حال المقاربة يجب المبادرة بالاخراج.

(1)

اقول امّا عدم الفرق في حرمة وطئ المرأة بين أقسامها فلا طلاق حرمة وطى الحائض من الكتاب و السنة.

و امّا عدم الفرق في حرمة الوطء بين كون المرأة حائضا وجدانا او كان

______________________________

(1) الرواية 37 من الباب 24 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 102

بالتمييز او بالرجوع الى الاقارب او بالرجوع الى الروايات فأيضا لاطلاق ادلّة الحرمة و كذا في زمان الاستظهار لانّها محكومة بكونها حائضا شرعا و امّا وجوب المبادرة بالاخراج فيما اذا حاضت حال المقاربة فأيضا لإطلاق الادلّة الدالّة على حرمة وطء الحائض.

***

[الثامن: وجوب الكفارة بوطئها]
اشارة

الثامن: وجوب الكفارة بوطئها و هي دينار في أوّل الحيض و نصفه في وسطه و ربعه في آخره اذا كانت زوجة من غير فرق بين الحرة و الامة و الدائمة و المنقطعة و اذا كانت مملوكة للواطى فكفارته ثلاثة أمداد من طعام يتصدق بها على ثلاثة مساكين لكلّ مسكين مدّ من غير فرق بين كونها قنّة او مدبّرة او مكاتبة او أم ولد نعم في المبعضة و المشتركة و المزوّجة و المحلّلة اذا وطأها مالكها اشكال و لا يبعد إلحاقها بالزوجة في لزوم الدينار او نصفه او ربعه و الاحوط الجمع بين الدينار و الامداد و لا كفارة على المرأة و ان كانت مطاوعة.

و يشترط في وجوبها العلم

و العمد و البلوغ و العقل فلا كفارة على الصبي و لا المجنون و لا الناسي و لا الجاهل بكونها في الحيض بل اذا كان جاهلا بالحكم أيضا و هو الحرمة و ان كان أحوط نعم مع الجهل بوجوب الكفارة بعد العلم بالحرمة لا اشكال في الثبوت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 103

(1)

أقول في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: اعلم ان الاقوى عدم وجوب الكفارة في وطى الحائض بل تكون مستحبة و في مقام الاخذ بالاحتياط بين المحتملات فى الاخبار في مقام العمل بالاستحباب هو اعطاء دينار لكلّ وطى في كلّ يوم من ايام كونها حائضا.

المسألة الثانية: لا فرق فى استحباب الكفارة لوطى الحائض بين الطوائف المذكورة في المسألة و في مقام العمل بالاستحباب الاولى اعطاء الدينار في كل أيّام الحيض لكونه اكمل أفراد الاستحباب.

المسألة الثالثة: أمّا عدم وجوب الكفارة على الزوجة و أن كانت مطاوعة للزوج فلعدم دليل عليه و كذا على مختارنا عدم دليل على استحباب الكفارة بالنسبة الى الزوجة و ان كانت مطاوعة للزوج.

المسألة الرابعة: بناء على القول بوجوب الكفارة تترتب على الوطي مع العلم بالحرمة و ان كان جاهلا بترتيبها لانّ ترتّب الحكم الوضعي غير متوقف على العلم به.

***

[مسئلة 6: المراد بأول الحيض ثلثه الاوّل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: المراد بأول الحيض ثلثه الاوّل و بوسطه ثلثه الثاني و بآخره الثلث الاخير فان كان أيام حيضها ستّة فكل ثلث يومان و اذا كانت سبعة فلكل ثلث يومان و ثلث يوم و هكذا.

(2)

أقول هذا مقتضى دلالة النصوص من تقسيم ايام الحيض بأوّله و وسطه و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 104

آخره حيث قال في رواية داود بن فرقد انّه يتصدّق اذا كان اوّله

بدينار و وسطه بنصف دينار و في آخره ربع دينار «1» و ترتب الكفارة على كل قسم من الاقسام كما ذكرنا.

***

[مسئلة 7: وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم لكنه احوط.

(1)

أقول بعد ما قلنا في الحكم السابع من احكام الحائض من كون الاحوط ترك وطى الحائض في دبرها نقول بعدم وجوب الكفارة و ان كان الاحوط استحبابا اداء الكفارة.

***

[مسئلة 8: اذا زنى بحائض أو وطأها شبهة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا زنى بحائض أو وطأها شبهة فالاحوط التكفير بل لا يخلو عن قوة.

(2)

أقول كما قلنا في مسئلة 5 من عدم وجوب الكفارة في وطى الحائض رأسا بل قلنا بأن الاحوط استحبابا اعطاء درهم كل يوم من أيام الحيض نقول في هذا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 28 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 105

المسألة أيضا كذلك.

***

[مسئلة 9: اذا خرج حيضها من غير الفرج فوطأها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا خرج حيضها من غير الفرج فوطأها فى الفرج الخالي من الدم فالظاهر وجوب الكفارة بخلاف وطئها في محل الخروج.

(1)

أقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: وطء الحائض الّتي خرجت دمها من غير الفرج في فرجها.

فمع ما قلنا في المسألة الخامسة من عدم وجوب الكفّارة في وطء الحائض في فرجها مع كون الدم خارجا منه بل يكون الاحوط استحبابا ففي هذا الصورة مع خروج الدم من غير فرجها عدم الوجوب بطريق الاولى.

الصورة الثانية: كون الوطء في محل خروج الدم و هو غير الفرج فلا ينبغى البحث عن وجوب الكفارة مع ما قلنا في الصورة الاولى.

***

[مسئلة 10: لا فرق في وجوب الكفارة بين كون المرأة حية او ميتة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا فرق في وجوب الكفارة بين كون المرأة حية او ميتة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 106

(1)

أقول امّا بناء على مختارنا من عدم وجوب الكفارة في وطئ الحائض فلا تصل النوبة الى البحث في هذه المسألة من الفرق بين الحية و الميتة و أمّا بناء على الوجوب فلا يبعد شمول ادلّة وجوب الكفارة لمطلق الحائض الّا ان يدعى الانصراف عن مورد كون الحائض ميتة.

***

[مسئلة 11: ادخال بعض الحشفة كاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إدخال بعض الحشفة كاف في ثبوت الكفارة على الاحوط.

(2)

أقول على القول بوجوب الكفارة في وطى الحائض لا يبعد دعوى شمول الادلّة لهذا المورد و امّا نحن ففي فسحة من البحث في ذلك لما قلنا من عدم وجوب الكفارة اصلا.

***

[مسئلة 12: اذا وطأها بتخيل أنّها أمته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا وطأها بتخيل أنّها أمته فبانت زوجته عليه كفارة دينار و بالعكس كفارة الامداد كما اذا اعتقد كونها في أوّل الحيض فبأن الوسط او الاخر او العكس فالمناط الواقع.

(3)

أقول بناء على وجوب الكفارة فما قاله المؤلف رحمه اللّه في محلّه لانّ الاحكام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 107

الوضعية تترتب على الواقع و مناطها الواقع.

***

[مسئلة 13: اذا وطأها بتخيل أنّها فى الحيض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا وطأها بتخيل أنّها فى الحيض فبأن الخلاف لا شي ء عليه.

(1)

أقول لعدم صدور موجب الكفارة على القول بالوجوب من الواطئ.

***

[مسئلة 14: لا تسقط الكفارة بالعجز عنها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: لا تسقط الكفارة بالعجز عنها فمتى تيسرت وجبت و الاحوط الاستغفار مع العجز بدلا عنها ما دام العجز.

(2)

أقول الكلام في هذه المسألة مبنى على وجوب الكفارة لكن بعد ما أمضينا الكلام في عدم وجوبها فلا مورد للبحث في هذه المسألة.

***

[مسئلة 15: اذا اتفق حيضها حال المقاربة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا اتفق حيضها حال المقاربة و تعمّد فى عدم الاخراج وجبت الكفارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 108

أقول كلام المؤلف رحمه اللّه تمام على مبناه.

***

[مسئلة 16: اذا اخبرت بالحيض او عدمه يسمع]

(1) قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: اذا اخبرت بالحيض او عدمه يسمع قولها فاذا وطأها بعد أخبارها بالحيض وجبت الكفارة الّا اذا علم كذبها بل لا يبعد سماع قولها في كونه أوّله او وسطه او آخره.

(2)

أقول امّا سماع قولها في أصل الحيض و عدمه فلصحيح زرارة و معتبرته كما قلنا في مسئلة 4 و ظاهرهما سماعه مطلقا سواء كانت متهمة او غير متهمة.

حيث قال فى الاوّل قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول العدة و الحيض الى النساء «1» و في الثاني عن ابي جعفر عليه السّلام قال العدّة و الحيض للنساء اذا ادّعت صدقت. «2»

و لم يقيد سماع قولها بعدم التهمة لكن حيث نقل صاحب الوسائل رواية بنقلين:

الاوّل عن اسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام أن أمير المؤمنين عليه السّلام قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال كلّفوا نسوة من بطانتها أن حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت فان شهدن صدقت و ألّا فهي كاذبة «3».

و الثاني عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام «4» قد يقال بعدم قبول قولها في

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 47 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 47 من ابواب الحيض من الوسائل.

(4) الرواية 37 من الباب 24 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 109

صورة الاتهام

لاجل هذه الرواية لكن حيث يكون موردها الدعوى البعيدة عن المتعارف فالتعدي عن موردها الى مورد الاتهام مشكل كما قلنا في مسئلة 4 لكن بناء على دلالتها و حملها على صورة الاتهام تكون مقيدة لصحيح زرارة و معتبرته فلا يسمع قول المرأة في صورة الاتهام.

و أمّا سماع قولها في كونها في أوّل الحيض او وسطه او آخره لانّ الشارع جعل قولها في أصل الحيض و عدمه حجة و أمارة و لوازم الامارة حجة مثل مدلولها.

***

[مسئلة 17: يجوز اعطاء قيمة الدينار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: يجوز اعطاء قيمة الدينار و المناط قيمة وقت الاداء.

(1)

أقول لانّ النظر في هذه الموارد الى صرف المالية و القيمة و لا نظر الى ما يعطي من الدرهم و الدينار و أمّا لزوم اعطاء قيمة وقت الاداء لانّ الذمّة مشغولة بالقيمة في وقت الاداء لانّ له اعطاء نفس الدينار و يكون كافيا سواء زادت قيمته او نقصت و في مقام الاداء يجوز اداء القيمة فقهرا لا بدّ من اعطاء قيمة يوم الاداء.

***

[مسئلة 18: الاحوط اعطاء كفارة الامداد لثلاثة مساكين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الاحوط اعطاء كفارة الامداد لثلاثة مساكين و أما كفارة الدينار فيجوز اعطاؤها لمسكين واحد و الاحوط صرفها على ستة او سبعة مساكين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 110

أقول بناء على ما اخترنا من عدم وجوب الكفارة في وطى الحائض و قلنا بأن الاحوط الاستحبابي هو إعطاء دينار في كلّ وطى في كلّ يوم من الأيّام و حيث انّه لا تعرض في الادلّة لاعطائها لواحد او اكثر فيكون الواطي مخيّرا في اعطائه بواحد او اكثر.

***

[مسئلة 19: اذا وطأها في الثلث الاوّل و الثاني و الثالث]

(1) قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: اذا وطأها في الثلث الاوّل و الثاني و الثالث فعليه الدينار و نصفه و ربعه و اذا كرّر الوطء في كلّ ثلث فان كان بعد التكفير وجب التكرار و الّا فكذلك أيضا على الاحوط.

(2)

أقول بناء على مختارنا من الاستحباب في الكفارة في وطى الحائض لا فرق في استحبابها بين التكرار و غيره و في فرض التكرار لا فرق أيضا بين اداء الكفارة قبل الوطي الثاني و عدمه لانّ ظاهر ادلّة الباب كون كل وطى سببا مستقلا للكفارة.

***

[مسئلة 20: الحق بعضهم النفساء بالحائض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: الحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب الكفارة و لا دليل عليه نعم لا اشكال في حرمة وطئها.

(3)

أقول بناء على القول بوجوب الكفارة في وطى الحائض لا وجه لالحاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 111

النفساء بالحائض لانّ الدليل مختص بالحائض و أمّا حرمة وطيها فيأتي الكلام فيه في محلّه إن شاء اللّه.

***

[التاسع: بطلان طلاقها و ظهارها]
اشارة

التاسع: بطلان طلاقها و ظهارها اذا كانت مدخولة بها و لو دبرا و كان زوجها حاضرا او في حكم الحاضر و لم تكن حاملا فلو لم تكن مدخولا بها او كان زوجها غائبا او في حكم الغائب بان لم تكن متمكنا من استعلام حالها او كانت حاملا يصح طلاقها و المراد بكونه في حكم الحاضر ان يكون مع غيبته متمكنا من استعلام حالها.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه فى الحكم التاسع تمام كلّه أمّا كون الطلاق و الظهار مشروطين بالطهارة و خلوها عن دم الحيض فلموثق اليسع عن ابي جعفر عليه السّلام لاطلاق الّا على السنة و لا طلاق الّا على طهر من غير جماع «1» و لصحيح زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام كيف الظهار فقال عليه السّلام يقول الرجل لامرأته و هي طاهر من غير جماع أنت على حرام كظهر أمّي و هو يريد بذلك الظهار «2» و غيرهما من النصوص الدالّة على اشتراطهما بالطهارة و خلوها من الحيض مضافا الى دعوى الاجماع على ذلك في الموردين.

و أمّا اعتبار اشتراط الطهر فى الطلاق و الظهار في صورة كونها مدخولا بها

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 9 من ابواب الطلاق من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الظهار من الوسائل.

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 112

فلرواية اسماعيل الجعفي عن ابي جعفر عليه السّلام قال خمس يطلّقن على كلّ حال الحامل المتبيّن حملها و الّتي لم يدخل بها زوجها و الغائب عنها زوجها و الّتي لم تحض و الّتي قد جلست عن المحيض. «1»

و رواية 3 و 4 و 5 من هذا الباب و لرواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث أنّه سأله كيف الظهار فقال يقول الرجل لامرأته و هي طاهر من غير جماع أنت على حرام مثل ظهر أمّي و هو يريد الظهار. «2»

و رواية 1 و 3 و 4 من هذا الباب و يستفاد من المرسل المروي في الوسائل و هو الرواية الثالثة من هذا الباب كون حكم الظهار في تمام احكامه مثل الطلاق كما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه «3» من كون المرسل معتضدا بفتوى الاصحاب و اجماعهم.

و أمّا عدم الفرق فى الدخول بين الدبر و القبل و كون الوطي فى الدبر كاف في عدم صحّة الطلاق حال الحيض فلا طلاق رواية اسماعيل الجعفي حيث قال فيها (و الّتي لم يدخل بها زوجها) و الدخول مطلق يشمل القبل و الدبر و يكون الدبر أحد المأتيين على ما في رواية حفص بن سوقه عمّن أخبره عن الصادق عليه السّلام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال عليه السّلام هو أحد المأتيين فيه الغسل. «4»

و لصدق الدخول و المواقعة على الوطي فى الدبر قال صاحب الجواهر لما عرفته غير مرّة من أنّه لا خلاف في تحقّق الدخول بالوطء دبرا في كلّ ما جعل عنوانا له من الاحكام «5».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 25 من

ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب كتاب الظهار من الوسائل.

(3) جواهر الكلام، ج 33، ص 123.

(4) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(5) جواهر الكلام، ج 33، ص 127.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 113

و أمّا بطلان الطلاق في صورة حضور الزوج في حال الحيض فأيضا لرواية اسماعيل الجعفي المتقدّمة.

و كذا لو كان الزوج في حكم الحاضر و المراد منه كون الزوج مع انّه غائب يتمكّن من استعلام حال زوجته يكون الطلاق في حال الحيض باطلا لانّه لا تشمله الادلّة الدالّة على صحّة الطلاق في حال الحيض لانّها تشمل صورة عدم امكان استعلام الزوج عن حيض الزوجة.

و المراد من كون الزوج في حكم الغائب أنّه مع كونه حاضرا في بلد الزوجة لا يتمكّن من استعلام حالها و في صورة كون الزوج غائبا او في حكم الغائب يصح طلاقها لرواية عبد الرحمن بن حجاج قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها (أهله) و هي في منزل أهلها (أهله) و قد أراد أن يطلّقها و ليس يصل إليها فيعلم طمثها اذا طمثت و لا يعلم بطهرها اذا طهرت قال فقال هذا مثل الغائب عن أهله يطلّق بالأهلّة و الشهور. «1»

و امّا صحّة الطلاق في صورة كون الزوجة حاملا في حال الحيض فلعد الروايات الحامل فيمن تطلق على كل حال مثل رواية اسماعيل الجعفي و غيرها فارجع باب 25 من ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه الرواية 1 و 3 و 4 و 5.

***

[مسئلة 21: اذا كان الزوج غائبا و وكّل حاضرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: اذا كان الزوج غائبا و وكّل حاضرا متمكنّا من استعلام حالها

لا يجوز له طلاقها في حال الحيض.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 28 من ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 114

(1)

أقول لكون أمر الطلاق بيد الوكيل و على الفرض هو متمكّن من استعلام حال المرأة الّتي يريد طلاقها فعليه الاستعلام من حالها و احراز شرط الطلاق و هو خلو المرأة من حدث الحيض.

***

[مسئلة 22: لو طلقها باعتقاد أنّها طاهرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: لو طلقها باعتقاد أنّها طاهرة فبانت حائضا بطل و بالعكس صحيح.

(2)

أقول لانّ الطهارة عن الحيض شرط واقعي لصحّة الطلاق فمع انكشاف كونه بلا شرط صار باطلا و أمّا مع اعتقاد أنّها حائض و طلقها ثمّ بان أنّها طاهرة صح لوجود الشرط و هو خلوها عن حدث الحيض و العلم و الجهل بالشرط لا يؤثر ان في الصحّة و البطلان و الملاك وجود الشرط و عدمه.

***

[مسئلة 23: لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين ان يكون حيضها وجدانيا او بالرجوع الى التمييز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين ان يكون حيضها وجدانيا او بالرجوع الى التمييز او التخيير بين الاعداد المذكورة سابقا و لو طلقها في صورة تخييرها قبل اختيارها فاختارت التحيض بطل و لو اختارت عدمه صحّ و لو ماتت قبل الاختيار بطل أيضا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 115

(1)

أقول لانّ المرأة في كلّ قسم من هذه الاقسام محكومة شرعا بكونها حائضا و الطلاق في أيّام الحيض باطل لما عرفت من كون شرط الطلاق خلو المرأة عن حدث الحيض و في صورة كون اختيار أيام الحيض بيدها و اختارت لحيضها أيّاما لم يقع الطلاق فيها صحّ الطلاق لحصول شرطه و هو الطهارة لانّ الامر بيدها و على الفرض اختار ايّاما الّتي لم يقع الطلاق فيها.

و امّا لو ماتت قبل اختيارها بطل الطلاق لفقدانه للشرط و هو الطهارة لانّ الطهارة متوقفة على اختيارها و على الفرض ماتت قبل الاختيار فوقع الطلاق بلا شرط فهو باطل.

***

[مسئلة 24: احكام الحائض مختصة بحال الحيض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: بطلان الطلاق و الظهار و حرمة الوطء و وجوب الكفارة مختصة بحال الحيض فلو طهرت و لم تغتسل لا تترتب هذه الاحكام فيصح طلاقها و ظهارها و يجوز وطؤها و لا كفارة فيه و امّا الاحكام الاخر المذكورة فهي ثابتة ما لم تغتسل.

(2)

أقول قد ذكر السيد المؤلف رحمه اللّه تسعة احكام للحائض.

الاوّل حرمة العبادات المشروطة بالطهارة.

الثاني حرمة مسّ اسم اللّه تعالى و صفاته و مسّ اسماء الأنبياء عليهم السّلام و الائمة عليهم السّلام، و مس كتابة القرآن.

الثالث: قراءة آيات السجدة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 116

الرابع: اللبث في المساجد.

الخامس: وضع شي ء فى المساجد.

السادس: الاجتياز من المسجدين.

السابع: وطؤها

في القبل.

الثامن: وجوب الكفارة بوطئها.

التاسع: بطلان طلاقها و ظهارها اذا كانت مدخولة و لو دبرا و كان زوجها حاضرا او فى حكم الحاضر و لم تكن حاملا و قال رحمه اللّه في هذه المسألة ثلاثة من هذه الاحكام و هي حرمة وطؤها و وجوب الكفارة فيه و بطلان طلاقها و ظهارها مختصة بحال الحيض و وجود الدم و امّا لو طهرت و انقطع الدم و لو لم تغتسل لا تترتب هذه الاحكام بل يجوز وطؤها و لا كفارة فيه و يصح طلاقها و ظهارها و امّا الاحكام الستة الاخر فهي ثابتة ما لم تغتسل فاذا اغتسلت رفعت الاحكام امّا كون الطلاق و الظهار لا يتوقف ترتبهما على الغسل بل صرف النقاء كاف في ترتبهما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه نعم المنساق من النص و الفتوى ذات الدمين فعلا او حكما بخلاف من نقت و لمّا تغتسل من الحدث فلا بأس بطلاقها لاطلاق الادلّة. «1»

المراد من النصّ النصوص الواردة في طلاق الحائض و النفساء فارجع الباب 8 من ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه الرواية 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 9 و 10 مضافا الى دعوى الاجماع بقسميه عليه و أما جواز الوطء بعد النقاء قبل الغسل فلما يأتي في مسئلة 28 من عدم توقفه على الغسل.

و امّا عدم وجوب الكفارة على الوطء فعلى مختارنا من عدم وجوبها فى

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 32، ص 39.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 117

الوطي المحرّم فلا مورد للبحث عنه مع جواز الوطي و أمّا بناء على وجوبها فهو في صورة الّتي يكون الوطي حراما و أمّا بعد جوازه فأيضا لا مورد

لوجوبها.

و امّا كون الاحكام الستّة الاخر متوقفة على الغسل فالظاهر من الادلّة كونها مترتبة على حدث الحيض لا على وجود دم الحيض كما قلنا في الجنابة بانّه ما لم يغتسل الجنب عن حدث الجنابة لا يجوز لها الدخول في المسجدين حتّى اجتيازا و عدم صحّة الصوم و الصّلاة و اللبث فى المساجد فقد تعرضنا فى الجزء السابع من كتابنا هذا فى فصل ما يحرم على الجنب ص 94 الى 122 في بحث الجنابة من كون الحيض و النفاس في الحكم مثل الجنابة و ذكرنا هناك بان الظاهر من الادلّة كون الاحكام المذكورة متوقفة على حدث الجنابة و في بعض الروايات جمع بين الحائض و الجنب مثل قوله الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد الّا مجتازين. «1»

و مثل ما رواه عبد اللّه بن سنان عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم و لكن لا يضعان فى المسجد شيئا. «2»

و روى زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال قلت له الحائض و الجنب هل يقرآن من القرآن شيئا قال نعم ما شاء اللّه الّا السجدة و يذكر ان اللّه على كل حال. «3»

و غيرها من الروايات فبعد كون الحكم فى الجنابة مسلّما فبقرينة السياق نقول هكذا فى الحيض.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 118

[العاشر: وجوب الغسل بعد انقطاع الحيض]
اشارة

قال السيد المؤلف رحمه اللّه

العاشر: وجوب الغسل بعد انقطاع الحيض للاعمال الواجبة المشروطة بالطهارة كالصّلاة و الطواف و الصوم و استحبابه للاعمال الّتي يستحبّ لها

الطهارة و شرطيته للاعمال الغير الواجبة الّتي يشترط فيها الطهارة.

(1)

أقول لان الطهارة شرط في صحّة العبادات سواء كانت واجبة او مستحبة و كذا شرط في الاعمال الغير الواجبة الّتي يشترط فيها الطهارة مثل مسّ الكتاب.

***

[مسئلة 25: غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب نفسى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب نفسى و كيفيته مثل غسل الجنابة في الترتيب و الارتماس و غيرهما ممّا مرّ و الفرق أنّ غسل الجنابة لا يحتاج الى الوضوء بخلافه فانّه يجب معه الوضوء قبله او بعده او بينه اذا كان ترتيبيا و الافضل في جميع الاغسال جعل الوضوء قبلها.

(2)

أقول بعد ما امضينا الكلام في الجنابة من عدم كونه واجبا نفسيا و عدم كونه مستحبا نفسيا في الجزء السابع من كتابنا هذا ص 170 فلا مورد للبحث عن كون غسل الحيض مثل غسل الجنابة مستحب نفسى.

و امّا كيفيّته مثل غسل الجنابة يقع ترتيبا و ارتماسا مضافا الى دعوى الاجماع و الاتفاق عليه يمكن أن يستدلّ عليه بأنّه بعد كون الغسل من الماهيات الّتي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 119

اخترعها الشارع و ان كان مورد مسلّمه هو غسل الجنابة لكن بعد اختراعه ذلك اذا أوجب الغسل في غير مورد الجنابة و لم يبين ما هو مراده من الغسل من حيث كيفيته مثلا قال اغسل للجمعة و للحيض او غيرهما و لم يبيّن الكيفيّة لا بدّ من حمله على الغسل المجعول منه في غسل الجنابة و لا مجال للرجوع في فهم موضوع حكمه الى العرف بل يقال انّه بعد كون مخترع له في الغسل في مورد و لم يبيّن مورد حكمه في مورد آخر فالاطلاق المقامي يقتضي حمل كلامه على مخترعه لانّه لو أوكل الشارع

الامر الى ما اخترعه من الغسل و لم يبيّن مراده و أطلق كلامه ما أخلّ بالحكمة و لا بدّ من تنزيل كلامه على ما اخترعه و يمكن ان يستشهد على كون كيفية غسل الحيض كيفية غسل الجنابة بما رواه محمّد بن على الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال غسل الجنابة و الحيض واحد قال و سألته عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنب قال نعم. «1»

و امّا وجوب الوضوء معه فكما قلنا فى بحث الجنابة بعد البحث مفصلا و ذكر الأقوال و الأخبار و بيان التعارض بينها و ذكر المرجحات من الشهرة الفتوائية او الروائية ان مختارنا كون الاحوط وجوبا هو الوضوء مع الاغسال غير غسل الجنابة فارجع الجزء السابع من هذا الكتاب ص 239 الى 245.

امّا الكلام في كون الوضوء قبلها او يكون مخيرا في اتيانه فكما قلنا هناك لم أر وجها يمكن به الإفتاء بلزوم تقديم الوضوء نعم الاحوط التقديم.

***

[مسئلة 26: اذا اغتسلت جاز لها كل ما حرّم عليها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: اذا اغتسلت جاز لها كل ما حرّم عليها

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 22 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 120

بسبب الحيض و ان لم تتوضأ فالوضوء ليس شرطا فى صحّة الغسل بل يجب لما يشترط به كالصّلاة و نحوها.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام لانّ مقتضى حدث الحيض ليس الّا وجوب الغسل عليها و به ترتفع ما يترتب على حدث الحيض و لا يشرط الوضوء في صحّة غسل الحيض بل الوضوء شرط لما يشرط به.

فاذا أرادت المرأة الطواف او الصّلاة او مسّ كتابة القرآن و غيرها ممّا يشترط فيه الطهارة وجب عليها الوضوء بعد الغسل من الحيض لاجل هذه

الاعمال.

***

[مسئلة 27: اذا تعذر الغسل تتيمم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: اذا تعذر الغسل تتيمم بدلا عنه و ان تعذر الوضوء أيضا تتيمم و ان كان الماء بقدر أحدهما تقدم الغسل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 8، ص: 120

(2)

أقول الكلام كل الكلام ما قاله المؤلف رحمه اللّه و سيأتي البحث عنه مفصلا في بحث التيمم إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 28: جواز وطئها لا يتوقّف على الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: جواز وطئها لا يتوقّف على الغسل لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 121

يكره قبله و لا يجب غسل فرجها أيضا قبل الوطء و أن كان أحوط بل الاحوط ترك الوطء قبل الغسل.

(1)

أقول قد اختلفت الاخبار فى حكم هذه المسألة و الجمع العرفي بينها يقتضي حمل الاخبار المانعة على الكراهة قبل الغسل او قبل غسل الفرج.

و امّا الآية الشريفة فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ «1» سواء كانت القراءة يطهرن بالتخفيف او يطهرن بالتشديد كما انّ التشديد أقوى الاحتماليين لقوله تعالى بعد ذلك فاذا تطهّرن بالتشديد لكن مع كون قابلية القراءة بالتشديد للاحتمالين أعنى احتمال كون المراد التطهير بالغسل او احتمال التطهير بغسل الفرج لا يستفاد من الآية ازيد ممّا قلنا فى الجمع العرفي بين الاخبار لكن مع ذلك الاحوط ترك الوطي قبل الغسل.

***

[مسئلة 29: ماء غسل الزوجة و الامة على الزوج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: ماء غسل الزوجة و الامة على الزوج و السيد على الاقوى.

(2)

أقول لشمول اطلاق ادلّة وجوب النفقة على الزوج و السيّد لهذا المورد.

***

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 222.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 122

[مسئلة 30: اذا تيمّمت بدل الغسل ثمّ احدثت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: اذا تيمّمت بدل الغسل ثمّ احدثت بالاصغر لا يبطل تيممها بل هو باق الى أن تتمكن من الغسل.

(1)

أقول يأتى حكم هذه المسألة في بحث التيمّم إن شاء اللّه.

***

[الحادي عشر: وجوب قضاء ما فات فى حال الحيض من صوم]
اشارة

قال السيد المؤلف رحمه اللّه

الحادي عشر: وجوب قضاء ما فات فى حال الحيض من صوم شهر رمضان و غيره من الصّيام الواجب و امّا الصّلاة اليوميّة فليس عليها قضاؤها بخلاف غير اليوميّة مثل الطواف و النذر المعين و صلاة الآيات فانّه يجب قضاؤها على الاحوط بل الاقوى.

(2)

أقول امّا وجوب قضاء صوم شهر رمضان فلصحيح زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قضاء الحائض الصّلاة قال ليس عليها ان تقضى الصّلاة و عليه ان تقضى صوم شهر رمضان. «1»

و رواية 3 و 4 من هذا الباب مضافا الى دعوى الاجماع عليه و امّا وجوب قضاء غير صوم شهر رمضان فان كان قضاء شهر رمضان بانّ كانت صائمة لاداء قضاء شهر رمضان فصارت حائضا فوجب عليها قضائه لاقتضاء الامر بقضاء الصوم له و امّا صوم الواجب بالنذر فان كان مطلقا بان نذرت صوم يوم غير معين

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 123

فوجب عليها اتيانه لبقاء وقته و لا يصير قضاء لعدم مضى وقته.

و ان كان موقتا و معينا فليس عليها قضائه لكشف حدث الحيض عن عدم انعقاد نذرها لعدم قدرتها على المنذور في وقته المعين.

و امّا صوم كفّارة افطار شهر رمضان فهو في حكم صوم شهر رمضان وجب عليها لعدم تمكّنه من صوم شهرين متابعين.

و امّا عدم وجوب قضاء الصلوات اليوميّة عليها مضافا الى دعوى الاجماع و عدم الخلاف و

عدم نقل خلاف من المسلمين تدلّ عليه النصوص الوردة في هذا الباب اعنى باب 41 مثل صحيح زرارة المتقدّمة «1» و رواية عبيد اللّه بن على الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال كن نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يقضين الصّلاة اذا حضن «2» و مصحح الحسن بن راشد قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الحائض تقضى الصّلاة قال لا «3»، و غيرها.

و امّا غير اليوميّة ممّا ليس لها وقت معين مثل صلاة الطواف فوجب عليها أدائها بعد طهارتها لانّها لا تصير قضاء و امّا الصّلاة المنذورة فان كانت معينة بالاصل مثل ما لو نذرت ركعتين فى اليوم المعين فصارت حائضا في ذلك اليوم فليس عليها القضاء لكشف حدث الحيض عن عدم انعقاد نذرها.

و امّا لو كان نذرها معينا في وقت موسع مثل ما لو نذرت اداء نوافل ثلاثة ايّام من شهر رجب المرجب فأخرت ادائها حتّى بقى من الشهر ثلاثة ايّام فصار حائضا فيجب عليها القضاء على الاحوط بل الاقوى لانّ تأخيرها صار سببا لتعين نذرها فى الثلاثة الباقية من الشهر و لم يكن بالاصل معيّن في هذه الثلاثة حتّى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 41 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 41 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 124

نكشف من حدث الحيض عدم انعقاده.

و امّا صلاة الآيات الّتي لا تصير قضاء مثل الصّلاة الزلزال فبعد طهارتها عن الحيض يأتي بها لعدم مضى وقتها.

و امّا مثل الصّلاة الكسوفين الّتي لها وقت و كانت بعد الوقت تصير قضاء

و كانت في وقتها حائضا فالاقوى عدم وجوب قضائها على الحائض بعد طهارتها لانّها في وقتها لم تكن مكلّفة بادائها حتّى صارت قضاء فتجب عليها قضائها و لشمول بعض ما دلّ على عدم وجوب القضاء على الحائض و ان كان القضاء أحوط.

***

[مسئلة 31: اذا حاضت بعد دخول الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: اذا حاضت بعد دخول الوقت فان كان مضى منه مقدار اداء اقل الواجب من صلاتها بحسب حالها من السرعة و البطء و الصحّة و المرض و السفر و الحظر و تحصيل الشرائط بحسب تكليفها الفعلى من الوضوء أو الغسل او التيمم و غيرها من سائر الشرائط الغير الحاصلة و لم تصلّ وجب عليها قضاء تلك الصّلاة كما أنّها لو علمت بمفاجأة الحيض وجب عليها المبادرة الى الصّلاة و في مواطن التخيير يكفى سعة مقدار القصر و لو أدركت من الوقت أقل ما ذكرنا لا يجب عليها القضاء و ان كان الاحوط القضاء اذا ادركت الصّلاة مع الطهارة و ان لم تدرك سائر الشرائط بل و لو ادركت اكثر الصّلاة بل الاحوط قضاء الصّلاة اذا حاضت بعد الوقت مطلقا و ان لم تدرك شيئا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 125

من الصّلاة.

(1)

أقول امّا وجه وجوب القضاء مع سعة الوقت لاداء الصّلاة مع الشرائط و تركها فواضح لفعليّة التكليف عليها في الوقت و فاتت عنها الصّلاة في الوقت فيجب القضاء.

و امّا في صورة علمها بمفاجأة الحيض فوجوب المبادرة الى الصّلاة عليها لمقتضى فعليه التكليف بالصّلاة.

و امّا كفاية درك مقدار صلاة القصر في مواطن التخيير لوجوب القضاء ان لم تأت بها في وقتها لفعليّة التكليف بالصّلاة بهذا المقدار عليها فمع عدم الاتيان بها صارت قضاء فوجب عليها قضائها.

و لو لم

تدرك الوقت بمقدار اداء الصّلاة مع تمام شرائطها لا يجب قضاء الصّلاة عليها لانّه لم يجب عليها الصّلاة حتّى صارت قضاء بعدم فعلها فى الوقت و ان كان الاحوط القضاء عليها في صورة تمكّنها من الصّلاة فى الوقت مع الطهارة عن الحدث.

و امّا في صورة عدم درك الصّلاة في الوقت اصلا فعدم وجوب القضاء أوضح و لو ادركت اكثر الصّلاة في الوقت فالاحوط قضائها.

***

[مسئلة 32: اذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: اذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت فان ادركت من الوقت ركعة مع احراز الشرائط وجب عليها الاداء و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 126

ان تركت وجب قضاؤها و الّا فلا و ان كان الاحوط القضاء اذا ادركت ركعة مع الطهارة و ان لم تدرك سائر الشرائط بل الاحوط القضاء اذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقا و اذا ادركت ركعة مع التيمم لا يكفى في الوجوب الّا اذا كان وظيفتها التيمم مع قطع النظر عن ضيق الوقت و ان كان الاحوط الاتيان مع التيمم و تماميّة الركعة بتماميّة الذكر من السجدة الثانية لا برفع الرأس منها.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: لو أدركت المرأة مقدار ركعة من الوقت مع احراز الشرائط المعتبرة فى الصّلاة وجب عليها اداء الصّلاة و ان لم تصلّ و تركتها وجب عليها قضائها لدلالة قاعدة من ادرك عليها.

المسألة الثانية: لو ادركت مقدار ركعة من الوقت مع الطهارة الحدثية فقط من غير سائر الشرائط فالاحوط القضاء عليها.

المسألة الثالثة: اذا طهرت و يسعه الوقت لا درك ركعة من الصّلاة مطلقا و ان لم تدرك شيئا من الشرائط فالاقوى عدم الوجوب و ان كان الاحوط.

المسألة الرابعة: اذا ادركت ركعة من الوقت مع التيمم و

كان التيمم وظيفته مع قطع النظر عن ضيق الوقت وجب عليها اتيان الصّلاة و ان لم تصلّ وجب عليها القضاء و ان كان الاحوط الاتيان مع التيمم في غير هذه الصورة أيضا.

المسألة الخامسة: يتحقّق درك الركعة باتمام ذكر السجدة الثانية لا برفع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 127

الرأس عن السجدة لصدق الركعة بنفس تماميّة الذكر فعلى هذا لو طهرت الحائض و بقى من الوقت مقدار أداء ركعة جامعة لشرائط الصّلاة في آخر الوقت و ان خرج الوقت قبل رفع الرأس عن السجدة الثانية وجبت عليها اتيان الصّلاة و ان لم تصلّ وجب عليها القضاء.

***

[مسئلة 33: اذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: اذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت يكفى في وجوب المبادرة و وجوب القضاء مضى مقدار أداء الصّلاة قبل حدوث الحيض فاعتبار مضى مقدار تحصيل الشرائط انّما هو على فرض عدم حصولها.

(1)

أقول كلام المؤلف رحمه اللّه تمام و وجهه ظاهر.

***

[مسئلة 34: اذا ظنت ضيق الوقت عن ادراك الركعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: اذا ظنت ضيق الوقت عن ادراك الركعة فتركت ثمّ بان السعة وجب عليها القضاء.

(2)

أقول لانّها مكلّفة بالصّلاة و لا اعتبار بالظّنّ شرعا فبعد تبيّن الامر عليها القضاء لعدم اتيان المأمور به في وقتها و فات عنها و القضاء مرتب على الفوت.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 128

[مسئلة 35: اذا شكّت في سعة الوقت و عدمها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: اذا شكّت في سعة الوقت و عدمها وجبت المبادرة.

(1)

أقول لانّها مكلّفة بالصّلاة و شكّها بسعة الوقت ليس بحجّة شرعا و لا يترتب عليه شي ء و فات عنها الصّلاة فوجب عليها القضاء.

***

[مسئلة 36: اذا علمت أوّل الوقت بمفاجأة الحيض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: اذا علمت أوّل الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة بل و ان شكّت على الاحوط و ان لم تبادر وجب عليها القضاء الّا اذا تبيّن عدم السعة.

(2)

أقول امّا في صورة علمها بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة لفعليّة التكليف عليها بعلمها.

و امّا في صورة الشكّ بالمفاجاة تجب المبادرة لانّ الشّك ليس بحجّة شرعا فلا يترتب عليه شي ء فاذا لم تبادر بالصّلاة وجب عليها القضاء لفعلية التكليف عليها بالصّلاة فى الوقت و تركت المأمور به فوجب عليها قضائها الّا اذا انكشف عدم سعة الوقت لاتيان الصّلاة فلا يجب القضاء.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 129

[مسئلة 37: اذا طهرت و لها وقت لاحدى الصلاتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: اذا طهرت و لها وقت لاحدى الصلاتين صلّت الثانية و اذا كان بقدر خمس ركعات صلّتهما.

(1)

أقول امّا اتيان الصّلاة الثانية أعني العصر او العشاء فلانّ الوقت مختصّ بها.

و أمّا اذا ادركت مقدار خمس ركعات من الوقت وجب عليها اتيانهما لقاعدة من ادرك بالنسبة الى الصّلاة الثانية و لو تركهما وجب عليها قضائهما.

***

[مسئلة 38: فى العشاءين اذا ادركت أربع ركعات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: فى العشاءين اذا ادركت أربع ركعات صلّت العشاء فقط الّا اذا كانت مسافرة و لو في مواطن التخيير فليس لها أن تختار التمام و تترك المغرب.

(2)

أقول امّا في صورة درك المرأة اربع ركعات وجبت العشاء لانّ الوقت مختص بها و اتيان المغرب موجب لبطلانه لانّه وقع في غير وقته في هذا الوقت و امّا في صورة المسافرة مع درك مقدار أربع ركعات ببركة قاعدة من أدرك تدرك وقت كلتا الصّلاتين.

و امّا في مواطن التخيير فليس لها أن تختار التمام لانّ اختيارها التمام موجب لترك صلاة المغرب في وقتها.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 130

[مسئلة 39: اذا اعتقدت السعة للصّلاتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: اذا اعتقدت السعة للصّلاتين فتبيّن عدمها و ان وظيفتها اتيان الثانية وجب عليها قضائها و اذا قدّمت الثانية باعتقاد الضيق فبانت السعة صحّت و وجب عليها اتيان الاولى بعدها و ان كان التبين بعد خروج الوقت وجب قضائها.

(1)

أقول امّا وجوب القضاء عليها في الصورة الاولى فلانّ الوقت لصلاة الثانية فما أتت بقصد الاولى وقعت في وقت المختص بالثانية فتكون باطلة و الثانية وقعت في غير الوقت فوجب عليها قضائها.

و أمّا اذا قدّمت الثانية باعتقاد الضيق ثمّ بانت السعة وقعت الصّلاة صحيحة و وجب عليها اتيان الاولى لانّ الترتيب ذكرى بين الصّلاتين في هذا المورد فتشمله حديث لا تعاد.

و امّا لو تبيّن بعد خروج الوقت سعة الوقت وجب قضائها لعدم اتيان الصّلاة حتّى مضى وقتها فعليها القضاء.

***

[مسئلة 40: اذا طهرت و لها من الوقت مقدار اداء صلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: اذا طهرت و لها من الوقت مقدار اداء صلاة واحدة و المفروض أن القبلة مشتبهة تأتي بها مخيرة بين الجهات و اذا كان مقدار صلاتين تأتي بهما كذلك.

(2)

أقول أمّا اتيان صلاة واحدة الى جهة من الجهات الاربعة مسلم و يجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 131

قضاء ثلاث صلوات الى ثلاث جهات لانّ المكلّف به في فرض اشتباه القبلة الصّلاة الى الجهات الاربعة و على الفرض لم يأت الّا واحدة منها فوجب عليها اتيان ثلاثة اخر الى الجهات الاخر.

و هكذا في صورة سعة الوقت لاتيان صلاتين الى جهتين فوجب عليها بعد الوقت اتيان صلاتين الى الجهتين اللّتين لم تصلّ إليهما.

***

[مسئلة 41: يستحبّ للحائض أن تتنظّف في أوقات الصّلوات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: يستحبّ للحائض أن تتنظّف و تبدّل القطنة و الخرقة و تتوضأ في أوقات الصّلوات اليوميّة بل كل صلاة موقتة و تقعد في مصلاها مستقبلة مشغولة بالتسبيح و التهليل و التحميد و الصّلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قراءة القرآن و ان كانت مكروهة في غير هذا الوقت و الاولى اختيار التسبيحات الاربع و ان لم تتمكّن من الوضوء تتيمم بدلا عنه و الاولى عدم الفصل بين الوضوء او التيمم و بين الاشتغال بالمذكورات و لا يبعد بدلية القيام و ان كانت تتمكن من الجلوس و الظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 40 تجد الروايات الدالّة على الاحكام المذكورة في هذه المسألة بعنوان الاحكام المستحبة نذكر بعضها مثل رواية زيد الشحام قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ينبغى للحائض ان تتوضأ عند وقت كلّ صلاة ثمّ تستقبل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 8، ص: 132

و تذكر اللّه مقدار ما كانت تصلّى. «1»

و رواية معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال تتوضأ الحائض اذا أرادت أن يأكل و اذا كان وقت الصّلاة توضأت و استقبلت القبلة و هلّلت و كبّرت و تلت القرآن و ذكرت اللّه عزّ و جلّ. «2»

و رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال و كنّ نساء النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يقضين الصّلاة اذا حضن و لكن يتحشين حين يدخل وقت الصّلاة و يتوضين ثمّ يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن اللّه عزّ و جلّ. «3»

***

[مسئلة 42: يكره للحائض الخضاب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 42: يكره للحائض الخضاب بالحناء او غيرها و قراءة القرآن و لو أقلّ من سبع آيات و حمله و لمس هامشه و ما بين سطوره ان لم تمس الخط و الاحرم.

(1)

أقول أمّا كراهة الخضاب بالحناء و غيرها على المرأة الحائض للجمع بين الطائفتين من الاخبار حيث دلّت طائفة منها على الجواز مثل الرواية 1 و 2 و 6 من الباب 43.

و طائفة اخرى على المنع مثل رواية 7 و 8 و 3 و مقتضى الجمع بينهما حمل

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 133

النهى على الكراهة نذكر بعضهما و أمّا ما دلّت على الجواز رواية سهل بن اليسع عن أبيه قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة تختضب و هي حائض قال لا بأس. «1»

و رواية على بن أبي حمزة قال قلت

لابي ابراهيم عليه السّلام تختضب المرأة و هي طامت فقال نعم. «2»

امّا ما دلّت على الحرمة رواية عامر بن جذاعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول لا تختضب الحائض و لا الجنب «3».

و امّا كراهة قراءة القرآن عليها فمقتضى الجمع بين الروايات الدالّة على الجواز و الدالّة على المنع مثل رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث قال قلت له الحائض و الجنب هل يقرآن من القرآن شيئا قال نعم ما شاء اللّه الّا السجدة و يذكر اللّه على كل حال «4» و مثل رواية السكوني عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن على عليه السّلام قال سبعة لا يقرءون القرآن الراكع و الساجد و فى الكنيف و فى الحمام و الجنب و النفساء و الحائض «5».

حمل الاخبار المانعة على الكراهة.

و امّا كراهة لمس هامشه و ما بين سطوره ان لم تمس الخط فلرواية محمّد بن مسلم قال قال ابو جعفر عليه السّلام الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرأن من القرآن ما شاء الّا السجدة. «6»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 42 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 42 من ابواب الحيض من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 19 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(5) الرواية 1 من الباب 47 من ابواب قراءة القرآن من الوسائل.

(6) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 134

فانّها دلّت على الامر بانّ الحائض تفتح المصحف من وراء الثوب حين تريد قراءة القرآن و لكن ليس فيها ما يدلّ

على ان الامر بفتحه من وراء الثوب يكون لاجل حرمة مسّ اوراق المصحف بل ربّما يكون الامر بفتحه من وراء ثوبها حين قراءتها لاجل التحفظ من ان لا يصيب يدها او غيرها من أعضاء بدنها بكتابة القرآن و الأقرب هذا الاحتمال فيستفاد منها مع هذا الاحتمال عدم حرمة مسّ الجلد و هامشه و ما بين سطوره و كراهته لدعوى الاجماع.

***

[مسئلة 43: يستحب لها الاغسال المندوبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: يستحب لها الاغسال المندوبة كغسل الجمعة و الاحرام و التوبة و نحوها و امّا الاغسال الواجبة فذكروا عدم صحّتها منها و عدم ارتفاع الحدث مع الحيض و كذا الوضوءات المندوبة و بعضهم قال بصحّة غسل الجنابة دون غيرها.

و الاقوى صحّة الجميع و ارتفاع حدثها و ان كان حدث الحيض باقيا بل صحّة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث.

(1)

أقول امّا اتيان غسل الجمعة فالاحوط تركها لرواية محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة و تذكر اللّه قال أمّا الطهر فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 135

و لكنها توضأت في وقت الصّلاة ثمّ تستقبل القبلة و تذكر اللّه. «1»

و امّا الغسل للاحرام فيجوز لصحيح العيص أ تحرم المرأة و هي طامث قال عليه السّلام نعم تغتسل و تلبّى. «2» و كذا رواية 3 و 4 و 5 من الباب 48.

و امّا الاغسال الواجبة فالاحوط عدم صحّتها منها لدعوى الاجماع عليها و امّا غسل الجنابة دلّ موثق عمّار على الجواز و هي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثمّ تحيض قبل ان تغتسل قال ان شاءت ان تغتسل فعلت و ان لم تفعل فليس عليها شي ء فاذا

طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة. «3»

لكن يظهر من رواية يحيى الكاهلي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عدم الجواز حيث قال سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض و هي في المغتسل تغتسل او لا تغتسل قال قد جاءها ما يفسد الصّلاة فلا تغتسل. «4»

و مقتضى الجمع بينهما حمل النهي على الكراهة.

و امّا الوضوءات المندوبة غير الوضوء وقت الصّلاة الّذي دلّت الاخبار على استحبابها فالاحوط عدم صحّتها منها.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 22 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 48 من ابواب الاحرام من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 22 من ابواب الحيض من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 22 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 137

فصل: في الاستحاضة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 139

قوله رحمه اللّه

فصل فى الاستحاضة دم الاستحاضة من الاحداث الموجبة للوضوء و الغسل اذا خرج الى خارج الفرج و لو بمقدار رأس إبرة و يستمرّ حدثها ما دام فى الباطن باقيا بل الاحوط اجراء احكامها ان خرج من العرق المسمى بالعاذل الى قضاء الفرج و ان لم يخرج الى خارجه و هو في الاغلب أصفر بارد رقيق يخرج بغير قوة و لذع و حرقة بعكس الحيض و قد يكون بصفة الحيض و ليس لقليله و لا لكثيره حد و كلّ دم ليس من القرح او الجرح و لم يحكم بحيضيته فهو محكوم بالاستحاضة بل لو شكّ فيه و لم يعلم بالامارات كونه من غيرها يحكم عليه بها على الاحوط.

(1)

أقول في هذا الفصل مسائل:

المسألة الاولى: كون الاستحاضة من الاحداث الموجبة للوضوء و الغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 8، ص: 140

بتفصيل يأتي ان شاء اللّه.

المسألة الثانية: اذا خرج الدم خارج الفرج و لو بمقدار رأس أبرة يحكم على المرأة بكونها مستحاضة.

المسألة الثالثة: و يستمر حدثها ما دام في الباطن باقيا و كما قال السيّد المؤلّف رحمه اللّه الاحوط اجراء احكام الاستحاضة ان خرج من العرق المسمى بالعاذل الى قضاء الفرج و ان لم يخرج الى خارجه كما قلنا فى الحيض.

المسألة الرابعة: في علامات دم الاستحاضة و هي ان يكون فى الاغلب أصفر بارد رقيق بغير قوة و لذع و حرقة بعكس الحيض.

امّا كونه أصفر بارد فلرواية حفص بن البختري قال دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدّم فلا تدري أحيض هو او غيره قال فقال لها الى ان قام و دم الاستحاضة أصفر بارد. «1»

و امّا كونه رقيقا فلرواية على بن يقطين قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السّلام عن النفساء و كم يجب عليها ترك الصّلاة قال تدع الصّلاة ما دامت ترى الدم العبيط الى ثلاثين يوما فاذا رقّ و كانت صفرة اغتسلت و صلّت إن شاء اللّه. «2»

و امّا كونه بغير قوة و لذع و حرقة لكون هذه الصّفات علامات للحيض و خلافها علامات للاستحاضة كما دلّت عليها روايات التمييز. «3»

المسألة الخامسة: قد يكون بصفة الحيض كما تقدّم في بحث الحيض فيما اذا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 16 من الباب 3 من ابواب النفساء من الوسائل.

(3) الرواية 1 و 2 و 3 من الباب 3 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 141

تجاوز الدم عن العشرة مع كونها صاحبة

العادة تأخذ بالعادة و فيما زاد عن العادة و عن العشرة تجعله استحاضة و ان كان بصفة الحيض. «1»

المسألة السادسة: ليس لقليله و كثيره حدّ و ذلك لاطلاق الادلّة.

المسألة السابعة: و امّا كون الدم محكوما بالاستحاضة فيما اذا لم يكن من الفرح و الجرح و لم يكن محكوما بالحيض لانّ الدّم اذا لم يكن له علامات الحيض و العذرة و الجرح و القرح المذكورة فى الروايات فهو استحاضة.

المسألة الثامنة: قال المؤلّف رحمه اللّه بل لو شك فيه و لم يعلم بالامارات كونه من غيرها يحكم عليه بها على الاحوط.

أقول بعد فرض الشك لا بدّ و ان يكون الترديد بين الطرفين و حيث أن فى المورد طرفى الشكّ الحيض و الاستحاضة لانّه لا تدري أن هذا الدم دم حيض او دم الاستحاضة و لكل واحد منهما أثر فلا بدّ لها من الاحتياط بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة لانّها مع البناء على كونه استحاضة و اتيان أعمالها من الغسل و الوضوء لا يقين لها بفراغ الذمة و مع الاحتياط تتيقّن بفراغها.

***

[مسئلة 1: الاستحاضة ثلاثة أقسام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الاستحاضة ثلاثة أقسام قليلة و متوسطة و كثيرة.

فالاولى أن تتلوث القطنة بالدم من غير غمس فيها و حكمها

______________________________

(1) تقدم في فصل حكم تجاوز الدم عن العشرة، مسئلة 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 142

وجوب الوضوء لكلّ صلاة فريضة كانت او نافلة و تبديل القطنة او تطهيرها.

و الثانية أن يغمس الدم فى القطنة و لا يسيل الى خارجها من الخرقة و يكفى الغمس في بعض اطرافها و حكمها مضافا الى ما ذكر غسل قبل صلاة الغداة.

و الثالثة أن يسيل الدم من القطنة الى الخرقة و يجب فيها مضافا الى

ما ذكر و الى تبديل الخرقة او تطهيرها غسل آخر للظهرين تجمع بينهما و غسل للعشاءين تجمع بينهما و الاولى كونه في آخر فضيلة الاولى حتّى يكون كل من الصّلاتين في وقت الفضيلة و يجوز تفريق الصلوات و الاتيان بخمسة اغسال و لا يجوز الجمع بين ازيد من صلاتين بغسل واحد نعم يكفى للنوافل اغسال الفرائض لكن يجب لكل ركعتين منها وضوء.

(1)

أقول امّا كونها ثلاثة أقسام القليلة و الكثيرة و المتوسطة لانّها يستفاد من الاخبار مع حكمها.

و امّا القليلة فحكمها الوضوء لكل صلاة و امّا كونها عبارة من ان تتلوث القطنة بالدم من غير غمس فيها يستفاد كلاهما من معاوية بن عمار حيث قال فيها و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء. «1»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 143

و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن الطامث تقعد بعدد ايامها كيف تصنع قال تستظهر بيوم او يومين ثمّ هي استحاضة فلتغتسل و تستوثق من نفسها و تصلّى كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ (يثقب) الدم فاذا نفذ اغتسلت و صلّت. «1»

و رواية ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال المستحاضة اذا مضت ايام أقرائها اغتسلت و احتشت كرسفها و تنظر فان ظهر على الكرسف زادت كرسفها و توضأت وصلت. «2»

و امّا المتوسطة و هي ان يغمس الدم في القطنة و لا يسيل الى خارجها و حكمها مضافا الى الوضوء لكل صلاة و تبديل القطنة او تطهيرها أن تغتسل غسلا قبل صلاة الفجر لرواية زرارة حيث قال فيها

و ان لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد. «3»

و رواية سماعة قال قال المستحاضة اذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرّة و الوضوء لكل صلاة. «4»

و امّا الكثيرة فهي ان يسيل الدم من القطنة الى الخرقة و يجب فيها مضافا الى ما ذكر من تبديل الخرقة او تطهيرها و الغسل لصلاة الغداة غسل آخر للظهرين و غسل آخر للعشاءين دلّت على الموضوع و الحكم رواية معاوية بن عمّار عن

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

(4) الرواية 6 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 144

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلّى فيها و لا يقربها بعلها فاذا جازت ايامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجّل هذه و للمغرب و العشاء غسلا تؤخر هذه و تعجّل هذه و تغتسل للصبح و تحتشى و تستشفر و لا تحني. «1»

و امّا لزوم الوضوء في هذه الصورة فلم نجد دليلا واضحا عليه لكن باعتبار دعوى الاجماع او الشهرة و بعض وجوه اخر فالاحوط ضم الوضوء الى الاغسال.

و امّا عدم جواز الجمع بين أزيد من صلاتين لدلالة النصوص حيث دلّت على ان تغتسل للظهر و العصر و المغرب و العشاء و تؤخر هذه و تعجّل هذه.

و امّا كفاية أغسال الفرائض للنوافل فلرواية اسماعيل بن عبد الخالق حيث وردت في نافلة

الغداة حيث قال فيها اذا كان صلاة الفجر فلتغسل بعد طلوع الفجر ثمّ تصلّى ركعتين قبل الغداة ثمّ تصلّى الغداة. «2» و لا يبعد التعدي عنها الى نافلة الظهرين و العشاءين.

و امّا وجوب الوضوء لكلّ ركعتين من النافلة و الفريضة فلرواية سماعه حيث قال فيها و الوضوء لكلّ صلاة و لا فرق بين النافلة الفريضة.

و امّا تأخير صلاة الاولى الى وقت الصّلاة الثانية يكون اولى بل أحوط و ان لم يجمع بينهما و فرقت بين الصّلوات فلا اشكال في وجوب تعدد الغسل بتعدد الصلوات حيث كان الاكتفاء بغسل واحد للظهرين و غسل واحد للعشاءين في صورة الجمع بينهما و امّا مع التفريق فلا بدّ من الغسل للصّلاة لعدم شرطها.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 145

و امّا تبديل القطنة او تطهيرها فى القليلة فقد ادعى الشهرة على وجوبه بل الاجماع و قد يستدل بما ورد فى المتوسطة و الكثيرة مع عدم القول بالفصل و برواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث قال ثمّ تضع كرسفا آخر «1» فلهذا فالاحوط تبديل القطنة فى القليلة.

***

[مسئلة 2: اذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر لا يجب الغسل لها و هل يجب الغسل للظهرين أم لا؟ الاقوى وجوبه و اذا حدثت بعدهما فللعشاءين فالمتوسطة توجب غسلا واحدا فان كانت قبل صلاة الفجر وجب لها و ان حدثت بعدها فللظهرين و ان حدثت بعدهما فللعشاءين كما انّه لو حدثت قبل صلاة الفجر و لم تغتسل لها عصيانا او نسيانا وجب للظهرين و ان

انقطعت قبل وقتهما بل قبل الفجر أيضا و اذا حدثت الكثيرة بعد صلاة الفجر يجب في ذلك اليوم غسلان و ان حدثت بعد الظهرين يجب غسل واحد للعشاءين.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: اذا تبدّلت القليلة متوسطة بعد صلاة الفجر فلا يجب الغسل لصلاة الغداة الماضية لعدم ابتلائها بهذا الحدث قبل ادائها حتّى

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 146

يجب الغسل لها.

المسألة الثانية: يجب في هذا الفرض الغسل للظهرين لابتلائها بهذا الحدث قبل اداء الظهرين لدلالة رواية سماعة حيث قال فيها و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرّة و الوضوء لكلّ صلاة. «1»

المسألة الثالثة: اذا حدثت المتوسطة بعد اتيان الظهرين يجب عليها الغسل للعشاءين لرواية سماعة على ذلك أيضا.

المسألة الرابعة: لو حدثت المتوسطة قبل صلاة الفجر و لم تغتسل لها عصيانا او نسيانا وجب عليها الغسل للظهرين و ان انقطعت قبل وقت الظهرين بل قبل صلاة الفجر أيضا لدلالة رواية سماعة المتقدمة بان لكل يوم غسلا مرة واحدة للمتوسطة فلو تركها في محلّه عمدا او نسيانا وجب عليها إتيانه.

المسألة الخامسة: اذا حدثت الكثيرة بعد صلاة الفجر يجب في ذلك اليوم غسلان عليها واحد للظهرين و الثاني للعشاءين و اذا حدثت الكثير بعد الظهرين وجب عليها غسل واحد للعشاءين لدلالة الروايات على أن عليها أغسالا ثلاثة واحد للغداة و واحد للظهرين و واحد للعشاءين فاذا حدثت الكثيرة قبل الفجر وجب عليها ثلاثة و اذا حدث بعد الفجر فعليها أثنان و اذا حدثت بعد الظهرين فعليها واحد.

***

[مسئلة 3: اذا حدثت الكثيرة او المتوسطة قبل الفجر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا حدثت الكثيرة او المتوسطة قبل الفجر

______________________________

(1) الرواية 6 من

الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 147

يجب ان يكون غسلهما لصلاة الفجر بعده فلا يجوز قبله الّا اذا أرادت صلاة الليل فيجوز لها أن تغتسل.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه فتمام من حيث وجوب الغسل لصلاة الفجر بعد الفجر و عدم جواز الغسل قبل الفجر و امّا قوله اذا أرادت صلاة اللّيل فيجوز لها أن تغتسل قبل الفجر ففيه تأمّل لانّ النوافل كالفرائض من حيث الطهارة و وجوب الغسل لها على المستحاضة المتوسطة و الكثيرة فعلى هذا نقول بأن الاكتفاء بالغسل الّذي اتت به لصلاة الليل عن الغسل الواجب عليها لصلاة الفجر لا يخلو عن الاشكال.

***

[مسئلة 4: يجب على المستحاضة اختبار حالها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يجب على المستحاضة اختيار حالها و أنّها من أي قسم من الاقسام الثلاثة بادخال قطنة و الصير قليلا ثمّ اخراجها و ملاحظتها لتعمل بمقتضى وظيفتها و اذا صلّت من غير اختبار بطلت الّا مع مطابقة الواقع و حصول قصد القربة كما في حال الغفلة و اذا لم تتمكن من الاختبار يجب عليها الاخذ بالقدر المتيقن الّا ان يكون لها حالة سابقة من القلّة او التوسط فتأخذ بها و لا يكفى الاختبار قبل الوقت الّا اذا علمت بعدم تغيير حالها الى ما بعد الوقت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 148

(1)

أقول امّا وجوب الاختيار مضافا الى لزوم المخالفة القطعية كثيرا ما في صورة عدمه يدل بعض النصوص عليه مثل رواية عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت قال تقعد قرؤها الّذي كانت تحيض فيه فان كان قرؤها مستقيما

فلتأخذ به و ان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم او يومين و لتغتسل و لتستدخل كرسفا فان ظهر عن (على) الكرسف فلتغتسل ثمّ تضع كرسفا آخر. «1»

و امّا بطلان الصّلاة مع عدم الاختيار و عدم مطابقة عمله للواقع لعدم الاتيان بالمأمور به كما هو وظيفتها.

و امّا صحّة العمل مع كون المأمور به مطابقا للواقع و تمشى عنها القربة فلإتيانها المأمور به مع تمام شرائطه و اجزائه و قيوده فلا معنى لعدم الاجزاء.

و امّا مع عدم امكان الاختيار عن حالها فيجب العمل بالقدر المتيقن لانّها مع الاخذ به ينفى الزائد بالاصل فاذا صلّت مع الوضوء لكلّ صلاة و تبدّلت القطنة او تطهرها فاذا شكّت في وجوب الغسل عليها تتمسك باصالة البراءة عن الزائد على الوضوء هذا اذا لم تكن لها حالة سابقة من المتوسطة و الكثيرة و الّا فيجب عليها الاخذ بها و تترتّب احكام كلّ منهما من غسل واحد او اغسال ثلاثة و الوضوء لكل صلاة و كذا اذا لم نتمكّن من الاحتياط و الّا وجب عليه لانّ الاشتغال اليقينى يقتضي الفراغ اليقيني.

و امّا عدم كفاية الاختيار قبل الوقت الّا اذا علمت بعدم تغيير حالها الى ما بعد الوقت لانّ الاثر مترتب على الاختبار بعد الوقت و حالة بعد الوقت معيار

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 149

عملها فلا أثر لحالة قبل الوقت بالنسبة الى الاحكام المترتبة.

***

[مسئلة 5: يجب على المستحاضة تجديد الوضوء لكلّ صلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يجب على المستحاضة تجديد الوضوء لكلّ صلاة و لو نافلة و كذا تبديل القطنة او تطهيرها و كذا الخرقة اذا تلوّثت و غسل ظاهر الفرج اذا أصابه الدم لكن لا يجب

تجديد هذه الاعمال للاجزاء المنسية و لا لسجود السهو اذا أتى به متّصلا بالصّلاة بل و لا لركعات الاحتياط للشكوك بل يكفيها أعمالها لاصل الصّلاة نعم لو أرادت اعادتها احتياطا او جماعة وجب تجديدها.

(1)

أقول ما قاله السيّد المؤلف رحمه اللّه تمام و قد تقدّم الكلام في بعضها.

***

[مسئلة 6: انّما يجب تجديد الوضوء و الاعمال المذكورة اذا استمر الدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: انّما يجب تجديد الوضوء و الاعمال المذكورة اذا استمر الدم فلو فرض انقطاع الدم قبل صلاة الظهر يجب الاعمال المذكورة لها فقط و لا تجب للعصر و لا للمغرب و العشاء و ان انقطع بعد الظهر وجبت للعصر فقط و هكذا بل اذا بقي وضوئها للظهر الى المغرب لا يجب تجديده أيضا مع فرض انقطاع الدم قبل الوضوء للظهر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 150

(1)

أقول ما افاده السيد المؤلف رحمه اللّه من الاحكام المذكورة في هذه المسألة تمام لمّا تقدّم فى المسائل المتقدّمة.

***

[مسئلة 7: يجوز لها تقديم الغسل او الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: في كل مورد يجب عليها الغسل و الوضوء يجوز لها تقديم كل منهما لكن الاولى تقديم الوضوء.

(2)

أقول امّا جواز تقديم كل واحد منهما على الآخر فلا طلاق دليلهما.

و امّا كون تقديم الوضوء اولى لرعاية احتمال كون الغسل مجزيا عن الوضوء و كون الوضوء بعد اجزاء الغسل يكون بدعة و مع ذلك لا يمكن الالتزام بعدم اتيان الوضوء لها بعد الغسل مع دلالة النصوص على لزوم اتيان الوضوء للصّلاة و خصوص النصوص الواردة فى الاستحاضة على لزوم الوضوء عليها.

***

[مسئلة 8: المبادرة الى الصّلاة لا ينافى اتيان الاذان و الاقامة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: قد عرفت انه يجب بعد الوضوء و الغسل المبادرة الى الصّلاة لكن لا ينافى ذلك اتيان الاذان و الاقامة و الادعية المأثورة و كذا يجوز لها اتيان المستحبات في الصّلاة و لا يجب الاقتصار على الواجبات فاذا توضأت و اغتسلت أوّل الوقت و اخرت الصّلاة لا تصحّ صلاتها ألّا اذا علمت بعدم خروج

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 151

الدم و عدم كونه في قضاء الفرج أيضا من حين الوضوء الى ذلك الوقت بمعنى انقطاعه و لو كان انقطاع فترة.

(1)

أقول بعد عدم دليل على وجوب المبادرة بعد الغسل او الوضوء الى الصّلاة الا لفظ عند كما فى خبر ابي المعزى حيث قال فيها فلتغتسل عند كلّ صلاتين. «1»

و خبر ابن سنان حيث قال فيها المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر «2» و مقدارها موكول الى العرف لانّ الخطابات الواردة فى الكتاب و السنة حملت على المتفاهم العرفي و ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من اتيان الاذان و الاقامة و الادعية و اتيان المستحبات فى الصّلاة لا ينافي مع المبادرة الى الصّلاة بنظر العرف.

و امّا في صورة تأخر المرأة

صلاتها عن الغسل فلا تصح صلاتها لعدم الطهارة لها الّا اذا علمت بعدم خروج الدم و عدم كونه فى قضاء الفرج لانّ المبادرة و عدم الفصل بين الطهارة و الصّلاة لاجل بقاء الطهارة و عدم تنجيس البدن فمع علمها بعدم الخروج فهي طاهرة و صحّت صلاتها.

***

[مسئلة 9: يجب عليها بعد الوضوء و الغسل التحفظ من خروج الدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: يجب عليها بعد الوضوء و الغسل التحفظ من خروج الدم بحشو الفرج بقطنة او غيرها و شدّها بخرقة فان احتبس الدم و إلا فبالاستثفار اى شدّ وسطها بتكّة مثلا و تأخذ

______________________________

(1) الرواية 5 و 6 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 152

خرقة اخرى مشقوقة الرأسين تجعل احداهما قدامها و الاخرى خلفها و تشدهما بالتكة او غير ذلك ممّا يحبس الدم فلو قصّرت و خرج الدم أعادت الصّلاة بل الاحوط اعادة الغسل أيضا و الاحوط كون ذلك بعد الغسل و المحافظة عليه بقدر الامكان تمام النهار اذا كانت صائمة.

(1)

أقول المستفاد من روايات الباب كون هذه الاعمال المذكورة في المسألة لاجل التحفظ من سراية الدم الى غير المحل و على هذا يجب عليها التحفظ من خروج الدم امّا بنحو المذكور في المتن او بغيره و لا خصوصيّة للنحو المذكور.

و أمّا في صورة تقصير المرأة عن تحفظ الدم و خروجه و خرج الدم وجبت عليها اعادة الصّلاة مع الطهارة لانّ الصّلاة وقعت بلا طهارة بل الاحوط اعادة الغسل أيضا لوقوع الفصل بين الصّلاة و بينه.

و أمّا لزوم المحافظة على عدم خروج الدم بالتحشي طول النهار لاجل صحّة صوم المستحاضة فلا دليل عليه و أن احتاط المؤلف رحمه اللّه

وجوبا لانّ الشرط لصحّة صوم المستحاضة الأغسال النهارية و على الفرض أتت المستحاضة بها مع شرائطها و ما زاد عليها لا دليل عليه و ان كان الاحوط استحبابا.

***

[مسئلة 10: اذا قدّمت غسل الفجر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا قدّمت غسل الفجر عليه لصلاة الليل فالاحوط تأخيرها الى قريب الفجر فتصلّى بلا فاصلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 153

(1)

أقول الاحوط بل الاقوى اتيان الغسل لصلاة الفجر بعد دخول وقت صلاة الفجر كما تقدّم منّا فعلى هذا لو اغتسلت لصلاة الليل قبل الفجر فبعد دخول وقت صلاة الفجر تغتسل لصلاة الفجر ثانيا.

***

[مسئلة 11: اذا اغتسلت قبل الفجر لغاية اخرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا اغتسلت قبل الفجر لغاية اخرى ثمّ دخل الوقت من غير فصل يجوز لها الاكتفاء به للصّلاة.

(2)

أقول حكم هذه المسألة يستفاد من المسألة السابقة من لزوم الغسل لصلاة الفجر ثانيا.

***

[مسئلة 12: يشترط في صحّة صوم المستحاضة اتيانها للاغسال النهارية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: يشترط في صحّة صوم المستحاضة على الاحوط إتيانها للاغسال النهارية فلو تركتها فكما تبطل صلاتها يبطل صومها أيضا على الاحوط و أمّا غسل العشاءين فلا يكون شرطا فى الصوم و ان كان الاحوط مراعاته أيضا و أمّا الوضوءات فلا دخل لها بالصوم.

(3)

أقول ما قاله المؤلّف رحمه اللّه فتمام و عدم توقف صحّة صوم المستحاضة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 154

غسلها للعشاءين لعدم الدليل عليه و لا يستفاد من مكاتبة على بن مهزيار توقف صحّة صوم اليوم على الغسل للعشاءين فنذكرها قال كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها او دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلت و صامت شهر رمضان كلّه من غير ان تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين هل يجوز صومها و صلاتها أم لا كتب عليه السّلام تقضى صومها و لا تقضى صلاتها لانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك. «1»

***

[مسئلة 13: اذا علمت المستحاضة انقطاع دمها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلك الى آخر الوقت انقطاع برء او انقطاع فترة تسع الصلاة وجب عليها تأخيرها الى ذلك الوقت فلو بادرت الى الصّلاة بطلت الّا اذا حصلت فيها قصد القربة و انكشفت عدم الانقطاع بل يجب التأخير مع رجاء الانقطاع بأحد الوجهين حتى لو كان حصول الرجاء في أثناء الصّلاة لكن الاحوط اتمامها ثمّ الصبر الى الانقطاع.

(1)

أقول وجه وجوب تأخير الغسل و الصّلاة مع العلم بانقطاع الدم رأسا او فتره واسعة الى انقطاع الدم أصلا او الى فترة واسعة للغسل و الصّلاة هو أن دم الاستحاضة حدث و لا بدّ

من كون المرأة خالية عنه وقت الصلاة فلو بادرت في هذه الصورة الى اتيان الغسل و الصّلاة فصلاتها باطلة الا اذا تمشى منها قصد القربة

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 41 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 155

و انكشف الخلاف اى عدم الانقطاع فصلاتها صحيحة هذا في صورة علمها بانقطاع الدم عنها و كذلك مع رجاء الانقطاع يجب عليها تأخير الصّلاة الى انقطاع الدم او الى فترة واسعة و لو كان حصول الرجاء لها في أثناء الصّلاة فالاحوط اتمام الصّلاة ثمّ الصبر الى انقطاع الدم ثمّ الغسل ثمّ الصّلاة.

***

[مسئلة 14: اذا انقطع دمها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا انقطع دمها فأمّا ان يكون انقطاع برء او فترة تعلم عوده او تشك في كونه لبرء او فترة و على التقادير امّا ان يكون قبل الشروع في الاعمال او بعد الصّلاة فان كان انقطاع برء و قبل الاعمال يجب عليها الوضوء فقط او مع الغسل و الاتيان بالصّلاة و ان كان بعد الشروع استأنفت و ان كان بعد الصّلاة أعادت الّا اذا تبيّن كون الانقطاع قبل الشروع فى الوضوء و الغسل و ان كان انقطاع فترة واسعة فكذلك على الاحوط و ان كانت شاكة في سعتها او في كون الانقطاع لبرء أم فترة لا يجب عليها الاستيناف او الاعادة الا اذا تبيّن بعد ذلك سعتها او كونه لبرء.

(1)

أقول ما قاله المؤلّف رحمه اللّه تمام و لكن ما قاله في صورة كونها شاكة لا يمكن المساعدة عليه لانّها مع الانقطاع و الشك في كونه لبرء او لفترة او مع الشك في سعة الفترة للوضوء و الغسل او لا تعلم اجمالا بالطهارة و مقتضا العمل على

طبق الصورة الاولى المذكورة في المتن من أنّه لو كان قبل الشروع في الاعمال يجب عليها الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 156

فى القليلة و الغسل و الوضوء في المتوسطة و الكثيرة و الاتيان بالصّلاة و ان كان بعد الشروع في الغسل و الوضوء استأنفتهما و ان كان بعد الصّلاة اعادت الصّلاة الّا اذا تبين كون الانقطاع قبل الشروع فى الوضوء او الوضوء و الغسل.

***

[مسئلة 15: اذا انتقلت الاستحاضة من الادنى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا انتقلت الاستحاضة من الادنى الى الاعلى كما اذا انقلبت القليلة متوسطة او كثيرة او المتوسطة كثيرة فان كان قبل الشروع فى الاعمال فلا اشكال فتعمل عمل الاعلى و كذا ان كان بعد الصّلاة فلا يجب اعادتها و امّا ان كان بعد الشروع قبل تمامها فعليها الاستيناف و العمل على الاعلى حتى اذا كان الانتقال من المتوسطة الى الكثيرة فيما كانت المتوسطة محتاجة الى الغسل أتت به أيضا فيكون أعمالها حينئذ مثل اعمال الكثيرة لكن مع ذلك يجب الاستيناف و ان ضاق الوقت عن الغسل و الوضوء او احدهما تتيمم بدله و ان ضاق عن التيمم أيضا استمرت على عملها لكن عليها القضاء على الاحوط و ان انتقلت من الاعلى الى الادنى استمرت على عملها لصلاة واحدة ثمّ تعمل عمل الادنى فلو تبدلت الكثيرة متوسطة قبل الزوال او بعده قبل صلاة الظهر تعمل للظهر عمل الكثيرة فتتوضأ و تغتسل و تصلّى لكن للعصر و العشاءين يكفى الوضوء و ان أخرت العصر عن الظهر أو العشاء عن المغرب نعم لو لم تغتسل للظهر عصيانا او نسيانا يجب عليها للعصر اذا لم يبق الّا وقتها و الّا فيجب اعادة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 8، ص: 157

الظهر بعد الغسل و ان لم تغتسل لها فللمغرب و ان لم تغتسل لها فللعشاء اذا ضاق الوقت و بقى مقدار اتيان العشاء.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام لا مجال للبحث فيه.

***

[مسئلة 16: يجب على المستحاضة المتوسطة و الكثيرة اذا انقطع عنها بالمرّة الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: يجب على المستحاضة المتوسطة و الكثيرة اذا انقطع عنها بالمرّة الغسل للانقطاع الّا اذا فرض عدم خروج الدم منها من حين الشروع في غسلها السابق للصّلاة السابقة.

(2)

أقول امّا وجوب الغسل للانقطاع فلانّ دم الاستحاضة حدث يوجب الغسل فعليها الغسل له.

و امّا في صورة عدم خروج الدّم من حين الشروع في الغسل للصّلاة السابقة الماضية فلا يجب عليها الغسل لعدم حدوث حدث الاستحاضة.

***

[مسئلة 17: المستحاضة القليلة يجب عليها تجديد الوضوء لكل مشروط بالطهارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: المستحاضة القليلة كما يجب عليها تجديد الوضوء لكلّ صلاة ما دامت مستمرّة كذلك يجب عليها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 158

تجديده لكل مشروط بالطهارة كالطواف الواجب و مسّ كتابة القرآن ان وجب و ليس لها الاكتفاء بوضوء واحد للجميع على الاحوط و ان كان ذلك الوضوء للصّلاة فيجب عليها تكراره بتكرارها حتّى فى المسّ يجب عليها ذلك لكل مسّ على الاحوط نعم لا يجب عليها الوضوء لدخول المساجد و المكث فيها بل و لو تركت الوضوء للصّلاة أيضا.

(1)

أقول قد ادعى الاجماع و التسالم على عدم الحاجة الى الوضوء لما كان مشروطا به اذا كانت المرأة مستحاضة بالاستحاضة القليلة و أتت بوظائفها من الوضوء و غيره حيث قال فى الشرائع (اذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهرة) لكن حيث لم يثبت كون ذلك الاجماع تعبديّا كاشفا عن نصّ وصل إليهم و لم يصل إلينا بل يحتمل كون مستند دعوى الاجماع اجتهادهم من عدم تعرض الاخبار لوجوب الوضوء عليها للطواف الواجب او لمس الكتاب الواجب عدم الحاجة الى الوضوء.

مع كون المراد من معقد اجماعهم غير معلوم لانّه كما يحتمل ان يكون مرادهم من كونها بحكم الطاهرة هو كونها كالمرأة الغير المستحاضة الطاهرة الّتي يجوز لها

اتيان تمام الاعمال المشروطة بالطهارة أعنى الوضوء بالوضوء الّذي توضأت به لصلاتها فكما يجوز لها اتيان الصّلاة بالوضوء كذلك يجوز لها بذلك الوضوء اتيان كلّ ما كان مشروطا بالوضوء من الطواف الواجب و المسّ الواجب.

كذلك يحتمل ان يكون مرادهم كون الوضوء يجعلها بحكم الطهارة بالنسبة الى هذه الصّلاة فعلى هذا لا يمكن التمسك بالاجماع لمحل الكلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 159

فبعد عدم تعرض فى الاخبار لوجوب الوضوء للطواف و المسّ على المستحاضة القليلة غير الوضوء لصلاتها و عدم ثبوت الاجماع و على فرض ثبوته كان معقد اجماعهم كان مجملا.

لا بدّ من الرجوع الى مقتضى القاعدة و مقتضاها هو ان كل عمل مشروط بالطهارة لا بدّ لها من ايجاد شرطه و حيث ان الطواف مشروط بالوضوء و كذا المسّ مشروط بالوضوء فعليها اتيان الوضوء لكلّ واحد منهما لانّ الاستحاضة حدث فلا بدّ في حصول الطهارة من رفعها و رفعها يحصل بالوضوء و مع استمرار الدم لا يكفى الوضوء للصّلاة لغيرها.

مع ان الطواف و المسّ مشروطان بالطهارة و لا دليل على عدم وجوب الطواف و المسّ على المستحاضة و لا دليل أيضا على عدم شرطية الطهارة للمستحاضة في طوافها و مسّها للكتاب و كذلك لا دليل أيضا على كفاية وضوئها للصّلاة عن الطواف و المس.

فعلى هذا وجب لكل واحد من الافعال المشروط بالطهارة الوضوء و مع تكرارها يجب عليها تكرار الوضوء حتى المسّ نعم كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه لا يجب الوضوء لدخول المسجدين و المساجد و المكث بل و لو تركت الوضوء للصّلاة لعدم اشتراط الدخول و المكث بالوضوء.

***

[مسئلة 18: المستحاضة اذا عملت بما عليها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: المستحاضة الكثيرة و المتوسطة اذا عملت بما عليها

جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة حتّى دخول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 160

المساجد و المكث فيها و قراءة العزائم و مسّ كتابة القرآن و يجوز وطئها و اذا أخلت بشي ء من الاعمال حتى تغيير القطنة بطلت صلاتها و امّا المذكورات سوى المسّ فتتوقّف على الغسل فقط فلو أخلت بالاغسال الصلاتية لا يجوز لها الدخول و المكث و الوطء و قراءة العزائم على الاحوط و لا يجب لها الغسل مستقلا بعد الاغسال الصّلاتية و ان كان احوط نعم اذا أرادت شيئا من ذلك قبل الوقت وجب عليها الغسل مستقلا على الاحوط و امّا المسّ فيتوقف على الوضوء و الغسل و يكفيه الغسل للصّلاة نعم اذا أرادت التكرار يجب تكرار الوضوء و الغسل على الاحوط بل الاحوط ترك المسّ لها مطلقا.

(1)

أقول قال المؤلف رحمه اللّه بأن المستحاضة اذا عملت بما عليها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة و الظاهر كون نظره في ذلك الى الاجماع المدعى من أن المستحاضة (اذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهرة) لكن لا ندري لم قبل الاجماع في هذه المسألة و لم يقبله فى المسألة السابقة مع ان عبارة معقد الاجماع تشمل كليتهما و لكن بعد عدم ثبوت الاجماع عندنا لا بدّ من البحث في احكام هذه المسألة.

فنقول أمّا جواز وطيها فمقتضى بعض الاخبار مثل رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل و يصيب منها زوجه أن أحبّ و حلّت لها الصّلاة. «1»

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 161

و كذا في رواية زرارة عن احدهما عليهما

السّلام قال و تجمع بين المغرب و العشاء بغسل فاذا حلّت لها الصّلاة حلّ لزوجها أن يغشاها. «1»

جوازه بعد الاغسال و عدم لزوم غسل له مستقلا.

و امّا قراءة العزائم و الدخول فى المسجدين و المكث فى المساجد فلم تدلّ دليل على حرمتها حتّى تغتسل لها و الاخبار المانعة وردت فى الحائض لكن بملاحظة الاجماع نقول بأنّ الاحوط كون هذه الافعال بعد الغسل للصّلاة.

و امّا مسّ الكتاب فلا بدّ لها مع الغسل للصّلاة من الوضوء لمسّه لانّ المستحاضة محدثة بالحدث الاصغر و لا يكون غسل الاستحاضة رافعا له فلا بدّ لها مع الغسل للصّلاة من الوضوء للمسّ مع ان مقتضى القاعدة غسل مستقل لمسّها غير غسل الصّلاة لكن بملاحظة الاجماع المدعى نقول الاحوط تجديد الغسل لها لمسّها.

و امّا الطواف فبعد عدم ذكر الغسل له فى الاخبار فيكفى الوضوء له و لا يجب على المستحاضة الغسل له و لو غسلت للصّلاة لا يكفى عن الوضوء.

و امّا ما قلنا من كون الغسل للصّلاة مجزيا عن الغسل مستقلا لهذه الامور هو فيما اذا ارادت فعلها في وقت الصّلاة و أمّا اذا ارادت فعلها قبل وقت الصّلاة فلا بدّ لها من الغسل لها مستقلا لانّ بعد الوقت وجب عليها الغسل للظهرين و العشاءين و الفجر و قبل الوقت لم يشرع لها الغسل للصّلاة.

***

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 162

[مسئلة 19: يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء و الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء و الغسل و سائر الاعمال لكلّ صلاة و يحتمل جواز اكتفائها بالغسل للصلوات الادائية لكنّه مشكل و الاحوط ترك القضاء الى النقاء.

(1)

أقول ان قبل الاجماع كما فى المسألة

السابقة لا وجه للقول باتيان الفوائت مع الوضوء و الغسل لانّ المرأة مع اتيان الاعمال المقرّرة للمستحاضة بحكم الطاهر و قبله السيد المؤلف رحمه اللّه.

و ان لم يقبل فمقتضى القاعدة اتيان الفوائت مع الوضوء و الغسل و سائر الافعال كالادائية.

و المناسب أن يقال بأن الاحوط جواز اتيان الفوائت مع الغسل و الوضوء كالفرائض رعاية لمقتضى القاعدة و الاجماع المدعى من أنّها بحكم الطاهر.

***

[مسئلة 20: المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات و تفعل لها كما تفعل لليومية و لا تجمع بينهما بغسل و أن اتفقت في وقتها.

(2)

أقول لا شكّ في وجوب صلاة الآيات على المستحاضة و امّا لزوم اتيان الوضوء و الغسل عليها لصلاة الآيات مستقلا فلمقتضى القاعدة و امّا بملاحظة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 163

الاجماع المدعى فى الباب نقول كما قلنا سابقا بان الاحوط اتيانها مع الغسل و الوضوء مستقلا.

***

[مسئلة 21: اذا احدثت بالاصغر في أثناء الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: اذا احدثت بالاصغر في أثناء الغسل لا يضرّ بغسلها على الاقوى لكن يجب عليها الوضوء بعده و ان توضأت قبله.

(1)

أقول مضى الكلام فى هذه المسألة في احكام غسل الجنابة في الجزء السابع من هذا الكتاب فى ص 331 الى 335 راجع و قلنا هناك بانّه لا يبطل الغسل و يجب عليها الوضوء بعد الغسل.

***

[مسئلة 22: اذا اجنبت في أثناء الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: اذا اجنبت في أثناء الغسل او مسّت ميتا استأنفت غسلا واحدا لهما و يجوز لها اتمام غسلها و استينافه لاحد الحدثين اذا لم يناف المبادرة الى الصّلاة بعد غسل الاستحاضة و اذا حدثت الكبرى في أثناء غسل المتوسطة استأنفت للكبرى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 164

(1)

أقول بناء على التداخل يجوز لها استيناف غسل لهما و أمّا مع عدم التداخل في الاغسال يجوز اتمام غسلها و اتيان غسل للجنابة او لمس الميّت ان لم يكن اتيان الغسل منافيا للمبادرة الى الصّلاة بعد الغسل و الّا فعليها الاستيناف و الغسل لهما.

و أمّا اذا حدثت الكبرى في اثناء الغسل للصغرى بأن كانت مستحاضة متوسطة فصارت في أثناء الغسل لها مثل الغسل لصلاة الفجر كثيرة استأنفت للكبرى لانّ وظيفتها الغسل للكبرى.

***

[مسئلة 23: قد يجب على صاحبة الكثيرة بل المتوسطة خمسة أغسال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: قد يجب على صاحبة الكثيرة بل المتوسطة خمسة أغسال كما اذا رأت أحد الدمين قبل صلاة الفجر ثمّ انقطع ثمّ رأته قبل صلاة الظهر ثمّ انقطع ثمّ رأته عند العصر ثمّ انقطع و هكذا بالنسبة الى المغرب و العشاء و يقوم التيمم مقامه اذا لم تتمكّن منه ففي الفرض المزبور عليها خمس تيممات و ان لم تتمكّن من الوضوء أيضا فعشرة كما ان في غير هذه اذا كانت وظيفتها التيمم ففي القليلة خمس تيممات و في المتوسطة ستة و في الكثيرة ثمانية اذا اجتمعت بين الصلاتين و الّا فعشرة.

(2)

أقول امّا وجه وجوب الغسل بالكيفيّة المذكورة في المتن لاجل حدوث حدث الاستحاضة و هو موجب للغسل و بعد تكرار الحدث و هو الموجب للغسل بتكرار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 165

الموجب و هو الغسل.

و

امّا وجوب التيمم لبدلية التيمم عن الوضوء و الغسل ففي القليلة خمس تيممات لانّ حكمها خمس وضوءات.

و امّا فى المتوسطة فست تيممات لانّ عليها غسل واحد قبل صلاة الفجر و خمس وضوءات للصلوات اليوميّة ففي صورة عدم تمكنها منهما فيكون التيمم بدلا عنهما.

و امّا في الكثيرة عليها في صورة الجمع بين الظهرين و العشاءين ثمان تيممات ثلاثة منها تكون بدلا عن الاغسال و خمسة منها تكون بدلا عن الوضوءات لو قلنا بوجوب الوضوء عليها للصلوات اليومية و ان لم نقل بوجوبه فليس عليها الّا ثلاث تيممات تكون بدلا عن الاغسال.

و امّا في صورة عدم الجمع بين الظهرين و العشاءين و بنائها على التفريق بينهما فعليها عشر تيممات خمس تيممات تكون بدلا عن خمسة أغسال للصلوات الخمسة و خمس تيممات تكون بدلا عن خمس وضوءات للصلوات الخمسة ان قلنا بوجوب الوضوء للصلوات.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 167

فصل: في النفاس

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 169

قوله رحمه اللّه

فصل فى النفاس و هو دم يخرج مع ظهور أوّل جزء من الولد او بعده قبل انقضاء عشرة ايام من حين الولادة سواء كان تام الخلقة او لا كالسقط و ان لم تلج فيه الروح بل و لو كان مضغة او علقة بشرط العلم بكونها مبدأ نشوء الانسان و لو شهدت أربع قوابل بكونها مبدأ نشوء الانسان كفى و لو شكّ في الولادة او في كون الساقط مبدأ نشوء الانسان لم يحكم بالنفاس و لا يلزم الفحص أيضا.

و امّا الدم الخارج قبل ظهور أوّل جزء من الولد فليس بنفاس نعم لو كان فيه شرائط الحيض كان يكون مستمرا من ثلاثة أيام فهو حيض و

ان لم يفصل بينه و بين دم النفاس أقل الطهر على الاقوى خصوصا اذا كان في عادة الحيض او متصلا بالنفاس و لم يزد مجموعهما عن عشرة أيام كان ترى قبل الولادة ثلاثة أيّام و بعدها سبعة مثلا لكن الاحوط مع عدم الفصل بأقل الطهر مراعاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 170

الاحتياط خصوصا في غير الصورتين من كونه فى العادة او متّصلا بدم النفاس.

(1)

أقول في هذا الفصل مسائل:

المسألة الاولى: المعتبر في كون الدم دم نفاس و تكون المرأة نفساء

ان يخرج الدم مع ظهور اوّل جزء من الولد او بعده قبل انقضاء عشرة ايام من حين الولادة امّا الدليل على كون الدم دم نفاس بظهور جزء من الولد فلرواية زريق عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أن رجلا سأله عن امرأة حاملة رأت الدم قال تدع الصّلاة قلت فانّها رأت الدم و قد أصابها الطلق فرأته و هي تمخض قال تصلّى حتى يخرج رأس الصبي فاذا خرج رأسه لم تجب عليها الصّلاة و كل ما تركته من الصّلاة في تلك الحال لوجع او لما هي فيه من الشدّة و الجهد قضته اذا خرجت من نفاسها قال قلت جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل و دم المخاض قال ان الحامل قذفت بدم الحيض و هذه قذفت بدم المخاض الى ان يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس فيجب أن تدع في النفاس و الحيض فأما ما لم يكن حيضا او نفاسا فانّما ذلك من فتق فى الرحم «1» فتدلّ على كون خروج بعض الولد موجبا لكون المرأة نفساء و كون الدم دم نفاس و لو كان هذا البعض غير الرأس لانّه قال في ذيلها حتى يخرج بعض الولد و امّا كون الدم

قبل انقضاء عشرة أيّام من حين الولادة دم نفاس لدعوى الاتفاق على ذلك و لعلّ وجه ذلك كون النفاس هو الدم الّذي يخرج مع الولادة او بعدها.

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 171

المسألة الثانية: لا فرق في كون الدم نفاسا بين كون الولد تام الخلقة او لا

كالسقط و ان لم تلج فيه الروح و بين كونه تاما من حيث الاعضاء او ناقصا لاطلاق الادلّة راجع الباب 4 من ابواب النفاس من الوسائل الرواية 1 و 2 و 3.

المسألة الثالثة: لا فرق في كون الدم دم نفاس بين كون السقط تلج فيه الروح او لم تلج

بل كان علقة او مضغة او غيرها لانّه لا يبعد صدق الولادة معهما لكن بشرط العلم بكونهما مبدأ نشوء انسان و يعرف ذلك بشهادة اربع قوابل عليه لانّ شهادة اربع نسوة يقابل شهادة عدلين من الرجال كما ورد في خبر سماعة قال القابلة تجوز شهادتها فى الولد على قدر شهادة امرأة واحدة «1» و ورد أيضا قبول شهادتهنّ فى المنفوس (و قال تجوز شهادة النساء فى المنفوس) «2» و غيرها من الاخبار الواردة فى الباب 24 من ابواب الشهادات من الوسائل.

المسألة الرابعة: لو شكّ فى اصل الولادة او فى كون الساقط مبدأ نشوء الانسان

لم يحكم بكون الدم نفاسا و لا يجب عليها الفحص امّا عدم الحكم بكون المرأة نفساء فلعدم حجة و امّا عدم لزوم الفحص عليها لكون المورد من الشبهات الموضوعيّة و قد أمضينا الكلام بانّه لا يجب الفحص فى الشبهة الموضوعيّة.

المسألة الخامسة: عدم كون الدم دم نفاس قبل ظهور أوّل جزء من الولد

لدلالة خبر زريق المتقدّم عليه حيث قال فيه (فاذا خرج رأسه لم تجب عليها الصّلاة). «3»

______________________________

(1) الرواية 23 من الباب 24 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3) الرواية 17 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 172

و كذا قال فيه (الى ان يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس). «1»

المسألة السادسة: الدم الّذي تراه المرأة الحبلى قبل الولادة

فان كان بصفة الحيض من كونه مستمرا الى ثلاثة ايّام يحكم بكونه حيضا بناء على ما قلنا من امكان الجمع بين الحمل و الحيض و عدم لزوم الفصل بين النفاس و الحيض بأقل الطهر و هو عشره أيّام خصوصا اذا كان خروج الدم في أيّام العادة للحيض او متصلا بالنفاس كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه و لكن كما قال رحمه اللّه مراعاة الاحتياط حسن.

***

[مسئلة 1: ليس لأقلّ النفاس حدّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ليس لأقلّ النفاس حدّ بل يمكن ان يكوم مقدار لحظة بين العشرة و لم تر دما فليس لها نفاس اصلا و كذا لو رأته بعد العشرة من الولادة و اكثره عشرة أيّام و ان كان الاولى مراعاة الاحتياط بعدها او بعد العادة الى ثمانية عشر يوما من الولادة و الليلة الاخيرة خارجة و امّا الليلة الاولى أن ولدت فى الليل فهي جزء من النفاس و ان لم تكن محسوبة من العشرة و لو اتفقت الولادة فى وسط النهار يلفق من اليوم الحادي عشر لا من ليلته و ابتداء الحساب بعد تماميّة الولادة و ان طالت لا من حين الشروع و ان كان اجراء الاحكام من حين الشروع اذا رأت الدم الى تمام العشرة من حين تمام الولادة.

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 30 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 173

(1)

أقول امّا عدم حد لاقل دم النفاس فلرواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن النفساء كم حد نفاسها حتّى يجب عليها الصّلاة و كيف تصنع قال ليس لها حدّ «1» فانّها بقرينة الروايات الواردة في جانب الكثرة تحمل على حدّها من جهة القلّة.

و امّا عدم كون

المرأة نفساء مع عدم رؤيتها الدم فلأنّ النفاس اسم للدم وقت الولادة فاذا لم تره فليس بنفساء.

و امّا لو رأت الدم بعد مضى عشرة ايّام من حين الولادة فلا تكون نفساء لعدم دليل عليه.

و امّا كون اكثره عشرة ايّام فلدعوى الشهرة على ذلك و ان كان الاحتياط حسن بالنسبة الى بعد العادة المستمرة لها فى الحيض و كذا بالنسبة الى بعد العشرة.

لو ورد اخبار متعارضة في جانب الكثرة حيث دلّت بعضها على كون اكثره ثمانية عشرة مثل رواية محمّد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النفساء كم تقعد فقال ان أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان تغتسل لثمان عشرة «2» و بعضها على ان اكثره اربعون يوما مثل رواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن على عليهما السّلام قال النفساء تقعد اربعين يوما. «3»

و بعضها على كون اكثره سبع عشرة ليلة مثل رواية ابن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول تقعد النفساء سبع عشرة ليلة. «4»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب النفاس من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 3 من ابواب النفاس من الوسائل.

(3) الرواية 17 من الباب 3 من ابواب النفاس من الوسائل.

(4) الرواية 14 من الباب 3 من ابواب النفاس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 174

و بعد تعارضها اى تعارض كلّ واحدة منها مع الاخرى يكون الاحوط استحبابا عليها الاحتياط بالاخذ بثمانية عشر يوما لانّ ساير الروايات امّا موافق مع العامّة او مورد اعراض الاصحاب كما قال بعض العلماء.

و امّا كون الليلة الأخيرة خارجة لعدم كونها من العشرة و لا

من العادة.

و امّا خروج الليلة الاولى من العشرة لكون الملاك العشرة و العادة و الليلة الاولى خارجة عنهما و ان كانت محكومة باحكام النفاس لوقوع الولادة فيها.

و امّا لو اتفقت الولادة في وسط النهار يلفق من اليوم الحادي عشر لا من ليلته لانّ الملاك اليوم و عشرة أيّام و ليس منها الليلة الحادي عشر.

و امّا كون ابتداء الحساب بعد تمامية الولادة لا من حين الشروع فلعدم صدق الولادة قبل خروج تمام اعضاء الولد و لرواية مالك بن أعين قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النفساء و يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم قال نعم اذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام حيضها «1» لانّ صدق الوضع بوضع تمام الولد و امّا اجراء احكام النفاس فمن حين خروج الدم و ان لم تضع الولد لانّ بخروج الدم تصير المرأة نفساء فيجب عليها ترتّب احكام النفاس.

***

[مسئلة 2: اذا انقطع دمها على العشرة او قبلها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا انقطع دمها على العشرة او قبلها فكل ما رأته نفاس سواء رأت تمام العشرة او البعض الاوّل او البعض الاخير او الوسط او الطرفين او يوما و يوما لا و فى الطهر المتخلل

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب النفاس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 175

بين الدم تحتاط بالجمع بين أعمال النفساء و الطاهر و لا فرق فى ذلك بين ذات العادة العشرة او أقلّ و غير ذات العادة و ان لم تر دما فى العشرة فلا نفاس لها و ان رأت فى العشرة و تجاوزها فان كانت ذات عادة في الحيض أخذت بعادتها سواء كانت عشرة او أقل و عملت بعدها عمل المستحاضة و ان

كان الاحوط الجمع الى الثمانية عشر كما مرّ و ان لم تكن ذات عادة كالمبتدئة و المضطربة فنفاسها عشرة أيّام و تعمل بعدها عمل المستحاضة مع استحباب الاحتياط المذكور.

(1)

أقول امّا كون الدم فى العشرة نفاسا سواء كان في تمام العشرة او في البعض الاوّل او فى البعض الاخير او فى الوسط او فى الطرفين فلا طلاق رواية «1» ليث المرادي المتقدّمة حيث قال فيها (ليس لها حدّ) و هذا الكلام مطلق يشمل كل الصور.

و امّا كون اكثره عشرة ايام فلدعوى الشهرة عليه.

و امّا كون الاولى مراعاة الاحتياط فى الزائد عن العشرة لمّا قلنا فى المسألة السابقة.

و امّا ذات العادة تأخذ بالعادة لو تجاوز عن العشرة في النفاس فلرواية يونس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أمراه ولدت فرأت الدم اكثر ممّا كانت ترى قال فلتقعد أيّام قرئها الّتي كانت تجلس ثمّ تستظهر بعشرة أيّام فان رأت دما صبيبا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب النفاس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 176

فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة فان رأت صفرة فلتتوضأ ثمّ لتصل. «1»

و رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال تقعد النفساء أيامها الّتي كانت تقعد فى الحيض ثمّ تستظهر بيومين. «2»

و رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال النفساء تكف عن الصّلاة أيّامها الّتي كانت تمكث فيها ثمّ تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة. «3»

و أمّا كون النفساء تحتاط بالجمع فى الطهر المتخلل فهذا على مبنى السيد المؤلف رحمه اللّه فى الحيض و امّا على ما امضينا من كون الطهر المتخلل في ايّام العادة بحكم الحيض فعلى النفساء ان تعمل فى الطهر المتخلل على

حكم النفاس.

و امّا في صورة عدم رؤية الدّم فى العشرة فلا نفاس لها فلانّه كما قلنا انّ النفاس اسم للدم في أيّام الولادة فاذا لم يكن الدّم موجودا فلا نفاس فلا تكون المرأة نفساء حتّى يجب عليها مراعاة احكام النفاس.

أمّا المبتدئة و المضطربة فنفاسهما عشرة أيّام لانّ اكثر أيّام النفاس كما قلنا عشرة ايّام و بعدها تعمل عمل المستحاضة و ان كان الاحوط استحبابا لهما الرجوع الى التمييز و مع فقده الرجوع الى الاقران ثمّ الاخذ بالعشرة.

كما انّ الاحوط استحبابا أيضا لهما مراعاة الاحتياط بالجمع بين اعمال الطاهر و النفساء الى ثمانية عشر يوما.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب النفاس من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب النفاس من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب النفاس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 177

[مسئلة 3: صاحبة العادة اذا لم تر فى العادة اصلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: صاحبة العادة اذا لم تر فى العادة اصلا و رأت بعدها و تجاوز عن العشرة لا نفاس لها على الاقوى و ان كان الاحوط الجمع الى العشرة بل الى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها و ان رأت بعض العادة و لم تر البعض من الطرف الاوّل و تجاوز العشرة اتمّها بما بعدها الى العشرة دون ما بعدها فلو كان عادتها سبعة لم تر الى اليوم الثامن فلا نفاس لها و ان لم تر اليوم الاوّل جعلت الثامن أيضا نفاسا و ان لم تر اليوم الثاني فنفاسها الى التاسع و ان لم تر الى الرابع او الخامس او السادس فنفاسها الى العشرة و لا تأخذ التتمة من الحادي عشر فصاعدا لكن الاحوط الجمع فيما بعد العادة الى العشرة بل

الى الثمانية عشر مع الاستمرار.

(1)

أقول امّا عدم كون صاحبة العادة نفساء اذا رأت الدم بعد أيام العادة فلتجاوز أيّام العادة و لم تر فيها الدم و الحال ان وظيفة صاحبة العادة الاخذ بها في زمان العادة لا بعد مضى وقتها و ان كان الاحوط كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه الجمع بين اعمال الطاهر و النفساء الى عشرة أيّام بل الى ثمانية أيام كما قلنا سابقا.

و امّا لو رأت في بعض العادة و لم تر في بعض الاخر و تجاوز عن العشرة بعد الولادة أتم العادة بما بعدها الى العشرة دون ما بعد العشرة مثلا لو كان عادتها سبعة فلم تر فى اليوم الاوّل بعد الولادة و تراه في اليوم الثاني جعلت سبعة أيام نفاسا اولها اليوم الثاني و آخرها اليوم الثامن و كذا لو رأت في اليوم الثالث جعلت اليوم التاسع من النفاس فلو رأت في اليوم الرابع جعلت اليوم العاشر آخر النفاس و امّا لو رأت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 178

الدم فى اليوم الخامس او السادس او السابع جعلت الايام الى العاشر من يوم الولادة نفاس و ان كانت ستة او خمسة او أربعة و لا تأخذ التتمة من الحادى عشر فصاعدا لانّ اكثر النفاس الى العشرة بعد الولادة لكن الاحوط كما قال السيد المؤلّف رحمه اللّه الجمع الى عشرة أيام من يوم رأت المرأة الدم بين اعمال الطاهر و النفساء بل الجمع الى ثمانية عشر مع استمرار الدم لما قلنا سابقا.

***

[مسئلة 4: اعتبر مشهور العلماء فصل أقلّ الطهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اعتبر مشهور العلماء فصل أقلّ الطهر بين الحيض المتقدّم و النفاس و كذا بين النفاس و الحيض المتأخر فلا يحكم بحيضة الدم

السابق على الولادة و ان كان بصفة الحيض او في أيّام العادة اذا لم يفصل بينه و بين النفاس عشرة أيّام و كذا في الدّم المتأخر و الاقوى عدم اعتباره في الحيض المتقدّم كما مرّ نعم لا يبعد ذلك في الحيض المتأخر لكن الاحوط مراة الاحتياط.

(1)

أقول امّا عدم اعتبار مضى العشرة بين الحيض المتقدّم و النفاس فلمّا مرّ من عدم اعتباره فى الفصل المنعقد لحدّ النفاس و كون الفصل بعشرة مختص بالحيضين فيعتبر فى الحكم بكون الدمين حيضا فصل أقل الطهر و امّا فى الدم المتأخر عن النفاس فكما قال السيد المؤلّف رحمه اللّه لا يبعد اعتبار الفصل بأقلّ الطهر بين الحيض المتأخر عن النفاس و نفس دم النفاس لظاهر رواية عبد اللّه المغيرة عن أبى الحسن الاوّل عليه السّلام في امرأة نفست فتركت الصّلاة ثلاثين يوما ثمّ طهرت ثمّ رأت الدم بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 179

ذلك قال تدع الصّلاة لانّ أيامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس. «1»

و ان كان الاحوط كما قال السيّد المؤلّف رحمه اللّه الجمع بين احكام الطاهر و الحائض استحبابا.

***

[مسئلة 5: اذا خرج بعض الطفل و طالت المدّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا خرج بعض الطفل و طالت المدّة الى أن خرج تمامه فالنفاس من حين خروج ذلك البعض اذا كان معه دم و ان كان مبدأ العشرة من حين التمام كما مرّ بل و كذا لو خرج قطعة قطعة و ان طال الى شهر او أزيد فمجموع الشهر نفاس اذا استمرّ الدّم و ان تخلل نقاء فان كان عشرة فطهر و ان كان أقل تحتاط بالجمع بين أحكام الطاهر و النفساء.

(1)

أقول قد مرّ فى الفصل المنعقد لاحكام النفاس حكم هذه

المسألة من كون الدم مع خروج جزء من الولد محكوما بالنفاس و ان كان مبدأ حساب العشرة بعد تمام الولادة.

و كذا الحكم لو خرج قطعة قطعة مع استمرار الدم لانّ الدم منسوب بالولادة.

و امّا مع تخلّل عشرة أيّام بين خروج الدمين فتكون المرأة فى العشرة محكومة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب النفاس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 180

بالطهارة عن النفاس و وجب عليها الصّلاة.

و امّا ان كان ايام الطهر أقل من العشرة فالاحوط مراعاة الاحتياط بالجمع بين احكام الطاهر و النفساء.

***

[مسئلة 6: اذا ولدت اثنين او أزيد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا ولدت اثنين او أزيد فلكل واحد منهما نفاس مستقل فان فصل بينهما عشرة ايام و استمر الدم فنفاسها عشرون يوما لكل واحد عشرة أيّام و ان كان الفصل أقل من عشرة مع استمرار الدم يتداخلان في بعض المدّة و ان فصل بينهما نقاء عشرة أيام كان طهرا بل و كذا لو كان أقل من عشرة على الاقوى من عدم اعتبار العشرة بين النفاسين و ان كان الاحوط مراعاة الاحتياط فى النقاء الاقل كما فى قطعات الولد الواحد.

(1)

أقول امّا انّه لكلّ ولد حكم مستقل من حيث النفاس فلانّ النفاس مترتب على الولادة فاذا تعدّدت الولادة تعدّد النفاس و حكمه.

و أمّا اذا كان الفصل بينهما بعشرة فنفاس كليهما عشرون لانّ اكثر النفاس كما قلنا عشرة.

و امّا مع فصل الاقل بين الولادتين فأيّام نفاسهما يتداخلان لانّ بعد ولادة الثاني شرع نفاسه و بقي بعض مدّة نفاس الاوّل فيتداخلان في ما بقي من أيّام نفاس الاوّل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 181

و امّا مع النقاء بين الولادتين بمعنى ولدت ولدا و انقطع

الدم على العشرة و استمر نقائها الى العشرة ثمّ ولدت ولدا آخر فتكون فى العشرة طاهرة و وجب عليها الصّلاة و الصوم ثمّ صارت نفساء و وجب عليها ترك الصّلاة و الصوم في أيّام نفاسها الثاني.

و امّا ان كانت مدّة النقاء بين الولادتين أقلّ من العشرة فكذلك بناء على الاقوى من عدم اعتبار مضى العشرة بين النفاسين.

و ان كان الأحوط مراعاة الاحتياط فى النقاء الاقل بين الولدين كما كان الاحوط مراعاة ذلك الاحتياط في قطعات الولد الواحد أيضا.

***

[مسئلة 7: اذا استمر الدم الى شهر او أزيد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا استمر الدم الى شهر او أزيد فبعد مضى أيّام العادة فى ذات العادة و العشرة في غيرها محكوم بالاستحاضة و ان كان في ايّام العادة الا مع فصل أقل الطهر عشرة أيام بين دم النفاس و ذلك الدم و حينئذ فان كان فى العادة يحكم عليه بالحيضية و ان لم يكن فيها فترجع الى التمييز بناء على ما عرفت من اعتبار أقل الطهر بين النفاس و الحيض المتأخر و عدم الحكم بالحيض مع عدمه و ان صادف أيّام العادة لكن عرفت أن مراعاة الاحتياط في هذه الصورة اولى.

(1)

أقول في صورة استمرار الدم الى شهر او أزيد تأخذ المرأة بعادتها ان كانت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 182

ذات عادة او تأخذ بالعشرة ان لم تكن ذات عادة و بعد مضى العادة او العشرة يكون الدم محكوما بالاستحاضة و ان كان الدم في زمان عادتها لان اكثر النفاس زمان العادة لمن كانت ذات العادة او عشرة لمن كانت غير ذات العادة.

فان فصل بين دم النفاس و هذا الدم أقلّ الطهر يحكم بكون هذا الدّم حيضا ان كان في ايّام العادة

و ان لم يكن في ايّام العادة فترجع الى التمييز فان كان بصفات الحيض تأخذ بها هذا اذا كان أقل الطهر معتبرا بين دم النفاس و الحيض المتأخر كما قلنا باعتباره تبعا للسيّد المؤلف رحمه اللّه.

فان لم يفصل بين الدمين أقل الطهر فلا يحكم فى الدم الثاني بكونه حيضا لعدم فصل أقل الطهر بينهما و ان كان في أيّام عادتها و لكن مع ذلك مراعاة الاحتياط في هذا المورد حسن بالجمع بين اعمال المستحاضة و تروك الحائض.

***

[مسئلة 8: يجب على النفساء اذا انقطع دمها فى الظاهر الاستظهار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يجب على النفساء اذا انقطع دمها فى الظاهر الاستظهار بادخال قطنة او نحوها و الصبر قليلا و اخراجها و ملاحظتها على نحو ما مرّ فى الحيض.

(1)

أقول تدلّ على حكم هذه المسألة الروايات الواردة فى الاستبراء على الحائض الّتي تقدّمت في مسئلة 23 من المسائل المربوطة باحكام الحائض بناء على كون النفساء كالحائض في تمام الاحكام للاجماع على مساواة النفساء للحائض كما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 183

يتعرض السيّد المؤلف رحمه اللّه لذلك في المسألة العاشرة إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 9: اذا استمر الدم الى ما بعد العادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا استمر الدم الى ما بعد العادة في الحيض يستحب لها الاستظهار بترك العبادة يوما او يومين او الى العشرة على نحو ما مرّ فى الحيض.

(1)

أقول لدلالة رواية زرارة على ذلك قال قلت له النفساء متى تصلّى فقال تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين فان انقطع الدم و الّا و اغتسلت احتشت و استثفرت و صلّت فان جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت ثمّ صلّت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل و ان لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد قلت و الحائض قال مثل ذلك سواء فان انقطع عنها الدم و الّا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء ثمّ تصلّى و لا تدع الصّلاة على حال «1» و تدلّ على ذلك الروايات الواردة في الباب 13 من ابواب الحيض الدالة على استحباب الاستظهار على المرأة الحائض في صورة تجاوز الدم عن ايام عادتها من يوم او يومين او الى العشرة و قد تقدم البحث عنها فبناء على مساوات الحيض و النفاس فى الاحكام تشمل هذا الروايات دم النفاس.

***

______________________________

(1)

الرواية 5 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 184

[مسئلة 10: النفساء كالحائض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: النفساء كالحائض في وجوب الغسل بعد الانقطاع او بعد العادة او العشرة في غير ذات العادة و وجوب قضاء الصوم دون الصّلاة و عدم جواز وطئها و طلاقها و مسّ كتابة القرآن و اسم اللّه و قراءة آيات السجدة و دخول المساجد و المكث فيها و كذا في كراهة الوطء بعد الانقطاع و قبل الغسل و كذا في كراهة الخضاب و قراءة القرآن و نحو ذلك و كذا فى استحباب الوضوء فى اوقات الصلوات و الجلوس فى المصلّى و الاشتغال بذكر اللّه بقدر الصّلاة و ألحقها بعضهم بالحائض فى وجوب الكفارة اذا وطأها و هو أحوط لكن الاقوى عدمه.

(1)

أقول امّا كونها مثل الحائض فى وجوب الغسل بعد الانقطاع او بعد العادة فلرواية زرارة قال قلت له النفساء متى تصلى فقال تقعد قدر حيضها «1» و كذا يستفاد منها حرمة الصّلاة عليها و كذا هذه الرواية دالّة على كون النفساء مثل الحائض فى الاحكام حيث قال فيها (و الحائض قال مثل ذلك سواء) و كذا قال (تصنع مثل النفساء سواء).

و امّا حرمة الصوم و قضائها بعد الغسل فلرواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن ابى الحسن عليه السّلام قال سأله عن النفساء تضع في شهر رمضان بعد صلاة العصر أ تتم ذلك اليوم او تفطر فقال تفطر ثمّ تقضى ذلك اليوم. «2»

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب الاستحاضة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب النفاس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 185

و امّا جواز الوطء

بعد الانقطاع فلرواية عبد اللّه بن بكير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء اللّه. «1»

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 8، ص: 185

و امّا كون الوطء مكروها قبل الغسل فبقرينة رواية مالك بن أعين قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم قال نعم اذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر ايام عدة حيضها ثمّ تستظهر بيوم فلا بأس ان يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها ان أحب. «2»

تحمل الرواية الاولى على الكراهة و امّا بقية الاحكام لها فلدعوى الاجماع على كون النفساء في الاحكام مثل الحائض فبعد ما ثبت هذه الاحكام للحائض كما تقدم في محلّه نقول بها فى النفساء للاجماع المدعى.

***

[مسئلة 11: كيفيّة غسلها كغسل الجنابة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: كيفيّة غسلها كغسل الجنابة الّا أنّه لا يغنى عن الوضوء بل يجب قبله او بعد كسائر الاغسال.

(1)

أقول امّا كون كيفية غسلها مثل غسل الجنابة فبالاطلاق المقامى لانّه بعد ان وجب على النفساء الغسل عند انقطاع الدم و لم يبيّن له كيفية خاصّة و نحوا مخصوصا فمع كون الشارع في مقام بيان موضوع الغسل و حكمه و لم يبيّن الموضوع و قد بين كيفية الغسل في الجنابة فنفهم ان كيفيّة الغسل في النفاس هي الكيفيّة المعهودة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب النفاس من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب النفاس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 186

المذكورة فى الجنابة و الّا

لو كان مراده من الكيفيّة غيرها كان يبيّنها فمن عدم البيان نستكشف كون الغسل من حيث الكيفية فى النفساء مثل الجنابة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 187

فصل: في غسل مسّ الميّت

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 189

قوله رحمه اللّه

فصل فى غسل مسّ الميّت يجب بمسّ ميّت الانسان بعد برده و قبل غسله دون ميّت غير الانسان او هو قبل برده او بعد غسله و المناط برد تمام جسده فلا يوجب برد بعضه و لو كان هو الممسوس و المعتبر فى الغسل تمام الأغسال الثلاثة فلو بقى من الغسل الثالث شي ء لا يسقط الغسل بمسّه و ان كان الممسوس العضو المغسول منه و يكفى في سقوط الغسل اذا كانت الأغسال الثلاثة كلها بالماء القراح لفقد السدر و الكافور بل الأقوى كفاية التيمم او كون الغاسل هو الكافر بأمر المسلم لفقد المماثل لكن الأحوط عدم الاكتفاء بهما و لا فرق فى الميّت بين المسلم و الكافر و الكبير و الصغير حتّى السقط اذا تمّ له أربعة أشهر بل الأحوط الغسل بمسّه و لو قبل تمام أربعة أشهر أيضا و ان كان الاقوى عدمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 190

(1)

أقول في هذا الفصل امور:

الأمر الاوّل: وجوب الغسل على من مسّ ميّت الانسان بعد برده

و قبل غسله و عدم وجوبه قبل البرد و بعد الغسل.

هذا فى الجملة هو المشهور بل ادّعى الاجماع عليه و تدل الأخبار المستفيضة عليه نذكر بعضها تيمنا.

منها رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال قلت الرجل يغمض الميّت أ عليه غسل قال اذا مسّه بحرارته فلا و لكن اذا مسّه بعد ما يرد فليغتسل. «1»

و رواية معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الّذي يغسّل الميّت أ عليه الغسل قال نعم قلت فاذا مسّه و هو سخن قال لا غسل عليه فاذا برد فعليه الغسل قلت و البهائم و الطير اذا مسّها عليه

غسل قال لا ليس هذا كالانسان. «2»

الأمر الثاني: عدم وجوب الغسل على من مسّ ميّت غير الانسان

لصراحة بعض الروايات على ذلك مثل رواية معاوية بن عمّار المتقدم ذكرها فى الامر الاوّل.

الأمر الثالث: المناط فى وجوب الغسل على الماسّ كون المسّ بعد برد تمام جسده

مضافا الى دعوى الاجماع ظهور بعض الروايات عليه مثل الروايتين المتقدمتين فى الامر الاوّل و الثاني.

الأمر الرابع: المعتبر فى سقوط الغسل على من مسّ الميّت تمامية أغسال الثلاثة.

و ان اختلف كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم فى اعتبار هذا الشرط و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب غسل المسّ من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب غسل المسّ من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 191

عدمه لكن الأقوى اعتباره لظهور روايات الباب في ذلك و ما قيل في وجه عدم اعتبار هذا الشرط من انّ الغسل لاجل النجاسة فاذا تم غسل عضو فقد طهر فملاقاة هذا العضو لا يوجب الغسل لا وجه له.

لانّ امر هذا الغسل (بالضم) ليس تابعا لنجاسة العضو الممسوس بخلاف الغسل (بالفتح) الّذي يقع في مسّ المتنجسات.

الأمر الخامس: هل يكفى وقوع الأغسال الثلاثة بالماء القراح

على الميّت لفقد السدر و الكافور لسقوط الغسل على الماسّ او لا يكفى الأقوى الكفاية لشمول الدليل الدال على سقوط الغسل على من مسّ الميّت بعد الأغسال الثلاثة لهذا المورد لانّ ظاهر الدليل الدال على كفاية الغسل بالماء القراح بدلا عن الغسل بالسدر و الكافور عند فقدهما فرديته لما دلّ على وجوب غسل الميّت و ان كان الاحوط الغسل على من مسّه بعد تماميّة الأغسال الثلاثة بالماء القراح.

الأمر السادس: اذا تيمّم الميّت لفقد الماء او غيره

فالأقوى كفايته لسقوط الغسل على من مسّه بعد التيمّم لما قلنا فى الأمر الخامس.

الأمر السابع: اذا وصلت النوبة بغسل الكافر المسلم

او الكافرة المسلمة لفقد المماثل لهما كما يأتي الكلام فيه في باب غسل الميّت ان شاء اللّه.

فيكون حكم هذا المورد حكم فاقد الخليطين و فاقد الماء و ان كان الاحوط الغسل لمن مسّهما.

الأمر الثامن: لا فرق في وجوب مسّ الميّت على الماسّ بين كون الميّت مسلما او كافرا

صغيرا كان او كبيرا لاطلاق النصوص المصرح فيها وجوب الغسل على من مسّ ميّتا لانّ الميّت مطلق يشمل المسلم و الكافر و الصغير و الكبير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 192

الأمر التاسع: و كذا يجب الغسل بمسّ السقط البالغ أربعة أشهر

لشمول الأدلّة له و امّا السقط الّذي لم يبلغ أربعة أشهر فالاحوط الغسل لمسّه لدعوى اطلاق الميّت عليه و ان كان الأقوى عدم الوجوب لانّ الظاهر من النصوص كون المراد من الميّت من كان حيّا ثمّ مات لظهور الحرارة و البرودة في ذلك.

***

[مسئلة 1: فى الماسّ و الممسوس لا فرق بين ان يكون ممّا تحلّه الحياة او لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: فى الماسّ و الممسوس لا فرق بين ان يكون ممّا تحلّه الحياة او لا كالعظم و الظفر و كذا لا فرق فيهما بين الباطن و الظاهر نعم المسّ بالشعر لا يوجبه و كذا مسّ الشعر.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام و لا يمكن الأخذ برواية الفضل عن الرضا عليه السّلام لعدم امكان التمسك بالتعليل الوارد فيها.

***

[مسئلة 2: مسّ القطعة المبانة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: مسّ القطعة المبانة من الميّت او الحىّ اذا اشتملت على العظم يوجب الغسل دون المجرد عنه و أما مسّ العظم المجرد ففي ايجابه للغسل أشكال و الاحوط الغسل بمسّه.

خصوصا اذا لم يمض عليه سنة كما أنّ الأحوط فى السنّ المنفصل من الميّت أيضا الغسل بخلاف المنفصل من الحىّ اذا لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 193

يكن معه لحم معتد به نعم اللحم الجزئى لا اعتناء به.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

الاولى: يجب الغسل على من مسّ القطعة المبانة

من الميّت او الحىّ المشتملة على العظم دو المجردة عنه و هذا ممّا ادّعى عليه الشهرة و الاجماع و يدلّ عليه مرسلة أيوب من نوح عن الصادق عليه السّلام الّتي رواها المشايخ الثلاثة و هي (قال اذا قطع من الرجل قطعة فهي ميّتة فاذا مسّه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه) «1» المنجبر ضعفها بالشهرة و الاجماع.

الثانية: وجوب الغسل في مسّ العظم المجرد من اللحم

و ان كان مورد الخلاف لكن الأقوى وجوبه لانّ المتيقّن من المرسلة ذلك سواء مضى عليه السنة او لم تمض.

و امّا رواية اسماعيل الجعفي «2» الدالّ على التفصيل بين مضى السنة و عدم المضىّ فلا يمكن الركون إليها لأعراض المشهور عنها.

الثالثة: و امّا مسّ اللحم المجرد عن العظم

فلا يوجب الغسل لعدم الدليل عليه.

الرابعة: يجب الغسل بمسّ السنّ المنفصل عن الميّت

لما قلنا في المسألة الاولى من شمول الأدلّة لذلك.

الخامسة: لا يجب الغسل بمسّ السنّ المنفصل عن الحىّ

بلا لحم معتدّ به لعدم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب غسل المسّ من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب غسل المسّ من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 194

الدليل عليه و أمّا اذا كان معه اللحم المعتدّ به تشمله رواية أيوب بن نوح.

***

[مسئلة 3: اذا شكّ في تحقّق المسّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا شكّ في تحقّق المسّ و عدمه او شكّ في ان الممسوس كان انسانا او غيره او كان ميّتا او حيّا او كان قبل برده او بعده او في انّه كان شهيدا أم غيره او كان الممسوس بدنه او لباسه او كان شعره او بدنه لا يجب الغسل في شي ء من هذه الصور.

(1)

أقول لانّ هذه الصور كلها من جملة الشبهات الموضوعيّة و الاصل فيها البراءة فلا يجب فيها الغسل.

*** قال المؤلف رحمه اللّه

نعم اذا علم المسّ و شكّ في انّه كان بعد الغسل او قبله وجب الغسل.

(2)

أقول لوجوب الغسل على من مسّ الميّت و الشكّ في غسل الميّت و الاصل عدم الغسل على الميّت ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه كون المورد من موارد الشك في الغسل و الاصل عدم تحققه و كون المسّ معلوما بالوجدان فتشمله ادلة وجوب الغسل على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 195

من مسّ الميّت الانسان.

و امّا فرض العلم بتحقّق المسّ و الغسل و الشك في المتقدّم و المتأخّر منهما فلها ثلاث صور:

الصورة الاولى: صورة الجهل بتاريخ المسّ فلا يجب الغسل.

الصورة الثانية: صورة الجهل بتاريخهما.

و الصورة الثالثة: صورة الجهل بتاريخ الغسل ففي كليتهما وجب الغسل على الماسّ.

*** قال المؤلف رحمه اللّه

و على هذا يشكل مسّ العظام المجردة المعلوم كونها من الانسان في المقابر

او غيرها نعم لو كانت المقبرة للمسلمين يمكن الحمل على انها مغسلة.

(1)

أقول (قوله رحمه اللّه يمكن الحمل) هذا فى صورة حصول الاطمينان بوقوع الغسل عليها و كونها مغسّلة.

***

[مسئلة 4: اذا كان هناك قطعتان يعلم انّ أحدهما من ميّت الانسان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا كان هناك قطعتان يعلم اجمالا انّ أحدهما من ميّت الانسان فان مسّهما معا وجب عليه الغسل و ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 196

مسّ أحدهما ففي وجوبه اشكال و الاحوط الغسل.

(1)

أقول امّا فى الفرض الاوّل للعلم الاجمالي بمسّ الميّت الانسان و امّا فى الفرض الثاني فالاقوى عدم وجوب الغسل على الماسّ و ان كان الأحوط الغسل بمسّه.

***

[مسئلة 5: لا فرق بين كون المسّ اختياريّا او اضطراريّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا فرق بين كون المسّ اختياريّا او اضطراريّا فى اليقظة او فى النوم كان الماسّ صغيرا او مجنونا او كبيرا عاقلا فيجب على الصغير الغسل بعد البلوغ و الاقوى صحّته قبله أيضا اذا كان مميّزا و على المجنون بعد الافاقه.

(2)

أقول امّا وجوب الغسل على هذه الطوائف لاطلاق الدليل الدال على وجوب الغسل على من مسّ ميّت الانسان.

و امّا صحة الغسل عن الصغير اذا مسّ الميّت قبل البلوغ مع كونه مميزا مبنى على مشروعيّة عبادات الصبيّ كما قلنا في كتابنا هذا في الجزء الثاني منه في مبحث الغسل عن الجنابة من الحرام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 197

[مسئلة 6: في وجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة]

مسئلة 6: في وجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الحيّ لا فرق بين ان يكون الماسّ نفسه او غيره.

(1)

أقول ذلك لاطلاق الدليل المتقدم ذكره في مسئلة 2.

***

[مسئلة 7: ذكر بعضهم أن في ايجاب مسّ القطعة المبانة لا فرق بين ان يكون قبل بردها او بعده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: ذكر بعضهم أن في ايجاب مسّ القطعة المبانة من الحيّ للغسل لا فرق بين ان يكون قبل بردها او بعده و هو أحوط.

(2)

أقول الأقوى اعتبار البرد في وجوب الغسل لاستفادة ذلك من ضم رواية أيوب بن نوح الى روايات الدالة على وجوب الغسل بعد البرد.

***

[مسئلة 8: فى وجوب الغسل اذا خرج من المرأة طفل ميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: فى وجوب الغسل اذا خرج من المرأة طفل ميّت بمجرد مماسته لفرجها اشكال و كذا فى العكس بأن تولد الطفل من المرأة الميّتة فالأحوط غسلها فى الاوّل و غسله بعد البلوغ فى الثانى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 198

(1)

اقول أما فى الفرض الاوّل فيجب الغسل على المرأة الخارج منها الطفل الميّت لشمول الادلة لها.

و امّا فى الفرض الثانى أى خروج الطفل الحىّ من المرأة الميّتة يجب الغسل على الطفل بعد البلوغ.

***

[مسئلة 9: مسّ فضلات الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: مسّ فضلات الميّت من الوسخ و العرق و الدم و نحوها لا يوجب الغسل و ان كان أحوط.

(2)

اقول الأقوى عدم وجوب الغسل لعدم شمول الأدلّة للمورد و الاحتياط حسن.

***

[مسئلة 10: الجماع مع الميّتة بعد البرد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الجماع مع الميّتة بعد البرد يوجب الغسل و يتداخل مع الجنابة.

(3)

اقول امّا وجوب غسل مسّ الميّت على الواطئ للشمول الادلة له.

و أمّا كفاية غسل واحد عن الجنابة و المسّ لما مضى فى بحث تداخل فى كتابنا هذا فى الجزء السابع ص 358.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 199

[مسئلة 11: مسّ المقتول بقصاص او حدّ اذا اغتسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: مسّ المقتول بقصاص او حدّ اذا اغتسل قبل القتل غسل الميّت لا يوجب الغسل

(1)

أقول و ان اختلف انظار الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم فى وجوب غسل المسّ فى المورد و عدمه لكن الأقوى عدم الوجوب لأنّ المستفاد من الدليل كون غسل هذه الطوائف قبل القتل غسل الميّت بعد الموت و معناه وقوع المسّ بعد الغسل و ان كان الأحوط الغسل بمسّها.

***

[مسئلة 12: مسّ سرة الطفل بعد قطعها لا يوجب الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: مسّ سرة الطفل بعد قطعها لا يوجب الغسل.

*** (2)

اقول لعدم كون المسّ مسّا للميّت و لا كونه مسّ القطعة المبانة الواجب فيها الغسل لعدم وجود العظم فيها.

***

[مسئلة 13: اذا يبس عضو من أعضاء الحىّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا يبس عضو من أعضاء الحىّ و خرج منه الروح بالمرّة مسّه ما دام متصلا ببدنه لا يوجب الغسل و كذا اذا قطع عضو منه و اتّصل ببدنه بجلدة مثلا نعم بعد الانفصال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 200

اذا مسّه وجب الغسل بشرط ان يكون مشتملا على العظم.

(1)

اقول فى فرض الاوّل و هو فرض يبوسة العضو و كذا فى الفرض الثانى و هو فرض قطع العضو و اتصاله بالجلد لا يوجب مسهما الغسل لعدم كونهما من مسّ الميّت و لا من مسّ القطعة المبانة لفرض اتصالهما بالبدن.

و امّا فرض الثالث و هو صورة قطع العضو فكما قال المؤلف رحمه اللّه وجب بمسّه الغسل اذا كان مشتملا على العظم لكونه القطعة المبانة المشتملة على العظم فقد مر حكمها من وجوب الغسل بمسّها.

***

[مسئلة 14: مسّ الميّت ينقض الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: مسّ الميّت ينقض الوضوء فيجب الوضوء مع غسله.

(2)

اقول لا دليل على كون المسّ ناقضا للوضوء لعدم عدّه من موجبات نقض الوضوء و لعدم ما قيل من كونه دليلا دليل عليه لان ما قيل او يمكن ان يقال دليلا له روايتان او رواية واحده باعتبار كون المرسل فيها هو ابن ابى عمير و لا تدلان على ذلك لعدم كونهما فى مقام البيان من جهة نقض المسّ الوضوء بل تكونان فى مقام البيان من جهة تداخل الأغسال.

فارجع كتابنا هذا الجزء السابع ص 237.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 201

[مسئلة 15: كيفية غسل المسّ مثل غسل الجنابة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: كيفية غسل المسّ مثل غسل الجنابة الّا أنّه يفتقر الى الوضوء أيضا.

(1)

اقول يدل عليه بعض الاخبار الواردة فى من اجتمع عليه الأغسال المتعدّدة فى المسألة المتعرّضة فى بحث غسل الجنابة ذكرناها فى الجزء السابع من كتابنا هذا ص 358.

***

[مسئلة 16: يجب هذا الغسل لكل واجب مشروط بالطهارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: يجب هذا الغسل لكل واجب مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر و يشترط فيما يشترط فيه الطهارة.

(2)

اقول ما نرى من كلمات الفقهاء رضوان تعالى عليهم كون شرطية غسل الميّت لكل عمل مشروط بالطهارة مشهورا و لا يرى مخالف له.

إلّا صاحب المدارك رحمه اللّه الشريف.

و المراجع فى الاخبار الواردة فى غسل مسّ الميّت و فى صورة اجتماع الأغسال على الشخص يرى ظهورها فى كون غسل مسّ الميّت شرطا فى كل ما كان مشروطا بالطهارة و يؤيده ما روى عن الفضل عن الرضا عليه السّلام و ما فى فقه الرضوى عليه السّلام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 202

[مسئلة 17: يجوز للماسّ قبل الغسل دخول المساجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: يجوز للماسّ قبل الغسل دخول المساجد و المشاهد و المكث فيها و قراءة العزائم و وطؤها ان كانت امرأة فحال المسّ حال الحدث الأصغر ألا فى ايجاب الغسل للصلاة و نحوها.

(1)

اقول لعدم دليل على عدم جواز ذلك كلّه.

***

[مسئلة 18: الحدث الاصغر و الاكبر فى اثناء هذا الغسل لا يضرّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الحدث الاصغر و الاكبر فى اثناء هذا الغسل لا يضرّ بصحته نعم لو مسّ فى اثنائه ميتا وجب استينافه.

(2)

اقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام قد مضى البحث عنه منّا فى الجزء السابع من كتابنا هذا ص 231 الى 243.

***

[مسئلة 19: تكرار المسّ لا يوجب تكرر الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: تكرار المسّ لا يوجب تكرر الغسل و لو كان الميّت متعدّدا كسائر الاحداث.

(3)

اقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه صحيح لما قلنا من عدم تكرر الحدث.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 203

[مسئلة 20: لا فرق فى ايجاب المسّ للغسل بين ان يكون مع الرطوبة او لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: لا فرق فى ايجاب المسّ للغسل بين ان يكون مع الرطوبة او لا نعم فى ايجابه للنجاسة يشترط ان يكون مع الرطوبة على الأقوى و ان كان الأحوط الاجتناب اذا مسّ مع اليبوسة خصوصا فى ميت الانسان و لا فرق فى النجاسة مع الرطوبة بين ان يكون بعد البرد او قبله و ظهر من هذا أن مسّ الميّت قد يوجب الغسل و الغسل كما اذا كان بعد البرد و قبل الغسل مع الرطوبة و قد لا يوجب شيئا كما اذا كان بعد الغسل او قبل البرد بلا رطوبة و قد يوجب الغسل دون الغسل كما اذا كان بعد البرد و قبل الغسل بلا رطوبة و قد يكون بالعكس كما اذا كان قبل البرد مع الرطوبة.

(1)

اقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام و وجهه ظاهر

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 205

فصل: في أحكام الأموات

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 207

قوله رحمه اللّه

فصل فى أحكام الأموات اعلم ان من أهم الأمور و أوجب الواجبات التوبة من المعاصى و حقيقتها الندم و هو من الأمور القلبية و لا يكفى مجرد قوله (أستغفر اللّه) بل لا حاجة إليه مع الندم القلبى و ان كان أحوط و يعتبر فيها العزم على ترك العود إليها و المرتبة الكاملة منها ما ذكره أمير المؤمنين عليه السّلام.

(1)

اقول أمّا وجوب التوبة من المعاصى فلا اشكال فيه بل هو من المسلّمات نقلا و عقلا فيقع الكلام فى بعض خصوصيّاتها فى طىّ أمور:

الأمر الاوّل: الكلام فى حقيقة التوبة

و هى الندم من المعاصى و العزم على عدم العود إليها و يظهر هذا المعنى من مجموع ما يستفاد من الكتاب و السنه و ليس المقام مقام تطويل البحث فى حقيقة التوبة أزيد من ذلك.

الأمر الثانى: فى كون وجوبها مولويّا او إرشاديّا او كليهما

و الحقّ كونه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 208

مولويّا و ارشاديّا.

امّا الوجوب الإرشادى فلا اشكال فيه لحكم العقل و الشرع عليه.

و أمّا كونه مولويّا لظهور بعض الآيات الشريفة و النصوص الكثيرة على وجوبها.

و أمّا الاشكال فى كون الوجوب مولويا من باب لزوم التسلسل لا وجه له لانّ الأمر الاوّل بها دال بالوجوب المولوى و الأمر الثانى بعد الأمر الاوّل ارشادى.

الأمر الثالث: ظاهر أدلّة الباب شمولها لجميع المعاصى

سواء كانت المعاصى من الكبائر او من الصغائر.

الأمر الرابع: لا اشكال فى فوريّة وجوب التوبة

و لا فرق لظهور علائم الموت و عدمه لحكم العقل بذلك و لظهور الأمر فى الفوريّة.

الأمر الخامس: لا يكفى فى تحقّق التوبة قول المذنب أستغفر اللّه بلا ندم

و بلا عزم على عدم العود.

نعم قد يكون كاشفا عن التوبة المحقّقة بالندم و العزم على عدم العود.

الأمر السادس: قد عرفت ان حقيقة التوبة هو الندم عن المعاصى

و العزم على عدم العود إليها.

و ان كانت المرتبة الكاملة منها ما فى بعض الروايات مثل ما نقله السيد الرضى رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام فى نهج البلاغة فراجع الوسائل ج 11 من باب 87 من ابواب جهاد النفس ح 3.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 209

[مسئلة 1: يجب عند ظهور أمارات الموت اداء حقوق الناس الواجبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب عند ظهور أمارات الموت اداء حقوق الناس الواجبة و ردّ الودائع و الأمانات التى عنده مع الامكان و الوصيّة بها مع عدمه مع الاستحكام على وجه لا يعتريها الخلل بعد موته.

(1)

أقول الأقوى التفصيل بين ما كان واجبا ردّه فعلا فلا يتوقف على ظهور أمارات الموت بل يجب ردّه فورا.

و بين ما لا يجب ردّه الا لوقته فيجب فى هذا القسم رده مع الإمكان و مع عدم الإمكان وجبت الوصيّة لرده مع الاستحكام كما قاله المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 2: اذا كان عليه الواجبات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا كان عليه الواجبات الّتي لا تقبل النيابة حال الحياة كالصلاة و الصوم و الحجّ و نحوها وجب الوصيّة بها اذا كان له مال بل مطلقا اذا احتمل وجود متبرّع و فيما على الولىّ كالصلاة و الصوم الّتي فاتته لعذر يجب إعلامه او الوصيّة باستيجارها أيضا.

(2)

اقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام و لا يبعد كون مراده من نحوها الفعل العبادى الواجب عليه بالنذر و اخويه و لم يأت به.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 210

[مسئلة 3: يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث لكن لا يجوز له تفويت شي ء منه على الوارث بالاقرار كذبا لانّ المال بعد موته يكون للوارث فاذا أقرّ به لغيره كذبا فوّت عليه ماله نعم اذا كان له مال مدفون فى مكان لا يعلمه الوارث يحتمل عدم وجوب اعلامه لكنّه أيضا مشكل و كذا اذا كان له دين على شخص و الأحوط الاعلام و اذا عدّ عدم الاعلام تفويتا فواجب يقينا.

(1)

اقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: يجوز للمالك تمليك تمام ماله لغير الوارث

فى حال صحته و كمال عقله لان له السلطان على ماله و أمره بيده و كذا له ذلك فى حال مرضه و هو المعروف بمنجّزات المريض للاخبار الدالة على ذلك.

المسألة الثانية: هل يجوز للمالك الاقرار كذبا بتمام المال لغير الورثة

او بعضه أو لا.

الظاهر أن نظر السيد المؤلف رحمه اللّه رجوع هذا الاقرار الى الوصية لقيده فى الفرض (بعد موته).

فالاقوى عدم نفوذ هذا الاقرار و عدم ترتيب اثر عليه لموجبيته لتفويت المال على الورثة.

المسألة الثالثة: لو كان للموصى مال مدفون فى مكان لا يعلمه الورثة

فيجب اعلام المالك الورثة بذلك لانّ تركه يوجب تقويت المال عليها.

المسألة الرابعة: لو كان للمالك دين على شخص

و كونه مديونا له وجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 211

عليه اعلامه الورثة بذلك فى صورة جهلهم به لانّ فى عدم اعلامه تفويت مال الغير بل قلنا.

فى مسئلة 1 وجب عليه اداء الدين فورا و ان لم يمكن له وجب الإيصاء به.

***

[مسئلة 4: لا يجب عليه نصب قيّم على أطفاله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجب عليه نصب قيّم على أطفاله الا اذا عدّ عدمه تضييعا لهم او لمالهم و على تقدير النصب يجب ان يكون أمينا و كذا اذ عيّن على أداء حقوقه الواجبة شخصا يجب ان يكون أمينا نعم لو اوصى بثلثه فى وجوه الخيرات غير الواجبة لا يبعد عدم وجوب كون الوصى عليها أمينا لكنّه أيضا لا يخلو عن اشكال خصوصا اذا كانت راجعة الى الفقراء.

(1)

اقول ما يأتى بالنظر تمامية ما افاده المؤلف رحمه اللّه فى هذه المسألة فراجع الكتب المعدّة لذلك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 213

فصل: في آداب المريض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 215

قوله رحمه اللّه

فصل فى آداب المريض و ما يستحب عليه و هى أمور:

الاوّل: الصبر و الشكر للّه تعالى.

الثانى: عدم الشكاية من مرضه الى غير المؤمن و حد الشكاية ان يقول ابتليت بما لم يبتل به أحد او أصابنى ما لم يصب أحدا و أمّا اذا قال سهرت البارحة او كنت محموما فلا بأس به.

الثالث: ان يخفى مرضه الى ثلاثة أيام.

الرابع: ان يجدّد التوبة.

الخامس: ان يوصى بالخيرات للفقراء من ارحامه و غيرهم.

السادس: ان يعلم المؤمنين بمرضه بعد ثلاثة أيّام.

السابع: الإذن لهم فى عيادته.

الثامن: عدم التعجيل فى شرب الدواء و مراجعة الطبيب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 216

إلا مع اليأس من البرء بدونها.

التاسع: ان يجتنب ما يحتمل الضرر.

العاشر: ان يتصدق هو و أقرباؤه بشي ء قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم داووا مرضاكم بالصدقة.

الحادى عشر: ان يقرّ عند حضور المؤمنين بالتوحيد و النبوّة و الامامة و المعاد و سائر العقائد الحقة.

الثانى عشر: ان ينصب قيّما امينا على صغاره

و يجعل عليه ناظرا.

الثالث عشر: ان يوصى بثلث ماله ان كان مؤسرا.

الرابع عشر: أن يهيّئ كفنه و من أهم الأمور احكام أمر وصيته و توضيحه و اعلام الوصىّ و الناظر بها.

الخامس عشر: حسن الظنّ باللّه عند موته بل قيل بوجوبه فى جميع الاحوال و يستفاد من بعض الاخبار وجوبه حال النزع.

(1)

اقول ما قاله السيد المؤلف فى محله لدلالة الاخبار على هذه الامور.

راجع الوسائل ج 2 الابواب 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 8 و 30 و 31 من ابواب الاحتضار.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 217

[فصل فى استحباب عيادة المريض و آدابها]

قوله رحمه اللّه

فصل فى استحباب عيادة المريض و آدابها عيادة المريض من المستحبات المؤكّدة و فى بعض الأخبار أن عيادته عيادة اللّه تعالى فانه حاضر عند المريض المؤمن و لا تتأكد فى وجع العين و الضرس و الدمل و كذا من أشتد مرضه او طال و لا فرق بين ان تكون فى الليل او فى النهار بل يستحب فى الصباح و المساء و لا يشترط فيها الجلوس و بل لا السؤال عن حاله و لها آداب.

الاوّل: ان يجلس عنده و لكن لا يطيل الجلوس الا اذا كان المريض طالبا.

الثانى: ان يضع العائد احدى يديه على الاخرى او على جبهته حال الجلوس عند المريض.

الثالث: ان يضع يده على زراع المريض عند الدعاء له او مطلقا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 218

الرابع: ان يدعو له بالشفاء و الاولى ان يقول (اللهم اشفه بشفائك و داوه بدوائك و عافه من بلائك.

الخامس: ان يستصحب هدية له من فاكهة او نحوها مما يفرّحه و يريحه.

السادس: ان يقرأ عليه فاتحة الكتاب سبعين مرة

او أربعين مرّة او سبع مرّات او مرّة واحده فعن ابى عبد اللّه عليه السّلام (لو قرأت الحمد على ميّت سبعين مرّة ثمّ ردّت فيه الروح ما كان عجيبا) و فى الحديث (ما قرأ الحمد على وجع سبعين مرّة الّا سكن باذن اللّه) و ان شئتم فجرّبوا و لا تشكوا و قال الصادق عليه السّلام (من نالته علّة فليقرأ فى جيبه الحمد سبع مرّات) و ينبغى ان ينفض لباسه بعد قراء الحمد عليه.

السابع: ان لا يأكل عنده ما يضرّه و يشتهيه.

الثامن: أن لا يفعل عنده ما يغيضه او يضيق خلقه.

التاسع: ان يلتمس منه الدعاء فانّه ممّن يستجاب دعاؤه فعن الصادق عليه السّلام ثلاثة يستجاب دعاؤهم الحاج و الغازى و المريض.

(1)

أقول ما أفاده رحمه اللّه فى هذا الفصل فى محله لدلالة الاخبار عليه راجع الوسائل ج 2 الابواب 15 و 16 17 13 و 11 و 12 من ابواب الاحتضار.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 219

[فصل فى ما يتعلّق بالمحتضر]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى ما يتعلّق بالمحتضر ممّا هو وظيفة الغير و هى أمور:

[الاوّل: توجيهه الى القبلة]

الاوّل: توجيهه الى القبلة بوضعه على وجه لو جلس كان وجهه الى القبلة و وجوبه لا يخلو عن قوة بل لا يبعد وجوبه على المحتضر نفسه أيضا و إن لم يمكن بالكيفية المذكورة فبالممكن منها و الا فبتوجيهه جالسا او مضطجعا على الأيمن او على الأيسر مع تعذر الجلوس و لا فرق بين الرجل و الامرأة و الصغير و الكبير بشرط ان يكون مسلما و يجب أن يكون ذلك باذن وليه مع الامكان و الّا فالأحوط الاستيذان من الحاكم الشرعى و الأحوط مراعاة الاستقبال بالكيفية المذكورة فى جميع الحالات الى ما بعد الفراغ من الغسل و بعده فالاولى وضعه بنحو ما يوضع حين الصلاة عليه الى حال الدفن بجعل رأسه الى المغرب و رجله الى المشرق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 220

(1)

اقول فى الأمر الاوّل أمور:

الأمر الاوّل: ادّعى الشهرة على وجوب توجيهه الميّت الى القبلة و لا يبعد ذلك بل قوى.

الأمر الثانى: كون وجوب التوجيه الى القبلة على نفس المختصر غير بعيد.

الأمر الثالث: الكيفية المذكورة فى التوجيه واجبة مع الامكان و مع عدم امكان التوجيه بهذا النحو لا يجب مرتبة ادنى منها و ليس المورد مورد التمسك بقاعدة الميسور لعدم ورود دليل على كون غيرها ميسورة لها.

الأمر الرابع: لا فرق فى وجوب توجيه المختصر الى القبلة بين الرجل و المرأة و الصغير و الكبير لاطلاق الدليل.

الأمر الخامس: شرط وجوب توجيه الميّت الى القبلة كونه مسلما و ارسلوه ارسال المسلمات.

الأمر السادس: توجيه الميّت الى القبلة واجب على الولى لانّه اولى به فيحتاج توجيه الغير الميّت من الاستيذان من الولى

و مع عدم امكان الاستيذان منه فالاقوى الاستيذان من الحاكم الشرعى.

الأمر السابع: فالاقوى لزوم مراعاة الكيفية المذكورة فى جميع الحالات الى ما بعد الفراغ من الغسل.

الأمر الثامن: الأقوى أيضا كون وضعه بعد الغسل الى حال الدفن بنحو ما وضع فى حال الصلاة عليه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 221

[الثانى: يستحب تلقينه الشهادتين]

الثانى: يستحب تلقينه الشهادتين و الإقرار بالأئمة الاثنى عشر و ساير الاعتقادات الحقة على وجه يفهم بل يستحب تكرارها الى ان يموت و يناسب قراءة العديلة.

(1)

اقول راجع الوسائل ج 2 الباب 36 و 37 من ابواب الاحتضار.

***

[الثالث: تلقينه كلمات الفرح]

الثالث: تلقينه كلمات الفرح و أيضا هذا الدعاء (اللهم اغفر لى الكثير من معاصيك و اقبل منى اليسير من طاعتك) و أيضا (يا من يقبل اليسير و يعفوا عن الكثير اقبل من اليسير و اعف عنى الكثير انك أنت العفو الغفور) و أيضا (اللهم ارحمنى فانك رحيم).

(2)

اقول راجع الوسائل جلد 2 الباب 38 و 39 من ابواب الاحتضار مستدرك الوسائل الباب 29 من ابواب الاحتضار.

***

[الرابع: نقله الى مصلاه]

الرابع: نقله الى مصلاه اذا عسر عليه النزع بشرط ان لا يوجب اذاه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 222

(1)

اقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه فى هذا الامر فى محله راجع الوسائل ج 2 الباب 40 ج 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7.

***

[الخامس: قراءة سوره (ياسين) و (الصافات) لتعجيل راحته]

الخامس: قراءة سوره (ياسين) و (الصافات) لتعجيل راحته و كذا آية الكرسى الى (هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ) و آية السخرة و هى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ) الى آخر الآية و ثلاث آيات من آخر سوره البقرة (لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ) الى آخر سورة البقرة و يقرأ سورة الاحزاب بل مطلق قراءة القرآن.

(2)

اقول راجع الوسائل ج 2 الباب 41 من ابواب الاحتضار و راجع المستدرك الوسائل الباب 39 من ابواب الاحتضار ج 5 و المستدرك أيضا الباب 41 من ابواب قراءة القرآن ج 1.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 223

[فصل فى المستحبات بعد الموت]

قوله رحمه اللّه

فصل فى المستحبات بعد الموت و هى امور:

الاوّل: تغميض عينيه و تطبيق فمه

الثانى: شدّ فكيه.

الثالث: مدّ يديه الى جنبيه.

الرابع: مدّ رجليه.

الخامس: تغطيته بثوب.

السادس: الاسراج فى المكان الّذي مات فيه ان مات فى الليل.

السابع: اعلام المؤمنين ليحضروا جنازته.

الثامن: التعجيل فى دفنه فلا ينتظرون الليل ان مات فى النهار و لا النهار ان مات فى الليل الّا اذا شك فى موته فينتظر حتّى اليقين و ان كانت حاملا مع حياة ولدها فالى ان يشق جنبها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 224

الأيسر لإخراجه ثمّ خياطته.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه فى هذا الفصل تمام لدلالة الاخبار عليه فراجع الوسائل ج 2 ابواب 44 و 45 و 46 و 47 و 48 من ابواب الاحتضار و كذا جواهر الكلام ج 4 ص 23.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 225

[فصل فى المكروهات]

قوله رحمه اللّه

فصل فى المكروهات و هى امور:

الأول: أن يمسّ فى حال النزع فانه يوجب أذاه.

الثانى: تثقيل بطنه بحديد او غيره.

الثالث: ابقاءه وحده فانّ الشيطان يعبث فى جوفه.

الرابع: حضور الجنب و الحائض عنده حالة الاحتضار.

الخامس: التكلم زائدا عنده.

السادس: البكاء عنده.

السابع: ان يحضره عملة الموتى.

الثامن: ان يخلّى عنده النساء وحدهنّ خوفا من صراخهنّ عنده.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 226

(1)

اقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام لدلالة الاخبار عليه راجع الوسائل ج 2 الباب 42 و 43 و راجع جواهر الكلام ج 4 ص 27 و 28 و 29.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 227

[فصل فى حكم كراهة الموت]

قوله رحمه اللّه

فصل فى حكم كراهة الموت لا يحرم كراهة الموت نعم يستحب عند ظهور أماراته ان يحبّ لقاء اللّه تعالى و يكره تمنى الموت و لو كان فى شدّة و بليّة بل ينبغى (ان يقول اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى و توفنى اذا كانت الوفاة خيرا لى) و يكره طول الأمل و ان يحسب الموت بعيدا عنه و يستحب ذكر الموت كثيرا و يجوز الفرار من الوباء و الطاعون و ما فى بعض الأخبار من أنّ الفرار من الطاعون كالفرار من الجهاد مختص بمن كان فى ثغر من الثغور لحفظه نعم لو كان فى المسجد و وقع الطاعون فى أهله يكره الفرار منه.

(1)

اقول ما افاده السيد المؤلف رحمه اللّه تمام راجع الوسائل ج 2 ابواب 19 و 20 و 23

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 228

و 24 و 32 من ابواب الاحتضار.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 229

[فصل فى انّ وجوب تجهيز الميّت كفائي]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى انّ وجوب تجهيز الميّت كفائي الاعمال الواجبة المتعلّقة بتجهيز الميّت من التغسيل و التكفين و الصلاة و الدفن من الواجبات الكفائيّة فهى واجبة على جميع المكلفين و تسقط بفعل البعض فلو تركوا أجمع أثموا أجمع و لو كان ممّا يقبل صدوره عن جماعة كالصلاة إذا قام به جماعة فى زمان واحد اتصف فعل كل منهم بالوجوب نعم يجب على غير الولىّ الاستيذان منه و لا ينافى وجوبه وجوبها على الكل لان الاستيذان منه شرط صحة الفعل لا شرط وجوبه و إذا امتنع الولىّ من المباشرة و الاذن يسقط اعتبار أذنه نعم لو أمكن للحاكم الشرعى اجباره له ان يجبره على أحد الأمرين و

ان لم يمكن يستأذن من الحاكم و الأحوط الاستيذان من المرتبة المتاخّرة أيضا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 230

(1)

اقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه فى محله لان مقتضى بعض الأدلة كونها واجبة على الكل و لا ينافى ذلك وجوب استيذان الغير من الولى.

لانّ الأذن من الولى شرط صحة ذلك الأعمال و ان امتنع من المباشرة و الأذن يسقط اعتبار أذنه و على الحاكم الشرعى اجباره على المباشرة او الأذن و فى صورة عدم امكان اجباره يجب على غير الولى الاستيذان من الحاكم الشرعى و الأحوط مع ذلك الاستيذان من المرتبة المتأخرة أيضا.

***

[مسئلة 1: الأذن أعم من الصريح و الفحوى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الأذن أعم من الصريح و الفحوى و شاهد الحال القطعى.

(2)

أقول لطريقية كل ذلك على الاذن من الولى.

***

[مسئلة 2: اذا علم بمباشرة بعض المكلفين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا علم بمباشرة بعض المكلفين يسقط وجوب المبادرة و لا يسقط أصل الوجوب الّا بعد اتيان الفعل منه او من غيره فمع الشروع فى الفعل أيضا لا يسقط الوجوب فلو شرع بعض المكلفين بالصلاة يجوز لغيره الشروع فيها بنية الوجوب نعم اذا أتم الاوّل يسقط الوجوب عن الثانى فيتمها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 231

بنية الاستحباب.

(1)

اقول لان التكليف يسقط عن الكل باتيان البعض بالمأمور به فى الخارج فما لم لا يأت به لا يسقط عن الكل فلهذا تظهر الثمرة فيما لو شرع شخص فى الصلاة على الميّت جواز الشروع لشخص آخر فى الصلاة بنيّة الوجوب.

***

[مسئلة 3: الظن بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الظن بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة فضلا عن الشك.

(2)

أقول لانّ الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية.

***

[مسئلة 4: اذا علم صدور الفعل عن غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا علم صدور الفعل عن غيره سقط عنه التكليف ما لم يعلم بطلانه و ان شك فى الصحة بل و ان ظنّ البطلان فيحمل فعله على الصحة سواء كان الغير عادلا او فاسقا.

(3)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه فى محله لقاعدة الصحة فى عمل الغير الّا فى صورة العلم بفساد فعله.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 232

[مسئلة 5: كل ما لم يكن من تجهيز الميّت مشروطا بقصد القربة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: كل ما لم يكن من تجهيز الميّت مشروطا بقصد القربة كالتوجيه الى القبلة و التكفين و الدفن يكفى صدوره من كل من كان من البالغ العاقل أو الصبى او المجنون و كل ما يشترط فيه قصد القربة كالتغسيل و الصلاة يجب صدوره من البالغ العاقل.

فلا يكفى صلاة الصبى عليه ان قلنا بعدم صحة صلاته بل و ان قلنا بصحتها كما هو الأقوى على الأحوط نعم اذا علمنا بوقوعها منه صحيحة جامعة لجميع الشرائط لا يبعد كفايتها لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط.

(1)

اقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام فى محله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 233

[فصل فى مراتب الاولياء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى مراتب الاولياء قوله رحمه اللّه

[مسئلة 1: الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها]
اشارة

مسئلة 1: الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها حرّة كانت او أمة دائمة او منقطعة و ان كان الأحوط فى المنقطعة الاستيذان من المرتبة اللاحقة أيضا ثمّ بعد الزوج المالك اولى بعبده او أمته من كل أحد و اذا كان متعدّدا اشتركوا فى الولاية بعد المالك طبقات الأرحام بترتيب الإرث.

فالطبقة الاولى و هم الأبوان و الأولاد مقدمون على الثانية و هم الاخوة و الأجداد و الثانية مقدمون على الثالثة و هم الاعمام و الأخوال ثمّ بعد الأرحام المولى المعتق ثمّ ضامن الجريرة الحاكم الشرعى ثمّ عدول المؤمنين.

(1)

أقول فى هذه المسألة أمور:

[الامر] الاوّل الزوج اولى بزوجته من جميع أقاربها

فى تجهيزها و يدل عليه مضافا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 234

الى دعوى الاجماع و لا خلاف خبر اسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال الزوج احق بامرأته حتّى يضعها فى قبرها. «1»

و خبر أبى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له المرأة تموت من أحق الناس بالصلاة عليها قال زوجها قلت الزوج أحق من الأب و الولد و الأخ قال نعم و يغسلها «2».

و يعارضها خبر حفص بن البخترى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى المرأة تموت و معها أخوها و زوجها أيّهما يصلّى عليها قال أخوها أحق بالصلاة عليها «3».

و خبر عبد الرحمن عن أبى عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها او الأخ قال الأخ «4».

لكن فى مقام التعارض حيث كان اوّل المرجحات الشهرة سواء كانت الشهرة الفتوائية او الروائية هى مع الخبرين الأولين فلا بد من الأخذ بهما و لو وصل الأمر بالمرجح الثانى و هو مخالفة العامة فلا بد

من الأخذ بهما أيضا لكونها مخالفين للعامة و خبر حفص و عبد الرحمن موافقان للعامة.

الأمر الثانى: لا فرق فى الزوجة بين كونها حرّة او أمة

دائمة او منقطعة لاطلاق الدليل لانّ الزوجة تشمل كلها.

الأمر الثالث ان بعد الزوج المالك بالنسبة الى عبده و أمته اولى

من كل احد و بعدهما اولى الناس بالميّت اولاهم به للاخبار الدالة على ذلك مثل ما رواه غياث

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 24 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 24 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 235

بن ابراهيم الرازى عن جعفر عن أبيه عن على عليهما السّلام أنه قال يغسّل الميّت اولى الناس به «1».

و ما رواه على بن الحسين قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام يغسل الميّت اولى الناس به أو من يأمره الولى بذلك. «2»

و ما رواه ابن أبى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال يصلى على الجنازة اولى الناس بها او يأمر من يحب «3».

و ما رواه ابن أبى نصر عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال يصلّى على الجنازة اولى الناس بها أو يأمر من يحب «4».

و أن استشكل فى الأخبار بالارسال و غيره لكنّه لا يضرّ لان المسألة متسالم عليها بين الاصحاب و ضعفها منجر بالشهرة و التسالم.

و اما كون المالك اولى بالعبد و الأمة من كل أحد لانهما ملك له و المالك أحق بملكه من غيره لانّ الملكيّة باقية بعد الموت أيضا.

و المراتب المذكورة فى الولاية فى تجهيز الميّت كانت كما ذكرها السيد المؤلف رحمه اللّه لانه فى باب الارث ثبتت كما قال راجع الوسائل ج 17 ص 412 ابواب موجبات الارث و ص 538 ابواب ميراث

ولاء العتق و ص 545 ابواب ولاء ضامن الجريرة و الامامة.

و عليها التسالم من الاصحاب قدس اللّه سرهم فى باب تجهيز الميّت بهذا النحو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب غسل الميت من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 23 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 236

كما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه لكن نقول هنا على حسب الاجمال أنّ المراد بولى الميّت هو اولى الناس بميراثه كما صرح به غير واحد من الاصحاب بل نفى الخلاف عنه بعضهم ناسبا له الى الاصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه و لعل ذلك يكون كالقرينة على ان المراد بالأولى فيما تقدم من النصوص ذلك ان لم نقل أنه اعتبار المنساق منه و يمكن ان يستأنس له زيادة عليه بحسنة حفص البخترى عن الصادق عليه السّلام فى الرجل يموت و عليه الصلاة او صيام قال يقضى عنه أولى الناس بميراثه قلت فان كان أولى به امرأة قال لا الا الرجال «1».

***

[مسئلة 2: فى كل طبقة الذكور مقدّمون على الاناث]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: فى كل طبقة الذكور مقدّمون على الاناث و البالغون على غيرهم و من متّ الى الميّت بالأب و الأم اولى ممن مت بأحدهما و من انتسب إليه بالأب اولى ممّن انتسب إليه بالأم و فى الطبقة الاولى الأب مقدّم على الام و الاولاد و هم مقدّمون على اولادهم و فى الطبقة الثانية الجدّ مقدّم على الاخوة و هم مقدّمون على اولادهم و فى الطبقة الثالثة العمّ مقدّم على الخال و هما على اولادهما.

(1)

أقول فى

هذه المسألة أمور:

الأمر الاوّل: يقع الكلام فى تقديم الرجال على النساء فى كل طبقة

فنقول

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 4، ص 41.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 237

و ان صرّح بعض بتقديم الرجال على النساء فى باب الغسل و بعض فى باب الصلاة على الميّت.

لكن لم يذكر له دليل و ما ذكر من الوجوه من كون الرجل أعقل من المرأة او أنه أقوى منها فى الأمور و أبصر او انه أقرب الى الصلاح منها ليس بتمام لكن الحكم متسالم عليه بين الاصحاب و يمكن التمسك له بحسنة حفص البخترى المذكور فى الأمر الثالث فى مسئلة 1 و لكن مع ذلك الأحوط الاستيذان من الرجال و النساء اذا كانا فى طبقة واحده.

الأمر الثاني: اذا اجتمع البالغ و غير البالغ فى طبقة واحدة

ما يأتى بالنظر عدم ولاية لغير البالغ و لا لوليه فى أمر الميّت لقصور غير البالغ فى أمر نفسه و فى أمر غيره بطريق اولى و ولاية ولى الصغير مختص بأمر نفس الصغير.

الأمر الثالث: من مت الى الميت بالأب و الأم اولى ممن مت إليه بأحدهما

و من انتسب إليه بالأب اولى ممن انتسب إليه بالام.

أقول كما هو مشهور و يدل عليه ما رواه هشام بن سالم عن يزيد الكناسى عن أبى جعفر عليه السّلام قال ابنك اولى بك من ابن ابنك و ابن ابنك أولى بك من أخيك قال و أخوك لأبيك و امك اولى بك من اخيك لابيك و اخوك لابيك اولى بك من اخيك لامك قال و ابن اخيك لابيك و امك اولى بك من ابن اخيك لابيك و قال و ان أخيك من ابيك اولى بك من عمك قال و عمك أخو أبيك من ابيه و أمه اولى بك من عمك أخى أبيك من أبيه.

قال و عمّك اخو أبيك من أبيه اولى بك من عمك أخى أبيك لامه قال و ابن عمّك أخى ابيك من أبيه و أمه اولى بك من ابن عمك اخى أبيك لأبيه قال و ابن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 238

عمّك أخى أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمك أخى ابيك لأمه «1».

الأمر الرابع: فى الطبقة الاولى الأب مقدم على الام

لانّه المشهور بين الاصحاب بل المتسالم عليه و يمكن استفادة التقدم من خبر يزيد الكناسى المتقدم ذكره فى الأمر الثالث لانّه صرّح فيه كون الأخ للأب مقدم على الأخ للام فالاب مقدم بطريق اولى.

و أما كون أب الميّت مقدما على أولاد الميّت فلا وجه معتد به له الا دعوى الاجماع فلهذا نقول الأحوط الاستيذان من الاولاد أيضا.

و أما كون اولاد الميّت مقدمين على اولادهم فلانه لا ولاية لهم فى قبال آبائهم.

الأمر الخامس: كون الجد فى الطبقة الثانية مقدما على الاخوة

لم أر له وجها قويّا فالأحوط الاستيذان من الاخوة أيضا.

الأمر السادس: هل يكون العمّ مقدما على الخال

فى الولاية على الميّت أم لا.

فنقول انهما و إن كانا فى مرتبة واحدة و لكن حيث يستفاد من خبر يزيد الكناسى المتقدم ذكره فى الامر الثالث كون جانب الأب اولى بالرعاية من جانب الام فالعم مقدّم فى الولاية على الميّت من الخال.

***

[مسئلة 3: اذا لم يكن فى طبقة ذكور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا لم يكن فى طبقة ذكور فالولاية للإناث و كذا اذا لم يكونوا بالغين او كانوا غائبين لكن الأحوط الاستيذان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب موجبات الارث من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 239

من الحاكم أيضا فى صورة كون الذكور غير بالغين أو غائبين.

(1)

أقول امّا كون الولاية للاناث فى هذا الفرض لعدم مانع لها لان المانع و هو الذكور منتف و الجد و الاخوة و لا تعارضانها لانهما فى المرتبة اللاحقة و امّا فى صورة كون المذكور غير بالغين فالولاية أيضا تكون للنساء لانّ وجود غير البالغ كعدمه فلا يكون أيضا مانع فى البين كما قلنا فى الأمر الثانى فى مسئلة 2.

و امّا لو كان الذكر البالغ غائبا و لا يمكن الاستيذان منه فالولاية للحاكم الشرعى لانه ولى الغائب فلا تصل النوية الى النساء و لا بد من الاستيذان من الحاكم الشرعى.

***

[مسئلة 4: اذا كان للميّت أم و اولاد ذكور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا كان للميّت أم و اولاد ذكور فالام اولى لكن الاحوط الاستيذان من الاولاد أيضا.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه هو المشهور لكن بناء على ما قلنا و قالوا فى مسئلة 2 لا يمكن الالتزام بذلك فعلى هذا فالاقوى كون الأولاد اولى من الام و لكن الاحوط الاستيذان من الام أيضا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 240

[مسئلة 5: اذا لم يكن فى بعض المراتب الّا الصبى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا لم يكن فى بعض المراتب الّا الصبى او المجنون او الغائب فالاحوط الجمع بين اذن الحاكم و المرتبة المتأخرة لكن انتقال الولاية الى المرتبة المتاخرة لا يخلو عن قوة و اذا كان للصبى ولى فالاحوط الاستيذان منه أيضا.

(1)

أقول بناء على ما قلنا فى الامر الثانى من مسئلة 2 من كون وجود غير البالغ كالعدم فلا ولاية له و لا للحاكم الشرعى لان ولاية الحاكم عليه فى أمر نفسه لا غيره.

و امّا الغائب و المجنون فلا بد من الاستيذان من الحاكم الشرعى و ان كان الأحوط الاستيذان من المرتبة المتأخّرة أيضا.

***

[مسئلة 6: اذا كان اهل مرتبة واحده متعددين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا كان اهل مرتبة واحده متعددين يشتركون فى الولاية فلا بد من اذن الجميع و يحتمل تقديم الأسن.

(2)

أقول لانّ الولاية لجميعهم فلا بد من الاذن منهم و لا وجه لتقديم الأسن.

***

[مسئلة 7: اذا أوصى الميّت فى تجهيزه الى غير الولى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا أوصى الميّت فى تجهيزه الى غير الولى ذكر بعضهم عدم نفوذها ألا باجازة الولى لكن الأقوى صحتها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 241

و وجوب العمل بها و الأحوط أذنهما معا و لا يجب قبول الوصية على ذلك الغير و ان كان احوط.

(1)

أقول قد يقال كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه الاقوى صحة الوصيّة و وجوب العمل بها بلا أذن من الولى لان أدلة ولاية الولى فى أمر تجهيز الميّت فى طول ادلة نفوذ الوصية و لا يبقى موضوع لها بعد الوصية لان دليل الولاية ناظر الى الاعمال التى بقى الى بعد موته و بعد وصيته فى أمر تجهيزه فى زمان حياته بنفسه الى الغير لا يبقى موضوع لاعمال الولاية من الولى بعد موته و ان كان الأحوط الاستيذان من الولى و لكنّ الأقوى بالنظر كما قال سيدنا الاعظم رحمه اللّه فى باب الوصية و كتبناه فى كتابنا المجدى ص 51 ان الوصية لا مورد لها و لا تخصص ادلة الوصية ادلة ولاية الورثة فى تجهيز الميّت بل الأمر بالعكس و كون ادلة الولاية مخصصة لادلة الوصية فمع ذلك نقول الأحوط مع وصية الميّت فى أمر تجهيزه الى الغير الاستيذان من الورثة فى ذلك أيضا.

و كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه لا يجب على الوصى قبول الوصية مطلقا سواء بلغه الوصية حال حياة الموصى او بعد موته و ان كان الأحوط القبول اذا

بلغته بعد موت الموصى.

***

[مسئلة 8: اذا رجع الولى عن أذنه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا رجع الولى عن أذنه فى أثناء العمل لا يجوز للمأذون الإتمام و كذا اذا تبدّل الولى بان صار غير البالغ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 242

بالغا او الغائب حاضرا او جنّ الولى او مات فانقلبت الولاية الى غيره.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام و وجهه ظاهر.

***

[مسئلة 9: اذا حضر الغائب او بلغ الصبى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا حضر الغائب او بلغ الصبى أو أفاق المجنون بعد تمام العمل من الغسل او الصلاة مثلا ليس له الالزام بالاعادة.

(2)

اقول لعدم موضوع لإعمال ولايته.

***

[مسئلة 10: اذا ادّعى شخص كونه وليّا او مأذونا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا ادّعى شخص كونه وليّا او مأذونا من قبله او وصيا فالظاهر جواز الاكتفاء بقوله ما لم يعارضه غيره و الّا احتاج الى البينة و مع عدمها لا بد من الاحتياط.

(3)

أقول القول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 243

[مسئلة 11: اذا أكره الولى او غيره شخصا على التغسيل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا أكره الولى او غيره شخصا على التغسيل او الصّلاة على الميّت فالظاهر صحة العمل اذا حصل منه قصد القربة لانّه أيضا مكلف كالمكره.

(1)

أقول ما أفاده السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 12: حاصل ترتيب الأولياء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: حاصل ترتيب الأولياء أن الزوج مقدم على غيره ثمّ المالك ثمّ الأب ثمّ الام ثمّ الذكور من الاولاد البالغين ثمّ الاناث البالغات ثمّ اولاد الاولاد ثمّ الجدّ ثمّ الجدّة ثمّ الأخ الاخت ثمّ اولادهما ثمّ الأعمام ثمّ الأخوال ثمّ اولادهما ثمّ المولى المعتق ثمّ ضامن الجريرة ثمّ الحاكم ثمّ عدول المؤمنين.

(2)

أقول الظاهر أنّ نظر السيد المؤلف رحمه اللّه فى هذه المسألة الى كون كل طبقة ذكورها مقدّم على الاناث منها و لم يتعرّض لصورة اجتماع أفراد كل طبقة و بعد فرض عدم فرد من هذه الطوائف تصل النوبة بمولى المعتق ثمّ ضامن الجريرة ثمّ الحاكم ثمّ ضامن الجريرة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 245

فصل: في تغسيل الميّت

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 247

قوله رحمه اللّه

فصل فى تغسيل الميّت يجب كفاية تغسيل كل مسلم سواء كان اثنى عشريّا او غيره لكن يجب ان يكون بطريق مذهب الاثنى عشرى و لا يجوز تغسيل الكافر و تكفينه و دفنه بجميع أقسامه من الكتابى و المشرك و الحربى و الغالى و الناصبى و الخارجى و المرتد الفطرى و الملّى اذا مات بلا توبة و أطفال المسلمين بحكمهم و أطفال الكفّار بحكمهم و ولد الزنا من المسلم بحكمه و من الكافر بحكمه و المجنون ان وصف الاسلام بعد بلوغه مسلم و ان وصف الكفر كافر و ان اتصل جنونه بصغره فحكمه حكم الطفل فى لحوقه بأبيه او أمه و الطفل الأسير تابع لآسره ان لم يكن معه أبوه او أمه بل او جدّه او جدّته و لقيط دار الاسلام بحكم المسلم و كذا لقيط دار الكفر ان كان فيها مسلم يحتمل تولّده

منه و لا فرق فى وجوب تغسيل المسلم بين الصغير و الكبير حتّى السقط اذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 248

تم له أربعة أشهر و يجب تكفينه و دفنه على المتعارف لكن لا يجب الصلاة عليه بل لا يستحب أيضا و اذا كان للسقط أقلّ من أربعة أشهر لا يجب عسله بل يلفّ فى خرقة و يدفن.

(1)

أقول يقع الكلام فى جهات:

الجهة الاولى: فى وجوب تغسيل كل مسلم امامى اثنا عشرى

و لا اشكال و لا خلاف فى وجوب تغسيله نصا و فتوا بل ادّعى الضرورة على ذلك من الدين.

الجهة الثانية: يقع الكلام فى وجوب تغسيل غير الاثنا عشرى من المسلمين و عدمه.

فالاقوى عدم وجوب تغسيله لعدم تمامية ما ذكر وجها للوجوب مثل الشهرة لانّ المراجع فى كلمات فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم يظهر له مخالفة جماعة كثيرة منهم للوجوب و قائلون بعدم الوجوب.

و مثل بعض الأخبار المتمسكة به على ذلك كرواية سماعة غسل الجنابة واجب و غسل الميّت واجب «1».

حيث انها ليست فى مقام بيان الاطلاق من هذا الحيث حتّى تشمل كل الموتى من أصناف المسلمين بل فى مقام تشريع اصل الغسل فى الجملة.

و مثل رواية ابى خالد قال اغسل كل الموتى الغريق و أكيل السبع و كل شي ء الا ما قتل بين الصفين فان كان به رمق غسل و الّا فلا «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 8، ص: 248

(2) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 249

لانّها فى مقام بيان انواع سبب الموت لا فى مقام بيان انواع الاشخاص من حيث الاعتقاد مضافا الى كونها مضمرة.

و مثل التمسك بالمروى عن طلحة بن زيد عن أبى عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام قال صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه «1» و دعوى عدم الفرق بين الصلاة و الغسل لعدم القول بالفصل بين الصلاة و الغسل.

و فيه أولا عدم تسلم الكل على وجوب الصلاة على غير الاثنا عشرى و

ثانيا لا اعتبار بعدم القول بالفصل بل المعتبر القول بعدم الفصل.

و ثالثا لا يمكن التمسك بالرواية لاحتمال صدورها تقية.

الجهة الثالثة: بناء على وجوب غسل المخالف لا بدّ على الاثنا عشرى من تغسيله على مذهبه

لان الغسل المشروع عنده هذه الكيفية و الأمر بوجوب الغسل عليه يحمل على ما هو المشروع عنده.

الجهة الرابعة: لا يجوز تغسيل الكافر بأقسامه

لانّه مضافا الى دعوى الاجماع عليه يدل عليه خبر عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن النصرانى يكون فى السفر و هو مع المسلمين فيموت قال لا يغسله مسلم و لا كرامة و لا يدفنه و لا يقوم على قبره و ان كان أباه «2».

الجهة الخامسة: و اما وجوب تغسيل أطفال المسلمين

و كونهم بحكم آبائهم فللاجماع و السيرة القطعية على كونهم تابعين لآبائهم و للاخبار الواردة فى تغسيل الصبى و الصبية.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 37 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 250

و أمّا عدم وجوب تغسيل أطفال الكفار فأيضا للسيرة القطعية حيث لم يعهد من المسلمين أخذ اولاد الكفار بعد الموت و تغسيلها.

و امّا كون ولد الزنا من المسلم و الكافر بحكم آبائهم لانه ولدهما شرعا و عرفا و لهذا لا يجوز لولد الزنا ان يتزوج مع أمه او أخته او عمته او خالته فيترتب عليه ما قلنا فى حكم الاولاد.

الجهة السادسة: المجنون البالغ

ان وصف الاسلام بعد بلوغه ثمّ جنّ فهو بحكم المسلم و ان وصف الكفر بعد بلوغه ثمّ جنّ فهو بحكم الكافر لانه كان بالغا عاقلا فقد اختار الكفر او الاسلام و يقبل منه.

و أمّا لو اتصل جنونه بصغره فهو تابع لابيه او أمّه فحكمه حكم الطفل فان كان ابواه او أحدهما مسلما فهو تابع لهما اوله فان كان كافرا فهو أيضا كافر.

الجهة السابعة: كون الطفل الأسير تابعا لآسره مشكل

و الوجوه المذكورة لالحاقه به لا يمكن المساعدة عليها راجع الجزء الرابع من كتابنا هذا ص 81.

الجهة الثامنة: اما كون لقيط دار الاسلام بحكم المسلم

فيجب غسله فلم نجد وجها له يمكن التمسك به لوجوبه الّا دعوى الاجماع و السيرة.

أمّا تحقّق الاجماع المصطلح فغير معلوم لاحتمال كون مدرك المجمعين أحد الوجوه المذكورة فلا يمكن الركون إليه و أمّا السيرة فالاشكال فى موردها من حيث كون سيرتهم من باب اطمينانهم بكون اللقيط مسلما و حيث انّها دليل لبّى و لا لسان لها فنأخذ بها فى القدر المتيقن و هو صورة الاطمينان بكونه مسلما لكن فالاحوط غسل لقيط دار الاسلام.

فعلى ما قلنا فلقيط دار الكفر أمره أهون.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 251

الجهة التاسعة: عدم الفرق فى وجوب غسل الميّت المسلم بين الصغير و الكبير

لاطلاق دليل وجوب تغسيل الموتى على المسلمين.

الجهة العاشرة: فى تغسيل السقط

فان كان للسقط أربعة أشهر فيجب تغسيله و كفنه و دفنه لدلالة رواية زرارة و موثق سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام على ذلك قال السقط اذا تمّ له أربعة أشهر غسل «1».

قال سألته عن السقط اذا استوت خلقته يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن قال نعم كل ذلك يجب عليه اذا استوى «2».

أما عدم وجوب الصلاة عليه بل عدم استحبابه فياتى الكلام فيه إن شاء اللّه فى باب الصلاة على الميّت و أما اذا كان للسقط أقلّ من أربعة أشهر فلا يجب غسله لانّه لا يصدق عليه الميّت لان الميّت من زهق روحه و قبل مضى أربعة أشهر لم يدخل الروح فيه حتّى زهق و يصدق عليه الميّت و أمّا لفه فى خرقة و دفنه فالعمدة دعوى الاجماع عليه و هو أحوط.

***

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 12 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 253

[فصل فى ما يتعلّق بالنيّة في تغسيل الميّت]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى ما يتعلّق بالنيّة في تغسيل الميّت يجب فى الغسل نيّة القربة على نحو ما مرّ فى الوضوء و الاقوى كفاية نية واحدة للأغسال الثلاثة و ان كان الأحوط تجديدها عند كل غسل و لو اشترك اثنان يجب على كل منهما النيّة و لو كان أحدهما معينا و الآخر مغسّلا وجب على المغسل النية و ان كان الأحوط نيّة المعين أيضا و لا يلزم اتحاد المغسّل فيجوز توزيع الثلاثة على ثلاثة بل يجوز فى الغسل الواحد التوزيع مع مراعاة الترتيب و يجب حينئذ النيّة على كل منهم.

(1)

أقول فى هذا الفصل امور:

الأمر الاوّل: يجب فى غسل الميّت نية القربة من المغسّل على الأقوى

لانّه مضافا الى دعوى الشهرة و الاجماع عليه تكون من المرتكزات عند المتشرعة كما فى سائر العبادات المعتبرة فيها قصد التقرب الى المولى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 254

الأمر الثانى: كفاية نية واحده للاغسال الثلاثة

بمعنى وقوع كل جزء من أجزائها بالكيفية المعهودة و يحصل ذلك بالقصد من المغسّل عند الشروع فيها و بقائها الى آخر جزء منها و الظاهر انّ البحث فى كفاية نية واحده او لا بحث لفظى.

الأمر الثالث: فى صورة اشتراك اثنين فى العمل

وجب على كل واحد منهما النيّة لانّهما مغسلان و يريدان تغسيل الميّت فلا بد منهما النية.

الأمر الرابع: فى صورة كون أحدهما مغسّلا و الأخر معينا

وجب نيّة الغسل على المغسّل و لا يجب على المعين لانه ليس مغسّلا و المراد من المعين من لا يكون له دخالة فى الغسل بل له فعل بعض المقدمات.

الأمر الخامس: عدم لزوم كون المغسّل واحدا

فى الأغسال الثلاثة بل يجوز توزيع الأغسال بان غسّل الميّت شخص بالماء و السدر و شخص آخر بالماء و الكافور و شخص ثالث غسّله بالماء القراح لانّ كل واحد منها عمل مستقل يمكن صدوره مستقلا من شخص و وجب على كل واحد منهم النية بالنسبة الى الغسل الّذي تصدّى لإيقاعه و لا ينافى ذلك اطلاق.

غسل الميّت على الثلاثة لان بايجاد الثلاثة سقط التكليف عن المكلّفين و لا يلزم صدورها من شخص واحد.

و كذا الكلام فى التوزع فى غسل واحد بأن غسل شخص رأس الميّت و رقبته و شخص آخر طرفه الأيمن و شخص ثالث طرفه الأيسر فيجب على كل واحد نيّة غسل البعض الّذي يغسله.

و ما قيل من دعوى السيرة على اعتبار كون المغسل واحدا لا يمكن اثباته بنحو تكون مستمرّة و متصلة الى زمان المعصوم عليه السّلام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 255

[فصل في اعتبار المماثلة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل في اعتبار المماثلة بين المغسل و الميّت يجب المماثلة بين الغاسل و الميّت فى الذكورية و الانوثيّة فلا يجوز تغسيل الرجل للمرأة و لا العكس و لو كان من فوق اللباس و لم يلزم لمس او نظر الا فى موارد:

(أحدهما) الطفل الّذي لا يزيد سنّه عن ثلاث سنين فيجوز لكل واحد منهما تغسيل مخالفه و لو مع التجرّد و مع وجود المماثل و ان كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل.

(الثانى) الزوج و الزوجة فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر و لو مع وجود المماثل و مع التجرد و ان كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل و كونه من وراء الثياب و يجوز لكلّ منهما النظر الى عورة الأخر و ان كان يكره و لا

فرق فى الزوجة بين الحرة و الأمة و الدائمة و المنقطعة بل و المطلّقة الرجعيّة و ان كان الأحوط ترك تغسيل المطلقة مع وجود المماثل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 256

خصوصا اذا كان بعد انقضاء العدة و خصوصا اذا تزوّجت بغيره ان فرض بقاء الميّت بلا تغسيل الى ذلك الوقت و أمّا المطلقة بائنا فلا اشكال فى عدم الجواز فيها.

(الثالث) المحارم بنسب او رضاع لكن الأحوط بل الأقوى اعتبار فقد المماثل و كونه من وراء الثياب.

(الرابع) المولى و الأمة فيجوز للمولى تغسيل أمته اذا لم تكن مزوجة و لا فى عدة الغير و لا مبعضة و لا مكاتبة.

و اما تغسيل الأمة مولاها ففيه اشكال و ان جوّزه بعضهم بشرط اذن الورثة فالأحوط تركه بل الأحوط الترك فى تغسيل المولى أمته أيضا.

(1)

أقول فى هذا الفصل جهات:

الجهة الاولى: كون المماثلة بين الغاسل و الميّت مما لا أشكال فيه

لدلالة جمله من النصوص عليه مثل رواية داود بن سرحان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى رجل يموت فى السفر او فى الأرض ليس معه فيها الا النساء قال يدفن و لا يغسل «1».

و رواية على الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام أنه سأله عن المرأة تموت فى السفر ليس معها ذو محرم و لا نساء قال تدفن كما هى بثيابها.

و عن الرجل يموت ليس معه الا النساء ليس معهنّ رجال قال يدفن كما هو

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 24 من ابواب ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 257

بثيابه «1» و رواية 2 و 3 و 4 من هذا الباب.

الجهة الثانية: فى عدم جواز تغسيل الرجل المرأة و العكس و

ان لم يلزم المس و النظر و لو كان من فوق اللباس لاطلاق النصوص المذكورة فى الجهة الاولى.

الجهة الثالثة: يستثنى من لزوم اعتبار المماثلة بين الغاسل و الميّت موارد:
الاوّل: الطفل الّذي لا يزيد سنه عن ثلاث سنين

فيجوز لكل من المذكر و المؤنث غسل مخالفه و لو مع التجرد و مع وجود المماثل.

أمّا جواز تغسيل النساء الصبيان فهو مما ادعى عليه الاجماع و الشهرة و يدل عليه موثق عمار الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن الصبى تغسله امرأة قال انما يغسّل الصبيان النساء «2».

و امّا كون مورده خصوص الصبى الّذي لا يزيد سنه عن ثلاث فلصراحة خبر ابى النمير قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام حدّثني عن الصبى الى كم تغسله النساء فقال الى ثلاث سنين «3» و دعوى ضعفه لو ثبت منجبر بعمل الاصحاب.

و كذلك دلالة رواية عمار على ذلك بعد تقيدها بعدم الزيادة عن ثلاث سنين بخبر ابى النمير مضافا الى دعوى الاجماع على التقيد بكون سنه الى ثلاث سنين و أما جواز تغسيل الرجل الصبية فهو أيضا مما ادعى عليه الاجماع و تشمله اطلاق وجوب تغسيل الموتى مع عدم شمول المخصص لها لانه لا يصدق عليها الرجل و المرأة لكن لاجل تقيد رجل فى رواية عمار باولى الناس بها نقول بان الأحوط تغسيل النساء الصبية او الرجل الّذي اولى بها.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 23 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 258

و أمّا جواز الغسل مع تجرد الصبى و وجود المماثل فلاطلاق الدليل المجوز و ان كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل كما قاله السيد

المؤلف رحمه اللّه.

الثانى من الموارد التى استثنى
اشارة

من وجوب المماثلة بين الغاسل و الميّت الزوج و الزوجة و فيه مواقع:

الموقع الاوّل: فى جواز تغسيل كل من الزوج و الزوجة صاحبه

و هذا ممّا ادعى عليه الإجماع و يدل عليه بعض الأخبار مثل رواية اسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها فى قبرها «1».

و ذيل رواية الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و المرأة تغسل زوجها لانه اذا مات كانت فى عدة منها «2».

و خبر زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يموت و ليس معه الا النساء قال تغسله امرأته لانّها منه فى عدة «3».

قال صاحب الجواهر بعد نقل كلام الشرائع (و الزوج أولى من كل أحد بزوجته فى أحكامها كلها) قال بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به فى الذكرى بل قد يشعر ما فى التذكرة بالإجماع عليه حيث قال (عندنا ان الزوج اولى من كل أحد فى جميع أحكامها من الغسل و غيره سواء كان الغير رجلا او امرأة قريبا او بعيدا).

كما هو صريح المعتبر حيث حكى الاتفاق على مضمون موثق اسحاق بن عمّار المروى فى الكافى و التهذيب عن الصادق عليه السّلام قال الزوج أحق بزوجته حتّى

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 24 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 24 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 13 من الباب 24 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 259

يضعها فى قبرها «1».

الموقع الثانى: فى جواز تغسيل كل من الزوج و الزوجة صاحبه

و لو مع وجود المماثل لاطلاق الادلة المجوّزة لتغسيل كل واحد منهما صاحبه و دلالة رواية ابن سنان على ذلك «2».

حيث علّل فيها عدم الغسل بكراهة أهل المرأة نظر الزوج إليها بعد الموت.

ا

لموقع الثالث: جواز تغسيل كل من الزوج و الزوجة صاحبه مع التجرّد

و كشف العورة اما فى تغسيل الزوجة الزوج فلم يدل دليل معتبر على عدم جوازه مجردا و كونه من وراء الثياب بل فى بعضها دلالة على جوازه حيث علل فيها بكون الزوجة فى عدة لزوجها مثل رواية الحلبى و زرارة المتقدمتين.

و أمّا بالنسبة الى الزوج و جواز تغسيله زوجته مجردة فنقول المراجع فى أخبار الباب يرى أنّ طائفة من الأخبار تدل على اعتبار كون الغسل من وراء الثياب و طائفة منها تدل على عدم اعتبار ذلك قد يقال بحسب الصناعة يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد.

فتكون النتيجة اعتبار كون الغسل تحت الثياب و لكن بقرينة بعض التعبيرات الواردة فى بعض أخبار المقيدة من كونه تعصبا كما فى رواية محمد بن مسلم «3».

او كراهية اهل المرأة ان ينظر زوجها إليها «4».

لا يمكن القول بوجوب كون الغسل تحت الثياب لانّه علّله بامر عرفىّ

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 4، ص 47.

(2) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 24 من ابواب الميّت من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 260

و لكنّه احوط.

الموقع الرابع: الكلام فى جواز نظر كل من الزوج و الزوجة الى عورة صاحبه

يظهر مما قلنا فى الموقع الثالث.

الموقع الخامس: فى عدم الفرق فى الزوجة بين الحرة و الأمة و الدائمة و المنقطعة و ذلك لاطلاق الدليل على كون الرجل اولى بزوجته من غيره.

الموقع السادس: كون المطلقة الرجعية بمنزلة الزوجة

فى الاحكام و منها الغسل و اما فى صوره كون الموت و الغسل فى العدة فلا اشكال فى هذا الحكم فى الطرفين لان هذا الفرض قدر المتقين من جواز تغسيل كل منهما للآخر.

و أمّا اذا كان الموت بعد انقضاء العدّة فهو الفرد المتيقن من عدم الجواز لان بانقضاء العدة صارت الزوجة اجنبية و الزوج صار أجنبيّا و أمّا اذا كان الموت فى العدة و لكن انقضت العدة و لم يغسل الميّت لمانع ففى هذه الصورة الأحوط وجوبا ترك تغسيل كل من الزوج و الزوجية صاحبه.

الموقع السابع: فى فرض كون الطلاق بائنا

لا اشكال فى عدم جواز تغسيل كل من الزوج و الزوجة صاحبه لان بالطلاق حصلت البينونة بينهما و صار كل واحد منهما اجنبيا بالنسبة الى الآخر.

الموقع الثامن: الأحوط عدم جواز تغسيل الأمة مولاها

و لو باذن الورثة لانّ بالموت انقطع العلقة بينهما كما أن الأحوط استحبابا ترك تغسيل المولى أمته أيضا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 261

[مسئلة 1: الخنثى المشكل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الخنثى المشكل اذا لم يكن عمرها أزيد من ثلاث سنين فلا اشكال فيها و الّا فان كان لها محرم او أمة بناء على جواز تغسيل الأمة مولاها فكذلك و الّا فالأحوط تغسيل كل من الرجل و المرأة اياها من وراء الثياب و ان كان لا يبعد الرجوع الى القرعة.

(1)

اقول الكلام فى هذه المسألة انّ الأقوى بنظرى القاصر عدم تنبخر العلم الاجمالى فى هذا المورد و عدم وجوب تغسيل الخنثى على الرجال و النساء و لكن الأحوط كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه وجوب تغسيل كل من الرجل و المرأة الخنثى كفاية.

***

[مسئلة 2: اذا كان ميّت او عضو من ميّت مشتبها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا كان ميّت او عضو من ميّت مشتبها بين الذكر و الأنثى فيغسّله كل من الرجل و المرأة من وراء الثياب.

(2)

أقول حكم هذه المسألة ما قلنا فى المسألة 1.

***

[مسئلة 3: اذا انحصر المماثل فى الكافر او الكافرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا انحصر المماثل فى الكافر او الكافرة من اهل الكتاب أمر المسلم المرأة الكتابية او المسلمة الرجل الكتابى أن يغتسل أوّلا و يغسل الميّت بعده و الآمر ينوى النيّة و ان أمكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 262

أن لا يمسّ الماء بدن الميّت تعيّن كما أنه لو امكن التغسيل فى الكرّ او الجارى تعيّن و لو وجد المماثل بعد ذلك أعاد و اذا انحصر فى المخالف فكذلك لكن لا يحتاج الى اغتساله قبل التغسيل و هو مقدم على الكتابى على تقدير وجوده.

(1)

أقول الأقوى بالنظر انّ الغسل فى هذا المورد يسقط لعدم وجود من يصحّ تغسيله من المسلمين و لا يمكن الاعتماد على رواية عمار «1».

و رواية زيد بن على «2» لانّ الرجال كلها فى الاوّل فطحى و فى الثانى زيدية مع أنه يعارضهما الروايات الواردة فى الباب 21 التى رواها الحلبى و ابن ابى يعفور و عبد الرحمن و ابو الصباح الكنانى الدالات على سقوط الغسل مع عدم المماثل من المسلمين.

و أمّا التغسيل المخالف الغير المحكوم بالكفر الاثنى عشرى يجوز فى صورة انحصار الغاسل به.

***

[مسئلة 4: اذا لم يكن مماثل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا لم يكن مماثل حتّى الكتابى و الكتابية سقط الغسل لكن الأحوط تغسيل غير المماثل من غير لمسّ و نظر من وراء الثياب ثمّ تنشيف بدنه قبل التكفين لاحتمال

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 263

بقاء نجاسته.

(1)

أقول على ما قلنا فى المسألة الثالثة يسقط الغسل حتّى مع وجود الكتابى و الكتابية لعدم وجود مماثل يصحّ

الغسل منه و لا يجوز تغسيل غير المماثل الميّت.

***

[مسئلة 5: يشترط فى المغسّل ان يكون مسلما بالغا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يشترط فى المغسّل ان يكون مسلما بالغا عاقلا اثنى عشريا فلا يجزى تغسيل الصبى و ان كان مميّزا و قلنا بصحة عباداته على الأحوط و ان كان لا يبعد كفايته مع العلم باتيانه على الوجه الصحيح و لا تغسيل الكافر الّا اذا كان كتابيا فى الصورة المتقدّمة و يشترط ان يكون عارفا بمسائل الغسل كما أنّه يشترط المماثلة الّا فى الصور المتقدمة.

(2)

أقول ما قاله المؤلف الشريف تمام فى محله الّا ما قاله فى الكافر الكتابى كما مضى الكلام منافى المسألة الثالثة من عدم جواز تغسيل الكافر مطلقا المسلم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 265

[فصل في موارد سقوط غسل الميّت]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل في موارد سقوط غسل الميّت قد عرفت سابقا وجوب تغسيل كل مسلم لكن يستثنى من ذلك طائفتان:

إحداهما: الشهيد المقتول فى المعركة عند الجهاد مع الإمام عليه السّلام او نائبه الخاص و يلحق به كل من قتل فى حفظ بيضة الاسلام فى حال الغيبة من غير فرق بين الحرّ و العبد و المقتول بالحديد او غيره عمدا او خطأ رجلا او امرأة او صبيّا او مجنونا اذا كان الجهاد واجبا عليهم فلا يجب تغسيلهم بل يدفنون كذلك بثيابهم الّا اذا كانوا عراة فيكفنون و يدفنون و يشترط فيه ان يكون خروج روحه قبل اخراجه من المعركة او بعد اخراجه مع بقاء الحرب و خروج روحه بعد الاخراج بلا فصل و أمّا اذا خرجت روحه بعد انقضاء الحرب فيجب تغسيله و تكفينه.

الثانية: من وجب قتله برجم او قصاص فانّ الإمام عليه السّلام او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 266

نائبه الخاص او العام يأمره ان يغتسل غسل الميّت مرّة بماء السدر

و مرّة بماء الكافور و مرّة بماء القراح ثمّ يكفّن تكفين الميّت الّا أنه يلبس وصلتين منه و هما المئزر و الثوب قبل القتل و اللفّافة بعده

و يحنط قبل الغسل كحنوط الميّت ثمّ يقتل فيصلى عليه و يدفن بلا تغسيل و لا يلزم غسل الدم من كفنه و لو أحدث قبل القتل لا يلزم اعادة الغسل و يلزم ان يكون موته بذلك السبب فلو مات او قتل بسبب آخر يلزم تغسيله و نيّة الغسل من الآمر و لو نوى هو أيضا صحّ كما أنه لو اغتسل من غير أمر الإمام او نائبه كفى و ان كان الأحوط الاعادة.

(1)

اقول يقع الكلام فى هذا الفصل فى مقامين: المقام الاوّل فى الشهيد و المقام الثانى فى من وجب قتله برجم او قصاص.

اما المقام الاوّل [فى الشهيد] فيقع الكلام فيه فى أمور:
الأمر الاوّل: فى المراد من الشهيد

كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه هو المقتول فى المعركة عند الجهاد مع الإمام عليه السّلام او نائبه الخاص و يلحق به كل من قتل فى حفظ بيضة الاسلام فى حال الغيبة قال صاحب الجواهر رحمه اللّه المراد به هنا هو الّذي قتل بين يدى الامام عليه السّلام كما فى المقنعة و القواعد و التحرير و عن المراسم او نائبه كما فى الوسيلة و السرائر و الجامع و المنتهى و المبسوط و النهاية و لعل الثانى مراد الاولين و لذا قال فى مجمع البرهان المشهور أن المراد بالشهيد هنا من قتل فى المعركة بين يدى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم او الامام عليه السّلام او النائب الخاص او غيره و أنه مذهب الاكثر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 267

بل فى الذخيرة انّ الاصحاب اشترطوا النبي صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم او الامام عليه السّلام و الحق به النائب الخاص او فى جهاد بحق و لو بدونها كما لو دهم المسلمين عدو يخاف منه على بيضة الاسلام و لعله الأقوى «1».

الأمر الثانى: لا فرق فى الشهيد بين الحر و العبد و الرجل و المرأة

و الصبى و المجنون و المقتول بالحديد و غيره اذا كان الجهاد واجبا على المسلمين لإطلاق الدليل الدال على حكم الشهيد.

الأمر الثالث: عدم وجوب تغسيل الشهيد بل يدفن كذلك بثيابه

الا اذا كان عاريا من اللباس فيكفّن و يدفن مضافا الى دعوى الاجماع عليه محصلا و منقولا يدل عليه بعض النصوص.

مثل رواية أبان بن تغلب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الّذي يقتل فى سبيل اللّه أ يغسّل و يكفّن و يحنّط.

قال يدفن كما هو فى ثيابه الّا ان يكون به رمق فان كان به رمق ثمّ مات فانّه يغسّل و يكفّن و يحنّط و يصلّى عليه لانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلّى على حمزه و كفّنه و حنّطه لانه كان قد جرّد. «2»

و مثل رواية أبان بن تغلب أيضا قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول الّذي يقتل فى سبيل اللّه يدفن فى ثيابه و لا يغسّل الّا ان يدركه المسلمون و به رمق ثمّ يموت بعد فانه يغسّل و يكفّن و يحنّط ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كفّن حمزه فى ثيابه و لم يغسّله و لكنه صلى عليه «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 4 ص 86- 87.

(2) الرواية 7 من الباب 14 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 14 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 268

و مثل رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال قلت له كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه قال نعم فى ثيابه بدمائه و لا يحنّط و لا يغسّل و يدفن كما هو «1».

و مثل رواية ابى مريم الأنصارى عن الصادق عليه السّلام أنه

قال الشهيد اذا كان به رمق غسّل و كفن و حنّط و صلى عليه و ان لم يكن به رمق كفن فى أثوابه «2».

و مثل مضمر ابى خالد قال أغسل كل الموتى الغريق و اكيل السبع و كل شي ء الا ما قتل بين الصفين قان كان به رمق غسل و ألا فلا «3».

الأمر الرابع: قال السيد المؤلف يشترط فيه ان يكون خروج روحه قبل اخراجه من المعركة

قال صاحب الجواهر و يشترط ان يكون قد مات فى المعركة. «4»

أقول فى هذا الأمر تفصيل و هو أنه أما فى صورة وقوع الموت فى المعركة و عدم ادراكه المسلمون و به رمق فمما لا خلاف و لا اشكال فى عدم وجوب تغسيله و هو قدر المتيقن من الاجماع و تدل عليه الروايات.

و أمّا لو مات فى المعركة لكن أدركه المسلمون و به رمق فالأحوط وجوبا تغسيله.

و أمّا اذا أدركه المسلمون و أخرجوه من المعركة ثمّ مات بلا فصل فتغسيله واجب مع بقاء الحرب و أمّا اذا أدركه المسلمون و أخرجوه من المعركة و مات بعد انقضاء الحرب فلا اشكال فى وجوب تغسيله.

______________________________

(1) الرواية من الباب 14 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(4) جواهر الكلام ج 4 ص 89.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 269

المقام الثانى: فى من وجب قتله برجم او قصاص
اشارة

فانه لا يجب تغسيله بعد موته بل يصلى عليه و يدفن و الغسل قبل الموت كاف.

و فى هذا المقام أمور:

الأمر الاوّل: سقوط غسل الميّت عن المسلمين بالنسبة الى من اغتسل ثمّ رجم او اقتص منه

من المسلمات و ادعى عليه الاجماع و يدل عليه رواية مسمع كردين عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثمّ يرجمان و يصلّى عليهما و المقتصّ منه بمنزلة ذلك يغسل و يحنط و يلبس الكفن ثمّ يقاد و يصلى عليه «1».

و الرواية و ان كانت ضعيفة من حيث السند لكن عمل الاصحاب بها جابر لضعفها.

و يأمر به الامام او نائبه الخاص او نائبه العام اى الحاكم الشرعى لان ذلك موكول الى من له الولاية.

و ظاهر الخبر و ان كان خطابا الى الغير لكن بعد القطع بعدم إرادة مباشرة الغير يحمل على إرادة الفعل منهما و يأمر به من له الولاية كما قلنا.

الأمر الثانى: ظاهر النص و الفتوى كون غسل المرحوم و المقتصّ منه عين غسل الميّت

لا بد من الثلاثة بالكيفية المعهودة من كون غسل الاوّل بماء و سدر و الثانى بماء و كافور و الثالث بماء القراح و الشاهد على ذلك كونه مسقطا لغسل الميّت بعد الرجم و القصاص.

و ما قيل فى وجه كفاية غسل واحد ليس وجها وجيها يمكن الاعتماد عليه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 270

الأمر الثالث: لا يقدح فى هذا الغسل الحدث الأصغر الصادر منه بعد الغسل

و كذا فى أثنائه كما قلنا فى غسل الجنابة.

و كذا الحدث الاكبر لا يقدح فيه اذا كان بعد اتمام الغسل و امّا لو كان فى الإثناء فهو مخيّر بين أن يتم ما بيده من الغسل و يأتى بغسل آخر للجنابة و بين أن يستأنف غسل الميّت فيكون كافيا عن الغسلين الجنابة و الميّت فلا يحتاج الى غسل الجنابة.

الأمر الرابع: و ان لم يذكر كيفية مخصوصة لتكفين المرجوم و المقتصّ منه

فى الاخبار لكن المستفاد من ظاهر النص الآمر بالتكفين هو تكفين نفسه بالكيفية المتعارفة فى الأموات و ان كان ينتزع المقدار المنافى لاجراء الحد و القصاص عليه.

الأمر الخامس: لا يرى ذكر عن غسل الدم من الكفن المرجوم و المقتصّ منه

بعد وقوع الحد و القصاص عليهما فى الأخبار و الأقوال و الظاهر عدم لزومه لانّه لا ينفك المرجوم و المرجومة و المقتصّ منه من الدم على كفنه.

الأمر السادس: سقوط غسل الميّت عن المرجوم و المرجومة و المقتصّ منه

بعد اجراء الحد و القصاص فى صورة كون موتهما بذلك السبب فلو مات بسبب آخر كما اذا خافا و ماتا او قتلهما شخص ظلما أو خطأ يجب تغسيلهما بعد الموت.

الأمر السابع: كون نيّة الغسل على الآمر

من الامام أو نائبه الخاص او العام و لو نوى الغاسل أيضا صحّ.

و أمّا لو اغتسل الغاسل بدون أمر من الامام او نائبه الخاص او العام فالأحوط وجوبا اعادة الغسل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 271

[مسئلة 6: سقوط الغسل عن الشهيد و المقتول بالرجم او القصاص من باب العزيمة لا الرخصة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: سقوط الغسل عن الشهيد و المقتول بالرجم او القصاص من باب العزيمة لا الرخصة و امّا الكفن فان كان عاريا وجب تكفينه و ان كان عليه ثيابه فلا يبعد جواز تكفينه فوق ثياب الشهادة و لا يجوز نزع ثيابه و تكفينه و يستثنى من عدم جواز نزع ما عليه أشياء يجوز نزعها كالخفّ و النعل و الحزام اذا كان من الجلد و أسلحة الحرب و استثنى بعضهم الفرد و لا يخلوا من اشكال خصوصا إذا أصابه دم و استثنى بعضهم مطلق الجلود و بعضهم الخاتم و عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

(ينزع من الشهيد الفرو و الخفّ و القلنسوة و العمامة و الحزام و السراويل) و المشهور لم يعملوا بتمام الخبر و المسألة محل اشكال و الاحوط عدم نزع ما يصدق عليه الثوب من المذكورات.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف من كون سقوط الغسل عن الشهيد و المرجوم من باب العزيمة فتمام لظهور الدليل فى ذلك و امّا ما قاله من كون جواز تكفين الشهيد غير بعيد فما يأتى بالنظر ان عدم جواز تكفينه فوق الثياب غير بعيد لظهور النص فى ذلك أيضا حيث قال يدفن كما هو فى ثيابه او يكفن فى أثوابه.

و أما فى صورة كونه عريانا وجب تكفينه يدل عليه رواية أبان المتقدمة حيث قال فيها لان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلّى على حمزة و كفنه

و حنطة لانّه كان قد جرّد. «1»

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 14 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 272

و اما عدم جواز نزع ثيابه و تكفينه لدلالة رواية أبان المذكورة عليه لانّه قال يدفن فى ثيابه.

أما الموارد المستثنات فى المتن فما كان منها يصدق عليه الثوب لا يجوز نزعه من الشهيد خصوصا اذا أصابه الدم و أمّا ما لا يصدق عليه الثوب فنقول بانّ الأحوط نزعه.

***

[مسئلة 7: اذا كان ثياب الشهيد للغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا كان ثياب الشهيد للغير و لم يرض بابقائها تنزع و كذا اذا كانت للميّت لكن كانت مرهونة عند الغير و لم يرض بابقائها عليه.

(1)

أقول الكلام فى هذه المسألة ما قاله المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 8: اذا وجد فى المعركة ميّت لم يعلم أنه قتل شهيدا أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا وجد فى المعركة ميّت لم يعلم أنه قتل شهيدا أم لا فالأحوط تغسيله و تكفينه خصوصا اذا لم يكن فيه جراحة و ان كان لا يبعد اجراء حكم الشهيد عليه.

(2)

أقول ما يأتى بالنظر هو انّه اذا لم يكن فى الميّت جراحة يجب تغسيله و تكفينه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 273

لانّ عموم وجوب تغسيل الموتى و تكفينهم محكم.

و أمّا اذا كان فيه جراحة فيجرى فيه احكام الشهيد لظهور دليل المخصص و هو حكم الشهيد بعدم وجوب تغسيله و تكفينه.

***

[مسئلة 9: من اطلق عليه الشهيد فى الأخبار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: من اطلق عليه الشهيد فى الأخبار من المطعون و المبطون و الغريق و المهدوم عليه و من مات عند الطلق و المدافع عن اهله و ماله لا يجرى عليه حكم الشهيد اذا المراد التنزيل فى الثواب.

(1)

اقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام فى محله.

***

[مسئلة 10: اذا اشتبه المسلم بالكافر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا اشتبه المسلم بالكافر فان كان مع العلم الاجمالى بوجود مسلم فى البين وجب الاحتياط بالتغسيل و التكفين و غيرهما للجميع و ان لم يعلم ذلك.

لا يجب شي ء من ذلك و فى رواية يميّز بين المسلم و الكافر بصغر الآلة و كبرها و لا بأس بالعمل بها فى غير صورة العلم الاجمالى و الأحوط اجراء احكام المسلم مطلقا بعنوان الاحتمال و برجاء كونه مسلما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 274

(1)

أقول مع العلم الاجمالى بوجود مسلم فى البين و ان كان من صغريات الدوران بين المحذورين من وجوب تجهيزه ان كان مسلما و من حرمته ان كان كافرا لكن لاجل غلبة طرف الاسلام نقول بوجوب تجهيز كليهما او الجميع من الدفن و الصلاة عليهما او عليهم هذا فى صورة حمل كلام السيد المؤلف رحمه اللّه على كون الاشتباه فى المعركة و أمّا اذا لم يحمل على كون الاشتباه فى المعركة كما هو ظاهر كلامه رحمه اللّه فما قاله تمام.

و ان لم يكن المورد من العلم الاجمالى فلا يوجب شيئا و لكن لا بد من حمل ما فى رواية حماد على بعض المحامل و ان كان الأحوط كما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه اجراء احكام المسلم مطلقا بعنوان الاحتمال و برجاء كونه مسلما.

***

[مسئلة 11: مسّ الشهيد و المقتول بالقصاص بعد العمل بالكيفية السابقة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: مسّ الشهيد و المقتول بالقصاص بعد العمل بالكيفية السابقة لا يوجب الغسل.

(2)

أقول لانّ ظاهر النصوص الواردة كون الشهيد بالشهادة و المقتول بعد العمل بهذه الكيفية بحكم الميّت المغسّل الّذي لا يوجب مسّه الغسل و قد ذكر حكم مسّ المقتول بالقصاص فى المسألة 11 من مسائل مسّ الميّت فراجع.

***

[مسئلة 12: القطعة المبانة من الميّت]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: القطعة المبانة من الميّت ان لم يكن فيها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 275

عظم لا يجب غسلها و لا غيره بل تلفّ فى خرقه و تدفن و ان كان فيها عظم و كان غير الصدر تغسّل و تلفّ فى خرقه و تدفن و ان كانت الأحوط تكفينها بقدر ما بقى من محل القطعات الثلاث و كذا ان كان عظما مجردا و أمّا اذا كانت مشتملة على الصدر و كذا الصدر وحده فتغسّل و تكفّن و يصلّى عليها و تدفن و كذا بعض الصدر اذا كان مشتملا على القلب و بل و كذا عظم الصدر و ان لم يكن معه لحم و فى الكفن يجوز الاقتصار على الثوب و اللفّافة الّا اذا كان بعض محل المئزر أيضا موجودا و الأحوط القطعات الثلاثة مطلقا و يجب حنوطها.

(1)

أقول فى هذه المسألة مسائل:

المسألة الاولى: القطعة المبانة من الميّت اذا كان بلا عظم

لا يجب غسله و كفنه و الصلاة عليه بل يلفّ فى خرقة و يدفن.

و اذا كان فيها عظم و كان غير الصدر أو كان عظما مجردا عن اللحم يغسّل و يلفّ فى خرقة و يدفن هذا الاحكام ممّا ذكرها المشهور و ادّى عليه الاجماع و امّا نحن نقول بان الأحوط اجراء هذه الاحكام و كذا تكفينها بقدر ما بقى من محل القطعات الثلاث.

المسألة الثانية: ما اذا كانت القطعة المبانة مشتملة على الصدر

و كذا الصدر وحده قال السيد المؤلف رحمه اللّه فتغسّل و تكفّن و يصلّى عليها و تدفن.

قال فى الشرائع و اذا وجد بعض الميّت فان كان فيه الصدر او الصدر وحده

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 276

غسّل و كفّن و صلّى عليه و دفن قال صاحب الجواهر بلا خلاف محقق أجده فى شي ء من ذلك بين المتقدمين و المتأخرين «1».

اقول لم نره دليلا يدلّ على وجوب الغسل و الكفن و لكن ورد فى بعض الأخبار «2» الصلاة على العضو المشتمل على القلب او النصف الّذي فيه القلب فان استفدنا من هذه الاخبار من جهة أن الصلاة بعد التغسيل و التكفين وجوب التغسيل و التكفين فهو و الّا نقول بان الأحوط لاجل الاجماع و الشهرة وجوب التغسيل و التكفين قبل الصلاة.

المسألة الثلاثة: اذا قطع بعض الصدر و كان مشتملا على القلب

و كذا اذا يوجد عظم الصدر و ان لم يكن معه لحم لكن كان مشتملا على القلب أيضا فحكمها حكم المسألة الثانية و اما الكفن فيجوز الاقتصار على الثوب و اللفّافة فى هذه الموارد لعدم محل للمئزر فبناء على وجوب التكفين ففى كل مورد يكفن بما هو مختص به من القطعات الثلاثة و أما الحنوط فاذا كان موضعه باقيا فيجب حنوطه و الّا فلا.

***

[مسئلة 13: اذا بقى جميع عظام الميّت بلا لحم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا بقى جميع عظام الميّت بلا لحم وجب اجراء جميع الأعمال.

(1)

أقول يدل عليه رواية خالد بن ماد القلانسى عن أبى جعفر عليه السّلام قال سألته

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 4 ص 100.

(2) الرواية 12 و 11 و 5 من الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 277

عن رجل يأكله السبع او الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع يه قال يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يدفن «1».

و رواية على بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الرجل يأكله السبع و الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن «2».

***

[مسئلة 14: اذا كانت القطعة مشتبهة بين الذكر و الأنثى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا كانت القطعة مشتبهة بين الذكر و الأنثى الأحوط أن يغسّلها كل من الرجل و الأنثى.

(1)

أقول اذا وجب تغسيل القطعة المبانة من الميّت بأىّ نحو على ما مر فى المسألة 12 من كونها مشتملة على العظم او غيرها فاذا صارت مشتبهة بين الذكر و الأنثى فحكمها حكم الخنثى فلا بد من أن يغسّلها كل من الرجل و الأنثى.

***

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 279

فصل: في كيفيّة غسل الميّت

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 281

قوله رحمه اللّه

فصل فى كيفية غسل الميّت يجب تغسيله ثلاثة أغسال:

الاوّل: بما السدر

الثانى: بماء الكافور

الثالث: بماء القراح و يجب على هذا الترتيب و لو خولف اعيد على وجه يحصل الترتيب و كيفية كل من الأغسال المذكورة كما ذكر فى الجنابة فيجب أوّلا غسل الرأس و الرقبة و بعده الطرف الأيمن و بعد الأيسر و العورة تنصف او تغسّل مع كل من الطرفين و كذا السرّة و لا يكفى الارتماس على الأحوط فى الأغسال الثلاثة مع التمكّن من الترتيب نعم يجوز فى كل غسل رمس كل من الأعضاء الثلاثة مع مراعاة الترتيب فى الماء الكثير.

(1)

أقول فى هذا الفصل أمور:

الأمر الاوّل: يجب تغسيله ثلاثة أغسال

مضافا الى دعوى التسالم و الاجماع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 282

على كون تغسيله ثلاثة أغسال يدل عليه رواية ابن مسكان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن غسل الميّت فقال اغسله بماء و سدر ثمّ اغسله على أثر ذلك غسلة أخرى بماء و كافور و ذريرة ان كانت و اغسله الثالثة بماء قراح قلت ثلاث غسلات لجسده كله قال نعم «1» و رواية حماد عن الحلبى «2» و رواية على بن رئاب عن الحلبى «3» و ما روى العلامة فى المختلف نقلا عن ابن عقيل أنه قال قد تواترت الأخبار عنهم عليهم السّلام أن عليّا عليه السّلام غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى قميصه ثلاث غسلات.

الأمر الثانى: فى كون احدها بماء السدر و الثانى بماء الكافور و الثالث بالماء القراح

مضافا الى دعوى الاجماع عليه و التسالم تدل عليه الروايات المتقدّمة.

الأمر الثالث: فى لزوم الترتيب بين الأغسال

بأن يغسّل أولا بماء و سدر و ثانيا بماء و كافور و ثالثا بماء القراح مضافا الى دعوى الاجماع و التسالم تدل عليه الروايات المتقدمة.

خصوصا رواية حماد عن الحلبى حيث قال فيها فاذا فرغت من غسله بالسّدر فاغسله مرّة أخرى بماء و كافور ثمّ اغسله بما بحت غسلة أخرى حتّى اذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته فى ثوب نظيف ثمّ جففته «4» فعلى هذا لو خولف الترتيب وجب الاعادة على وجه يحصل الترتيب.

الأمر الرابع: كون كيفية كل غسل من الأغسال الثلاثة

مثل غسل الجنابة فيجب أولا غسل الرأس و الرقبة و بعده الطرف الأيمن و بعده الأيسر كما ذكر فى غسل الجنابة و يدل عليه مضافا الى التسالم بين الاصحاب رواية محمد بن مسلم عن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب كيفية غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب كيفية غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب كيفية غسل الميّت من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 283

أبى جعفر عليه السّلام قال غسل الميّت مثل غسل الجنب «1» و قد ذكرنا كيفية غسل الجنابة فى الجزء السابع من كتابنا هذا ص 190 فراجع.

الأمر الخامس: قال السيد المؤلف رحمه اللّه لا يكفى الارتماس على الأحوط

فى كل من الأغسال الثلاثة.

أقول ما قاله عليهما السّلام هو المشهور بين الأصحاب لكن الظاهر من تنزيل غسل الميّت بالجنابة فى الروايات كونه مثلها فى تمام الجهات حتّى من جهة الارتماس و الترتيب.

لكن لاجل دعوى الشهرة على عدم كفاية الارتماس فى الأغسال الثلاثة نقول بان الأحوط عدم كفاية الارتماس مع التمكّن من الترتيب.

فحكم غسل العورة و السرّة فى الغسل الترتيبى من الجنابة يجرى فى غسل الميّت فراجع الجزء السابع من كتابنا هذا ص 207.

اما جواز تغسيل كل من الأعضاء الثلاثة بالارتماس فلا مانع منه لانه من الغسل الترتيبى مع رعاية الترتيب بين الأعضاء بان يرمس الرأس و الرقية أولا فى الماء الكثير المخلوط بالسدر ثمّ الطرف الايمن ثمّ الطرف الأيسر و هكذا فى الماء الكافور و الماء القراح.

***

[مسئلة 1: الأحوط إزالة النجاسة عن جميع جسده قبل الشروع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الأحوط إزالة النجاسة عن جميع جسده قبل الشروع فى الغسل و ان كان الأقوى كفاية ازالتها عن كل عضو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 284

قبل الشروع فيها.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام فارجع الجزء السابع من كتابنا هذا ص 264.

***

[مسئلة 2: يعتبر فى كل من السدر و الكافور ان لا يكون فى طرف الكثرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يعتبر فى كل من السدر و الكافور ان لا يكون فى طرف الكثرة بمقدار يوجب اضافته و خروجه عن الاطلاق و فى طرف القلة يعتبر ان يكون بمقدار يصدق أنّه مخلوط بالسدر او الكافور و فى الماء القراح يعتبر صدق الخلوص منهما و قدّر بعضهم السدر برطل و الكافور بنصف مثقال تقريبا لكن المناط ما ذكرنا.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 3: لا يجب مع غسل الميّت الوضوء قبله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يجب مع غسل الميّت الوضوء قبله او بعده و ان كان مستحبا و الأولى ان يكون قبله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 285

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف تمام مع كونه مما ادعى عليه الشهرة و ان كان ورد الوضوء فى رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال الميّت يبدأ بفرجه ثمّ يوضّأ وضوء الصلاة. «1»

و رواية عبد اللّه بن عبيده قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميّت قال تطرح عليه خرقة ثمّ يغسل فرجه و يوضّأ وضوء الصلاة «2» يوهم كونه واجبا لكن بقرينة رواية يعقوب بن يقطين انه سئل العبد الصالح عليه السّلام عن غسل الميّت أ فيه وضوء فذكر كيفية الغسل و لم يذكر الوضوء مع كونه فى مقام البيان تحملان على الاستحباب و الرواية هكذا يعقوب بن يقطين قال سألت العبد الصالح عليه السّلام عن غسل الميّت أ فيه وضوء الصلاة أم لا فقال غسل الميّت تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ثمّ يغسّل وجهه و راسه بالسدر. «3»

و لأحل ذكر الوضوء فى الروايتين قبل الشروع فى الغسل نقول باستحباب وضوء الميّت قبل الشروع فى الغسل.

***

[مسئلة 4: ليس لماء غسل الميّت حدّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: ليس لماء غسل الميّت حدّ بل المناط كونه بمقدار يفى بالواجبات او مع المستحبات نعم فى بعض الأخبار ان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوصى الى امير المؤمنين عليه السّلام ان يغسّله بست قرب

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 286

و التأسى به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حسن مستحسن.

(1)

أقول ان رواية ابن البخترى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السّلام (يا على اذا أنا مت فغسلنى بسبع قرب من بئر غرس) «1».

و رواية فضيل سكره قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك هل للماء الّذي يغسّل به الميّت حد محدود قال ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لعلى عليه السّلام اذا أنامت فاستثق لى ست قرب من بئر غرس فاغسلنى «2».

و ان كانتا توهمان الوجوب لكن بقرينة مكاتبة الصفار الى ابى محمد عليه السّلام فى الماء الّذي يغسل به الميّت كم حدّه فوقع عليه السّلام حدّ غسل الميّت يغسل حتّى يطهر ان شاء اللّه «3» كذا الرواية الثانية من هذا الباب «4» يحملان على الاستحباب.

***

[مسئلة 5: اذا تعذّر أحد الخليطين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا تعذّر أحد الخليطين سقط اعتباره و اكتفى بماء القراح بدله و ان تعذّر كلاهما سقطا و غسل بالقراح ثلاثة اغسال و نوى بالاول ما هو بدل السدر و بالثانى ما هو بدل الكافور.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 28 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 28 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 27 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 27 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 287

(1)

أقول ما يأتى بالنظر صحة كلام السيد المؤلف رحمه اللّه لان المتعذّر الخليط لا أصل الغسل فاذا تمكّن من الغسل

بالماء القراح بلا خليط يجب ذلك.

***

[مسئلة 6: اذا تعذّر الماء]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا تعذّر الماء يتيمّم ثلاث تيمّمات بدلا عن الأغسال على الترتيب و الأحوط تيمم آخر بقصد بدليّة المجموع و ان نوى فى التيمم الثالث ما فى الذمة من بدلية الجميع او خصوص الماء القراح كفى فى الاحتياط.

(2)

أقول فى هذه المسألة ثلاثة امور:

الأمر الاوّل: وجوب التيمم فى صورة تغدر الماء

للاغسال الثلاثة فاصل وجوب التيمّم ممّا ادّعى عليه الشهرة بل هو المتسالم بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم و يدل عليه بعض الروايات

مثل رواية زيد بن على عن آبائه عن على عليه السّلام قال انّ قوما أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا يا رسول اللّه مات صاحب لنا و هو مجدور فان غسلناه انسلخ فقال يمّموه «1».

و رواية ابى نجران أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عن ثلاثة نفر كانوا فى سفر أحدهم جنب و الثانى ميّت و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 16 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 288

و معهم من الماء قدر ما يكفى أحدهم من يأخذ الماء و كيف يصنعون قال يغتسل الجنب و يدفن الميّت بتيمم «1» و المطلقات الدالة على ان التراب أحد الطهورين.

الأمر الثانى: و اما لزوم ثلاث تيمّمات بدلا عن كل غسل

فلان الواجب تغسيل الميّت بثلاثة.

اغسال فاذا تغدر الغسل لفقد الماء وجب ثلاث تيممات بدلا عن الأغسال الثلاثة مع مراعات الترتيب بكون التيمم الاوّل بدلا عن الغسل بماء و سدر و الثانى بدلا عن الغسل بماء و كافور و الثالث بدلا عن الغسل بماء القراح.

لكن الأحوط كما ذكره المؤلف رحمه اللّه لاجل الشهرة فى المسألة من كفاية تيمم واحد بدلا عن الجميع ان يتيمم الميّت تيمما آخر بقصد بدلية الجميع.

الأمر الثالث: امّا ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من طريق آخر لهذا الاحتياط

من أن ينوى الغاسل التيمم الثالث الّذي هو بدل عن الماء القراح ما فى الذمة من بدلية الجميع او خصوص الماء القراح لا يمكن المساعدة عليه.

***

[مسئلة 7: اذا لم يكن عنده من الماء الّا بمقدار غسل واحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا لم يكن عنده من الماء الّا بمقدار غسل واحد فان لم يكن عنده الخليطان او كان كلاهما او السدر فقط صرف ذلك الماء فى الاوّل و يأتى بالتيمم بدلا عن كل من الآخرين على الترتيب و يحتمل التخير فى الصورتين الاوليين فى صرفه فى كل من الثلاثة من الاولى و فى كل من الاوّل و الثانى فى الثانية

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 289

و ان كان عنده الكافور فقط فيحتمل ان يكون الحكم كذلك و يحتمل ان يجب صرف ذلك الماء فى الغسل الثانى مع الكافور و يأتى بالتيمم بدل الاوّل و الثالث فييمّمه أوّلا ثمّ يغسّله بماء الكافور فييمّمه بدل القراح.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه من صرف الماء فى الغسل الاوّل فى الصور الثلاثة تمام لان الواجب أوّلا الغسل بماء السدر و مع فرض وجود السدر او هو مع الكافور فهو متمكن من الغسل الاوّل و هو تغسيل الميّت بماء السدر فيجب و بعد تمام الغسل و فقد الماء بالنسبة الى الغسل الثانى و الثالث يجب بدلهما و هو التيمم و امّا فى فرص عدم السدر فكذلك أيضا لانه بعد ما أثبتنا من بدليّة الغسل بماء القراح عن الغسل بماء السدر فى صورة فقد السدر فيجب تغسيل الميّت بالماء القراح بدلا عن الغسل بماء السدر و لا تصل النوبة الى الغسل الثانى و الثالث لانّه على الفرض متمكن

من اتيان الواجب الاوّل من نفسه او بدله و مع التمكن من الواجب فى ظرفه لا تصل النوبة الى الواجب الآخر الّذي بعده.

و أمّا ما قاله من التخيير فى هذه الصور لا يمكن المساعدة عليه و أما فى صورة وجود الكافور فقط فكما قال السيد المؤلف رحمه اللّه يغسّل الميّت بالماء القراح أولا بدلا عن الغسل بماء و سدر ثمّ ييمّمه بدلا عن الغسل بماء و كافور و ثمّ ييمّمه ثانيا بدلا عن الغسل بماء القراح.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 290

[مسئلة 8: اذا كان الميّت مجروحا او محروقا او مجدورا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا كان الميّت مجروحا او محروقا او مجدورا او نحو ذلك ممّا يخاف معه تناثر جلده يتيمم كما فى صوره فقد الماء ثلاثة تيممات.

(1)

أقول يدل على ذلك ما قلنا فى المسألة السادسة من الأدلة و منها رواية زيد بن على عن آبائه عليهم السّلام عن على عليه السّلام قال ان قوما أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا يا رسول اللّه مات صاحب لنا و هو مجدور فان غسلناه انسلخ فقال يمّموه. «1»

***

[مسئلة 9: اذا كان الميّت محرما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا كان الميّت محرما لا يجعل الكافور فى ماء غسله فى الغسل الثانى الّا ان يكون موته بعد طوف الحج او العمرة و كذلك لا يحنط بالكافور بل لا يقرب إليه طيب آخر.

(2)

اقول الحكم مما ادّعى عليه التسالم و يدل عليه النصوص راجع الباب 13 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

و الظاهر ان مراد المؤلف رحمه اللّه خروجه من الاحرام و كان الخروج بنظره الشريف بالطواف فما كان الملاك هو الخروج من الاحرام و ان كان خلاف ففى المخرج لانّ الطيب من محرّمات الاحرام و لا فرق بين الكافور و طيب آخر و ملاك عدم

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 16 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 291

الحنوط بالكافور ذلك.

***

[مسئلة 10: اذا ارتفع العذر عن الغسل بعد التيمم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا ارتفع العذر عن الغسل او عن خلط الخليطين او أحدهما بعد التيمم او بعد الغسل بالقراح قبل الدفن يجب الاعادة و كذا بعد الدفن اذا اتفق خروجه بعده على الأحوط.

(1)

اقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام لان العمل بالتيمم لازم فى صورة العذر و بعد رفع العذر يكشف عن كون ما فعل ليس مأمورا به فوجب تغسيله بعد رفع العذر بما هو وظيفته و كذلك بعد الدفن لانه بعد خروجه عن القبر صار موضوعا للاحكام و لا عذر فى البين.

***

[مسئلة 11: يجب ان يكون التيمم بيد الحىّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: يجب ان يكون التيمم بيد الحىّ لا الميّت و ان كان الأحوط تيمم آخر بيد الميّت ان أمكن و الأقوى كفاية ضربة واحدة للوجه و اليدين و ان كان الأحوط التعدد.

(2)

أقول كلام السيد المؤلف رحمه اللّه فى هذه المسألة تمام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 292

[مسئلة 12: الميّت المغسّل بالقراح لفقد الخليطين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: الميّت المغسّل بالقراح لفقد الخليطين او أحدهما او المتيمم لفقد الماء او نحوه من الأعذار لا يجب الغسل بمسه و ان كان أحوط.

(1)

اقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه صحيح راجع ما قلنا فى باب غسل مسّ الميّت.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 293

فصل: في شرائط الغسل

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 295

قوله رحمه اللّه

فصل فى شرائط الغسل

[و هى أمور:]

و هى أمور:

الاوّل: نية القربة على ما مرّ فى باب الوضوء.

الثانى: طهارة الماء.

الثالث: ازالة النجاسة عن كل عضو قبل الشروع فى غسله بل الأحوط أزالتها عن جميع الاعضاء قبل الشروع فى أصل الغسل كما مر سابقا

الرابع: ازالة الحواجب و الموانع عن وصول الماء الى البشرة و تخليل الشعر و الفحص عن المانع اذا شك فى وجوده.

الخامس: إباحة الماء و ظرفه و مصبّه و مجرى غسالته و محل الغسل و السدة و الفضاء الّذي فيه جسد الميّت و إباحة السدر و الكافور و اذا جهل بغصبية احد المذكورات او نسيها و علم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 296

بعد الغسل لا يجب اعادته بخلاف الشروط السابقة فان فقدها يوجب الاعادة و ان لم يكن عن علم و عمد.

(1)

اقول قد تقدم ذكر هذه الشرائط فى باب غسل الجنابة راجع الجزء السابع من كتابنا هذا ص 178 الى 216 و كذا الجزء السادس ص 8 الى ص 40.

***

[مسئلة 1: يجوز تغسيل الميّت من وراء الثياب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجوز تغسيل الميّت من وراء الثياب و لو كان المغسّل مماثلا بل قيل انه أفضل و لكن الظاهر كما قيل أن الأفضل التجرّد فى غير العورة مع المماثلة.

(2)

أقول ان المشهور كما حكى كون الغسل مجردا كان مستحبا و من وراء الثياب جائزا كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه و منشأ الخلاف ورود النصوص و ما قاله المشهور يمكن المساعدة عليه.

***

[مسئلة 2: يجزى غسل الميّت عن الجنابة و الحيض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجزى غسل الميّت عن الجنابة و الحيض بمعنى أنه لو مات جنبا او حائضا لا يحتاج الى غسلهما بل يجب غسل الميّت فقط بل و لا رجحان فى ذلك و ان حكى عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 297

العلامة رحمه اللّه رجحانه.

(1)

اقول يدل على ذلك رواية زرارة قال قلت لابى جعفر عليه السّلام ميت مات و هو جنب كيف يغسل و ما يجريه من الماء قال يغسل غسلا واحدا يجزى ذلك للجنابة و لغسل الميّت لانّهما حرمتان اجتمعا فى حرمة واحده «1».

و كذا رواية 2 و 3 و 4 من هذا الباب.

و الروايات المخالفة لها تحمل على الاستحباب او يحمل على اغتسال الغاسل الغسل لمسّ الميّت فكانه قال له تغسّل الميّت ثمّ تغتسل أنت او يحمل على ازالة النجاسة أوّلا او على التقية لموافقته لبعض العامة.

***

[مسئلة 3: لا يشترط فى غسل الميّت أن يكون بعد برده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يشترط فى غسل الميّت أن يكون بعد برده و ان كان احوط.

(2)

أقول ذلك لاطلاق الدليل الدال على وجوب تغسيل الموتى.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 31 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 298

[مسئلة 4: النظر الى عورة الميّت حرام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: النظر الى عورة الميّت حرام لكن لا يوجب بطلان الغسل اذا كان فى حاله.

(1)

أقول للأمر بستر العورة و عدم النظر الى عورته فى الأخبار البيانية لكيفية غسل الميّت فى الباب 2 من ابواب غسل الميّت و امّا عدم بطلان الغسل بالنظر الى عورة الميّت لانه ليس عدم النظر من شرائط صحة الغسل.

***

[مسئلة 5: اذا دفن الميّت بلا غسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا دفن الميّت بلا غسل جاز بل وجب نبشه لتغسيله او تيمّمه و كذا اذا ترك بعض الأغسال و لو سهوا او تبيّن بطلانها او بطلان بعضها و كذا اذا دفن بلا تكفين او مع الكفن الغصبى و اما اذا لم يصلّ عليه او تبيّن بطلانها فلا يجوز نبشه لاجلها بل يصلّى على قبره.

(2)

أقول أمّا وجوب نبش القبر لاجل تغسيله او بدله او لترك بعض الاغسال لا كلها او لاجل بطلان الغسل او لاجل الدفن بلا تكفين فلاطلاق الدليل الدال على وجوب تغسيل الموتى و كفنهم و حرمة نبش القبر لا يمنع من ذلك لانه دليل لبّى و القدر المتيقن منه صورة صحة تجهيز الميّت.

و كذا فى صورة تكفينه بالكفن الغصبى و عدم رضاية المالك بوجود الكفن عليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 299

و امّا عدم جواز النبش و الصلاة على قبره بعد الدفن فلو رود الدليل على ذلك فراجع الباب 18 من ابواب صلاة الجنازة الرواية 1 و 2 و 3.

***

[مسئلة 6: لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميّت بل لو كان داعيه على التغسيل أخذ الأجرة على وجه ينافى قصد القربة بطل الغسل أيضا نعم لو كان داعيه هو القربة و كان الداعى على الغسل بقصد القربة أخذ الاجرة صحّ الغسل لكن مع ذلك أخذ الأجرة حرام الّا اذا كان فى قبال المقدمات الغير الواجبة فانه لا بأس به حينئذ.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام و اما كون أخذا للأجرة عليه حراما مع صحة الغسل فمبنى على حرمة أخذ الاجرة على الواجبات مطلقا فعلى هذا نقول بان الأحوط عدم أخذ الغاسل الاجرة

على تغسيله الميّت.

***

[مسئلة 7: اذا كان السدر او الكافور قليلا جدّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا كان السدر او الكافور قليلا جدّا بان لم يكن بقدر الكفاية فالأحوط خلط المقدار الميسور و عدم سقوطه بالمعسور.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 300

(1)

أقول انّ التمسك بقاعدة الميسور متوقف على كون المقدور ميسورا للمعسور و هذا فى المقام محل الاشكال لكن الأحوط خلط المقدار الميسور و عدم سقوطه بالمعسور و ما قلنا فى المسألة الخامسة من أنه مع فقد أحد الخليطين او كليهما يغسّل بماء القراح بدل السدر او الكافور او كليهما لا ينافى ما نقول فى هذا الفرض لانّ حكم المخلوط بأحد الخليطين حكم الماء القراح لعدم صدق الماء مع السدر و عدم صدق الماء مع الكافور بل يصدق الغسل بالماء القراح.

***

[مسئلة 8: اذا تنجّس بدن الميّت بعد الغسل او فى اثنائه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا تنجّس بدن الميّت بعد الغسل او فى اثنائه بخروج نجاسة او نجاسة خارجة لا يجب معه اعادة الغسل بل و كذا لو خرج منه بول او منّى و ان كان الأحوط فى صورة كونهما فى الأثناء إعادته خصوصا اذا كان فى أثناء الغسل بالقراح نعم يجب ازالة تلك النجاسة عن جسده و لو كان بعد وضعه فى القبر اذا أمكن بلا مشقة و لا هتك.

(2)

اقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام و يدل عليه بعض النصوص مثل رواية روح بن عبد الرحيم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان بدا من الميّت شي ء بعد غسله فاغسل الّذي بدا منه و لا تعد الغسل «1» و مثل رواية 2 و 3 و 4 و 5 من هذا الباب.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 301

[مسئلة 9: اللوح او السرير الّذي يغسل الميّت عليه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اللوح او السرير الّذي يغسل الميّت عليه لا يجب غسله بعد كل غسل من الأغسال الثلاثة نعم الأحوط غسله لميّت آخر و ان كان الأقوى طهارته بالتبع و كذا الحال فى الخرقة الموضوعة عليه فانها أيضا تطهر بالتبع و الأحوط غسلها.

(1)

اقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه صحيح لانّه لم يذكر فى الاخبار البيانية الواردة فى غسل الميّت ذكر من تطهير السرير و ساير آلات الغسل و قد مضى الكلام فى ذلك فى البحث عن الطهارة بالتبع و هو التاسع من المطهرات راجع الجزء الرابع من كتابنا هذا ص 78.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 303

[فصل فى آداب غسل الميّت]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى آداب غسل الميّت و هى أمور:

[الاوّل: ان يجعل على مكان عال]

الاوّل: ان يجعل على مكان عال من سريرا و دكة او غيره و الاولى وضعه على ساجة و هى السرير المتخذ من شجر مخصوص فى الهند و بعده مطلق السرير و بعده المكان العالى مثل الدكة و ينبغى أن يكون مكان رأسه اعلى من مكان رجليه.

(1)

أقول يدل عليه رواية يونس قال اذا اردت غسل الميّت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة كحالة الاحتضار «1» و الحديث طويل.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 304

[الثانى: أن يوضع مستقبل القبلة]

الثانى: أن يوضع مستقبل القبلة كحالة الاحتضار بل هو احوط.

(1)

أقول يدل عليه رواية يونس المتقدمة و رواية عبد اللّه الكاهلى «1».

***

[الثالث: ان ينزع قميصه من طرف رجليه]

الثالث: ان ينزع قميصه من طرف رجليه و ان استلزم فتقه بشرط الاذن من الوارث البالغ و الاولى ان يجعل هذا سائرا لعورته.

(2)

أقول يدل عليه رواية يونس المتقدّمة.

***

[الرابع: ان يكون تحت الظلال]

الرابع: ان يكون تحت الظلال او خيمة و الاولى الاوّل.

(3)

أقول يدل عليه رواية على بن جعفر عن اخيه ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن الميّت هل يغسّل فى الفضاء قال لا بأس و ان ستر بستر فهو أحب إليّ «2».

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 305

و كذا رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد اللّه فى هذا الباب، ح 2.

***

[الخامس: ان يحفر حفيرة لغسالته]

الخامس: ان يحفر حفيرة لغسالته.

(1)

أقول يدل عليه رواية سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول اذا مات لاحدكم ميت فسجّوه تجاه القبلة و كذلك اذ غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة «1» و مكاتبة محمد بن الحسن الى ابى محمد عليه السّلام.

هل يجوز ان يغسل الميّت و ماؤه الّذي يصبّ عليه يدخل الى بئر كنيف فوقع عليه السّلام يكون ذلك فى بلاليع «2» و يدل عليه الاجماع المدعى.

***

[السادس: ان يكون عاريا مستور العورة]

السادس: ان يكون عاريا مستور العورة.

(2)

يدل عليه رواية يونس المتقدمة فى الامر الاوّل.

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الاحتضار من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 306

السابع: ستر العورة و ان كان الغاسل و الحاضرون ممن يجوز لهم النظر إليها.

(1)

أقول قد مرّ حكم هذا فى المسألة الاولى فى الفصل المنعقد لذكر شرائط الغسل

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 8، ص: 306

***

[الثامن: تليين أصابعه برفق]

الثامن: تليين أصابعه برفق بل و كذا جميع مفاصله ان لم يتعسّر و الّا تركت بحالها.

(2)

أقول يدل عليه رواية عبد اللّه الكاهلى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميّت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة حتّى يكون وجهه مستقبل القبلة ثمّ تليين مفاصله فان امتنعت عليك فدعها. «1»

***

[التاسع: غسل يديه قبل التغسيل]

التاسع: غسل يديه قبل التغسيل الى نصف الذراع فى كل غسل ثلاث مرّات و الاولى ان يكون فى الاوّل بماء السدر فى الثانى بماء الكافور و فى الثالث بالقراح.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 307

(1)

أقول يدل عليه رواية يونس المتقدمة فى الامر الاوّل.

***

[العاشر: غسل رأسه برغوة السدر او الحنطمى]

العاشر: غسل رأسه برغوة السدر او الحنطمى مع المحافظ على عدم دخوله فى أذنه و أنفه.

(2)

أقول يدل عليه رواية يونس المتقدمة.

***

[الحادى عشر: غسل فرجيه بالسدر]

الحادى عشر: غسل فرجيه بالسدر او الاشنان ثلاث مرّات قبل التغسيل و الاولى ان يلف الغاسل على يده اليسرى خرقة و يغسّل فرجه.

(3)

أقول عليه رواية الكاهلى المتقدمة.

***

[الثانى عشر: مسح بطنه برفق]

الثانى عشر: مسح بطنه برفق فى الغسلين الاولين الا اذا كانت امرأة حاملا مات ولدها فى بطنها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 308

(1)

أقول يدل عليه رواية يونس و عبد اللّه الكاهلى المتقدمتان.

***

[الثالث عشر: ان يبدأ فى كل من الأغسال الثلاثة بالطرف الايمن]

الثالث عشر: ان يبدأ فى كل من الأغسال الثلاثة بالطرف الايمن من راسه.

(2)

أقول يدل عليه رواية عبد اللّه الكاهلى المتقدمة.

***

[الرابع عشر: ان يقف الغاسل الى جانبه الأيمن]

الرابع عشر: ان يقف الغاسل الى جانبه الأيمن.

(3)

أقول قد ادّعى عليه الاجماع و يدلّ عليه رواية عمّار «1».

***

[الخامس عشر: غسل الغاسل يديه الى المرفقين فى كل من الأغسال]

الخامس عشر: غسل الغاسل يديه الى المرفقين بل الى المنكبين ثلاث مرّات فى كل من الأغسال الثلاثة.

(1)

______________________________

(1) المعتبر، ص 74.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 309

(1)

أقول يدل عليه رواية يونس المتقدمة و رواية يعقوب بن يقطين «1» و رواية عمار بن موسى «2».

***

[السادس عشر: أن يمسح بدنه عند التغسيل بيده]

السادس عشر: أن يمسح بدنه عند التغسيل بيده لزيادة الاستظهار الّا أن يخاف سقوط شي ء من أجزاء بدنه فيكتفى بصبّ الماء عليه.

(2)

اقول يدل عليه رواية يونس و عبد اللّه الكاهلى و عمّار المتقدمات.

***

[السابع عشر: ان يكون ماء غسله ست قرب]

السابع عشر: ان يكون ماء غسله ست قرب.

(3)

و قد تقدم الكلام منّا فى ذلك فى المسألة الرابعة فى الفصل المنعقد لكيفية غسل الميّت فراجع.

***

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 310

[الثامن عشر: تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف]

الثامن عشر: تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف او نحوه.

(1)

أقول يدل عليه رواية الحلبى «1».

[التاسع عشر: ان يوضّأ قبل كل من الغسلين]

التاسع عشر: ان يوضّأ قبل كل من الغسلين الاولين وضوء الصلاة مضافا الى غسل يديه الى نصف الذراع.

(2)

أقول قد تقدم منا الكلام فى ذلك فى المسألة الثالثة فى الفصل المنعقد لكيفية غسل الميّت من كونه مستحبا قبل كل الأغسال و لم نر دليلا لاستحبابه قبل كل من الغسلين الأولين.

***

[العشرون: أن يغسّل كل عضو من الأعضاء الثلاثة فى كل غسل]

العشرون: أن يغسّل كل عضو من الأعضاء الثلاثة فى كل غسل من الأغسال الثلاثة ثلاث مرّات

(3)

أقول هذا ممّا ادّعى عليه الاجماع و يدل عليه رواية الكاهلى.

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 311

[الحادى و العشرون: ان كان الغاسل يباشر تكفينه]

الحادى و العشرون: ان كان الغاسل يباشر تكفينه فليغسل رجليه الى الركبتين.

(1)

أقول يدل عليه رواية يعقوب بن يقطين و رواية عمار المتقدمتان.

***

[الثانى و العشرون: ان يكون الغاسل مشغولا بذكر اللّه]

الثانى و العشرون: ان يكون الغاسل مشغولا بذكر اللّه و الاستغفار عند التغسيل و الأولى أن يقول مكررا رب عفوك عفوك او يقول اللهم انّ هذا بدن عبدك المؤمن و قد أخرجت روحه من بدنه و فرّقت بينهما فعفوك عفوك خصوصا فى وقت تقليبه.

(2)

أقول يدل عليه رواية 1 و 2 و 3 من الباب 7 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

***

[الثالث و العشرون: ان لا يظهر عيبا فى بدنه]

الثالث و العشرون: ان لا يظهر عيبا فى بدنه اذا رآه

(3)

أقول يدل عليه رواية 1 و 2 و 3 و 4 و 5 من الباب 8 من ابواب غسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 312

الميّت من الوسائل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 313

[فصل فى مكروهات الغسل]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى مكروهات الغسل

[الاوّل: اقعاده حال الغسل]

الاوّل: اقعاده حال الغسل.

(1)

اقول يدل عليه خبر الكاهلى المتقدم (و اياك ان تقعده) مضافا الى دعوى الاجماع عليه.

***

[الثانى: جعل الغاسل ايّاه بين رجليه]

الثانى: جعل الغاسل ايّاه بين رجليه.

(2)

اقول مقتضى الجمع بين رواية عمّار و لا يجعله بين رجليه فى غسله بل يقف من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 314

جانبه «1» و رواية ابن سبابة لا بأس ان تجعل الميّت بين رجليك و ان تقوم فوقه «2» هو الحمل على الكراهة.

***

[الثالث و الرابع و الخامس و السادس و السابع و الثامن و التاسع و العاشر:]

الثالث: حلق رأسه و عانته

الرابع: نتف أبطنه

الخامس: قصّ شاربه

السادس: قص أظفاره

(1)

اقول يدل على هذه الامور الرواية 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 من الباب 11 من ابواب غسل الميّت.

*** السابع: ترجيل شعره.

(2)

اقول ادّعى عليه الاجماع

***

______________________________

(1) المعتبر، ص 74.

(2) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 315

الثامن: تخليل ظفره

(1)

اقول يدل عليه خبر الكاهلى حيث قال و لا تخلل اظفاره

*** التاسع: غسله بماء الحار بالنار او مطلقا الّا مع الاضطرار.

(2)

اقول يدل عليه رواية 1 و 2 و 3 و 4 و 5 من الباب 10 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

*** العاشر: التخطى عليه حين التغسيل.

(3)

اقول يمكن ان يكون وجهه وقوع الميّت بين رجلى الغاسل فتشمله الروايتان المتقدمتان «1» فى جعل الغاسل الميّت بين رجليه و يحمل على الكراهة.

***

______________________________

(1) المعتبر، ص 74 و الرواية 1 من الباب 33 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 316

[الحادى عشر: ارسال غسالته الى بيت الخلاء]

الحادى عشر: ارسال غسالته الى بيت الخلاء بل الى البالوعة بل يستحب ان يحضر لها بالخصوص حفيرة كما مرّ.

(1)

اقول يدل عليه رواية سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول اذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه تجاه القبلة و كذلك اذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة «1».

مكاتبة الصفار أبا محمد عليه السّلام هل يجوز أن يغسّل الميّت و ماؤه الّذي يصب عليه يدخل الى بئر كثيف فوقع عليه السّلام يكون فى بلاليع. «2»

***

[الثانى عشر: مسح بطنه اذا كانت حاملا]

الثانى عشر: مسح بطنه اذا كانت حاملا.

(2)

اقول يدل عليه رواية أم أنس بن مالك ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال اذا توفيت المرأة.

فارادوا ان يغسّلوها فليبدءوا ببطنها فلتمسح مسحا رفيقا ان لم تكن حبلى فان كانت حبلى فلا تحركها فاذا أردت غسلها فابدئي بسفليها (الى آخرها) «3».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب الاحتضار من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 6 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 317

[مسئلة 1: اذا سقط من بدن الميّت شي ء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا سقط من بدن الميّت شي ء من جلد او شعر او ظفر او سن يجعل معه فى كفنه و يدفن بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب حفظ السنّ الساقط ليدفن معه كالخبر الّذي ورد انّ سنّا من أسنان الباقر عليه السّلام سقط فأخذه و قال الحمد للّه أعطاه للصادق عليه السّلام و قال ادفنه معى فى قبرى.

(1)

اقول يدل عليه رواية ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يمسّ عن الميّت شعر و لا ظفر و ان سقط منه شي ء فاجعله فى كفنه «1».

***

[مسئلة 2: اذا كان الميّت غير مختون]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا كان الميّت غير مختون لا يجوزان يختن بعد موته.

(2)

اقول قد ادّعى عليه الاجماع و يمكن ان يستدل عليه بخبر عبد الرحمن عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الميّت يكون عليه الشعر فيحلق عنه او يقلم ظفره قال لا يمسّ منه شي ء اغسله و ادفنه «2».

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 318

[مسئلة 3: لا يجوز تحنيط المحرم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يجوز تحنيط المحرم بالكافور و لا جعله فى ماء غسله كما مرّ ألّا ان يكون موته بعد الطواف للحج او العمرة.

(1)

أقول قد مرّ حكم هذه المسألة فى المسألة التاسعة من مسائل الفصل المنعقد لكيفية غسل الميّت.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 319

الفهرس

فصل: في الحيض 5

الكلام فى دم الحيض 7

الكلام فى صفات الحيض 8

عدم اليأس و البلوغ شرط كون الدم حيضا 12

الكلام فى حد اليأس 14

المراد من القرشية 18

خروج الدم بصفات الحيض ممّن شك فى بلوغه علامة البلوغ 20

يجتمع الحيض مع الإرضاع 23

اجتماع الحيض مع الحمل فيه قولان 24

مع خروج الدم من الرحم الى فضاء الفرج يحكم بالحيضية 28

الكلام فى الشك فى كون الخارج دم أو غيره 30

أو من الرحم او غيره 34

او من البكارة او غيرها 36

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 320

او من الاستحاضة او غيرهما 37

كون أقل الحيض ثلاثة و أكثره عشرة 40

فروض رؤية الدم قبل العشرة و النقاء المتخلل بين العشرة 45

أقسام العادة 54

محقق العادة 55

رؤية الدم مرتين على خلاف العادة تتقلبها 56

الكلام فى العادة المركبة 58

الكلام فى حصول العادة بالتمييز 59

شرط تحقق العادة العددية تساوى الحيضين من حيث العدد 60

صاحبة العادة الوقتية تترك العبادة بمجرد رؤية الدم 61

صاحبة العادة المستقر فى الوقت العدد تجعله حيضا و لو فى غير وقتها 65

فروض العادة مع تخلل النقاء بينها 67

اذا انقطع الدم قبل العشرة وجب الاستبراء و اذا جاز العادة عليها الاستظهار استحبابا 72

اذا تركت الاستبراء

و صلّت بطلت 75

اذا لم يمكن الاستبراء 76

فصل: في حكم تجاوز الدم عن العشرة 77

فى حكم تجاوز الدم عن العشرة 79

فى المراد من الشهر 82

وجب الموافقة بين الشهور 83

فروض ذات العبادة فى الرجوع الى التميز و الأقارب و التخيير 83

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 321

لا فرق فى الوصف بين الأسود و الأحمر 86

لا بدّ فى التمييز أن يكون بعضها بصفة الحيض و بعضها بصفة الاستحاضه 88

المراد من الأرقاب أعم من أبوينى و الأبي 89

فصل: في احكام الحائض 91

الكلام فى احكام الحائض 93

اذا حاضت فى أثناء الصلاة بطلب 94

يجوز للحائض سجدة الشكر 95

يحرم وطى الحائض 97

يسمع قول المرأة بانها حائض او طاهر 100

لا فرق فى أقسام الزوجة و الأمة و الاجنبية 101

وجوب الكفارة بوطي الزوجة 102

المراد باقل الحيض ثلثه الاول فروض وطى الحائض 103

يجوز إعطاء قيمة الدينار 109

بطلان الطلاق و الظهار فى حال الحيض 111

احكام طلاق الحائض 112

فى صورة كون الزوج غائبا 113

او فى حكم الغائب 114

بطلان الطلاق فى صورة وجود الدم و بعد الانقطاع يصح و لو قبل الغسل و كذا الاظهار و الوطي 115

بقية الاحكام يحل بعد الغسل 116

مع تعذر الغسل تتيمم 120

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 322

ماء غسل الزوجة و الأمة عل الزوج و السيد 121

الحادى عشر من احكام الحائض وجوب قضاء ما فات فى حال الحيض 122

احكام صلاة الحائض اذا كان حيضها بعد دخول الوقت 124

من حيث القضاء و عدمه 126

من جهت النقاء

قبل خروج الوقت و درك ركعة من الصّلاة فى الوقت 128

استحباب الوضوء اوقات الصّلاة 131

كراحة الخضاب للحائض 132

استجاب الاغسال المندوبة للحائض 134

فصل: في الاستحاضة 137

فى احكام الاستحاضة 139

فى اقسام الاستحاضة 141

من القليلة و المتوسطة و الكثيرة و أحكام كل منهما 144

يجب عل المستحاضة اختيار حالها 147

يجب تجديد الوضوء على المستحاضة لكل صلاة اذا استمر الدم 149

وجوب المبادرة الى الصّلاة بعد الغسل و الوضوء 151

لا يكفى الغسل لصلاة الليل لصلاة الفجر 153

وجب الغسل او الوضوء فى صورة انقطاع الدم 155

صور انتقال الاستحاضة من الأدنى الى الأعلى أو من الأعلى إلى الأدنى 156

لا يكفى الوضوء لصلاة المستحاضة عن كل عمل مشروط بالطهارة 159

اذا عملت المستحاضة باحكامها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة 161

قد يجب على صاحبة الكثيرة بل المتوسطة خمسة أغسال 164

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 323

و مع التعذر يجب عليه عشرة تيممات 165

فصل: في النفاس 167

الكلام فى دم النفاس 169

ليس لأقل دم النفاس حد 174

ذات العادة فى الحيض تأخذ العادة فى النفاس 175

ذات العادة اذا لم تر الدم فى العادة ليس لها نفاس 177

المشهور اعتبروا فصل أقل الطهر بين الحيض و النفاس 178

بخروج اوّل جزء من الطفل يشرع النفاس 179

اذا ولدت اثنين لكل واحد نفاس 180

يجب على النفساء الاستظهار بعد انقطاع الدم 182

يستحب الاستظهار اذا تجاوز العادة 183

يجب على النفساء الغسل بعد انقطاع الدم 182

غسل النفاس مثل غسل الجنابة 185

فصل: في غسل مسّ الميّت 187

الكلام فى غسل مس الميت/ يجب

غسل من لمس الميت الآدمى 189

عدم الفرق فى وجوب الغسل بين كون الميت مسلما او كافرا صغيرا او كبيرا 191

مس القطعة المبانة موجب للغسل اذا كان مع العظم 193

مع الشك فى المس او فى كونه إنسانا أو لا لا يجب الغسل 194

صور العلم بالمس و الغسل الشك فى التقدم و التأخر 195

لا فرق فى جوب الغسل بين كون المس اختياريا او اضطراريا 196

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 324

اعتبار البرد فى ايجاب مس القطعة المبانة للغسل 197

الجماع مع الميتة بعد البرد يوجب غسل الجنابة و المس و يتداخلان 198

مسّ السرة بعد القطع لا يوجب الغسل 199

مس الميت ينقض الوضوء 200

كيفية غسل المس مثل غسل الجنابة 201

الحدث الأصغر و الاكبر فى أثناء الغسل لا يضر بغسل المس 202

المس مع الرطوبة يوجب تنجيس الملاقى 203

فصل: في أحكام الأموات 205

الكلام فى أحكام الأموات 207

الكلام فى حقيقة التوبة و وجوبها و فوريتها 208

وجوب اداء حقوق الناس عند ظهور أمارات الموت 209

جواز تمليك تمام ماله لأى شخص شاء 210

لا يجب عليه نصب القيم على أطفاله 211

فصل: في آداب المريض 213

الكلام فى آداب المريض 215

و هى خمسة عشر أمرا 216

الكلام فى استحباب عيادة المريض و آدابها 217

الكلام فى آداب العيادة و هى تسعة امور 218

الكلام فى ما يتعلق بالمحتضر مما هو وظيفه الغير و هى امور 219

ذكر الأمر الاول و هى توجيهه الى القبلة و فيه امور ثمانية 220

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 325

استحباب تلقين الميت الشهادتين 221

قراءة سورة ياسين و الصافات و آية الكرسى و غير ذلك 222

الكلام فى المستحبّات بعد الموت 223

الكلام فى المكروهات 225

الكلام فى حكم كراهة الموت 227

الكلام فى أن وجوب تجهيز الميت كفائى 229

لا بد من إذن الولى للغير و كون الأذن أعم 230

مع الشك فى صحة صلاة الغير يبنى على الصحة 231

لا يكفى صلاة الصبى على الميت 232

الكلام فى مراتب الأولياء و ذكر أدلتها 235

فى كل طبقة المذكور مقدمون على الإناث 236

مع وجود الأم و الأولاد فالأحوط الاستيذان من الأم 239

وجود الصبى و عدمه سيان و ليس للحاكم الشرعى ولاية 240

مع وصية الميت فى أمر تجهيره فالأحوط إذن الولى و الوصى معا 241

بعد الغسل و الصّلاة على الميت اذا حفر الولى ليس له الإلزام بالاعادة 242

ذكر مراتب الأولياء 243

فصل: في تغسيل الميّت 245

الكلام فى تغسيل الميت 247

ذكر الجهات المربوطة بالغسل 248

لا يجوز تغسيل الكافر بأقسامه 249

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 326

ذكر أقسام الميت و حكمه 250

لا فرق فى وجوب غسل الميت بين الصغير و الكبير 251

الكلام فى النية فى تغسيل الميت 253

الكلام فى المغسل و كفاية نية واحدة للأغسال أولا 254

الكلام فى اعتبار المماثلة بين المغسل و الميت 255

يستثنى من اعتبار المماثلة موارد 257

يجوز تغسيل كل من الزوج و الزوجة صاحبه و لو مع وجود المماثل 259

عدم الفرق بين أقسام الزوجة 260

الكلام فى حكم تغسيل الخنثى المشكل 261

اذا لم يكم المماثل المسلم أمر المسلم الكافر المماثل بالغسل 262

الكلام فى شرائط المغسل 263

الكلام

فى الموارد الّتي يسقط غسل الميت 265

المراد من الشهيد و عدم الفرق بين أقسامه و شرائط سقوط الغسل عنه 267

الكلام فيمن وجب قتله برجم و قصاص و شرائط سقوط غسله 269

سقوط الغسل عن الشهيد و المقتول بالرجم من باب العزيمة 271

اذا كان لباس الشهيد من الغير و لم يرض تنتزع 272

من اطلق عليه الشهيد فى الأخبار لا يجرى عليه أحكامه 273

من الشهيد و المقتول بالقصاص بعد الكيفية السابقة لا يوجب الغسل 274

القطعة المبانة اذا كان بلا عظم لا يجب غسله 275

اذا بقى عظام الميت بلا لحم وجب اجراء جميع الأعمال عليه 276

القطعة المشتبهة بين الذكر و الانثى يغسلها الرجل و الانثى 277

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 8، ص: 327

فصل: في كيفيّة غسل الميّت 279

الكلام فى كيفية غسل الميت و كونه ثلاثة 281

كيفية غسل الميت مثل غسل الجنابة 283

الأحوط ازالة النجاسة عن جميع بدن الميت 284

ليس لماء غسل الميت حد 285

مع تعذر الماء يتيمم ثلاث تيممات بدلا عن الأغسال 287

مع وجود الماء بقدر غسل واحد يصرف فى الغسل الاول 289

فى صورة رفع العذر وجب إعادة الغسل 291

الميت المغسل بالماء فى صورة العذر أو المتيمم لا يوجب مسّه الغسل 292

فصل: في شرائط الغسل 293

الكلام فى شرائط غسل الميت 295

يجزى غسل الميت عن الحيض و الجنابة 296

لا يشترط فى غسل الميت كونه يعد البرد 297

اذا دفن الميت بلا غسل جاز نبشه 298

لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت 299

السرير و ساير آلات الغسل يطهر بالتبع 301

ذكر آداب غسل الميت 303

الكلام فى مكروهات غسل الميت 313

اذا كان الميت غير مختون لا يجوز أن يختن 317

لا يجوز تحنيط المحرم بالكافور 318

الفهرس 319

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء التاسع

[تتمة كتاب الطهارة]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 4

[حمد و شكر]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشكرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا

وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 5

فصل: في تكفين الميّت

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 7

قوله رحمه اللّه

فصل فى تكفين الميّت يجب تكفينه بالوجوب الكفائى رجلا كان أو امرأة أو خنثى أو صغيرا بثلاث قطعات.

الأولى: المئزر و يجب أن يكون من السرة الى الركبة و الأفضل من الصدر الى القدم.

الثانية: القميص و يجب أن يكون من المنكبين الى نصف الساق و الأفضل الى القدم.

الثالثة: الازار و يجب أن يغطّى تمام البدن و الأحوط أن يكون فى الطول بحيث يمكن أن يشدّ طرفاه و فى العرض بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر و الأحوط أن لا يحسب الزائد على القدر الواجب على الصغار من الورثة و ان أوصى به أن يحسب من الثلث و ان لم يتمكّن من ثلاث قطعات يكتفى بالمقدور و ان دار الأمر بين واحدة من الثلاث تجعل ازارا و ان لم يمكن فثوبا و ان لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 8

يمكن الّا مقدار ستر العورة تعيّن و ان دار بين القبل و الدبر يقدّم الأول

[فصل فى وجوب تكفين الميت]
اشارة

(1)

أقول امّا وجوب تكفين الميّت فهو ممّا لا اشكال فيه و لم يظهر خلاف فيه من أحد و دلّت الأخبار الكثيرة عليه منها خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام قال أنّما امر أن يكفّن الميّت ليلقى ربّه عزّ و جلّ طاهر الجسد و لئلا تبد و عورته لمن يحمله أو يدفنه و لئلا ينظر الناس على بعض حاله و قبح منظره «1» و غيرها ممّا دلّ على كونه ثلاث قطعات و كونه من أىّ جنس و أىّ شي ء من موانعه و امّا عدم الفرق فى وجوبه بين الذكر و الانثى فلا طلاق الأوّلة لأنّ الميّت شامل لهما

و التصريح بكون المرأة مثل الرجل فى رواية سهل عن بعض أصحابنا رفعه قال سألته كيف تكفّن المرأة فقال كما يكفّن الرجل «2».

و امّا وجوب تكفين الخنثى فلانها ليست طبيعة ثالثة لأنّها امّا رجل او امرأة.

و امّا الصغير فيدلّ على وجوب تكفينه المطلقات الدالّة على وجوب تكفين الميت و ما مضى فى باب الغسل من أنّه اذا ثمّ للقسط أربعة أشهر وجب تغسيله و تكفينه.

و امّا كون الكفن بثلاث قطعات فهو المعروف و المشهور بين الأصحاب و يدلّ عليه بعض النصوص مثل رواية سماعه قال سألته عمّا يكفّن به الميّت قال ثلاثة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب التكفين من الوسائل

(2) الرواية 16 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 9

أثوب و انّما كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى ثلاثة أثوب «1» و غيرها راجع الباب 2 من ابواب التكفين حديث 12 و 13 و 14 و 11 و أمّا ما ذكر السيد المؤلف رحمه اللّه من أن الأولى من القطعات المئزر يجب ان يكون من السرة الى الركبة و الأفضل من الصدر الى القدم و الثانية القميص و يجب أن يكون من المنكبين الى نصف الساق و الأفضل الى القدم و الثالثة الازار و يجب أن يغطّى تمام البدن.

اقول هذا أيضا هو المعروف بين الأصحاب و يدلّ عليه بعض الأخبار منها خبر يونس عنهم عليه السّلام قال أبسط الحبرة بسطا ثمّ أبسط عليه الازار ثمّ أبسط القميص عليه «2».

و المراد من الحبرة هو الثوب الشامل لتمام الجسد و منها رواية معاوية بن وهب قال يكفّن الميّت فى خمسة

أثواب قميص لا يزر و ازار و خرقة يصعب بها وسطه و برد يلفّ فيه و عمامة يعتمّ بها و يلقى فضلها على صدره «3» و بقرينة رواية عبد اللّه بن سنان «4» يحمل تكفين الميت بالخرقة و العمامة على الاستحباب و المراد من البرد الذي يلفّ فيه هو الازار.

و كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه الأحوط ان يكون فى الطول بحيث يمكن أن يشدّ طرفاه و فى العرض بحيث أن يوضع أحد جانبيه على الآخر لأنّ الظاهر من كونه يلفّ فيه أن يغطّى تمام بدنه بنفسه.

و الاحوط كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه أن لا يحسب الزائد على القدر الواجب

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(3) الرواية 13 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل.

(4) الرواية 12 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 10

على الصغار و ان أوصى الميّت بالمقدار الزائد يحسب من الثلث.

و امّا فى صورة عدم التمكّن من القطعات الثلاثة يكتفى بالمقدور لان القدرة شرط فى التكليف و مع عدمها يسقط الغير المقدور و أمّا عدم سقوط أصل التكفين فلان الظاهر كون كل واحد من القطعات واجبا مستقلا و ان كان بتمامها يصدق التكفين و أمّا اذا دار الأمر بين واحدة من الثلاث بأن كان لنا مقدار من المنسوج من القطن يكفى لأحد من الثلاثة يجعل ازارا لأنّه يغطّى به تمام البدن و ان لم يمكن فثوبا لأنّه يغطّى به معظم البدن.

و أمّا اذا لم يمكن الّا ستر العورتين فتعيّن لعدم جواز كشف عورة الميّت و

كون الأمر بالكفن لئلا تبدو عورته.

و امّا لو دار الأمر بين ستر القبل او الدبر فالقبل مقدّم لانّ الدبر مستور بالاليتين

***

[مسئلة 1: لا يعتبر فى التكفين قصد القربة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا يعتبر فى التكفين قصد القربة و ان كان أحوط.

(1)

أقول و ان قلنا فى باب شرائط غسل الميّت من أنّه يعتبر قصد القربة لكن بملاحظة دعوى الشهرة و الاجماع على عدم اعتباره فى التكفين نقول بأنّ الأحوط قصد التقرّب به.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 11

[مسئلة 2: الأحوط فى كل من القطعات أن يكون وحده ساترا لما تحته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الأحوط فى كل من القطعات أن يكون وحده ساترا لما تحته فلا يكتفى بما يكون حاكيا و ان حصل الستر بالمجوع نعم لا يبعد كفاية ما يكون ساترا من جهة طلية بالنشا و نحوه لا بنفسه و ان كان الأحوط كونه كذلك بنفسه

(1)

أقول لان الظاهر من الأمر بالتكفين ستر مواضع البدن بالكفن فلا بدّ من كون كل من القطعات ساترا لما تحته و لا يبعد كفاية ساترية الكفن و لو بالطلى بالنشا و ان كان الاحوط كونه بنفسه ساترا

***

[مسئلة 3: لا يجوز التكفين بجلد الميّتة و لا بالمغصوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يجوز التكفين بجلد الميتة و لا بالمغصوب و لو فى حال الاضطرار و لو كفّن بالمغصوب وجب نزعه و لو بعد الدفن أيضا

(2)

أقول امّا عدم جواز التكفين بجلد الميتة لكونه نجسا و قد مضى فى باب شرائط الغسل وجوب ازالة النجاسة عن بدن الميّت و اعتبار طهارة بدنه و كذا فى المسألة 8 بانّه يجب ازالة النجاسة عن جسده و لو كان بعد وضعه فى القبر لدلالة خبر روح بن عبد الرّحيم المتقدّم و تكفينه بجلد الميتة يوجب نجاسته مع ما قلنا من اعتبار طهارة الكفن حتى لو تنجّس بعد تكفين الميّت به وجب تطهيره او قرضه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 12

بالمقراض «1» فهذا حال النجاسة العرضية فالنجاسة الذاتيّة بطريق اولى و قد أشار السيد المؤلف رحمه اللّه به فى المسألة 7.

و امّا عدم جواز تكفينه بالمغصوب فللنهى عن التصرّف فى مال الغير بل لو علم بالغصب بعد الدفن وجب نبش القبر و نزعه منه و لو كان تكفينه بالمغصوب لعدم وجود كفن غيره.

***

[مسئلة 4: لا يجوز اختيار التكفين بالنجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجوز اختيار التكفين بالنجس حتى لو كانت النجاسة بما عفى عنها فى الصلاة على الأحوط و لا بالحرير الخالص و ان كان الميّت طفلا او امرأة و لا بالمذهّب و لا بما لا يؤكل لحمه جلدا كان أو شعرا أو وبرا و الأحوط أن لا يكون من جلد المأكول و أمّا من وبره و شعره فلا بأس و ان كان الأحوط فيهما أيضا المنع و أمّا فى حال الاضطرار فيجوز بالجميع.

(1)

أقول فى هذه المسألة امور:

الأمر الاول: عدم جواز تكفين الميّت بالنجس اختيارا

لما قلنا و نقول فى المسألة 7 ان شاء اللّه تعالى.

و امّا عدم جواز التكفين بالكفن المتنجس بما عفى عنها فى الصلاة لعدم دليل

______________________________

(1) راجع الوسائل ج 1 الباب 24 من ابواب التكفين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 13

على العفو عن هذه النجاسة فى الكفن.

الأمر الثانى: عدم جواز تكفين الميّت مطلقا رجلا كان أو طفلا أو بالحرير الخالص.

فنقول مضافا الى دعوى الاجماع عليه يمكن التمسك بخبر حسين بن راشد قال سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليمانى من قزّ و قطن هل يصلح أن يكفّن فيها الموتى قال اذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس «1» و ضعفه بالاضمار منجبر بعمل الأصحاب به و هذا الخبر يشمل الرجل و المرأة و الصغير و الكبير و المرسل عن أمير المؤمنين عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن يكفّن الرجال فى ثياب الحرير. «2»

لا ينافى ما قلنا لانّه لا مفهوم له لان ذكر الرجال فيه يكون من باب المثال مثل رجل شكّ.

الأمر الثالث: عدم جواز التكفين بالمذهّب

فالعمدة فيه دعوى الاجماع لعدم تماميّة ما ذكر وجها للحرمة مثل اشتراط كون الكفن من جنس ما يصلّى فيه و غير ذلك فلهذا نقول بأن الأحوط عدم جواز كون الكفن مذهّبا.

الأمر الرابع: عدم جواز تكفين الميّت فى جلد ما لا يؤكل لحمه

و وبره و شعره فلم نر له وجها وجيها الا دعوى الاجماع عليه فباعتباره نقول أنّ الاحوط عدم جواز تكفين الميّت بجلد ما لا يؤكل لحمه و لا بشعره و وبره.

الأمر الخامس: أنّ الاحوط عدم كون الكفن من جلد المأكول

لدعوى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب التكفين من الوسائل

(2) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب التكفين من المستدرك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 14

الاجماع عن بعض و لم نقف على دليل غير ذلك و امّا عدم البأس عن الكفن اذا كان من وبر المأكول و شعره لاطلاق الثياب عليه و ان كان الاحوط استحبابا عدمه لما ورد فى خبر عمّار الكفن يكون بردا فان لم يكن بردا فاجعله كله قطنا «1».

الأمر السادس: فى حال الاضطرار يجوز التكفين بهذه الأمور كلها الّا المغصوب لما قلنا من عدم جواز التصرّف فى مال الغير مطلقا و انحصار الكفن فى المغصوب لا يسوّغ التصرّف فى مال الغير بغير أذنه و الاضطرار يبيح المحذورات لا ربط بالمغصوب لانّه من باب الامتنان.

***

[مسئلة 5: اذا دار الأمر بين جلد المأكول او أحد المذكورات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا دار الأمر فى حال الاضطرار بين جلد المأكول او أحد المذكورات يقدّم الجلد على الجميع و اذا دار بين النجس و الحرير او بينه و بين أجزاء غير المأكول لا يبعد تقديم النجس و ان كان لا يخلو عن إشكال و اذا دار بين الحرير و غير المأكول يقدّم الحرير و ان كان لا يخلو عن اشكال فى صورة الدوران بين الحرير و جلد غير المأكول و اذا دار بين جلد غير المأكول و ساير أجزائه يقدّم سائر الاجزاء.

(1)

أقول بناء على ما قلنا من الاحتياط فى جلد المأكول فنقول لو دار الأمر بينه و بين ساير المذكورات فى حال الاضطرار فهو مقدّم على الجميع و امّا لو دار الأمر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب التكفين من الوسائل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص:

15

بين النجس و بين الحرير او بين النجس و بين أجزاء غير المأكول فما يقال فى وجه تقديم النجس عليها هو كون مانعيّة الحرير و أجزاء غير المأكول تكون ذاتيّة و مانعيّة المتنجس تكون عرضيّه و اذا دار الأمر بينهما فالأخذ بالعرضيّة مقدّم لكن لا وجه لذلك لعدم الدليل على تقدم العرضى على الذاتي.

و امّا لو دار بين الحرير و غير المأكول فأقول و ان كان لا يبعد الفرق بينهما فنتيجته التخيير و لكن الاحوط كما قال الشيخ الاكبر رحمه اللّه فى طهارته يكون الحرير مقدّما على ما لا يأكل بالنسبة الى النساء و ما لا يؤكل لحمه مقدّما على الحرير بالنسية الى الرجال و بناء على ما قلنا من عدم الفرق بين الجلد و ساير اجزاء غير المأكول لصدق الثوب على الجلد لا وجه لتقديم سائر الاجزاء على الجلد و ان كان أحوط.

***

[مسئلة 6: يجوز التكفين بالحرير الغير الخالص]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: يجوز التكفين بالحرير الغير الخالص بشرط ان يكون الخليط ازيد من الإبريسم على الأحوط.

(1)

أقول لدلالة خبر حسين بن راشد قال سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليمانى من قزّ و قطن هل يصلح ان يكفّن فيها الموتى قال اذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس «1».

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 16

[مسئلة 7: اذا تنجّس الكفن بنجاسة خارجة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا تنجّس الكفن بنجاسة خارجة او بالخروج من الميّت وجب ازالتها و لو بعد الوضع فى القبر بغسل او بقرض اذا لم يفسد الكفن و اذا لم يمكن وجب تبديله مع الامكان.

(1)

أقول دلت عليه رواية 1 و 2 و 3 و 4 من الباب 24 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[مسئلة 8: كفن الزوجة على زوجها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: كفن الزوجة على زوجها و لو مع يسارها من غير فرق بين كونها كبيرة أو صغيرة أو مجنونة او عاقلة حرّه أو أمة مدخولة أو غير مدخولة دائمة أو منقطعة مطيعة أو ناشرة بل و كذا المطلّقة الرجعيّة دون البائنة و كذا فى الزوج لا فرق بين الصغير و الكبير و العاقل و المجنون فيعطى الولىّ من مال المولّى عليه.

(2)

أقول أمّا كون كفن الزوجة على الزوج لدلالة رواية عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى حديث قال كفن المرأة على زوجها اذا ماتت «1».

و رواية سكونى عن جعفر عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال على الزوج كفن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 17

امرأته اذا ماتت «1».

و أمّا عدم الفرق بين أقسام الزوجة فلإطلاق الروايتين و أمّا عدم الفرق بين أقسام الزوج فأيضا لاطلاقهما لكن فى صورة كون الزوج صغيرا أو مجنونا الأمر بيد الوليّ فيعطى من مال المولّى عليه.

***

[مسئلة 9: يشترط فى كون كفن الزوجة على الزوج أمور:]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: يشترط فى كون كفن الزوجة على الزوج أمور:

أحدها: يساره بأن يكون له ما يفى به أو ببعضه زائدا عن مستثنيات الدين و الّا فهو أو البعض الباقى فى مالها.

الثانى: عدم تقارن موتهما

الثالث: عدم محجوريّة الزوج قبل موتها بسبب الفلس

الرابع: أن لا يتعلق به حق الغير من رهن او غيره

الخامس: عدم تعيينها الكفن بالوصيّة.

(1)

أقول امّا مع عدم يساره فلا يجب على الزوج لأنّه غير مقدور له و القدرة شرط التكليف.

و أمّا عدم تقارن موتهما فلعدم العلم بحياة الزوج حين موت الزوجة حتى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 32 من

ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 18

يحب عليه كفنها.

و أمّا عدم محجورية الزوج قبل موت الزوجة بالفلس فلعدم جواز التصرف له فى ماله حتى يعطى الكفن.

و أمّا عدم تعلّق حق الغير بمال الزوج مثل الرهن و غيره فلعدم جواز تصرفه فى المال الّا باذن من له الحق.

و أمّا مع تعيين الزوجة الكفن بالوصية لا يحب على الزوج فلعدم موضوع حتى يجب على الزوج.

***

[مسئلة 10: كفن المحلّلة على سيدها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: كفن المحلّلة على سيدها لا المحلّل له.

(1)

أقول كما قلنا فى مراتب الأولياء بعد الزوج المولى مقدّم على غيره و حيث ان المحلّل له ليس زوجا لها فأمرها بيد السيد فيجب عليه اعطاء الكفن.

***

[مسئلة 11: اذا مات الزوج بعد الزوجة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا مات الزوج بعد الزوجة و كان له ما يساوى كفن أحدهما قدّم عليها حتى لو كان وضع عليها فينزع منها الّا اذا كان بعد الدفن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 19

(1)

أقول ما قاله السيد رحمه اللّه تمام و أمّا عدم النزع عنها بعد الدفن فلعدم مجوّز لنبش قبرها.

***

[مسئلة 12: اذا تبرّع بكفنها متبرّع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا تبرّع بكفنها متبرّع سقط عن الزوج.

(2)

أقول فعلى ما يأتى بالنظر من كون الواجب على الزوج اعطاء الكفن لزوجته لا مالكية الزوجة الكفن فى مال الزوج فمع تعيين الزوجة الكفن لنفسها بالوصيّة أو اعطاء المتبرع الكفن يسقط اعطائه عن الزوج لعدم موضوع لاعطائه.

***

[مسئلة 13: كفن غير الزوجة من أقارب الشخص]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: كفن غير الزوجة من أقارب الشخص ليس عليه و ان كان ممّن يجب نفقته عليه بل فى مال الميّت و ان لم يكن له مال يدفن عاريا.

(3)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام لكن يضاف على آخر كلامه (و ان لم يكن له مال) او لا يكون متبرع بالكفن.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 20

[مسئلة 14: لا يخرج الكفن عن ملك الزوج بتكفين المرأة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: لا يخرج الكفن عن ملك الزوج بتكفين المرأة فلو أكلها السبع او ذهب بها السيل و بقى الكفن رجع إليه و لو كان بعد دفنها.

(1)

أقول بعد ما قلنا سابقا من أنّه يجب على الزوج اعطاء الكفن لزوجتها و لا تكون الزوجة مالكة للكفن فى مال الزوج فما قاله السيد المؤلف تمام فى محله.

***

[مسئلة 15: اذا كان الزوج معسرا كان كفنها فى تركتها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا كان الزوج معسرا كان كفنها فى تركتها فلو أيسر بعد ذلك ليس للورثة مطالبة قيمته.

(2)

أقول بعد ما قلنا فى المسألة 9 من أنّ شرط كون الكفن على الزوج يساره فما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه صحيح.

***

[مسئلة 16: اذا كفّنها الزوج فسرقه سارق]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: اذا كفّنها الزوج فسرقه سارق وجب عليه مرّة اخرى بل و كذا اذا كان بعد الدفن على الاحوط.

(3)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام لانّه يجب على المسلمين لفّ الميت فى الكفن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 21

فاذا جرّدت الزوجة وجب تكفينها بالكفن و بعد وجوب كفنها على الزوج يجب عليه ثانيا لبقاء حكم تكفينها و كذا اذا كان بعد الدفن لما يأتى منه رحمه اللّه من جواز نبش القبر اذا لم يكن هتكا اذا كان مدفونا بلا كفن و ان كان مكروها كما يأتى فى المسألة 7 من الفصل المعقود لبيان مكروهات الدفن.

و لهذا احتاط هنا.

***

[مسئلة 17: ما عدا الكفن من مؤن تجهيز الزوجة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: ما عدا الكفن من مؤن تجهيز الزوجة ليس على الزوج على الاقوى و ان كان احوط.

(1)

اقول ما عدا الكفن من مؤن تجهيز الزوجة و ان قيل بعدم كونه على الزوج لكن الاحوط كما قال بعض الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم و منهم المؤلف رحمه اللّه كونه على الزوج

***

[مسئلة 18: كفن المملوك على سيّده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: كفن المملوك على سيّده و كذا سائر مؤن تجهيزه الّا اذا كانت المملوكة مزوّجة فعلى زوجها كما مرّ و لا فرق بين أقسام المملوك و فى المبعّض يبعّض و فى المشترك يشترك.

(2)

أقول لما قلنا من أنّ المولى أولى بمملوكه من غيره لأنّه ملكه و لدعوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 22

الاجماع على ذلك و لانّه عبد مملوك لا يقدر على شي ء نعم لو كانت مزوّجة فعلى زوجها لأنّ الزوج أولى بزوجته و كفن الزوجة على الزوج و لا فرق بين أقسام المملوك من القنّ و المدبّر و المكاتب المشروط و المكاتب المطلق اذا لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة و لو ادّعى شيئا منها فصار مبعّضا فيكون فى ماله بقدر رقيته و أمّا فى العبد المشترك فيكون مؤن تجهيزة على الموالى بقدر ملكهم.

***

[مسئلة 19: القدر الواجب من الكفن يؤخذ من أصل التركة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: القدر الواجب من الكفن يؤخذ من أصل التركة فى غير الزوجة و المملوك مقدما على الديون و الوصايا و كذا القدر الواجب من ساير المؤن من السدر و الكافور و ماء الغسل و قيمة الأرض بل و ما يؤخذ من الدفن فى الأرض المباحة و اجرة الحمّال و الحفّار و نحوها فى صورة الحاجة الى المال و امّا الزائد عن القدر الواجب فى جميع ذلك فموقوف على إجازة الكبار من الورثة فى حصتهم الّا مع وصيّة الميّت بالزائد مع خروجه من الثلث او وصيّته بالثلث من دون تعيين المصرف كلا او بعضا فيجوز صرفه فى الزائد من القدر الواجب.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف تمام فى محله.

أمّا مقدار الواجب من أصل التركة فلدلالة خبر السكونى عن الصادق عليه السّلام

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 23

أوّل شي ء يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدين ثمّ الميراث «1».

و أمّا قدر الواجب من ساير المؤن يؤخذ من أصل التركة مقدما على الدين و الوصايا و الميراث فللاجماع.

***

[مسئلة 20: الأحوط الاقتصار فى القدر الواجب على ما هو أقلّ قيمة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: الأحوط الاقتصار فى القدر الواجب على ما هو أقلّ قيمة فلو أراد و امّا هو أغلى قيمة يحتاج الزائد الى امضاء الكبار فى حصّتهم و كذا فى سائر المؤن فلو كان هناك مكان مباح لا يحتاج الى بذل مال أو يحتاج الى قليل لا يجوز اختيار الأرض الّتي مصرفها أزيد الّا بامضائهم الّا أن يكون ما هو الأقل قيمة او مصرفا هتكا لحرمة الميّت فحينئذ لا يبعد خروجه من أصل التركة و كذا بالنسبة الى مستحبّات الكفن فلو فرضنا أنّ الاقتصار على أقلّ الواجب هتك لحرمة الميّت يؤخذ المستحبّات أيضا من أصل التركة.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام فى محله.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 28 من ابواب الوصايا من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 24

[مسئلة 21: اذا كان تركة الميّت متعلقا لحقّ الغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: اذا كان تركة الميّت متعلقا لحقّ الغير مثل حق الغرماء فى الفلس و حقّ الرهانة و حقّ الجناية ففى تقديمه او تقديم الكفن اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط.

(1)

أقول الأقوى بالنظر تقديم الكفن على هذه الحقوق لدلالة رواية السكونى المتقدمة على ذلك.

***

[مسئلة 22: اذا لم يكن للميّت تركة بمقدار الكفن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: اذا لم يكن للميّت تركة بمقدار الكفن فالظاهر عدم وجوبه على المسلمين لأنّ الواجب الكفائى هو التكفين لا اعطاء الكفن لكنّه أحوط و اذا كان هناك من سهم سبيل اللّه من الزكاة فالأحوط صرفه فيه و الاولى بل الأحوط أن يعطى لورثته حتّى يكفّنوه من مالهم اذا كان تكفين الغير لميّتهم صعبا عليهم.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه صحيح.

***

[مسئلة 23: تكفين المحرم كغيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: تكفين المحرم كغيره فلا بأس بتغطية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 25

رأسه و وجهه فليس حالهما حال الطيب فى حرمة تقريبه الى الميّت المحرم.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام من حيث النصوص و الفتاوى راجع الوسائل ج 1 من الباب 12 ح 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 27

[فصل فى مستحبات الكفن و هى امور:]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى مستحبات الكفن و هى امور:

[أحدها: العمامة للرجل]

أحدها: العمامة للرجل و يكفى فيها المسمّى طولا و عرضا و الاولى أن تكون بمقدار يدار على رأسه و يجعل طرفاها تحت حنكه على صدره الأيمن على الأيسر و الأيسر على الأيمن من الصدر.

(1)

أقول هذا ممّا ادّعى عليه الاجماع و دلّ على ذلك رواية زرارة قال قلت لأبى جعفر عليه السّلام العمامة للميّت من الكفن هى قال لا انّما الكفن المفروض ثلاثة الى أن قال و العمامة سنّة «1» و كذا رواية 8 و 10 من هذا الباب على ذلك و اما كيفيتها فيدلّ عليها رواية يونس عنهم عليهم السّلام الى أن قال ثمّ يعمّم يؤخذ وسط العمامة فيثنّى على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 28

رأسه بالتدوير ثمّ يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر و الأيسر على الأيمن ثمّ يمدّ على صدره «1».

و رواية ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى العمامة للميّت فقال حنّكه «2».

***

[الثاني: المقنعة للامرأة]

الثاني: المقنعة للامرأة بدل العامة و يكفى أيضا المسمّى.

(1)

أقول و هذا ممّا ادّعى الاجماع و عدم الخلاف عليه و يدلّ عليه رواية محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال يكفّن الرجل فى ثلاثة أثواب و المرأة اذا كانت عظيمة فى خمسة درع و منطق و خمار و لفافتين «3» و رواية عبد الرحمن بن عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فى كم تكفّن المرأة قال تكفّن فى خمسة أثواب احدها الخمار «4» و المراد من الخمار القناع و المقنعة.

***

[الثالث: لفافة لثدييها]

الثالث: لفافة لثدييها يشدّ ان بها الى ظهرها.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل.

(4) الرواية 18 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 29

(1)

أقول مضافا الى دعوى الاجماع عليه يدلّ عليه رواية سهل قال سألته كيف تكفّن المرأة فقال كما تكفّن الرجل غير أنّها تشدّ على ثدييها خرفة تضمّ الثدى الى الصدر و تشدّ على ظهرها «1».

***

[الرابع: خرقة يصعب بها وسطه]

الرابع: خرقة يصعب بها وسطه رجلا كان او امرأة.

(2)

أقول يدل عليه رواية معاوية بن وهب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام الى أن قال و خرفة يصعب بها وسطه «2».

***

[الخامس: خرقة اخرى للفخذين]

الخامس: خرقة اخرى للفخذين تلفّ عليها و الأولى أن يكون طولها ثلاثة أذرع و نصفا و عرضها شبرا أو أزيد تشدّ من الحقوين ثمّ تلفّ على فخذيه لفّا شديدا على وجه لا يظهر منهما شي ء الى الركبتين ثمّ يخرج رأسها من تحت رجليه الى جانب الأيمن.

______________________________

(1) الرواية 16 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 2 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 30

(1)

أقول قال فى الجواهر اجماعا محصلا و منقولا مستفيضا «1».

و عليه رواية عمّار بن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام ثمّ بالخرفة فوق القميص على ألييه و فخذيه و عورته و يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصفا و عرضها شبرا و نصف ثمّ يشدّ «2» و رواية 5 و 3 من هذا الباب.

***

[السادس: لفّافة اخرى فوق اللفافة الواجبة]

السادس: لفّافة اخرى فوق اللفافة الواجبة و الأولى كونها بردا يمانيّا بل يستحب لفّافة ثالثة أيضا خصوصا فى الامرأة.

(2)

أقول قال صاحب الجواهر رحمه اللّه و يستحبّ اجماعا فى الغنية و ظاهر الخلاف أو صريحه و عند علمائنا فى التذكرة و المعتبر و عندنا فى الذكرى أن يزاد للرجل حبرة عبرية «3» و قال أيضا و كذا يستحبّ أن تزاد للمرأة أيضا (نمطا) «4» و يدلّ عليه خبر يونس المتقدم «5» و كذا رواية عمّار بن موسى المتقدمة «6».

***

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 4، ص 201.

(2) الرواية 4 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(3) جواهر الكلام، ج 4، ص 195.

(4) جواهر الكلام، ج 4، ص 221.

(5) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(6) الرواية 4 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 31

[السابع: أن يجعل شي ء من القطن أو نحوه بين رجليه]

السابع: أن يجعل شي ء من القطن أو نحوه بين رجليه بحيث يستر العورتين و يوضع عليه شي ء من الحنوط و ان خيف خروج شي ء من دبره يجعل فيه شي ء من القطن و كذا اذا خيف خروج الدم من منخريه و كذا بالنسبة الى قبل الامرأة و كذا ما أشبه ذلك.

(1)

أقول يدلّ على ذلك رواية عمّار بن موسى و رواية يونس و رواية عبد اللّه الكاهلى «1».

***

______________________________

(1) الرواية 10 و 5 و 3 من الباب 2 من ابواب غسل الميت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 33

[فصل فى بقيّة المستحبّات]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى بقيّة المستحبّات و هى أيضا امور:

[الاول: اجادة الكفن]

الاول: اجادة الكفن فانّ الأموات يتباهون يوم القيامة بأكفانهم و يحشرون بها و قد كفّن موسى بن جعفر عليه السّلام بكفن قيمته ألفا دينار و كان تمام القرآن مكتوبا عليه.

(1)

أقول راجع الباب 18 و 31 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[الثانى: أن يكون من القطن]

الثانى: أن يكون من القطن.

(2)

أقول راجع الباب 20 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 34

[الثالث: أن يكون أبيض]

الثالث: أن يكون أبيض بل يكره المصبوغ ما عد الحبرة ففى بعض الأخبار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كفن فى حبرة حمراء.

(1)

أقول راجع الباب 19 من ابواب التكفين و الباب 2 ح 3

***

[الرابع: أن يكون من خالص المال]

الرابع: أن يكون من خالص المال و طهوره لا من المشتبهات.

(2)

أقول راجع الباب 34 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[الخامس: أن يكون من الثوب الّذي أحرم فيه]

الخامس: أن يكون من الثوب الّذي أحرم فيه او صلّى فيه.

(3)

أقول راجع الباب 4 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[السادس: أن يلقى عليه شي ء من الكافور و الذريرة]

السادس: أن يلقى عليه شي ء من الكافور و الذريرة و هى على ما قيل حبّ يشبه حبّ الحنطة له ريح طيّب إذا دق و تسمّى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 35

الآن قمحة و لعلّها كانت تسمّى بالذريرة سابقا و لا يبعد استحباب التبرك بتربة قبر الحسين عليه السّلام و مسحه بالضريح المقدس أو بضرائح ساير الأئمة عليهم السّلام بعد غسله بماء الفرات او بماء زمزم.

(1)

أقول راجع الباب 15 من ابواب التكفين و الباب 14 من الوسائل.

***

[السابع: أن يجعل طرف الأيمن من اللّفافة على ايسر الميّت]

السابع: أن يجعل طرف الأيمن من اللّفافة على ايسر الميّت و الأيسر منها على أيمنه.

(2)

أقول قال صاحب الحدائق رحمه اللّه «1» و هذه الكيفية مشهورة بين الأصحاب.

***

[الثامن: أن يخاط الكفن بخيوطه]

الثامن: أن يخاط الكفن بخيوطه اذا احتاج الى الخياطة.

(3)

أقول قال صاحب الجواهر بلا خلاف أجده بين الأصحاب «2».

***

______________________________

(1) الحدائق، ج 4، ص 48.

(2) جواهر الكلام ج 4 ص 233

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 36

[التاسع: ان يكون المباشر للتكفين على طهارة]

التاسع: ان يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث و ان كان هو الغاسل له فيستحب له أن يغسل يديه الى المرفقين بل المنكبين ثلاث مرّات و يغسل رجليه الى الركبتين و الأولى أن يغسل كل ما تنجّس من بدنه و أن يغتسل غسل المسّ قبل التكفين.

(1)

أقول راجع الباب 35 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[العاشر: أن يكتب على حاشية الكفن اسمه و اسم أبيه]

العاشر: أن يكتب على حاشية جميع قطع الكفن من الواجب و المستحب حتى العمامة أسمه و اسم أبيه بأن يكتب فلان ابن فلان يشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّ عليّا و الحسن و الحسين و عليّا و محمدا و جعفرا و موسى و عليّا و الحسن و الحجة القائم أولياء اللّه و أوصياء رسول اللّه و أئمّتي و أنّ البعث و الثواب و العقاب حقّ.

(2)

أقول راجع جواهر الكلام ج 4 ص 222 الى ص 226.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 37

[الحادى عشر: أن يكتب على كفنه تمام القرآن]

الحادى عشر: أن يكتب على كفنه تمام القرآن و دعاء جوش الصغير و الكبير و يستحب كتابة الأخير فى جام بكافور أو مسك ثم غسله و رشّه على الكفن فعن أبى عبد اللّه الحسين صلوات اللّه عليه أنّ أبى أوصانى بحفظ هذا الدعاء و أن أكتبه على كفّه و أن اعلمه أهل بيتى و يستحب أيضا أن يكتب عليه البيتان اللّذان كتبهما أمير المؤمنين عليه السّلام على كفن سلمان و هما:

و فدت على الكريم بغير زاد من الحسنات و القلب السليم و حمل الزاد أقبح كل شي ء اذا كان الوفود على الكريم

و يناسب أيضا كتابة السند المعروف المسمى بسلسلة الذهب و هو (حدّثنا محمد بن موسى المتوكّل قال حدثنا عل بن ابراهيم عن أبيه يوسف بن عقيل عن اسحاق بن راهويه قال لمّا وافى ابو الحسن الرضا عليه السّلام نيشابور و أراد أن يرتحل الى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث.

فقالوا يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تدخل

علينا و لا تحدثنا بحديث فنستفيده منك و قد كان قعد فى العمارية فأطلع رأسه فقال عليه السّلام سمعت أبى موسى بن جعفر عليه السّلام يقول سمعت أبى جعفر بن محمد عليه السّلام يقول سمعت أبى محمد بن على عليه السّلام يقول سمعت أبى على بن الحسين عليه السّلام يقول سمعت أبى الحسين بن على عليه السّلام يقول سمعت أبى أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السّلام يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول سمعت جبرئيل يقول سمعت اللّه عز و جلّ يقول لا إله الّا اللّه حصنى فمن دخل حصنى أمن من عذابى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 38

فلما مرّت الراحلة نادى أمّا بشروطها و أنا من شروطها و ان كتب السند الآخر أيضا فأحسن و هو حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدّثنا عبد الكريم بن محمد الحسينى قال حدثنا محمد بن ابراهيم الرازى قال حدّثنا عبد اللّه بن يحيى الأهوازى قال حدثنى ابو الحسن على بن عمرو قال حدثنا الحسن محمد بن جمهور قال حدّثني على بن بلال عن على بن موسى الرضا عليه السّلام عن موسى بن جعفر عليه السّلام عن جعفر بن محمد عن محمد بن على عليه السّلام عن على بن الحسين عليه السّلام عن الحسين بن على عليه السّلام عن على بن أبى طالب عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عليهم السّلام عن اللوح و القلم قال يقول اللّه عزّ و جلّ.

ولاية على بن أبى طالب حصنى فمن دخل حصنى أمن من نارى و اذا كتب على

فصّ الخاتم العقيق الشهادتان و أسماء الأئمة و الاقرار بامامتهم كان حسنا بل يحسن كتابة كل ما يرجى منه النفع من غير أن يقصد الورود و الأولى ان يكتب الأدعية المذكورة بتربة قبر الحسين عليه السّلام او يجعل فى المداد شي ء منها او بتربة سائر الأئمة و يجوز أن يكتب بالطين و الماء بل بالأصبح من غير مداد.

(1)

أقول راجع جواهر الكلام ج 4 ص 225 الى 232

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 39

[الثانى عشر: أن يهيّأ كفنه قبل موته]

الثانى عشر: أن يهيّأ كفنه قبل موته و كذا السدر و الكافور ففى الحديث من هيّأ كفنه لم يكتب من الغافلين و كلما نظر إليه كتبت له حسنة.

(1)

أقول راجع الباب 27 من ابواب التكفين و يمكن ان يستأنس من استحباب أن يهيّأ الكفن استحباب تهيئة الكافور و السدر.

***

[الثالث عشر: أن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة]

الثالث عشر: أن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة مثل حال الاحتضار او بنحو حال الصلاة.

(2)

أقول راجع الوسائل ج 1 الباب 35 من ابواب الاحتضار و الباب 5 من ابواب غسل الميت.

***

[تتممة اذا لم تكتب الأدعية المذكورة]

تتممة اذا لم تكتب الأدعية المذكورة و القرآن على الكفن بل على وصلة اخرى و جعلت على صدره او فوق رأسه للأمن من التلويث كان أحسن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 40

(1)

أقول هذا التذكر من السيد المؤلف رحمه اللّه حسن راجع جواهر الكلام ج 4 ص 228 ينفعك فى ذلك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 41

[فصل فى مكروهات الكفن]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى مكروهات الكفن و هى أمور:

[أحدها: قطعه بالحديد]

أحدها: قطعه بالحديد.

(1)

أقول لم نر دليلا على كراهته حتّى نحكم بكراهته راجع الحدائق ج 4 ص 90 حيث ذكر ذلك من الشيخين.

***

[الثانى: عمل الأكمام و الزرور له]

الثانى: عمل الأكمام و الزرور له اذا كان جديدا و لو كفّن فى قميصه الملبوس له حال حياته قطع أزراره و لا بأس بأكمامه.

(2)

أقول راجع الوسائل ج 1 الباب 28 من أبواب التكفين.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 42

[الثالث: بل الخيوط الّتي يخاط بها بريقه]

الثالث: بل الخيوط الّتي يخاط بها بريقه.

(1)

أقول لم نجد دليلا عليه لكن قال فى المعتبر ذكره الشيخ و رأيت الأصحاب يجتنبونه و لا بأس بمتابعتهم لازالة الاحتمال و وقوفا على موضع الوفاق فعلى هذا نقول يحسن تركه.

***

[الرابع: تبخيره بدخان الأشياء الطيبة الريح]

الرابع: تبخيره بدخان الأشياء الطيبة الريح بل تطييبه و لو بغير البخور نعم يستحب تطييبه بالكافور و الذريرة كما مرّ.

(2)

أقول راجع الباب 6 و 15 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[الخامس: كونه أسود]

الخامس: كونه أسود

(3)

أقول راجع الباب 21 من ابواب التكفين.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 43

[السادس: أن يكتب عليه بالسواد]

السادس: أن يكتب عليه بالسواد.

(1)

أقول لم نجد وجها وجيها له ألّا ذكر الشيخ رحمه اللّه له فى المبسوط و النهاية فعلى هذا الترك حسن.

***

[السابع: كونه من الكتان]

السابع: كونه من الكتان و لو ممزوجا.

(2)

أقول راجع الباب 20 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[الثامن: كونه ممزوجا بالابريسم]

الثامن: كونه ممزوجا بالابريسم بل الأحوط تركه الّا أن يكون خليطة أكثر.

(3)

أقول لم نجد وجها له يمكن الاعتماد عليه فى الحكم بالكراهة.

***

[التاسع: المماكسة فى شرائه]

التاسع: المماكسة فى شرائه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 44

(1)

أقول راجع الباب 36 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

[العاشر: جعل عمامته بلا حنك]

العاشر: جعل عمامته بلا حنك.

(2)

أقول هذا ممّا ادّعى عليه الاجماع كما فى الجواهر و دل على ذلك رواية عثمان النوا قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام انّى اغسل الموتى قال و تحسن الى ان قال و اذا عمّمته فلا تعممه عمامة الأعرابى قلت كيف أصنع قال خذ العمامة من وسطها و أنشرها على رأسه ثمّ ردّها الى خلفه و أطرح طرفيها على صدره «1».

و ظاهر هذا الخبر و كذا خبر يونس كون العمامة مع الحنك.

و نقل صاحب الحدائق عن المبسوط كون العمامة الأعرابى المنهى عنه فى الرواية هى العمامة بغير حنك راجع الحدائق ج 4 ص 35.

***

[الحادى عشر: كونه وسخا]

الحادى عشر: كونه وسخا غير نظيف.

(3)

أقول لم أجد له دليلا و يمكن أن يشعر بحزازة التكفين بغير النظيف من خبر

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب التكفين من الوسائل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 45

محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام و ان استطعت أن يكون فى كفنه ثوب كان يصلّى فيه نظيف فافعل.

***

[الثانى عشر: كونه مخيطا]

الثانى عشر: كونه مخيطا بل يستحب كون كل قطعة منه وصلة واحدة بلا خياطة على ما ذكره بعض العلماء و لا بأس به.

(1)

أقول لم أر وجها وجيها له الّا كون السيرة على ذلك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 47

[فصل فى الحنوط]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى الحنوط و هو مسح الكافور على بدن الميّت يجب مسحه على المساجد السبعة و هى الجبهة و اليدان و الركبتان و إبهاما الرجلين و يستحبّ اضافة طرف الأنف إليها أيضا بل هو الأحوط و الأحوط أن يكون المسح باليد بل بالراحة و لا يبعد استحباب مسح ابطيه و لبّته و مغابنه و مفاصله و باطن قدميه و كفّيه بل كل موضع من بدنه فيه ريحة كريهة و يشترط أن يكون بعد الغسل أو التيمم فلا يجوز قبله نعم يجوز قبل التكفين و بعده و فى اثنائه و الاولى ان يكون قبله و يشترط فى الكافور أن يكون طاهرا مباحا جديدا فلا يجزى العتيق الّذي زال ريحه و أن يكون مسحوقا.

[وجوب مسح الكافور على المساجد السبعة]

(1)

أقول الأقوى وجوب مسح الكافور على المساجد السبعة يدل عليه رواية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 48

الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا أردت أن تحنط الميّت فاعمد الى الكافور فامسح به آثار السجود منه و مفاصله كلها و رأسه و لحيته و على صدره من الحنوط و قال حنوط الرجل و المرأة سواء «1».

و رواية يونس ثمّ أعمد الى الكافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده و امسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه الى قدمه «2» و رواية زرارة قال اذا جفّفت الميّت عمدت الى الكافور فمسحت به آثار السجود و مفاصله كلها «3» و المعروف بين الأصحاب هو وجوب مسح المساجد السبعة.

و امّا استحباب طرف الأنف و مسحه بالكافور فألحقه بعض الأصحاب بالمساجد فى وجوب مسحه و يدل عليه رواية دعائم الاسلام اذا فرغ من تغسيله و نشّفه بثوب و جعل الكافور

فى موضع سجوده و جبهته و أنفه و يديه و ركبتيه و رجليه و لكن لا حل ضعف سندها يحمل على الاستحباب و ان كان هو الأحوط كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه.

و امّا كون المسح باليد كما احتاط السيد المؤلف رحمه اللّه فهو فى محله لأنّه اذا استعمل المسح مع الباء ظاهره ذلك.

و امّا احتياط الثانى الّذي بيّنه بكلمة بل لانّ الظاهر من المسح باليد هو بباطن اليد لا ظاهرها كما هو المتعارف و امّا استحباب مسح إبطيه و لبته و مغانبه و مفاصله و باطن قدميه و كفّيه بل كل موضع من بدنه فيه ريحة كريهة فيدل رواية الحلبى و رواية يونس المتقدمتان و ان لم يكن فيها ذكر من المغانب لكن ورد فى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 16 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 49

رواية يونس بنقل التهذيب و امسح الكافور على جميع مغابنه و المراد بالمغابن كما فى مجمع البحرين الارفاغ و الآباط «1».

فتشمل جميع مواضع البدن التى فيه الرائحة كريهة سواء كان إبطه او اصول الأفخاذ او غيرها و أمّا استحباب لبته فلرواية الكاهلى و حسين بن المختار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال يوضع الكافور من الميّت على موضع المساجد و على اللّبة و باطن القدمين و موضع الشراك من القدمين «2».

و المراد منها كما فى مجمع البحرين موضع القلادة و يمكن استفاده استحباب مسحها بما دلّ على استحباب مسح الصدر بالكافور لأنّ موضع القلادة هو الصدر.

و أمّا أنّه يشترط

كون الحنوط بعد الغسل لدلالة النصوص المتقدمة عليه.

و أمّا كون الاولى أن يكون قبل التكفين فلدلالة رواية زرارة حيث قال فيها اذا جفّفت الميّت عمدت الى الكافور «3» و رواية يونس حيث قال فيها أبسط الحبرة بسطا عليها الازار ثمّ أبسط القميص عليه ثمّ أعمد الى كافور مسحوق «4» على كون الحنوط قبل التكفين.

و أمّا أنّه يشترط فى الكافور ان يكون طاهرا فلما قلنا سابقا من وجوب ازالة النجاسة عن البدن الميّت و اذا تنجّس وجب تطهيره و أمّا اشتراط كونه مباحا لعدم الجواز التصرف فى مال الغير بغير رضاه.

و أمّا كونه جديدا فلما يستفاد من الروايات من أنّ الحنوط بالكافور لاجل

______________________________

(1) مجمع البحرين، ص 513.

(2) الرواية 5 من الباب 12 من ابواب التكفين من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 16 من ابواب التكفين من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 50

طيبه فمع زوال رائحته لا يبقى موضوع الطيب حتى يحنط به.

و أمّا كونه مسحوقا فلانّه ورد فى رواية يونس حيث قال ثمّ أعمد الى كافور مسحوق «1».

***

[مسئلة 1: لا فرق فى وجوب الحنوط بين الصغير و الكبير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا فرق فى وجوب الحنوط بين الصغير و الكبير و الانثى و الخنثى و الذكر و الحرّ و العبد نعم لا يجوز تحنيط المحرم قبل اتيانه بالطواف كما مرّ و لا يلحق به الّتي فى العدّة و لا المعتكف و ان كان يحرم عليهما الطيب حال الحياة.

(1)

أقول أمّا عدم الفرق بين الأصناف المذكورة فلا طلاق دليل وجوب الحنوط و قد صرّح فى رواية زرارة و الحلبى بكون حنوط الرجل و المرأة سواء.

و أمّا عدم جواز تحنيط المحرم فلما قلنا

فى المسألة التاسعة من مسائل كيفية الغسل.

و أمّا عدم الحاق المعتدة و المعتكف بالمحرم فلعدم الدليل عليه و ان كان فى حال الحياة يجب على المعتدة بعدة الوفات عدم استعماله الطيب و كذا يحرم على المعتكف شمّ الطيب فى حال الحياة.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 51

[مسئلة 2: لا يعتبر فى التحنيط قصد القربة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا يعتبر فى التحنيط قصد القربة فيجوز أن يباشره الصبى المميّز أيضا.

(1)

أقول أمّا عدم اعتبار قصد القربة فى التحنيط لعدم دليل عليه و مقتضى الأصل عدم اعتباره لكن مع ذلك الاحوط قصد القربة و مباشرة البالغ العاقل لذلك.

***

[مسئلة 3: يكفى فى مقدار كافور الحنوط المسمّى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يكفى فى مقدار كافور الحنوط المسمّى و الأفضل أن يكون ثلاثة عشر درهما و ثلث تصير بحسب المثاقيل الصيرفيّة سبع مثاقيل و حمّصتين الّا خمس الحمّصة.

و الأقوى أنّ هذا المقدار لخصوص الحنوط لا له و للغسل و أقلّ الفضل مثقال شرعىّ و الأفضل منه أربعة دراهم و الأفضل منه أربعة مثاقيل شرعيّة.

(2)

أقول من يراجع فى كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم يرى اختلافا فى أقوالهم كما فى الروايات.

فما يمكن أن يقال هو كفاية المسمّى لأنّ اختلافات الروايات يشهد بالاستحباب فى الزائد على المسمّى فعلى هذا طريق الاحتياط كونه بمقدار ثلاثة عشر درهما و ثلث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 52

و ظاهر الروايات أنّ هذا المقدار من الكافور لخصوص الحنوط.

***

[مسئلة 4: اذا لم يتمكّن من الكافور سقط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا لم يتمكّن من الكافور سقط وجوب الحنوط و لا يقوم مقامه طيب آخر نعم يجوز تطييبه بالذريرة و لكنّها ليست من الحنوط و أمّا تطييبه بالمسك و العنبر و العود و نحوها و لو بمزجها بالكافور فمكروه بل الأحوط تركه.

(1)

أقول امّا مع عدم التمكّن من الكافور يسقط وجوب الحنوط فلانّ القدرة شرط التكليف و لا دليل على قيام شي ء آخر مقام الكافور و مقتضى الأصل البراءة نعم يجوز تطييبه بالذريرة بل هو الاحوط و امّا تطييبه بالمسك و العنبر و العود و غيرها و لو بمزجها بالكافور فالأحوط تركه.

***

[مسئلة 5: يكره ادخال الكافور فى عين الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يكره ادخال الكافور فى عين الميّت أو أنفه أو اذنه.

(2)

أقول يكره ادخال الكافور فى عين الميّت و أنفه و أذنه بل الأحوط تركه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 53

لدلالة رواية يونس على ذلك «1».

***

[مسئلة 6: اذا زاد الكافور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا زاد الكافور يوضع على صدره.

(1)

أقول أمّا وضع الكافور على صدر الميّت فكما قلنا سابقا يدلّ عليه بعض الروايات مثل رواية الحلبى «2» و زرارة «3».

و امّا كون الكافور فى صورة زاد على المساجد و عبرها يوضع على صدره الميّت فلم نجد له دليلا الّا ما فى الفقه الرضوى (و تلقى ما بقى على صدره و راحته) «4».

***

[مسئلة 7: يستحبّ سحق الكافور باليد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يستحبّ سحق الكافور باليد لا بالهاون.

(2)

أقول ما نرى دليلا للحكم باستحباب سحق الكافور باليد و لكن نقل القول بالاستحباب عن بعض فلا بأس بالعمل بما قاله رحمه اللّه.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب التكفين من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 16 من ابواب التكفين من الوسائل.

(4) المستدرك، ج 1، ابواب التكفين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 54

[مسئلة 8: يكره وضع الكافور على النعش]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يكره وضع الكافور على النعش.

(1)

أقول مقتضى الجمع بين رواية السكونى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام.

(أنّ النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن يوضع على النعش الحنوط) «1».

و رواية غياث بن ابراهيم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه أنّه كان يجمّر الميت بالعود فيه المسك و ربما جعل على النعش الحنوط و ربما لم يجعله «2».

هو حمل النهى على الكراهة.

***

[مسئلة 9: يستحب خلط الكافور بشي ء من تربة قبر الحسين عليه السّلام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: يستحب خلط الكافور بشي ء من تربة قبر الحسين عليه السّلام لكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

(2)

أقول للتوقيع و هو مكاتبة الحميرى قال كتبت الى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميّت فى قبره هل يجوز ذلك أم لا فأجاب و قرأت التوقيع و منه نسخت توضع مع الميّت فى قبره و يخلط بحنوط ان شاء اللّه «3» قال صاحب الوسائل رحمه اللّه المراد الطين المعهود للتبرّك و هو طين قبر الحسين عليه السّلام و لكن لا يجوز وضعها على المواضع الّتي يوجب الهتك نعوذ باللّه تعالى.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب التكفين من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 17 من ابواب التكفين من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 55

[مسئلة 10: يكره اتباع النعش بالمجمرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: يكره اتباع النعش بالمجمرة و كذا فى حال الغسل.

(1)

أقول لدلالة رواية السكونى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام أنّ النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى ان يتّبع جنازة بمجمرة «1» و اما الكراهة فى حال الغسل فلم نجد دليلا يدلّ عليه.

***

[مسئلة 11: يبدأ فى التحنيط بالجبهة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: يبدأ فى التحنيط بالجبهة و فى سائر المساجد مخيّر.

(2)

أقول لا دليل على وجوب الابتداء بالجبهة الّا ما فى الفقه الرضوى و تبدأ بجهته و تمسح مفاصله كلها و تلقى ما بقى على صدره و وسط راحته «2» لكنه الاولى و الأحوط و امّا كونه فى ساتر الاجزاء مخيّرا لاطلاق الدليل الدال على وجوب تحنيط المساجد السبعة.

***

[مسئلة 12: اذا دار الأمر بين وضع الكافور فى ماء الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا دار الأمر بين وضع الكافور فى ماء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب التكفين من الوسائل.

(2) المستدرك الوسائل، ج 1، ابواب التكفين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 56

الغسل او يصرف فى التحنيط يقدّم الأول و اذا دار فى الحنوط بين الجبهة و سائر المواضع تقدّم الجبهة.

(1)

أقول مع عدم العلم بأهميّة الحنوط على الغسل يصرف الكافور فى الغسل لاقتضاء الترتيب بينهما ذلك و كذا الحكم بالنسبة الى الحنوط مع الأولوية بالجبهة كما قلنا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 57

[فصل فى الجريدتين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى الجريدتين من المستحبّات الأكيدة عند الشيعة وضعهما مع الميّت صغيرا أو كبيرا ذكرا أو انثى محسنا أو مسيئا كان ممن يخاف عليه من عذاب القبر او لا ففي الخبر (انّ الجريدة تنفع المؤمن و الكافر و المحسن و المسي ء و ما دامت رطبة يرفع عن الميّت عذاب القبر) و فى آخر (أنّ النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرّ على قبر يعذّب صاحبه فطلب جريدة فشقّها نصفين فوضع أحدهما فوق رأسه و الاخرى عند رجله و قال يخفّف عنه العذاب ما داما رطبين) و فى بعض الأخبار أن آدم عليه السّلام أوصى بوضع جريدتين فى كفنه لأنسه و كان هذا معمولا بين الأنبياء و ترك فى زمان الجاهليّة فأحياه النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(1)

أقول يدلّ عليه النصوص المذكورة فى المتن و عيرها راجع الوسائل الباب 7

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 58

من ابواب التكفين و اطلاق الأخبار يشمل كل الطوائف المذكورة فى المتن و قد صرّح بنفع الكافور و المؤمن فى رواية

على بن بلال.

***

[مسئلة 1: الاولى أن تكونا من النخل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الاولى أن تكونا من النخل و ان لم يتيسّر فمن السدر و الّا فمن الخلاف او الرمّان و الّا فكلّ عود رطب.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 8 من ابواب التكفين.

***

[مسئلة 2: الجريدة اليابسة لا يكفى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الجريدة اليابسة لا يكفى.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 9 من ابواب التكفين.

***

[مسئلة 3: الاولى أن تكون فى الطول بمقدار ذراع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الاولى أن تكون فى الطول بمقدار ذراع و ان كان يجزى الأقلّ و الأكثر و فى الغلظ كلّما كان أغلظ أحسن من حيث بطوء يبسه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 59

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 10 من ابواب التكفين.

***

[مسئلة 4: الأولى فى كيفية وضعها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الأولى فى كيفية وضعها أن يوضع احداهما فى جانبه الأيمن من عند الترقوة الى ما بلغت ملصقة ببدنه و الاخرى فى جانبه الأيسر من عند الترقوة فوق القميص تحت اللّفّافة الى ما بلغت و فى بعض الأخبار أن يوضع إحداهما تحت إبطه الأيمن و الاخرى بين ركبتيه بحيث يكون نصفها يصل الى الساق و نصفها الى الفخذ و فى بعض آخر يوضع كلتاهما فى جنبه الأيمن و الظاهر تحقق الاستحباب بمطلق الوضع معه فى قبره.

(2)

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 9، ص: 59

أقول راجع الوسائل الباب 10 و 11 من ابواب التكفين.

***

[مسئلة 5: لو تركت الجريدة لنسيان و نحوه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لو تركت الجريدة لنسيان و نحوه جعلت فوق قبره.

(3)

أقول راجع الباب 11 من ابواب التكفين من الوسائل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 60

[مسئلة 6: لو لم تكن الّا واحدة جعلت فى جانبه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لو لم تكن الّا واحدة جعلت فى جانبه الأيمن.

(1)

أقول لم نجد وجها له الا قاعدة الميسور لان الواحدة ميسور الاثنتين و أمّا كونها جعلت فى جانبه الأيمن يمكن أن يستفاد من مضمر جميل قال سألته عن الجريدة توضع من دون الثبات او من فوقها قال فوق القميص و دون الخاصرة فسألته من أىّ جانب فقال من الجانب الأيمن «1».

***

[مسئلة 7: الأولى أن يكتب عليهما اسم الميّت و اسم أبيه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: الأولى أن يكتب عليهما اسم الميّت و اسم أبيه و أنّه يشهد أن لا آله الّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّ الأئمة من بعده أوصياؤه و يذكر أسماءهم واحدا بعد واحد.

(2)

أقول لم أجد دليلا لذلك الّا دعوى الاجماع من الغنية على استحبابه كما نقله صاحب الجواهر ج 4 ص 222 مضافا الى أنّه نوع من التبرّك.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 61

فصل: في التشييع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 63

قوله رحمه اللّه

فصل فى التشييع يستحب لأولياء الميّت اعلام المؤمنين بموت المؤمن ليحضروا جنازته و الصلاة عليه و الاستغفار له و يستحبّ للمؤمنين المبادرة الى ذلك و فى الخبر أنّه لو دعي الى وليمة و الى حضور جنازة قدّم حضورها لأنّه مذكّر للآخرة كما أنّ الوليمة مذكّرة للدنيا و ليس للتشييع حدّ معين و الأولى أن يكون الى الدفن و دونه الى الصلاة عليه و الأخبار فى فضله كثيرة ففى بعضها (أوّل تحفة للمؤمن فى قبر غفرانه و غفران من شيعه و فى بعضها من شيّع مؤمنا لكل قدم يكتب له مائة ألف حسنة و يمحى عنه مائة ألف سيّئة و يرفع له مائة ألف درجة و ان صلّى عليه يشيّعه حين موته مائة الف ملك يستغفرون له الى ان يبعث) و فى خبر آخر (من مشى مع جنازة حتى صلّى عليها له قيراط من الأجر و ان صبر الى دفنه له قيراطان و القيراط مقدار جبل احد) و فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص:

64

بعض الأخبار (يوجر بمقدار ما مشى معها).

و امّا آدابه فهى أمور:

أحدها: ان يقول اذا نظر الى جنازة (انّا اللّه و انّا إليه راجعون اللّه اكبر هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله اللّهمّ زدنا ايمانا و تسليما الحمد للّه الّذي تعزّز بقدرته و قهر العباد بالموت) و هذا لا يختصّ بالمشيّع بل يستحب لكل من نظر الى جنازة كما أنّه يستحبّ له مطلقا ان يقول (الحمد للّه الّذي لم يجعلنى من السواء المخترم).

الثانى: أن يقول حين حمل الجنازة (بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آل محمد اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات).

الثالث: أن يمشى بل يكره الركوب الّا لعذر نعم لا يكره فى الرجوع.

الرابع: أن يحملوها على أكنافهم لا على الحيوان الّا لعذر كبعد المسافة.

الخامس: ان يكون المشيع خاشعا متفكرا متصوّرا أنّه هو المحمول و يسأل الرجوع الى الدنيا فاجيب.

السادس: أن يمشى خلف الجنازة او طرفيها و لا يمشى قدّامها و الاول أفضل من الثانى و الظاهر كراهة الثالث خصوصا فى جنازة غير المؤمن.

السابع: أن يلقى عليها بثوب غير مزيّن.

الثامن: أن يكون حاملوها أربعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 65

التاسع: تربيع الشخص الواحد بمعنى حمله جوانبها الاربعة و الأولى الابتداء بيمين الميّت يضعه على عاتقه الأيمن مؤخّرها الأيمن على عاتقه الأيمن ثمّ مؤخّر الأيسر على عاتقه الأيسر ثمّ ينتقل الى المقدّم الأيسر واضعا له على عاتقه الأيسر يدور عليها.

العاشر: أن يكون صاحب المصيبة حافيا واضعا رداءه او يغيّر زيّه على وجه آخر بحيث يعلم أنّه صاحب المصيبة.

و يكره امور:

أحدها: الضحك و اللعب و اللّهو.

الثانى: وضع الرداء من غير صاحب المصيبة.

الثالث: الكلام بغير الذكر و

الدعاة و الاستغفار حتى ورد المنع عن السلام على المشيّع.

الرابع: تشييع النساء.

الخامس: الاسراع فى المشى على وجه ينافى الرفق بالميّت سيّما اذا كان بالعدو بل ينبغى الوسط فى المشى.

السادس: ضرب اليد على الفخذ أو على الاخرى.

السابع: أن يقول صاحب المصاب أو غيره (ارفقوا به) أو (استغفروا له) أو (ترحّموا عليه) و كذا قول (قفوا به).

الثامن: اتباعها بالنّهار و لو مجمرة الّا فى اللّيل فلا يكره المصباح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 67

فصل: في الصلاة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 69

قوله رحمه اللّه

فصل فى الصلاة على الميّت يجب الصلاة على كلّ مسلم من غير فرق بين العادل و الفاسق و الشهيد و غيرهم حتّى المرتكب للكبائر بل و لو قتل نفسه عمدا و لا يجوز على الكافر بأقسامه حتّى المرتدّ فطريّا او مليّا مات بلا توبة و لا تجب على أطفال المسلمين الّا اذا بلغوا ستّ سنين نعم تستحبّ على من كان عمره اقل من ستّ سنين و ان كان مات حين تولّده بشرط أن يتولّد حيّا و ان تولّد ميّتا فلا تستحبّ أيضا و يلحق بالمسلم فى وجوب الصلاة عليه من وجد ميّتا فى بلاد المسلمين و كذا لقيط دار الاسلام بل دار الكفر اذا وجد فيها مسلم يحتمل كونه منه

[فصل فى وجوب الصلاة على كلّ مسلم]
اشارة

(1)

أقول أمّا وجوب الصلاة على كلّ مسلم مضافا الى دعوى الاجماع و لا خلاف عليه يدلّ بعض النصوص عليه مثل رواية طلحة بن زيد عن أبى عبد اللّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 70

عن أبيه عليهما السّلام قال صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه «1».

و رواية السكونى عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلّوا على المرجوم من أمّتي و على القاتل نفسه من أمّتي لا تدعوا أحدا من أمّتي

بلا صلاة «2» و كذا الروايات الواردة فى الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

و أمّا عدم الفرق بين الأصناف المذكورة فلا طلاق بعض النصوص المذكورة و التصريح فى بعضها لشمول الحكم لبعض الطوائف المذكورة.

و أمّا عدم جواز الصلاة على الكافر بأقسامه

لقوله تعالى وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً وَ لٰا تَقُمْ عَلىٰ قَبْرِهِ «3».

و رواية يحيى بن عمّار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام النهى عن تغسيل المسلم قرابته الذمّى و المشرك و أن يكفنه و يصلّى عليه و يلوذ به «4».

و أمّا المرتدّ سواء كان فطريّا او مليّا اذا تاب يجب عليه الصلاة اذا مات لما مضى منّا فى الجزاء الرابع من كتابنا هذا من قبول توبة المرتدّ مطلقا و يصير بحكم المسلم.

و أمّا عدم وجوب الصلاة على اطفال المسلمين الّا اذا بلغوا ستّ سنين لدلالة رواية زرارة و عبيد اللّه بن على الحلبى جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الصلاة على الصبى متى يصلّى عليه قال اذا عقل الصلاة قلت متى تجب الصلاة عليه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 37 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 37 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(3) سورة التوبة، الآية 9.

(4) الرواية 2 من الباب 18 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 71

فقال اذا كان ابن ستّ سنين و الصيام اذا أطاقه «1» و حديث 2 و 3 و 4 من هذا الباب.

و أمّا استحباب الصلاة على الطفل المسلم اذا كان عمره أقلّ من ستّ سنين و ان كان مات حين تولده بشرط أن يتولّد حيّا.

فمضافا الى دعوى الشهرة يدلّ عليه.

الرواية عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يصلّى على المنفوس و هو المولود الّذي لم يستهل و لم يصح و لم يورث من الدية. و لا من غيرها و اذا استهل فصلّ عليه

و ورثه «2».

و رواية على بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السّلام لكم يصلّى على الصبى اذا بلغ من السنّين و الشهور قال يصلّى عليه على كل حال الّا أن يسقط لغير تمام «3».

و أمّا عدم استحباب الصلاة على الطفل اذا تولّد ميّتا لدلالة رواية عبد اللّه بن سنان المتقدّمة حيث دلّت على الملازمة بين توارث الطفل و الصلاة عليه فاذا لم يستهل لم يشرع الصلاة عليه و رواية السكونى عن جعفر عن آبائه عليهم السّلام قال يورث الصبى و يصلّى عليه اذا سقط من بطن أمّه فاستهلّ صارخا و اذا لم يستهلّ صارخا لم يورث و لم يصلّ عليه «4».

مضافا الى دعوى عدم الخلاف فيه و أمّا الميّت الّذي وجد فى بلاد المسلمين و كذا لقيط دار الاسلام فانهما بحكم المسلم و يلحق به كما قلنا فى باب الغسل.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب صلاة الجنازة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 72

و أمّا لقيط دار الكفر فلم أجد وجها وجيها لالحاقه بالمسلم.

***

[مسئلة 1: يشترط فى صحة الصلاة أن يكون المصلّى مؤمنا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يشترط فى صحة الصلاة أن يكون المصلّى مؤمنا و أن يكون مأذونا من الوليّ على التفصيل الّذي مرّ سابقا فلا تصحّ من غير اذنه جماعه و فرادى.

(1)

أقول أمّا اشتراط الايمان فى صحة صلاة المصلّى فلبعض النصوص الدلالة على بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة عليهم السّلام منها رواية محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول كل من

دان اللّه عزّ و جلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من اللّه فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير.

و اللّه شانئ لأعماله (الى ان قال) و ان مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق و اعلم يا محمد أنّ أئمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلّوا و أضلّوا فأعمالهم الّتي يعملونها كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شي ء ذلك هو الضلال البعيد «1» و الرواية 6 و 11 و 12 و 5 و 3 و 2 من هذا الباب و امّا اشتراط كونه مأذونا من الولى فلما قلنا.

فى الفصل المنعقد لبيان كون الأعمال الواجبة المتعلّقة بتجهيز الميّت من الواجبات الكفائيّة من أنّه يجب على غير الوليّ الاستيذان منه و أنّه شرط صحة الفعل من غير الولىّ.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب مقدمة العبادات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 73

[مسئلة 2: الأقوى صحة صلاة الصبى المميّز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الأقوى صحة صلاة الصبى المميّز لكن فى اجزائها عن المكلّفين البالغين اشكال.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلّف رحمه اللّه تمام لأنّ اجزائها عن المكلّفين البالغين يحتاج الى الدليل.

***

[مسئلة 3: يشترط أن تكون بعد الغسل و التكفين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يشترط أن تكون بعد الغسل و التكفين فلا تجزى قبلهما و لو فى أثناء التكفين عمدا كان أو جهلا أو سهوا نعم لو تعذّر الغسل و التيمّم او التكفين أو كلاهما لا تسقط الصلاة فان كان مستور العورة فيصلّى عليه و الّا يوضع فى القبر و يغطّى عورته بشي ء من التراب أو غيره و يصلّى عليه و وضعه فى القبر على نحو وضعه خارجه للصلاة ثمّ بعد الصلاة يوضع على كيفية الدفن.

(2)

أقول أمّا كون التكفين بعد الغسل فلبعض النصوص منها رواية عبد الملك عن أبى عبد اللّه «1» و منها رواية الحلبى «2» و منها رواية يعقوب بن يقطين «3» و أمّا كون الصلاة بعد التكفين فأيضا لبعض النصوص منها رواية أبى مريم الأنصارى عن

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 2 من ابواب الغسل من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب الغسل من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 2 من ابواب الغسل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 74

الصادق عليه السّلام أنّه قال الشهيد اذا كان به رمق غسل و كفّن و حنّط و صلّى عليه «1» و منها رواية على بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يدفن «2» و منها رواية 5 من هذا الباب.

و أمّا عدم اجزاء

الصلاة قبل الغسل و التكفين فلما يستفاد من النصوص المذكورة الترتيب بين الغسل و التكفين و الصلاة لأنّ فى بعضها لفظ ثمّ و فى بعضها و ان كان لفظ و او الّا أنّ الامام عليه السّلام حيث يكون فى مقام البيان فى الجواب عن السؤال و فى جميعها ذكر الغسل أوّلا ثمّ الكفن ثمّ الصلاة ثمّ الدفن نستكشف كون هذه الامور مترتبة بعضها على بعض اذ لو لا ذلك لقدّم واحدا منها مثل الصلاة على الكفن فى بعضها و مع أنّه يستفاد من الأخبار أنّ الدفن آخر أمر من الامور المتعلقة بالميّت لأنّ فى كل الأخبار آخر أمر ذكره عليه السّلام الدفن و لا أقلّ من كون الترتيب موافقا للاحتياط فعلى هذا لو قدّمت الصلاة على الكفن وجب اعادتها عمدا كان أو نسيانا أو جهلا لعدم السقوط عن المكلّفين.

و أمّا مع تعذّر الغسل أو التيمّم أو التكفين أو كليهما لا تسقط الصلاة لأنّ كل واحد من الغسل و التكفين و الصلاة على الميّت واجب مستقل و ان كان كما قلنا يترتّب بعضها على بعض الّا أنّ هذا لا يوجب سقوط المتمكّن منها بسقوط المتعذّر منها فكما قال السيد المؤلف رحمه اللّه ان كان مستور العورة يصلّى عليه و يدفن و ان لم يكن مستور العورة يوضع فى القبر و يغطّى عورته بشي ء من التراب أو غيره و يصلّى عليه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب غسل الميت من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 75

و دلّ على ذلك خبر عمّار بن موسى قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام ما

تقول فى قوم كانوا فى سفر لهم يمشون على ساحل البحر فاذا هم برجل ميّت عريان قد لفظه البحر و هم عراة و ليس عليهم الّا ازار كيف يصلّون عليه و هو عريان و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه (به) قال يحفر له و يوضع فى لحده و يوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللّبن و بالحجر ثمّ يصلّى عليه ثمّ يدفن قلت فلا يصلّى عليه اذا دفن فقال لا يصلّى على الميّت بعد ما يدفن و لا يصلّى عليه و هو عريان حتى توارى عورته «1» و مثلها الرواية الثانية من هذا الباب.

و أمّا وضعه فى القبر على نحو وضعه خارجه للصلاة ثمّ بعد الصلاة يوضع على كيفية الدفن.

فلأنّ الثانى من شرائط صلاة الميّت أن يكون رأسه الى يمين المصلّى و رجله الى يساره و الواجب كون الدفن مستقبل القبلة على جنبه الأيمن بحيث يكون رأسه الى المغرب و رجله الى المشرق فبعد الصلاة يجعل كذلك.

***

[مسئلة 4: اذا لم يمكن الدفن لا يسقط سائر الواجبات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا لم يمكن الدفن لا يسقط سائر الواجبات من الغسل و التكفين و الصلاة و الحاصل كل ما يتعذّر يسقط و كل ما يمكن يثبت فلو وجد فى الفلاة ميّت و لم يمكن غسله و لا تكفينه و لا دفنه يصلّى و يخلّى و ان أمكن دفنه يدفن.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 36 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 76

(1)

أقول لكون كل واحد منها واجبا مستقلا لاطلاق دليلها فاذا تعذّر أحدها سقط و لا يسقط المتمكّن منها.

***

[مسئلة 5: يجوز أن يصلّى على الميّت أشخاص متعدّون فرادى فى زمان واحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يجوز أن يصلّى على الميّت أشخاص متعدّون فرادى فى زمان واحد و كذا يجوز تعدّد الجماعة و ينوى كل منهم الوجوب ما لم يفرغ منها أحد و الّا نوى بالبقية الاستحباب و لكن لا يلزم قصد الوجوب أو الاستحباب بل يكفى قصد القربة مطلقا.

(2)

أقول أمّا جواز أن يصلّى على الميّت أشخاص متعد دون جماعة و فرادى و ينوى كل واحد منهم الوجوب ما لم يفرغ أحد منها لبقاء التكليف الكفائى بالنسبة الى الجميع ما لم يفرغ أحد منها.

و أمّا فى صورة فراغ أحد منها ينوى الّذين يشتغلون بالصلاة الاستحباب بالنسبة الى بقية أجزاء الصلاة ان قلنا باستحبابها كما يأتى الكلام فيه ان شاء اللّه تعالى.

و لكن كما قلنا فى بحث الوضوء لا يلزم قصد الوجوب و الندب لعدم الدليل عليهما بل يكفى قصد القربة مطلقا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 77

[مسئلة 6: اذا وجد بعض الميّت فان كان مشتملا على الصدر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: قد مرّ سابقا أنّه اذا وجد بعض الميّت فان كان مشتملا على الصدر أو كان الصدر وحده بل أو كان بعض الصدر المشتمل على القلب أو كان عظم الصدر بلا لحم وجب الصلاة عليه و الّا فلا نعم الأحوط الصلاة على العضو التّام من الميّت و ان كان عظما كاليد و الرجل و نحوهما و ان كان الأقوى خلافه و على هذا فان وجد عضوا تامّا صلّى عليه ثمّ وجد آخر فالظاهر الاحتياط بالصلاة عليه أيضا ان كان غير الصدر أو بعضه مع القلب و الّا وجبت.

(1)

أقول كما قلنا فى المسألة الثانية عشرة لا يجب الصلاة على أعضاء الميّت الّا اذا كانت مشتملة على الصدر و كذا الصدر وحده و كذا اذا كانت

مشتملة على بعض الصدر اذا كان مشتملا على القلب و كذا عظم الصدر و ان لم يكن معه لحم فعلى هذا لا يجب فى غيرها الصلاة لكن كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه الأحوط الصلاة على العضو التام و ان وجد مكررا لكن لو وجد بعد ذلك العضو المشتمل على الصدر أو بعض الصدر أو بعض الصدر المشتمل على القلب وجبت الصلاة عليها.

***

[مسئلة 7: يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن

(2)

أقول كما قلنا فى المسألة الثالثة من هذا الفصل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 78

[مسئلة 8: اذا تعدّد الأولياء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا تعدّد الأولياء فى مرتبة واحدة وجب الاستيذان من الجميع على الأحوط و يجوز لكل منهم الصلاة من غير الاستيذان عن الآخرين بل يجوز أن يقتدى بكل واحد منهم مع أهليتهم جماعة.

(1)

أقول و أمّا وجوب الاستيذان من جميع الأولياء اذا تعدّدوا فى مرتبة واحدة فلأنّ كل واحد منهم ولىّ و هو أولى بالميّت فلا بد من الأجنبى الاستيذان من الجميع و أمّا جواز الصلاة لكل واحد من غير الاستيذان عن الآخرين فمورد الاشكال لأنّ الظاهر من الأدلّة الدالة على الولاية على الميّت كون المجموع من حيث المجموع لهم الولاية فلا بد من الاستيذان لكل واحد منهم ان أراد أن يصلّى على الميّت من الآخرين و لا فرق فى ذلك بين الأجنبى و الوليّ فى صورة تعدّد الأولياء.

***

[مسئلة 9: اذا كان الولىّ امرأة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا كان الولىّ امرأة يجوز لها المباشرة من غير فرق بين أن يكون الميّت رجلا أو امرأة و يجوز لها الاذن للغير كالرجل من غير فرق.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام فى محله.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 79

[مسئلة 10: اذا أوصى الميّت بأن يصلّى عليه شخص معيّن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا أوصى الميّت بأن يصلّى عليه شخص معيّن فالظاهر وجوب اذن الوليّ له و الأحوط له الاستيذان من الولىّ و لا يسقط اعتبار اذنه بسبب الوصيّة و ان قلنا بنفوذها و وجوب العمل بها.

(1)

أقول و الظاهر كما قلنا فى غسل الميّت عدم نفوذ الوصية لحكومة أدلّة ولاية الولىّ على أدلة نفوذ الوصية فعلى هذا الأحوط استيذان الوصىّ من الولىّ و اذن الولىّ له أيضا.

***

[مسئلة 11: يستحب اتيان الصلاة جماعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: يستحب اتيان الصلاة جماعة و الأحوط بل الأظهر اعتبار اجتماع شرائط الامامة فيه من البلوغ و العقل و الايمان و العدالة و كونه رجلا للرجل و أن لا يكون ولد زنا بل الأحوط اجتماع شرائط الجماعة أيضا من عدم الحائل و عدم علوّ مكان الامام و عدم كونه جالسا مع قيام المأمومين و عدم البعد بين المأمومين و الامام و بعضهم مع بعض.

(2)

أقول ما اختاره السيد المؤلف رحمه اللّه فى هذه المسألة تمام و أمّا استحباب اتيان صلاة الميّت بالجماعة فلقيام السيرة عليه و للأخبار الواردة فيها من كون الامام اذا كانت امرأة تقوم فى وسط النساء و اذا كان رجلا يقدّم و يقوم الرجال خلفه و اذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 80

أدرك الرجل التكبيرة او التكبيرتين فعل كذا راجع الوسائل الباب 17 من ابواب صلاة الجنازة و من وجوب كون رأس الميّت الى يمين الامام و رجليه الى يساره راجع الباب 19 من ابواب صلاة الجنازة و من عدم جواز سبق المأموم الامام فى التكبير راجع الباب 16 من ابواب صلاة الجنازة.

***

[مسئلة 12: لا يتحمّل الامام فى الصلاة على الميّت شيئا عن المأمومين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا يتحمّل الامام فى الصلاة على الميّت شيئا عن المأمومين.

(1)

أقول لاعتبار وضع خاص فيها و تحمّل الامام عن المأمومين يكون فى القراءة و ليس فيها قرائه.

***

[مسئلة 13: يجوز فى الجماعة أن يقصد الامام و كل واحد من المأمومين الوجوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: يجوز فى الجماعة أن يقصد الامام و كل واحد من المأمومين الوجوب لعدم سقوطه ما لم يتمّ واحد منهم.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام كما قلنا فى المسألة الخامسة من هذا الفصل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 81

[مسئلة 14: يجوز أن تؤمّ المرأة جماعة النساء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: يجوز أن تؤمّ المرأة جماعة النساء و الأولى بل الأحوط أن تقوم فى صفّهنّ و لا تتقدّم عليهنّ.

(1)

أقول تارة تكون الولاية فى تجهيز الميّت للمرأة فيجوز لها الصلاة عليه جماعة كما يجوز لها الاذن للغير سواء كان الميّت رجلا أو امرأة كما قلنا سابقا فى المسألة التاسعة من هذا الفصل لدلالة خبر زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قلت المرأة تؤمّ النساء قال عليه السّلام لا الّا على الميّت اذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهنّ فى الصفّ معهنّ فتكبّر و يكبّرون «1».

و تارة ليست لها الولاية على الميّت ففى هذه الصورة لا تجوز لها الصلاة على الميّت الا مع عدم وجود الرجال لرواية الحسن بن زياد الصيقل قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام كيف تصلّى النساء على الجنائز اذا لم يكن معهنّ رجل فقال يقمن جميعا فى صفّ واحد و لا تتقدمهنّ امرأة قيل ففى مكتوبة أ يؤمّ بعضهنّ بعضا فقال نعم «2» و كذا رواية 3 و 4 و 5 من هذا الباب فعلى هذا الأحوط بل الأقوى أن تقوم فى صفهنّ و لا تتقدم عليهنّ.

***

[مسئلة 15: يجوز صلاة العراة على الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: يجوز صلاة العراة على الميّت فرادى و جماعة و مع الجماعة يقوم الامام فى الصفّ كما فى جماعة النساء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 82

فلا يتقدّم و لا يتبرّز و يجب عليهم يجب عليهم سرّ عورتهم و لو بأيديهم و اذا لم يمكن يصلّون جلوسا.

(1)

أقول يجوز صلاة العراة على الميّت اذا لم

يكن المصلّى غيرها و أمّا مع وجود المصلّى الغير العارى فلا تصلّ التوبة بها.

***

[مسئلة 16: فى الجماعة من غير النساء و العراة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: فى الجماعة من غير النساء و العراة الأولى أن يتقدّم الامام و يكون المأمومون خلفه بل يكره وقوفهم الى جنبه و لو كان المأموم واحدا.

(2)

أقول لدلالة خبر عبد اللّه القمى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يصلّى على جنازة وحده قال نعم قلت فاثنان يصلّيان عليها قال نعم و لكن يقوم الآخر خلف الآخر و لا يقوم بجنبه «1».

***

[مسئلة 17: اذا اقتدت المرأة بالرجل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا اقتدت المرأة بالرجل يستحبّ أن تقف خلفه و اذا كان هناك صفوف الرجال وقفت خلفهم و اذا كانت

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 28 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 83

حائضا بين النساء وقفت فى صفّ وحدها.

(1)

أقول لأنّ هذا من آداب الجماعة فبعد مشروعيّة الجماعة فى الصلاة على الميّت يأتى أحكامها فيها الّا ما اخرج بالدليل و أمّا الحائض فيجوز صلاتها على الميّت لعدم اشتراطها بالطهارة الحديثة و الخبثية.

و أمّا وقوفها فى صف وحدها و عدم وقوفها فى صف النساء لدلالة الاخبار على ذلك مثل رواية محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تصلى على الجنازة قال نعم و لا تصف (تقف) معهم «1» و رواية 3 و 4 و 5 من هذا الباب.

***

[مسئلة 18: يجوز فى صلاة الميّت العدول من امام الى امام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: يجوز فى صلاة الميّت العدول من امام الى امام فى الأثناء و يجوز قطعها أيضا اختيارا كما يجوز العدول من الجماعة الى الانفراد لكن بشرط أن لا يكون بعيدا عن الجنازة بما يضرّ و لا يكون بينه و بينها حائل و لا يخرج عن المحاذاة لها.

(2)

أقول أمّا جواز العدول من امام الى امام آخر فى الأثناء فلا يخلو من اشكال بل لم يعهد ذلك فى صلاة.

و أمّا جواز قطع صلاة الميّت اختيارا فلان الادلة الدالّة على حرمة ابطال

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 22 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 84

الصلاة على تقدير قبولها فالقدر المتيقن منها هو الصلوات اليوميّة.

و أمّا جواز العدول من الجماعة الى الفرادى فى صلاة الميّت فكما قلنا

فى بحث الجماعة فى الجزاء الثامن من كتابنا المسمّى بتبيان الصلاة تقريرا لبحث استاذنا الأعظم آيت اللّه العظمى البروجردي رحمه اللّه ص 46 يجوز العدول منها الى الفرادى و لكن صحّة الفرادى فى هذه المورد يشترط أن لا يكون بعيدا عن الجنازة و عدم حائل بين الجنازة و المصلّى و عدم خروجه عن المحاذاة للجنازة.

***

[مسئلة 19: اذا كبّر قبل الامام فى التكبير الأوّل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: اذا كبّر قبل الامام فى التكبير الأوّل له أن ينفرد و له أن يقطع و يجدّده مع الامام و اذا كبّر قبله فيما عدا الأوّل له أن ينوى الانفراد و أن يصبر حتى يكبّر الامام فيقرأ معه الدعاء لكن الأحوط اعادة التكبير بعد ما كبّر الامام لأنّه لا يبعد اشتراط تأخّر المأموم عن الامام فى كل تكبيرة أو مقارنته معه و بطلان الجماعة مع التقدّم و ان لم تبطل الصلاة.

(1)

أقول اذا كبّر قبل الامام فلا تتحقق الجماعة حتّى له أن ينفرد أو يقطعها و لا فرادى لعدم قصده فله أن يصلّى فرادى أو جماعة و عدم الاعتناء بما كبّر أوّلا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 85

[مسئلة 20: اذا حضر الشخص فى اثناء صلاة الامام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: اذا حضر الشخص فى اثناء صلاة الامام له ان يدخل فى الجماعة فيكبّر بعد تكبير الامام الثانى أو الثالث مثلا و يجعله أوّل صلاته و أوّل تكبيراته فيأتى بعده بالشهادتين و هكذا على الترتيب بعد كل تكبير من الامام يكبر و يأتى بوظيفته من الدعاء و اذا فرغ الامام يأتى بالبقية فرادى و ان كان مخفّفا و ان لم يمهلوه أتى ببقيّة التكبيرات ولاء من غير دعاء و يجوز اتمامها خلف الجنازة ان امكن الاستقبال و سائر الشرائط.

(1)

أقول ما قاله السيّد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 87

[فصل فى كيفية صلاة الميّت]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى كيفية صلاة الميّت و هى أن يأتى بخمس تكبيرات يأتى بالشهادتين بعد الأولى و الصلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله بعد الثانية و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات بعد الثالثة و الدعاء للميّت بعد الرابعة ثمّ يكبّر الخامسة و ينصرف فيجزى أن يقول بعد نيّة القربة و تعيين الميّت و لو اجمالا اللّه أكبر أشهد أن لا إله الّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه اللّه أكبر اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد اللّه أكبر اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات اللّه أكبر اللّهمّ اغفر لهذا الميّت اللّه أكبر و الأولى أن يقول بعد التكبيرة أشهد أن لا إله الّا اللّه وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا فردا حيّا قيّوما دائما أبدا لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون و بعد الثانية.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و بارك على

محمّد و آل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 88

محمّد و ارحم محمّدا و آل محمّد أفضل ما صلّيت و باركت و ترحمّت على ابراهيم و آل ابراهيم انّك حميد مجيد و صلّ على جميع الأنبياء و المرسلين و بعد الثالثة.

اللهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات تابع اللّهمّ بيننا و بينهم بالخيرات انّك على كلّ شي ء قدير و بعد الرابعة اللّهمّ انّ هذا المسجّى قدّامنا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك نزل بك و أنت خير منزول به اللّهمّ انّك قبضت روحه أليك و قد احتاج الى رحمتك و أنت غنىّ عن عذابه اللّهمّ انّا لا نعلم منه الّا خيرا و أنت أعلم به منّا اللّهمّ ان كان محسنا فزد فى احسانه و ان كان مسيئا فتجاوز عن سيّئاته و اغفر لنا و له اللّهمّ احشره مع من يتولّاه و يحبّه و أبعده ممّن يتبرّأ منه و يبغضه اللّهمّ ألحقه بنبيّك و عرّف بينه و بينه و ارحمنا اذا توفّيتنا يا إله العالمين اللّهم اكتبه عندك فى أعلى علّيّين و اخلف على عقبه فى الغابرين و اجعله من رفقاء محمد و آله الطاهرين و ارحمه و ايّانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

و الأولى أن يقول بعد الفراغ من الصلاة رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ و ان كان الميّت امرأة يقول بدل قوله هذا المسجى: الى آخره هذه المسجّات قدّامنا أمتك و ابنة عبدك و ابنة أمتك و أتى بسائر الضمائر مؤنّثا و ان كان الميّت مستضعفا يقول بعد التكبيرة الرابعة اللّهم اغفر للّذين تابوا و اتّبعوا سبيلك و

قهم عذاب الجحيم ربّنا و أدخلهم جنّات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 89

عدن الّتي و عدتهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرّيّاتهم انّك أنت العزيز الحكيم و ان كان مجهول الحال يقول اللّهم ان كان يحبّ الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه و ان كان طفلا يقول اللّهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا.

[كون صلاة الميّت عندنا خمس تكبيرات]

(1)

أقول أمّا كون صلاة الميّت عندنا خمس تكبيرات فهو ممّا لا اشكال فيه و تدل عليه النصوص الكثيرة منها رواية.

عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال التكبير على الميّت خمس تكبيرات «1» و رواية ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال التكبير على الميّت خمس تكبيرات «2» و رواية ابى بصير عن أبى جعفر عليه السّلام قال كبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خمسا «3» و غيرها من هذا الباب.

و أمّا كيفيتها فالمراجع يرى اختلافات بين الأذكار و الأدعية المتحقبة على كل تكبير و هو شاهد على استحباب الكيفيات المذكورة بين التكبيرات فعلى هذا يكون المصلّى على الميّت مخيرا بينها و أمّا اذا كان الميّت مستضعفا يقول المصلّى بعد التكبيرة الرابعة اللّهم اغفر للّذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم ربّنا و أدخلهم جنّات عدن التى وعدتهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذريّاتهم انّك أنت العزيز الحليم.

و اذا لا يعرف المصلّى حال الميّت يقول اللّهم ان كان يحبّ الخير و أهله فاغفر

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 5 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 5 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(3)

الرواية 8 من الباب 5 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 90

له و ارحمه و تجاوز عنه و اذا كان طفلا يقول المصلّى اللّهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا فلدلالة النصوص على ذلك كله راجع الباب 3 من ابواب صلاة الجنازة و كذا الباب 12.

***

[مسئلة 1: لا يجوز أقلّ من خمسة تكبيرات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا يجوز أقلّ من خمسة تكبيرات الّا للتقية او كون الميّت منافقا و ان نقص بطلت و وجب الاعادة اذا فاتت الموالاة و الّا أتمّها.

(1)

أقول أمّا عدم جواز الاقلّ فلما قلنا من كون الصلاة على الميت خمس تكبيرات و أمّا جواز الأقلّ فى فرض التقية أو كون الميّت منافقا فلدلالة رواية أبى بصير قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام لأىّ علّة (شي ء) تكبّر على الميّت خمس تكبيرات و يكبّر مخالفونا بأربع تكبيرات قال لأنّ دعائهم الّتي بنى عليها الاسلام خمس الصلاة و الزكاة الصوم و الحج و الولاية لنا أهل البيت فجعل اللّه للميّت من كل دعامة تكبيرة و أنّكم أقررتم بالخمس كلّها و أقرّ مخالفوكم بأربع و أنكروا واحدة فمن ذلك يكبّرون على موتاهم أربع تكبيرات و تكبّرون خمسا «1» و رواية محمد بن حمران عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى حديث قال كان يعرف المؤمن و المنافق بتكبير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكبّر على المؤمن خمسا و على المنافق أربعا «2» و رواية سعد الأشعرى عن أبى الحسن

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 5 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 18 من الباب 5 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 9، ص: 91

الرضا عليه السّلام قال سألته عن الصلاة على الميّت فقال أمّا المؤمن فخمس تكبيرات و أمّا المنافق فأربع و لا سلام فيها «1».

و أمّا ان نقص بطلت و وجب الاعادة فلعدم الاتيان بالواجب الّا فى صورة عدم فوت الموالات و الاتيان بما نقص.

***

[مسئلة 2: لا يلزم الاقتصار فى الأدعية بين التكبيرات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا يلزم الاقتصار فى الأدعية بين التكبيرات بالمأثور بل يجوز كل دعاء بشرط اشتمال الأوّل على الشهادتين و الثانى على الصلاة على محمّد و آله و الثالث على الدعاء للمؤمنين و المؤمنات بالغفران و فى الرابع على الدعاء للميّت و يجوز قراءة آيات القرآن و الأدعية الاخر ما دامت الصلاة محفوظة.

(1)

أقول لدلالة رواية زرارة محمد بن مسلم أنهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول ليس فى الصلاة على الميّت قراءة و لا دعاء موقت الّا أن تدعوا بما بدا لك و احق الأموات أن يدعى له و أن تبدأ بالصلاة على النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «2» و رواية 1 من هذا الباب.

***

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 5 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الصلاة على الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 92

[مسئلة 3: يجب العربيّة فى الأدعية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجب العربيّة فى الأدعية بالقدر الواجب و فيما زاد عليه الدعاء بالفارسيّة و نحوها.

(1)

أقول يجب العربيّة فى الأدعية بالقدر الواجب و امّا فيما زاد على القدر الواجب فالأحوط أيضا العربيّة.

***

[مسئلة 4: ليس فى صلاة الميّت أذان و لا اقامة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: ليس فى صلاة الميّت أذان و لا اقامة و لا قراءة الفاتحة و لا الركوع السجود القنوت التشهّد و السلام و لا التكبيرات الافتتاحيّة و أدعيتها و ان أتى بشي ء من ذلك بعنوان التشريع كان بدعة و حراما.

(2)

أقول لعدم دليل على كونها فيها بل فى بعض الأخبار تصريح بعدم السجود و الركوع فيما و كذا التسليم فيها راجع الباب 8 و 9 من أبواب صلاة الجنازة.

***

[مسئلة 5: اذا لم يعلم أنّ الميّت رجل أو امرأة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا لم يعلم أنّ الميّت رجل أو امرأة يجوز أن يأتى بالضمائر مذكرة بلحاظ الشخص و النعش و البدن و أن يأتى بها مؤنثة بلحاظ الجثّة و الجنازة بل مع المعلومية أيضا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 93

يجوز ذلك و لو أتى بالضمائر على الخلاف جهلا او نسيانا لا باللّحاظين المذكورين فالظاهر عدم بطلان الصلاة.

(1)

أقول كلام السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 6: اذا شك فى التكبيرات بين الأقلّ و الأكثر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا شك فى التكبيرات بين الأقلّ و الأكثر بنى على الأقلّ نعم لو كان مشغولا بالدعاء بعد الثانية أو بعد الثالثة فشك فى اتيان الاولى فى الأوّل او الثانية فى الثانى بنى على الإتيان و ان كان الاحتياط أولى.

(2)

أقول الأحوط الاتيان بالمشكوك فى صورة كونه مشغولا بالدعاء فشك فى اتيان التكبير.

***

[مسئلة 7: يجوز أن يقرأ الأدعية فى الكتاب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يجوز أن يقرأ الأدعية فى الكتاب خصوصا اذا لم يكن حافظا لها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 94

(1)

أقول كلام السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 95

[فصل فى شرائط صلاة الميّت]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى شرائط صلاة الميّت

[و هى امور:]

و هى امور:

الأول: أن يوضع الميّت مستلقيا.

(1)

أقول مع كونه مورد التسالم بين الأصحاب يمكن أن يستدلّ عليه بما ورد فى الصلاة على الميّت العارى من أنّه يوضع فى لحده و يوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن و بالحجر اذ لو جاز وضع الميّت على خلاف المتعارف بأن يجعل على وجهه لما يحتاج ستر عورته باللبن و الحجر و التراب بل كان قبله مستورا ببدنه و الدبر مستورا بالاليتين راجع الباب 36 من ابواب صلاة الجنازة.

*** الثانى: أن يكون رأسه الى يمين المصلّي و رجله الى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 96

يساره.

(2)

أقول يدلّ عليه رواية عمّار بن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام- فى حديث- أنه سئل عمّن صلّى عليه فلما سلّم الامام فاذا الميّت مقلوب رجلاه الى موضع رأسه قال يسوّى و تعاد الصلاة عليه و ان كان قد حمل ما لم يدفن فان دفن فقد مضت الصلاة عليه و لا يصلّى عليه و هو مدفون «1».

*** الثالث: أن يكون المصلّى خلفه محاذيا له لا أن يكون فى أحد طرفيه الّا اذا طال صفّ المأمومين.

الرابع: أن يكون الميّت حاضرا فلا تصحّ على الغائب و ان كان حاضرا فى البلد.

(1)

أقول يدلّ عليهما رواية أبى و لّاد حيث ذكر فيها الدعاء و هو (ثمّ تقول اللّهم انّ هذا المسجى قدّامنا عبدك و ابن عبدك) «2» فيستفاد منها انّه لا بدّ ان يكون الميّت حاضرا و يكون قدّام الامام او المصلّى.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 9، ص: 97

الخامس: أن لا يكون بينهما حائل كستر أو جدار و لا يضرّ كون الميّت فى التابوت و نحوه.

السادس: ان لا يكون بينهما بعد مفرط على وجه لا يصدق الوقوف الّا فى المأموم مع اتّصال الصفوف.

السابع: ان لا يكون أحدهما أعلى من الآخر علوّا مفرطا

(2)

أقول يمكن ان يستدل على هذه الشروط برواية أبى و لّاد المتقدمة لمنافات كل ذلك للحضور عنده و كونها قدام المصلّى.

*** الثامن: استقبال المصلّى القبلة.

(1)

أقول يدل عليه الرواية 1 من الباب 35 من ابواب صلاة الجنازة و الرواية 7 من الباب 32 من ابواب الصلاة الجنازة.

و الرواية 4 من الباب 17 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل و الرضوى قوله عليه السّلام فكبّر عليها تمام الخمس و أنت مستقبل القبلة.

مضافا الى كونه مورد التسالم بين الاصحاب قدس اللّه اسرارهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 98

التاسع: أن يكون قائما.

(1)

أقول مع كون هذا الشرط متسالم عليه بين الأصحاب يدلّ عليه رواية أبى هاشم الجعفرى الواردة فى المصلوب حيث قال فيها فقم على منكبه الأيمن «1».

و الرواية 4 و الرواية 5 و الرواية 6 من ابواب 9 من ابواب صلاة الميّت من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3.

*** العاشر: تعيين الميّت على وجه يرفع الابهام و لو بأن ينوى الميّت الحاضر أو ما عيّنه الامام.

(2)

أقول لأنّه لا بد من الدعاء فى الصلاة على الميّت و لا يمكن الدعاء على الميّت الّا أن يعيّنه بما ذكره المؤلف رحمه اللّه.

*** الحادى عشر: قصد القربة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 99

(1)

أقول لأنّها من العبادات و هى

تحتاج الى قصد القربة.

*** الثانى عشر: إباحة المكان.

(2)

أقول لأنّ التصرف فى مال الغير حرام.

*** الثالث عشر: الموالاة بين التكبيرات و الأدعية على وجه لا تمحو صورة الصلاة.

(3)

أقول لأنّ التكبيرات و الأدعية شي ء واحد و عمل واحد فمع عدم الموالات لا يصدق الوحدة.

*** الرابع عشر: الاستقرار بمعنى عدم الاضطراب على وجه لا يصدق معه القيام بل الأحوط كونه بمعنى ما يعتبر فى قيام الصلوات الاخر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 100

(1)

أقول لأنّها فى الحكم مثل ساير الصلوات.

*** الخامس عشر: أن تكون الصلاة بعد التغسيل و التكفين و الحنوط كما مرّ سابقا.

(2)

أقول قد تقدّم وجهه فى المسألة 3 من فصل الصلاة على الميّت.

*** السادس عشر: أن يكون مستور العورة ان تعذّر الكفن و لو بنحو حجر او لبنة.

(3)

أقول لدلالة النصوص على ذلك راجع الباب 36 من أبواب صلاة الجنازة على الميّت.

*** السابع عشر: اذن الولىّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 101

(1)

أقول راجع الباب 23 من ابواب صلاة الجنازة و قد مرّ فى فصل تجهيز الميت كون اذن الولى شرط صحة الفعل.

***

[مسئلة 1: لا يعتبر فى صلاة الميّت الطهارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا يعتبر فى صلاة الميّت الطهارة من الحدث و الخبث و إباحة اللباس و ستر العورة و ان كان الأحوط اعتبار جميع شرائط الصلاة حتى صفات الساتر من عدم كونه حريرا او ذهبا او من أجزاء ما لا يؤكل لحمه و كذا الأحوط مراعاة ترك الموانع للصلاة كالتكلم و الضحك و التفات عن القبلة.

(2)

أقول ما أفاده المؤلف رحمه اللّه تمام راجع الباب 21 و 22 من أبواب صلاة الجنازة.

***

[مسئلة 2: اذا لم يتمكّن من الصلاة قائما أصلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا لم يتمكّن من الصلاة قائما أصلا يجوز أن يصلّى عليه جالسا و اذا دار الأمر بين القيام بلا استقرار و الجلوس مع الاستقرار يقدّم القيام و اذا دار الأمر بين الصلاة ماشيا او جالسا يقدم الجلوس إن خيف على الميّت من الفساد مثلا و الّا فالأحوط الجمع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 102

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 3: اذا لم يمكن الاستقبال أصلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا لم يمكن الاستقبال أصلا سقط و ان اشتبه صلّى الى أربع جهات الّا اذا خيف عليه الفساد فيتخيّر و ان كان بعض الجهات مظنونا صلّى إليه و ان كان الأحوط الأربع.

(2)

أقول الكلام ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 4: اذا كان الميّت فى مكان مغصوب و المصلّى فى مكان مباح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا كان الميّت فى مكان مغصوب و المصلّى فى مكان مباح صحت الصلاة.

(3)

أقول لعدم التصرف فى مال الغير بالصلاة على الميّت فيما اذا كان مكان المصلّى مباحا.

***

[مسئلة 5: اذا صلّى على ميتين بصلاة واحده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا صلّى على ميتين بصلاة واحده و كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 103

مأذونا من ولىّ أحدهما دون الآخر أجزأ بالنسبة الى المأذون فيه دون الآخر.

(1)

أقول الأحوط اعادة الصلاة على الميّت الواجد للشرائط.

***

[مسئلة 6: اذا تبيّن بعد الصلاة أنّ الميّت كان مكبوبا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا تبيّن بعد الصلاة أنّ الميّت كان مكبوبا وجب الاعادة بعد جعله مستلقيا على قفاه.

(2)

أقول يدلّ عليه رواية موسى بن عمّار «1».

***

[مسئلة 7: اذا لم يصلّ على الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا لم يصلّ على الميّت حتى دفن يصلّى على قبره و كذا اذا تبيّن بعد الدفن بطلان الصلاة من جهة من الجهات.

(3)

أقول راجع الباب 18 من ابواب صلاة الجنازة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 104

***

[مسئلة 8: اذا صلّى على قبر ثمّ خرج الميّت من قبره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا صلّى على قبر ثمّ خرج الميّت من قبره بوجه من الوجوه فالأحوط اعادة الصلاة عليه.

(1)

أقول كلام السيد رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 9: يجوز التيمّم لصلاة الجنازة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: يجوز التيمّم لصلاة الجنازة و ان تمكّن من الماء و ان كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكّن من الوضوء أو الغسل أو صورة خوف فوت الصلاة منه.

(2)

أقول يأتى التكلم حول هذه المسألة فى المسألة 36 من المسائل الّتي يبحث فيها عن مسوغات التيمّم عند تعرّض السيد المؤلف رحمه اللّه لها إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 10: الأحوط ترك التكلم فى أثناء الصلاة على الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الأحوط ترك التكلم فى أثناء الصلاة على الميّت و ان كان لا يبعد عدم البطلان به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 105

(1)

أقول الأحوط ترك التكلم خصوصا اذا كانت كثيرة.

***

[مسئلة 11: مع وجود من يقدر على الصلاة قائما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: مع وجود من يقدر على الصلاة قائما فى اجزاء صلاة العاجز عن القيام جالسا اشكال بل صحّتها أيضا محل اشكال.

(2)

أقول مع وجود القادر على الصلاة قائما لا تصل النوبة بالعاجز عن القيام.

***

[مسئلة 12: اذا صلّى عليه العاجز عن القيام جالسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا صلّى عليه العاجز عن القيام جالسا باعتقاد عدم وجود من يتمكّن من القيام ثمّ تبيّن وجوده فالظاهر وجوب الاعادة بل و كذا اذا لم يكن موجودا من الأوّل لكن وجد بعد الفراغ من الصلاة و كذا اذا عجز القادر القائم فى أثناء الصلاة فتمّمها جالسا فانّها لا تجزى عن القادر فيجب عليه الاتيان بها قائما.

(3)

أقول لتبيّن فساد الصلاد على الميّت فى الصور الثلاثة أعنى فى صورة الاعتقاد بعدم وجود القادر و صورة عدم كون القادر موجودا اصلا و صورة عجز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 106

القادر فى أثناء الصلاة و لو دفن ثمّ تبيّن الخلاف وجب صلاة القادر على قبر الميّت لعدم مجوّز لنبش القبر للصلاة كما يأتى إن شاء اللّه تعالى.

***

[مسئلة 13: اذا شك فى أنّ غيره صلّى عليه أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا شك فى أنّ غيره صلّى عليه أم لا بنى على عدمها و ان علم بها و شك فى صحتها و عدمها حمل على الصحة و ان كان من صلّى عليه فاسقا نعم لو علم بفسادها وجب الاعادة و ان كان المصلّى معتقدا للصحة و قاطعا بها.

(1)

أقول ما قاله رحمه اللّه تمام لبقاء التكليف و عدم العلم بالفراغ لعدم سقوطه عنه بفعل الغير مع العلم ببطلانه.

***

[مسئلة 14: اذا صلّى أحد عليه معتقدا بصحتها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا صلّى أحد عليه معتقدا بصحتها بحسب تقليده أو اجتهاده لا يجب على من يعتقد فسادها بحسب تقليده أو اجتهاده نعم لو علم علما قطعيا ببطلانها وجب عليه اتيانها و ان كان المصلى أيضا قاطعا بصحتها.

(2)

أقول لا معنى لتصور الاعتقاد ببطلان الصلاة على الميّت بحسب تقليده أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 107

اجتهاده مع عدم وجوب الاعادة عليه لأنّه فى هذا الفرض يعتقد ببقاء التكليف عليه على نظره.

***

[مسئلة 15: المصلوب بحكم الشرع لا يصلّى عليه قبل الانزاع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: المصلوب بحكم الشرع لا يصلّى عليه قبل الانزاع بل يصلّى عليه بعد ثلاثة أيام بعد ما ينزل و كذا اذا لم يكن بحكم الشرع لكن يجب انزاله فورا و الصلاة عليه و لو لم يمكن انزاله يصلّى عليه و هو مصلوب مع مراعاة الشرائط بقدر الامكان.

(1)

أقول أمّا المصلوب بحكم الشرع مضافا الى كون حكمه مشهورا دل عليه رواية السكونى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام أنزله فى اليوم الرابع فصلّى عليه و دفنه «1».

و الرواية الثانية و بهذا الاسناد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتّى ينزل فيدفن «2».

و رواية السكونى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تقرو المصلوب بعد ثلاثة أيام حتّى ينزّل و يدفن «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب حد المحارب من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب حد المحارب من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 49 من ابواب الاحتضار من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 9، ص: 108

و أمّا المصلوب الّذي لم يكن صلبه بحكم الشرع فحكمه ما قال السيد المؤلف رحمه اللّه لدلالة رواية أبى هاشم الجعفرى عليه قال سألت الرضا عليه السّلام عن المصلوب فقال امّا علمت أنّ جدىّ عليه السّلام صلّى على عمّه قلت اعلم ذلك و لكنّى لا أفهمه مبيّنا فقال ابيّنه لك ان كان وجه المصلوب الى القبلة فقم على منكبه الأيمن و ان كان قفاه الى القبلة فقم على منكبه الأيسر فانّ ما بين المشرق و المغرب قبلة الى آخر الرواية «1»- «2».

***

[مسئلة 16: يجوز تكرار الصلاة على الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: يجوز تكرار الصلاة على الميّت سواء اتّحد المصلّى أو تعدّد لكنّه مكروه الّا اذا كان الميّت من أهل العلم و الشرف و التقوى.

(1)

أقول للجمع بين الأخبار المجوّزة «3» و الناهية «4» و أمّا الجواز بلا كراهة على أهل العلم و الشرف و التقوى يدل عليه رواية عقبه عن جعفر «5».

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الصلاة على الجنازة من كتاب جامع أحاديث الشيعة.

(3) الرواية 18 و 20 من الباب 6 من أبواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(4) الرواية 23 و 24 من الباب 6 من أبواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(5) الرواية 18 من الباب 6 من أبواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 109

[مسئلة 17: يجب أن يكون الصلاة قبل الدفن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: يجب أن يكون الصلاة قبل الدفن فلا يجوز التأخير الى ما بعده نعم لو دفن قبل الصلاة عصيانا او نسيانا او لعذر آخر أو تبيّن كونها فاسدة و لو لكونه حال الصلاة عليه مقلوبا لا يجوز نبشه لأجل الصلاة بل يصلّى على قبره مراعيا للشرائط من الاستقبال و غيره و ان كان بعد يوم و ليلة بل و أزيد أيضا الّا أنّ بعد ما تلاشى و لم يصدق عليه الشخص الميّت فحينئذ يسقط الوجوب و اذا برز بعد الصلاة عليه بنبش أو غيره فالاحوط اعادة الصلاة عليه.

(1)

أقول قد تقدم حكم هذه المسألة سابقا فى ضمن المسألة 6 و 7 من هذا الفصل و المسألة 15 من فصل الصلاة على الميّت فراجع و أمّا عدم وجوب الصلاة على قبره اذا تلاشى فلعدم وجود الموضوع و هو

الشخص الميّت حتى يجب الصلاة عليه.

***

[مسئلة 18: الميّت المصلّى عليه قبل الدفن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الميّت المصلّى عليه قبل الدفن يجوز الصلاة على قبره أيضا ما لم يمض أزيد من يوم و ليله و اذا مضى أزيد من ذلك فالأحوط الترك.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام راجع الباب 18 من أبواب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 110

صلاة الجنازة من الوسائل و امّا عدم مضى أزيد من يوم دليله فلدعوى الشهرة و الاجماع عليه.

***

[مسئلة 19: يجوز الصلاة على الميّت فى جميع الأوقات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: يجوز الصلاة على الميّت فى جميع الأوقات بلا كراهة حتّى فى الأوقات الّتي يكره النافلة فيها عند المشهور من غير فرق بين أن يكون الصلاة على الميّت واجبة او مستحبة.

(1)

أقول راجع الباب 20 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

***

[مسئلة 20: يستحبّ المبادرة الى الصلاة على الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يستحبّ المبادرة الى الصلاة على الميّت و ان كان فى وقت فضيلة الفريضة و لكن لا يبعد ترجيح تقديم وقت الفضيلة مع ضيقه كما أنّ الأولى تقديمها على النافلة و على قضاء الفريضة و يجب تقديمها على الفريضة فضلا عن النافلة فى سعة الوقت اذا خيف على الميّت من الفساد و يجب تأخيرها عن الفريضة مع ضيق وقتها و عدم الخوف على الميّت و اذا خيف عليه مع ضيق وقت الفريضة تقدّم الفريضة و يصلّى عليه بعد الدفن و اذا خيف عليه من تأخير الدفن مع ضيق وقت الفريضة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 111

يقدّم الدفن و تقضى الفريضة و ان أمكن ان يصلّى الفريضة مؤميا صلّى و لكن لا يترك القضاء أيضا.

(1)

أقول بعد عدم امكان الأخذ برواية جابر لدعوى ضعف سندها أو حمل لفظ الوقت فيها على وقت الفضيلة بقرينة ساير الروايات ما يستفاد من مجموع الأخبار أنّه فى كل ساعة تزاحم صلاة الميّت وقت الفريضة يقدّم الفريضة الّا اذا خيف على الميّت الفساد راجع الباب 31 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

***

[مسئلة 21: لا يجوز على الأحوط اتيان صلاة الميّت فى أثناء الفريضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: لا يجوز على الأحوط اتيان صلاة الميّت فى أثناء الفريضة و ان لم تكن ماحية لصورتها كما اذا اقتصر على التكبيرات و أقل الواجبات من الأدعية فى حال القنوت مثلا.

(2)

أقول لعدم معهودية ذلك بين المسلمين و كما قال صاحب الجواهر (الّا أنّى لم أجد به نصا لأحد من الأصحاب بل يمكن دعوى ظهور النصوص و الفتاوى فى عدم اجتماعها «1».

***

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 12، ص 120.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 112

[مسئلة 22: اذا كان هناك ميّتان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: اذا كان هناك ميّتان يجوز أن يصلّى على كل واحد منها منفردا و يجوز التشريك بينهما فى الصلاة فيصلّى صلاة واحدة عليهما و ان كانا مختلفين فى الوجوب و الاستحباب و بعد التكبير الرابع يأتى.

بضمير التثنية هذا اذا لم يحف عليهما أو على أحدهما من الفساد و الّا وجب التشريك أو تقديم من يخاف فساده.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف تمام راجع الباب 32 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

و جامع أحاديث الشيعة ج 3 الباب 10 من ابواب صلاة الجنازة.

***

[مسئلة 23: اذا حضر فى أثناء الصلاة على الميّت ميّت آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: اذا حضر فى أثناء الصلاة على الميّت ميّت آخر يتخير المصلّى بين وجوه الأوّل أن يتمّ الصلاة على الأوّل ثمّ يأتى بالصلاة على الثانى.

الثانى: قطع الصلاة و استينافها بنحو التشريك الثالث التشريك فى التكبيرات الباقية و اتيان الدعاء لكل منهما بما يخصّه و الاتيان ببقية الصلاة للثانى بعد تمام صلاة الأوّل مثلا اذا حضر قبل التكبير الثالث يكبّر و يأتى بوظيفة صلاة الأوّل و هى الدعاء للمؤمن و المؤمنات و بالشهادتين لصلاة الميّت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 113

الثانى و بعد التكبير الرابع يأتى بالدعاء للميّت الاول و بالصلاة على النبىّ صلى اللّه عليه و آله للميّت الثانى و بعد الخامسة تتمّ صلاة الأول و يأتى للثانى بوظيفة التكبير الثالث و هكذا يتمّ بقية صلاته و يتخير فى تقديم وظيفة الميّت الأول أو الثانى بعد كلّ تكبير مشترك هذا مع عدم الخوف على واحد منهما و أمّا اذا خيف على الأوّل يتعيّن الوجه الاول و اذا خيف على الثانى يتعيّن الوجه الثانى أو تقديم الصلاة على الثانى بعد القطع و اذا خيف عليهما معا

يلاحظ قلة الزمان فى القطع و التشريك بالنسبة إليهما ان أمكن و الّا فالأحوط عدم القطع.

(1)

أقول و ان كانت المحتملات فى المسألة ثلاثة و المشهور التخير بينها لكن الأحوط ترك قطع الصلاة و استينافها عليهما بملاحظة الرواية الواردة فى هذا المورد و هى ما رواها على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن قوم كبّروا على جنازة تكبيرة او اثنتين و وضعت معها اخرى كيف يصنعون قالوا ان شاءوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الاخيرة و ان شاءوا رفعوا الاولى و أتمّوا ما بقى على الأخيرة كل ذلك لا بأس به «1» راجع ذلك الباب و الأقوال المذكورة فيها.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 115

[فصل فى آداب الصلاة على الميّت]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى آداب الصلاة على الميّت و هى امور:

[الاول: أن يكون المصلّى على طهارة]

الاول: أن يكون المصلّى على طهارة من الوضوء او الغسل أو التيمّم و قد مرّ جواز التيمّم مع وجدان الماء أيضا ان خاف فوت الصلاة لو أراد الوضوء بل مطلقا.

(1)

أقول كلامه رحمه اللّه تمام راجع 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل و امّا بالنسبة الى جواز التيمّم مطلقا و ان كان متمكنا من الماء يأتى الكلام فيه فى مسوغات التيمّم عند تعرض السيد المؤلف رحمه اللّه له.

***

[الثانى: أن يقف الامام و المنفرد عند وسط الرجل]

الثانى: أن يقف الامام و المنفرد عند وسط الرجل بل مطلق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 116

الذكر و عند صدر المرأة بل مطلق الانثى و يتخيّر فى الخنثى و لو شرّك بين الذكر و الانثى فى الصلاة جعل وسط الرجل فى قبال صدر المرأة ليدرك الاستحباب بالنسبة الى كل منهما.

(1)

أقول راجع الباب 27 من أبواب صلاة الجنازة من الوسائل.

و الباب 25 من ابواب صلاة الجنازة من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 340.

***

[الثالث: أن يكون المصلّى حافيا]

الثالث: أن يكون المصلّى حافيا بل يكره الصلاة بالحذاء دون مثل الخفّ و الجورب.

(2)

أقول راجع الباب 26 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل و جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 341.

***

[الرابع: رفع اليدين عند التكبير الأوّل]

الرابع: رفع اليدين عند التكبير الأوّل بل عند الجميع على الأقوى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 117

(1)

أقول راجع الباب 10 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل و الباب 11 من ابواب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 318.

***

[الخامس: أن يقف قريبا من الجنازة]

الخامس: أن يقف قريبا من الجنازة بحيث لو هبت الريح وصل ثوبه إليها.

(2)

أقول قد تقدّم الكلام فى ذلك فى الشرط الثالث و السادس و السابع من الفصل المنعقد لشرائط الصلاة على الميّت.

***

[السادس: أن يرفع الامام صوته]

السادس: أن يرفع الامام صوته بالتكبيرات بل الأدعية أيضا و أن يسّر المأموم.

(3)

أقول قال صاحب الجواهر لأنّ كثيرا من الرواة حكى عدد التكبير من فعل النبىّ و الأئمة عليهم الصلاة و السلام و هو لا يحصل غالبا الّا بسماعه فيتأسى بهم و ظهور مساواتها للمكتوبة فى ذلك خصوصا بعد معلوميّة الحكمة فى الجهر فيها و هى اعلام من خلفه ليقتدى به بل الطاهر استحباب جهره بباقى الأذكار «1» و كذا بالنسبة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 12، ص 99.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 118

الى استحباب سرّ المأموم.

***

[السابع: اختيار المواضع المعتادة للصلاة]

السابع: اختيار المواضع المعتادة للصلاة الّتي هى مظانّ الاجتماع و كثرة المصلّين.

(1)

أقول لأنّه يحصل فيها كثرة المصلّين المعلوم رجحانها لدعائهم على الميّت و يتبرك بكثرة المصلّين فيها.

***

[الثامن: أن لا توقع فى المساجد]

الثامن: أن لا توقع فى المساجد فانّه مكروه عدا مسجد الحرام.

(2)

أقول راجع الباب 30 من أبواب صلاة الجنازة من الوسائل.

***

[التاسع: أن تكون بالجماعة]

التاسع: أن تكون بالجماعة و ان كان يكفى المنفرد و لو امرأة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 119

(1)

أقول راجع الباب 23 من ابواب صلاة الجنازة من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 3 ص 338.

***

[العاشر: أن يقف المأموم خلف الامام]

العاشر: أن يقف المأموم خلف الامام و ان كان واحدا بخلاف اليوميّة حيث يستحب وقوفه ان كان واحدا الى جنبه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 9، ص: 119

(2)

أقول راجع أيضا الباب 23 من ابواب صلاة الجنازة من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 340.

***

[الحادى عشر: الاجتهاد فى الدعاء]

الحادى عشر: الاجتهاد فى الدعاء للميّت و للمؤمنين.

(3)

أقول راجع الباب 9 من ابواب صلاة الجنازة على الميّت من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 296 و الباب 3 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل الرواية 3.

***

[الثانى عشر: أن يقول قبل الصلاة، الصلاة ثلاث مرّات]

الثانى عشر: أن يقول قبل الصلاة، الصلاة ثلاث مرّات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 120

(1)

أقول لم نجد له دليلا بالخصوص و ان ورد فى صلاة العيدين.

***

[الثالث عشر: أن تقف الحائض]

الثالث عشر: أن تقف الحائض اذا كانت مع الجماعة فى صفّ وحدها.

(2)

أقول راجع الباب 22 من ابواب الصلاة على الجنازة من الوسائل.

***

[الرابع عشر: رفع اليدين عند الدعاء على الميّت]

الرابع عشر: رفع اليدين عند الدعاء على الميّت بعد التكبير الرابع على قول بعض العلماء لكنه مشكل ان كان بقصد الخصوصيّة و الورود.

(3)

أقول لعدم دليل بالخصوص عليه و الظاهر كون المراد من رفع اليدين جعلها مثل حال القنوت.

***

[مسئلة 1: اذا اجتمعت جنازات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا اجتمعت جنازات فالأولى الصلاة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 121

كل واحد منفردا و ان أراد التشريك فهو على وجهين:

الأول: أن يوضع الجميع قدّام المصلّى مع المحاذات و الأولى مع اجتماع الرجل و المرأة جعل الرجل أقرب الى المصلّى حرّا كان أو عبدا كما أنّه لو اجتمع الحرّ و العبد جعل الحرّ أقرب إليه و لو اجتمع الطفل مع المرأة جعل الطفل أقرب إليه اذا كان ابن ستّ سنين و كان حرا و لو كانوا متساوين فى الصفات لا بأس بالترجيح بالفضيلة و نحوها من الصفات الدينيّة و مع التساوى فالقرعة و كل هذا على الأولوية لا الوجوب فيجوز بأىّ وجه اتّفق الثانى: أن يجعل الجميع صفّا واحدا و يقوم المصلّى فى وسط الصفّ بأن يجعل رأس كل عند ألية الآخر شبه الدرج و يراعى فى الدعاء لهم بعد التكبير الرابع تثنية الضمير او جمعه و تذكيره و تأنيثه و يجوز التذكير فى الجميع بلحاظ لفظ الميّت كما أنّه يجوز التأنيث بلحاظ الجنازة.

(1)

أقول راجع الباب 32 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 123

فصل: في الدفن

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 125

قوله رحمه اللّه

فصل فى الدفن يجب كفاية دفن الميّت بمعنى مواراته فى الأرض بحيث يؤمن على جسده من السباع و من ايذاء ريحه للنّاس و لا يجوز وضعه فى بناء أو فى تابوت و لو من حجر بحيث يؤمن من الأمرين مع القدرة على الدفن تحت الأرض نعم مع عدم الامكان لا بأس بهما و الأقوى كفاية مجرّد المواراة فى الأرض بحيث يؤمن من الأمرين من جهة

عدم وجود السباع أو عدم وجود الانسان هناك لكن الأحوط كون الحفيرة على الوجه المذكور و ان كان الأمن حاصلا بدونه.

[فصل فى وجوب الدفن شرعا]
اشارة

(1)

أقول لا اشكال فى وجوب الدفن شرعا لتسالمه بين المسلمين و عدم نقل الخلاف فيه من أحد و السيرة قائمة عليه و دلّت النصوص عليه راجع الباب 14 من ابواب غسل الميّت الرواية 4 و 7 و 8 و 12.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 126

و الباب 12 من ابواب غسل الميّت الحديث 1 و 5 و الباب 38 من ابواب صلاة الجنازة الحديث 1 و 2 و 5 و 9 و الباب 1 من ابواب وجوب دفن الميّت المسلم من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 351.

و الظاهر من الدفن هو المواراة فى الأرض فلا يكفى وضعه فى بناء او تابوت و غيرهما و ان يحصل الأمن من الأمرين بل لا بد من أن يكون الجسد تحت الأرض.

و أمّا لزوم حفظ الجسد من السباع و عدم ايذاء الناس بريحه فلما ذكر فى خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام قال انّما امر بدفن الميّت لئلا يظهر الناس على فساد جسده و قبح منظره و تغيّر رائحته و لا يتأذّى الأحياء بريحه و ما يدخل عليه من الآفة و الفساد و ليكون مستورا عن الأولياء و الأعداء فلا يشمت عدوّه و لا يحزن صديقه «1» و فى رواية فضل قوله عليه السّلام انّ حرمة بدن الميّت ميتا كحرمته حيّا فوار بدنه و عورته «2».

و الظاهر كون الأمن من الأمرين من باب الحكمة فعلى هذا وجب الدفن و لو مع الأمن منهما بالوجه المذكور.

***

[مسئلة 1: يجب كون الدفن مستقبل القبلة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب كون الدفن مستقبل القبلة على جنبه الأيمن بحيث يكون رأسه الى المغرب و رجله الى المشرق و كذا فى الجسد بلا رأس

بل فى الرأس بلا جسد بل فى الصدر وحده بل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الدفن من الوسائل.

(2) جامع أحاديث الشيعة، ج 3، ص 355.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 127

فى كل جزء يمكن فيه ذلك.

(1)

أقول يدلّ عليه مضافا الى دعوى الاجماع و السيرة المستمرّة بين المسلمين خبر معاوية بن عمّار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال كان البراء بن المعرور الأنصارى بالمدينة و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكّة و أنّه حضره الموت و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمون يصلّون الى بيت المقدس فأوصى البراء أن يجعل وجهه الى تلقاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّه أوصى بثلث ما له و جرت به الستة «1» و عن الفقه الرضوى ضعه فى لحده على يمينه مستقبل القبلة «2» و عن دعائم الاسلام عن عليّ عليه السّلام أنّه شهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جنازة رجل من بنى عبد المطلّب فلمّا أنزلوه فى فبره قال اضعجوه فى لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة و لا تكبوه لوجهه و لا تلقوه لظهره «3».

و ضعف سندهما منجر يعمل الأصحاب و الظاهر من النصوص كون الدفن بذلك الهيئة سواء كان تمام الجسد أو بعضه لأنّ الميّت اذا دفن بهذه الكيفيّة يكون تمام أعضائه الى القبلة فاذا كان بعضه يجب دفنه بهذه الكيفيّة كما افاد السيد المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 2: اذا مات ميّت فى السفينة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا مات ميّت فى السفينة فان أمكن التأخير ليدفن فى الأرض بلا عسر وجب ذلك و ان لم يمكن لخوف فساده

أو لمنع مانع يغسّل و يكفّن و يحنّط و يصلّى عليه و يوضع فى

______________________________

(1) الرواية 1 و 2 من الباب 61 من ابواب الدفن من الوسائل.

(2) الرواية 1 و 2 من الباب 51 من ابواب الدفن من المستدرك ج 1.

(3) الرواية 1 و 2 من الباب 51 من ابواب الدفن من المستدرك ج 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 128

خابية و يوكأ رأسها و يلقى فى البحر مستقبل القبلة على الأحوط و ان كان الأقوى عدم وجوب الاستقبال او يثقل الميّت بحجر او نحوه بوضعه فى رجله و يلقى فى البحر كذلك و الأحوط مع الامكان اختيار الوجه الأوّل و كذا اذا خيف على الميّت من نبش العدوّ قبره و تمثيله.

(1)

أقول ادّعى الشهرة على التخيّر بين القاء الميّت فى البحر بعد الغسل و الكفن و الصلاة و الحنوط مع تثقيل رجله و بين جعله فى خابية و يوكأ رأسها و يطرح فى الماء بعد عدم امكان دفنه فى الأرض و الاخبار الواردة فى المورد بعضها و ان كان ضعيفا لكن ضعفه منجر بعمل الأصحاب و جمع المشهور بين هذه الأخبار بالتخير فنذكر بعض النصوص الاول خبر أيوب بن الحر قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات و هو فى السفينة فى البحر كيف يصنع به قال يوضع فى خابية و يوكأ رأسها و تطرح فى الماء. «1»

الثانى خبر وهب بن وهب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام اذا مات الميّت فى البحر غسّل و كفن و حنّط ثمّ يصلى عليه ثمّ يوثق فى رجليه حجر و يرمى به فى الماء. «2»

و رواية أبان

عن رجل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال فى الرجل يموت مع القوم فى البحر فقال يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يثقّل و يرمى فى البحر «3» الرابع خبر سهل بن زياد رفعه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا مات الرجل فى السفينة و لم يقدر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب الدفن من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب الدفن من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب الدفن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 129

على الشط قال يغسّل و يكفّن و يحنّط فى ثوب (و يصلى عليه) و يلقى فى البحر «1» و كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه الاحوط اختيار الوجه الأوّل لبعده عن هتك الميّت و كون الرواية الدالة عليه صحيحة و أمّا وجوب الاستقبال عند القائه فى البحر فلم يدلّ عليه دليل بالخصوص و ليس هو دفن حقيقة و ان كان الاحتياط حسن.

و كذا اذا خيف على الميّت من نبش العدوّ قبره و تمثيله لدلالة رواية سليمان بن خالد على ذلك قال سألني ابو عبد اللّه عليه السّلام فقال ما دعاكم الى الموضع الّذي وضعتم فيه عمّى زيدا الى أن قال كم الى الفرات من الموضع الّذي وضعتموه فيه فقلت قذفة حجر فقال سبحان اللّه أ فلا كنتم أوقرتموه حديدا و قذفتموه فى الفرات أفضل «2».

***

[مسئلة 3: اذا ماتت كافرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا ماتت كافرة كتابيّة أو غير كتابية و مات فى بطنها ولد من مسلم بنكاح او شبهة او ملك يمين تدفن مستدبرة للقبلة على جنبها الأيسر على وجه يكون الولد فى بطنها مستقبلا و الأحوط

العمل بذلك فى مطلق الجنين و لو لم تلج الروح فيه بل لا يخلو عن قوة.

(1)

أقول ما قاله رحمه اللّه تمام لأنّ الولد تابع لأبيه و محكوم بالاسلام و مضى وجوب دفن المسلم مستقبل القبلة و طريق الاستقبال هكذا لأنّ وجه الجنين فى بطن أمه الى

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 40 من ابواب الدفن من الوسائل.

(2) الرواية 1 و 2 من الباب 41 من ابواب الدفن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 130

ظهرها مضافا الى دعوى الاجماع عليه و لا فرق بين ولوج الروح فيه و عدمه اذا كان تامّ الخلقة لصدق الولد عليه و ان لم يلج فى الجنين الروح و لا فرق أيضا بين الكتابيّة و غيرها لشمول العلة و هى احترام المسلم و كون الولد محكوما بالاسلام سواء كانت أمه مشركة او كتابية او غيرها و كذا لا فرق بين كونه بنكاح او شبهة او ملك يمين لشمول العلة أيضا للأقسام الثلاثة.

***

[مسئلة 4: لا يعتبر فى الدفن قصد القربة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يعتبر فى الدفن قصد القربة بل يكفى دفن الصبى اذا علم أنّه أتى به بشرائطه و لو علم أنّه ما قصد القربة.

(1)

أقول للشك فى اعتبار قصد القربة فى الدفن و عند الشك فى التعبّديّة و التوصليّة الأصل عدم الشرط.

***

[مسئلة 5: اذا خيف على الميّت من اخراج السبع اياه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا خيف على الميّت من اخراج السبع اياه وجب احكام القبر بما يوجب حفظه من القير و الآجر و نحو ذلك كما أنّ فى السفينة اذا اريد القاؤه فى البحر لا بدّ من اختيار مكان مأمون من بلع حيوانات البحر ايّاه بمجرد الالقاء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 131

(1)

أقول قد تقدم وجه احكام القبر بما ذكرنا فى معنى الدفن من كونه مواراة الميّت فى الأرض بحيث يؤمن على جسده من السباع و من ايذاء ريحه للناس و لا يحصل ذلك فى المكان الّذي يخاف على الميّت الّا باحكام القبر بأىّ وجه حصل من القير و الآجر و غيرهما.

كما أنّه يمكن استفادته من رواية فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام المتقدم ذكرها «1».

كما أنّه يمكن استفادة حكم الثانى و هو اختيار مكان مأمون من بلع الحيوانات لا لقائه فى البحر من رواية أيّوب بن الحر المتقدّمة الدالة على جعل الميّت فى خابية و يوكى رأسها و تطرح فى الماء «2» و من قوله عليه السّلام انّ حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيّا كما تقدم «3».

***

[مسئلة 6: مئونة الالقاء فى البحر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: مئونة الالقاء فى البحر من الحجر او حديد الّذي يثقل به أو الخابية الّتي يوضع فيها تخرج من أصل التركة و كذا الآجر و القير و الساروج فى موضع الحاجة إليها.

(2)

أقول لانّها من مؤن تجهيز الميّت و المؤن تخرج من أصل التركة كما تقدم.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الدفن من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 40 من ابواب الدفن من الوسائل.

(3) جامع احاديث الشيعة، ج 3، ص 355.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 132

[مسئلة 7: يشترط فى الدفن أيضا اذن الولى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يشترط فى الدفن أيضا اذن الولى كالصلاة و غيرها.

(1)

أقول لأنّه من أحكام الميّت و اولى بميراثه أولى بأحكامه.

***

[مسئلة 8: اذا اشتبهت القبلة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا اشتبهت القبلة يعمل بالظنّ و مع عدمه أيضا يسقط وجوب الاستقبال ان لم يمكن تحصيل العلم و لو بالتأخير على وجه لا يضرّ بالميّت و لا بالمباشرين

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 9: الأحوط اجراء احكام المسلم على الطفل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: الأحوط اجراء احكام المسلم على الطفل المتولد من الزنا من الطرفين اذا كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلما و أمّا اذا كان الزنا من أحد الطرفين و كان الطرف الآخر مسلما فلا اشكال فى جريان أحكام المسلم عليه.

(3)

أقول أمّا فى الفرض الأوّل فلأنّ ولد الزنا ملحق بالزانى شرعا و على الفرض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 133

كون الزانى مسلما فيجب اجراء احكام المسلم عيه و امّا فى الفرض الثانى فلأنّ الولد ملحق بأشرف الأبوين و أمّا فى الفرض الثالث فكما قال المؤلف رحمه اللّه لا اشكال فى جريان أحكام المسلم عليه.

***

[مسئلة 10: لا يجوز دفن المسلم فى مقبرة الكفّار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا يجوز دفن المسلم فى مقبرة الكفّار كما لا يجوز العكس أيضا نعم اذا اشتبه المسلم و الكافر يجوز دفنهما فى مقبرة المسلمين و اذا دفن أحدهما فى مقبرة الآخرين يجوز النبش أمّا الكافر فلعدم الحرمة له و أمّا المسلم فلأنّ مقتضى احترامه عدم كونه مع الكفّار.

(1)

أقول يدلّ على ذلك قوله عليه السّلام حرمة بدن المؤمن ميّتا كحرمته حيّا «1».

***

[مسئلة 11: لا يجوز دفن المسلم فى مثل المزبلة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يجوز دفن المسلم فى مثل المزبلة و البالوعة و نحوهما ممّا هو هتك لحرمته.

(2)

أقول يدلّ عليه الخبر السابق المذكور فى المسألة 10.

***

______________________________

(1) راجع جامع أحاديث الشيعة، ج 3، ص 355.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 134

[مسئلة 12: لا يجوز الدفن فى المكان المغصوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا يجوز الدفن فى المكان المغصوب و كذا فى الاراضى الموقوفة لغير الدفن فلا يجوز فى المساجد و المدارس و نحوهما كما لا يجوز الدفن فى قبر الغير قبل اندراس ميّته.

(1)

أقول أمّا عدم جواز الدفن فى المكان المغضوب فلعدم جواز التصرّف فى مال الغير بدون رضاه.

و أمّا عدم جواز الدفن فى الأراضى الموقوفة لغير الدفن لأنّ الوقوف حسب ما يوقفها أهلها.

و أمّا عدم جواز الدفن فى قبر الغير فلاستلزامه النبش و هو حرام.

***

[مسئلة 13: يجب دفن الأجزاء من الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: يجب دفن الأجزاء من الميّت حتى الشعر و السنّ و الظفر و امّا السنّ و الظفر من الحىّ فلا يجب دفنهما و ان كان معهما شي ء يسير من اللحم نعم دفنهما بل يستحب حفظهما حتى يدفنا معه كما يظهر من وصيّه مولانا الباقر للصادق عليه السّلام و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ النبىّ صلوات اللّه عليه و آله أمر بدفن أربعة الشعر و السنّ و الظفر و الدم و عن عائشة عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه أمر بدفن سبعة أشياء الأربعة المذكورة و الحيض و المشيمة و العلقة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 135

(1)

أقول أمّا وجوب دفن الأجزاء المبانة من الميّت غير الشعر و السن و الظفر من الميّت قد تقدّم الكلام فيه فى المسألة 12 من المسائل المربوطة بتغسيل الميّت و أمّا الشعر و السن و الظفر فيجعل فى كفنه و يدفن لدلالة رواية ابن أبى عمير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام على ذلك قال لا يمسّ عن الميّت شعر و لا ظفر و ان سقط منه شي ء فاجعله فى كفنه «1».

أمّا عدم

وجوب دفن السن و الظفر من الحىّ فلعدم دليل على وجوبه مع قيام السيرة على عدم الدفن.

راجع الوسائل ج 1 الباب 43 من أبواب الحمام ح 7 حتى يعلم حكم حفظ السن و الشعر من الحىّ من حيث استحباب الدفن و حفظهما لان يدفنا مع الحىّ اذا مات.

***

[مسئلة 14: اذا مات شخص فى البئر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا مات شخص فى البئر و لم يمكن اخراجه يجب أن يسدّ و يجعل قبرا له.

(2)

أقول لعدم جواز هتك المؤمن حيا و ميتا فيسدّ لحفظ جسده من السباع و عدم ايذاء النّاس بريحه و عدم القاء شي ء فيه راجع الوسائل الباب 51 من ابواب الدفن ح 1.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 136

[مسئلة 15: اذا مات الجنين فى بطن الحامل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا مات الجنين فى بطن الحامل و خيف عليهما من بقائه وجب التوصل الى اخراجه بالأرفق فالأرفق و لو بتقطيعه قطعة قطعة و يجب أن يكون المباشر النساء أو زوجها و مع عدمهما فالمحارم من الرجل فان تعذّر فالأجانب حفظا لنفسها المحترمة و لو ماتت الحامل و كان الجنين حيّا وجب اخراجه و لو بشق بطنها فيشق جنبها الأيسر و يخرج الطفل ثمّ يخاط و تدفن و لا فرق فى ذلك بين رجاء حياة الطفل بعد الاخراج و عدمه و لو خيف مع حياتهما على كل منهما انتظر حتّى يقضى.

(1)

أقول راجع الباب 46 من ابواب الاحتضار من الوسائل حيث دلّت النصوص على حكم شق بطن الام و اخراج الولد و اطلاقها يشمل صورة رجاء حياته و عدمه و أمّا وجوب اخراج الطفل الميّت فى بطن أمه بأىّ نحو حصل فلوجوب حفظ النفس المحترمة و هى الام و لدلالة ذيل رواية وهب بن وهب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام حيث قال و قال فى المرأة يموت فى بطنها الولد فيتخوّف عليها قال لا بأس بأن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه «1».

فالحكم على طبق القاعدة ان يشكل فى الرواية بضعف

السند.

و أمّا فى صورة الخوف مع حياة كل واحد من الام و الولد على كل منهما انتظر حتى يقضى اللّه سبحانه مع العلم بعدم بقائهما بل يموت أحدهما لا محاله فلا يمكن ترجيح حياة أحدهما على الأخر فلا يجوز لأحد أن يقتل أحدهما لبقاء الآخر.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 46 من ابواب الاحتضار من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 137

[فصل فى المستحبات قبل الدفن و حينه و بعده]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى المستحبات قبل الدفن و حينه و بعده

[و هى امور:]
اشارة

و هى امور:

[الاول: أن يكون عمق القبر الى الترقوة]

الاول: أن يكون عمق القبر الى الترقوة أو الى قامة و يحتمل كراهيّة الأزيد.

(1)

أقول يستفاد من رواية ابن أبى عمير التخيير بين حفر القبر الى الترقوة أو الى القامة و الرواية هكذا ابن أبى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال حدّ القبر الى الترقوة و قال بعضهم الى الثدى و قال بعضهم قامة الرجل حتّى يمدّ الثوب على رأس من فى القبر «1».

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الدفن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 138

[الثانى: أن يجعل له لحد مما يلى القبلة]

الثانى: أن يجعل له لحد مما يلى القبلة فى الأرض الصلبة بأن يحفر بقدر بدن الميّت فى الطول و العرض و بمقدار ما يمكن جلوس الميّت فيه فى العمق و يشق فى الأرض الرخوة وسط القبر شبه النهر فيوضع فيه الميّت و يسقّف عليه.

(1)

أقول يستفاد من مجموع الأخبار و ضم بعضها الى بعض أفضلية و استحباب حفر اللحد خصوصا فى الأرض الصلبة راجع الباب 15 من ابواب الدفن من الوسائل و الباب 25 من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 400.

***

[الثالث: أن يدفن فى المقبرة القريبة]

الثالث: أن يدفن فى المقبرة القريبة على ما ذكره بعض العلماء الّا أن يكون فى البعيدة مزية بأن كانت مقبرة للصلحاء أو كان الزائرون هناك أزيد.

(2)

أقول لو نجد دليلا يدل على استحباب الدفن فى المقبرة القريبة لو خلى و طبعه و لكن لا يبعد وجود المزيّة لأجل حضور المؤمنين فيها فيطلبون الرحمة و الغفران من اللّه تعالى لمن دفن فيها و أمّا اذا كان للبعيدة مزية من جهة كونها مقبرة للصلحاء و العلماء أو كان الزائرون هناك أزيد فالدفن فيها من هذه الجهة أولى.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 139

[الرابع: أن يوضع الجنازة دون القبر]

الرابع: أن يوضع الجنازة دون القبر بذراعين أو ثلاثة او أزيد من ذلك ثمّ ينقل قليلا و يوضع ثمّ ينقل قليلا و يوضع ينقل فى الثلاثة مترسّلا ليأخذ الميّت اهبته بل يكره أن يدخل فى القبر دفعة فانّ للقبر أهوالا عظيمة.

(1)

أقول لدلالة جملة من النصوص على ذلك راجع الباب 29 من أبواب الدفن من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 406.

و الوسائل الباب 16 من أبواب الدفن.

***

[الخامس: ان كان الميّت رجلا يوضع فى الدفة الأخيرة]

الخامس: ان كان الميّت رجلا يوضع فى الدفة الأخيرة بحيث يكون رأسه عند ما يلي رجلى الميّت فى القبر ثمّ يدخل القبر طولا من طرف رأسه أى يدخل رأسه أوّلا و ان كان امرأة توضع فى طرف القبلة ثمّ تدخل عرضا.

(2)

أقول راجع الباب 32 من ابواب الدفن من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 410 و الباب 22 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 140

[السادس: أن يغطّى القبر بثوب عند ادخال المرأة]

السادس: أن يغطّى القبر بثوب عند ادخال المرأة

(1)

أقول راجع الباب 50 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[السابع: ان يسلّ من نعشه سلا فيرسل الى القبر برفق]

السابع: ان يسلّ من نعشه سلا فيرسل الى القبر برفق.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 20 من أبواب الدفن ح 5.

***

[الثامن: الدعاء عند السلّ من النعش]

الثامن: الدعاء عند السلّ من النعش بأن يقول بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللّهمّ الى رحمتك لا الى عذابك اللّهمّ افسح له فى قبره و لقّنه فى حجّته و ثبته بالقول الثابت و قنا و ايّاه عذاب القبر: و عند معاينة القبر (اللّهمّ اجعله روضة من رياض الجنّة و لا تجعله حفرة من حفر النار) و عند الوضع فى القبر.

يقول (اللهم عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك نزل بك و أنت خير منزول به) و بعد الوضع فيه يقول (اللّهمّ جاف الأرض عن جنبيه و صاعد عمله و لقّه منّك رضوانا) و عند وضعه فى اللحد يقول (بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه) ثمّ يقرأ فاتحه الكتاب و آية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 141

الكرسى و المعوذّتين و قل هو اللّه و يقول (أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم) و ما دام مشتغلا بالتشريج يقول (اللّهمّ صل وحدته و آنس وحشته و آمن روعته و أسكنه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك فانّما رحمتك للظالمين).

و عند الخروج من القبر يقول (انّا للّه و انّا إليه راجعون اللهم ارفع درجته فى عليّين و اخلف على عقبه فى الغابرين و عندك نحتسبه يا ربّ العالمين).

و عند اهالة التراب عليه يقول (انّا للّه و انّا إليه راجعون اللهم جاف الارض عن جنبيه و اصعد أليك بروحه و لقّه منك رضوانا و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن

رحمة من سواك).

و أيضا يقول (ايمانا و تصديقا ببعثك هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله اللّهمّ زدنا ايمانا و تسليما).

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 20 و 21 من ابواب الدفن.

***

[التاسع: أن تحلّ عقد الكفن بعد الوضع فى القبر]

التاسع: أن تحلّ عقد الكفن بعد الوضع فى القبر و يبدأ من طرف الرأس.

[العاشر: أن يحسر عن وجهه]

العاشر: أن يحسر عن وجهه و يجعل خدّه على الأرض و يعمل له وسادة من تراب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 142

[الحادى عشر: ان يسند ظهره بلبنة]

الحادى عشر: ان يسند ظهره بلبنة او مدرة لئلا يستلقى على قفاه.

(1)

أقول يستفاد هذه الأمور الثلاثة من النصوص راجع الوسائل الباب 19 من أبواب الدفن.

***

[الثانى عشر: جعل مقدار لبنة من تربة الحسين عليه السّلام تلقاء وجهه]

الثانى عشر: جعل مقدار لبنة من تربة الحسين عليه السّلام تلقاء وجهه بحيث لا تصل النجاسة بعد الانفجار.

(2)

أقول راجع الباب 12 من ابواب التكفين من الوسائل و الباب 25 من أبواب التكفين من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 265.

***

[الثالث عشر: تلقينه بعد الوضع فى اللحد]

الثالث عشر: تلقينه بعد الوضع فى اللحد قبل الستر باللبن بأن يضرب بيده على منكبه الأيمن و يضع يده اليسرى على منكبه الأيسر بقوّة و يدنى فمه الى اذنه و يحركه تحريكا شديدا ثم يقول (يا فلان بن فلان اسمع افهم)- ثلاث مرّات- اللّه ربّك و محمد نبيّك و الاسلام دينك و القرآن كتابك و عليّ إمامك و الحسن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 143

إمامك- الى آخر الأئمة- (أ فهمت يا فلان): و يعيد عليه هذا التلقين ثلاث مرّات ثمّ يقول ثبّتك اللّه بالقول الثابت هداك اللّه الى صراط مستقيم عرّف اللّه بينك و بين أوليائك فى مستقرّ من رحمته اللّهمّ جاف الأرض عن جنبيه و اصعد بروحه أليك و لقّه منك برهانا اللّهمّ عفوك عفوك.

(1)

أقول يدل عليه رواية اسحاق بن عمّار «1».

و رواية سالم بن مكرم «2».

*** و أجمع كلمة فى التلقين أن يقول (اسمع افهم يا فلان بن فلان) ثلاث مرّات ذكرا اسمه و اسم أبيه ثمّ يقول (هل أنت على العهد الّذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله الّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله و سيّد النبيّين و خاتم المرسلين و أنّ عليّا أمير المؤمنين و سيد الوصيّين و امام افترض اللّه طاعته على العالمين و أنّ الحسن و الحسين و على بن الحسين

و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن عليّ و عليّ بن محمد و الحسن بن عليّ و القائم الحجة

______________________________

(1) راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 الباب 33 ص 413 ح 1 و 14.

(2) راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 الباب 33 ص 413 ح 1 و 14.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 144

المهدى صلوات اللّه عليهم أئمة المؤمنين و حجج اللّه على الخلق أجمعين و أئمّتك أئمّة هدى بك أبرار يا فلان بن فلان اذا أتاك الملكان المقرّبان رسولين من عند اللّه تبارك و تعالى و سألاك عن ربّك و عن نبيّك و عن دينك و عن كتابك و عن قبلتك و عن أئمتك فلا تخف و لا تحزن و قل فى جوابهما اللّه ربّى و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبىّ و الاسلام دينى و القرآن كتابى و الكعبة قبلتى و أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب امامى و الحسن بن عليّ المجتبى امامى و الحسين بن عليّ الشهيد بكربلاء إمامى و عليّ زين العابدين امامى و محمد الباقر امامى و جعفر الصادق امامى و موسى الكاظم امامى و عليّ الرضا امامى و محمد الجواد امامى و عليّ الهادى إمامى و الحسن العسكرى امامى و الحجّة المنتظر امامى هؤلاء صلوات اللّه عليهم أجمعين أئمّتى و سادتى و قادتى و شفعائى بهم أتولّى و من أعدائهم أتبرّأ فى الدنيا و الآخرة ثمّ اعلم يا فلان بن فلان أنّ اللّه تبارك و تعالى نعم الربّ و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعم الرسول و

أنّ عليّ بن أبي طالب و أولاده المعصومين الأئمة الاثنى عشر نعم الأئمّة و أنّ ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقّ و أنّ الموت حقّ و سؤال منكر و نكير فى القبر حقّ و البعث و النشور حقّ و الصراط حقّ و الميزان حقّ و تطائر الكتب حقّ و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من فى القبور) يقول (أ فهمت يا فلان) و فى الحديث أنّه يقول فهمت ثمّ يقول (اللّهم جاف الأرض عن جنبيه و اصعد بروحه أليك و لقّه منك برهانا اللّهم عفوك عفوك) و الأولى أنّ يلقّن بما ذكر من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 145

العربّى و بلسان الميّت أيضا ان كان غير عربىّ.

(1)

أقول لم نجد نصا دالا عل هذا التلقين بهذه الكيفية لكن ذكره المجلسى رحمه اللّه فى زاد المعاد باختلاف يسير و لا بأس لأنّه قال صاحب الجواهر رحمه اللّه (و هذه الأخبار و ان اختلفت فى الجملة بالنسبة الى كيفية التلقين لكن لا بأس فى العمل بالجميع لظهورها فى كون المراد تذكير الميّت و تفهيمه فى هذه الحال ذلك «1» و المراد من الّذي ذكره المصنف (و فى الحديث أنّه يقول فهمت) هو حديث اسحاق بن عمّار «2».

و يستفاد من بعض الأخبار عدم اعتبار لفظ مخصوص فى التلقين راجع الوسائل الباب 20 من ابواب الدفن 1 و 5 و 7 و 8.

***

[الرابع عشر: أن يسدّ اللحد باللبن]

الرابع عشر: أن يسدّ اللحد باللبن لحفظ الميّت من وقوع التراب عليه و الأولى الابتداء من طرف رأسه و ان احكمت اللبن بالطين كان أحسن.

(2)

أقول راجع

الباب 60 من أبواب الدفن من الوسائل.

***

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 4، ص 307.

(2) جامع أحاديث الشيعة، ج 3، ص 413، ح 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 146

[الخامس عشر: أن يخرج المباشر من طرف الرجلين]

الخامس عشر: أن يخرج المباشر من طرف الرجلين فإنّه باب القبر.

(1)

أقول راجع الباب 23 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[السادس عشر: أن يكون من يضعه فى القبر على طهارة]

السادس عشر: أن يكون من يضعه فى القبر على طهارة مكشوف الرأس نازعا عمامته و ردائه و نعليه بل و خفيّه الّا لضرورة.

(2)

أقول راجع الباب 30 من ابواب الدفن من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 408 و الباب 53 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[السابع عشر: أن يهيل غير ذى رحم]

السابع عشر: أن يهيل غير ذى رحم ممّن حضر التراب عليه بظهر الكفّ قائلا انّا للّه و انّا إليه راجعون على ما مرّ.

(3)

أقول راجع الوسائل الباب 29 و 30 من ابواب الدفن.

و الباب 38 و 39 من ابواب الدفن من جامع أحاديث ج 3 ص 430 و 432.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 147

[الثامن عشر: ان يكون المباشر لوضع المرأة فى القبر محارمها]

الثامن عشر: ان يكون المباشر لوضع المرأة فى القبر محارمها او زوجها و مع عدمهم فأرحامها و الّا فالأجانب و لا يبعد أن يكون الأولى بالنسبة الى الرجل الأجانب.

(1)

أقول راجع الباب 34 و 35 من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 424 و 425.

***

[التاسع عشر: رفع القبر عن الأرض بمقدار أربع أصابع]

التاسع عشر: رفع القبر عن الأرض بمقدار أربع أصابع مضمومة او مفرّجه.

[العشرون: تربيع القبر]

العشرون: تربيع القبر بمعنى كونها ذا أربع زوايا قائمة و تسطيحه و يكره تسنيمه بل تركه أحوط.

(2)

أقول راجع فى كليهما الباب 43 من أبواب الدفن من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 440.

***

[الحادى و العشرون: ان يجعل على القبر علامة]

الحادى و العشرون: ان يجعل على القبر علامة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 148

(1)

أقول راجع الباب 44 من أبواب الدفن من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 443 و الباب 42 من المصدر.

***

[الثانى و العشرون: أن يرشّ عليه الماء]

الثانى و العشرون: أن يرشّ عليه الماء و الأولى أنّ يستقبل القبلة و يبتدئ بالرشّ من عند الرأس الى الرجل ثمّ يدور به على القبر حتّى يرجع الى الرأس ثمّ يرشّ على الوسط ما يفضل من الماء و لا يبعد استحباب الرشّ الى أربعين يوما او أربعين شهرا.

(2)

اقول راجع الباب 42 من ابواب الدفن من كتاب جامع احاديث الشيعة ج 3 ص 436.

***

[الثالث و العشرون: ان يضع الحاضرون بعد الرشّ أصابعهم مفرّجات على القبر]

الثالث و العشرون: ان يضع الحاضرون بعد الرشّ أصابعهم مفرّجات على القبر بحيث يبقى أثرها و الأولى أن يكون مستقبل القبلة و من طرف رأس الميّت و استحباب الوضع المذكور آكد بالنسبة الى من لم يصلّ على الميّت و اذا كان الميّت هاشميّا فالأولى أن يكون الوضع على وجه يكون أثر الأصابع أزيد بأن يزيد فى غمز اليد و يستحب أن يقول حين الوضع (بسم اللّه ختمتك من الشيطان أن يدخلك) و أيضا يستحبّ أن يقرأ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 149

مستقبلا للقبلة سبع مرّات انّا أنزلناه و أن يستغفر له و يقول (اللّهمّ جاف الأرض عن جنبيه و اصعد أليك روحه و لقّه منك رضوانا و أسكن قبر من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك) أو يقول (اللّهمّ ارحم غربته وصل وحدته و آنس وحشته و آمن روعته و أفض عليه من رحمتك و أسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك و رحمتك ما يستغنى بها عن رحمة سواك و احشره مع من يتولّاه) و لا يختصّ هذه الكيفيّة بهذه الحالة بل يستحبّ عند زيارة كلّ مؤمن من قراءة انا انزلناه سبع مرّات و طلب المغفرة و قراءة الدعاء المذكور.

(1)

أقول راجع الباب 42 من ابواب الدفن

من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 436.

***

[الرابع و العشرون: أن يلقّنه الولىّ]

الرابع و العشرون: أن يلقّنه الولىّ أو من يأذن له تلقينا آخر بعد تمام الدفن و رجوع الحاضرين بصوت عال بنحو ما ذكر فانّ هذا التلقين يوجب عدم سؤال النكيرين منه فالتلقين يستحب فى ثلاثة مواضع حال الاحتضار و بعد الوضع في القبر و بعد الدفن و رجوع الحاضرين و بعضهم ذكر استحبابه بعد التكفين أيضا و يستحب الاستقبال حال التلقين و ينبغى فى التلقين بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 150

الدفن وضع الفم عند الرأس و قبض القبر بالكفين.

(1)

أقول راجع الباب 41 من ابواب الدفن من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 433.

و راجع أيضا الباب 9 باب استحباب تلقين المحتضر ج 3 ص 123 و الباب 33 باب ما يستحب ان يقال من الدعاء و التلقين عند ادخال الميت في قبره ج 3 ص 413 و الباب 35 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[الخامس و العشرون: أن يكتب اسم الميّت على القبر]

الخامس و العشرون: أن يكتب اسم الميّت على القبر أو على لوح او حجر و ينصب عند رأسه.

(2)

أقول راجع الباب 44 من ابواب الدفن من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 443 و الباب 37 من أبواب الدفن من الوسائل.

***

[السادس و العشرون: أن يجعل فى فمه فصّ عقيق]

السادس و العشرون: أن يجعل فى فمه فصّ عقيق مكتوب عليه (لا إله الّا اللّه ربّى محمد نبىّ على و الحسن و الحسين الى آخر الأئمة أئمتي).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 151

(1)

أقول لم نجد نصا يدلّ على ذلك.

***

[السابع و العشرون: ان يوضع على قبره شي ء من الحصى]

السابع و العشرون: ان يوضع على قبره شي ء من الحصى على ما ذكره بعضهم و الأولى كونها حمراء.

(2)

أقول راجع الباب 44 من ابواب الدفن من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 443.

***

[الثامن و العشرون: تعزية المصاب]

الثامن و العشرون: تعزية المصاب و تسليته قبل الدفن و بعده و الثانى أفضل و المرجع فيها الى العرف و يكفى فى ثوابها رؤية المصاب ايّاه و لا حد لزمانها و لو أدّت الى تجديد حزن قد نسى كان تركها أولى و يجوز الجلوس للتعزية و لا حدّ له أيضا و حدّه بعضهم بيومين أو ثلاث و بعضهم على أنّ الأزيد من يوم مكروه و لكن ان كان الجلوس بقصد قراءة القرآن و الدعاء لا يبعد رجحانه.

(3)

أقول راجع الباب 1 و 2 من ابواب التعزية و التسلية من جامع أحاديث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 152

الشيعة ج 3 ص 452 الى ص 456.

***

[التاسع و العشرون: ارسال الطعام الى أهل الميّت]

التاسع و العشرون: ارسال الطعام الى أهل الميّت ثلاثة أيّام و يكره الأكل عندهم و فى خبر إنّه عمل أهل الجاهلية.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 67 من ابواب الدفن و جامع أحاديث الشيعة الباب 4 من ابواب التعزية ج 4 ص 464.

***

[الثلاثون: شهادة أربعين او خمسين من المؤمنين]

الثلاثون: شهادة أربعين او خمسين من المؤمنين للميّت بخير بأن يقولوا (اللّهمّ انّا لا نعلم منه الّا خيرا و أنت أعلم به منّا).

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 90 من ابواب الدفن.

***

[الواحد و الثلاثون: البكاء على المؤمن]

الواحد و الثلاثون: البكاء على المؤمن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 153

(1)

أقول راجع الباب 70 من ابواب الدفن من الوسائل و الباب 6 من ابواب التعزية من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 469.

***

[الثانى و الثلاثون: أن يسلّى صاحب المصيبة]

الثانى و الثلاثون: أن يسلّى صاحب المصيبة نفسه بتذكّر موت النبىّ صلى اللّه عليه و آله فانّه أعظم المصائب.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 79 من ابواب الدفن و الباب 13 من ابواب التعزية من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 515.

***

[الثالث و الثلاثون: الصبر على المصيبة]

الثالث و الثلاثون: الصبر على المصيبة و الاحتساب و التأسي بالانبياء و الأوصياء و الصلحاء خصوصا فى موت الأولاد.

(3)

أقول راجع الباب 77 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 154

[الرابع و الثلاثون: قول- انّا للّه]

الرابع و الثلاثون: قول- انّا للّه و انّا إليه راجعون كلّما تذكر.

(1)

أقول راجع الباب 74 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[الخامس و الثلاثون: زيارة القبور]

الخامس و الثلاثون: زيارة القبور و السلام عليهم يقول (السلام عليكم يا أهل الديار: الخ و قراءة القرآن و طلب الرحمة و المغفرة لهم و يتأكّد فى يوم الاثنين و الخميس خصوصا عصره و صبيحة السبت للرجال و النساء بشرط عدم الجزع و الصبر و يستحبّ أن يقول (السلام على أهل الديار من المؤمنين رحم اللّه المتقدّمين منكم و المتأخّرين و انّا إن شاء اللّه بكم لاحقون) و يستحب للزائر ان يضع يده على القبر و ان يكون مستقبلا و ان يقرأ انّا انزلناه سبع مرات و يستحب أيضا قراءة الحمد و المعوّذتين و آية الكرسىّ كل منها ثلاث مرّات و الأولى أن يكون جالسا مستقبل القبلة و يجوز قائما و يستحبّ أيضا قراءة يس و يستحبّ أيضا أن يقول (بسم اللّه الرحمن الرحيم السلام على أهل لا آله الّا اللّه من أهل لا آله الّا اللّه يا أهل لا آله الّا اللّه كيف وجدتم قول لا إله الّا اللّه من لا إله الّا اللّه يا لا إله الّا اللّه بحقّ لا إله الّا اللّه اغفر لمن قال لا إله الّا اللّه و احشرنا فى زمرة من قال لا إله الّا اللّه محمد رسول اللّه عليّ ولىّ اللّه).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 155

(1)

أقول راجع الباب 1 و 2 و 3 من ابواب استحباب زيارة القبور من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 528 الى 451.

***

[السادس و الثلاثون: طلب الحاجة عند قبر الوالدين]

السادس و الثلاثون: طلب الحاجة عند قبر الوالدين.

(2)

أقول راجع الباب 54 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[السابع و الثلاثون: احكام بناء القبر]

السابع و الثلاثون: احكام بناء القبر.

(3)

أقول راجع الباب 60 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[الثامن و الثلاثون: دفن الأقارب متقاربين]

الثامن و الثلاثون: دفن الأقارب متقاربين

(4)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 444 ح 5 و 4.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 156

[التاسع و الثلاثون: التحميد و الاسترجاع]

التاسع و الثلاثون: التحميد و الاسترجاع و سؤال الخلف عند موت الولد.

(1)

أقول راجع الباب 73 من أبواب الدفن من الوسائل.

***

[الأربعون: صلاة الهديّة ليلة الدفن]

الأربعون: صلاة الهديّة ليلة الدفن و هى ركعتان يقرأ فى الاولى الحمد و آية الكرسىّ.

و فى الثانية الحمد و القدر عشر مرّات و يقول بعد الصلاة اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و ابعث ثوابها الى قبر فلان و فى رواية اخرى: فى الركعة الاولى الحمد و قل هو اللّه مرّتين و فى الثانية الحمد و التكاثر عشر مرّات و ان أتى بالكيفيتين كان اولى و تكفى صلاة واحدة من شخص واحد و اتيان أربعين اولى لكن لا بقصد الورود و الخصوصية كما أنّه يجوز التعدّد من شخص واحد بقصد اهداء الثواب و الأحوط قراءة آية الكرسىّ الى (هم فيها خالدون) و الظاهر أنّ وقته تمام الليل و ان كان الاولى أوّله بعد العشاء و لو أتى بغير الكيفية المذكورة سهوا أعاد و لو كان بترك آية من انّا أنزلناه او آية من آية الكرسى و لو نسى من أخذ الاجرة عليها فتركها أو ترك شيئا منها وجب عليه ردّها الى صاحبها و ان لم يعرفه تصدّق بها عن صاحبها و ان علم برضاه أتى بالصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 157

فى وقت آخر و أهدى ثوابها الى الميّت لا بقصد الورد.

(1)

أقول ذكرها الكفعمى رحمه اللّه على ما حكى فى مصباحه فعلى هذا يأتى بصلاة الهدية على النحوين المذكورين رجاء.

***

[مسئلة 1: اذا نقل الميّت الى مكان آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا نقل الميّت الى مكان آخر كالعتبات او أخّر الدفن الى مدّة فصلاة الدفن تؤخّر الى ليلة الدفن.

(2)

أقول لانّها شرعت بعد الدفن.

***

[مسئلة 2: لا فرق فى استحباب التعزية لأهل المصيبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا فرق فى استحباب التعزية لأهل المصيبة بين الرجال و النساء حتّى الشابّات منهنّ متحرّزا عمّا تكون به الفتنة و لا بأس بتغرية أهل الذّمة مع الاحتراز عن الدعاء لهم بالأجر إلّا مع مصلحة تقتضى ذلك.

(3)

أقول راجع الكافى ج 3 ص 226 باب ثواب التعزية و جامع أحاديث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 158

الشيعة ج 3 ص 459 ح 11.

***

[مسئلة 3: تستحب الوصية بمال لطعام مأتمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: تستحب الوصية بمال لطعام مأتمه بعد موته.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 68 من ابواب الدفن.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 159

فصل: في مكروهات الدفن
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 161

قوله رحمه اللّه

فصل فى مكروهات الدفن

[و هى امور]
اشارة

و هى أيضا امور:

[لأول: دفن الميّتين فى قبر واحد]

الأول: دفن الميّتين فى قبر واحد بل قيل بحرمته مطلقا و قيل بحرمته مع كون أحدهما امرأة أجنبية و الأقوى الجواز مطلقا مع الكراهة نعم الأحوط الترك إلّا لضرورة و معها الأولى جعل حائل بينهما و كذا يكره حمل جنازة الرجل و المرأة على سرير واحد و الأحوط تركه أيضا.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 42 و 43 من ابواب الدفن و جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 370 الباب 9.

***

[الثانى: فرش القبر بالساج]

الثانى: فرش القبر بالساج و نحوه من الآجرّ و الحجر إلّا إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 162

كانت الأرض نديّة و امّا فرش ظهر القبر بالأجر و نحوه فلا بأس به كما أنّ فرشه بمثل حصير و قطيفة لا بأس به و إن قيل بكراهته أيضا.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 27 و 28 من ابواب الدفن و جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 403 الباب 26.

***

[الثالث: نزول الأب فى قبر ولده]

الثالث: نزول الأب فى قبر ولده خوفا عن جزعه و فوات أجره بل إذا خيف ذلك فى سائر الأرحام أيضا يكون مكروها بل قد يقال بكراهة نزول الأرحام مطلقا إلّا الزوج فى قبر زوجته و المحرم فى قبر محارمه.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 25 و 26 من ابواب الدفن.

***

[الرابع: أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب]

الرابع: أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب فإنّه يورث قساوة القلب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 163

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 30 من ابواب الدفن.

***

[الخامس: سدّ القبر بتراب غير ترابه]

الخامس: سدّ القبر بتراب غير ترابه و كذا تطيينه بغير ترابه فانه ثقل على الميّت.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 36 من ابواب الدفن.

***

[السادس: تجصيصه او تطيينه لغير ضرورة]

السادس: تجصيصه او تطيينه لغير ضرورة و إمكان الإحكام المندوب بدونه و القدر المتيقن من الكراهة إنّما هو بالنسبة إلى باطن القبر لا ظاهره و إن قيل بالإطلاق.

(3)

أقول راجع الوسائل الباب 44 من ابواب الدفن و جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 444 الباب 45.

***

[السابع: تجديد القبر بعد اندراسه]

السابع: تجديد القبر بعد اندراسه إلّا قبور الأنبياء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 164

و الأوصياء و الصلحاء و العلماء.

(1)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 446 الباب 45 و ص 447 الباب 46.

***

[الثامن: تسنيمه]

الثامن: تسنيمه بل الأحوط تركه.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 43 من ابواب الدفن.

***

[التاسع: البناء عليه]

التاسع: البناء عليه عدا قبور من ذكر و الظاهر عدم كراهة الدفن تحت البناء و السقف.

(3)

أقول راجع الوسائل الباب 44 من ابواب الدفن و جامع أحاديث الشيعة الباب 45 ج 3 ص 868.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 165

[العاشر: اتّخاذ المقبرة مسجدا]

العاشر: اتّخاذ المقبرة مسجدا إلّا مقبرة الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام و العلماء.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 65 من ابواب الدفن.

***

[الحادى عشر: المقام على القبور]

الحادى عشر: المقام على القبور إلّا الأنبياء عليهم السّلام و الأئمة عليهم السّلام.

(2)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 446 الباب 65.

***

[الثانى عشر: الجلوس على القبر]

الثانى عشر: الجلوس على القبر.

(3)

أقول راجع الوسائل الباب 44 من ابواب الدفن.

***

[الثالث عشر: البول و الغائط فى المقابر]

الثالث عشر: البول و الغائط فى المقابر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 166

(1)

أقول لانّه مناف لاحترام المؤمن حيّا و ميّتا و لما روي فى الكافى عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال فى ماء قائم أو مشى فى حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا فى بيت وحده أو بات على نمر فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه.

***

[الرابع عشر: الضحك فى المقابر]

الرابع عشر: الضحك فى المقابر.

(2)

أقول راجع الباب 63 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

[الخامس عشر: الدفن فى الدور]

الخامس عشر: الدفن فى الدور.

(3)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 446.

***

[السادس عشر: تنجيس القبور]

السادس عشر: تنجيس القبور و تكثيفها بما يوجب هتك حرمة الميّت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 167

(1)

أقول لحرمة المؤمن حيّا و ميّتا و كونه موجبا لهتك حرمة الميّت.

***

[السابع عشر: المشى على القبور]

السابع عشر: المشى على القبور من غير ضرورة.

(2)

أقول راجع جواهر الكلام ج 4 ص 351.

***

[الثامن عشر: الاتكاء على القبر]

الثامن عشر: الاتكاء على القبر.

(3)

راجع جواهر الكلام ج 4 ص 351 و لأنّ فيه هتكا له كما للحيّ و إنّ حرمة الميّت كحرمة الحىّ.

***

[التاسع عشر: إنزال الميّت فى القبر بغتة]

التاسع عشر: إنزال الميّت فى القبر بغتة من غير أن يوضع الجنازة قريبا منه ثمّ رفعها و وضعها دفعات كما مرّ.

(4)

أقول راجع الباب 16 من ابواب الدفن من الوسائل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 168

[العشرون: رفع القبر عن الأرض أزيد من أربع أصابع]

العشرون: رفع القبر عن الأرض أزيد من أربع أصابع مفرّجات.

(1)

أقول راجع الباب 31 من ابواب الدفن ح 4 من الوسائل.

***

[الحادى و العشرون: نقل الميّت من بلد موته الى بلد آخر]

الحادى و العشرون: نقل الميّت من بلد موته الى بلد آخر إلّا إلى المشاهد المشرّفة و الأماكن المقدسة و المواضع المحترمة كالنقل من عرفات الى مكّه و النقل الى النجف فإن الدفن فيه يدفع عذاب القبر و سؤال الملكين و إلى كربلاء و الكاظمية و ساير قبور الأئمة بل إلى مقابر العلماء و الصلحاء بل لا يبعد استيجاب النقل من بعض المشاهد الى آخر لبعض المرجّحات الشرعية و الظاهر عدم الفرق فى جواز النقل بين كونه قبل الدفن او بعده و من قال بحرمة الثانى مراده ما إذا استلزام النبش و إلّا فلو فرض خروج الميّت عن قبره بعد دفنه بسبب من سبع أو ظالم أو صبى أو نحو ذلك لا مانع من جواز نقله الى المشاهد مثلا ثمّ لا يبعد جواز النقل إلى المشاهد المشرفة و إن استلزم فساد الميّت إذا لم يوجب أذيّة المسلمين فإنّ من تمسّك بهم فاز و من أتاهم فقد نجا و من لجأ إليهم أمن و من اعتصم بهم فقد اعتصم باللّه تعالى و المتوسّل بهم غير خائب صلوات اللّه اجمعين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 169

(1)

أقول نقل الميّت قبل الدفن من بلده الى بلد آخر مكروه لدعوى الإجماع على ذلك إلّا الى المشاهد المشرّفة.

امّا بعد الدفن فنقله من بلد الى بلد آخر غير المشاهد المشرّفة فحرام و امّا نقله إلى المشاهد المشرّفة فحيث إن عمدة الدليل الدال على حرمة نبش القبر ليس إلا الإجماع فقدر المتيقّن منه غير صورة النقل الى المشاهد المشرفة.

راجع جامع أحاديث

الشيعة الباب 22 من ابواب الدفن ج 3 ص 397.

***

[مسئلة 1: يجوز البكاء على الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجوز البكاء على الميّت و لو كان مع الصوت بل قد يكون راجحا كما اذا كان مسكنا للحزن و حرقة القلب بشرط أن لا يكون منافيا للرضا بقضاء اللّه و لا فرق بين الرحم و غيره بل قد مرّ استحباب البكاء على المؤمن بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضالّ و الخبر الّذي ينقل من أن الميّت يعذّب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى (وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) و أمّا البكاء المشتمل على الجزع و عدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء اللّه نعم يوجب حبط الأجر و لا يبعد كراهته.

(2)

أقول راجع الباب 87 من ابواب الدفن من الوسائل و الباب 88 و الباب 89 و الباب 80.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 170

[مسئلة 2: يجوز النوح على الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز النوح على الميّت بالنظم و النثر ما لم يتضمن الكذب و ما لم يكن مشتملا على الويل و الثبور لكن يكره فى الليل و يجوز أخذ الاجرة عليه إذا لم يكن بالباطل لكن الأولى أن لا يشترط أوّلا.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 70 و 71 من أبواب الدفن.

***

[مسئلة 3: لا يجوز اللّطم و الخدش]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يجوز اللّطم و الخدش و جزّ الشعر بل و الصراخ الخارج عن حدّ الاعتدال على الأحوط و كذا لا يجوز شقّ الثوب على غير الأب و الأخ و الأحوط تركه فيهما أيضا.

(2)

أقول راجع الباب 83 من ابواب الدفن من الوسائل و الباب 8 من ابواب الدفن من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 483.

***

[مسئلة 4: فى جزّ المرأة شعرها فى المصيبة كفارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: فى جزّ المرأة شعرها فى المصيبة كفارة شهر رمضان و فى نتفه كفّارة اليمين و كذا فى خدشها وجهها.

[مسئلة 5: فى شقّ الرجل ثوبه فى موت زوجته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: فى شقّ الرجل ثوبه فى موت زوجته أو ولده كفارة اليمين و هى إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 171

(1)

أقول دلّ على حكم هذين المسألتين الرواية الواردة و هى رواية خالد بن سرير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شقّ ثوبه على أبيه أو على أمّه أو على أخيه أو على قريب له فقال لا بأس بشقّ الجيوب قد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون و لا يشقّ الوالد على ولده و لا زوج على امرأته و تشق المرأة على زوجها و اذا شقّ زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين و لا صلاة لهما حتّى يكفّرا أو يتوبا من ذلك فإذا خدشت المرأة وجهها او جزّت شعرها او نتفته ففى جزّ الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا و فى الخدش إذا أدميت و فى النتف كفّارة حنث يمين الخ «1».

***

[مسئلة 6: يحرم نبش قبر المؤمن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: يحرم نبش قبر المؤمن و إن كان طفلا أو مجنونا إلّا مع العلم باندراسه و صيرورته ترابا و لا يكفى الظّن به و إن بقى عظما فإن كان صلبا ففى جواز نبشه إشكال و أمّا مع كونه مجرّد صورة بحيث يصير ترابا بأدنى حركة فالظاهر جوازه نعم لا يجوز نبش قبور الشهداء و العلماء و أولاد الأئمة عليهم السّلام و لو بعد الاندراس و إن طالت المدّة سيّما المتّخذ منها مزارا أو مستجارا و الظاهر توقف صدق النبش على بروز جسدا الميّت فلو أخرج بعض تراب القبر و

حفر من دون أن يظهر جسده لا يكون من النبش المحرّم و الأولى الإناطة بالعرف و هتك الحرمة و كذا لا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 31 من ابواب الكفارات من الوسائل ج 15.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 172

يصدق النبش إذا كان الميّت فى سرداب و فتح بابه لوضع ميّت آخر خصوصا إذا لم يظهر جسد الميّت و كذا كان الميّت موضوعا و بنى عليه بناء لعدم إمكان الدفن أو باعتقاد جوازه أو عصيانا فإن إخراجه لا يكون من النبش و كذا إذا كان فى تابوت أو صخرة أو نحوها.

(1)

أقول لا اشكال فى حرمة نبش قبر المؤمن و هو ممّا ادّعى عليه الإجماع و يستفاد أيضا من الأخبار الواردة الدالة على قطع يد النباش فى الحدود راجع الوسائل الباب 19 من ابواب حد السرقة من كتاب الحدود و منها رواية حفص البختري قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول حدّ النباش حدّ السارق «1».

و رواية ابن جارود عن أبى جعفر عليه السّلام قال- قال أمير المؤمنين يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء «2».

و مع أنّ أدلّة وجوب الدفن و ما ذكر فيها من الحكمة دالة على حرمة النبش نعم كما أيضا قال السيد المؤلف رحمه اللّه مع العلم باندراسه استثنى جماعة ذلك المورد من حرمة النبش لعدم صدق النبش لعدم وجود ميّت فيه حتى يجب احترامه بل قال صاحب الجواهر رحمه اللّه لعلة اتفاق و لكن ينبغى استثناء قبور الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام من ذلك لمنافانه للتعظيم و ما فيه من الهتك بالنسبة إليهم و لا يبعد الحاق قبور العلماء و الشهداء و العلماء خصوصا ما كان منها قد

أخذ

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب حد السرقة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 19 من ابواب حد السرقة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 173

مزارا و ملازا.

***

[مسئلة 7: يستثنى من حرمة النبش موارد:]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يستثنى من حرمة النبش موارد:

[الأوّل: إذا دفن فى مكان المغصوب]

الأوّل: إذا دفن فى مكان المغصوب عدوانا أو جهلا أو نسيانا فإنه يجب نبشه مع عدم رضا المالك ببقائه و كذا إذا كان كفنه مغصوبا أو دفن معه مال مغصوب بل أو ماله المنتقل بعد موته الى الوارث فيجوز نبشه لإخراجه نعم لو أوصى بدفن دعاء أو قرآن أو خاتم معه لا يجوز نبشه لأخذه بل لو ظهر بوجه من الوجوه لا يجوز أخذه كما لا يجوز عدم العمل بوصيته من الأوّل.

(1)

أقول كل ذلك مضافا إلى دعوى الإجماع عليها كونها تصرّفا فى مال الغير و إذهابا لحقّه و لا يجوز ذلك إلّا مع رضا مالكه و فى صورة وصيته بدفن دعاء او قرآن او خاتم لا يجوز نبشه إذا كانت الوصية نافذة مثل ما إذا كانت فى الثلث أو مع رضى الورثة بذلك و إلّا فيجوز أيضا نبشه لعين ما تقدّم.

***

[الثانى: إذا كان مدفونا بلا غسل أو بلا كفن]

الثانى: إذا كان مدفونا بلا غسل أو بلا كفن أو تبيّن بطلان غسله أو كون كفنه على الغير الوجه الشرعى كما إذا كان من جلد الميّتة أو غير المأكول أو حريرا فيجوز نبشه لتدارك ذلك ما لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 174

يكن موجبا لهتكه و أمّا إذا دفن بالتيمّم لفقد الماء فوجد الماء بعد دفنه او كفّن بالحرير لتغدر غيره ففى جواز نبشه اشكال و أمّا إذا دفن بلا صلاة أو تبيّن بطلانها فلا يجوز النبش لأجلها بل يصلّى على قبره و مثل ترك الغسل فى جواز النبش ما لو وضع فى القبر على غير القبلة و لو جهلا أو نسيانا.

(1)

أقول لأنّ الدفن فى هذه الصور باطل و غير مأمور به فيجوز النبش و الدفن على وجه صحيح و أمّا

فى صورة كون النبش موجبا للهتك فلا يجوز لأن حرمة الميّت كحرمة الحىّ كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حرمة المسلم ميّتا كحرمته و هو حىّ سواء «1» و أمّا عدم جواز النبش بعد الدفن لأجل الصلاة على الميّت فلما مضى فى المسألة 7 من المسائل المذكورة فى فصل شرائط صلاة الميّت من أنّه إذا لم يصل على الميّت أو تبيّن بعد الدفن بطلان الصلاة يصلّى على قبر.

و أمّا إذا كان كفّن الميّت بالحرير لتغدّر غيره فمع رفع الغدر بعد الدفن ففى جواز النبش كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه اشكال و قد مضى فى المسألة 10 من فصل كيفية غسل الميّت عدم جواز النبش لأجل العذر فى الغسل بعد رفع العذر.

***

[الثالث: إذا توقّف إثبات حقّ من الحقوق على رؤية جسده]

الثالث: إذا توقّف إثبات حقّ من الحقوق على رؤية جسده.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 51 من ابواب الدفن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 175

(1)

أقول لم نجد له نصا دالا عليه لكن حكى استثناءه عن الشهيد فى الذكرى و تبعه غيره عليه و ضابطه توقف إثبات حقّ على ذلك.

فعلى هذا جواز النبش فى هذه الصورة مشكل.

***

[الرابع: لدفن بعض أجزائه المبانة منه معه]

الرابع: لدفن بعض أجزائه المبانة منه معه لكنّ الأولى دفنه معه على وجه لا يظهر جسده.

(2)

أقول لم نر دليلا له فالأولى كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه دفنه على وجه لا يظهر جسده.

***

[الخامس: إذا دفن فى مقبرة لا يناسبه]

الخامس: إذا دفن فى مقبرة لا يناسبه كما إذا دفن فى مقبرة الكفّار أو دفن معه كافر أو دفن فى مزبلة أو بالوعة أو نحو ذلك من الأمكنة الموجبة لهتك حرمته.

(3)

أقول لأنّ حرمة الميّت كحرمة الحىّ فلا يجوز فعل ما يوجب هتكه فإذا كان الدفن فى مكان لا يناسبه فنبشه ليس هتكا بل هو تجليل له.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 176

[السادس: لنقله إلى المشاهد المشرّفة]

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 9، ص: 176

السادس: لنقله إلى المشاهد المشرّفة و الأماكن المعظّمة على الأقوى و ان لم يوص بذلك و إن كان الأحوط الترك مع عدم الوصية.

(1)

أقول لانّه مضى منّا جوازه مع عدم الوصية فمع الوصية أولى لأنّ عمدة الدليل فى حرمة النبش هو الإجماع و شموله لهذا المورد غير معلوم

***

[السابع: إذا كان موضوعا فى تابوت و دفن كذلك]

السابع: إذا كان موضوعا فى تابوت و دفن كذلك فإنه لا يصدق عليه النبش حيث لا يظهر جسده و الأولى مع إرادة النقل إلى المشاهد اختيار هذه الكيفية فإنّه خال عن الإشكال أو أقلّ إشكالا.

(2)

أقول لعدم صدق النبش لعدم ظهور الجسد و لا يرى بدن الميّت و تغيّره و قبح منظره ممّا يوجب هتك حرمته

***

[الثامن: إذا دفن بغير إذن الولىّ]

الثامن: إذا دفن بغير إذن الولىّ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 177

(1)

أقول لأنّ أولى بميراثه أولى بأحكامه و من أحكامه الدفن فلا بد من إذن الولىّ فإذا دفن بغير إذنه فيجوز نبشه ما لم يوجب النبش هتك حرمة الميّت.

***

[التاسع: إذا أوصى بدفنه فى مكان معيّن و خولف]

التاسع: إذا أوصى بدفنه فى مكان معيّن و خولف عصيانا أو نسيانا.

(2)

أقول بناء على ما تقدّم منّا فى الصلاة على الميّت من كون ادلّة ولاية ولى الميت مقدّمة على أدلّة نفوذ الوصية فإن كان الدفن بإذنه فلا موجب لنبش القبر.

***

[العاشر: إذا دعت ضرورة الى النبش]

العاشر: إذا دعت ضرورة الى النبش أو عارضه أمر راجع أهمّ

(3)

أقول لان الضرورات تبيع المحذورات و إذا دار الأمر بين الأهمّ و المهمّ فالأهمّ مقدّم و لما ذكر من أنّ كلّ شي ء اضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 178

[الحادى عشر: إذا خيف عليه من سبع أو سيل]

الحادى عشر: إذا خيف عليه من سبع أو سيل او عدوّ

(1)

أقول لأنّ فى بقائه هتك له فبجرم هتكه.

***

[الثانى عشر: إذا أوصى بنبشه و نقله بعد مدّة]

الثانى عشر: إذا أوصى بنبشه و نقله بعد مدّة الى الأماكن المشرّفة بل يمكن أن يقال بجوازه فى كل مورد يكون هناك رجحان شرعىّ من جهة من الجهات و لم يكن موجبا لهتك حرمته أو لأذيّة النّاس و ذلك لعدم وجود دليل واضع على حرمة النبش إلّا الاجماع و هو أمر لبّى و القدر المتيقن منه غير هذه الموارد لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال.

(2)

أقول فإذا جوّزنا نبش القبر لنقله إلى المشاهد المشرّفة مع عدم الوصية فمع وصية الميّت بالنقل فجوازه بطريق أولى.

***

[مسئلة 8: يجوز تخريب آثار القبور التى علم اندراس ميّتها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يجوز تخريب آثار القبور التى علم اندراس ميّتها ما عدا ما ذكر من قبور العلماء و الصلحاء و أولاد الأئمّة عليهم السّلام سيّما إذا كانت فى المقبرة الموقوفة للمسلمين مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 179

حاجتهم و كذا فى الأراضى المباحة و لكن الأحوط عدم التخريب مع عدم الحاجة خصوصا فى المباحة غير الموقوفة.

(1)

أقول لأنّه كما قلنا فى المسألة من فصل مكروهات الدفن مع العلم باندراسه و صيرورته ترابا يجوز النبش لعدم وجود ميّت فى القبر حتى يجب احترامه و يحرم هتكه فعلى هذا ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 9: إذا لم يعلم أنّه قبر مؤمن أو كافر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا لم يعلم أنّه قبر مؤمن أو كافر فالأحوط عدم نبشه مع عدم العلم باندراسه أو كونه فى مقبرة الكفار

(2)

أقول لأنّ فى صورة اندراسه أو كونه فى مقبرة الكفّار لا يحرم النبش لعدم وجود ميّت محترم حتى يحرم هتكه إمّا لاندراسه أو لكونه من الكفّار و امّا فى غير ذلك الصورتين فكما قال السيد المؤلف رحمه اللّه فالأحوط عدم نبشه.

***

[مسئلة 10: إذا دفن الميّت فى ملك الغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: إذا دفن الميّت فى ملك الغير بغير رضاه لا يجب عليه الرضا ببقائه و لو كان بالعوض و إن كان الدفن بغير العدوان من جهل أو نسيان فله أن يطالب النبش أو يباشره و كذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 180

إذا دفن مال للغير مع الميّت لكن الأولى بل الأحوط قبول العوض أو الإعراض.

(1)

أقول لأنّ التصرّف فى مال الغير بغير إذنه حرام فيكون الدفن على غير وجه الشرعى فلا يكون الدفن مأمورا به فيجوز نبشه لذلك كما تقدّم و لا يجب على المالك الرضا ببقائه و لو بالعوض لأنّه لا يجب عليه القبول و الرضا بذلك حتّى يحرم النبش.

***

[مسئلة 11: إذا أذن فى دفن ميّت فى ملكه لا يجوز له ان يرجع عن إذنه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا أذن فى دفن ميّت فى ملكه لا يجوز له ان يرجع عن إذنه بعد الدفن سواء كان مع العوض أو بدونه لأنّه المقدم على ذلك فيشمله دليل حرمة النبش و هذا بخلاف ما إذا أذن فى الصلاة عليه فى داره فإنّه يجوز له الرجوع فى أثناء الصلاة و يجب على المصلّى قطعها فى سعة الوقت فإنّ حرمة القطع إنّما هى بالنسبة الى المصلّى فقط بخلاف حرمة النبش فإنّه لا فرق فيه بين المباشر و غيره نعم له الرجوع عن إذنه بعد الوضع فى القبر قبل أن يسدّ بالتراب هذا إذا لم يكن الاذن فى عقد لازم و إلا فليس له الرجوع مطلقا.

(2)

أقول لأنّه مع الاذن فى الدفن صار الدفن دفنا مأمورا به و وقع على وجه صحيح لإقدام المالك على بذل الأرض فيحرم عليه و على غيره نبشه بخلاف الصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 181

فإنّ الصلاة يحرم قطعها على

المصلّي فيجوز للمالك الرجوع عن أذنه لعدم كون الرجوع منه حراما و أمّا إذا كان قبل أن يسدّ عليه التراب بعد وضعه فى القبر فله الرجوع لعدم صدق الدفن قبل أن يسدّ عليه التراب الّا ان يكون الاذن فى عقد لازم فانّه ليس له الرجوع مطلقا.

***

[مسئلة 12: إذا خرج الميّت المدفون فى ملك الغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا خرج الميّت المدفون فى ملك الغير باذنه بنبش نابش أو سيل أو سبع أو نحو ذلك لا يجب عليه الرضاء و الإذن بدفنه ثانيا فى ذلك المكان بل له الرجوع عن إذنه إلّا إذا كان لازما عليه بعقد لازم.

(1)

أقول لأنّ الدفن الثانى دفن مستقل غير مربوط بدفن الأوّل نعم لو كان الدفن الأوّل فى ضمن عقد لازم فليس له الرجوع.

***

[مسئلة 13: يكره إخفاء موت إنسان من أولاده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: يكره إخفاء موت إنسان من أولاده و أقربائه إلّا اذا كانت هناك جهة رجحان فيه.

(2)

أقول لدلالة جز عبد الرحمن بن سيّابة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 182

تكتموا موت ميّت من المؤمنين مات فى غيبته لتعتدّ زوجته و يقسم ميراثه «1».

***

[مسئلة 15: من الأمكنة التى يستحب الدفن فيها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: من الأمكنة التى يستحب الدفن فيها و يجوز النقل إليها الحرم و مكّة أرجع من ساير مواضعه و فى بعض الأخبار أنّ الدفن فى الحرم يوجب الأمن من الفزع الأكبر و فى بعضها استحباب نقل الميّت من عرفات إلى مكّة المعظّمة.

(1)

أقول لدلالة النصوص على ذلك راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 393 الباب 21 و الوسائل فى الباب 13 من ابواب الدفن.

***

[مسئلة 16: ينبغى للمؤمن إعداد قبر لنفسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: ينبغى للمؤمن إعداد قبر لنفسه سواء كان فى حال المرض أو الصحة و يرجّع أن يدخل قبره و يقرأ القرآن فيه.

(2)

أقول لم نجد نصا يدلّ على ذلك إلّا ما روى من فعل السيدة الجليلة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن المجتبى عليه السّلام كانت حفرت قبرها بيديها و صارت تنزل منه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 66 من ابواب الدفن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 183

و تصلّى و أنها قرأت فيه ستة آلاف ختمة.

***

[مسئلة 17: يستحب بذل الأرض لدفن المؤمن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: يستحب بذل الأرض لدفن المؤمن كما يستحب بذل الكفن له و إن كان غنيّا ففى الخبر من كفن مؤمنا كان كمن ضمّن كسوته الى يوم القيامة.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 12 من ابواب الدفن و الباب 26 من ابواب التكفين.

***

[مسئلة 18: يستحب المباشرة لحفر قبر المؤمن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: يستحب المباشرة لحفر قبر المؤمن ففى الخبر من حفر لمؤمن قبرا كان كمن بوّأه بيتا موافقا الى يوم القيامة.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 11 من ابواب الدفن.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 184

[مسئلة 19: يستحب مباشرة غسل الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: يستحب مباشرة غسل الميّت ففى الخبر كان فيما ناجى اللّه به موسى عليه السّلام ربّه قال يا ربّ ما لمن غسل الموتى فقال أغسله من ذنوبه كما ولدته أمه.

(1)

أقول راجع الباب 7 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

***

[مسئلة 20: يستحب للإنسان إعداد الكفن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يستحب للإنسان إعداد الكفن و جعله فى بيته و تكرار النظر إليه ففى الحديث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أعدّ الرجل كفنه كان مأجورا كلّما نظر إليه و فى خبر آخر لم يكتب من الغافلين و كان مأجورا كلّما نظر إليه.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 27 من ابواب التكفين.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 185

[فصل: في الأغسال المندوبة]

[فصل: في الأغسال المندوبة الزمانيَّة]
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 187

قوله رحمه اللّه

فصل فى الأغسال المندوبة و هى كثيرة و عدّ بعضهم سبعا و أربعين و بعضهم أنهاها إلى خمسين و بعضهم إلى أزيد من ستّين و بعضهم إلى سبع و ثمانين و بعضهم الى مائة و هى أقسام زمانيّة و مكانيّة و فعليّة إمّا للفعل الّذي يريد أن يفعل أو للفعل الّذي فعله و المكانيّة أيضا فى الحقيقة فعليّة لأنّها إمّا للدخول فى مكان أو للكون فيه أمّا الزمانيّة فأغسال أحدها غسل الجمعة و رجحانه من الضروريّات و كذا تأكّدا استحبابه معلوم من الشرع و الأخبار فى الحثّ عليه كثيرة و فى بعضها أنه يكون طهارة له من الجمعة الى الجمعة) «1» و فى آخر (غسل يوم الجمعة طهور و كفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة الى «2» الجمعة) و فى جملة منها التعبير بالوجوب ففى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

(2) الرواية 14 من الباب 6 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 188

الخبر (إنّه واجب على كلّ ذكر أو أنثى من عبد او حرّ) «1» و فى آخر عن غسل الجمعة فقال عليه السّلام (واجب

على كل ذكر و انثى من عبد او حرّ) «2» و فى ثالث (الغسل واجب يوم الجمعة) «3» و فى رابع قال الراوى كيف صار غسل الجمعة واجبا فقال عليه السّلام (إنّ اللّه أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة إلى أن قال و أتمّ وضوء النافلة بغسل يوم الجمعة) «4» و فى خامس لا يتركه إلّا فاسق) «5» و فى سادس عمّن نسيه حتّى صلّى قال عليه السّلام (إن كان فى وقت فعليه أن يغتسل و يعيد الصلاة و إن مضى الوقت فقد جازت صلاته) «6» الى غير ذلك و لذا ذهب جماعة الى وجوبه منهم الكلينى و الصدوق و شيخنا البهائى على ما نقل عنهم لكن الأقوى استحبابه و الوجوب فى الأخبار منزّل على تأكد الاستحباب و فيها قرائن كثيرة على إرادة هذا المعنى فلا ينبغى الإشكال فى عدم وجوبه و إن كان الأحوط عدم تركه.

[الاول غسل الجمعة]
[مسئلة 1: وقت غسل الجمعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثانى إلى الزوال و بعده إلى آخر يوم السبت قضاء لكن الأولى و الأحوط فيما بعد الزوال الى الغروب من يوم الجمعة أن ينوى القربة من

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 6 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 6 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 6 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

(4) الرواية 7 من الباب 6 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل و جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص ص 16.

(5) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأغسال المسنونة من مستدرك الوسائل.

(6) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص:

189

غير تعرّض للأداء و القضاء كما أنّ الأولى مع تركه إلى الغروب أن يأتى به بعنوان القضاء فى نهار السبت لا فى ليله و آخر وقت قضائه غروب يوم السبت و أحتمل بعضهم جواز قضائه الى آخر الأسبوع لكنّه مشكل نعم لا بأس به لا بقصد الورد بل برجاء المطلوبيّة لعدم الدليل عليه إلّا الرضوى الغير المعلوم كونه منه عليه السّلام.

(1)

أقول راجع الباب 11 من أبواب الأغسال المسنونة و الباب 10 من هذه الأبواب.

***

[مسئلة 2: يجوز تقديم غسل الجمعة يوم الخميس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز تقديم غسل الجمعة يوم الخميس بل ليلة الجمعة إذا خاف إعواز الماء يومها أمّا تقديمه ليلة الخميس فمشكل نعم لا بأس به مع عدم قصد الورد لكن احتمل بعضهم جواز تقديمه حتّى من أوّل الأسبوع أيضا و لا دليل عليه و اذا قدّمه يوم الخميس ثمّ تمكّن منه يوم الجمعة يستحب إعادته و إن تركه يستحب قضائه يوم السبت و أمّا إذا لم يتمكّن من أدائه يوم الجمعة فلا يستحبّ قضاؤه و إذا دار الأمر بين التقديم و القضاء فالاولى اختيار الأوّل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 190

(1)

أقول راجع الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة من الوسائل و الباب 3 من ابواب الأغسال المسنونة من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 18.

***

[مسئلة 3: يستحب أن يقول حين الاغتسال (أشهد أن ...)]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يستحب أن يقول حين الاغتسال (أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمدا عبده و رسوله اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمد و اجعلني من التوّابين و اجعلني من المتطهّرين).

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 12 من أبواب الأغسال المسنونة.

***

[مسئلة 4: لا فرق فى استحباب غسل الجمعة بين الرجل و المرأة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا فرق فى استحباب غسل الجمعة بين الرجل و المرأة و الحاضر و المسافر و الحرّ و العبد و من يصلّى الجمعة و من يصلّى الظهر بل الأقوى استحبابه للصبى المميّز نعم يشترط فى العبد إذن المولى إذا كان منافيا لحقّه بل الأحوط مطلقا و بالنسبة إلى الرجال آكد بلى فى بعض الأخبار رخصة تركه للنساء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 191

(1)

أقول ذلك لإطلاق الأدلة الدالة على استحباب غسل الجمعة و راجع الباب 16 و 2 و 17 من أبواب الأغسال المسنونة من الوسائل و الباب 1 من ابواب الأغسال المسنونة من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 9.

***

[مسئلة 5: يستفاد من بعض الأخبار كراهة تركه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يستفاد من بعض الأخبار كراهة تركه بل فى بعضها الأمر باستغفار التارك و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال فى مقام التوبيخ لشخص و اللّه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنّه لا تزال فى طهر الى الجمعة الاخرى.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 7 من ابواب الأغسال المسنونة

***

[مسئلة 6: إذا كان خوف فوت الغسل يوم الجمعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا كان خوف فوت الغسل يوم الجمعة لا لإعواز الماء بل لأمر آخر كعدم التمكّن من استعماله أو لفقد عوض الماء مع وجوده فلا يبعد جواز تقديمه أيضا يوم الخميس و إن كان الأولى عدم قصد الخصوصيّة و الورد بل الإتيان برجاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 192

المطلوبية.

(1)

أقول ما قال السيد المؤلف رحمه اللّه من أنّ الأولى عدم قصد الخصوصية و الورود و الإتيان به برجاء المطلوبيّة تمام لعدم الدليل على جواز التقديم إلّا فى إعواز الماء.

***

[مسئلة 7: إذا شرع فى الغسل يوم الخمسين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا شرع فى الغسل يوم الخمسين من جهة خوف إعواز الماء يوم الجمعة فتبيّن فى الأثناء وجوده و تمكّنه منه يومها بطل غسله و لا يجوز إتمامه بهذا العنوان و العدول منه الى غسل آخر مستحب إلّا اذا كان من الأول قاصدا للأمرين.

(2)

أقول ما قاله السيد رحمه اللّه تمام لانكشاف عدم كون هذا الغسل مأمورا به فلا يجوز إتمامه و لا العدول الى غيره إلّا إذا كان قاصدا لهما من الأوّل.

***

[مسئلة 8: الأولى إتيانه قريبا من الزوال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: الأولى إتيانه قريبا من الزوال و إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 193

يجزى من طلوع الفجر إليه كما مرّ.

(1)

أقول راجع الباب 11 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

*** قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: ذكر بعض العلماء أنّ فى القضاء كلّما كان أقرب الى وقت الأداء كان أفضل فاتيانه فى صبيحة السبت أولى من اتيانه عند الزوال منه او بعده و كذا فى التقديم فعصر يوم الخميس أولى من صبحه و هكذا و لا يخلو عن وجه و ان لم يكن واضحا و أمّا افضليّة ما بعد الزوال من يوم الجمعة من يوم السبت فلا اشكال فيه و ان قلنا بكونه قضاء كما هو الأقوى.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه لا بأس به.

*** قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا نذر غسل الجمعة وجب عليه و مع تركه عمدا تجب الكفّار و الأحوط قضائه يوم السبت و كذا اذا تركه سهوا أو لعدم التمكّن منه فانّ الأحوط قضائه و أمّا الكفارة فلا تجب الّا مع التعمد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 194

(1)

أقول أمّا فى صورة الترك سهوا أو لعدم التمكّن

فيحسن الاحتياط بالقضاء و لا ينبغى تركه منه.

***

[مسئلة 11: اذا اغتسل بتخيّل يوم الخميس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا اغتسل بتخيّل يوم الخميس بعنوان التقديم أو بتخيل يوم السبت بعنوان القضاء فتبيّن كونه يوم الجمعة فلا يبعد الصحة خصوصا اذا قصد الأمر الواقعى و كان الاشتباه فى التطبيق و كدا اذا اغتسل بقصد يوم الجمعة فتبيّن كونه يوم الخميس مع خوف الاعواز أو يوم السبت و أمّا لو قصد غسلا آخرا غير غسل الجمعة أو قصد الجمعة فتبيّن كونه مأمورا لغسل آخر ففى الصحة اشكال الّا اذا قصد الأمر الفعلىّ الواقعىّ و كان الاشتباه فى التطبيق.

(2)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 12: غسل الجمعة لا ينقض بشي ء من الحدث الأصغر و الأكبر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: غسل الجمعة لا ينقض بشي ء من الحدث الأصغر و الأكبر اذا المقصود ايجاده يوم الجمعة و قد حصل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 195

(1)

أقول راجع الباب 11 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل.

***

[مسئلة 13: الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض بل لا يبعد اجزائه عن غسل الجنابة بل عن غسل الحيض اذا كان بعد انقطاع الدم.

(2)

أقول لاطلاق أدلة الغسل لأنّه يشمل الجنب و الحائض و أمّا اجزائه عن غسل الجنابة بل عن غسل الحيض فليس له الدليل راجع الجزء السابع من كتابنا هذا ص 370 و ص 367.

***

[مسئلة 14: اذا لم يقدر على الغسل لفقد الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا لم يقدر على الغسل لفقد الماء أو غيره يصحّ التيمم و يجزى نعم لو تمكّن من الغسل قبل خروج الوقت فالأحوط الاغتسال لادراك المستحب.

(3)

أقول الظاهر عدم صحة التيمم و يأتى حكمه ان شاء اللّه فى مبحث التيمم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 196

[الثانى: من الأغسال الزمانيّة أغسال ليالى شهر رمضان]
اشارة

الثانى: من الأغسال الزمانيّة أغسال ليالى شهر رمضان يستحب الغسل فى ليالى الأفراد من شهر رمضان و تمام ليالى العشر الأخيرة و يستحب فى ليلة الثالث و العشرين غسل آخر فى آخر الليل و أيضا يستحب الغسل فى اليوم الأوّل منه فعلى هذا الأغسال المستحبة فيه اثنان و عشرون و قيل باستحباب الغسل فى جميع لياليه حتى ليالى الأزواج و عليه يصير اثنان و ثلاثون و لكن لا دليل عليه لكن الإتيان لأحتمال المطلوبيّة فى ليالى الأزواج من العشرين الأوليين لا بأس به و الآكد منها ليالى القدر و ليلة النصف و ليلة سبعة عشر و الخمس و عشرين و السبع و عشرين و التسع و عشرين منه.

(1)

أقول راجع الباب 14 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل و الباب 4 من ابواب الأغسال المسنونة من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 20.

***

[مسئلة 15: يستحب أن يكون الغسل فى الليلة الأولى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: يستحب أن يكون الغسل فى الليلة الأولى و اليوم الأوّل من شهر رمضان فى الماء الجارى كما أنّه يستحبّ أن يصبّ على رأسه قبل الغسل أو بعده ثلاثين كفا من الماء ليأمن من حكة البدن و لكنى لا دخل لهذا العمل بالغسل بل هو مستحب مستقلّ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 197

(1)

أقول راجع البابين المذكورين فى المسألة المتقدمة من الوسائل و جامع أحاديث الشيعة.

***

[مسئلة 16: وقت غسل الليالى تمام الليل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: وقت غسل الليالى تمام الليل و ان كان الأولى اتيانها أوّل الليل بل الأولى اتيانها قبل الغروب أو مقارنا له ليكون على غسل من أوّل الليل الى آخره نعم لا يبعد فى ليال العشر الأخيرة رجحان اتيانها بين المغرب و العشاء لما نقل من فعل النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و قد مرّ أنّ الغسل الثانى فى ليلة الثالثة و العشرين فى آخره.

(2)

أقول راجع البابين المذكورين فى الغسل الثانى من الوسائل و جامع أحاديث الشيعة.

***

[مسئلة 17: اذا ترك الغسل الأوّل فى الليلة الثالثة و العشرين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا ترك الغسل الأوّل فى الليلة الثالثة و العشرين فى أوّل الليل لا يبعد كفاية الغسل الثانى عنه و الأولى أن يأتى بهما آخر الليل برجاء المطلوبيّة خصوصا مع الفصل بينهما و يجوز اتيان غسل واحد بعنوان التداخل و قصد الأمرين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 198

[مسئلة 18: لا تنقض هذه الأغسال أيضا بالحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: لا تنقض هذه الأغسال أيضا بالحدث الأكبر و الأصغر كما فى غسل الجمعة.

(1)

أقول راجع البابين المذكورين فى الغسل الثاني من الوسائل و جامع أحاديث الشيعة.

***

[الثالث: غسل يومى العيدين]

الثالث: غسل يومى العيدين الفطر و الأضحى و هو من السنن المؤكدة حتى أنّه ورد فى بعض الأخبار (أنّه لو نسى غسل يوم العيد حتى صلّى ان كان فى وقت فعليه أن يغتسل و يعيد الصلاة و ان مضى الوقت فقد جازت صلاته) «1» و فى خبر آخر عن غسل الأضحى فقال عليه السّلام (واجب الّا بمنى) «2» و هو منزّل على تأكّد الاستحباب لصراحة جملة من الأخبار فى عدم وجوبه و وقته بعد الفجر الى الزوال و يحتمل. الى الغروب و الأولى عدم نيّة الورد اذا أتى به بعد الزوال كما أنّ الأولى اتيانه قبل صلاة العيد لتكون مع الغسل و يستحب فى غسل عيد الفطر أن يكون فى نهر و مع عدمه أن يباشر بنفسه الاستقاء بتجشّع و أن يغتسل تحت الضلال أو تحت حائط و يبالغ فى التستر و أن يقول عند ارادته (اللّهمّ ايمانا

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 16 من ابواب الاغسال المسنونه من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب الاغسال المسنونة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 199

بك و تصديقا بكتابك و اتّباع سنة نبيّك: ثمّ يقول (بسم اللّه:

و يغتسل و يقول بعد الغسل (اللّهمّ اجعله كفارة لذنوبى و طهورا لدينى (و طهّر دينى: اللّهمّ اذهب عنّى الدنس: و الأولى اعمال هذه الآداب فى غسل يوم الأضحى أيضا لكن لا بقصد الورد لاختصاص النص بالفطر و كذا يستحبّ الغسل فى ليلة الفطر و وقته من

اولها الى الفجر و الأولى اتيانه أوّل الليل و فى بعض الأخبار (اذا غربت الشمس فاغتسل: و الأولى اتيانه ليلة الأضحى أيضا لا بقصد الورد لاختصاص النص بليلة الفطر

(1)

أقول راجع الباب 15 و 16 و 17 من ابواب الأغسال المسنونة من الوسائل و الباب 5 من أبواب الأغسال المسنونة من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 25 الى 28.

***

[الرابع: غسل يوم التروية]

الرابع: غسل يوم التروية و هو الثامن من ذى الحجة و وقته تمام اليوم.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة ج 11.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 200

[الخامس: غسل يوم عرفه]

الخامس: غسل يوم عرفه و هو أيضا ممتد الى الغروب و الأولى عند الزوال منه و لا فرق فيه بين من كان فى عرفات أو ساير البلدان.

(1)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 25 الباب 5 و الوسائل الباب من ابواب الأغسال المسنونة.

***

[السادس: غسل أيام من رجب]

السادس: غسل أيام من رجب و هى أوّله و وسطه و آخره و يوم السابع و العشرين منه و هو يوم المبعث و وقتها من الفجر الى الغروب و عن الكفعمى و المجلسى استحبابه فى ليلة المبعث أيضا و لا بأس به لا بقصد الورد.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 22 من ابواب الأغسال المسنونة.

***

[السابع: غسل يوم الغدير]

السابع: غسل يوم الغدير و الأولى اتيانه قبل الزوال منه.

(3)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 29 و الوسائل الباب 28 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 201

أبواب الأغسال المسنونة.

***

[الثامن: يوم المباهلة]

الثامن: يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذى الحجة على الأقوى و ان قيل أنّه يوم الحادى و العشرين و قيل هو يوم الخامس و العشرين و قيل انّه السابع و العشرون و لا بأس بالغسل فى هذه الأيام لا بقصد الورد.

(1)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 29 ح 3.

***

[التاسع: يوم النصف من شعبان]

التاسع: يوم النصف من شعبان.

(2)

أقول الوارد غسل ليلة نصف الشعبان راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 29.

***

[العاشر: يوم المولود]

العاشر: يوم المولود و هو السابع عشر من ربيع الأوّل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 202

(1)

أقول ينبغى اتيانه رجاء لما من المرسل.

***

[الحادى عشر: يوم النيروز]

الحادى عشر: يوم النيروز.

[الثانى عشر: يوم التاسع من ربيع الاول]

الثانى عشر: يوم التاسع من ربيع الاول.

(2)

أقول راجع الباب 6 من كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 28 ح 2 من أبواب الأغسال المسنونة و الوسائل الباب 23 و 24 و 28 من ابواب الاغسال المسنونة لكلى الأمرين.

***

[الثالث عشر: يوم دحو الأرض]

الثالث عشر: يوم دحو الأرض و هو الخامس و العشرين من ذى القعدة.

(3)

أقول لا بأس باتيانه رجاء.

***

[الرابع عشر: كل ليلة من ليالى الجمعة]
اشارة

الرابع عشر: كل ليلة من ليالى الجمعة على ما قيل بل فى كل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 203

زمان شريف على ما قاله بعضهم و لا بأس بهما لا بقصد الورد

(1)

أقول ينبغى إتيانهما برجاء المطلوبيّة لعدم دليل عليهما

***

[مسئلة 19: لا قضاء للأغسال الزمانيّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: لا قضاء للأغسال الزمانيّة اذا جاز وقتها كما لا تتقدّم على زمانها مع خوف عدم التمكّن منها فى وقتها الّا غسل الجمعة كما مرّ لكن عن المفيد استحباب قضاء يوم عرفة فى الأضحى و عن الشهيد استحباب قضائها أجمع كذا تقديمها مع خوف عدم التمكّن منها فى وقتها و وجه الأمرين غير واضح لكن لا بأس بهما لا بقصد الورد

[مسئلة 20: ربّما قيل يكون الغسل مستحبا نفسيّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: ربّما قيل يكون الغسل مستحبا نفسيّا فيشرع الاتيان به فى كلّ زمان من غير نظر الى سبب او غاية و وجهة غير واضح و لا بأس به لا بقصد الورد

(2)

اقول الكلام فيهما ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 205

فصل: في الأغسال المكانية
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 207

قوله رحمه اللّه

فصل فى الأغسال المكانية أى الّذي يستحبّ عند إرادة الدخول فى مكان و هى الغسل لدخول حرم مكّة و للدخول فيها و لدخول مسجدها و كعبتها و لدخول حرم المدينة و للدخول فيها و لدخول مسجد النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و كذا للدخول فى سائر المشاهد المشرّفة للأئمّة عليهم السّلام و وقتها قبل الدخول عند ارادته و لا يبعد استحبابها بعد الدخول للكون فيها اذا لم يغتسل قبله كما لا يبعد كفاية غسل واحد فى أوّل اليوم او أوّل الليل للدخول الى آخره بل لا يبعد عدم الحاجة الى التكرار مع التكرار كما انّه لا يبعد جواز التداخل أيضا فيما لو أراد دخول الحرم و مكّة و المسجد و الكعبة فى ذلك اليوم فيغتسل غسلا واحدا للجميع و كذا بالنسبة الى المدينة و حرمها و مسجدها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 208

(1)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 32 الى 35 الباب 9 من ابواب الأغسال المسنونة.

و أمّا الغسل لدخول المشاهدة المشرفة ينبغى اتيانه برجاء المطلوبيّة.

***

[مسئلة 1: حكى عن بعض العلماء استحباب الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: حكى عن بعض العلماء استحباب الغسل عند إرادة الدخول فى كل مكان شريف و وجهه غير واضح و لا بأس به لا بقصد الورد

(2)

أقول بل برجاء المطلوبيّة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 211

[فصل فى الأغسال الفعليّة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى الأغسال الفعليّة و قد مرّ أنها قسمان:

[القسم الأوّل: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الّذي يريد أن يفعله]

القسم الأوّل: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الّذي يريد أن يفعله و هى أغسال.

أحدها: للاحرام و عن بعض العلماء وجوبه.

الثانى: للطواف سواء كان طواف الحج أو العمرة أو طواف النساء بل للطواف المندوب أيضا.

الثالث: للوقوف بعرفات.

الرابع: للوقوف بالمشعر.

الخامس: للذبح و النحر.

السادس: للحلق و عن بعضهم استحبابه لرمى الجمار أيضا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 212

السابع: لزيارة أحد المعصومين عليهم السّلام من قريب أو بعيد.

الثامن: لرؤية أحد الأئمة عليهم السّلام فى المنام كما نقل عن موسى بن جعفر عليه السّلام أنّه اذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال و يناجيهم فيراهم فى المنام.

التاسع: لصلاة الحاجة بل لطلب الحاجة مطلقا.

العاشر: لصلاة الاستخارة بل للاستخارة مطلقا و لو من غير صلاة.

الحادى عشر: لعمل الاستفتاح المعروف بعمل أمّ داود.

الثانى عشر: لأخذ تربة قبر الحسين عليه السّلام.

الثالث عشر: لارادة السفر خصوصا لزيارة الحسين عليه السّلام.

الرابع عشر: لصلاة الاستسقاء بل له مطلقا.

الثامن عشر: للتوبة من الكفر الأصليّ أو الارتداديّ بل من الفسق بل من الصغيرة أيضا على وجه.

السادس عشر: للتظلم و الاشتكاء الى اللّه من ظلم ظالم ففى الحديث عن الصادق عليه السّلام ما مضمونه اذا ظلمك أحد فلا تدع عليه فانّ المظلوم قد يصير ظالما بالدعاء على من ظلمه لكن اغتسل و صلّ ركعتين تحت السماء ثمّ قل (اللّهمّ انّ فلان بن فلان ظلمنى و ليس لى أصول به عليه غيرك فاستوف لى ظلامتى الساعة الساعة بالاسم الّذي اذا سألك به المضطرّ أجبته فكشفت ما به من ضرّ و مكّنت له فى الأرض و جعلته خليفتك على خلقك فأسألك أن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص:

213

تصلّى على محمد و آل محمد و أن تستو فى ظلامتى الساعة الساعة: فسترى ما تحب.

السابع عشر: للأمن من الخوف من ظالم فيغتسل و يصلّى ركعتين و يحسر عن ركبتيه و يجعلهما قريبا من مصلاه و يقول مائة مرّة (يا حىّ يا قيّوم يا حىّ لا إله الّا أنت برحمتك استغيث فصلّ على محمّد و آل محمّد و أغثنى الساعة الساعة) ثمّ يقول (أسألك أن تصلّى على محمّد و آل محمّد و أن تلطّف بى و أن تغلب لى و أن تمكر لى و أن تخدع لى و أن تكفينى مئونة فلان بن فلان بلا مئونة) و هذا دعاء النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم أحد.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 1 من ابواب الأغسال المسنونة و الباب 18 و الباب 20 و الباب 29.

من جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 31 الى 35 و الباب 1 ص 9 و الباب 8 و 9.

*** الثامن عشر: لدفع النازلة يصوم الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر و عند الزوال من الأخير يغتسل.

التاسع عشر: للمباهلة مع من يدّعى باطلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 214

(1)

أقول راجع الكافى نقلا عن الصادق عليه السّلام فى خبر ابى مسروق.

*** العشرون: لتحصيل النشاط للعبادة او لخصوص صلاة الليل فعن فلاح السائل أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان يغتسل فى الليالى الباردة لأجل تحتصل النشاط لصلاة الليل.

الحادى و العشرون: لصلاة الشكر.

الثانى و العشرون: لتغسيل الميّت و تكفينه.

الثالث و العشرون: للحجامة على ما قيل و لكن قيل انّه لا دليل عليه و لعلّه مصحّف الجمعة.

الرابع و العشرون: لارادة العود الى الجماع لما نقل عن الرسالة الذهبيّة

انّ الجماع بعد الجماع بدون الفصل بالغسل يوجب جنون الولد لكن يحتمل أن يكون المراد غسل الجنابة بل هو الطاهر.

الخامس و العشرون: الغسل لكل عمل يتقرّب به الى اللّه كما حكى عن ابن جنيد و وجهه غير معلوم و ان كان الاتيان به لا بقصد الورد لا بأس به.

(2)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 32 الى 35 لهذه الأمور الثلاثة و راجع الوسائل الباب 1 من ابواب الأغسال المسنونة الرواية 11.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 215

[القسم الثانى: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الّذي فعله]
اشارة

القسم الثانى: ما يكون مستحبا لأجل الفعل الّذي فعله و هى أيضا أغسال:

[أحدها: غسل التوبة]

أحدها: غسل التوبة على ما ذكره بعضهم من أنّه من جهة المعاصى الّتي ارتكبها أو بناء على أنّه بعد الندم الّذي هو حقيقة التوبة لكنّ الظاهر أنّه من القسم الأوّل كما ذكر هناك و هذا هو الظاهر من الأخبار و من كلمات العلماء و يمكن أن يقال انّه ذو جهتين فمن حيث انّه بعد المعاصى و بعد الندم يكون من القسم الثانى و من حيث انّ تمام التوبة بالاستغفار يكون من الاوّل.

و خبر مسعدة بن زياد فى خصوص استماع الغناء فى الكنيف و قول الامام عليه السّلام له فى آخر الخبر (قم فاغتسل فصلّ ما بدا لك) و يمكن توجيهه بكل من الوجهين و الأظهر أنّه لسرعة قبول التوبة أو لكما لها.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 18 من ابواب الأغسال المسنونة.

***

[الثانى: الغسل لقتل الوزع]

الثانى: الغسل لقتل الوزع و يحتمل أن يكون للشكر على توفيقه لقتله حيث إنّه حيوان خبيث و الأخبار فى ذمّة من الطرفين كثيرة ففى النبوّي (اقتلوا الوزع و لو فى جوف الكعبة) و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 216

فى آخر (من قتله فكأنّما قتل شيطانا)

و يحتمل أن يكون لأجل حدوث قذارة من المباشرة لقتله

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 19 من ابواب الأغسال المسنونة

***

[الثالث: غسل المولود]

الثالث: غسل المولود و عن الصدوق و ابن حمزة وجوبه لكنّه ضعيف و وقته من حين الولادة حينا عرفيا فالتأخير الى يومين أو ثلاثة لا يضرّ و قد يقال الى سبعة أيّام و ربّما قيل ببقائه الى آخر العمر و الأولى على تقدير التأخير عن حين

العرفى الاتيان برجاء المطلوبية

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 27 من ابواب الأغسال المسنونة

***

[الرابع: الغسل لرؤية المصلوب]

الرابع: الغسل لرؤية المصلوب و ذكروا أنّ استحبابه مشروط بأمرين:

أحدهما: أن يمشى لينظر إليه متعمّدا فلو اتفق نظره أو كان مجبورا لا يستحبّ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 217

الثانى: أن يكون بعد ثلاثة أيّام اذا كان مصلوبا بحقّ لا قلبها بخلاف ما اذا كان مصلوبا بظلم فانّه يستحبّ معه مطلقا و لو كان فى اليومين الأوّلين لكنّ الدليل على الشرط الثانى غير معلوم الّا دعوى الانصراف و هى محلّ منع نعم الشرط الأوّل ظاهر الخبر و هو من قصد الى مصلوب فنطر إليه وجب عليه الغسل عقوبة و ظاهره أنّ من مشى إليه لغرض صحيح كأداء الشهادة أو تحمّلها لا يثبت فى حقّه الغسل.

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 19 من ابواب الأغسال المسنونة.

***

[الخامس: غسل من فرّط فى صلاة الكسوفين]

الخامس: غسل من فرّط فى صلاة الكسوفين مع احتراق القرص أى تركها عمدا فانّه يستحبّ أن يغتسل و يقضيها و حكم بعضهم بوجوبه و الأقوى عدم الوجوب و ان كان الأحوط عدم تركه و الظاهر أنّه مستحب نفسىّ بعد التفريط المذكور و لكن يحتمل أن يكون لأجل القضاء كما هو مذهب جماعة فالأولى الاتيان به بقصد القربة لا بملاحظة غاية أو سبب و اذا لم يكن الترك عن تفريط او لم يكن القرص محترقا لا يكون مستحبا و ان قيل باستحبابه مع التعمد مطلقا قيل باستحبابه مع احتراق القرص مطلقا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 218

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 25 من ابواب الأغسال المسنونة و جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 29 الباب 7.

***

[السادس: غسل المرأة اذا تطيّبت لغير زوجها]

السادس: غسل المرأة اذا تطيّبت لغير زوجها ففى الخبر

(أيّما امرأة تطيبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها) و احتمال كون المراد غسل الطيب من بدنها كما عن صاحب الحدائق بعيد لا داعى إليه.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 30 من ابواب الأغسال المسنونة.

***

[السابع: غسل من شرب مسكرا]

السابع: غسل من شرب مسكرا فنام ففى الحديث عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما مضمونه (ما من أحد نام على سكر الّا صار عروسا للشيطان الى الفجر فعليه أن يغتسل غسل الجنابة).

(3)

أقول راجع جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 30 ح 4

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 219

[الثامن: غسل من مسّ ميّتا]

الثامن: غسل من مسّ ميّتا بعد غسله.

(1)

أقول يدلّ عليه رواية عمّار الساباطى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال يغتسل الّذي غسل الميّت و كل من مسّ ميّتا فعليه الغسل و ان كان الميّت قد غسل «1».

المحمول على الاستحباب بقرينة الرواية 1 و 2 من هذا الباب.

***

[مسئلة 1: حكى عن المفيد استحباب الغسل لمن صبّ عليه ماء مظنون النجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: حكى عن المفيد استحباب الغسل لمن صبّ عليه ماء مظنون النجاسة و لا وجه له و ربّما يعدّ من الأغسال المسنونة غسل المجنون اذا أفاق و دليله غير معلوم و ربّما يقال انّه من جهة احتمال جنابته حال جنونه لكن على هذا يكون من غسل الجنابة الاحتياطيّة فلا وجه لعدّها منها كما لا وجه لعدّ اعادة الغسل لذوى الأعذار المغتسلين حال العذر غسلا ناقصا مثل الجبيرة و كذا عدّ غسل من رأى الجنابة فى الثوب المشترك احتياطا فانّ هذه ليست من الأغسال المسنونة.

(2)

أقول ما قاله رحمه اللّه تمام.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب غسل المسّ من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 220

[مسئلة 2: وقت الأغسال المكانيّة قبل الدخول فيها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: وقت الأغسال المكانيّة كما مرّ سابقا قبل الدخول فيها أو بعده لارادة البقاء على وجه و يكفى الغسل فى أوّل اليوم ليومه و فى أوّل الليل لليلة بل لا يخلو كفاية غسل الليل للنّهار و بالعكس من قوّة و ان كان دون الأوّل فى الفضل و كذا

القسم الأوّل من الأغسال الفعليّة وقتها قبل الفعل على الوجه المذكور و أمّا القسم الثانى منها فوقتها بعد تحقّق الفعل الى آخر العمر و ان كان الظاهر اعتبار اتيانها فورا ففورا

(1)

أقول ما أفاده رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 3: ينتقض الأغسال الفعليّة بالحدث الأصغر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: ينتقض الأغسال الفعليّة من القسم الأوّل و المكانيّة بالحدث الأصغر من أىّ سبب كان حتّى من النوم على الأقوى و يحتمل عدم انتقاضها بها مع استحباب اعادتها كما عليه بعضهم لكنّ الظاهر ما ذكرنا

(2)

أقول ما قاله رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 4: الأغسال المستحبّة لا تكفى عن الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الأغسال المستحبّة لا تكفى عن الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 221

فلو كان محدثا يجب أن يتوضّأ للصلاة و نحوها قبلها أو بعدها و الأفضل قبلها و يجوز اتيانه فى أثنائها اذا جي ء بها ترتيبا

(1)

أقول راجع الجزء السابع من كتابنا هذا ص 239 الى 244 حيث قلنا بأن الأحوط وجوبا هو الوضوء مع الأغسال غير غسل الجنابة

***

[مسئلة 5: اذا كان عليه أغسال متعدّدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا كان عليه أغسال متعدّدة زمانيّة أو مكانيّة أو فعليّة أو مختلفة يكفى غسل واحد عن الجميع اذا نواها جميعا بل لا يبعد كون التداخل قهريّا لكن يشرط فى الكفاية القهريّة أن يكون ما قصده معلوم المطلوبيّة لا ما كان يؤتى به بعنوان احتمال المطلوبيّة لعدم معلوميّة كونه غسلا صحيحا حتّى يكون مجزيّا عمّا هو معلوم المطلوبيّة

(2)

أقول راجع الجزاء السابع من كتابنا هذا ص 358 الى 370

و راجع الوسائل الباب 31 من ابواب الأغسال المسنونة ح 1

و هى رواية زرارة قال اذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجرأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة فاذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 222

[مسئلة 6: نقل من جماعة استحباب الغسل نفسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: نقل من جماعة كالمفيد و المحقّق و العلّامة و الشهيد و المجلسىّ استحباب الغسل نفسا و لو لم يكن هناك غاية مستحبّة أو مكان أو زمان و نظرهم فى ذلك الى مثل قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1» و قوله عليه السّلام (ان استطعت أن تكون بالليل و النّهار على طهارة فافعل) و قوله (و أىّ وضوء أطهر من الغسل) (و أىّ وضوء أنقى من الغسل) و مثل ما ورد من استحباب الغسل بماء الفرات من دون ذكر سبب او غاية «2» الى غير ذلك لكن اثبات المطلب بمثلها مشكل.

(1)

أقول راجع الجزء السابع من كتابنا هذا ص 170

***

[مسئلة 7: يقوم التيمّم مقام الغسل فى جميع ما ذكر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يقوم التيمّم مقام الغسل فى جميع ما ذكر عند عدم التمكّن منه.

(2)

أقول يأتى حكمه فى الفصل التالى ان شاء اللّه.

***

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 222.

(2) الرواية 3 من الباب 9 من ابواب سائر الاغسال المسنونة من جامع احاديث الشيعة، ج 3، ص 33.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 223

[فصل فى التيمّم]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى التيمّم

[فصل فى بيان المسوغات للتيمّم]
اشارة

و يسوغه العجز عن استعمال الماء و هو يتحقّق بامور:

أحدها: عدم وجدان الماء بقدر الكفاية للغسل أو الوضوء فى سفر كان أو حضر و وجدان المقدار الغير الكافى كعدمه و يجب الفحص عنه الى اليأس اذا كان فى الحضر و فى البرّيّة يكفى الطلب غلوة سهم فى الحزنة و لو لأجل الأشجار و غلوة سهمين فى السهلة فى الجوانب الأربع بشرط احتمال وجود الماء فى الجميع و مع العلم بعدمه فى بعضها يسقط فيه و مع العلم بعدمه فى الجميع يسقط فى الجميع كما أنّه لو علم وجوده فوق المقدار وجب طلبه مع بقاء الوقت و ليس الظنّ به كالعلم فى وجوب الأزيد و ان كان أحوط خصوصا اذا كان بحدّ الاطمينان بل لا يترك فى هذه الصورة فيطلب الى أن يزول ظنّه و لا عبرة بالاحتمال فى الأزيد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 224

[الاول من المسوغات عدم وجدان الماء]
اشارة

(1)

أقول أمّا كون عدم وجدان الماء مسوغا للتيمّم فلدلالة قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* «1» و هو يصدق بعدم وجدانه أصلا أو عدم وجدانه بقدر الكفاية للغسل أو الوضوء لأنّ وجدان الماء الغير الكافى لأحدهما كعدمه.

أمّا عدم الفرق بين الحضر و السفر فلا طلاق الدليل.

و أمّا وجوب الفحص فى الحضر عنه لأنّ مع احتمال وجوده يحكم العقل بالفحص عنه.

و كون حد الفحص الى اليأس لانّه حجة عند العقلاء فى الموارد الّتي لا يمكن العلم به غالبا و الشارع لم يردع عنه و المراد من اليأس هنا الاطمينان لأنّه علم عرفى.

و فى البريّة يكفى الطلب بمقدار غلوة سهم فى الحزنة و غلوة سهمين فى السهلة مضافا الى دعوى الاجماع عليه يدلّ عليه رواية السكونى عن

جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام أنّه قال يطلب الماء فى السفر ان كانت الحزونة فغلوة و ان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك «2».

و مقتضى الرواية وجوب الفحص بهذا المقدار فى الجوانب الأربعة.

و شرطه احتمال وجود الماء فمع العلم بعدم وجوده فى الجوانب الأربعة أو فى بعضها قلا يجب الفحص عنه فى تمام الجوانب او البعض الّذي يعلم بعدم وجود الماء فيه.

كما أنّه لو علم وجوده فى الازيد من هذا المقدار وجب طلبه فى صورة بقاء الوقت لأنّ العقل حاكم بذلك و أنّ التحديد الوارد فى الرواية من باب الغالب من أنّ

______________________________

(1) سورة 5، الآية 6؛ سورة 4، الآية 43.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 225

الشخص اذا فحص هذا المقدار اطمئنّ بعدم وجود الماء و ليس لهذا المقدار موضوعيّة بحيث لو علم بوجوده فى المقدار الزائد عليه لا يجب الفحص عنه.

فكما قال السيد المؤلف رحمه اللّه ليس الظنّ بوجود الماء فى الأزيد من المقدار المذكور فى الرواية كالعلم فلا يحب الفحص لأجل الظنّ و ان كان لا ينبغى ترك الفحص فى هذا الحال أمّا فى صورة الاطمينان بوجود الماء فى الأزيد فيحب الفحص عنه.

و أمّا لو احتمل وجوده فى الأزيد فلا عبرة به.

***

[مسئلة 1: اذا شهد عدلان بعدم الماء فى جميع الجوانب أو بعضها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا شهد عدلان بعدم الماء فى جميع الجوانب أو بعضها سقط وجوب الطلب فيها أو فيه و ان كان الأحوط عدم الاكتفاء و فى الاكتفاء بالعدل الواحد اشكال فلا يترك الاحتياط بالطلب.

(1)

أقول قد مضى منّا بأنّ البيّنة مطلقا حجة و حالها حال العلم فكما لا يحتاج فى صورة

العلم بعدم الماء الى الفحص فكذلك فى صورة قيام البيّنة و أمّا العدل الواحد فلا يكتفى بشهادته بل يجب الفحص بالمقدار المذكور فى الرواية.

***

[مسئلة 2: الظاهر وجوب الطلب فى الأزيد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الظاهر وجوب الطلب فى الأزيد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 226

المقدارين اذا شهد عدلان بوجوده فى الأزيد و لا يترك الاحتياط فى شهادة عدل واحد به.

(1)

أقول حكم هذه المسألة يظهر من المسألة السابقة فيجب الفحص فى صورة شهادة عدلين و لا يجب فى صورة شهادة عدل واحد.

***

[مسئلة 3: الظاهر كفاية الاستنابة فى الطب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الظاهر كفاية الاستنابة فى الطب و عدم وجوب المباشرة بل لا يبعد كفاية نائب واحد عن جماعة و لا يلزم كونه عادلا بعد كونه أمينا موثّقا.

(2)

أقول بعد كون الفحص لتبيّن حال المكلف من كونه مكلفا بالطهارة الترابية أو المائيّة فلا فرق فى ذلك بين كون المباشر للفحص نفس المصلّى أو نائبه و لا فرق أيضا بين كون النائب نائبا عن شخص واحد أو عن جماعة و الميزان حصول الاطمينان بقول النائب حىّ يتبين وظيفة المكلف.

***

[مسئلة 4: اذا احتمل وجود الماء فى رحله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا احتمل وجود الماء فى رحله أو فى منزله أو فى القافلة وجب الفحص حتّى يتيقّن العدم أو يحصل اليأس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 227

منه فكفاية المقدارين خاص بالبريّة.

(1)

أقول حكم هذا المسافر حكم الحاضر فيجب الفحص مع احتمال وجود الماء فى المنزل أو فى رحله حتّى يتيقّن بعدم وجود الماء أو اطمأنّ لانّ المدار على احتمال الماء فمع احتماله يجب الفحص و لا عبرة بالمقدارين المذكورين فى الرواية.

***

[مسئلة 5: اذا طلب قبل دخول وقت الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا طلب قبل دخول وقت الصلاة و لم يجد ففى كفايتة بعد دخول الوقت مع احتمال العثور عليه لو أعاده اشكال فلا يترك بالإعادة و أمّا مع انتقاله عن ذلك المكان فلا اشكال فى وجوبه مع الاحتمال المذكور.

(2)

أقول حكم المسألة ما قاله السيد رحمه اللّه و أمّا فى فرض الانتقال من المكان الّذي تفحص فيه فلم يجد الماء الى مكان آخر فيجب الفحص فيه مع احتمال وجود الماء لأنّ هذا المكان موضوع آخر لوجوب الفحص فيه مع احتمال وجود الماء.

***

[مسئلة 6: اذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة فلم يجد يكفى لغيرها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة فلم يجد يكفى لغيرها من الصلوات فلا يجب الاعادة عند كل صلاة ان لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 228

يحتمل العثور مع الاعادة و الّا فالأحوط الاعادة.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 7: المناط فى السهم و الرمى و القوس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: المناط فى السهم و الرمى و القوس و الهواء و الرامى هو المتعارف المعتدل الوسط فى القوّة و الضعف.

(2)

أقول كما فى ساير الموارد من الموضوعات.

***

[مسئلة 8: يسقط وجوب الطلب فى ضيق الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يسقط وجوب الطلب فى ضيق الوقت.

(3)

أقول لأهميّة حفظ الوقت.

***

[مسئلة 9: اذا ترك الطلب حتّى ضاق الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا ترك الطلب حتّى ضاق الوقت عصى لكن الأقوى صحة صلاته حينئذ و ان علم أنّه لو طلب لعثر لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 229

الأحوط القضاء خصوصا فى الفرض المذكور.

(1)

أقول أمّا صحة الصلاة فلأنّ وظيفته فى هذا الوقت الصلاة مع الطهارة الترابيّة و الفرض أنّه قد أتى بها و لكن الاحوط كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه القضاء خصوصا فى الفرض المذكور.

***

[مسئلة 10: اذا ترك الطلب فى سعة الوقت و صلّى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا ترك الطلب فى سعة الوقت و صلّى بطلت صلاته و ان تبيّن عدم وجود الماء نعم لو حصل منه قصد القربة مع تبيّن عدم الماء فالأقوى صحتها.

(2)

أقول لأنّه مصادق للجاهل المقصّر الّذي صدر العمل منه موافقا للواقع و تمشى قصد القربة منه.

***

[مسئلة 11: اذا طلب الماء بمقتضى وظيفته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا طلب الماء بمقتضى وظيفته فلم يجد فتيمّم و صلّى ثمّ تبيّن وجوده فى محل الطلب من الغلوة أو الغلوتين أو الرحل أو القافلة صحت صلاته و لا يجب القضاء و الاعادة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 230

(1)

أقول وجب عليه الاعادة و لا يجب عليه القضاء فى خارج الوقت.

لدلالة رواية يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل تيمّم فصلّى فأصاب بعد صلاته ماء أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته قال اذا وجد الماء قبل أن يمضى الوقت توضّأ و أعاد فان مضى الوقت فلا اعادة عليه. «1».

***

[مسئلة 12: اذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه و تيمّم و صلّى ثمّ تبيّن سعة الوقت لا يبعد صحة صلاته و ان كان الأحوط الاعادة أو القضاء بل لا يترك الاحتياط بالاعادة و أمّا اذا ترك الطلب باعتقاد عدم الماء فتبيّن وجوده و أنّه لو طلب لعثر فالظاهر وجوب الاعادة أو القضاء

(2)

أقول أمّا فى صورة الاولى و هى اعتقاده ضيق الوقت ثمّ تبيّن سعة الوقت يجب عليه الاعادة فلعدم العمل بالوظيفة و أمّا لو تبيّن فى خارج الوقت فلا يجب عليه القضاء و ان كان أحوط.

و أمّا فى الصورة الثانية و هى ترك الطلب باعتقاد عدم وجود الماء ثمّ تبيّن وجوده فيجب عليه الاعادة فى الوقت و عدم الفضاء فى خارج الوقت لدلالة رواية يعقوب بن يقطين المتقدمة على ذلك.

***

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 14 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 231

[مسئلة 13: لا يجوز اراقة الماء الكافى للوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لا يجوز اراقة الماء الكافى للوضوء أو الغسل بعد دخول الوقت اذا علم بعدم وجدان ماء آخر و لو كان على وضوء لا يجوز له ابطاله اذا علم بعدم وجود الماء بل الأحوط عدم الاراقة و عدم الابطال قبل الوقت أيضا مع العلم بعدم وجدانه بعد الوقت و لو عصى و أراق أو أبطل يصحّ تيمّمه و صلاته و ان كان الأحوط القضاء

(1)

أقول مقتضى القاعدة أنّه ان قلنا بكون عنوان الطهارة المائيّة و التربية يكون مثل عنوان الحاضر و المسافر عرضيّا بمعنى كون الطهارة الترابية فردا للطهارة فى عرض الطهارة المائيّة فيجوز للمكلف تبديل العنوان حتّى باختياره مثل أنّ له تبديل عنوان الحاضر بالمسافر بأن يسافر باختياره أو بالعكس

و أمّا لو كانت الطهارة الترابية فى طول الطهارة المائية بمعنى أنّ ملاكها فيما لا يقدر على الطهارة المائية فبعد دخول الوقت و فعلية وجوب الصلاة لا يجوز تقويت شرطه و هى الطهارة مع علمه بأنّه لو قوّتها بعدم حفظ الماء لا يمكن من الطهارة المائية.

و الّذي يأتى بالنظر باعتبار ظهور قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.

فى كون الطهارة الترابية فى طول الطهارة المائية فعلى هذا يشكل اخراج نفسه عن الفرد الأكمل و ادخالها فى الفرد الكامل فلهذا نقول فى ما نحن فيه عدم جواز اراقة الماء و عدم جواز ابطال الوضوء فى الوقت.

و أمّا قبل دخول الوقت حيث انّه لم يتنجّز التكليف بالنسبة الى الأكمل يجوز اراقة الماء و ابطال الوضوء و ان كان الأحوط عدم الارقة و عدم الابطال.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 232

لكن يصحّ التيمّم و الصلاة فى الصورتين و ان كان الأحوط القضاء.

***

[مسئلة 14: يسقط وجوب الطلب اذا خاف على نفسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: يسقط وجوب الطلب اذا خاف على نفسه أو ما له من لصّ أو سبع أو نحو ذلك كالتأخّر عن القافلة و كذا اذا كان فيه حرج و مشقة لا تتحمّل

(1)

أقول لدلالة رواية داود الرقّي قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام أكون فى السفر فتحضر الصلاة و ليس معى ماء و يقال انّ الماء قريب منّا فأطلب الماء و أنا فى وقت يمينا و شمالا قال لا تطلب الماء و لكن تيمّم فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع «1» و رواية يعقوب بن سالم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره

غلوتين أو نحو ذلك قال لا آمره يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع «2» و لرفع الحرج فى الشرع

***

[مسئلة 15: اذا كانت الأرض فى بعض الجوانب حزنة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: اذا كانت الأرض فى بعض الجوانب حزنة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب التيمم من الوسائل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 9، ص: 233

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 233

و فى بعضها سهلة يلحق كلا حكمه من الغلوة و الغلوتين.

(1)

أقول لأنّ مقتضى الدليل ذلك فلكل جانب من الجوانب حكمه من حيث الطلب غلوة او غلوتين

***

[الثانى: عدم الوصلة الى الماء الموجود لعجز]
اشارة

الثانى: عدم الوصلة الى الماء الموجود لعجز من كبر أو خوف من سبع أو لصّ أو لكونه فى بئر مع عدم ما يستقى به من الدلو و الحبل و عدم امكان اخراجه بوجه آخر و لو بادخال ثوب و اخراجه بعد جذبه الماء و عصره

(2)

أقول يدل عليه رواية عبيد اللّه بن على الحلبى أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يمرّ بالركية و ليس معه دلو قال ليس عليه أن يدخل الركية لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمّم «1» و رواية منصور بن حازم عن عبد اللّه بن أبى يعفور و عنبسة بن مصعب جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمّم بالصّعيد فانّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد و لا تقع فى البئر فلا تفسد على القوم مائهم. «2»

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 9، ص: 234

[مسئلة 16: اذا توقّف تحصيل الماء على شراء الدلو]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: اذا توقّف تحصيل الماء على شراء الدلو أو الحبل أو نحوهما أو استيجارهما أو على شراء الماء أو اقتراضه وجب و لو بأضعاف العوض ما لم يضرّ بحاله و أمّا اذا كان مضرّا بحاله فلا كما أنّه لو أمكنه اقتراض نفس الماء أو عوضه مع العلم أو الظنّ بعدم امكان الوفاء لم يجب ذلك.

(1)

أقول لأنّه مع تمكّنه من تحصيل الماء بأىّ وجه يمكن ما لم يكن مضرّا بحاله يكون المكلّف واجدا للماء و أمّا اذا كان مضرّا بحاله و المراد به صورة كون تحصيله حرجيّا بالنسبة الى المكلّف فلا يجب عليه تحصيل الماء بأىّ نحو كان.

و لدلالة رواية صفوان قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم او بألف درهم و هو واجد لها أ يشترى و يتوضأ أو يتيمّم قال لا بل يشترى قد أصابنى مثل ذلك فاشتريت و توضأت و ما يسوؤنى (يسرّنى) بذلك مال كثير. «1»

و رواية أبى طلحة قال سألت عبدا صالحا عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» ما حدّ ذلك قال فان لم تجدوا بشراء و بغير شراء قلت ان وجد قدر وضوء بمائة ألف أو بألف و كم بلغ قال ذلك على قدر جدته. «3»

و أمّا عدم الوجوب فى صورة العلم او الظنّ بعدم امكان الوفاء لو اقترض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) السورة 5، الآية 6.

(3) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب

التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 235

نفس الماء او عوضه لأنّه موجب لا ذهاب مال الغير و حقّه و هو لا يجوز.

***

[مسئلة 17: لو أمكنه حفر البئر بلا حرج وجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: لو أمكنه حفر البئر بلا حرج وجب كما أنّه لو وهبه غير بلا منّة و لا ذلّة وجب القبول.

(1)

أقول لانّه فى هذه الصورة كان المكلّف واجدا للماء فلا يشرع فى حقه التيمّم.

***

[الثالث: الخوف من استعماله على نفسه]
اشارة

الثالث: الخوف من استعماله على نفسه أو عضو من أعضائه بتلف أو عيب أو حدوث مرض أو شدّته أو طول مدّته أو بطوء برئه أو صعوبة علاجه أو نحو ذلك ممّا يعسر تحمّله عادة بل لو خاف من الشين الّذي يكون تحمّله شاقّا تيمّم و المراد به ما يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة أو الموجبة لتشقّق الجلد و خروج الدم و يكفى الظنّ بالمذكورات أو الاحتمال الموجب للخوف سواء حصل له من نفسه أو قول طبيب أو غيره و ان كان فاسقا أو كافرا و لا يكفى الاحتمال المجرّد عن الخوف كما أنّه لا يكفى الضرر اليسير الّذي لا يعتنى به العقلاء و اذا أمكن علاج المذكورات بتسخين الماء وجب و لم ينتقل الى التيمّم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 236

(1)

أقول راجع الوسائل الباب 5 من ابواب التيمم.

و لا فرق فى الخوف الحاصل من قول فاسق أو عادل أو كافر لأنّ حجية قول أهل الخبرة لا يناط بكونه من المسلم أو العادل.

و فى صورة امكان علاج المذكورات بتسخين الماء و غيره وجب لأنّه فى هذه الصورة يكون المكلّف واجدا للماء.

***

[مسئلة 18: اذا تحمّل الضرر و توضأ أو اغتسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: اذا تحمّل الضرر و توضأ أو اغتسل فان كان الضرر فى المقدّمات من تحصيل الماء و نحوه وجب الوضوء أو الغسل و صحّ و ان كان فى استعمال الماء فى أحدهما بطل و أمّا اذا لم يكن استعمال الماء مضرّا بل كان موجبا للحرج و المشقّة كتحمّل ألم البرد أو الشين مثلا فلا يبعد الصحّة و ان كان يجوز معه التيمّم لأن نفى الحرج من باب الرخصة لا العزيمة و لكن الأحوط ترك الاستعمال و عدم الاكتفاء

به على فرضه فيتيمّم أيضا.

(2)

أقول أمّا فى صورة تحمّل الضرر فى المقدمات وجب الوضوء أو الغسل فلأنّه فى هذه الصورة يكون واجدا للماء.

و أمّا اذا كان الضرر فى استعمال الماء فى الغسل أو للحرج الوضوء فيكون كلاهما باطلين لعدم الأمر بهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 237

و أمّا اذا لم يكن استعمال الماء مضرّا بل يكون موجبا فيصحّ الغسل و الوضوء مع التحمّل لوجود الملاك و رفع إلا لزم من باب المنّة و نفى الحرج من باب الرخصة لا العزيمة و لكن كما قال السيد المؤلف الأحوط ترك الاستعمال و عدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمّم أيضا.

***

[مسئلة 19: اذا تيمّم باعتقاد الضرر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: اذا تيمّم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبيّن عدمه صحّ تيمّمه و صلاته نعم لو تبيّن قبل الدخول فى الصلاة وجب الوضوء أو الغسل و اذا توضّأ أو اغتسل باعتقاد عدم الضرر ثمّ تبيّن وجوده صحّ لكن الأحوط مراعاة الاحتياط فى الصورتين و أمّا اذا توضّأ او اغتسل مع اعتقاد الضرر او خوفه لم يصحّ و ان تبين عدمه كما أنّه اذا تيمّم مع اعتقاد عدم الضرر لم يصحّ و ان تبيّن وجوده.

(1)

أقول امّا فى صورة التيمّم باعتقاد الضرر أو خوفه فيكون فى حكم من لم يجد الماء فيصحّ عمله لحكم العقل بقبح الاقدام على ما فيه الضرر فيكون العمل على خلافه باطلا باعتقاده و لرواية داود بن السّرحان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يصيبه الجنابة و به جروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال لا يغتسل و تيمّم. «1»

و رواية محمد بن أبى نصر عن الرضا عليه السّلام فى الرجل تصيبه الجنابة و به قروح

______________________________

(1) الرواية

8 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 238

أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد فقال لا يغتسل و يتيمّم. «1»

و أمّا اذا تبيّن قبل الدخول فى الصلاة صار بحكم الواجد فبطل تيمّمه و وجب عليه الوضوء أو الغسل كما فى صورة كونه واقعا مصداقا لمن يجد الماء ثمّ صار واجد الماء فيكون تيمّمه باطلا.

و أمّا فى صورة اتيان الغسل أو الوضوء باعتقاد عدم الضرر ثمّ تبيّن وجود الضرر فيكون غسله و وضوئه صحيحين لعدم كون النهى منجزا على المكلّف لأجل جهله.

و أمّا فى صورة اتيان الوضوء او الغسل مع اعتقاده الضرر و الخوف فلا اشكال فى البطلان لأجل عدم تمشى قصد القربة منه مع اعتقاده بأنّ وظيفته التيمّم لكن اذا تمشى منه فصد القربة يكون عمله صحيحا لأنّه مصداق الجاهل المقصّر الّذي وقع عمله على طبق الواقع.

و مثل هذه الصورة صورة اتيانه التيمم مع اعتقاده عدم الضرر و ان تبيّن عدمه و ذلك لعدم صدور الفعل العبادى عنه مع قصد القربة لكن اذا تمشى منه قصد القربة يكون صحيحا لانّه مصداق الجاهل المقصّر الّذي وقع عمله على طبق الواقع.

***

[مسئلة 20: اذا أجنب عمدا مع العلم بكون استعمال الماء مضرّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: اذا أجنب عمدا مع العلم بكون استعمال الماء مضرّا وجب التيمّم و صحّ عمله لكن لمّا ذكر بعض العلماء

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 239

وجوب الغسل فى الصورة المفروضة و ان كان مضرّا فالأولى الجمع بينه و بين التيمّم بل الأولى مع ذلك اعادة الغسل و الصلاة بعد زوال العذر.

(1)

أقول مع فرض كون استعمال الماء مضرّا لا

يجب الغسل و لا يستحب و النصوص الّتي يستفاد منها ذلك تكون مورد الاعراض عند المشهور. «1»

فلا فرق بين الإجناب العمدى و غير العمدى.

***

[مسئلة 21: لا يجوز للمتطهّر بعد دخول الوقت ابطال وضوئه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: لا يجوز للمتطهّر بعد دخول الوقت ابطال وضوئه بالحدث الأصغر اذا لم يتمكّن من الوضوء بعده كما مرّ لكن يجوز له الجماع مع عدم امكان الغسل و الفارق وجود النص فى الجماع و مع ذلك الأحوط تركه أيضا.

(2)

أقول راجع الوسائل الباب 27 من أبواب التيمّم و هى رواية اسحاق بن عمار قال سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل مع أهله فى السفر فلا يجد الماء يأتى أهله فقال ما احبّ أن يفعل ذلك الّا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه.

***

______________________________

(1) راجع الباب 5 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 240

[الرابع: الحرج فى تحصيل الماء أو فى استعماله]

الرابع: الحرج فى تحصيل الماء أو فى استعماله و ان لم يكن ضرر أو خوفه.

(1)

أقول لأنّ الحرج منفى فى الشرع حيث قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1».

***

[الخامس: الخوف من استعمال الماء على نفسه أو أولاده]
اشارة

الخامس: الخوف من استعمال الماء على نفسه أو أولاده و عياله أو بعض متعلّقيه أو صديقه فعلا أو بعد ذلك من التلف بالعطش أو حدوث مرض بل أو حرج أو مشقّة لا تتحمّل و لا يعتبر العلم بذلك بل و لا الظنّ بل يكفى احتمال يوجب الخوف حتّى اذا كان موهونا فانّه قد يحصل الخوف مع الوهم اذا كان المطلب عظيما فيتيمّم حينئذ و كذا اذا خاف على دوابّه أو على نفس محترمة و ان لم تكن مرتبطة به و أمّا الخوف على غير المحترم كالحربىّ و المرتدّ الفطرىّ و من وجب قتله فى الشرع فلا يسوّغ التيمم كما أنّ غير المحترم الّذي لا يجب قتله بل يجوز كالكلب العقور و الخنزير و الذئب و نحوها لا يوجبه و ان كان الظاهر جوازه ففى بعض صور خوف العطش يجب حفظ الماء و عدم استعماله كخوف تلف النفس أو الغير ممّن يجب حفظه و كخوف

______________________________

(1) السورة 22، الآية 78.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 241

حدوث مرض و نحوه و فى بعضها يجوز حفظه و لا يجب مثل تلف النفس المحترمة الّتي لا يجب حفظها و ان كان لا يجوز قتلها أيضا و فى بعضها يحرم حفظه بل يجب استعماله فى الوضوء أو الغسل كما فى النفوس الّتي يجب اتلافها ففى الصورة الثالثة لا يجوز التيمّم و فى الثانية يجوز و يجوز الوضوء أو الغسل و فى الاولى يجب و لا يجوز

الوضوء أو الغسل.

(1)

أقول يدلّ على ما فى المسألة النصوص الواردة فى الباب 25 و هى رواية ابن سنان يعنى عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال فى رجل أصابته جنابه فى السّفر و ليس معه الّا ماء قليل و يخاف ان هو اغتسل أن يعطش قال ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و التيمّم بالصّعيد أحبّ إليّ «1».

و رواية محمد الحلبى قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمّم فقال بل يتيمّم و كذلك اذا أراد الوضوء «2».

و رواية سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يكون معه الماء فى السفر فيخاف قلّته قال يتيمّم بالصعيد و يستبقى الماء فانّ عزّ و جلّ جعلهما طهورا الماء و الصعيد «3».

و هذه الرواية مطلقة تشمل تمام الموارد الّتي ذكرت فى المسألة.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 25 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 25 من ابواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 242

[مسئلة 22: اذا كان معه ماء طاهر يكفى لطهارته و ماء نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: اذا كان معه ماء طاهر يكفى لطهارته و ماء نجس بقدر حاجته الى شربه لا يكفى فى عدم الانتقال الى التيمّم لأنّ وجود الماء النجس حيث انّه يحرم شربه كالعدم فيجب التيمّم و حفظ الماء الطاهر لشربه نعم لو كان الخوف على دابّته لا على نفسه يجب عليه الوضوء أو الغسل و صرف الماء النجس فى حفظ دابّته بل و كذا اذا خاف على طفل من العطش فانّه لا دليل على حرمة

اشرابه الماء المتنجّس و أمّا لو فرض شرب الطفل بنفسه فالأمر أسهل فيستعمل الماء الطاهر فى الوضوء مثلا و يحفظ الماء النجس ليشربه الطفل بل يمكن أن يقال اذا خاف على رفيقه أيضا يجوز التوضّي و ابقاء الماء النجس لشربه فانّه لا دليل على وجوب رفع اضطرار الغير من شرب النجس نعم لو كان رفيقه عطشانا فعلا لا يجوز اعطائه الماء النجس ليشرب مع وجود الماء الطاهر كما أنّه لو باشر الشرب بنفسه لا يجب منعه.

(1)

أقول فرض المسألة ما اذا كان له ماء طاهر يكفى للوضوء أو الغسل و ماء نجس يكفى لشربه فيقع الكلام فيها فى صور أربعة:

الصورة الأولى: صورة الخوف على نفسه من التلف هل يوجب وجود الماء النجس لانتقال الوظيفة من الوضوء أو الغسل الى التيمّم بدلا عنهما أو لا.

فنقول لا لأنّ وجود الماء النجس كعدمه فهو فى هذه الصورة مصداق فاقد الماء فيجب عليه التيمّم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 243

الصورة الثانية: صورة الخوف على دابّته اذا توضئ أو اغتسل بالماء الطاهر لا على نفسه فحيث انّ اشراب الدوابّ الماء النجس لا حرمة فيه فلا بدّ من الوضوء أو الغسل بالماء الطاهر و اشرابها الماء النجس.

الصورة الثالثة: ما اذا خاف على طفل من العطش فهذه الصورة مثل الصورة الثانية حيث لا دليل على حرمة اشراب الطفل الماء النجس خصوصا اذا شربه الطفل بنفسه.

الصورة الرابعة: صورة الخوف على رفيقه و هو على قسمين:

القسم الأوّل: صورة عدم كون الرفيق فعلا عطشانا ففى هذه الصورة يتوضّى و يغتسل لأنّه لا يجب عليه رفع الاضطرار عن الغير من شرب الماء النجس.

القسم الثانى: ما كان الرفيق فعلا عطشانا فقال السيد المؤلف رحمه اللّه

لا يجوز اعطائه الماء النجس ليشرب مع وجود ماء الطاهر و لا يمكن المساعدة عليه لأنّه اذا كان شرب النجس مباحا له ليشربه و لا يكون حراما عليه لم لا يجوز اعطائه الماء النجس.

كما أنّ قوله فى آخر المسألة (كما أنّه لو باشر الشرب بنفسه لا يحب منعه) مناف لما قاله هنا لأنّ عدم وجوب منعه يكون من جهة عدم الحرمة عليه ففى القسم الثانى أيضا لا يحرم الشرب عليه فلم لا يجوز اعطائه الماء النجس

***

[السادس: اذا عارض استعمال الماء فى الوضوء أو الغسل]
اشارة

السادس: اذا عارض استعمال الماء فى الوضوء أو الغسل واجب أهمّ كنا اذا كان بدنه أو ثوبه نجسا و لم يكن عنده من الماء الّا بقدر أحد الأمرين من رفع الحدث أو الخبث ففى هذه الصورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 244

يجب استعماله فى رفع الخبث و يتيمّم لأنّ الوضوء له بدل و هو التيمّم بخلاف رفع الخبث مع أنّه منصوص فى بعض صورة و الأولى أن يرفع الخبث أوّلا ثمّ يتيمّم ليتحقّق كونه فاقدا للماء حال التيمّم و اذا توضّأ أو اغتسل حينئذ بطل لأنّه مأمور بالتيمّم و لا أمر بالوضوء أو الغسل نعم لو لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضا يتعيّن صرفه فى رفع الحدث لأنّ الأمر يدور بين الصّلاة مع نجاسة البدن او الثوب أو مع الحدث و فقد الطهورين فمراعاة رفع الحدث أهمّ مع أنّ الأقوى بطلان صلاة فاقد الطهورين فلا ينفعه رفع الخبث حينئذ.

(1)

أقول حكم المسألة ممّا ادّعى عليه الشهرة و الاجماع و يكون من باب تقديم الأهمّ على المهمّ لأنّ الواجب الّذي ليس له بدل أهمّ لأنّه لو ترك ليس له ما يقوم مقامه بخلاف المهمّ فانّه اذا

ترك يقوم البدل مقامه و يتدارك المصلحة الفائتة فعلى هذا كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه و الأولى أن يرفع الخبث أوّلا حتى صار المكلّف مصداق فاقد الماء ثمّ يتيمّم و لو توضّأ أو اغتسل بالماء بطل لأنّه مأمور بالتيمّم و ليس فى هذه الصورة أمر بالوضوء أو الغسل مع أنّه كما قال رحمه اللّه بعض صورة منصوص مثل رواية أبى عبيدة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض ترى الطهر و هى فى السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة قال اذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثمّ تتيمّم و تصلّي. «1»

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 245

[مسئلة 23: اذا كان معه ما يكفيه لوضوئه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: اذا كان معه ما يكفيه لوضوئه أو غسل بعض مواضع النجس من بدنه أو ثوبه بحيث لو تيمّم أيضا يلزم الصلاة مع النجاسة ففى تقديم رفع الخبث حينئذ على رفع الحدث اشكال بل لا يبعد تقديم الثانى نعم لو كان بدنه و ثوبه كلاهما نجسا و كان معه من الماء ما يكفى لأحد الأمور من الوضوء أو تطهير البدن أو الثوب ربما يقال بتقديم تطهير البدن و التيمّم و الصلاة مع نجاسة الثوب أو عريانا على اختلاف القولين و لا يخلو ما ذكره من وجه.

(1)

أقول فى كلا الوجهين يقدّم رفع الحدث و لا فرق بينهما لأنّ النجاسة الخبثية لا محالة لا ترفع سواء كانت فى البدن أو فى الثوب حتّى مع صرف الماء فى ازالتها لأنّ الفرض كون الماء لا يفى لذلك أيضا.

***

[مسئلة 24: اذا دار أمره بين ترك الصلاة فى الوقت أو شرب الماء النجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: اذا دار أمره بين ترك الصلاة فى الوقت أو شرب الماء النجس كما اذا كان معه ما يكفى لوضوئه من الماء الطاهر و كان معه ماء نجس بمقدار حاجته لشربه و مع ذلك لم يكن معه ما يتيمّم به بحيث لو شرب الماء الطاهر بقى فاقد الطهورين ففى تقديم أيّهما اشكال.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 246

(1)

أقول المستفاد من النصوص الكثيرة و الموارد الّتي حثّ الشارع على اتيان الصلاة و لو بتكبيرة مثل الغرقى و أنّ الصلاة لا تسقط بحال و لو مع فقد جل الشرائط و وجوب اتيانه على كل حال و أنّها عمود الدين أهميّة الصلاة و لزوم حفظها بأىّ وجه كان فعلى هذا يجب على المكلّف فى هذا الحال صرف الماء الطاهر فى الوضوء أو الغسل و شرب

الماء النجس.

***

[مسئلة 25: اذا كان معه ما يمكن تحصيل أحد الأمرين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: اذا كان معه ما يمكن تحصيل أحد الأمرين من ماء الوضوء أو الساتر لا يبعد ترجيح الساتر و الانتقال الى التيمّم لكن لا يخلو عن اشكال و الأولى صرفه فى تحصيل الساتر أوّلا ليتحقق كونه فاقد الماء ثمّ يتيمّم و اذا دار الأمر بين تحصيل الماء أو القبلة ففى تقديم أيّهما اشكال.

(2)

أقول ما يأتى بالنّظر هو تقديم تحصيل الساتر على الماء لأنّ الطهارة المائيّة لها البدل و هو التيمّم و ليس للساتر بدل و كما قلنا فى أوّل البحث عن المسوّغ السادس يكون ما لا بدل له أهمّ بالنسبة الى ماله البدل و إذا عارض ما لا بدل له ماله البدل فيكون ما لا بدل له مقدما.

و كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه الأولى صرفه فى تحصيل الساتر ليتحقق مصداق كونه فاقد الماء و اذا دار الامر بين تحصيل الماء او القبلة فبناء أيضا على ما قلنا من كون كل ما لا بدل له أهمّ و مقدّما على ماله البدل فالاولى صرفه فى تحصيل القبلة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 247

و التيمّم للصلاة.

***

[السابع: ضيق الوقت عن استعمال الماء]
اشارة

السابع: ضيق الوقت عن استعمال الماء بحيث لزم من الوضوء أو الغسل خروج وقت الصلاة و لو كان لوقوع جزء منها خارج الوقت و ربّما يقال إنّ المناط عدم إدراك ركعة منها فى الوقت فلو دار الأمر بين التيمّم و إدراك تمام الوقت أو الوضوء و إدراك ركعة أو أزيد قدم الثانى لأنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت لكن الاقوى ما ذكرنا و القاعدة مختصّة بما إذا لم يبق من الوقت فعلا إلّا مقدار ركعة فلا تشمل ما إذا بقى بمقدار

تمام الصلاة و يؤخّرها إلى أن يبقى مقدار ركعة فالمسألة من باب الدوران بين مراعاة الوقت و مراعات الطهارة المائيّة و الأوّل أهمّ و من المعلوم أنّ الوقت معتبر فى تمام أجزاء الصلاة فمع استلزام الطهارة المائية خروج جزء من أجزائها خارج الوقت لا يجوز تحصيلها بل ينتقل الى التيمّم لكن الأحوط القضاء مع ذلك خصوصا إذا استلزم وقوع جزء من الركعة خارج الوقت.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

لأنّ المسألة ممّا ادّعى عليها التسالم و الاجماع لصدق عدم كونه متمكّنا من استعمال الماء فتشمل المورد الآية الشريفة و الأخبار الدالّة على انتقال وظيفته الى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 248

التيمّم و لا تكون مصداقا لقاعدة من أدرك ركعة من الصلاة لأنّها كما قال السيد المؤلف مختصة بما اذا لم يبق من الوقت فعلا الّا مقدار ركعة بل تكون من باب الدوران بين الأهمّ و هو مراعات الوقت حيث لا بدل له و كما أنّ مراعات الوقت أهمّ بالنسبة الى تمام أجزاء الصلاة كذا يكون أهمّ بالنسبة كل جزء منها لكن الاحتياط حسن.

***

[مسئلة 26: إذا كان واجدا للماء و أخّر الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: إذا كان واجدا للماء و أخّر الصلاة عمدا الى أن ضاق الوقت عصى و لكن يجب عليه التيمّم و الصلاة و لا يلزم القضاء و ان كان الأحوط احتياطا شديدا.

(1)

أقول لأنّ وظيفته فعلا التيمّم و ان كان عاصيا من جهة تأخيره الوضوء حتى ضاق الوقت و ليس عليه القضاء لأنّه أتى بما وجب عليه لانّ للشارع مطلوبين اصل الصلاة و الصلاة مع الطهارة المائيّة فاذا تعذر أحد المطلوبين و هو الطهارة المائيّة لم يسقط المطلوب الأخر و هو أصل الصلاة.

***

[مسئلة 27: اذا شك فى ضيق الوقت و سعته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: اذا شك فى ضيق الوقت و سعته بنى على البقاء و توضّأ أو اغتسل و أمّا اذا علم ضيقه و شك فى كفايته لتحصيل الطهارة و الصلاة و عدمها و خاف الفوت اذا حصّلها فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 249

يبعد الانتقال الى التيمّم و الفرق بين الصورتين أنّ فى الاولى يحتمل سعة الوقت و فى الثانية يعلم ضيقه فيصدق خوف الفوت فيها دون الاولى و الحاصل أنّ المجوّز للانتقال الى التيمّم خوف الفوت الصادق فى الصورة الثانية دون الاولى.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 28: اذا لم يكن عنده الماء و ضاق الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: اذا لم يكن عنده الماء و ضاق الوقت عن تحصيله مع قدرته عليه بحيث استلزم خروج الوقت و لو فى بعض أجزاء الصلاة انتقل أيضا الى التيمّم و هذه الصورة أقلّ اشكالا من الصورة السابقة و هى ضيقه عن استعماله مع وجوده لصدق عدم الوجدان فى هذه الصورة بخلاف السابقة بل يمكن أن يقال بعدم الاشكال أصلا فلا حاجة الى الاحتياط بالقضاء هنا.

(2)

أقول ما أقاده السيد المؤلف رحمه اللّه تمام فى محله

***

[مسئلة 29: من كانت وظيفته التيمّم من جهة ضيق الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: من كانت وظيفته التيمّم من جهة ضيق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 250

الوقت عن استعمال الماء اذا خالف و توضّأ أو اغتسل بطل لأنّه ليس مأمورا بالوضوء لأجل تلك الصلاة هذا اذا قصد الوضوء لأجل تلك الصلاة و أمّا اذا توضّأ بقصد غاية اخرى من غاياته أو بقصد الكون على الطهارة صحّ على ما هو الأقوى من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضدّه و لو كان جاهلا بالضيق و أنّ وظيفته التيمّم فتوضّأ.

فالظاهر أنّه كذلك فيصحّ ان كان قاصدا لاحدى الغايات الاخر و يبطل ان قصد الأمر المتوجّه إليه من قبل تلك الصلاة.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 30: التيمّم لأجل الضيق مع وجدان الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: التيمّم لأجل الضيق مع وجدان الماء لا يبيح الّا الصلاة الّتي ضاق وقتها فلا ينفع لصلاة اخرى غير تلك الصلاة و لو صار فاقدا للماء حينها بل لو فقد الماء فى أثناء الصلاة الاولى أيضا لا تكفى لصلاة اخرى بل لا بدّ من تجديد التيمّم لها و ان كان يحتمل الكفاية فى هذه الصورة.

(2)

أقول ما أفاده رحمه اللّه تمام فى محلّه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 251

[مسئلة 31: لا يستباح بالتيمّم لأجل الضيق]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: لا يستباح بالتيمّم لأجل الضيق غير تلك الصّلاة من الغايات الاخر حتّى فى حال الصلاة فلا يجوز له مسّ كتابة القرآن و لو فى حال الصلاة و كذا لا يجوز له قراءة العزائم ان كان بدلا عن الغسل فصحّته و استباحته مقصورة على خصوص تلك الصلاة.

(1)

أقول لعدم ضيق من حيث الوقت فى غير الصلاة من سائر الغايات الاخر.

***

[مسئلة 32: يشترط فى الانتقال الى التيمّم ضيق الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: يشترط فى الانتقال الى التيمّم ضيق الوقت عن واجبات الصلاة فقطّ فلو كان وافيا لها دون المستحبّات وجب الوضوء و الاقتصار عليها بل لو لم يكف لقراءة السورة تركها و توضّأ لسقوط وجوبها فى ضيق الوقت.

(2)

أقول لأنّ الواجب على المكلّف الصلاة الواجبة و هى مشتملة على الأجزاء الواجبة التى لا يجوز تركها و لو ترك جزء منها عمدا بطلت و امّا الأجزاء المستحبة فيجوز تركها و لو فى سعة الوقت.

أمّا السورة فكما قلنا يجوز تركها فى ضيق الوقت.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 252

[مسئلة 33: فى جواز التيمّم لضيق الوقت عن المستحبات الموقتة اشكال]

مسئلة 33: فى جواز التيمّم لضيق الوقت عن المستحبات الموقتة اشكال فلو ضاق وقت صلاة الليل مع وجود الماء و التمكّن من استعماله له يشكل الانتقال الى التيمّم

(1)

أقول ان قلنا بشمول أدلّة التيمّم للصلوات المستحبة يمكن أن يقال بعدم الفرق بين العمل الواجب و المستحب و أمّا لو لم نقل بذلك فلا

***

[مسئلة 34: اذا توضّأ باعتقاد سعة الوقت فبان ضيقه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: اذا توضّأ باعتقاد سعة الوقت فبان ضيقه فقد مرّ أنّه اذا كان وضوئه بقصد الأمر المتوجّه إليه من قبل تلك الصّلاة بطل لعدم الامر به و اذا أتى بقصد غاية اخرى أو الكون على الطهارة صحّ و كذا اذا قصد المجموع من الغايات الّتي يكون مأمورا بالوضوء فعلا لأجلها و أمّا لو تيمّم باعتقاد الضيق فبان سعته بعد الصلاة فالظاهر وجوب اعادتها و ان تبيّن قبل الشروع فيها و كان الوقت واسعا توضّأ وجوبا و ان لم يكن واسعا فعلا بعد ما كان واسعا أوّلا وجب اعادة التيمّم.

(2)

أقول ما قال السيد المؤلف رحمه اللّه فى محله.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 253

[الثامن: عدم امكان استعمال الماء لمانع]
اشارة

الثامن: عدم امكان استعمال الماء لمانع شرعىّ كما اذا كان الماء فى آنية الذهب أو الفضّة و كان الظرف منحصرا فيها بحيث لا يتمكّن من تفريغه فى ظرف آخر أو كان فى اناء مغصوب كذلك فانّه ينتقل الى التيمّم و كذا اذا كان محرّم الاستعمال من جهة اخرى.

(1)

أقول لعدم جواز استعمال أنية الذهب و الفضّة شرعا و ادخال اليد فيها و الاغتراف منها محرّم شرعا فلا يكون هذا الوضوء مقرّبا.

و كذا بالنسبة الى الاناء المغصوب مع عدم اذن المالك للتصرّف فيها و كذا بالنسبة الى غيرها ممّا يكون استعمالها حراما من جهة اخرى ففى كل هذه الصور ينتقل الوظيفة الى التيمّم.

***

[مسئلة 35: اذا كان جنبا و لم يكن عنده ماء و كان موجودا فى المسجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: اذا كان جنبا و لم يكن عنده ماء و كان موجودا فى المسجد فان أمكنه أخذ الماء بالمرور وجب و لم ينتقل الى التيمّم و ان لم يكن له آنية لأخذ الماء أو كان عنده و لم يمكن أخذ الماء الّا بالمكث فان أمكنه الاغتسال فيه بالمرور وجب ذلك و ان لم يمكن ذلك أيضا أو كان الماء فى المسجدين أى المسجد الحرام أو المسجد النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فالظاهر وجوب التيمّم لأجل الدخول فى المسجد و أخذ الماء أو الاغتسال فيه و هذا التيمّم انّما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 254

يبيح هذا الفعل أى الدخول و الأخذ أو الدخول و الاغتسال و لا يرد الاشكال بأنّه يلزم من صحّته بطلانه حيث انّه يلزم منه كونه واجدا للماء فيبطل كما لا يخفى.

(1)

أقول ما أفاده السيد المألف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 36: لا يجوز التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء الّا فى موضعين:]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: لا يجوز التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء الّا فى موضعين:

أحدهما: لصلاة الجنازة فيجوز مع التمكّن من الوضوء أو الغسل على المشهور مطلقا لكن القدر المتيقّن صورة خوف فوت الصلاة منه لو أراد أن يتوضّأ أو يغتسل نعم لمّا كان الحكم استحبابيّا يجوز أن يتيمّم مع عدم خوف الفوت أيضا لكن برجاء المطلوبيّة لا بقصد الورود و المشروعيّة.

(2)

أقول الدليل الدال عليه هو رواية سماعة قال سألته عن رجل مرّت به جنازة و هو على غير وضوء كيف يصنع قال يضرب بيديه على حائط اللبن فليتيمّم به «1».

و رواية الحلبى قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل تدركه الجنازة و هو على

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 21 من ابواب

صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 255

غير وضوء فان ذهب يتوضّأ فاتته الصلاة قال يتيمّم و يصلّى «1».

فموردهما صورة فوت الصلاة عنه اذا ذهب ليتوضّأ مع التصريح فى الثانى بذلك و الاجماع و القدر المتيقن منه أيضا صورة خوف فوت الصلاة عنه.

*** الثانى: للنوم فانّه يجوز أن يتيمّم مع امكان الوضوء أو الغسل على المشهور أيضا مطلقا و خصّ بعضهم بخصوص الوضوء و لكن القدر المتيقّن من هذا أيضا صورة خاصة و هى ما اذا أوى الى فراشه فتذكّر أنّه ليس على وضوء فيتيمّم من دثاره لا أن يتيمّم قبل دخوله فى فراشه متعمّدا مع امكان الوضوء نعم هنا أيضا لا بأس به لا بعنوان الورود بل برجاء المطلوبيّة حيث انّ الحكم استحبابىّ و ذكر بعضهم موضعا ثالثا و هو ما لو احتلم فى أحد المسجدين فانّه يجب أن يتيمّم للخروج و إن أمكنه الغسل لكنّه مشكل بل المدار على أقلية زمان التيمّم أو زمان الغسل أو زمان الخروج حيث انّ الكون فى المسجدين جنبا حرام فلا بدّ من اختيار ما هو أقلّ زمانا من الأمور الثلاثة فاذا كان زمان التيمّم أقلّ من زمان الغسل يدخل تحت ما ذكرنا من مسوغات التيمّم من أنّ من موارده ما اذا كان هناك مانع شرعى من استعمال الماء فانّ زيادة الكون فى المسجدين جنبا مانع شرعى من

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 256

استعمال الماء.

(1)

أقول و ان ادّعى الشهرة على جواز التيمّم مطلقا بدلا عن الغسل و الوضوء مع تمكّن المكلف منهما لكنّ القدر المتيقن من الشهرة من جهة

مدركها و هو مرسلة رواها الصدوق فى الفقيه عن الصادق عليه السّلام قال من تطهّر ثمّ آوى الى فراشه بات و فراشه كمسجده فان ذكر أنّه ليس على وضوء فتيمّم من دثاره كائنا ما كان لم يزل فى صلاة ما ذكر اللّه «1» هو صورة ما آوى الى فراشه ناسيا للوضوء ثمّ تذكر فالتعدى الى غيره يحتاج الى الدليل و لكن لأجل كون الرواية مرسلة نقول بأن يأتى بالتيمّم فى مورده أيضا رجاء.

و ما ذكر بعضهم أيضا من فرض ثالث و هو أنّه لو احتلم شخص فى أحد المسجدين يجب التيمّم لأجل الخروج.

فالمدار على ما كان أقلّ مكثا فى المسجدين من الامور الثلاثة.

***

[مسئلة 37: اذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفيه لوضوئه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: اذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله و أمكن تتميمه بخلط شي ء من الماء المضاف الّذي لا يخرجه عن الاطلاق لا يبعد وجوبه و بعد الخلط يجب الوضوء أو الغسل و ان قلنا بعدم وجوب الخلط لصدق وجدان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 9 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 257

الماء حينئذ.

(1)

أقول و الأحوط فى صورة وجود ما يمكن مع خلطه بالماء صيرورة المكلّف تحت عنوان واجد الماء أن يفعله و ان قيل بعدم وجوبه

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 259

[فصل فى بيان ما يصحّ التيمّم به]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى بيان ما يصحّ التيمّم به يجوز التيمّم على مطلق وجه الأرض على الأقوى سواء كان ترابا أو رملا أو حجرا أو غير ذلك و ان كان حجر الجصّ و النورة قبل الاحراق و أمّا بعده فلا يجوز على الأقوى كما أنّ الأقوى عدم الجواز بالطين المطبوخ كالخزف و الآجر و ان كان مسحوقا مثل التراب و لا يجوز على المعادى كالملح و الزرنيخ و الذهب و الفضّة و العقيق و نحوها ممّا خرج عن اسم الأرض و مع فقد ما ذكر من وجه الأرض يتيمّم بغبار الثوب أو اللبد أو عرف الدابّة و نحوها ممّا فيه غبار ان لم يمكن جمعه ترابا بالنفض و الّا وجب و دخل فى القسم الأوّل و الأحوط اختيار ما غباره أكثر و مع فقد الغبار يتيمّم بالطين ان لم يمكن تجفيفه و الّا وجب و دخل فى القسم الأوّل فما يتيمّم به له مراتب ثلاث الاولى الأرض مطلقا غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص:

260

المعادن الثانية الغبار الثلاث الطين و مع فقد الجميع يكون فاقد الطهورين و الأقوى فيه سقوط الأداء و وجوب القضاء و ان كان الأحوط الأداء أيضا و اذا وجد فاقد الطهورين ثلجا أو جمدا قال بعض العلماء بوجوب مسحه على أعضاء الوضوء أو الغسل و ان لم يجر و مع عدم امكانه حكم بوجوب التيمّم بهما و مراعاة هذا القول أحوط فالأقوى لفاقد الطهورين كفاية القضاء و الأحوط ضمّ الأداء أيضا و أحوط من ذلك مع وجود الثلج المسح به أيضا هذا كلّه اذا لم يمكن اذابة الثلج أو مسحه على وجه يجرى و الّا تعيّن الوضوء أو الغسل و لا يجوز معه التيمّم أيضا.

[جواز التيمّم على مطلق وجه الأرض]
اشارة

(1)

أقول الأقوى كما قال السيد رحمه اللّه جواز التيمّم على مطلق وجه الأرض سواء كان ترابا أو رملا أو حجرا أو مدرا أو غير ذلك فنذكر فى وجهه ما كتبناه من تقريرات سيدنا الاستاذ آيت اللّه العظمى السيد محمد الحجة رحمه اللّه الشريف فى رسالة مستقلة فى التيمّم (فنقول بعون اللّه و توفيقه أنّ ما يستفاد من الآية الشريفة فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً هو التيمّم على الصعيد الطيب فيلزم بمقتضى الآية التيمّم على الصعيد لكن وقع الاختلاف فى المراد من الصعيد هل يكون هو مطلق وجه الأرض أو يكون المراد منه هو التراب فقال بعض العلماء بأنّ الصعيد هو مطلق وجه الارض فيجوز التيمّم عليه و قال بعضهم بأنّه هو خصوص التراب فيجوز التيمّم عليه فقط و بعض قالوا بالتفصيل بين حال الاختيار فقالوا بالتيمّم على التراب و بين حال الاضطرار فقالوا بجوازه على مطلق وجه الأرض و اختلف اللغويّون فى المراد منه أيضا فقال بعضهم بكون المراد من الصعيد

مطلق وجه الأرض و قال بعضهم بكون المراد منه خصوص التراب كما أن المفسّرين أيضا اختلفوا فى معناه فبعض منهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 261

فسرّه بالأرض و قال بعضهم خصوص التراب اعلم أنّه لا حجية لقول اللغوىّ الّا فى بيان موارد الاستعمالات و أمّا بيان الحقيقة و المجاز و أنّ اللفظ حقيقة فى المعنى الفلانى فلم يكن قوله حجة فى ذلك حيث انّ ذلك يكون استنباطا و لم يكن استنباط أهل اللغة حجة فكما يلزم الاجتهاد فى أصل المسائل الشرعيّة يلزم الاجتهاد فى مقدماتها أيضا فظهر لك أنّه لم يثبت من قول اللغوى كون لفظ الصعيد حقيقة فى وجه الأرض أو فى التراب و من استعمال اللفظ فى معنى لا يمكن كشف كونه حقيقة فيها أو مجازا أو غيره و ان قال السيد المرتضى رحمه اللّه بكون الاستعمال علامة الحقيقة و لكن هذا لم يكن صحيحا كما ثبت فى محله فالاستعمال لم يكن دليلا لا على الحقيقة و لا على المجاز و لا على غيرهما فظهر لك أنّ قول اللغوى فى كون اللفظ حقيقة فى شي ء لم يكن بحجة و لو سلّم أنّ قول اللغوى يكون حجة فى اثبات الحقيقة و المجاز الّا أنّه مختص بصورة عدم التعارض و أمّا فيما نحن فيه فحيث انّ اللغويين اختلفوا فبعضهم قالوا بأنّ الصعيد يكون هو وجه الأرض و بعضهم قالوا بأنّه هو التراب فلا يمكن الأخذ بقولهم فعلى هذا لا يمكن استفادة المراد من الصعيد فى الآية الشريفة لما قلنا لك فلا يمكن التمسك بالآية لأحد القولين.

اذا عرفت ذلك فحيث يكون فى البين أخبار يتمسّكون ببعضها لاثبات أنّ ما يتيمّم به يكون

هو وجه الأرض و ببعضها لاثبات أنّ ما يتيمّم به يكون هو التراب فنذكر أوّلا الأخبار الّتي تمسّكوا بها لكون المراد من الصعيد هو الأرض فنقول بعون اللّه تعالى أنّ الأخبار المتمسكة بها تكون طوائف منها الأخبار الّتي تكون فى باب عدم اعادة الصلاة الّتي وقعت مع التيمّم حيث صرّح فى بعضها (فليمسح من الأرض و ليصلّ) «1» أو (فليتمسّح من الأرض و ليصلّ) «2» و منها

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 14 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 14 من ابواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 262

الاخبار الواردة فى وجوب تأخير التيمّم و الصّلاة إلى آخر الوقت حيث قال فيها (فان فاتك الماء لم تفتك الأرض) «1».

و منها الأخبار الواردة فى كيفية التيمّم حيث انّه يكون فى الرواية (فضرب بيده على الأرض) «2».

و منها الأخبار المصرّح فى بعضها بأنّه (جعلت لى الارض مسجدا و طهورا) «3».

و لا يخفى عليك أنّه لا يمكن التمسك بهذه الأخبار لاثبات أنّ ما يجوز التيمّم به يكون هو الأرض و لو كان مصرّحا فيها لفظ الأرض لأنّه امّا الطائفة الاولى من الأخبار الّتي ورد فى باب الاعادة فانّه ليس فى مقام بيان ذكر ما يجوز التيمّم به بل يكون فى مقام بيان عدم وجوب الاعادة و اذا لم يكن فى مقام بيان هذه الجهة فكيف يمكن التمسك بها لهذه الجهة و أوضح شاهد على أنّ المعصوم عليه السّلام لم يكن فى مقام بيان هذه الجهة أنّه يكون فى بعض أخبار هذا الباب لفظ التراب فانه قال (يمضى فى صلاته فان ربّ الماء هو ربّ التراب) «4».

فمن المعلوم أنّه يكون بصدد

بيان عدم لزوم الاعادة.

و أمّا الطائفة الثانية و هى الأخبار الواردة فى وجوب تأخير التيمّم فأيضا لا يكون الّا فى مقام بيان وجوب تأخير التيمّم و أمّا ذكر ما يجوز به التيمّم فلا يكون

______________________________

(1) الرواية 4 و 3 و 1 من الباب 22 من أبواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 3 و 6 و 9 من الباب 11 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(3) الرواية 1 و 2 و 3 و 4 من الباب 7 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(4) الرواية 13 من الباب 14 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 263

فى مقام بيانه فعلى هذا لا يمكن الاعتماد بهذه الطائفة للمطلوب أيضا.

و أمّا الطائفة الثالثة من الأخبار لا تكون أيضا فى مقام البيان و المنصف يشهد بذلك لو راجع الأخبار فانّها تكون فى مقام الرّد على العمّار الّذي مسح تمام بدنه على الأرض فظنّ أنّ التيمّم يكون بهذا النحو فالمعصوم عليه السّلام يكون فى مقام ردعه و أنّه لا يشترط فى التيمّم ما فعلت بل التيمّم عبارة عن غير ذلك فضرب يده على الأرض حتّى يعلّمه و لا يكون فى مقام بيان ما يجوز به التيمّم كما يشهد بما قلنا سياق الخبر و الّا لو التزامنا بأنّ المعصوم عليه السّلام يكون فى مقام بيان ما يجوز به التيمّم لا بد أن نلتزم بعض المحذورات.

منها أنّه فى بعض رواياته أنّه (وضع يديه على الأرض). «1»

و مقتضى ذلك هو كفاية الوضع فى التيمّم و الحال أنّه لعلّ يكون من المسلم عند الأصحاب أنّه لا يكفى الوضع بل يعتبر الضرب فانّ قالوا كما يكون المعصوم فى مقام البيان من جهة ما

يتيمّم به فيمكن أن يقال بأنّه يكون فى مقام بيان كيفية التيمّم أيضا فيلزم عليهم القول بكفاية الوضع و الحال أنّهم لم يلتزموا بذلك.

(و منها أنّه يكون فى بعض رواياته أنّه (فضرب على البساط) «2» و مقتضى ذلك جواز التيمّم على البساط و الحال أنّهم لم يلتزموا بذلك و قد تفصّى بعض عن هذا الاشكال بأنّ هذا لعلّ يكون فى مورد الضرورة و فى حال الضرورة يجوز التيمّم بالبساط و هذا أيضا كلام فى غير محله اذ بعيد فى الغاية أنّ المعصوم يكون فى مقام حال الضرورة فانقدح لك عدم امكان التمسك بهذه الأخبار و أوضح شاهد على أنّ

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 11 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 264

المعصوم لا يكون فى مقام بيان ما يجوز التيمّم به هو أنّ فى بعض «1» رواياته لم يكن اصلا ذكر على موضع ضرب يده و هو شاهد على أنّه لا يكون فى مقام البيان من هذه الجهة.

و أمّا الطائفة الرابعة و هى الأخبار الّتي صرحت فى بعضها هذه العبارة (جعلت لى الأرض مسجدا و طهورا) «2».

فأيضا لا يكون النبىّ صلّى اللّه عليه و آله فى مقام بيان هذه الجهة بل يكون فى مقام بيان ذكر امتنان الّذي أعطاه اللّه تعالى بالنسبة الى الامّة المرحومة فى مقابل اليهود و النصارى حيث لم يكن لهما هذا الامتنان و يكون معبدهما موضعا خاصا و لا يكون الأرض لهم مسجدا و طهورا فلا يكون النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى مقام بيان ما يجوز التيمّم به فظهر لك

أنّ هذه الطوائف من الأخبار لا تكون دليلا لأنّ ما يجوز التيمّم به هو الأرض.

ثمّ انّه لا يخفى عليك أنّه قد يستدل لكون ما يجوز التيمّم به هو التراب برواية و هى (جعلت لى الأرض مسجدا و ترابها طهورا) «3».

فتكون دالة على كون التراب طهورا لكن لا يخفى عليك أنّه لم يكن فى طرق الشيعة اصلا رواية بهذه العبارة و لكن فى طرق العامة كثيرا و الصدوق و ان نقل فى العلل هذه الرواية الّا أنّ طريق الّذي نقل عنه يكون تمام وسائطه من العامة فعلى هذا لا يمكن التمسك بهذه الرواية.

______________________________

(1) الرواية 3 و 4 من الباب 12 من أبواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 1 و 2 و 3 و 4 من الباب 7 من أبواب التيمّم من الوسائل.

(3) الرواية 1 و 5 و 4 من الباب 9 باب يتيمّم به ص 53 ج 3 من كتاب جامع أحاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 265

اذا عرفت ذلك فلنذكر ما استدلوا به من الروايات على كون ما يجوز به التيمّم هو التراب.

منها ما كان مضمونه (ربّ الماء ربّ التراب) «1» فنقول فيه أوّلا أنّ الرواية لا تكون فى مقام بيان ما يجوز به التيمّم بل يكون فى مقام بيان شي ء آخر و هو كونه عليه السّلام فى مقام الردع عن استعجاب كون الأرض طهورا.

و ثانيا أنّه يكون فى بعض الروايات (رب الماء رب الأرض) «2» فان كان فى مقام البيان لا بدّ و أن نقول بأنّ (رب الماء رب الأرض) أيضا فى مقام البيان و لا اشكال فى أنّ كلا منهما لا يكون فى مقام بيان ما يجوز التيمّم به و

يؤيد ذلك أنّه يكون فى خبر آخر (انّ رب الماء هو رب الصعيد) «3».

فان من المعلوم أنّ المعصوم لا يكون فى مقام بيان هذه الجهة لاختلاف تعبيراته فانقدح لك أنّ بهذه الأخبار لا يمكن التمسك لكون ما يجوز به التيمّم هو الأرض و لا لكون ما يجوز به التيمّم هو التراب.

و منها رواية عن عبد اللّه بن المغيره عن رفاعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و ماء فانظر أجفّ موضع تجده فيتيمّم منه «4» وجه الاستدلال أنّ المراد من أجفّ موضع يكون هو الحجر فمن المعلوم أنّه يلزم فى حال الاختيار التيمّم على التراب فاذا فقد التراب يتيمّم بالحجر و لكن لا يمكن الاستدلال بالرواية لأنّه يكون فى رواية اخرى عن عبد اللّه بن مغيرة (قال ان كانت

______________________________

(1) راجع كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 61.

(2) راجع كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 61.

(3) راجع كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 61.

(4) الرواية 4 من الباب 9 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 266

الأرض مبتلّة و ليس فيها تراب و لا ماء فانظر اجفّ موضع تجده فتيمّم من غباره أو شي ء مغبرة «1» حيث انّ هذه الرواية تدل على أنّه فى فرض عدم امكان التراب لزم التيمّم بالغبار أو شي ء مغبّر فمعلوم أنّ فى فرضه لا يمكن له التيمّم لا بالتراب و لا على الحجر فبالجملة ليس له التمكّن من التيمّم بالأرض فلا تكون دليلا على جواز التيمّم بالتراب فى حال الاختيار لازما خصوصا أنّ كلا من الروايتين يكون عن عبد اللّه غاية الأمر فى

الأول يكون عبد اللّه ناقلا عن رفاعة و فى الثانى لم يذكر الواسطة فافهم فاغتنم.

و لكن تمسّكوا ببعض أخبار اخر لكون ما يجوز به التيمّم هو الأرض منها الأخبار الوردة فى الركية المذكور فيها (لانّ ربّ الماء هو ربّ الأرض) «2» أو (فأنّ) «3» أو (انّ) «4» حيث عبّر المعصوم عليه السّلام بالأرض و لكن لا يخفى عليك أنّه لا يمكن التمسك بهذه الاخبار أيضا للمقام حيث أنّه لم يكن المعصوم عليه السّلام فى مقام بيان هذه الجهة بل يكون فى مقام بيان أنّه لا تفسد على القوم مائهم و فى مقام بيان أنّه ان لم تجد الماء تجد الأرض و امّا ليس فى مقام بيان أنّه يكفى مطلق الأرض او أرض خاص و الّا لو كان فى مقام بيان هذه الجهة أى التيمّم بمطلق وجه الأرض فلا بدّ أن يكون المراد من الماء مطلق الماء فيجوز رفع الحدث بالماء المستعمل فيه و الحال أنّه لا يلتزمون به فواضح أنّه يكون فى مقام بيان شي ء آخر فافهم ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما يجوز به التيمّم يكون مطلق وجه الأرض لوجوه:

الوجه الأوّل مرسلة الصدوق رحمه اللّه الواردة فى تفسير الآية الشريفة بهذا

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 9 من ابواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 3 من أبواب التيمّم من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 267

المضمون (بأنّ الصعيد هو المكان المرتفع) ففى فقه الرضا عليه السّلام قال اللّه تبارك و تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و الصعيد الموضع المرتفع من

الأرض و الطيب الّذي يغدر عنه الماء «1» فيظهر من هذه المرسلة من أنّ الصعيد الّذي يكون فى الآية يكون هو المكان المرتفع و لا اشكال فى أنّ الآية تكون فى مقام البيان غاية الأمر اشكل الامر فى معنى الصعيد و هذه المرسلة تفسّر معناه و من يقول بأنّ عمل الأصحاب و الشهرة فى الفتوى سبب لانجبار الرواية فيكون هذا مورده حيث انّ ارساله منجر بعمل الأصحاب و الشهرة الفتوائيّة منهم.

الوجه الثانى: رواية السكونى عن جعفر أبيه عن على عليه السّلام أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ فقال نعم فقيل بالنّورة فقال نعم فقيل بالرماد فقال لا انّه ليس يخرج من الأرض انّما يخرج من الشجر «2» و المروى عن الراوندى فى النوادر باسناده عنه عن آبائه عليهم السّلام عن على عليه السّلام نحوه الّا أنّ فيه فقيل له (أ يتيمّم بالصفاء الثابتة) او (بالصفاء) النابتة (نسخه بدل) على وجه الأرض قال نعم «3» و فى الجعفريات باسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام سئل و ذكر نحوه و زاد قيل فهل يتيمّم بالصفاء الثابتة و النابتة على وجه الأرض قال نعم «4» فعلى هذا يكون الرواية دليلا على جواز التيمّم على مطلق وجه الأرض لأنّه علّل عدم جواز التيمّم بالرماد بأنّه لم يخرج من الأرض خصوصا مع الذيل الّذي يكون فى خبر الراوندى و الجعفريات بجواز التيمّم على (الصفاء الثابتة) أو (الصفاء النابتة) (نسخه بدل) فمن المعلوم أن الصفاء لم يكن ترابا بل يكون أرضا فيستفاد من الرواية جواز التيمّم على مطلق

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة ج 3 ص 56 الباب 9 من ابواب ما يتيمّم به.

(2) الرواية 1 من الباب 8 من

أبواب التيمّم من الوسائل.

(3) الرواية 27 من كتاب جامع أحاديث الشيعة، ص 59، ج 3.

(4) الرواية 27 من كتاب جامع أحاديث الشيعة، ص 59، ج 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 268

وجه الأرض.

الوجه الثالث: أنّه فى حال الاضطرار عن التراب يكون اجماعيّا أنّه يجوز التيمّم بالحجر و وجه اجماعهم على ما يظهر من عبائرهم هو كون المطلقات الواردة فى الأرض فى مقام البيان فاذا كان كذلك فنقول بهم فلم تنحصرون جواز التيمّم فى حال الاختيار بالتراب.

الوجه الرابع: أنّه كما قالوا فى عدم اعتبار قصد الوجه فى العبادات بأنّه حيث يكون مغفولا عنه عند عامة النّاس فيكشف من ذلك عدم اعتباره حيث انّه يلزم على المولى لو كان دخيلا فى غرضه أن يبيّنه فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتباره كذلك نقول هنا انّه لو كان ما يجوز التيمّم به منحصرا فى التراب و حيث يكون مغفولا عنه عند عامة الناس يلزم على الشارع بيانه فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتباره خصوصا مع أنّه قلّ مورد يتفق فى الحجاز و بين النهرين أن يوجد تراب خالص لا يكون فيه حجر و نعبّر عن هذا الاطلاق بالإطلاق المقامى فظهر لك ممّا تلونا عليك أنّه ما يجوز التيمّم به يكون هو مطلق وجه الأرض و لا يكون منحصرا بالتراب فافهم فانه دقيق.

ثمّ انّه لو فرضنا أنّه لم يكن دليل فى البين حتّى يدلّ على أنّ ما يجوز التيمّم به هو الأرض أو التراب فما مقتضى الاصول و القواعد قد يقال بأنّ المقام من قبيل الشك فى المحصّل فيلزم الاحتياط بالتيمّم بالتراب.

أقول اعلم أنّ الاشكال هنا يكون فى جهتين و لا يكون كسائر الموارد:

الاولى: أنّه بعد ما

كان الواجب هو تحصيل الطهارة بالتيمّم فنعلم بوجوب التيمّم و لكن لا نعلم بأنّه يعتبر فى التيمّم أن يكون ما يتيمّم به مطلق وجه الأرض فقط أو يعتبر مع قطع النظر عن ذلك أن يكون ذلك هو التراب من الأرض فمن قال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 269

بالاحتياط فى أمثال المقام كالوضوء و الغسل فلا بد أن يقول فى المقام أيضا بالاحتياط و من قال بالبراءة فى أمثال المقام يقول فى المقام أيضا بالبراءة و لكن هذا يكون على القول بكون التيمّم مطهّرا كالوضوء و أمّا على مذهب من لم يقل بكون التيمّم مطهرا بل يقول بكونه مبيحا فلا مجال للاحتياط لو قال فى الأقلّ و الأكثر بالبراءة و أمّا لو قال بالاحتياط فى الأقلّ و الأكثر يكون هذا أيضا من مصاديقه.

الثانية: أنّه لا يكون المقام كسائر موارد الأقلّ و الأكثر لأنّه من قال بالبراءة فى الأقلّ و الأكثر يقول بالبراءة اذا لم يكن الدوران بين التعيين و التخيير و أمّا اذا كان الدوران بين التعيين و التخيير فلا مجال للقول بالبراءة و فى المقام يكون الأمر كذلك حيث انّا نعلم بأنّ التراب يكون ممّا يجوز التيمّم به و لكن لا نعلم بأنّه يكون جواز التيمّم به يكون لأجل خصوصية فيه أو يكون لأجل كونه أحد أفراد الأرض فعلى أىّ حال نعلم بلزوم التيمّم عليه فليزم من باب الأخذ بالمتيقن التيمّم بالتراب كما يكون الأمر كذلك فى كل مورد يدور الأمر بين التعيين و التخيير و لا يمكن أن يقال بأنّه نعلم جواز التيمّم بالارض و لكن نشك فى شي ء زائد و هو التيمم على التراب فيكون مورد البراءة حيث انّ

مورد البراءة يكون فى ما يكون الأكثر مشكوكا و فى المقام لا يكون كذلك بل يكون جواز التيمّم بالتراب معلوما لكن يكون الشك فى تعيينه و تخييره فيكون مورد الاحتياط فيلزم التيمّم على هذا بالتراب لو لم يكن دليل على جواز التيمّم بمطلق الأرض و لكن قلنا بأنّ الدليل يكون موجودا فى البين يدلّ على جواز التيمّم بمطلق وجه الأرض- الى هنا تمّ ما أردنا أن نكتبه من تقريرات سيدنا الأستاذ آية اللّه العظمى السيد محمد الحجة رحمه اللّه.

و أمّا عدم جواز التيمّم بالمعادن فلعدم صدق الأرض عليها و خروجها عن اسم الأرض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 270

و فى صورة عدم وجدان ما يصدق عليه الأرض يتيمّم بغبار الثوب أو اللبد أو عرف الدابة أو نحوها ممّا فيه غبار لدلالة بعض النصوص على ذلك مثل رواية زرارة قال قلت لأبى جعفر عليه السّلام أ رأيت المواقف ان لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول قال يتيمّم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فانّ فيها غبارا و يصلّى. «1».

و كذا اذا فقد الغبار يتيمّم بالطين لدلالة رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال اذا كنت فى حال لا تجد الّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به «2» و رواية 5 و 6 و 7 من هذا الباب.

و ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه من وجوب التيمّم بالثلج و الماء الجامد لا يمكن المساعدة عليه لعدم كون الروايات فى مقام بيان ذلك من هذا الحيث بل ظاهرها تقدم الوضوء و الغسل بالماء الجامد و الثلج اذا بل الجسد و بعد ذلك تصل النوبة بالتيمّم على وجه المعهود

من وقوعه على الأرض أو الغبار لا بالثلج او الماء الجامد.

و كما قال رحمه اللّه فالاحوط ضم الأداء أيضا الى القضاء لفاقد الطهورين الّذي هو من لا يجد الماء و لا الثلج و لا الماء الجامد الّذي يمكن بل الجسد بهما و لا يجد أيضا الأرض أو الغبار أو شيئا فيه الغبار.

***

[مسئلة 1: الأحوط مع وجود التراب عدم التعدّى عنه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: و ان كان الأقوى كما عرفت جواز التيمّم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 9 من ابواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 271

بمطلق وجه الأرض الّا أنّ الأحوط مع وجود التراب عدم التعدّى عنه من غير فرق بين أقسامه من الأبيض و الأسود و الأصفر و الأحمر كما لا فرق فى الحجر و المدر أيضا بين أقسامهما و مع فقد التراب الأحوط الرمل ثمّ المدر ثمّ الحجر.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام فى محله.

***

[مسئلة 2: لا يجوز فى حال الاختيار التيمّم على الجصّ المطبوخ و الآجر و الخزف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا يجوز فى حال الاختيار التيمّم على الجصّ المطبوخ و الآجر و الخزف و الرماد و ان كان من الأرض لكن فى حال الضرورة بمعنى عدم وجدان التراب و المدر و الحجر الأحوط الجمع بين التيمّم بأحد المذكورات ما عدا رماد الحطب و نحوه و بالمرتبة المتأخرة من الغبار أو الطين و مع عدم الغبار و الطين التيمّم بأحد المذكورات و الصلاة ثمّ اعادتها أو قضائها.

(2)

أقول الأحوط أن لا يتيمّم فى حال الاختيار على الجصّ المطبوخ و أمّا الرماد فلا اشكال فى عدم الجواز لرواية السكونى الدالة على عدم جواز التيمّم بالرماد و هى السكونى عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ فقال نعم فقيل بالنّورة فقال نعم فقيل بالرماد فقال لا انّه ليس يخرج من الأرض انّما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 272

يخرج من الشجر «1».

و أمّا الآجر و الخزف فلعدم صدق الأرض عليهما لا يجوز التيمّم فى حال الاختيار عليهما.

***

[مسئلة 3: التيمّم على الحائط المبنى بالطين و اللبن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجوز التيمّم حال الاختيار على الحائط المبنى بالطين و اللبن و الآجر اذا طلى بالطين.

(1)

أقول لصدق الأرض على الحائط و لم يخرج بالبناء عن صدق الأرض عليه و يمكن الاستدلال عليه بخبر سماعة قال سألته عن رجل مرّت به جنازة و هو على غير وضوء كيف يصنع قال يضرب بيديه على حائط اللبن فليتيمّم به «2».

***

[مسئلة 4: يجوز التيمّم بطين الرأس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يجوز التيمّم بطين الرأس و ان لم يسحق و كذا بحجر الرّحى و حجر النار و حجر السن و نحو ذلك لعدم كونها من المعادن الخارجة عن صدق الأرض و كذا يجوز التيمّم بطين الأرمنى.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من أبواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 273

(1)

(1)

أقول لصدق الارض على كل المذكورات كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 5: يجوز التيمّم على الأرض السبخة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يجوز التيمّم على الأرض السبخة اذا صدق كونها أرضا بأن لم يكن علاها الملح.

(2)

أقول لصدق الأرض عليها و لا تكون من المعادن اذا لم يكن علاها الملح.

***

[مسئلة 6: اذا تيمّم بالطين فلصق بيده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا تيمّم بالطين فلصق بيده يجب إزالته أوّلا ثمّ المسح بها و فى جواز ازالته بالغسل اشكال.

(3)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 7: لا يجوز التيمّم على التراب الممزوج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لا يجوز التيمّم على التراب الممزوج بغيره من التبن أو الرماد أو نحو ذلك و كذا على الطين الممزوج بالتبن فيشترط فيما يتيمّم به عدم كونه مخلوطا بما لا يجوز التيمّم به

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 274

الّا اذا كان مستهلكا.

(1)

أقول كلامه رحمه اللّه تمام و وجهه ظاهر.

***

[مسئلة 8: اذا لم يكن عنده الّا الثلج أو الجمد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا لم يكن عنده الّا الثلج أو الجمد و أمكن اذابته وجب كما مرّ كما أنّه اذا لم يكن الّا الطين و أمكنه تجفيفه وجب.

(2)

أقول لأنّه فى هذا الحال يكون مصداق واجد الماء فيجب عليه اذابته او تجفيفه.

***

[مسئلة 9: اذا لم يكن عنده ما يتيمّم به]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا لم يكن عنده ما يتيمّم به وجب تحصيله و لو بالشراء و نحوه.

(3)

أقول لأنّه مع امكان تحصيله بأىّ نحو كان يصير مصداق واجد الماء فيجب تحصيله.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 275

[مسئلة 10: اذا كان وظيفته التيمّم بالغبار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا كان وظيفته التيمّم بالغبار يقدّم ما غباره أزيد كما مرّ.

(1)

أقول ما أفاده رحمه اللّه تمام فى محله.

***

[مسئلة 11: يجوز التيمّم اختيارا على الأرض النديّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: يجوز التيمّم اختيارا على الأرض النديّة و التراب الندىّ و ان كان الأحوط مع وجود اليابسة تقديمها.

(2)

أقول لصدق الأرض على الأرض النديّة و التراب الندىّ و ان كان الأحوط كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه تقديم اليابسة عليهما.

***

[مسئلة 12: اذا تيمّم بما يعتقد جواز التيمّم به فبان خلافه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذا تيمّم بما يعتقد جواز التيمّم به فبان خلافه بطل و ان صلّى به بطلت و وجب الاعادة أو القضاء و كذا لو اعتقد أنّه من المرتبة المتقدّمة فبان أنّه من المتأخّرة مع كون المتقدّمة وظيفته.

(3)

أقول لعدم أمر بهذا التيمّم فيكون باطلا و كذا الصّلاة الّتي صلّاها بهذا التيمّم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 276

لعدم طهارة لهذه الصّلاة.

***

[مسئلة 13: المناط فى الطين الّذي من المرتبة الثالثة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: المناط فى الطين الّذي من المرتبة الثالثة كونه على وجه يلصق باليد و لذا عبّر بعضهم بالوحل فمع عدم لصوقه يكون من المرتّبة الاولى ظاهرا و ان كان الأحوط تقديم اليابس و الندىّ عليه.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 277

[فصل فى شرائط ما يتيمّم به]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى شرائط ما يتيمّم به يشترط فيما يتيمّم به أن يكون طاهرا فلو كان نجسا بطل و ان كان جاهلا بنجاسته أو ناسيا و ان لم يكن عنده من المرتبة المتقدّمة الّا النجس ينتقل الى اللاحقة و ان لم يكن من اللاحقة أيضا الّا النجس ينتقل الى اللاحقة و ان لم يكن من اللاحقة أيضا الّا النجس كان فاقد الطهورين و يلحقه حكمه و يشترط أيضا عدم خلطه بما لا يجوز التيمّم به كما مرّ.

و يشترط أيضا اباحته و إباحة مكانه و الفضاء الّذي يتيمّم فيه و مكان المتيمّم فيبطل مع غصبيّة أحد هذه مع العلم و العمد نعم لا يبطل مع الجهل و النسيان.

(1)

أقول أمّا اشتراط كون ما يتيمّم به طاهرا و عدم جواز التيمّم بالارض النجس فلأنّ فاقد الشي ء لا يكون معطى الشي ء فكيف يمكن أن تحصل الطهارة بالارض النجس و لدلالة قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً لأنّ الطيب مقابل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 278

القذر و يمكن استفادة هذا الشرط أيضا من بعض الروايات مثل (جعلت لى الأرض مسجدا و طهورا).

و لا يخفى عليك أن شرطية الطهارة فى التيمّم تكون واقعية بمعنى أنّه فى الواقع يلزم كون التيمّم بالارض الطاهر و لو لم يعلم فى الظاهر وقوعه بالارض الطاهر كما نتعرض

له فى مسئلة 2 إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا انتقال التيمّم من المرتبة المتقدّمة الى المرتبة اللاحقة فى صورة كون الأرض نجسا فلأنّ الأرض النجس وجوده كعدمه.

كما أنّه لو لم يكن من المرتبة اللاحقة الّا الغبار النجس مثلا صار المكلّف فاقد الطهورين فقد بيّنا حكمه من الاحتياط بالأداء و القضاء خارج الوقت.

و أمّا اشتراط عدم خلط ما يتيمّم به بغيره ممّا يخرج عن اسم الأرض فمع عدم استهلاكه فيه فلعدم وقوع التيمّم بالارض كما مرّ ذلك أيضا.

و أمّا اشتراط إباحة ما يتيمّم به و مكانه و الفضاء الّذي يتيمّم فيه و مكان المتيمّم و بطلان التيمّم مع عدمها فلأنّ التصرف فى مال الغير بدون اذنه حرام و لا يكون المحرّم مقرّبا.

و أمّا مع الجهل و النسيان فلعدم تنجّز النهى و لا يكون التيمّم منهيا عنه فمع قصد القربة يكون التيمّم صحيحا.

***

[مسئلة 1: اذا كان التراب أو نحوه فى آنيّة الذهب أو الفضّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا كان التراب أو نحوه فى آنيّة الذهب أو الفضّة فتيمّم به مع العلم و العمد بطل لأنّه يعدّ استعمالا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 279

لهما عرفا.

(1)

أقول لأنّه مع كون استعمال آنية الذهب و الفضّة حراما فلا يمكن كون التيمّم فيهما مقرّبا.

[مسئلة 2: اذا كان عنده ترابان مثلا أحدهما نجس]

*** قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا كان عنده ترابان مثلا أحدهما نجس يتيمّم بهما كما أنّه اذا اشتبه التراب بغير يتيمّم بهما و أمّا اذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب عنهما و مع الانحصار انتقل الى المرتبة اللاحقة و مع فقدها يكون فاقد الطهورين كما اذا انحصر فى المغصوب المعيّن.

(2)

أقول صحة التيمّم فى صورة كون أحد الترابين نجسا فلما قلنا بأنّ الطهارة شرط واقعى فاذا تيمّم بالطاهر واقعا و ان لم يعلم فى الظاهر كون الطاهر أيّهما لا يضرّ بالتيمّم لأنّه كان جامعا لشرطه.

و كذا فى صورة اشتباه التراب بغيره فاذا تيمّم بهما علم وقوع التيمّم على التراب واقعا.

و أمّا فى صورة اشتباه المباح بالمغصوب فلا يجوز التيمّم بهما لتنجّز العلم الاجمالى فى حقه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 280

فلا يكون التيمّم بهما أو باحدهما جائزا و مقرّبا و لا فرق بين المغصوب المعيّن و المغصوب بالاجمال فى أنّه مع وجود غيره يجب التيمّم بغيره و مع عدمه صار فاقد الطهورين.

***

[مسئلة 3: اذا كان عنده ماء و تراب و علم بغصبيّة أحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا كان عنده ماء و تراب و علم بغصبيّة أحدهما لا يجوز الوضوء و لا التيمّم و مع الانحصار يكون فاقد الطهورين و أمّا لو علم نجاسة أحدهما أو كون أحدهما مضافا يجب عليه مع الانحصار الجمع بين الوضوء و التيمّم و صحّت صلاته.

(1)

أقول أمّا فى صورة العلم بكون الماء أو التراب مغصوبا فلا يجوز الوضوء و لا التيمّم لعدم كون الوضوء و التيمّم مقرّبا.

لأنّ العلم الاجمالى كالتفصيلى يكون منجّزا و مع عدم غيرهما صار المكلّف فاقد الطهورين و يعمل عمله.

و أمّا فى صورة علم المكلّف بكون أحدهما نجسا أو كون أحدهما مضافا يجب عليه مع الانحصار الجمع

بين الوضوء و التيمّم فلانه بعد ذلك يعلم بوقوع صلاته مع الطهارة امّا الترابيّة أو المائيّة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 281

[مسئلة 4: التراب المشكوك كونه نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: التراب المشكوك كونه نجسا يجوز التيمّم به الّا مع كون حالته السابقة النجاسة.

(1)

أقول لقاعدة الطهارة و أمّا مع العلم بكونه سابقا نجسا فلا يجوز التيمّم به لجريان استصحاب بقاء النجاسة و كونه مقدّما على قاعدة الطهارة.

***

[مسئلة 5: لا يجوز التيمّم بما يشك فى كونه ترابا أو غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا يجوز التيمّم بما يشك فى كونه ترابا أو غيره ممّا لا يتيمّم به كما مرّ فينتقل الى المرتبة اللاحقة ان كانت و الّا فالأحوط الجمع بين التيمّم به و الصلاة ثمّ القضاء خارج الوقت أيضا.

(2)

أقول لأنّه مع الشك لا يحرز المكلف موضوع ما يتيمّم به فينتقل وظيفته الى المرتبة اللاحقة مع الانحصار بما يشك فيه ان كانت المرتبة اللاحقة موجودة و الّا صار فاقد الطهورين و قد مرّ حكمه.

***

[مسئلة 6: المحبوس فى مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: المحبوس فى مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه على اشكال فيه لأنّ هذا المقدار لا يعدّ تصرّفا زائدا بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 282

لو توضّأ بالماء الّذي فيه و كان ممّا لا قيمة له يمكن أن يقال بجوازه و الاشكال فيه أشدّ و الأحوط الجمع فيه بين الوضوء و التيمّم و الصلاة ثمّ اعادتها أو قضائها بعد ذلك.

(1)

أقول ما يأتى بالنظر أنّ الضرب على الأرض يعدّ تصرفا زائدا عند العرف فعلى هذا يجب عليه اتيان الصلاة بلا وضوء و تيمّم حال الحبس و الأحوط الاتيان بعد الخلاص بما هو وظيفته من الصلاة مع الوضوء أو التيمّم لأن حكمه حكم فاقد الطهورين.

***

[مسئلة 7: اذا لم يكن عنده ما يتيمّم به]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا لم يكن عنده من التراب أو غيره ممّا يتيمّم به ما يكفى لكفّيه معا يكرر الضرب حتّى يتحقّق الضرب بتمام الكفين عليه و ان لم يمكن يكتفى بما يمكن و يأتى بالمرتبة المتأخرة أيضا ان كانت و يصلّى و ان لم تكن فيكتفى به و يحتاط بالاعادة او القضاء أيضا.

(2)

أقول لا يخفى عليك أنّه يستفاد من ظاهر الأخبار المتقدمة أنّه يجب أن يضرب يداه معا على الأرض كما قد صرّح فى بعض الأخبار بأنّه (تضرب بكفيك على الأرض) و نقل التيمّم إلينا بهذا النحو و لكن فى صورة عدم الامكان لا بأس بما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 283

[مسئلة 8: يستحب أن يكون على ما يتيمّم به غبار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يستحب أن يكون على ما يتيمّم به غبار يعلق باليد و يستحب أيضا نفضها بعد الضرب.

(1)

أقول قد ادّعى الشهرة على عدم اعتبار العلوق و مقتضى الأصل أيضا ذلك و أمّا استحباب النقص فلما ذكر فى النص راجع الوسائل الباب 29 من أبواب التيمّم.

***

[مسئلة 9: يستحبّ أن يكون ما يتيمّم به من ربى الارض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: يستحبّ أن يكون ما يتيمّم به من ربى الارض و عواليها لبعدها عن النجاسة.

(2)

أقول لم نجد دليلا يدل عليه الّا الوجه الّذي ذكره السيد المؤلف رحمه اللّه من بعدها عن النجاسة.

***

[مسئلة 10: يكره التيمّم بالأرض السبخة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: يكره التيمّم بالأرض السبخة اذا لم يكن يعلوها الملح و الّا فلا يجوز و كذا يكره بالرمل و كذا بمهابط الأرض و كذا بتراب يوطأ و بتراب الطريق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 284

(1)

أقول لم نجد نصا يدل على كراهة التيمّم بالأرض السبخة و الرمل و مهابط الأرض و لكن بالنسبة الى تراب الطريق و تراب يوطأ راجع الوسائل الباب 6 من أبواب التيمّم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 285

[فصل فى كيفية التيمّم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى كيفية التيمّم و يجب فيه امور:

[و يجب فيه امور:]
[الأوّل: ضرب باطن اليدين معا]

الأوّل: ضرب باطن اليدين معا دفعة على الأرض فلا يكفى الوضع بدون الضرب و لا الضرب باحداهما و لا بهما على التعاقب و لا الضرب بظاهرهما حال الاختيار نعم حال الاضطرار يكفى الوضع و مع تعذّر ضرب احداهما يضعها و يضرب بالاخرى و مع تعذّر الباطن فيهما أو فى احداهما ينتقل الى الظاهر فيهما او فى إحداهما و نجاسة الباطن لا تعدّ عذرا فلا ينتقل معها الى الظاهر.

(1)

أقول هل يكون الواجب ضرب اليد على الأرض أو يكفى مجرد وضع اليد على الأرض لا يخفى عليك انّه ان ثبت استعمال الضرب فى مجرد الوضع و الايصال فيمكن الجمع بين روايات الباب لأنّه و لو ذكر فى بعضها لفظ الوضع و فى بعضها لفظ الضرب الّا أنّه بعد استعمال الضرب فى مجرد الوضع و الايصال فيرتفع التعارض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 286

بين الروايات.

و اعلم أنّ فى الفارسية لفظ (زدن) كما يستعمل فى الضرب فى مقابل الوضع كذلك يستعمل فى ضرب الّذي يكون مرادفا للوضع كما ترى كثيرا استعمال (زدن) فى ذلك فى الفارسى كما تقولون (دستت را بفلان چيز نزن) و لا اشكال فى أنّه استعمل (زدن) فى ذلك المقام فى مجرد الوضع و الايصال فان ثبت استعمال الضرب فى لسان العرب فى مجرد الوضع و الايصال كما رأيت استعماله فى الفارسية كذلك فيمكن القول بما قلنا من امكان الجمع بين الروايات و يكون النتيجة كفاية مجرد الوضع.

و قد يتوهم أنّه يستفاد من الآية الشريفة فى فضية موسى على نبينا و آله و عليه السّلام أنّ الضرب استعمل فى مجرد الوضع و

الايصال حيث انّ ظاهر الآية فَقُلْنٰا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اللّٰهُ الْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «1» الوضع.

و لكن لا يخفى عليك أنّه لا يستفاد من الآية الشريفة أنّ الضرب فيها يكون بمعنى الوضع حيث انّ الأخبار الواردة فى تفسير الآية الشريفة أيضا يكون بلفظ الضرب و كذلك بعض المفسّرين أيضا ذكروا لفظ الضرب فى مقام تفسيره و لا يكون فى خبر تفسير الضرب بالوضع حتى يمكن التمسك به فعلى هذا لا يمكن الاستدلال بهذه الآية و لكن استعمل الضرب فى مجرد الوضع و الايصال فى بعض المواضع كما يكون فى باب الوضوء حيث قال (و اذا ضربت يدك بالماء فقل).

و كذلك فى باب الأطعمة و الأشربة فان ثبت استعمال الضرب فى مجرد الوضع

______________________________

(1) سورة 2، الآية 73.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 287

و الايصال بلا قرينة فيمكن الجمع بين الروايات.

و لكن لا يخفى عليك أنّه لا مجال لتوهّم أن يقال أنّه لو كان الضرب متعدّيا بالباء يكون المراد منه هو الضرب فى مقابل الوضع و الايصال و أمّا ان لم يكن متعدّيا بالباء فيكون المراد منه هو الوضع و الايصال لأنّه نرى أنّه استعمل الضرب فى الأخبار بمعنى الوضع مع كونه متعدّيا بالباء كما ورد فى باب الوضوء بهذا المضمون أنّه (اذا ضربت يدك بالماء فقل) و واضع أنّ المراد من الضرب هنا هو مجرد الوضع و الايصال مع كونه متعدّيا بالباء فافهم.

و لكن ان لم ثبت ذلك فيقع التعارض بين الروايات و بعد التعارض لا بد من الالتزام بوجوب الضرب فى مقابل مجرد الوضع و الايصال لكون الوضع أعم من الضرب فيكون الأخبار الدالة على كفاية الوضع مطلقة

و الأخبار الدالة على وجوب الضرب مقيدة و قد ثبت فى محله حمل المطلق على المقيّد.

و مع قطع النظر عن ذلك نقول انّ الأخبار المصرحة فيها لفظ الوضع لم تكن فى مقام البيان من هذه الجهة يعنى بيان كفاية الوضع حتى يمكن التمسك بإطلاقه لأنّ نوع الروايات المصرحة فيها لفظ الوضع يكون فى قصّة العمّار و لا اشكال فى أنّ المعصوم عليه السّلام لم يكن فى مقام بيان هذه الجهة بل يكون فى مقام ردع العمّار و أنّه لا يعتبر فى التيمّم ايصال تمام البدن بالتراب بل يكفى مسح الجبهة و اليدين و أمّا أنّه يعتبر الضرب أو يكف مجرد الوضع فلا يكون فى مقام بيانه.

فظهر لك ممّا قلنا أنّه يعتبر الضرب فى التيمّم و لا يكون مجرد الوضع كافيا فافهم.

و هل يعتبر المعيّة فى الضرب باليدين بأن يضرب يديه معا أو لا يلزم ذلك بل يكف و لو كان وضع اليدين بالتفريق لا يخفى عليك أنّه يستفاد من ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 288

الأخبار المعية و أنّه يجب أن يضرب يديه معا بالأرض و هذا واضع ممّا لا ريب فيه كما صرّح فى بعض الروايات بأنّه (تضرب بكفيك على الأرض) «1» و لا اشكال فى ظهور هذه العبارة فى المعيّة و أيضا الشاهد على لزوم المعيّة هو أنّ ما وصل إلينا يدا بيد من التيمّم هو التيمّم بهذا النحو أعنى ضرب اليدين بالأرض معا و هذا كاشف من أنّ المعيّة معتبرة فى التيمّم و لا اشكال فى أنّ العمل يكون على المعيّة و احتمال أن يكون المعيّة مستحبة لا يجي ء فى المقام لأنّه لم يقل أحد باستحباب ضرب اليدان

معا بالأرض فى التيمّم فعلى هذا هذا أيضا شاهد على وجوب المعيّة فافهم.

ثمّ انّه هل يجب كون الضرب بباطن الكف أو يجوز و لو بظاهر الكف لا يخفى عليك أنّه لم يكن فى الأخبار شاهد على لزوم كون الضرب بباطن الكف لأنّه لم يكن فى الأخبار الّا مثل أنّه (فضرب بيديه على الأرض) «2» و هذا و أمثاله لم يكن دالا بلزوم كون الضرب بالباطن و أخبار الدالّة فى باب المسح و أنّه يجب كون المسح بباطن اليد لا يكون دليلا على وجوب كون الضرب أيضا بالباطن.

و دعوى أنّ كون الضرب بالباطن متعارفا لم يكن دالا على عدم جواز الضرب بظاهر الكف مع فرض اطلاق للأخبار.

و لكن يمكن أن يقال بوجوب كون الضرب بالباطن بوجه آخر و هو أنّا نرى و نعلم أنّه من صدر الاسلام الى الحال ما وصل إلينا يدا بيد هو الضرب بالباطن و أنّ المتشرعة يضربون بباطن الكف و هذا دليل على وجوب كون الضرب بالباطن لأنّ احتمال كون الضرب بالباطن مستحبّا ممّا لم يقل به أحد فعلى هذا القول بوجوب الضرب بالباطن فى محله.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من أبواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 11 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 289

و لا يخفى عليك أنّه على هذا يكون القدر المتيقن من تقيّد الضرب بباطن الكف هو صورة التمكّن و القدرة على الضرب بالباطن و أمّا اذا لم يتمكن من الضرب بالباطن فلا اشكال فى وجوب الضرب بظاهر الكف لو قدر لاطلاق الادلة و القدر المتيقن من تقييده بالباطن يكون فى حال التمكّن و القدرة و أمّا فى غير

حال التمكن فبمقتضى الاطلاقات يضرب ظاهر الكف بالأرض فافهم.

***

[الثانى: مسح الجبهة بتمامها و الجبينين بهما]

الثانى: مسح الجبهة بتمامها و الجبينين بهما من قصاص الشعر الى طرف الأنف و الى الحاجبين و الأحوط مسحهما أيضا و يعتبر كون المسح بمجموع الكفين على المجموع فلا يكفى المسح ببعض كل من اليدين و لا مسح بعض الجبهة و الجبينين نعم يجزى التوزيع فلا يجب المسح بكل من اليدين على تمام أجزاء الممسوح.

(1)

أقول لا اشكال فى كون شي ء ممسوحا فى التيمّم و أمّا المراد منه فقد اختلف الأقوال فيه و منشأه اختلاف الأخبار الوردة فى الباب.

فنقول بعونه تعالى انّ الروايات الواردة فى المسألة على ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: ما دلّت على كون الممسوح هو الوجه راجع الوسائل الباب 11 من ابواب التيمّم ح 1 و 2 و 4 و 5 و الباب 12 ح 1 و 2 و 3 و 5.

و الطائفة الثانية: ما دلّت على كون الممسوح هو الجبهة و هى ما رواها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 290

الشيخ عن ابن بكير الّا أنّه قال ثمّ مسح بهما جبهته راجع الوسائل الباب 11 ح 3.

و الطائفة الثلاثة: ما دلّت على كون الممسوح هو الجبين أو الجبينين راجع الباب 11 ح 3 و 6 و 8 و 9.

فيقع بينها التعارض و فى مقام رفع التعارض نقول بقرينة رواية زرارة الواردة فى تفسير آية التيمّم نرفع اليد من كون المراد من الوجه تمامه و هى ما رواها فى الوسائل الباب 13 ح 1 (ثمّ قال فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ «1» فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنّه قال (بوهوهكم) ثمّ وصل بها

(و أيديكم منه) فاذا لم يكن المراد كل الوجه بل المراد بعضه يقع الكلام فى المراد من هذا البعض بأنّه هل هو الجبهة أو الجبين أو الجبينين فعلى هذا نقول بأنّ المراد من الجبين الجنس و من الجبينين هو مقدار الجنس و المراد منه الجبهة حيث انّ مسح الجبين لا يمكن الّا مع مسح الجبهة فعلى هذا يرتفع التعارض و ملخصه أنّ الطائفة الاولى بقرينة رواية زرارة المراد منها البعض و المراد من البعض هو الجبهة و يحمل الطائفة الثالثة على أنّ المراد من الجبين هو الجبهة فما هو ممسوح فى التيمّم هو نفس الجبهة فعلى ما قلنا مسح الجبينين من باب المقدمة العلمية و يكونان مأخوذين من جهة تحديد الجبهة من العرض كما أنها من جهة الطول محدودة من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى و الأحوط كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه مسح الحاجبين و أمّا اعتبار كون المسح مجموع الجبهة بمجموع الكفين فلأنّ الظاهر من قول عليه السّلام (و تمسح بهما وجهك) «2» عرفا ذلك.

فلهذا لا يكفى المسح ببعض كل من اليدين و لا مسح بعض الجبهة بل لا بد من

______________________________

(1) سورة 5، الآية 6.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 291

مسح المجموع نعم كما قال السيد رحمه اللّه يجزى التوزيع فلا يجب المسح بكل من اليدين على تمام أجزاء الممسوح لأنّه الظاهر من من الرواية.

***

[الثالث: مسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى بباطن اليسرى]

الثالث: مسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى بباطن اليسرى ثمّ مسح تمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى من الزند الى أطراف الأصابع و يجب من باب المقدّمة ادخال شي ء من الأطراف و ليس ما بين

الأصابع من الظاهر فلا يجب مسحها اذ المراد به ما يماسّه ظاهر بشرة الماسح بل الظاهر عدم اعتبار التعميق و التدقيق فيه بل المناط صدق مسح التمام عرفا.

(1)

أقول ما قاله رحمه اللّه تمام فى محله لأنّ الظاهر من قوله عليه السّلام (و تمسح بهما وجهك و يديك) «1» ذلك.

***

[أمّا شرائطه]
اشارة

و أمّا شرائطه

فهى أيضا امور:

[الأوّل: النيّة مقارنة لضرب اليدين]

الأوّل: النيّة مقارنة لضرب اليدين على الوجه الّذي مرّ فى

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 11 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 292

الوضوء و لا يعتبر فيها قصد رفع الحدث بل و لا الاستباحة.

(1)

أقول يعتبر فى التيمّم النيّة بلا اشكال لما قلنا فى الوضوء و وضوح أنّ الأفعال يعنونون فى الخارج بالعنوان بالقصد و الكلام فى كيفية النيّة و ما يعتبر فيها هو الكلام فى نيّة الوضوء فلا يلزم قصد الوجوب لا وصفا و لا غاية.

و كذا لا يعتبر فيها قصد رفع الحدث و لا قصد الاستباحة لانّهما من آثار التيمّم و يتحققان بعده.

***

[الثانى: المباشرة]

الثانى: المباشرة حال الاختيار.

(2)

أقول لا اشكال فى اعتبار المباشرة فى التيمّم كسائر العبادات لأنّ ظاهر الأمر بالمكلف باتيان شي ء هو المباشرة و هذا ممّا لا ريب فيه.

***

[الثالث: الموالاة]

الثالث: الموالاة و ان كان بدلا عن الغسل و المناط فيها عدم الفصل المخلّ بهيئته عرفا بحيث تمحو صورته.

(3)

أقول لا يرى دليل دال على اعتبار الموالات الّا الاجماع المدعى لكن يمكن أن يقال بأنّه لا اشكال فى أنّ التيمّم يكون عملا واحدا سواء كان بدلا عن الغسل أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 293

الوضوء و لا يكون أعمالا متعدّدة فعلى هذا يعتبر فى العمل الواحد و هو التيمّم حفظ الوحدة و هو معنى اعتبار الموالات مع أنّه يمكن التمسك بالسيرة القطعية من زمن المعصومين الى زماننا هذا من كون بناء عرف المتشرعة على الموالات بين أجزاء التيمّم و لو لم يكن الموالات معتبرة فلم لا يكون العمل على خلافها و لا يتيمّم أحد من المسلمين مع الانفصال بين أجزائه.

***

[الرابع: الترتيب]

الرابع: الترتيب على الوجه المذكور.

(1)

أقول لا يخفى أنّ الترتيب بين الضرب على الأرض و مسح الجبهة أو مسح اليدين معتبر لظهور الأخبار «1» فى ذلك و كذا بين مسح الجبهة و مسح اليدين.

و أمّا الترتيب بين نفس اليدين بأن يكون الواجب ابتداء مسح اليمنى باليد اليسرى ثمّ يد اليسرى باليد اليمنى يكون محل اشكال و لا يمكن استفادة الترتيب من الأخبار لأنّها ليست فى مقام البيان من هذه الجهة و لكن يمكن استفادته من صحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر عن الباقر عليه السّلام الى أن قال (انّما قال اللّه عزّ و جلّ (فتيمّموا صعيدا طيّبا) فضرب بيديه على الأرض ثمّ ضرب احداهما على الاخرى ثمّ مسح بجبينه ثمّ مسح كفّية كل واحدة على الاخرى فمسح اليسرى على اليمنى و اليمنى على اليسرى «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من أبواب التيمّم

من الوسائل و الرواية 2 و 3 من هذا الباب.

(2) الرواية 9 من الباب 11 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 294

حيث قال فى آخر الحديث فمسح اليسرى على اليمنى و اليمنى على اليسرى حيث يكون المعصوم عليه السّلام فى مقام بيان فعل النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و تعليمه لعمّار التيمّم و لا يردّ عليه اشكال من حيث كون الرواية فى مقام بيان نقل فعل النبيّ و الفعل لا يدلّ على اللزوم لأنّ المعصوم اذا كان فى مقام بيان فعل النبىّ يمكن الأخذ به و يكون حجة مع أنّه لم ينقل أبدا خلاف ذلك من أحد المعصومين و لو كان تقديم اليمنى من باب العادة فلم ينقل خلاف هذا الترتيب و لو مرّة واحدة.

***

[الخامس: الابتداء بالأعلى]

الخامس: الابتداء بالأعلى و منه الى الأسفل فى الجبهة و اليدين.

(1)

أقول لم يدلّ دليل عليه و تنزيل التيمّم بالوضوء لا يدلّ على تنزيله فى جميع الآثار لكن يمكن استفادته بالنسبة الى الجبهة من رواية فقه الرضا ثم تمسح بهما وجهك من حد الحاجبين الى الذقن و روى.

أن موضع السجود من مقام الشعر الى طرف الأنف «1».

أو من أنّه يمسح من منبت الشعر الى طرف الأنف «2».

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 9، ص: 294

ثمّ القول بعدم الفصل بالنسبة الى اليدين لكن لا يمكن الاعتماد على الروايتين فعل هذا نقول الابتداء متيقن من الكيفية فى مسح الجبهة و اليدين خصوصا مع

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة، ج 3، ص 67.

(2) الرواية 1 من المستدرك،

ج 1، الباب 1 من ابواب التيمّم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 295

ذهاب المشهور إليه فالاحتياط حسن.

***

[السادس: عدم الحائل بين الماسح و الممسوح]

السادس: عدم الحائل بين الماسح و الممسوح.

(1)

أقول لأنّ هذا ظاهر النصوص لأنّ مع الحائل لا يصدق المسح على الممسوح الواجب مسحه.

***

[السابع: طهارة الماسح و الممسوح]

السابع: طهارة الماسح و الممسوح حال الاختيار.

(2)

أقول لأنّها المتيقن و موافق للاحتياط فى صورة الاختيار.

***

[مسئلة 1: اذا بقى من الممسوح ما لم يمسح عليه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا بقى من الممسوح ما لم يمسح عليه و لو كان جزاء يسيرا بطل عمدا كان أو سهوا أو جهلا لكن قد مرّ أنّه لا يلزم المداقّة و التعميق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 296

(1)

أقول لأنّه مع بقاء جزء من الممسوح لا يصدق المسح على جميع الممسوح و كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه لا يلزم المداقّة.

***

[مسئلة 2: اذا كان فى محلّ المسح لحم زائد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا كان فى محلّ المسح لحم زائد يجب مسحه أيضا و اذا كانت يد زائدة فالحكم فيها كما مرّ فى الوضوء.

(2)

أقول لأنّ اللحم الزائد و اليد الزائدة يحسب من الممسوح فيجب مسحهما اذا كانا دون الزند.

***

[مسئلة 3: اذا كان على محل المسح شعر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا كان على محل المسح شعر يكفى المسح عليه و ان كان فى الجبهة بأن يكون منبته فيها و أمّا اذا كان واقعا عليها من الرأس فيجب رفعه لأنّه من الحائل.

(3)

أقول حكم هذه المسألة ظاهر.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 297

[مسئلة 4: اذا كان على الماسح و الممسوح جبيرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا كان على الماسح و الممسوح جبيرة يكفى المسح بها أو عليها.

(1)

أقول لأنّ هذا وظيفته كما مرّ فى الجبائر.

***

[مسئلة 5: اذا خالف الترتيب بطل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا خالف الترتيب بطل و ان كان لجهل او نسيان.

(2)

أقول لعدم الاتيان بما هو تكليفه و لا فرق بين الجهل و النسيان.

***

[مسئلة 6: يجوز الاستنابة عند عدم امكان المباشرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: يجوز الاستنابة عند عدم امكان المباشرة فيضرب النائب بيد المنوب عنه و يمسح بها وجهه و يديه و ان لم يمكن الضرب بيده فيضرب بيده نفسه.

(3)

أقول و ان كان ظهور النصوص فى المباشرة لكنّه فى صورة الامكان و الاختيار و مع عدم الامكان و الاضطرار تبيح المحذورات و مع الامكان لا بد من احداث النائب التيمّم فى نفس العاجز و مع عدمه يضرب النائب يديه على الأرض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 298

و يمسح بهما وجه العاجز و يديه.

***

[مسئلة 7: اذا كان باطن اليدين نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: اذا كان باطن اليدين نجسا وجب تطهيره ان أمكن و الّا سقط اعتبار طهارته و لا ينتقل الى الظاهر الّا اذا كانت نجاسته مسرية الى ما يتيمّم به و لم يمكن تجفيفه.

(1)

أقول لأنّ مع عدم امكان التطهير يسقط و لا ينتقل الى الظاهر لعدم الدليل عليه لانّه مرّ منّا فى أوّل هذا الفصل بأنّ عمدة الدليل على وجوب ضرب الباطن هى السيرة المستمرة من زمن المعصوم الى زماننا هذا و هى مختصة بحال الاختيار و الامكان و مع عدمه يتمسك بظاهر الأدلّة المطلقة الشاملة للضرب بالظاهر و الباطن و من جملة الموارد الّتي ينتقل الى الظاهر صورة كون النجاسة مسرية الى التراب مع أنّه لا بد من كون الطهور طاهرا لما قلنا سابقا.

بأنّ فاقد الشي ء لا يكون معطيا للشى ء.

***

[مسئلة 8: الأقطع باحدى اليدين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: الأقطع باحدى اليدين يكتفى بضرب الاخرى و مسح الجبهة بها ثمّ مسح ظهرها بالأرض و الأحوط الاستنابة لليد المقطوعة فيضرب بيده الموجودة مع يد واحدة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 299

للنائب و يمسح بهما جبهته و يمسح النائب ظهر يده الموجودة و الأحوط مسح ظهرها على الأرض أيضا و أمّا أقطع اليدين فيمسح بجهته على الأرض و الأحوط مع الامكان الجمع بينه و بين ضرب ذراعيه و المسح بهما و عليهما.

(1)

أقول من لم يكن له الكف مثل أن قطع يديه من الزند فهل يسقط عنه التيمّم أصلا و يكون مع عدم كونه قادرا بالماء و التراب فاقد الطهورين أو يجب عليه الضرب بباقى يده أو يسقط الضرب و لكن يمسح جبهته بالتراب أو يمسح غيره جبهته.

الحق فى المقام هو أن يقال بأنّه تارة نقول بأن

المستفاد من الأخبار هو ايصال الغبار بالوجه و مسحه غاية الأمر يكون مقيدا فى صورة التمكن بضرب اليدين و تارة لم نقل بذلك بل نقول بأنّ حقيقة التيمّم هو الضرب باليدين و المسح بهما مطلقا فى حال التمكن و عدمه.

فان قلنا بالأول فلا اشكال فى وجوب مسح وجهه بالتراب و اعلم أنّه يمكن أن يقال بأنّ المستفاد من الأخبار هو الأوّل فيجب عليه مسح وجهه بالتراب و لا وجه للقول بأنّه على هذا التقدير يجب أن يتيمّمه غيره حيث أنّ مورد استنابة الغير يكون فيما كان تكليف بشي ء و لم يكن المكلف قادرا به مثل من كان له اليد و لم يكن قادرا بنفسه على المسح فيمكن القول بأن يمسحه غيره.

و لا يخفى عليك أنّه لا يمكن التمسك لوجوب ضرب ما بقى من اليد و المسح به ببعض الأخبار الواردة فى التيمّم المصرحة فيها قريب بهذا المضمون بأنّه وجب ضرب اليد فمن قطع يديه من الزند يكون له اليد فيجب عليه الضرب بما بقى من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 300

اليدين لأنّه لا اشكال فى أنّ مفهوم اليد مجمل و يكون الاخبار الدالة على وجوب الضرب بالكف مبيّنا له فيجب الضرب بالكف و غاية ما يستفاد من السيرة هو وجوب الضرب و لو بظهر الكف و لأجل ذلك قلنا بجواز الضرب فى حال عدم التمكن بالباطن بظاهر الكف و لا يمكن أن.

يقال بذلك فيما بقى من اليد حيث ان اليد بمقتضى أخبار المبيّنة يكون هو الكف فالواجب فى التيمّم هو الضرب بالكف فى حال الاختيار و عدمه.

و أمّا الأقطع باحدى اليدين فكما قال السيد المؤلف رحمه اللّه يكتفى بضرب الاخرى و

مسح الجبهة بها ثمّ مسح ظهرها بالأرض و لا وجه فى هذا الفرض أيضا للقول بالاستنابة لأنّ الاستنابة فى فرض وجود اليد و عدم التمكّن معها و الفرض عدم وجود يد له.

***

[مسئلة 9: اذا كان على الباطن نجاسة لها جرم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا كان على الباطن نجاسة لها جرم يعدّ حائلا و لم يمكن ازالتها فالأحوط الجمع بين الضرب و المسح به و الضرب بالظاهر و المسح به.

(1)

أقول لأنّ اعتبار ضرب الباطن فى التيمّم من جهة السيرة و مع الامكان و مع عدم امكانه نتمسك بإطلاق أدلّة ضرب اليدين و هو يشمل الظاهر و الباطن لكن الاحتياط لازم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 301

[مسئلة 10: الخاتم حائل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الخاتم حائل فيجب نزعه حال التيمّم.

(1)

أقول حكمه ظاهر لأنّه مانع من مسح الممسوح تحته.

***

[مسئلة 11: لا يجب تعيين المبدل منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يجب تعيين المبدل منه مع اتّحاد ما عليه و أمّا مع التعدّد كالحائض و النفساء مثلا فيجب تعيينه و لو بالإجمال.

(2)

أقول لأنّ في صورة الاتّحاد لا يقع التيمّم إلّا بدلا عنه و في صور التعدّد لا بدّ من التعيين لأنّ ما يقع التيمم بدلا عنه حقائق متعدّدة و مختلفه و لا تداخل فى التيمم و لو لم يعيّن المبدل منه لا يقع التيمّم من الكل و لا من المبدل منه الخاص لعدم قصده.

***

[مسئلة 12: مع اتحاد الغاية لا يجب تعيينها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: مع اتحاد الغاية لا يجب تعيينها و مع التعدّد يجوز قصد الجميع و يجوز قصد ما فى الذمّة كما يجوز قصد واحدة منها فيجزى عن الجميع.

(3)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 302

[مسئلة 13: إذا قصد غاية فتبيّن عدمها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا قصد غاية فتبيّن عدمها بطل و إن تبيّن غيرها صحّ له إذا كان الاشتباه فى التطبيق و بطل إن كان على وجه التقيد.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

[مسئلة 14: إذا اعتقد كونه محدثا بالحدث الأصغر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا اعتقد كونه محدثا بالحدث الأصغر فقصد البدليّة عن الوضوء فتبيّن كونه محدثا بالأكبر فإن كان على وجه التقيّد بطل و إن أتى به من باب الاشتباه فى التطبيق أو قصد ما فى الذمة صحّ و كذا إذا اعتقد كونه جنبا فبأن عدمه و أنّه ماسّ للميّت مثلا.

(2)

أقول حكم المسألة ظاهر ممّا تقدّم.

***

[مسئلة 15: في مسح الجبهة و اليدين يجب إمرار الماسح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: في مسح الجبهة و اليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح فلا يكفى جرّ الممسوح تحت الماسح نعم لا تضرّ الحركة اليسيرة فى الممسوح إذا صدق كونه ممسوحا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 303

(1)

أقول لأنّ حقيقة المسح هو إمرار الماسح على الممسوح و ظاهر (تمسح وجهك و يديك) هو إمرار اليد على الوجه و الكفين فلو جرّ الوجه و الكفين ينعكس الأمر.

***

[مسئلة 16: إذا رفع يده في أثناء المسح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا رفع يده في أثناء المسح ثمّ وضعها بلا فصل و أتمّ فالظاهر كفايته و إن كان الأحوط الإعادة.

(2)

أقول ما يأتي بالنظر هو وجوب الإعادة لظهور الادلّة فى الوحدة و بالرفع تنثلم الوحدة.

***

[مسئلة 17: إذا لم يعلم أنّه محدث بالأصغر أو الأكبر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: إذا لم يعلم أنّه محدث بالأصغر أو الأكبر و علم بأحدهما إجمالا يكفيه تيمّم واحد بقصد ما في الذمة.

(3)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 304

[مسئلة 18: يكفي فيما هو بدل عن الوضوء ضربة واحدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: المشهور على أنّه يكفي فيما هو بدل عن الوضوء ضربة واحدة للوجه و اليدين و يجب التعدّد فيما هو بدل عن الغسل و الأقوى كفاية الواحد فيما هو بدل الغسل أيضا و إن كان الأحوط ما ذكروه و أحوط منه التعدّد فيما هو بدل الوضوء أيضا و الأولى أن يضرب بيديه و يمسح بهما جبهته و يديه ثمّ يضرب مرّة اخرى و يمسح بها يديه و ربّما يقال غاية الاحتياط أن يضرب مع ذلك مرّة اخرى يده اليسرى و يمسح بها ظهر اليمنى ثمّ يضرب اليمنى و يمسح بها ظهر اليسرى.

(1)

أقول يقع الكلام في أنّه هل يعتبر أن يضرب ضربتين على الأرض أو يكفى ضربة واحدة و هنا أقوال ثلاثة:

الأوّل: كفاية ضربة واحدة مطلقا للغسل أو الوضوء.

الثاني: لزوم ضربتين مطلقا للغسل او الوضوء.

الثالث: التفصيل بكفاية ضربة واحدة للوضوء و لزوم ضربتين للغسل و لا يوجد دليل للتفصيل إلّا ما توهّمه بعض من رواية محمد بن مسلم و هي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التيمّم فضرب بكفيه الأرض ثمّ مسح بهما وجهه ثمّ ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الاصابع واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها ثمّ ضرب بيمينه الارض ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه ثمّ قال هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل و فى الوضوء الوجه و اليدين الى المرفقين «1» و إن كان

هذا الخبر

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 12 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 305

صريحا فى المقصود من حيث الفرق بين الوضوء و الغسل لكن حيث ذكر فيها (الوجه و اليدين الى المرفقين) أو (فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع) و هو موافق للتقية كما قال الشيخ رحمه اللّه فلا يمكن التمسك به.

و من رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام حيث قال قلت له كيف التيمّم قال هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثمّ تنفضهما نفضة للوجه و نفضة لليدين «1» لأنّ ظاهرها الفرق بين الغسل بلزوم ضربتين و بين الوضوء بكفاية ضربة واحدة و لكن لا يخفى عليك أنّه يكون جملة و الغسل من الجنابة تتمة ضرب واحد للوضوء يعنى يكون التيمّم ضربا واحدا للوضوء و الغسل من الجنابة و يكون قوله عليه السّلام (و تضرب بيديك) بيان كيفية التيمّم فلا تكون دليلا للقول بالتفصيل.

فعلى هذا يدور الأمر بين القول بكفاية ضرب واحد مطلقا أو لزوم ضربتين مطلقا و الدال على الأوّل هو الاطلاقات فى مقام البيان حتى ذكر فى بعضها بعض المستحبات أيضا راجع الباب 11 من أبواب التيمّم ح 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7.

و ورد أيضا أخبار مقيدة الدالّة على وجوب الضربتين فلا بدّ من حمل المطلق على المقيّد و تكون النتيجة لزوم ضربتين لكل من الوضوء و الغسل و لا يمكن حمل الأخبار المقيّدة على التقية لأنّ الحكم عند العامة أيضا مختلف فبعضهم قالوا بلزوم ضربتين و بعضهم بوجوب ضربة واحدة فعلى هذا لا بدّ من القول بلزوم ضربتين مطلقا.

و

أمّا كيفية الضرب أعنى هل يجب أن يكون كل من الضربتين قبل المسح أو

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 12 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 306

يجب ضرب الأوّل قبل مسح الوجه و الضرب الثاني بعد مسح الوجه فبعد كون الأخبار مختلفة فبعضها دال على الأوّل و بعضها على الثاني مقتضى الاحتياط هو أن يضرب بيديه مرّتين ثمّ يمسح وجهه ثمّ يضرب مرة اخرى و يمسح يديه و الأحوط منه أن يضرب مرّتين ثمّ يمسح وجهه و يديه ثمّ يضرب يديه على الأرض ثمّ يمسح بهما الكفين أيضا و إن كان الأولى كما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه أن يضرب بيديه و يمسح بهما جبهته و يديه ثمّ يضرب مرّة اخرى و يمسح بها يديه.

***

[مسئلة 19: إذا شك في بعض أجزاء التيمّم بعد الفراغ منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا شك في بعض أجزاء التيمّم بعد الفراغ منه لم يعتن به و بنى على الصحّة و كذا إذا شك في شرط من شروطه و إذا شك في أثنائه قبل الفراغ في جزء أو شرط فإن كان بعد تجاوز محله بنى على الصحّة و إن كان قبله أتى به و ما بعده من غير فرق بين ما هو بدل عن الوضوء أو الغسل لكن الأحوط الاعتناء به مطلقا و إن جاز محلّه أو كان بعد الفراغ ما لم يقم عن مكانه أو لم ينتقل الى حالة اخرى على ما مرّ فى الوضوء خصوصا فيما هو بدل عنه.

(1)

أقول بناء ما قلنا من جريان قاعدة الفراغ في كل من الصلاة و الغسل و الوضوء و التيمّم فما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام في محلّه سواء كان الشك في الجزء أو

الشرط و لكن بناء على ما قلنا من عدم جريان قاعدة التجاوز في غير الصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 307

فالاحوط بل الأقوى الاعتناء بالشك و إن جاز محلّه فإن لم تفت الموالات أتى بالمشكوك سواء كان شرطا او جزء و يأتي بما بعده و إن فاتت الموالات استأنف العمل و أمّا محقق الفراغ ما هو فقد مضى فيه فى باب الوضوء.

***

[مسئلة 20: إذا علم بعد الفراغ ترك جزء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: إذا علم بعد الفراغ ترك جزء يكفيه العود إليه و الإتيان به و بما بعده مع عدم فوت الموالات و مع فوتها وجب الاستيناف و إن تذكّر بعد الصلاة وجب إعادتها أو قضائها و كذا إذا ترك شرطا مطلقا ما عدا الإباحة في الماء و التراب فلا تجب إلّا مع العلم و العمد.

(1)

أقول حكم المسألة ظاهر و أمّا عدم لزوم الإعادة مع عدم شرط الإباحة فى الماء و التراب فلعدم تنجّز النهي مع جهل المكلف بالغصب و يكون الفعل مقرّبا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 309

[فصل في أحكام التيمّم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل في أحكام التيمّم

[مسئلة 1: لا يجوز التيمّم للصلاة قبل دخول وقتها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا يجوز التيمّم للصلاة قبل دخول وقتها و إن كان بعنوان التهيؤ نعم لو تيمّم بقصد غاية اخرى واجبة او مندوبة يجوز الصلاة به بعد دخول وقتها كأن يتيمّم لصلاة القضاء أو للنافلة إذا كان وظيفته التيمّم.

(1)

أقول حكم المسألة كما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه لعدم أمر بالتيمّم قبل الصلاة حتى يأتى به.

***

[مسئلة 2: إذا تيمّم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا تيمّم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة يجوز إتيان الصلوات الّتي لم يدخل وقتها بعد دخوله ما لم يحدث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 310

أو يجد ماء فلو تيمّم لصلاة الصبح يجوز أن يصلّى به الظهر و كذا إذا يتمّم لغاية اخرى غير الصلاة.

(1)

أقول يستفاد حكم المسألة ممّا مرّ.

***

[مسئلة 3: الأقوى جواز التيمّم في سعة الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الأقوى جواز التيمّم في سعة الوقت و إن احتمل ارتفاع العذر في آخره بل أو ظنّ به نعم مع العلم بالارتفاع يجب الصبر لكنّ التأخير إلى آخر الوقت مع احتمال الرافع أحوط و إن كان موهونا نعم مع العلم بعدمه و بقاء العذر لا إشكال في جواز التقديم فتحصّل أنّه إمّا عالم ببقاء العذر إلى آخر الوقت أو عالم بارتفاعه قبل الآخر أو محتمل للأمرين فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء و يجب التأخير مع العلم بالارتفاع و مع الاحتمال الأقوى جواز المبادرة خصوصا مع الظنّ بالبقاء و الأحوط التأخير خصوصا مع الظنّ بالارتفاع.

(2)

أقول الأحوط بل الأقوى عدم جواز المبادرة بالتيمّم في سعة الوقت مع الظنّ بالبقاء بل مع الاحتمال العقلائى و قد يتمسك ببعض الروايات «1» الواردة في الباب لجواز البدار لكن ليست في مقام البيان من هذه الجهة بل لا يبعد ظهورها فى

______________________________

(1) الرواية 14 و 15 و 13 و 11 و 9 و 8 من الباب 14 من ابواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 311

صورة اعتقاده بقاء العذر إلى آخر الوقت.

***

[مسئلة 4: إذا تيمّم لصلاة سابقة و صلّى و لم ينقض تيمّمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا تيمّم لصلاة سابقة و صلّى و لم ينقض تيمّمه حتى دخل وقت صلاة اخرى يجوز الإتيان بها في أوّل وقتها و إن احتمل زوال العذر في آخر الوقت على المختار بل و على القول بوجوب التأخير في الصلاة الاولى عند بعضهم لكن الأحوط التأخير في الصلاة الثانية أيضا و إن لم يكن مثل الاحتياط السابق بل أمره أسهل نعم لو علم بزوال العذر يجب التأخير كما فى الصلاة السابقة.

(1)

أقول على ما مرّ منّا فى المسألة السابقة

من عدم جواز البدار في صورة احتمال العقلائي ببقاء العذر لا يجوز المبادرة إلى إتيان الصلاة الثانية بالتيمّم لصلاة الماضية.

***

[مسئلة 5: المراد بآخر الوقت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: المراد بآخر الوقت الّذي يجب التأخير إليه أو يكون أحوط الآخر العرفى فلا يجب المداقة فيه و لا الصبر إلى زمان لا يبقى الوقت إلّا بقدر الواجبات فيجوز التيمّم و الإتيان بالصلاة مشتملة على المستحبات أيضا بل لا ينافي إتيان بعض المقدّمات القريبة بعد الاتيان بالتيمّم قبل الشروع في الصلاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 312

بمعنى إبقاء الوقت بهذا المقدار.

(1)

أقول لأنّ العرف حاكم بذلك.

***

[مسئلة 6: يجوز التيمّم لصلاة القضاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: يجوز التيمّم لصلاة القضاء و الإتيان بها معه و لا يجب التأخير الى زوال العذر نعم مع العلم بزواله عمّا قريب يشكل الإتيان بها قبله و كذا يجوز للنوافل الموقّتة حتّى فى سعة وقتها بشرط عدم العلم بزوال العذر إلى آخره.

(2)

أقول اعلم أنّ الحكم بجواز البدار بالتيمّم لإتيان صلاة القضاء متفرع على وجود عموم لأدلّة بدليّة التيمّم عن الوضوء في جميع الأحكام و حيث إنّه لا يكشف من الأدلّة هذا العموم فلا يجوز البدار لإتيان صلاة القضاء إلّا في الصورة الّتي يعلم ببقاء العذر الى آخر العمر.

***

[مسئلة 7: إذا اعتقد عدم سعة الوقت فيتمّم و صلّى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا اعتقد عدم سعة الوقت فيتمّم و صلّى ثمّ بان السعة فعلى المختار صحّت صلاته و يحتاط بالإعادة و على القول بوجوب التأخير تجب الإعادة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 313

(1)

أقول على ما قلنا من عدم جواز البدار بالتيمّم إلّا مع العلم ببقاء العذر يجب الإعادة في صورة كشف الخلاف.

***

[مسئلة 8: لا يجب إعادة الصلوات الّتي صلّاها بالتيمّم الصحيح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا يجب إعادة الصلوات الّتي صلّاها بالتيمّم الصحيح بعد زوال العذر لا فى الوقت و لا خارجه مطلقا نعم الأحوط استحبابا إعادتها في موارد:

أحدها: من تعمّد الجنابة مع كونه خائفا من استعمال الماء فانّه يتيمّم و يصلّى لكن الأحوط إعادتها بعد زوال العذر و لو في خارج الوقت.

الثانى: من تيمّم لصلاة الجمعة عند خوف فوتها لأجل الزحام و منعه.

الثالث: من ترك طلب الماء عمدا إلى آخر الوقت و تيمّم و صلّى ثمّ تبيّن وجود الماء في محل الطلب.

الرابع: من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظنّ بعدم وجوده بعد ذلك و كذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظنّ بعدم وجود الماء.

الخامس: من أخّر الصلاة متعمّدا إلى أن ضاق وقته فتيمّم لأجل الضيق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 314

(1) أقول بناء على ما قلنا فى المسألة الثالثة من هذا الفصل من أنّ الأحوط بل الأقوى عدم جواز البدار في سعة الوقت مع الظنّ ببقاء العذر بل مع الاحتمال العقلائي بل جواز البدار مختص بصورة العلم و اليأس عن وجدان الماء أو ارتفاع العذر فما قاله السيد رحمه اللّه من عدم وجوب إعادة الصلوات في الوقت و القضاء في خارجه تمام لدلالة الأخبار على ذلك راجع الوسائل الباب 14

من أبواب التيمّم.

و أمّا استحباب الإعادة فى الوقت في المورد الأوّل و هو صورة تعمّد الجنابة مع كونه خائفا من استعمال الماء فلدلالة رواية ابن سنان و يعقوب بن يقطين بعد حملهما على الاستحباب لمعارضتهما مع غيرها من الأخبار.

امّا رواية ابن سنان فهي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل تصيبه الجنابة فى الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل فقال يتيمّم و يصلّى فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة. «1»

و امّا رواية يعقوب بن يقطين فهي قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل تيمّم فصلّى فأصاب بعد صلاته ماء أ يتوضّأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته قال إذا وجد الماء قبل أن يمضى الوقت توضّأ و أعاد فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه. «2»

المعارض لها الروايات الواردة فى الباب 14 من أبواب التيمّم نذكر بعضها و هو ما رواها الحلبي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إذا لم يجد الرّجل طهورا و كان جنبا فليتمسح من الأرض و ليصلّ فإذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأه صلاته الّتي صلّى «3» و ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من أبواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 14 من أبواب التيمم من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 14 من أبواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 315

أجنب و لم يجد الماء قال يتيمّم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد الصلاة. «1»

فنرفع اليد عن ظاهرهما في وجوب الإعادة بصراحتها في عدم وجوب الإعادة.

و قد

دلّت رواية يعقوب بن يقطين على عدم الإعادة في خارج الوقت حيث ذكر فيها (فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه) و غيرها مثل رواية زرارة و محمد بن مسلم و لم نر دليلا دلّ على القضاء في خارج الوقت حتى يجمع بينهما باستحباب الإعادة خارج الوقت.

و أمّا استحباب إعادة الصلاة في المورد الثاني فلدلالة رواية سكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه السّلام أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج عن المسجد من كثرة النّاس قال يتيمّم و يصلّى إذا انصرف. «2»

و رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن على عليهم السّلام أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنّه على غير وضوء و لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال يتيمّم و يصلّى معهم و يعيد إذا هو انصرف «3». فيحمل لأمر بالإعادة على الاستحباب بقرينة ما مضى و لعدم وجوب الصلاة في كلّ يوم و ليلة غير الصلوات الخمسة و المفروض أنّه قد أتى بها.

و أمّا المورد الثالث و الرابع و الخامس فكلها مشتركة في تفويت المكلّف المأمور به و تبدّلت وظيفته من الطهارة المائيّة الى الترابيّة و قد تقدّم حكمها و قلنا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من أبواب التيمم من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 15 من أبواب التيمّم من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 316

بلزوم التيمّم و الإتيان بالصلاة معه و إن كان عاصيا في ترك الطلب و في تأخير الصلاة حتّى

ضاق وقتها و في إراقة الماء و قلنا بأنّ الأحوط قضائها في خارج الوقت فالاحتياط حسن و إن لم نجد دليلا دلّ على الاستحباب.

***

[مسئلة 9: إذا تيمّم لغاية من الغايات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا تيمّم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر ما دام باقيا لم ينتقض و بقي عذره فله أن يأتي بجميع ما يشترط فيه الطهارة إلّا إذا كان المسوّغ للتيمّم مختصا بتلك الغاية كالتيمّم لضيق الوقت فقد مرّ أنّه لا يجوز له مسّ كتابة القرآن و لا قراءة الغرائم و لا الدخول في المساجد و كالتيمّم لصلاة الميّت أو للؤم مع وجود الماء.

(1)

أقول الكلام ما قاله السيد رحمه اللّه و قد تقدّم الكلام في ذلك في المسوغ السابع و هو ضيق الوقت.

***

[مسئلة 10: جميع غايات الوضوء و الغسل غايات للتيمّم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: جميع غايات الوضوء و الغسل غايات للتيمّم أيضا فيجب لما يجب لأجله الوضوء أو الغسل و يندب لما يندب له أحدهما فيصحّ بدلا عن الأغسال المندوبة و الوضوءات المستحبّة حتّى وضوء الحائض و الوضوء الجديدي مع وجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 317

شرط صحّته من فقد الماء و نحوه نعم لا يكون بدلا عن الوضوء التهيئي كما مرّ كما أنّ كونه بدلا عن الوضوء لكون على الطهارة محل إشكال نعم إتيانه برجاء المطلوبيّة لا مانع منه لكن يشكل الاكتفاء به لما يشترط فيه الطهارة أو يستحبّ إتيانه مع الطهارة.

(1)

أقول أمّا بالنسبة إلى الصلوات مستحبّة كانت أو واجبة فلدلالة الآية الشريفة إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ الى قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» لأنّه لا فرق بين الصلاة الواجبة و المندوبة و يشملهما إطلاق الآية الشريفة.

و أمّا غير الصلاة من بقية الغايات فيستفاد من ادلّة البدلية و التنزيل من أنّ التيمّم طهور عنه عدم وجدان الماء.

و أمّا عدم بدليته

عن الوضوء التجديدي فلقيام الإجماع المدعى على عدم قيام التيمّم مقامه.

و أمّا الكون على الطهارة بما أنّه مستحب في نفسه فيجوز التيمم بدلا عنه لانّ التطهر محبوب عند اللّه تعالى.

***

[مسئلة 11: التيمّم الذي هو بدل عن غسل الجنابة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: التيمّم الذي هو بدل عن غسل الجنابة

______________________________

(1) سورة 5، الآية 10.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 318

حاله كحاله في الإغناء عن الوضوء كما أنّ ما هو بدل عن سائر الاغتسال يحتاج الى الوضوء أو التيمّم بدله مثلها فلو تمكّن من الوضوء توضّأ مع التيمّم بدلها و إن لم يتمكّن تيمّم تيمّمين أحدهما بدل عن الغسل و الآخر عن الوضوء.

(1)

أقول لأنّ ذلك مقتضى أدلّة البدليّة و تنزيل التيمّم منزلة الغسل و الوضوء ففي أيّ مورد يكون الغسل مجزيا عن الوضوء فالتيمّم الّذي يكون بدله هو مجز عن الوضوء أيضا و في كل مورد لا يكون الغسل مجزيا عن الوضوء بل لا بدّ لإتيان الصلاة و ما كان مشروطا بالطهارة من الوضوء فلا يكون التيمم الذي يكون بدلا عن ذلك الغسل مجزيا عن الوضوء بل لا بدّ امّا من الوضوء مع الإمكان أو تيمّم آخر بدلا عن الوضوء.

***

[مسئلة 12: ينتقض التيمّم بما ينتقض به الوضوء و الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: ينتقض التيمّم بما ينتقض به الوضوء و الغسل من الأحداث كما أنّه ينتقض بوجدان الماء أو زوال العذر و لا يجب عليه إعادة ما صلّاه كما مرّ و إن زال العذر في الوقت و الأحوط الإعادة حينئذ بل و القضاء أيضا في الصور الخمسة المتقدّمة.

(2)

أقول لدلالة رواية زرارة قال قلت لأبى جعفر عليه السّلام يصلّى الرجل بوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 319

واحد صلاة الليل و النهار كلها قال نعم ما لم يحدث قلت يصلّى بتيمّم واحد صلاة الليل و النهار قال نعم ما لم يحدث أو يصب الماء. «1»

و الرواية 1 و 3 و 4 من الباب 14 من أبواب التيمم و قد

مرّ حكم استحباب الإعادة في الصور الخمسة.

***

[مسئلة 13: إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة لا يصحّ أن يصلّى به و إن فقد الماء أو تجدّد العذر فيجب أن يتيمّم ثانيا نعم إذا لم يسع زمان الوجدان أو زوال العذر للوضوء أو الغسل بأن فقد أو زال العذر بفصل غير كاف لهما لا يبعد عدم بطلانه و عدم وجوب تجديده لكن الأحوط التجديد مطلقا و كذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت فانّه لا يحتاج إلى الإعادة حينئذ للصلاة الّتي ضاق وقتها.

(1)

أقول ما يأتي بالنظر كون التجديد مطلقا هو الأحوط وجوبا و أمّا في صورة كون وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت فانّه لا يحتاج الى الإعادة و إن كان أحوط.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من أبواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 320

[مسئلة 14: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة فإن كان قبل الركوع من الركعة الاولى بطل تيمّمه و صلاته و إن كان بعده لم يبطل و يتمّ الصلاة لكن الأحوط مع سعة الوقت الإتمام و الإعادة مع الوضوء و لا فرق في التفصيل المذكور بين الفريضة و النافلة على الأقوى و إن كان الاحتياط بالإعادة في النافلة آكد من الفريضة.

(1)

أقول لدلالة النصوص على التفصيل منها رواية زرارة (في حديث) قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال فلينصرف فليتوضّأ ما لم يركع و إن كان قد ركع فليمض في صلاته فإنّ التيمّم أحد الطهورين «1» و منها الرواية 2 و 3 من هذا الباب و أمّا عدم الفرق بين النافلة و الفريضة فالإطلاق

النصوص و شمولها لهما.

***

[مسئلة 15: لا يلحق بالصلاة غيرها إذا وجد الماء في أثنائها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: لا يلحق بالصلاة غيرها إذا وجد الماء في أثنائها بل تبطل مطلقا و إن كان قبل الجزء الأخير منها فلو وجد في أثناء الطواف و لو في الشوط الأخير بطل و كذا لو وجد في أثناء صلاة الميّت بمقدار غسله بعد أن تيمّم لفقد الماء فيجب الغسل و إعادة الصلاة بل و كذا لو وجد قبل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب التيمم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 321

تمام الدفن.

(1)

أقول لأنّ الدليل ورد في الصلاة و لا يحلق بها غيرها لعدم شمول الدليل له فيجب قطع العمل و إتيانه مع الطهارة المائية.

***

[مسئلة 16: إذا كان وجدا للماء و تيمّم لعذر آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا كان واجدا للماء و تيمّم لعذر آخر من استعماله فزال عذره في أثناء الصلاة هل يلحق بوجدان الماء فى التفصيل المذكور إشكال فلا يترك الاحتياط بالإتمام و الإعادة اذا كان بعد الركوع من الركعة الاولى نعم لو كان زوال العذر في أثناء الصلاة في ضيق الوقت أتمّها و كذا لو لم يف زمان زوال العذر للوضوء بأن تجدّد العذر بلا فصل فإنّ الظاهر عدم بطلانه و إن كان الأحوط الاعادة.

(2)

أقول وجه الإشكال عدم شمول النصوص لهذا المورد و لكن كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه فلا يترك الاحتياط بالإتمام و الإعادة و كذا في الفرعين المذكورين في هذه المسألة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 322

[مسئلة 17: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثمّ فقد في أثنائها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثمّ فقد في أثنائها أيضا أو بعد الفراغ منها بلا فصل هل يكفى ذلك التيمّم لصلاة اخرى أو لا فيه تفصيل فإمّا أن يكون رمان الوجدان وافيا للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه فى الصلاة أو لا فعلى الثاني الظاهر عدم بطلان ذلك التيمّم بالنسبة الى الصلاة الاخرى أيضا و أمّا على الأوّل فالأحوط عدم الاكتفاء به بل تجديده لها لأنّ القدر المعلوم من عدم بطلان التيمّم إذا كان الوجدان بعد الركوع إنّما هو بالنسبة الى الصلاة الّتي هو مشغول بها لا مطلقا.

(1)

أقول مع عدم شمول النصوص لهذا المورد لكن لا بأس بالاحتياط المذكور في كلام السيد المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 18: في جواز مسّ كتابة القرآن و قراءة العزائم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: في جواز مسّ كتابة القرآن و قراءة العزائم حال الاشتغال بالصلاة الّتي وجد الماء فيها بعد الركوع إشكال لما مرّ من أنّ القدر المتيقن من بقاء التيمّم و صحّته إنّما هو بالنسبة الى تلك الصلاة نعم لو قلنا بصحّته إلى تمام الصلاة مطلقا كما قال بعضهم جاز المسّ و قراءة العزائم ما دام في تلك الصلاة و ممّا ذكرنا ظهر الإشكال في جواز العدول من تلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 323

الصلاة الى الفائتة الّتي هي مترتّبة عليها لاحتمال عدم بقاء التيمّم بالنسبة إليها.

(1)

أقول يظهر حكم هذه المسألة ممّا قلنا في المسائل السابقة.

***

[مسئلة 19: إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة بعد الحكم الشرعي بالركوع كما لو كان في السجود و شكّ في أنّه ركع أم لا حيث إنّه محكوم بأنّه ركع فهل هو كالوجدان بعد الركوع الوجدانىّ أم لا إشكال فالاحتياط بالإتمام و الإعادة لا يترك.

(2)

أقول بعد كونه شرعا محكوما بأنّه قد ركع فهو كالواجد للماء بعد الركوع الوجدانىّ و إن كان الأحوط استحبابا أن تيمّم الصلاة ثمّ أعادها.

***

[مسئلة 20: الحكم بالصحّة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطا بحرمة قطع الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: الحكم بالصحّة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطا بحرمة قطع الصلاة فمع جواز القطع أيضا كذلك ما لم يقطع بل يمكن أن يقال في صورة وجوب القطع أيضا إذا عصى و لم يقطع الصحّة باقية بناء على الأقوى من عدم بطلان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 324

الصلاة مع وجوب القطع إذا تركه و أتمّ الصلاة.

(1)

أقول لأنّ الدليل على صحّة الصلاة مع وجدان الماء بعد الركوع هو ورود أخبار بهذا المضمون و لم يكن منوطا بجواز قطع الصلاة و عدمه و لذا قلنا بصحّة صلاة النافلة مع وجدان الماء بعد الركوع لشمول الأخبار لها مع جواز قطعها.

***

[مسئلة 21: المجنب المتيمّم بدل الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: المجنب المتيمّم بدل الغسل إذا وجد ماء بقدر كفاية الوضوء فقط لا يبطل تيمّمه و أمّا الحائض و نحوها ممّن تيمّم تيمّمين إذا وجد بقدر الوضوء بطل تيمّمه الّذي هو بدل عنه و إذا وجد ما يكفى للغسل و لم يمكن صرفه في الوضوء بطل تيمّمه الّذي هو بدل عن الغسل. و بقي تيمّمه الذي هو بدل عن الوضوء من حيث إنّه يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل فليس مأمورا بالوضوء و إذا وجد ما يكفى لأحدهما و أمكن صرفه في كل منهما بطل كلا التيممين و يحتمل عدم بطلان ما هو بدل عن الوضوء من حيث أنّه حينئذ يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل فليس مأمورا بالوضوء لكن الاقوى بطلانهما.

(2)

أقول الحكم في النوع الأوّل و هو المجنب المتيمّم إذا وجد الماء بقدر الوضوء تمام لعدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة حتى يبطل التيمّم الّذي هو يدل عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 325

الوضوء بوجدان الماء و الفرض أن الماء الموجود لا يكفى للغسل حتى يبطل غسله.

و كذا الحكم في الفرع الثاني و هو فيما إذا وجب على المكلف غير غسل الجنابة على ما قلنا من عدم كون هذه الأغسال مجزية عن الوضوء بل وجب الوضوء معها فلو وجد الماء بقدر الوضوء بطل تيممه الذي هو بدل عن وضوئه و إذا وجد الماء بقدر الغسل بطل التيمّم الذي هو بدل عن الغسل و هو أيضا تمام.

لكن الكلام في الفرع الثالث و هو ما إذا وجد ما يكفى لأحدهما و أمكن صرفه في كل منهما فقال المؤلف رحمه اللّه بطل كلا التيمّمين و قوّاه في آخر كلامه و إن احتمل عدم بطلان ما هو بدل عن الوضوء و هو ممّا ادّعى عليه الشهرة لوجدان الماء بالنسبة الى كل واحد منهما و عدم الترجيح بينهما لكن لا يترك الاحتياط بالاغتسال من الماء و إعادة التيمم بدلا عن الوضوء.

***

[مسئلة 22: إذا وجد جماعة متيمّمون ماء مباحا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا وجد جماعة متيمّمون ماء مباحا لا يكفى إلّا لأحدهم بطل تيمّمهم أجمع إذا كان في سعة الوقت و إن كان في ضيقه بقى تيمّم الجميع و كذا إذا كان الماء المفروض للغير و أذن للكل في استعماله و أمّا إن أذن للبعض دون الآخرين بطل تيمّم ذلك البعض فقط كما أنّه إذا كان الماء المباح كافيا للبعض دون البعض الآخر لكونه جنبا و لم يكن بقدر الغسل لم يبطل تيمّم ذلك البعض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 326

(1)

أقول يمكن أن يقال بعدم كون كل واحد منهم واجدا للماء مع فرض إرادة كلّهم لأخذ الماء لعدم قدرة كل واحد منهم على أخذه مع إرادة كل

واحد منهم استعماله فى الوضوء و في هذه الصورة لم يكن واحد منهم واجدا للماء.

نعم لو كان أحدهم أقدر فوجب إعمال قدرته و يأخذ الماء فاذا أخذه صار واجد الماء و يجب عليه الوضوء و بطل تيمّمه و لا فرق في ذلك بين الماء المباح و المأذون فيه للكل.

***

[مسئلة 23: المحدث بالأكبر غير الجنابة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: المحدث بالأكبر غير الجنابة إذا وجد ماء لا يكفى إلّا لواحد من الوضوء و الغسل قدّم الغسل و تيمّم بدلا عن الوضوء و إن لم يكف إلّا للوضوء فقط توضأ و تيمّم بدل الغسل.

(2)

أقول لأهميّة الغسل من الوضوء كما يستفاد ذلك من بعض النصوص و هو (و أىّ وضوء أطهر من الغسل) «1» أو (و أىّ وضوء أنقى من الغسل و أبلغ) «2».

***

[مسئلة 24: لا يبطل التيمّم الّذي هو بدل عن الغسل بالحدث الأصغر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: لا يبطل التيمّم الّذي هو بدل عن الغسل من

______________________________

(1) الرواية 1 و 4 و 8 من الباب 33 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 327

جنابة أو غيرها بالحدث الأصغر فما دام عذره عن الغسل باقيا تيمّمه بمنزلته فإن كان عنده ماء بقدر الوضوء توضّأ و إلّا تيمّم بدلا عنه و إذا ارتفع عذره عن الغسل اغتسل فإن كان عن جنابة لا حاجة معه الى الوضوء و إلّا توضّأ أيضا هذا و لكن الأحوط إعادة التيمّم أيضا فإن كان عنده من الماء بقدر الوضوء تيمّم بدلا عن الغسل و توضّأ و إن لم يكن فيتمّم مرّتين مرّة عن الغسل و مرّة عن الوضوء هذا إن كان غير غسل الجنابة و إلّا يكفيه مع عدم الماء للوضوء تيمّم واحد بقصد ما في الذمّة.

(1)

أقول ما قاله السيد رحمه اللّه تمام في محله.

***

[مسئلة 25: حكم التداخل الّذي مرّ سابقا في الاغتسال يجرى في التيمّم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: حكم التداخل الّذي مرّ سابقا في الاغتسال يجرى في التيمّم أيضا فلو كان هناك أسباب عديدة للغسل يكفي تيمّم واحد عن الجميع و حينئذ فإن كان من جملتها الجنابة لم يحتجّ إلى الوضوء أو التيمّم بدلا عنه و إلّا وجب الوضوء أو تيمّم آخر بدلا عنه.

(2)

أقول لإطلاق أدلّة الدالة على كون التيمّم بدلا عن الغسل و بمنزلته و شمولها لكونه مثله حتّى في التداخل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 328

[مسئلة 26: إذا تيمّم بدلا عن أغسال عديدة فتبيّن عدم بعضها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: إذا تيمّم بدلا عن أغسال عديدة فتبيّن عدم بعضها صحّ بالنسبة إلى الباقي و أمّا لو قصد معيّنا فتبيّن أنّ الواقع غيره فصحّته مبنيّة على أن يكون من باب الاشتباه فى التطبيق لا التقيد كما مرّ نظائره مرارا.

(1)

أقول لم يتضح كون كل الموارد من موارد الخطأ في التطبيق أو التقيد فالأحوط الإعادة.

***

[مسئلة 27: إذا اجتمع جنب و ميّت و محدث بالأصغر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: إذا اجتمع جنب و ميّت و محدث بالأصغر و كان هناك ماء لا يكفى إلّا لأحدهم فإن كان مملوكا لأحدهم تعيّن صرفه لنفسه و كذا إن كان للغير و أذن لواحد منهم و أمّا إن كان مباحا أو كان للغير و أذن للكل فيتعيّن للجنب فيغتسل و يتيمّم الميّت و يتيمّم المحدث بالأصغر أيضا.

(2)

أقول ذلك لرواية أبي نجران أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب و الثاني ميّت و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفى أحدهم من يأخذ الماء و كيف يصنعون قال يغتسل الجنب و يدفن الميّت بتيمّم و يتيمّم الّذي هو على غير وضوء لأنّ الجنابة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 329

فريضة و غسل الميّت سنة و التيمّم للآخر جائز. «1»

و رواية حسن التفليسى و رواية حسين بن النظر الأرمنى و هما الرواية 3 و 4 من هذا الباب مع أنّه ممّا ادّعى عليه الشهرة و الرواية المخالفة لهذه الروايات المذكورة مرسلة لا اعتبار لها و هي المرسل المروى عن الصادق عليه السّلام قال قلت له الميّت و الجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلّا بقدر ما يكتفى به

أحدهما أيّهما أولى أن يجعل الماء له قال يتيمّم الجنب و يغتسل الميّت بالماء. «2»

***

[مسئلة 28: إذا نذر نافلة مطلقة أو موقّتة في زمان معيّن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: إذا نذر نافلة مطلقة أو موقّتة في زمان معيّن و لم يتمكّن من الوضوء في ذلك الزمان تيمّم بدلا عنه و صلّى و أمّا إذا نذر مطلقا لا مقيّدا بزمان معيّن فالظاهر وجوب الصبر الى زمان إمكان الوضوء.

(1)

أقول الكلام في هذه المسألة ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 29: لا يجوز الاستيجار لصلاة الميّت ممّن وظيفته التيمّم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: لا يجوز الاستيجار لصلاة الميّت ممّن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب التيمّم من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 18 من ابواب التيمّم من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 330

وظيفته التيمّم مع وجود من يقدر على الوضوء بل لو استأجر من كان قادرا ثمّ عجز عنه يشكل جواز الإتيان بالعمل المستأجر عليه مع التيمّم فعليه التأخير إلى التمكّن مع سعة الوقت بل مع ضيقة أيضا يشكل كفايته فلا يترك مراعاة الاحتياط.

(1)

أقول لظهور الأوامر الواردة في النيابة عن الميّت بما هو المتعارف من الصلوات و هو ما كان جامعا للشرائط و الأجزاء فلو كان عمل النائب فاقدا لشرط أو جزء لا يجوز له النيابة عن الغير في ذلك و لم يسقط عن الميّت ما وجب و كذا بالنسبة الى القادر العاجز فيما بعد العجز.

***

[مسئلة 30: المجنب المتيمّم إذا وجد الماء فى المسجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: المجنب المتيمّم إذا وجد الماء فى المسجد و توقّف غسله على دخوله و المكث فيه لا يبطل تيمّمه بالنسبة إلى حرمة المكث و إن بطل الى الغايات الاخر فلا يجوز له قراءة العزائم و لا مسّ كتابة القرآن كما أنّه لو كان جنبا و كان الماء منحصرا في المسجد و لم يمكن أخذه إلّا بالمكث وجب أن يتيمّم للدخول و الأخذ كما مرّ سابقا و لا يستباح له بهذا التيمّم إلّا المكث فلا يجوز له المسّ و قراءة العزائم.

(2)

أقول كما قال السيد المؤلف رحمه اللّه قد مرّ الكلام في هذه المسألة في المسألة 9 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 331

أنّه اذا كان المسوغ للتيمّم مختصا بغاية لا يجوز للمتيمّم لها إتيان غاية اخرى به.

***

[مسئلة 31: لو كان عنده من الماء ما يكفى لأحد الأمرين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: قد مرّ سابقا أنّه لو كان عنده من الماء ما يكفى لأحد الأمرين من رفع الخبث عن ثوبه أو بدنه و رفع الحدث قدّم رفع الخبث و يتيمّم للحدث لكن هذا إذا لم يمكن صرف الماء فى الغسل أو الوضوء و جمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث و إلّا تعيّن ذلك و كذا الحال في مسئلة اجتماع الجنب و الميّت و المحدث بالأصغر بل في سائر الدورانات.

(1)

أقول تقدّم حكم هذه المسألة في البحث عن المسوّغ السادس و هو ما إذا عارض استعمال الماء في الغسل أو الوضوء واجب أهم و أمّا صرف ماء المستعمل فى إزالة الخبث فهو يتصوّر في إزالة الخبث عن الثوب أو كونه في غير مواضع الوضوء إذا كان في البدن أو القول بطهارة الماء المستعمل في التطهير من النجاسة.

***

[مسئلة 32: إذا علم قبل الوقت أنّه لو أخّر التيمّم إلى ما بعد دخوله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: إذا علم قبل الوقت أنّه لو أخّر التيمّم إلى ما بعد دخوله لا يتمكن من تحصيل ما يتيمّم به فالأحوط أن يتيمّم قبل الوقت لغاية اخرى غير الصلاة في الوقت و يبقى تيمّمه إلى ما بعد الدخول فيصلّى به كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 332

إذا أمكنه قبل الوقت و علم بعدم تمكنه بعده فيتوضّأ على الأحوط لغاية اخرى أو للكون على الطهارة.

(1)

أقول قد مرّ حكم هذه المسألة في المسألة 1 من هذا الفصل و قلنا من جهة عدم أمر بالتيمّم قبل الوقت لا يجوز التيمّم لصلاة لم يدخل وقتها و أمّا اذا كان لغاية اخرى يجوز الصلاة به مع بقاء عذره بعد الوقت.

***

[مسئلة 33: يجب التيمّم لمسّ كتابة القرآن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: يجب التيمّم لمسّ كتابة القرآن إن وجب كما أنّه يستحبّ إذا كان مستحبّا و لكن لا يشرع إذا كان مباحا نعم له أن يتيمّم لغاية اخرى ثمّ يمسح المسح المباح.

(2)

أقول قد تقدّم حكم هذه المسألة في المسألة العاشرة و قلنا بأنّ جميع غايات الوضوء و الغسل غايات للتيمّم فيجب لما يجب لأجله الوضوء أو الغسل و يندب لما يندب له أحدهما.

فعلى هذا إذا لم تكن الغاية الّتي يؤتي التيمّم لها واجبة أو مستحبة بل تكون مباحة لا تكون عبادة من جهة عدم أمر بها فيشكل الإتيان بالتيمّم لاجل مسّ القرآن إذا يكن المسّ واجبا و لا مستحبا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 333

[مسئلة 34: إذا وصل شعر الرأس الى الجبهة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: إذا وصل شعر الرأس الى الجبهة فإن كان زائدا على المتعارف وجب رفعه للتيمّم و مسح البشرة و إن كان على المتعارف لا يبعد كفاية مسح ظاهره عن البشرة و الأحوط مسح كليهما.

(1)

أقول في فرض كون الشعر زائدا على المتعارف يجب رفعه لكونه مانعا من وقوع المسح على الجبهة و في فرض عدم كونه زائدا على المتعارف فالأحوط كما قال السيد المألف رحمه اللّه مسح كليهما.

***

[مسئلة 35: إذا شك في وجود حاجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: إذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمّم حاله حال الوضوء و الغسل في وجوب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بالعدم.

(2)

أقول لأنّ الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينيّة فيجب الفحص حتّى يحصل له اليقين أو الاطمينان بعدمه.

***

[مسئلة 36: فى الموارد الّتي يجب عليه التيمّم بدلا عن الغسل و عن الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: فى الموارد الّتي يجب عليه التيمّم بدلا عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 334

الغسل و عن الوضوء كالحائض و النفساء و ماسّ الميّت الأحوط تيمّم ثالث بقصد الاستباحة من غير نظر إلى بدليّته عن الوضوء أو الغسل بأن يكون بدلا عنهما لاحتمال كون المطلوب تيمّما واحدا من باب التداخل و لو عيّن أحدهما في التيمّم الأوّل و قصد بالثاني ما في الذمة أغنى عن الثالث.

(1)

أقول كلامه رحمه اللّه تمام لكن الأحوط استحبابا أن يتيمّم تيمّما ثالثا بقصد الاستباحة.

***

[مسئلة 37: إذا كان بعض أعضائه منقوشا باسم الجلالة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: إذا كان بعض أعضائه منقوشا باسم الجلالة أو غيره من أسمائه تعالى أو آية من القرآن فالأحوط محوه حذرا من وجوده على بدنه في حال الجنابة أو غيرها من الأحداث لمناط حرمة المسّ على المحدث و إن لم يمكن محوه أو قلنا بعدم وجوبه فيحرم إمرار اليد عليه حال الوضوء او الغسل بل يجب إجراء الماء عليه من غير مسّ أو الغسل ارتماسا أو لفّ خرقة بيده و المسّ بها و اذا فرض عدم إمكان الوضوء أو الغسل إلّا بمسّه فيدور الأمر بين سقوط حرمة المسّ أو سقوط وجوب المائيّة و الانتقال الى التيمّم و الظاهر سقوط حرمة المسّ بل ينبغى القطع به إذا كان في محلّ التيمّم لأنّ الأمر حينئذ دائر بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 335

ترك الصلاة و ارتكاب المسّ و من المعلوم أهميّة وجوب الصلاة فيتوضّأ أو يغتسل في الفرض الأوّل و إن استلزم المسّ لكن الأحوط مع ذلك الجبيرة أيضا بوضع شي ء عليه و المسح عليه باليد المبلّلة و أحوط من ذلك أن يجمع بين ما ذكر و

الاستنابة أيضا بأن يستنيب متطهرا يباشر غسل هذا الموضع بل و أن يتيمّم مع ذلك أيضا إن لم يكن في مواضع التيمّم و إذا كان ممّن وظيفته التيمّم و كان في بعض مواضعه و أراد الاحتياط جمع بين مسحه بنفسه و الجبيرة و الاستنابة لكن الأقوى كما عرفت كفاية مسحه و سقوط حرمة المسّ حينئذ.

(1)

أقول ما قاله السيد المؤلف رحمه اللّه تمام و الاحتياط المذكور في كلامه حسن.

هذا هو الجزء التاسع من كتابنا ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى و به تمّ بحمد اللّه و منّه شرح مسائل التقليد و الطهارة و أحكامهما.

و أنا أقلّ خدمة العلم و أهله عليّ الصافى الكلبايكاني ابن العلامة الورع المجاهد الشيخ محمد جواد أعلى اللّه مقامه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 337

الفهرس

فصل: في تكفين الميّت 5 الكلام في تكفين الميت 7

وجوب تلقين الخنثى 8

كون الكفن ثلاث قطعات 9

مع عدم التمكن من القطعات يكتفى بالمقدور 10

لا يجوز التكفين بجلد الميتة و بالمغصوب 11

لا يجوز تكفين الميت بالحرير الخالص 13

فى حال الاضطرار بجوز التكفين بغير المغصوب 14

يجوز التكفين بالحرير الغير الخالص اذا كان خليطه أكثر 15

كفن الزوجة على الزوج 16

شروط كون كفن الزوجة على الزوج 17

كفن المحلة على سيدها 18

اذا تبرع متبرع بكفنها سقط عن الزوج 19

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 338

لا يخرج الكفن عن ملك الزوج بتكفين المرأة 20

ما عد الكفن من مؤن تجهيز الزوجة ليس على الزوج 21

القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التركة 22

الاحوط الاقتصار في القدر الواجب على هو أقل قيمة 23

اذا

لم يكن مال بقدر الكفن لا يجب على المسلمين إعطاء الكفن 24

تكفين المحرم كغيره 25

الكلام في مستحبات الكفن 25

الكلام في بقيّة مستحبات الكفن 30

فى مكروهات الكفن 41

الكلام في الحنوط 47

عدم اعتبار قصد القربة في الحنوط 51

كراهة إدخال الكافور في عين الميت و اذنه 52

يستحب سحق الكافور 53

استحباب خلط الكافور بتربة قبر الحسين 54

يبدأ في الحنوط بالجبهة 55

صرف الكافور في الغسل مقدم على الحنوط 56

الكلام في الجريدتين و صفاتهما و كيفية وضعهما و مقدارهما 57

فصل: في التشييع 61 الكلام في التشييع و استحبابه و آدابه و مكروهاته 63

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 339

فصل: في الصّلاة على الميّت 67 الكلام في وجوب الصّلاة على الميت 69

الكلام في استحباب الصّلاة على الطفل المسلم اذا كان عمره أقل من الميت 71

الشرط في صحة الصّلاة على الميت ان يكون مؤمنا و مأذونا من الولى 72

إجراء صلاة الصبى عن البالغين مشكل 73

شرط الترتيب بين الغسل و التكفين و الصّلاة 74

اذا لم يمكن الدفن لا يسقط ساير الواجبات 75

يجوز ان يصلى على الميت أشخاص متعددون 76

الكلام في الصّلاة على بعض أعضاء الميت اذا وجد 77

اذا كان الولى امرأة يجوز لها المباشرة 78

يستحب إتيان صلاة الميت بالجماعة 79

احكام و آداب صلاة الميت بالجماعة 81

الكلام في كيفية صلاة الميت 87

لا يجوز أقل من خمسة تكبيرات 90

ذكر احكام صلاة الميت من الشك و غيره 94

الكلام في شرائط صلاة الميت 95

لا يعتبر الطهارة من الحدث و الخبث فيها 101

اذا لم يمكن الاستقبال

فيها سقط 102

يصلى بعد الدفن على قبر الميت 103

يجوز التيمم لصلاة الميت 104

مع وجود القادر على الصّلاة قائما لا تصل التوبة بالعاجز عن القيام 105

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 340

مع الشك في الصّلاة على الميت وجب عليه إتيانها 106

الكلام في المصلوب 107

يجوز تكرار الصّلاة على المصلى 108

لزوم كون الصّلاة على الميت قبل الدفن 109

جواز الصّلاة على الميت في جميع الاوقات 110

لا يجوز إتيان صلاة الميت في أثناء الصّلاة الفريضة 111

يجوز التشريك في الصّلاة على ميتين 112

كيفية الصّلاة اذا حضر ميت في أثناء الصّلاة على ميت آخر 113

الكلام في آداب الصّلاة على الميت 115

فصل: في الدفن 123 الكلام في الدفن 125

وجوب كون الدفن مستقبل القبلة 127

اذا مات الميت في السفينة و لا يمكن دفنه في الارض يلقى في البحر 128

اذا مات الولد المسلم في بطن الكافرة لدفن مستدبرة القبلة 129

لا يعتبر في الدفن قصد القربة 130

مئونة إلقاء الميت في البحر من أهل التركة 131

يشترط في الدفن إذن الورثة 132

لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفار 133

لا يجوز دفن المسلم في مكان مغصوب 134

يجعل البئر قبرا للميت اذا مات فيه 135

اذا خيف على الطفل و أمه لا يجوز قتل أحدهما لأجل الآخر 136

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 341

الكلام في مستحبات الدفن 137

فصل: فى مكروهات الدفن 159 يجوز البكاء على الميت 169

جواز النوح على الميت 170

يحرم نبش قبر المؤمن 171

موارد جواز نبش قبر المؤمن 173

اذا دفن ملك الغير بغير رضاه لا

يجب عليه الرضا ببقائه 179

اذا أذن في دفن ميت في مكه لا يجوز له أن يرجع بعد الدفن 180

يكره إخفاء موت انسان من أولاده 181

ينبغى للمؤمن إعداد قبر لنفسه 182

استحباب بذل الأرض لدفن المؤمن 183

يستحب للإنسان إعداد الكفن 184

فصل: في الأغسال المندوبة 185 الكلام في الأغسال المندوبة 187

الكلام في غسل يوم الجمعة 188

فى غسل الجمعة و أحكامها 189

الكلام في اغسال شهر رمضان و احكامه 196

غسل يومى العيدين الفطر و الأضحى 198

غسل يوم التروية 199

غسل يوم عرفة ايام من رجب و غسل يوم الغدير 200

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 342

ذكر غسل النيروز و دحو الارض و يوم المولود و المباهلة 201

لا قضاء للاغسال الزمانية اذا جار وقتها 203

فصل: في الأغسال المكانية 205 الكلام في الاغسال المكانية 207

استحباب الغسل عند إرادة الدخول لكل مكان شريف 208

فصل: في الأغسال الفعليّة 209 الكلام في الأغسال الفعليّة 211

الكلام في القسم الثانى من الأغسال الفعلية 215

وقت الأغسال المكانية و الفعلية 220

حكم تداخل الأغسال 221

الكلام في قيام التيمم مقام الغسل 222

الكلام في التيمم 223

مع شهادة عدلين بعدم وجود الماء يسقط الفحص 225

كفاية الاستنابة في الطلب 226

الطلب قبل الوقت لا يكفى لما بعد الوقت 227

المناط في السهم و الرمى القوس و الهواء و الرامى المتعارف 228

اذا ترك الطلب و صلّى بطلت صلاته 229

صورة تبين خلاف الاعتقاد 230

عدم جواز إراقة الماء 231

سقوط طلب الماء اذا خاف على نفسه 232

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 343

المجوز الثانى

للتيمم عدم الوصلة الى الماء 233

اذا توقف تحصل الماء على شراء الدلو او شراء المال او اقتراضه و غير ذلك وجب 234

المجوز الثالث الخوف من استعمال الماء 235

اذا تحمل الضرر و توضئ او اغتسل بطلا 236

صور تبين خلاف الاعتقاد فى الضرر و عدمه 237

يجوز الجماع مع عدم امكان الغسل 239

المجوز الرابع و الخامس و احكامهما 240

صور وجود الخوف على نفسه و غيره 242

صورة دوران أمره بين ترك الصّلاة فى الوقت و شرب ماء النجس 245

اذا كان معه ما يمكن تحصيل الماء أو الساتر أيهما مقدم 246

المجوز السابع للتيمم ضيق الوقت 247

إذا أخر الصّلاة حتى صاف وقتها عصى و صلاة صحيحه 248

المجوز خوف فوت الوقت 249

التيمم لضيق الوقت لا يبيح الا ذلك الصّلاة 250

و لا يبيع بها الغايات الاخر 251

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 9، ص: 343

فى جواز التيمم لضيق الوقت عن المستحبات الموقتة إشكال 252

المجوز الثامن للتيمم حرمة استعمال الماء 253

جواز التيمم مع إمكان فى موردين الاول لصلاة الميت الثانى للنوم 254

مع امكان تتيمم الماء بخلط ماء المضاف بحبت لا يخرج عن الاطلاق يجب ذلك 256

الكلام فى بيان ما يصح التيمم به 259

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 344

ذكر ما كتبناه من تقريرات سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى السيد محمد الحجة رحمه اللّه 261

بعد عدم وجود ما يصدق عليه الأرض يتيمم بالغبار 270

يجوز التيمم بجميع أنواع التراب و جميع

أنواع الحجر 271

فى وجوب تحصيل ما يتيمم به و لو بالشراء 274

ما كان غباره أزيد يكون مقدما 275

المناط فى الطين كونه على وجه يلصق باليد 276

الكلام فى شرائط ما يتيمم به 277

الشرائط الطهارة و الاباحة من حيث المكان و نفس التراب 278

مع العلم بنجاسة أخذ الترابين يتيمم بهما 279

مع العلم بغصبية التراب او الماء لا يجوز التيمم و الا الوضوء 280

يجوز التيمم بالتراب المشكوك كونه نجسا 281

حكم المحبوس من حيث التيمم و الوضوء 282

يستحب ان يكون ما يتيمم به من ربى الأرض و عواليها 283

يكره التيمم بتراب يؤطأ و تراب الطريق 284

الكلام فى كيفية التيمم 285

الامر الاول المعتبر فيه هو ضرب اليدين 286

الكلام فى اعتبار ضرب اليد او يكفى الوضع 287

الأمر الثانى فى التيمم هو مسح الجبهة 289

الكلام فى تعارض الاخبار فى الباب و رفعه 290

الامر الثالث فى التيمم مسح الكفين 291

الكلام فى شرائط التيمم 293

حكم لحم الزائد و اليد الزائدة 296

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 345

مع خلاف الترتيب بطل التيمم 297

اذا كان باطن اليدين نجسا وجب تطهيره 298

حكم أقصع اليد او اليدين 299

كون الخاتم حائلا فيجب نزعه 301

يجب فى المسح إمرار الماسح على الممسوح 302

مع العلم الإجمالي يكونه محدثا يكفى تيمم واحد بقصد ما فى الذمة 303

الكلام فى اعتبار ضربتين او ضربة واحدة 304

المختار لزوم ضربتين مطلقا للوضوء و الغسل 305

جريان قاعدة التجاوز فى التيمم و كذا الفراغ عند المؤلف رحمه اللّه 306

مع العلم بترك جزء من التيمم وجب الإتيان به

مع عدم فوت الموالات 308

الكلام فى احكام التيمم/ لا يجوز التيمم قبل وقتها 309

يجوز المبادرة بالتيمم مع العلم ببقاء العذر 310

المراد بآخر الوقت الآخر العرفى 311

يجوز إتيان صلاة القضاء بالتيمم 312

استحباب إعادة الصّلاة فى خمسة مواضع 313

ذكر الاخبار المتعارضة 314

طريق الجمع بينها 315

جميع غايات الوضوء و الغسل غايات للتيمم 316

التيمم الّذي هو بدل عن الجنابة لا يحتاج الى الوضوء 318

ينتقض التيمم بما ينتقض به الغسل و الوضوء 319

اذا وجد الماء فى أثناء الصّلاة قبل الركوع من الركعة الاولى بطل التيمم 320

زوال العذر غير عدم الماء لا يلحق بعدم الماء 321

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 9، ص: 346

يشكل من كتابة القرآن حال الصّلاة التى وجد فى أثنائها الماء 322

وجدان الماء بعد حكم الشرع بالركوع مثل العلم بالركوع فى الحكم 323

المجنب المتيمم اذا وجد الماء بقدر الوضوء لا يبطل تيممه 324

صورة وجدان جماعة متيممون ماء مباحا 325

اذا وجد الماء يكفى لكل واحد من الغسل و الوضوء الغسل مقدم 326

حكم التداخل فى الأغسال يجرى فى التيمم الّذي هو بدل عنها 327

اذا اجتمع جنب و ميت و محدث قدم الجنب 328

مع نذر نافلة موقتة و عدم وجدان الماء فى وقتها تيمم لها 329

لا يجوز نيابة المتيمم عن الميت فى الصّلاة 330

اذا علم قبل بانّه بعد الوقت لا يجد ما يتيمم به تيمم قبل الوقت لغاية اخرى 331

يجب التيمم لمس كتابة القرآن ان وجب المس 333

اذا شك فى وجود الحاجب وجب الفحص 333

حكم ما إذا كان بعض أعضائه بعض أعضاء بدنه منقوشا باسم

الجلالة 334

الفهرس 337

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

الجزء العاشر

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 4

[الحمد و الثناء لله تعالى]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشكرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 5

كتاب الخمس من شرح عروة الوثقى

اشارة

لشارحه العبد الفقير اقل خدمة اهل العلم على الصافى الكلبايكاني (عفى عنه)

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* قوله رحمه اللّه

كتاب الخمس و هو من الفرائض و قد جعلها اللّه تعالى لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ذريّته عوضا عن الزكاة اكراما لهم و من منع منه درهما أو اقل كان مندرجا فى الظالمين لهم و الغاصبين لحقهم بل من كان مستحلّا لذلك كان من الكافرين ففى الخبر عن ابى بصير قال قلت لابى جعفر عليه السّلام (ما ايسر ما يدخل به العبد النار قال عليه السّلام من اكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم) «1» و عن الصادق عليه السّلام (انّ اللّه لا إله الّا هو حيث حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال) «2» و عن ابى جعفر عليه السّلام (لا يحل لاحد ان يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا) «3» و عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا ان يقول

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب

1 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 8

يا رب اشتريته بما لى حتى يأذن له اهل الخمس) «1».

[فصل فيما يجب فيه الخمس و هي سبعة اشياء:]

اشارة

فصل فيما يجب فيه الخمس و هي سبعة اشياء:

[الاول: الغنائم المأخوذة من الكفار]
اشارة

الاول: الغنائم المأخوذة من الكفار من اهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم بشرط ان يكون باذن الامام عليه السّلام من غير فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه و المنقول و غيره كالاراضى و الاشجار و نحوها بعد اخراج المؤن الّتي انفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ و حمل و رعى و نحوها منها و بعد اخراج ما جعله الامام عليه السّلام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح و بعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة و المركب الفارة و السيف القاطع و الدرع فانها للامام عليه السّلام و كذا قطائع الملوك فانها أيضا له عليه السّلام.

و أمّا إذا كان الغزو بغير اذن الامام عليه السّلام فان كان فى زمان الحضور و امكان الاستئذان منه فالغنيمة للامام عليه السّلام و ان كان فى ز من الغيبة فالاحوط اخراج خمسها من حيث الغنيمة خصوصا إذا كان للدعاء الى الاسلام فما يأخذه السلاطين فى هذه الازمنة من الكفّار بالمقاتلة معهم من المنقول و غيره يجب فيه الخمس على الأحوط و ان كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء الى الاسلام و من الغنائم التى يجب فيه الخمس الفداء الّذي يؤخذ من اهل

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 3 من ابواب الأنفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 9

الحرب بل الجزية المبذولة لتلك السرية بخلاف سائر افراد الجزية.

و منها أيضا ما صولحوا عليه و كذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين فى امكنتهم و لو فى زمن الغيبة فيجب اخراج الخمس فى جميع ذلك قليلا كان أو كثيرا من غير ملاحظة خروج

مئونة السنة على ما يأتي فى ارباح المكاسب و سائر الفوائد.

(1)

أقول اعلم أنّه لا اشكال فى وجوب الخمس فى الجملة بل هو فى الجملة من ضروريات الدين ما نص عليه القرآن الكريم وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ «1» و السنة المتواترة من المعصومين عليهم السلام دالة على وجوبه فى الجملة و على هذا لا اشكال فى اصل وجوبه فى الجملة انّما الكلام فى خصوصياته فنقول يجب الخمس فى سبعة اشياء.

الأوّل: فى الغنائم الماخوذة من الكفار من اهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم.

اما وجوبه فى الغنيمة الماخوذة من اهل الحرب مع المسلمين فى غزوة بدر فهو المورد المتيقن من الآية الشريفة المذكورة لانها نزلت بمناسبة هذه الغزوة كما انه لا خلاف ظاهرا بين الخاصة و العامة فى شمول الآية لكل ما يؤخذ من الغنيمة من اهل الحرب فى غير غزوة البدر من الغزوات فالعامة مع قولهم بنزول الآية فى غزوة

______________________________

(1) سورة الانفال، الآية 41.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 10

بدر يقولون بوجوب الخمس فى الغنائم المأخوذة فى غيرها من الغزوات و بعبارة اخرى يتعدون من مورد شان نزول الآية الى غيره و مع ذلك يختصون وجوب الخمس تمسكا بالآية الشريفة بخصوص الغنائم المأخوذة من الكفار من اهل الحرب و يقولون بعدم وجوبه فى الغنيمة الحاصلة للشخص من غير ما يؤخذ من اهل الحرب من الغنائم.

و من هنا يظهر ان قولهم و فتواهم بعدم دلالة الآية على وجوب

الخمس فى كل غنيمة حتى ما لا يكون من اهل الحرب مع فرض تعدّيهم عن مورد شان نزول الآية و هو حرب البدر الى غيره من الحروب قول بغير علم و فتوى بلا دليل لأنّه ان قلنا انّ اطلاق الآية الشريفة المذكورة الشاملة لكل غنيمة كان يقيّد بمورد النزول فلا يبقى وجه لتعدّيهم عن مورد النزول و هو حرب البدر الى غيره من الحروب و ان لم يكن شان النزول موجبا لتقييد اطلاق الآية الشاملة لكل غنيمة كما هو الحق و به يقول علمائنا الامامية رضوان اللّه تعالى عليهم فلم ينحصرون وجوب الخمس بخصوص غنائم دار الحرب.

فتلخّص من كلّ ذلك انا و لو اغمضنا النظر فرضا عن الاخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام و هم العترة المقرونة بالقرآن فى الكلام المتواتر عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم (انّى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتى الخ) يكفى ظاهر القرآن حجة لنا على وجوب الخمس فى مطلق الغنيمة و ان لم تكن من دار الحرب.

و يظهر لك ممّا ذكرنا أنّه لا اشكال فى الجملة فى وجوب الخمس فى مطلق الغنيمة فى الجملة و من جملتها غنائم دار الحرب بنص الكتاب الكريم مضافا الى دلالة غير واحد من الاخبار على ذلك نذكر بعضها إن شاء اللّه فى المباحث الآتية.

انّما

الكلام فى خصوصياتها.
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 11

الخصوصية الاولى: كون الغنيمة الحاصلة من الكفار من اهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم

اعلم انّ هذا المورد هو المورد المتيقن من الآية الشريفة و النصوص من موضوع وجوب الخمس فى غنائم دار الحرب.

و أمّا غير هذا المورد فنبحث عنه إن شاء اللّه بعد ذلك عند تعرض المؤلف رحمه اللّه له.

الخصوصية الثانية: يشترط ان يكون الحرب باذن الامام عليه السّلام

و هو أيضا المورد المتيقن و أمّا إذا لم يكن باذن الامام عليه السّلام فهل يجب فى الغنائم الماخوذة منه الخمس أو يكون كله للامام عليه السّلام مقتضى رواية العباس الوراق عن رجل سمّاه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا غزا قوم بغير اذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للامام و إذا غزوا بامر الإمام فغنموا كان للامام الخمس «1» هو وجوب خمس الغنيمة اذا كان الغزو بامر الإمام و ان لم يكن بامره فالغنيمة كلّها للامام.

لكن الرواية ضعيفة السند لأنّ من روى عنه العباس مجهول لعدم ذكر رجل سمّاه الّا ان يقال بانجبارها بعمل الاصحاب لعمل المشهور بها أو لكون فتواهم على طبقها.

و يدل على وجوب الخمس فى خصوص ما إذا كان بأمر الامام عليه السّلام ما رواها معاوية بن وهب قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم قال ان قاتلوا عليها مع امير أمره الإمام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم أربعة اخماس و ان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للامام يجعله حيث احب «2».

الخصوصية الثالثة: هل يكون وجوب الخمس فى غنائم دار الحرب مختصا بما حواه العسكر

______________________________

(1) الرواية 16 من الباب 1 من ابواب الأنفال من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب جهاد العدو من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 12

من انسان أو حيوان أو غيرهما من المنقولات أو يعمه و ما لم يحوه العسكر كالاراضى و المساكن و الاشجار.

وجه التعميم الإطلاق المستفاد من الآية الشريفة المذكورة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ الخ و كذا بعض الروايات مثل ما رواها ابو بصير عن ابى جعفر عليه السّلام كل شي ء قوتل عليه على

شهادة ان لا إله الّا اللّه و انّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم رسوله فانّ لنا خمسه و لا يحل لاحد ان يشترى من الخمس شيئا حتّى يصل إلينا حقّنا «1» و غير ذلك.

وجه الاختصاص بما حواه العسكر أوّلا ان الظاهر من الآية الشريفة و الرواية المذكورة و نظيرها هو خصوص ما حواه العسكر لأنّه ان لم يكن خصوص ما حواه العسكر فلا اقل من عدم ظهوره فى اطلاقها خصوصا بعض الروايات لأنّ الظاهر من تقسيم الغنيمة بخمسة حصص هو المنقولات فلا يشمل غير المنقول.

و ثانيا بعد دلالة بعض الروايات على كون الاراضى ملكا لجميع المسلمين أو ان ارض الخراج فى ء للمسلمين و عموم هذا البعض من الروايات اخص من عموم الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ الخ و بعض الروايات الموافقة للآية مفادا.

فلا بد من تخصيص عموم الآية و ما بمعناها من الاخبار بهذه الأخبار فتكون النتيجة وجوب الخمس فى خصوص ما حواه العسكر من غنائم دار الحرب.

و فيه أمّا وجه الأوّل فغير تمام لعدم كون ظاهر الآية و ما بمعناها من الاخبار هو خصوص ما حواه العسكر بل اطلاقها يشمل كل ما حواه العسكر و ما لم يحوه من الغنائم.

و أمّا ما فى الوجه الثانى من الاشكال فنقول ان النسبة بين ما دل على كون

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 13

ارض الخراج فى ء للمسلمين و بين عموم الآية الشريفة و ما مثلها مفادا من الاخبار تكون العموم من وجه لأنّ عموم الأوّل يشمل ارض دار الحرب و ارض غير دار الحرب كما ان

عموم الثاني يشمل اراضى دار الحرب و غير الأراضى مثل المنقولات فالأوّل عام من جهة و الثاني من جهة فاذا كانت النسبة العموم من وجه فلا وجه لتخصيص عموم الثانى بالأوّل بل مقتضى القاعدة هو الاخذ بالاظهر من العامين فى مادة الاجتماع و ان لم يكن بينهما الاظهر فلا بد من تساقطهما فى مادة الاجتماع و الاخذ بالعموم الفوق فيصح ما قيل فى الوجه الثانى ان كان عموم الآية و بعض الاخبار الموافق لها لسانا اظهر من عموم ما دل على كون ارض الخراج فى ء للمسلمين فى مادة الاجتماع و هو اراضى دار الحرب.

أقول أوّلا لم اجد الى الآن فى الروايات ما كان له عموم يدل على كون الاراضى للمسلمين أو اراضى الخراج فى ء لهم بحيث كان عمومه شاملا حتى لأراضى دار الحرب.

و ثانيا على فرض وجوده فعموم ما دل على وجوب الخمس فى غنائم دار الحرب من الآية الشريفة و الرواية اظهر من عموم ما دل على كون الاراضى للمسلمين أو ارض الخراج فى ء للمسلمين فى مادة الاجتماع و هو الأرض الّتي اغتنمها المسلمين فى الحرب قهرا من الكفار فعلى هذا يجب الخمس فى الغنائم من دار الحرب سواء كان ممّا هواه العسكر أو لم يحوه العسكر.

أقول و هنا كلام لسيدنا الاعظم فقيد الاسلام آية اللّه العظمى البروجردي رحمه اللّه عند ما كان بحثه فى الخمس و هذا حاصله لا ينبغى الاشكال فى انّ ما حواه العسكر من المنقولات ملكا لهم بعد اخراج خمسه كما لا ينبغى الاشكال فى كون ما لم يحوه العسكرى من الاراضى و العقار و المساكن و الاشجار ملكا للامام عليه السّلام يضعها حيث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 10، ص: 14

يشاء انّما الكلام فى وجوب الخمس فيه و عدمه فنقول بانّه فرق بين ما يحويه العسكر و هو الاشياء المنقولة و ما لم يحوه العسكر و هو غير المنقولات فى انّ اغتنام القسم الأوّل.

و الغلبة عليه يكون مستندا الى نفس الافراد من المجاهدين من المسلمين المشاركين فى الحرب فياخذون من العدوّ و يغتنمون منه كلما يصل بايديهم من المنقولات من النقود و السلاح و الفراش و اللباس و المراكب و غيرها.

و انّ الثاني: و هو ما لم يحوه العسكر من الاراضى و العقار و غيرهما فان اغتنامه مستند الى جميع المسلمين فيعم من حضر الحرب و من لم يحضره كما فى كل حرب يقع بين الطائفتين فاذا اخذ جنود إحداهما بلدا أو مملكة فيعدّ هذا غنيمة الطائفة لا غنيمة خصوص اهل الحرب فعلى هذا يقال بانّ الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ الخ و كل رواية تكون مثلها مفادا ظاهرة فى وجوب الخمس على ما يغتنمه اهل الحرب لأنّ الامر فى قوله تعالى (اعلموا) متوجه باهل الحرب و ما هو غنيمة لاهل الحرب ليست الا ما هواه اهل الحرب من المنقولات فامر بوجوب الخمس على ما اغتنموا.

و أمّا غير المنقول فليس غنيمة لهم حتى يجب عليهم فيه الخمس فالآية الشريفة لا تشمل موضوعا ما لم يحوه العسكر راسا فلا حاجة الى استدلال آخر على عدم وجوب الخمس فيما لم يحوه العسكر و لا يبعد ذلك فعلى هذا لا بد من القول بالتفصيل بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه العسكر فيجب الخمس فى الأوّل دون الثانى خلافا لما اختاره السيد المؤلف رحمه اللّه فانه اوجب الخمس فى كل منهما.

الخصوصية الرابعة: هل يجب الخمس فى الغنائم الماخوذة من الكفار فى الحرب بعد اخراج المؤن

الّتي انفقت

على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ و حمل و رعى و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 15

نحوها منها أو يجب اخراج الخمس قبل اخراج المؤن منها قولان.

اعلم انّه ليس فى ما بايدينا نص يدل على اخراج المؤن و عدمه فما يمكن ان يكون وجها لخروج المؤن و وجوب الخمس بعدها ليس هو الّا دعوى انّ ذلك مقتضى العدل لأنّه بعد كون صرف المئونة بعد تحصيل الغنيمة بحفظ أو حمل أو رعى أو غيرها مربوطا بكل ما اغتنمه لا بخصوص غير خمس الغنيمة فمقتضى العدل توزيع المئونة على كل ما اغتنم حتى خمسه لا على ما بقى.

أو دعوى أنّه لا تصدق الغنيمة على ما يصرفه فى حفظ الغنيمة أو غيره و لكن يمكن الاشكال فى كلا الوجهين.

نعم يمكن ان يقال بعد كسب الغنيمة و وجوب اداء خمس يكون مقدار الخمس امانة عند المغتنم بناء على تعلق الخمس بالعين أو صار خمسه متعلقا لحق صاحب الخمس فيجب عليه اداء حقه فهو فى طريق اداء حقه فلو احتاج رد الخمس الى مئونة للحمل أو الرعى أو الحفظ فلا يجب على المغتنم بالكسر بل يوزع على كل الغنيمة و معنى ذلك اخراج الخمس بعد المئونة.

الخصوصية الخامسة: يجب الخمس فى هذا القسم بعد اخراج ما جعله الإمام عليه السّلام

من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح مثل ان جعل عليه السّلام ربع الغنائم مثلا لبناء القناطر أو لتطيح الشوارع أو غيرهما.

وجه ذلك هو أنّه بعد جعل الامام عليه السّلام بعضا من الغنيمة لمصلحة خاصة فلا تعدّ هذا المقدار غنيمة لاهل الحرب.

الخصوصية السادسة: يجب الخمس فى هذا القسم بعد استثناء صفايا الغنيمة

كالجارية الورقة و المركب الفارهة و السيف القاطع و الدرع فانّها للامام عليه السّلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 16

و كذا قطائع الملوك فانّها له عليه السّلام أيضا.

يدل على الاربعة ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن صفو المال قال الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفارهة و السيف القاطع و الدرع قبل ان تقسم الغنيمة فهذا صفو المال «1» و الظاهر دلالتها على أنّ صفو المال هذه الاربعة المذكورة.

و يدلّ على خصوص الاولين بالخصوص و على غيرهما بالعموم ما رواها حماد عن العبد الصالح عليه السّلام فى حديث قال و للامام صفو المال ان يأخذ من هذه الاموال صفوها الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهى فذلك له قبل القسمة و قبل اخراج الخمس الخ «2» تدلّ على ان كلما يحبّ الامام عليه السّلام من الغنيمة فهو له قبل اخراج الخمس.

و يدل على كون قطائع الملوك للامام عليه السّلام ما رواه داود بن فرقد قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام قطائع الملوك كلّها للامام و ليس للناس فيها شي ء «3» و غير ذلك راجع الباب المذكور فيه هذه الرواية.

الخصوصية السابعة إذا كان الغزو بغير اذن الامام عليه السّلام فله صورتان:

الصورة الاولى: ما كان الغزو بغير اذنه عليه السّلام و فى زمان حضوره و امكان الاستيذان منه فالغنيمة له عليه السّلام و يدل عليه مرسلة العباس الوراق عن رجل سمّاه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و رواية معاوية بن وهب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام اللتان ذكرناهما فى الخصوصية الثانية من الخصوصيات المبحوثة فى المسألة.

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 1 من ابواب الأنفال من الوسائل.

(2) الرواية

4 من الباب 1 من ابواب الأنفال من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 1 من ابواب الأنفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 17

و الاشكال فى الاولى بضعف السند لارسالها قد يجاب عنه بانّ المشهور عملوا بها و انّ فتواهم مطابق لها و أمّا فى الثانية فاشكل عليها بانّ ظاهرها التفصيل بين القتال و عدمه لا بين اذن الإمام و عدمه و يجاب عنه بانّ ظاهر الرواية التفصيل بين كون القتال مع امير أمره الإمام ففيه الخمس و الّا فهو للامام عليه السّلام.

و فى قبال الروايتين قد يقال بدلالة رواية الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل من اصحابنا يكون فى لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدى خمسا و يطيب له «1» بالإطلاق على وجوب الخمس على ما اصاب الشخص من الغنيمة فيشمل صورة كونه باذن الامام عليه السّلام و صورة عدم اذنه عليه السّلام فيعارض مع الروايتين.

و فيه أوّلا انّ ظاهر هذه الرواية هو كون الغزو بغير اذن الامام عليه السّلام و ثانيا على فرض اطلاق هذه الرواية يقيد اطلاقها بالروايتين المتقدمتين.

الصورة الثانية: ما إذا كان الغزو بغير اذن الامام عليه السّلام فى زمن الغيبة فهل يجب الخمس فى الغنيمة الماخوذة أو لا يجب الخمس.

أقول الظاهر اطلاق الروايتين من هذا الحيث لأنّ الظاهر منهما أنّه مع الاستيذان يجب الخمس و مع عدمه يجب الخمس سواء امكن الاستيذان و لم يستأذن مثل حال حضوره عليه السّلام أو لا يمكن الاستيذان مثل زمن غيبة عليه السّلام.

و يحتمل كون النظر فى الروايتين بظاهرهما الى خصوص صورة امكان الاستيذان و أمّا مع عدمه فالروايتان منصرفتان عنه و لعل لاجل هذا

الاحتمال قال المؤلف رحمه اللّه (الاحوط اخراج خمسها من حيث الغنيمة) فى هذه الصورة و لم يفت بوجوب الخمس.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 18

ثمّ أنّه هل يكون فرق فى صورة عدم كون القتال باذن الامام عليه السّلام بين ما يكون قتال من يأخذ الغنيمة للدعاء الى الاسلام و بين عدم كونه للدعاء الى الاسلام مثل ما يأخذه بعض السلاطين من الكفار عند الحرب معهم.

الظاهر عدم الفرق حتى فيما كان الحرب فى زمن الغيبة لأنّ المستفاد من رواية العباس الوراق و معاوية بن وهب دوران حكمه بوجوب الخمس فى الغنيمة و كونها للامام عليه السّلام مدار الاستيذان منه عليه السّلام و عدم الاستيذان منه عليه السّلام فلا فرق فى كون الغنيمة للإمام مع عدم إذنه بين أن يكون الحرب للدعاء الى الإسلام أو لم يكن لذلك نعم لو قلنا بكون الظاهر من الروايتين صورة امكان الاستيذان فلا تشملان حال الغيبة حتّى نقول بوجوب الخمس فيما اغتنمه من باب عموم ما دل على وجوب الغنيمة و ان تاملنا فى ظهورهما نقول كما قال المؤلف رحمه اللّه بانّ الأحوط وجوب الخمس فافهم.

الخصوصية الثامنة: قال المؤلف رحمه اللّه من الغنائم التى يجب فيها الخمس الفداء

الّذي يؤخذ من اهل الحرب وجه وجوب الخمس فيه هو انّ الفداء بدل المغتنم فالمغتنم بنفسه اخذ الفداء عن المغتنم (بالفتح) أو بامر امير الجيش ففى الحقيقة يكون الفداء غنيمة.

و هل الجزية المبذولة لتلك السرية مثل الفداء فى وجوب الخمس فيه أولا الظاهر عدم كونها بحكمه لأنّ الجزية تصل الى البيت المال الّا ان تجعل لاهل الحرب فمع جعله لهم فليس وجوب الخمس فيه من باب كونها من غنائم

دار الحرب بل هو مثل ساير ارباح المكاسب.

و كذا ما صولحوا عليه فانّ ذلك ليس من الغنائم الماخوذة من الكفار الّا ان صولح على ان يكون ما صولح عليه لاهل الحرب و امّا ما يغتنم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين فيجب الخمس على من يأخذ الغنيمة لأنّه من مصاديق غنائم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 19

الماخوذة من الكفار.

***

[مسئلة 1: إذا غار المسلمون على الكفار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا غار المسلمون على الكفار فاخذوا اموالهم فالأحوط بل الاقوى اخراج خمسها من حيث كونها غنيمة و لو فى زمن الغيبة فلا يلاحظ فيها مئونة السنة و كذا إذا اخذوا بالسرقة و الغيلة نعم لو اخذوا منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة فالاقوى الحاقة بالفوائد المكتسبة فيعتبر فيه الزيادة عن مئونة السنة و ان كان الأحوط اخراج خمسه مطلقا.

(1)

أقول بل الاقوى وجوب خمس الغنيمة فيما غار المسلمون على الكفار لأنّه من مصاديق الغنائم المأخوذة من الكفار بالمقاتلة معهم مع اجتماع ساير الشرائط المذكورة فى الفصل انّ معنى غار المسلمون على الكفار الدخول عليهم بالهجوم عليهم.

و أما إذا اخذوا بالسرقة و الغيلة أو بالربا أو بالدعوى الباطلة فالظاهر عدم كونه من مصاديق الغنائم المأخوذة من الكفار حكما لأنّ الآية الشريفة لا تكون فى مقام البيان من حيث هذه الخصوصيات.

و أمّا ما ورد من الروايات فى الباب فمورده الغزو أو السرية فلا يشمل هذه الموارد فالاقوى أنّه مع كونه واجدا لشرائط الجواز يكون للشخص المسلم الآخذ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 20

نعم يجب عليه الخمس بعنوان ارباح المكاسب بعد المئونة.

***

[مسئلة 2: يجوز اخذ مال النصّاب اينما وجد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز اخذ مال النصّاب اينما وجد لكن الاحوط اخراج خمسه مطلقا و كذا الأحوط اخراج الخمس ممّا حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصاب و دخلوا فى عنوانهم و الا فيشكل حليته مالهم.

(1)

أقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: يجوز اخذ مال النصّاب اينما وجد و يجب اخراج الخمس منه يدل عليه ما رواها حفص بن البخترى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس «1» و روى معلّى

بن خنيس مثله راجع ملحق الحديث.

و قد يقال أو يتوهم دلالة رواية اسحاق بن عمّار قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام مال الناصب و كل شي ء يملكه حلال الا امرأته فان نكاح اهل الشرك جائز و ذلك ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال لا تسبّوا اهل الشرك فانّ لكل قوم نكاحا و لو لا انّا نخاف عليكم ان يقتل رجل منكم برجل منهم و رجل منكم خير من الف رجل منهم لامرناكم بالقتل لهم و لكن ذلك الى الامام «2» على جواز اخذ مال الناصب و عدم وجوب الخمس فيه لعدم تعرّض هذه الرواية لوجوب الخمس.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب جهاد العدو من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 21

و فيه ان غاية ما يمكن ان يقال سكوت هذه الرواية عن الخمس و لا منطوق و مفهوم لها يدل على عدم وجوب الخمس و بعد نصوصية رواية حفص بن البخترى على وجوبه لا بد من ان نقول بوجوب الخمس فيه فلا ارى وجها لما قال المؤلف رحمه اللّه من ان الأحوط ذلك لأنّه بناء على متى الاستدلال برواية حفص يجب الخمس.

نعم قد يقال كما افاد و سيدنا الأعظم رحمه اللّه بان الاصحاب لم يعملوا بالروايتين و لم يقولوا بحلية مال كل ناصبى فتكون الروايتان معارضتين عند الاصحاب فليستا بجهة.

أقول ان قلنا بأنّ مجرد عدم العمل يعدّ إعراضا و قلنا بكفاية اعراض الاصحاب فى وهن الحديث فلا يكون مقتضى الحجية موجودا فى الروايتين فعلى هذا الكلام فى القول بجواز اخذ مال

الناصب و وجوب الخمس فرع على جواز اخذ ماله.

ثمّ انّ هنا كلاما فى أنّه هل يكون وجوب الخمس فى هذا المورد بعد المئونة مثل وجوبه فى ارباح المكاسب أو يجب الخمس و لا يستثنى منه المئونة.

أقول لا ظهور للرواية فى انّ وجوب الخمس فيما يؤخذ من الناصب عنوان بنفسه و يجب فيه الخمس من هذا الحيث فيمكن ان يكون الخمس فيه من باب كونه من مصاديق ارباح المكاسب.

الصورة الثانية: ما حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصّاب و دخلوا فى عنوانهم هل يجب فيه الخمس من باب كون الغنيمة بحكم الغنيمة الماخوذة من الكفار بعنوان المقاتلة قهرا عليهم و ان لم نقل بجواز اخذ مال الناصب اينما وجد و لم نقل بوجوب الخمس فيه أو لا يجب فيه الخمس.

لا يبعد وجوب الخمس فيها من باب كون ما اغتنم من مصاديق الغنائم من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 22

دار الحرب لاطلاق روايتى العباس الوراق و معاوية بن وهب المتقدم ذكرهما فى الخصوصية الثانية من الخصوصيات المتقدمة فى هذا الفصل.

لكن الاشكال فى صحة سند الاولى و اطلاق الثانية نعم لو لم يشكل فى رواية حفص المتقدمة ذكرها فى المسألة الاولى يشمل اطلاقها هذه الصورة أيضا لكن الاشكال كما عرفت فى سندها فعلى هذا ما يمكن ان يقال هو انّ الأحوط وجوب الخمس فى هذه الصورة و الكلام فى كون وجوب الخمس فى هذه الصورة من باب خصوصية فى المورد أو من باب كونه من ارباح المكاسب فيكون بعد المئونة هو الكلام فى الصورة الاولى.

***

[مسئلة 3: يشترط فى المغتنم ان لا يكون غصبا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يشترط فى المغتنم ان لا يكون غصبا من مسلم أو ذمى أو معاهد

أو نحوهم ممن هو محترم المال و الا فيجب ردّه الى مالكه نعم لو كان مغصوبا من غيرهم من اهل الحرب لا بأس باخذه و اعطاء خمسه و ان لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم و كذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من اهل الحرب بعنوان الامانة من وديعة أو اجارة أو عارية أو نحوها.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

الاولى: يشترط ان لا يكون المغتنم (بالفتح) غصبا من مسلم أو غيره ممن هو محترم المال كالذمى و المعاهد لأنّ مالهم محترم و يجب رده الى مالكه و هل يغرم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 23

الامام عليه السّلام غرامته بأربابه و يأخذ عين المغتنم (بالفتح) للمقاتلين او لا يكون محل كلامه و محل بحثه فى كتاب الجهاد و اختار المؤلف رحمه اللّه وجوب رد عين الماخوذ بأربابه.

الثانية: إذا كان المغتنم (بالفتح) مغصوبا عن غيرهم من اهل الحرب فقال المؤلف رحمه اللّه لا بأس باخذه و اعطاء خمسه و ان لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم و الظاهر انّ منشأ فتواه شمول اطلاق رواية العباس الوراق و معاوية بن وهب للمورد أيضا و لكن للتأمل فى شمول الاطلاق مجال لأنّ الظاهر منهما هو الغنيمة الماخوذة من اهل الحرب لا عمّن لا يكون من اهل الحرب و ان كان من اهل الحرب عنوانا و لكن يدّعى التسالم على كون هذا أيضا من المقاتلين و يجب فيه الخمس عليهم.

الثالثة: إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من اهل الحرب بعنوان الامانة من وديعة أو اجارة أو عارية أو نحوها و الظاهر انّ منشأ فتوى المؤلف رحمه اللّه فى المورد من جواز أخذه و اعطاء خمسه

هو شمول اطلاق الخبرين للمورد و هو قابل التأمل فتأمل.

***

[مسئلة 4: لا يعتبر فى وجوب الخمس فى الغنائم بلوغ النصاب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يعتبر فى وجوب الخمس فى الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا فيجب خمسه قليلا كان أو كثيرا على الاصح.

(1)

أقول وجهه عدم الدليل على اختصاص وجوب الخمس على ما إذا بلغ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 24

المغتنم عشرين دينارا فالاطلاق المستفاد من روايتى العباس الوراق و معاوية وهب محكّم.

***

[مسئلة 5: السلب من الغنيمة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: السلب من الغنيمة فيجب اخراج خمسه على السالب.

(1)

أقول وجهه كونه من الغنيمة موضوعا فيشمله اطلاق الدليل الدال على وجوب الخمس فيها.

و قد يستشكل فى أصل وجوب الخمس بانّه عليه السّلام قضى بالسلب للقاتل بدون ان امر بالخمس و يمكن رد الاشكال بان السكوت عن وجوب الخمس لا ينافى الوجوب و بعد شمول الاطلاق له نقول بوجوب الخمس.

و قد يستشكل فى وجوب الخمس بعنوان خمس الغنيمة بانّ كون السلب للقاتل و عدمه تابع للجعل فان جعل الامام عليه السّلام للقاتل كان له و لا يجب فيه الخمس الّا بعنوان كونه من ارباح المكاسب و ان لم يجعل له فلا يكون له حتى يجب عليه خمسه.

أقول لا بدّ من البحث فى ذلك محل و كلامه فى كتاب الجهاد.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 25

[الثانى ممّا يجب فيه الخمس]
اشارة

الثانى ممّا يجب فيه الخمس قوله رحمه اللّه الثانى: المعادن من الذهب و الفضّة و الرصاص و الصفر و الحديد و الياقوت و الزبرجد و الفيروزج و الزيبق و الكبريت و النفط و القير و السبخ و الزاج و الزرنيخ و الكحل و الملح بل و الجصّ و النورة و طين الغسل و حجر الرحى و المغرة و هي الطين الاحمر على الأحوط و ان كان الاقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية بل هى داخلة فى ارباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مئونة السنة و المدار على صدق كونه معدنا عرفا و إذا شك فى الصدق لم يلحقه حكمها فلا يجب خمسه من هذه الحيثية بل يدخل فى ارباح المكاسب و يجب خمسه اذا زادت عن مئونة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه و لا

فرق فى وجوب اخراج خمس المعدن بين ان يكون فى ارض مباحة أو مملوكة و بين ان يكون تحت الأرض أو على ظهرها و لا بين ان يكون المخرج مسلما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 26

أو كافرا ذميا بل و لو حربيا و لا بين ان يكون بالغا أو صبيا أو عاقلا أو مجنونا فيجب على وليهما اخراج الخمس و يجوز للحاكم الشرعى اجبار الكافر على دفع الخمس ممّا اخرجه و ان كان لو اسلم سقط عنه مع بقاء عينه و يشترط فى وجوب الخمس فى المعدن بلوغ ما اخرجه عشرين دينارا بعد استثناء مئونة الاخراج و التصفية و نحوهما فلا يجب إذا كان المخرج اقل منه و ان كان الاحوط اخراجه إذا بلغ دينارا بل مطلقا و لا يعتبر فى الاخراج ان يكون دفعة فلو اخرج دفعات و كان المجموع نصابا وجب اخراج خمس المجموع و ان اخرج اقل من النصاب فاعرض ثمّ عاد و بلغ المجموع نصابا فكذلك على الأحوط و إذا اشترك جماعة فى الاخراج و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصابا فالظاهر وجوب خمسه و كذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج فلو اشتمل المعدن على جنسين أو ازيد و بلغ قيمة المجموع نصابا وجب اخراجه نعم لو كان هناك معادن متعددة اعتبر فى الخارج من كل منهما بلوغ النصاب دون المجموع و ان كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع خصوصا مع اتحاد جنس المخرج منها لا سيّما مع تقاربها بل لا يخلوا عن قوة مع الاتحاد و التقارب و كذا لا يعتبر استمرارا لتكون و دوامه فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ

النصاب فاخرجه ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدنا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 27

(1)

أقول لا اشكال فى وجوب الخمس فى المعدن فى الجملة نصا و فتوى بل هو من المسلمات عندنا نذكر بعض النصوص إن شاء اللّه فى طى المباحث الآتية فنقول بعونه تعالى

يقع الكلام فى طى مسائل:
المسألة الاولى: ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من المعادن منصوص بعضها بالخصوص

فى الروايات و غير منصوص بعضها.

اما المنصوص منها نذكر الروايات المتعرضة لها.

منها ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال عليها الخمس جميعا. «1»

منها ما رواها الحلبى فى حديث قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنز كم فيه قال الخمس و عن المعادن كم فيها قال الخمس و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان فى المعادن كم فيها قال يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة. «2»

و منها ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الملاحة فقال و ما الملاحة فقال (فقلت) ارض سبخة مالحة يتجمع فيه الماء فيصير ملحا فقال هذا المعدن فيه الخمس فقلت و الكبريت و النفط يخرج من الأرض قال فقال هذا و اشباهه فيه الخمس «3».

و منها ما رواها محمد بن على بن ابى عبد اللّه عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب المذكور من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 10، ص: 28

منها زكاة فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس «1».

و منها ما رواها حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة «2».

فترى من ملاحظة مجموع هذه الروايات انّ وجوب الخمس فى معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص منصوص و كذلك فى الملاحة و الكبريت و النفط و كذا اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد بناء على كون المعدن تحت البحر فيخرج منه هذه الثلاثة و قيل ان الرواية ضعيفة السند فلا يمكن القول بوجود النص بالخصوص على اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد.

أقول منشأ تضعيف السند ما قيل من جهالة محمد بن على بن ابى عبد اللّه لكن قال سيدنا الاعظم رحمه اللّه بانّ الراوى عنه هو احمد بن محمد بن ابى نصر و هو لا يروى الّا عن الثقة فاذا لا اشكال فى سند الحديث.

و أمّا غير المنصوص من المذكورات فى المتن فيستدل عليها بإطلاق بعض الروايات.

منها رواية الحلبى المتقدمة ذكرها و رواية محمد بن مسلم المتقدمة الواردة فى الملاحة و مرسلة حماد المتقدمة ذكرها.

و منها ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته عن المعادن ما فيها فقال كلما كان ركازا ففيه الخمس و قال ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس «3».

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس

من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 29

و منها ما رواها عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس «1».

و ما رواها ابن ابى عمير عن غير واحد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال الخمس على خمسة اشياء على الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسى ابن ابى عمير الخامس «2».

منها ما رواها احمد بن محمد ابى نصر قال سألت أبا لحسن عليه السّلام عمّا اخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء قال ليس فى شي ء حتى يبلغ ما يكون فى مثله الزكاة عشرين دينارا «3».

و المستفاد من هذه الطائفة من الروايات هو وجوب الخمس فى المعدن فعلى هذا نقول انّ المذكورات فى الطائفة الاولى يجب فيها الخمس للنص الوارد فيها بالخصوص و لو لم يصدق على بعضها المعدن.

و أمّا ما ذكر فى المتن و لم يرد فيه نص بالخصوص فلا بد من كونه من مصاديق المعدن.

و لا بدّ من فهم ما هو المراد من المعدن فنقول حكى عن بعض اهل اللغة أنّه معدن الذهب و الفضة كما حكى عن المعزب و غيره لا يخفى عدم امكان القول به لاطلاق المعدن فى بعض النصوص المتقدمة على غير معدنهما أيضا مثل الرواية الثانية و الثالثة من الروايات المتقدمة و عن الجوهر حكى تفسيره المعدن بانّه كل

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 1 من

الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 30

حجر يستخرج منه شي ء ينتفع به و لا يمكن القول به لعدم اختصاصه بالحجر لحمله على الملاحة و عن المنتهى المعادن كلما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ماله قيمة ثمّ قسّمه الى منطبع بانفراده و منطبع من غيره و غير منطبع و مائع و نحوه فى التذكرة ثمّ نسب ذلك الى علمائنا اجمع و انحصاره بما يخلق فى الأرض من غير الأرض غير تمام على ما يستفاد من بعض الروايات لأنّ اكثر المذكورات من الأرض و فى المسالك عدم اعتبار كونه من غير الأرض و هو هنا كلما استخرج من الأرض ممّا كان منها بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها الخ.

اعلم انّ المعدن يطلق فى عرف العرب و استعمالاتهم على نفس الاراضى الّتي تستخرج منها الفلزات و غيرها من الجوامد و المائعات و فى عرف اهل الشرع يراد منه الحال فى تلك الاراضى المستخرجة منها دون المحل و لا يبعد كون المراد من المعدن مطلق ما يستخرج من الأرض من بطنها أو سطحها كان من الفلزات أو غيرها منطبعة «1» أو غير منطبعة المشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها و هذا قريب لما قال فى المسالك و هذا ما استفدت من المذكورات فى الروايات من افراد المعدن.

و اعلم انّ مختار المسالك أنّه لا فرق فيه بين ان يكون من الأرض أو خارجا عن الأرض و كذا على ما قلنا من استظهار المراد من المعدن من المذكورات فى روايات الباب فلا يصح اطلاق المعدن على ما يكون مصداق الأرض عرفا لأنّ كل المذكورات فى

الروايات حتى الملاحة لا يصدق اسم الأرض عليه.

فبناء على هذا نقول بان طين الغسل و حجر الرحى و المغرة و هى طين الاحمر يكون من الأرض عرفا.

و أمّا الجص و النورة فكما ترى فى مبحث التيمم يجوّز بعض الفقهاء

______________________________

(1) يعنى (چكش خور)

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 31

رضوان اللّه تعالى عليهم التيمم بها لصدق الأرض عليهما و عدم خروجهما عن الارضية و بعضهم لا يجوّزون التيمم بهما لعدم صدق الأرض عليهما و لا يبعد عدم صدق الأرض عليهما و مع ذلك تقول الأحوط الخمس فيهما من باب الشبهة فى كونها معدنا فيلاحظ فى الخمس فيهما ما يلاحظ فى الخمس فى المعادن على لكن اعلم أنّ ما قلنا من الاحتياط فيهما لا يكون واجبا لأنّه مع الشك فى صدق المعدن لا يجب الخمس فيه من باب وجوب الخمس فى المعدن لكون الشك فى التكليف.

المسألة الثانية: هل يكون فرق فى وجوب الخمس فى المعدن بين كونه فى ارض مباحة و بين ان يكون فى ارض مملوكة

الظاهر عدم الفرق لاطلاق الادلة من هذا الحيث.

المسألة الثالثة: هل يشترط فى وجوب الخمس فى المعدن ان يكون تحت الأرض

أو يجب و ان كان على وجه الأرض.

وجه اختصاص الوجوب بما كان فى تحت الأرض ما فى بعض الروايات من التعبير بكونه (ركازا) كما فى رواية زرارة أو التعبير بقوله (يخرج) كما فى رواية عمار بن مروان و احمد المتقدمتين لأنّ الركاز اى المركوز فى الأرض و الخروج يناسب مع كونه تحت الأرض فيخرج منها.

وجه عدم الاختصاص و تعميم الوجوب حتى لما على وجه الأرض اطلاق بعض الادلة أوّلا و وجوبه فى الملاحة مع اطلاق المعدن عليها مع فرض كونها على وجه الأرض ثانيا و أمّا رواية زرارة و عمار و احمد و إن كان موردها ما كان ركازا أو ما يخرج من الأرض و لكن لا مفهوم لها ينفى صورة كون المعدن على وجه الأرض.

المسألة الرابعة: هل يكون فرق فى وجوب الخمس بين كون المستخرج مسلما و بين كونه كافرا ذمّيا

بل حربيّا او لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 32

الظاهر عدم الفرق لاطلاق الادلة فيجوز للحاكم اجبار الكافر على دفع الخمس بمقتضى ولايته و ان كان يسقط عنه لو اسلم مع عدم بقاء عينه.

المسألة الخامسة: هل يكون فرق فى وجوب الخمس فى المعدن بين كون المستخرج بالغا

و بين ان يكون صبيا و كذا فرق بين ان يكون عاقلا و بين ان يكون مجنونا أو لا الظاهر عدم الفرق غاية الامر فى الصبى و المجنون يجب دفع الخمس على وليهما لوجوب الخمس على ما اخرج بلا تعرض للمخرج (بالكسر).

المسألة السادسة: هل يجب هذا الخمس فيما بلغ المستخرج دينارا او بلغ عشرين دينارا

بعد استثناء مئونة الاخراج و التصفية و نحوهما فلا يجب إذا كان المخرج اقل منه او يجب الخمس مطلقا و لو لم يبلغ عشرين دينارا بل و لو لم يبلغ دينارا واحدا.

منشأ اعتبار بلوغه دينارا الرواية المتقدمة ذكرها و هى ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر عن محمد بن على بن ابى عبد اللّه عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس «1».

و يضعّف هذا الخبر او لا بضعف سندها كما اشرنا إليه سابقا بمحمد بن على بن ابى عبد اللّه لجهالته و ان قال سيدنا الاعظم رحمه اللّه بانّه حيث ان الراوى عنه هو احمد بن محمد بن ابى نصر و هو لا يروى الّا عن ثقة فيتم الاستدلال بها إذا كان المعلوم بنائه على ذلك و ثانيا انّ الرواية لشذوذها و عدم العمل بها موهومة.

و منشأ اشتراط بلوغه عشرين دينارا الرواية المتقدمة ذكرها أيضا و هى

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 3 من الابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 33

ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر قال سألت أبا لحسن عليه السّلام عمّا اخرج المعدن عن قليل أو كثير هل فيه شي ء قال ليس

فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون فى مثله الزكاة عشرين دينارا «1».

وجه الوجوب مطلقا بلغ عشرين دينارا أو لم يبلغ بل بلغ دينارا أو لم يبلغ اطلاق سائر اخبار الباب التى تلوناها عليك هذا ما خطر ببالى و لم ار من جمع بين الروايات بهذا النحو.

أقول أمّا الاخبار المطلقة فلا اشكال فى لزوم تقييدها لو كان مقيد فى البين فعلى هذا نقول بانّ المقيد.

امّا الرواية الدالة على الوجوب إذا بلغ دينارا فهى مع قطع النظر عن ضعف سندها و شذوذها لا بد من حمل الامر فيها بالخمس إذا بلغ دينارا على الاستحباب بقرينة رواية احمد بن محمد بن ابى نصر الّتي نصّ فى عدم وجوب الخمس حتى يبلغ عشرين دينارا و بعد حمل ظاهر رواية محمد بن على بن أبى عبد اللّه على نصّ رواية احمد بن محمد بن ابى نصر يكون المقيّد للاطلاقات هو رواية احمد بن محمد بن ابى نصر.

و بعد كون رواية احمد مقيّدا فلا بد من تقييد روايات المطلقة بها و تكون النتيجة وجوب الخمس إذا بلغ الخارج عشرين دينارا و الّا فلا يجب الخمس نعم الأحوط استحبابا يجب فيما بلغ دينارا بل و لم يبلغ دينارا الأحوط استحبابا اخراج الخمس أيضا.

المسألة السابعة: هل يجب الخمس فى المخرج (بالفتح) فى تمامه

أو يجب بعد

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 34

اخراج مئونة الاخراج و التصفية و نحوهما و استثنائها.

ما يستدل به على وجوب الخمس بعد اخراج مئونة الاخراج و نحوها ان كان ما ورد من انّ الخمس بعد المئونة.

ففيه انّ الظاهر ممّا ورد هو المئونة فى ارباح المكاسب و الشاهد استثناء مئونته و مئونة

عياله و هو يناسب مع ارباح المكاسب.

نعم يدعى الاجماع و عدم الخلاف على كون الخمس بعد استثناء مئونة الاخراج و نحوها.

المسألة الثامنة: بناء على اعتبار النصاب فى خمس المعدن لو اخرج ما يبلغ النصاب دفعة واحدة

فلا اشكال فى وجوب الخمس و انّما الكلام فيما اخرج دفعات و كان المجموع نصابا فهل يجب اخراج خمس المجموع أو لا الظاهر الوجوب لاطلاق الاخبار.

المسألة التاسعة: بناء على وجوب الخمس فيما بلغ المخرج (بالفتح) حد النصاب

يقع الكلام فيما اذا اخرج اقل من النصاب فاعرض ثمّ عاد و بلغ المجموع نصابا فهل يجب اخراج الخمس أو لا يجب أو يجب على الأحوط كما اختاره المؤلف رحمه اللّه الظاهر وجوب اخراج الخمس لاطلاق الاخبار.

المسألة العاشرة: بناء على اعتبار النصاب فى وجوب الخمس إذا اشترك جماعة فى الاخراج

و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصابا فهل يجب الخمس اعنى خمس المجموع البالغ بالنصاب مع فرض عدم بلوغ حصة كل واحد منهم النصاب أو لا.

وجه الوجوب الجمود على ظاهر بعض الاخبار الدال على وجوب الخمس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 35

على ما اخرج مثل رواية عمار بن مروان و احمد بن محمد بن ابى نصر.

وجه عدم الوجوب هو كون الامر متعلقا بالافراد فكل فرد بلغ ما اخرجه من المعدن حد النصاب وجب عليه لأنّه بعد ضم مطلق ما يدل على وجوب الخمس فى المعدن على المقيد و هو اشتراطه ببلوغه حد النصاب ينبح ذلك و هذا واضح.

المسألة الحادى عشر: إذا كان معادن متعددة لشخص واحد

و قلنا باعتبار بلوغ المخرج حدّ النصاب فهل يشترط فى وجوب الخمس بلوغ كل واحد منها حدّ النصاب فلا يجب فيما لم يبلغ كل واحد منها حدّ النصاب و ان بلغ مجموعها النصاب او لا يشترط ذلك بل يجب الخمس على المخرج بمجرد بلوغ مجموع ما اخرجه من المعادن المتعددة حدّ النصاب أو التفصيل بين ما تكون المعادن متقاربة فيجب و بين ما لا تكون متقاربة فلا يجب الخمس أو التفصيل بين ما تكون هذه المعادن متحدة الجنس مثلا كلّها تكون ذهبا و بين ما لا تكون متحدة الجنس فيجب فى الأوّل دون الثانى.

أقول الظاهر عدم الوجوب مطلقا الّا إذا بلغ كل واحد منها حد النصاب لأنّ المنصرف إليه بل الظاهر من الروايتين الدالتين على اعتبار النصاب كون متعلق الحكم كل فرد فرد من المعادن لا جنسه نعم لو كانت المعادن متقاربة بمقدار من القرب تعدّ عند العرف معدن واحد يجب الخمس إذا بلغ مجموعها النصاب كما

لا فرق فى كون الاعتبار ببلوغ كل معدن حدّ النصاب بين كون المعادن من جنس واحد أو من اجناس مختلفة.

المسألة الثانية عشر: هل يعتبر فى وجوب الخمس فى المعدن استمرار التكون و دوامه

مثل المعادن الّتي يستخرج منها الاشياء سنين كثيرة أو لا يعتبر ذلك فى وجوب الخمس فلو اخرج مرة واحدة شيئا من الاشياء المعدنية مثلا الياقوت ثمّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 36

لا يوجد بعده شي ء و بلغ فى المرة الواحدة النصاب يجب الخمس بناء على اعتبار النصاب أو اقل من حد النصاب بناء على عدم اعتبار بلوغ النصاب ثمّ انقطع.

الظاهر الثانى لاطلاق الاخبار من هذه الجهة.

***

[مسئلة 6: لو اخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لو اخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية فان علم بتساوى الاجزاء فى الاشتمال على الجواهر أو بالزيادة فيما اخرجه خمسا اجزا و الّا فلا لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده.

(1)

أقول ان كان الكلام فيما عنونه المؤلف رحمه اللّه من أنّه إذا اخرج خمس تراب المعدن لا بدّ من العلم بتساوى الاجزاء فى الاشتمال على الجواهر حتى يعلم باسقاط التكليف باداء خمسه فهذا ممّا لا ينبغى الاشكال فيه.

و لكن ما ينبغى ان يتكلم فيه هو أنّه هل يصح اخراج خمس التراب بعنوان ما فى التراب من الجواهر بعد التصفية أو لا يكفى هذا لعدم وجوب الخمس الّا بعد تصفيته لأنّ الخمس متعلق بهذه الاشياء مثلا بالذهب و ليس التراب ذهبا.

فاقول فى هذا المقام بانّ الظاهر من الاخبار هو وجوب الخمس فى المعدن و هو الذهب و الفضة و نظائرهما فعلى هذا نقول ان التراب تارة يكون بحيث يكون الذهب مثلا فيه غاية الامر مختلطا بغيره و تارة لا يكون كذلك بل لا بدّ من اعمال عمل فى التراب حتى يصير جوهرا من الجواهر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 37

ففى الأوّل يجب الخمس فى الجوهر المختلط بغيره فعلى هذا يجوز

اخراج خمس التراب بشرط العلم بكون خمس كل الجوهر موجود فيما اخرجه بعنوان الخمس.

و أمّا فى الثانى فلا يجب الخمس بعد فلا يجزى اعطائه بقصد الخمس فتامل.

***

[مسئلة 7: إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا فى الصحراء فان علم أنّه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما و علم انّ المخرج له حيوان أو انسان لم يخرج خمسه وجب عليه اخراج خمسه على الأحوط إذا بلغ النصاب بل الأحوط ذلك و ان شك فى انّ الانسان المخرج له اخرج خمسه أم لا.

(1)

أقول قبل ان نتكلم فى حكم ما ذكر فى المسألة ينبغى ان نتكلم فى أنّه متى يجب خمس المعدن على المكلف.

فنقول انّ الأرض الواقع فيها المعدن امّا تكون ملكا للشخص و امّا تكون من الأنفال و امّا ان تكون من الأراضى المفتوحة عنوة و فى كلّها امّا اخرج المعدن شخص بنفسه أو بالتسبيب بفعل الغير فمقتضى اطلاق الاخبار الدالة على وجوب الخمس فى المعدن وجوب الخمس على الشخص.

و أمّا إذا اخرجه غاصب فاستنقذ المالك منه أو اخرجه السيل أو الريح أو الحيوان و لم يكن له مالك فيما خرج من مثل الريح و غيره و لكن وجده مطروحا على الأرض فهل يجب على من اخذه الخمس أو لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 38

قد يتوهم عدم وجوب الخمس فى هذه الصور لأنّ الواجب الخمس على من اخرجه و على الفرض ليس الآخذ مخرجه عرفا فيما لا يكون الاخراج بفعله.

و فيه انّ دعوى الانصراف دعوى بلا دليل و الظاهر من الاخبار وجوب الخمس على المعدن سواء كان الآخذ مخرجه أو لا و أمّا إذا أخرجه انسان آخر فوجده

آخر مطروحا على الأرض فان علم بأنّه أخرجه لنفسه و لم يؤد خمسه يجب خمسه على الاخر و يكون ما بقى لقطة.

و أمّا إذا علم أنّه اخرجه لنفسه و لا يعلم أنّه ادّى خمسه او لا فلا يجب خمسه و يكون لقطة و محكوما بحكمها كما أنّه كل شي ء يلتقط من الأرض لا يجب خمسه و ان شك فى تعلق الخمس به و اداء مالكه على تقدير التعلق أم لا.

و أمّا إذا وجده مطروحا و يدور أمره من باب العلم الاجمالى بانّه خرج من مثل السيل و نحوه أو أنّ المخرج له حيوان أو انسان يعلم أنّه لم يخرج خمسه فقال المؤلف قدس سره الأحوط فيه وجوب الخمس و بنظرى الاقوى عدم وجوب الخمس لعدم تنجز العلم الاجمالى و من هذا يظهر عدم وجه للاحتياط بالخمس فيما يكون مطروحا على الأرض و يحتمل ان اخرجه انسان و يحتمل أنّه مع تقدير كونه المخرج ادى خمسه و هو اولى بعدم الاحتياط من فرص السابق لأن فى الفرض السابق يعلم بعدم اداء خمسه على فرض كون المخرج انسانا و فى هذا الفرض يحتمل اداء خمسه على فرض كون المخرج انسانا فافهم.

***

[مسئلة 8: لو كان المعدن فى ارض مملوكة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لو كان المعدن فى ارض مملوكة فهو لمالكها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 39

و إذا اخرجه غيره لم يملكه بل يكون المخرج لصاحب الأرض و عليه الخمس من دون استثناء المئونة لأنّه لم يصرف عليه مئونة.

(1)

أقول أمّا كونه لمالك الأرض فلكونه من جملة ملكه و ان اخرجه غيره لم يملكه لعدم صيرورته ملكا له بالاخراج بل هو غاصب له.

و أمّا وجوب الخمس على صاحب الأرض فلما قلنا فى المسئلة

7 من كون اطلاق الادلة شاملا لمورد لا يكون المالك مخرجا.

و أمّا عدم استثناء المئونة فلعدم صرفه مئونة له.

*** قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا كان المعدن فى معمور الأرض المفتوحة عنوة الّتي هى للمسلمين فاخرجه احد من المسلمين ملكه و عليه الخمس و ان اخرجه غير المسلم ففى تملكه اشكال و أمّا إذا كان فى الأرض الموات حال الفتح فالظاهر انّ الكافر أيضا يملكه و عليه الخمس.

(2)

أقول قد يقال فيما اخرجه احد المسلمين بانّ ما اخرجه احد من المسلمين من المعدن فى معمور الأرض المفتوحة عنوة يكون ملكا للمسلمين لا لمن اخرجه لأنّه بعد كون الأرض للمسلمين فالمعدن يكون لهم لأنّه تابع للأرض فى الملكية فعلى هذا يشكل القول بكونه ملكا للمخرج.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 40

و لكن يقال فى وجه كون المعدن فى هذا الأرض ملكا لمن اخرجه.

امّا بانّ الأرض المذكورة حيث كانت فى نفسها فى حكم الموات فالمخرج يكون ملكا للمخرج.

و فيه عدم تماميته هذا الوجه لانّها خارجة عن ارض الموات بصيرورتها ملكا للمسلمين فما يخرج عنها تابعا لاصل الأرض.

و إمّا بانّ السيرة قائمة على تصرّف أفراد المسلمين فى زمان تسلط المعصومين عليهم السّلام و عدم تسلّطهم فى اراضى الموات و فى المفتوحة عنوة كافية فى جواز الخروج عن قاعدة التبعية.

و فيه ان وجود السيرة فى اراضى المفتوحة عنوة على جواز تملك هذه الاراضى حتى بدون اذن الامام عليه السّلام غير محقق.

و الحاصل ان وجوب الخمس على المخرج تابع لتملكه فان قلنا بملكية المخرج لمن اخرجه يجب عليه الخمس و الّا فلا هذا إذا اخرجه مسلم من المسلمين.

و أمّا فيما اخرجه غير المسلم فلا يملكه المخرج لكون الأرض

المفتوحة عنوة للمسلمين و لا دليل على صيرورة ما اخرجه الكافر ملكا له و وجود السيرة المدعاة فيما اخرجه المسلم فى هذا المورد غير معلوم.

و أمّا فيما اخرج المعدن الكافر فى ارض الموات فهو له و يجب عليه الخمس كما قلنا فى ذيل اصل فصل وجوب الخمس فى المعدن لأن إطلاق الاخبار يشمل المورد.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 41

[مسئلة 10: يجوز استيجار الغير لاخراج المعدن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: يجوز استيجار الغير لاخراج المعدن فيملكه المستاجر و ان قصد الاجير تملكه لم يملكه.

(1)

أقول لانّ المستاجر مالك له كما قدمنا سابقا من ان ملكيته تحصل بالمباشرة و بالتسبيب و لا يملكه الاجير هذا كله فيما اذا استاجره لهذا العمل الخاص اعنى لهذه المنفعة الشخصية معلوم لأنّ عمله ملك للمستأجر بالاجارة و أمّا لو استأجره المستاجر على ما فى الذمة مثلا عمل ساعة مطلقة فامره بان يصرف هذا العمل فى اخراج المعدن لكن الاجير قصد العمل لنفسه لا للمستأجر فالمخرج يصير له لو لم يكن الأرض ملكا للمستأجر مثلا كان المعدن فى ارض الموات و ان بقى على عهدته العمل للمستأجر بمقتضى الاجارة و وجهه معلوم لكون المعدن للمخرج (بالكسر).

***

[مسئلة 11: إذا كان المخرج عبدا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا كان المخرج عبدا كان ما اخرجه لمولاه و عليه الخمس.

(2)

أقول لانّه ملكه و ماله ملك له الّا فى بعض الصور الّذي يكون حاصل عمله ملكه و ذكر فى محله و اليوم لا ثمره لبيان هذا الفرع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 42

[مسئلة 12: إذا عمل فيما اخرجه قبل اخراج خمسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا عمل فيما اخرجه قبل اخراج خمسه عملا يوجب زيادة قيمته كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حليا أو كان مثل الياقوت و العقيق فحكه فصّا مثلا اعتبر فى الاخراج خمس مادته فيقوم حينئذ سبيكة أو غير محكوك مثلا و يخرج خمسه و كذا لو اتجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناويا إلا خراج من مال آخر ثمّ أداه من مال آخر و أمّا إذا اتجر به من غير نية الاخراج من غيره فالظاهر انّ الربح مشترك بينه و بين ارباب الخمس.

(1)

أقول أمّا فيما إذا عمل المخرج للمعدن عملا فيما اخرجه يوجب زيادة قيمته فلا يجب عليه خمس تلك الزيادة لأنّ الواجب خمس خصوص ما اخرجه و هو المادة المخرجة لا الهيئة الصانعة فيها من جعلها حليّا أو ضربها درهما أو دينارا.

و أمّا لو اتجر مع ما اخرجه من المعدن فتارة يتّجر به مع نيته اخراج الخمس من مال آخر قبل ان يتّجر به فنقول أنّه ان قلنا بانّه يكفى فى نقل الخمس من العين الى الذمة مجرد النية فيصير الربح للمالك.

و أمّا لو لم نقل بذلك لعدم الدليل على كفاية مجرد نيته اخراج الخمس من مال آخر فى نقل الخمس من العين الى الذمة فيكون حكم هذه الصورة بحكم الصورة الاخرى و هى هذه.

ما لو اتجر بما اخرج

من غير نية اخراج خمسه من غيره فقال المؤلف رحمه اللّه الظاهر انّ الربح مشترك بينه و بين ارباب الخمس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 43

أقول الاتجار به تارة يكون بعينه الشخصية مثل أن يبيع و يشترى بعينه ما اخرجه من المعدن من الذهب فيكون من صغريات بيع ما يملك و ما لا يملك فيجوز لولى الخمس امضاء المعاملة و ردّه فلو امضاها يكون الربح مشتركا بين مالك المعدن و بين ارباب الخمس و لو ردّه ولى ارباب الخمس صارت المعاملة بالنسبة الى سهم ارباب الخمس فاسدة و يكون لطرف آخر المعاملة خيار تبعض الصفقة و تارة يكون المعاملة كليا مثل ان يشترى شيئا بمثقال من الذهب الكلى ثمّ فى مقام الوفاء يعطى مثقالا من الذهب المخرج من المعدن المتعلق للخمس فالظاهر انّ المعاملة تصير صحيحة و الربح له غاية الامر يشتغل ذمّته للبائع لادائه الذهب الّذي كان خمسه من الارباب الخمس فى مقام اداء الثمن فتامل فيما بينا حتى يظهر لك إن شاء اللّه ما فى كلام المؤلف رحمه اللّه من الاشكال فى بعض فروع المسألة.

***

[مسئلة 13: إذا شك فى بلوغ النصاب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا شك فى بلوغ النصاب و عدمه فالاحوط الاختبار.

(1)

أقول قد امضينا فى الاصول عدم وجوب الفحص فى الشبهات الموضوعية.

لكن نرى فى الفقه موارد التزم فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم بالفحص على سبيل الفتوى أو الاحتياط مثل مورد الشك فى وجوب تعلق الزكاة أو فى وجوب الخمس أو فى بلوغهما النصاب أو استطاعته فى الحج فكيف نجمع بين ما قلنا فى اصول الفقه و بين الالتزام فى وجوب الفحص فى امثال هذه الموارد مع كون الشبهة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 10، ص: 44

موضوعية و لقد ذكر بعض الوجوه له لكن ليس المقام مقام ذكره.

من جملتها أنّه لو التزمنا فى امثال هذه الموارد بعدم وجوب الفحص يلزم العلم بالمخالفة القطعية للتكليف المعلوم فى غالب الموارد بل اغلبها و لهذا يجب الفحص.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 45

[الثالث ممّا يجب فيه الخمس الكنز]
اشارة

الثالث ممّا يجب فيه الخمس قوله رحمه اللّه

الثالث: الكنز و هو المال المذخور فى الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر و المدار الصدق العرفى سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر و سواء كان فى بلاد الكفار الحربيين أو غيرهم أو فى بلاد الاسلام فى الأرض الموات أو الأرض الخربة الّتي لم يكن لها مالك أو فى ارض مملوكة له بالاحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكا للبائعين و سواء كان عليه اثر الاسلام أم لا ففى جميع هذه يكون ملكا لواجده و عليه الخمس و لو كان فى ارض مبتاعة مع احتمال كونه لاحد البائعين عرفه المالك قبله فان لم يعرفه فالمالك قبله و هكذا فان لم يعرفه فهو للواجد و عليه الخمس و ان ادعاه المالك السابق فالسابق اعطاه بلا بينة و ان تنازع الملاك فيه يجرى عليه حكم التداعى و لو ادعاه المالك السابق إرثا و كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 46

له شركاء نفوه دفعت إليه حصته و ملك الواجد الباقى و اعطى خمسه و يشترط فى وجوب الخمس فيه النّصاب و هو عشرون دينارا.

(1)

أقول و قبل التكلم فى حكم الكنز نذكر بعض الاخبار الواردة فيه إن شاء اللّه كى ينفعنا فى فهم حكم المسألة فنقول بعونه تعالى.

الرواية الاولى:

ما رواها الحلبى فى حديث أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنز كم فيه قال الخمس الحديث «1».

الرواية الثانية: ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال ما يجب الزكاة فى مثله ففيه الخمس «2».

الرواية الثالثة: ما رواها حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام فى وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلىّ عليه السّلام قال يا على ان عبد المطلب سنّ فى الجاهلية خمس سنن اجراها اللّه فى الاسلام الى ان قال و وجد كنزا فاخرج منه الخمس و تصدق به فانزل اللّه و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه الآية «3» و غيره من ابواب الخمس من الوسائل إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى.

لا اشكال فى وجوب الخمس فى الكنز عندنا نصا و فتوى و انّما

الكلام فى مسائل:
اشارة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب المذكور من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 47

المسألة الاولى: لا اشكال فى انّ المال المذخور فى الأرض كنز

بل هو القدر المتيقن ممّا يقال بانّه مصداق الكنز و هل المذخور فى الجبل أو الجدار أو الشجر من المال يكون من مصاديق الكنز أم لا صار مورد الإشكال؟

وجه الاشكال تفسير بعض اهل اللغة عن الكنز بانّه المال المذخور فى الأرض فلا يشمل غير الأرض و بعد عدم ذكر موضوعه فى الاخبار لا بد من الرجوع الى ما هو موضوعه عند العرف و اللغة و يمكن دفع الاشكال بانّه و ان فسّر فى كلام بعض اهل اللغة بخصوص المال المذخور فى الأرض و لكن فى تفسير بعضهم مطلق المال المذخور فيشمل المذخور فى الجبل و الجدار و الشجر و نحوها كما هو كذلك عرفا فعلى هذا يشمل الكنز كل مال مذخور فى الأرض و غير الأرض من الجبل و الجدار و الشجر و نحوها.

نعم الظاهر اعتبار كون المذخور ممّا يعتنى بشأنه عند العرف فلا يشمل كل شي ء مذخور و لو لم يكن له ثمن و قيمة أو كان له قيمة بخس.

فالمدار كما قال المؤلف رحمه اللّه على الصدق العرفى.

المسألة الثانية: هل يكون فرق فى وجوب الخمس فى الكنز بين ان يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين

أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر أم لا؟

اختار بعض فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم عدم الفرق و هو مختار المؤلف رحمه اللّه لإطلاق الاخبار من هذا الحيث.

و يدلّ عليه رواية زرارة المتقدمة ذكرها عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته عن المعادن ما فيها فقال كلما كان ركازا ففيه الخمس و قال و ما عالجته بمالك ففيه ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 48

أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس «1» فإن جواب الإمام عليه السلام (كلّما كان ركازا فيه الخمس) يدل على وجوب الخمس فى مطلق الكنز سواء كان

من النقدين أو غيرهما لأنّ الركاز على ما فى اللغة إمّا عبارة عن خصوص المذخور فى الأرض أو الجدار و كليهما يشملان الكنز و يستفاد من كلامه عليه السّلام جوابا عن المعدن أنّ الركاز مطلق ما فى الأرض من المعدن و غيره و عن بعض الفقهاء رضوان اللّه عليهم تخصيصه بالنقدين و يستدل عليه باصالة البراءة لأنّه شك فى وجوب الخمس فى غير النقدين من الكنز فبمقتضى اصالة البراءة نحكم بعدم وجوبه.

و فيه أنّه لا مجال للأصل العملى مع الدليل اللفظى و هو الاطلاق كما بينا.

و يستدل أيضا على انحصار وجوب الخمس بالنقدين من الكنز بالرواية الثانية من الروايات المتقدمة فى صدر بحث الكنز و هى ما رواها البزنطى لأنّ فيها قال عليه السّلام (ما يجب الزكاة فى مثله ففيه الخمس) جوابا عن سؤال احمد بن محمد بن ابى نصر البزنطى (عما يجب فيه الخمس من الكنز) بدعوى دلالتها على وجوب الخمس فيما يجب فيه الزكاة من الكنز اعنى فى الدينار و الدرهم.

و فيه انّ المحتملات فى الرواية ثلاثة:

الاحتمال الاوّل: ان يكون النظر فى سؤال السائل عن جنس ما يتعلق به الخمس من الكنز فاجاب عليه السّلام بانّ ما يجب الخمس فيه من اجناس الكنز هو الجنس الّذي يجب فيه الزكاة و هو الذهب و الفضة فلا يجب فى غيرهما من افراد الكنز الخمس لأنّ المستفاد من الرواية تحديد ما يجب فيه الخمس من الكنز جنسا و على هذا الاحتمال يصح الاستدلال بالرواية على انحصار وجوب الخمس فى الكنز بالنقدين.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 49

الاحتمال الثاني: ان يكون

النظر فى سؤال السائل عن المالية بمعنى كون السؤال فى قوله عما يجب فيه الخمس من الكنز عن اعتبار بلوغ المقدار و مالية الكنز بمقدار معين فى وجوب الخمس مثل المعدن مثلا و عدم اعتباره فاجاب عليه السّلام أنّ ما يجب الزكاة فى مثله ففيه الخمس اعنى يجب الخمس فى الكنز إذا بلغ مقدار ماليته المقدار المعتبر فى زكاة الذهب و الفضة و هو عشرون دينارا فعلى هذا تكون الرواية دليلا على اعتبار النصاب فى خمس الكنز و هو عشرون دينارا و هو النصاب الأوّل فى الزكاة من حيث المالية.

الاحتمال الثالث: ان يكون السؤال عن كل من الجنس و المقدار المالية فكان سؤاله عن جنس ما يجب فيه الخمس من الكنز و عن مقدار المالية الّتي اذا بلغ الكنز هذا المقدار من المالية يجب فيه الخمس فتكون الرواية دليلا على كل من الامرين من كون وجوب الخمس فى الكنز فى خصوص النقدين و كون مورد وجوبه ما إذا بلغ النصاب و هو عشرون دينارا.

إذا عرفت المحتملات نقول لا يبعد كون الاحتمال الأوّل هو اقوى المحتملات لأنّ الظاهر من قوله عليه السّلام ما يجب الزكاة فى مثله ففيه الخمس انّ جنس الكنز الّذي يجب فيه الخمس هو الّذي يجب الزكاة فى مثله و الكنز الّذي فى مثله الزكاة ليس الّا النقدين لا الحلى و لا غير النقدين من الذهب و الفضة و لا غيرهما من الجواهر و النفائس الاخر فيكون السؤال و الجواب عن جنس ما يجب فيه الخمس من الكنز و لا يكون مورد السؤال عن المقدار و المالية بمعنى انّ المال الّذي فيه الخمس من الكنز مطلق المال أو قسم خاص منه حتى يكون

الجواب راجعا الى انّ المال الّذي فيه الخمس من الكنز هو المال البالغ لحدّ الّذي يجب فيه الزكاة و هو عشرون دينارا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 50

أمّا أولا فلأنّ الظاهر كون السؤال و الجواب راجعا الى جنس ما فيه الزكاة من الكنز و ثانيا المال الّذي يجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب هو خصوص النقدين فلا بد ان يكون المثل من حيث المالية أيضا هو خصوص النقدين لا مطلق المال المذخور و ان لم يكن من النقدين و الحاصل ان النظر فى الجواب و السؤال لو فرضنا ان يكون من حيث المالية فالنتيجة أيضا انحصار وجوب الخمس بالنقدين من الكنز او الالتزام بان النقدين من الكنز فيهما النصاب و غير النقدين منه ليس فيه النصاب لا يمكن القول به لأنّه بناء عن ان يكون السؤال عما يجب فيه الخمس فى الكنز من حيث المالية و مفاد الجواب هو أنّه ما يجب الزكاة فى مثله من حيث المالية يجب فيه الخمس فقوله (فى مثله) يدل على ان النظر فى المالية الى المثل و المثل الّذي فيه الزكاة هو خصوص النقدين فعلى هذا ان كان النظر فى الرواية الى المالية تكون النتيجة هو كون النصاب فى النقدين من الكنز فقط لأنّ المال الّذي فيه النصاب ممّا يعدّ كنزا هو النقدان فالمثل هو النقدان فقط لا غيرهما فلا بد أمّا من الالتزام بانحصار الكنز الواجب فيه الخمس بالنقدين و هو المطلوب و أمّا من الالتزام بالتفصيل بين النقدين من الكنز و بين غير النقدين منه فى اعتبار النصاب فى الأوّل و عدمه فى الثانى و هو ممّا لا يمكن الالتزام به.

لكن بعد اللتيا و

الّتي على فرض دلالة رواية البزنطى على وجوب الخمس فى النقدين لا مفهوم لها يدلّ على عدم وجوب الخمس فى غيرهما فمع الاطلاقات المقتضية لوجوب الخمس فى مطلق الكنز خصوصا مع عموم رواية زرارة كلما كان ركازا ففيه الخمس الاقوى وجوب الخمس فى مطلق المدفون فى الأرض من النقدين و غيرهما.

المسألة الثالثة: قال المؤلف رحمه اللّه و سواء كان فى بلاد الكفار الحربيين

أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 51

غيرهم أو فى بلاد الاسلام فى الاراضى الموات أو الأرض الخربة الّتي لم يكن لها مالك أو فى ارض مملوكة له بالاحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكا للبائعين و سواء كان عليه اثر الاسلام أو لا ففى جميع هذه يكون ملكا لواجده و عليه الخمس و لو كان فى ارض مبتاعة مع احتمال كونه لاحد البائعين عرفه المالك قبله فان لم يعرفه فالمالك قبله و هكذا فان لم يعرفوه فهو للواجد و عليه الخمس و ان ادعاه المالك السابق فالسابق اعطاه بلا بينة و ان تنازع الملاك فيه يجرى عليه حكم التداعى و لو ادعاه المالك السابق إرثا و كان له شركاء نفوه دفعت إليه حصته و ملك الواجد الباقى و اعطى خمسه.

اعلم أنّه ينبغى ان يتكلم فى موضعين:

الموضع الاوّل: فى وجوب الخمس فى الكنز فى هذه الموارد و عدمه فنقول بوجوبه لاطلاق الاخبار.

الموضع الثاني: فى أنّه هل يصير الكنز ملكا للواجد فى كل هذه الموارد أم لا و بعبارة اخرى يكون الكنز للواجد و يجب عليه اخراج خمسه أو لا بل الاخبار متعرضة لوجوب الخمس و أمّا كون ما بقى منه غير خمسه من الواجد أو لا فلا تعرض لهذه الاخبار الواردة فى الكنز له بل لا بد من مطالبة دليل

آخر.

فنقول بعونه تعالى ان الكلام يقع فى هذه المسألة فى مواضع:

الموضع الاوّل: فيما يوجد الكنز فى بلاد الكفار حربيين كانوا أو غير حربيين أو فى بلاد الاسلام فى ارض مواتها أو فى الأرض الخربة الّتي لم يكن لها مالك أو فى ارض مملوكة له بالاحياء أو بالابتياع مع علمه بعدم كونه ملكا لاحد البائعين فقد يقال فى كل هذه الموارد بانّ الكنز ملك لواجده لأنّه يشك فى حليته و الاصل يقتضي الحلية و هذا معنى انّ الاصل فى الاشياء الاباحة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 52

و قد يورد عليه بانّ الاصل المذكور خلاف التوقيع الشريف عن ابى الحسين محمد بن جعفر الاسدى قال كان فيما ورد على الشيخ ابى جعفر محمد بن عثمان العمرى قدس اللّه روحه فى جواب مسائلى الى صاحب الدار ارواحنا فداه و أمّا ما سألت عنه من امر من يستحلّ ما فى يده من اموالنا و يتصرّف فيه تصرّفه فى ماله من غير امرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون و نحن خصماؤه فقد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم المستحلّ من عترتى ما حرّم اللّه ملعون على لسانى و لسان كل نبى مجاب فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا و كانت لعنة اللّه عليه بقوله تعالى الا لعنة اللّه على الظالمين الى ان قال و أمّا سالت عنه من امر الضياع الّتي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها و اداء الخراج منها و صرف ما يفضل من دخلها الى الناحية احتسابا للاجر و تقربا إليكم فلا يحلّ لاحد ان يتصرف فى مال غيره بغير اذنه فكيف يحلّ ذلك فى مالنا أنّه من فعل شيئا من

ذلك لغير امرنا فقد استحلّ منا ما حرّم عليه و من اكل من مالنا شيئا فانّما يأكل فى بطنه نارا و سيصلى سعيرا «1».

الدال على عدم حلية التصرف فى مال الغير بغير اذنه فمع هذا التوقيع لا يجوز التصرف تمسكا بانّ الاصل إباحة التصرف.

و يجاب عنه بانّه بعد ما لا يجوز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية فيقال بانّ عموم قوله «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف» (لا يحلّ لاحد ان يتصرّف فى مال غيره بغير اذنه) مخصّص بما يدل على عدم احترام مال الكافر الحربى فما يوجد من الكنز يكون من الشبهة المصداقية و لا يصح التمسك بعموم ما ورد فى التوقيع الشريف من حرمة التصرف فى مال الغير بغير إذنه و بعد عدم جواز التمسك يكون مجرى اصالة الاباحة لأنّه لا يعلم انّ الكنز المذخور يكون ملكا لمن يكون ماله

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الأنفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 53

محترما كالمسلم أو الذمى أو ليس منهما فيحلّ التصرف فيه و تملكه فيكون الماخوذ فى كل الصور المذكورة ملكا للواجد.

و قد يقال كما حكى عن الشيخ رحمه اللّه فى المبسوط و بعض آخر بانّه يجرى على الكنز الماخوذ حكم اللقطة إذا وجد فى دار الاسلام و نسب الى اكثر المتاخرين تارة و الى الاشهر اخرى و الى فتوى الاصحاب ثالثه.

امّا لأنّ وجدانه فى دار الاسلام و خصوصا فيما كان فيه اثر الاسلام أمارة على تملك المسلم له.

و فيه أنّه لا دليل على امارية كونه فى ارض الاسلام و لا كون اثر الاسلام فيه لأنّ كلا منهما لا يدلان على سبق يد المسلم عليه.

و أمّا لما رواه

محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال قضى على عليه السّلام فى رجل وجد ورقا فى خربة ان يعرفها فان وجد من يعرفها و الّا تمتّع بها. «1»

و فيه ان ظاهرها وجدان الورق على ظاهر الأرض الّذي هو موضوع اللقطة لا ان يكون مدفونا فى الأرض فاستخرجه حتى يكون مصداق موضوع الكنز و من هنا يظهر لك عدم دلالة روايتى محمد بن مسلم المذكورين فى الباب 5 من ابواب اللقطة لأنّ موضوعهما أيضا بحسب ظهورهما وجد ان الورق على وجه الأرض و هو موضوع اللقطة.

و ممّا قلنا من انّ اللقطة و الكنز مختلفتان موضوعا لأنّ موضوع الأوّل هو المال الملتقط عن وجه الأرض و موضوع الثانى هو المال الماخوذ من بطن الأرض المدفون فيها فلا وجه للتمسك بالاخبار الواردة فى اللقطة فى مسئلة الكنز الماخوذ

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 5 من كتاب اللقطة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 54

فافهم فتلخص ان الماخوذ من الكنز فى الصور الّتي ذكرناها فى الموضع الاوّل ملك للواجد و يجب عليه خمسه.

الموضع الثاني: قال المؤلف رحمه اللّه و لو كان الكنز الماخوذ فى ارض مبتاعة مع احتمال كونه لاحد البائعين عرفه المالك قبله فان لم يعرفه فالمالك قبله و هكذا فان لم يعرفه فهو للواجد و عليه الخمس.

أقول أمّا وجوب الخمس فمعلوم بالاخبار.

و أمّا كونه له فلما قلنا فى الموضع الأوّل من كونه مع الشك فى كونه من المسلم أو الكافر الحربى أو الذمى مجرى اصالة الاباحة.

و أمّا وجوب التعريف فلا دليل عليه لأنّه مع الشك فى كونه من المسلم تجرى اصالة الحلية نعم الأحوط ذلك.

الموضع الثالث: قال المؤلف رحمه اللّه و

ان ادعاه المالك السابق فالسابق اعطاه بلا بيّنة وجهه ان هذا مقتضى اليد السابقة عليه و كونه المدعى بلا معارض.

الموضع الرابع: قال المؤلف رحمه اللّه و ان تنازع الملاك فيه يجرى عليه حكم التداعى و وجهه واضح لأنّه من صغريات باب التداعى.

هذا فيما إذا كان كل مالك من الملّاك السابق ملك فى عرض ملك الاخر مثل أنّهم ورثوا هذا الملك من أبيهم و أمّا لو كان ملك كل واحد منهم فى طول الآخر مثل ما كان ملك احدهما فباع بالآخر فظاهر اطلاق كلام المؤلف رحمه اللّه كونه مثل صورة كونهما عرضيين و لكن الحق كون القول قول المتاخر و يكون السابق عليه مدعيا لكون يد المتاخر فعلية فيصير السابق مدّعيا.

الموضع الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه و لو ادعاه المالك السابق إرثا و كان له

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 55

شركاء نفوه دفعت إليه حصته و ملك الواجد الباقى و اعطى خمسه.

أقول إذ هو بالنسبة الى ما ادعاه مدعى بلا معارض و أمّا الباقى محكوم بالحكم الكلى المذكور الثابت للكنز فهو لواجده.

المسألة الرابعة: و هل يشترط فى وجوب الخمس فى الكنز النصاب

و هو عشرون دينارا أو لا فى المسألة اقوال قول بعدم النصاب و قول بكون النصاب فيه و هو عشرون دينارا و قول بانّ فيه النصاب و هو دينار.

منشأ اعتبار النصاب و كونه عشرون دينارا رواية البزنطى المتقدمة ذكرها و نذكرها هنا أيضا.

روى احمد بن محمد بن ابى نصر عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال ما يجب الزكاة فى مثله ففيه الخمس «1».

و ما رواه المفيد رحمه اللّه مرسلا فى المقنعة قال سئل الرضا عليه السّلام عن مقدار الكنز الّذي يجب

فيه الخمس فقال ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه «2».

بدعوى دلالتهما على أنّه يجب الخمس فى الكنز إذا بلغ عشرين دينارا.

أقول أمّا الرواية الاولى فقد مضى الكلام فيها و فى محتملاتها فى طى المسألة الثانية من المسائل الّتي ذكرناها فى وجوب الخمس فى الكنز.

فان قلنا بانّ الظاهر من الرواية هو الاحتمال الأوّل بكون النظر فى السؤال و الجواب الى جنس ما فيه الخمس من الكنز فليس مفادها الا وجوب الخمس فيما فيه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 56

الزكاة فى مثله و هو النقدان و لا تدلّ الرواية على اعتبار النصاب فيه اصلا.

و ان قلنا بانّ ظاهرها هو السؤال عن المقدار و مالية الكنز و أنّه إذا بلغ الكنز باىّ مقدار من المالية يجب الخمس فيه و يكون مفاد الجواب أنّه إذا بلغ بمقدار من المالية الّتي يجب فى مثله الزكاة يجب فيه الخمس و حيث ان مثله إذا بلغ عشرين دينارا يجب فيه الزكاة فكذلك إذا بلغ الكنز هذا المقدار يجب فيه الخمس تدلّ الرواية على ان بلوغ النصاب و هو عشرون دينارا معتبر فى وجوب الخمس.

لكن حيث انّ ظاهر الرواية لو لم يكن الاحتمال الأوّل فلا اقل من عدم ظهورها فى الاحتمال الثانى و تصير مجملا فلا يمكن الاستدلال بها على اعتبار النصاب فى الكنز.

و أمّا الرواية الثانية: و هى ما رواها فى المقنعة فهى ضعيفة السند لكونها مرسلة

مضافا الى أنّه من القريب كونها الرواية الاولى رواها البزنطى و ان كان بينهما الاختلاف من حيث المتن و ربما كان الاختلاف من باب فهم المفيد رحمه اللّه من رواية البزنطى ما نقله بالمعنى و مع قطع النظر عن السند فدلالتها على اعتبار النصاب فى الكنز ممّا لا يخفى على المراجع بالرواية.

و اما القول باعتبار النصاب فى الكنز و كونه دينارا فقد نقل عن أمالي الصدوق رحمه اللّه ناسبا له الى دين الامامية و لم اجد دليلا عليه.

ثمّ أنّه بعد عدم دلالة الرواية الاولى على اعتبار النصاب و ضعف سند الثانية فلا يبقى للقول باعتبار النصاب الّا دعوى الاجماع عن بعض الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم و لا يمكن الافتاء باعتبار النصاب كما انّ الافتاء بعدم اعتباره لاجل ما احتمل فى رواية البزنطى و مرسلة المفيد رحمه اللّه و دعوى الاجماع على اعتباره مشكل و لهذا نقول الأحوط الخمس على الواجد للكنز فيما لم يبلغ الخارج من الكنز عشرين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 57

دينارا بل و لو لم يبلغ دينارا واحدا فافهم.

***

[مسئلة 14: لو وجد الكنز فى ارض مستأجرة أو مستعارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: لو وجد الكنز فى ارض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما و تعريف المالك أيضا فان نفياه كلاهما كان له و عليه الخمس و ان ادعاه احدهما اعطى بلا بنية و ان ادعاه كل منهما ففى تقديم قول المالك وجه لقوة يده و الا وجه الاختلاف بحسب المقامات فى قوة احدى اليدين.

(1)

أقول أمّا وجوب تعريفهما فمع احتماله كونه من غيرهما فلا يجب و يكون له إذا احتمل كونه من غير محترم المال و يجب عليه خمسه.

و ان ادعى احدهما كونه له يجب عليه رده به

لأنّه مدعى بلا معارض و هو اعنى الواجد يعلم أنّه ليس بملكه كما أنّه لو نفى كل واحد منهما ملكيته يكون للواجد و يجب عليه خمسه.

و ان ادعاه كل من المالك و المستاجر أو المالك و المستعير هل يجرى عليه حكم التداعى أو يقدم قول المالك أو يقال بانّه يلاحظ المقامات من حيث قوة احدى اليدين على الاخرى فيقدم قولها احتمالات.

وجه جريان حكم التداعى فيه كونه من صغرياته لأنّ كلا منهما يدعى كونه ملكه.

وجه تقديم قول المالك فى مقام التداعى و كون القول قوله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 58

قوة يده لأنّ الملك له و يده يد الاصلية و يد المستاجر فرعية فهو ذو اليد فعلى المستأجر الاثبات و فيه أنّه لا فرق فى أمارية اليد بين كونها أصلية أو فرعية بل قد يقال بأنّه يقوى يد المستأجر لأنّ المالك لا يوجر دارا فيها كنز له.

و ان كان يمكن دفع ذلك بان المستاجر لا يدفن شيئا فى ملك الغير و على كل حال أقول لا قوة لاحدى اليدين على الاخرى.

وجه ملاحظة الموارد اذ ربما فى مورد يكون يد المالك اقوى و فى مورد آخر تكون يد المستاجر أو المستعير اقوى.

و الاقوى كون المقام من صغريات باب التداعى.

***

[مسئلة 15: لو علم الواجد انّه لمسلم موجود]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: لو علم الواجد انّه لمسلم موجود هو أو وارثه فى عصره مجهول ففى اجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان و لو علم أنّه كان ملكا لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه.

(1)

أقول أمّا فيما علم كون الكنز لمسلم موجود هو بنفسه أو وارثه فلا وجه لاجراء حكم الكنز عليه من كونه له و وجوب الخمس عليه لأنّ وجه

كونه له هو احتمال كون الكنز من غير محترم المال فقلنا بانّ الاصل حليته له و على هذا مع علمه بكونه لمسلم لا يكون محكوما بحكم الكنز و من هنا يقال أنّه لا فرق بين علمه بانّه من مسلم موجود و بين علمه بانّه من مسلم قديم لعدم كونه فى كل منهما محكوما بحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 59

الكنز فيجرى عليه حكم مجهول المالك.

***

[مسئلة 16: الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه فى بلوغ النصاب و عدمه فلو لم يكن آحادها بحد النصاب و بلغت بالضم لم يجب فيها الخمس نعم المال الواحد المدفون فى مكان واحد فى ظروف متعددة يضم بعضه الى بعض فانه يعدّ كنزا واحدا و ان تعدد جنسها.

(1)

أقول كما تقدم فى المعدن انّ الظاهر تعلق الحكم بالافراد فان قلنا باعتبار النصاب فى الكنز فيعتبر بلوغ كل فرد بحدّ النصاب.

نعم لو كان فى ظروف متعددة فى مكان واحد اعتبر واحدا و لهذا لو بلغ مجموع الظروف بحد النصاب و لو كانوا اشياء مختلفة يجب الخمس حتى بناء على اعتبار النصاب فى وجوبه.

***

[مسئلة 17: فى الكنز الواحد لا يعتبر الاخراج دفعة بمقدار النصاب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: فى الكنز الواحد لا يعتبر الاخراج دفعة بمقدار النصاب فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس و ان لم يكن كل واحدة منها بقدره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 60

(1)

أقول لأنّ الخمس متعلق بالكنز و على الفرض يكون الكنز واحدا و ان كان اخراجه بالدفعات فلو بلغ مجموع الدفعات بحد النصاب يجب خمسه و هذا النزاع متفرع على اعتبار النصاب و الّا فمع عدم اعتباره يجب الخمس كيفما كان.

***

[مسئلة 18: إذا اشترى دابة و وجد فى جوفها شيئا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: إذا اشترى دابة و وجد فى جوفها شيئا فحاله حال الكنز الّذي يجده فى الأرض المشتراة فى تعريف البائع و فى اخراج الخمس ان لم يعرفه و لا يعتبر فيه بلوغ النصاب و كذا لو وجد فى جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونه لبائعها و كذا الحكم فى غير الدابة و السمكة من سائر الحيوانات.

(2)

أقول أمّا وجوب التعريف فلرواية عبد اللّه بن جعفر قال كتبت الى الرجل عليه السّلام عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للاضاحى فلما ذبحها وجد فى جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك فوقع عليه السّلام عرّفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه «1» يستفاد من الرواية وجوب تعريفها البائع و أنّه لو لم يكن يعرفها البائع فهو له.

و أمّا وجوب الخمس فلا دليل عليه لعدم كونه الكنز فلا يعمّه حكمه و لا بلوغ النصاب و ان اعتبرنا النصاب فى الكنز لعدم كونه بحكم الكنز.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب اللقطة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 61

و لو وجد فى جوف السمكة أو غيرها و غير

الدابة من الحيوانات شيئا فهل هو بحكم وجدانه فى الدابة أم لا.

يمكن ان يقال بكونه مثله بدعوى الغاء الخصوصية من الرواية المذكورة الواردة فيمن اشترى جزورا أو بقرة مضافا الى بعض الروايات الواردة فيمن وجد شيئا فى بطن السمكة راجع الباب 10 من ابواب اللقطة خصوصا رابعها فلا يبعد دلالتها على كونه له و هذه الروايات و ان كانت مطلقة من حيث وجوب التعريف ببائع السمكة لكن يمكن تقييدها بالرواية المتقدمة.

و كما انّ ما وجد فى جوف السمكة بحكم ما وجد فى الدابة من حيث كونه من المشترى بعد التعريف كذلك مثله فى عدم وجوب الخمس فافهم و كذا فى عدم اعتبار النصاب لعدم كونه بحكم الكنز حتى يجب فيه الخمس فضلا عن اعتبار النصاب.

***

[مسئلة 19: انّما يعتبر النصاب فى الكنز بعد اخراج مئونة الاخراج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: انّما يعتبر النصاب فى الكنز بعد اخراج مئونة الاخراج.

(1)

أقول لا وجه له الّا ما ذكرناه عند التعرض لاعتبار النصاب بعد اخراج مئونة الاخراج فى المعدن و هو الاجماع المدعى عليه و حيث انا لم نفت باعتبار النصاب فى الكنز و لم نسلم كون الاجماع كاشفا عن قول المعصوم عليه السّلام نقول بانّ وجوب الخمس فى الكنز مطلقا و لو لم يبلغ النصاب قبل اخراج المئونة أى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 62

مئونة الاخراج.

***

[مسئلة 20: إذا اشترك جماعة فى كنز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: إذا اشترك جماعة فى كنز فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصابا و ان لم يكن حصة كل واحد بقدره.

(1)

أقول على فرض اعتبار النصاب فى الكنز فى وجوب الخمس فيه.

يقع الكلام فى أنّه إذا اشترك جماعة فى كنز فهل يعتبر فى وجوب الخمس عليهم بلوغ حصة كل منهم بحد النصاب بحيث لو لم تبلغ حصة كل واحد منهم النصاب لا يجب عليه شيئا و ان بلغ المجموع من الحصص بقدر النصاب او لا يعتبر ذلك فاذا بلغ المجموع النصاب يجب الخمس.

أقول قد مضى الكلام فيه فى خمس المعدن و أنّه بعد كون المخاطب بالامر بالخمس كل فرد فرد من المكلفين فالامر تعلق بالفرد فكل فرد إذا بلغ كنزه الّذي وجده بقدر النصاب يجب عليه و الّا فلا هذا على تقدير اعتبار النصاب فى وجوب الخمس و أمّا على ما قلنا من انّ الأحوط وجوب الخمس و لو لم يبلغ النصاب فالاحوط وجوب الخمس فى الفرع المذكور أيضا و الحمد للّه أولا و آخرا و الصّلاة و السّلام على رسوله و آله اللّهم اغفر لى و لوالدى و للمؤمنين و المؤمنات.

***

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 63

الرابع ممّا يجب فيه الخمس
اشارة

قوله رحمه اللّه

الرابع: الغوص و هو اخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ و المرجان و غيرهما معدنيا كان أو نباتيا لا مثل السمك و نحوه من الحيوانات فيجب فيه الخمس بشرط ان يبلغ قيمته فصاعدا فلا خمس فيما ينقص من ذلك و لا فرق بين اتحاد النوع و عدمه فلو بلغ قيمة المجموع دينارا وجب الخمس و لا بين الدفعة و الدفعات فيضم بعضها الى بعض كما انّ المدار على ما اخرج مطلقا و ان اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب و يعتبر بلوغ النصاب بعد اخراج المؤن كما مرّ فى المعدن و المخرج بالآلات من دون غوص فى حكمه على الأحوط و اما لو غاص و شدّه بآلة فاخرجه فلا اشكال فى وجوبه فيه نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فاخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة بل يدخل فى ارباح المكاسب فيعتبر فيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 64

مئونة السنة و لا يعتبر فيه النصاب.

(1)

أقول أمّا وجوب الخمس فى الغوص فى الجملة فما لا اشكال فيه نصا و فتوى و قد ذكرنا بعض الروايات الدالة عليه فى طى المباحث السابقة نذكر بعضها هنا تيمّنا.

منها ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر عن محمد بن على بن ابى عبد اللّه عن ابى الحسن عليه السّلام قال سالته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس «1».

منها ما رواها عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه

عليه السّلام يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس «2».

منها ما رواها ابن ابى عمير عن غير واحد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال الخمس على خمسة اشياء على الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسى ابن ابى عمير الخامس «3».

منها ما رواها الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس الحديث «4».

و

الكلام يقع فى طى مواضع:
اشارة

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 65

الموضع الاوّل: هل الخمس فى الغوص مختص بما يخرج من البحر بالغوص

مثل اللؤلؤ و المرجان معدنيا كان أو نباتيّا أو يعمّه و ما يؤخذ من وجه الماء أو بآلات فيشمل السمك و نحوه من الحيوانات المتّخذة من البحر فعلى الاوّل لا يجب الخمس فى غير ما يخرج بالغوص من البحر بهذا العنوان بل ان وجب وجب من باب كونه من ارباح المكاسب بشروطها.

وجه الشمول لكل ما يخرج من البحر الرواية الاولى فان السؤال فيها (عما يخرج من البحر) و الثانية فإنّ فيها (فيما يخرج من المعادن و البحر الخ) و فى كل منهما اوجب الخمس على عنوان ما يخرج من البحر و اطلاقهما يشمل كلما يخرج منه و ان كان بعلاج و آلة غير الغوص أو كونه على وجه الماء.

وجه الاختصاص هو ايجاب الخمس فى هذا القسم على الغوص فى الرواية الثالثة و الرابعة و هو ينحصر بما يخرج من البحر بالغوص.

أقول قد يقال بانّ النسبة بين ما يدل على انّ موضوع الخمس ما يخرج من البحر و بين ما يدل على انّ موضوعه الغوص يكون العموم من وجه لعمومية الطائفة الاولى لما يخرج بالآلة و لما يكون على وجه البحر فلا يكون خروجه بالغوص و لما يخرج بالغوص و عمومية الطائفة الثانية لما يخرج من البحر بالغوص و لما يخرج من الانهار و الشطوط

بالغوص فمادة اجتماعهما هو الخارج من البحر بالغوص و مادة افتراقهما هو ما اخرج من البحر لا بالغوص فمقتضى الطائفة الاولى من الاخبار وجوب الخمس فيه لأنّه خرج من البحر و مقتضى الطائفة الثانية عدم الخمس لعدم خروجه بالغوص و كذا مادة افتراقهما تكون فيما يخرج شيئا من النهر أو الشط بالغوص فمقتضى الطائفة الثانية الدالة على وجوب الخمس فى الغوص وجوب الخمس و الحال انّ مقتضى الاولى عدمه لدوران الحكم فيها مداركون خروجه من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 66

البحر فلا يشمل ما يخرج من النهر و الشط.

و قد يقال بانّ الطائفة الاولى و هى ما يعرض الحكم بوجوب الخمس فيها بالبحر مطلقة لشمولها لما يخرج بالغوص و غيره و الطائفة الثانية مفيد لشمولها لخصوص الغوص لأنّ ظاهرها الحصر به فيقيد بها اطلاق الطائفة الاولى و تكون النتيجة وجوب الخمس بما يخرج من البحر بالغوص فقط.

و فيه انّ ما تعرّض فيها للغوص ليس الّا روايتان و الثانية منهما لا تفيد الحصر اصلا لأنّ فيها قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس و لا تفيد حصرا ابدا بل السائل سئل فيها عن الخمس فيهما فقال يجب الخمس فيهما و لذا لا تدلّ على حصر وجوب الخمس بغوص اللؤلؤ.

و أمّا الاولى منهما فربما يتوهّم انّ قوله عليه السّلام فيها (الخمس على خمسة اشياء) و عدّ منها الغوص تدلّ على انحصار الخمس بهذه الخمسة و لكن هذا لا يفيد الحصر و لهذا لو ورد رواية على وجوبه فى غيرها كما ورد لا يعارض مع هذه الرواية بل لو قال انّما يجب الخمس فى خمسة اشياء

فبظاهرها يفيد الحصر.

و يمكن ان يقال بتقييد الطائفة الدالة على وجوب الخمس بما يخرج من البحر بالطائفة الثانية الدالة على وجوب الخمس فى الغوص لأنّ المراد من الغوص هو المفهوم العرفى منه و هو ما يخرج من خصوص البحر بعمل الغوّاص و لا يشمل الغوص الانهار و الشطوط لعدم كون المتعارف الغوص فى الشطوط و الأنهار حتى يقال بانّ ما دلّ على الغوص اعم من جهة شموله للبحر و للانهار و الشطوط بل منحصر بالغوص فى البحر فعلى هذا تكون اخص فيقيد بها الطائفة الدالة على وجوب الخمس فى مطلق ما يخرج من البحر و ان كان بغير الغوص.

و لكن هذا الجمع يتمّ على القول بانحصار الغوص بالبحر و عدم تعارف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 67

الغوص فى الشطوط و الانهار الكبار لعدم وجود شي ء من الجواهر فيهما يخرج بالغوص عنهما.

و قد يقال بانّ الطائفة الاولى من الاخبار الواجب فيها الخمس بعنوان الغوص يكون من باب الغلبة بمعنى كون قيد الغوص غالبيّا حيث أنّه بعد ما يكون غالب ما يخرج من الاشياء كاللؤلؤ و غيره من البحر بسبب الغوص و بوسيلة الغوّاص و اخراجها من البحر بآلات اخرى أو بخروجها بنفسها يكون قليلا جعل موضوع الحكم فى هذه الطائفة من الاخبار الغوص و هذا لا ينافى مع وجوبه فى غير الغوص بما يخرج من البحر فلا يكون تعارض بين الطائفتين من الاخبار.

أقول و لو قلنا بذلك تكون النتيجة وجوب الخمس فى مطلق ما يجرى من البحر و ان لم يكن بالغوص.

و يمكن ان يقال فى مقام الجمع بانّ الطائفة من الاخبار الدالة على وجوب الخمس فى الغوص نص فى ذلك و

لا شبهة فيه.

و أمّا الطائفة الدالة على وجوبه فيما يخرج من البحر لا ظهور له فى العموم حتى يشمل المورد الّذي لا يكون الاخراج بسبب الغوص بل ظاهر رواية احمد بن محمد بن ابى نصر البزنطى من هذه الطائفة هو كون الاخراج بسبب الغوص لأنّ المتعارف فى اللؤلؤ و غيره من المذكورات فى الرواية اخراجه بالغوص لا بآلات اخرى أو وقوعه فى سطح الماء فلا يصح الاستدلال بها على وجوب الخمس على مطلق ما يخرج من البحر و تكون النتيجة وجوب الخمس فيما يخرج بالغوص و لا يبعد كون هذا الجمع أظهر من غيره من طرق الجمع حتى بناء على كون النسبة بين الطائفتين عموما من وجه من باب شمول الغوص لغير البحر من الانهار العظيمة و الشطوط و تكون النتيجة وجوب الخمس فى ما هو يخرج من البحر بخصوص

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 68

الغوص و وجوبه لو استخرج بالغوص من غير البحر من الانهار الكبيرة و الشطوط.

أقول ما ينبغى ان يقال فى المقام و ان لم ار من يقول به هو ما خطر ببالى عاجلا من ان النسبة بين الطائفتين من الاخبار الواردة فى الغوص و ما يخرج من البحر سواء كان العموم من وجه أو كان العموم المطلق لا يكون تعارض بينهما حتى تصل النوبة بالجمع باحدى الكيفيّات المتقدمة ذكرها.

لأنّ الدليلين ان كانا مثبتين فلا تعارض بينهما الّا إذا علم اجمالا بوجود الملاك فى احدهما فقط و بعبارة اخرى يعلم اجمالا بكذب احدهما و لهذا قالوا فى الدليلين المثبتين إذا كان احدهما مطلقا و الآخر مقيدا بانّه لا تعارض بينهما الّا إذا كشف وحدة الملاك بمعنى أنّه يعلم

بوجود ملاك واحد فقط أمّا هو قائم فى المطلق و أمّا فى المقيّد.

فلهذا نقول فى المقام يمكن ان يقال بانّه لا تعارض بين ما يدلّ على وجوب الخمس بما يخرج من البحر و بين ما يخرج بالغوص حتى تصل النوبة بالجمع العرفى ان امكن و الّا اعمال قواعد التعارض بين الخبرين حيث انّ التعارض بينهما فرع العلم بالتعارض بينهما و العلم بالتعارض بينهما يتوقف على وحدة الملاك القائمة إمّا فى خصوص المطلق بإطلاقه أو فى خصوص المقيد بتقييده مثل وحدة الملاك فى قوله اعتق رقبة و اعتق رقبة مؤمنة و هذه لا تثبت فى محل الكلام فلا مانع من وجود الملاك فى وجوب الخمس فيما يخرج من البحر بعنوانه و وجود ملاك آخر فى الغوص فلا يثبت تعارض بين الدليلين و تكون النتيجة وجوب الخمس فيما يخرج من البحر و ان لم يكن بالغوص و وجوب الخمس فيما يخرج بالغوص و ان كان فى غير البحر بناء على تعميم موضوع الغوص بغير البحر و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 69

ثمّ أنّه لو علمنا بوحدة الملاك فما يأتى بالنظر كون الاقوى هو الجمع الاخير كما قلنا سواء قلنا بكون النسبة بين ما دلّ على وجوب الخمس بما يخرج من البحر سواء كان بالغوص أو غير الغوص و بين ما يدل على الوجوب فى خصوص ما يخرج بالغوص عموما من وجه بناء على شمول الغوص لغير البحر من الشطوط و الأنهار العظيمة أو كانت النسبة عموما مطلقا بناء على كون الغوص بخصوص الغوص من البحر و نقول فى مقام العمل بانّ وجوب الخمس فيما اخرج من البحر بالغوص

و الاحوط وجوبه فيما يخرج عنه بغير الغوص و أمّا وجوبه فيما يخرج بالغوص فى غير البحر فياتى حكمه إن شاء اللّه فى المسألة 22 فانتظر.

الموضع الثاني: هل المعتبر فى وجوب الخمس فى الغوص بلوغه حد النصاب

و هو دينار أو لا يعتبر ذلك فى وجوبه.

وجه الاعتبار الرواية الاولى من الروايات المتقدمة ذكرها و هى ما رواها محمد بن على بن ابى عبد اللّه و فيها قال ابو الحسن عليه السّلام إذا بلغ قيمته دينارا (ففيه الخمس) و مفهومه عدم الوجوب إذا لم يبلغ دينارا كما حكى افتاء المشهور به شهرة كادت تكون اجماعا.

أقول و لكن بملاحظة ضعف الخبر بمحمد بن على بن ابى عبد اللّه و ان قال سيدنا الاعظم بانّ رواية البزنطى عنه كاف فى توثيقه و لعل فتوى المشهور كان على طبق الرواية فلا يكون فهم المشهور حجة لا يمكن الإفتاء باعتبار النصاب.

نعم يوجب ذلك الاحتياط فنقول انّ الأحوط وجوب الخمس مطلقا و ان لم يبلغ النصاب اعنى الدينار.

الموضع الثالث: و هل يكون فرق فى اعتبار النصاب

بناء على اعتباره فى وجوب الخمس بين اتحاد نوع ما يخرجه و بين مختلف النوع فاذا كان الاختلاف فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 70

نوعه يجب بلوغ كل نوع بحدّ النصاب و الا لم يجب الخمس و ان بلغ مجموعه النصاب أو لا فرق فى ذلك.

و هكذا يكون فرق بين الدفعة و الدفعات او لا فعلى القول بالفرق بناء على اعتبار النصاب يجب الخمس إذا بلغ الخارج كل دفعة حد النصاب و الّا لم يجب الخمس و ان بلغ مجموع الدفعات بحد النصاب.

أقول لا تعرّض فى روايات الباب من هاتين الجهتين صريحا لكن يمكن أن يقال أنّ الخارج مع اختلاف نوعه أو مع اخراجه بالدفعات يصدق عليه أنّه الخارج من البحر أو الخارج بالغوص فيجب عليه الخمس إذا بلغ مجموع الخارج النصاب و ان كان مختلف النوع و بالدفعات.

الموضع الرابع: لو اشترك جماعة فى الاخراج

و لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب و لكن يبلغ المجموع النصاب فهل يجب الخمس بناء على اعتبار النصاب أم لا الظاهر عدم وجوبه كما قلنا فى المعدن و الكنز أيضا لأنّ التكليف متعلق بالافراد لا بالمجموع.

الموضع الخامس: هل يجب الخمس بعد اخراج مئونة الاخراج

إذا بلغ النصاب على القول باعتبار النصاب أم لا؟

فدمّر الكلام فيه فى المعدن و الكنز و لا دليل عليه الّا ان يدعى الاجماع و كان ثابتا و الأحوط عدم اخراجه.

الموضع السادس: هل المخرج بالآلات فى حكم الغوص

فى وجوب الخمس أم لا منشأ كونه بحكمه هو تعميم الحكم لكل ما يخرج من البحر و ان لم يكن بالغوص و قد مرّ الكلام فيه فى الموضع الأوّل.

الموضع السابع: لو غاص الغواص و شده بآلة فاخرجه

فهل يجب فيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 71

الخمس أم لا؟

منشأ توهم عدم الوجوب الجمود على ظاهر الدليل من كونه بالغوص و لكن لا مجال لتوهمه.

اما بناء على وجوب الخمس فى كل ما يخرج من البحر و ان لم يكن بالغوص فواضح لأنّه الخارج من البحر بالآلة.

و كذا بناء على انحصار الوجوب بالغوص لأنّ هذا حصل بالغوص فى الماء و لا ينفك الغوص من اعمال عمل لاخراجه بيده أو بظرف أو برسن أو غيرهما للاخراج و بعبارة اخرى يعدّ الخارج عرفا الخارج بالغوص فيجب فيه الخمس.

الموضع الثامن: لو القى لا بفعل الشخص على الساحل أو على وجه الماء

فاخذه من غير غوص فقال المؤلف رحمه اللّه لم يجب فيه الخمس من هذه الجهة بل يدخل فى ارباح المكاسب.

امّا لو خرج بنفسه على الساحل فلا وجه للقول بكونه بحكم الغوص الّا بتقبيح المناط أو إلغاء الخصوصية كما يأتى فى المسألة 27 فى حكم العنبر الخارج على الساحل بنفسه أو دعوى شمول الأخبار لكل ما يخرج من الماء و إن كان على وجه الماء فأخرجه الشخص عن وجه الماء فنقول بعونه تعالى بانّه يجب فيه الخمس أيضا على القول بوجوب الخمس فى مطلق ما يخرج من البحر لأنّه فى هذه الصورة يخرجه الشخص من وجه الماء فيكون مما يخرج من البحر و لا فرق بينهما و بين ما يخرج بآلة غير الغوص.

نعم بناء على القول بوجوبه فى الخارج بالغوص فقط بلا تعدى الى غيره فلا يجب الخمس فيه بل يدخل فى ارباح المكاسب فيعتبر فيه ما اعتبر فيها كما يجب الخمس على القول يكون مقتضى الجمع بين الاخبار هو كون الحكم فى الغوص لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 72

نتعدّى الى

مطلق الخارج بتقبيح المناط و لو لم يكن حاصلا بالغوص.

***

[مسئلة 21: المتناول من الغواص لا يجرى عليه حكم الغوص]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: المتناول من الغواص لا يجرى عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصا و أمّا إذا تناول منه و هو غائص أيضا فيجب عليه إذا لم ينو الغواص الحيازة و الا فهو له و وجب الخمس عليه.

(1)

أقول أمّا من لم يكن غائصا و تناول من الغواص شيئا فلا يجب عليه الخمس لعدم كونه غائصا.

و أمّا إذا كان غائصا فتناول من الغواص شيئا حال الغوص فان نوى الغوّاص حيازته فهو له و ان لم ينو حيازته فهو لمن تناوله و يجب عليه الخمس لأنّ اطلاق وجوب الخمس على الغوص يشمله.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 10، ص: 72

***

[مسئلة 22: إذا غاص من غير قصد للحيازة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا ففى وجوب الخمس عليه وجهان و الأحوط اخراجه.

(2)

أقول إذا اخذه بنية الملك حال الغوص فيجب عليه الخمس لشمول اطلاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 73

الاخبار له حيث أنّه اخرجه بالغوص و لا يعتبر فى الوجوب كون الغوص بقصد الحيازة.

و وجه عدم الوجوب الشك فى اندراجه فى اطلاق الاخبار و الاقوى اندراجه.

***

[مسئلة 23: إذا اخرج بالغوص حيوانا و كان فى بطنه شي ء من الجواهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: إذا اخرج بالغوص حيوانا و كان فى بطنه شي ء من الجواهر فان كان معتادا وجب فيه الخمس و ان كان من باب الاتفاق بان يكون بلع شيئا اتفاقا فالظاهر عدم وجوبه و ان كان احوط.

(1)

أقول ما ذكر المؤلف رحمه اللّه من الفرق بين الفرضين هو أنّه لو كان امرا معتادا مثل ساير ما يخرج من البحر يشمله اطلاق الاخبار المذكورة.

و أمّا لو لم يكن ذلك متعارفا فالاطلاق منصرف عنه و لا يبعد ذلك.

***

[مسئلة 24: الانهار العظيمة حكمها حكم البحر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: الانهار العظيمة كدجلة و النيل و الفرات حكمها حكم البحر بالنسبة الى ما يخرج منها بالغوص إذا فرض تكون الجوهر فيها كالبحر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 74

(1)

أقول قد مضى سابقا الاخبار الواردة فى الغوص و انّ لسان طائفة منها وجوب الخمس فيما يخرج من البحر و لسان طائفة منها وجوب الخمس فى الغوص و قد عرفت فى الموضع الأوّل من المواضع المتقدمة فى المسألة بيان معارضة كل من الطائفتين مع الاخرى و عدم تعارضهما و كيفية الجمع بينهما.

فما نقول هنا هو أنّه لو قلنا بالاخذ بإطلاق الطائفة الدالة على وجوب الخمس بما يخرج من البحر و عدم شمول الطائفة الدالة على وجوب الخمس فى الغوص لغير البحر من الشطوط و الانهار إمّا بدعوى عدم تكون الجواهر فيهما و إمّا لعدم تعارف الغوص فيهما لأنّ هذه المهنة و هى الغوص مهنة فى البحار و لا يكون متعارفا فى الشطوط و الانهار العظيمة فلا وجه للقول بوجوب الخمس بما يخرج من الشطوط و الانهار العظيمة بعد فرض تكوّن الجواهر فيها الا بدعوى الغاء خصوصية البحر أو الغاء خصوصية كون الغوص فى البحر

و هو مشكل.

و أمّا لو قلنا بتقييد الاخبار الدالة على وجوب الخمس فيما يخرج من البحر بالاخبار الدالة على وجوبه بالغوص و قلنا بتكوّن الجواهر فى الشطوط و الانهار العظيمة فالقول بوجوب الخمس فيما يخرج من غير البحر بالغوص مبنى على شمول الغوص له.

فينبغى ان يتكلم فى أنّه هل يشمل الغوص للغوص فيهما كما يشمل الغوص فى البحر أم لا.

وجه الشمول اطلاق الغوص فانه كما يشمل الغوص فى البحر يشمل الغوص فيهما أيضا وجه عدم الشمول ان الغوص عبارة عن مهنة خاصة و هى ليست الا فى البحر و الرواية المتعرضة له ناظرة الى هذه المهنة فلا يشمل للغوص فى غير البحر و هذا وجه قوى و لهذا نقول الاقوى عدم وجوب الخمس و ان كان الأحوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 75

استحبابا اداء الخمس فيما يخرج من الشطوط و الانهار العظيمة بالغوص بل فيما يخرج منهما بآلة غير الغوص لوجود احتمال الغاء خصوصية البحر.

***

[مسئلة 25: إذا غرق شي ء فى البحر و اعرض مالكه عنه فاخرجه الغواص]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: إذا غرق شي ء فى البحر و اعرض مالكه عنه فاخرجه الغواص ملكه و لا يلحقه حكم الغوص على الاقوى و ان كان من مثل اللؤلؤ و المرجان لكن الأحوط اجراء حكمه عليه.

(1)

أقول لعدم شمول ما مضى من الاخبار المربوطة بالغوص له حيث انّ الظاهر منها هو ما تكوّن فيه و يخرج من البحر بالغوص لا كل ما فى البحر و ان القى فيه من الخارج فعلى هذا هو له و لا خمس فيه كما يدل عليه بعض الاخبار.

الاولى: ما رواها السكونى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فى حديث عن امير المؤمنين عليه السّلام قال و إذا غرقت السفينة و ما فيها

فاصابه الناس فما قذف به البحر على ساحله فهو لاهله و هم احق به و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم «1».

الثانية: ما رواها الشعيرى قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن سفينة انكسرت فى البحر فاخرج بعضها بالغوص و اخرج البحر بعض ما غرق فيها فقال أمّا ما اخرجه البحر فهو لاهله اللّه اخرجه و أمّا ما اخرج بالغوص فهو لهم و هم احق به «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب اللقطة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 76

و المتيقن منها صورة اعراض المالك بل صريح الاولى منهما لقوله عليه السّلام (و تركه صاحبه فهو لهم).

***

[مسئلة 26: إذا فرض معدن تحت الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه الّا بالغوص فلا اشكال فى تعلق الخمس به لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص وجهان و الاظهر الثانى.

(1)

أقول أمّا وجوب الخمس فيه فممّا لا اشكال فيه لأنّه يعلم تفصيلا بوجوب الخمس فيه لأنّه أمّا من المعدن أو من الغوص و يجب الخمس فى كل منهما.

انّما الاشكال فى أنّه على القول بوجوب الخمس فى المعدن و الغوص اذا بلغا حد النصاب هل هو بحكم المعدن حتّى يجب الخمس إذا بلغ الخارج بالغوص عشرين دينارا أو هو بحكم الغوص حتى يجب الخمس إذا بلغ دينارا منشأ الاشكال شمول اطلاق كل من دليلى المعدن و الغوص له.

لكن لا يبعد كونه بحكم الغوص لأنّ المذكور فى الاولى من الروايات الواردة فى الغوص و هى رواية محمد بن على بن ابى عبد اللّه عن

ابى الحسن عليه السّلام (الياقوت و الزبرجد) و هما من المعادن يخرج من الماء و مع هذا وجب فيها الخمس بعد بلوغ قيمة الخارج دينارا الا ان يشكل فى ذلك بضعف سند الرواية و قد قدّمنا الكلام فيه و بناء على هذا الاشكال حيث يكون التعارض بين ما يدل على وجوب الخمس فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 77

المعدن فيما بلغ النصاب عشرين دينارا و بين ما دل على وجوب الخمس فى الغوص عموما من وجه لأنّ الأوّل يشمل ما كان حاصلا بالغوص و غير الغوص و الثانى يدل على وجوب الخمس سواء كان ما يؤخذ بالغوص معدنا أو غير معدن فان قلنا بكون احد الدليلين فى مادة الاجتماع و هى صورة كون الخارج بالغوص معدنا اظهر من الآخر يؤخذ به و لا يبعد كون شمول دليل الغوص اظهر فى مادة الاجتماع فيؤخذ به و لازمه اعتبار الخمس فيما يؤخذ من المعادن بالغوص و ان لم يكن احد الدليلين أظهر من الآخر فى مادة الاجتماع فأيضا يجب الخمس فى مادة الاجتماع لأنّه بعد تعارض الدليلين فى مادة الاجتماع فلا بد من وجوب الخمس لأنّ وجوبه مسلم و لم يجد على الفرض دليلا على تقييد الوجوب ببلوغه النصاب و لهذا نقول وجوب الخمس فيما يخرج بالغوص و لو لم يكن دينارا.

***

[مسئلة 27: العنبر إذا اخرج بالغوص]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: العنبر إذا اخرج بالغوص جرى عليه حكمه و ان اخذ على وجه الماء أو الساحل ففى لحوق حكمه له وجهان و الأحوط اللحوق و احوط منه اخراج خمسه و ان لم يبلغ النصاب أيضا.

(1)

أقول ان

الكلام يقع فى مقامين:
المقام الأوّل: فى وجوب الخمس فيه و عدمه

المقام الثانى فى أنّه بعد فرض وجوب الخمس هل يعتبر فيه نصاب أم لا؟ أمّا الكلام فى المقام الاوّل فنقول العنبر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 78

طيب معروف يدل على وجوب الخمس فيه بالخصوص رواية الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس «1» و ظاهر الرواية مقابلة العنبر مع الغوص و ربما يوجب ذلك عدم كونه محكوما بحكم الغوص و لعلّه يأتى الكلام فيه فى المقام الثانى و بمقتضى هذه الرواية لا فرق فى أخذه بالغوص أو من وجه الماء أو من الساحل و امّا لو قلنا بكونه بحكم الغوص فنقول للمسألة صور:

الاولى: ما إذا خرج العنبر بالغوص فلا اشكال فى اجراء حكم الغوص عليه لشمول اطلاق ما دل على الخمس فى الغوص له.

الصورة الثانية: ما إذا اخذ على وجه الماء فلا وجه للتمسك بوجوب الخمس فيها بما ما ورد فى الغوص لعدم كون اخراجه بالغوص و كذا لو قيدنا ما ورد من الخمس فى مطلق ما يخرج من البحر بالغوص فلا يصح الاستدلال به على وجوب الخمس.

نعم يصح الاستدلال بوجوب الخمس فى هذه الصورة كما قلنا بما رواها الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس الحديث «2».

و يمكن ان يستدل على الخمس فى هذه الصورة بالروايات الواردة فيما ورد فى الغوص بإلغاء خصوصية

الاخراج بالغوص و لكنه مشكل.

الصورة الثالثة: ما إذا اخذ عن ساحل البحر فهل هو بحكم الغوص أم لا وجه الاشكال عدم كون اخذه لا بالغوص و لا باخراجه عن البحر فما نقول فى هذه الصورة.

اعلم انّ المؤلف رحمه اللّه جعل الصورة الثانية و الثالثة بوزان واحد و الحال ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 79

الصورة الثالثة اشكل من حيث عدم اخراج العنبر من البحر بل اخذه من الساحل و لكن لا يمكن الاستدلال على وجوب الخمس فيها بما دل على وجوب الخمس بما اخرجه الشخص من البحر.

و لكن كما قلنا لك قبل بيان هذه الصور انّ اطلاق رواية الحلبى يشمل هذه الصورة أيضا لأنّ ترك الاستفصال عن العنبر يدل على تعميم الحكم لها.

المقام الثاني: فى اعتبار النصاب فى العنبر و عدمه

لا وجه للقول باعتبار النصاب فى العنبر الا ما دل على اعتباره فيما يخرج من البحر و هو الرواية الاولى من الروايات الاربعة المتقدمة اعنى رواية محمد بن على بن ابى عبد اللّه بدعوى شمول اطلاقها العنبر فالكلام بعد الفراغ عن المورد الّذي يجب فيه الخمس فى العنبر.

يقع هنا فى اعتبار النصاب فيه و عدمه اعلم انّ الاحتمالات بل الاقوال فيه ثلاثة قول باعتبار النصاب فيه مطلقا سواء اخذ بالغوص أو بغيره فيقال كما قلنا ليس المدرك له الّا الرواية المتقدمة.

أقول (و قد عرفت ما يقال فى ضعف سندها و ما يقال فى جوابه و باعتبار ضعف السند قلنا بانّ الأحوط وجوب الخمس و لو لم يبلغ الغوص دينارا) و فى العنبر

نقول بذلك فيما عدّ من افراد ما يخرج من البحر الواجب فيه الخمس و قد مضى الكلام فى ذلك فى طى المسألة الاولى من المسائل المتقدمة و فى طى بعض المسائل الاخرى من هذه المسائل.

و ان الواجب الخمس فى مطلق ما يخرج من البحر أو خصوص ما يخرج بالغوص.

إن قلت ان العنبر منصوص بنفسه فى رواية الحلبى المتقدمة و اوجب فيه الخمس بلا اعتبار النصاب فيه لاطلاقها من هذا الحيث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 80

قلت لا تنافى بين رواية الحلبى الساكتة عن اعتبار النصاب فى العنبر و اللؤلؤ و بين رواية محمد المعتبرة للنصاب فى وجوب الخمس فى كلما يخرج من البحر من اللؤلؤ و غيره لأنّ رواية الحلبى ليست الّا فى مقام بيان وجوب الخمس فى العنبر و اللؤلؤ فى الجملة لانّ سؤال السائل بحسب الظاهر يكون عن اصل كون شي ء واجبا فيه زكاة أو خمسا فاجاب عليه السّلام عليه الخمس و لا منافاة بينها و بين رواية محمد بن على الدالة على وجوب الخمس إذا بلغ دينارا فعلى هذا الكلام فى اعتبار النصاب فى العنبر و عدمه هو الكلام فى اعتباره فى مطلق الغوص و عدمه.

و قول بعدم اعتبار النصاب فى وجوب الخمس فى العنبر مطلقا تمسكا برواية الحلبى المتقدمة ذكرها لأنّ فيها قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس الحديث «1» فجعل العنبر فى قبال الغوص و بحياله له فلا يكون العنبر من افراد الغوص فلا يتبع حكمه من حيث النصاب.

و قول بالتفصيل بين ما إذا اخذ بالغوص فحكمه حكم الغوص من حيث اعتبار النصاب فى وجوب الخمس و بين

ما إذا اخذ لا بالغوص فلا يعتبر فى وجوب الخمس فيه النصاب و وجهه شمول اطلاق الغوص له فى الأوّل و عدم شموله للفرض الثانى.

أقول ما يأتى بالنظر هو انّ النسبة بين ما دل على وجوب الخمس فى الغوص أو فيما يخرج من البحر و بين ما دل على وجوبه فى العنبر عموما من وجه لأنّ الأوّل يشمل العنبر و غير العنبر و الثانى يشمل العنبر الخارج بالغوص و الحاصل بغير الغوص و يقع التعارض بينهما فيما حصل العنبر بالغوص لأنّ مقتضى الاوّل وجوب الخمس إذا بلغ النصاب و مقتضى الثانى وجوب الخمس و لو لم يبلغ النصاب و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 81

حيث انّا امضينا فى مبحث التعادل و الترجيح انّ التعارض بين الخبرين ان كان فيما تكون النسبة بينهما العموم من وجه فان كان شمول احدهما فى مادة الاجتماع اظهر من الآخر يؤخذ بالاظهر منهما نقول بانّ شمول دليل المثبت للخمس فى العنبر فى مادة الاجتماع اظهر من شمول الخبر الدال على اعتبار النصاب فى مطلق الغوص.

و ان ابيت عن ذلك و قلت بعدم اظهرية احدهما على الآخر يقع التعارض بينهما فلا يمكن القول باعتبار النصاب فى العنبر لعدم الدليل عليه و أمّا وجوب الخمس فيه فمسلّم فتكون النتيجة هو القول الثانى و هو عدم اعتبار النصاب فى وجوب الخمس فى العنبر فافهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 82

الخامس ممّا يجب فيه الخمس
اشارة

قوله رحمه اللّه

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه و بمقداره فيحل باخراج خمسه و مصرفه مصرف سائر اقسام

الخمس على الأقوى و امّا إن علم المقدار و لم يعلم المالك تصدق به عنه و الأحوط ان يكون باذن المجتهد الجامع للشرائط و لو انعكس بان علم المالك و جهل المقدار تراضيا بالصلح و نحوه و ان لم يرض المالك بالصلح ففى جواز الاكتفاء بالاقل أو وجوب اعطاء الاكثر وجهان الأحوط الثانى و الاقوى الأوّل إذا كان المال فى يده و ان علم المالك و المقدار وجب دفعة إليه.

(1)

أقول نذكر قبل الورود فى المسألة و الجهات المبحوثة فى كلام المؤلف رحمه اللّه

الروايات المربوطة بالمقام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 83

الاولى: ما رواها عمّار بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس «1».

الثانية: ما رواها الحسن بن زياد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ان رجلا اتى امير المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين انّى اصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه فقال له اخرج الخمس من ذلك المال فان اللّه تعالى قد رضى من ذلك المال بالخمس و اجتنب ما كان صاحبه يعلم «2».

الثالثة: ما رواها السكونى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اتى رجل امير المؤمنين عليه السّلام فقال انى كسبت مالا اغمضت فى مطالبه حلالا و حراما و قد اردت التوبة و لا ادرى الحلال منه و الحرام و قد اختلط على فقال امير المؤمنين عليه السّلام تصدق بخمس مالك فان اللّه قد رضى من الاشياء بالخمس و ساير المال لك حلال «3».

الرابعة: ما رواها محمد بن على بن الحسين (مرسلا) قال جاء رجل الى امير

المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين اصبت مالا اغمضت فيه أ فلي توبة قال ايتينى خمسه فاتاه بخمسه فقال هو لك انّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه «4».

الخامسة: ما رواها عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال لا الّا ان لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة فان فعل فصار فى يده شي ء فليبعث بخمسه الى اهل البيت «5».

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب المذكور من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب المذكور من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 84

السادسة: ما رواها الحلبى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل من اصحابنا يكون فى لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدى خمسا و يطيب له «1».

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى ان الرواية الاولى لا تدلّ الّا على وجوب الخمس فى الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و اطلاقها فى حد ذاتها مع قطع النظر عن سائر الاخبار يقتضي وجوبه سواء جهل بمقداره أو لا و سواء كان متميّزا أم لا.

كما انّ مفاد الرواية الخامسة لا تدلّ الّا على وجوب الخمس فيما دخل فى عمل السلطان و لا تعرض فيها حتى بابتلائه بالحرام فضلا عن بعض الخصوصيات المتفرعة عليه مثل جهله بصاحبه أو جهله بمقداره أو كان متميزا أم لا و يحتمل كون ايجابه الخمس لنفس دخوله فى هذا العمل

و على كل حال كونه فى مقام البيان من الجهات المتعرضة فى كلام المؤلف رحمه اللّه غير معلوم حتى يؤخذ بإطلاقه ان لم يكن معلوم العدم و على فرض ورودها فى محل الكلام لا يستفاد منها ازيد ممّا يستفاد من روايتى الثانية و الثالثة.

و كذا الرواية السادسة لا ربط لها بالمقام لأنّ ايجاب الخمس فيها يكون من جهة اصابته الغنيمة.

و أمّا الرواية الرابعة فهى مرسلة ارسلها الصدوق رحمه اللّه و هى مع ضعف سندها بارسالها يحتمل قويّا كونها احدى روايتى الثانية و الثالثة رواها مرسلا و ان اختلفت معهما متنا فى الجملة.

فلا يبقى فى البين الّا روايتى الثانية و الثالثة من الروايات الخمسة المذكورة و

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 85

هما تنقلان قضية عن امير المؤمنين عليه السّلام و هل هما روايتان بحيث بيّنها ابو عبد اللّه عليه السّلام مرة و رواها الحسن بن زياد و مرة اخرى فرواها السكونى أو هما رواية واحدة رواها الحسن و السكونى و على فرض كون نقل القصة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام مرتين لكن الظاهر كون القضية الّتي وقعت لامير المؤمنين عليه السّلام من سؤاله الشخص قصة واحدة فاتعاب النفس فى كون الروايتين المرويتين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام رواية واحدة أو روايتين لا يفيد فائدة.

إذا عرفت ذلك

يقع الكلام فى مقامات:
المقام الاوّل: ظاهر العنوان فى وجوب الخمس فى الحلال المختلط بالحرام

و فى صيرورة ما بقيه حلالا باخراج الخمس هو صورة عدم تميز الحلال من الحرام مع الجهل بصاحبه و مع الجهل بمقداره.

اما اشتراط عدم تمييز الحلال من الحرام فيستفاد من كل من الرواية الثانية و الثالثة بل يمكن ان يقال بدلالة

الرواية الاولى عليه لأنّ التعبير بقوله عليه السّلام (و الحلال المختلط بالحرام) يدل عليه اذ الاختلاط لا يحصل عرفا الا بعدم تميز احدهما عن الآخر.

و أمّا اعتبار الجهل بالصاحب الواقعى فيدل عليه الرواية الاولى و الثانية و الرواية الثالثة لو فرض له اطلاق يشمل ما كان صاحبه معلوما لا بدّ من تقييدها بالرواية الثانية ان كانتا روايتين لأنّ فى الاولى قال عليه السّلام (إذا لم يعرف صاحبه) و فى الثانية قال عليه السّلام (و اجتنب ما كان صاحبه يعلم) و ان كانتا رواية واحدة فالمتيقن ممّا صدر هو صورة الجهالة بالمالك لا غيرها و هى ما صرّح به فى الرواية الثانية مضافا الى ان صاحب المال ان كان معلوما تفصيلا أو اجمالا فى عدة محصورة بحيث كانت الشبهة محصورة فله حكم آخر يأتى الكلام فيه فى المسألة 30 إنشاء اللّه و لا يقال فيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 86

بالاكتفاء بالخمس فكيف يمكن ان يقال بان المعصوم عليه السّلام قال بأنّ اللّه تعالى قد رضى من الأشياء بالخمس) بحيث يشمل حتى صورة العلم التفصيلى فالمتيقن هو صورة الجهل بالصاحب و لا ينافى مع العلم الاجمالى بكون مالكه بعض الناس إذا كانت الشبهة غير محصورة.

و أمّا إذا كان الجهل بمقدار الحرام المختلط بالحرام يقع الكلام فى كفاية الخمس و حلية بقية المال و عدمه فقد يقال بعدم شمول الاخبار هذه الصورة بل لا بدّ من ان يتصدق فنذكر بعض الاخبار المدعى دلالتها على ذلك فى مفروض الكلام.

الاولى: ما رواها على بن ابى حمزة قال كان لى صديق من كتاب بنى امية فقال لى استاذن لى على ابي عبد اللّه عليه السّلام فاستأذنت

له عليه فاذن له فلمّا ان دخل سلّم و جلس ثمّ قال جعلت فداك انى كنت فى ديوان هؤلاء القوم فاصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت فى مطالبه فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام لو لا ان بنى امية وجدوا لهم من يكتب و يحبى لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا و لو تركهم الناس و ما فى ايديهم ما وجدوا شيئا الّا ما وقع فى ايديهم قال فقال الفتى جعلت فداك فهل لى مخرج منه قال إن قلت لك تفعل قال افعل قال له فاخرج من جميع ما كسبت (اكتسبت) فى ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به و انا اضمن لك على اللّه عزّ و جل الجنّة فاطرق الفتى طويلا ثمّ قال له لقد فعلت جعلت فداك قال ابن ابى حمزة فرجع الفتى معنا الى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الأرض الّا خرج منه حتى ثيابه الّتي كانت على بدنه قال فقسمت له قسمة و اشترينا له ثيابا و بعثنا إليه بنفقة قال فما اتى عليه الّا اشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده قال فدخلت يوما و هو فى السوق قال ففتح عينيه ثمّ قال لى يا على وفى لى و اللّه صاحبك قال ثمّ مات فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على ابي عبد اللّه عليه السّلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 87

فلمّا نظر إليّ قال لى يا على و فينا و اللّه لصاحبك قال فقلت صدقت جعلت فداك و اللّه هكذا قال و اللّه لى عند موته «1».

وجه الاستدلال امره عليه السّلام باخراج جميع ما

كسب فى ديوانهم من عرف صاحب الاموال ردّ عليه و من لم تعرف تصدق عنه فامر بالصدقة مع جهالة ذى الحق و مورد الرواية ما لا يعلم المقدار و الّا لامره باداء ذلك المقدار لا جميع ما اكتسبه.

الثانية: ما رواها يونس بن عبد الرحمن قال سئل ابو الحسن الرضا عليه السّلام و انا حاضر الى ان قال فقال رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الى منزله و رحلنا الى منازلنا فلمّا ان صرنا فى الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فأي شي ء نصنع به قال تحملونه حتى تحملوه الى الكوفة قال لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع قال إذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه قال له على من جعلت فداك قال على اهل الولاية «2».

أقول و يمكن القول بعدم تعارض بين الاخبار الواردة فى الحرام المختلط بالحرام بوجوب الخمس و حلية باقى المال و بين هذين الخبرين الواردين فى وجوب التصدق فى المال المجهول صاحبه.

بانّ ظاهر الخبر الأوّل من هذين الخبرين و هو رواية على بن ابى حمزة صورة العلم بالمقدار و لهذا بعد ما امر عليه السّلام برد مال من يعرف صاحبه إليه و التصدق عمّ لا يعرف صاحبه لم يقل السائل و لو لم اعرف المقدار ما اصنع فى مقام الاداء هذا بالنسبة الى الخبر الأوّل من الخبرين.

و أمّا الثانى منهما و هو رواية يونس فهو نص فى علم السائل بمقدار المال لأنّه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 47 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب اللقطة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 88

يعلم بالمتاع الّذي بقى

عنده فموردهما ليس صورة الجهل بمقدار الحرام فلا تعارض بينهما و بين اخبار الباب لأنّه لو فرض وجود اطلاق لها يشمل صورة العلم بمقدار الحرام لا بدّ من تقييدها بهذين الخبرين فتكون النتيجة وجوب الخمس و حلية بقية المال مع الجهل بصاحب المال و عدم التميز بين الحلال و الحرام مع الجهل بمقدار الحرام و وجوب التصدق بالمال مع الجهل بصاحبه و معلومية المقدار فافهم.

المقام الثاني: الكلام فى مصرف هذا القسم

فهل يكون مصرف خمس الحلال المختلط بالحرام هو مصرف ساير اقسام الخمس فيجب صرفه فى مصرف سائر اقسام الخمس أو لا بل المراد من الخمس هو معناه اللغوى الّذي يعبر عنه بالفارسية (پنج يك) و يكون مصرفه مصرف الصدقة و هو الفقراء.

منشأ كون مصرفه مصرف سائر اقسام الخمس هو التعبير ب (الخمس) فى روايات الواردة فى الباب فيقال ان المراد من الخمس الّذي وجبه الشارع بمقتضى الروايات هو الخمس المصطلح فيكون مصرفه مصرف سائر الاقسام الواجبة فيها الخمس خصوصا الرواية الاولى منها حيث عدّ منها المال الحلال المختلط بالحرام فى عداد المعادن و البحر و الغنيمة الواجب فيها الخمس المصطلح فمقتضى وحده السياق كون المراد من الخمس فى كل من المذكورات واحدا و حيث ان الخمس فى المعدن و اخواته هو الخمس المصطلح فكذلك فى الحلال المختلط بالحرام.

و منشأ كون مصرفه الفقراء و كون المراد من الخمس اعطاء خمس المال بعنوان الصدقة هو الامر فى الرواية الثالثة من الروايات بالمذكورة بالتصدق و حيث قال عليه السّلام (تصدق بخمس مالك) فيستفاد منها كون المراد من الخمس هو معناه اللغوى اى يجب الصدقة عليك باعطاء خمس مالك بالفقراء.

و يمكن الاشكال فى الوجه المتمسّك به لكون المراد من الخمس معناه اللغوى

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 89

بانّه بعد ما قلنا من انّ المحتمل بل المظنون كون الرواية الثانية و الثالثة و الرابعة رواية واحدة فلا نعلم من انّ الصادر عنه عليه السّلام اى منها فمع عدم ذكر الامر بالتصدق فى اثنتين من الروايات الثلاثة فلا نعلم بصدور هذه الجملة (تصدق) عنه عليه السّلام فلا يبقى دليل على كون المراد الخمس بمعناه اللغوى فيصير القول الأوّل و هو كون المراد الخمس المصطلح اقوى الاحتمالين.

اعلم انّ لسيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه عند بحثه فى الخمس بيانين فى توجيه الاحتمال الثانى اعنى كون المراد من الخمس معناه اللغوى و بعبارة اخرى وجوب التصدق بخمس المال فى الحلال المختلط بالحرام.

امّا حاصل البيان الأوّل هو انّ المرتكز عرفا عدم جواز التصرف فى مال الغير بغير اذنه و لهذا يوجبون على من وقع مال الغير تحت يده عدوانا مثل ما كان غاصبا أو غير عدوان مثل ما وقع تحت يده يوجدانه رد المال الى صاحبه و هذا اصل عقلائى أمضاه الشارع و لهذا قال اللّه تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ و عنه عليه السلام لا يحل مال امرئ مسلم الّا عن طيب نفسه أو على اليد ما اخذت حتى تؤديه فاذا يجب شرعا على من كان مال الغير تحت يده رده الى مالكه فان عرف مالكه يرده إليه بشخصه و ان عرف المال و لم يعرف مالكه أو لا يظفر به كان المال مجهول المالك و يجب التصدق به عن قبل مالكه فالمرتكز فى ذهن المتشرعة وجوب التصدق بمال الغير عن قبل المالك إذا عرف المال و لا يتمكن من ايصاله إليه و ايقاعه تحت يده لأنّ

يتصرف فيه بما شاء و فى هذه الصورة اعنى صورة عدم التمكن من ايصال المال بشخص المالك فما يصل بمالك هو ثواب التصدق بماله.

فممّا قلنا ظهر لك ان التصدق بمال المجهول مالكه هو امر مرتكز عند المتشرعة فنقول بانّه مع علم الشخص بمقدار المال الغير الّذي وقع تحت يده لا اشكال فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 90

وجوب التصدق به بخصوصه.

و أمّا فى صورة الجهل بمقدار المال أيضا مثل جهله بصاحبه يبقى الاشكال فى المقدار الّذي يجب التصدق به بعد العلم بوجوب اصل التصدق.

فاذا سئل احد بعد هذا الارتكاز بانّه ما هو تكليفه فى المال الحلال المختلط بالحرام الّذي وقع تحت يده يحمل سؤاله عن المقدار الّذي يجب ان يتصدق به بعد الفراغ عن اصل وجوب التصدق فيحمل الجواب فى قوله عليه السّلام اخرج الخمس من ذلك المال فانّ اللّه تعالى قد رضى من ذلك المال بالخمس الخ على انّ المقدار الّذي يجب ان يتصدق به من ذلك المال هو خمس المال و ممّا مر يعرف انّ عدم ذكر التصدق فى روايات الباب غير ذكره فى الرواية الثانية كان لأجل كون اصل وجوب التصدق مرتكزا عند السائل و مع هذا ذكره فى الرواية الثانية فالمراد هو الخمس بمعناه اللغوى لا الخمس المصطلح.

أقول أمّا ما افاده من ان لزوم رد المال بصاحبه اصل عقلائى كلام متين كما ان امضاء الشارع لطريقة العقلاء معلوم.

و أمّا وجوب التصدق به إذا لم يعرف صاحبه كى يصل ثوابه به فهو ليس مرتكز العقلاء بما هم عقلاء نعم هو حكم شرعى فى مورده و مرتكز المتشرعة و العقلاء بما هم متشرعة يستفاد من الاخبار المذكورة فى محله

و قدر المتيقن منها هو صورة جهل المالك مع العلم بالمقدار.

و على فرض اطلاق لها يشمل صورة الجهل بالمقدار الّذي هو محل كلامنا لا بدّ من تقييد اطلاقها بروايات الباب كما قدمنا بيانه فى المقام الأوّل فعلى هذا ليس مرتكز المتشرعة التصدق حتى فى صورة الجهل بالمقدار و كان الشك فى المقدار الّذي يجب التصدق به حتى يقال بعد كون مرتكز المتشرعة وجوب التصدق حتى فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 91

صوره الجهل بالمقدار الّذي يجب التصدق به و سئل عن ذلك فجواب الامام عليه السّلام يرجع الى التصدق بخمس المال بل المسلم من المرتكز عند المتشرعة بعد الجمع بين ما يدل على وجوب الصدقة فى مجهول المالك و بين هذه الاخبار الواردة فى الحلال المختلط بالحرام هو وجوب الخمس فى صورة الجهل بالمقدار و الصاحب و عدم التميز.

و أما مصرف الخمس فالروايات ساكتة عنه نعم فى إحدى الروايات و هى الثالثة من الروايات المتقدمة ذكرها الامر بالتصدق بالخمس و قد عرفت انّه لا يمكن التعويل عليها لعدم معلومية كونها غير الرواية الثانية الّتي ليس فيها ذكر من التصدق فعلى هذا يشكل القول بانّ مصرفه مصرف الصدقة لعدم تمامية ما أفاده رحمه اللّه بنظرى القاصر.

و أمّا بيان ثانيه نوّر اللّه مضجعه حاصله أن يقال بأن مرجع التصدق عن قبل المالك الواقعى على من بيده مال الغير هو ردّ المال أولا الى المالك ثمّ التصدق بعده عنه فيقع ثواب هذا التصدق له و جعل هذا الحكم من قبل الشارع كان لأجل أنّه و إن لم يتمكن من بيده مال الغير من إيصال المال الى مالكه لكونه مجهولا لكن لا يجوز بسبب جهله

به عزله عن المالكية فالشارع حفظا لحق المالك امر بالتصدق عن قبله حتى يصل ثوابه به فاذا تصدق المال عن قبل مالكه فان صادف ما تصدق به عين ماله كما و كيفا فهو و إن لم يصادفها فتارة يكون ما تصدق لم يكن بقدر المال المالك المجهول بل اكثر فيقع بينهما معاوضة قهرية و تارة يكون أقل من مال المالك ففى هذه الصورة يحصل أمران المعاوضة القهرية بين المالين اعنى مال المالك و المال الشخص الّذي بيده مال المالك و العفو عن الشخص الّذي بيده المال عن الزيادة لأنّ ما تصدق من ماله كان واقعا أقل من مال المالك المجهول.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 92

و لكن لا مبادلة بين المالكين لعدم احتياج الصدقة الى نقل المال من مالك الى مالك اخر غير المالك المجهول و من وقع ماله تحت يده بل المبادلة بينهما قهرا لأنّه بالتصدق من ماله يملك مال المالك المجهول فاذا كان الخمس المذكور فى الروايات هو الصدقة لا يتوقف حلية بقية المال الى مبادلة المالكين بل المحتاج إليه يكون مبادلة المالين.

و أمّا ان كان المراد من الخمس هو الخمس المصطلح يحتاج الى مبادلة المالكين مضافا الى مبادلة المالين فى جميع الصور لأنّه لو وقع النقل عن المالك دون من بيده المال فيكون تصدّقا كما عرفت من أنّه يعتبران من بيده المال يرده الى مالكه ثمّ يتصدق به عنه و بعد كونه تصدقا لا يجوز صرفه فى بنى هاشم و هذا معنى كون الخمس هو الخمس بالمعنى اللغوى لا الخمس المصطلح.

و أمّا لو وقع النقل بعنوان الخمس المعهود و المصطلح فهو خمس متعلق بالمال الحلال المختلط بالحرام و معناه

تعلق الخمس بمن فى يده الحلال المختلط بالحرام فيجب عليه اخراج خمسه مثل وجوبه بمستخرج المعدن و الكنز و لازم ذلك هو انتقال المال من المالك الأوّل الواقعى الى من بيده المال المختلط حتى يصح خروجه من كيسه بعنوان الخمس و يصح صرفه فى مصرف الخمس المصطلح و يلزم ذلك تبادل المالكين أيضا لأنّه كما عرفت لا بد من انتقال المال من المالك الواقعى الى من بيده المال المختلط ثمّ صرف خمسه بعنوان الخمس.

فتخلص على القول بكون الخمس بعنوان الصدقة يلزم تبادل المالين فقط فى خصوص صورة عدم كون ما تصدق من المال عين مال المالك الواقعى و لا يلزم تبادل المالكين بخلاف القول بكون المراد من الخمس الخمس المصطلح فانّ فى جميع الصور اعنى صورة كون الخمس الّذي يخرجه عن المال المخلوط بالحرام عين مال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 93

المالك و صورة كونه شيئا مباينا لمال المالك مساويا معه قيمة أو اكثر و صورة كونه مباينا لمال المالك و انقص منه مالية تبادل المالكين مضافا الى تبادل المالين.

ثمّ بعد ذلك نقول بانّ غاية ما يستفاد من قوله عليه السّلام فى الرواية الثانية (فانّ اللّه تعالى قد رضى من ذلك المال بالخمس) أو فى الثالثة (فانّ اللّه قد رضى من الاشياء بالخمس) هو مبادلة المالين اعنى مبادلة مال المالك الواقعى بمال من بيده المال فى صورة عدم كون ما تصدق عنه عين مال المالك بل مباين له لا مبادلة المالكين فتكون النتيجة كون مصرف الخمس فى المقام هو الفقراء لوجوب التصدق بخمس المال.

و فيه انّ ذلك مجرد الاعتبار و الفرض فى توجيه الحكم الشارع فى مقام الثبوت و مجرد ذلك

لا يكفى لأن يقال بانّ الحكم اثباتا يدور مدار ذلك بحيث يكون موضوع الحكم اثباتا هو الصدقة لا الخمس المصطلح.

فعلى هذا نقول بانّه و ان ذكر فى الرواية الثالثة (تصدق بخمس مالك الخ) لكن بعد ما لا يعلم كون هذه الرواية غير الرواية الثانية كما بيّنا و احتمله سيدنا الاعظم رحمه اللّه و ليس فى الثانية الامر بالتصدق بل الامر بالخمس فقط فلا يحصل الوثوق بصدور رواية دالة على كون مصرف هذا الخمس مصرف الصدقة مضافا الى ما قيل من اطلاق الصدقة على الخمس فى كثير من الاخبار.

فبعد ذلك نقول بانّه و ان كان لا يبعد ان يكون مقتضى وحدة السياق فى الرواية الاولى من الروايات المتقدمة الدالة على وجوب الخمس فى اشياء و منها الحلال المختلط بالحرام و الحال انّ الخمس الواجب فى هذه الاشياء غير الحلال المختلط بالحرام الّذي صار مورد الاشكال من حيث مصرفه هو الخمس المصطلح هو كون الخمس الواجب فى الحلال المختلط بالحرام أيضا هو الخمس المصطلح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 94

لكن مع ذلك الأحوط اعطاء هذا الخمس بالفقراء من السادة باذن المجتهد بقصد ما فى ذمته واقعا من الخمس أو الصدقة فان بهذا يحصل فراغ الذمة لحفظ جميع ما يحتمل بذلك لأنّه ان كان الواجب عليه الخمس المصطلح واقعا فقد اعطاه لقصده اداء ما فى ذمته و ان كان الواجب عليه الصدقة واقعا فقد ادّاه لأنّه الفقير و ان اعتبر فى الصدقة اذن المجتهد فقد استاذن منه.

إن قلت ان كان المراد من الخمس الصدقة واقعا فلم يؤده باعطائه بالسادات لعدم جواز اعطائهم الصدقة فلا يتحقق الاحتياط بما قلت فى المقام.

قلت ان شمول اطلاق ما دل

على حرمة الصدقة على السادة للمورد غير معلوم لانصرافه عنه.

المقام الثالث: و ان علم المقدار و لم يعلم المالك تصدق عنه

و الأحوط ان يكون باذن المجتهد الجامع للشرائط أمّا وجوب التصدق لما عرفت فى المقام الاوّل من كون ذلك مقتضى الجمع بين الاخبار كما عرفت.

و أمّا اعتبار اذن المجتهد فى الصدقة و عدمه فنقول بعونه تعالى.

منشأ اعتبار اذن الحاكم اقتضاء عموم ولاية الحاكم لمن لا ولى له و رواية داود بن ابى يزيد عن ابى يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قال رجل انى قد اصبت مالا و انى قد خفت فيه على نفسى و لو اصبت صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه قال فقال له ابو عبد اللّه عليه السّلام و اللّه ان لو اصبته كنت تدفعه إليه قال اى و اللّه قال فانا و اللّه ماله صاحب غيرى قال فاستحلفه ان يدفعه الى من يأمره قال فحلف فقال فاذهب فاقسمه فى اخوانك و لك الا من ممّا خفت منه قال قسّمته بين اخوانى «1».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الصدقة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 95

و مقتضى الجمع بين بعض الاخبار الآمرة بالتصدق فيما نحن فيه مثل ما فى رواية يونس المتقدمة فى المقام الأوّل من المقامات المتعرضة فى المسألة و بين ما فى هذه الرواية من قوله عليه السّلام (و اللّه ماله صاحب غيرى) هو عدم ولاية لغيره على هذا المال و لهذا امر بالتصدق به.

منشأ عدم اعتبار اذن الحاكم هو الامر بالتصدق فى بعض الروايات فى المال المجهول صاحبه المعلوم مقداره بدون اشتراط كون الصدقة باذن الحاكم.

و اجيب عنه بانّ الامر بالتصدق اذن من قبل الإمام الحاكم عليه السّلام فان هذه الروايات

لو لم تدلّ على اعتبار اذن الحاكم لا تدلّ على عدم اعتبار اذنه.

أقول و لكن حيث لا يبعد كون ظاهر هذه الروايات هو الفتوى لا الاجازة فظاهرها وجوب الصدقة بدون اعتبار اذن الحاكم فاذا نقول بانّ الأحوط اذن المجتهد الجامع للشرائط.

المقام الرابع: لو انعكس الامر بانّ علم المالك و جهل المقدار

فان تراضيا بالصلح فهو لصحة الصلح المذكور.

و هل يحلّ المال بمجرد تراضيهما بالصلح و نحوه أو لا بدّ مع ذلك من ان يؤدّى من كان المال بيده الخمس الظاهر عدم الوجوب لعدم شمول الاخبار المتقدمة صورة العلم بالمالك بل التصريح بوجوب الاجتناب عن المال فيما صاحبه يعلم فى بعض اخباره.

و ان لم يرض المالك بالصلح فهل يجوز الاكتفاء بالاقل المتيقن أو يجب اعطاء الاكثر أو يجب تعيين المقدار بالقرعة أو يجب المصالحة مع المالك فإن أبى المالك عن الصلح يعطيه خمسه كما حكى عن التذكرة أو اخراج ما يغلب على ظنه أو يجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 96

التنصيف فى المقدار الزائد أو يجب الرجوع الى الحاكم فى حسم الدعوى و يعمل بمقتضى حكمه بالاقل أو الاكثر.

وجه الاكتفاء بالاقل مقتضى اليد على المال فانّها أمارة الملكية ما لم يعلم عدمها و المقدار المعلوم عدم ملكيته هو الاقل و أمّا الاكثر فمحكوم بملكيته بمقتضى يده عليه و هذا يتم فيما كان المال تحت يده كما هو مفروض الكلام.

وجه وجوب اعطاء الاكثر اصالة عدم تملكه مقدار المشكوك و لا مجال للتمسك باليد فى المقدار المشكوك لكونها أمارة لغيره لا لنفسه و عدم جريانها مطلقا على فرض أماريتها لنفسه مثل ما لا يكون المال تحت يد.

وجه القرعة هو أنّ القرعة لكل امر مشكل.

وجه المصالحة مع المالك فى المقدار المشكوك لو رضى المالك به

فمعلوم امّا اعطائه ما يغلب على ظنه فلا بد من دعوى اعتبار الظن و أمّا إعطاء خمسه بدعوى انّ قوله عليه السّلام فى بعض الروايات الواردة فى الباب المتقدمة ذكرها (فانّ اللّه قد رضى من الاشياء بالخمس) يدل على ذلك.

وجه تنصيف المقدار المشكوك هو دعوى الغاء الخصوصية فيما ورد فى الودعى و هى ما رواها السكونى عن الصادق عليه السّلام عن ابيه فى رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها قال يعطى صاحب الدينارين دينارا و يقسم الاخر بينهما نصفين «1» فيقال لا خصوصية للوديعة بل تشمل الرواية غير الوديعة أيضا.

وجه الرجوع الى الحاكم هو أنّه المرجع فى صورة النزاع و التخاصم.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب كتاب الصلح من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 97

أقول أمّا القرعة فيشكل فيها بانّه لا بد فى الاخذ بها من جابر مضافا الى أنّه لو كانت اليد حجة فى المورد ينتفى موضوع القرعة.

امّا احتمال الاخير أمّا فيما رضى المالك فهو خارج عن محل الكلام و قد عرفت أنّه لا يبقى اشكال فى جواز التصرف فى المال مع رضاية المالك.

و أمّا الاخذ بما يغلب على ظن من بيده مال الغير المشكوك مقداره فلا وجه له لعدم حجية الظن.

و أمّا الاكتفاء بالخمس فيما لم يحصل التراضي و لا يغلب ظنه الى جانب تمسكا بالرواية ففيه ان مورد الروايات بقرينة النص فى بعضها بان الخمس فيما يكون الجهل بمالك المال هو صورة الجهل بالمالك فلا يشمل ما كان صاحبه يعلم.

و أمّا الارجاع الى الحاكم فلا وجه له اذ ربما لا يكون نزاع بل الشخص يكون فى مقام اداء وظيفته بنفسه مضافا الى

أنّه لا بد من الفقيه من فهم تكليف الحاكم فى مقام المخاصمة.

فتبقى احتمالات ثلاثة الأوّل الاكتفاء بالاقل الثانى الاحتياط باعطاء الاكثر الثالث التنصيف فنقول بعونه تعالى.

اما القول بكفاية اعطاء الاقل فيشكل القول به لأنّ اليد ليست حجة بالنسبة الى نفس الشخص بل هى حجة و أمارة لغيره.

و أمّا القول بالاكثر فهو ان كان موافقا للاحتياط بالنسبة الى من كان مال الغير عنده لأنّه مع اعطاء الاكثر يقطع ببراءة ذمته لكن لا وجه لالزامه به و اصالة عدم تملكه للمشكوك لا يثبت كون المشكوك ملك الغير حتى يجب رده به الا ان يقال بانّه بعد العلم الاجمالى بكون الحرام فى ماله فامّا ان تجرى البراءة بالنسبة الى الزائد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 98

المشكوك فيجب اداء الاقل المعلوم و لا يجب اداء الاكثر المشكوك و ان لم نقل باجراء البراءة فى الدوران بين الاقل و الاكثر لعدم اجراء البراءة فى الاموال و الفروج و الدماء و أنّه لا يحلّ مال الا من حيث ما احلّه اللّه فيجب العلم بالحلية و لا يكفى مجرد الشك فى الحرمة لجواز التصرف فى الاموال فيكون المورد مورد قاعدة الاشتغال.

و أمّا القول بالتنصيف فى المقدار المشكوك فلا يبعد صحته لأنّ ما تطمئن به النفس هو كون الملاك فى الامر بالتنصيف فى الودعى هو اشتباه المال بين الشخصين فكذلك فيما نحن فيه.

و ان ابيت عن ذلك نقول بانّ الأحوط هو اعطاء الاكثر المشكوك.

المقام الخامس: و ان علم المالك و المقدار وجب دفع المال إليه

كما ان المحكى عدم الخلاف فيه و وجهه واضح لأنّ المال ماله فيجب رده إليه و الاخبار الواردة بوجوب الخمس فى المال المختلط بالحرام لا يشمل المورد كما عرفت لأنّ موردها الجهل بالمالك و المقدار

و عدم التميز.

***

[مسئلة 28: لا فرق فى وجوب اخراج الخمس بين بالاشاعة و غيرها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: لا فرق فى وجوب اخراج الخمس و حلية المال بعده بين ان يكون الاختلاط بالاشاعة أو بغيرها كما اذا اشتبه الحرام بين افراد من جنسه أو من غير جنسه.

(1)

أقول لشمول نصوص الباب لكل من صورتى الاختلاط كما بيّنا فى مطاوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 99

كلماتنا.

***

[مسئلة 29: لا فرق فى كفاية اخراج الخمس بين ان يعلم زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: لا فرق فى كفاية اخراج الخمس فى حلية البقية فى صورة الجهل بالمقدار و المالك بين ان يعلم اجمالا زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس و بين صورة عدم العلم و لو اجمالا ففى صورة العلم الاجمالى بزيادته عن الخمس أيضا يكفى اخراج الخمس فانّه مطهّر للمال تعبّدا و ان كان الاحوط مع اخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعى أيضا بما يرتفع به اليقين بالاشتغال أو اجراء حكم مجهول المالك عليه و كذا فى صورة العلم الاجمالى بكونه انقص من الخمس و احوط من ذلك المصالحة معه بعد اخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.

(1)

أقول للمسألة صور:

الصورة الاولى: ما إذا كانت زياده مقدار الحرام على الخمس و نقيصته عن الخمس مشكوكا

بحيث لا يعلم زياده مقدار الحرام على الخمس و لو اجمالا و كذا لا يعلم نقيصة مقدار الحرام عن الخمس و لو اجمالا فلا اشكال فى وجوب الخمس و حليه بقية المال به لشمول الاخبار لهذه الصورة مسلّما.

الصورة الثانية: ما إذا علم اجمالا زياده مقدار الحرام المخلوط بالحلال عن الخمس اجمالا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 100

فهل يجب الخمس فى هذه الصورة و يحلّ به ما بقى من المال او لا.

اختار المؤلف رحمه اللّه وجوب الخمس و حليه بقية المال حتى فى المقدار الزائد المعلوم اجمالا و وجهه ظاهرا شمول اطلاق اخبار الباب له و خصوصا العلة المذكورة فى بعضها (فانّ اللّه تعالى قد رضى من ذلك المال بالخمس).

وجه عدم الاكتفاء بالخمس فى حلية بقية المال فى هذه الصورة لزوم القول بحلية ما علم من ضرورة الدين خلافه و هو حرمة التصرف فى مال الغير بغير اذنه و هو المحكى عن الجواهر.

و أمّا التعليل المذكور فى بعض الاخبار (بقوله له انّ اللّه تعالى قد رضى الخ) لكفاية الخمس عن الزائد الواقعى فى المال لو ثبت وجوده لا يكفى للقول بكفاية الخمس فى مفروض الكلام لأنّ المراد كفايته عن الزائد الواقعى الّذي لا يعلم به لا الزائد المعلوم كما حكى عن الشيخ رحمه اللّه مع ما فى التعليل من الاشكال من حيث عدم كون قوله عليه السلام (فانّ اللّه تعالى قد رضى من ذلك المال بالخمس) علة.

مضافا الى ان قوله عليه السّلام فى الرواية الثانية (انى اصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه).

و قوله فى الثالثة (و لا ادرى الحلال منه و الحرام) من الروايات الواردة فى الحلال المخلوط بالحرام هو عدم العرفان أو عدم درايته بقول مطلق لا ما يعلم اجمالا زيادته عن الخمس

و لو اجمالا فعلى هذا لا يبعد اخراج الخمس مع الازيد من مقدار الخمس فى المقدار الّذي يعلم زيادته و فى المقدار المشكوك فيما يعلم اجمالا الزيادة و لكن يدور الامر بين الاقل و الاكثر فقد ظهر حكمه فى المقام الرابع و ان كان الفرق بين المقام الرابع و ما نحن فيه من حيث معلومية المالك فى المفروض فى المقام الرابع و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 101

جهالته فيما نحن فيه.

ثمّ أنّه على القول بذلك لا يجوز اعطاء الخمس بالسادة و ان قلنا بجواز اعطائهم فى الخمس المختلط بالحرام لأنّه ليس المورد مورد ادلة الخمس فى مال الحرام المخلوط بالحرام بل يدخل فى عنوان المجهول مالكه فلا بد من صرفه فى الفقراء و الأحوط الاستيذان من الفقيه الجامع للشرائط.

الصورة الثالثة: ما إذا علم اجمالا بنقيصة الحرام المخلوط بالحلال عن مقدار الخمس

فهل يجب الخمس و يكتفى بالخمس فى حلية البقية أو لا يجب الخمس و لا تحتاج حلية البقية الى اداء الخمس بل يكفتى بالمقدار المعلوم الانقص من الخمس.

قد يقال بوجوب الخمس و حلية بقية المال به بدعوى شمول اطلاق النصوص الواردة فى الحلال المخلوط بالحرام المذكورة فى صدر البحث له.

أقول و لكن يمكن الاشكال فى شمول النصوص لهذه الصورة.

أوّلا لما عرفت فى الصورة الثانية من ان ظاهر الخبرين الأوّل و الثانى من الاخبار الواردة فى الباب هو عدم عرفانه المطلق بالحرام فلا يشمل ما إذا كان عارفا به و لو اجمالا.

و ثانيا إنّ لسان الاخبار الواردة فى الباب لسان الامتنان و التخفيف و وجوب اداء الخمس من المال مع علمه اجمالا بكون مقدار الحرام انقص من الخمس يكون خلاف التخفيف فلا يشمله الروايات فيكون بحكم المجهول المالك و قد عرفت الكلام فى

المقدار المشكوك فى المقام الرابع من المقامات المتقدمة حكمه و فى المقدار المعلوم يجب رده و على كل حال ما يجب ردّه الأحوط ردّه الى الفقير باذن الحاكم الشرعى بغير السادة على الأحوط و الأحوط اعطاء الخمس بالنحو الواجب فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 102

الحلال المختلط الحرام.

***

[مسئلة 30: إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم فى عدد محصور ففى وجوب التخلص من الجميع و لو بارضائهم باى وجه كان أو وجوب اجراء حكم مجهول المالك عليه أو استخراج المالك بالقرعة أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية وجوه اقواها الاخير.

و كذا إذا لم يعلم قدر المال و علم صاحبه فى عدد محصور فانه بعد الاخذ بالاقل كما هو الاقوى أو الاكثر كما هو يجرى فيه الوجوه المذكورة.

(1)

أقول فى المسألة مسئلتان:

المسألة الاولى: ما إذا كان الشخص عالما بقدر المال الّذي عنده من غيره

و لم يعلم صاحبه بعينه لكن يعلم كونه بين عدد محصور مثلا يعلم ان عشرين دينارا من الغير عنده و هو مثلا من زيدا و عمرا و بكر و لم يعلم بانّ من اى منهم بعينه ففيها احتمالات على ما ذكره المؤلف رحمه اللّه.

و انا أقول بان لها صور:

الاولى: انّ جميع العدة المحصورين يدّعون المال ففى هذه الصورة لا بد من اعمال قواعد باب الدعوى و التنازع حيث انّ كلهم مدعى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 103

الثانية: و لها صورتان الاولى انّ واحدا منهم يدّعى المال مع نفى الباقين كون المال له و هذا أيضا من صغريات باب التنازع.

الثانية انّ واحدا منهم يدّعى المال و لا يكون للباقين ادعاء فيه بل يدّعون عدم علمهم به فيعطى المال بالمدّعى لأنّه مدّعى بلا معارض.

الثالثة: ان العدة المحصورين لا يدّعون المال بل يدّعون عدم العلم فهذه الصورة من الصور الثلاثة ينبغى ان يكون مورد المحتملات الّتي ذكرها المؤلف رحمه اللّه و لعل نظره الشريف فى المسألة يكون الى خصوص هذه الصورة فنقول بعونه تعالى بان فيها احتمالات:

الاحتمال الاوّل: وجوب التخلص من جميع هذه العدة و لو

بارضائهم باى وجه كان لأنّ مقتضى العلم الاجمالى وجوب الاحتياط فى الاطراف لأنّ الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية فمع الضمان المعلوم (فعلى اليد ما اخذت حتى تؤدى «1»).

و يشكل بان ذلك ضرر منفى بدليل نفى الضرر.

الاحتمال الثاني: وجوب اجراء حكم مجهول المالك عليه لأنّ مقتضى عموم الامر بالصدقة بما لا يعلم صاحبه شموله للمورد.

و فيه ان مورده عدم امكان العلم بإيصال المال الى مالكه كلا و بعضا و هنا يمكن بالاحتياط باعطاء ما يساوى المال بكل من المحصورين على حدة.

الاحتمال الثالث: وجوب دفع المال على الدافع الى احد من المحصورين مع تخيير الدافع فى تعيين ايهم شاء.

اما وجوب الدفع الى احدهم فلحرمة المخالفة القطعية فلو ترك الدفع بكل

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 1 من كتاب الوديعة مستدرك الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 104

منهم يحصل العلم بالمخالفة للتكليف المعلوم فى البين و أمّا لو دفع الى واحد منهم فقد نجى من المخالفة القطيعة و أمّا تخيير الدافع فى دفعه الى ايهم شاء فلعدم الترجيح فى الاطراف.

و فيه أنّه لا يكفى فى حصول البراءة القطيعة بعد الاشتغال القطعى و مجرد عدم المخالفة القطيعة لا يكفى بل لا بد من الموافقة القطيعة و هى لا تحصل باعطاء المال بواحد منهم.

الاحتمال الرابع: استخراج المالك بالقرعة لأنّ القرعة فى كل امر مشتبه.

و فيه أوّلا كما قيل انّ العمل بالقرعة متوقف على عمل الاصحاب بها فى مورده و هو منتف فى المقام.

و ثانيا يتوقف العمل بها على عدم جريان القواعد الجارية فى حق الجاهل حتى قاعدة الاشتغال و هو منتف هنا.

الاحتمال الخامس: توزيع ذلك المقدار من المال عليهم بالسوية.

امّا لما ورد فى الودعى من الامر بالتنصيف

و قدمنا ذكره فى بعض المقامات المتعرضة فى اصل البحث عن وجوب الخمس فى الحلال المخلوط بالحرام نذكره هنا تيمنا.

روى السكونى عن الصادق عليه السّلام عن ابيه فى رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها قال يعطى صاحب الدينارين دينارا و يقسّم الآخر بينهما نصفين «1» فيعتدى عن مورد الرواية الى المورد بإلغاء الخصوصية بانّ يقال انّ ما هو الملاك فى الحكم بالتنصيف هو جهالة المالك بين الشخصين

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من كتاب الصلح من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 105

المحصورين و فى المورد تكون الجهالة بين الافراد المحصورين فيقسّم المال بينهم بالتساوى.

و أمّا لأنّه بعد اشتغاله يقينا و مع عدم وجوب أداء ذلك المقدار من المال بكل واحد منهم فيدور أمره بين ان يعطى تمام المال بواحد منهم فهو كما يوجب الموافقة الاحتمالية يوجب المخالفة الاحتمالية و عدم القطع بالموافقة و بين تقسيم بينهم بالسوية فيوجب للمخالفة القطيعة لعدم وصول تمام المال بصاحبه لكن يوجب للموافقة القطعية فى البعض الآخر من التكليف لوصول بعض المال بصاحبه و لا ترجيح فى نظر العقل لكيفية الإطاعة بالنحو الاوّل على الاطاعة بالنحو الثانى فله أن يمتثل فى مقام الامتثال به.

الاحتمال السادس: التفصيل بين ما كان من بيده مال الغير محسنا مثل من كان امينا أو اخذ المال عارية أو غيرها فيقال بالتقسيم بالسوية بين المحصورين لأنّ الرواية المذكورة تشمله لعدم خصوصية لمورد الودعى مسلّما.

و بين ما لا يكون محسنا مثل ما إذا كان غاصبا فيقال بوجوب اداء المال بكل من المحصورين بمثل كل المال فان كان عنده دينار غصبا و صار صاحبه بين ثلاثة نفر يجب ان

يعطى بكل منهم دينارا لأنّ الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال.

و ان قيل بانّ معنى الاخذ بالاشق يكون فى كيفية الاخذ لا للاخذ منه زائدا على ما غصبه.

فنقول يكفى قاعدة الاشتغال و لا مجال لأنّ يقال بان اداء الزائد ضرر عليه لانّا نقول بانّه اقدم على الضرر بغصبه مال الغير فلا مجال للتمسك بقاعدة الضرر.

و القول بالتقسيم بالسوية تمسكا برواية متقدمة فى الودعى بإلغاء الخصوصية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 106

لا وجه له لأنّ الفرق بين الودعى و بين الغاصب واضح.

و ما يأتى بالنظر عاجلا كون الترجيح مع الاحتمال الاخير و هو الاحتمال السادس.

المسألة الثانية: إذا لم يعلم قدر المال و علم صاحبه فى عدد محصور

فقال المؤلف رحمه اللّه بانّه بعد الاخذ بالاقل كما هو الاقوى أو الاكثر كما هو الأحوط يجرى فيه الوجوه المذكورة (يعنى الوجوه الّتي ذكرها فى المسألة الاولى).

أقول أمّا على ما اخترنا فى المسألة الاولى من المسألتين من التفصيل و هو الاحتمال السادس نقول به فى هذه المسألة أيضا بالتفصيل المذكور فى المقدار الاقل و فى الاكثر الّذي ذكرنا مختارنا فى المقام الرابع من المقامات المتقدمة فان قلنا بوجوب الاقل فيما جهل المقدار مثلا نقول بوجوب اداء الاقل بكل من المحصورين فيما كان يده يدا عدوانيا و التقسيم بالسوية فيما لا تكون يده يدا عدوانيا.

و لو قلنا بوجوب الاكثر فهكذا بالنسبة الى الاكثر يعامل مثل ما يعمل فى الاقل المعلوم و لو قلنا بالتنصيف فى المقدار الزائد المشكوك كما قلنا بعدم بعده فأيضا نقول بالتفصيل الّذي قلنا فى مقام ادائه بالمحصورين فانّه لا بدّ على هذا من تقسيم النصف المشكوك بينهم بالسوية ان كانت يده غير عدوانىّ و اداء تمام النصف بكل واحد منهم ان كانت يده عادية.

***

[مسئلة 31: إذا كان حق الغير فى ذمته لا فى عين ماله]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: إذا كان حق الغير فى ذمته لا فى عين ماله فلا محل للخمس و حينئذ فان علم جنسه و مقداره و لم يعلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 107

صاحبه اصلا أو علم فى عدد غير محصور تصدق به عنه باذن الحاكم أو يدفعه إليه و ان كان فى عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة و الاقوى هنا أيضا الاخير و ان علم جنسه و لم يعلم مقداره بان تردّد بين الاقل و الاكثر اخذ بالاقل المتيقن و دفعه الى مالكه ان كان معلوما بعينه و ان كان معلوما فى عدد محصور فحكمه

كما ذكر و ان كان معلوما فى غير المحصور أو لم يكن علم اجمالى أيضا تصدق به عن المالك باذن الحاكم أو يدفعه إليه و ان لم يعلم جنسه و كان قيميا فحكمه كصورة العلم بالجنس إذ يرجع إلى القيمة و يتردد فيها بين الاقل و الاكثر و ان كان مثليا ففى وجوب الاحتياط و عدمه وجهان.

(1)

أقول فى هذه المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا كان حق الغير فى ذمة الشخص لا فى عين ماله

و علم جنسه و مقداره ففيه كلام من حيث كونه محل الخمس و عدمه فنقول أنّه ليس مورد الخمس الواجب فى الحلال المخلوط بالحرام لأنّ مورده بمقتضى النصوص الواردة فيه هو المال الخارجى المخلوط حلاله بحرامه لا ما يكون فى ذمة الشخص من الاموال.

و كلام آخر فيه من حيث حكمه فله صور على ما ذكره المؤلف رحمه اللّه.

الصورة الاولى: على ما افاده ما إذا علم جنسه و مقداره و لم يعلم صاحبه اصلا.

أقول و نظره فى هذه الصورة على ما يقتضي ظاهر العنوان و على ما يظهر من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 108

جعل صورة علمه فى عدد محصور و صورة علمه بكونه فى عدد غير محصور هو عدم علمه بصاحبه و لو اجمالا و هذا ينافى مع ما قال رحمه اللّه فى صدر المسألة من قوله (إذا كان حق الغير فى ذمته) لأنّ من يرى كون حق الغير فى ذمته يعلم بصاحبه و هو الغير و لو فى الجملة فليس هذا القسم قسيما لقسمين آخرين.

مضافا الى أنّه لو لم يعلم بحق الغير اصلا حتى بالعلم الاجمالى فلا يجب عليه شي ء لكونه شاكا فى تعلق حق الغير به راسا.

الصورة الثانية: ما إذا علم بحق الغير فى ذمته و يعلم جنسه

و مقداره و كان هذا الغير مشتبها فى عدد غير محصور تصدّق به عنه لكونه مورد الاخبار الواردة بالتصدق فى مجهول المالك و الأحوط كونه باذن الحاكم كما قدمنا سابقا أو يدفع الى الحاكم كى يعطى الفقراء بعنوان الصدقة عن مالكه الواقعى.

الصورة الثالثة: ما إذا علم بحق الغير فى ذمته و علم جنسه و مقداره و هذا الغير مشتبها فى عدد محصور فياتى فيها الوجوه الستة المذكورة فى المسألة 30 السابقة ذكرها و مختارنا الاحتمال السادس كما قدمنا.

المسألة الثانية: إذا كان حق الغير فى ذمة الشخص و علم جنسه

و لم يعلم مقداره بان تردد بين الاقل و الاكثر فحكمه من حيث عدم كونه محل الخمس المتعلق بالحلال المخلوط بالحرام مثل المسألة الاولى و أمّا من حيث حكمه فنقول بعونه تعالى إن شاء اللّه.

فتارة يكون صاحبه معلوما تفصيلا فيجب عليه رد الاقل المتيقن به لا الاكثر.

امّا وجوب الاقل فلعلمه باشتغال ذمته و أمّا عدم وجوب الاكثر فلاجل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 109

اصالة البراءة عن الزائد.

و تارة لا يكون صاحبه معلوما فقد فرض المؤلف رحمه اللّه له صورا ثلاثة.

الصورة الاولى: ما لا يعلم صاحبه و لو اجمالا فكما قلنا فى المسألة الاولى هذه الصورة خلف الفرض لأنّ الفرض علمه بكون حق الغير فى ذمته و يعلم جنسه لكن لا يعلم مقداره فلا يتم كلامه لعلمه على الفرض بحق الغير اجمالا فكيف بفرض عدم علمه بصاحب المال اصلا.

الصورة الثانية: ما إذا كان صاحبه معلوما فى عدد محصور فياتى فيها الوجوه المذكورة الستة الّتي بيّنا لك فى المسألة 30 و ما اخترنا فيها و هو الاحتمال السادس نختاره فى المقام.

الصورة الثالثة: ما إذا كان صاحبه معلوما فى عدد غير محصور تصدق عن المالك و

الأحوط كونه باذن الحاكم أو يرده إليه فيعطى الحاكم بالفقراء بقصد الصدقة عن مالكه الواقعى و هل يجب التصدق بالاكثر المشكوك أو يكفى التصدق بالاقل فالكلام فيه قد مضى فى المسألة 30 من الاحتمالات الستة و لذا الاقوى الاحتمال الاخير منها.

المسألة الثالثة: إذا كان حق الغير فى ذمة الشخص و لم يعلم جنسه

فتارة يقع الكلام فى وجوب الخمس الواجب فى الحلال المختلط بالحرام فيه فلا يجب فيه كما قلنا فى المسألة الاولى و الثانية لأنّ مورد نصوصه المال الخارجى المخلوط حلاله بحرامه و المورد ليس كذلك لفرض كون الحرام فى ذمته.

و تارة يقع الكلام فى حكمه فنقول قد فرض المؤلف رحمه اللّه لها صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا كان حق الغير فى ذمته و لم يعلم جنسه و كان قيميا و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 110

يتردد أمره بين الاقل و الاكثر مثل ما إذا يعلم اجمالا بانّه اتلف امّا فرسه او بقره فيتردد بين الاقل و الاكثر ففى المثال يكون قيمة الفرس مائة دينار و قيمة البقر انقص مثلا خمسون دينارا فلا اشكال فى وجوب اداء قيمة المال لوجوب القيمة فى القيميات بعد تلفها.

انّما الكلام فى أنّه يكتفى فى القيمة بالاقل ففى المثال لا يجب الا اداء خمسين دينارا أو لا يكتفى الا بالاكثر فيجب فى المثال اداء مائة دينار اختار المؤلف رحمه اللّه وجوب اداء الاقل و الظاهر كون منشأه البراءة عن الاكثر.

و قد يقال بالتفصيل بين ما كان منشأ الضمان الاتلاف مثلا فى المثال لا يدرى أنّه اتلف فرس الشخص أو بقرة منه و كانت قيمة احدهما الاقل من الآخر ففى هذه الصورة لا يجب الّا اداء الاقل و بين ما كان سبب الضمان اليد مثلا فى العقود الواردة على

القيميات مثل المقبوض بعقد الفاسد الّذي تلف عنده فلا يدرى ان ما قبضه بالعقد الفاسد الّذي تلف كان هو الفرس أو كان هو البقر ففى هذه الصورة يجب اداء الاكثر لدوران الامر بين المتباينين و الواجب فيه الاحتياط باتيان الاكثر.

لأنّ فى الضمان الحاصل بالاتلاف ما اوجب عليه بمجرد الاتلاف هو القيمة و القيمة امرها دائر بين الاقل و الاكثر فبالنسبة الى الاقل يكون الاشتغال يقينيا و بالنسبة الى الاكثر مشكوكا فتجرى البراءة.

و أمّا فى الضمان الحاصل بسبب العقد فانّ ما وقع على عهدة الشخص و يضمنه أولا هو العين غاية الامر إذا تلفت يجب أداء قيمتها إذا كانت العين قيميا فهو يعلم اجمالا باشتغال ذمته باحد من الامرين المتباينين امّا البقر و امّا الفرس مثلا فان كان التالف بقرا تحصل براءة الذمة اليقينية باداء الاقل و ان كان فرسا لا تحصل براءة الذمة الّا بالاكثر و قد عرفت فى الاصول بان الشك فى المكلف به ان كان دائرا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 111

بين المتباينين يجب الاحتياط و لا مجال للبراءة و هذا كلام تمام فالاقوى فى هذه الصورة التفصيل بنحو ما عرفت.

الصورة الثانية: ما إذا لم يعلم جنسه و كان مثليا قال المؤلف رحمه اللّه ففى وجوب الاحتياط و عدمه وجهان.

أقول وجه وجوب اداء الاقل فقط ليس الا دعوى البراءة عن الاكثر المشكوك.

و وجه وجوب الاكثر و بعبارة اخرى الاحتياط هو أنّه بعد ما كان ما يعلم باشتغال ذمته بالمثلى مثلا يعلم اجمالا باشتغال ذمته بمنّ من ارز و لا يدرى ارز المعروف (بصدرى) أو المعروف (بگرده) فان كان الأوّل فقيمته عشرة توامين و ان كان الثانى فقيمته خمسة توامين

فاشتغل ذمته بواحد منهما الواجب عليه مع تلفه مثله فلا يدرى انّ الواجب عليه اداء منّ من الارز المعروف (بصدرى) أو المعروف (بگرده) فيكون من الدوران بين المتباينين فيجب عليه الاحتياط باداء الاكثر سواء كان سبب الضمان اليد أو كان سببه الاتلاف لأنّ فى صورة الاتلاف ما يتعلق على العهدة هو المثل و المثل حيث يكون مرددا بين الشيئين احدهما اعلى قيمة من الاخر فيكون أمره دائرا بين المتباينين فيجب الاحتياط باداء الاكثر.

***

[مسئلة 32: الامر فى اخراج هذا الخمس الى المالك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: الامر فى اخراج هذا الخمس الى المالك كما فى سائر اقسام الخمس فيجوز له الاخراج و التعيين من غير توقف على اذن الحاكم كما يجوز دفعه من مال آخر و ان كان الحق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 112

فى العين.

(1)

أقول يأتى الكلام فى مطلق الخمس إن شاء اللّه تعالى ففى نصفه يجب ايصاله الى المجتهد الجامع للشرائط فى عصر الغيبة فانه سهم الامام عليه السّلام و فى نصفه الآخر يعطى بالسادات و هل يجب اذن الفقيه أم لا كلام يأتى إن شاء اللّه و على كل حال هذا القسم من الخمس مثل سائر الاقسام من هذه الجهة لعدم فرق بين الادلة من حيث هذه الجهة.

***

[مسئلة 33: لو تبيّن المالك بعد اخراج الخمس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: لو تبيّن المالك بعد اخراج الخمس فالاقوى ضمانه كما هو كذلك فى التصدق عن المالك فى مجهول المالك فعليه غرامته له حتى فى النصف الّذي دفعه الى الحاكم بعنوان انّه للامام عليه السّلام.

(2)

أقول أمّا وجه الضمان فيما تبين المالك بعد اخراج الخمس فلان مقتضى اليد و الاتلاف هو الضمان و الامر باخراج الخمس لا يدلّ على رفع الضمان بل يقتضي رفع الإثم بالتصرف.

و يؤيد ذلك ما ورد فى ضمان المتصدق باللقطة لو لم يرض صاحبها باجر الصدقة.

و فيه أنّه لو التزمنا بان ما يدل على وجوب الخمس فى الحلال المختلط بالحرام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 113

لا يقتضي نفى الضمان يكون اللازم الالتزام بالضمان حتى قبل تبين المالك و لم يتوقف على ظهوره و تبينه و هذا خلاف ظاهر النصوص لأنّ نظر السائل كما فى بعض نصوصه الى براءة الذمة لا مجرد جواز التصرف.

مضافا الى

ان ما فى بعض روايات الباب (فان اللّه تعالى قد رضى من ذلك المال بالخمس) و خصوصا فى رواية اخرى منها (بناء على كونها غير الرواية السابقة الّتي فيها الجملة المتقدمة و قد بينا الكلام فيه عند البحث عن الروايات) حيث قال فيها (فان اللّه قد رضى من الاشياء بالخمس و ساير المال لك حلال) فانها نص فى انّ ما اداه من الخمس اداء لحق المالك فلهذا يصير المال له حلال بعد اداء الخمس.

إن قلت ان الخمس كاف فى الخروج عن عهدة الحرام فى المال و أمّا حلية البقية مشروطة بعدم ظهور صاحبه.

قلت هذا خلاف اطلاق ما فى الخبرين المذكورين من انّ اللّه تعالى قد رضى بالخمس و بعبارة اخرى ليس الحكم بحلية البقية و رضاء اللّه تعالى بالخمس حكما ظاهريا يرتفع بكشف الخلاف بل هو حكم واقعى ثانوى مخالف مع الحكم الواقعى الاولى و هو وجوب ايصال المال بصاحبه و بعد كونه حكما ثانويا لا يتفاوت الحال بين ظهور صاحبه و عدمه.

هذا بالنسبة الى ما نحن فيه و هو كشف صاحب المال و ظهوره بعد اداء الخمس و لا يبعد عدم ضمانه و ان كان احوط.

و أمّا بالنسبة الى التصدق فلو اعطى ما يجب تصدّقه عن المالك الواقعى ثمّ بعد ذلك ظهر صاحب المال فهل يجب غرامته له و ان تصدّق عنه أم لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 114

اعلم ان الكلام تارة يقع فى اللقطة فيجب غرامتها للمالك و ان تصدق عنه لو لم يرض بها صاحبه لدلالة بعض الروايات عليه مثل ما رواها على بن جعفر عن اخيه عليه السلام قال و سالته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة

ثمّ يتصدق بها فياتى صاحبها ما حال الّذي تصدق بها و لن الاجر هل عليه ان يردّ على صاحبها أو قيمتها قال هو ضامن لها و الاجر له الّا ان يرضى صاحبها فيدعها و الاجر له «1».

و تارة يقع الكلام فى مجهول المالك غير اللقطة فنقول بعونه تعالى بعد ما لا اشكال فى وجوب الصدقة فى مجهول المالك بمقتضى النص فلا يبقى وجه لضمان من بيده المال المجهول مالكه لأنّ يده امّا لم تكن يد مضمونة مثل ما كان المال عنده بالوديعة ثمّ جهل مالكه و أمّا تكون مضمونة.

امّا فى الصورة الاولى فلان سبب الزمان ان كانت اليد فهى منتقية فى المقام لأنّ يده ليست يدا عادية.

و ان كان سببه الاستيفاء فأيضا ليس المقام مورده لأنّه على الفرض لم يستوف المال بل تصدّق عنه و ان كان سببه الاتلاف فهو و ان تلفه بالتصدق لكن كان ذلك بامر الشارع لامره بالتصدق مضافا الى أنّه بعد عود ثواب الصدقة الى المالك و كان بامر الشارع فلا يعدّ اتلافا.

و أمّا ان كانت يده على مجهول المالك يدا مضمونة مثل ما اخذ عن مالكه المجهول فعلا عدوانا فيقال بانّ الظاهر من النصوص الآمرة بالتصدق فى مجهول المالك كون ذلك تكليفه من حيث وقوع يده عليه و وجوب ردّه فمعنى الامر بالتصدق كون التصدق ردّ المال و رفع الضمان الحاصل باليد فلا معنى معه

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 2 من كتاب اللقطة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 115

لبقاء الضمان.

اللّهم الّا ان يقال بانّه بعد ورود النص فى اللقطة بالضمان لو تبين صاحبها و لم يرض بالتصدّق فنقول فى الحرام المختلط الحلال و كذا

فى مجهول المالك بالضمان لو تبين مالك المال بعد اداء الخمس أو بعد الصدقة بتنقيح المناط فيما لم يكن يده على المال يدا عادية و بالأولوية القطعية فيما يكون يده يدا عادية.

أقول و لاجل هذا الاحتمال نقول بانّ الأحوط هو الضمان فى مورد الحرام المخلوط بالحرام اذا أدّى خمسه و فى المجهول المالك أنّه لو تصدق عن صاحبه ثمّ تبين صاحب المال و لم يرض بالخمس و لا بالصدقة.

***

[مسئلة 34: لو علم بعد اخراج الخمس انّ الحرام ازيد من الخمس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: لو علم بعد اخراج الخمس انّ الحرام ازيد من الخمس أو اقل لا يسترد الزائد على مقدار الحرام فى الصورة الثانية و هل يجب عليه التصدق بما زاد على الخمس فى الصورة الاولى او لا وجهان احوطهما الأوّل و اقواهما الثانى.

(1)

أقول قد بينا فى المسألة 29 انّ النصوص الواردة فى وجوب الخمس فى الحلال المخلوط بالحرام لا تشمل صورة العلم بالزيادة و لو اجمالا بل و لا صورة العلم بالنقيصة و لو اجمالا فبناء عليه نقول بعونه تعالى.

انّ كلا من الفرضين فى المسألة خارج عن موضوع الخمس فى الحلال المخلوط بالحرام لعدم شمول ادلته لما يعلم بزيادة الحرام عن مقدار الخمس و لما يعلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 116

بنقيصة الحرام عن مقدار الخمس.

و بعد خروج الفرضين عن موضوع النصوص الواردة فى الحلال المختلط بالحرام يجب الأداء بعنوان المجهول المالك فان كان يعلم انّ ما اداه من الخمس انقص من الحرام يجب التصدّق بالمقدار الزائد المعلوم و إن كان يعلم أنّ ما أداه من الخمس أكثر من المبلغ الحرام فالزائد ان كان موجودا عند الفقير يجوز له استرداده و ان اتلفه الفقير فلا ضمان عليه لأنّ المالك فوّته

بنفسه.

***

[مسئلة 35: لو كان الحرام المجهول مالكه معيّنا فخلطه بالحلال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: لو كان الحرام المجهول مالكه معيّنا فخلطه بالحلال ليحلله بالتخميس خوفا من احتمال زيادته عن الخمس فهل يجزيه اخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك وجهان و الاقوى الثانى لأنّه كمعلوم المالك حيث ان مالكه الفقراء قبل التخليط.

(1)

أقول إذا كان المال المجهول مالكه معيّنا مثلا يعلم ان الحنطة الموضوعة فى الكيس المعين يكون من شخص مجهول و لم يعلم مقداره (لأنّه لو علم مقداره فيجب التصدق به عن مالكه و لا يجزى الخمس و لو اختلطه بغيره) فاخطلته بغيره خوفا من احتمال زيادته على الخمس مثلا اختلط فى المثال الحنطة فى الكيس بغيرها من الحنطة.

فهنا كلام من حيث كون فعله هذا حراما بالحرمة التكليفية أو لا فنقول.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 117

و لا اشكال فى حرمته لعدم جواز التصرف فيه بل كان الواجب عليه ان يتصدق عن مالكه الواقعى و لم يتعرض المؤلف رحمه اللّه لهذا الحيث.

و كلام آخر تعرّض له المؤلف رحمه اللّه من أنّه بعد اختلاط العين الشخصية المملوكة للغير المجهول هل يجزى اخراج الخمس لحلية بقية المال أو يبقى على حكم مجهول المالك الّذي كان قبل الاختلاط وجهان.

وجه اجزاء الخمس اطلاق النصوص الواردة فى الخمس فى المختلط بالحرام لأنّ هذا المال على الفرض مال حلال اختلط بالحرام لا يتميز حلاله من حرامه و مجهول من حيث المقدار و من حيث المالك.

وجه القول بعدم اجزاء الخمس و بقائه على حكم مجهول المالك انصراف ادلة الخمس فى المخلوط حرامه بحلاله عن المورد لأنّ المنصرف منها هو ما اختلط الحرام بالحلال لدواع آخر او قهرا لا لأنّ يصير بسبب الاختلاط مورد ادلة خمس المخلوط حرامه

بحلاله.

مضافا الى ما ذكر فى المتن من انّ المورد كمعلوم المالك حيث انّ مالكه الفقراء قبل التخليط و ما علم مالكه خارج عن مورد أدلّة الخمس فى الحرام المخلوط بالحلال.

لكن يمكن ان يقال.

امّا الوجه الأوّل ففيه أنّه لا وجه لدعوى الانصراف اذا الاختلاط غالبا يحصل من الشخص عمدا بدواع مختلفة و صيرورته مورد الخمس من الدواعى فلا وجه للانصراف.

و أمّا الوجه الثانى ففيه انّ المال المجهول مالكه لا يكون ملك الفقراء قبل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 118

التخليط بل ملكه الفقير باعطائه به فعلى هذا لا يبعد كون الاقوى الوجه الأوّل و هو اجزاء الخمس و حلية بقية المال به.

***

[مسئلة 36: لو كان الحلال الّذي فى المختلط ممّا تعلق به الخمس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: لو كان الحلال الّذي فى المختلط ممّا تعلق به الخمس وجب عليه بعد التخميس للتحليل خمس اخر للمال الحلال الّذي فيه.

(1)

أقول لا وجه للقول بعدم وجوب خمس آخر غير الخمس الواجب للحرام المخلوط بالحلال الّا ما فى بعض روايات الباب من (ان اللّه تعالى قد رضى من ذلك المال بالخمس الخ) فيدّعى أنّه تعالى رضى بالخمس للحرام المخلوط بالحلال بالخمس الواحد له و لما يتعلق به من الخمس بفوائده المكتسبة.

و فيه انّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي لكون رضاية اللّه تعالى بالخمس لما اصابه من الحرام الواقع فى ماله لا لامر آخر و هو كون ماله المخلوط بالحرام من فوائده المكتسبة الّتي فيها الخمس.

و بعبارة اخرى اطلاق كل من دليلى الخمس فى الحرام المخلوط بالحلال و الخمس فى الفوائد المكتسبة يقتضي وجوب الخمس و لكل منهما خمس على حدة ثمّ أنّه بعد فرض وجوب الخمسين فى مفروض الكلام.

هل يجب على المكلف أولا اداء الخمس للحرام المخلوط بالحرام

ثمّ الخمس فيما بقى من المال للفوائد المكتسبة كما هو ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه مثلا كان ما عنده مقدار خمس توامين و يعلم بحرام فيه جاهل بصاحبه و بمقدار و بجنسه يجب أو لا اداء مقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 119

تومان واحد بعنوان خمس الحرام المخلوط بالحلال ثمّ يبقى اربع توامين فيؤدى بعنوان خمس الفائدة ثمان ريالات اعنى تومانا الّا ريالين.

أو يكفى ان يعطى فى المثال أولا ثمان ريالات لأنّ الحلال الّذي فى خمسة توامين لم يكن على الفرض الا أربعة توامين لأنّ كل المال يبلغ خمسة توامين و مقدار تومان منه على الفرض حرام اختلط بالحلال ثمّ بعد اداء ثمانية ريالات للخمس المتعلق بالفائدة يبقى من خمسة توامين أربعة توامين و ريالين و يكون خمسه ثمان ريالات و ثلاثة ارباع من ريال تقريبا.

فعلى النحو الأوّل يصير خمس الحرام المخلوط بالحرام تومانا واحدا.

و على الفرض الثانى يصير انقص منه بريال و ربع ريال تقريبا.

فهل نقول بالاول كما هو ظاهر الترتيب فى كلام المؤلف رحمه اللّه.

او نقول بالثانى كما هو نظر بعض اعاظم العصر فى حاشيته على العروة فى هذا المقام.

ظاهر اخبار الواردة فى الباب هو الأوّل كما يظهر من قوله عليه السّلام (اخرج الخمس من ذلك المال الخ).

***

[مسئلة 37: لو كان الحرام المختلط فى الحلال من الخمس أو الزكاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: لو كان الحرام المختلط فى الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام فهو كمعلوم المالك على الاقوى فلا يجزيه اخراج الخمس حينئذ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 120

(1)

أقول الاقوى كما اختار المؤلف رحمه اللّه يكون المورد من المعلوم مالكه الّذي لا يعرف قدره و قد مضى حكمه فى طى المسألة 30

فلا يجزيه اخراج الخمس.

***

[مسئلة 38: إذا تصرّف فى المال المختلط قبل اخراج الخمس بالاتلاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: إذا تصرّف فى المال المختلط قبل اخراج الخمس بالاتلاف لم يسقط و إن صار الحرام فى ذمته فلا يجرى عليه حكم رد المظالم على الاقوى و حينئذ فان عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمته بمقدار خمسه و إن لم يعرفه ففى وجوب دفع ما يتيقن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان الأحوط الأوّل و الاقوى الثانى.

(2)

أقول فى المسألة كلام من حيث عدم سقوط الخمس فى الحرام المختلط بالحرام اذا تصرف فيه بالاتلاف و عدم جريان حكم مجهول المالك عليه من وجوب رد المظالم بالصدقة لأنّه بعد وجود موضوعه ترتب عليه حكمه و الاتلاف بعده لا يؤثر فى رفع الحكم فيجب عليه الخمس لاجله.

و كلام آخر من حيث وظيفته بعد الاتلاف.

فان عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمته بمقدار خمسه.

و ان لم يعرف مقداره فالكلام فيه من حيث وجوب الاقل او الاكثر هو الكلام الّذي سبق فى المسألة فراجع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 121

[مسئلة 39: إذا تصرّف فى المختلط قبل اخراج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: إذا تصرّف فى المختلط قبل اخراج خمسه ضمنه كما إذا باعه مثلا فيجوز لولىّ الخمس الرجوع عليه كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه و يجوز للحاكم ان يمضى معاملته فياخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوى قيمة أو بالزيادة و أمّا إذا باعه باقل من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس.

(1)

أقول إذا تصرّف فى المختلط قبل اخراج خمسه ضمنه.

بناء على عدم جواز التصرف فيه و إن ضمنه فى ذمته و سيأتي الكلام فيه فى المسألة 78.

و لا يجوز له الرجوع على من انتقل إليه لعدم كون أمره بيده.

و

يجوز للحاكم ان يمضى معاملته فياخذ مقدار الخمس من العوض اذا باعه بالمساوى قيمة أو بالزيادة.

و أمّا اذا باعه باقلّ من قيمته فلا يجوز للحاكم امضائه الّا إذا كان فيه المصلحة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 122

السادس ممّا يجب فيه الخمس
اشارة

قوله رحمه اللّه

السادس: الأرض الّتي اشتراها الذمى من المسلم سواء كانت ارض مزرع أو مسكن أو دكّان او خان او غيرها فيجب فيها الخمس و مصرفه مصرف غيره من الاقسام على الاصح و فى وجوبه فى المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات اشكال فالاحوط اشتراط مقدار الخمس عليه فى عقد المعاوضة و ان كان القول بوجوبه فى مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوة و انّما يتعلق الخمس برقبة الأرض دون البناء و الاشجار و النخيل إذا كانت فيه و يتخيّر الذمى بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها و مع عدم دفع قيمتها يتخير ولىّ الخمس بين اخذه و بين اجارته و ليس له قلع الغرس و البناء بل عليه إبقائهما بالاجرة و إن اراد الذمى دفع القيمة و كانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوم مشغولة بها مع الاجرة فيؤخذ منه خمسها و لا نصاب فى هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 123

القسم من الخمس و لا يعتبر فيه نية القربة حين الاخذ حتى من الحاكم بل و لا حين الدفع الى السادة.

(1)

أقول فى المسألة مسائل نتكلم فيها إن شاء اللّه و قبل التعرض لها ينبغى ذكر

مدرك وجوب الخمس فيما نحن فيه.

فنقول بعونه تعالى أمّا من حيث النص فيدلّ عليه ما رواه الشيخ رحمه اللّه باسناده عن سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن ابى أيوب ابراهيم بن عثمان عن ابى عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول ايّما ذمى اشترى؟

من مسلم ارضا فانّ عليه الخمس «1» و رواه الصدوق باسناده عن ابى عبيدة الحذاء (بنقل الوسائل) و ليس فى البين رواية

غير هذه الرواية.

الا ما رواها المفيد رحمه اللّه فى المقنعة عن الصادق عليه السّلام قال الذمى اذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس «2» و الظاهر كونها ما رواها الشيخ رحمه اللّه و الصدوق رحمه اللّه مسند أو لا تكون رواية مستقلة.

و الكلام فى سند الرواية فهو كما ترى لا اشكال فيه لأنّه لا اقل من كون الرواية موثقة بتوثيق رواتها و هو كاف فى حجيتها لأنّ مقتضى ما قلنا فى خبر الواحد هو حجية خبر الثقة.

مع أنّه ادّعى انّ سندها فى اعلى درجات الصحة كما عن الجواهر فلا وجه لتضعيف سند الرواية.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 124

بحسن بن محبوب الواقع فى طريق الرواية مع جلالة قدره و عظم منزلته و مجرد انّ احمد بن محمد بن عيسى لا يروى عنه لا يضر بوثاقته مع انه كما حكاه الكشى تاب عن ذلك و روى عنه «1» فلا اشكال من حيث السند.

كما انّ توهم الاشكال فى وجوب الخمس فى هذا القسم.

اما لاجل ان هذه الرواية تعارض مع بعض الاخبار الّتي انحصر فيها الخمس بخمسة موارد و ليس هذا المورد منها.

ندفعه بانّ غاية الامر تعارض البدوى بينها و بين ما انحصر الخمس بالخمسة المعيّنة غير هذا المورد.

و يمكن الجمع بينهما بتخصص هذه الطائفة بهذه الرواية كما يقال فى نظائره مثل ما ورد فى بعض الاخبار المبينة لمفطرات الصوم من انحصارها بخمسة اشياء فيقيد بما ورد من مفطرات اخر.

و امّا لاجل انّها وردت تقية لكونها موافقة مع

مذهب المنسوب بالمالك و أبى حنيفة و غيرهما من دفع الذمى عن اشتراء الأرض العشرية و أنّه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب عليه الخمس و فيه أوّلا أن مجرد موافقة الرواية مذهب العامة لا يوجب ضعفها من حيث جهة الصدور و الّا فلا بد ان نلتزم بطرح كل الاخبار الواردة فى الاحكام المختلفة الّتي يفتى بها العامة؟

نعم لو كانت رواية معارضة لها و لا يمكن الجمع الدلالى بينهما و تصل النوبة بالترجيح كانت مخالفة العامة من المرجحات كما بينا فى التعادل و الترجيح.

و ثانيا لا يكون مالك بن انس فى زمان أمام الباقر عليه السّلام صاحب فتوى لأنّه

______________________________

(1) هذا حاصل ما أفاده سيدنا الاعظم رحمه اللّه فى المقام بالتفصيل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 125

على ما ضبط كان ارتحاله عليه السّلام الى الجنة الاعلى فى سنة 114 بنقل الارشاد أو مائة و ست عشرة أو مائة و سبع عشرة و مالك على ما ضبط من عمره كان حين موته ابن خمس و ثمانين سنة و قد مات فى سنة تسع و سبعين و مائة فهو عند وفات الباقر صلوات الله و سلامه عليه بناء على كون سنة رحلته مائة و اربع عشر سنة كان ابن ثمانية و عشرين سنة و هو لا يكون فقيه العامة حين رحلة الإمام الباقر عليه السّلام لأنّه عليه السّلام ارتحل بسم الهشام و هو من بنى امية و مالك صار فقيه المدينة من قبل بنى عباس نعم هو فى زمان الصادق عليه السلام صار صاحب الفتوى بقدرتهم فى قبال أهل بيت الوحى فلا يكون فتوى منه بالخمس حتى يقال انّ الرواية صدرت تقية عن الباقر

عليه السّلام.

و أمّا ابو حنيفة و غيره فكان متأخرا عن زمان الباقر عليه السّلام و لا يكون فى زمانه كى يتقى منه.

و امّا لاجل أنّه ليس ذكر عن وجوب الخمس فيما نحن فيه فى كلمات الاصحاب رضوان الله تعالى عليهم قبل شيخ الطائفة رضوان اللّه تعالى عليه و هو مختلف نظره بحسب ما يرى فى كتبه من حيث وجوب الخمس المصطلح فيه أو من حيث الزكاة و قد بين هنا مطالب سيدنا الاعظم رحمه اللّه فى دفع هذا الاشكال.

و انا أقول لو لم يصل تعرّض للمسألة فى كلام الفقهاء قبل الشيخ رحمه اللّه إلينا أو كان كلام الشيخ رحمه اللّه و فتاويه مختلفة فى كتبه و لكن لا يوجب كل ذلك اشكالا فى الحكم بعد وجود النص المعتبر على الحكم فاذا لا اشكال فى اصل الحكم اعنى وجوب الخمس على الأرض الّتي اشتراها الذمى فى الجملة و ينبغى عطف عنان الكلام الى جهات اخر فنقول بعونه تعالى.

المسألة الاولى: بعد ما لا اشكال فى وجوب الخمس فى الأرض الّتي اشتراها الذمى عن المسلم

فيما لا يكون فيها زرع و لا شجر و لا مسكن من بيت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 126

و دكان و خان و غيرها.

يقع الكلام فى ان الحكم مختص بهذه الصورة أو يعم ما إذا كانت الأرض ارض مزروع أو مسكن أو غيرهما أو تشمل الأرض ارض البياض و ارض المزروع و لا تشمل غيرهما أو تشمل كلّها و على فرض الشمول يجب الخمس الأرض فقط لا الزراعة و لا المسكن و لا غيرهما الواقعة فى الأرض أو على الأرض أو يجب خمس الأرض و ما فيها من الزرع و البناء و غيرهما فالكلام يقع فى الموردين:

المورد الاوّل: يقع الكلام فى انّ الحكم بوجوب

الخمس فى الأرض الّتي اشتراها الذمى من المسلم هل هو مختص بخصوص الأرض البياض الّتي ليس فيها زرع و لا؟ شجر و لا بناء أو يعم الحكم لمطلق الأرض و إن كان فيها زرع أو بناء.

أقول الاقوى تعميم الحكم لكل ارض من ارض بياض و مزرع و مسكن و غيرها لأنّ قوله عليه السّلام فى الرواية ايّما ذمى اشترى من مسلم أرضا فان عليه الخمس) يشمل لكل هذه الموارد لأنّ مفادها انّ الذمى إذا اشترى من المسلم يكون عليه الخمس و تنكير الأرض يقتضي التعميم.

و توهّم انّ الأرض تكون الأرض البياض أو خصوص ارض المزرع فى قبال ارض المسكن أو الدكان أو الخان لأنّ الأرض إذا كانت مشغولة بالبناء لا يقال ان البيع و الشراء وقع على الأرض بل يقال باع الدكان مثلا أو اشترى البيت مثلا.

لا وجه له لأنّ النظر فى المعاملة و إن كان بالبناء أو الزرع أو الشجر فى صورة المعاملة على ارض المزرع و المسكن أو غيرهما و لا يكون النظر الى نفس الأرض فقط.

لكن حيث يكون النظر الى الأرض أيضا و لهذا يزيد تارة فى القيمة باعتبار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 127

زيادة قيمة الأرض و تنقص القيمة تارة باعتبار نقص قيمتها فيصدق عرفا اشترى ارضا لعدم اختصاص الأرض فى الرواية بكونها ارض بياض أو ارض مزروع فتشمل الأرض فى الرواية لكل ارض سواء كانت بياض أو غير بياض من أرض مزرع و مسكن.

نعم ربّما يتفق أن لا يكون النظر الى الأرض رأسا بحيث لا يبذل بإزائها المال فهو خارج عن مورد الكلام لعدم كون الأرض مورد الشراء.

المورد الثاني: بعد شمول الأرض فى الرواية لكل ارض

يقع الكلام فى انّ الخمس الواجب على الذمى فيما اشترى ارضا من مسلم هل يجب بالنسبة الى الأرض فقط حتى فيما كان فيها زرع أو شجرا و بناء أو يجب فى ارضه و زرعه و بنائه.

فعلى الأوّل يقال بانّه كما لو اشترى ارض بياض يجب عليه خمس هذه الأرض.

كذلك إذا اشترى أرضا مع الزرع أو مع البناء يجب عليه خمس خصوص ارضه لا شجرها أو زرعها أو بنائها.

و على الثانى يجب خمس الأرض و ما فيه أو عليه من الزرع أو الشجر أو البناء.

الظاهر هو الأوّل لأنّ ظاهر الرواية هو وجوب الخمس على الأرض الّتي اشتراها الذمى من المسلم و الزرع و الشجر و البناء خارج عن الأرض.

المسألة الثانية: يقع الكلام فى مصرف هذا القسم

من اقسام ما يجب فيه الخمس.

قد يقال بان مصرفة الفقراء من باب كون الخمس فى المقام هو ما قاله بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 128

العامة من عدم جواز اشتراء الذمى الأرض من المسلم فان فعل ذلك يجب اخذ الزكاة منه و يحمل على هذا ما ورد فى رواية ابى عبيدة الحذاء المتقدمة ذكرها.

و فيه.

أوّلا ظاهر التعبير فى الرواية المذكورة بقوله عليه السّلام عليه الخمس) هو الخمس المصطلح لا ما يؤخذ بعنوان الزكاة أو الخراج.

و ثانيا ان العامة الذين يقولون بالزكاة فى الأرض الّتي اشتراه الذمى من المسلم هو اخذ العشر أو العشرين من نماء الأرض و الحال انّ ظاهر الرواية هو وجوب الخمس فى نفس الأرض لا فى نمائها فلا ينطبق على قول العامة كى يتوهم تارة انّ الرواية صدرت تقية كما اشير إليها فى أوّل البحث و اخرى انّ المراد من الخمس فيها هو الزكاة فالاقوى انّ المراد من الخمس هو

الخمس المصطلح و مصرفه مصرف ساير اقسام الخمس.

المسألة الثالثة: هل الحكم بوجوب الخمس فى هذا القسم مختص بما إذا انتقل ارض المسلم بالذمى بالشراء

فلا يشمل غير الشراء من المعاوضات مثل الصلح أو يشمل غير الشراء من الانتقالات المعاوضية أو يشمل مطلق الانتقالات حتى الانتقالات المجانية.

و بعبارة اخرى يشمل كل انتقال يكون للذمى دخل فى انتقال الأرض إليه و لو كانت هبة مجانية.

وجه الاختصاص هو الجمود على ظاهر الرواية لأنّ فيها قال عليه السّلام ايّما ذمى اشترى من مسلم أرضا فان عليه الخمس) فغير الاشتراء من المعاملات خارج عن مورد الرواية و لا وجه للتعميم بتنقيح المناط و الغاء الخصوصية لاحتمال دخل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 129

خصوصية الاشتراء.

وجه التعميم هو انّ وجوب الخمس فى اشترائه ليس لخصوصية فيه فيعم كلما كان له دخل فى انتقاله الى الذمى من الانتقالات بل تطمئن النفس بان ملاك الخمس هو انتقال ارض المسلم بالذمى فلا فرق بين كون انتقاله بالشراء أو بانتقالات اخر خصوصا فيما كان الانتقال بغير معاوضة مثل الهبة المجانية ممّا يكون القول بالخمس فيه بالاولوية.

أقول و القول بالتعميم بمجرد احتمال كون الحكم من باب دخالة الذمى فى انتقال الأرض إليه مشكل و إن كان المظنون ذلك لكن لا يبلغ بحد العلم أو الاطمينان و بعد عدم القول بوجوب الخمس على الذمى فى غير الشراء هل يصحّ الاشتراط كما قال المؤلف رحمه اللّه فالاحوط اشتراطه عليه الخمس فى ضمن العقد أو لا يصح ذلك وجه عدم الصحة أن شرط أداء الخمس على الّذي شرط مخالف للكتاب و السنه لعدم وجوب الخمس فى هذه الصورة على الذمى.

المسألة الرابعة: هل يتخير الذمى بين دفع الخمس من عين الأرض أو قيمتها أو لا

الحق تخييره لما يأتى إن شاء اللّه من تخيير من عليه الخمس بين دفعه من العين أو القيمة الّا ان يقال بانّ ظاهر النصوص الواردة فى المسألة تعلق الخمس بالعين

فلا يكون للذمى أداء القيمة الّا برضا ولى الخمس.

و مع عدم دفع قيمتها هل يكون لولى الخمس التخيير بين اخذ لها و بين اجارتها أو لا.

أقول بعد فرض كون خمس الأرض متعلق بأرباب الخمس.

فللولى ان يأخذ حقه من رقبة الأرض و ان يأخذ اجرة سهم المولى عليهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 130

و ان كان الذمى مخيرا بين دفع العين أو القيمة.

لانّه مع عدم اداء سهم ارباب الخمس و لو بالقيمة فلولى الخمس اخذ سهمهم من رقبة الأرض أو ان يأخذ الاجرة.

و ليس لولى الخمس الزام الذمى بدفع قيمة الخمس لأنّ الزامه بذلك خلاف قاعدة سلطنة الذمى على نفسه و ماله.

ثمّ أنّه ليس لولى الخمس قلع الغرس و البناء بل عليه ابقائهما بالاجرة لأنّ قلع الغرس و البناء ضرر على الذمى المشترى.

إن قلت ان مقتضى دليل السلطنة على الأرض جواز القلع.

قلت دليل نفى الضرر حاكم عليه فلا يجوز القلع بل عليه ابقاء الغرس و البناء بالاجرة.

ثمّ ان اراد الذمى القيمة بناء على تخييره بين دفع خمس العين و بين دفع قيمته و كانت الأرض مشغولة بها مع الاجرة فيؤخذ منه خمسها لأنّ قيمة الأرض بهذا الاعتبار اعنى كونها مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء و اعتبار اجرتها متفاوت مع هذه الأرض غير مشغولة باحد هذه الاشياء و على الفرض يجب الخمس على الأرض مشغولة لا فازعة.

المسألة الخامسة: لا نصاب فى هذا القسم من الخمس

بل يجب خمس الأرض بلغت ما بلغت لاطلاق الرواية المتقدمة الّتي كانت دليلا على وجوب الخمس فى الأرض الّتي اشتراها الذمى من المسلم.

المسألة السادسة: هل يعتبر فيه نيته القربة أم لا.

اعلم ان النظر ان كان الى قصد قربة المالك و هو الذمى فلا لانّه ليس صالحا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 131

لأنّ يتقرب به الى اللّه لأنّ اللّه يتقبل من المتقين و لعدم امكان قصد التقرّب منه لانّه باعتقاده الفاسد لا يرى تقرّبا إليه تعالى.

و ان كان النظر الى قصد تقرب الحاكم الآخذ منه نيابة فلا يعتبر له لأنّه ليس نائبا عن المالك فى ذلك بل هو الآخذ و ليس هو نائب عنه فى الاداء فلا يجب عليه قصد التقرب.

لا حين اخذ الخمس عن الذمى لأنّه الآخذ و لا يجب على الاخذ قصد التقرب.

و لا حين دفع هذا الخمس الى السادة.

لأنّه ليس نائبا عنه فى الاداء.

أوّلا بل الواجب عليه اخذ هذا المال و اعطائه بمحله.

و ثانيا على فرض كونه نائبا عنه لا يعتبر على المنوب عنه قصد التقرب لعدم صلوحه لذلك لكونه ذميا فلا تجب على نائبه و عدم امكان قصد التقرب من المنوب عنه لانّه بحسب اعتقاده لا يرى اعطاء الخمس تقرّبا الى اللّه تعالى فلا يجب على نائبه.

***

[مسئلة 40: لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعا للآثار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعا للآثار ثبت فيها الحكم لانّها للمسلمين فاذا اشتراها الذمى وجب عليه الخمس و إن قلنا بعدم دخول الأرض فى المبيع و ان المبيع هو الآثار و يثبت فى الأرض حق الاختصاص للمشترى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 132

و أمّا اذا قلنا بدخولها فيه فواضح كما أنّه كذلك إذا باعها منه اهل الخمس بعد اخذ خمسها فانّهم مالكون لرقبتها و يجوز لهم بيعها.

(1)

أقول فيما كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت بالذمى تبعا للآثار فللمسألة صورتان:

الصورة

الاولى: ما اذا قلنا بدخول الارض فى المبيع تبعا للآثار بناء على انّ ملك الآثار يستتبع ملك رقبتها قد يقال بانّه لا ينبغى الاشكال فى وجوب الخمس لشمول اطلاق النص له حيث أنّه بتبع الآثار كان المسلم مالكا للارض فباعها فالشراء وقع على الارض أيضا و ان لم يملكها الذي لكونها ملكا لخصوص المسلمين نعم لو قلنا بأن مورد النص صورة شراء الارض البياض فقط لاختصاص النص به فلا يجب الخمس.

و لكن قد عرفت فى المسألة الاولى عدم اختصاص النص بخصوص هذه الصورة.

و لكن ربما يشكل فى وجوب الخمس فى هذه الصورة من باب أنّه مع عدم فرض قابلية الأرض المفتوحة عنوة لصيرورته ملكا للذمى فكيف يصح شرائه لأنّ معنى شرائه صيرورته ملكا له فلا يقع الشراء الاعلى الآثار و فيها لا يجب هذا القسم من الخمس.

هذا ما يأتى بنظرى القاصر من الاشكال و لم أر من تعرّض له.

و لهذا فى شراء العمودين و عتقهما بمجرّد بيعهما بولدهما إذا كانا مملوكين نقول بعد ورود الدليل الدليل الخاص فيه بتوجيه ذكر فى محلة.

الصورة الثانية: ما إذا بيعت بالذمى تبعا للآثار و قلنا بعدم دخول الأرض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 133

فى ملك المشترى و إن الّذي يدخل فى ملكه هو الآثار غاية الامر له حق اختصاص بالارض فلا وجه لوجوب الخمس لعدم صدق الشراء حقيقة للارض حتى يشمله النص الوارد فى المسألة.

ثمّ أنّه لو باع الأرض المفتوحة عنوة اهل الخمس بعد اخذ خمسها فلا اشكال فى جواز بيعها لهم لانّهم مالكون لرقبتها لكونهم من المسلمين الذين الأرض تكون ملكهم فبناء عليه لو باعها باحد من المسلمين فلا اشكال فيه و لو باعها

بالذمى فالكلام فيه هو عين الكلام المذكور فى الصورتين المتقدمتين.

***

[مسئلة 41: لا فرق ثبوت الخمس فى الأرض المشتراة بين ان تبقى على ملكية الذمى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: لا فرق ثبوت الخمس فى الأرض المشتراة بين ان تبقى على ملكية الذمى بعد شرائه أو انتقلت منه بعد الشراء الى مسلم آخر كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات أو انتقلت الى وارثه المسلم أو ردها الى البائع بإقالة أو غيرها فلا يسقط الخمس بذلك بل الظاهر ثبوته أيضا لو كان للبائع خيار ففسح بخياره.

(1)

أقول أمّا فى الموارد الثلاثة اعنى ما لو باعها الذمى بعد الشراء أو مات و انتقلت الى ورثته المسلم أو ردها الى البائع بإقالة أو غيرها بناء على كون الإقالة فسخا من حينها لا من أوّل الامر فالظاهر وجوب الخمس لتحقق الشراء الّذي مورد النص الوارد فى المسألة.

و ما قيل من انّ الظاهر من النص هو الشراء المستقر فان كان الامر كذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 134

فبمجرد حصول النقل و الانتقال يكون الشراء مستقرا و لا تبقى حالة منتظرة بعده.

و أمّا فى صورة كون البيع بيعا خياريا من ناحية اشتراط خيار الفسخ للبائع ففسخه.

فتارة نقول بكون الفسخ حلّا من حين العقد و بعبارة اخرى يكون الفسخ كاشفا عن عدم وقوع العاملة من راس.

فيمكن ان يقال بعدم وجوب الخمس لعدم شراء واقعا فلا يشمله النص.

و تارة نقول فى الخيار بكون الخيار حلّا من حين الفسخ و بعبارة اخرى نقول فيه بالنقل لا بالكشف و معناه وقوع الشراء.

فلا يبقى فى البين وجه لعدم وجوب الخمس الّا دعوى انصرف الشراء فى النص الى البيع و الشراء اللازم لا المتزلزل.

و فيه أنّه لا وجه للانصراف لأنّ (اشترى) فى قوله عليه السّلام ايّما ذمى اشترى

من مسلم أرضا فان عليه الخمس) مطلق يشمل اللازم و المتزلزل.

***

[مسئلة 42: إذا اشترى الذمى الأرض من المسلم و شرط عليه عدم الخمس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 42: إذا اشترى الذمى الأرض من المسلم و شرط عليه عدم الخمس لم يصح و كذا لو اشترط كون الخمس على البائع نعم لو شرط على البائع المسلم ان يعطى مقداره عنه فالظاهر جوازه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 135

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

الاولى: ما إذا اشترط الذمى عدم الخمس أو اشترط المسلم على الذمى عدم الخمس فى الأرض الّتي اشترى الذمى عن المسلم لأنّ الشرط مخالف للسنة.

الثانية: ما إذا شرط الذمى كون الخمس على البائع المسلم فأيضا لا يجوز هذا الشرط لكونه خلاف السنة حيث ان المجعول من اللّه بحسب السنة كون الخمس على عهدة الذمى فجعل الخمس على عهدة البائع المسلم خلاف السنة.

الثالثة: ان يشترط الذمى المشترى على البائع المسلم ان يعطى مقدار الخمس عن قبل الذمى فيجوز هذا الشرط لأنّ هذا من قبيل شرط الفعل.

***

[مسئلة 43: إذا اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: إذا اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه أو من مسلم اخر ثمّ اشتراها ثانيا وجب عليه خمسان خمس الاصل للشراء أولا و خمس أربعة اخماس للشراء ثانيا.

(2)

أقول اما وجوب الخمس على الذمى للشراء الأوّل فمعلوم لوجوب الخمس اعنى خمس الارض الّتي اشتراها من المسلم.

و أمّا لو باع الذمى الأرض ببائع المسلم الأوّل أو بغيره ثمّ اشترى الأرض منه ثانيا.

فاما ان يكون مورد الشراء الثانى ما بقى من الأرض بعد الخمس مثل ان ارى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 136

الذمى خمس الشراء الأوّل من الأرض باهل الخمس فلم يبق فى ملكه الا أربعة اخماس البقية فباعها بالغير ثمّ اشترى هذه البقية فلا يجب عليه الا خمس البقية اعنى أربعة اخماس.

و أمّا ان يكون مورد الشراء

فى المرة الثانية تمام الأرض الّتي اشتراها فى المرة الاولى و هو يفرض فيما ادّى الذمى للشراء الأوّل قيمة الخمس أو ادى من عين الأرض الخمس اى خمس الأرض باهله لكن اشترى منهم ثانيا ثمّ باع كل الأرض ببائع الأوّل أو بغيره ثمّ اشترى كل الأرض هذا الذمى مجددا.

يجب عليه فيما ادى خمس الشراء الأوّل بقيمة الأرض لا من عينها بسبب الشراء الثانى خمس جميع الأرض لأنّه شراء مستقل غير الشراء الأوّل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 10، ص: 136

و يجب فيما ادى خمس الشراء الأوّل من العين ثمّ اشترى من ارباب الخمس حصتهم اى خمس العين خمس هذا الخمس كما يأتى؟ فى المسألة 49 فراجع ثمّ بعد ما باعه بالآخر تمام الأرض و اشترى ثانيا خمس تمام الأرض؟ لأنّ فى هذه الصورة وقع شراءان بعد شراء الأوّل احدهما لشراء خمس الأرض الّتي اعطى بأرباب الخمس ثانيهما لشراء تمام الأرض الّتي باعها ثمّ اشتراها ثانيا غاية الامر فى الأوّل يجب خمس خمس الأرض و فى الثانى يجب خمس تمام الأرض فتأمل كى تعرف ما فى الكلام المؤلف رحمه اللّه من افتائه بوجوب خمس أربعة اخماس للشراء الثانى.

***

[مسئلة 44: إذا اشترى الأرض من المسلم ثمّ اسلم بعد الشراء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 44: إذا اشترى الأرض من المسلم ثمّ اسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس نعم لو كانت المعاملة ممّا يتوقف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 137

الملك فيه على القبض فاسلم بعد العقد و قبل القبض سقط عنه لعدم تماميته ملكه فى حال الكفر.

(1)

أقول لا يعتبر القبض فى حصول الملكية فى بيع الأرض

ففرض المؤلف رحمه اللّه مجرد فرض و بعد الإغماض عن هذا الاشكال.

أقول بناء على ان الاسلام يجب ما قبله مقتضاه عدم الزام الكافر على الفروع كما قالوا فى الزكاة ففى المورد يقال بعدم وجوب الخمس كما يقال فى ساير موارد وجوب الخمس.

نعم لو لم نقل به فى المورد يجب الخمس على الذمى فى الأرض الّتي اشتراها من المسلم قبل اسلامه لشمول النص له هذا فيما تحقق الشراء قبل الاسلام.

و أمّا لو وقع العقد قبل الاسلام فاسلم قبل قبض الأرض فيما يتوقف الملك على القبض يقال بعدم وجوب الخمس لعدم تحقق الشراء لعدم تماميته ملكه و لو نقل باقتضاء (حديث الجبّ) للمورد.

***

[مسئلة 45: لو تملك ذمى من مثله بعقد مشروط بالقبض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 45: لو تملك ذمى من مثله بعقد مشروط بالقبض فاسلم الناقل قبل القبض ففى ثبوت الخمس وجهان اقواهما الثبوت.

(2)

أقول أمّا شراء الأرض فلا يعتبر فيه القبض كما قلنا فى المسألة السابقة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 138

لكن لو فرض ذلك نقول بان المذكور فى النص الوارد فى المسألة كلمة (اشترى) فظاهره وقوع الشراء و حصول الملكية فما لم يحصل القبض لم تحصل الملكية فلم يقع الشراء الا بعد اسلام البائع فيجب الخمس على المشترى الذمى لحصول الشراء على هذا بين المسلم البائع و الذمى المشترى.

الا ان يقال بكون القبض كاشفا عن وقوع الشراء من الأوّل اى من حين العقد فحصل الشراء على هذا بين الذميين لا بين المسلم و الذمى فلا يجب على الّتي الخمس.

***

[مسئلة 46: الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمى ان يبيعها بعد الشراء من مسلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 46: الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمى ان يبيعها بعد الشراء من مسلم.

(1)

أقول اعلم ان هنا.

كلام فى صحة هذا الشرط و عدمه المذكور فى محله.

و كلام آخر فى ان هذا الشرط يوجب عدم وجوب الخمس على الذمى أو لا فنقول لا وجه للقول بعدم وجوب الخمس الا دعوى انصراف النص عن المورد من باب ان العقد بسبب جعل هذا الشرط يصير جائزا لأنّ البائع له خيار تخلف الشرط و قد امضينا فى طى المسألة 41 ان الاقوى شمول النص للبيع الخيارى.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 139

[مسئلة 47: إذا اشترى المسلم من الذمى أرضا ثمّ فسخ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 47: إذا اشترى المسلم من الذمى أرضا ثمّ فسخ بإقالة أو بخيار ففى ثبوت الخمس وجه لكن الاوجه خلافه حيث ان الفسخ ليس معاوضة.

(1)

أقول لم ار وجها لثبوت الخمس الا ان يدعى ان مفاد النص بتنقيح المناط هو ان الذمى إذا صار مالك ارض بسبب حاصل بينه و بين المسلم يجب عليه الخمس و هذا مم لا يمكن القول به فالحق عدم وجوب الخمس لأنّ الاقالة و الفسح حل و اعدام للمعاوضة.

***

[مسئلة 48: من بحكم المسلم بحكم المسلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 48: من بحكم المسلم بحكم المسلم.

(2)

أقول و من بحكم الذمى لوجود ما هو الدليل فى الطرفين بناء على شمول دليل تنزيل صبيان المسلمين و مجانينهم بحكم المسلمين و كذا صبيان الكفار و مجانينهم بحكم الكفار.

***

[مسئلة 49: إذا بيع خمس الأرض الّتي اشتراها الذمى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 49: إذا بيع خمس الأرض الّتي اشتراها الذمى عليه وجب عليه خمس ذلك الخمس الّتي اشتراه و هكذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 140

(1) أقول بناء على القول باعتبار الخمس بنحو الاشاعة أو الكلى فى المعين فيصح لأرباب الخمس بيع سهمهم و يجب عليه خمسه و يشكل بناء على كون اعتباره اعتبار الحق على الملك نعم لو أعطى الذمى بسهم عوضا عن الخمس من الأرض ثمّ اشترى منهم هذه الأرض يجب الخمس على الذمى لشمول النص للمورد.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 141

السابع ممّا يجب فيه الخمس ما يفضل من مئونة سنته
اشارة

قوله رحمه اللّه

السابع: ما يفضل من مئونة سنته و مئونة عياله من ارباح التجارات و من سائر التكسبات من الصناعات و الزراعات و الاجارات حتى الخياطة و الكتابة و التجارة و الصيد و حيازة المباحات و اجرة العبادات الاستيجارية من الحج و الصوم و الصلاة و الزيارات و تعليم الاطفال و غير ذلك من الاعمال الّتي لها اجرة بل الأحوط ثبوته فى مطلق الفائدة و إن لم تحصل بالاكتساب كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصى به و نحوها بل لا يخلو عن قوة نعم لا خمس فى الميراث الا فى الّذي ملكه من حيث لا يحتسب فلا يترك الاحتياط فيه كما إذا كان له رحم بعيد فى بلد آخر لم يكن عالما به فمات و كان هو الوارث له و كذا لا يترك فى حاصل الوقف الخاص بل و كذا فى النذور و الأحوط استحبابا ثبوته فى عوض الخلع و المهر و مطلق الميراث حتى المحتسب منه و نحو ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 142

(1) أقول ينبغى قبل

الورود فى بيان حكم المسألة من ذكر

بعض الاخبار الوارد فى المسألة

كى ينفعنا لفهم حكم المسألة إن شاء اللّه فنقول.

الرواية الاولى: ما رواها على بن مهزيار عن محمد بن الحسن الاشعرى قال كتب بعض اصحابنا الى ابى جعفر الثانى عليه السّلام اخبرنى عن الخمس اعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصنّاع و كيف ذلك فكتب بخطه الخمس بعد المئونة «1» و فى جوابه عليه السّلام الخمس بعد المئونة احتمالان:

الاحتمال الاول: ان يكون كلامه تفريع وجوب الخمس فى ما سأله، فيستفاد عموم المتعلق بمعنى ان كل المذكورات فى السؤال فيه الخمس بعد المئونة.

الاحتمال الثانى: ان يكون النظر الى خصوص مقدار المتعلق، و هو الخمس بعد المئونة و لا نظر له الى بيان عموم المتعلق، و لكن الاقرب الاحتمال الاوّل، لانّ الظاهر كونه فى مقام بيان جواب السؤال.

الرواية الثانية: ما رواها على بن مهزيار عن على بن محمد بن شجاع النيشابورى انّه سال أبا لحسن الثالث عليه السّلام عن رجل اصاب من ضيعته مائة كرّ من الحنطة ما يزكى فاخذ منه العشر عشرة اكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقى فى يده ستون كراما الّذي يجب لك من ذلك و هل يجب لاصحابه من ذلك شي ء فوقع لى منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «2».

الرواية الثالثة: ما رواها على بن مهزيار قال قال لى ابو على بن راشد قلت له امرتنى بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعملت مواليك بذلك فقال لى بعضهم و اى شي ء حقه فلم ادر ما اجيبه فقال يجب عليهم الخمس فقلت ففى اى شي ء فقال فى امتعتهم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب

ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 143

و صنايعهم قلت و التاجر عليه و الصانع بيده فقال إذا امكنهم بعد مئونتهم «1» و الرواية مضمرة.

الرواية الرابعة: ما رواها على بن مهزيار قال كتب إليه ابراهيم بن محمد الهمدانى اقرانى على كتاب ابيك فيما اوجبه على اصحاب الضياع أنّه اوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة و انه ليس على من يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك فاختلف من قبلنا فى ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله فكتب و قرأه على بن مهزيار عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان «2» قال فى الوسائل وجه ايجاب نصف السدس اباحته الباقى للشيعة لانحصار الحق فيه كما يأتى).

أقول و روى الرواية فى الكافى مسندا هكذا انقله عن الوافى.

سهل عن ابراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت الى ابى الحسن عليه السّلام أقرأنى على بن مهزيار كتاب ابيك عليه السّلام الى آخر الرواية باختلاف يسير فراجع.

الرواية الخامسة: ما رواها سماعة قال سألت أبا لحسن عليه السّلام عن الخمس فقال فى كل ما افاد الناس من قليل أو كثير «3» و كلمة (افاد) و إن كان معناه الاعطاء فى غير المقام لكن الظاهر كونها الاستفادة فى المورد يعنى يستفيده الشخص من قليل أو كثير و ليس المراد ما يحصل من الفائدة للشخص حتى يقال إنّ الهبة مثلا فائدة حصلت للشخص و أن أبيت عن ظهورها فى الاحتمال الاوّل فلا أقل من عدم معلومية ظهورها

فى الاحتمال الثانى و هذا يكفى لعدم إمكان الاستدلال بالرواية لشمولها لغير ما يحصل بالاكتساب.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 144

الرواية السادسة: ما رواها عبد اللّه بن سنان قال قال ابو عبد الله عليه السّلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا اصاب لفاطمة عليها السّلام و لمن يلى امرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرم عليهم الصدقة حتى الخياط ليخلط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق الا من احللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة أنّه ليس من شي ء عند اللّه يوم القيمة اعظم من الزنا انه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما ابيحوا «1».

الرواية السابعة: ما رواها الريان بن الصلت قال كتبت الى ابى محمد عليه السّلام ما الّذي يجب على يا مولاى فى غلة رحى أرض فى قطيعة لى و فى ثمن سمك و بردى و قصب ابيعه من اجمة هذه القطيعة فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى «2».

الرواية الثامنة: ما رواها حكيم مؤذن بنى عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ قال هى و اللّه الافادة يوما بيوم الّا أنّ أبى شيعتنا جعل من ذلك فى حل ليزكوا «3» و هذه الرواية مضافا الى ضعف سندها ظاهرها هو الاستفادات

الحاصلة بالتكسب لانّ الافادة يوما بيوم لا يكون إلا فى التجارات و الزراعات و الصناعات و الاكتسابات فلا تشمل الفائدة الحاصلة بغير الاكتساب.

الرواية التاسعة: ما رواها أبو بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال كتبت إليه فى الرّجل يهدى إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفى درهم أو أقل أو اكثر هل عليه فيها الخمس فكتب عليه السّلام الخمس فى ذلك و عن الرجل يكون فى داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل ..

(2) الرواية 9 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 4 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 145

فكتب أمّا ما أكل فلا و أمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع «1» و هذه الرواية ضعيفة السند بأحمد بن هلال.

الرواية العاشرة: ما رواها ابن أبى نصر قال كتبت الى أبى جعفر عليه السّلام الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة فكتب بعد المئونة «2» و الظاهر عدم الإشكال فى سندها بل حجة على المبنى المختار فى حجيّة الخبر الواحد.

هذا كله جملة من الاخبار المربوطة بالمقام و بعض روايات اخر نتلوا عليك إن شاء اللّه بمناسبة التعرض لبعض الفروع.

إذا تاملت فى الاحبار نقول بانّه لا اشكال فى وجوب الخمس فيما يفضل من مئونة السنة فى الجملة على ما يستفاد من اخبار الباب بل القرآن الكريم على ما فسّر قوله تعالى و اعلموا انّما غنمتم من شي ء الخ بان الغنيمة

تشمل المورد.

و أمّا بحسب الفتوى فوجوب الخمس فى هذا القسم مشهور عند الاصحاب بل ادعى الاجماع عليه و لم يذكر الخلاف الا عن ابن ابى عقيل و ابن جنيد و لا يقدح خلافهما على ما ذكر فبعد ذلك نرجع إن شاء اللّه الى الجهات المذكورة فى المتن فنقول بعونه تعالى

الكلام فى مسائل:
المسألة الاولى: يجب الخمس فيما يفضل من مئونة سنته و مئونة عياله
اشارة

فالكلام فيها فى المقامين:

المقام الاول: فى وجوب الخمس فيما يفضل عن مئونة الشخص و مئونة عياله.

المقام الثاني: وجوبه فيما يفضل عن مئونة السنة.

اما الكلام فى المقام الأوّل و هو وجوب الخمس فيما يفضل عن مئونة الشخص

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 146

و مئونة عياله فنقول.

اما استثناء مئونة نفسه بمعنى وجوبه بعد اخراج مئونته فيدلّ عليه الرواية الثانية و الثالثة و الرابعة و التاسعة و كذا كل ما يدل على كون الخمس بعد المئونة بناء على حمل المئونة على مئونة الشخص.

و أمّا مئونة عياله بمعنى وجوبه فيما يفضل عن مئونة عيال الشخص كما يجب فيما يفضل عن مئونة الشخص فلا تصريح فى الروايات بالخصوص عنها الا فى الرواية الرابعة و التاسعة أمّا الرابعة ليست من المعصوم حتى تصير حجة.

نعم يمكن ان يقال ان على بن مهزيار لم يفت بذلك الا من باب اطلاعه برأى المعصوم عليه السّلام.

أقول و إن كان على بن مهزيار مورد الوثوق و لكن لا يمكن بمجرد افتائه بشي ء ان فتواه قول الإمام عليه السّلام و الا فلا بد ان يقال بذلك فيما افتى به من الفقهاء العظام الّذي فى اعلى درجه الوثاقة بشي ء من الاشياء.

و يبقى فى البين الرواية التاسعة من الروايات المتقدمة للتصريح فيها بأن ما أكله العيال لا خمس فيه و هى كافية لنا فى استثناء المئونة المصروفة فى عياله.

ثمّ بعد ذلك فقول بعونه تعالى بانّ المذكور فى عدة من الروايات المذكورة استثناء المئونة و هو يكفى لثبوت الحكم فى مئونة العيال لأنّ مئونة العيال مئونة الشخص فان من يجب على الشخص نفقته

كالعيال و الاولاد و غيرهما فما يصرف الشخص فى مصارفهم يعدّ من مئونته فمجرد استثناء مئونة الشخص كاف لاستثناء مئونة العيال.

و أمّا الكلام فى المقام الثانى و هو كون المستثنى مئونة الشخص و عياله عن الخمس

المتعلق بما يفضل عن مئونة السنة فنقول ان المراد من المئونة مؤنة السنة فيجب الخمس فيما يفضل عن مئونة سنة نفس الشخص و عياله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 147

امّا أو لا فلانّ ما ورد فى الخمس فى الضيعة اعتبر فيه مئونة السنة كما ينادى الرواية الثانية: من الروايات المتقدمة بناء على كون المرجع فى ضمير قوله عليه السّلام الخمس ممّا يفضل من مئونته) كان صاحب الضيعة أعنى ما يفضل عن مئونة صاحب الضيعة يجب فيه الخمس كما هو ظاهر الرواية.

لا ان يكون مرجع الضمير فى قوله عليه السّلام (مئونته) مئونة الضيعة لانّه على هذا الاحتمال لا ربط للرواية باستثناء مئونة الشخص و مصارفه الشخصية بل يكون النظر الى المخارج الّتي صرفها فى الضيعة.

وجه كون الظاهر بل الصريح هو احتمال الأوّل و هو كون مرجع ضمير (مئونته) هو صاحب الضيعة ان مورد سؤال السائل ما حصل للشخص من الضيعة بعد المصارف المتحمّلة فى عمارة الضيعة فلا معنى بعد اخراج مخارج الضيعة و بقاء مقدار زائد عن مخارجها له من ضيعته من ان يكتب الإمام عليه السّلام الخمس ممّا يفضل من مئونته) فلا اشكال فى كون المراد مئونة صاحب الضيعة.

فاذا نقول بانّه بعد ما تحصل الفوائد المكتسبة من الضياع فى طول السنة مرة فما استثناه من المئونة فى الرواية قهرا هو مئونة سنة صاحب الضيعة و بعد كون الملحوظ فى هذه الرواية من المئونة مئونة سنة الشخص فهكذا نقول فى ساير الاكتسابات و الاستفادات لعدم خصوصية للضيعة فى هذا الحيث يقينا.

و أمّا

ثانيا فلما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد و عبد الله بن محمد جميعا عن على بن مهزيار قال كتب إليه ابو جعفر عليه السّلام و قرأت انا كتابه إليه فى طريق مكة قال ان الّذي اوجبت فى سنتى هذه و هذه سنة عشرين و مائتين فقط لمعنى عن المعانى اكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار و سافسّر لك بعضه ان شاء اللّه انّ موالى اسال اللّه صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم فعملت ذلك فأحببت ان اطهّرهم و ازكيهم بما فعلت من امر الخمس فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 148

عامى هذا قال اللّه تعالى خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ و قل اعملوا فسيرى اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون و ستردون الى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون و لم اوجب عليهم ذلك فى كل عام و لا اوجب عليهم الا الزكاة الّتي فرضها اللّه عليهم و انّما اوجبت عليهم الخمس فى سنتى هذه فى الذهب و الفضّة الّتي قد حال عليهما الحول و لم أوجب ذلك عليهم فى متاع و لا آنية و لا دوابّ و لا خدم و لا ربح ربحه فى تجارة و لا ضيعة الا فى ضيعة سافسر لك امرها تخفيفا منى عن موالى و منا منى عليهم لما يغتال السلطان من اموالهم و لما ينوبهم فى ذاتهم فاما الغنائم

و الفوائد فهى واجبة عليهم فى كل عام قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ و الغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهى الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان لإنسان الّتي لها خطر و الميراث الّذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله و مثل مال يأخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الى موالى من اموال الخرمية الفسقة فقد علمت ان اموالا عظاما صارت الى قوم من موالى فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الى وكيلى و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لايصاله و لو بعد حين فان نية المؤمن خير من عمله فامّا الّذي أوجب من الضياع و الغلات فى كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك «1».

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 149

قال فى الوسائل (أقول تقدم الوجه فى ايجاب نصف السدس و به تزول باقى الاشكالات فى هذا الحديث) و ذكر الوجه فى ذيل الحديث 4 و هو أقول وجه ايجابه نصف السدس إباحة الباقى للشيعة لانحصار الحق به كما يأتى.

و يستفاد كون المراد مئونة السنة من موضعين من الرواية.

و أمّا ثالثا لو ابيت عن دلالة

الوجهين الاولين على كون المراد مئونة السنة يقال بان المراد مئونة السنة بدعوى الاطلاق المقامى فانه بعد ما نرى من تعرض بعض الاخبار لكون الخمس بعد المئونة و فرض عدم دلالة دليل على ان المراد مئونة اليوم أو السنة فالاطلاق المقامى يقتضي حمل المئونة على مئونة السنة لأنّ إرادة غير السنة محتاجة الى القرينة بخلاف إرادة السنة فاذا قيل يخرج مئونة الشخص او لا يقدر على مئونته أو عنده مئونته بلا ذكر قرينة على مراده من المئونة يحمل على مئونة السنة لأنّه بعد كون الاختلاف فى المئونة بحسب الأزمان و الاوقات من حيث الحر و البرد و غير ذلك يعتبر العرف مئونة السنة و لهذا يحمل عليها عند الاطلاق و هذا هو المراد من الاطلاق المقامى.

أقول و إن كان هذا قريب بالنظر لكن بحيث تطمئن الشخص به محل اشكال و لا حاجة إليه بعد ما قلنا من قولنا أولا و ثانيا.

المسألة الثانية: لا ينبغى الاشكال فى وجوب هذا القسم من الخمس فى ارباح التجارات

و ساير التكسبات من الصناعات و الزراعات و الاجارات حتى الخياطة و الكتابة و التجارة و الصيد و حيازة المباحات و اجرة العبادات الاستيجارية من الحج و الصوم و الصلاة و الزيارات و تعليم الاطفال و غير ذلك من الاعمال الّتي لها اجرة لشمول الاخبار المذكورة لبعضها بالخصوص لكونه مذكورا فى بعض الروايات و كذا بالإطلاق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 150

و لبعضها بالإطلاق و بإلغاء الخصوصية عن بعض ما ذكر فى الاخبار لعدم خصوصية للمذكورات.

و لأنّ كل هذه المذكورات يعد اكتسابا و يعدّ استفادة.

المسألة الثالثة: قال المؤلف رحمه اللّه بل الأحوط تبوته فى مطلق الفائدة

و إن لم تحصل بالاكتساب كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصى به و نحوها بل لا يخلو عن قوة فى غير الارث.

أقول ما وقع فى الروايات فى هذا القسم ممّا يجب فيه الخمس هو وجوب الخمس فى الاكتسابات و التجارات و الافادة و الاستفادة و فى الضياع و الزراعات و فى الصناعات.

فنقول انّ طريق وصول المال الى الشخص على ما يرى خارجا.

امّا يحصل بإزاء بذل عين أو منفعة للشخص كالبيع و الاجارة و غيرهما و هذا يعد الاكتساب عرفا.

و قد يحصل بايجاد هيئة فى عين من الاعيان تكون مرغوبة عند الناس فيبذل بإزائها المال بالشخص و هو عبارة عن الصناعات.

و قد يحصل بإزاء ازدياد و توليد و هو عبارة عن الزراعة.

و قد يحصل المال للشخص لا بإزاء شي ء من الانحاء المذكورة بل يحصل له مجانا و بلا عوض و من هذا النسخ العطايا و انواع الصدقات مع فرض توقفها على قبول الشخص.

و قد يحصل للشخص مجانا و لا يتوقف حتى على قبوله كالمواريث.

و لا اشكال فى كون الاكتسابات و التجارات و الصناعات و الزراعات داخل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 151

فى هذا القسم فى وجوب الخمس فيه لأنّ الخمس واجب بتصريح الروايات فى هذه الاشياء.

و أمّا مطلق الفائدة و إن لم تحصل بالاكتساب كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصى به و نحوها فيقع الكلام فى وجوب الخمس فيها.

فتقول تارة يقع الكلام فى خصوص الهبة.

و تارة يقع الكلام فى مطلق الفائدة فنقول.

اما الكلام فى وجوب الخمس فى الهبة فاختلف القول فى وجوب الخمس فيها و عدمه عند فقهائنا رضوان الله تعالى عليهم فهم بين قائل بوجوب الخمس فيها و بين القائل بعدمه و لاجل اختلاف الفتوى و لما ورد فى بعض الروايات المستدلة بها بوجوب الخمس فيها نختص الهبة بالبحث.

ما يمكن ان يكون وجها لوجوب الخمس فيها.

امّا بعض الاخبار المطلقة.

و امّا بعض الاخبار الواردة فى خصوص الهبة.

الاول: كونها فائدة و قد دلت بعض الاخبار المتقدمة على وجوب الخمس فى الفائدة.

إن قلت انّ المذكور فى بعض اخبار الباب (جميع ما يستفيد) أو (افاد الناس من قليل أو كثير) أو (و اللّه الإفادة يوما بيوم).

و المستفاد منه هو الفائدة الحاصلة بطلبها لا الفائدة الحاصلة قهرا لا بالطلب كالهبة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 152

قلت ان قوله عليه السلام «فى كل ما افاد الناس من قليل أو كثير» بعد سؤال السائل عن الخمس يدل على ان كلما افاد يجب فيه الخمس) سواء حصل ما افاده بالطلب أو من غير الطلب.

و خصوصا لما فى رواية على بن مهزيار المذكورة فى المسألة الاولى فانّ فيها قال عليه السّلام (فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهى الغنيمة.

و الفائدة تشمل كلما حصلت بالطلب أو بغير الطلب و رواية أحمد بن

محمّد بن عيسى بن يزيد قال كتبت جعلت لك الفداء تعلّمنى ما الفائدة و ما حدّها رأيك أبقاك اللّه أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لى و لا صوم فكتب الفائدة ممّا يفيد أليك فى تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام أ جايزة «1» أقول هذه الرواية ضعيفة السند لكونها مضمرة و لما قال سيدنا الأعظم رحمه اللّه من أن أحمد بن محمد بن عيسى لم يرو عن يزيد غير هذه الرواية و لأنّ يزيد لم يتميز بشي ء من خواصه أقول و الإنصاف أن بعض الروايات ضعيفة السند مثل رواية يزيد و بعضها يشكل دلالتها على وجوب الخمس فى مطلق الفائدة و لو لم تحصل بالطلب و الاكتساب فلا يكفى الوجه الأوّل للقول بوجوب الخمس فى مطلق الفائدة و لا فى خصوص الهبة.

الثاني: ما يقال بوجوب الخمس فى الهبة بالاولوية لأنّه إذا وجب الخمس فيما حصل بالطلب بكسب او زراعة أو صناعة و بعبارة اخرى يبذل مال أو صرف وقت فيجب فيما حصلت الفائدة بدون الطلب بالاولوية.

أقول لا وجه لدعوى الاولوية و الّا لا بد ان يقال فى مطلق الميراث و لو لم

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 153

يكن من حيث لا يحتسب و الحال أنّه لا يقولون بوجوب الخمس فيه.

الثالث: بعض الاخبار الواردة فى خصوص الهبة.

منها ما رواها ابو بصير المتقدمة ذكرها فى صدر المبحث فى طى الروايات و هى الرواية التاسعة روى ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كتبت إليه فى الرجل يهدى إليه مولاه و

المنقطع إليه هدية تبلغ الفى درهم أو اقل أو اكثر هل عليه فيها الخمس فكتب عليه السّلام الخمس فى ذلك الخ «1».

أقول قد بينا لك سابقا فى طى ذكر الاخبار المربوطة بالخمس فى ارباح المكاسب بان الرواية ضعيفة السند باحمد بن هلال.

و استشكل سيدنا الاعظم آية الله العظمى البروجردي قدس سره على الرواية بانّها تدلّ على حصر الخمس فى الهدية لقوله عليه السّلام (الخمس فى ذلك) و لم يعمل بذلك احد فتوهن الرواية.

أقول و لكن لا ظهور لهذه الجملة فى الحصر بل ظاهرها اخباره عليه السّلام بوجوب الخمس فيها فى جواب السائل عن وجوب الخمس فيها و عدمه.

الثانية: ما رواها على بن الحسين بن عبد ربه قال سرح الرضا عليه السّلام بصلة الى ابى فكتب إليه أبى هل عليّ فيما سرحت الى خمس فكتب إليه لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس «2».

وجه الاستدلال اما مفهوم قوله عليه السّلام (لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس) و هو وجوب الخمس فيما سرح من غير صاحب الخمس الى شخص.

و فيه أنّه لم نقل بحجية غير مفهوم الشرط و بعض الاقسام الآخر من المفاهيم

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 154

كما مضى فى الاصول و ليس هذا ممّا له المفهوم.

و امّا ان ما يمكن ان يكون وجها واقعا لعدم الخمس فى الصلة امران.

امّا كونها صلة.

و امّا كونها من صاحب الخمس فالتعليل لعدم الخمس بكونه من صاحب الخمس يشهد بعدم كونها صلة موجبا لعدم الخمس و الّا

كان المناسب التعليل به لأنّ التعليل بالامر الذاتى و هو كونها صلة انسب من التعليل بالامر العرضى و هو كونها ممّا سرح به صاحب الخمس.

و ما قاله سيدنا الاعظم رحمه اللّه من أنّه بعد وجود كل من العلتين يصح التعليل بكل منهما.

ليس بتمام لأنّ التعليل بالامر العرضى مع وجود التعليل بالامر الذاتى خلاف الظاهر فنكشف من التعليل بالامر العرضى و هو تسريح الصلة من صاحب الخمس عدم كون الامر الذاتى و هو كونها صلة موجبا لعدم وجوب الخمس فيها فتدل الرواية على وجوب الخمس فى الهبة.

فتلخص أنّه لا مجال للاشكال فى دلالة الخبرين على وجوب الخمس فى الهبة لظهورهما فيه لكن اشكل فى رواية على بن الحسين عبد ربه بأن سهل بن زياد يروى عن محمد بن عيس و هو يروى عن على بن الحسين عبد ربه بتضعيف سهل بن زياد و عدم توثيق منه الّا عن الشيخ رحمه اللّه فى موضع من رجاله و هو ضعفه فى الفهرست و الاستبصار و محمد بن عيسى مشترك بين من يوثق و من لا يوثق و على بن الحسين لم ينص الاصحاب على توثيقه و انّما روى الكشى كونه وكيلا قبل على بن راشد و لعل هذا لا يكفى فى توثيق الرجل فهى ضعيفة السند مثل الرواية الاولى و هى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 155

رواية أبى بصير مضافا.

الى ما قيل بضعف الروايتين لاعراض الاصحاب عنهما لعدم قول من المشهور بوجوب الخمس فى مطلق الفائدة و منها الهبة فيوهن الخبرين بذلك و لا يكون لهما مقتضى الحجية.

و يمكن الجواب عن دعوى الاعراض بانّ مجرد عدم العمل بالرواية لا يعد اعراضا لامكان اشكال فى

نظر المشهور فى دلالتهما.

الرابع ان يقال بانّه لو ابيت عن دلالة بعض الاخبار الدالة على وجوب الخمس فى الفائدة على وجوب الخمس فى الفائدة الغير الحاصلة بالطلب و الاكتساب مثل الهبة و اخواتها.

نقول بانّ الاكتساب يصدق فى الهبة أيضا لأنّه بعد كون حصولها فى الخارج محتاجا الى الواهب و الموهوب و الموهوب له فيحتاج فى تحققها الى قبول الموهوب له فبقبول الموهوب له الهبة يصدق أنّه اكتسب و طلب الفائدة و استفادها فيكفى دليلا على وجوب الخمس فى الهبة ما دل على وجوب الخمس فى مطلق الاكتسابات و الاستفادات و الانصاف انّ إثبات كون هذا من الاكتسابات و طلب الفائدة من الروايات مشكل بل الظاهر عدمه.

ثمّ بعد اللتيا و الّتي نقول لو سلّمنا ان ما استفدنا من ظاهر بعض النصوص و بعض الوجوه الاخر و إن كان هو وجوب الخمس فى الهبة.

لكن حيث إن الوجوه الاربعة غير الثالث منها غير تمام و وجه الثالث و هو الروايتان قد عرفت ضعف سندهما مضافا الى انّ المحكى عن المشهور وجوبه فى خصوص الاكتسابات و التجارات و الصناعات أو الضياع مع انحصار كلمات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 156

بعضهم فى بعضها و عدم قولهم فى مطلق الفائدة و عدّ هذا إعراضا عن الروايتين و ان استشكلنا فى ذلك نقول بانّ الأحوط استحبابا الخمس فى الهبة و مثل الهبة فى الحكم الجائزة من حيث دلالة الادلة غير الدليل الثالث المصرح فيها الهبة إلّا ان يقال بانّ الجائزة من اقسام الهبة و قد صرّح فى رواية يزيد المتقدمة بوجوب الخمس فيها لكن الرواية كما قلنا ضعيفة السند و كذا رواية على بن مهزيار صرّح بوجوب الخمس

فى الجائزة لكن قيدها بكونها خطيرة فلو قلنا بتمامية الادلة الاربعة المذكورة المستدلة بها لوجوب الخمس تكفى دليلا على وجوبه فى الجائزة مطلقا خطيرة كانت أولا لظهور الجميع كونها فى الحقيقة من أفراد الهبة و أما لو لم نقل بذلك فلا يبعد وجوب الخمس فى الجائزة الخطيرة لدلالة رواية على بن مهزيار عليه بل فى الهبة إذا كانت خطيرة و لو لم تكن أعطاها بعنوان الجائزة للعلم بعدم خصوصية للجائزة فتلخص أنّه لا يبعد وجوبه فى الهبة فى حدّ ذاتها لكن التفصيل بين الجائزة الخطيرة و غيرها حتى يسرى منها الى الهبة فهو ممّا لم يقل به الاصحاب و لم يحك القول بوجوب الخمس فى مطلق الهبة و الجائزة عن المشهور الخدشة فى الأدلة المذكورة نقول بان الأحوط وجوبا الخمس فى الجائزة الخطيرة لرواية على بن مهزيار و فى الهبة الخطيرة بناء على إلحاقها بالجايزة لأنّها قسم من الهبة و من باب العلم بعدم خصوصية للجائزة و أمّا فى غيره هذه الصورة فنقول.

أمّا الكلام فى وجوب الخمس فى مطلق الفائدة غير الهبة و الجائزة و عدمه فنقول بعونه تعالى.

يمكن ان يستدل على وجوبه فيه بالوجه الاوّل و الثانى و الرابع.

و كذا الثالث بناء على ان نقول بان الروايتين و إن كانتا فى خصوص الهبة لكن نعلم بعدم خصوصية فيها فبالغاء الخصوصية نحكم بوجوب الخمس فى مطلق الفائدة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 157

و المختار هو الخمس فيه احتياطا استحبابيا بعين ما قلنا فى الهبة هذا كلّه فى مطلق الفائدة غير الارث و أمّا الارث فياتى الكلام فيه ان شاء اللّه فى المسألة الرابعة.

المسألة الرابعة: هل يجب الخمس فى الميراث مطلقا أو لا يجب مطلقا

أو التفصيل بين ما ملكه من حيث يحتسب

فلا يجب فيه الخمس و بين ما ملكه من حيث لا يحسب فيجب فيه الخمس كما إذا كان له رحم بعيد فى بلد آخر و لم يكن عالما به فمات فيرثه.

وجه وجوب الخمس فيه مطلقا كونه فائدة أو بما دلّ على وجوبه فى الهبة بتنقيح المناط فهو كالهبة.

وجه عدم الوجوب الخمس فيه مطلقا عدم كونه مثل الهبة لعدم اعتبار القبول فيه فلا يصدق عليه التكسب او الاستفادة.

و عدم مجال لتنقيح المناط لعدم كشف المناط القطعى.

وجه التفصيل بين ما لا يحتسب من الارث و بين غيره فيجب الخمس فى الاوّل و لا يجب فى الثانى دلالة رواية على بن مهزيار المتقدمة ذكرها فى المسألة الاولى ففيها قال عليه السّلام (و الميراث الّذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن الخ.

اقول اعلم انّ غاية ما يدل عليه رواية على بن مهزيار هو وجوب الخمس فى الميراث الّذي لا يحتسب و لا مفهوم لها حتى تكون الرواية دليلا على التفصيل المذكور.

فاذا يدور وجوب الخمس فى مطلق الميراث و عدمه مدار وجوب الخمس فى مطلق الفائدة و عدمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 158

فنقول ان استفادة وجوب الخمس فى مطلق الفائدة على ما عرفت فى المسألة الثالثة من الاخبار المطلقة مشكل.

و كذا دعوى الألوية لعدم كون عدم الاكتساب اولى بالخمس ممّا حصل بالاكتساب.

و كذا من بعض الاخبار الواردة فى الهبة لأنّ العمل فى موردها و هو الهبة مشكل من باب ضعف سند الروايتين المتمسكة بهما و عدم تمامية ساير الادلة المتمسكة بها على وجوب الخمس و من باب مخالفة المشهور و لو قلنا فى الهبة فالتعدى منها بغيرها من باب دعوى الغاء الخصوصية مشكل خصوصا

فى مثل الميراث الّذي ليس مثل الهبة من حيث اعتبار القبول فى الهبة بخلاف الميراث فيمكن دخل هذه فى وجوب الخمس فى الهبة- كما أنّه على فرض تمامية الوجه الرابع.

من الوجوه المستدلة بها على وجوب الخمس فى الهبة و هو انّ الهبة باعتبار دخل قبول الموهوب له فى تحققه يصح ان يقال ان الموهوب له بقبوله طلب الفائدة فيشملها الاخبار لا يأتى فى الميراث.

وجه عدم تاتى هذا الوجه فى الميراث هو عدم دخل قبول الوارث فى صيرورة الارث ملكا للوارث فلا يصدق عليه الاكتساب و الاستفادة فلهذا لا يجب الخمس فى الميراث الّذي يحتسب و نعم قاله العلامة الهمدانى فى كتاب خمسه من أنّه بعد عدم ظهور الروايات و لا فتوى المشهور بين الفقهاء قدس اللّه اسرارهم فى وجوب الخمس فى الإرث نقول بانّه مع كون الإرث ممّا تعم به البلوى اذا لاكثر لو لم نقل كل الناس يرثون من مواريثهم فان كان فيه الخمس ينبغى أن يجد مورد السؤال و الجواب عن المعصومين عليهم السّلام و من عدم ذكره فى مورد من الاخبار فنكشف عدم وجوب الخمس فى المحتسب من الارث و أمّا فى الميراث الّذي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 159

لا يحتسب فقد عرفت أنّه لا دليل على وجوب الخمس فيه الّا رواية على بن مهزيار المتقدمة ذكرها فكما قال المؤلف رحمه اللّه لا مانع من القول بعدم ترك الاحتياط بالخمس فيه.

المسألة الخامسة: و هل يجب الخمس فى حاصل وقف الخاص و كذا فى النذور و فى عوض الخلع و المهر أم لا.
اما الكلام فى حاصل وقف الخاص.

و يتصور له قسمان:

القسم الاول: ان يكون ملك الوقف بمجرد جعل الواقف بلا حاجة الى قبول الموقوف عليه مثل ما اوقف الشخص ملكا على ان يكون نمائه لأولاده فيكون حاصل الوقف فائدة للموقوف عليهم بلا قبول فيكون

مثل الميراث.

القسم الثاني: ان يكون ملك الوقف للموقوف عليه لا بمجرد جعل الواقف كما لو اوقفه على ان يعطى المتولى مثلا نمائه به فيصير حاصل الوقف ملكا للموقوف عليه بعد قبوله فيكون مثل الهبة من حيث احتياج ملكيته بالقبول فغاية ما يقال ان الاحوط استحبابا الخمس فيه.

إن قلت ان كان حاصل الوقف خطيرا يكون مثل الجائزة الخطيرة لعدم خصوصية للجائزة فبعد دلالة رواية على بن مهزيار على وجوب الخمس فى الجائزة الخطيرة نقول به فى حاصل الوقف الخطير.

قلت انّ مع ما عرفت من الاشكال فى الجائزة الخطيرة لعدم القول بالتفصيل بينها و غيرها و ما قلنا فيها من جهة النص لا يمكن التعدّى الى حاصل ألوف إذا كان خطيرا فغاية ما يمكن ان نقول بانّ الأحوط استحبابا الخمس فى هذه الصورة من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 160

الوقف الخاص بل و كذا فى الصورة الاولى مثل الإرث.

فبعد ذلك نقول لا فرق بين القسمين إذا قلنا بوجوب الخمس فى مطلق الفائدة حتى فيما لا يحتاج حصولها الى القبول.

أو قلنا بوجوب الخمس فى الفائدة الحاصلة بلا صرف مال و لا بذل نفس و لا صرف وقت بالاولوية بدعوى أنّه بعد وجوبه فيما يحتاج حصول الفائدة الى بذل المال أو الوقت أو غيرهما كالتجارات و الصناعات و غيرهما ففى ما لا يحتاج الى هذه الامور يجب الخمس بالاولوية.

أو قلنا بإلغاء الخصوصية فيما دل على وجوب الخمس فى الهبة فيشمل دليل وجوبه فى الهبة للمورد.

و لكن قد عرفت فى المسألة السابقة الاشكال فيها فلا يبقى بعد ذلك دليل على وجوب الخمس فى القسم الاوّل.

نعم يمكن ان يكون الوجه الرابع من الوجوه المذكورة لوجوب الخمس فى

الهبة وجها لوجوبه فى خصوص القسم الثانى و هو ما اوقف الشخص ملكا على ان يعطى نمائه باولاده مثلا فيقال كما قلنا فى بيان هذا الوجه بان قبول الموقوف عليه يكون طلبا للفائدة فيصدق عليه الاستفادة و قد دل بعض الاخبار المتقدمة على وجوب الخمس فيما يستفيد الشخص.

و أمّا الكلام فى النذور

و وجوب الخمس فيه و عدمه فهو يتصور على نحوين:

النحو الاوّل: ان يكون من قبيل نذر النتيجة مثل ان ينذر بان يكون المال الفلا فى للفلانى فهو مثل الميراث فيكون من حيث الدليل على وجوب الخمس فيه مثل القسم الأوّل من الوقف الخاص فالكلام الكلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 161

نعم هنا اشكال آخر من حيث صحة نذر النتيجة و للبحث عنه محل آخر.

النحو الثاني: ان يكون نذر الفعل بان ينذر بان يعطى الفلانى مالا فهو متوقف على قبوله و يكون مثل القسم الثانى من اصل الوقف الخاص دليلا و حكما فالكلام الكلام.

و أمّا الكلام فى عوض الخلع و المهر و وجوب الخمس فيه و عدمه.

فالمؤلف رحمه اللّه مع قوله بان وجوب الخمس فى مطلق الفائدة لا يخلو عن قوة و انه لا يترك الاحتياط بوجوب الخمس فى حاصل الوقف الخاص بل و كذا فى النذور لم قال فى عوض الخلع و المهر بأنّ الأحوط استحبابا الخمس فيهما.

وجه الايراد أنّه ان كان الواجب فى مطلق الفائدة فالمهر و عوض الخلع يكون فائدة فلم قال فيهما بان الأحوط استحبابا الخمس.

إن قلت انّ المهر عوض البضع قلت فهو لا يكفى لدفع الاشكال و لا يقبل ان يكون وجها لعدم وجوب الخمس فى المهر لأنّ مجرد ذلك لا يكفى لعدم وجوب الخمس فيه و الّا فكان اللازم عدم وجوب الخمس فى الاجرة لانّها عوض العمل.

فالعمدة فى عدم وجوب الخمس فيهما عدم دليل واضح على وجوب الخمس فى مطلق الفائدة.

***

[مسئلة 50: إذا علم ان مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب اخراجه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 50: إذا علم ان مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب اخراجه سواء كانت العين الّتي تعلق بها الخمس موجودة فيها او كان الموجود عوضها بل لو علم باشتغال ذمته بالخمس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 162

وجب اخراجه من تركته مثل سائر الديون.

(1)

أقول أمّا وجه وجوب اخراج الخمس الّذي لم يؤده المورث لعدم سقوط وجوب الخمس بموت الشخص لأنّه لو شككنا فيه يستصحب وجوبه فعلى هذا لا فرق بين بقاء عين ما تعلق به الخمس و عدمه و كذا بينهما و بين علم الوارث باشتغال ذمة المورث بالخمس.

***

[مسئلة 51: لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 51: لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة و إن زاد عن مئونة السنة نعم لو نمت فى ملكه ففى نمائها يجب كسائر النماءات.

(2)

أقول إن قلنا بوجوب الخمس فى مطلق الفائدة لا بد من القول بوجوب الخمس فى الامور المذكورة.

و ان لم نقل بذلك كما عرفت الاشكال فيه.

فان قلنا بانّ كلما يحتاج ملكيته الى القبول نظير الهبة يكون تكسبا و استفادة فقد دلّ الدليل على وجوب الخمس فى مطلق الاستفادة.

فتارة يقال بانّ ما ملكه بالخمس أو الزكاة ملك للسادة و الفقراء بلا حاجة الى قبولهم مثل الميراث فأيضا لا يجب الخمس لعدم صدق التكسب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 163

و الاستفادة عليه.

و تارة يقال بان ما ملكه بالخمس او الزكاة ليس ملكا للسادة أو الفقراء.

امّا لاجل انّ كونه ملكا لهما مبنى على تعلق الخمس أو الزكاة بالعين من قبيل الاشاعة و أمّا بناء على كونهما من قبيل تعلق الحق بالعين فلا يفرض ملكية لارباب الخمس و الزكاة على ما تعلق به

الخمس بل يملكان ما يؤدى بهما بقبولهما.

و امّا بانّه و إن التزمنا بملكيتهما لهما و لكن صاحب الخمس و الفقير يملكان الخمس و الزكاة بالقبض فيكون مثل الهبة و الهدية فبعد احتياجهما بقبضهما فيكون مثل الفوائد الحاصلة بالاختيار و الطلب فيصدق عليهما الاستفادة.

لكن العمدة ما اشرنا إليه سابقا من انّ صدق التكسب و الاستفادة بمجرد قبول الشخص و عدم حصول الملكية الّا بقبوله مشكل.

و أمّا الصدقة المندوبة فلا اشكال فى احتياج ملكيتها الى القبول فان قلنا بان مجرد توقفها على القبول يصدق على قبولها أنّه استفاد و إن ما اخذه استفادة يجب فيه الخمس و الّا فلا و قد عرفت الاشكال فى صدق الاستفادة بمجرد ذلك.

و قد يستدل على عدم وجوب الخمس فى ما ملك بالخمس برواية على بن الحسين بن عبد ربه المتقدمة ذكرها فى طى المسألة الثالثة من المسائل المتعرضة فى اصل المسألة و هى هذه روى سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن على بن الحسين بن عبد ربه قال سرح الرضا عليه السّلام بصلة الى ابى فكتب إليه ابى هل على فيما سرحت الى خمس فكتب إليه لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس «1».

وجه الاستدلال دعوى دلالتها على انّ ما سرّح به صاحب الخمس لا خمس

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب ما يجب فيه من الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 164

فيه فما يصل الى السادة أو الى غيرهم من نصف الخمس الّذي للامام عليه السّلام يصل من صاحب الخمس اعنى ممن أمره بيده.

و قد اورد على الاستدلال بالرواية بانّ الرواية تدلّ على انّ ما سرّح صاحب الخمس على الغير

لا يجب فيه الخمس مثل مورد الرواية الّذي سرّح الرضا عليه السّلام صلة الى الغير و لو لم يكن ما سرّح إليه خمسا فلا ربط لها بما نحن فيه و هو وجوب الخمس فيما اخذ مستحق الخمس و صاحبه من الناس.

و لكن يمكن دفع هذا الامر بالنسبة الى النصف الّذي للامام عليه السّلام من الخمس بان الرواية تدلّ على ان ما سرّح صاحب الخمس و من أمره إليه و هو الرضا عليه السّلام لا يجب فيه الخمس و عمومه يشمل كلما سرّح منه الى الغير كان ما سرّح الخمس أو غير الخمس فمن يأخذ فى حال الغيبة سهم الإمام عليه السّلام من الّذي أمره إليه و هو المجتهد فقد اخذ من صاحب الخمس و مقتضى الرواية عدم وجوب الخمس فيما وصل إليه من قبل ولى امر الخمس و هو المجتهد فى حال الغيبة أ.

نعم يشكل بالنسبة الى سهم السادات الذين هم صاحب الخمس و من يؤدى سهمهم يؤدى الى نفس صاحب الخمس.

الّا ان يقال بانّه بناء على كون سهم السادة ملكا للامام عليه السّلام و يدفع إليهم المجتهد من قبله عليه السّلام و نيابة عنه فهو مثل سهم الإمام عليه السّلام.

و لكن لو دفع هذا الاشكال لا يمكن التمسك بهذه الرواية للاشكال فيها بضعف السند كما اشرنا إليه عند الاستدلال بها على وجوب الخمس فى الهبة.

و قد يقال فى وجه عدم وجوب الخمس فى الزكاة تنزيه ارباب الخمس عن اخذ الزكاة و لو بعنوان الخمس لكون الزكاة من اوساخ الناس و قد نزاهم اللّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 165

سبحانه عنها.

و كذلك يقال فى الصدقة المندوبة بناء على عدم جواز اعطائها

بالسادة.

و فيه أنّه لو كان ذلك يلزم ان لا يجوز اعطاء ما اخذ الفقير من الزكاة بالسادة بعنوان الاحسان و الهدية و هذا مما لا دليل على الالتزام به.

فالمناط فى وجوب الخمس فى الامور المذكورة و عدمها ما قلنا.

و أمّا النماء الحاصل منها فى ملكه فحكمه حكم سائر النماءات و يجب فيها الخمس بالتفصيل الّذي يأتى إن شاء اللّه فى المسألة 53.

***

[مسئلة 52: إذا اشترى شيئا ثمّ علم ان البائع لم يؤد خمسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 52: إذا اشترى شيئا ثمّ علم ان البائع لم يؤد خمسه كان البيع بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليا فان أمضاه الحاكم رجع عليه بالثمن و يرجع هو على البائع إذا اداه و إن لم يمض فله ان يأخذ مقدار الخمس من المبيع و كذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات و إن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك اهله.

(1)

أقول البحث فى هذه المسألة بعد الفراغ عن القول بتعلق الخمس بالعين سواء كان بنحو الاشاعة أو الكلى فى المعين أو على نحو حق الرهانة أو حق الجناية فان البيع و غيره من أسباب النقل كالصلح و الهبة يتوقف على كون الملك طلقا غير متعلق لحق غيره و الّا فيكون المعاملة الواقعة عليه فضولية يتوقف صحتها على امضاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 166

الحاكم الّذي هو ولىّ الخمس و يأتى الكلام فى ذلك فى المسألة 75.

و بعد فرض عدم كون البائع ممن لا يعتقد وجوب الخمس كالكافر و نحوه فان كان منهم فانهم عليهم السّلام اباحوا لشيعتهم فلا يتصور هذه المسألة فيما اشترى من الكافر و نحوه كما يأتى إنشاء اللّه فى طى المسألة 19 من المسائل الراجحة الى قسمته الخمس و مستحقه.

إذا عرفت

ذلك نقول بعونه تعالى بانّه إذا اشترى شيئا ثمّ علم انّ البائع لم يؤد خمسه كان البيع بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليا.

فتارة يمضيه الحاكم.

فان كان الثمن كليا يرجع الحاكم على المشترى و المشترى يرجع الى البائع ان ادّى الثمن به.

و ان كان الثمن شخصيا فيرجع الى من عنده الثمن سواء كان البائع أو المشترى أو غيرهما و من التفصيل الّذي قلنا يظهر لك ما فى كلام المؤلف رحمه اللّه من حكمه مطلقا بالرجوع الى المشترى فى اخذ الثمن و إن اداه الى البائع يرجع المشترى الى البائع.

و تارة لم يمضه الحاكم فله ان يأخذ مقدار الخمس من المبيع.

لكون مقدار الخمس باقيا على ملك ارباب الخمس بناء على القول بان نحوة تعلق الخمس بالعين على نحو الاشاعة أو الكلى فى العين.

أو متعلقا لحق ارباب الخمس بناء على كون نحو تعلق الخمس بالعين نحو حق الرهانة و نظائره هذا كله فيما انتقل ما تعلق به الخمس الى الشخص بالبيع.

و مثل انتقاله إليه بالبيع انتقاله إليه بغير البيع من المعاوضات.

و ان انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك اهله لأنّ هذا المقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 167

ملكهم أو متعلق حقهم بالنحو الّذي يتعلق حق الرهانة و نظائره بالعين.

***

[مسئلة 53: إذا كان عنده من الاعيان الّتي لم يتعلق بها الخمس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 53: إذا كان عنده من الاعيان الّتي لم يتعلق بها الخمس أو تعلّق بها لكنه اداه فنمت و زادت زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس فى ذلك النماء و أمّا لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية لم يجب خمس تلك الزيادة لعدم صدق التكسب و لا صدق حصول الفائدة نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة

من الثمن هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة و راس مالها كما إذا كان المقصود من شرائها او ابقائها فى ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو اجرتها أو نحو ذلك من منافعها و أمّا إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا امكن بيعها و اخذ قيمتها.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: إذا كان عنده من الاعيان الّتي لم يتعلق بها الخمس

أو تعلق بها لكنه اداه فنمت و زادت زيادة متصلة أو منفصلة فهل يجب الخمس فى ذلك النماء مطلقا أو لا يجب مطلقا أو وجوبه فى المنفصلة و عدم وجوبه فى المتصلة.

أقول فيما لم تكن تلك الاعيان من مال التجارة كما هو المفروض فى هذه الصورة لجعل المؤلف رحمه اللّه هذه الصورة مقابل الصورة الّتي كانت العين من مال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 168

التجارة فالقول بوجوب الخمس فى نمائها متصلة كانت أو منفصلة مبنى على القول بوجوب الخمس فى مطلق الفائدة و إن لم تكن حاصلة بالطلب و الاكتساب ..

و أمّا لو لم نقل بوجوبه فى مطلق الفائدة كما قوّيناه فلا يجب الخمس فى مفروض هذه المسألة.

المسألة الثانية: إذا كان عنده بعض الاعيان الّذي تعلق به الخمس

فاداه أو لم يتعلق به الخمس و زادت و ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية فلا يجب عليه خمس ذلك الارتفاع.

امّا بناء على القول بعدم وجوب الخمس فى مطلق الفائدة فلا يجب الخمس حتّى بناء على صدق الفائدة عليه.

و أمّا بناء على وجوبه فى مطلق الفائدة فلا يجب الخمس فيه لعدم صدق التكسب بل الاستفادة على الزيادة السوقية.

المسألة الثالثة: لو باع العين الّتي لا يجب الخمس فيها

أو اداه مع نمائها أو فى حال حصول زيادة سوقية فيها فهل يجب خمس تلك الزيادة الحاصلة بسبب نماء العين أو بسبب زيادة سوقية او لا يجب الخمس فيها.

امّا بناء على عدم القول بوجوب الخمس فى مطلق الفائدة و دوران وجوب الخمس مدار الاكتساب و الاستفادة.

فان كان نظره فى البيع الاكتساب و الاستفادة كما هو الغالب يجب الخمس لصدق الاكتساب و الاستفادة.

و أمّا لو لم يكن نظره فى البيع الى الكسب و طلب الفائدة بل كان لبعض الدواعى مثلا يريد الهجرة من بلد فيبيع داره باغلى من القيمة الّتي اشتراها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 169

فالقول بوجوب الخمس فى الزيادة مشكل.

المسألة الرابعة: هذا كله فيما لم يكن المقصود من العين الاتجار بها

كما إذا كان المقصود من شرائها أو ابقائها الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو اجرتها أو نحو ذلك من منافعها و أمّا إذا كان المقصود الا تجاربها فهل يجب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة أم لا.

أقول الظاهر وجوب الخمس فى ارتفاع قيمتها لصدق حصول الفائدة بالاكتساب و طلب الفائدة.

نعم كما افاد المؤلف رحمه اللّه يجب الخمس فيما امكن بيعها و اخذ قيمتها بعد تمام السنة و الّا لا تعدّ فائدة.

***

[مسئلة 54: إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 54: إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية و لم بيعها غفلة أو طلبا للزيادة ثمّ رجعت قيمتها الى رأس مالها أو اقل قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة لعدم تحققها فى الخارج نعم لو لم بيعها عمدا بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس ضمنه.

(1)

أقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 170

بيعها غفلة أو طلبا للزيادة ثمّ رجعت قيمتها الى راس مالها أو اقل قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة.

و علّل عدم وجوب الخمس اعنى خمس تلك الزيادة فى المتن بعدم تحققها فى الخارج أى عدم تحقق الزيادة أو عدم تحقق الفائدة.

و التعليل عليل لصدق الزيادة و صدق الفائدة بمجرد حصول زيادة القيمة السوقية بعد كون المقصود من ابقاء العين الا تجاربها على ما اعترف المؤلف بذلك فى المسألة السابقة.

بل التعليل بانّ عدم البيع غفلة أو طلبا للزيادة لا يعدّ تفريطا لسهم ارباب الخمس حتى يوجب الضمان و مع الشك فى الضمان مقتضى اصالة البراءة عدم الضمان كما فى كلمات بعض اعاظم الشراع على العروة تعليل متين. «1»

لأنّه لو

كان الخمس واجبا بمجرد حصول الربح فقد تحقق موجب الضمان و تاخيره و عدم ادائه لعدم بيع العين غفلة أو طلبا للزيادة لا يرتفع الضمان.

و لو لم يكن واجبا الّا بعد مضى السنة فليس الربح من الربح الواجب فيه الخمس سواء فرّط فيه أو لا فالعلة فى عدم وجوب الخمس هو عدم حصول سبب الضمان و هو التفريط.

الصورة الثانية: الصورة بحالها و لكن لم بيع العين الحاصلة فيها الزيادة من حيث القيمة السوقية عمدا بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس ففى هذه الصورة يضمن الخمس لاستقرار حق السادة و ترك البيع عمدا تفريط منه فيوجب الضمان.

***

______________________________

(1) المستمسك، ج 9، ص 529.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 171

[مسئلة 55: إذا عمّر بستانا و غرس اشجارا و نخيلا للانتفاع بثمرها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 55: إذا عمّر بستانا و غرس اشجارا و نخيلا للانتفاع بثمرها و تمرها لم يجب الخمس فى نمو تلك الاشجار و النخيل و أمّا إذا كان من قصده الاكتساب باصل البستان فالظاهر وجوب الخمس فى زيادة قيمته و فى نموّ اشجاره و نخيله.

(1)

أقول أمّا عدم وجوب الخمس فى الصورة الاولى فلعدم صدق التكسب و الاسترباح به.

لكن اختيار المؤلف رحمه اللّه عدم وجوب الخمس فى النماء هنا مخالف مع قوله بوجوب الخمس فى مطلق النماء فى المسألة 53 حتى فيما لا يكون المقصود من ابقاء العين الا تجاربها.

و أمّا فى الصورة الثانية فلانّ المقصود من عمران البستان هو التكسب باصل البستان فيجب الخمس فى زيادة قيمته و نموّ اشجاره و نخيله.

***

[مسئلة 56: إذا كان له انواع من الاكتساب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 56: إذا كان له انواع من الاكتساب و الاستفادة كان يكون له راس مال يتجر به و خان يوجره و ارض يزرعها و عمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك يلاحظ فى آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع فيجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 172

عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مئونته.

(1)

أقول الظاهر من عنوان المسألة هو كون سنة واحدة لأنواع اكتساباته إمّا من باب أنّه يلاحظ الاكتسابات و إن كانت مختلفة سنة واحدة أو أن لها سنة واحدة و لو بتخيل الشخص فليس النظر الى انّ المئونة يصرف من بعضها أو يوزع على كل للاكتسابات و انه بعد صرف مئونته يبقى له الفائدة من مجموع اكتساباته فعلى هذا بعد ما عرفت ذلك.

أقول للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا حصل الربح فى بعض انواع اكتسابات الشخص و الخسران فى بعضها

الآخر فمعنى ملاحظة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع فى اخر السنة و اداء خمس حاصل ما استفاده من المجموع من حيث المجموع.

هو انه يجير الخسارة الحاصلة فى راس المال فى بعض انواع الاكتسابات بالفائدة الحاصلة فى بعضها الآخر مثلا له زراعة راس ماله فيها يكون عشرين دينارا و قد حصل من زراعته فائدة تبلغ عشرين دينارا فى راس ماله الموضوع فى الزراعة و له تجارة راس مالها عشرون دينارا و قد خسر فيها عشرة دنانير فلو لوحظ فى آخر السنة المجموع من حيث المجموع من الفائدة فليست الا عشرة دنانير لأنّه يجبر عشرة دنانير المفقودة من رأس المال من تجارته بالفائدة الحاصلة من زراعته و الحال أنّه لو لم تجبر الخسارة الحاصلة فى التجارة بالفائدة الحاصلة من الزراعة تكون فائدته فى آخر السنة عشرين دينارا.

فيقع الكلام فى أنّه هل تجبر الخسارة الحاصلة فى وسط السنة فى تجارة بالفائدة الحاصلة من تجارة اخرى أم لا و يأتى الكلام فى هذه الصورة فى المسألة 74

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 173

ان شاء للّه.

الصورة الثانية: ما إذا كان له انواع من الاكتسابات و حصل له الربح فى كل هذه الاكتسابات بحيث تحصل فى آخر السنة من كل هذه التجارات فوائد له بعد مئونته ففى هذه الصورة لا اشكال فى وجوب الخمس فى الفوائد الحاصلة له.

لكن ان كان نظر المؤلف رحمه اللّه بهذه الصورة فقط أو هى و الصورة السابقة فلا ينبغى جعل البحث فيها لأنّه على الفرص حصلت الفائدة لكل من اكتساباته و يجب الخمس فيها سواء لوحظ كل فائدة مستقلة أو المجموع من حيث المجموع من الفوائد معا.

***

[مسئلة 57: يشترط فى وجوب خمس الربح او الفائدة استقراره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة

57: يشترط فى وجوب خمس الربح او الفائدة استقراره فلو اشترى شيئا فيه ربح و كان للبائع الخيار لا يجب خمسه الا بعد لزوم البيع و مضى زمن خيار البائع.

(1)

أقول ما قاله المؤلف رحمه اللّه فى المقام و هو عدم وجوب الخمس الّا بعد لزوم البيع هو صحيح فى الجملة لأنّه مع عدم لزوم البيع لا يستقر عليه الخمس.

لكن هنا امر آخر و هو انّه بعد لزوم البيع فان كان لزومه فى راس سنة خمسه أو فى اثناء السنة الّتي حصل البيع و الشراء فيها فيكون الربح من فوائد هذه السنة.

و أمّا ان كان البيع و الشراء فى سنة و لزوم البيع فى السنة اللاحقة فهل يكون الربح من فوائد السنة الماضية لانكشاف كون الربح من السنة الماضية بلزوم البيع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 174

لا من السنة اللاحقة أو يكون من السنه اللاحقة لأنّ اللزوم حصل فى السنة اللاحقة و تظهر الثمرة لأنّه ان كان الربح من السنة الماضية يجب اداء خمسه فعلا و الحال انّه ان كان من الفوائد السنة اللاحقة لا يجب خمس ربحه الّا بعد مضى هذه السنة اللاحقة بعد استثناء المئونة.

و الظاهر الثانى لأنّ البيع بعد مضى الخيار أو اسقاطه يصير لازما.

***

[مسئلة 58: لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 58: لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما فاستقاله البائع فاقاله لم يسقط الخمس الّا إذا كان من شانه ان يقبله كما فى غالب موارد بيع شرط الخيار اذا ردّ مثل الثمن.

(1)

أقول الكلام فى المسألة ينبغى ان يقع فى موردين:

المورد الاوّل: فى انّ ما يشترى الشخص و فيه الربح بيع الخيار فصار البيع لازما يجب الخمس فيه لاستقرار

الفائدة الحاصلة بالتكسب و لا يوجب الاقالة بعد اللزوم سقوط الخمس و هذا ممّا لا اشكال فيه فى الجملة.

المورد الثاني: إذا كان من شان المعاملة الاقالة كما يدعى أنّه الغالب فى موارد البيع بشرط الخيار اذا رد مثل الثمن فهل يسقط الخمس بالاقالة أم لا فالكلام فى هذا المورد بعد مفروغية وجوب الخمس بلزوم البيع يكون فى ان الاقالة بعد اللزوم توجب سقوط الخمس أم لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 175

اعلم ان مورد الكلام.

تارة يكون فيما حصلت الاقالة بعد مضى السنة و لزوم البيع كان قبل مضى السنة فلا ينبغى الاشكال فى انّ الاقالة لا توجب سقوط الخمس لوجوب اداء خمس الفوائد فى راس السنة بعد المئونة و إن عدّت الاقالة من المئونة فتعد من المؤن السنة اللاحقة لا من السابقة فلا تستثنى من الفوائد الحاصلة فى السنة السابقة حتى يقال بسقوط الخمس.

و تارة حصل لزوم البيع ثمّ الإقالة فى سنة واحدة اعنى فى سنة الربح فهل الاقالة الحاصلة بعد لزوم البيع توجب سقوط الخمس مطلقا أو لا توجب مطلقا أو توجب فيما كان من شان المشترى اقالة البيع أو توجب فيما يكون من شان البائع اقالة البيع.

أقول الظاهر أنّه إذا كان من شان المشترى اقالة البيع و لم يكن اسرافا كما يعتبر ذلك فى كل مئونة من المؤن تعد من المئونة و هذا يختلف بحسب اختلاف البائع أيضا.

فتارة تعد اقالة بيع بملاحظة بايع اسرافا مع عدم كونه اسرافا بالنسبة الى بائع آخر و بعد احتسابها من المئونة يسقط الخمس لأنّ الخمس بعد المئونة.

***

[مسئلة 59: الأحوط اخراج خمس راس المال إذا كان من ارباح مكاسبه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 59: الأحوط اخراج خمس راس المال إذا كان من ارباح مكاسبه فاذا لم يكن

له مال من اوّل الامر فاكتسب أو استفاد مقدارا و اراد ان يجعله راس المال للتتجارة و يتجر به

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 176

يجب اخراج خمسه على الأحوط ثمّ الاتجار به.

(1)

أقول بعد ما عرفت من ان المستفاد من الآية الشريفة بضميمة النصوص الواردة وجوب الخمس فيما يستفيده الانسان من الاكتسابات و الصناعات و الزراعات بعد استثناء المئونة فوجوب الخمس فى ما يجعله راس المال للتجارة من الاكتسابات و الاستفادات الحاصلة له و عدمه يدور مدار عدم كون راس المال من المئونة فيجب خمسه او كونه من المئونة فلا يجب خمسه.

و المراجع فى كلام الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم يرى ان من يقول بتخميسه يكون وجهه عدم عدّه من المئونة كما انّ منشأ القول بعدم وجوب تخميسه يكون لاجل عده من المئونة و كذا من يفصل بين صورة احتياجه برأس المال بحسب شانه و بين صورة عدم احتياجه به فاختار عدم وجوب الخمس فى الاوّل و وجوبه فى الثانى يكون من باب عدّه الأوّل من المئونة و الثانى عدم عده من المئونة.

و لو لم تعدّ من المئونة لا وجه لعدم وجوب الخمس فيه.

فمن يقول ربما يكون راس المال بنفسه محتاجا إليه و لو مع حصول مئونته من غيره فقد خلط عليه امر المئونة لأنّ المئونة على ما يأتى ان شاء اللّه مطلق ما يتوقف عليها عيش الشخص و عائلته بها من جميع الجوانب و لو لحفظ شانه و محله و رتبته.

فعلى هذا يدور حكم وجوب خمس راس المال و عدمه مدار عدم عده من المئونة و عده من المئونة.

و إذا بلغ الامر الى هنا نقول بانّه يجب تخميس الفائدة الحاصلة له من

الاكتسابات و اذا اراد ان يجعلها راس المال للتجارة الّا إذا كانت محتاجا إليها بحسب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 177

شانه الى بقاء هذا المال و صيرورته راس المال لكسب من الاكتسابات.

ففى غير صورة احتياجه إليه بحيث لا يعدّ من المئونة فالاقوى وجوب الخمس نعم ينبغى الاحتياط باداء الخمس حتى فى الصورة السابقة.

***

[مسئلة 60: مبدأ السنة الّتي يكون الخمس بعد خروج مئونتها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 60: مبدأ السنة الّتي يكون الخمس بعد خروج مئونتها حال الشروع فى الاكتساب فيمن شغله التكسب و أمّا من لم يكن مكتسبا و حصل له فائدة اتفاقا فمن حين حصول الفائدة.

(1)

أقول اختلف نظر فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم فى مبدأ السنة الّتي يكون الخمس بعد خروج مئونتها على اقوال.

قول بكون مبدئها حال الشروع فى الاكتساب فيمن شغله التكسب بلا فرق بين انواع الاكتسابات من التجارة و الصناعة و الزراعة.

و قول بكون مبدئها حصول الربح فى كل من الاكتسابات.

و قول بالتفصيل بين التجارة و الصناعة و نحوهما فمبدؤها حال الشروع فى الكسب و بين الزراعة فمبدؤها حصول الربح.

و هذه الاقوال على ما يرى من كلماتهم فى الاكتسابات.

و أمّا من لم يكن مكتسبا و حصل له فائدة اتفاقا فمبدأ سنته حين حصول الفائدة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 178

فالظاهر انّ الاختلاف فى القسم الأوّل و هو الاكتسابات و الّا ففى القسم الثانى و هو من لم يكن مكتسبا فقد ادّعى الاجماع على كون مبدأ سنته حصول الفائدة.

فلنعطف عنان الكلام الى القسم الأوّل.

فنقول بعونه تعالى انّ الاقوى بالنظر هو التفصيل و هو القول الثالث على ما يظهر من بعض الروايات الواردة فى الباب مثل رواية محمد بن الحسن الاشعرى و على بن محمد بن شجاع

و رواية مفصلة اخرى عن على بن مهزيار.

هذا بالنسبة الى من يكون شغلة الاكتساب.

و أمّا من لا يكون شغله الاكتساب بل حصل له فائدة اتفاقا فمبدأ سنته حين حصول الفائدة كما يدعى الاجماع عليه عن بعض.

و انّ نسبة هذه الفائدة متساوية بالنسبة الى الازمنة السابقة عليها فلا وجه لعد بعض الازمنة السالفة جزء عامه فقهرا يكون مبدأ سنته مبدأ حصول الفائدة.

و يمكن ان يقال بانّ هذا هو الاطلاق المقامى فانه بعد ما كان المراد من المئونة مئونة السنة و لا بد من فرض مبدأ لهذه السنة و لم يذكر فى الاخبار و الادلة مبدأ لها و يرى انّ الفائدة متى حصلت يكون مبدئها مبدأ حصولها بنظر العرف فلو كان لسنتها مبدأ آخر كان للشارع البيان فمن عدم بيانه مع فرض كونه محل البيان ان كان نظر الشرع على غير ما يتفاهم كان عليه البيان فمن عدم بيانه نكشف كون المبدأ هذا اعنى حصول الفائدة و هذا معنى الاطلاق المقامى.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 179

[مسئلة 61: المراد بالمئونة مضافا الى ما يصرف فى تحصيل الربح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 61: المراد بالمئونة مضافا الى ما يصرف فى تحصيل الربح ما يحتاج إليه لنفسه و عياله فى معاشه بحسب شانه اللائق بحاله فى العادة من الماكل و الملبس و المسكن و ما يحتاج إليه لصدقاته و زياراته و هداياه و جوائزه و اضيافه و الحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة أو اداء دين أو ارش جناية أو غرامة ما اتلفه عمدا أو خطأ و كذا ما يحتاج إليه من دابة أو جارية أو عبد أو اسباب أو ظرف أو فرش أو كتب بل ما يحتاج إليه لتزويج اولاده أو ختانهم و نحو ذلك مثل ما

يحتاج إليه فى المرض و فى موت اولاده أو عياله الى غير ذلك ممّا يحتاج إليه فى معاشه و لو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفها و سرفا بالنسبة إليه لا يحسب منها.

(1)

أقول المئونة المبحوثة عنها فى باب الخمس على قسمين:

قسم منها ما يصرفه الشخص فى تحصيل الربح فى المكاسب و التجارات و الزراعات و غيرها و هى على ضربين.

ضرب منها ما يصرفها فى الربح و يتلف فى سبيله.

و ضرب منها ما يصرفها فى سبيل تحصيل الربح و يبقى عينه مثل الآلات المتوقفة عليها الكسب.

فالضرب الاوّل: من مئونة الكسب فتحسب الفائدة بعد استثناء هذا الضرب كما يأتى الكلام فيه بعد ذلك ان شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 180

و الضرب الاخر: منه يعدّ جزء من راس المال هذا بالنسبة الى مئونة المصروفة فى تحصيل الربح و حكمها حكم رأس المال و قد مر الكلام فيه فى المسألة 59.

و قسم من المئونة ما يصرفها الشخص فيما يحتاج إليها لنفسه و لعياله و قد ذكر المؤلف رحمه اللّه موارد منها و وقع النقض و الابرام فى بعضها.

فنقول بعونه تعالى لم نر فى الاخبار المتعرضة للمئونة بيانا فى المراد من المئونة و بعد عدم تعرض من ناحية الشارع لمفهومها لا بد من الارجاع فى مفهومها الى العرف كسائر الموارد الّتي نرجع فى تشخيص الموضوع بالعرف بالإطلاق المقامى.

فيكون المراد من المئونة ما تكون مئونة بنظر العرف و على هذا ما يأتى بالنظر هو انّ المذكورات فى المتن من المئونة بشرط كون هذه الاشياء من حيث الكمية و الكيفية لائقا بحاله و موافقا لشأنه فلا يعد من المئونة ازيد من ذلك خصوصا ما يعد

سفها و سرفا بالنسبة الى الشخص.

***

[مسئلة 62: فى كون راس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المئونة اشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 62: فى كون راس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المئونة اشكال فالاحوط كما مرّ اخراج خمسه أوّلا و كذا فى الآلات المحتاج إليها فى كسبه مثل آلات النجارة للنجار و آلات النساجة للنسّاج و آلات الزراعة للزارع و هكذا فالاحوط اخراج خمسها أيضا أوّلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 181

(1)

أقول مر الكلام فى وجوب خمس راس المال فى المسألة 59.

و مرّ فى المسألة 61 كون هذا الضرب من المئونة المصروفة فى راس المال الباقية عينها المتوقفة عليها حصول الربح يكون بحكم راس المال فراجع.

***

[مسئلة 63: لا فرق فى المئونة بين ما يصرف عينه فتتلف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 63: لا فرق فى المئونة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل الماكول و المشروب و نحوهما و بين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الظروف و الفروش و نحوها فاذا احتاج إليها فى سنة الربح يجوز شرائها من ربحها و إن بقيت للسنين الآتية أيضا.

(2)

أقول لا اشكال فى انّ ما يحتاج إليه الشخص فى بقاء عيشه و عيش عائلته من الماكول و الملبوس و المسكن و غيرها يحتاج تحصيلها الى صرف المال و لهذا يقال بهذه الامور مئونة الشخص و مصارفه و هذه الامور المحتاجة إليها بعضها تتلف و لا يبقى نفسه مثل الماكول و المشروب.

و بعضها يبقى و يرتفع به حاجة الشخص بابقائه مثل المسكن و الملبوس و الظروف و غير ذلك.

فيقع الكلام فى أنّه بعد.

ما لا اشكال فى عدّ ما تتلف فى اثناء سنة الفائدة من المئونة المستثناة فى الخمس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 182

فهل يعدّ من المئونة المستثناة من وجوب الخمس فى حاصل الفوائد القسم الثانى و هو ما يحتاج إليه الشخص بابقائه

عنده و عدم تلفه فى اثناء السنة مثل الكتب العلمية للطلبة أو اللباس أو المسكن او غيرها او لا يعدّ من المئونة.

الحق شمول اطلاق المئونة الواردة فى الروايات لهذا القسم من المئونة أيضا.

و اعلم انّ الكلام فى المقام فى عدّ هذا القسم من المئونة و جواز شرائه من الربح الحاصل فى اثناء السنة.

و كلام آخر فى أنّه اذا تممت السنة و مضى الحول فهل يجب تخميس هذا القسم من المئونة الموجودة أم لا يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه فى المسألة 67.

***

[مسئلة 64: يجوز اخراج المئونة من الربح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 64: يجوز اخراج المئونة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه بان لم يتعلّق به أو تعلّق و اخرجه فلا يجب اخراجها من ذلك بتمامها و لا التوزيع و إن كان الأحوط التوزيع و الاحوط منه اخراجها بتمامها من المال الّذي لا خمس فيه و لو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده كان من المئونة لا يجوز احتساب قيمتها من المئونة و اخذ مقدارها بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها اصلا.

(1)

أقول أمّا جواز اخراج المئونة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه فلاطلاق النصوص الدالة على انّ الخمس بعد المئونة لأنّ اطلاقها يشمل صورة عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 183

وجود مال آخر يخرج منه المئونة و كذا صورة وجود مال آخر يمكن اخراج المئونة منه فلا يجب التوزيع و لا صرف تمام المئونة من هذا المال و عدم صرفها من الربح.

و أمّا إذا كان عنده عبد أو جارية أو دار او نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده

كان من المئونة بمعنى أنّه لو لم يكن واجدا لهذه الامور كان من شأنه ان يصرف من الربح مبلغا لشراء هذه الاشياء أو بعضها فهل يجوز احتساب قيمة هذه الاشياء من المئونة و اخذها من الربح أو لا مثلا يكون له دار يسكنها و لو لم تكن له الدار كان اللازم اشتراء دار من الربح لأنّ الدار من جملة مئونته بحسب حاله و شانه فهل يجوز له ان يأخذ قيمة الدار الّتي واجد لها من الربح الحاصل بعنوان المئونة أو لا يجوز ذلك له.

الاقوى عدم الجواز لأنّه بوضعه الفعلى لا يحتاج الى الدار حتى يكون من جملة مئونته اشتراء الدار أو احتساب قيمته فيكون نظير من لا يحتاج الى الدار فلا يخرج من الربح بعنوان المئونة قيمة الدار.

***

[مسئلة 65: المناط فى المئونة ما يصرف فعلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 65: المناط فى المئونة ما يصرف فعلا لا مقدارها فلو قتّر على نفسه لم يحسب له كما أنّه لو تبرّع بها متبرع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط بل لا يخلو عن قوة.

(1)

أقول لأنّ هذا هو المستفاد من بعض النصوص المتعرضة لاستثناء المئونة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 184

[مسئلة 66: إذا استقرض من ابتداء سنته لمئونته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 66: إذا استقرض من ابتداء سنته لمئونته أو صرف بعض راس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح.

(1)

أقول ما قاله من جواز وضع مقدار من الربح فى قبال ما استفرضه من ابتداء السنة قبل حصول الربح مبنى على ما اختاره فى المسألة 60 من كون مبدأ السنة مطلقا زمان الشروع فى الكسب سواء كان اكتسابه من تجارة أو صناعة او زراعة.

و أمّا على ما اخترناه من التفصيل فى مبدأ السنة بالنسبة الى الاكتسابات.

و قلنا بانّ مبدئها فى مثل التجارة و الصناعة الّتي اقتضائها بحسب الطبع حصول الفائدة بالشروع فى الكسب يوما فيوم هو زمان الشروع فى الكسب.

و مبدئها فى مثل الزراعة هو حصول الربح و الفائدة فلا بدّ ان نقول بانّه كل ما يستقرض الشخص فى اثناء سنته للمئونة يجوز وضع مقدارها من الربح.

ففى القسم الأوّل بعد شروع فى الكسب إذا استقرض شيئا للمئونة يجوز وضعها من الربح الحاصل فى هذه السنة الّتي مبدئها الشروع فى الكسب و لو لم يربح بعد فى هذه السنة و أمّا لو استقرض لمئونته قبل حصول الربح فيما يكون مبدأ سنته حصول الربح مثل الزراعة فلا يمكن وضعها عن الربح الحاصل فى السنة الّتي مبدئها حصول الربح لأنّ ما استقرضه فى الفرض لمئونته لا يكون مئونة سنته.

بل إذا

استقرض لمئونته بعد حصول الربح فيما يكون مبدأ سنته حصول الربح مثل الزراعة يجوز وضع ما استقرضه من ربح هذه السنة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 185

[مسئلة 67: لو زاد ما اشتراه و ادّخره للمئونة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 67: لو زاد ما اشتراه و ادّخره للمئونة من مثل الحنطة و الشعير و الفحم و نحوها مما يصرف عينه فيها يجب اخراج خمسه عند تمام الحول و أمّا ما كان مبناه على بقاء عينه و الانتفاع به مثل الفرش و الاوانى و الالبسة و العبد و الفرس و الكتب و نحوها فالاقوى عدم الخمس فيها.

نعم لو فرض الاستغناء عنها فالاحوط اخراج الخمس منها و كذا فى حلى النسوان اذا جاز وقت لبسهن لها.

(1)

أقول فى المسألة مسئلتان:

المسألة الاولى: لو زاد ما اشتراه و ادخره للمئونة

من مثل الحنطة و الشعير و الفحم و نحوها ممّا يصرف عينه فى المئونة يجب اخراج خمسه عند تمام الحول لانها لم تصر مئونة حتى يستثنى من الربح بل المئونة المستثناة هو ما صرف إذا كان ممّا يكون البناء على صرف عينه و اتلافه للمئونة.

المسألة الثانية: إذا كان ما اشتراه بعنوان المئونة ممّا كان مبناه على بقاء عينه

و الانتفاع به مثل الفرش و الاوانى و الكتب و الالبسة فبقى عند تمام الحول فهل يجب اخراج خمسه أو لا.

أقول تارة يكون هذا الشي ء الباقى غير المحتاج إليه فى السنة اللاحقة مثل الكتاب الّذي يشترى طالب العلم عند كونه فى المرحلة الاولية من العلم ثمّ بلغ بالمرتبة العالية و لا يحتاج الى هذا الكتاب أو فى حلى النسوان إذا جاز وقت لبسهن.

و تارة يحتاج الى هذا الشي ء فى السنة اللاحقة أو السنين اللاحقة مثل الفرش.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 186

يستدل على عدم وجوب الخمس بالاستصحاب لأنّه مع الفرض لا يجب خمسه قبل تمام الحول لكونه مئونة فنشك فى وجوب خمسه و عدمه فيستصحب عدمه.

و اورد عليه بان المورد من مصاديق التمسك باستصحاب المخصص أو عموم العام و لا بد فى المورد من اجراء حكم العام و هو وجوب الخمس فى كل الفوائد و لا مجال لاستصحاب حكم المخصص و هو عدم وجوب الخمس فى المئونة لأنّ الخارج حال من احوال الفرد لا نفس الفرد لأنّ الأفراد هى كل شي ء من الاشياء الّتي صارت فائدة غاية الامر ما خرج عن تحت عموم العام هو حالة من حالات بعض الافراد و هى الحالة الّتي كانت مئونة فاذا تبدل هذه الحالة بحالة اخرى و هى حالة عدم كونها مئونة فحكم الاطلاق الأحوالى الشامل لكل فرد يشمله فالمرجع عند

الشك عموم العام و بعبارة اخرى ليس الخارج بالتخصيص نفس الفرد حتى يكون المحكّم فى زمان الشك استصحاب حكم المخصص و عدم مرجعية العام من باب أنّه إذا خرج الفرد بالتخصيص فليس المحكم عموم العام فى زمان الثانى اعنى زمان الشك لأنّه فرد واحد و قد خرج بالتخصيص.

بل الخارج عن تحت عموم العام هو حالة من حالات الفرد لا نفس الفرد فمع خروج هذه الحالة لا يمكن التمسك لشمول العام لهذه الحالة من الفرد بالإطلاق الاحوالى و هى حالة كونه مئونة و لذا فى حال عدم كونه مئونة فالاطلاق الاحوالى يشمله و يكون الفرد فى هذه الحالة اعنى حالة عدم كونه مئونة باق تحت عموم العام و اطلاقه الاحوالى.

فعلى هذا يقال بمقتضى وجوب الخمس فى كل فائدة بوجوب الخمس فى هذا الشي ء الباقى فى راس تمام الحول.

أقول و يمكن ان يقال فى دفع هذا الا يراد بانّه و إن كان المبنى صحيحا و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 187

انّ لسان التخصيص.

ان كان خروج الفرد عن العام فلو شك بعد ذلك فى بقاء حكم المخصص أو عموم العام فليس المرجع عموم العام بل المرجع استصحاب حكم المخصص لعدم دخول ما صار خارجا عن العام تحت عموم العام حتى لو لم يجر فرضا استصحاب المخصص لا مجال للتمسك بعموم العام.

و ان كان لسانه لسان خروج حال من احوال الفرد لا نفس الفرد لا نفس الفرد بحيث يكون نفس الفرد داخلا تحت عموم العام و محكوما به و ما تصرّف فيه لاجل التخصيص هو فى الاطلاق الاحوالى المستتبع لعموم العام فلو شك فى زمان الثانى فى بقاء حكم الخاص أو كونه محكوما بحلم

العام يتمسك بالإطلاق الاحوالى المستتبع لعموم الفرد فهو محكوم بحكم العام و لا مجال لاستصحاب حكم المخصص حتى لو لم يمكن التمسك فرضا بعموم العام فلا مجال للتمسك باستصحاب حكم المخصص لتبدّل الموضوع لأنّ هذه الحالة غير الحالة السابقة.

فما قلنا هو مبنى المسألة فاذا عرفت ذلك نقول.

بانّه لا بد من ان نرى انّ لسان تخصيص المئونة عن عموم العام.

هل هو من قبيل القسم الأوّل حتى يكون المرجع فى زمان الشك هو عموم العام.

أو أنّه من قبيل القسم الثانى حتى يكون المرجع استصحاب حكم المخصّص.

فتقول بعونه تعالى انّ الظاهر من النصوص المتعرضة لاستثناء المئونة كون الخروج خروج الفرد بمعنى انّ العام وجوب الخمس فى كل ما يستفيده الانسان و له فردان فرد يبقى عنده و يدّخره و فرد يصرفه فى مئونته و مقتضى التخصيص المتصل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 188

اخراج المئونة عن عموم العام و بعد اخراج هذا الفرد إذا شك فى زمان الثانى فى ان الخارج باق يحكمه السابق و هو عدم الوجوب أم لا فالمرجع استصحاب عدم الوجوب و لا يكون عموم وجوب الخمس فى الارباح محكّما فى هذا الفرد لأنّه بعد فرض خروجه بالتخصيص عن عموم العام لا يمكن الرجوع الى العام فى تشخيص حكمه و الخارج لا يصير داخلا و لهذا لو فرض عدم امكان استصحاب حكم الخاص لا يمكن الرجوع الى العام لاثبات حكمه له.

فتكون النتيجة عدم وجوب الخمس فيما يبقى فى تمام السنة من المؤن الّتي كان النبأ على ابقائها لقضاء حوائجه حتى فيما لا يصير المحتاج إليها فى السنة اللاحقة أو السنين اللاحقة فضلا عما كان المحتاج إليها فى السنة أو السنين اللاحقة.

و على

هذا عرفت عدم الفرق بين صورة الاحتياج بما بقى فيما بعد و بين صورة عدم الحاجة فى عدم وجوب الخمس فى كليهما و مع ذلك الاحتياط فى كلتا الصورتين خصوصا صورة عدم الاحتياج به بعد ذلك يكون حسنا.

***

[مسئلة 68: إذا مات المكتسب فى اثناء الحول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 68: إذا مات المكتسب فى اثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المئونة فى باقيه فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة.

(1)

أقول لانتفاء موضوع المئونة بموته فالمرجع عموم وجوب الخمس.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 189

[مسئلة 69: إذا لم يحصل له ربح فى تلك السنة و حصل فى السنة اللاحقة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 69: إذا لم يحصل له ربح فى تلك السنة و حصل فى السنة اللاحقة لا يخرج مئونتها من ربح السنة اللاحقة.

(1)

أقول لأنّ المئونة المستثناة مئونة السنة فيستثنى من ربح كل سنة مئونة هذه السنة لا غيرها.

***

[مسئلة 70: مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 70: مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة فاذا استطاع فى اثناء حول حصول الربح و تمكن من المسير بان صادف سير الرفقة فى ذلك العام احتسب مخارجه من ربحه و أمّا إذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح فان بقيت الاستطاعة الى السنة الآتية وجب و الّا فلا و لو تمكّن و عصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحوط و لو حصلت الاستطاعة من ارباح سنين متعدد وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة و أمّا المقدار المتمم لها فى تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير و إذا لم يتمكن فكما سبق يجب اخراج خمسه.

(2)

أقول أمّا إذا استطاع فى اثناء الحول فلو تمكّن من المسير الى الحج احتسب مخارجه من.

ربح هذا الحول لعدّ مخارج الحج من المئونة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 190

و أمّا لو لم يتمكن من السير حتى انقضى العام يجب خمس ذلك الربح لعدم صرفه فى المئونة و الميزان فى المئونة المستثناة صرفها.

فان بقيت الاستطاعة الى السنة الآتية تجب عليه الحج و الّا فلا لأنّه على الفرض و إن حصلت الاستطاعة فى اثناء السنة السابقة و لكن لم يحصل شرطها و هو تمكن المسير الى الحج و فى السنة اللاحقة لم يكن على الفرض مستطيعا.

و ان تمكّن من المسير فى اثناء الحول الحاصل فيه الاستطاعة و لم يذهب عصيانا فلا

يحتسب مخارج الحج من المئونة لعدم صرف مخارج الحج فلم يصرف فى المئونة و المئونة المستثناة ما يصرفها لا مقدارها و لو لم يصرف اصلا و لهذا قال المؤلف رحمه اللّه و نحن اخترنا فى المسألة 65 بانّه لو قتّر على نفسه لم يحسب من المئونة و العجب من المؤلف رحمه اللّه فانّه مع قوله فى المسألة 65 بأنّ المناط فى المئونة ما يصرفها فعلا لا مقدارها فلو قتّر على نفسه لم يحسب له كيف قال هنا (و لو تمكّن و عصى حتى انقضى الحول فكذلك على الاحوط) بانّ الأحوط وجوب خمس المقدار الملحوظ لمخارج الحج بل المناسب ان يقول كما قلنا بانّه لا يحتسب من المئونة.

و لو حصلت الاستطاعة من ارباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة و أمّا المقدار المتمم لها فى تلك السنة فلا يجب خمسه اذا تمكن من المسير و يحج أمّا وجوب خمس ارباح سنين ماضية لعدم احتسابه من المئونة.

و أمّا المتمم فى تلك السنة الّتي حج فيها من الربح فلا يجب خمسه لعدّة من المئونة.

و لو لم يتمكن من السير أو تمكن و لم يسر و لم يحج فلا يحتسب مقدار مصارف الحج من المئونة لعدم صرفه فى المئونة و كذا مقدار المتمّم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 191

[مسئلة 71: اداء الدين من المئونة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 71: اداء الدين من المئونة إذا كان فى عام حصول الربح أو كان سابقا و لكن لم يتمكن من ادائه الى عام حصول الربح و إذا لم يؤد دينه حتى انقضى العام فالاحوط اخراج الخمس او لا و اداء الدين ممّا بقى و كذا الكلام فى النذر و الكفارات.

(1)

أقول اعلم انّ كلام

المؤلف رحمه اللّه ظاهر فى انّ الدين.

ان كان من عام حصول الربح فأداؤه من المئونة.

و ان كان سابقا من عام حصول الربح و لم يتمكّن من ادائه الى عام حصول الربح فهو من المئونة أيضا.

و ان لم يؤد دينه حتى انقضى العام فالاحوط اخراج الخمس أولا و اداء الدين ممّا بقى من الربح.

و الظاهر انّ مورد نظره فى الصورة الثالثة الّتي قال بانّ الأحوط اخراج الخمس أولا ثمّ اداء الدين من بقية الربح هو صورة كون الدين من العام السابق و متمكن من ادائه و لم يؤده و يريد ادائه فى العام الآخر من الربح الحاصل له فى هذا العام لأنّه جعل هذه الصورة مقابل الصورتين الاولتين.

و على كل حال أقول بانّ الدين.

تارة يكون لمئونة نفسه أو عياله مثل ان يقرض مبلغا لأنّ يشترى لنفسه دارا أو لباسا أو مأكولا أو مشروبا يحتاج إليه فما يأتى بالنظر هو عدّ هذا الدين من المئونة سواء كان من عام حصول الربح أو من قبله لأنّ اداء هذا القسم من مئونته عرفا.

و هل هذا القسم من الدين يعدّ من المئونة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 192

إذا كان سببه احتياجه إليه بحسب شانه اللائق و صرفه فيه أو يشمل حتى ما كان استد أنّه لصرفه فيما يعدّ سرفا و سفها و خارجا عن شانه اللائق به.

يحتمل شمولها له أيضا لأنّه و إن كان استدانته على خلاف شانه و لكن الحال محتاج إليه لأنّ ذمته مشغول به فيعد من المئونة.

لكن لقائل ان يقول أنّه اذا لم يكن مصرف الدين مصرفا يعد مئونة فكيف يعد دينه من المئونة فالاحوط بل الاقوى فى هذه الصورة اخراج الخمس أولا ثمّ

اداء دينه من الربح.

و تارة لا يكون الدين لمئونة نفسه أو عياله بل استدان.

امّا لتكثير راس المال.

و أمّا لما لا يحتاج إليه فى مئونته مثل ان استدان مبلغا و اشترى ضيعة لمجرد صيرورته صاحب الضيعة لا للاكتساب.

فهل يجب خمس الربح أولا ثمّ اداء الدين ممّا بقى من الربح او يعدّ هذا القسم من المئونة أقول أمّا ما استدانه لازدياد رأس المال فلا يحتسب من الربح بل الملحوظ عند تمام الحول ما يحسب الربح فى راس المال هو غير مقدار الدين سواء ادائه أو لم يؤده مثلا لو كان راس ماله عشرة توامين و استدان خمسة توامين لتكثير رأس المال فحصل له الربح فى رأس السنة و تمام الحول عشرة توامين فيوضع خمسة توامين و هى ما استدانه و لا يجب فيه الخمس بل يجب الخمس فى خمسة توامين الآخر.

و أمّا ما استدانه لا لتكثير راس المال و لا لمئونة نفسه أو عياله بل استدانه لاشتراء شي ء ليس المقصود من اشترائه التجارة و الاكتساب بل مجرد تحصيل مال مثلا اشترى ضيعة فالحقّ و الاقوى عدم استثناء المقدار الربح الحاصل فى اثناء السنة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 193

بعنوان المئونة بل كلما اشتراه من هذا الربح و صرفه من الربح فيه يصير من الربح الحاصل فى السنة فيجب تخميسه عند تمام الحول فاشتراه بعينه يصير فائدة و ربح هذه السنة و لو كانت قيمته اكثر من المبلغ الّذي اشتراه من الربح فى وسط السنة.

و أمّا النذر و الكفارات فهما من المئونة فلا يجب خمس ما صرفه فيهما من الربح لأنّ المئونة تشمل امثال النذر و الكفارات لانها ممّا هو المحتاج إليه فى تعيش

الشخص عرفا.

***

[مسئلة 72: متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 72: متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة تعلّق به الخمس و إن جاز له التأخير فى الاداء الى آخر السنة فليس تمام الحول شرطا فى وجوبه و انّما هو ارفاق بالمالك لاحتمال تجدّد مئونة اخرى زائدا على ما ظنه فلو اسرف أو اتلف ماله فى اثناء الحول لم يسقط الخمس و كذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة فى اثنائه.

(1)

أقول

الكلام فى المسألة يقع فى موارد:
المورد الاوّل: فى أنّه متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة

تعلق به الخمس و إن جاز له التأخير فى الاداء الى آخر السنة فعلى هذا لا يكون تمام الحول شرطا فى وجوب الخمس و هو المشهور.

نعم فى محكى السرائر انّ تعلق الوجوب بعد تمام السنة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 194

أقول اعلم انّ الاختلاف يرجع الى انّ.

اخراج المئونة شرط للوجوب فيكون اثره عدم وجوب الخمس قبل تمام الحول و اخراج المئونة.

أو أنّه شرط للواجب فالوجوب يكون فعليا بمجرد حصول الربح و إن كان زمان ادائه تمام الحول و اخراج المئونة.

فان وقع الكلام فيما يقتضيه القاعدة فالنزاع مبنى على كون القيد فى الواجب المشروط قيدا للهيئة فيكون المختار هو القول الأوّل و إن كان القيد قيدا للمادة اعنى الواجب فيكون المختار قول المشهور و هو القول الثانى.

و أمّا فى ما نحن فيه فاستدل على القول الأوّل و هو كون اخراج المئونة شرطا للوجوب بوجهين:

الوجه الأوّل: انّ الظاهر من النص و الفتوى هو كون الخمس بعد المئونة و الظاهر من البعدية كون الوجوب بعد مئونة السنة و هو يتوقف على مضى السنة.

الوجه الثانى: انّ المراد من المئونة على ما عرفت مئونة السنة و لا يعلم كمية مئونة السنة و كيفيتها الا بعد مضى السنة اذ ربما يتولد له

اولاد أو تزويج لنفسه أو لبعض اولاده أو مرض أو خراب داره أو تصادف سفر و غير ذلك و لا يوجب من اللّه تعالى شيئا الّا فيما فضل عن كل ذلك فمقتضى استثناء المئونة هو وجوب ما فضل عنها و هو لا يعلم الّا بعد مضى السنة و انقضاء الحول.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 10، ص: 194

و يرد على الوجه الأوّل انّ المحتمل من قوله عليه السّلام الخمس بعد المئونة ان كانت البعدية الزمانية بان يكون المراد وجوب الخمس بعد مضى زمان المئونة و هو السنة فيكون مجال لأن يقال بان الخمس ليس متعلقا للوجوب فى ربح الحاصل فى اثناء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 195

السنة الّا بعد مضى المئونة و هو بعد تمام الحول.

و أمّا ان كان المراد من البعدية هو التحديد اعنى تحديد الوجوب بغير المئونة و بعبارة اخرى ما هو متعلق الوجوب هو الربح الّذي لا يصرف فى المئونة فالوجوب يكون فعليا بمجرد حصول الربح بحيث يجب فعلا فيما زاد من المئونة الخمس.

و الظاهر هو الثانى.

و ما فى بعض العبائر فى تأييد الاحتمال الثانى.

بانّه و يبعّد الاحتمال الأوّل أنّه لو كان وجوب الخمس بعد مضى زمان المئونة و بعد مضى زمان المئونة و هو مضى الحول بحيث لا وجوب قبله كان اللازم تخميس جميع المال حتى المساوى لما صرفه فى المئونة لأنّه على هذا يجب الخمس على جميع الربح لكن بعد مضى زمان المئونة.

فيه بان الظاهر من الاخبار الدالة بان الخمس بعد المئونة هو الخمس فيما بقى

بعد المئونة فلا يجب الخمس فى المساوى لما صرفه فى المئونة.

و يرد على الوجه الثانى.

أوّلا بانّه لا يضر بالقول بوجوب الخمس بمجرد حصول الربح ما قلت من عدم العلم بالمئونة و كيفيتها و كميتها فلا يمكن الوجوب قبل المئونة بل يلزم تاخر الوجوب عن زمان صرف المئونة.

لأنّه يجوز ثبوت الحكم واقعا فى المقدار الزائد على المئونة فعلا و لو لم يعلم الشخص بمقداره.

و ثانيا لا يطرد هذا الوجه فيما يعلم الشخص بكيفية المئونة و كميتها.

و ما يمكن ان يستدل به على القول المشهور و هو القول الثانى اعنى وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 196

الخمس بمجرد حصول الربح و إن كان جاز له التأخير الى تمام السنة فيكون الوجوب فعليا و الواجب استقباليا.

هو وجهان:

الوجه الاوّل: اطلاق الآية الشريفة و بعض النصوص الواردة فى الخمس فان ظاهرهما وجوب الخمس بمجرد حصول الغنيمة او الفائدة.

الوجه الثاني: بعض النصوص المتعرضة لاستثناء المئونة.

مثل الرواية العاشرة من الروايات الّتي ذكرناها فى صدر المسألة و هى ما رواها احمد بن محمد عن ابن ابى نصر قال كتبت الى ابى جعفر عليه السّلام الخمس اخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة فكتب بعد المئونة) لأنّ من الواضح انّ السائل يعلم وجوب الخمس و انه يجب بمجرد حصول الربح و لكن لا يعلم زمان اخراجه فكتب عليه السّلام (بعد المئونة) اعنى يكون الاخراج و (بعبارة اخرى) زمان الواجب بعد صرف المئونة فيما بقى له بعد المئونة.

اللّهم إلّا أن يقال انّ هذا مبنى على كون المراد من قوله عليه السّلام بعد المئونة هو البعدية الزمانيّة فان كان هذا فلازمه كون زمان الوجوب حين انقضاء السنة و لم تقل به لما قلنا

من أنّ الظاهر منه هو التنويع و بعد كون ظاهره التنويع لا يصحّ الاستدلال به على كون زمان الوجوب زمان حصول الربح و لكن أقول بانّ ظاهر هذه الرواية هو كون زمان الاخراج بعد المئونة و لا يمكن حمله على التنويع لأنّ الإخراج يعنى زمان وجوب الرّد و أداء الواجب فلا يمكن حمله على التنويع لانّ كلما بقى بعد المئونة و يجب إخراج خمسه ليس الا شي ء واحد و هو الفاضل عن المئونة فلا بدّ ان يكون ظاهر البعدية فى خصوص هذه الرواية البعدية الزمانية.

و ذيل الرواية المفصلة الّتي ذكرناها فى المسألة الاولى الّتي بيناها فى طى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 197

البحث عن الخمس فى ارباح المكاسب.

و هى رواية على بن مهزيار عن ابى جعفر عليه السّلام (فاما الّذي أوجب من الضياع و الغلات فى كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف السدس و لا غير ذلك) «1» لأنّ ظاهر الكلام هو تنويع الربح بين ما يصرف فى المئونة فلا يجب فيه الخمس و بين ما لا يصرف فيها فيجب فيه الخمس و بعبارة اخرى يجب على الحاصل من الضيعة الخمس إذا كانت الضيعة تقوم بمئونته و الّا فلا و ليس الظاهر منها بعدية وجوب الخمس عن الزائد عن المئونة بعد مضى زمان المئونة.

إن قلت ظاهر رواية على بن محمد بن شجاع النيشابورى هو وجوب الخمس بعد مضى زمان المئونة لأنّ فيها وقّع عليه السّلام (الخمس ممّا يفضل من مئونته) و هذه الجملة تدلّ على ان الوجوب يتعلق بما يفضل من المئونة و ما يفضل ليس الا

ما بقى للشخص من الربح بعد مضى مئونته.

قلت أوّلا كما قلنا ليست الرواية حجة لعدم توثيق على بن محمد بن شجاع النيشابورى.

و ثانيا ظاهر هذه الرواية هو التنويع بمعنى انّ الربح قسم منه يصرف فى المئونة و قسم منه لا يصرف فى المئونة بل يصير فاضلا عن المئونة فالخمس يجب فى النوع الثانى.

و لا تتوهم بانّ قوله عليه السّلام (ممّا يفضل من مئونته) يدل على انّ الوجوب متعلق بما يفضل و لا يتحقق ما يفضل الّا بعد ما يصرف فى المئونة الى انقضاء الحول فما يبقى هو ما يفضل و الوجوب متعلق به فلا يكون موضوع للوجوب قبله لعدم وجود شي ء

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 198

يقال له أنّه يفضل من مئونته.

وجه عدم التوهم هو انّ ما يفضل محقّق فى عالم الثبوت و فى علم اللّه تعالى يكون قابلا لأنّ يصير مورد الوجوب دائما و فى صورة العلم بما يصرف فى المئونة كمية و كيفية عند المكلف لأنّه ربّما يعلم مقدار الزائد على المئونة حتى قبل صرف مقدار من الربح فى المئونة.

و ان ابيت عن ظهور الروايتين المتقدمتين فى كون وجوب الخمس حين حصول الربح و إن جاز التأخير الى آخر السنة فى ادائه.

نقول بانّه يكفى فى وجوب الخمس بمجرد حصول الربح اطلاق الآية الشريفة و بعض الروايات الواردة فى وجوب الخمس.

المورد الثاني: فى بيان الثمرة بين القولين

و هو أنه على القول بوجوب الخمس بمجرد حصول الربح و إن كان جاز تاخير ادائه الى آخر السنة لكن لو اسرف أو اتلف الربح الحاصل أو بعضه فى اثناء السنة لم يسقط الخمس بالنسبة الى

ما أسرف أو أتلف.

و أمّا على القول بعدم وجوب الخمس الى آخر السنة و يجب آخر السنة لا يجب خمس ما اسرف او اتلف و إن فعل حراما لاسرافه أو اتلافه لعدم وجوبه قبل ذلك.

و كذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة.

فقال المؤلف رحمه اللّه يجب خمسه على القول الأوّل و لا يجب على الثانى.

لكن فى صورة الهبة يجب خمسه فى خصوص ما لا يكون لائقا بحاله بحيث يعد سرفا و سفها و الا فلا يجب خمسه حتى على القول الأوّل لعدها من المئونة كما عرفت فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 199

المسألة 61.

المورد الثالث: بعد فرض تعلق الوجوب بمجرد حصول الربح

بمعنى وجوب الخمس بمجرد حصوله و لا يكون تمام الحول شرطا فى وجوب الخمس و لكن يجوز له التأخير الى آخر السنة ارفاقا على المالك لاحتمال تجدد مئونة اخرى زائدا على ما ظنه.

يقع الكلام فى وجه جواز تاخير الخمس الى تمام الحول فنقول.

أوّلا بعد ما عرفت فى وجه تعلق الوجوب بمجرد حصول الربح من انّ ظاهر قوله عليه السّلام الخمس بعد المئونة هو التنويع فنوع من الربح لا يجب فيه الخمس و هو ما يصرف فى المئونة و نوع منه يجب فيه الخمس و هو ما يبقى من الربح الى انقضاء الحول فحيث أنّه لا يعلم الشخص انّ اىّ مقدار من الربح يصرف فى المئونة و اىّ مقدار منه يبقى عند انقضاء الحول يجوز له التأخير الى ان يعلم ما يشتغل ذمته به.

و ثانيا يدل على جواز التأخير رواية ابن ابى نصر المتقدمة ذكرها عند الاستدلال على تعلق الوجوب بحصول الربح لأنّ فيها سئل السائل الخمس اخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة فكتب بعد المئونة) لأنّ مفادها

جواز اخراجه بعد المئونة و هو انقضاء الحول.

و لكن هذا مبنى على كون المراد البعدية الزمانية و هو خلاف ما قلنا من انّ الظاهر من كون الخمس بعد المئونة هو التنويع و لهذا قلنا بانّ الخمس يجب بحصول الربح و بعد كون ظاهرها التنويع فلا يصحّ الاستدلال بالرواية على جواز التأخير الى انقضاء الحول و قد أجبنا عن هذا الاشكال عند الكلام للاستدلال بالرواية لكون انقضاء السنة زمان الاخراج و الوجوب كان قبل ذلك و هو زمان حصول الربح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 200

فتدل الرواية على كون زمان الاخراج حين انقضاء السنة.

***

[مسئلة 73: لو تلف بعض امواله ممّا ليس من مال التجارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 73: لو تلف بعض امواله ممّا ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك لم يجبر بالربح و إن كان فى عامه اذ ليس محسوبا من المئونة.

(1)

أقول ما يمكن ان يقال فى وجه جبره بالربح الحاصل فى عامه.

امّا ما اشار إليه المؤلف رحمه اللّه من توهم عدّه من المئونة فكما قال رحمه اللّه لا يعدّ ما تلف أو سرق أو نحو ذلك ممّا ليس من مال التجارة من المئونة.

نعم ربما يحتاج الى مثل ما تلف أو سرق لمئونته مثلا سرق لباسه و هو يحتاج فى الحال فى اثناء الحول الى اللباس فما يصرف فى لباسه الّذي يلبسه يعدّ من مئونة هذه السنة لكن ليس هذا جبر ما تلف بالربح الحاصل فى عامه.

و أمّا انّ المقدار الربح الحاصل فى قبال ما تلف أو سرق لا يعدّ فائدة عرفا.

و فيه انّ هذا مجرد الادعاء بل العرف يعدّ ما حصل له من الربح فائدة تلف عنه شي ء أو اشياء اخر او لا.

***

[مسئلة 74: لو كان له راس مال و فرقه فى انواع من التجارة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 74: لو كان له راس مال و فرقه فى انواع من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 201

التجارة فتلف راس المال أو بعضه من نوع منها فالاحوط عدم جبره بربح تجارة اخرى بل و كذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح اخرى لكن الجبر لا يخلو عن قوة خصوصا فى الخسارة نعم لو كان له تجارة و زراعة مثلا فخسر فى تجارته أو تلف راس ماله فيها فعدم الجبر لا يخلو عن قوّة خصوصا فى صورة التلف و كذا العكس و أمّا التجارة الواحدة فلو تلف بعض راس المال فيها و ربح الباقى فالاقوى الجبر و كذا

فى الخسران و الربح فى عام واحد فى وقتين سواء تقدم الربح أو الخسران فانّه يجبر الخسران بالربح.

(1)

أقول راس المال و هو ما يعبّر عنه بالفارسية (سرمايه) قد يبقى للشخص الى آخر السنة.

و قد يفنى بتمامه أو ببعضه و فنائه.

قد يكون بالتلف مثل ما سرق بعض راس المال أو تمامه.

و قد يكون بالخسران فيه.

و فى كل من الصورتين يقع الكلام فى انّه هل يجبر ما تلف أو خسر من راس المال بربح آخر أو لا.

فنقول انّ فى المسألة صورتان:

الصورة الاولى: فيما لو تلف راس المال بتمامه أو ببعضه فهل يجير بربح آخر او لا و فيها مسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 202

المسألة الاولى: فيما لو تلف بعض راس المال فى تجارة فى سنة

فهل يجبر بربح آخر حاصل في هذه التجارة فى طول هذه السنة أم لا مثلا يكون تجارته لبيع و شراء للصوف فخسر فى بيع و شراء و ذهب مثلا خمس راس ماله فى هذه التجارة ثمّ بعد ذلك ربح فى بيع و شراء فهل يجير الخسران الحاصل فى المعاملة الاولى بربح حاصل فى المعاملة الثانية مع فرض كون تجارته تجارة واحدة أم لا.

المسألة الثانية: الصورة بحالها

و لكن الكلام فى أنّه هل يجبر ما تلف فى تجارة بربح تجارة اخرى أو لا مثلا خسر فى تجارة الصوف و له تجارة اخرى فى الحنطة فهل يجبر التلف الحاصل فى تجارة الصوف بذهاب راس ماله فيها بتمامه أو ببعضه فى هذه السنة بالربح الحاصل له فى تجارة الحنطة فى هذه السنة او لا.

المسألة الثالثة: الصورة بحالها

لكن الكلام فى أنّه لو كان له راس مال فى تجارة مثلا تجارة الصوف فتلف رأس ماله فيها فى سنته فهل يجبر بالربح الحاصل فى هذه السنة من الزراعة أو تلف راس ماله فى الزراعة هل يجبر بالربح الحاصل من تجارته أو لا.

أقول اشكال فى الصورة الاولى يكون مشترك الورود مع الصورة الثانية و هو أنّه مع ذهاب بعض راس المال أو كله لا تصدق الفائدة بما حصل من الربح فى معاملة اخرى أو تجارة اخرى أو زراعة اخرى يأتى الكلام فيه ان شاء اللّه فى الصورة الثانية.

و اشكال اخر فى خصوص ما إذا تلف بعض راس المال أو كله من معاملة أو تجارة هل يجبر ما تلف بالربح الحاصل فى معاملة اخرى أو تجارة اخرى أو زراعة و بعبارة اخرى بالربح الحاصل فى نفس التجارة او الزراعة أو نوعها أو حتى من غير نوعها أو لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 203

و هذا الاشكال هو انّ المعاملات فى الغالب مبنية على الخسران و من شئوناتها فالفائدة تلاحظ عند العرف بعد جبر الخسارة الواردة و لا يقال لمن خسر فى تجارة بمجرد ربحه فى تجارة اخرى و لو لم يجبر خسارته الحاصلة بانّه استفاد فى تجارته و حصل له الفائدة.

و لكن المعاملات ليست فى الغالب مبنية على

التلف و من شئوناتها و لهذا لو تلف بعض راس ماله فى تجارة و ربح فى تجارة اخرى يقال عرفا أنّه استفاد فى تجارته و لو تلف بعض راس ماله لعدم كون التلف مثل الخسران من شئونات التجارة.

و لكن يمكن دفع هذا الاشكال.

أولا بان التلف مثل الخسران من شئونات التجارة و ما يترتب عليها اذ كما ربّما يخسر الشخص فى تجارته ربما يتلف راس المال فى الطرق فى البحر أو البر بالسرقة و بغيرها.

و ثانيا لو فرض عدم كون التلف من شئون التجارة و لكن من يكون مشتغلا فى التجارة سواء كان مشتغلا بتجارة واحدة أو تجارة متعدّدة بل او تجارة و زراعة فتلف بعض راس ماله فى بعض معاملاته أو تجاراته و حصل الربح فى معاملة اخرى أو تجارة اخرى أو زراعة و كان مثلا ما يربح بقدر ما تلف عنه فلا يقال استفاد و حصل له الفائدة فى تجاراته بل يلاحظ العرف المجموع من حيث المجموع من تلفاته فى راس ماله و خساراته و فوائده فان حصل له الربح اكثر ممّا كان بيده من راس المال فيقال عرفا بحصول الفائدة فى اكتساباته و الّا فلا.

نعم الاحتياط بعدم الجبر مع ذلك يكون حسنا.

الصورة الثانية: لو خسر فى تجارة هل يجير بربح تجارة اخرى او لا اعلم انّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 204

لهذه الصورة صور نذكرها فى مسائل:

المسألة الاولى: لو كان للشخص تجارة فخسر فى معاملة فهل يجبر خسارتها بربح معاملة اخرى من هذه السنة او لا.

المسألة الثانية: لو كان له انواع من التجارات فخسر فى بعضها و ربح فى بعضها الاخر فهل تجبر خسارة الحاصلة فى بعضها بالربح الحاصل

فى هذه السنة من بعضها الآخر او لا.

المسألة الثالثة: لو كان له تجارة و زراعة فخسر فى تجارته و ربح فى زراعته أو بالعكس فهل تجبر الخسارة الحاصلة فى هذه السنة فى احداهما بالربح الحاصل فى هذه السنة من الاخرى او لا.

أقول اعلم انّ وجه اختيار عدم الجبر مطلقا فى جميع هذه الصور أو فى بعضها أو التوقف و الاحتياط.

أو القول بجبر الخسارة الحاصلة فى معاملة أو تجارة بغيرها مطلقا هو صدق الفائدة على الربح الحاصل فى السنة من معاملة أو تجارة أو زراعة و إن خسر فى غيرها و عدم صدق الفائدة.

فمن يقول بعدم مطلقا الجبر أو فى بعض الصور يقول بصدق الفائدة الحاصلة من الاكتساب على الربح الحاصل و إن خسر فى غير هذه المعاملة أو التجارة أو الزراعة.

و من يقول بجبر الخسران بالربح الحاصل فى اثناء السنة من تجارة يدعى عدم صدق الفائدة عرفا فى التجارة مع فرض خسرانه فى غير هذه التجارة بل يلاحظ فى صدق الفائدة الحاصلة من الاكتساب المجموع من حيث المجموع من التجارات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 205

و المعاملات فاذا مضى الحول و مضى مئونته و بقى راس ماله و حصل له الربح يجب اخراج الخمس و الّا فلا.

و ما يأتى بالنظر هو الاحتمال الثانى فى جميع الصور الثلاثة و إن كان الامر فى الصورة الاولى اظهر من حيث صدق العرفى من الثانية و كذا الثانية من الثالثة.

و مع هذا لا يخفى انّ الاحتياط بعدم الجبر حسن مطلقا حتى فى المسألة الاولى.

و فيما قلنا من جبر الخسارة و كذا التلف فى راس المال من تجارة فى سنة بالربح الحاصل من تجارة أو زراعة

اخرى من هذه السنة لا فرق فى كون الخسارة فى تجارة و الربح فى اخرى فى وقت واحد من السنة أو فى وقتين من هذه السنة لعدم صدق الفائدة فى الاكتساب فى المقدار المقابل للخسارة الحاصلة فى تجارة فى هذه السنة.

***

[مسئلة 75: الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 75: الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين و يتخير المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقدا أو جنسا و لا يجوز له التصرف فى العين قبل اداء الخمس و إن ضمنه فى ذمته و لو اتلفه بعد استقراره ضمنه و لو اتجر به قبل اخراج الخمس كانت المعاملة فضولية بالنسبة الى مقدار الخمس فان أمضاه الحاكم الشرعى اخذ العوض و الّا رجع بالعين بمقدار الخمس ان كانت موجودة و بقيمته ان كانت تالفة و يتخير فى اخذ القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الّذي اخذها و اتلفها هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح و أمّا إذا كانت فى الذمة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 206

و دفها عوضا فهى صحيحة و لكن لم تبرأ ذمته بمقدار الخمس و يرجع الحاكم به ان كانت العين موجودة و بقيمته ان كانت تالفة مخيرا حينئذ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضا.

(1)

أقول الكلام فى المسألة يقع فى طى مسائل:

المسألة الاولى: هل الخمس بجميع اقسامه السبعة يتعلق بالعين او لا.

امّا بحسب الفتوى فلا يرى مخالف فى كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

و أمّا بحسب الدليل.

ففى غنيمة دار الحرب الّتي هى مورد المتيقن من الايد الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ الخ فظاهرها تعلقه بالعين كما انّه بناء شمول الغنيمة لغير غنيمة دار الحرب من الاقسام المذكورة فيها الخمس يكون كذلك لانّ كلّها غنيمة كما ينادى بذلك استشهاد المعصوم عليه السّلام بالآية الشريفة فى بعض الاقسام مثل الكنز.

كما فى الرواية 3 من الباب 5 و مثل ما ورد فى ارباح المكاسب كما فى الرواية 5 من الباب 8

من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل فتشمل الآية لكل ما يعدّ غنيمة و فائدة حاصلة من احد هذه الاقسام كما هو مقتضى اطلاق الآية الشريفة فكل هذه الاقسام تشملها الآية بإطلاقها و بعد شمولها له فلا بد من القول بتعلق الخمس فى كل الاقسام بالعين لظهور الآية الشريفة فى ذلك.

و مع قطع النظر عن الآية الشريفة فالنصوص الواردة فى وجوب الخمس فى الاقسام السبعة المذكورة و إن كان بعضها ساكتة عن هذا الحيث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 207

لكن بعضها الآخر يدل على ما هو ظاهره على تعلق الخمس بالعين و لم اجد فى الاخبار ما يدل على خلافه راجع الاخبار المربوطة بالمقام.

المسألة الثانية: هل يتخير المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر

نقدا أو جنسا أو لا يستدل على التخيير بوجوه.

الوجه الأوّل: بعض الروايات:

اولها: ما رواها الحرث بن حصيرة الازدى قال وجد رجل ركازا على عهد امير المؤمنين عليه السّلام فاتباعه ابى منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع فلامته امى و قالت اخذت هذه بثلاثمائة شاة اولادها مائة و انفسها مائة و ما فى بطونها مائة قال فندم ابى فانطلق ليستقيله فابى عليه الرجل فقال خذ منى عشر شياة خذ منى عشرين شاة فاعياه فاخذ ابى الركاز و اخرج منه قيمة الف شاة فاتاه الآخر فقال خذ غنمك و اتني ما شئت فابى فعالجه فاعياه فقال لاضرنّ بك فاستعدى امير المؤمنين عليه السّلام على ابى فلمّا قصّ ابى على امير المؤمنين عليه السّلام أمره قال لصاحب الركاز ادّ خمس ما اخذت فان الخمس عليك فانك انت الّذي وجدت الركاز و ليس على الآخر شي ء لأنّه انّما اخذ ثمن غنمه «1».

وجه الاستدلال امر الامام عليه السّلام باداء خمس ما

اخذ واجد الركاز و هو قيمة الركاز و ثمنه فلو لم يتخير واجد الركاز و مالكه بين دفع خمس العين أو دفع قيمته لما امر عليه السلام باداء خمس قيمة الركاز عليه.

و هذه الرواية كما ترى وردت فى الركاز فان كان المراد منه ما يرادف الكنز فغاية ما تدلّ عليه هو جواز بيع العين المتعلق به الخمس و دفع خمسه من قيمتها فلا يمكن التمسك بها على التخيير بين دفع خمس العين أو دفع قيمتها فى جميع انواع ما

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 208

يجب فيه الخمس الا بدعوى الغاء الخصوصية.

و لا مجال للإشكال فى هذه الرواية بانّ غاية ما تدلّ عليه هو جواز بيع العين المتعلق به الخمس فى اثناء السنة و أمّا بعد تمام الحول و السنة و هو الّذي محل الكلام فلا تدلّ الرواية لا على جواز بيعه و لا على تخييره بين دفع الخمس عن العين أو قيمتها.

لأنّ المئونة المتعلقة بالكنز هى مئونة الاخراج و أمّا مئونة السنة فلا دليل على استثنائها.

و يحتمل ان يكون الامر من امير المؤمنين عليه السّلام باداء خمس ما اخذ قيمة عن الركاز هو امضائه عليه السّلام المعاملة الواقعة فضوليا لأنّه ولى الخمس.

فلا يدل على جواز ذلك و تخيير صاحب المال مطلقا بين اداء خمس العين أو قيمته و الا لو كان فى مقام بيان الفتوى كان المناسب ان يامر بالتخيير بين اداء خمس العين أو قيمته لا وجوب ادائه من القيمة كما هو ظاهر الرواية.

و يدفع هذا لاحتمال أن الظاهر كون الأمر بأداء القيمة على واجد الركاز بيان

الحكم و الفتوى لا للإمضاء و اجازة أخذ الخمس من القيمة و أما ما ذكر من أنّه إن كان عليه السّلام فى مقام بيان الفتوى كان المناسب ان يتخير المالك بين خمس العين و القيمة لا ان يتعيّن من القيمة.

ففيه أنّ أمره عليه السّلام باداء الخمس من القيمة تكون لأجل بيع العين و وجود القيمة و حيث إن القيمة أحد فردى التخير امر بأداء الخمس من القيمة.

و على فرض استفادة التخيير فالتعدّى من المورد الى سائر انواع الواجب فيه الخمس مشكل مضافا الى انّ محمد بن يعقوب يروي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبى عبد اللّه عن أبيه عمن حدثه عن عمرو بن أبى المقدم عمن حدثه عن الحرث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 209

بن حصيرة الازدى و لا ندرى من حدث أبيه من هو فالسند ضعيف.

ثانيها: الرواية السابقة ذكرها و هى ما رواها الريان بن الصلت قال كتبت الى ابى محمد عليه السّلام ما الّذي يجب عليّ يا مولاى فى غلة رحى أرض فى قطيعة لى و فى ثمن سمك و بردى و قصب ابيعه من اجمة هذه القطيعة فكتب يجب عليك فيه الخمس ان شاء اللّه تعالى «1».

وجه الاستدلال انّ من جملة اسئلته السؤال عن ثمن سمك و بردى و قصب باعه فكتب يجب عليك فيه الخمس فالمستفاد من الرواية هو تخيير المالك بين اداء الخمس عن العين أو عن قيمته و لو لم يكتف خمس القيمة لما يجوز اداء الخمس من ثمن السمك و ما باعه.

و استشكل على الرواية بعدم ربطها بما نحن فيه لأنّ ما اجاز بيعه و اداء الخمس عن القيمة هو فى اثناء

السنة و هذا لا ينافى مع عدم جواز الخمس عن قيمة العين المتعلق بها الخمس فى آخر السنة و بعد استقرار وجوب الخمس فلا تدلّ الرواية على التخيير بين اداء خمس العين أو قيمتها فى آخر الحول.

ثالثها: ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام.

و فيها قال و عن الرجل يكون فى داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انّما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس فكتب أمّا ما اكل فلا و أمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع «2».

نقلنا الرواية بتمامها فى صدر عنوان السابع ممّا يجب فيه الخمس.

وجه الاستدلال بها مبين من الرواية الثانية.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 8 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 210

و الاشكال فيها هو الاشكال الّذي اورد على الثانية.

الوجه الثاني: ما حكى عن العلامة رحمه اللّه فى باب الحاق زكاة الانعام بزكاة النقدين فى جواز دفع القيمة بما لو تمّ يقال به فى الخمس أيضا و هو انّ المقصود من تشريع الزكاة دفع الخلة و رفع الحاجة حيث انّ الزكاة شرعت جبرا للفقراء و معونة لهم و ربما كانت القيمة انفع فى بعض الاحيان لهم.

فكذلك يقال فى الخمس بانّ المقصود من تشريعه رفع حوائج ارباب الخمس فى قبال ما شرّع لغيرهم من الفقراء من الصدقات و قد يحصل رفع حاجتهم بقيمة ما تعلّق به الخمس بل تكون القيمة انفع بحالهم فيتخير المالك بين دفع خمس العين أو القيمة.

ففيه أمّا أوّلا فما فى بعض النصوص المستفاد منه كون تشريع الزكاة

لاجل رفع حوائج الفقراء يكون حكمة لا علة.

و ثانيا التعدى من مورد الزكاة الى الخمس لا وجه له.

و ثالثا على فرض كون ذلك علة جارية فى الخمس فليس لازمه تخيير المالك بين دفع الخمس من العين أو القيمة لأنّ ذلك يحصل بكون الامر راجعا الى ارباب الخمس الذين تعلق خمس العين بهم فان كان صلاحهم فى القيمة فهم باختيارهم يأخذون القيمة عن المالك و لا يلزم ان يكون الاختيار بيد المالك.

الوجه الثالث: دعوى السيرة على تخيير المالك بين دفع الخمس من العين و بين دفع القيمة.

و فيه انّ السيرة المستمرة من زماننا الى زمان المعصوم حجة و تحقق هذه السيرة غير معلوم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 211

فلا يبقى وجه للقول بالتخيير.

نعم كما يرى نسب القول بالتخيير الى مذهب الاصحاب من المحقق الخوانساري رحمه اللّه و لا يذكر مخالف له و هذا المقدار لا يكفى للافتاء بالتخيير على ما يخطر ببالى فتأمل.

ثمّ أنّه على فرض تخيير المالك بين دفع الخمس من العين و القيمة من مال آخر هل يكون التخيير منحصرا بما يكون ما يدفع قيمة نقدا مثلا يعطى الخمس من الدرهم أو الدينار.

او يكفى و لو كانت القيمة جنسا مثلا تكون العين المتعلق به الخمس فرشا فيعطى المالك قيمة الخمس من الحنطة أو لا يكتفى به.

وجه الاختصاص هو كون المتقن من الوجوه المذكورة كون القيمة الواقعة احدى فردى التخيير ما كانت القيمة نقدا.

و ان كان لاحتمال عدم الاختصاص بما كانت القيمة نقدا وجه لعدم كون الخصوصية النقدية دخيلا فى الحكم فتأمّل.

المسألة الثالثة: هل يجوز للمالك التصرف فى العين قبل اداء الخمس او لا

يجوز ذلك و إن ضمن الخمس فى ذمّته.

أقول بعد ما عرفت من انّ الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين فلا يجوز

للمالك التصرف فى العين قبل اداء الخمس لكون العين متعلقا بأرباب الخمس أيضا.

و هل يجوز له التصرف فى العين لو ضمن الخمس فى ذمّته أو لا الحق عدم الجواز لعدم دليل يقتضي انتقال الخمس من العين الى ذمة المالك بمجرد ضمانه.

المسألة الرابعة: لو اتلف العين كلّها أو بعضها بعد استقرار الخمس

ضمن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 212

الخمس لأنّ من اتلف مال الغير فهو له ضامن.

المسألة الخامسة: لو اتّجر المالك بالعين قبل اخراج الخمس

فله صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا اتّجر بالعين و كانت المعاملة بعين الربح و بعبارة اخرى تكون المعاملة شخصية لا كلية فعلى هذا تكون المعاملة بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليا لكون هذا المقدار من الغير فالمعاملة بالنسبة إليه فضولية.

فقال المؤلف رحمه اللّه فان امضى المعاملة الحاكم الشرعى يأخذ العوض.

أقول و ما افاد رحمه اللّه من انّ الحاكم يأخذ العوض ان امضى المعاملة.

صحيح ان قلنا بكون ما يستحقه ارباب الخمس نفس العين فياخذ الحاكم العوض بنسبة الخمس.

و أمّا لو كان الخمس حقا فى العين فإمضاء الحاكم لا يوجب ملك العوض و لا ثبوت حق فى العين لأنّ العين فى هذه الصورة ملك للمالك.

نعم يمكن ان يصالح حقه بمقدار من العين.

و وجه قول المؤلف رحمه اللّه بان الحاكم يأخذ العوض بنسبة الخمس ان امضى المعاملة يكون لما اختاره من كون شركة ارباب الخمس مع المالك على وجه الكلى فى المعين كما يأتى منه إن شاء اللّه فى المسألة 76.

هذا إذا كان الحاكم امضى المعاملة.

و أمّا لو لم يمضها يرجع بالعين بمقدار الخمس ان كانت موجودة لأنّ خمس العين لارباب الخمس على القول بالشركة و متعلق لحقهم على القول الآخر.

و قال المؤلف رحمه اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 213

و يرجع بقيمة العين ان كانت العين تالفة.

أقول هذا إذا لم تكن العين مثليا أو فقد المثل و الّا فيرجع الى مثل العين ان كانت مثليا و بقيمتها ان كانت قيميا أو لا يوجد مثلها.

و يتخير فى مقام اخذ القيمة أو الرجوع الى المثل بين الرجوع الى المالك

أو على الطرف المقابل الّذي اخذها و اتلفها بمقتضى قاعدة اليد.

أقول بل لو تلف العين فى يد احدهما له ان يأخذ القيمة أو المثل فيما كان الضمان لمثل العين التالفة من كل واحد منهما لكون الضمان بسبب اليد و لا فرق فى ضمانه باليد بين الاتلاف و التلف.

الصورة الثانية: ما إذا اتجر بالعين المتعلق بها الخمس و كانت المعاملة فى الذمة بمعنى كون المعاملة كليا مثلا باع منات معينة من الحنطة و فى مقام الاداء ادّى من الحنطة المتعلقة للخمس ففى هذه الصورة تكون المعاملة صحيحة لكن لم تبرأ ذمته بالمشترى بمقدار الخمس لأنّ ما اداه من الخمس كان للغير أو متعلقا لحقه.

و فى هذه الصورة يرجع الحاكم بالعين ان كانت موجودة و بمثلها أو قيمتها ان كانت تالفة مخيّرا حينئذ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضا.

***

[مسئلة 76: يجوز له ان يتصرف فى بعض الربح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 76: يجوز له ان يتصرف فى بعض الربح ما دام مقدار الخمس.

منه باقيا فى يده مع قصد اخراجه من البقية اذ شركة ارباب الخمس مع المالك انّما هى على وجه الكلى فى المعين كما انّ الامر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 214

فى الزكاة أيضا كذلك و قد مرّ فى بابها.

(1)

أقول من جملة المباحث المبحوثة فى الخمس هى فى نحوة شركة ارباب الخمس فى العين المتعلق به الخمس و أنّها.

هل تكون على سبيل الاشاعة الّتي تكون الشركة فى كل جزء جزء من العين بين المالك و ارباب الخمس.

و اثر كون الشركة على نحو الاشاعة هو انّه لا يجوز للمالك التصرف فى جزء من اجزاء العين بغير اذن ارباب الخمس.

أو على سبيل الكلى فى المعين بمعنى انّ حقّ ارباب الخمس من العين المتعلق

به الخمس الكلى القابل للانطباق على كل واحد من الاخماس الخمسة فى العين.

و اثره جواز تصرّف المالك فى بعض العين ما دام مقدار الخمس منه باقيا مع كون قصده اخراج الخمس من الباقى.

او على نحو تعلق الحق بالعين كحق الرهانة مثلا الّذي يكون اثره عدم جواز النقل و الانتقال بدون اذن المرتهن لأنّ لازم هذا الحق حصول علقة بسبب عقد الرهن بين المرتهن و العين المرهونة لكون العين المرهونة مخرجا لدين المرتهن فلا يجوز النقل و انتقال العين بدون اذنه.

أو يكون على نحو تعلق بعض الحقوق الاخر الّذي يكون له اثر أو آثار خاص بالعين مثل حق الجناية.

أو يكون تعلق الخمس بالذمة محضا و لا تعلق له اصلا بعين الربح و اثره صحة بيع العين من المالك لكونه على هذا ملك طلقه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 215

أقول بنحو الاختصار بانّ ما يأتى بالنظر عاجلا هو كون تعلق الخمس بنحو الشركة اشاعة بمعنى كون خمس كل جزء جزء من العين من ارباب الخمس مثل كون كل جزء جزء من المالك بقدر سهمه.

كما هو مقتضى ظاهر الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ الخ.

فانّ المستفاد من الآية الشريفة و اللّه اعلم هو كون خمس ما غنمتم للّه و للرسول و لذى القربى الخ.

فان قوله (للّه) يدلّ على اختصاص خمس الشي ء الحاصل بالغنيمة للّه و للرسول و لذى القربى (الخ).

و أمّا الاخبار فلم اجد فيما بايدينا منها ما يستظهر منه كون تعلق الخمس بغير نحو الشركة.

بل الاخبار بعضها و ان فرض أنّه قابل للحمل على كون الخمس حقّا متعلّقا بالعين كذلك قابل للحمل على الشركة

و بعضها و إن لم يكن ظاهرا فى كون التعلق بنحو الشركة لكن ليس ظاهرا فى غيرها من المحتملات فيشكل بعض الروايات الّتي جعل الموضوع أى العين المتعلقة للخمس طرفا للخمس مثل ما رواها عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول (فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس) و غير هذه الرواية فهذه الرواية و امثالها قابلة الحمل لكون التعلق بنحو الشركة أو على نحو الكلى فى المعين أو على نحو تعلق الحق بالعين فلم اجد ما يكون ظاهره كون التعلق بغير الشركة على نحو الاشاعة بين الروايات حتّى يعارض ظاهر الآية الشريفة فاذا نقول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 216

الأقوى كون التعلق بنحو الشركة و إن الخمس كسر مشاع من العين فلا يجوز للمالك التصرف فى عين الربح فى جزء من أجزائها بدون إذن أرباب الخمس بعد انقضاء السنة و امّا فى ابتداء السنة أو فى اثناء السنة فيأتى حكمه فى المسألة الآتية ان شاء اللّه تعالى.

***

[مسئلة 77: إذا حصل الربح فى ابتداء السنة أو فى اثنائها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 77: إذا حصل الربح فى ابتداء السنة أو فى اثنائها فلا مانع من التصرف فيه بالاتّجار و إن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأوّل منه لارباب الخمس بخلاف ما إذا اتجر بعد تمام الحول فانه ان حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لاربابه مضافا الى اصل الخمس فيخرجهما أولا ثمّ يخرج خمس بقيته ان زادت على مئونة السنة.

(1)

أقول إذا حصل للتاجر الربح فى ابتداء السنة أو فى اثنائها مثلا ربح ستّمائة دينار فصرف مائة منها فى مئونته و

بقى خمسمائة دينار و خمس خمسمائة يكون مائة دينار فتارة يعزل مائة دينار و يؤدى بأرباب الخمس بناء على جواز التعجيل و ان جاز التأخير الى آخر الحول.

و تارة يتّجر معه اعنى مع الربح الّذي تعلق به الخمس لوجوبه بحصول الربح على ما عرفت سابقا فى المسألة 72.

فهنا كلام فى جواز الاتّجار بهذا الربح الّذي صار مورد وجوب الخمس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 217

و كلام آخر فى أنّه بعد جواز الاتجار لو حصل ربح.

هل يكون ما ربح من الربح الأوّل لارباب الخمس فى حصتهم أو لا.

مثلا فى المثال المتقدم بعد ما كان الربح بعد المئونة المصروفة خمسمائة دينار و على الفرض وجب الخمس فيه و هو مائة دينار فلو اتجر مع هذا اى مع خمسمائة دينار فربح خمسمائة دينار اخرى.

فهل يكون خمس الربح الحاصل من خمسمائة لارباب الخمس اضافة على الخمس فيكون لارباب الخمس مائتين و ثمانين دينارا مائة خمس الربح و مائة للربح الحاصل من الربح الأوّل و ثمانين دينارا لما بقى من حاصل الربح لأنّه بقى للمالك من الربح الثانى بعد وضع ربح ارباب الخمس أربعمائة دينار و خمسه يكون ثمانين دينارا أولا.

بل الواجب عليه ليس الّا مائتين دينار مائة للربح الأوّل و مائة للربح الثانى لأنّ مجموعهما كان الف دينار و خمسها يكون مائتين دينارا و لا يشترك ارباب الخمس فى الربح الأوّل قولان اختار المؤلف رحمه اللّه القول الثانى.

اعلم ان هذا النزاع يجرى على القول بكون ارباب الخمس شريكا فى عين الربح الحاصل من المكاسب و غيرها ممّا يتعلق به الخمس و امّا ان كان الخمس حقّا فى العين فلا يكون مقدار الخمس ملكا لارباب الخمس حتى

يكون شريكا فى عين الربح.

أقول أمّا الكلام فى جواز الاتّجار بالربح الحاصل قبل انقضاء الحول سواء كان ابتدائه او فى اثنائه فهو من المسلمات.

و يدل عليه بعض الروايات المستدلة بها على جواز اداء قيمة عين الربح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 218

نقدا أو جنسا و لا يتعين ادائه من نفس العين عند انقضاء السنة مثل رواية الريان بن الصلت.

و أمّا الكلام فى أنّه بعد الاتجار بالربح الحاصل.

هل يكون الربح الحاصل من اتجار الربح فى اثناء السنة كله للمالك و إن كان يجب عليه خمس مجموع الارباح الحاصلة له بعد المئونة عند انقضاء السنة و الحول.

أو يكون خمس الربح الحاصل من الربح لارباب الخمس مثلا بناء على القول بكون نحو تعلق الخمس بعين الربح بنحو الشركة يكون صاحب الخمس شريكا فى الربح الحاصل من الربح بقدر حصته.

أقول الظاهر كون الربح المبحوث فى المقام للمالك و لا يكون لارباب الخمس شي ء حتى بقدر حصتهم من الربح لأنّ المستفاد من مجموع ما يدل على انّ الخمس فى ارباح المكاسب و إن ادائه بعد المئونة اعنى مئونة السنة و إن خسران تجارة أو تلفه على ما قلنا فى المسألة 74 يجبر بربح تجارة اخرى فى عرض طول السنة بالربح الحاصل و عدم جوازه بعد انقضاء السنة على القول بالشركة فى نحو تعلق الخمس يكشف من مجموع ذلك انّ المجموع من الربح فى السنة يلاحظ مع راس المال فان زاد عند انقضاء السنة عن راس المال و حصل ربح يجب خمسه و لا يلاحظ كل ربح ربح مستقلا حتى يقال ان كل ربح حصل فخمسه حيث يكون لارباب الخمس يكون ربحه لهم أيضا بل يلاحظ مجموع

الربح فى آخر السنة بعد ما صرف منه فى المئونة يخرج الخمس من فاضل المئونة الزائدة عن راس المال.

و هذا بخلاف ما إذا اتجر بالربح بعد تمام الحول فانه إذا حصل ربح من الربح الفاضل من المئونة فى آخر السنة كان ما يقابل الخمس من الربح لارباب الخمس مضافا الى اصل الخمس بالتفصيل المتقدم فى المسألة 75 لأنّه بانقضاء السنة استقر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 219

الخمس و صار خمس الربح على القول بالشركة و هو قول المختار ملكا لارباب الخمس.

***

[مسئلة 78: ليس للمالك ان ينقل الخمس الى ذمته ثمّ التصرف فيه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 78: ليس للمالك ان ينقل الخمس الى ذمته ثمّ التصرف فيه كما اشرنا إليه نعم يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم و حينئذ فيجوز له التصرف فيه و لا حصة له من الربح اذا اتجر و لو فرض تجدد مؤن له فى اثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح.

(1)

أقول اما عدم جواز نقل الخمس الى الذمة فلعدم دليل عليه كما قلنا سابقا مع كونه متعلقا بالعين.

و لا يجوز التصرف فيه كما اشرنا بناء على الشركة.

و أمّا جواز التصرف بالمصالحة مع الحاكم فمع كونه مصلحة نقول به و مع المصلحة بجوز التصرف فيه.

و لا حصة لارباب الخمس اذا اتجر به بعد المصالحة.

و لو فرض تجدّد مؤن له فى اثناء الحول على وجه لا يقوم به الربح انكشف فساد الصلح لعدم العوض للصلح فى هذه الصورة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 220

[مسئلة 79: يجوز له تعجيل اخراج خمس الربح]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 79: يجوز له تعجيل اخراج خمس الربح اذا حصل فى اثناء السنة و لا يجب التأخير الى آخرها فانّ التأخير من باب الارفاق كما مر و حينئذ فلو اخرجه بعد تقدير المئونة بما يظنه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها كشف ذلك عن عدم صحته خمسا فله الرجوع به على المستحق مع بقاء عينه لا مع تلفها فى يده الا إذا كان عالما بالحال فانّ الظاهر ضمانه حينئذ.

(1)

أقول فى المسألة مسئلتان:

المسألة الاولى: يجوز للشخص تعجيل اخراج خمس الربح

إذا حصل فى اثناء السنة و لا يجب التأخير الى آخرها فانّ التأخير من باب الارفاق كما مر فى المسألة 72.

المسألة الثانية: بعد فرض جواز تعجيل اخراج خمس الربح الحاصل فى اثناء السنة

لو اخرج الخمس بعد تقدير المئونة بما يظنّه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها يكشف ذلك عن عدم صحة ما اداه بعنوان الخمس خمسا.

فتارة يكون عين ما اعطاه بالمستحق خمسا باق عند المستحق فله الرجوع إليها لأنّه على الفرض لم يكن الخمس فى عهدته قد يقال بعدم جواز الرجوع الى المستحق حتى مع بقاء العين عنده بانّ جواز الرجوع مبنى على كون الظنّ و التخمين فى أول ظهور الربح بالمئونة مأخوذا على نحو الطريقية و بعد ظهور كشف الخلاف بعدم وجوب المقدار المظنون واجبا عليه لكون مئونته أكثر ممّا ظنّ عند حصول الربح يكشف عن عدم طريقية الطريق فيجوز له الرجوع بما أعطاه بالمستحق مع بقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 221

عينه و امّا ان كان الظن و التخمين له الموضوعية بمعنى موضوعية الظنّ بوجوب مقدار المظنون فلا يجوز له أخذ ما أعطاه بالمستحق و لو كان عينه باق.

و فيه أنّه لا وجه لكون الظنّ بالمئونة مأخوذا موضوعا بل الظاهر من الأخبار المصرحة باستثناء المئونة هو اختصاص وجوب الخمس بما يزيد عن المئونة واقعا و على الفرض بعد كشف كون المئونة أكثر ممّا ظنّه أولا لا يكون ما أعطاه من فاصل المئونة واقعا فيجوز له أخذه مع بقاء عينه.

و تارة تلف عين ما اعطاه خمسا عند المستحق.

فان لم يكن المستحق عالما بالحال اعنى بانّه لا يكون الخمس واجبا على المعطى فلا يضمن العين التالفة فى يده لعدم كون يده على العين يدا عادية و صار

مغرور أو المغرور يرجع الى من عزّ.

و أمّا ان كان المستحق عالما بالحال بان يعلم حين اخذ ما اخذ أنّه لا يجب عليه الخمس لعلمه بحاله و إنّ مئونته اكثر ممّا ظنه بحيث لا يكون مديونا بهذا المقدار من الخمس و مع علمه بالحال اخذه فهل يكون ضامنا بعد كشف عدم كون المعطى مديونا بالخمس او لا يكون ضامنا.

لا يبعد الضمان لأنّ اليد الغير المضمونة كل يد استولت على المال بسبب شرعى و فى المورد ليس كذلك.

***

[مسئلة 80: اذا اشترى بالخمس قبل اخراج الخمس جارية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 80: اذا اشترى بالخمس قبل اخراج الخمس جارية لا يجوز له وطؤها كما أنّه لو اشترى به ثوبا لا يجوز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 222

الصلاة فيه و لو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصح و هكذا نعم لو بقى منه بمقدار الخمس فى يده و كان قاصدا لإخراجه منه جاز و صح كما مر نظيره.

(1)

أقول لا بد و إن يكون فرض الكلام فيما انقضت السنة التجارة فى كل ما يستقر الخمس فيه بانقضاء الحول و السنة و الّا فان كان فى اثناء الحول فلا اشكال فى التصرف فى الربح الحاصل بالتجارة أو بصرفها فى المئونة.

و بعد ذلك نقول بانّه.

تارة تكون المعاملة كليا بان يشترى الجارية أو الماء أو غيرهما بثمن كلى ثمّ فى مقام الوفاء يؤدى الثمن من العين المتعلقة للخمس فحيث أنّه صحت المعاملة و إن كان مديونا بمقدار ما ادى من الخمس بالبايع يصحّ تصرفاته فى البيع من الجارية و الماء غيرهما.

و تارة تكون المعاملة شخصيا بان يجعل الثمن العين الشخصية المتعلقة للخمس فتكون المعاملة بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليا و لا يجوز التصرف فى البيع فقد

ظهر ممّا بينا ان كلامه رحمه اللّه ليس تماما بإطلاقه بل لا بد من التفصيل بين كون المعاملة كليا فتصح التصرفات فى البيع و بين كونها شخصيا فلا تصح التصرفات فى المبيع الّا ان يقال ان نظره رحمه اللّه الى القسم الثانى لأنّ قوله إذا اشترى بالخمس جارية ظاهر فى كون الثمن شخصيا.

كما ان ما افاده رحمه اللّه فى آخر المسألة من قوله (نعم لو بقى منه بمقدار الخمس فى يده و كان قاصدا لاخراجه منه جاز و صح).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 223

مبنى على ما اختاره فى المسألة 76 من كون شركة ارباب الخمس مع مالك انّما هو على وجه الكلى فى المعين و أمّا على ما اخترنا من كونه على نحو الاشاعة فلا يجوز و لا يصح.

***

[مسئلة 81: قد مرّ انّ مصارف الحج الواجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 81: قد مرّ انّ مصارف الحج الواجب إذا استطاع فى عام الربح و تمكن من المسير من مئونة تلك السنة و كذا مصارف الحج المندوب و الزيارات و الظاهر انّ المدار على وقت إنشاء السفر فان كان انشائه فى عام الربح فمصارفه من مئونته ذهابا و ايابا و إن تمّ الحول فى اثناء السفر فلا يجب اخراج خمس ما صرفه فى العام الآخر فى الاياب أو مع المقصد و بعض الذهاب.

(1)

أقول الاقوى التفصيل فانّ من يسافر سفرا للحج أو الزيارة و ينقضى حوله فى اثناء سفره.

تارة يصرف مصارفا للسفر قبل انقضاء الحول مثلا يشترى دابة للسفر ذهابا و ايابا او يخرج اجرة السيارة أو الطيارة بحسب المعمول للذهاب و الاياب قبل انقضاء السنة و الحول و إن كان بعض ذلك للاياب الّذي هو بعد انقضاء الحول فلا اشكال ظاهرا

فى عده من مئونة السنة الّتي ينشأ السفر فيها عرفا لأنّ البناء على ذلك فيعدّ من مئونة سنته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 224

و تارة لا يكون كذلك مثل مخارج كل يوم يوم فى سفره أو اجرة البيت و غير ذلك.

فهل يعدّ هذه المصارف من مئونة سنة انشأ فيها السفر و إن كانت هذه المصارف تصرف بعضها بعد انقضاء سنته اعنى فى السنة اللاحقة أولا.

بل يعدّ كلما يصرف بعد انقضاء سنة انشا فيها السفر من مئونة السنة اللاحقة.

استشكل بعض الأعاظم المحشّين رحمه اللّه فى عد القسم الثانى من مئونة السنة الّتي إنشاء فيها السفر.

أقول و لا يبعد عدّه من مئونتها عرفا لأنّ من يسافر بحسب المتعارف يتهيأ وسائل السفر و مخارجه قبل الشروع فى السفر و يعدّ كل هذه المصارف من مئونة السنة الواقعة فيها السفر و قد إنشاء فيها السفر و لكن الأحوط عدم الالحاق.

***

[مسئلة 82: لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا له]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 82: لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا له كفاه اخراج خمسها أولا و لا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد اخراج مئونة سنته.

(1)

أقول منشأ توهم وجوب خمس آخر من باب ربح الكسب على من جعل الغوص أو المعدن مكسبا هو اطلاق النصوص الواردة فى ارباح المكاسب فيقال ان من عمل فى المعدن و اخرج شيئا و إن ادّى خمسه لكن بعد مضى سنته يجب عليه خمس ربح كسبه لأنّه من المكاسب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 225

و ما يمكن ان يقال جوابا عنه وجوه:

الوجه الاوّل: انّ كل شي ء من الاشياء السبعة المتعلقة للخمس بمقتضى النصوص جعل فى قبال شي ء آخر فما يجب فيه الخمس مثلا يكون المعدن

محكوما باحكام خاصة أو الغوص فهو أيضا محكوما باحكام خاصة أو ارباح المكاسب فهى أيضا محكوما باحكام خاصة فكل واحد منها فى قبال الآخر فلا يمكن ان يكون كل واحد منها مصداقا من مصاديق الآخر و محكوما بحكمه.

و فيه أنّه لا يستفاد من النصوص الّا وجوب الخمس فى هذه الاشياء ففى شي ء يخرج من المعدن خمس باعتبار كونه معدنا و فى الكنز خمس باعتبار كونه كنزا و هكذا كما يقتضي ذلك مناسبة الحكم و الموضوع و هذا لا ينافى تعلق الخمس بهذا الشي ء باعتبار آخر و هو كونه غنيمة و استفادة حاصلة من الاكتساب لشمول الاكتساب كل كسب و من جملته كون الغوص أو المعدن مكسبه فلا تعارض بينهما و لا بين الدليل الدال على كون كل من الاشياء المجعولة فيها الخمس.

الوجه الثاني: ان يقال انّ الخمس الواجب فى الغوص أو المعدن يكون خمس الفوائد المكتسبة لا شي ء آخر و ان اختصا بالذكر و لهما بعض الاحكام الخاصة من اعتبار النصاب مثلا أو عدم استثناء مئونة السنة فيهما فيكون الخمس الواجب فيها هو الخمس الواجب فى ارباح المكاسب فليس فيهما خمس آخر حتى يقع الكلام فى وجوب خمس ارباح المكاسب فيهما و عدمه بل الواجب خمس واحد و هو خمس ارباح المكاسب فلا يبقى موضع لهذا البحث راسا.

و فيه أولا انّ المعدن و الغوص ان كان كل واحد منهما مكسبا فلا يكون ظاهر الاخبار المتعرضة للغوص و لوجوب الخمس فيه كون الخمس لاجل كونه مكسبا و لهذا لا يرى تعرض من هذا الحيث فى الاخبار الدالة على الخمس فيه و لا فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 226

ارباح المكاسب ذكر منه.

بل

الظاهر كون نفس المعدن ممّا يجب فيه الخمس و لو لم يكن مكسبا و لهذا لو اتفق مرة واحدة اخراج شي ء بالغوص أو المعدن يجب الخمس عليه و مناسبة الحكم و الموضوع كما قلنا يقضى ذلك.

و ثانيا لو فرض حصوله بغير الاكتساب فلا بد ان نقول بعدم الخمس مثل ما ارتمس فى الماء لتحصيل شي ء من البحر فاتفق وضع يده بلؤلؤ مثلا فاخرجه من البحر فلا بد ان تقول بعدم وجوب الخمس فيه لعدم حصوله بالاكتساب و الحال انّه لم تقل بذلك.

الوجه الثالث: بعض الروايات المطلقة منها ما رواها الحسن بن شعبة فى تحف العقول عن الرضا عليه السّلام فى كتابه الى المامون قال و الخمس من جميع المال مرة واحدة «1».

و فيه أوّلا انّ الرواية ضعيفة السند لكونها مرسلة.

و ثانيا الظاهر من الرواية هو ان الخمس فى كل ما يتعلق به مرة واحدة مثلا لو كان حاصل الربح فلا يجب الخمس فيه الّا مرة واحدة لا انّه لو وجب لسبب لا يجب بسبب آخر.

و أمّا روى على ما فى المستمسك (انه لا يتنافى صدقة) فعلى فرض وجود رواية بهذا المضمون أو قريب منه و كان مقتضى الحجية موجودا فيها فشمولها للخمس غير معلوم بل معلوم العدم لعدم كون الخمس من الصدقات.

أقول و ما يأتى بالنظر عدم وجوب خمس بعنوان ارباح المكاسب على

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 227

ما خرج من المعدن أو بالغوص غير خمس واحد مضى الكلام فيها و فيما يتعلق بهما من الاحكام عند تعرض وجوب الخمس فيهما.

بان الظاهر بل الصريح من الروايات الواردة فى

ارباح المكاسب هو ان المراد منها هو المكاسب المتعارضة من التجارات و الصناعات و الزراعات الّتي يتعارف التكسب بهما فيجب الخمس فى الفوائد الحاصلة منها و ليس النظر فيها الى الفوائد الحاصلة من المعدن أو الغوص أو الكنز فمن كان شغله استخراج المعدن أو يكون غواصا أو يكون حفارا يحفر الأرض بداعى استخراج الكنز بل كما يظهر من عنوانهم فى الشرع مستقلا و جعل بعض الاحكام الخاصة لها كونها فى قبال ساير الاكتسابات مع فرض كونها كسبا و حرفة فالخمس الواجب فيها بعنوان المعدن او الغوص أو الكنز يكون ظاهرا بملاك حصول الفائدة من هذا السبيل فلا يبقى مجال لأنّ يجب على عامله و لا على المستفيد منه خمسا آخرا بعنوان ارباح المكاسب و لعل نظر من يقول بانّه من الفوائد المكتسبة هو الى هذا.

و على كل حال لا فرق بين ان يجعل كسب المعدن أو الغوص من افراد ارباح المكاسب كما بينا فى الوجه الثانى أو كان كسبا فى قبال المكاسب المتعارضة المرادة فى ارباح المكاسب فى عدم وجوب خمس آخر فى المعدن و الغوص إذا كانا كسبا.

بل ما يأتى بالنظر هو كون الشاغل فى استخراج المعدن أو الغوص كون ذلك كسبه و إن اشتغل به مرة واحدة و يعد ما يخرجه بعد ما كان بداعى استخراج المعدن أو الغوص أنّه من كسبه و إن ما يحصل له من الفوائد المكتسبة و له بعض الاحكام الخاصة فلا وجه لوجوب خمس آخر عليه بعنوان الفوائد المكتسبة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 228

[مسئلة 83: المرأة الّتي تكتسب فى بيت زوجها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 83: المرأة الّتي تكتسب فى بيت زوجها و يتحمّل زوجها مئونتها يجب عليها خمس ما حصل لها من

غير اعتبار اخراج المئونة اذ هى على زوجها الا ان لا يتحمّل.

(1)

أقول بعد ما عرفت فى المسألة 65 انّ الميزان فى استثناء المئونة هو ما صرف فى المئونة لا مقدارها فلو قتر على نفسه أو تبرع متبرع بها أو اداها من وجبت عليه مثل الزوجة الّتي ينفقها زوجها يجب على المرأة خمس ما تكتسب بدون استثناء المئونة نعم لو لم يتمكن زوجها من الانفاق أو تمكّن و لا ينفقها عصيانا فاحتاجت المرأة الى صرف المئونة فلا يجب خمس ما اكتسبت الا بعد المئونة.

***

[مسئلة 84: الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 84: الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية فى الكنز و الغوص و المعدن و الحلال المختلط بالحرام و الأرض الّتي يشتريها الذمى من المسلم فيتعلق بها الخمس و يجب على الولى و السيد اخراجه و فى تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل اشكال و الأحوط اخراجه بعد بلوغه.

(2)

أقول اما عدم اشتراط التكليف فلم ار فيما وقفت قولا على اشتراطه فى الخمسة المذكورة قبل ارباح المكاسب و ما يمكن ان يستدل به على الخمسة غير الأرض الّتي اشتراها الذمى ما رواها عمّار بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 229

فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس «1» لأنّ الرواية تدلّ على انّ فيما يخرج من المعادن (الخ) الخمس سواء كان المخرج أو من بيده الحلال المختلط بالحرام مكلفا أو لا و هذا تقتضى اطلاق الرواية غاية الامر إذا كان المخرج صبيا يجب اداء الخمس على وليه.

و بالنسبة الى ارباح المكاسب ما رواها سماعة قال سألت أبا لحسن عليه

السّلام عن الخمس فقال فى كل ما افاد الناس من قليل أو كثير «2».

و أمّا فى الأرض الّتي اشتراها الذمى فقد يقال بعدم وجوبه على الصبى بان ظاهر بعض الروايات المتعرضة لوجوب الخمس فيها مثل قوله عليه السّلام فى رواية ابى عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ايّما ذمى اشترى من مسلم أرضا فان عليه الخمس «3» هو اعتبار التكليف لأنّ قوله عليه السّلام (عليه الخمس) يعنى على عهدته الخمس لا يناسب الا على من يكون مكلفا لعدم صحة الزام الصبى و جعل العهدة عليه.

لكن يمكن ان يقال فى جواب ذلك بان لفظة على يستعمل فى مطلق الاستقرار مثل قولك زيد على السطح.

أقول و إن تمّ هذا ليست نتيجته الا كون الرواية ذى احتمالين و هذا لا يكفى دليلا على عدم اشتراط التكليف.

الّا ان يدعى العلم بعدم الفرق بين ما يجب فيه الخمس من افراده من هذا الحيث فاذا لا يكون التكليف شرطا فى غيرها نقول فيها أيضا.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 8 من ابواب المذكورة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب المذكورة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 230

و أمّا الحريّة فان قلنا بانّ العبد لا يملك شيئا و إنّ العبد و ما يقع تحت يده فهو لمولاه فلا يجب عليه شي ء لأنّه لا يستفيد شيئا بل يجب على مولاه.

و ان قلنا بانّه يملكه فيجب عليه الخمس لاطلاق الادلة و الحمد له أولا و آخرا و الصلاة و السلام على رسوله و آله لا سيما امام العصر روحى فداه و اللعن

على اعدائهم و قد فرغت من بحث الخمس و تدريسه و كتابته الى هنا فى اليوم التاسع عشر من شهر رجب المرجب من شهور 1400 قمرى و انا اقل خدمة اهل العلم على الصافى الكلبايكاني ابن العلامة الشيخ محمد جواد اعلى اللّه مقامه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 231

فصل: فى قسمة الخمس و مستحقّه

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 233

قوله رحمه اللّه

فصل فى قسمة الخمس و مستحقّه

[مسئلة 1: يقسم الخمس ستة اسهم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يقسم الخمس ستة اسهم على الاصحّ سهم للّه سبحانه و سهم للنبى صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سهم للإمام عليه السّلام (و هذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان ارواحنا له الفداء و عجل اللّه تعالى فرجه و ثلاثة للايتام و المساكين و ابناء السبيل و يشترط فى الثلاثة الاخيرة الايمان و فى الايتام الفقر و فى ابناء السبيل الحاجة فى بلد التسليم و إن كان غنيا فى بلده و لا فرق بين ان يكون سفره فى طاعة أو معصية و لا يعتبر فى المستحقين العدالة و إن كان الاولى ملاحظة المرجحات و الاولى ان لا يعطى لمرتكبى الكبائر خصوصا مع التجاهر بل يقوى عدم الجواز إذا كان فى الدفع اعانة على الإثم و لا سيما إذا كان فى المنع الردع عنه و مستضعف كل فرقة ملحق بها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 234

(1)

أقول الكلام فى المسألة يقع فى موارد نذكرها لك بعونه تعالى إن شاء اللّه.

المورد الأوّل: يقسّم الخمس ستة اسهم

كما هو المنسوب الى المشهور أو الى معظم الاصحاب أو الى الاصحاب أو جميعهم أو للاجماع أو من دين الامامية و هى سهم للّه سبحانه و سهم للنبى صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سهم للامام عليه السّلام و ثلاثة اسهم للايتام و المساكين و ابناء السبيل من اهل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالتفصيل الّتي يأتى ان شاء اللّه تعالى.

و يدل عليه ظاهر الكتاب الكريم وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ الخ «1».

و بعض الروايات منها ما رواها زكريا

بن مالك الجعفى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن قول اللّه تعالى و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل فقال أمّا خمس اللّه عزّ و جل فللرسول يضعه فى سبيل اللّه و أمّا خمس الرسول فلاقاربه و خمس ذوى القربى فهم اقربائه و حدها و اليتامى يتامى اهل بيته فجعل هذه الاربعة اسهم فيهم و أمّا المساكين و ابن السبيل فقد عرفت انا لا ناكل الصدقة و لا تحلّ لنا فهى للمساكين و ابناء السبيل «2».

و غيرها راجع الباب الأوّل من ابواب قسمة الخمس من الوسائل و غيرها من كتب الحديث.

و قيل يقسم الخمس خمسة اسهم بحذف سهم اللّه تعالى و ربما نسب هذا القول الى ابن الجنيد.

و ما يمكن ان يكون وجها لهذا القول وجهان:

______________________________

(1) سورة الأنفال، الآية 41.

(2) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 235

الوجه الأوّل: انّ ذكر اللّه سبحانه كان تعظيما له و لبيان انّ جميع الامور ينتسب إليه و يامر به و ينهى عنه حتّى انّ رمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عدّ فى القرآن الكريم رميه تعالى حيث قال عزّ من قال و ما رميت اذ رميت و لكن اللّه رمى الخ لا ان جعل له سهما من الخمس فى قبال ساير الاسهم.

و فيه انّ هذا و إن كان محتملا لكن الظاهر من الآية الشريفة و بعض الاخبار منها الرواية المتقدمة هو كون سهم له تعالى فى قبال ساير الاسهم.

الوجه الثاني: ما رواها ربعى بن عبد

اللّه بن الجارود عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا اتاه المغنم اخذ صفوه و كان ذلك له ثمّ يقسم ما بقى خمسة اخماس و يأخذ خمسه ثمّ يقسم أربعة اخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثمّ قسم الخمس الّذي اخذه خمسة اخماس يأخذ خمس اللّه لنفسه ثمّ يقسم الاربعة اخماس بين ذوى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل يعطى كل واحد منهم حقا و كذلك الإمام يأخذ كما يأخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم «1».

وجه الاستدلال قوله عليه السّلام (ثمّ يقسّم الخمس الّذي اخذه خمسة اقسام).

و فيه أولا كما فى الوسائل حكى عن الشيخ رحمه اللّه أنّه حمل الحديث على ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قنع بما دون حقّه ليتوفر على المستحقين.

و ثانيا حمل الحديث على التقية لأنّ التقسيم بخمسة اسهام مذهب العامة.

و ثالثا انّ الحديث ينقل فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بتقسيمه الخمس خمسة اسهام فاخذ خمس اللّه عز و جل لنفسه و هذا لا يدل على ان الخمس حكمه تقسيمه خمسة اسهام بل فى مقام العمل يأخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم سهم اللّه تعالى.

و لم يأخذ سهم نفسه و جعله فى ساير السهام و لعل ذلك كان لاجل اخذه

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 236

صفو المال و لهذا لم يأخذ سهمه و قسمه خمسة اسهم و هذا لا يدل على كون تشريع الخمس خمسة اسهام.

و رابعا على فرض التعارض بين هذه

الرواية و بعض الرواية الدالة على كون الخمس ستة اسهم لا بد من الاخذ بالطائفة الدالة على تقسيم الخمس ستة اسهم لأنّ الشهرة المرجحة سواء كانت الشهرة الفتوائية أو الروائية مع هذه الطائفة فافهم.

المورد الثاني: سهم اللّه تعالى و سهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم

و سهم الامام عليه السّلام يكون الآن لصاحب الزمان ارواحنا له الفداء و عجل اللّه تعالى فرجه الشريف.

و يدل عليه بعض الاخبار.

منها ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر عن الرضا عليه السّلام قال سئل عن قول اللّه تعالى و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى فقيل له فما كان للّه فلمن فقال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو للامام الحديث «1».

و يدل عليه مرسلة ابن بكير «2» و مرسلة حماد «3» و غيرهما راجع الباب 1 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

المورد الثالث: و ثلاثة اسهم للايتام و المساكين و ابناء السبيل

من اهل البيت كما هو مقتضى الظاهر الآية الشريفة و يدل عليه بعض الاخبار.

منها ما رواها ذكريا بن مالك الجعفى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام اخرجناها فى المورد الأوّل من الموارد الّتي ذكرناها فى هذه المسألة و غيرها من الروايات راجع الباب الأوّل من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 1 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 1 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 237

المورد الرابع: يشترط فى الثلاثة الاخيرة

الايتام و المساكين و ابناء السبيل الايمان.

أقول أمّا اشتراط الايمان فى الايتام الغير البالغين فيكفى ايمان اشرف ابويهم و يضر عدم ايمانه فكان المناسب جعل الشرط لاشرف ابويهم لا لنفسهم.

و على كل حال يستدل على اعتبار شرط الايمان فيهم بامور:

الاول: الاجماع.

و فيه انّ الاجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السّلام غير معلوم و لعل ايفاقهم على تقدير وقوعه كان لاحد الوجوه الاخر.

الثاني: قاعدة الاشتغال بدعوى أنّه بعد اشتغال الذمة بالخمس يشك فى حصول البراءة باعطائه بمن لم يكن مؤمنا من احدى الطوائف الثلاثة و عدمه فمقتضى وجوب البراءة اليقينية هو اعطائه بالمؤمنين منهم لأنّ مقتضى الاشتغال اليقينى البراءة اليقينية.

و فيه أنّه بعد كون الشك فى الاقل و الاكثر الارتباطى مجرى اصالة البراءة كما حقّقناه فى الاصول فلا تصل النوبة بقاعدة الاشتغال بل يكون مجرى البراءة و نتيجتها الاكتفاء باعطائه بغير المؤمن.

الثالث: كون جعل الخمس لهم عوضا عن الزكاة المجعولة لغير السادات فكما يعتبر فى مستحق الزكاة الايمان كذلك فى السادة.

و فيه انّ مجرد جعل الخمس لهم عوضا عن الزكاة المجعولة لغيرهم لا يدل على

اعتبار كل ما اعتبر فى الزكاة فى الخمس.

الرابع: دلالة بعض الروايات على كون جعل الخمس للسادة كرامة لهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 238

مثل ما رواها حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح (يعنى موسى بن جعفر عليه السّلام) و فيها و انّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين الناس و ابناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و كرامة لهم عن اوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن ان يصيرهم فى موضع الذل و المسكنة الخ «1».

و فيه انّ الظاهر من الكرامة الّتي اعطاهم اللّه هى اختصاصهم بالخمس و عدم جعلهم كفقراء غيرهم و تنزيهم عن اوساخ الناس و انّما الكلام فى ان هذه الكرامة هل تختص بالمؤمنين منهم أو يشمل غير المؤمنين من السادة.

الّا ان يقال بان غير المؤمن لا تستحق الكرامة و الشرافة و الاختصاص فعلى هذا يستفاد من الرواية اعتبار الايمان و لا يبعد ذلك فاوجه الوجوه هو هذا الوجه.

المورد الخامس: هل يعتبر فى الايتام من السادة الفقر او لا

الظاهر اعتباره كما يظهر من بعض الروايات من كون جعل سهم لهم لرفع حاجتهم و استغنائهم عن الناس و تنزيها لهم عن الذل و المسكنة كما فى رواية حماد المتقدمة ذكر بعض.

فقراتها فى الوجه الرابع راجع الباب الأوّل من ابواب قسمة الخمس من الوسائل ج 6.

و مرفوعة احمد بن محمد «2».

و أمّا التمسك على اشتراط الفقر فى الايتام بقاعدة الاشتغال فغير تمام لأنّ المورد من صغريات الشك بين الاقل و الاكثر الارتباطى و الحق فيه البراءة.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 1 من ابواب قسمة الخمس من

الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 239

و قد يقال كما حكى عن السرائر و المبسوط بعدم اعتبار الفقر فى الايتام و ما يمكن ان يكون وجهه.

امّا للتقابل بين الايتام و المساكين فى آية الخمس لقوله عزّ من قائل فى الآية (و اليتامى و المساكين) و هذا شاهد على انّ الايتام طائفة فى قبال المساكين فهم غير الفقراء.

و امّا لضعف سند رواية حماد لارسالها و رواية احمد بن محمد لكونها مرفوعة.

و يجاب عن الأوّل بان التقابل بين الايتام و بين المساكين ليس لاعتبار الفقر فى المساكين و عدم اعتباره فى الايتام بل لاجل البلوغ و عدم البلوغ و فقد الأب.

و عن الثانى بجبر ضعف السند فى الخيرين باستناد المشهور بهما.

أقول بعد ما لا يتم الدليل المتمسك به على اعتبار الفقر فى الايتام لضعف سند الخبرين و عدم معلومية جبر ضعف سندها باستناد المشهور بهما و الاشكال فى جبر ضعف السند بمجرد مطابقة عمل المشهور مع متن الحديث.

فلو لم نقل بعدم اشتراط الفقر الظاهر الآية لأنّ الظاهر كون التقابل فى الآية بين الايتام و المساكين من باب اعتبار الفقر فى الثانى و عدم اعتباره فى الأوّل و لم نقل بانّه مع الشك فى الاشتراط يكون مقتضى البراءة عدم الاشتراط.

فلا اقلّ من عدم وجه للافتاء بالاشتراط بل نقول بانّ الأحوط اشتراط الفقر فى اليتامى.

المورد السادس: يشترط فى ابن السبيل من السادة الحاجة فى بلد التسليم

و ان كان غنيّا فى بلده.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 240

امّا احتياجه فى بلد التسليم فواضح لأنّ مع عدم الحاجة لا يطلق عليه ابن السبيل لأنّ المتبادر منه هو المحتاج فى سفره لنفاد نفقته او موت

راحلته أو غير ذلك و لا ينافى احتياجه فى سفره مع غنائه فى بلده و ما ينبغى ان يتكلم فيه فى المقام امران:

الاوّل: هل يعتبر فى ابن السبيل العدالة او لا.

لا دليل على اعتبارها و مع الشك المرجع البراءة.

نعم ربما يستشكل اعطاء الخمس بابن السبيل المتجاهر بالفسق أو مرتكب الكبيرة و لو لم يتجاهر به أو بمن يصرفه فى معصية اللّه تعالى لعدم جواز اعانتهم خصوصا فيما يوجب منعه عنه ردعه عن المعصية و عدم رضى اللّه تعالى حتما بصرف الخمس فى معصيته فى صورة العلم بصرفه فى المعصية فلا يعطى بهم.

الثاني: هل يعتبر فى ابن السبيل ان يكون سفره فى طاعة كالحج و الزيارة و طلب العلم أو لا يجب كون سفره فى طاعة بل لا يجوز إذا كان سفره فى المعصية فلا يضر اعطائه بمن يكون فى السفر المباح فصار ابن السبيل.

أقول لا وجه للاعتبار كون سفره فى طاعة.

نعم يمكن ان يقال بعدم اعطائه بمن كان سفره فى المعصية و هو الأحوط.

المورد السابع: كما لا يعتبر العدالة فى ابن السبيل لا يعتبر ذلك فى غيره

من الاصناف لعدم الدليل نعم الاولى ملاحظة المرجحات و الاحوط عدم الاعطاء بمرتكبى الكبائر و خصوصا مع التجاهر بل يقوى عدم الجواز إذا كان فى الدفع اعانة على الاثم و خصوصيا فيما يوجب عدم الإعطاء به ردعه عن المعصية.

المورد الثامن: هل المستضعف من كل صنف من هذه الاصناف الثلاثة يلحق بها او لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 241

أقول ان كان المراد من المستضعف من لا يقدر على حفظ ماله كالسفيه فمع واجديته للشرائط لا بد من اعطائه بوليه كى يصرفه فى حوائجه على طبق المصلحة.

***

[مسئلة 2: لا يجب البسط على الاصناف]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا يجب البسط على الاصناف بل يجوز دفع تمامه الى احدهم و كذا لا يجب استيعاب افراد كل صنف بل يجوز الاقتصار على واحد و لو اراد البسط لا يجب التساوى بين الاصناف أو الافراد.

(1)

أقول فى المسألة مسئلتان:

الاولى: بعد ما كان مصرف ثلاثة اسهم من الخمس للايتام و المساكين و ابناء السبيل فهل يجب بسط هذه الاسهم الثلاثة على الاصناف الثلاثة أو يجوز دفعها الى احدها مثلا يعطى كل هذه الاسهم الثلاثة بخصوص الايتام او بخصوص المساكين أو بخصوص ابن السبيل.

الثانية: هل يجب التساوى بين افراد كل صنف من هذه الاصناف الثلاثة فى مقام الاعطاء مثلا لو كانت المساكين اكثر من واحد يجب التقسيم بينهم بالسوية او لا يجب ذلك بل يجوز الدفع ما عليه بواحد منهم فتقول بعونه تعالى.

أمّا الكلام فى المسألة الاولى فالمشهور عدم وجوب البسط على كل الاصناف الثلاثة

و لم يحك مخالف الا ما حكى عن الشيخ رحمه اللّه فى المبسوط و ابى الصلاح و صاحب الذخيرة و الكلام يقع تارة فيما هو وظيفة الإمام عليه السّلام فهو مع انّه يعلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 242

بوظيفته و ليس لنا تعينها يظهر من رواية البزنطى الّتي نتلوها عليك.

أنّ الأمر إليه يضعه حيث يشاء و تارة يقع الكلام فى وظيفة الفقيه و المجتهد فى عصر الغيبة إذا كان هو المتصدى للإعطاء فان كان تصديه باعتبار وجوب دفع حق الاصناف الثلاثة به كى يقسّمه بينهم فالامر إليه بمقتضى ولايته و إن كان تصديه باعتبار الوكالة عن قبل الدافع فيجب دفعه بمقتضى وظيفة الموكل و تارة يقع الكلام فيما هو وظيفة الدافع فيما إذا كان هو المعطى خمسه بنفسه فلا بد من جعل مصب البحث هذه الصورة فنقول

بعونه تعالى يستدل للقول الاوّل بامور:

الاول: دعوى الاجماع أو الشهرة.

الثاني: دعوى السيرة المستمرة على عدم البسط على الاصناف الثلاثة.

الثالث: أنّه يلزم من وجوب البسط على الاصناف الثلاثة تعطيل سهم ابن السبيل لندوة وجوده.

الرابع: ما رواه احمد بن محمد بن ابى نصر (البزنطى) عن الرضا عليه السّلام قال سئل عن قول اللّه و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرسول و لذى القربى فقيل له فما كان للّه فلمن هو فقال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو للامام فقيل له أ فرأيت ان كان صنف من الاصناف اكثر و صنف اقل ما يصنع به قال ذاك الى الإمام أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كيف يصنع أ ليس انّما كان يعطى على ما يرى كذلك الإمام «1».

وجه الاستدلال هو ان المستفاد من الرواية جواز فعل الإمام عليه السّلام كيف شاء فكذلك نفس معطى الخمس لعدم اختصاص حكم الجواز به عليه السّلام.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 243

ففى الحقيقة يكون الدليل تنقيح المناط القطعى.

و ما يمكن ان يستدل به على وجوب البسط هو ظاهر الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِهِِٰي خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ لانّ ظاهر كلمة (لام) هو الملكية فكل من اليتيم و المسكين و ابن السبيل مالك لثلث من كل الاسهم الثلاثة فلا بد من اعطاء كل سهم بمالكه فتكون النتيجة وجوب البسط بين

كل الاصناف الثلاثة.

و بعض الاخبار منها.

ما رواها احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث الى ان قال فالنصف له يعنى نصف الخمس للامام خاصة و النصف لليتامى و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة عوّضهم اللّه مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فان فضل شي ء فهو له و إن نقص عنهم و لم يكفهم اتمه لهم من عنده كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان «1».

و منها ما رواها حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام (فى حديث طويل) قال و له يعنى الإمام نصف الخمس كملا و نصف الخمس الباقى بين اهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لابناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون به فى سنتهم فان فضل عنهم شي ء فهو للوالى فان عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالى ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به و انما صار عليه ان يمونهم لأنّ له ما فضل عنهم «2».

وجه الاستدلال بالروايتين نصوصيتهما فى كون نصف الخمس للاصناف

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 244

الثلاثة بعنوان الملكية لافادة اللام الملكية كما ذكر بالنسبة الى الآية الشريفة.

أقول اما الكلام فيما استدل به على عدم وجوب البسط و هو ما ذهب إليه المشهور.

فاما الاجماع فلعلها يرجع الى السيرة لا الاجماع التعبدى الكاشف عن قول المعصوم بزعم المتاخرين او الكاشف عن وجود النص بزعم سيدنا الاعظم آية اللّه

البروجردي رحمه اللّه ..

و أمّا الشهرة فلا يبعد تحققها لعدم حكاية المخالف الّا عن الشيخ فى المبسوط و ابى الصلاح و صاحب الذخيرة و لا يضرّ خلافهم اما الشيخ رحمه اللّه فلأنّ بنائه فى المبسوط على بيان التفريعات و استفاده حكمها من النصوص و ليس كالنهاية أو بعض كتب القدماء رحمه اللّه من اقتصاره على فتاوى المتلقاة من المعصومين عليهم السّلام الكاشف من هذا الفتوى وجود نص فى المسألة فالشهرة حجة على قول سيدنا الاعظم رحمه اللّه.

و أمّا السيرة فقد يدعى السيرة لعدم وجوب البسط لعدم كون بناء من وجب عليه الخمس الفحص عن جميع الاصناف الثلاثة لايجابه الفحص عن جميع سادة اهل بلده بل بل عن ساير الامصار و البلاد و ليس البناء على ذلك فى عصر من الاعصار من زماننا الى زمان المعصومين عليهم السّلام إن قلت انّ السيرة من زماننا الى مبد الغيبة الكبرى لو تحققت لم تفد أيضا شيئا لعدم كشف راى المعصوم عليه السّلام منها و أمّا السيرة القطيعة الى زمان بعض المعصومين عليهم السّلام فغير معلوم بل معلوم العدم لانّ الغالب رد الشيعة خمسهم الى الإمام عليه السّلام و هو عليه السّلام يعمل كما يرى من المصلحة بمقتضى ولايته قلت بعد ما نرى عدم ذكر و اشارة فى الاخبار عن البسط على الطوائف الثلاثة اذ لو كان البناء على البسط مع كون اولاد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم خصوصا فى زمان الصادق عليه السّلام كثيرا و كانوا مستحقين للخمس كان اللازم البسط عليهم و لو كان كذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 245

لا يخفى على الشيعة لزوم البسط مع كون السادة متفرقون

فى البلاد و البسط عليهم يحتاج الى الوسائط و هذا كاشف عن عدم وجود السيرة على وجوب البسط على الطوائف الثلاثة.

و أمّا الوجه الثالث فيمكن ان يورد عليه بان غايته عدم وجوب البسط على ابن السبيل بعد عدم وجوده و هذا لا يوجب عدم لزوم البسط مع وجوده و محل الكلام فعلا صورة وجود الاصناف.

و أمّا الوجه الرابع اعنى رواية البزنطى فهو خارج عن محل الكلام لأنّ مورده كون الامر فى القسمة الى الإمام عليه السّلام و لا اشكال فى أنّه مع فرض حضور عليه السّلام الامر إليه و محل الكلام تكليف الشخص إذا اراد اعطاء الخمس بنفسه.

مضافا الى أنّه يمكن ان يقال انّ المستفاد من الرواية وجوب البسط بين الاصناف بالسوية لأنّ السائل يسأل عما كان بعض الاصناف اقل من بعض الآخر فيستفاد منها انّ المركوز فى ذهن السائل وجوب البسط بالسوية بين الاصناف فاجاب عليه السّلام بما يستفاد منه كون الامر بيد الإمام عليه السّلام.

اضف على ذلك انّ المفروض فى الرواية صورة عدم تساوى الاصناف من حيث العدد و لا يستفاد منها حكم صورة تساويهم و وجوب البسط و عدمه فى هذه الصورة فالدليل على فرض دلالته أخص من المدعى و مع ذلك كله نقول بانّه يستفاد من الرواية انّ الامر فى التقسيم بيد الإمام عليه السلام و لكن لا يمكن ان يقال بانّ الامر كما بيده عليه السلام إذا كان هو يؤدى سهمهم يكون كذلك بيد نفس من يجب عليه الخمس لانّه كما يستفاد من بعض الروايات أنّه إذا كان سهم هذه الطواف الثلاثة ازيد فالزائد للامام عليه السّلام و إذا كان سهمهم اقل عن حاجتهم فعلى الإمام عليه السّلام تكميله فهذه

الخصوصية له عليه السّلام فلهذا يكون الامر بيده عليه السّلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 246

فما يكون قابلا للاستدلال به على عدم وجوب البسط من الوجوه المذكورة هو الوجه الثانى و هو السيرة لو لم يتم ما استدل به على وجوب البسط فلا بد من التكلم فيه فنقول بعونه تعالى.

امّا ما استدل به على وجوب البسط فهو امران:

الاول: ظاهر الآية الشريفة المذكورة الواردة فى الخمس بدعوى دلالتها على كون نصف الخمس ملكا لليتامى و المساكين و ابن السبيل.

فيقال فى جواب هذا الوجه أنّه لا ظهور للآية فى كون اللام فى كلمه للّه الى الاخر للملكية و لم يكن دالا على التقسيم بل ظاهرة فى كون الموارد الثلاثة مصرف الخمس.

و أمّا الامر الثانى اعنى الروايتين فلا يستفاد منهما ازيد ممّا يستفاد من الآية الشريفة فالجواب الجواب.

و بعد عدم تمامية الوجهين المتمسك بهما على وجوب بسط نصف الخمس على الاصناف الثلاثة فنقول الاقوى عدم وجوب البسط للسيرة المستمرة من زماننا الى زمان المعصوم عليه السّلام على عدم البسط ثمّ أنّه أغمضنا عمّا قلنا فى وجه عدم وجوب البسط أقول و إن لم ار من يقول به من الفقهاء فى هذه المسألة بانّ الأحوط بل الاقوى وجوب الاستيذان على من يجب عليه الخمس فى كيفية التقسيم بين الاصناف الثلاثة من البسط بينهم و عدمه من عصر الغيبة من الفقيه الجامع الشرائط فان امر بالبسط يعمل به و إن أجاز الاقتصار على بعض الاصناف الثلاثة و عدم البسط يعمل به لأنّ مقتضى رواية احمد بن محمد بن ابى نصر البزنطى المتقدمة ذكرها عن الرضا عليه السّلام قال سئل عن قول اللّه و اعلموا انّما غنمتم من

شي ء فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى فقيل له فما كان للّه فلمن هو فقال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 247

و ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو للامام فقيل له أ فرأيت ان كان صنف من الاصناف اكثر و صنف اقل ما يصنع به قال ذاك الى الإمام أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كيف يصنع أ ليس انّما كان يعطى على ما يرى كذلك الإمام «1» لان المستفاد منها.

اما عدم وجوب البسط حتى إذا كان معطى الخمس نفس من عليه الخمس كما استدل بها من يقول بعدم وجوب البسط.

و امّا ان المعطى إذا كان الإمام عليه السّلام فهو بمقتضى منصبه مثل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يعطى و يضعه حيث يشاء فمقتضى ذلك ان هذا للفقيه بمقتضى ولايته عن قبله روحى فداه فى عصر غيبته فان قلنا بالاحتمال الأوّل لا يجب البسط على الاصناف الثلاثة حتى فيما كان معطى الخمس نفس من عليه الخمس و إن قلنا باحتمال الثانى لا بد فى عصر الغيبة من الارجاع الى الفقيه فيعمل على طبق نظره من البسط و عدمه.

و حيث أنّه لا يبعد بكون الظاهر من الرواية الاحتمال الثانى و إن الامر بيد الإمام عليه السّلام كالنبى صلّى اللّه عليه و آله و سلم يكون الاقوى جواز الاقتصار على بعض الاصناف و عدم وجوب البسط بعد الاستيذان من الفقيه و اذنه بذلك.

و ان ابيت عن ظهورها فى ذلك فلا اشكال فى كونه احوط و لهذا قلت ان

الاحوط بل الاقوى الاستيذان من الفقيه فى البسط و عدمه و العمل بما اجازه.

ثمّ أنّه ان تمّ ما احتملنا يكون ذلك قولا ثالثا لأنّه لا نقول مطلقا بوجوب البسط بين الاصناف و لا نقول بعدم وجوبه فيما كان المعطى نفس من عليه الخمس بل يرجع الى الفقيه فياخذ بكل ما اذنه به الفقيه فان اقتصر فى اذنه بالبسط يجب البسط و إن أجاز الاقتصار على بعض الطوائف دون بعض اكتفى بما قال و لكن العمدة ما قلنا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 248

فى جواب الاستدلال بالرواية من انّ المستفاد منها كون الامر بيد الإمام عليه السلام و لا يمكن التعدّى بغيره عليه السّلام لاحتمال خصوصية له عليه السّلام و هى ما بينّا فراجع و امّا نفس الفقيه ان كان هو المعطى من نفسه أو عن غيره فهو يعمل باجتهاده و ولايته.

المسألة الثانية: هل يجب استيعاب افراد كل صنف من الاصناف الثلاثة

أو يجوز الاقتصار على بعضهم مثلا فى سهم المساكين منهم.

يوزّع سهمهم بين كل افراد المساكين منهم أو يجوز الاقتصار ببعضهم و لو بواحد منهم.

سواء قلنا بوجوب البسط بين الاصناف الثلاثة أو لم نقل به.

أقول حكى ان المشهورة قائلون بعدم وجوب الاستيعاب بل يدعى عدم الخلاف فيه و لم يحك قائل يقول بوجوب الاستيعاب و على كل حال ما يمكن ان يستدل على طرفى المسألة ليس ازيد ممّا استدل به فى المسألة الاولى فالكلام فيها هو الكلام فيها و إن قيل بانّ الظاهر من اليتامى و المساكين حيث كانا جمعين المحلين باللاف و الام و هو يفيد العموم وجوب الاستيعاب لكل فرد من افراد الطوائف الثلاثة قلت انّه كما بينا

ليست الآية الا فى مقام المصرف لا التقسيم و التسهيم و ليس الجمع هنا يقيد العموم و لهذا جاء فى الآية الشريفة (ابن السبيل) مفرد و المفرد المحلى باللام لا يفيد العموم و هذا شاهد على انّ النظر كان فى بيان مجرد المصرف لا غير.

***

[مسئلة 3: مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة فان انتسب إليه بالام لم يحلّ له الخمس و تحلّ له الزكاة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 249

و لا فرق بين ان يكون علويا أو عقيليا أو عباسيا و ينبغى تقديم الاتمّ علقة بالنبى صلّى اللّه عليه و آله و سلم على غيره أو توفيره كالفاطميين.

(1)

أقول فى المسألة جهات من البحث:

الجهة الاولى: فى انّ مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة فقط.

أو هو و من ينتسب إليه بالام أيضا.

المشهور الأوّل بل لم ينقل الخلاف الا عن السيد المرتضى رحمه اللّه و الى ابن حمزة.

نعم حكى عن الحدائق نسبة الخلاف الى غير واحد من الاعلام.

و قبل الورود فى بيان استدلال الطرفين و ما ينبغى ان يقال فى المقام.

ينبغى ذكر.

امر و هو انّ النزاع فى كون مستحق الخمس خصوص المنتسب الى هاشم بالابوة أو يعم هو و المنتسب إليه بالام ليس مبتنيا على مسئلة عدم كون ابناء البنات كابناء الابناء أو انهم ابناء للشخص كابناء ابنائه حتى تكون الملازمة بين المسألتين حتى يقال أنّه.

لو قلنا بانّ الابناء منحصرة بابناء الابناء فليست ابناء النبات أبناء فلا بد من ان يقال بكون مستحق الخمس خصوص المنتسب الى هاشم بالابوة. و إن قلنا بكون ابن البنت ابنا للشخص مثل كون ابن الابن ابنا له فكما يكون المنتسب الى هاشم بالابوة مستحقا للخمس كذلك يستحقه المنتسب إليه بالام بل ليست اللازمة بين المسألتين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 250

بل كل من القائل باستحقاق خصوص المنتسب بالاب الى هاشم.

و القائل باستحقاق المنتسب إليه بالام يقول بان الابن و الولد كما يشمل كل ابن و ولد ينتسب الى الشخص بسبب الابن كذلك يقول بشموله لكل ابن

و ولد ينتسب الى الشخص بسبب البنت لصدقه على كل منهما عرفا و ما قاله شاعر (بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهن ابناء الرجال الاباعد) شعر و مجرد تخيّل و كل من طرفى الخلاف فى هذه المسألة متفقون فى تلك المسألة كما ترى ان كلا من الفقهاء منّا يقولون بشمول الابن لابن البنت حتى المشهور القائلون باختصاص مستحق الخمس بمن انتسب الى هاشم بالابوة فليست ملازمة بين المسألتين بل من يقول فى مسئلة الخمس بالاختصاص يقول به لدليل خاص على اختصاص هذا الحكم اى حكم مصرف الخمس بمن انتسب الى هاشم بالابوة.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى.

ما يمكن ان يستدل به على استحقاق الخمس بمن انتسب الى هاشم بالام كما يستحق من انتسب إليه بالاب اطلاق بعض الاخبار الواردة فى المقام.

مثل بعض الاخبار المذكورة فيه (اليتامى يتامى الرسول و المساكين منهم و ابناء السبيل منهم «1».

و مثل قوله عليه السّلام نحن و اللّه عنا اللّه بذى القربى و الذين قرننا اللّه بنفسه و برسوله فقال فلله و للرسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل فينا خاصة «2».

و مثل التعبير (و النصف لليتامى و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد عليهما السّلام) «3».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب قسمته الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب المذكور من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 251

و مثل قوله عليه السّلام (ثمّ يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد عليهما السّلام و مساكينهم و ابناء سبيلهم «1» و غير ذلك.

اقول و لو كنا و هذه الاخبار و امثالها لقلنا بانّ

مستحق الخمس من انتسب الى هاشم و إن كان انتسابه إليه بسبب الام.

و لكن فى قبال ذلك بعض الوجوه يستدل بها على اختصاص استحقاق الخمس بخصوص المنتسب إليه بالاب.

الوجه الأوّل: شهرة هذا الحكم اعنى اختصاص الاستحقاق بالمنتسب إليه بالاب بين قدماء اصحابنا بحيث لم يثبت مخالف الّا السيد رحمه اللّه و ابن حمزة و الشهرة حجة لانّها فى الحقيقة هى الاجماع المذكور من الادلة على ما افاد سيدنا الاعظم ره لأنّ المشهور ربما وقفوا على نص لم يبلغ إلينا.

الوجه الثاني: أنّه فرق بين التعبير بالآل و اهل البيت و بين التعبير بالعلوى أو الهاشمى فالاول يشمل كل المنتسب بالام كما يشمل المنتسب بالاب فلهذا آل الرسول اهل بيت الرسول يشمل كل من المنتسب إليه بالاب و الام بخلاف الثانى فلا يشمل العلوى أو الهاشمى و لا يصدق الّا على كل يكون منتسبا الى على و هاشم بسبب الأب.

الوجه الثالث: ما رواها حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال الخمس من خمسة اشياء (الى ان قال) و من كانت أمه من بنى هاشم و ابوه من ساير قريش فان الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي ء الخ «2» و هذه الرواية نص فى كون مستحق الخمس خصوص من انتسب الى هاشم بسبب الأب

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب المذكور من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 1 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 252

و ليس لمن انتسب إليه بسبب الام من الخمس شي ء و هذه الرواية و إن كانت مرسلة الّا أنّه يجبر ضعفها بعمل الاصحاب بها.

اذا عرفت هذه الوجوه نشرع فى

النظر الى الوجوه الثلاثة.

فنقول أمّا الوجه الأوّل اعنى الشهرة فالظاهر تحققها لعدم ذكر مخالف الّا عن السيد المرتضى و ابن حمزة قدس سرهما فان قلنا بحجية الشهرة الفتوائى كما هو مختار سيدنا الاعظم رحمه اللّه و كان بزعمه الشريف الاجماع المعدود من ادلة الفقه هو الشهرة الفتوائى الحاصلة بين خصوص القدماء لا المتأخرين فهو و الّا لو لم نقل بحجيتها لا يمكن الاستدلال بها.

و أمّا الوجه الثانى ففيه.

كلام من حيث أنّه هل يوجد فى روايات الباب التعبير بكون المستحق للخمس هو الهاشمى أو العلوى أو بنى هاشم أو بنى على.

و كلام من حيث أنّه على فرض وجود امثال هذه التعبيرات هل يشمل من انتسب الى هاشم أو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أو على عليه السّلام بسبب الام او لا.

فنقول ما نجد فى اخبار الباب ليس فيها التعبير بكون مستحق الخمس هو الهاشمى أو العلوى أو بنى هاشم أو بنى على بل الموجود فى باب حرمة الزكاة و الصدقة على السادة التعيير.

مثل قوله عليه السّلام رواية عيص بن القاسم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام إنّ اناسا من بنى هاشم اتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فسألوه ان يستعملهم على صدقات المواشى و قالوا يكون لنا هذا السهم الّذي جعل اللّه تعالى للعالمين عليها فنحن اولى به قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بابنى عبد المطلب انّ الصدقة لا تحل لى و لا لكم و لكنى قد وعدت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 253

الشفاعة الى ان قال أ تروني مؤثرا عليكم غيركم «1».

و رواية محمد بن مسلم و ابى بصير

و زرارة «2».

و رواية ابن سنان يعنى عبد اللّه «3».

و رواية ابى خديجة سالم من مكرم الجمال «4» و غير ذلك فانها تدلّ على حرمة الصدقة او الزكاة على بنى بن عبد المطلب أو بنى هاشم و رواية زرارة نذكرها بعدا إن شاء اللّه «5».

ثمّ بعد دلالة امثال هذه الاخبار على حرمة الصدقة أو الزكاة على بنى هاشم و بعد الملازمة بين حرمة الصدقة أو الزكاة و بين استحقاق الخمس بمعنى ان من يستحق الخمس يحرم عليه الصدقة او الزكاة و بالعكس.

كما يستفاد ذلك.

من رواية زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى حديث قال أنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمى و لا مطلبى الى صدقة انّ اللّه جعل لهم فى كتابه ما كان فيه سعتهم ثمّ قال ان الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة و الصدقة لا تحلّ لاحد منهم الّا ان لا يجد شيئا و يكون ممن يحل له الميتة «6».

و من رواية العياشى فى تفسيره عن عيسى بن عبد اللّه العلوى عن ابيه عن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة و وقت التسليم و النية من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

(5) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

(6) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 254

جعفر بن محمد قال ان اللّه لا إله الا هو لما حرّم علينا الصدقة ابدل

لنا بها الخمس فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال «1».

ثمّ بعد ذلك نقول بعونه تعالى يقع الكلام فى ان امثال هذه الاطلاقات مثل بنى هاشم أو بنى عبد المطلب يشمل من انتسب إليهما بالام أو لا الحق الشمول كما ترى من تعارف نسبة امثالهما الى من انتسب الى عبد المطلب أو هاشم بسبب الام هذا بالنسبة الى بعض الروايات الواقعة فيه التعبير بلفظ بنى هاشم أو بنى عبد المطلب.

و أمّا ما وقع التعيير فيها بلفظ هاشمى كما فى رواية زرارة المتقدمة ذكرها.

فهل يدل على انحصار حكم الخمس بمن انتسب الى هاشم بسبب الأب فقط لأنّ المتعارف اطلاق امثاله مثل العلوى أو العدنانى أو القريشى على خصوص المنتسب إليها بسبب الأب لا الام.

أو يعم المنتسب إليه بالام كما يعم المنتسب إليه بالاب لا يبعد الاوّل.

و أمّا الوجه الثالث فلا اشكال فى انّ رواية حماد نص فى انحصار مستحق الخمس بمن انتسب الى هاشم بسبب الأب و عدم استحقاق الخمس من انتسب إليه بسبب الام.

لكن الاشكال فى سند الرواية لانّها مرسلة الّا ان يدعى كون عمل الاصحاب بها جابرة لضعف سندها.

الجهة الثانية: و لا فرق بين ان يكون المنتسب الى هاشم بالاب علويا

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 10، ص: 254

أو

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 255

عقيليا أو عباسيا.

أقول و ادعى الاجماع على عدم الفرق او عدم الخلاف كما فى بعض الكلمات.

و أمّا النص الوارد على التعميم فليس الّا ما ورد فى بعض الروايات على حرمة الصدقة على

بنى هاشم أو بنى عبد المطلب أو على ولد العباس و نظرائهم من بنى هاشم راجع الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل بضميمة ما ورد من الملازمة بين حرمة الصدقة و بين استحقاق الخمس كما بينا و ذكرنا بعض الروايات فى الجهة الاولى المبحوثة فى هذه المسألة.

ثمّ أنّه بعد شمول الاستحقاق لهذه الطوائف الثلاثة.

فما دلّ على ان مستحق الخمس آل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أو اهل بيته أو غير ذلك ممّا يدل على كون المستحق آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقط لا يوجب كون الاستحقاق منحصرا بهم بل هم من افراده للدليل على شمول الحكم لغير العلويين من العقيليين و العباسيين.

الجهة الثالثة: قال المؤلف رحمه اللّه و ينبغى تقديم الاتم علقة بالنبى عليه السّلام

أو توفيره كالفاطميين.

و حكى عن الدروس ينبغى توفير الطالبين على غيرهم و ولد فاطمة عليها السّلام على الباقين.

و حكى عن كشف الغطاء ليس البعيد تقديم الرضوى ثمّ الموسوى ثمّ الحسينى و الحسنى و تقديم كل من كانت علاقته بالأئمة اكثر.

أقول لم اجد نصا عليه لكن لا يبعد كون الاقربية الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليهما السّلام و من كان علاقته بالأئمة اكثر موجبا لفضيلة مرجحة له على غيره ممن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 256

هو ابعد منه.

***

[مسئلة 4: لا يصدّق من ادعى النسب الّا بالبينة أو الشياع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يصدّق من ادعى النسب الّا بالبينة أو الشياع المفيد للعلم و يكفى الشياع و الاشتهار فى بلده نعم يمكن الاحتيال فى الدفع الى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الايصال الى مستحقّه على وجه يندرج فيه الآخذ لنفسه أيضا و لكن الاولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور.

(1)

أقول لتوقف براءة الذمة المعلومة على ثبوت موضوع السيادة و ليس دعواه حجة نعم يثبت بالبينة و كذا بالشياع المفيد للعلم و كلما يوجب الاطمينان بالنسب و منه الاشتهار بالسيادة سواء كان فى بلده أو غير بلده مع حصول الاطمينان.

و أمّا الاحتيال بالنحو المذكور فقد يقال أنّه يكفى بناء على كفاية علم الوكيل فى ثبوت الموضوع و قد يستدل عليه ببعض الروايات.

أقول أمّا كفاية علم الوكيل فى ثبوت موضوع الحكم و هو كون الشخص منتسبا الى هاشم بسبب الأب فى براءة ذمة الموكل فغير معلوم بل معلوم العدم.

و لهذا لا يكتفى باخبار الوكيل على الاداء و إن كان عادلا الّا ان يحصل العلم أو الاطمينان للموكل عن قول الوكيل.

و أمّا الاخبار المتمسكة بها الدالة على

جواز اخذ الوكيل من الزكاة إذا كان موردها بشرط كون كلام الموكل مطلقا يشمل الوكيل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 257

فمع قطع النظر عن بعض الاخبار المتوهم معارضته لها لعدم كونه معارضا لها على ما راجعت به.

نقول بانّ هذه الاخبار تكون فى مقام جواز اخذ الوكيل و ناظر الى هذا الحيث لأنّ النظر فى السؤال و الجواب فى هذه الاخبار الى هذه الجهة راجع الباب 40 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

و ليست ناظرة الى براءة ذمة الموكل مع شكه فى كون الوكيل مورد الزكاة و موضوعها بمجرد فعل الوكيل و اخذه الزكاة فعلى هذا الاقوى عدم كفاية الاحتيال المذكور فى باب الخمس.

و ما بينا من عدم كون الاخبار ناظرة الى براءة ذمة الموكل و عدم جواز اكتفائه بفعل الوكيل هو ما خطر ببالى و لم ار من توجّه إليه غيرى

***

[مسئلة 5: فى جواز دفع الخمس الى من يجب عليه نفقته اشكال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: فى جواز دفع الخمس الى من يجب عليه نفقته اشكال خصوصا فى الزوجة فالاحوط عدم دفع خمسه إليهم بمعنى الانفاق عليهم محتسبا ممّا عليه من الخمس أمّا دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه ممّا لا يكون واجبا عليه كنفقة من يعولون و نحو ذلك فلا بأس به كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم و لو للانفاق مع فقره حتى الزوجة إذا لم يقدر على انفاقها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 258

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

الاولى: فى جواز دفع الخمس الى من يجب نفقته عليه بالانفاق عليه محتسبا ممّا عليه من الخمس و عدمه.

فنقول بعونه تعالى ما يمكن ان يستدل على عدم الجواز وجوه.

الوجه الاوّل: كون المستحق لنصف الخمس الّذي محل كلامنا

فعلا هو.

اليتامى و قد عرفت اعتبار الفقر فى استحقاقهم

و المساكين و هو امّا فى عرض الفقير موضوعا او ادون حالا منه.

و ابن السبيل و لا بد فيه الحاجة فى بلد التسليم.

فمع فرض كونها واجبة النفقة للشخص و تمكنه من انفاقهم.

لا يعدّون فقراء مستحقين للخمس لأنّ الفقير من لم يتمكن على انفاق نفسه و من يعوله لا فعلا و لا قوة و مع تمكّن من يجب عليه نفقة الشخص على انفاقه لا يعد فقيرا فلا يجوز دفع الخمس إليه بالانفاق عليه محتسبا ممّا على المنفق من الخمس.

و خصوصا إذا كان المنفق عليه الزوجة لانّها تكون مالكة لنفقتها و لو لم ينفقها الزوج عليها يكون دينا عليه و لهذا قال المؤلف رحمه اللّه (خصوصا الزوجة) و اختصها بالذكر بخلاف غير الزوجة ممن يجب انفاقهم لأنّه و إن كان الواجب انفاقه لكن ليس دينا على المنفق لو ترك الانفاق.

هذا إذا قلنا بعدم صدق الفقير على من يجب نفقته على من يجب عليه الخمس و يتمكن من إنفاقه.

و أمّا لو لم نقل بذلك فأيضا نقول بان دفع الخمس بعنوان الانفاق محتسبا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 259

الخمس لا يعدّ اخراج الخمس لأنّه مع فرض وجوب انفاقه عليه فما يدفع إليه انفاقا عليه يعد من مصارف نفسه لا اخراج الخمس و دفعه الى غيره فلا يكتفى به و الحق هو الأوّل و عدم صدق الفقير على من يجب نفقته على الغير مع تمكن المنفق على الانفاق.

الوجه الثاني: التعليل الوارد فى الرواية لعدم جواز اعطاء الزكاة بمن يجب عليه نفقتهم.

و هى ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال خمسة لا

يعطون من الزكاة شيئا الأب و الام و الولد و المملوك و المرأة و ذلك لانهم عياله لازمون له «1» بدعوى ان قوله عليه السّلام (و ذلك لانهم عياله لازمون له) علة فلا اختصاص لها بباب الزكاة لأنّ المستفاد منها كون علة عدم اعطائهم كونهم عياله و لازمون له فكذلك فى الخمس لأنّ المستفاد من العلة هو وجوب الاعطاء بالغير من يلازمه من عيالاته.

و لعل السر فيه هو ما ذكرنا فى طى الوجه الأوّل من ان ظاهر وجوب اخراج الخمس و كذا الزكاة هو الاخراج بدفعه بالغير لا من يعدّ من نفسه و ملازماته من العائلة.

الوجه الثالث: بعض النصوص و الفتاوى الدالة على بدلية الخمس من الزكاة الظاهر فى الاشتراك فى الاحكام الّا فى المستحق مثل ما رواها العياشى فى تفسيره عن عيسى بن عبد اللّه العلوى عن ابيه عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال ان اللّه لا إله الّا هو لمّا حرّم علينا الصدقة ابدل لنا بها الخمس فالصدقة علينا حرام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 260

و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال «1».

أقول لا يبعد تمامية الوجه الأوّل.

كما لا يبعد تمامية الوجه الثانى بناء على استفادة العلية منها.

و أمّا الوجه الثالث فدلالته على كون الخمس مثل الزكاة فى الاحكام مشكل بل الاقوى عدمه.

المسألة الثانية: دفع الخمس بواجب النفقة لغير النفقة الواجبة مثل دفعه الى الأب للانفاق على زوجته غير أم الباذل.

أو الى زوجته لانفاق ابيها الواجب عليها انفاقه فلا اشكال فيه مع اجتماع ساير الشروط المعتبرة فى مستحق خمس لعدم وجه للاشكال فيه.

المسألة الثالثة: و أمّا

دفع الخمس الغير على واجب النفقة للشخص مع فرض عدم تمكّنه على انفاقه فممّا لا اشكال فيه لكونه فى الفرض مستحق الخمس.

***

[مسئلة 6: لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد و لو دفعة على الأحوط.

(1)

أقول و ما يمكن ان يكون وجها لعدم الجواز على ما فى كلماتهم امران:

الاوّل: عدم ثبوت اطلاق يقتضي جواز الاعطاء مطلقا حتى الزائد عن مئونة

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 29 من الابواب المذكورة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 261

سنة المستحق للخمس و فيه انّ ما ادعى من عدم اطلاق الاخبار الباب من هذا الحيث ليس فى محله بل الآية الشريفة و كذا بعض الاخبار المتعرّضة لمصرف الخمس يدل على ان نصف الخمس للاصناف الثلاثة بالمعنى الّذي ذكرناه فى طى المسألة 75 غاية الامر يشترط الفقر و غيره من الشرائط فلها الاطلاق من هذا الحيث لانّها فى مقام البيان من هذا الحيث خصوصا لو تامّلنا فى مطاوى بعض الاخبار الواردة فى الباب الظاهرة فى جعل حكمة الخمس استفادة السادة فلا مانع من الاعطاء بهم ازيد من مئونة السنة خصوصا دفعة واحدة.

الثاني: رواية حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام فى حديث طويل قال و له يعنى للامام نصف الخمس كملا و نصف الخمس الباقى بين اهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لابناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون به فى سنتهم فان فضل عنهم شي ء فهو للوالى فان عجز أو نقض عن استغنائهم كان على الوالى ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به و انّما صار عليه ان يمونهم لأنّ

له ما فضل عنهم «1».

قد يتوهم انّ دلالتها على عدم اعطاء الخمس من قبل الإمام بالمستحق ازيد من مئونة سنته و لا انقض من مئونة سنته واضحة.

و أمّا عدم جواز اعطاء من يجب عليه الخمس على المستحق ازيد من مئونة سنته فلا تدلّ عليه.

إن قلت بعد دلالتها على وجوب اعطائه بقدر سنتهم و عدم اعطاء الإمام ازيد من مئونة السنة فليس عدم اعطائه الّا من باب عدم جوازه فكما لا يجوز عليه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب قسمة الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 262

لا يجوز على نفس من يجب عليه الخمس لعدم فرق فى الحكم بينهما.

قلت يمكن اختصاص البذل بهذه الكيفية اعنى بقدر ما يستغنى المستحقون فى سنتهم من باب انّ ما يجب على الإمام عليه السّلام ان يمونهم بقدر سنتهم فقط و يأخذ ما فضل عنهم و لا يكون هذا الحكم لغيره فلا يمكن التعدى فى هذا الحكم من غيره عليه السّلام فلا تدلّ الرواية على المدعى اعنى على عدم جواز اعطاء المستحق ازيد من السنة فيما كان المعطى نفس من عليه الخمس.

و رواية احمد بن محمد عن بعض اصحابنا الى ان قال رفع الحديث قال فالنصف له يعنى نصف الخمس للامام خاصة و النصف لليتامى و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة عوضهم اللّه مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فان فضل شي ء فهو له و ان نقص عنهم و لم يكفهم اتمه لهم من عنده كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان «1» و هذه الرواية على فرض كون المراد منها هو

اعطاء الإمام عليه السّلام بالمستحق بقدر مئونة سنته لعدم تصريح فيها بالسنة فلا تدلّ ازيد ممّا دلت عليه الرواية الاولى فلا ترتبطان بالمقام مضافا الى كون الثانية مرسلة و مرفوعة.

فعلى هذا نقول مقتضى اطلاق الادلة جواز دفع الخمس بالمستحق حتى ازيد من مئونة السنة و لو بمقدار يصير غنيّا و لكن الأحوط الاقتصار بمقدار السنة.

***

[مسئلة 7: الخمس الّذي للامام عليه السّلام أمره فى زمان الغيبة الى نائبه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: النصف من الخمس الّذي للامام عليه السّلام أمره فى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 263

زمان الغيبة راجع الى نائبه و هو المجتهد الجامع للشرائط فلا بد من الايصال إليه أو الدفع الى المستحقين باذنه و الاحوط له الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر و أمّا النصف الآخر الّذي للاصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه لكن الاحوط فيه أيضا الدفع الى المجتهد أو باذنه لأنّه اعرف بمواقعه و المرجحات الّتي ينبغى ملاحظتها.

(1)

أقول اعلم انّ الكلام يقع فى موردين:

الاوّل: فيما هو الحكم بالنسبة الى النصف من الخمس الّذي للامام عليه السّلام
اشارة

فى زمان الغيبة.

و الثاني: فى النصف الّذي يكون للاصناف الثلاثة فنقول بعونه تعالى.

امّا الكلام فى المورد الأوّل و هو حكم النصف الّذي للامام عليه السّلام من الخمس

ففيه اقوال:

القول الاوّل: وجوب صرفه فيما يعلم برضى الإمام عليه السّلام به.

القول الثاني: عدم وجوبه راسا لانّهم عليهما السّلام اباحوا لشيعتهم.

القول الثالث: وجوب كنزه و دفنه فيخرجه الحجة عليه السّلام حين ظهوره عليه السّلام فيوصل إليه ارواحنا فداه.

القول الخامس: صرفه فى الاصناف الثلاثة اليتامى و المساكين و ابن السبيل من اهل البيت عليهما السّلام.

القول السادس: اجراء حكم المال المجهول مالكه عليه يصرف فى الصدقة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 264

من باب دعوى انّ المناط فى وجوب صدقة مال المجهول مالكه تعذر الايصال إليه فكذلك المعلوم المالك المعتذر ايصال ماله به و قد ذكر بعض الاقوال أو احتمالات اخر.

اذا عرفت ذلك نقول ان ما ينبغى البحث عنه أولا هو القولان الاولان حتى يعلم أوّلا بانّه هل يجب الخمس على الشخص فى الموارد المذكورة الواجبة فيها الخمس راسا أم لا فان لم يثبت وجوب الخمس عليه من باب تحليلهم عليهما السّلام لشيعتهم فلا يبقى مجال للبحث عن كيفية صرفه فى رضاه أو ايصاله إليه أو التصدق عنه أو اعطائه بالسادة.

و ان ثبت وجوب الخمس فلا بد بعد ذلك من البحث فى كيفية صرفه أو حفظه له عليه السّلام فعلى هذا نجعل محور البحث فعلا فى أنّه هل يجب الخمس فى غيبته عليه الصلاة و السلام أو لا يجب لتحليله لشيعته.

[فى اخبار التحليل]
اشارة

و قبل الورود فى البحث نقول بانّ اخبار التحليل يشمل حال الحضور و التمكن من الوصول الى محضره الشريف بلا واسطة أو بوسيلة نوابه الخاصة او لا يشمله ليس مورد بحثنا فعلا لعدم ثمرة فعلا للبحث عنه ثمّ بعد ذلك نقول بعونه تعالى.

الكلام يقع فى أنّه بعد وجوب الخمس فى الجملة فى غنائم دار

الحرب و اخواتها المتقدمة ذكرها

هل يجب فى الحال اعنى حال الغيبة أو لا يجب ذلك.

فنقول ان كنا نحن و الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ الخ و الروايات المصرحة بوجوب الخمس فى الغنائم و المعدن و اخواتهما لا بد من ان نقول بوجوب الخمس حال غيبة الإمام عليه السّلام كحال حضوره لاطلاق الادلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 265

فمن يدعى تحليله للشيعة لا بد له من اقامة الدليل على مدّعاه كى يخصص أو يقيّد به عموم وجوب الخمس أو اطلاقه و لم يحك القول بالتحليل الا من قليل و هم بين من يدعى التحليل مطلقا و بين من يدعيه فيما لم يكن الاصناف الثلاثة محتاجا إليه.

فنقول بعونه تعالى أنّه يستدل على ذلك بروايات نذكرها و مقدار دلالتها ما فى الاستدلال.

الاولى: ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن ابى جعفر يعنى احمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن ابى بصير و زرارة و محمد بن مسلم كلهم عن ابى جعفر عليه السّلام قال قال امير المؤمنين عليه السّلام هلك الناس فى بطونهم و فروجهم لانهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا الا و انّ شيعتنا من ذلك و آبائهم فى حل «1» و هذه الرواية على تقدير تمامية دلالتها تشمل مطلق الخمس سهم الإمام عليه السّلام و سهم السادة لانّ قوله عليه السّلام (حقنا) مطلق مضافا الى انّه كما يوجب ترك سهم الإمام عدم طبيب الولادة كذلك سهم السادة و روى محمد بن على بن الحسين فى (العلل) عن محمد

بن الحسن عن الصفّار عن العباس بن معروف انّ امير المؤمنين عليه السّلام حلّلهم من الخمس يعنى الشيعة ليطيب مولدهم. «2»

و الظاهر كونها الرواية الاولى و إن اختلف متنها غاية الامر روى الاولى حريز عن ابى بصير و زرارة و محمد بن مسلم و روى الثانية حريز عن زرارة فقط و المروى عنه فى كلتاهما ابو جعفر عليه السّلام.

و ان ابيت عن ذلك نقول ان ما روى زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام أنّه قال ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 4 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 266

امير المؤمنين حللهم من الخمس يعنى الشيعة ليطيب مولدهم فيه احتمالان:

الاوّل: ان يكون الألف و اللام فى الخمس فى الرواية للجنس فتشمل كل اقسام الخمس مما يقع تحت يد الشيعة و ما يتعلق بنفسه من ارباح المكاسب و غيرها من الاسباب الموجبة للخمس الاحتمال الثانى يكون الألف و اللام فى الخمس للعهد فيكون المراد خصوص ماله عليه السّلام.

أقول و الظاهر ان المراد من الناس العامة للتعيير عنهم بالناس فى لسان المعصومين عليهما السّلام و لسان الشيعة فيستفاد من الرواية هلاكة العامة فى بطونهم و فروجهم لعدم اداء حقهم ممّا هو لهم من الغنائم و غيرها و ما غصب من غير ذلك من حقوقهم من اعطائهم بخلفاء الجور او الاخذ منهم و لكن الشيعة فى حل من ذلك يعنى بالفارسية (رها) من أجل ما يقع فى ايدهم ممّا لم تعدّ العامة حقهم عليهم السّلام.

و انّى ذلك من حلية الخمس المتعلق بانفس الشيعة مثلا

خمس أرباح تجاراتهم فى حل و الحاصل عدم دلالة الرواية الشريفة على حلية الخمس الواجب على نفس الشيعة عليهم و لا يخفى عليك ان ما يأتى بالنظر هو أن النظر فى السؤال و الجواب ليس صورة العلم بابتلاء السائل بحق الإمام عليه السّلام بل بعد غصب حقهم عليهما السّلام من الخمس و الفي ء و غيرها يوجب الشبهة و المعرضية لوقوع اموالهم تحت يد السائل كما فى جوائز السلطان مثلا فحلّ لشيعتهم فى هذه الصورة لو وقع حقهم فى ايديهم.

الثانية: ما رواها على بن مهزيار قال قرأت فى كتاب لابى جعفر عليه السّلام الى رجل يسأله ان يجعله فى حل من مأكله و مشربه من الخمس فكتب بخطّة من اعوزه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 267

شي ء من حقى فهو فى حل «1».

أقول الظاهر من السؤال هو انّ الإمام عليه السّلام يجعل السائل فى حل من مأكله و مشربه من الخمس و هل يكون سؤاله ممّا تعلق بنفسه من الخمس و هو يكون فى مأكله و مشربه.

أو عمّا يأتى تحت يده من الماكل و المشرب و ربما تعلق به الخمس لعدم مبالات من اخذ منهم فعلى الاحتمال الأوّل يكون من محل الكلام و على الثانى خارجا عن محل الكلام لعدم علمه بتعلق الخمس بما وقع تحت يده.

و على كل حال جعله الإمام عليه السّلام فى حل فى صورة اعوازه عن حق نفسه.

و انّى هذا من حلية الخمس لغير هذا الشخص و لغير صورة اعوازه ديون الخمس و لغير حق نفس ابى جعفر عليه السّلام من ساير الائمة عليهما السّلام و فى حال الغيبة مطلقا فلا يمكن الاستدلال بها للحيلة الّتي مورد النزاع.

الثالثة: ما

رواها ضريس الكناسى قال قال ابو عبد الله عليه السّلام أ تدري من اين دخل على الناس الزنا فقلت لا ادرى فقال من قبل خمسنا اهل البيت الّا لشيعتنا الاطيبين فانّه محلل لهم و لميلادهم «2».

أقول لا يظهر بعد التأمل من الرواية الّا ان دخول الزنا على الناس (اى العامة) يكون من قبل خمس اهل البيت و منعهم عنه فصار خمسهم فى حق الغاصبين الحاكمين و الناس اخذوا من الغاصبين فلاجل وقوعهم فى الابتلاء بما غصب عن اهل البيت دخل عليهم الزنا و لكن الشيعة من هذا الحيث فى التوسع لأنّه عليه السّلام جعلهم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 268

فى حل من هذا الحيث.

فلا يستفاد منها الا حلية ما يصل اتفاقا من هذه المغصوبات تحت ايدى الشيعة فلا يستفاد منها حلية الخمس الواجب على الشيعة بانفسهم من باب كونهم مورد الاحد الاسباب الموجبة للخمس.

الرابعة: ما رواها ابو سلمة سالم بن مكرم و هو ابو خديجة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قال رجل و انا حاضر حلّل لى الفروج ففزع ابو عبد اللّه عليه السّلام فقال له رجل ليس يسلك ان يعترض الطريق انّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا اعطيه فقال هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميت منهم و الحىّ و ما يولد منهم الى يوم القيامة فهو لهم حلال أمّا و اللّه لا يحل الا لمن احلانا له و لا و اللّه ما اعطينا احدا ذمة و

ما عندنا لاحد عهد (هوادة) و لا لاحد عندنا ميثاق «1».

أقول الظاهر من الرواية كون نظر السائل الى ما يقع تحت يده من الغير و يحتمل كون حقهم عليهما السّلام فيه فيسأل تحليله له فحل عليه السّلام لشيعته و هذا غير مرتبط بما نحن فيه.

و الرواية ظاهرية فى انّ معرضية وقوع بعض حقهم باحد الاسباب اوجبت سؤاله عنه عليه السّلام و طلبه الحلية عنه عليه السّلام.

الخامسة: ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال انّ اشدّ ما فيه الناس يوم القيامة ان يقوم صاحب الخمس فيقول يا ربّ خمسى و قد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكوا اولادهم «2»

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 4 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 269

أقول و الظاهر كون مفادها كسابقها فلا ربط لها بالمقام.

السادسة: ما رواها محمد بن سنان عن يونس بن يعقوب قال كنت عند ابى عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال جعلت فداك تقع فى ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ما انصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم «1».

أقول و هذه الرواية اصرح من الروايات المتقدمة من حيث كون موردها هو ما يقع تحت ايدى الشيعة من الاموال المشكوكة كون حقهم عليهما السّلام فيها

و من هذه الرواية يستفادان مورد كل هذه الروايات هو ما قلنا و غير مربوطة بما نحن فيه.

السابعة: ما رواها داود بن كثير الرقى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول

الناس كلهم يعيشون فى فضل مظلمتنا الّا انا احللنا شيعتنا من ذلك «2».

لا يبعد شمولها لمطلق الخمس فى سهم الإمام عليه السّلام و سهم السادات نباء على دلالتها على حلية الخمس مطلقا.

أقول يشير عليه السّلام ظاهرا الى الظلمة الواقعة من غصب حقهم من الخلافة و ما تابعها من الخمس و الأنفال و صفو المال الّذي كان لهم و المراد بان الناس يعيشون فى فضل مظلمتنا باعتبار انهم يتصرفون فى عيشهم و فى ظل حكومة الجور و لحوقهم فيها و حلل ما يقع قهرا فى ايدى الشيعة ليزكوا فالرواية غير مربوطة بما نحن فيه.

الثامنة: ما رواها الحارث بن المغيرة النصرى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 4 من ابواب الانفال من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 4 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 270

انّ لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا قال فلم احللنا إذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم و كل من والى آبائى فهو فى حل ممّا فى ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب «1».

أقول و الرواية و إن كانت مجملة لعدم معلومية الحق الّذي كان منه عليه السّلام فى امواله و لكن الظاهر خصوصا باعتبار ساير الروايات المذكورة ان المراد ما وصل فى امواله من حقوقه باعتبار اختلاطه فى المعاملات و غيرها به فليست الرواية مربوطة بمحل الكلام.

التاسعة: ما رواها الفضيل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال من وجد برد حبنا فى كبده فليحمد اللّه على اوّل النعم قال قلت جعلت فداك ما اوّل النعم

قال طيب الولادة ثمّ قال ابو عبد اللّه عليه السّلام قال امير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام احلى نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا ليطيبوا ثمّ قال ابو عبد اللّه عليه السّلام انّا احللنا امهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا «2».

أقول و هى ظاهرة بل نصّ فى ان المراد ما اخذ الغاصبين من حقهم من فى ء فاطمة عليها السّلام و غيره و يصل قهرا منه بايدى الناس و الشيعة فاحل للشيعة فلا ربط للرواية بحلية الخمس الواجب على نفس الشخص من ارباح مكاسبه أو غيرها من الاسباب الموجبة للخمس.

العاشرة: ما رواها ابو سيار مسمع بن عبد الملك فى حديث قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام انى كنت وليت الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين الف درهم و كرهت ان احبسها عنك و اعرض لها و هى حقك الّذي جعل اللّه تعالى لك فى اموالنا فقال ما لنا من الأرض و ما اخرج اللّه منها الّا الخمس

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 4 من ابواب الانفال من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 4 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 271

يا أبا سيار الأرض كلّها لنا فما اخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا قال قلت له انا احمل أليك المال كله فقال لى يا أبا سيار قد طيّبناه لك و حللنا لك منه فضم أليك مالك و كل ما كان فى ايدى شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك الى ان يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان فى ايدى سواهم فانّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فياخذ الأرض من ايديهم

و يخرجهم منها صغرة «1».

أقول يحتمل كون الأرض الّتي حلّ عليه السّلام لشيعته ارضا خاصة الّتي وليها أو ارض الأنفال كما احتمله صاحب الوسائل رحمه اللّه فلا تدلّ الرواية على حلية مطلق الخمس للشيعة و المحتمل كونه متوليا على الغوص من قبل حاكم الجور فما وقع فى يده هو ما يأخذ من الغواصين كما يدل عليه رواية 19 و 20 من الباب 4 ورد فى إباحة حصة الإمام عليه السّلام من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام.

الحادية عشر: ما رواها الحرث بن المغيرة قال دخلت على ابى جعفر عليه السّلام فجلست عنده فاذا بخيّة قد استاذن عليه فاذن له فدخل فجثا على ركبتيه ثمّ قال جعلت فداك انى اريد ان أسألك عن مسئلة و اللّه ما اريد بها الّا فكاك رقبتى من النار فكانه رق له فاستوى جالسا فقال يا بخيّة سلنى فلا تسألني عن شي ء الّا أخبرتك به قال جعلت فداك ما تقول فى فلان و فلان قال يا بخيّة انّ لنا الخمس فى كتاب اللّه و لنا الأنفال و لنا صفو المال و هما و اللّه اوّل من ظلمنا حقّنا فى كتاب اللّه الى ان قال اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا قال ثمّ اقبل علينا بوجهه فقال يا بخيّة ما على فطرة ابراهيم غيرنا و غير شيعتنا «2».

اقول و لا يخفى انها لا ظهور لها فى إباحة الخمس مطلقا حتى ما تعلق بنفس

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 4 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 14 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 272

الشيعة بسبب حصول اسبابه لها بل المتقن أو الظاهر

منها خصوص الخمس الّذي ذهب عن ايديهم مثل الأنفال و صفو المال بظلم فلان و فلان.

الثانية عشر: ما رواها عبد العزيز بن نافع قال طلبنا الاذن على ابي عبد اللّه عليه السّلام و ارسلنا إليه فارسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين فدخلت انا و رجل معى فقلت للرجل احبّ ان تحل بالمسألة فقال نعم فقال له جعلت فداك ان ابى كان ممن سباه بنو امية و قد علمت ان بنى امية لم يكن لهم ان يحرّموا او لا يحللوا و لم يكن لهم ممّا فى ايديهم قليل و لا كثير و انّما ذلك لكم فاذا ذكرت الّذي كنت فيه دخلنى من ذلك ما يكاد يفسد على عقلى ما انا فيه فقال له انت فى حلّ ممّا كان من ذلك و كل من كان فى مثل حالك من ورائى فهو فى حلّ من ذلك قال فقمنا و خرجنا فسبقنا معتسب الى النفر القعود الذين ينتظرون اذن ابى عبد اللّه عليه السّلام فقال لهم قد ظفر عبد العزيز بن نافع بشي ء ما ظفر بمثله احد قطّ قيل له و ما ذاك ففسره لهم فقام اثنان فدخلا على ابى عبد اللّه عليه السّلام فقال احدهما جعلت فداك انّ ابى كان من سبايا بنى امية و قد علمت ان بنى امية لم يكن لهم من ذلك قليل و لا كثير و انا احب ان تجعلني من ذلك فى حلّ فقال و ذلك إلينا ما ذلك إلينا ما لنا ان تحلّ و لا ان نحرم فخرج الرجلان و غضب ابو عبد اللّه عليه السلام فلم يدخل عليه احد فى تلك الليلة إلا بدأه ابو عبد اللّه عليه السّلام فقال الا تعجبون

من فلان يجيئنى فيستحلّني ممّا صنعت بنو اميّة كانه يرى ان ذلك لنا و لم ينتفع احد فى تلك الليل بقليل و لا كثير الّا الاولين فانّهما عينا بحاجتهما «1».

أقول و هذه الرواية لا تدلّ على الاباحة بل تدلّ على خلافها بل كان تحليله عليه السّلام لمن دخل أولا لخصوصية فيه مثل فقر او جهة اخرى ربما يوجب فساد عقله فحلل له خاصة و لم يحلّ لغيره مع شدة استنكاره عليه السّلام من باب عدم كونه أهلا

______________________________

(1) الرواية 18 من الباب 4 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 273

للتحليل لعدم كونه من شيعتهم او لعدم حاجته أو للتقية كما يشعر بها قوله عليه السّلام (ما لنا ان نحلّ و لا ان نحرّم) و الحال أنّه حقهم واقعا و امره بيدهم و على كل حال لا تدلّ الرواية الّا على تحليله لخصوص الشخص المذكور لخصوص ما وصل تحت يده من عمال حكومة الجور فلا ربط لها بحلية الخمس فهى داله على عدم التحليل و فى الحقيقة معارضة مع بعض ما دل على تحليل ما يقع تحت يد الشخص ممن غصب حقهم من الخمس و غيره.

الثالثة عشر: ما رواها ابو حمزة عن ابى جعفر عليه السّلام فى حديث قال ان اللّه جعل لنا اهل البيت سهاما ثلاثة فى جميع الفي ء فقال تبارك و تعالى و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل فنحن اصحاب الخمس و الفي ء و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا و اللّه يا أبا حمزة ما

من ارض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب على شي ء منه الّا كان حراما على من يصيبه فرجا كان او ما لا الحديث «1» تدلّ على فرض تمامية دلالتها على حلية مطلق الخمس من سهم الإمام عليه السّلام و سهم سادات.

اقول و هذه الرواية بما ذكر فى ذيلها لا تفيد حلية الخمس و الفي ء الا فيما ربما يقع بالتحولات الواقعة تحت يدى الشيعة.

الرابعة عشر: ما روى فى تفسير الحسن بن على العسكرى صلوات اللّه و سلامه عليهما عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قد علمت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه سيكون بعدك ملك غضوض و جبر فيستولى على حمسى من السبى و الغنائم و يبيعونه فلا يحل لمشتريه لأنّ نصيبى فيه فقد وهبت نصيبى منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتى لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب و ليطيب

______________________________

(1) الرواية 19 من الباب 4 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 274

مواليدهم و لا يكون اولادهم اولاد حرام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما تصدق احد افضل من صدقتك و قد تبعك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فى فعلك احل الشيعة كلما كان فيه من غنيمة و بيع من نصيبه على واحد من شيعتى و لا احلها انا و لا انت لغيرهم «1».

أقول و دلالتها على خصوص ما وصل بيد الشيعة من الغاصبين اتفاقا واضح فلا ربط لها لما نحن فيه.

الخامسة عشر: ما رواها عيسى بن المستفاد عن

موسى بن جعفر عن ابيه عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال لابى ذر و سلمان و المقداد اشهدونى على انفسكم بشهادة ان لا إله الا اللّه الى ان قال و إن على بن ابى طالب وصى محمد و امير المؤمنين و إنّ طاعته طاعة اللّه و رسوله و الائمة من ولده و إنّ مودة اهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن و مئونة مع اقام الصلاة لوقتها و اخراج الزكاة من حلّها و وضعها فى اهلها و اخراج الخمس من كل ما يملكه احد من الناس حتى يرفعه الى ولى المؤمنين و اميرهم و من بعده من الائمة من ولده فمن عجز و لم يقدر الا على اليسير من المال فليدفع ذلك الى الضعفاء من اهل بيتى من ولد الائمة فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس و لا يريد بهم الا اللّه الى ان قال فهذه شروط الاسلام و ما بقى اكثر «2».

أقول و هذه الرواية تدلّ على ضد مدعى الحلية لدلالتها على وجوب اخراج الخمس.

السادسة عشر: ما رواها العياشى فى تفسيره عن فيض بن ابى شيبه عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال انّ اشد ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب

______________________________

(1) الرواية 20 من الباب 4 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 21 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 275

الخمس فقال يا رب خمسى و إن شيعتنا من ذلك فى حلّ «1».

اقول و هذه الرواية ضعيفة السند لارسالها فلا يؤخذ بها مضافا الى انها لا تدلّ

الا على كون الشيعة فى يوم القيامة مستريحه و فى حل و هل منشأه حلّ عليهم فى الدنيا و لهذا فى حلّ فى الآخرة او لانّهم أدّوا ما عليهم من حق صاحب الخمس و لهذا فى حل فى الآخرة و كلهما محتمل فلا يمكن الاستدلال بها على حلية الخمس حال الغيبة.

السابعة عشر: ما رواها حكيم مؤذن بنى عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له (و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرسول) قال هى و اللّه الافادة يوما بيوم الّا انّ ابى جعل شيعتنا من ذلك فى حل ليزكوا «2».

و هذه الرواية على تقدير تمامية الاستدلال بها تدلّ على حلية مطلق الخمس من سهم الإمام و السادات.

أقول و لعل هذه الرواية أظهر رواية من الروايات من حيث دلالتها على ما يدعى من إباحة الخمس الواجب بسبب الاسباب المتقدمة ذكرها على الشيعة.

الّا انّها ضعيفة السند لمجهولية حكيم مضافا الى ما فى محمد بن سنان الواقع فى طريق الرواية من الاختلاف فى توثيقه و هى لا تدلّ الا على ان الباقر عليه السّلام جعل شيعته فى حل و الصادق عليه السّلام بناء على امضائه و لا يدل على اباحته مطلقا حتى لمن يجب عليه الخمس بعده فى زمن سائر الائمة عليهم السّلام لأنّه عليه السّلام اسقط حقه لا حق الباقين من الائمة عليهما السّلام.

______________________________

(1) الرواية 22 من الباب 4 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل

(2) الرواية 8 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 276

الثامنة عشر: ما رواها الصدوق فى كتاب اكمال الدين عن محمد بن محمد بن عصام الكلينى عن محمد

بن يعقوب الكلينى عن إسحاق بن يعقوب فيما ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه الشريف امّا ما سألت عنه من امر المنكرين لى الى ان قال و أمّا المتلبّسون باموالنا فمن استحل منها شيئا فاكله فانما يأكل النيران و أمّا الخمس فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منه فى حل الى ان يظهر امرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث «1». هذه الرواية على تقدير تماميّة الاستدلال بها تدل على حلية مطلق الخمس سهم الإمام و سهم السادة.

أقول اعلم ان فى التوقيع الشريف كلاما من حيث السند باعتبار أنّه لم يذكر فى الرجال مدح و لا قدح عن محمد بن محمد بن عصام و اسحاق بن يعقوب فمن يوثّقهما ليس منشأه الا رواية الصدوق عن الأوّل و رواية الكلينى رحمه اللّه عن الثانى فمن لا يعتمد بالتوقيع من حيث السند يقول بعدم كفاية مجرد ذلك فى توثيقهما.

و أمّا من حيث الدلالة فنقول حيث ان التوقيع الشريف صدر فى جواب مسائل سألها السائل و لم يذكر الاسئلة فى التوقيع فقوله روحى فداه (و أمّا الخمس) لا نعلم أنّه وقع جوابا عن خمس خاص أو عن مطلق الخمس بعبارة اخرى تكون الألف و اللام فى الخمس للعهد أو للجنس و يحتمل قريبا كونها عهدا و كان سؤاله مثل ساير الاسئلة الواردة فى الروايات المتقدمة من الخمس الّذي وقع تحت يد الأشخاص من الغاصبين من خلفاء الجور فلا اقل من اجمال التوقيع من هذا الحيث فلا يمكن الاستدلال به على حلية الخمس مطلقا حتى فيما وجب على الشخص بحصول اسبابه من ارباح التجارات و غيرها.

التاسعة عشر: ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن

على بن محبوب عن

______________________________

(1) الرواية 16 من الباب 4 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 277

محمد بن الحسين عن عبد اللّه بن القاسم الحضرمىّ عن عبد اللّه بن سنان قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا اصاب لفاطمة عليها السّلام و لمن يلى امرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرم عليهم الصدقة حتى الخياط ليخيط قميصا بخمسه دوانيق فلنا منه دانق الّا من احللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة أنّه ليس من شي ء عند اللّه اعظم من الزنا أنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما ابيحوا «1».

أقول أمّا الرواية بحسب السند ضعيفة يعبد اللّه بن قاسم ففيه قال اهل الرجال واقفى كذاب و أمّا بحسب الدلالة فلا ظهور لها فى الحلية المطلقة لأنّ المراد من قوله عليه السّلام (الا من احللناه من شيعتنا الخ هو بعض الشيعة الذين حلل لهم لتطيب به الولادة بحيث لو لم يحلل لهم لا تطيب لهم الولادة مثل الشيعة الّتي كانت من السبايا الّتي سباها بنى امية كما ذكر فى الرواية الثانية عشر.

[الاخبار المعارضة مع هذه الاخبار]

إذا عرفت ما ذكرنا من الروايات المتمسكة بها فى تحليل الخمس و ما فيها من الاشكال من حيث الدلالة أو السند و انه لو كنا و هذه الروايات و لم يكن لنا شي ء آخر لا بد ان نقول بعدم وجود دليل على تحليل الخمس من قبلهم عليهما السّلام.

و لكن يبقى الامور الّتي يوجب وهن الاستدلال بهذه الاخبار.

الاوّل معارضة بعض الاخبار مع هذه الاخبار الّذي اخرجها صاحب الوسائل رحمه

اللّه فى الباب الثالث من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام عليه السّلام نذكر بعضا من هذه الروايات تيمنا.

منها ما رواها محمد بن يزيد الطبرى قال كتب رجل من تجار فارس من

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 278

بعض موالى ابى الحسن الرضا عليه السّلام يسأله الاذن فى الخمس فكتب إليه بسم اللّه الرحمن الرحيم انّ اللّه واسع كريم ضمن على العمل الثواب و على الضيق الهمّ و لا يحلّ مال الّا من وجه احلّه اللّه انّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا (أموالنا) و ما نبذله و نشترى من اعراضنا ممّن نخاف سطوته فلا نزووه عنا و لا تحرموا انفسكم دعانا ما قدر تم عليه فانّ اخراجه مفتاح رزقكم تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لانفسكم ليوم فاقتكم و المسلم من يفى للّه بما عهد إليه و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام «1».

أقول و هذه الرواية نص فى عدم التحليل و يظهر منها عدم امكان تحليل الخمس للحاجة إليه لتوقف حفظ الدين و عيالاتهم و مواليهم.

و منها ما رواها الصدوق رحمه اللّه فى كمال الدين عن محمد بن احمد السنانى و على بن احمد بن محمد الدقاق و الحسين بن ابراهيم بن محمد بن احمد بن هشام المؤدب و على بن عبد اللّه الوراق جميعا عن ابى الحسين محمد بن جعفر الاسدى قال كان فيما ورد على الشيخ ابى جعفر محمد بن عثمان العمرى رحمه اللّه فى جواب مسائلى الى صاحب الدار عليه السّلام و أمّا ما سألت عنه من

امر من يستحل ما فى يده من اموالنا و يتصرف فيه تصرفه فى ماله من غير امرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون و نحن خصمائه فقد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم المستحل من عترتى ما حرم اللّه ملعون على لسانى و لسان كل بنى مجاب فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا و كانت لعنة اللّه عليه بقوله عزّ و جل الا لعنة اللّه على الظالمين الى ان قال و أمّا ما سألت عنه من امر الضياع الّتي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها و اداء الخراج منها و صرف ما يفضل من دخلها الى الناحية احتسابا للاجر و تقربا إليكم فلا يحل لاحد ان يتصرف فى مال غيره بغير اذنه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 279

فكيف يحل ذلك فى مالنا أنّه من فعل شيئا من ذلك لغير امرنا فقد استحلّ منا ما حرّم عليه و من اكل من مالنا شيئا فانما يأكل فى بطنه نارا و سيصلى سعيرا «1».

أقول و هذا التوقيع الشريف يدل صدره على الذم على مستحلّى حقهم و اللعن عليه و إن كان تصرفه حلالا فلا يذمه عليه السّلام.

و إن قلت ان من يستحل حقهم هو المنكر لحقهم و هو غير الشيعة لانّهم لا يتصرفون فى حقهم الا باذنهم المستفاد من تحليلهم لشيعتهم كما يستفاد من اخبار التحليل فليس هذا التوقيع وارد فى محل كلامنا.

قلت أمّا أوّلا فان كان من يحله يحله لاجل تحليلهم لا من باب انكاره الخمس فكان المناسب أنّه روحى فداه يستثنى هذا القسم من كلامه و الحال ان كلامه مطلق

يشمل هذا القسم أيضا.

و أمّا ثانيا قوله فى ذيل التوقيع من اكل من مالنا شيئا فانّما يأكل فى بطنه نارا و سيصلى سعيرا مطلق يشمل الخمس و غير الخمس للشيعة و لغيرهم.

و منها ما رواها سعيد بن هبته اللّه الراوندى فى (الخرائج و الجرائح) عن ابى الحسن المسترق عن الحسن بن عبد اللّه بن حمدان ناصر الدولة عن عمه الحسين فى حديث عن صاحب الزمان عليه السّلام أنّه راه و تحته عليه السّلام بغلة شهبا و هو متعمم بعمامة خضرا يرى منه سواد عينيه و فى رجله خفّان حمرا و ان فقال يا حسين كما ترزأ على الناحية و لم تمنع اصحابى عن خمس مالك ثمّ قال إذا مضيت الى الموضع الّذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه الى مستحقه قال فقلت السمع و الطاعة ثمّ ذكر فى آخره ان العمرى اتاه و اخذ خمس ماله بعد ما اخبره بما كان «2».

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الأنفال ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 280

اقول و الظاهر ان هذه الاخبار تدلّ على عدم حلية الخمس الواجب على الشخص باحد اسبابه.

امّا من باب شمول اطلاقها له كما هو ظاهر الاخبار.

و أمّا من باب كون المتيقن من الروايات هذه الصورة بناء على عدم شمولها لحال الحضور.

[الجمع بين الاخبار]

إذا عرفت ما بيّنا لك من الطائفتين من الروايات نقول بعونه تعالى جوابا عن الاخبار المتوهمة دلالتها على تحليل الخمس فى حال الغيبة.

أوّلا بعدم دلالتها على المدعى كما بينا فى ذيل كل رواية من الروايات.

مضافا الى ضعف سند بعضها فان بعضها ظاهر

فى عدم ربطه بالمقام و بعضها و ان كان فرضا مربوط بالمقام يوهن الاستدلال به لضعف سنده.

و ثانيا ليس مقتضى الحجية لهذه الاخبار لانّها ممّا اعرض الاصحاب عنها فنكشف من اعراضهم وجود الريب فى صدورها.

و ثالثا انّ ظاهر الحلية و الاباحة من الاخبار المذكورة هو الحلية و الاباحة المالكية بمعنى ان الإمام عليه السّلام المالك له أباح للشيعة و ليس المراد الاباحة الشرعية بمعنى انّه بمقتضى شارعيته اباح للشيعة و بعد ما كانت الاباحة الاباحة المالكية تكون الشبهة موضوعية و لا بد من البينة فى الموضوعات و لا يكتفى فيها بالخبر الواحد كما يكتفى بها فى الشبهة الحكمية.

إن قلت بعد ورد الروايات الدالة عليها تبلغ ثمانية عشر فقد حصلت البينة قلت ان الروايات و إن كانت كثيرة لكن غايتها وثاقة بعض اسانيدها لا عدالة كل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 281

من فى طرقها و فى البينة لا بد من العدالة و هذا التوجيه ذكر فى المستمسك «1» ببيان منّى و لم يكن إن قلت و قلت الّذي بينت بل هو منّى فى مقام توجيه كلامه الشريف أقول بعد ما قلنا بحجية الخبر الواحد من باب الوثوق و الاطمينان و انّ بناء العقلاء فى هذه الصورة فمع حصول الاطمينان بالصدور يثبت به الحلية المالية لأنّ الاطمينان حجة من اىّ سبب حصل.

و رابعا انها معارض بمثلها من الاخبار الّتي ذكرنا بعضها الدالة على عدم تحليل الخمس و نصوصية بعضها لو لا كلّها فى ذلك مضافا الى اطلاق الاخبار الدالة على وجوب الخمس بالاسباب الخاصة لان فيها وجوبه مع تعليله و مع التعارض ان امكن الجمع بينهما بحمل الطائفة الدالة على الحلية على زمان

الحضور و الطائفة الدالة على عدم الحلية على حال الغيبة تكون النتيجة أيضا عدم الحلية حال الغيبة.

فنقول بعض الاخبار من الطائفة الاولى و إن كان قابلا لهذا الحمل لكن ليس كلّها قابلا لهذا لحمل مضافا الى انّ ما ذكر فى بعض الأخبار من حكمة عدم الحلية صونا لحفظ عرضهم و عيالهم و الدين و مواليهم لا يساعد بهذا الجمع.

او حمل الطائفة الاولى.

على حلية خصوص الخمس الّذي يقع تحت ايدى الشيعة من قبل الغاصبين من باب ابتلائهم بهم و بمعاملاتهم و بما فى ايديهم.

و حمل الثانية على خصوص الخمس الواجب على الشخص من الاسباب الخاصة من ربح تجارته و غير ذلك من الاسباب الموجبة للخمس.

فهذا جمع ليس ببعيد و يمكن القول به.

______________________________

(1) المستمسك، ج 9، ص 579.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 282

و ان ابيت عن ذلك و وقع التعارض بينهما.

نقول بانّه لا بد من اخذ الطائفة الثانية و ترك الطائفة الاولى لأنّ الترجيح مع هذه الطائفة.

لأنّ اوّل المرجحات هو الشهرة و هى مع الطائفة الثانية إذا كانت الشهرة المرجحة الشهرة الفتوائية لأنّ المشهور القريب بالاتفاق قائلون بعدم حليته حال الغيبة.

ثمّ بعد الشهرة تصل النوبة بمخالفة العامة و ما دل على عدم التحليل مخالف لهم.

ثمّ بعد ذلك تصل النوبة بموافقة الكتاب و ما دل على عدم التحليل موافق له و ما دل على التحليل مخالف للكتاب.

فتحصل ممّا مر انّ الحق بين القول بالتحليل و بين عدم تحليل الخمس هو القول الثانى.

ثمّ بعد ما يجب اداء نصف الخمس الّذي هو حال الغيبة للامام و لم يبح لشيعته ما نقول فيه فعلى هذا يقع الكلام فى الاحتمالات الباقية غير احتمال التحليل و هى على ما

ذكرنا خمسة احتمالات:

الاحتمال الاوّل: وجوب دفن الخمس و كنزه حتى يظهر الحجة عجل اللّه تعالى تعالى فرجه الشريف و يخرجه و يتصرف فيه بما يشاء.

و وجهه على ما ذكر هو ما روى من ان الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الحجة عليه السّلام و يخرجها من كل مكان «1».

______________________________

(1) الاحتجاج الجزء 7، ص 10 الطبعة الحديثة (على ما فى المتمسّك).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 283

و فيه كما قيل ان الرواية على فرض صدورها لا تدلّ الّا على ان الكنوز تظهر عند ظهوره روحى فداه و هو يأخذها و هذا لا يدلّ على وجوب دفنها لكى يأخذه إذا ظهر إن شاء الله.

مضافا الى انّ مظنه الخطر و الضرر فى اكثر الاوقات و معها يكون تفريط مال الغير و لا مجوّز له.

الاحتمال الثاني: عز له و ايداعه و الوصية به عند الموت لأنّ هذا مال بعلم مالكه و لا يمكن ايصاله إليه فعلا فلا بد من حفظه و ايداعه لأن يصل إليه.

و فيه ان فى ذلك مظنة الضرر و الخطر فى المال و تفريط فى مال الغير و هو غير جائز.

الاحتمال الثالث: وجوب الاقتصار و صرف سهمه عليه السلام فى الاصناف الثلاثة اليتامى و المساكين و ابن السبيل و يستدل على ذلك بمرسلتى حماد و مرفوعة احمد بن محمد المتقدمتين فى طى المسألة 2 المستفاد منهما أنّه مع عدم كفاية سهم الاصناف الثلاثة لهم من الخمس على الإمام عليه السّلام ان يتم من ماله فان وجوبه عليه حال حضوره عليه السّلام يقتضي وجوبه حال غيبته عليه السّلام فيجب صرفه بهم تتميما لهم.

و فيه ان الروايتين لا تدلّان على وجوب ذلك حال غيبة عليه السّلام

بل ظاهرهما حال الحضور بحيث يأخذ ما زاد عن حاجتهم و يتمم ما نقص عنهم.

الاحتمال الرابع: اجراء حكم المجهول مالكه على سهمه عليه السّلام حال غيبته من باب دعوى شمول بعض النصوص الوارد فيه على كل مال يعلم مالكه و يعتذر الوصول إليه.

و فيه انّ مورد اجراء حكم مجهول المالك كما ذكر هو صورة تعذر ايصال مال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 284

الشخص إليه و مع فرض رضى الشخص المعلوم كونه مالكه للمال بصرفه فى مصرف لا بد من صرفه فيه لأنّ الواجب صرفه فيما يحرز برضاه به لأنّه ايصال به فمع امكان صرفه فيما يعلم برضى الإمام عليه السّلام فيه يعلم بوجوب صرفه فيه لأنّه من جملة ايصال المال به.

فبناء عليه نقول بان الاقوى بين المحتملات.

هو الاحتمال الخامس من الاحتمالات الخمسة و الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الستة الّتي تعرضنا لها فى صدر المسألة و هو صرف سهمه عليه السّلام من الخمس فيما يعلم برضى صرفه فيه من اقامة اعلام الدين و ترويج الشريعة و مئونة طلبة العلم و انتشار حلال اللّه و حرامه و غيرها مما يعدّ اعلاء كلمة الاسلام و فى مسيره و حفظ المسلمين و نواميس الدين و هو يختلف باختلاف الازمنة و الأمكنة و الميزان صرفه فى المورد الّذي يعلم رضاه عليه السّلام بصرفه فيه.

إذا عرفت ممّا مر وجوب صرف سهم الإمام عليه السّلام حال غيبة فيما يعلم برضائه فى صرفه فيه يقع الكلام فى أنّه هل يكون للمكلف الواجب عليه سهم الإمام عليه السّلام صرفه فيما يعلم برضاه عليه السّلام فى صرفه فيه بدون ارجاع الامر الى المجتهد الجامع للشرائط.

او لا يجوز له ذلك بل لا

بد من الايصال الى المجتهد لأنّ أمره بيده حتى يصرفه المجتهد فيما يعلم برضاه عليه السّلام.

قد يقال بالاوّل كما حكى عن غرية المفيد و مال إليه صاحب الحدائق.

لعدم دليل على وجوب الرجوع بالمجتهد فاذا علم من عليه حق سهم الإمام عليه السّلام برضاه فى صرفه فى محل يجوز له صرفه بلا مراجعة بالحاكم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 285

و أمّا ادلة الولاية مثل قوله عليه السّلام جعلته قاضيا أو حاكما أو حجة الّتي فى مقام جعل الولاية الّتي للامام عليه على الناس فى مجارى الامور للمجتهد لا يمكن ان يقال بكون المجتهد وليّا عليه فلا ولاية للمجتهد على الإمام عليه السّلام من حيث هذه الولاية.

و أمّا الولاية الّتي للامام عليه السلام على امواله مثل ساير الناس من باب ان الناس مسلطون على اموالهم «1». فادلة الولاية ليست ناظرة الى هذه الولاية حتى يكون امر المال الشخصى المتعلق بالامام عليه السّلام راجعا حال الغيبة إليه و الا لو كان كذلك كان امر السهم بيد المجتهد و له التصرف بما يشاء من المصالح مثل المصالحة بالاقل إذا كان الدوران بين الاقل و الاكثر او تبديله بعين اخرى ممّا يرى مصلحة بمقتضى ولايته عليه سواء علم رضى الإمام عليه السّلام أو لا.

و نتيجة اختيار الاحتمال الأوّل و هو صرفه فيما يعلم برضاه عليه السّلام هى كون المال باقيا بملكه عليه السّلام و حيث نعلم برضاه فى صرفه فى الجهات المربوطة بالاسلام و اعلاء كلمته و تقويته فلنا بصرفه فيه و لا يجوز اذخاره أو ابداعه أو معاملة مجهول المالك معه أو اعطائه بالسادة.

و قد يقال بالثانى كما حكى عن الاكثر بوجوب تولى الفقيه الجامع للشرائط

فى صرفه و الايصال إليه أو صرفه باذنه.

امّا بدعوى الاجماع عليه.

أو من باب انّ للمراجعة بالحاكم دخل فى العلم برضاه من باب كونه ابصر بالجهات الّتي يرضى الإمام صرف ماله فيه بل العوام غالبا لا يلتفتون بالجهات

______________________________

(1) البحار باب 33 حديث 7 ج 2 صفحة 272 الطبعة الجديدة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 286

المرضية عند الإمام عليه السّلام و الملاكات المطلوبة عنده و لهذا مع ان غير المجتهد لا يتوجه بالخصوصيات المطلوبة أو المبغوضة عنده عليه السّلام لا يحصل له العلم برضاه قبل الارجاع الى الحاكم فلا بد من الايصال الى المجتهد أو الاذن منه.

أو بدعوى انّ سهم الإمام عليه السّلام اعنى سهم اللّه تعالى و سهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سهم ذوى القربى ليس ملكا لشخصه الشريف بل هو ملك لمنصبه المنيف منصب الزعامة الدينية و ولاية الامر ففى زمان غيبته عليه السلام لا بد من ان يتولاه من يتولى المنصب و إن عزل الحاكم الشرع عن الولاية عليه يؤدى ذلك الى ضياع الزعامة الدينية و الاحتفاط بها من اهم الواجبات الدينية.

امّا كون السهم ملكا لمنصب الإمام عليه السلام فلما يستفاد من بعض روايات الباب المصرحة فيها بانّ سهم اللّه تعالى و سهم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم للامام عليه السّلام.

مثل ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر عن الرضا عليه السلام قال سئل عن قول اللّه عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ فقيل له فما كان اللّه فلمن هو فقال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم

و ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو للامام الحديث «1».

منها ما فى رواية حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام و فيها قال فسهم اللّه و سهم رسوله لاولى الامر من بعد رسول اللّه وراثة و له ثلاثة اسهم سهمان وراثة و سهم مقسوم له الخ). «2»

لأنّ ما كان سهم اللّه تعالى و سهم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يصل الى الإمام عليه السّلام من جهة الشخصية بل من جهة ولايته خصوصا مع التعبير فى رواية حماد بأن (سهم اللّه و سهم

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 1 ابواب خمسة الخمس من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 287

رسوله لاولى الامر من بعد رسول اللّه) فالظاهر ان ولاية أمره توجب كون سهمها له عليهم السّلام.

و بعد كون السهم ملكا للامام عليه السّلام من باب منصبه فمقتضى ولاية الفقيه كون امر ذلك السهم راجعا إليه فلهذا لا بد من ايصال سهمه عليه السّلام بالمجتهد الجامع للشرائط أو صرفه باذنه فعلى هذا ايصال سهمه عليه السّلام حال الغيبة الى المجتهد احوط لو لم نقل بكونه اقوى.

المورد الثاني: فى حكم نصف الخمس الّذي جعل للاصناف الثلاثة

الايتام و المساكين و ابن السبيل.

فنقول بعونه تعالى بان المحكى فيه اقوال.

القول الاوّل: سقوطه و اباحته للشيعة كما حكى عن الديلمى و الذخيرة و الحدائق و غيرهم.

القول الثاني: فى وجوب دفنه الى زمان ظهور الحجة عليه الصلاة و السلام و روحى فداه كما حكى عن بعض.

القول الثالث: وجوب الوصية به كما حكى عن التهذيب.

القول الرابع: التخيير بين قسمته بين الاصناف الثلاثة وغر له و حفظه و الوصية

به أو بين ذلك و دفنه.

القول الخامس: و هو المشهور وجوب قسمته بين الاصناف الثلاثة المذكورة.

و الدليل على القول الأوّل اطلاق بعض الاخبار المتوهمة دلالتها على إباحة الخمس يشمل الخمس مطلقا سهم اللّه تعالى و سهم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سهم ذوى القربى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 288

الّذي يكون كلّها للامام عليه السّلام و سهم اليتامى و المساكين و ابن السبيل.

و قد مر جواب هذا الدليل فى المورد الأوّل فلا حاجة الى الاعادة.

كما أنّه مر بطلان القول الثانى و الثالث و الرابع.

فالمختار هو الوجه الخامس كما هو مقتضى الآية الشريفة و كثير من الاخبار.

و هل يجب المراجعة الى الحاكم الشرعى فى هذا النصف الّذي للاصناف الثلاثة من السادة و الدفع إليه أو الاستيذان منه او لا يجب ذلك بل له ان يدفع بنفسه ما عليه سهمهم إليهم بدون الرجوع الى المجتهد قولان.

الاقوى الثانى لأنّ مع الشك فى الجزئية و الشرطية مجرى البراءة.

و امّا وجه القول الأوّل ان ذلك وظيفة الإمام عليه السّلام و فى غيبته عليه السّلام الى من هو ولى الامر من قبله و هو المجتهد.

و فيه أنّه لو دل دليل على كون الامر إليه عليه السّلام حال حضوره فهو من باب أنّه يتم ما نقص عن السادة و يأخذ ما يفصل عنهم و لا دليل على ذلك حال الغيبة نعم هو احوط استحبابا.

***

[مسئلة 8: لا اشكال فى جواز نقل الخمس من بلده الى غيره]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا اشكال فى جواز نقل الخمس من بلده الى غيره إذا لم يوجد المستحق فيه بل قد يجب كما إذا لم يكن حفظه مع ذلك أو لم يكن وجود المستحق فيه متوقعا بعد ذلك و لا

ضمان حينئذ عليه لو تلف و الاقوى جواز النقل مع وجود المستحق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 289

أيضا لكن مع الضمان لو تلف و لا فرق بين البلد القريب و البعيد و ان كان الاولى القريب الا مع المرجح للبعيد.

(1)

أقول فى المسألة مسائل:

المسألة الاولى: لا اشكال فى جواز نقل الخمس من بلده الى غيره

إذا لم يوجد المستحق فيه لأنّه يجب اداء حق الغير به.

بل يجب ذلك لما قلنا من وجوب ايصال حق صاحب الخمس بهم و على الفرض ليست فى بلده فيجب نقله الى غير بلده لإيصال حقه به.

سواء امكن حفظه او لا يمكن حفظه.

و سواء يكون وجود المستحق فى بلده متوقعا بعد ذلك او لا لوجوب ايصال حق صاحب الحق به فورا بالفورية العرفية.

المسألة الثانية: فى كل الفروض الّتي جامعها عدم وجود المستحق فى بلده

إذا نقل الخمس من بلده و تلف هل يكون ضامنا أو لا.

أقول ما يأتى بالنظر هو جواز عزل الخمس للمالك لأنّ الخمس واجب عليه فيجب رده الى المستحق فيكون اختيار ردّ خمس العين المتعلق للخمس.

و كذا قيمته بناء على تخيير المكلف بين العين و القيمة و قد مرّ الكلام فيه المسألة 75 إليه و ان استشكلنا فى تخييره و لا دليل على كون اختيار عزل الخمس بيد المستحق او الحاكم و إن لم يكن المعزول به إذا كان قيمة الخمس سببا لتشخيص الخمس به ما لم يقبضه المالك أو اجازه بناء على عدم كون المالك مخيرا بين العين و القيمة و مع الشك فى دخل المستحق او وليه فى عزله تجرى البراءة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 290

ففى صورة عزله من العين و كذا القيمة إذا كان له تخيير بين العين و القيمة يكون يد المالك ما لم يفرط فى المعزول بعنوان الخمس يدا أمّا نيّة فلو تلف بلا تفريط لا يكون ضامنا لأنّ نقله من بلده يكون لعدم وجود المستحق و ينقل عنه لادائه بمستحقه فلا تفريط من قبله مسلما بل هو محسن و ما على المحسنين من سبيل.

و الاولى من حيث عدم الاشكال ما إذا نقل تمام العين

المتعلقة للخمس من بلده لأنّ يخرج خمسه و يعطيه بالسادة وجه الاولوية عدم تحقق.

عزل من المالك بل نقل تمام المال كى يأخذ المستحق سهمه كما يأتى إن شاء اللّه فى المسألة 12 من انّه لم ار وجها راسا لأوليه صرف الخمس فى بلد حصل فيه سبب الخمس مثلا حصل الربح فى مكاسبه

المسألة الثالثة: هل يجوز نقل الخمس من بلده مع وجود المستحق فيه او لا.

أقول الكلام فيها ينبغى ان يقع فى الموردين.

المورد الاول: فيما عزل المالك الخمس من عين ما تعلق به الخمس مثلا تعلق بخمس توامين فعزل عنه تومانا واحدا بعنوان الخمس كى يصل الى مستحقه فنقول فى هذا المورد بانّه بعد ما يجب عليه دفع الخمس الى المستحق و المستحق كما يوجد فى بلده يوجد فى بلد آخر و هما مساويان فى الاستحقاق لعدم وجود دليل على تقدم المستحق من اهل بلده على المستحق من غير بلده و لو شككنا فى تقدم اهل البلد على غيره ندفع بالبراءة لكون الشك فى الشرطية و الجزئية.

فتكون النتيجة جواز نقله من بلده الى غير البلد.

إن قلت ان هذا ينافى مع الفورية العرفيّة المعتبرة لوجوب رد الخمس فورا و الاخراج من البلد مع امكان اداء الواجب فى البلد ينافى الفورية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 291

قلت هذا لا ينافى الفورية العرفيّة لأنّ معنى اطاعة الامر فورا هو القيام بادائه بحسب المتعارف من إتيان مقدماته و شرائطه و القيام باداء الواجب فمن يخرج من بيته لاداء الخمس فهو بادر الى امتثال أمره و إن تحقق المامور به بعد يوم أو ايام فان كان للواجب فردان احدهما ذات مقدمة قصيرة و الآخر ذات مقدمة طويلة لا يحكم العقل بوجوب.

اختيار الفرد الّذي مقدمته قصيرة و تعينه فى قبال الفرد

الّذي الطويل مقدمته طويلة و الّا فلا بد ان تقول بذلك فى نفس بلد المالك بأنّه ان كان طريق بيت سيد من السادة اقصر من السيد الآخر مع فرض تساويها فى الجهات يجب ردّ الخمس بالسيد الّذي كان فصل بيته بيت المالك اقصر من بيت السيد الآخر فهذا ما لا يمكن القول به.

فعلى هذا ما يأتى بالنظر جواز نقل الخمس من بلده مع وجود المستحق الى بلد آخر لدفع الخمس الى المستحق الآخر.

المورد الثانى فيما عزل المالك الخمس فى مال آخر غير العين المتعلقة بها الخمس و قد عرفت فى طى المسألة 75 الاشكال فى تخيير المالك بين اداء الخمس من العين و بين غيره بدون اذن صاحب الخمس أو الحاكم بناء على كون الولاية له حتى فى سهم السادات و قد مر الكلام فى وجوب الاستيذان من الحاكم فى سهم السادة و عدمه فى المسألة السابقة فمع عدم اذن صاحب الخمس أو الحاكم فى سهمه أو سهم السادة لا يتعين الخمس فيما عزله من غير عين المتعلق للخمس فلو تلف فى حال العزل و نقله الى غير البلد فقد وقعت الخسارة على نفسه و هو مديون للخمس و يجب ردّه و لا فرق فى هذه الصورة بين وجود المستحق فى بلده و عدم وجود المستحق فى الضمان لما قلنا من عدم تعين الخمس فيما عزله بعنوان قيمته بل حق صاحب الخمس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 292

باق فى العين و لو تلف المعزول تلف من مال المالك.

و لو قلنا بتخيير المالك بين دفع الخمس عن العين أو القيمة أو اجاز الحاكم أو صاحب الخمس فى حصته بتبديل الخمس بشي ء آخر

فعزله المالك فى مال آخر و نقله الى غير البلد مع وجود المستحق فى بلده فتلف بدون تقصيره و تفريطه فلا ضمان على هذا على المالك لما قلنا من جواز النقل الى غير البلد و لو كان المستحق موجودا فى بلده.

و ممّا مرّ منا جواز نقل الخمس فى صورة عزله فى العين أو عزله فى القيمة باجازة صاحب الخمس او وليه سواء كان المستحق فى بلده أو لا يوجد المستحق فى بلده تعرف أنّه لا فرق بين غير بلده من البلاد من حيث قربه ببلده أو بعده.

***

[مسئلة 9: لو اذن الفقيه فى النقل لم يكن عليه ضمان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: لو اذن الفقيه فى النقل لم يكن عليه ضمان و لو مع وجود المستحق و كذا لو وكّله فى قبضه عنه بالولاية العامة ثمّ اذن فى نقله.

(1)

أقول بناء على ولايته بالنسبة الى النصف من الخمس الّذي للسادة و أمّا بالنسبة الى النصف الآخر و هو سهم الإمام عليه السّلام فامره إليه كما عرفت فمع كون النقل باذنه لا ضمان عليه لعدم كون يده يد العادية بل يده بعد اذن من له الولاية تكون يد الامانى و لا ضمان مع تلفه بلا تفريطه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 293

[مسئلة 10: مئونة النقل على الناقل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: مئونة النقل على الناقل فى صورة الجواز و من الخمس فى صورة الوجوب.

(1)

أقول لأنّ فى صورة جواز النقل و هو ما كان المستحق موجودا فى بلده لا يكون النقل لمصلحة صاحب الخمس فلا وجه لكون مئونة النقل على صاحب الخمس.

اما فى الصورة الثانية اعنى صورة وجوب النقل لعدم وجود المستحق فى بلد المالك فالمئونة على الخمس لكون النقل لمصلحته.

***

[مسئلة 11: ليس من النقل لو كان له مال فى بلد آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: ليس من النقل لو كان له مال فى بلد آخر فدفعه فيه للمستحق عوضا عن الّذي عليه فى بلده و كذا لو كان له دين فى ذمة شخص فى بلد آخر فاحتسبه خمسا و كذا لو نقل قدر الخمس من ماله الى بلد آخر فدفعه عوضا عنه.

(2)

أقول ليست الصور المذكورة من النقل بل كفاية دفعه فى الصورة الاولى موقوف على تخيير المالك بين دفع الخمس من العين و قيمته أو كان مع رضى صاحب الخمس.

و كذا احتسابه فى الصورة الثانية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 294

و كذا فى الصورة الثالثة.

***

[مسئلة 12: لو كان الّذي فيه الخمس فى غير بلده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لو كان الّذي فيه الخمس فى غير بلده فالاولى دفعه هناك و يجوز نقله الى بلده مع الضمان.

(1)

أقول وجه الاولية كون العين المتعلقة للخمس فى هذا البلد.

و لم ار وجها للاولوية لأنّ المستفاد من ادلة وجوب الخمس هو وجوب صرفه فى الموارد المذكورة و لا دليل على وجوب صرفه فى بلد حصول موضوع الخمس راسا فعلى هذا لا يأتى بالنظر تقديم لبلد حصول موضوعه على غيره.

و لا يوجب على ما قلنا ضمان فى صورة نقله

***

[مسئلة 13: ان كان المجتهد الجامع للشرائط فى غير بلده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: ان كان المجتهد الجامع للشرائط فى غير بلده جاز نقل حصة الإمام عليه السّلام إليه بل الاقوى جواز ذلك و لو كان المجتهد الجامع للشرائط موجودا فى بلده أيضا بل الاولى النقل إذا كان من فى بلد آخر افضل أو كان هناك مرجّح آخر.

(2)

أقول الكلام فى المسألة يقع تارة فى صورة عدم وجود المجتهد الجامع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 295

للشرائط فى بلده بل يكون فى بلد آخر فنقول بعونه تعالى الكلام كما هو مفروض المتن.

ان كان فى سهم الإمام عليه السلام اعنى نصف الخمس فقد مضى ان أمره فى غيبته روحى فداه الى المجتهد الجامع للشرائط فلا بد من الايصال إليه أو الاستيذان منه فمع عدم وجوده فى بلده يجب الايصال به أو الاستيذان منه فى كل بلد كان فكان الحري ان يقول فى هذه الصورة يجب النقل إليه أو الاستيذان منه.

و أمّا بالنسبة الى النصف الآخر المتعلق بالاصناف الثلاثة.

فان قلنا بوجوب تسليمه الى الفقيه أو الاستيذان منه فيجب النقل أو الاستيذان مثل سهم الامام عليه السّلام.

و ان قلنا بعدم وجوبه بل قلنا بانّه احوط وجوبا

فيجب على الأحوط و ان قلنا بعدم وجوب الردّ به و لا الاستيذان منه فلا يجب النقل إليه سواء كان فى بلده أو غير بلده.

و تارة يقع الكلام فى صورة وجود المجتهد الجامع الشرائط فى بلده و انه هل يجوز نقل سهم الإمام عليه السّلام من بلده الى بلد اخر أو لا يجوز ذلك.

الاقوى الجواز لأنّ الواجب الايصال الى المجتهد و لا فرق بين المجتهد فى بلده و بين المجتهد فى غير بلده فهو مخيّر بين ايصاله بايّهما شاء و لا ينافى ايصاله الى المجتهد فى غير بلده مع الفورية العرفية المعتبرة فى امتثال الامر المتعلق بالخمس كما قلنا فى طى المسألة 9.

و كذا سهم السادات بناء على القول بوجوب الايصال إليه بالنحو الفتوى و يجب احتياطا بناء على القول بانّ الايصال إليه احوط وجوبا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 296

و أمّا بناء على عدم وجوب الايصال إليه بل يجوز ردّه الى السادة بنفسه فيجوز له رده الى المجتهد مخيرا بين افراد المجتهدين من بلده و غير بلده أو اعطائه بيده بالمستحقين.

***

[مسئلة 14: قد مرّ أنّه يجوز للمالك ان يدفع الخمس من مال آخر له]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: قد مرّ أنّه يجوز للمالك ان يدفع الخمس من مال آخر له نقدا أو عروضا و لكن يجب ان يكون بقيمته الواقعية فلو حسب العروض بازيد من قيمتها لم تبرأ ذمته و إن قبل المستحق و رضى به.

(1)

أقول بعد فرض جواز دفع الخمس من مال آخر للمالك بحيث يكون الامر إليه بدون احتياج الى رضى صاحب الخمس فى دفع القيمة و إن اشكلنا فيه كما مرّ فى المسألة 75.

فما هو الجائز هو دفع قيمة الخمس قيمته الواقعيّة فلو حسب العروض المؤداة ازيد من قيمته الواقعية لم

تبرأ ذمته عن الخمس الواجب عليه الّا فى مقداره الواقعى و إن قبل المستحق و رضى به لأنّ برضاه لا تبرأ ذمة المالك عما يجب عليه.

***

[مسئلة 15: لا تبرأ ذمته من الخمس الا بقبض المستحق أو الحاكم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: لا تبرأ ذمته من الخمس الا بقبض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 297

المستحق أو الحاكم سواء كان فى ذمته أو فى العين الموجودة و فى تشخيصه بالعزل اشكال.

(1)

أقول لعدم الدليل على براءة ذمته قبل قبض المستحق أو الحاكم لوجوب ايصال حق كل ذى حق إليه و يحصل بقبضه الى المستحق و هذا واضح كما يحصل بقبضه الى الحاكم أمّا فى سهم الإمام عليه السّلام لأنّ أمره بيده فى غيبته عليه السّلام و أمّا النصف الاخر فيكفى قبضه بناء على ثبوت ولايته به كما هو ثابت للامام عليه السّلام.

نعم يحصل القبض باعطاء خمس العين بصاحب الخمس و برضى صاحب الخمس باحتسابه بما فى ذمته من المالك و بالعين الاخرى.

و أمّا مجرد عزله بان يفرض سهم صاحب الخمس من العين المتعلقة للخمس فالظاهر ان عزله يشخص سهم صاحب الخمس فيه لأنّ الامر فى رد الخمس كما عرفت راجع الى المالك و على هذا لو تلف بعد عزله بلا تفريط لا ضمان عليه.

نعم لو فرط فيه و لو بتأخير قبضه بلا عذر بصاحب الخمس فتلف يكون المالك ضامنا.

و أمّا تبديلها بشي ء آخر بعنوان القيمة فلا يشخصه و إن عزله و افرزه لما اشكلنا فى المسألة 75 فى كون المالك مخيرا بين ردّ عين الخمس و قيمته.

و على هذا لو تلف المعزول يكون على عهدة المالك و لم يبرأ ذمة عن الخمس الواجب عليه.

و أمّا ان قلنا بتخيير المالك بين اقباض العين و قيمته فاختار المالك

قيمة الخمس فى شي ء و لم يفرط فى ايصاله الى المستحق مثلا كان فى طريق الايصال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 298

فتلف قهرا فلا ضمان عليه لأنّه كان فى طريق امتثال الواجب فهو محسن و ما على المحسنين من سبيل.

***

[مسئلة 16: إذا كان فى ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمسا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا كان فى ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمسا و كذا فى حصة الإمام عليه السّلام إذا اذن المجتهد.

(1)

أقول أمّا بناء على عدم تخيير المالك بين دفع الخمس من عين ما تعلق به الخمس و بين دفع قيمته فلا يجوز احتساب ما فى الذمة خمسا الا مع اذن صاحب الخمس و هو السادات و المجتهد فى عصر الغيبة و حيث انا استشكلنا فى تخييره فى طى المسألة 75 نستشكل احتسابه بدون اذن صاحب الخمس و رضاه.

و أمّا على تخييره بين دفع الخمس من العين و بين دفع قيمته فيصح للمالك احتساب ما فى ذمة المستحق خمسا و كذا فى حصة الإمام عليه السّلام و لو لم يأذن المجتهد إذا كان عليه دين فى ذمة المجتهد لأنّه على هذا يجب على المالك الخمس و له تعيينه فى عين المال المتعلق للخمس و فى قيمته فيختار ماله فى ذمة صاحب الخمس خمسا و تكون نتيجته ابراء ذمته عن الدين حيث أنّه بعد تعيينه خمسا لا يحتاج الى الايصال إليه لكونه حاصلا عنده لما فى ذمته من مال المالك.

إن قلت انّ احتسابه ما فى ذمة صاحب الخمس خمسا يحتاج الى قبول صاحب الخمس لأنّه ملك له و التمليك يحتاج الى القبول فلا يجوز احتساب ما فى ذمته خمسا بدون اذنه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 299

قلت

أولا هذا الاشكال مبنى على استفادة الملكية من آية الخمس و قد عرفت أنّه من المحتمل ان تكون الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ الخ فى مقام بيان ان الاصناف الثلاثة مصرف للخمس لا ان تكون فى مقام كونه ملكا لهم.

و ثانيا ليس الايصال الى المستحق تمليكا له حتى يحتاج الى القبول بل و لا أبرأ ذمة المالك حتى يقال بكونه ايقاعا لا يحتاج الى القبول بل بناء على تخييره بين اداء العين أو القيمة معنى براءة ذمة صاحب الخمس يحصل بتعيين شي ء من ماله خمسا و ايصاله الى المستحق و لو لم يعلم به كما يكون الامر كذلك فى ايصال شي ء خارجى به بدون ان يعلمه بذلك فهو باحتسابه ما فى ذمة المستحق خمسا يبرأ ذمة صاحب الخمس عن الدين و يبرأ به ذمته عن الخمس.

***

[مسئلة 17: إذا اراد المالك ان يدفع العوض لا يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: إذا اراد المالك ان يدفع العوض نقدا او عروضا لا يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد بالنسبة الى حصة الامام عليه السّلام و إن كانت العين الّتي فيها الخمس موجودة لكن الاولى اعتبار رضاه خصوصا فى حصة الامام عليه السّلام.

(1)

أقول أمّا بناء على جواز دفع القيمة أو العروض عوضا عن العين المتعلقة بها الخمس و تخيير المكلف بين رد العين و القيمة لا يعتبر رضا المستحق أو المجتهد.

و أمّا بناء على عدم تخييره كما استشكلنا تخيير المالك فى المسألة 75 فلا بد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 300

رضى صاحب الخمس مجتهدا كان او السادة بما يعطيه عوضا قيمة كان أو عروضا.

***

[مسئلة 18: لا يجوز للمستحق ان يأخذ من باب الخمس و يرده على المالك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: لا يجوز للمستحق ان يأخذ من باب الخمس و يرده على المالك الّا فى بعض الاحوال كما إذا كان عليه مبلغ كثير و لم يقدر على ادائه بان صار معسرا و اراد تفريغ الذمة فحينئذ لا مانع منه إذا رضى المستحق بذلك.

(1)

أقول انّ ردّ المستحق.

تارة يقع منه بلا اشتراط رد المالك عليه كما إذا اعطى المالك الخمس بمستحقه مطلقا ثمّ يردّ صاحب الخمس به مثلا يهب به فلا اشكال فيه من حيث كونه اداء للخمس و لا من حيث جواز ردّه.

و تارة يشترط المالك ردّه عليه فهنا كلام من حيث جواز اخذ المستحق فقد يقال بجواز اخذه لأنّه بعد عدم ولاية المالك على هذا الشرط يصير شرطه لغوا فيجوز اخذ ما يعطيه بعنوان الخمس.

و قد يقال بعدم جواز اخذه بانّه و إن كان الشرط لغوا لكن حيث يكون رضاه مقيدا بالرد و ليس مطلقا لا يجوز اخذه لأنّ اخذه برضاه المشروط

غير جائز و رضاه المطلق لم يكن فى البين.

و لكن يمكن ان يقال بجواز اخذه للمستحق لأنّه ما يعطيه ان كان عين الخمس فهو منه يجوز له اخذه و إن كان قيمته يجوز اخذه تقاصا ثمّ له ان يرده به احسانا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 301

و ممّا بينا يظهر لك عدم الفرق بين صورة كون مديون الخمس معسرا أو مؤسرا فيجوز الرد فى الصورة الاولى و كذا الثانية على ما قلنا فى هذه الصورة.

***

[مسئلة 19: إذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه كالكافر و نحوه لم يجب عليه اخراجه فانهم عليهما السّلام اباحوا لشيعتهم ذلك سواء كان من ربح تجارة او غيرها و سواء كان من المناكح و المساكن و المتاجر أو غيرها.

(1)

أقول يظهر ممّا تلونا عليك فى طى المسألة 7 من الروايات المتمسكة بها على تحليل الخمس انّ مورد تحليل الخمس هو كلما يصل بايدى الشيعة من حقوقهم عليهما السّلام من الخمس و الفي ء و الأنفال المغصوبة بايدى خلفاء الجور و عمالهم الكافرين أو من يحذو حذوهم فبناء على هذا يكون الامر كما ذكر المؤلف رحمه اللّه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 303

فصل: فى الانفال

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 304

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسول اللّه و على آله آل اللّه و اللعن على أعدائهم أعداء اللّه و بعد الفراغ عن مباحث الخمس نشرع فى مباحث الانفال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 305

فصل فى الانفال أقول النفل بالتحريك و السكون لغة بمعنى الزائد و بهذا المعنى استعمل فى القرآن المجيد وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً «1» و بهذا الاعتبار سميت النافلة نافلة لزيادتها على الفريضة.

و فى الاصطلاح عبارة كما ذكر عن غير واحد عن الاموال المختصة بالنبى عليه السّلام كما قال اللّه تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ «2» و من بعده بالإمام عليه السّلام جعل اللّه له و لهم زيادة على مالهم من سهم الخمس.

و يدل عليه فى الجملة الآية الشريفة و الروايات الّتي

يأتى ذكرها بعد ذلك إن شاء اللّه و يأتى الكلام فيما يعارضها من الاخبار إن شاء اللّه.

فعلى هذا نشرع

فى بيان الموارد الّتي عدّ من الأنفال
اشارة

إن شاء اللّه و نقول بعونه

______________________________

(1) سورة الأنبياء، الآية 21.

(2) سورة الانفال، الآية 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 306

تعالى بان الكلام فى موارد الأنفال فى طى امور.

المورد الاوّل: اراضى الكفار الّتي استولى عليها المسلمون من غير قتال

سواء انجلى اهلها عنها أم مكّنوا المسلمين منها و سلموها بالمسلمين طوعا و يدل عليه بعض الروايات.

منها ما رواها محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام أنّه سمعه يقول انّ الأنفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و اعطوا بايديهم و ما كان من ارض خربة أو بطون أو دية فهذا كله من الفي ء و الأنفال للّه و للرسول فما كان للّه فهو للرسول يضعه حيث يحبّ «1».

و منها ما رواها حفص بن البخترى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا او قوم اعطوا ما بايديهم و كل ارض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه و هو للامام من بعده يضعه حيث يشاء «2».

و منها ما رواها زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له ما يقول اللّه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ و هى كل ارض جلا اهلها من غير ان يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب فهى نفل للّه و للرسول «3».

و منها ما رواها حماد عن العبد الصالح عليه السّلام فى حديث قال و للامام صفو المال ان يأخذ من هذه الاموال صفوها الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهى فذلك له قبل القسمة و قبل اخراج الخمس و له ان يسدّ بذلك المال الجميع

ما ينوبه من مثل اعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك ممّا ينوبه فان بقى بعد ذلك

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 1 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب المذكور من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 307

شي ء اخرج الخمس منه فقسّمه فى اهله و قسم الباقى على من ولى ذلك و إن لم يبق بعد سد النوائب شي ء فلا شي ء لهم الى ان قال.

و له بعد الخمس الأنفال.

و الأنفال كل ارض خربة قد باد أهلها.

و كل ارض لم يوجب عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و اعطوا بايديهم على غير قتال و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الّا جام و كل ارض ميتة لا ربّ لها و له صوافى الملوك ما كان فى ايديهم من غير وجه الغصب لانّ الغصب كلّه مردود.

و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له و قال ان اللّه لم يترك شيئا من صنوف الاموال الّا و قد قسّمه فاعطى كل ذى حق حقه الى ان قال و الأنفال الى الوالى كل ارض فتحت ايام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم الى آخر الا بد و ما كان افتتاحا بدعوة اهل الجور و اهل العدل لأنّ ذمة رسول اللّه فى الاولين و الآخرين ذمة واحدة لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال المسلمون اخوة تتكافأ دمائهم يسعى بذمتهم ادناهم «1».

و هل يختص ما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب بخصوص الأرض الّتي لم يوجف عليها بخيل و لا

ركاب أو يشمل غير الأرض مثل المنقولات ظاهر بعض الروايات مثل رواية حفص بن البخترى المتقدمة ذكرها هو الشمول لكن.

ظاهر بعض العبائر من عبائر الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم هو الأوّل كما عنوناه نحن أيضا.

و لعله لما فى بعض الروايات حمل الأنفال على كل ارض لم يوجف عليها بخيل

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 308

و لا ركاب فلا يبعد الاختصاص.

المورد الثاني: الأرض الموات الّتي ليس لها مالك معروف

سواء ملكت ثمّ باد اهلها أم لم يجر عليها ملك مالك كالمفاوز و موات لم يجر عليه ملك مالك و ادعى عليه الاجماع أو كما فى كلمات بعضهم بلا خلاف ظاهر و يدل عليه بعض النصوص منها النصوص المتقدمة ذكرها و الظاهر ان مورد تسالمهم فيما ملكت ثمّ باد اهلها هو الأرض الّتي ليس لها مالك معروف و يدلّ على الحكم فى الجملة بعض النصوص المتقدمة. ذكرها و غير ذلك راجع الباب 1 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل و هل يستفاد من الروايات اشتراط ما قلنا من عدم كون مالك معروف لها او لا الظاهر عدم وجود تصريح بهذا الشرط فى الروايات.

نعم لا يبعد استفادة ذلك من قوله عليه السّلام كل (ارض خربة قد باد اهلها) لانّ مورد الدليل هو كل مورد ليس للأرض مالك معروف لأنّ الأرض اذا صارت مخروبة و باد اهلها لا يعرف صاحبها غالبا فالمتيقن من النصوص يكون هذه الصورة.

و أمّا الاراضى العامرة فما دامت عامرة تكون للمالك العامر لها و لورثته بعده و إن ترك الانتفاع بها فهى خارجة عن موضوع الكلام.

ثمّ ان الأرض الموات الّتي عدّ من

الأنفال كما يظهر من مطاوى كلماتهم و التكلم حولها تارة تكون الأرض الموات الغير المسبوقة بالاحياء و التملك رأسا فهى من الانفال و تارة تكون الارض الموات مسبوقة بالملك و لها صورتان:

الصورة الاولى: ما كانت مملوكة لكن سبب ملك المالك يكون الشراء أو العطية أو الارث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 309

الصورة الثانية: ما كانت ملكا للمسلمين فتحوها عنوة ثمّ صارت مواتا.

الصورة الثالثة: و هى كل ارض كان له مالك ملكها بالاحياء ثمّ يطرحها الموت.

اما الصورة الاولى فالظاهر من عبائرهم كونها من الأنفال فيما لا يكون لها مالك معروف و شمول النصوص الواردة فى الأرض الخربة لها.

و أمّا الصورة الثانية فالظاهر دخولها فى اطلاق المستفاد من النصوص الواردة فى المسألة.

و أمّا الصورة الثالثة فقد وقع الخلاف فى أنّه اذا كانت أرضا خربة مسبوقة بالاحياء و كان لها مالك معلوم.

هل تخرج عن ملك مالكه بالموت و جواز احيائها.

أو لا تخرج عن ملك مالك الأوّل بل باق على ملكها قولان.

قول بانها باقية على ملك مالكه أو ملك ورثته و فى الجواهر أنّه المحكى عن عن (المبسوط) و (المهذب) و (السرائر) و (الدروس) و (جامع المقاصد) بل قيل لم يعرف الخلاف فى ذلك قبل الفاضل فى كرة.

و قول بانّها ملك للمحيي الثانى حيث أنّه بعد ما حكى عن مالك أنّه ملك للمحيي الثانى قال لا بأس بهذا القول عندى نعم.

قيل ربما أشعرت به عبارة الوسيلة و اختاره فى لك و ضه بعد ان حكاه عن جماعة منهم العلامة فى بعض فتاويه و مال إليه فى كرة و فى الكفاية أنّه أقرب و فى المفاتيح أنّه اوفق بالجمع بين الاخبار بل فى مع صد أن هذا

القول مشهور بين الاصحاب.

إذا عرفت القولين فى المسألة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 310

نقول أمّا مقتضى القاعدة فهو بقائه على ملك المالك و إن صارت مواتا و بعد كونه لمالكه لا يجوز تصرّف الغير بالاحياء و غيره فيها بغير اذنه و لا فرق بمقتضى استصحاب الملكية اعنى مقتضى القاعدة بين كون مالكيته لها بالاحياء أو بالشراء عن الإمام عليه السّلام أو غيره فلا تكون من الأنفال بمقتضى القاعدة اعنى استصحاب الملكية.

و أمّا القولان فى المسألة فلا بد من التتبع التام حتى نرى انّ القولين متقابلان بمعنى ان محل كلامهما واحد أو مختلف مثلا ان كان القائل بخروجها عن ملكها بإحياء الشخص الثانى يقول به فى صورة الاعراض و القائل بعدمه يقول فى صورة عدم الاعراض فلا تنافى و تهافت بين القولين.

و أمّا النص فاستدل للقول بخروج الأرض عن ملكية مالك الأوّل بعد صيرورتها مواتا و دخولها فى ملكية المحيى الثانى بروايتين:

الاولى: ما رواها ابو خالد الكابلى عن ابى جعفر عليه السّلام قال وجدنا فى كتاب على عليه السّلام ان الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين انا و اهل بيتى الذين اورثنا الأرض و نحن المتّقون و الأرض كلّها لنا فمن احيى أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الى الإمام من اهل بيتى و له ما اكل منها فان تركها و اخربها فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احقّ بها من الّذي تركها فليؤدّ خراجها الى الإمام من اهل بيتى و له ما اكل منها حتى يظهر القائم (عجّل الله تعالى فرجه) من اهل بيتى بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها

رسول اللّه و منعها الّا ما كان فى ايدى شيعتنا فانه يقاطعهم على ما فى ايديهم و يترك الأرض فى ايديهم «1».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب احياء الموات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 311

أقول مقتضى هذه الرواية عدم كون الأرض المفروضة من الأنفال لما امر عليه السّلام باداء خراجها و الأنفال كما يأتى ابيح لشيعتهم عليهما السّلام بدون ان يجب عليهم اعطاء شي ء.

ثمّ ان موردها هل هو خصوص صورة اعراض المالك عنها ثمّ احياها.

أو مطلق يشمل صورتى الاعراض و عدمه لأنّ مورد المفروض فى الرواية صورة ترك الأرض و خرابها بيد المالك و من المعلوم ان من يخرب مثلا داره بيده و يتركه يعرض عنه و الّا لا وجه لأنّ بتركه و يخربه.

نعم لو كان المذكور فى الرواية فقط يتركها كان مساعدا مع الاعراض و عدمه و أمّا تخريبها فلا تساعد الّا مع الاعراض فلا اطلاق للرواية يشمل صورة عدم الاعراض و هذه الرواية تشمل كلا من صورتى المعرفة بالمالك الأوّل و عدم المعرفة به و كونه مجهولا.

الثانية: ما رواها معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ايّما رجل اتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى انهارها و عمّرها فانّ عليه فيها الصدقة فان كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فاخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فان الأرض للّه و لمن عمّرها «1».

أقول و الرواية ذو احتمالين:

احدهما: ما يأتى فى بادى النظر و حملت الرواية عليه و هو انّ قوله عليه السّلام (فانّ الأرض للّه و لمن عمرها) يدل على كون الأرض لمن عمّرها ثانيا و يكون المراد انّ الأرض الميتة للّه و

هى لمن عمّرها بحكم اللّه فالمعمر لها بعد موتها الثانية هو المحيى الثانى فهى له.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب احياء الموات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 312

ثانيهما: ما يخطر ببالى و هو ان يكون النظر فى قوله (فانّ الأرض للّه و لمن عمرها) هو انّ الأرض الميتة للّه فاذا عمّرت أولا فهى باقية على ملك معمّرها أو من تصل به بطريق الشرعى و معناه انّ بصيرورتها ميتة لا تخرج عن ملك معمرها الاوّل فعلى هذا تدلّ على عدم خروج الأرض عن ملكية من عامرها أولا بطرو الممات لها.

و فى قبال ذلك استدل على بقاء الأرض فى ملك المحيى الأوّل و إن صارت ميتة بعد ذلك و عدم خروجها عن ملكه بعروض الموت لها بروايتين:

الاولى: ما رواها سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يأتى الأرض الخربة فيستخرجها و يجرى انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه قال الصدقة قلت فان كان يعرف صاحبها قال فليؤد إليه حقه «1».

الثانية: ما عن الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام مثله.

أقول و بعد التعارض بين الطائفتين لأنّ مفاد الطائفة الاولى خروج الملك عن ملك المالك الأوّل بخرابه و صيرورته ملكا للثانى بسبب احيائه ثانيا.

و مفاد الثانية بقاء الملك على ملك المالك الأوّل و إن خربت الأرض و عدم دخولها فى ملك الثانى باحيائها ثانيا فتصيران متعارضتين فان امكن الجمع بينهما فهو و الا فلا بد من اعمال قواعد التعارض.

و هل يمكن الجمع بينهما.

امّا بحمل الطائفة الاولى على صورة كون الأرض مملوكة للمالك بالاحياء كما هو صريح الرواية الاولى من الطائفة الاولى و عليها تحمّل الثانية منها.

______________________________

(1)

الرواية 3 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 313

و حمل الطائفة الثانية بما كانت الأرض مملوكة للمالك الأوّل بغير الاحياء مثل اشترائها عن الإمام عليه السّلام او غيره أو إرثا أو عطيته.

فتكون نتيجة الجمع هو كون الأرض لمن عمّرها ثانيا بعد خرابها إذا كانت مملوكة للمالك الأوّل بالاحياء و تكون باقية على الملك الأوّل حتى بعد خرابها و حتى بعد احيائها بيد الثانى إذا كانت مملوكة للمالك الأوّل بغير الاحياء.

و يبعّد هذا الجمع.

أو لا اطلاق الرواية الثانية من حيث كون مالكية الأوّل بالاحياء أو بغيره من الاشتراء و نظائره.

و ثانيا كون ملكية من ملك الأرض بغير الاحياء مثل الارث أو العطية أو الاشتراء بلا مشقة يتحملها و بلا مال يصرف فيها فى صورة الارث و العطية باقية بعد خرابها و احياء الآخر و عدم بقاء ملكية الحاصلة باحيائه و تحمل المشاق و المصارف فيها بخرابها و صيرورتها ملكا للآخر بالاحياء.

و أمّا بحمل الطائفة الاولى على صورة اعراض المالك عن الأرض و صيرورته ميتة خربة متروكة باعراضه عنها ثمّ احياها الثانى.

و حمل الطائفة الثانية على صورة عدم اعراضه عنه و إن صارت خربة و تكون نتيجة الجمع.

هو خروج الأرض عن ملك مالك الأوّل باعراضه عنها و دخولها فى ملك الثانى لاحيائها بعد موتها و اعراض المالك الأوّل عنها.

و بقائها فى ملك الأوّل فى صورة عدم اعراضه عنها و إن احياها الثانى بعد موتها و خرابها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 314

و يشهد على صحة الجمع قوله عليه السّلام فى الرواية الاولى من الطائفة الاولى (فان تركها و اخربها) يعنى ترك الأرض المالك الأوّل و اخربها فانّ

ترك الأرض و تخريبها يساعد مع الاعراض عنها.

المورد الثالث: ممّا يعدّ من الأنفال سيف البحار

و هو بكسر السين ساحل البحار.

و ما ينبغى ان يتكلم فى المقام فيه وجود الدليل عليه و عدمه.

فنقول بعونه تعالى بانّه لم اجد دليلا يدلّ على العنوان المذكور و لهذا نقول.

ما يمكن ان يكون دليلا عليه قوله عليه السّلام فى رواية حماد المتقدمة ذكرها فى المورد الاوّل: و هو (كل ارض ميتة لا رب لها) فعلى هذا نقول ان كان ساحل البحر ملكا لاحد مثل من احيا ساحل البحر فهو له أو كان من جملة اراضى المفتوحة عنوة فهو للمسلمين.

و أمّا إذا كان الساحل ممّا لا رب له فهو من الأنفال بمقتضى الرواية المذكورة بناء على جبر ضعف سندها من حيث الارسال بعمل الاصحاب.

أو فى قوله عليه السّلام فى رواية إسحاق بن عمار قال (و كل ارض لا رب لها «1»).

المورد الرابع: رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام

يدل عليه بعض الروايات المتقدمة فى المورد الأوّل اعنى مرسلة حماد و بعض آخر من الاخبار المذكورة فيه خصوص رءوس الجبال و بطون الأوديّة و كذا لآجام فى بعض الروايات راجع الباب الأوّل من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

فأصل الحكم فى الجملة لا اشكال فيه انّما الكلام يقع فى بعض الخصوصيات.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 315

الخصوصية الاولى: هل يكون هذه الامور من الأنفال مطلقا من الإمام عليه السّلام حتى فيما كان فى غير الأرض المختص به مثل ما كان فى الأرض المملوكة للشخص أو الأرض المملوكة للعموم كاراضى المفتوحة عنوة أو يختص بخصوص ما كان منها فى الاراضى المملوكة له عليه السّلام.

و انا اقول بنحو الاختصار بانّ الروايات الدالة مطلقة فلا وجه للاختصاص

و ضعف سند بعضها لا يضر لعدم ضعف اسانيد كل الاخبار مضافا الى ما قيل من انّ الميزان فى حجية الخبر و هو الوثوق بالصدور موجود حتى فيما يقال بضعف سندها مثل خبر حسين بن راشد.

الخصوصية الثانية: المراد من الآجام و هى بالفارسية بيشه أو جنگل.

هل هى نفس الآجام.

أو هى مع ارضها اعنى الأرض الملتفة بالشجر أو القصب و لعل منشأ الاختلاف اختلاف كلمات اهل اللغة فيما هو المراد من الآجام.

و لو شككنا فى ما هو المراد منها فما منها واقعة فى الأرض المختصة للامام عليه السلام فلا ثمرة لهذا الخلاف فيه و ما كان فى غير الأرض المختصة به عليه السّلام فقد يقال بان المتيقن الخارج بحسب الدليل هو نفس الآجام و أمّا الأرض منها فليست داخلة فى حكمها لأنّه بعد عدم شمول الدليل نشك فى بقائها على ملك مالكه أو خروجها عنه فيستصحب ملكيته له.

لكن نقول بانّه ان كانت الآجام فى الاراضى الّتي حكمنا بانّها للامام فالارض له عليه السّلام على كل حال أمّا اصالة أو بتبع الآجام و إن كانت فى الارضى الّتي ليست للامام كالارض المفتوحة عنوة فالآجام تابعة للاراضى بناء على عدم شمول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 316

الاراضى الّتي قلنا بكونها من الأنفال للاراضى الشخصية فاذا كانت الآجام موجودة حال احيائها فهى لمحييها بتبع الأرض و إن وجدت بعد الاحياء فهى لمالك الأرض فتأمل.

المورد الخامس: صفايا الملوك فى قطائعها و الغنيمة بغير اذن الإمام عليه السّلام

ما يمكن ان يستدل به على كون المذكورات من الأنفال.

امّا صفايا الملوك و قطائفها يدل عليه.

ما رواها الحرث بن المغيرة عن ابى جعفر عليه السّلام و فيها قال عليه السّلام (ان لنا الخمس فى كتاب اللّه و لنا الأنفال و لنا

صفو المال الخ «1» ذكرنا تمام الرواية فى طى المسألة 7 من المسائل المتعلقة بقسمة الخمس.

و ما رواها داود بن فرقد قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام قطائع الملوك كلّها للامام و ليس للناس فيها شي ء «2».

و ما رواها إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال فقال هى القرى الّتي قد خربت و انجلى اهلها فهى للّه و للرسول و ما كان للملوك فهو للامام و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كل ارض لا رب لها و المعاون منها و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال «3».

و أمّا انّ الغنيمة بغير اذن الإمام من الأنفال و له عليه السّلام يدلّ عليه.

ما رواها معاوية بن وهب قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام السرية يبعثها الإمام

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 10، ص: 316

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 4 من ابواب الأنفال ما يهتص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 1 من الابواب المذكورة من الوسائل.

(3) الرواية 20 من الباب 1 من الابواب المذكورة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 317

فيصيبون غنائم كيف يقسم قال ان قاتلوا عليها مع امير أمره الإمام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم ثلاثة اخماس و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للامام يجعله حيث احبّ «1».

و هنا كلام فى خصوص ما يغنمه بغير اذن الإمام عليه السّلام من انّ ما

رواها الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل من اصحابنا يكون فى لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدى خمسا و يطيب له.

تدلّ على كون الغنيمة الحاصلة بغير اذن الإمام عليه السلام للمغتنمين بالكسر و عليهم السّلام فتعارض مع ما دلت على كونها للامام عليه السّلام.

و فيه أنّه يمكن ان يكون ما اغتنموا به يكون الإمام عليه قد رضى عنها بالخمس و اضف الى ان الاصحاب لم يعملوا بالرواية.

المورد السادس: المعادن

و فيه قولان قول بكونه من الأنفال فللامام عليه السّلام و قول بكون الناس فيها شرع سواء.

و استدل على القول الأوّل بروايات:

الاولى: ما رواها إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال فقال هى القرى الّتي قد خربت و انجلى اهلها فهى للّه و للرسول و ما كان للملوك فهو للامام و ما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كل ارض لا رب لها و المعادن منها و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال «2».

ذكرنا هذه الرواية فى المورد الخامس و ذكرناها فى هذا المورد لكون المذكور

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب المذكورة من الوسائل.

(2) الرواية 20 من الباب 1 من الابواب المذكورة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 318

فيها (المعادن) الّذي هو مورد البحث فى المورد السادس.

الثانية: ما رواها ابو بصير (بنقل تفسير العياشى) عن ابى جعفر عليه السّلام قال لنا الأنفال قلت و ما الأنفال قال منها المعادن و الآجام و كل ارض لا رب لها و كل ارض باد اهلها فهو لنا «1».

الثالثة: ما رواها داود بن فرقد (بنقل تفسير

العياشى) عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى حديث قال قلت و ما الأنفال قال بطون الاودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كل ارض ميتة قد جلا اهلها و قطائع الملوك «2».

القول الثاني: و هو كون الناس فيها شرع سواء بمقتضى القاعدة.

و ما تمسك به من الروايات الثلاثة على القول الأوّل.

لا حجية للثانية و الثالثة منها لضعف سندهما.

و الاولى: منها ان كانت موثقة لكن بعد ما فى بعض النسخ بدل (منها) فيها) (لا نعلم بان الصادر عنه عليه السّلام ايّة منهما و مفاد الرواية بناء على كون الصادر (منها) و ان كان المعادن من الأرض لارجاع ضميرها بالارض و لكن بناء على كون الصادر (فيها) يكون المفاد و المعادن فيها اعنى المعادن الّتي فى الاراضى الّتي لا رب لها فلا تدلّ الرواية الا على كون ارض الّتي لا رب لها مع ما فيه من المعادن للامام عليه السّلام فلا تدلّ على كون مطلق المعادن حتى ما ليست فى الاراضى الّتي لا رب لها ملكا له عليه السّلام فتأمّل فى المسألة. وجه التأمل عدم وجود نص يتم حجيته من حيث السند و الدالة لأنّ بعضها فيها الاشكال من حيث السند و بعضها من حيث الدلالة و لكن

______________________________

(1) الرواية 28 من الباب 1 من ابواب الأنفال و ما يختص بالامام من الوسائل.

(2) الرواية 32 من الباب المذكور من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 319

الظاهر تسالم القدماء على كونها من الأنفال و لم ينقل مخالف قبل ابن ادريس و ربما يقال بجبر ضعف سند ما تمّ دلالتها بعمل الاصحاب به

و لهذا استدعينا التأمل فى المسألة.

المورد السابع: إرث من لا وارث له

حكى عن المنتهى أنّه من الأنفال عند علمائنا اجمع يستدل عليه ببعض الروايات نذكر بعضها.

الاولى ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الانفال «1» و هى بعد ما دلّ النصّ على انّ الأنفال بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم للامام عليه السّلام يدل على كون الوارث هو عليه السّلام.

الثانية: ما رواها الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال من مات و ترك دينا فعلينا دينه و إلينا عياله و من مات و ترك مالا فلورثته و من مات و ليس له موالى فماله من الأنفال «2» و هى مثل الاولى.

الثالثة: ما رواها عمار بن ابى الاحوص قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن السائبة فقال انظروا في القرآن فما كان فيه فتحرير رقبة فتلك يا عمار السائبة الّتي لا ولاء لاحد عليها الا اللّه فما كان ولائه للّه فهو لرسول اللّه و ما كان ولائه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فان ولائه للامام و جنايته على الإمام و ميراثه له «3» تدلّ فى خصوص السائبة الّتي ليس لها الا اللّه تعالى.

الثالثة: ما رواها حمزة بن حمران قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سارق عدا على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب ولاء ضامن الجريرة و الامامة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 3 من الابواب ولاء ضامن الجريرة و الامامة من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب ولاء ضامن الجريرة و الامامة من

الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 320

رجل من المسلمين فعقره و غصب ماله ثمّ انّ السارق بعد تاب فنظر الى مثل المال الّذي كان غصبه الرجل فحمله إليه و هو يريد ان يدفعه إليه و يتحلل منه ممّا صنع به فوجد الرجل قد مات فسئل معارفه هل ترك وارثا و قد سألني عن ذلك ان أسألك عن ذلك حتى ينتهى الى قولك فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان كان الرجل الميت يوالى الى رجل من المسلمين و ضمن جريرته و حدثه أو شهد بذلك على نفسه فان ميراث الميت له و إن كان الميت لم يتوال الى احد حتى مات فان ميراثه لامام المسلمين فقلت فما حال الغاصب فيما بينه و بين اللّه تعالى فقال إذا هو اوصل المال الى امام المسلمين فقد سلم و أمّا الجراحة فانّ الجروح يقتص منه يوم القيامة «1».

و فى قبال ذلك بعض الاخبار تدلّ على أنّه اذا لم يكن للميت وارث يجعل تركته فى بيت المال من المسلمين كالرواية 2 من الباب 2 و الرواية 9 من 3 من ابواب ولاء ضامن الجريرة و الامامة.

يمكن حملها على أنّه يجعل فى بيت المال من المسلمين لأنّه تحت يد الامام عليه السّلام فيفعل به ما شاء عليه السّلام فلا تعارض مع ما دل على كونه عليه السّلام وارثه.

مضافا الى انها موافقة للعامة القائلين بكونه للمسلمين فصدرت تقيّة.

المورد الثامن: عدّ من الأنفال البحار

كما حكى عن المقنعة و ابى الصلاح.

و عن غير واحد عدم الدليل عليه.

لكن يمكن ان يستدل عليه.

بما رواها حفص بن البخترى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال انّ جبرئيل عليه السّلام كرى برجله خمسة انهار و لسان الماء يتبعه

الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ فما

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 3 من ابواب ولاء ضامن الجريرة و الامامة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 321

سقت أو سقى منها فللامام و البحر المطيف بالدنيا و هو افسيكون «1».

و ما رواها يونس بن ظبيان او المعلى بن خنيس «2» و دلالتهما على كون البحار كلّها من الأنفال كون البحار عدّت من المذكورات فى الروايتين- هذا تمام الكلام فيما عدوا من الأنفال.

إذا عرفت ذلك ينبغى ان نعطف عنان الكلام فى تحليل الأنفال فى زمان غيبته روحى فداه للشيعة فنقول بعونه تعالى.

الكلام فى حكم الأنفال الّتي سبق الكلام فيها بانّها ملك للامام عليه السّلام فى حال الغيبة من حيث تحليله للشيعة و عدمه.

اعلم انّ المستفاد من جملة من الاخبار المتقدمة ذكرها فى طى المسألة 7 من المسائل المتعلقة بقسمة الخمس تحليل الأنفال للشيعة مثل الرواية الاولى و الثانية و الثامنة و الحادية عشر و غيرها.

و اطلاق بعضها يقضى عدم الفرق فى حليتها للشيعة بين ما يتعلق بالمناكح و المساكن و المتاجر و بين غيرها.

و قد يتمسك على الحلية بالسيرة المستمرة على الحلية.

و لكن على فرض ثبوتها لا يثبت كون الحلية فى التصرفات من باب انها من المباحات للشيعة بل لو ثبتت تدلّ على الحلية مطلقا لهم و لغيرهم فتعارض السيرة مع اخبار التحليل لأنّ مفاد اخبار التحليل الاباحة للشيعة و مفاد السيرة تحليلها مطلقا و ما يهوّن الخطب كون السيرة مستندا بالاخبار الصادة عنهم عليهم السّلام هذا تمام

______________________________

(1) الرواية 18 من الباب 1 من ابواب الانفال من الوسائل.

(2) الرواية 17 من الباب 4 من ابواب الأنفال من

الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 322

الكلام فى الأنفال و الحمد للّه أولا و آخرا و الصلاة و السلام على رسوله و آله و اللعن على اعدائهم اجمعين.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 323

خاتمة فى الفي ء

و هو فى اللغة الرجوع الى ما كان الشي ء عليه من حالته الاصلية فلو كانت ارض لاحد فغصبها الآخر ثمّ رجعت بمالكها يسمى فيئا.

فقوله تعالى ما افاء اللّه على رسوله من اهل القرى فلله و للرسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل الخ «1» بظاهره هو ما ارجع اللّه تعالى على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم ممّا كان له فغصب ما كان له.

و هذه الآية تساعد بظاهرها بالمعنى الّتي كانت للفي ء لغة لأنّ الأرض كلّها ملكا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم على مذهبنا فارجعها اللّه تعالى إليه لانّ الآية نزلت فى قصة اراضى بنى نظير فكانت الاراضى الواقعة تحت يدهم ملكا له صلّى اللّه عليه و آله و سلم و غصبوها فأفاء اللّه على رسوله يعنى ارجعها إليه.

و لا تساعد ظاهر الآية مع قول العامة الّتي لم تقل بمقالتنا فقولهم مخالف لظاهر الآية.

______________________________

(1) سورة الحشر، الآية 7.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 324

ثمّ انّ الخلاف وقع بين اصحابنا فى المراد من الفي ء.

يظهر من كلام بعضهم كما حكى عن الكلينى رحمه اللّه.

انّ الفي ء كلما غلب عليه اعداء خلفاء اللّه تعالى ثمّ رجع الى خلفائه بحرب أو غلبة.

و انّ ما رجع إليهم من غير ان يوجف عليه بخيل و لا ركاب فهو من الأنفال.

و يظهر من بعضهم كما حكى عن الشيخ فى التبيان فى

تفسير الآية الشريفة من سورة الحشر بانّ الفي ء كلما اخذ من الكفار بغير قتال أو انجلى اهلها و كان ذلك للنبى خاصة يضعه فى المذكورين فى الآية.

فالمستفاد من القول الأوّل هو ان الفي ء عبارة عما رجع الى خلفا اللّه بالحرب و الغلبة.

و المستفاد من القول الثانى هو ان الفي ء عبارة عما اخذ من الكفار بغير قتال.

فعلى الأوّل يكون الفي ء غنيمة و على الثانى يكون من الأنفال.

اعلم ان ظاهر الآية تساعد مع القول الثانى لأنّ ما افاء اللّه على رسوله و ارجعه إليه من الاراضى هو اراضى الأنفال و أمّا الاراضى المفتوحة عنوة الّتي تكون للمسلمين فلم يرجعها اللّه تعالى الى رسوله بل ارجعه الى المسلمين فما يؤخذ عنهم بغير قتال أو انجلى اهله يرجع الى رسوله فهو ممّا افاء اللّه على رسوله لا ما يؤخذ عنوة الّذي يكون للمسلمين و على هذا تكون النسبة بين الفي ء و الأنفال عموما مطلق لأنّ كل فى ء نفل لكونه مختصا بالنبى ثمّ الإمام صلى اللّه عليهما و على آلهما.

و أمّا كل نقل ليس فيئا مثل الاراضى الموات الّتي ما وصلت بايدى الكفار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 325

و كذا رءوس الجبال و كذا بطون الاودية.

و هنا كلام آخر من حيث انّ الفي ء ان كان من الأنفال فلم لا يكون حكمه حكم الأنفال لأنّ المستفاد من قوله تعالى يسألونك عن الأنفال الخ كون الأنفال للّه تعالى و للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و المستفاد من الآية الواردة فى الفي ء (ما أفاء اللّه الخ كونه مقسما بستة اسهم).

و نجيب عنه مع قطع النظر عما قيل فى المقام بانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

آله و سلم لم يوزع اموال بنى النضير الواردة فيها آية الفي ء على الطوائف الستة بل وزعها بين المهاجرين و ثلاثة نفر من الانصار المحتاجين.

بانّه لا مانع من تخصيص آية الأنفال بآية الفي ء فى خصوص مورده و هو فيما كانت ارض فى يد قوم أو شخص فيرجع الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

هذا تمام الكلام فى مبحث الخمس من شرحنا على العروة الوثقى مع ما ضمنا إليه من الأنفال و الفي ء و كان فراغى من بحثى هذا و القائى على جمع من الطلاب الاعلام و كتابتى يوم الثلثاء الرابع من شهر ربيع الأوّل من شهود/ 1401 القمرى من الهجرة النبوية و انا اقل خدمة اهل العلم على الصافى الكلبايكاني ابن العلامة المجاهد الورع الشيخ محمد جواد اعلى اللّه مقامه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 327

الفهرس

الكلام فى الخمس 5

فى ما يجب فيه الخمس 8

الكلام فى الغنائم 9

فى الرّد على العامة من عدم تعديهم الى كل غنيمة 10

الكلام فى الخصوصيات المذكورة للغنيمة 11

نقل كلام السيد البروجردي رحمه اللّه 15

ذكر الخصوصيات فى الغنيمة 17

ذكر الخصوصية السابعة و أقسامها 17

ذكر الخصوصية الثامنة 18

حكم ما اذا غار المسلمون على الكفار 19

جواز أخذ مال النصّاب و البغاة 20

يشترط فى المغتنم ان لا يكون غصبا من مسلم 22

لا يعتبر فى وجوب الخمس فى الغنم بلوغ النصاب 23

السلب من الغنيمة فيجب فيه الخمس 24

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 328

الكلام فى المعادن و احكامها 25

ذكر الأخبار الواردة فى المعادن 27

فى المراد من المعدن 29

ذكر قول أهل اللغة

و الأصحاب فى المراد من المعدن 30

لا فرق بين كون المعدن فى الأرض المباحة أو فى الأرض المملوكة 31

لا فرق بين كون المستخرج بالغا او غير بالغ عاقلا او مجنونا 32

اذا بلغ عشرين دينارا يجب فيه الخمس 33

لو اخرج دفعات وجب الخمس اذا بلغ النصاب 35

كل معدن مستقل فى الحكم و لو كان فى الجنس متحدا مع الآخر 35

يكفى إخراج تراب المعدن بعنوان الخمس لو علم بتساوى الاجزاء 36

حكم ما اذا وجد مقدارا من المعدن مطروحا 37

عدم كون الغاصب مالكا للمعدن 39

حكم المعدن اذا كان فى الأرض المفتون عنوة 40

لا يعتبر المباشرة فى استخراج المعدن 41

حكم ما عمل فى المعدن عملا يوجب زيادة القيمة 42

مع الشك فى بلوغ المعدن النصاب 43

الكلام فى الكنز و حكمه 45

ذكر الأخبار الواردة فى الكنز 46

الكلام فى المراد من الكنز 47

ذكر المحتملات فى الرواية 48

المختار فى المسألة 50

لا إشكال فى وجوب الخمس فى الموارد المذكورة فى المتن 51

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 329

التمسك بالأصل و رده 52

الموارد المذكورة من الكنز فى الموضع الأول كانت ملكا للواجد 53

الكلام فى الموضع الثانى و الثالث و الرابع و الخامس 54

هل يشترط فى وجوب الخمس النصاب 55

ما يدل على اعتبار النصاب من الروايات 56

اذا كان الكنز فى الأرض المستأجرة او المستعارة 57

حكم الكنز الّذي يعلم الواجد انه لمسلم اما موجود هو او وارثه 58

حكم الكنوز المتعددة 59

حكم اذا اشترى دابة و وجد فى جوفها شيئا 60

إنما يعتبر النصاب فى الكنز بعد إخراج

المئونة 61

حكم صورة اشتراك جماعه فى الكنز 62

الكلام فى حكم الغوص 63

ذكر الروايات الوردة فى الغوص 64

ذكر وجوه الجمع بين الروايات 66

ما يأتى بالنظر فى الجمع بين الأخبار 68

هل يعتبر فى الغوص النصاب أولا 69

المخرج بالآلة فى حكم الغوص أو لا 70

او أخذه من الساحل او من وجه الماء 71

حكم الغوص من غير قصد الحيازة 72

حكم الأنهار العظيمة كدجلة و النيل و الفرات 73

حكم ما غرق فى البحر صورة إعراض مالكه عنه 75

حكم المعدن اذا كان تحت الماء 76

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 330

حكم العنبر الخارج من البحر بالغوص 77

الكلام فى اعتبار النصاب فى العنبر و عدمه 79

المختار عدم اعتبار النصاب فى العنبر 81

الكلام فى المال المختلط بالحرام و ذكر الاخبار الواردة فيها 82

الكلام حول الروايات 84

يشترط عدم تمييز المال و الجهل بالمقدار و الصاحب 85

ذكر الخبرين الدالين على وجوب التصدق و ردهما 87

الكلام فى مصرف هذا الخمس 88

نقل كلام السيد البروجردي رحمه اللّه 89

الإشكال على كلام الثانى للسيد البروجردي رحمه اللّه 93

الكلام فى صورة الجهل بالمالك و العلم بالمقدار 94

الكلام فى صورة الجهل بالمقدار و العلم بالمالك 95

ذكر المحتملات فى مقام أداء من بيده المال 96

ذكر المختار 98

يكفى إخراج الخمس فى حيلة البقية 99

ذكر صور المسألة 100

لو علم إجمالا بنقيصة الحرام عن الخمس 101

اذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه 102

ذكر الاحتمالات الستة فى المسألة 103

المختار الاحتمال السادس و ذكر صورة العلم بقدر المال فى عدد محصورين

106

بيان صور كون حق الغير فى ذمته لا فى عين ماله 107

بيان أحكامها 109

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 331

حكم هذا الخمس مثل غيره فى كون أمره بيد المالك 112

بعد تبين المالك لا يبعد عدم الضمان فى الخمس 113

أما بعد التبين فى الصدقة و عدم رضا المالك بها لا يجب على المالك غرامتها إلّا من باب تنقيح المناط و قياسه باللقطة 114

اذا علم بعد إخراج الخمس أن الحرام أزيد من الخمس او أنقص 115

حكم ما لو خلط المالك مال الغير المجهول قدرا بماله 116

الكلام فى كون المال المخلوط بالحرام كان متعلقا للخمس 118

اذا أتلف المال المختلط قبل إخراج الخمس لم يسقط الخمس 120

اذا باع المال المختلط قبل الخراج خمسه ضمنه 121

السادس مما يجب فيه الخمس هو الأرض التى اشتراها الّذي من المسلم 122

الكلام فى الرواية الدالة على وجوب الخمس على الذمى 124

دفع الاشكال عن سنده 125

الكلام فى كون نفس الأرض متعلقا للخمس لا البناء و الشجر و الزرع 126

هل الخمس مختص بما اذا اشتراه الذمي أو يشمل كل المعاوضات 128

الكلام فى تخيير الّذي بين دفع الخمس من عين الأرض و القيمة 129

لا نصاب فى هذا القسم من أقسام الخمس 130

هل يعتبر قصد القربة فى أداء الخمس او لا 131

حكم ما لو اشترى الّذي الأرض المفتوحة عنوة 132

لا يسقط الخمس عن الّذي و لو باعها او أقالها 133

لو شرط الّذي كون الخمس على البائع كان الشرط باطلا 135

لو اشترى الّذي الارض ثم باعها ثم اشتراها وجب عليه خمسان 136

لو أسلم

الّذي بعد الشراء لم يسقط الخمس منه 137

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 332

صورة شراء الّذي الأرض من الذمى 138

من يحكم المسلم بحكمه و من يحكم الذمى بحكمه 139

لو اشترى الذمى ما أعطاه بعنوان الخمس من الارض وجب عليه خمسه 140

الكلام فى السابع ممّا يجب فيه الخمس 141

ذكر الاخبار الواردة فى المسألة 142

وجوب الخمس فيما يفضل عن مئونته و مئونة عياله 145

المراد من المؤنة مئونة السنة 147

ذكر الاخبار الدالة على كون المراد مئونة السنه و ذكر الاطلاق المقامى 148

هل يثبت الخمس فى مطلق الفائدة أو لا 150

ذكر الأقوال فى وجوب الخمس فى الهبة 151

كون الخمس فى الهبة يثبت بالأولوية 152

ذكر الأخبار الدالة على الخمس و ردّها 153

كلام السيد البروجردي قدس سره و ردّه 154

الوجه الرابع لوجوب الخمس فى الهبة 155

حكم الجائزة من حيث وجوب الخمس فيها و عدمه 156

الكلام فى الخمس فى الميراث 157

الكلام فى حاصل الوقف الخاص من حيث الخمس و عدمه 159

الكلام فى وجوب الخمس الندر و عدمه 160

الكلام فى وجوب الخمس فى المهر و عوض الخلع 161

لا خمس فيما ملك بالخمس 162

الكلام فى الصدقة المندوبة من حيث الخمس و عدمه 163

التمسك بالرواية لعدم الخمس فيما ملك بالخمس 164

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 333

اذا علم بعد الشراء أن البائع لم يؤد خمس المبيع و ذكر صور هذه المسألة 165

حكم الأعيان التى أدى خمسه ثم زادت قيمتها السوقية 167

او تمت الزيادة المتصلة او منفصلة 169

اذا زادت القيمة السوقية لم يبعها الى

آخر السنة وجب الخمس 170

اذا كان المقصود و من البستان الاتجار وجب خمسها 171

اذا كان له انواع مختلفه من الاكتسابات وجب خمسها بعد المئونة 172

يشترط فى وجوب خمس الربح استقراره 173

الكلام فى وجوب خمس رأس المال و عدمه 175

الكلام فى مبدأ السنة التى بعد خروج مئونتها يجب الخمس 177

الكلام فى المراد من المئونة 179

لا فرق فى المئونة بين ما يصرف عينه بين ما يبقى عينه 181

المناط فى المئونة ما يخرج فعلا 183

حكم صورة استقراضه للمئونة 184

يجب الخمس فيما زاد من المئونة 185

التمسك بالاستصحاب 186

الايراد على الجواب و القول بعدم لزوم الخمس 187

لا يخرج مئونة هذه السنة من السنة اللاحقة 189

مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة 190

اداء الدين من المئونة 191

تعلق وجوب الخمس بحصول الربح 193

الأقوال فيه و ذكر الأدلة 194

ذكر الروايات فى تأييد القول المشهور 197

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 334

بيان الثمرة بين القولين 198

الكلام فى جواز التأخير الى آخر السنة 199

لو تلف بعضى أمواله لم بجبر بالربح و ليس من المئونة 200

الكلام فى جبر تلف رأس المال بربح آخر او لا 201

ذكر صور المسألة 202

الكلام فى جبر الخسارة فى تجارة الربح حاصل فى تجارة اخرى 203

ذكر صورة المسألة 204

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين 205

فى كون المالك مخيرا بين دفع العين و القيمة فى الخمس 207

ذكر الاخبار الدالة على تخيير المالك فى اداء الخمس 209

الوجه الثانى لتخيير المالك ما قاله العلامة فى الزكاة 210

القول بالتخيير منسوب الى مذهب الاصحاب 211

حكم

لو اتجر المالك بالربح قبل اداء الخمس فى الذمة 213

مختار المؤلف كون الخمس بعنوان الكل فى المعين 214

مختار المقرر كون تعلق الخمس بالعين بنحو الاشاعة 215

الكلام فى الاتجار بالربح الحاصل فى أثناء السنة 216

مختار المؤلف القول الثانى 217

مختار المقرر عدم الخمس فيه مطلقا 218

لا يجوز للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته 219

يجوز للمالك تعجيل إخراج الخمس 220

مع كشف عدم كون المالك مديونا بالخمس له الرجوع على الفقير مع بقاء عينه 221

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 335

لا يجوز التصرف فيما اشتراه من الربح المتعلق به الخمس بالوضوء و الغسل 222

المدار فى كون مصارف الحج من المئونة كون إنشاء الفرق هذه السنة 223

الكلام فى ما لو جعل الغوص او المعدن مكسيا 225

الكلام فى كسب المرأة و الخمس فيه و عدمه 228

الظاهر عدم اشتراط التكلف و الحرية و البلوغ فى الامورة المتعلقة بالخمس 229

فصل: فى قسمة الخمس و مستحقّه 231

فى قسمة الخمس و مستحقّه 233

اشتراط الايمان فى الايتام و المساكين و ابن السبيل 237

الكلام فى اعتبار الفقر فى الايتام و عدمه 238

الاحوط اعتبار الفقر فى الايتام 239

عدم اعتبار العدالة فى الاصناف الثلاثة 240

لا يجب البسط على الاصناف 241

الاستدلال لعدم وجوب البسط 242

الاستدلال لوجوب البسط على الثلاثة 243

ردّ الاجماع الى السيرة 244

من عدم ذكر البسط فى الاخبار يكشف وجود السيرة 245

ما يكون قابلا للاستدلال على عدم وجوب البسط هو السيرة 246

المختار لنفس المالك الاستيذان من الفقيه فى البسط و عدمه 247

الكلام فى وجوب البسط فى كل صنف و

عدمه 248

الكلام فى مستحق الخمس و هو من انتسب الى هاشم بالأبوين 249

وجه شمول الدليل لمستحق الخمس المنتسب بهاشم بالام 250

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 336

ذكر الوجوه لاختصاص الخمس بالمنتسب الى هاشم بالاب 251

البحث فيها و ردّ بعضها 252

المختار ما عليه المشهور 254

لا فرق فى المنتسب بالاب الى هاشم بين كونه علويا او عباسيا او عقيليا 255

لا يصدق مدعى النسب الّا بالبينة او الشياع 256

لا يكفى الاحتيال المذكور فى المتن لبراءة الذمة 257

الكلام فى جواز دفع الخمس الى من يجب نفقته على المستحق 258

فى ذكر احكامها و فروعها 259

المختار جواز اعطاء الخمس بالمستحق و لو بأزيد من مئونة سنته 262

الكلام فى امر الخمس فى زمان الغيبة 263

ذكر اخبار التحليل 265

ذكر اخبار التحليل و ردّها 267

ذكر الاخبار الّتي دلّت على عدم التحليل 279

ذكر الجمع بين الاخبار 281

ذكر الاحتمالات المذكورة فى سهم الامام عليه السّلام 282

الكلام فى الاحتمال الخامس 284

ذكر الاحتمالات الخمسة فى سهم الامام عليه السّلام 285

الكلام فى سهم المساكين و الايتام و ابناء السبيل 287

الكلام فى نقل الخمس من بلده الى غيره 289

من حيث وجود المستحق فيه و عدمه 290

نقل الخمس و عزله فى مال آخر 291

نقل فى مال اخر باجازة الحاكم او المستحق 292

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 337

مئونة النقل على الناقل اذا كان مستحبا و على الخمس اذا كان واجبا 293

اذا كان المال الّذي فيه الخمس فى غير بلده يجوز نقله الى بلده 294

الكلام فى نقل سهم الامام

الى المجتهد فى بلده او غير بلده 295

لا تبرأ ذمة المالك الّا بقبض المستحق 297

جواز احتساب ما فى ذمة المستحق 298

او الحاكم من باب الخمس او سهم الامام 299

لا يجوز للمستحق أخذ الخمس ردّه على المالك 300

اذا انتقل الى الشخص مال فيه خمس ممّن لا يعتقد وجوبه لم يجب عليه اخراجه 301

فصل: فى الانفال 303

الكلام فى الانفال 305

المورد الاوّل الاراضى الّتي استولى عليها المسلمون من غير قتال 306

ذكر الروايات الدالّة على كون أراضى الكفار من الانفال 307

الثانى من الانفال الارض الموات 308

ذكر اقسام الموات 309

ذكر القولين فى المسألة 310

ذكر الروايات المربوطة بالقولين 311

ذكر وجهين للجمع بين الاخبار 313

ذكر الخصوصيات 315

الخامس من الانفال صفايا الملوك 316

السادس من الانفال المعادن 317

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 10، ص: 338

فيها قولان قول بكونه منها و قول بكون الناس فيها شرع سواء 318

السابع من الانفال إرث من لا وارث له 319

الثامن من الانفال البحار 320

حكم الانفال فى زمان الغيبة 321

الكلام فى الفي ء 323

الكلام فى المراد من الفي ء 325

الكلام فى حكم الفي ء 325

الفهرس 327

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.